ج10 - صلاة الايات
الفصل الثالث
والكلام فيها يقع في بيان سببها وكيفيتها وأحكامها فههنا
بحوث ثلاثة :
الأول ـ في السبب وفيه مسائل (الأولى) أجمع علماؤنا (رضوان
الله عليهم) على وجوب الصلاة بكسوف الشمس وخسوف القمر ، حكاه الفاضلان في المعتبر
والمنتهى ، وأضاف في التذكرة الزلزلة فادعى دخولها تحت الإجماع المذكور ، ونقل
المحدث الكاشاني في المفاتيح انه قيل باستحبابها في الزلزلة ، ولم نقف على قائل
بذلك بل صريح عبارة التذكرة كما ذكرنا دعوى الإجماع على وجوب الصلاة لها ، وقريب
منه عبارة المحقق في المعتبر حيث نسبه الى الأصحاب ، نعم ذكر في المختلف ان أبا
الصلاح لم يتعرض لغير الكسوفين ، وقال في الذكرى ان ابن الجنيد لم يصرح بالوجوب
هنا ولكن ظاهر كلامه ذلك حيث قال : تلزم الصلاة عند كل مخوف سماوي وكذا ابن زهرة.
ولعل المحدث المذكور بنى على ذلك.
ومن الأخبار الدالة على وجوب هذه الصلاة ما رواه الصدوق
في الصحيح عن جميل بن دراج عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «صلاة
العيدين فريضة وصلاة الكسوف فريضة».
وما رواه الشيخ في الصحيح عن جميل بن دراج عن ابى عبد
الله (عليهالسلام) (2) قال
__________________
(1) الوسائل الباب 1 من صلاة العيد و 1 من صلاة الكسوف.
(2) الوسائل الباب 4 و 1 من صلاة الكسوف.
«وقت صلاة الكسوف في الساعة التي
تنكسف. الى ان قال : وقال أبو عبد الله (عليهالسلام) هي فريضة».
وروى الشيخ المفيد في المقنعة مرسلا (1) قال : «وروى
عن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) انه قال صلاة
الكسوف فريضة».
وروى الشيخ عن محمد بن حمران في حديث صلاة الكسوف (2) قال : «وقال
أبو عبد الله (عليهالسلام) هي فريضة». وبإسناده
عن أبي أسامة عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «صلاة
الكسوف فريضة». وبإسناده عن جميل بن دراج عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «صلاة
الكسوف فريضة».
وروى في الكافي عن على بن عبد الله (5) قال : «سمعت
أبا الحسن موسى (عليهالسلام) يقول انه لما
قبض إبراهيم بن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) جرت فيه ثلاث
سنن ، أما واحدة فإنه لما مات انكسفت الشمس فقال الناس انكسفت الشمس لفقد ابن رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) فصعد رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) المنبر فحمد
الله واثنى عليه ثم قال : يا ايها الناس ان الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى
يجريان بأمره مطيعان له لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا انكسفتا أو واحدة
منهما فصلوا ثم نزل فصلى بالناس صلاة الكسوف».
وروى الصدوق عن سليمان الديلمي عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (6) قال : «إذا
أراد الله ان يزلزل الأرض أمر الملك ان يحرك عروقها فتحرك بأهلها. قلت فإذا كان
ذلك فما اصنع؟ قال صل صلاة الكسوف». ونحو ذلك ما سيأتي قريبا ان شاء الله تعالى في
صحيحة الرهط.
واما غير هذه الأسباب الثلاثة المتقدمة فإن المشهور هو
الوجوب لجميع الأخاويف السماوية وبه قال الشيخ في الخلاف والمفيد والمرتضى وابن
الجنيد وابن
__________________
(1 و 2 و 3 و 4 و 5) الوسائل الباب 1 من صلاة الكسوف.
(6) الفقيه ج 1 ص 343 والعلل ص 186 وفي الوسائل الباب 2 و 13
من صلاة الكسوف.
ابي عقيل وابنا بابويه وسلار وابن
البراج وابن إدريس وجمهور المتأخرين ، ونقل الشيخ في الخلاف إجماع الفرقة عليه.
وقال الشيخ في النهاية : صلاة الكسوف والزلازل والرياح
المخوفة والظلمة الشديدة فرض واجب لا يجوز تركها على حال. ونحوه قال في المبسوط.
وقال في كتاب الجمل : صلاة الكسوف فريضة في أربعة مواضع : عند كسوف الشمس وخسوف
القمر والزلازل والرياح السوداء المظلمة. ونحوه قال ابن حمزة. وقد تقدم النقل عن
ابى الصلاح انه لم يتعرض لغير الكسوفين.
وقال المحقق في الشرائع بعد ذكر كسوف الشمس وخسوف القمر
والزلزلة : وهل تجب لما عدا ذلك من ريح مظلمة وغيرها من أخاويف السماء؟ قيل نعم
وهو المروي ، وقيل لا بل تستحب ، وقيل تجب للريح المخوفة والظلمة الشديدة حسب.
انتهى.
وقال في المعتبر بعد ذكر الكسوفين والزلزلة : وهل تصلى
لأخاويف السماء كالظلمة الشديدة والصيحة والرياح؟ قال الشيخ في الخلاف نعم وبه قال
علم الهدى وابن الجنيد والمفيد وسلار ، واقتصر الشيخ على الرياح الشديدة والظلم
الشديدة.
وقال في الذكرى بعد ذكر الكسوفين والاستدلال عليهما
بالإجماع والأخبار : واما باقي الآيات فلها صور تجب الصلاة أيضا للزلزلة نص عليه
الأصحاب ، وابن الجنيد لم يصرح به ولكن ظاهر كلامه ذلك حيث قال تلزم الصلاة عند كل
مخوف سماوي وكذا ابن زهرة ، وأما أبو الصلاح فلم يتعرض لغير الكسوفين ، لنا فتوى
الأصحاب وصحاح الأخبار كرواية عمر بن أذينة عن رهط ثم ساق الرواية كما ستأتي (1) ان شاء الله
تعالى ، الى ان قال : (الثانية) ـ الرجفة وقد تضمنته الرواية وصرح به ابن ابى عقيل
وهو ظاهر الأصحاب أجمعين (الثالثة) ـ الرياح المخوفة ومنهم من قال الرياح العظيمة
، وقال المرتضى الرياح العواصف ، وأطلق المفيد الرياح
__________________
(1) في أول البحث الثاني في الكيفية.
(الرابعة) ـ الظلمة الشديدة ذكره
الشيخ وابن البراج وابن إدريس. (الخامسة) الحمرة الشديدة ذكرها الشيخ في الخلاف. (السادسة)
ـ باقي الآيات المخوفة ذكره الشيخ والمرتضى في ظاهر كلامه ، وصرح ابن ابى عقيل
بجميع الآيات وابن الجنيد على ما نقلناه عنه وابن البراج وابن إدريس وهو ظاهر
المفيد ، ودليل الوجوب في جميع ما قلناه ـ مع فتوى المعتبرين من الأصحاب ـ ما رواه
زرارة ومحمد بن مسلم. ثم ساق الرواية كما سنذكره ان شاء الله تعالى (1).
أقول : ومن هذه العبارات التي نقلناها يظهر ان ما نقله
في الشرائع من القول بالاستحباب في ما عدا الكسوفين والزلزلة ـ من الريح المظلمة
والأخاويف السماوية أو تخصيص الوجوب بالريح المخوفة والظلمة الشديدة وان ما عداها
يستحب الصلاة فيه ـ انما نشأ من حيث عدم عد هذه الأشياء في ما تجب له الصلاة كما
وقع للشيخ في النهاية حيث اقتصر على عد الكسوفين والزلزلة والريح المخوفة والظلمة
الشديدة ، وهو الذي أشار إليه في عبارته في الشرائع بقوله : وقيل تجب للريح
المخوفة والظلمة الشديدة حسب. يعني زيادة على الكسوفين والزلزلة. واليه أشار في
المعتبر بقوله : واقتصر الشيخ على الرياح الشديدة. وكما وقع لأبي الصلاح من حيث
الاقتصار على الكسوفين ولم يتعرض لغيرهما.
وأنت خبير بان مجرد ذكر بعض الأسباب وعدم ذكر غيرها لا
يستلزم القول بالانحصار لا سيما مع التصريح الذي وقع منه في الخلاف مقرونا بدعوى
الإجماع كما عرفت ، فانا لم نجد قولا صريحا بالاستحباب ولا مصرحا بالانحصار اللازم
منه ذلك بل ولا مستندا لشيء مما هنا لك ، فالقول بالاستحباب في تلك المواضع بمجرد
ذلك لا يخلو من مسامحة.
ومما ذكرنا يظهر أن ما ذكره المحدث الكاشاني في المفاتيح
ـ تبعا لظاهر عبارة الشرائع مما يوهم الناظر وجود القول بالاستحباب صريحا ـ مما لا
ينبغي.
__________________
(1) ص 304.
وكيف كان فالظاهر هو القول المشهور ويدل عليه جملة من
الأخبار : منها ـ ما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) في الصحيح عن زرارة ومحمد
بن مسلم (1) قالا : «قلنا
لأبي جعفر (عليهالسلام) أرأيت هذه
الرياح والظلم التي تكون هل يصلى لها؟ فقال كل أخاويف السماء من ظلمة أو ريح أو
فزع فصل له صلاة الكسوف حتى يسكن».
وما رواه في الفقيه في الصحيح عن عبد الرحمن بن أبى عبد
الله (2) «انه سأل
الصادق (عليهالسلام) عن الريح
والظلمة تكون في السماء والكسوف؟ فقال الصادق (عليهالسلام) صلاتهما سواء».
وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن عمر بن أذينة عن
رهط عن كليهما (عليهماالسلام) ومنهم من
رواه عن أحدهما (عليهماالسلام) (3) «ان صلاة كسوف
الشمس والقمر والرجفة والزلزلة عشر ركعات. الخبر».
كما سيأتي ان شاء الله تعالى تمامه قريبا (4) الى أن قال في
آخر الخبر : والرهط الذين رووه الفضيل وزرارة وبريد ومحمد بن مسلم.
وعن محمد بن مسلم وبريد بن معاوية في الصحيح عن ابى جعفر
وابى عبد الله (عليهماالسلام) (5) قالا : «إذا وقع
الكسوف أو بعض هذه الآيات فصلها ما لم تتخوف ان يذهب وقت الفريضة».
وفي كتاب الفقه الرضوي (6) «وإذا هبت ريح
صفراء أو سوداء أو حمراء فصل لها صلاة الكسوف ، وكذلك إذا زلزلت الأرض فصل صلاة
الكسوف».
وروى في كتاب دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد (عليهماالسلام) (7) قال : «يصلى
في الرجفة والزلزلة والريح العظيمة والظلمة والآية تحدث وما كان
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 2 من صلاة الكسوف.
(3) الوسائل الباب 7 من صلاة الكسوف.
(4) في أول البحث الثاني في الكيفية.
(5) الوسائل الباب 5 من صلاة الكسوف.
(6) ص 12.
(7) مستدرك الوسائل الباب 2 من صلاة العيد.
مثل ذلك كما يصلى في صلاة كسوف الشمس
والقمر سواء».
وقال في الذخيرة : والأمر وان لم يكن واضح الدلالة على
الوجوب في أخبارنا إلا ان عمل الأصحاب وفهمهم مما يعيننا على الحكم به.
أقول : قد عرفت في غير موضع مما تقدم ما في مثل هذا
الكلام الواهي الذي هو لبيت العنكبوت ـ وانه لأوهن البيوت ـ مضاهى ، فإنه مؤذن بأن
اعتماده في الأحكام الشرعية إنما هو على تقليد الأصحاب حيث ان الأدلة قاصرة عنده
عن إثبات الأحكام في جميع الأبواب ، وحينئذ فلا معنى لمناقشاته لهم في جملة من
المواضع ورده عليهم كما لا يخفى على من راجع الكتاب.
والظاهر ان المراد بالأخاويف يعنى ما يحصل منه الخوف
لعامة الناس ، قال في المدارك : ولو كسف بعض الكواكب أو كسف بعض الكواكب لأحد
النيرين كما يقال ان الزهرة رؤيت في جرم الشمس كاسفة لها فقد استقرب العلامة في
التذكرة والشهيد في البيان عدم وجوب الصلاة بذلك ، لان الموجب لها الآية المخوفة
لعامة الناس وأغلبهم لا يشعرون بذلك ، واحتمل في الذكرى الوجوب لأنها من الأخاويف
والأجود إناطة الوجوب بما يحصل منه الخوف كما تضمنته الرواية. انتهى. وهو جيد ،
وأشار بالرواية إلى صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم (1).
المسألة الثانية ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان
الله عليهم) في أن أول وقت هذه الصلاة في الكسوفين هو ابتداؤه بل قال في المنتهى
انه قول علماء الإسلام.
ومستنده من الأخبار قول الصادق (عليهالسلام) في صحيحة
جميل المتقدمة (2) «وقت صلاة
الكسوف في الساعة التي تنكسف عند طلوع الشمس وعند غروبها. الحديث كما تقدم».
ويدل عليه جملة من الأخبار الدالة على تعليق الوجوب على
حصول الانكساف
__________________
(1) ص 304.
(2) ص 300 و 301.
مثل قولهما (عليهماالسلام) في صحيحة محمد
بن مسلم وبريد (1) «إذا وقع
الكسوف أو بعض هذه الآيات فصلها».
وقول ابى عبد الله (عليهالسلام) في صحيحة أبي
بصير (2) «إذا انكسف
القمر والشمس فافزعوا الى مساجدكم».
وقوله (عليهالسلام) في رواية ابن
ابى يعفور (3) «إذا انكسفت
الشمس والقمر فانكسف كلها فإنه ينبغي للناس أن يفزعوا الى امام يصلى بهم». ونحوها
غيرها.
وانما الخلاف في آخره والمشهور بين الأصحاب (رضوان الله
عليهم) الأخذ في الانجلاء ، واليه ذهب الشيخان وابن حمزة وابن إدريس والمحقق في
النافع والعلامة في جملة من كتبه.
وذهب المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى الى ان آخره
تمام الانجلاء ، واختاره الشهيد والسيد في المدارك ونقل ايضا عن ظاهر المرتضى وابن
ابى عقيل وسلار
وهو الظاهر من الأخبار فإنه وان لم يرد التصريح فيها
بالتحديد أولا وآخرا إلا ان مقتضى ما قدمنا ذكره من تعليق الوجوب في الأخبار على
وجود الكسوف انه ممتد بامتداده وثابت بثبوته. ودعوى كونه يفوت الوجوب بمجرد الأخذ
في الانجلاء تخصيص للأخبار المذكورة من غير مخصص فيستمر الى تمام الانجلاء.
ويعضده ما رواه الشيخ عن عمار الساباطي في الموثق عن ابى
عبد الله (عليهالسلام) (4) قال قال : «ان
صليت الكسوف الى أن يذهب الكسوف عن الشمس والقمر وتطول في صلاتك فان ذلك أفضل وان
أجبت أن تصلى فتفرغ من صلاتك قبل أن يذهب الكسوف فهو جائز».
والتقريب فيه انه دل على التخيير بين أن يطول في صلاته
بقدر مدة الكسوف ويفرغ بانجلائه كملا وهو أفضل وبين ان يفرغ قبل الانجلاء ، وقضية
جعل الغاية
__________________
(1) ص 304.
(2) الوسائل الباب 6 من صلاة الكسوف.
(3) الوسائل الباب 12 من صلاة الكسوف.
(4) الوسائل الباب 8 من صلاة الكسوف.
الذهاب الذي هو عبارة عن الانجلاء
التام هو كون ما قبله وقتا للصلاة الذي من جملته الأخذ في الانجلاء وما بعده الى
ان ينجلي بتمامه.
ويزيده تأييدا أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية
بن عمار (1) قال : «قال
أبو عبد الله (عليهالسلام) صلاة الكسوف
إذا فرغت قبل أن ينجلي فأعد». ولو خرج الوقت بالأخذ في الانجلاء كما ادعوه لما
استحبت الإعادة كما هو المشهور كما انها لا تستحب بعد تمام الانجلاء أو وجبت كما
هو القول الآخر ، وهو في غاية الوضوح والظهور.
ولم أقف للقول الآخر على دليل غير مجرد الشهرة ، وجملة
من المتأخرين تكلفوا له الاستدلال بما رواه الشيخ عن حماد بن عثمان في الصحيح عن
ابى عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «ذكروا
عنده انكساف الشمس وما يلقى الناس من شدته فقال إذا انجلى منه شيء فقد انجلى».
قال في المعتبر : فان احتج الشيخ بما رواه حماد. ثم ساق
الرواية المذكورة الى أن قال : فلا حجة في ذلك لاحتمال ان يكون أراد تساوى الحالين
في زوال الشدة لا بيان الوقت. انتهى.
قالوا : وتظهر الفائدة في نية القضاء أو الأداء لو شرع
في الانجلاء ، وكذا في ضرب زمان التكليف الذي يسع الصلاة وفي إدراك ركعة.
__________________
(1) الوسائل الباب 8 من صلاة الكسوف.
(2) الوسائل الباب 4 من صلاة الكسوف. والرواية في التهذيب ج 3
ص 291 الطبع الحديث هكذا «ذكرنا انكساف القمر وما يلقى الناس من شدته قال فقال أبو
عبد الله «عليهالسلام» إذا انجلى منه شيء فقد انجلى» وفي
الفقيه ج 1 ص 347 هكذا «ذكروا عنده انكساف القمر وما يلقى الناس من شدته فقال «عليهالسلام» إذا انجلى منه شيء فقد انجلى» راجع
الوافي أيضا باب فرض صلاة الكسوف.
فرع
قالوا : لو غابت الشمس أو القمر بعد الكسوف وقبل
الانجلاء وجبت الصلاة أداء الى أن يتحقق الانجلاء ، وكذا لو سترها غيم أو طلعت
الشمس على القمر ، صرح بذلك جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) وهو كذلك عملا
بإطلاق الأمر وعدم العلم بانقضاء الوقت المقتضى لفوات الأداء. وعلله في الذكرى
بالعمل بالاستصحاب ، والظاهر ان مرجعه الى ما ذكرنا من استصحاب عموم الدليل الى أن
يقوم الرافع.
وقال في الذكرى : ولو اتفق اخبار رصديين عدلين بمدة
المكث أمكن العود إليهما ، ولو أخبرا بالكسوف في وقت مترقب فالأقرب أنهما ومن
أخبراه بمثابة العالم ، وكذا لو اتفق العلم بخبر الواحد للقرائن. وقال في المدارك
بعد نقله عنه : ولا ريب في الوجوب حيث يحصل العلم للسامع أو يستند اخبار العدلين
إليه.
المسألة الثالثة ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله
عليهم) بأنه لو لم يتسع وقت الكسوف للصلاة ولو أخف صلاة لم تجب الصلاة لاستحالة
التكليف بعبادة موقتة في وقت لا يسعها. كذا قال في المدارك وتبعه غيره في ذلك. ومقتضى
ذلك ان المكلف لو اتفق شروعه في الصلاة في ابتداء الوقت فتبين ضيقه عنها وجب القطع
لانكشاف عدم الوجوب.
وعندي في كل من الحكمين إشكال ، أما الأول ففيه (أولا)
ان ما ذكروه من القاعدة التي بنوا عليها في هذا الموضع وغيره مما لم يقم عليه دليل
شرعي وان كانت هذه القاعدة عندهم من الأدلة العقلية التي يوجبون تقديمها على
الأدلة السمعية إلا ان الأمر عندنا بالعكس ، وبالجملة فالاعتماد على هذه القواعد
الأصولية سيما مع معارضة الأخبار لها كما سيظهر لك في هذا المقام مما لا معول عليه
عندنا.
و (ثانيا) ـ انه ان تم ما ذكروه فإنه انما يتم في
التكليف بالموقت ، وكون ما ذكروه غير الزلزلة لا سيما ما سوى الكسوفين من قبيل
الوقت لتلك الصلاة ممنوع ، لاحتمال
كون ما سوى الكسوفين بل هما ايضا من
قبيل السبب كالزلزلة عندهم فتكون الصلاة حينئذ واجبة وان قصر الوقت.
وبالجملة فالظاهر هو الرجوع الى ما يستفاد من الأخبار
الواردة في المقام من هذا المكان وغيره من الأحكام ، ولعل ظاهر الأخبار حيث وردت
بوجوب الصلاة بالكسوف على الإطلاق من غير تقييد بقصر المدة وطولها مشعر بكون
الكسوف سببا للإيجاب لا وقتا ، وغيره بالطريق الاولى لا سيما مع اشتراكها معه في
إطلاق اخبارها ايضا.
ومن تأمل في مضامين الأخبار التي قدمناها لا يخفى عليه
قوة ما ذكرناه ، مثل قوله عليهالسلام في صحيحة محمد
بن مسلم وبريد (1) «إذا وقع
الكسوف أو بعض هذه الآيات فصلها. الحديث». ونحوها غيرها مما علق فيه وجوب الصلاة
على مجرد حصول تلك الآية من غير تقييد فيها بقصر ولا طول.
والى ما اخترناه من عدم التوقيت في سائر الآيات غير
الكسوفين مال الشهيد في الدروس بل جزم به واختاره العلامة في جملة من كتبه نظرا
إلى إطلاق الأمر.
وتردد المحقق في المعتبر هنا والظاهر ان وجهه ما ذكر من
القاعدة المذكورة ومن إطلاق الأخبار المذكورة في المقام.
ويميل الى ما اخترناه كلام الفاضل الخراساني في الذخيرة
حيث قال : والظاهر ان الأدلة غير دالة على التوقيت بل ظاهرها سببية الكسوف لإيجاب
الصلاة. انتهى
وأما ما ربما يدل على التوقيت واليه استند القائل بذلك ـ
من قوله (عليهالسلام) في صحيحة زرارة
ومحمد بن مسلم المتقدمة (2) : «كل أخاويف
السماء من ظلمة أو ريح أو فزع فصل له صلاة الكسوف حتى يسكن». بناء على ان «حتى»
هنا إما أن تكون لانتهاء الغاية أو للتعليل ، وعلى الأول يثبت التوقيت صريحا وعلى
الثاني يلزم التوقيت ايضا لاستلزام انتفاء العلة انتفاء المعلول ـ
__________________
(1 و 2) ص 304.
فيمكن الجواب عنه بان محل النزاع هو التوقيت الذي يقتضي
السقوط بقصر الوقت لا ما يقتضي لزوم الإطالة والتكرار إذا طال والفرق بين الأمرين
ظاهر للناظر المنصف.
وبذلك يظهر ما في كلامه في المدارك حيث قال ـ بعد ذكر
الخلاف في الرياح والأخاويف وانه هل يترتب وجوبها على سعة الآية للصلاة أم لا ،
ونقل القول بالثاني عن الشهيد في الدروس والعلامة في جملة من كتبه كما قدمنا ذكره
ـ ما لفظه : والأصح الأول لقوله (عليهالسلام) : «كل أخاويف
السماء.» الى آخر ما قدمناه من الرواية وبيان وجه الدلالة ، وقد عرفت ما فيه.
وبالجملة فإن ما ذكرناه من إطلاق الأوامر بذلك ظاهر لا
ينكر وبه يتم الاستدلال على الوجه الأظهر. والرواية المذكورة قاصرة عن إفادة
الدلالة على ما ادعوه لما بيناه في معناها. والله العالم.
واما الثاني فإنه لا يخفى انه قد روى زرارة ومحمد بن
مسلم في الصحيح عن ابى جعفر (عليهالسلام) في حديث يأتي
بكماله ان شاء الله تعالى في المقام الآتي (1) قال : «فان انجلى قبل أن تفرغ من
صلاتك فأتم ما بقي». وهذا كما ترى ظاهر في رد ما ذكروه من هذا التفريع ، وبذلك صرح
العلامة في المنتهى ايضا حسبما دلت عليه الصحيحة المذكورة.
ويعضده ايضا قول الرضا (عليهالسلام) في كتاب
الفقه الرضوي (2) «وان انجلى
وأنت في الصلاة فخفف».
وعلى هذا فيمكن الفرق بين ما إذا تبين ضيق الوقت قبل
الشروع في الصلاة وبين ما إذا دخل بانيا على اتساعه وتبين الضيق في الأثناء ويخص
كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) بالأول بل الظاهر انه هو مرادهم ، وحينئذ فلا
منافاة في الصحيحة المذكورة لما صرحوا به لان موردها تبين ذلك في الأثناء.
وبالجملة فإنه
__________________
(1) البحث الثاني في الكيفية وفي الوسائل الباب 7 من صلاة
الكسوف.
(2) ص 12.
يفرق بين الابتداء والاستدامة فسعة
الوقت انما تكون شرطا في الابتداء لا في الاستدامة ، وقد مر نظائره في فصل صلاة
الجمعة.
وبما ذكرنا يظهر عدم صحة هذا التفريع الذي ذكره السيد
السند وان تبعه فيه غيره كما هي عادتهم غالبا.
إذا عرفت ذلك فاعلم انه قال في المعتبر : الخامس ـ لو
ضاق وقت الكسوف عن إدراك ركعة لم تجب ، وفي وجوبها مع قصور الوقت عن أخف صلاة
تردد. ونحوه في المنتهى حيث قال : الخامس ـ لو تضيق وقت الكسوف حتى لا يدرك ركعة
لم تجب ، ولو أدركها فالوجه الوجوب لأن إدراك الركعة بمنزلة إدراك الصلاة. ثم قال
: السادس ـ لو قصر الوقت عن أقل صلاة يمكن لم تجب على اشكال.
أقول : لا يخفى ان ما ذكراه (عطر الله مرقديهما) من
التردد كما في عبارة المعتبر والاشكال كما في عبارة المنتهى فان الظاهر ان وجهه هو
ما أشرنا إليه آنفا من أن هذه الآيات من كسوف وغيره هل هي من قبيل الأوقات فيعتبر
فيها ما يعتبر في الوقت من سعته لإيقاع الفريضة أم من قبيل الأسباب فيكفي وجوده في
الجملة؟ وقد عرفت ان مقتضى القاعدة المتقدمة بناء على الأول عدم الوجوب ومقتضى
إطلاق الأخبار بناء على الثاني الوجوب ، فلحصول التعارض بين القاعدة المذكورة
وإطلاق الأخبار حصل التردد والإشكال. إلا ان قولهما بوجوبها بإدراك ركعة وعدمه مع
عدم إدراكها إنما يتجه على القول بالتوقيت وصريح كلامهما في المقام التردد والتوقف
في ذلك كما أوضحناه ، والجمع بين هذين الكلامين لا يخلو من غفلة. على ان ما ذكراه
من التعليق على إدراك ركعة استنادا الى ما اشتهر بينهم من قوله (صلىاللهعليهوآله) «من أدرك
ركعة فقد أدرك الوقت». مع الإغماض عن المناقشة في صحته وثبوته كما تقدم الكلام فيه
(1) انما ينصرف
إلى الصلاة اليومية كما هو مورد الخبر المذكور ، وانسحابه الى غيرها لا يخلو من
الإشكال. والله العالم.
__________________
(1) ص 14 و 142.
المسألة الرابعة ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله
عليهم) بان وقت الزلزلة مدة العمر وانه يصليها أداء وان سكنت وهو قول المعظم منهم
، وحكى الشهيد في البيان قولا بأنها تصلى بعد سكونها بنية القضاء.
وللأول إطلاق الأمر الخالي من التقييد الدال على ان مجرد
حصولها سبب لوجوب الفعل من غير أن يكون موقتا بزمانها. وبذلك يظهر ما في شك
العلامة في ذلك على ما نقله عنه في الذكرى حيث قال : وشك فيه الفاضل لمنافاته
للقواعد الأصولية من امتناع التكليف بفعل في زمان لا يسعه. فان هذا الشك انما يتجه
لو قلنا بأن الزلزلة وقت للصلاة واما على تقدير جعلها سببا كما هو الظاهر من
كلامهم فلا وجه له.
قال في المدارك : وألحق العلامة في التذكرة بالزلزلة
الصيحة ثم قال : وبالجملة كل آية يقصر وقتها عن العبادة يكون وقتها دائما اما ما
ينقص عن فعلها وقتا دون وقت فان وقتها مدة الفعل فان قصر لم تصل.
ثم أورد عليه بأنه يشكل بأنه لا يلزم من عدم قصور زمان
الآية عن مقدار الصلاة كونها موقتة بل الحق ان التوقيت انما يثبت إذا ورد التصريح
بتحديد زمان الفعل وبدونه يكون وقته العمر. انتهى. وهو جيد.
وبه يظهر ان كلماتهم في هذه المسألة لا تخلو من نوع غفلة
أو تساهل ، ومنه ما قدمنا نقله عنهم من قولهم ان وقت الزلزلة العمر ويصليها أداء
وان سكنت ، فان مقتضى كون وقتها العمر ان الزلزلة انما هي من قبيل الأسباب فمتى
حصلت طالت أو قصرت وجب الإتيان بها واشتغلت الذمة بها الى ان يأتي بها لا تقدير
لها بوقت ولا تحديد لها بحد ، ومقتضى قولهم يصليها أداء وان سكنت انها من قبيل
الأوقات لأن الأداء والقضاء انما يطلقان في مقام التوقيت فمتى اتى بالفريضة في
الوقت سمى أداء وفي خارجه قضاء ، فصدر العبارة وعجزها لا يخلو من مدافعة.
وأجاب المحقق الشيخ على (قدسسره) عن ذلك في
بعض حواشيه بما يحقق
ما ذكرناه من المقال بل يزيد في
الإشكال ، فقال : وانما كانت هذه الصلاة أداء لأن الإجماع واقع على كون هذه الصلاة
موقتة والتوقيت يوجب نية الأداء ، ولما كان وقتها لا يسعها وامتنع فعلها فيه وجب
المصير الى كون ما بعده صالحا لإيقاعها فيه حذرا من التكليف بالمحال وبقي حكم
الأداء مستصحبا لانتفاء الناقل عنه ، وروعي فيها الفورية من حيث ان فعلها خارج وقت
السبب انما كان بحسب الضرورة فاقتصر في التأخير على قدرها. وفي ذلك جمع بين
القواعد المتضادة وهي توقيت هذه الصلاة مع قصر وقتها واعتبار سعة الوقت لفعل
العبادة. انتهى.
وليت شعري بأي دليل ثبت التوقيت في هذه الصلاة وأى خبر
دل عليه؟ بل إطلاق الأخبار كما عرفت على خلافه ، فإنه مؤذن بالسببية وان الزلزلة
من قبيل الأسباب لهذه الصلاة كما عرفت مما قدمناه ، وأعجب من ذلك دعواه الإجماع
على التوقيت مع اتفاقهم على انها تمتد بامتداد العمر.
والاعتذار بما ذكره من هذا الكلام المنحل الزمام لا يسمن
ولا يغني من جوع ، فان ظاهره ان الغرض من ارتكاب هذا التكلف هو الجمع بين القواعد
المتضادة ، وقد عرفت انه لا مستند لهذه القواعد إلا مجرد اصطلاحهم على ذلك في
الأصول التي بنوا عليها ودونوها ، فان ما ذكره من قاعدة توقيت هذه الصلاة مع قصر
وقتها لا دليل عليه بل الدليل واضح في خلافه كما أشرنا إليه آنفا ، إذ ظاهر إطلاق
الاخبار انما هو السببية دون التوقيت. وما ذكره من قاعدة اعتبار سعة الوقت بناء
على ما ذكروه من امتناع التكليف في زمان لا يسعه فقد عرفت ايضا انه لا دليل عليه.
ونظير هذه القاعدة مسألة من استطاع الحج ثم بادر في عام
الاستطاعة ومات في الطريق ، فان المشهور بينهم سقوط القضاء لعدم استقرار الحج في
ذمته وظهور كون هذا الزمان الذي بادر فيه الى ان مات لا يسع الحج ولا يصح وقوع
التكليف فيه لذلك ، فهو راجع الى هذه المسألة ، مع ان ظواهر الأخبار ـ وبه قال
الشيخان
وغيرهما ـ هو وجوب القضاء ، وهم انما
منعوا القضاء استنادا الى هذه القاعدة العقلية مع ان النصوص على خلافها واضحة جلية
، وهو مؤيد لما ذكرناه من عدم جواز الاعتماد على هذه القواعد الأصولية وانما
المدار على النصوص المعصومية والسنة النبوية وان كان المشهور بينهم تقديم الأدلة
العقلية على الأدلة السمعية كما نقلناه في مقدمات الكتاب. والله الهادي إلى جادة
الصواب.
وقال الشهيد في الذكرى : وحكم الأصحاب بأن الزلزلة تصلى
أداء طول العمر لا بمعنى التوسعة فإن الظاهر كون الأمر هنا على الفور بل على معنى
نية الأداء وان أخل بالفورية لعذر أو غيره. انتهى.
قال في المدارك بعد نقل ذلك : وما ذكره أحوط وان أمكن
المناقشة فيه بانتفاء ما يدل على الفورية هنا على الخصوص ، والأمر المطلق لا يقتضي
الفورية كما بيناه مرارا. انتهى.
أقول : والتحقيق ان النزاع في كونها تصلى بنية الأداء أو
القضاء لا ثمرة فيه لعدم قيام دليل على ذلك كما سلف مرارا في بحث نية الوضوء من
كتاب الطهارة وغيره ، وأما الفورية فالأمر فيها على ما ذكره السيد السند (قدسسره) والله
العالم.
المسألة الخامسة ـ لو لم يعلم بالآية المخوفة إلا بعد
انقضائها لم يجب القضاء إلا في الكسوف إذا احترق القرص كله ، وأما مع العلم فان
ترك عامدا أو ناسيا وجب القضاء ، فههنا مقامات ثلاثة :
المقام الأول ـ ان لا يعلم بتلك الآية المخوفة التي هي
غير الكسوف إلا بعد انقضائها وخروج وقتها ، والظاهر انه لا خلاف في سقوط القضاء.
قال في المدارك بعد ذكر الحكم المذكور : وهذا مذهب
الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا ، ثم قال ويدل عليه ما أسلفناه مرارا من ان القضاء فرض
مستأنف فيتوقف على الدليل وبدونه يكون منفيا بالأصل ، وتشهد له الروايات المتضمنة
لسقوط
القضاء في الكسوف إذا لم يستوعب
الاحتراق (1) مع انه أقوى
للإجماع على انه موجب للصلاة واستفاضة النصوص به. انتهى.
أقول : ما ذكره من الدليل الأول جيد ، واما الاستشهاد
بالروايات التي ذكرها بالتقريب المذكور فلا يخفى ما فيه كما قدمناه في غير مقام من
ان بناء الأحكام الشرعية على مثل هذه التعليلات عليل.
واحتمل شيخنا الشهيد الثاني في الروض وجوب القضاء هنا
لوجود السبب وعموم قوله (عليهالسلام) (2) «من فاتته
فريضة.».
قال في المدارك : وهو ضعيف لان السبب انما وجد في الأداء
خاصة وقد سقط بفوات محله ، والفريضة لا عموم فيها بحيث يتناول موضع النزاع بل
المتبادر منها اليومية أقول : قد عرفت مما قدمنا تحقيقه ان الظاهر من إطلاق
الأخبار بالنسبة إلى جملة الآيات حتى الكسوفين انما هو السببية دون التوقيت وان
كلامهم هنا والتعبير بالأداء والقضاء مشعر بالتوقيت ، فمن المحتمل قريبا ان يكون
مراد شيخنا الشهيد الثاني بالقضاء هنا مجرد الفعل وان هذه الآيات من قبيل الأسباب
لا الأوقات كما يشير اليه قوله «لوجود السبب» وحاصل كلامه انه متى وجد السبب ثبت
الفعل لعين ما ذكروه في الزلزلة. وبالجملة فإنه على تقدير القول بأنها أسباب كما
هو ظاهر إطلاق الأخبار فإنه تجب الصلاة مطلقا من غير تقييد بوقت لوجود السبب ، إلا
ان دليله الثاني ربما نافر ما قلناه. وكيف كان فما ذكرناه جيد بالنظر الى الأخبار
واما بالنظر الى كلامهم وهو الذي بنى الإيراد عليه في المدارك فالأمر فيه كما
ذكره. وأما منع العموم في الفريضة ودعوى تبادر اليومية فلا يخلو من الإشكال.
وقال في المدارك في شرح قول المصنف وفي غير الكسوف لا
يجب القضاء :
__________________
(1) الوسائل الباب 10 من صلاة الكسوف.
(2) هذا مضمون ما دل على وجوب القضاء وقد ورد في الوسائل في
الباب 1 و 2 و 6 من قضاء الصلوات.
واعلم انه ليس في العبارة دلالة على
حكم صلاة الزلزلة إذا لم يعلم المكلف بحصولها حتى انقضت ، وقد صرح العلامة في
التذكرة بسقوطها فقال : أما جاهل غير الكسوف مثل الزلزلة والرياح والظلمة الشديدة
فالوجه سقوطها عنه عملا بالأصل السالم من المعارض. وهو غير بعيد وان كان الإتيان
بالصلاة هنا أحوط. انتهى.
أقول : ما ذكره ـ من انه ليس في العبارة دلالة على حكم
صلاة الزلزلة ـ فيه ان إطلاق العبارة وقوله «غير الكسوف» شامل للزلزلة كغيرها ،
والعبارة ظاهرة بالنظر الى ما قلناه في سقوط القضاء مع الجهل بالزلزلة ، ولا فرق
بين هذه العبارة وما نقله عن العلامة في التذكرة إلا باعتبار الإتيان بالأمثلة
لهذا الإطلاق في عبارة العلامة وعدم الإتيان بها في هذه العبارة ، بل عبارة
العلامة وتمثيله بهذه الأشياء قرينة ظاهرة في العموم كما ادعيناه ، إذ لو لم تكن
العبارة بمقتضى إطلاقها عامة لما صح التمثيل.
وفي الذخيرة اعترض كلام التذكرة هنا فقال : وفيه نظر لأن
المعارض موجود وهو عموم ما دل على وجوب الصلاة للزلزلة من غير توقيت ولا تقييد
بالعلم المقارن لحصولها ، ولهذا قال في النهاية : ويحتمل في الزلزلة قويا الإتيان
بها لان وقتها العمر. انتهى كلامه.
أقول : فيه ان ما ذكره من هذه المعارضة في الزلزلة جار
أيضا في غيرها ، فإن أدلة الآيات والأخبار الواردة بها كذلك مطلقة غير مقيدة بوقت
ولا بالعلم المقارن لحصولها مثل قولهما (عليهماالسلام) في صحيحة
محمد بن مسلم وبريد (1) «إذا وقع
الكسوف أو بعض هذه الآيات فصلها ما لم تتخوف ان يذهب وقت الفريضة». وما تقدم من
عبارة كتاب الفقه الرضوي وغيرها مما هو مطلق كما ذكرناه ، فالواجب عليه حينئذ
القول بوجوب القضاء في جميع الآيات بالتقريب الذي ذكره.
وبالجملة فإن كلماتهم في هذه المقامات لا تخلو من
التشويش والاضطراب
__________________
(1) الوسائل الباب 5 من صلاة الكسوف.
والتحقيق كما عرفته انه ان قلنا
بالتوقيت وان هذه الآيات من قبيل الأوقات اتجه ما ذكروه هنا من سقوط القضاء مطلقا
في الزلزلة وغيرها ، إلا أن تستثنى الزلزلة من ذلك بناء على ظاهر اتفاقهم على
الخروج من قاعدة التوقيت فيها كما عرفت ، وان قلنا فيها بالسببية كما هو ظاهر
إطلاق الأخبار فالواجب هو الصلاة متى حصلت الآية ولفظ الأداء والقضاء في كلامهم
هنا لا معنى له بناء على ذلك ، لكن توجه الخطاب الى الجاهل بعد العلم لا يخلو من
اشكال. والله العالم.
المقام الثاني ـ ان لا يعلم بالكسوف حتى خرج الوقت وزال
السبب ، والحكم فيه انه ان لم يستوعب الاحتراق فالحكم فيه كما تقدم من عدم القضاء
وان احترق القرص كله وجب القضاء.
قال في المدارك : هذا قول معظم الأصحاب (رضوان الله
عليهم) بل قال في التذكرة انه مذهب الأصحاب عدا المفيد (قدسسره) انتهى.
أقول : تخصيص الخلاف بالشيخ المفيد مؤذن بعدم المخالف
سواه والحال ان الخلاف في ذلك منقول عن جمع من مشاهير المتقدمين : منهم ـ الشيخ
على ابن بابويه في الرسالة وابنه في المقنع والسيد المرتضى في الجمل وأجوبة
المسائل المصرية وأبو الصلاح.
قال شيخنا المفيد (عطر الله مرقده) في المقنعة : إذا
احترق القرص كله ولم تكن علمت به حتى أصبحت صليت صلاة الكسوف جماعة ، وان احترق
بعضه ولم تعلم به حتى أصبحت صليت القضاء فرادى. قال في المدارك : ولم نقف لهذا
التفصيل على مستند. انتهى.
وقال الشيخ على بن بابويه (نور الله ضريحه) على ما نقله عنه
في الذكرى بعد نقل كلام الشيخ المفيد المذكور : إذا انكسفت الشمس أو القمر ولم
تعلم فعليك ان تصليها إذا علمت به ، وان تركتها متعمدا حتى تصبح فاغتسل وصلها ،
وان لم يحترق كله فاقضها ولا تغتسل. ثم قال في الذكرى : وكذا قال ابنه في المقنع.
ثم قال
(قدسسره) وظاهر هؤلاء
وجوب القضاء على الجاهل وان لم يحترق جميع القرص ولعله لرواية لم نقف عليها. ومثل
ذلك نقل في المختلف عن المرتضى وابى الصلاح
وتحقيق الكلام هنا يقع في موضعين الأول ـ المشهور بين
الأصحاب (رضوان الله عليهم) عدم وجوب القضاء على الجاهل بالكسوف إلا مع الاحتراق
فإنه يجب ، وذهب هؤلاء الفضلاء الى القضاء مع عدم احتراق القرص كله ، وقد اعترضهم
جملة ممن تأخر عنهم بعدم الوقوف على دليله بل دلالة الأخبار على خلافه وفيه ما
سيظهر لك ان شاء الله تعالى من الدليل على القول المذكور.
والذي يدل على ما هو المشهور من وجوب القضاء مع الاحتراق
كملا وعدمه مع عدمه ما رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم عن
ابى عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «إذا
انكسفت الشمس كلها واحترقت ولم تعلم وعلمت بعد ذلك فعليك القضاء وان لم يحترق كلها
فليس عليك قضاء».
قال في الكافي (2) بعد نقل هذه الرواية : وفي رواية
أخرى «إذا علم بالكسوف ونسي ان يصلى فعليه القضاء وان لم يعلم به فلا قضاء عليه
هذا إذا لم يحترق كله».
وما رواه ابن بابويه عن محمد بن مسلم والفضيل بن يسار في
الصحيح (3) «انهما قالا
قلنا لأبي جعفر (عليهالسلام) أيقضى صلاة
الكسوف من إذا أصبح فعلم وإذا أمسى فعلم؟ قال ان كان القرصان احترقا كلهما قضيت
وان كان انما احترق بعضهما فليس عليك قضاؤه».
وما رواه الشيخ عن حريز (4) قال : «قال
أبو عبد الله (عليهالسلام) إذا انكسف
القمر ولم تعلم به حتى أصبحت ثم بلغك فان كان احترق كله فعليك القضاء وان لم يكن
احترق كله فلا قضاء عليك».
واما ما رواه الشيخ في الموثق عن زرارة عن ابى جعفر (عليهالسلام) (5) ـ قال «انكسفت
الشمس وانا في الحمام فعلمت بعد ما خرجت فلم اقض».
__________________
(1 و 2 و 3 و 4 و 5) الوسائل الباب 10 من صلاة الكسوف.
وعن الحلبي (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن صلاة
الكسوف تقضى إذا فأتتنا؟ قال ليس فيها قضاء ، وقد كان في أيدينا انها تقضى».
وعن على بن جعفر عن أخيه موسى (عليهالسلام) في الصحيح (2) قال : «سألته
عن صلاة الكسوف هل على من تركها قضاء؟ قال إذا فاتتك فليس عليك قضاء».
ورواها على بن جعفر في كتاب المسائل والحميري في قرب
الاسناد عنه عن أخيه (عليهالسلام) (3) وابن إدريس في
مستطرفات السرائر عن جامع البزنطي عن الرضا (عليهالسلام) (4).
وما رواه الشيخ عن حريز عن من أخبره عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (5) قال : «إذا
انكسف القمر فاستيقظ الرجل فكسل ان يصلى فليغتسل من غد وليقض الصلاة وان لم يستيقظ
ولم يعلم بانكساف القمر فليس عليه إلا القضاء بغير غسل» ـ.
فهي محمولة على ما تقدم من التفصيل في الروايات المتقدمة
، فاما الثلاث الأول فهي محمولة على عدم استيعاب الاحتراق القرص والرابعة على الاستيعاب.
واما ما يدل على القول الآخر فهو ما وقفت عليه في كتاب
الفقه الرضوي ولا يخفى ان عبارة الشيخ على بن بابويه التي ذكرها في الذكرى كما
قدمنا ذكره ومثله العلامة في المختلف عين عبارة الفقه الرضوي ، وبه يظهر ان دليله
في المسألة انما هو الكتاب المذكور على ما عرفت سابقا في غير مقام وستعرف أمثاله
ان شاء الله تعالى في جملة من الأحكام.
إلا ان كلامه (عليهالسلام) في الكتاب في
هذا المقام غير خال من الإشكال ، وذلك فإنه (عليهالسلام) صرح قبل هذه
العبارة بيسير بما يدل على عدم القضاء في الصورة المذكورة وهذه العبارة التي
نقلوها عن الشيخ على بن بابويه قبلها كلام يمكن ارتباطها به وبه تنتفي دلالتها على
ما ذكروه.
وها أنا أسوق لك عبارة الكتاب المتعلقة بالمقام قال (عليهالسلام) (6) : وان علمت
__________________
(1 و 2 و 3 و 4 و 5) الوسائل الباب 10 من صلاة الكسوف.
(6) ص 12.
بالكسوف فلم يتيسر لك الصلاة فاقض متى
شئت ، وان أنت لم تعلم بالكسوف في وقته ثم علمت بعد ذلك فلا شيء عليك ولا قضاء.
ثم ذكر (عليهالسلام) كلاما آخر
أجنبيا لا تعلق له بالمسألة الى ان قال : وإذا احترق القرص كله فاغتسل ، وان
انكسفت الشمس أو القمر ولم تعلم به فعليك ان تصليها إذا علمت ، فان تركتها متعمدا
حتى تصبح فاغتسل وصل ، وان لم يحترق القرص فاقضها ولا تغتسل. انتهى.
وصدر كلامه (عليهالسلام) كما ترى ظاهر
في عدم القضاء مع عدم العلم ، وهو وان كان مطلقا بالنسبة إلى الاحتراق وعدمه إلا
انه يجب حمله على عدم الاحتراق بقرينة العبارة الأخيرة ، والظاهر ان معنى العبارة
الثانية هو انه متى احترق القرص كله فعليه الغسل وانه مع الانكساف في صورة
الاحتراق وعدم العلم عليه القضاء متى علم ، وان علم وتركها حينئذ متعمدا مع
الاحتراق حتى يصبح اغتسل وصلى ، وان تركها عمدا والحال انه لم يحترق القرص فعليه
القضاء بغير غسل ، وحينئذ فقوله : «وان لم يحترق القرص» راجع الى الترك عمدا يعنى
ان الترك عمدا موجب للقضاء لكن مع الاحتراق يضم اليه الغسل ومع عدم الاحتراق لا
يضم اليه.
وعلى هذا فلا منافاة في العبارة لما تقدم من كلامه (عليهالسلام) ولا دلالة
فيها على ما نقلوه عن ابن بابويه ، لان صدر العبارة التي نقلوها مبنى على قوله (عليهالسلام) قبل ذلك «وإذا
احترق القرص كله فاغتسل» وهم لم ينقلوا عن ابن بابويه هذه الجملة المتقدمة ومن
حذفها نشأ الإشكال ، ولو اعتبر انقطاع العبارة عن هذه الجملة المتقدمة كما هو ظاهر
نقلهم للزم المنافاة والمناقضة في كلامه (عليهالسلام) لان صدر هذا
الكلام الذي نقلوه يدل بظاهره على وجوب القضاء مع عدم العلم احترق أم لم يحترق ،
والكلام الأول الذي نقلناه يدل على عدم وجوب القضاء في صورة الجهل احترق أو لم
يحترق ، والجمع بين الكلامين لا يتم إلا بما ذكرناه من ارتباط هذه الجملة بالعبارة
التي نقلوها.
ولا أدرى ان حذف هذه الجملة وقع من الشيخ المذكور أو ممن
نقل عنه حيث اقتطع هذه العبارة من كلامه بناء على ظن استقلالها وتمامها كما يتراءى
في بادئ النظر
ورسالة الشيخ المذكور غير موجودة الآن
، إلا ان الأقرب ان ذلك انما وقع ممن نقل كلامه حيث ان عبارات رسالته عين عبارات
الكتاب غالبا في كل مقام. وبما ذكرنا يتأكد كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) في
عدم الوقوف على مستند هذا القول. والله العالم.
الموضع الثاني ـ ان ما نقل عن الشيخ المفيد (قدسسره) ـ من التفصيل
مع عدم العلم بين احتراق القرص فيصلي جماعة وعدم الاحتراق فيصلي فرادى ـ الظاهر
انه مبنى على وجوب القضاء على الجاهل ، وحينئذ فيرجع الى مذهب ابني بابويه المنقول
عنهما في الذكرى والمختلف من انه إذا احترق القرص كله صلى في جماعة وان احترق بعضه
صلاها فرادى.
واستدل لهم في المختلف برواية ابن ابى يعفور عن الصادق (عليهالسلام) (1) قال : «إذا
انكسفت الشمس والقمر فانكسف كلها فإنه ينبغي للناس ان يفزعوا الى امام يصلى بهم
وأيهما كسف بعضه فإنه يجزئ الرجل أن يصلى وحده». وستأتي تتمة الكلام في هذه
المسألة في استحباب الجماعة في هذه الفريضة.
والظاهر ان الشيخ المفيد (قدسسره) وكلامه في
القضاء انما بنى على ما بنى عليه ابنا بابويه وان كان كلامهما في الأداء من
الرواية المذكورة أو غيرها لا من حيث خصوصية الجاهل في الصورة المذكورة ، ومرجع
الجميع الى ان صلاة الكسوف مع وجوبها أداء أو قضاء تصلى جماعة في صورة الاحتراق
والاستيعاب وفرادى مع عدم ذلك.
المقام الثالث ـ ان يعلم الآية الموجبة للصلاة ويترك
الصلاة عامدا أو ناسيا والمشهور وجوب القضاء عليه ، وقال الشيخ في النهاية
والمبسوط لا يقضي الناسي ما لم يستوعب الاحتراق وهو اختيار ابن حمزة وابن البراج ،
ونقل عن ظاهر المرتضى في المصباح عدم وجوب القضاء ما لم يستوعب وان تعمد الترك ،
وعن
__________________
(1) الوسائل الباب 12 من صلاة الكسوف.
ابن إدريس إيجاب القضاء مع احتراق
القرص وعدمه عند احتراق البعض ، وهو يرجع الى قول السيد.
احتج الأولون بوجوه : منها ـ الأخبار الدالة على قضاء ما
فات من الصلوات من غير استفصال.
ومن هذه الأخبار قول ابى جعفر (عليهالسلام) في صحيحة
زرارة (1) «أربع صلوات
يصليها الرجل في كل ساعة : صلاة فاتتك متى ذكرتها أديتها. الحديث».
وقوله (عليهالسلام) في صحيحة
أخرى لزرارة (2) «وقد سأله عن رجل
صلى بغير طهور أو نسي صلاة أو نام عنها : يقضيها إذا ذكرها».
واعترض هذه الروايات في المدارك بأنه لا عموم لها على
وجه يتناول صورة النزاع ، قال ولهذا لم يحتج بها الأصحاب (رضوان الله عليهم) على
وجوب القضاء مع انتفاء العلم بالسبب. ومرجع كلامه الى ما ذكرناه في غير موضع مما
تقدم من ان إطلاق الأخبار انما ينصرف الى الافراد الشائعة المتكررة دون الأفراد
النادرة الوقوع سيما إذا لم يكن العموم مستندا إلى الأداة الموضوعة له.
ومنها ـ مرسلة حريز وقد تقدمت في سابق هذا المقام (3) وموثقة عمار
الساباطي عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «وان
أعلمك أحد وأنت نائم فعلمت ثم غلبتك عينك فلم تصل فعليك قضاؤها».
ورد في المدارك الأولى بأنها قاصرة بالإرسال وإطباق
الأكثر على ترك العمل بظاهرها ، واما رواية عمار فباشتمالها على جماعة من الفطحية.
ثم قال ومن ذلك يظهر قوة ما ذهب اليه الشيخ من عدم وجوب القضاء على الناسي إذا لم
يستوعب الاحتراق بل رجحان ما ذهب اليه المرتضى (قدسسره) من عدم وجوب
القضاء
__________________
(1) الوسائل الباب 2 من قضاء الصلوات.
(2) الوسائل الباب 1 و 2 من قضاء الصلوات.
(3) ص 319.
(4) الوسائل الباب 10 من صلاة الكسوف.
مطلقا إلا مع الاستيعاب ، ويدل عليه
مضافا الى الأصل ما رواه الشيخ في الصحيح عن على بن جعفر «انه سأل أخاه موسى (عليهالسلام). الخبر» وقد
تقدم في سابق هذا المقام (1) ثم قال بعدها
: دلت الرواية على سقوط قضاء صلاة الكسوف مع الفوات مطلقا خرج من ذلك ما إذا استوعب
الاحتراق فإنه يجب القضاء بالنصوص الصحيحة فيبقى الباقي مندرجا في الإطلاق. انتهى.
أقول : لما كان نظر السيد السند (قدسسره) في الاستدلال
مقصورا على صحاح الأخبار اختار هنا مذهب السيد المرتضى (رضى الله عنه) لدلالة ظاهر
صحيحة على بن جعفر المذكورة عليه.
ومثلها ما رواه البزنطي صاحب الرضا (عليهالسلام) على ما نقله
ابن إدريس في مستطرفات السرائر (2) قال : «سألته عن صلاة الكسوف هل على
من تركها قضاء؟ قال إذا فاتتك فليس عليك قضاء».
ويدل على هذا القول أيضا رواية الحلبي (3) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن صلاة
الكسوف تقضى إذا فأتتنا؟ قال ليس فيها قضاء ، وقد كان في أيدينا انها تقضى».
وما رواه في كتاب دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد (عليهماالسلام) (4) «انه سئل عن
الكسوف والرجل نائم ولم يدر به أو اشتغل عن الصلاة في وقته هل عليه أن يقضيها؟ قال
لا قضاء في ذلك وانما الصلاة في وقته فإذا انجلى لم تكن صلاة».
ومما يدل على القول المشهور موثقة عمار الساباطي
المذكورة (5) وما في كتاب
الفقه الرضوي (6) من قوله (عليهالسلام) «وان علمت
بالكسوف فلم يتيسر لك الصلاة
__________________
(1) ص 319.
(2 و 3) الوسائل الباب 10 من صلاة الكسوف.
(4) مستدرك الوسائل الباب 9 من صلاة الكسوف.
(5) ص 322.
(6) ص 12.
فاقض متى شئت» وقال أيضا : «إذا احترق
القرص كله فاغتسل. الى آخر ما تقدم» (1) فإنه واضح الدلالة في وجوب القضاء في
الصورة المذكورة.
وأما الاستدلال للقول المشهور بمرسلة حريز (2) كما ذكره جملة
من الأصحاب فظني بعده ، إذ الأقرب حمل هذه الرواية على صورة الاحتراق الموجب
للقضاء مطلقا علم أو لم يعلم وانه مع العلم والتفريط يضم الغسل الى القضاء ومع عدم
العلم يقضى بلا غسل.
وأنت خبير بان من يحكم بصحة الأخبار كملا ولا يلتفت الى
هذا الاصطلاح فالواجب عنده الجمع بين هذه الأخبار ، وذلك بتقييد إطلاق الأخبار
الدالة على نفى القضاء بصورة عدم العلم مع عدم الاستيعاب فإنه لا قضاء في هذه
الصورة كما دريت من الأخبار المتقدمة المفصلة» وبالجملة فإن رواية عمار ورواية
كتاب الفقه مفصلة وتلك الروايات مجملة والمفصل يحكم على المجمل ، ولعل في عدوله (عليهالسلام) في صحيحتي
على بن جعفر والبزنطي المتقدمتين عن لفظ الراوي في سؤاله إلى التعبير بلفظ الفوات
اشعارا بما ذكرنا.
وأما الجمع بين الأخبار ـ بحمل ما دل على القضاء على
الاستحباب وإبقاء تلك الأخبار على إطلاقها كما احتمله بعض فضلاء الأصحاب ـ ففيه (أولا)
ان مقتضى القاعدة المشهورة انما هو ما قلناه من حمل المطلق على المقيد والمجمل على
المفصل ، والى هذه القاعدة تشير جملة من الأخبار ايضا وبها صرح الصدوق في كتاب
الاعتقادات.
و (ثانيا) ـ ما قدمناه في غير مقام من أن هذه القاعدة
وان اشتهرت بينهم وعكف عليها أولهم وآخرهم إلا انه لا مستند لها من سنة ولا كتاب
بل ظواهر الأدلة ردها وإبطالها ، فإن الحمل على الاستحباب مجاز لا يصار اليه إلا
مع القرينة واختلاف الأخبار ليس من قرائن المجاز الموجبة لإخراج اللفظ عن حقيقته.
__________________
(1) ص 319 و 320.
(2) ص 319.
ومما يؤيد القول المشهور هو انه قد علم اشتغال الذمة
بيقين العلم بالسبب وإهمال المكلف ، ومن هنا استدل الأصحاب بالأخبار العامة في
وجوب القضاء ، ويقين البراءة لا يحصل إلا بالقضاء. والله العالم.
البحث الثاني ـ في الكيفية وهي ان يحرم ثم يقرأ الحمد وسورة
ثم يركع ثم يرفع رأسه ويقوم ويقرأ الحمد وسورة ثم يركع ، يفعل هكذا خمس مرات ، ثم
يسجد بعد القيام من الركوع الخامس سجدتين ثم يقوم فيصلي الركعة الثانية كذلك
ويتشهد ويسلم ، ويجوز أن يقرأ بعد الحمد بعض سورة فيقوم من الركوع ويتم تلك السورة
بغير قراءة الحمد ، وان شاء وزع السورة على الركعات أو بعضها.
والمستند في هذه الكيفية جملة من النصوص : منها ـ ما
رواه الشيخ عن عمر بن أذينة عن رهط في الصحيح عن الباقر والصادق ، ومنهم من رواه
عن أحدهما (عليهماالسلام) (1) «ان صلاة كسوف
الشمس والقمر والرجفة والزلزلة عشر ركعات واربع سجدات صلاها رسول الله (صلىاللهعليهوآله) والناس خلفه
في كسوف الشمس ففرغ حين فرغ وقد انجلى كسوفها ، ورووا أن الصلاة في هذه الآيات
كلها سواء وأشدها وأطولها كسوف الشمس : تبدأ فتكبر بافتتاح الصلاة ثم تقرأ أم
الكتاب وسورة ثم تركع ثم ترفع رأسك من الركوع فتقرأ أم الكتاب وسورة ثم تركع
الثانية ثم ترفع رأسك من الركوع فتقرأ أم الكتاب وسورة ثم تركع الثالثة ثم ترفع
رأسك من الركوع فتقرأ أم الكتاب وسورة ثم تركع الرابعة ثم ترفع رأسك من الركوع
فتقرأ أم الكتاب وسورة ثم تركع الخامسة فإذا رفعت رأسك قلت «سمع الله لمن حمده» ثم
تخر ساجدا فتسجد سجدتين ، ثم تقوم فتصنع مثل ما صنعت في الأولى. قال قلت وان هو
قرأ سورة واحدة في الخمس ركعات ففرقها بينها؟ قال أجزأه أم القرآن في أول مرة ،
وان قرأ خمس سور فمع كل سورة أم الكتاب. والقنوت في الركعة الثانية قبل الركوع إذا
فرغت من القراءة ثم تقنت
__________________
(1) الوسائل الباب 7 من صلاة الكسوف.
في الرابعة مثل ذلك ثم في السادسة ثم
في الثامنة ثم في العاشرة». والرهط الذين رووه الفضيل وزرارة وبريد بن معاوية
ومحمد بن مسلم.
ومنها ـ ما رواه في الكافي في الصحيح عن زرارة ومحمد بن
مسلم (1) قالا : «سألنا
أبا جعفر (عليهالسلام) عن صلاة
الكسوف كم هي ركعة وكيف نصليها؟ فقال هي عشر ركعات واربع سجدات : تفتتح الصلاة
بتكبيرة وتركع بتكبيرة وترفع رأسك بتكبيرة إلا في الخامسة التي تسجد فيها وتقول «سمع
الله لمن حمده» وتقنت في كل ركعتين قبل الركوع وتطيل القنوت والركوع على قدر
القراءة والركوع والسجود فان فرغت قبل أن ينجلي فاقعد وادع الله حتى ينجلي ، فإن
انجلى قبل أن تفرغ من صلاتك فأتم ما بقي ، وتجهر بالقراءة. قال قلت كيف القراءة
فيها؟ فقال ان قرأت سورة في كل ركعة فاقرأ فاتحة الكتاب وان نقصت من السورة شيئا
فاقرأ من حيث نقصت ولا تقرأ فاتحة الكتاب. قال وكان يستحب ان يقرأ فيها الكهف
والحجر إلا أن يكون اماما يشق على من خلفه. وان استطعت أن تكون صلاتك بارزا لا
يجنك بيت فافعل. وصلاة كسوف الشمس أطول من صلاة كسوف القمر وهما سواء في القراءة
والركوع والسجود».
ومنها ـ ما رواه الصدوق في الصحيح (2) قال : «سأل
الحلبي أبا عبد الله (عليهالسلام) عن صلاة
الكسوف كسوف الشمس والقمر قال عشر ركعات واربع سجدات : تركع خمسا ثم تسجد في
الخامسة ثم تركع خمسا ثم تسجد في العاشرة ، وان شئت قرأت سورة في كل ركعة وان شئت
قرأت نصف سورة في كل ركعة ، فإذا قرأت سورة في كل ركعة فاقرأ فاتحة الكتاب ، وان
قرأت نصف سورة أجزأك أن لا تقرأ فاتحة الكتاب إلا في أول ركعة حتى تستأنف أخرى ،
ولا تقل «سمع الله لمن حمده» في رفع رأسك من الركوع إلا في الركعة التي تريد أن
تسجد فيها».
قال في الفقيه (3) وروى عمر بن أذينة ان القنوت في
الركعة الثانية قبل الركوع
__________________
(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 7 من صلاة الكسوف.
ثم في الرابعة ثم في السادسة ثم في
الثامنة ثم في العاشرة. ثم قال (1) وان لم تقنت إلا في الخامسة والعاشرة
فهو جائز لورود الخبر به.
وما رواه الشيخ عن ابى بصير (2) قال : «سألته
عن صلاة الكسوف فقال عشر ركعات واربع سجدات : تقرأ في كل ركعة منها مثل ياسين
والنور ويكون ركوعك مثل قراءتك وسجودك مثل ركوعك. قلت فمن لم يحسن ياسين وأشباهها؟
قال فليقرأ ستين آية في كل ركعة فإذا رفع رأسه من الركوع فلا يقرأ بفاتحة الكتاب. قال
فإن أغفلها أو كان نائما فليقضها».
ومنها ـ ما ذكره الرضا (عليهالسلام) في كتاب
الفقه (3) قال : «اعلم
يرحمك الله ان صلاة الكسوف عشر ركعات بأربع سجدات : تفتتح الصلاة بتكبيرة واحدة ثم
تقرأ الفاتحة وسورا طوالا وطول في القراءة والركوع والسجود ما قدرت فإذا فرغت من
القراءة ركعت ثم رفعت رأسك بتكبير ولا تقول «سمع الله لمن حمده» تفعل ذلك خمس مرات
ثم تسجد سجدتين ، ثم تقوم فتصنع مثل ما صنعت في الركعة الأولى ، ولا تقرأ سورة
الحمد إلا إذا انقضت السورة فإذا بدأت بالسورة بدأت بالحمد ، وتقنت بين كل ركعتين
وتقول في القنوت : ان الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر
والنجوم والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب اللهمّ صل على محمد
وآل محمد اللهم لا تعذبنا بعذابك ولا تسخط بسخطك علينا ولا تهلكنا بغضبك ولا
تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا واعف عنا واغفر لنا واصرف عنا البلاء يا ذا المن
والطول. ولا تقول «سمع الله لمن حمده» إلا في الركعة التي تريد أن تسجد فيها.
وتطول الصلاة حتى ينجلي ، وان انجلى وأنت في الصلاة فخفف ، وان صليت وبعد لم ينجل
فعليك الإعادة أو الدعاء والثناء على الله وأنت مستقبل القبلة».
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 7 من صلاة الكسوف.
(3) ص 12.
ومنها ـ ما رواه في كتاب دعائم الإسلام (1) قال : وعن
جعفر بن محمد (عليهالسلام) قال : «صلاة
الكسوف في الشمس والقمر وعند الآيات واحدة وهي عشر ركعات واربع سجدات : يفتتح
الصلاة بتكبيرة الإحرام ويقرأ بفاتحة الكتاب وسورة طويلة ويجهر فيها بالقراءة ثم
يركع ويلبث راكعا مثل ما قرأ ثم يرفع رأسه ويقول عند رفعه «الله أكبر» ثم يقرأ
كذلك فاتحة الكتاب وسورة طويلة ثم كبر وركع الثانية (2) فأقام راكعا
مثل ما قرأ ثم رفع رأسه وقال الله أكبر ثم قرأ بفاتحة الكتاب وسورة طويلة ثم كبر
وركع الثالثة فأقام راكعا مثل ما قرأ ثم رفع رأسه وقال «الله أكبر» ثم قرأ بفاتحة
الكتاب وسورة طويلة فإذا فرغ منها قنت ثم كبر وركع الرابعة فأقام راكعا مثل ما قرأ
ثم رفع رأسه وقال الله أكبر ثم قرأ فاتحة الكتاب وسورة طويلة فإذا فرغ منها كبر
وركع الخامسة فأقام مثل ما قرأ فإذا رفع رأسه منها قال : «سمع الله لمن حمده» ثم
يكبر ويسجد فيقيم ساجدا مثل ما ركع ثم يرفع رأسه فيكبر ويجلس شيئا بين السجدتين
يدعو ثم يكبر ويسجد سجدة ثانية يقيم فيها ساجدا مثل ما أقام في الأولى ، ثم ينهض
قائما ويصلى اخرى على نحو الأولى يركع فيها خمس ركعات ويسجد سجدتين ويتشهد تشهدا
طويلا ، والقنوت بعد كل ركعتين كما ذكرنا في الثانية والرابعة والسادسة والثامنة
والعاشرة ولا يقول :
__________________
(1) مستدرك الوسائل الباب 6 من صلاة الكسوف.
(2) كتب في هامش الطبعة القديمة في هذا الموضع هكذا : «كذا في
بعض النسخ وفي بعضها «الثالثة» بدل «الثانية» وكذا وجدنا الرواية في البحار ولم
يحضرني كتاب دعائم الإسلام حتى أراجعه لكن الظاهر انه سقط بعد لفظ «الثانية» بيان
القيام بعد الركوع الثاني والركوع الثالث والله العالم» أقول : العبارة في البحار
ج 18 الصلاة ص 908 كما ذكر المعلق وهكذا هي أيضا في مستدرك الوسائل ولكنها في
دعائم الإسلام ج 1 ص 240 طبعة مصر تامة وقد جرينا في هذه الطبعة على ذلك ، إلا ان
بين المستدرك وكتاب الدعائم المطبوع بمصر اختلافا في بعض ألفاظ هذا الحديث في غير
المورد الساقط من المستدرك وقد أوردناها على طبق المستدرك إلا في ما نرى خلافه
مناسبا.
«سمع الله لمن حمده». إلا في الركعتين
اللتين يسجد عنهما وما سوى ذلك يكبر كما ذكرنا. فهذا معنى قول ابى عبد الله جعفر
بن محمد (عليهماالسلام) في صلاة
الكسوف في روايات شتى عنه (عليهالسلام) حذفنا ذكرها
اختصارا. وان قرأ في صلاة الكسوف بطوال المفصل ورتل القرآن فذلك أحسن وان قرأ بغير
ذلك فليس فيه توقيت ولا يجزئ غيره ، وقد روينا عن على (عليهالسلام) (1) انه قرأ في
الكسوف سورة المثاني وسورة الكهف وسورة الروم وسورة ياسين وسورة والشمس وضحاها. وروينا
عن على (عليهالسلام) (2) انه صلى صلاة
الكسوف فانصرف قبل ان ينجلي فجلس في مصلاه يدعو ويذكر الله وجلس الناس كذلك يدعون
ويذكرون حتى انجلت».
واما ما رواه الشيخ في التهذيب عن أبي البختري عن ابى
عبد الله (عليهالسلام) ـ (3) «ان عليا (عليهالسلام) صلى في كسوف
الشمس ركعتين في أربع سجدات واربع ركعات : قام فقرأ ثم ركع ثم رفع رأسه فقرأ ثم
ركع ثم قام فدعا مثل ركعته ثم سجد سجدتين ثم قام ففعل مثل ما فعل في الأولى في
قراءته وقيامه وركوعه وسجوده». وعن يونس بن يعقوب (4) قال : «قال
أبو عبد الله (عليهالسلام) انكسف القمر
فخرج ابى وخرجت معه الى المسجد الحرام فصلى ثماني ركعات كما يصلى ركعة وسجدتين» ـ.
فقد حملهما الشيخ على التقية قال لموافقتهما لمذهب بعض
العامة (5).
__________________
(1) مستدرك الوسائل الباب 8 من صلاة الكسوف.
(2) مستدرك الوسائل الباب 7 من صلاة الكسوف.
(3 و 4) الوسائل الباب 7 من صلاة الكسوف.
(5) في عمدة القارئ ج 3 ص 468 أول باب الكسوف «عند الليث بن
سعد ومالك والشافعي واحمد وابى ثور صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة ركوعان وسجودان
فتكون الجملة اربع ركوعات واربع سجدات في ركعتين. وعند طاوس وحبيب بن ابى ثابت
وعبد الملك بن جريح ركعتان في كل ركعة اربع ركوعات وسجدتان فتكون الجملة ثمان
ركوعات واربع سجدات ويحكى هذا عن على وابن عباس. وعند قتادة وعطاء بن
وروى الشيخ في التهذيب عن روح بن عبد الرحيم (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن صلاة
الكسوف تصلى جماعة؟ قال جماعة وغير جماعة».
وعن ابن ابى يعفور عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «إذا
انكسفت الشمس والقمر فانكسف كلها فإنه ينبغي للناس ان يفزعوا الى امام يصلى بهم
وأيهما كسف بعضه فإنه يجزئ الرجل ان يصلى وحده. الحديث».
وروى ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من جامع
البزنطي صاحب الرضا (عليهالسلام) (3) قال : «سألته
عن القراءة في صلاة الكسوف قال تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب. قال وإذا ختمت سورة
وبدأت بأخرى فاقرأ فاتحة الكتاب وان قرأت سورة في ركعتين أو ثلاث فلا تقرأ فاتحة
الكتاب حتى تختم السورة
__________________
ابى رباح وإسحاق وابن المنذر ركعتان في كل ركعة ثلاث ركوعات
وسجدتان فتكون الجملة ست ركوعات واربع سجدات. وعند سعيد بن جبير وإسحاق بن راهويه
في رواية ومحمد بن جرير الطبري وبعض الشافعية لا توقيت فيها بل يطيل ابدا ويسجد
الى ان تنجلي الشمس. وعند إبراهيم النخعي وسفيان الثوري وابى حنيفة وابى يوسف
ومحمد ركعتان في كل ركعة ركوع واحد وسجدتان كسائر صلاة التطوع. ويروى عن أبي حنيفة
ان شاءوا صلوها ركعتين وان شاءوا أربعا ، وفي البدائع وان شاءوا أكثر من ذلك. وعند
الظاهرية ان كسفت الشمس ما بين طلوعها إلى صلاة الظهر صلاها ركعتين وما بين الظهر
الى الغروب صلاها أربعا وفي خسوف القمر ان كان بعد صلاة المغرب الى العشاء الآخرة
صلى ثلاث ركعات كالمغرب وان كان بعد العتمة إلى الصبح صلى أربعا» وفي سنن البيهقي
ج 3 ص 321 نقل رواية عائشة المتضمنة ان رسول الله (ص) صلى ركعتين جملتها اربع
ركوعات واربع سجدات وفي ص 315 نقل رواية جابر المتضمنة انه (ص) صلى ركعتين جملتها
ست ركوعات واربع سجدات وفي ص 329 نقل رواية أبي بن كعب المتضمنة انه (ص) صلى
ركعتين في كل ركعة خمس ركوعات وسجدتان. ثم نقل عن الحسن البصري ان عليا (ع) صلى في
كسوف الشمس خمس ركعات واربع سجدات. وفي ص 330 نقل رواية حنش بن ربيعة المتضمنة ان
عليا (ع) صلى ركعتين في ثمان ركوعات واربع سجدات.
(1 و 2) الوسائل الباب 12 من صلاة الكسوف.
(3) الوسائل الباب 7 من صلاة الكسوف.
ولا تقل «سمع الله لمن حمده» في شيء
من ركوعك إلا الركعة التي تسجد فيها».
وعن على بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى (عليهالسلام) مثله (1) ونحوه في قرب
الاسناد عن على بن جعفر عن أخيه (عليهالسلام) (2).
أقول : الكلام في هذه الأخبار وما اشتملت عليه من
الأحكام يقع في مواضع :
الأول ـ المستفاد من هذه الأخبار التخيير بين قراءة سورة
كاملة بعد الحمد في كل قيام وبين تفريق سورتين على العشر بان يكون في كل خمس سورة
وان كان الأول أفضل وان يفرق سورتين على الخمس. وكيف كان فإنه متى أتم السورة وجب
قراءة الحمد ، وهذا هو المشهور بين الأصحاب.
وقال ابن إدريس انه يستحب له قراءة الحمد في الصورة
المذكورة محتجا بان الركعات كركعة واحدة.
واعترضه المحقق في المعتبر بأنه خلاف فتوى الأصحاب
والمنقول عن أهل البيت (عليهمالسلام). وهو جيد.
وقال الشهيد في الذكرى (3) : فان احتج
ابن إدريس برواية عبد الله بن سنان عن الصادق (عليهالسلام) ـ قال : «انكسفت
الشمس على عهد رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فصلى ركعتين
قام في الأولى فقرأ سورة ثم ركع فأطال الركوع ثم رفع رأسه فقرأ سورة ثم ركع فأطال
الركوع ثم رفع رأسه فقرأ سورة ثم ركع فأطال الركوع ثم رفع رأسه فقرأ سورة ثم ركع ،
فعل ذلك خمس مرات قبل أن يسجد ثم سجد سجدتين ، ثم قام في الثانية ففعل مثل ذلك ،
فكان له عشر ركعات واربع سجدات». والتوفيق بينها وبين باقي الروايات بالحمل على
استحباب قراءة الفاتحة مع الإكمال ـ فالجواب ان تلك الروايات أكثر وأشهر وعمل
الأصحاب بمضمونها فتحمل هذه الرواية على ان الراوي ترك ذكر الحمد للعلم به لتوافق
تلك الروايات الأخرى. انتهى. وهو جيد.
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 7 من صلاة الكسوف.
(3) في النظر الثاني من صلاة الآيات في الإشارة إلى المدارك.
أقول : لم أقف على هذه الرواية إلا في كتاب الذكرى فإنه
لم ينقلها صاحب الوافي الجامع لأخبار الكتب الأربعة ولا صاحب الوسائل مع جمعه لما
زاد عنها ولا شيخنا المجلسي في البحار مع تصديه فيه لنقل جملة الأخبار ، والظاهر
انه غفل عنها وإلا لنقلها عن الذكرى كما هو مقتضى قاعدته من التصدي لنقل جميع
الأخبار وان كانت من كتب الفروع.
ويظهر من إطلاق صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم المتقدمة (1) جواز التفريق
بان يبعض سورة واحدة في إحدى الركعتين ويقرأ في الأخرى خمسا والجمع في الركعة
الواحدة بين الإتمام والتبعيض بان يتم سورة مثلا في القيام الأول ويبعض سورة في
الأربعة الباقية ، وعلى ذلك تدل صحيحة البزنطي المنقولة في مستطرفات السرائر
ونحوها صحيحة على بن جعفر المتقدمتان (2) ايضا. وبالجملة فالذي يظهر من
الأخبار هو جواز التبعيض في القيامات الخمسة أو بعضها مع الإتمام في بعض وانه
يتخير في ذلك وان كان الأفضل قراءة خمس سور في كل ركعة.
وأما ما ذكره في المدارك ـ من قوله : ولا ريب ان
الاحتياط يقتضي الاقتصار على قراءة خمس سور في كل ركعة أو تفريق سورة على الخمس ـ فالظاهر
انه بنى على ما احتمله الشهيد في الذكرى هنا حيث قال : ويحتمل ان ينحصر المجزئ في
سورة واحدة أو خمس سور لأنها ان كانت ركعة وجبت الواحدة وان كانت خمسا فالخمس
فيمكن استناد ذلك الى تجويز الأمرين وليس بين ذينك واسطة. انتهى.
أقول : أنت خبير بأنه لا وجه له بعد ما عرفت من دلالة
صحيحة البزنطي وعلى بن جعفر (3) على جواز
التفريق في ركعتين أو في ثلاث ، إلا انه يمكن الاعتذار عنهما بعدم وقوفهما على
الخبرين المذكورين ، على ان إطلاق غيرهما من الأخبار المتقدمة ظاهر في ذلك ايضا
سيما قوله (عليهالسلام) في صحيحة
الحلبي «وان شئت قرأت
__________________
(1) ص 326.
(2 و 3) ص 330.
سورة في كل ركعة وان شئت قرأت نصف
سورة في كل ركعة. الحديث». وقد تقدم (1).
وظاهر الأخبار وكلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) وجوب
إتمام سورة في الخمس لصيرورتها بمنزلة ركعة فتجب الحمد وسورة.
بقي الكلام في ما لو جمع في ركعة بين الإتمام والتبعيض
فأتم في القيام الأول مثلا وبعض في البواقي فهل يجوز أن يسجد قبل إتمام السورة؟
فيه وجهان ، قال في الذخيرة : ولعل الأقرب الجواز.
أقول : يمكن توجيه الأقربية بإطلاق الأخبار المتقدمة
الدالة على جواز التبعيض أعم من أن يتم السورة في ركعة واحدة أم لا.
وقال العلامة : الأقرب انه يجوز أن يقرأ في الخمس سورة
وبعض أخرى فإذا قام في الثانية فالأقرب وجوب الابتداء بالحمد لانه قيام من سجود
فوجب فيه الفاتحة قال : ويحتمل ضعيفا أن يقرأ من الموضع الذي انتهى اليه أولا من
غير أن يقرأ الفاتحة لكن يجب أن يقرأ الحمد في الثانية بحيث لا يجوز الاكتفاء
بالحمد مرة في الركعتين. انتهى.
أقول : ويمكن ترجيح ما استضعفه بقوله (عليهالسلام) في صحيحة زرارة
ومحمد بن مسلم (2) «وان نقصت من
السورة شيئا فاقرأ من حيث نقصت ولا تقرأ فاتحة الكتاب». وقوله (عليهالسلام) في كتاب
الفقه الرضوي (3) «ولا تقرأ سورة
الحمد إلا إذا انقضت السورة». وقوله (عليهالسلام) في صحيحتي
البزنطي وعلى بن جعفر (4) «فلا تقرأ
فاتحة الكتاب حتى تختم السورة». فإن الجميع كما ترى ظاهر في انه ما لم يتم السورة
التي بعضها فلا يقرأ فاتحة الكتاب وانه يجب القراءة من موضع القطع ، والأخبار
المذكورة بعمومها شاملة لموضع المسألة.
وذكر الشهيدان (طاب ثراهما) انه متى ركع عن بعض سورة
تخير في القيام
__________________
(1 و 2) ص 326.
(3) ص 327.
(4) ص 330 و 331.
بعده بين القراءة من موضع القطع وبين القراءة
من أى موضع شاء من السورة متقدما أو متأخرا وبين رفضها وقراءة غيرها.
واحتمل في الذكرى امرا رابعا وهو ان له اعادة البعض الذي
قرأه من السورة بعينه ، قال فحينئذ هل يجب قراءة الحمد؟ يحتمل ذلك لابتدائه بسورة
ويحتمل عدمه لأن قراءة بعضها مجزئ فقراءة جميعها أولى ، هذا ان قرأ جميعها وان قرأ
بعضها فأشد إشكالا.
قال في المدارك بعد نقل ذلك : أقول ان في أكثر هذه الصور
إشكالا ، فإن مقتضى قوله (عليهالسلام) «فان نقصت من
السورة شيئا فاقرأ من حيث نقصت» تعين القراءة من موضع القطع فلا يكون العدول الى
غيره من السورة والقراءة من غيرها جائزا. انتهى. وهو جيد لما عرفت من الأخبار.
والله العالم.
الثاني ـ قد تضمنت صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم (1) الأمر بالجلوس
والدعاء حتى ينجلي الكسوف متى فرغ من الصلاة ولم ينجل ، وعبارة كتاب الفقه (2) الإعادة أو
الدعاء في الصورة المذكورة ، ورواية كتاب دعائم الإسلام (3) الجلوس
والدعاء
وقد روى الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (4) قال : «قال
أبو عبد الله (عليهالسلام) صلاة الكسوف
إذا فرغت قبل أن ينجلي فأعد».
والمستفاد من هذه الأخبار بعد ضم بعضها الى بعض هو وجوب
الجلوس والدعاء أو الإعادة حتى ينجلي مخيرا بينهما وهو صريح عبارة كتاب الفقه.
والمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في هذا المقام
انه يستحب له الإعادة متى فرغ ولم ينجل ، ونقل عن ظاهر المرتضى وابى الصلاح وسلار
وجوب الإعادة ، وعن ابن إدريس انه منع الإعادة وجوبا واستحبابا.
قال في المدارك : لنا على الاستحباب ما رواه الشيخ في
الصحيح عن معاوية ابن عمار. ثم ساق الرواية المذكورة الى ان قال : ولنا على انتفاء
الوجوب قوله (عليهالسلام)
__________________
(1) ص 326.
(2) ص 327.
(3) ص 328.
(4) الوسائل الباب 8 من صلاة الكسوف.
في صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم (1) «وان فرغت قبل
أن ينجلي فاقعد وادع الله حتى ينجلي». وقد يقال ان الجمع بين الروايات يقتضي القول
بوجوب الإعادة والدعاء تخييرا إلا انى لا اعلم به قائلا. انتهى. وتبعه في الذخيرة
في هذا المقام.
وأنت خبير بان ظاهر كلام الصدوق في الفقيه هو القول
بالوجوب فيهما تخييرا حيث قال : وإذا فرغ الرجل من صلاة الكسوف ولم تكن انجلت
فليعد الصلاة وان شاء قعد ومجد الله تعالى حتى ينجلي. انتهى.
ثم انه لا يخفى عليك ما في استدلاله بصحيحة معاوية بن
عمار على الاستحباب وان كان قد جرى على هذه الطريقة في غير باب ، فإن الرواية قد
تضمنت الأمر بالإعادة وهو حقيقة في الوجوب كما صرح به في غير موضع من هذا الكتاب
فكيف تكون دالة على الاستحباب؟ وكان الأولى في التعبير ان يجعل مستند الاستحباب
الجمع بين الروايتين المذكورتين.
وزاد في الذخيرة بعد اختيار الاستحباب كما ذكره في
المدارك التأييد بموثقة عمار الساباطي عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «ان
صليت الكسوف الى ان يذهب الكسوف عن الشمس والقمر وتطول في صلاتك فان ذلك أفضل ،
وان أحببت أن تصلى فتفرغ من صلاتك قبل أن يذهب الكسوف فهو جائز».
وأنت خبير بأن غاية ما تدل عليه الرواية هو إطلاق جواز
الفراغ قبل الانجلاء ، ولا ينافيه وجوب الإعادة أو الجلوس حتى يحصل تمام الانجلاء
حسبما دلت عليه الأخبار المتقدمة.
وبالجملة فعبارة كتاب الفقه صريحة في الوجوب تخييرا
والظاهر انها مستند الصدوق كما عرفت في غير مقام ، ورواية كتاب الدعائم المروية عن
على (عليهالسلام) ايضا ظاهرة
في وجوب الجلوس ، والصحيحتان الآخرتان (3) لا وجه للجمع بينهما إلا بما
__________________
(1) ص 326.
(2) الوسائل الباب 8 من صلاة الكسوف.
(3) ص 334.
ذكرناه من الوجوب تخييرا ، فرد هذه
الروايات ـ على ما هي عليه من الصحة والصراحة في بعض والظاهرية في آخر بهذه الرواية
مع قبولها التأويل بما ذكرناه ـ مما لا يلتزمه محصل. والله العالم.
الثالث ـ ما ذكره (عليهالسلام) في كتاب
الفقه الرضوي (1) من قوله «وتطول
الصلاة حتى ينجلي». مما يصلح لان يكون مستندا للأصحاب (رضوان الله عليهم) حيث
صرحوا بان من جملة مستحبات هذه الصلاة ان يطول بقدر الكسوف وهم قد استدلوا على ذلك
بموثقة عمار المتقدمة (2) ويمكن
الاستدلال عليه ايضا بقوله (عليهالسلام) في صحيحة
الرهط المتقدمة (3) في حكاية
صلاته (صلىاللهعليهوآله) «ففرغ حين
فرغ وقد انجلى كسوفها».
وقيل ان الاستدلال بهذا الخبر لا يخلو من شوب التأمل
لجواز ان يكون ذلك من باب الاتفاق. وفيه ان الظاهر من نقله (عليهالسلام) ذلك انما هو
العمل بما تضمنه النقل إذ لا معنى لنقل الأمور الاتفاقية مع عدم ترتب شيء عليها
من الأحكام الشرعية ، ويمكن استناد ذلك الى علمه (صلىاللهعليهوآله) بوقت تمام
الانجلاء فأطال الصلاة على حسب علمه وفرغ بتمام الانجلاء.
بقي هنا شيء وهو ان الحكم باستحباب الإطالة على الوجه
المذكور لا يتم إلا مع العلم بذلك أو الظن الحاصل باخبار رصدي أما بدونه فلا ،
وحينئذ فلا يبعد ان يكون التخفيف في الصلاة أولى وجبت الإعادة أو الجلوس لو فرغ
قبل الانجلاء على أحد القولين أو استحبت على القول المشهور حذرا من خروج الوقت قبل
الإتمام. كذا قيل وهو مبنى على انه مع خروج الوقت قبل الإتمام يجب القطع وقد بينا
سابقا ضعفه وان الواجب هو الإتمام في الصورة المذكورة. والله العالم.
الرابع ـ ظاهر قوله (عليهالسلام) في صحيحة
زرارة ومحمد بن مسلم (4) «وكان يستحب ان
يقرأ فيها الكهف والحجر إلا أن يكون اماما يشق على من خلفه». استحباب التطويل في
الصلاة بقراءة السور الطوال إلا في الجماعة إذا كان يشق ذلك
__________________
(1) ص 327.
(2) ص 335.
(3) ص 325.
(4) ص 326.
على من خلفه ، وبكل من الحكمين صرح
الأصحاب (رضوان الله عليهم).
أما الأول فيدل عليه مضافا الى هذا الخبر ما تقدم من
كلام الرضا (عليهالسلام) في كتاب
الفقه ورواية كتاب دعائم الإسلام ورواية أبي بصير المتقدم ذلك كله (1) وقد دلت رواية
أبي بصير المذكورة ايضا على استحباب التطويل في ركوعه مثل قراءته وسجوده مثل ركوعه
، واليه يشير ايضا قوله (عليهالسلام) في كتاب
الفقه «وطول في القراءة والركوع والسجود ما قدرت». ونحوه في رواية كتاب الدعائم.
وينبغي تقييد ذلك بسعة الوقت كما صرح به بعضهم ايضا.
وأما الثاني فيدل عليه مضافا الى الرواية المذكورة أخبار
صلاة الجماعة فإنها استفاضت بالأمر بالتخفيف والإسراع رعاية لحال المأمومين فإن
فيهم الضعيف وصاحب الحاجة ونحوهما (2).
إلا انه قد روى الصدوق في الفقيه مرسلا (3) قال : «انكسفت
الشمس على عهد أمير المؤمنين (عليهالسلام) فصلى بهم حتى
كان الرجل ينظر الى الرجل قد ابتلت قدمه من عرقه».
وروى الشيخ في التهذيب بسنده عن القداح عن جعفر عن أبيه
عن آبائه (عليهمالسلام) (4) قال : «انكسفت
الشمس في زمن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فصلى بالناس
ركعتين وطول حتى غشي على بعض القوم ممن كان وراءه من طول القيام».
وظاهر المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي في
الوسائل العمل بهذين الخبرين حيث قال : باب استحباب اطالة الكسوف بقدره حتى للإمام
(5) ثم أورد
الخبرين المذكورين ولم يجب عن صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم بشيء بل لم ينقل منها
الموضع المتعلق بهذا الحكم في كتابه بالكلية وانما ذكر منها ما يتعلق بكيفية
الصلاة في باب كيفية صلاة الكسوف (6) وهو غفلة منه (طاب ثراه).
__________________
(1) ص 327 و 318.
(2) الوسائل الباب 69 من صلاة الجماعة.
(3 و 4 و 5) الوسائل الباب 9 من صلاة الكسوف.
(6) ذكرها هناك بتمامها.
وبالجملة فالجمع بين الروايات هنا لا يخلو من اشكال سيما
مع اعتضاد صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم باخبار الجماعة المستفيضة بالأمر بالتخفيف
وعدم الإطالة رعاية لحال المأمومين ، إلا أن يقال باختصاص ذلك بهما (صلوات الله
عليهما) في هذه الصلاة بخصوصها لأجل بسطها على مقدار زمان الكسوف. وفيه ما فيه.
والله العالم
الخامس ـ انه يستفاد من الأخبار المتقدمة استحباب
التكبير عند الرفع من كل ركوع إلا الخامس والعاشر فإنه يقول «سمع الله لمن حمده»
وهذا التكبير من خصوصيات هذه الصلاة ، وانه يقنت خمس قنوتات ، والجميع مما لا خلاف
فيه بين الأصحاب (رضوان الله عليهم).
إلا ان الشهيد في البيان قال انه يجزئ القنوت على الخامس
والعاشر وأقله على العاشر. قال في المدارك ولم نقف على مأخذه.
أقول : ان كان مراده انه لم يقف على مأخذه ولو بالنسبة
إلى الخامس والعاشر ففيه ما قدمنا نقله عن الصدوق من قوله «وان لم تقنت إلا في
الخامسة والعاشرة فهو جائز لورود الخبر به» وان أراد من حيث الاكتفاء بالعاشر خاصة
فهو كذلك ولعله لمجرد اعتبار كون هذه الصلاة في الحقيقة ركعتين فالقنوت انما هو في
الثانية.
ومن مستحبات هذه الصلاة أيضا الجهر بالقراءة ، قال في
المنتهى انه مذهب علمائنا وأكثر العامة (1) وقد تقدم ذلك في صحيحة زرارة ومحمد
بن مسلم (2)
__________________
(1) في عمدة القارئ ج 3 ص 501 حكى الترمذي عن مالك والشافعي
واحمد وإسحاق الجهر بالقراءة في صلاة الكسوف ، وفي شرح مسلم للنووي مذهبنا ومذهب
مالك وابى حنيفة والليث بن سعد وجمهور الفقهاء انه يسر في كسوف الشمس ويجهر في
خسوف القمر. وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن واحمد وإسحاق يجهر فيهما. وحكى الرافعي
عن الصيدلاني مثله عند أبي حنيفة. وقال محمد بن جرير الطبري الجهر والأسرار سواء
قال العيني وما حكاه النووي عن مالك هو المشهور عنه ، وقال ابن العربي روى المصريون
عنه انه يسر وروى المدنيون عنه انه يجهر والجهر عندي أولى.
(2) ص 316.
ومن مستحباتها ايضا أن يكون بارزا تحت السماء لما في
الصحيحة المشار إليها من قوله (عليهالسلام) «فان استطعت
أن تكون صلاتك بارزا لا يجنك بيت فافعل».
إلا ان جملة من الأخبار قد دلت على الفزع الى المساجد
كما في صحيح ابى بصير (1) قال : «انكسف
القمر وأنا عند ابى عبد الله (عليهالسلام) في شهر رمضان
فوثب وقال انه كان يقال إذا انكسف القمر والشمس فافزعوا الى مساجدكم».
وفي كتاب المجالس بإسناده عن محمد بن عمارة عن أبيه عن
الصادق عن أبيه (عليهماالسلام) (2) قال : «ان
الزلازل والكسوفين والرياح الهائلة من علامات الساعة فإذا رأيتم شيئا من ذلك
فتذكروا قيام الساعة وأفزعوا الى مساجدكم».
ويمكن الجمع بان الفزع الى المساجد لا يستلزم الصلاة تحت
سقوف المساجد بل يمكن أن يصلى على سطوح المساجد وفي فضائها البارز من غير سقف ،
هذا إذا كانت مسقفة كما هو الآن صار معمولا واما على ما هو السنة في المساجد من
جعلها مكشوفة فلا اشكال.
وينبغي أن يعلم ان جملة هذه الأحكام وان كان موردها صلاة
الكسوف إلا ان المفهوم من الأخبار ان صلاة الكسوف هي الصلاة في سائر الآيات فجميع
الأحكام المترتبة على صلاة الكسوف تترتب على الصلاة لغير الكسوف من الآيات إلا
التطويل فان ظاهر الأخبار اختصاصه بالكسوفين كما مر.
ومما يدل على ان صلاة الآيات هي صلاة الكسوف صحيحة زرارة
ومحمد بن مسلم (3) قالا «قلنا
لأبي جعفر (عليهالسلام) أرأيت هذه
الرياح والظلم التي تكون هل يصلى لها؟ فقال كل أخاويف السماء من ظلمة أو ريح أو
فزع فصل لها صلاة الكسوف حتى تسكن».
وروى في كتاب الدعائم عن جعفر بن محمد (عليهماالسلام) (4) انه قال :
__________________
(1) الوسائل الباب 6 من صلاة الكسوف.
(2 و 3) الوسائل الباب 2 من صلاة الكسوف.
(4) مستدرك الوسائل الباب 2 من صلاة الكسوف.
«يصلى في الرجفة والزلزلة والريح
العظيمة والظلمة والآية تحدث وما كان مثل ذلك كما يصلى في صلاة كسوف الشمس والقمر
سواء».
ومن مستحبات هذه الصلاة أيضا الجماعة ، قال في التذكرة
انه قول علمائنا اجمع
ويدل عليه ما تقدم (1) في صحيحة الرهط من قوله (عليهالسلام) «صلاها رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) والناس خلفه».
وما تقدم (2) في الموضع الرابع من خبري الصدوق
والقداح في صلاة رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وعلى (عليهالسلام) بالناس وقد
غشي على بعض القوم وابتلت اقدامهم من العرق.
وقد تقدمت (3) رواية روح بن عبد الرحيم الدالة على
انها تصلى جماعة وغير جماعة.
ونحوها رواية محمد بن يحيى الساباطي عن الرضا (عليهالسلام) (4) قال : «سألته
عن صلاة الكسوف تصلى جماعة أو فرادى؟ قال اى ذلك شئت».
وقد دلت رواية ابن ابى يعفور المتقدمة (5) على تأكد
استحباب الجماعة مع الاحتراق.
وقال الصدوقان : إذا احترق القرص كله فصلها في جماعة وان
احترق بعضه فصلها فرادى. ويمكن حمل كلامهما على ما حملت عليه رواية ابن ابى يعفور
من تأكد الجماعة مع الاحتراق وعدمه مع العدم.
قال في الذكرى : انهما ان أرادا نفى تأكد الاستحباب مع احتراق
البعض فمرحبا بالوفاق ، وان أرادا نفى استحباب الجماعة وترجيح الفرادى طولبا بدليل
المنع وصرح الشهيد في البيان بجواز اقتداء المفترض بالمتنفل في هذه الصلاة وبالعكس
كاليومية. قال في المدارك ومثله في الذخيرة : وهو حسن.
__________________
(1) ص 325.
(2) ص 347.
(3 و 5) ص 330.
(4) الوسائل الباب 12 من صلاة الكسوف.
أقول : الظاهر ان مرادهم اجراء حكم اليومية في ما لو
صليت فرادى فإنه يستحب إعادتها جماعة لو وجدت الجماعة إماما كان أو مأموما في هذه
الصلاة ، فإنها هي الصورة التي يمكن فيها اقتداء المفترض بالمتنفل وبالعكس.
وأنت خبير بأنه مع قطع النظر عن القاعدة المشهورة في
كلامهم ـ من ان إطلاق الأخبار انما ينصرف الى الافراد المتكثرة المتكررة دون
النادرة ، وصلاة الآيات بالنسبة إلى الصلاة اليومية من هذا القبيل ـ فإن لقائل أن
يقول ان جملة من اخبار تلك المسألة ظاهرة في اليومية بخصوصها مثل صحيحة سليمان بن
خالد (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل دخل
المسجد وافتتح الصلاة فبينما هو قائم يصلى إذ أذن المؤذن وأقام الصلاة قال فليصل
ركعتين ثم ليستأنف الصلاة مع الامام. الحديث». وفي جملة من تلك الأخبار «تقام
الصلاة» و «أقيمت الصلاة» والإقامة انما تكون في اليومية. وبالجملة فسياق أكثر تلك
الأخبار ظاهر في اليومية وحمل ما أطلق على الباقي ممكن ، وبه يظهر ان دعوى شمولها
لهذه الصلاة لا يخلو من اشكال.
تفريع
لو أدرك المأموم الإمام قبل الركوع الأول أو في أثنائه أدرك
الركعة بغير إشكال.
إنما الإشكال في ما لو لم يدركه حتى رفع رأسه من الركوع
الأول ، والذي صرح به جمع من الأصحاب : منهم ـ المحقق في المعتبر والعلامة في جملة
من كتبه والشهيد في الذكرى هو فوات تلك الركعة المشتملة على الركوعات الخمسة فلا
يجوز له الدخول فيها بل يصبر الى ان يسجد ويقوم ويدخل معه في أول قيامه ، والوجه
في ذلك هو لزوم أحد محذورين مع الدخول بعد فوات الركوع الأول ، وهو إما تخلف
المأموم عن الامام ان تدارك الركوع بعد سجود الامام واما تحمل الامام الركوع ان
رفض الركوع وسجد بسجود الإمام.
__________________
(1) الوسائل الباب 56 من صلاة الجماعة. وهي أجنبية عن المورد.
ونقل عن العلامة انه احتمل في التذكرة جواز الدخول معه
في هذه الحالة فإذا سجد الامام لم يسجد هو بل ينتظر الإمام الى أن يقوم فإذا ركع
الإمام أول الثانية ركع معه عن ركعات الأولى فإذا انتهى الى الخامس بالنسبة إليه
سجد ثم لحق بالإمام ويتم الركعات قبل سجود الثانية.
قال في المدارك : ويشكل بان فيه تخلف المأموم عن الإمام
في ركن وهو السجدتان من غير ضرورة ولا دليل على جوازه.
أقول : لا يخفى على من تأمل كلامهم ما وقع لهم فيه من
النقض والإبرام وما هو عليه من الاختلاف والتناقض الظاهر لذوي الأفهام.
والتحقيق ان الكلام في هذه المسألة وجواز الدخول في
الصورة المفروضة وعدمه مبنى على مسألة أخرى وهو انه هل يجوز للمأموم التخلف عن
الامام لغير عذر بركن أو ركنين أم لا يجوز ذلك؟ والذي صرح به جملة منهم في باب
صلاة الجماعة هو الجواز.
وممن صرح بذلك الشهيد في الذكرى حيث قال : ولا يتحقق
فوات القدوة بفوات ركن ولا أكثر عندنا ، وفي التذكرة توقف في بطلان القدوة
بالتأخير بركن ، والمروي بقاء القدوة رواه عبد الرحمن عن ابى الحسن (عليهالسلام) (1) في من لم يركع
ساهيا حتى انحط الامام للسجود انه يركع ويلحق به. انتهى ومثل ذلك كلامه في الدروس.
وظاهر قوله «عندنا» مؤذن بدعوى الاتفاق على الحكم المذكور.
وقال المحقق الشيخ على في رسالته الجعفرية : ولو تخلف
المأموم بركن أو أكثر لم تنقطع القدوة. وقال الشارح الجواد ـ في شرح الرسالة
المذكورة تعليلا للحكم المذكور ـ ما لفظه : لثبوتها وان زوالها بعد ذلك يحتاج الى
دليل والأصل عدمه ولرواية عبد الرحمن. ثم ساق الرواية المذكورة ثم نقل التوقف عن
العلامة في التذكرة واستبعده بناء على ما ذكره من الدليل.
__________________
(1) الوسائل الباب 64 من صلاة الجماعة.
وأنت خبير بأنه يأتي على ما ذكره هؤلاء ان المأموم يجوز
له الدخول في صلاة الكسوف بعد مضى ركوع بل ركوعين أو أكثر ثم يتابع الامام حتى إذا
سجد الإمام أتم ما بقي عليه من الركوعات وان فاتته المتابعة في السجود ثم يلتحق به
في الركعة الثانية بعد السجود ، وكذا يفعل في الركعة الثانية إذا فاته شيء من
ركوعاتها.
والسيد السند في المدارك لما كان مذهبه عدم جواز التخلف
عن الامام بركن منع هنا من الدخول فيها في الصورة المذكورة إلا انه انما علل ذلك
بعدم الدليل على جواز التخلف ، وللخصم ان يقابله بأن الأصل الجواز وعدم الإبطال
بالتخلف حتى يقوم دليل على خلافه كما سمعت من كلام الشارح الجواد في شرح الرسالة.
والأظهر عندي في المسألة المفرع عليها هو وجوب المتابعة
وعدم جواز التخلف بركن لغير عذر فضلا عن الأكثر.
(أما أولا) ـ فلان الرواية التي استندوا إليها موردها
العذر وهو سهو المأموم وهذا غير محل النزاع ، فالاستناد إليها في عموم الحكم لا
يخلو من مجازفة.
و (اما ثانيا) ـ فإن صحيحة زرارة ـ (1) الواردة في
حكم المسبوق وانه يقرأ في كل ركعة مما أدرك بأم الكتاب وسورة فان لم يدرك السورة
تامة أجزأته أم الكتاب ، وصحيحة معاوية بن وهب (2) في من أدرك الإمام في آخر صلاته وهي
أول صلاة الرجل فلا يمهله حتى يقرأ هل يقضى القراءة في آخر صلاته؟ قال نعم ـ تمنع
ما ذكروه فإنهما ظاهرتان في وجوب المتابعة وعدم جواز التخلف عن الركوع وان كان
للاشتغال بواجب كالقراءة المفروضة فيهما ، فان الاجتزاء بأم الكتاب كما تضمنته
الرواية الأولى وعدم إمهال الإمام كما تضمنته الثانية انما هو لخوف رفع الإمام
رأسه من الركوع قبل إتمام القراءة والدخول معه في الركوع ، والثانية قد تضمنت انه
يترك القراءة بالكلية ويقضيها في آخر الصلاة محافظة على ادراك الركوع معه ، وحينئذ
فإذا امتنع التخلف وان كان لأجل الاشتغال بواجب
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 47 من صلاة الجماعة.
فكيف يجوز ذلك مطلقا كما ادعوه؟ وبذلك
يظهر ان ما ذكروه لا يخلو من غفلة عن إعطاء التأمل حقه في ملاحظة الأدلة.
و (أما ثالثا) فان شيخنا الشهيد قد خالف قوله وناقض نفسه
في ما قدمنا نقله عنه مما ظاهره دعوى الإجماع عليه كما أشرنا إليه آنفا في باب
الجماعة بما ذكره هنا في صلاة الآيات ، حيث صرح بالمنع من الدخول تبعا للفاضلين
كما قدمنا ذكره في الصورة المفروضة حذرا من لزوم التخلف عن الامام بركن أو أكثر ،
فقال بعد ذكر صورة المسألة ما ملخصه : فان قلنا بالمتابعة فالأصح عدم سلامة
الاقتداء لاستلزامه محذورين اما التخلف عن الإمام أو تحمل الامام الركوع ، لأنه ان
اتى بما بقي عليه قبل أن يسجد مع الامام لزم المحذور الأول ، وان رفض الركوعات
وسجد بسجود الامام لزم الثاني. الى ان قال (فان قيل) لم لا يأتي المأموم بما بقي
عليه ثم يسجد ثم يلحق الإمام في ما بقي من الركوعات؟ وليس في هذا الا تخلف عن
الامام لعارض وهو غير قادح في الاقتداء لما سيأتي (قلنا) ان من قال ان التخلف عن
الامام يقدح فيه فوات الركن فعلى مذهبه لا يتم هذا ومن اغتفر ذلك فإنما يكون عند
الضرورة كالمزاحمة ولا ضرورة هنا فحينئذ يستأنف المأموم النية. إلى آخر كلامه
فانظر الى صراحته في المخالفة لما قدمنا نقله عنه من
كلامه في باب الجماعة الدال على جواز التخلف بركن أو أكثر وان كان لا لعذر ، وقوله
هنا ان التخلف بركن منحصر في قولين اما الجواز مع الضرورة أو البطلان.
وأشار بالمزاحمة الى ما ورد في صحيحة عبد الرحمن بن
الحجاج عن ابى الحسن (1) «في رجل صلى في
جماعة يوم الجمعة فلما ركع الإمام ألجأه الناس الى جدار أو أسطوانة فلم يقدر على
أن يركع ولا أن يسجد حتى رفع القوم رؤوسهم أيركع ثم يسجد ثم
__________________
(1) الوسائل الباب 17 من صلاة الجمعة. واللفظ في الفقيه ج 1 ص
270 هكذا «أيركع ثم يسجد ويلحق بالصف وقد قام القوم أم كيف يصنع؟ فقال يركع ويسجد
ثم يقوم في الصف ولا بأس بذلك».
يقوم في الصف؟ قال لا بأس». وهذه كما
ترى مثل صحيحته المتقدمة في ان موردها العذر
وبما أوضحناه في المقام وكشفنا عنه نقاب الإبهام بما لم
يسبق اليه سابق من علمائنا الأعلام ظهر انه لا يجوز الدخول مع الامام بعد فوات شيء
من الركوعات في الركعة الأولى خوفا من الوقوع في المحذور المذكور بل يصبر الى أن
يسجد ويقوم للركعة الثانية. ولو أدركه كذلك في الثانية لم يدخل معه وعدل الى الانفراد.
والله العالم.
البحث الثالث ـ في الأحكام وما يتبعها في المقام ، أقول
: قد قدمنا أكثر الأحكام في البحثين المتقدمين وبقي الكلام في ما يتعلق بهذه
الصلاة في مواضع :
الأول ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه إذا حصل
الكسوف في وقت فريضة حاضرة ، فان تضيق وقت إحداهما تعينت للأداء إجماعا ثم يصلى
بعدها ما اتسع وقتها ، وان تضيقا معا قدمت الحاضرة ، قالوا لأنها أهم في نظر
الشارع ، وقال في الذكرى انه لا خلاف فيه ، وان اتسع الوقتان فالمشهور انه مخير في
الإتيان بأيهما شاء.
وقال في من لا يحضره الفقيه : لا يجوز ان يصليها في وقت
فريضة حتى يصلى الفريضة ، وإذا كان في صلاة الكسوف ودخل عليه وقت الفريضة فليقطعها
وليصل الفريضة ثم يبنى على ما فعل من صلاة الكسوف. انتهى.
وهو ظاهر اختيار الشيخ في النهاية حيث قال : ان بدأ
بصلاة الكسوف ودخل عليه وقت الفريضة قطعها وصلى الفريضة ثم رجع وتمم صلاته. ومثله
في المبسوط إلا انه قال فيه باستئناف صلاة الكسوف ، كذا نقله في المختلف ، ونقل
هذا القول فيه عن ابني بابويه وابن البراج.
واختار في المدارك القول المشهور قال : لنا انهما واجبان
اجتمعا ووقتهما موسع فيتخير المكلف بينهما. ولنا ايضا ان فيه جمعا بين ما تضمن
الأمر بتقديم
الفريضة الحاضرة كصحيحة محمد بن مسلم
عن أحدهما (عليهماالسلام) (1) قال : «سألته
عن صلاة الكسوف في وقت الفريضة فقال ابدأ بالفريضة». وبين ما تضمن الأمر بتقديم
الكسوف كصحيحة محمد بن مسلم وبريد بن معاوية عن ابى جعفر وابى عبد الله (عليهماالسلام) (2) قالا : «إذا
وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات صليتها ما لم تتخوف ان يذهب وقت الفريضة فإن تخوفت
فابدأ بالفريضة واقطع ما كنت فيه من صلاة الكسوف فإذا فرغت من الفريضة فارجع الى
حيث كنت قطعت واحتسب بما مضى». انتهى.
أقول : لا يخفى ان ما قدمناه من عبارة الصدوق في من لا
يحضره الفقيه مأخوذ من كتاب الفقه الرضوي وان كان بأدنى تغيير في اللفظ حيث قال (عليهالسلام) (3) «ولا تصلها في
وقت الفريضة حتى تصلى الفريضة فإذا كنت فيها ودخل عليك وقت الفريضة فاقطعها وصل
الفريضة ثم ابن على ما صليت من صلاة الكسوف». ومن ذلك يعلم ان مستند الصدوق وكذا
أبوه في الرسالة انما هو الكتاب المذكور على ما عرفت سابقا وستعرف أمثاله لاحقا ان
شاء الله تعالى.
ومن اخبار المسألة زيادة على ما ذكرنا قوله في صحيحة
محمد بن مسلم المتقدم نقلها عن صاحب المدارك تتمة لما ذكره منها : «فقيل له في وقت
صلاة الليل فقال صل صلاة الكسوف قبل صلاة الليل».
ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي أيوب إبراهيم بن
عثمان عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «سألته
عن صلاة الكسوف قبل أن تغيب الشمس ونخشى فوت الفريضة فقال اقطعوها وصلوا الفريضة
وعودوا الى صلاتكم». وعن محمد بن مسلم في الصحيح (5) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) جعلت فداك
ربما ابتلينا بالكسوف بعد المغرب قبل العشاء الآخرة فإن صلينا الكسوف
__________________
(1 و 2 و 4 و 5) الوسائل الباب 5 من صلاة الكسوف.
(3) ص 12.
خشينا ان تفوتنا الفريضة؟ فقال إذا
خشيت ذلك فاقطع صلاتك واقض فريضتك ثم عد فيها. قلت فإذا كان الكسوف آخر الليل
فصلينا صلاة الكسوف فأتتنا صلاة الليل فبأيتهما نبدأ؟ فقال صل صلاة الكسوف واقض
صلاة الليل حين تصبح».
وقال في كتاب دعائم الإسلام : وعن جعفر بن محمد (عليهماالسلام) (1) انه قال : «في
من وقف في صلاة الكسوف حتى دخل عليه وقت الصلاة؟ قال يؤخرها ويمضى في صلاة الكسوف
حتى يصير الى آخر الوقت فان خاف فوت الوقت قطعها وصلى الفريضة. وكذلك إذا انكسفت
الشمس أو انكسف القمر في وقت صلاة الفريضة بدأ بصلاة الفريضة قبل صلاة الكسوف».
أقول : ويستنبط من هذه الأخبار أحكام : منها ـ انه لا
يخفى ان ظاهر صحيحة محمد بن مسلم الأولى هو وجوب تقديم الفريضة في حال سعة الوقت ،
وكذا ظاهر كلامه (عليهالسلام) في كتاب
الفقه الرضوي حيث نهى أولا عن صلاة الكسوف في وقت الفريضة وأوجب قطعها متى دخل
عليه وقت الفريضة وهو فيها وان يصلى الفريضة أولا وهو عين مذهب الصدوق كما علمت ،
وظاهر صحيحة محمد بن مسلم وبريد بن معاوية هو تقديم صلاة الكسوف في حال سعة
الوقتين الى ان يتضيق وقت الحاضرة.
والعجب ان الصدوق قد نقل هذه الصحيحة في كتابه ثم عقبها
بهذه الفتوى ووجه التدافع بينهما ظاهر ، ولم يجب عن الرواية المذكورة بشيء مع
ظهورها في خلاف ما افتى به.
ولهذا ان صاحب المدارك اعترضه في هذا المقام فقال بعد
نقل كلامه : ومقتضاه جواز القطع بل وجوبه إذا دخل وقت الفريضة وهو بعيد جدا ، فإن
الرواية التي أوردها في كتابه في هذا المعنى عن بريد ومحمد بن مسلم صريحة في الأمر
بصلاة الكسوف ما لم يتخوف ان يذهب وقت الفريضة ، وإذا جاز ابتداء صلاة
__________________
(1) مستدرك الوسائل الباب 4 من صلاة الكسوف.
الكسوف والحال هذه فلا وجه لوجوب
قطعها بدخول الوقت بل ولا لجوازه.
أقول : قد عرفت ان مستند الصدوق (قدسسره) في هذه الفتوى
انما هو كتاب الفقه الرضوي ، نعم جمعه في كتابه بين هذه الفتوى وهذه الرواية مع ما
عرفت لا يخلو من مدافعة لما قرره في صدر كتابه من القاعدة.
ويخطر بالبال العليل والفكر الكليل في الجمع بين هذه
الأخبار على وجه تندفع به هذه المناقضة عن الصدوق (قدسسره) ويزول به
التنافي بين اخبار المقام ان يقال لا ريب في دلالة صحيحة محمد بن مسلم وعبارة كتاب
الفقه الرضوي على ما ذهب اليه الصدوق من وجوب تقديم الحاضرة في حال السعة ، واما
صحيحة محمد بن مسلم الأخيرة وصحيحة أبي أيوب فظاهرهما انه مع خوف فوات فضيلة أول
الوقت يقطع صلاة الكسوف لو شرع فيها ويبدأ بالفريضة ، وهو ظاهر في تأييد ما دلت
عليه صحيحة محمد بن مسلم الأولى وعبارة كتاب الفقه الرضوي.
قال شيخنا الشهيد في الذكرى بعد إيراد هذين الخبرين
الأخيرين أعني خبري محمد بن مسلم وابى أيوب : ولعل الجماعة يتمسكون بهاتين
الروايتين على التقديم مع السعة وعلى القطع مع دخول الوقت والبناء ، وهما صحيحتان
إلا ان دلالتهما على ذلك غير صريحة. انتهى.
أقول : بل متمسك الجماعة خصوصا الصدوقين (قدسسرهما) انما هو
عبارة كتاب الفقه الصريحة بل هي عين عبارة الصدوقين كما عرفت.
وكيف كان فان كلا منهما مؤذن بما ذكرنا من التأييد وان
لم تكونا صريحتين في الحكم المذكور إلا ان رواية محمد بن مسلم الأولى وعبارة كتاب
الفقه صريحتان في ذلك ، وحينئذ فلم يبق في المقام إلا صحيحة محمد بن مسلم وبريد
لانحصار المخالفة ظاهرا فيها ، وتطبيقها على هذه الأخبار ممكن بحمل وقت الفريضة فيها
على وقت الفضيلة كما صرحت به صحيحته الثانية وصحيحة أبي أيوب جمعا بين الأخبار ،
ووجهه ما قدمنا بيانه وشيدنا أركانه وبنيانه في مبحث الأوقات من إطلاق الوقت
في كثير من الأخبار على وقت الفضيلة
خاصة لا ما يشمل وقت الإجزاء.
وبالجملة فإن عبارة كتاب الفقه الرضوي قد صرحت بالنهي عن
صلاة الكسوف في وقت الفريضة حتى يصلى الفريضة والنهى حقيقة في التحريم ، وصحيحة
محمد بن مسلم الأولى قد صرحت بالأمر بالبدأة بالفريضة في الصورة المذكورة والأمر
حقيقة في الوجوب ، وأيد ذلك الصحيحتان الأخريان لدلالتهما على قطع صلاة الكسوف
محافظة على تحصيل فضيلة أول الوقت بلفظ الأمر الظاهر في الوجوب ، فحمل هذه الصحيحة
الباقية على ما ذكرنا لتجتمع به مع باقي أخبار المسألة على معنى واحد ليس ببعيد بل
هو أقرب قريب ، والاستبعاد في ذلك ان حصل فإنما هو من حيث الالف بالمشهورات وإلا
فما ذكرنا في مقام الجمع بين الأخبار شائع ذائع في كلامهم. وبه يظهر قوة ما ذهب
اليه الصدوق ومن حذا حذوه في المقام وتزول عنه غشاوة الإشكال والإبهام.
ومنها ـ ان ما تضمنته صحيحة محمد بن مسلم الأولى من
الأمر بتقديم صلاة الكسوف على صلاة الليل فهو مما لا خلاف فيه ، قال في المنتهى
انه قول علمائنا أجمع. ويدل عليه زيادة على هذه الصحيحة صحيحته الأخرى مع بريد بن
معاوية المتقدمة أيضا. وفي معنى صلاة الليل غيرها من النوافل المرتبة.
قال في الذكرى : لو كانت صلاة الليل منذورة فكالفريضة
الحاضرة في التفصيل السالف ، وهل ينسحب فيها قول البناء وكذا في كل صلاة منذورة
تزاحم صلاة الكسوف؟ الظاهر لا اقتصارا على موضع النص مع المخالفة للأصل. انتهى.
أقول : لا يخفى ان لفظ الفريضة في أخبار الكسوف المتقدمة
انما ينصرف إلى اليومية إذ هي المتبادرة من الإطلاق لا كل واجب ، وحينئذ فكون صلاة
الليل المنذورة أو غيرها من الصلوات المنذورة كالفريضة الحاضرة محل اشكال كما لا
يخفى لعدم الدليل في المقام زيادة على الأخبار المذكورة التي قد عرفت اختصاصها
باليومية ومنها ـ انه مع القطع والرجوع الى صلاة الفريضة فهل يبنى على ما قطع
ويتم ما مضى من صلاة الكسوف أو يعيد
صلاة الكسوف من رأس؟ قولان المشهور الأول وعليه تدل الأخبار المتقدمة كصحيحة محمد
بن مسلم وبريد وصحيحة محمد بن مسلم الثانية وصحيحة أبي أيوب وعبارة كتاب الفقه
الرضوي (1).
وذهب الشيخ في المبسوط الى ان من قطع صلاة الكسوف لخوف
فوات الفريضة وجب عليه استئنافها من رأس ، واختاره في الذكرى قال لأن البناء بعد
تخلل الصلاة الأجنبية لم يعهد من الشارع تجويزه في غير هذا الموضع. والاعتذار ـ بان
الفعل الكثير مغتفر هنا لعدم منافاته للصلاة ـ بعيد فانا لم نبطلها بالفعل الكثير
بل بحكم الشارع بالإبطال والشروع في الحاضرة فإذا فرع منها فقد اتى بما يخل بنظم
صلاة الكسوف فيجب إعادتها من رأس تحصيلا ليقين البراءة. انتهى.
وظاهر المحقق في المعتبر التردد في ذلك ، وهو اجتهاد محض
في مقابلة النصوص وهو غير جيد سيما منهما على الخصوص.
وفيه زيادة على ما قلناه انه قد تقدم في المسألة الثالثة
من المطلب الثاني في السهو من كتاب الصلاة (2) رواية عبد الله بن جعفر الحميري عن
الناحية المقدسة الصاحبية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام والتحية «انه سأله عن
رجل صلى الظهر ودخل في صلاة العصر فلما ان صلى من صلاته العصر ركعتين استيقن انه
صلى الظهر ركعتين كيف يصنع؟ فأجاب (عليهالسلام) ان كان أحدث
بين الصلاتين حادثة يقطع بها الصلاتين أعاد الصلاتين ، وان لم يكن أحدث حادثة جعل
الركعتين الأخيرتين تتمة لصلاة الظهر وصلى العصر بعد ذلك» وقد قدمنا في المسألة
المذكورة ان جمعا من الأصحاب ذهبوا الى القول بمضمون الخبر المذكور ومنهم الشهيد
وكذلك الشهيد الثاني (عطر الله مرقديهما).
وأنت خبير بان ما أورده في هذا المقام جار في العمل
بمضمون هذا الخبر بل العمل بمضمون هذا الخبر أشكل والأمر فيه أشد وأعضل ، فإن
القطع والبناء في
__________________
(1) ص 346.
(2) ج 9 ص 122.
صلاة الكسوف في الصورة المذكورة مستند
الى الأخبار الصحيحة الصريحة السالمة عن المعارض ، والعمل بهذا الخبر ـ مع
استلزامه لتخلل الركعتين المشتملتين على عدة من الأركان المتفق على إبطالها الصلاة
عمدا وسهوا من النية وتكبيرة الإحرام والركوع والسجود ـ معارض بالأخبار الكثيرة
الدالة على ان الحكم في مثل ذلك انما هو النقل الى الظهر بأن ينوي بالركعتين
الأوليين الظهر ويتم الركعتين الباقيتين بهذه النية ثم يصلى العصر ، ولم يعهد من
الشارع اغتفار زيادة هذه الأركان المتعددة في أثناء الصلاة الواحدة.
وبالجملة فإنه لا مستمسك لما ذكره إلا مجرد الاستبعاد
وهو مردود بهذه الرواية التي ذهب هو نفسه الى القول بمضمونها ، ولا فرق بين
الصورتين إلا ان الشارع حكم في تلك الصورة بالإبطال ثم العود وفي هذه الصورة
الإبطال أيضا متحقق في ما اتى به من الظهر ركعتين إذ لا خلاف ولا إشكال في
بطلانهما ، مع انه (عليهالسلام) جوز إتمامها
بما بقي عليه من ركعتي العصر التي ذكر النقصان في أثنائها ، فمرجع الصورتين إلى
أمر واحد كما لا يخفى. والله العالم.
ومنها ـ ان ما دلت عليه رواية كتاب الدعائم ـ من ان من
وقف في صلاة الكسوف حتى دخل عليه وقت صلاة فإنه يتم صلاة الكسوف أولا الى ان يضيق
وقت الفريضة ـ وان وافق كلام جمهور الأصحاب وصحيحة محمد بن مسلم وبريد المتقدمة
إلا انه خلاف ظاهر باقي أخبار المسألة ، والتأويل الذي ذكرناه في صحيحة محمد بن
مسلم وبريد بعيد في هذه الرواية ، وكيف كان فهي لا تبلغ قوة في معارضة ما ذكرناه
من الأخبار مع ما عرفت آنفا من عدم صلوح اخبار هذا الكتاب لتأسيس الأحكام وان صلحت
للتأييد.
الموضع الثاني ـ قال في المعتبر : لو اشتغل بالحاضرة مع
ضيق وقتها فانجلى الكسوف ولم يحصل تفريط فالأشبه انه لا قضاء لعدم استقرار الوجوب.
انتهى أقول : الظاهر ان مراده انه لو وقع تأخير الفريضة إلى آخر وقتها واتفق
الكسوف في ذلك الوقت وانجلى مدة
اشتغاله بالفريضة ، فإن كان تأخير الفريضة إلى آخر وقتها لم ينشأ من تفريط واعمال
في تأخيرها بل كان ذلك لعذر شرعي من حيض أو إغماء أو جنون أو نحو ذلك من الأعذار
فلا قضاء لصلاة الكسوف لعدم استقرار الوجوب ، وان كان عن تفريط فالأشبه القضاء
لاستناد الفوات الى تفريطه بتأخير الفريضة إلى آخر وقتها.
وفيه أنه يمكن ان يقال ان التأخير الى ذلك الوقت كان
مباحا له ثم تعين عليه بسبب التضيق ولزم من ذلك الفوات ، فهو في هذه الحال غير
متمكن من فعل الكسوف فلا يجب الأداء لعدم التمكن ولا القضاء لعدم الاستقرار ، لأنه
لم يمض عليه بعد وقوع الكسوف زمان يمكن الأداء فيه ليحصل به استقرار الوجوب.
وتؤيده الأخبار المتقدمة الدالة على انه بعد زوال السبب
فلا قضاء مثل رواية الحلبي (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن صلاة
الكسوف تقضى إذا فأتتنا؟ قال ليس فيها قضاء». ونحوها صحيحة البزنطي المنقولة في
السرائر ورواية كتاب دعائم الإسلام المتقدم جميعه في المقام الثالث من المسألة
الخامسة من البحث الأول (2) ونحوها صحيحة
على بن جعفر المتقدمة في المقام الثاني (3).
إلا انه قد تقدم حمل هذه الروايات على صورة الجهل
بالكسوف وعدم استيعاب الاحتراق جمعا بينها وبين ما دل على الأمر بالقضاء.
وكيف كان فالقضاء هو الأحوط سيما مع ما قدمناه من حمل
الأخبار على السببية دون التوقيت.
الثالث ـ قال في الذكرى : لو جامعت صلاة العيد بان تجب
بسبب الآيات المطلقة أو بالكسوفين نظرا الى قدرة الله تعالى وان لم يكن معتادا ،
على انه قد اشتهر ان الشمس كسفت يوم عاشوراء لما قتل الحسين (عليهالسلام) كسفة بدت
الكواكب نصف
__________________
(1) الوسائل الباب 10 من صلاة الكسوف.
(2) ص 323.
(3) ص 319.
النهار فيها ، رواه البيهقي وغيره (1) وقد قدمنا (2) ان الشمس كسفت
يوم مات إبراهيم ابن النبي (صلىاللهعليهوآله) وروى الزبير
بن بكار في كتاب الأنساب أنه توفي في العاشر من شهر ربيع الأول (3) وروى الأصحاب
ان من علامات المهدى (عليهالسلام) كسوف الشمس
في النصف الأول من شهر رمضان (4) فحينئذ إذا
اجتمع الكسوف والعيد فان كانت صلاة العيد نافلة قدم الكسوف وان كانت فريضة فكما مر
من التفصيل في الفرائض ، نعم تقدم على خطبة العيدين ان قلنا باستحبابها كما هو
المشهور. انتهى
الرابع ـ قال في الذكرى ايضا : هل يشترط في وجوب صلاة
الكسوف اتساع الوقت لجميعها أم يكفي ركعة بسجدتيها أم يكفي مسمى الركوع لأنه يسمى
ركعة لغة وشرعا في هذه الصلاة أم لا؟ احتمالات ، من تغليب السبب فلا يشترط شيء من
ذلك فتكون كالزلزلة. إلا ان هذا الاحتمال مرفوض بين الأصحاب ، ومن إجرائها مجرى
اليومية فتعتبر الركعة ، ومن خروج اليومية بالنص فلا يتعدى الى غيرها. انتهى أقول
: لا يخفى ان الاحتمال الأخير وان كان مرفوضا بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) إلا
انه هو الظاهر من إطلاق أخبار الباب كما تقدم نبذة من الكلام فيه في المسألة
الثالثة من البحث الأول (5).
الخامس ـ قال في الذكرى ايضا : لو اجتمعت آيتان فصاعدا
في وقت واحد كالكسوف والزلزلة والريح المظلمة فإن اتسع الوقت للجميع تخير في
التقديم ، ويمكن وجوب تقديم الكسوف على الآيات لشك بعض الأصحاب في وجوبها ،
__________________
(1) في مجمع الزوائد ج 9 ص 197 «لما قتل الحسين بن على (ع)
انكسفت الشمس حتى بدت الكواكب نصف النهار وظننا انها هي».
(2) تقدم ص 301.
(3) في عمدة القارئ ج 3 ص 472 «كانت وفاة إبراهيم (ع) يوم
الثلاثاء لعشر خلون من ربيع الأول سنة 10 ودفن بالبقيع» وفي المواهب اللدنية كما
في شرحها للزرقانى ج 3 ص 212 نحوه.
(4) البحار ج 13 ص 161 و 162.
(5) ص 308.
وتقديم الزلزلة على الباقي لأن دليل وجوبها
أقوى. ولو اتسع لصلاتين فصاعدا وكانت الصلوات أكثر مما يتسع له احتمل قويا هنا
تقديم الكسوف ثم الزلزلة ثم يتخير في باقي الآيات ، ولا يقضى ما لا يتسع له إلا
على احتمال عدم اشتراط سعة الوقت للصلاة في الآيات. ولو وسع واحدة لا غير فالأقرب
تقديم الكسوف للإجماع عليه ، وفي وجوب صلاة الزلزلة هنا أداء وقضاء وجهان ، وعلى
قول الأصحاب بأن اتساع الوقت ليس بشرط يصليها من بعد قطعا. وكذا الكلام في باقي
الآيات. انتهى.
فائدة بها التمام والختام
قال في من لا يحضره الفقيه في العلل التي ذكرها الفضل بن
شاذان النيسابوري عن الرضا (عليهالسلام) (1) قال : «انما
جعلت للكسوف صلاة لأنه من آيات الله تعالى لا يدرى ألرحمة ظهرت أم لعذاب؟ فأحب
النبي (صلىاللهعليهوآله) ان تفزع أمته
إلى خالقها وراحمها عند ذلك ليصرف عنهم شرها ويقيهم مكروهها كما صرف عن قوم يونس (عليهالسلام) حين تضرعوا
الى الله عزوجل ، وانما جعلت
عشر ركعات لأن أصل الصلاة التي نزل فرضها من السماء أولا في اليوم والليلة انما هي
عشر ركعات فجمعت تلك الركعات ههنا ، وانما جعل فيها السجود لانه لا تكون صلاة فيها
ركوع إلا وفيها سجود ولان يختموا صلاتهم ايضا بالسجود والخضوع ، وانما جعلت أربع
سجدات لان كل صلاة نقص سجودها من اربع سجدات لا تكون صلاة ، لأن أقل الفرض من
السجود في الصلاة لا يكون إلا أربع سجدات ، وانما لم يجعل بدل الركوع سجود لأن
الصلاة قائما أفضل من الصلاة قاعدا ، ولأن القائم يرى الكسوف والأعلى والساجد لا
يرى ، وانما غيرت عن أصل الصلاة التي افترضها الله لأنها تصلى لعلة تغير أمر من
الأمور وهو الكسوف فلما تغيرت العلة تغير المعلول».
__________________
(1) الفقيه ج 1 ص 342 وفي الوسائل الباب 1 من صلاة الكسوف.
وروى ثقة الإسلام في الكافي والصدوق في الفقيه والشيخ
على بن إبراهيم في تفسيره (1) بأسانيدهم عن
على بن الحسين (عليهالسلام) قال : «ان من
الأوقات التي قدرها الله للناس مما يحتاجون اليه البحر الذي خلقه الله بين السماء
والأرض ، قال وان الله قد قدر فيها مجاري الشمس والقمر والنجوم والكواكب وقدر ذلك
كله على الفلك ثم وكل بالفلك ملكا معه سبعون الف ملك فهم يديرون الفلك فإذا أداروه
دارت الشمس والقمر والنجوم والكواكب معه فنزلت في منازلها التي قدرها الله تعالى
فيها ليومها وليلتها ، فإذا كثرت ذنوب العباد وأراد الله ان يستعتبهم بآية من
آياته أمر الملك الموكل بالفلك أن يزيل الفلك الذي عليه مجاري الشمس والقمر
والنجوم والكواكب فيأمر الملك أولئك السبعين الف ملك أن يزيلوه عن مجاريه فيزيلونه
فتصير الشمس في ذلك البحر الذي يجري في الفلك ، قال فيطمس ضوؤها ويتغير لونها ،
فإذا أراد الله أن يعظم الآية طمس الشمس في البحر على ما يحب الله ان يخوف خلقه
بالآية قال وذلك عند انكساف الشمس ، قال وكذلك يفعل بالقمر ، قال فإذا أراد الله
ان يجليها أو يردها الى مجراها أمر الملك الموكل بالفلك ان يرد الفلك الى مجراه
فيرد الفلك فترجع الشمس الى مجراها ، قال فتخرج من الماء وهي كدرة ، قال والقمر
مثل ذلك ، قال ثم قال على بن الحسين (عليهالسلام) اما انه لا
يفزع لهما ولا يرهب بهاتين الآيتين إلا من كان من شيعتنا ، فإذا كان كذلك فافزعوا
الى الله تعالى ثم ارجعوا اليه».
ولصاحب الوافي هنا كلام بعد ذكر هذا الخبر في كتاب
الروضة يجرى على مذاقه ومذاق أمثاله من أراده فليراجعه.
ولله در شيخنا المجلسي (قدسسره) حيث أشار
إليه معرضا عنه بقوله في كتاب البحار : وربما يأول البحر بكل الأرض والقمر والأحوط
في أمثاله ترك
__________________
(1) الروضة ص 83 والفقيه ج 1 ص 340 وفيه «الآيات» بدل «الأوقات»
وفي الروضة «الأقوات» وفي الوسائل الباب 1 رقم 4 من صلاة الكسوف.
الخوض فيها وعدم إنكارها ورد علمها
إليهم (عليهمالسلام) كما ورد ذلك
في اخبار كثيرة. انتهى.
وقال الصدوق في الفقيه بعد نقل خبر على بن الحسين (عليهالسلام) : ان الذي
يخبر به المنجمون من الكسوف فيتفق كما يذكرونه ليس من هذا الكسوف في شيء وانما
يجب الفزع الى المساجد والصلاة عند رؤيته لأنه مثله في المنظر وشبيه له في
المشاهدة كما ان الكسوف الواقع مما ذكره سيد العابدين (عليهالسلام) انما وجب
الفزع فيه الى المساجد والصلاة لأنه آية تشبه آيات الساعة ، وكذلك الزلازل والرياح
والظلم وهي آيات تشبه آيات الساعة فأمرنا بتذكر القيامة عند مشاهدتها والرجوع الى
الله تعالى ذكره. انتهى.
قال شيخنا المجلسي في البحار بعد نقل ذلك عنه : وما ذكره
متين إذا رئي وقوع الكسوفين غير الوقت الذي يمكن وقوعهما عند المنجمين كالكسوف
والخسوف في يوم شهادة الحسين (عليهالسلام) وليلته ، وما
روى انه يقع عند ظهور القائم (عليهالسلام) من الكسوفين
في غير أوانهما (1) ويحتمل ايضا
أن يتفق عند ما يخبره المنجمون ما ورد في الخبر.
ونحوه قول والده (طاب ثراه) في حاشيته على الفقيه حيث
قال : يحتمل ان يكون غيره كما يقع في بعض الأوقات على خلاف قول المنجمين وشاهدناه
مرارا. ويحتمل أن يكون ما ذكره (عليهالسلام) هو ما ذكره
المنجمون ، ولا استبعاد في أن يقدر الله حركتهما بحيث تصير الشمس تجتمع مع القمر
محاذاة والقمر مع الأرض ويحصل الكسوف والخسوف ليخاف العباد ويرجعوا الى ربهم
ويتذكروا بها آيات الساعة كما قال الله تعالى «إِذَا
الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ» (2) انتهى.
أقول : ما ذكره (قدسسره) من مشاهدة
الكسوف والخسوف مرارا على خلاف قول المنجمين لا يخلو من غرابة فإنه لم ينقل مثل
ذلك إلا في مقام
__________________
(1) ارجع الى التعليقة 1 و 4 ص 353.
(2) سورة التكوير الآية 2 و 3.
المعاجز الغريبة كشهادة الحسين (عليهالسلام) (1) وقيام القائم (عليهالسلام) (2) ونحوهما كما
وقع في كلام ابنه وتقدم في كلام الشهيد في الذكرى. والله العالم.
وروى في الكافي عن عبد الصمد بن بشير عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (3) قال «ان الحوت
الذي يحمل الأرض أسر في نفسه انه انما يحمل الأرض بقوته فأرسل الله اليه حوتا أصغر
من شبر وأكبر من فتر (4) فدخل في
خياشيمه فصعق فمكث بذلك أربعين يوما ثم ان الله تعالى رؤف به ورحمه وخرج ، فإذا
أراد الله تعالى بأرض زلزلة بعث ذلك الحوت الى ذلك الحوت فإذا رآه اضطرب فتزلزلت
الأرض».
وروى في الفقيه (5) مرسلا قال : «قال الصادق (عليهالسلام) ان الله خلق
الأرض فأمر الحوت فحملتها فقالت حملتها بقوتي فبعث الله إليها حوتا قدر فتر فدخلت
في منخرها فاضطربت أربعين صباحا ، فإذا أراد الله تعالى ان يزلزل أرضا تراءت لها
تلك الحوتة الصغيرة فتزلزلت الأرض خوفا».
وروى الصدوق في الفقيه (6) مرسلا قال : «قال
الصادق (عليهالسلام) ان ذا
القرنين لما انتهى الى السد جاوزه فدخل في الظلمات فإذا بملك قائم على جبل طوله
خمسمائة ذراع فقال له الملك يا ذا القرنين أما كان خلفك مسلك؟ فقال له ذو القرنين
من أنت؟ فقال أنا ملك من ملائكة الرحمن موكل بهذا الجبل وليس من جبل خلقه الله
تعالى إلا وله عرق متصل بهذا الجبل فإذا أراد الله عزوجل ان يزلزل
مدينة أوحى إلي فزلزلتها».
ورواه الشيخ في التهذيب عن جميل عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (7) قال : «سألته
__________________
(1) ارجع الى التعليقة 1 ص 353.
(2) ارجع الى التعليقة 4 ص 353.
(3) الروضة ص 255.
(4) الفتر سعة ما بين السبابة والإبهام إذا فتحتهما.
(5) ج 1 ص 342 وفيه «فرقا» بدل «خوفا».
(6) ج 1 ص 342.
(7) ج 3 ص 290 الطبع الحديث.
عن الزلزلة قال أخبرني ابى عن آبائه (عليهمالسلام) قال قال رسول
الله (صلىاللهعليهوآله). الحديث».
وروى في الفقيه (1) مرسلا قال : «قال الصادق (عليهالسلام) ان الله
تبارك وتعالى أمر الحوت بحمل الأرض وكل بلد من البلدان على فلس من فلوسه فإذا أراد
الله تعالى ان يزلزل أرضا أمر الحوت ان يحرك ذلك الفلس فيحركه ولو رفع الفلس
لانقلبت الأرض بإذن الله تعالى».
وروى فيه (2) قال : «وسأل سليمان الديلمي أبا عبد
الله (عليهالسلام) عن الزلزلة
ما هي؟ فقال آية. فقال وما سببها؟ قال ان الله تعالى وكل بعروق الأرض ملكا فإذا
أراد الله أن يزلزل أرضا أوحى الى ذلك الملك ان حرك عرق كذا وكذا قال فيحرك ذلك
الملك عرق تلك الأرض التي أمر الله تعالى فتتحرك بأهلها. قال قلت فإذا كان ذلك فما
اصنع؟ قال صل صلاة الكسوف فإذا فرغت خررت لله ساجدا وتقول في سجودك : يا من يمسك
السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده انه كان حليما
غفورا يا من يمسك السماء ان تقع على الأرض إلا بإذنه أمسك عنا السوء انك على شيء
قدير».
قال في الفقيه (3) بعد نقل هذه الأخبار : والزلزلة تكون
من هذه الوجوه الثلاثة وليست هذه الأخبار مختلفة.
وقال شيخنا المجلسي في البحار بعد نقل جملة من هذه الأخبار
: يمكن الجمع بين هذه الأخبار باجتماع تلك العلل عند الزلزلة أو بأنها تكون على
هذه الوجوه مرة لعلة ومرة أخرى لأخرى كما ذكره في الفقيه. ويمكن أن يكون ترائي
الحوت للزلزلة الشاملة لجميع الأرض ورفع الفلس للزلزلة الشديدة الخاصة ببعض البلاد
وتحريك العرق للخاصة الغير الشديدة.
__________________
(1) ج 1 ص 343.
(2) ج 1 ص 343 وفي الوسائل الباب 2 من صلاة الكسوف.
(3) ج 1 ص 343.
وقال والده (طاب ثراه) في شرحه على الفقيه : اعلم ان
الصدوق ذكر طرق هذه الأخبار وفيها جهالة وإرسال ولما كانت مختلفة ظاهرا جمع بينها
بأن الزلزلة تكون لهذه الأسباب حتى لا تكون بينها منافاة. ويمكن الجمع بينها على
تقدير صحتها بوجه آخر بان تكون عروق البلدان بيد الملك الذي على جبل قاف المحيط
بجميع الأرض ويكون كل بلد على فلس من فلوس الحوت الحامل لها بقدرة الله تعالى وإذا
أراد الله تعالى أن يزلزل أرضا أمر الملك أن يحرك عرق تلك الأرض وأمر الحوتة
الصغيرة إن تتراءى للحوت الكبير حتى يفزع لها فيحرك الفلس الذي وقعت عليه الأرض
التي أراد الله زلزلتها. انتهى.
وروى في الفقيه (1) عن على بن مهزيار قال : «كتبت الى ابى جعفر (عليهالسلام) وشكوت إليه كثرة الزلازل في الأهواز وقلت ترى لي التحويل عنها؟ فكتب لا تتحولوا عنها وصوموا الأربعاء والخميس والجمعة واغتسلوا وطهروا ثيابكم وابرزوا يوم الجمعة وادعوا الله تعالى فإنه يرفع عنكم. قال ففعلنا فسكنت الزلازل».
__________________
(1) ج 1 ص 343 وفي الوسائل الباب 13 من صلاة الكسوف.