ج9 - قواطع الصلاة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد وآله أجمعين.

المقصد الثاني

في ما يلحق الصلاة من قواطعها وسهوها وشكوكها

وتفصيل الكلام فيه يتوقف على بسطه في مطالب :

(الأول) ـ في قواطعها ، ومنها ما يقطعها عمدا وسهوا على الخلاف الآتي ومنها ما لا يقطعها إلا عمدا ، ومنها ما يكون الأفضل تركه وان لم يقطعها ، وإطلاق القطع عليه تجوز باعتبار قطع فضلها ، فههنا مقامات ثلاثة :

(الأول) ـ في ما يقطعها عمدا وسهوا ، لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في بطلان الصلاة بترك الطهارة عمدا أو سهوا ، والظاهر ان الحكم للذكور إجماعي نصا وفتوى ، وكذا لا خلاف في بطلانها بمبطلات الطهارة من حدث أكبر أو أصغر إذا كان عن عمد ، نقل الإجماع على ذلك جماعة من الأصحاب : منهم ـ العلامة. إلا ان الظاهر من كلام ابن بابويه ـ كما سيأتي ان شاء الله تعالى في مسألة من ترك ركعتين من الصلاة ساهيا فإنه يأتي بهما وان بلغ الصين ـ خلافه

ويمكن إلحاق هذا الفرد بالسهو ايضا على نحو مسألة من تكلم في الصلاة عامدا بعد التسليم بناء على تمام صلاته ثم ظهر نقصانها فإنه يتمها وتكون صلاته صحيحة فلا يخالف الإجماع المدعى في المقام.

إنما الخلاف في ما لو أحدث ساهيا ، فأقول المشهور البطلان بل ادعى عليه العلامة في التذكرة الإجماع فقال انه مبطل للصلاة إجماعا. وقال في النهاية لو شرع متطهرا ثم أحدث ذاكرا للصلاة أو ناسيا لها بطلت صلاته إجماعا إذا كان عن اختياره. ونسبه المحقق في المعتبر إلى الخمسة. إلا ان كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) هنا لا يخلو من إجمال ، فإن ظاهر كلامهم ان محل الخلاف في المسألة من أحدث في صلاته ساهيا ، والمتبادر من هذا انه أحدث بانيا على انه ليس في الصلاة بل سها عن كونه فيها ، فهو في الحقيقة متعمد للحدث لكنه ساه عن الصلاة كمن تكلم في الصلاة ساهيا ، فان كلامه وان كان عن تعمد إلا انه سها عن كونه في الصلاة ، مع ان القول المنقول عن المرتضى والشيخ في هذا المقام وهو اعادة الوضوء والبناء إنما هو في من سبه الحدث اى خرج منه من غير اختياره ، قال في المنتهى أما الناسي إذا سبقه الحدث فإن أكثر أصحابنا أوجبوا عليه الاستئناف بعد الطهارة ، وقال الشيخ في الخلاف والسيد المرتضى في المصباح إذا سبقه الحدث ففيه روايتان وهكذا عبائر من نقل عنهما ذلك ، والظاهر ان مرجع الجميع إلى أمر واحد وهو من أحدث غير متعمد لذلك في الصلاة اما بان يسبقه من غير اختياره أو بان يسهو عن كونه في الصلاة. وقد تقدم مذهب الشيخين في باب التيمم من تخصيص الحكم بالمتيمم إذا أحدث في الصلاة لا عن عمد ثم وجد الماء فإنه يتوضأ ويبنى.

وكيف كان فالواجب الرجوع الى ما ورد في المسألة من الأخبار عنهم (عليهم‌السلام) وبيان ما يفهم منها في المقام :

فنقول اما ما يدل على القول المشهور فمنه ما ذكره جملة من الأصحاب وهو ان الطهارة شرط في صحة الصلاة فيكون انتفاؤها موجبا لانتفاء الصلاة قضية للشرطية


ومنه ـ رواية أبي بكر الحضرمي عن ابى جعفر وابى عبد الله (عليهما‌السلام) (1) انهما كانا يقولان : «لا يقطع الصلاة إلا أربعة : الخلاء والبول والريح والصوت» رواه الكليني عنه في الموثق.

وما رواه الشيخ عن عمار الساباطي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال «سئل عن الرجل يكون في صلاته فيخرج منه حب القرع كيف يصنع؟ قال ان كان خرج نظيفا من العذرة فليس عليه شي‌ء ولم ينقض وضوءه ، وان خرج متلطخا بالعذرة فعليه ان يعيد الوضوء وان كان في صلاته قطع الصلاة وأعاد الوضوء والصلاة».

وما رواه الشيخ عن الحسن بن الجهم (3) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن رجل صلى الظهر أو العصر فأحدث حين جلس في الرابعة؟ قال ان كان قال : «اشهد أن لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله» فلا يعيد وان كان لم يتشهد قبل ان يحدث فليعد».

وما رواه في قرب الاسناد عن علي بن جعفر (4) ونحوه في كتاب المسائل عن أخيه (عليه‌السلام) (5) قال : «سألته عن رجل يكون في صلاته فيعلم ان ريحا قد خرجت منه ولا يجد ريحا ولا يسمع صوتا؟ قال يعيد الوضوء والصلاة ولا يعتد بشي‌ء مما صلى إذا علم ذلك يقينا».

ويعضده أيضا رواية أبي الصباح الكناني عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (6) قال : «سألته عن الرجل يخفق وهو في الصلاة فقال ان كان لا يحفظ حدثا منه ان كان فعليه الوضوء واعادة الصلاة وان كان يستيقن انه لم يحدث فليس عليه وضوء ولا اعادة».

وما رواه في التهذيب عن الحسين بن حماد عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (7)

__________________

(1 و 3 و 4 و 5 و 7) الوسائل الباب 1 من قواطع الصلاة.

(2) الوسائل الباب 5 من نواقض الوضوء.

(6) الوسائل الباب 3 من نواقض الوضوء.


قال : «إذا أحس الرجل ان بثوبه بللا وهو يصلى فليأخذ ذكره بطرف ثوبه فيمسحه بفخذه فان كان بللا يعرف فليتوضأ وليعد الصلاة وان لم يكن بللا فذلك من الشيطان». أقول يجب حمله على ما إذا لم يستبرئ قبل وضوئه.

وأورد على الدليل الأول ان المعتبر عدم وقوع شي‌ء من اجزاء الصلاة بدون الطهارة واما اشتراط عدم تخلل الحدث في الأثناء فممنوع.

وفيه ان الصلاة ليست عبارة عن تلك الاجزاء بالخصوص من قراءة وركوع وسجود ونحوها بل هي عبارة عن ذلك وعن ما بينها من الانتقالات لقولهم (عليهم‌السلام) في ما تقدم (1) من الأخبار «تحريمها التكبير وتحليلها التسليم» وجواز بعض الأفعال الخارجة عنها في أثنائها لدليل كغسل الرعاف ونحوه لا يستلزم جواز ما لا دليل عليه.

وأورد على الأخبار الطعن بضعف السند وهو على ما عرفت من طريقتنا غير واضح ولا معتمد ، وبالجملة فالروايات المذكورة ظاهرة في القول المذكور تمام الظهور إلا انها معارضة بما هو أصح سندا وأكثر عددا من اخبار القولين الآخرين

وها أنا أسوق لك جملة ما وقفت عليه من اخبار المسألة زيادة على ما تقدم وأبين الوجه فيها بما اتضح لي دليله وظهر لي سبيله :

فأقول ـ وبالله التوفيق ـ من الأخبار المشار إليها ما رواه الشيخ في الصحيح عن الفضيل بن يسار (2) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) أكون في الصلاة فأجد غمزا في بطني أو أذى أو ضربانا؟ فقال انصرف ثم توضأ وابن على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمدا ، فان تكلمت ناسيا فلا شي‌ء عليك فهو بمنزلة من تكلم في الصلاة ناسيا. قلت فان قلب وجهه عن القبلة؟ قال نعم وان قلب وجهه عن القبلة». قال المرتضى (رضى الله عنه) على ما نقل عنه : لو لم يكن الأذى والغمز ناقضا لم يأمره بالانصراف.

__________________

(1) ج 8 ص 478.

(2) الوسائل الباب 1 من قواطع الصلاة.


وما رواه الشيخ عن ابى سعيد القماط (1) قال : «سمعت رجلا يسأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل وجد غمزا في بطنه أو أذى أو عصرا من البول وهو في الصلاة المكتوبة في الركعة الأولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة؟ قال فقال إذا أصاب شيئا من ذلك فلا بأس ان يخرج لحاجته تلك فيتوضأ ثم ينصرف الى مصلاه الذي كان يصلى فيه فيبني على صلاته من الموضع الذي خرج منه لحاجته ما لم ينقض الصلاة بكلام. قال قلت وان التفت يمينا وشمالا لو ولى عن القبلة؟ قال نعم كل ذلك واسع إنما هو بمنزلة رجل سها فانصرف في ركعة أو ركعتين أو ثلاث من المكتوبة فإنما عليه ان يبنى على صلاته».

وما رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يصيبه الغمز في بطنه وهو يستطيع ان يصبر عليه أيصلى على تلك الحال أو لا يصلى؟ قال فقال ان احتمل الصبر ولم يخف إعجالا عن الصلاة فليصل وليصبر». ومفهومه انه لو لم يستطع الصبر فإنه يجوز له القطع ، واما انه بعد القطع ما حكمه فالخبر مجمل في ذلك.

ونحو ذلك قوله (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي (3) «وان كنت في الصلاة فوجدت غمزا فانصرف إلا ان يكون شيئا تصبر عليه من غير إضرار بالصلاة».

ويعضد ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (4) قال : «قلت له رجل دخل في الصلاة وهو متيمم فصلى ركعة ثم أحدث فأصاب الماء؟ قال يخرج ويتوضأ ثم يبنى على ما مضى من صلاته التي صلى بالتيمم».

وفي الصحيح عن زرارة (5) قال : «قلت له رجل دخل في الصلاة وهو

__________________

(1 و 4 و 5) الوسائل الباب 1 من قواطع الصلاة.

(2) الوسائل الباب 8 من قواطع الصلاة ، والمسؤول في كتب الحديث هو أبو الحسن (ع).

(3) ص 7.


متيمم فصلى ركعة وأحدث فأصاب ماء؟ قال يخرج ويتوضأ ويبنى على ما مضى من صلاته التي صلى بالتيمم».

وهذان الخبران وان كان موردهما التيمم خاصة إلا أنهما دالان على ان وقوع الحدث في الصلاة غير مبطل كما هو القول المشهور.

ويزيده تأييدا أيضا ما رواه الكليني والشيخ في الصحيح أو الحسن بإبراهيم ابن هاشم عن زرارة عن أبى جعفر (عليه‌السلام) (1) «في الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه من السجدة الأخيرة وقبل أن يتشهد؟ قال ينصرف فيتوضأ فإن شاء رجع الى المسجد وان شاء ففي بيته وان شاء حيث شاء يقعد فيتشهد ثم يسلم ، وان كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته».

وما رواه الشيخ في الموثق عن زرارة (2) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) الرجل يحدث بعد ما يرفع رأسه من السجود الأخير؟ قال تمت صلاته وانما التشهد سنة في الصلاة فيتوضأ ويجلس مكانه أو مكانا نظيفا فيتشهد».

وما رواه الكليني عن عبيد بن زرارة في الموثق عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «سألته عن رجل صلى الفريضة فلما فرغ ورفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الرابعة أحدث؟ فقال اما صلاته فقد مضت وبقي التشهد وإنما التشهد سنة في الصلاة فليتوضأ وليعد الى مجلسه أو مكان نظيف فيتشهد».

وهذه الأخبار وان كان موردها خاصا بالحدث قبل التشهد الأخير إلا أنه لا خلاف في وجوب التشهد وانه جزء من الصلاة وحينئذ فيكون الحدث واقعا في الصلاة وغير مبطل لها خلافا للمشهور كما عرفت.

وظاهر الصدوق القول بهذه الأخبار الأخيرة حيث قال في الفقيه : ان

__________________

(1 و 3) الوسائل الباب 13 من التشهد.

(2) الوسائل الباب 13 من التشهد. وفي الوسائل «عبيد بن زرارة» وفي التهذيب ج 1 ص 226 والوافي باب «الحدث والنوم في الصلاة» كما هنا.


رفعت رأسك من السجدة الثانية في الركعة الرابعة وأحدثت فإن كنت قد قلت الشهادتين فقد مضت صلاتك وان لم تكن قلت ذلك فقد مضت صلاتك فتوضأ ثم عد الى مجلسك فتشهد. انتهى. قال شيخنا المجلسي (قدس‌سره) في البحار : ويشمل ظاهر كلامه العمد ايضا ولا يخلو من قوة. انتهى.

أقول ـ وبالله التوفيق والهداية إلى سواء الطريق ـ لا يخفى ان الأخبار المتقدمة التي هي مستند القول المشهور وان ضعف سندها فإنها هي الأوفق بالقبول والمطابقة للقواعد الشرعية والأصول مضافا الى الاحتياط المطلوب في الدين لذوي الألباب والعقول ، وان ما سواها وان صح سندها بهذا الاصطلاح المحدث إلا انها لا تخلو من الخلل والقصور الزائد ذلك على ما فيها من المخالفة لأخبار القول المشهور.

فاما صحيحة الفضيل بن يسار فلا دلالة فيها على محل البحث ، فان ظاهرها إنما هو من وجد في بطنه تلك الأشياء من غمز أو أذى أو ضربان وشي‌ء ، من هذه الأشياء ليس بحدث أصلا اتفاقا ، وليس في سؤاله انه أحدث فأمره (عليه‌السلام) بالانصراف عن الصلاة في تلك الحال وبقضاء الحاجة ثم الوضوء والبناء. واما جواب صاحب المدارك عن ذلك بان التعبير عن قضاء الحاجة بالانصراف شائع ليس في محله ، فان هذا الكلام إنما هو من الإمام (عليه‌السلام) ومحل الإشكال إنما هو في السؤال حيث لم يتضمن وقوع الحدث بالفعل وانما تضمن وقوع هذه الأوجاج الناشئة من حبس الغائط. ومثله في ما ذكرناه خبر القماط.

نعم لقائل أن يقول انه يمكن حمل الخبرين المذكورين على من حصل له شي‌ء من هذه الأمور المذكورة على وجه يخاف مبادرة الحدث وعدم إمكان إتمام الصلاة فإنه يجوز له قطع الصلاة وقضاء الحاجة والوضوء ثم البناء على ما فعل. ويشهد لذلك ما ذكرناه من صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج وكلامه (عليه‌السلام) في الفقه فإنهما وان كانا مطلقين بالنسبة إلى العود والبناء الا أنه يمكن حمل إطلاقهما على ما دل عليه الخبران المذكوران من العود بعد القطع والبناء وتكون هذه الروايات دالة على


هذا الحكم وان لم يقل به أحد من الأصحاب.

وكيف كان فالخبران المذكوران بناء على ما ذكرناه خارجان عن فرض المسألة نعم فيهما دلالة على بطلان الصلاة بتخلل الحدث ، والأظهر عندي حملهما على التقية (1) التي هي في الأحكام الشرعية أصل كل بلية. على ان فيهما أيضا اشكالا من وجه آخر وهو ما تضمناه من الفرق بين الكلام متعمدا وبين الاستدبار وان الصلاة تبطل بالأول دون الثاني وهو خلاف ما دلت عليه الأخبار وكلمة الأصحاب من غير خلاف يعرف.

واما صحيحتا زرارة الواردتان بالنسبة إلى المتيمم فقد تقدم البحث فيهما في باب التيمم ، وقد تقدم (2) في كلام المحقق الشيخ حسن في المنتفي حمل الخبرين المذكورين على معنى لا يخالف الأخبار المتقدمة ، وملخصه ان المراد بالصلاة في قوله «يبنى على ما مضى من صلاته» هي الصلاة التي صلاها بالتيمم تامة قبل هذه الصلاة التي أحدث فيها ، ومرجعه الى أن هذه الصلاة قد بطلت بالحدث وانه يخرج ويتوضأ من هذا الماء الموجود ولا يعيد ما صلى بهذا التيمم وان كان في الوقت ، قال : ويكون قوله (عليه‌السلام) في آخر الكلام : «التي صلى بالتيمم» قرينة قوية على إرادة هذا المعنى ، فيكون مفاد الخبرين حينئذ عدم وجوب إعادة الصلاة الواقعة بالتيمم بعد وجدان الماء. وهو معنى صحيح وارد في اخبار كثيرة مضى بعضها. انتهى. وهو جيد وبه ينطبق الخبران المذكوران على مقتضى الأصول الشرعية والقواعد المرعية مع قرب احتمال التقية (3).

واما الأخبار الأخيرة الدالة على صحة الصلاة مع حصول الحدث بعد السجدة الأخيرة وقبل التشهد فقد تقدم البحث فيها في فصل التشهد.

__________________

(1 و 3) ارجع الى التعليقة 1 ص 448 ج 8 والتعليقة 1 ص 387 ج 4.

(2) ج 4 ص 392.


وبالجملة فإن التمسك بذيل الاحتياط في أمثال هذه الأحكام طريق النجاة. والله العالم.

(المقام الثاني) ـ في ما يبطلها عمدا ، قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بان كل من أخل بواجب من واجبات الصلاة عمدا أو جهلا من اجزاء الصلاة كالقراءة والركوع والسجود أو صفاتها كالطمأنينة في حال القراءة مثلا أو شرائطها كالوقت والاستقبال وستر العورة بطلت صلاته ، قالوا وهذه كلية ثابتة في جميع مواردها عدا الجهر والإخفات فإن الجاهل يعذر فيهما كما تقدم في فصل القراءة.

وههنا أشياء قد صرح بها الأصحاب (رضوان الله عليهم) في هذا الباب لا بد من ذكرها تفصيلا والكلام فيها تحقيقا ودليلا :

(الأول) ـ وضع اليمين على الشمال حال القيام فوق السرة أو تحتها وهو المسمى بالتكتف والتكفير.

وقد اختلف الأصحاب هنا في موضعين (الموضع الأول) في حكمه فالمشهور بين الأصحاب التحريم بل نقل المرتضى والشيخ عليه إجماع الفرقة ، ونقل عن ابن الجنيد انه جعل تركه مستحبا وعن أبى الصلاح انه جعل فعله مكروها واختاره المحقق في المعتبر.

واستدل على القول المشهور بالإجماع المنقول ، وبالاحتياط ، وبأن أفعال الصلاة متلقاة من الشرع ولا شرع هنا ، وبأنه فعل كثير خارج عن الصلاة.

وبما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما (عليهما‌السلام) (1) قال : «قلت الرجل يضع يده في الصلاة وحكى اليمنى على اليسرى ، قال ذلك التكفير فلا تفعل».

وعن حريز عن رجل عن أبى جعفر (عليه‌السلام) (2) قال «لا تكفر إنما

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 15 من قواطع الصلاة.


يصنع ذلك المجوس». ونحوه قوله (عليه‌السلام) في حسنة زرارة المتقدمة في صدر الباب (1) «ولا تكفر فإنما يفعل ذلك المجوس».

أقول : ويدل عليه أيضا ما رواه في الخصال عن ابى بصير ومحمد بن مسلم عن الصادق عن آبائه (عليهم‌السلام) (2) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) لا يجمع المؤمن يديه في صلاته وهو قائم بين يدي الله عزوجل يتشبه بأهل الكفر يعنى المجوس».

وروى في دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (3) انه قال : «إذا كنت قائما في الصلاة فلا تضع يدك اليمنى على اليسرى ولا اليسرى على اليمنى فان ذلك تكفير أهل الكتاب ولكن أرسلهما إرسالا فإنه أحرى ان لا تشغل نفسك عن الصلاة».

وروى الحميري في قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده على بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (4) قال : «قال على بن الحسين (عليه‌السلام) وضع الرجل احدى يديه على الأخرى في الصلاة عمل وليس في الصلاة عمل».

وروى على بن جعفر في كتابه عن أخيه (عليه‌السلام) (5) قال : «سألته عن الرجل يكون في صلاته أيضع احدى يديه على الأخرى بكفه أو ذراعه؟ قال لا يصلح ذلك فان فعل فلا يعود له. قال على قال موسى (عليه‌السلام) سألت أبي جعفر (عليه‌السلام) عن ذلك فقال أخبرني أبي محمد بن على عن أبيه على ابن الحسين عن أبيه الحسين بن على عن أبيه على بن ابى طالب (عليهم‌السلام) قال ذلك عمل وليس في الصلاة عمل».

قال بعض مشايخنا (قدس الله أسرارهم) «ليس في الصلاة عمل» اى لا ينبغي

__________________

(1) ج 8 ص 10.

(2 و 4) الوسائل الباب 15 من قواطع الصلاة.

(3) مستدرك الوسائل الباب 14 من قواطع الصلاة.

(5) البحار ج 4 ص 155 وفي الوسائل الباب 15 من قواطع الصلاة.


أن يعمل في الصلاة عمل غير أفعال الصلاة أو هو بدعة ولا يجوز الابتداع فيها أو هو فعل كثير كما فهمه بعض الأصحاب.

قال المحقق في المعتبر : الوجه عندي الكراهة أما التحريم فيشكل لأن الأمر بالصلاة لا يتضمن حال الكفين فلا يتعلق بها تحريم لكن الكراهة من حيث هي مخالفة لما دل عليه الأحاديث من استحباب وضعهما على الفخذين. واحتجاج علم الهدى بالإجماع غير معلوم لنا وخصوصا مع وجود المخالف من أكابر الفضلاء. والتمسك بأنه فعل كثير في غاية الضعف لان وضع اليدين على الفخذين ليس بواجب ولم يتناول النهى وضعهما في موضع معين فكان للمكلف وضعهما كيف شاء. واما احتجاج الطوسي (قدس‌سره) بأن أفعال الصلاة متلقاة (قلنا) حسن لكن كما لم يثبت تشريع وضع اليدين لم يثبت تحريم وضعهما فصار للمكلف وضعهما كيف شاء وعدم تشريعه لا يدل على تحريمه لعدم دلالة التحريم. وقوله الاحتياط يقتضي ترك ذلك (قلنا) متى؟ إذا لم يوجد ما يدل على الجواز أم إذا وجد ، لكن الأوامر المطلقة بالصلاة دالة بإطلاقها على عدم المنع (قوله) عندنا تكون الصلاة باطلة (قلنا) لا عبرة بقول من يبطل إلا مع وجود ما يقتضي البطلان اما الاقتراح فلا عبرة به. وأما الرواية فظاهرها الكراهة لما تضمنت من قوله «يتشبه بالمجوس» وأمر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بمخالفتهم ليس على سبيل الوجوب لأنهم قد يفعلون الواجب من اعتقاد الإلهية وانه فاعل الخير فلا يمكن حمل الحديث على ظاهره ، فإذن ما قاله الشيخ أبو الصلاح من الكراهة أولى. انتهى.

قال في المدارك بعد نقله : وهو جيد لكن في اقتضاء التشبيه ظهور الرواية في الكراهة نظر ، مع أن رواية محمد بن مسلم المتضمنة للنهي خالية من ذلك. وبالجملة فحمل النهى على الكراهة مجاز لا يصار اليه إلا مع القرينة وهي منتفية فاذن المعتمد التحريم دون الابطال. انتهى. ومنه يعلم قول ثالث في المسألة أيضا وهو التحريم بغير إبطال ، والى هذا القول أشار جده (قدس الله روحهما) في الروض


ورده بأنه إحداث قول ثالث مخالف لما أجمع عليه الفريقان.

وقال الشهيد في الذكرى بعد نقل كلام المحقق : قلت في بعض كلامه (قدس‌سره) مناقشة وذلك لأنه قائل في كتبه بتحريمه وإبطاله الصلاة ، والإجماع وان لم نعلمه فهو إذا نقل بخبر الواحد حجة عند جماعة من الأصوليين. واما الروايتان فالنهي فيهما صريح وهو للتحريم على ما اختاره معظم الأصوليين ، وخلاف العين لا يقدح في الإجماع ، والتشبه بالمجوس فيما لم يدل دليل على شرعيته حرام واين الدليل الدال على شرعية هذا الفعل؟ والأمر بالصلاة مقيد بعدم التكفير الثابت في الخبرين المعتبري الاسناد الذين عمل بهما الأصحاب (رضوان الله عليهم) فحينئذ الحق ما صار إليه الأكثر وان لم يكن إجماعا. انتهى. وجرى على نحوه الشهيد الثاني في الروض أيضا.

أقول : ما ذكره الشهيدان (قدس الله سرهما) بالنسبة إلى الإجماع هو الأنسب بالقواعد الأصولية وما ذكره المحقق (قدس‌سره) هو الأوفق بالتحقيق.

بقي الكلام في الروايات التي قدمناها مما ذكروه وما لم يذكروه ولا ريب ان مقتضى صيغة النهي فيها هو التحريم الى ان يقوم ما يوجب صرفه عن حقيقته ، إلا ان عده في رواية حريز وصحيحة زرارة (1) في سياق جملة من المكروهات مما يثمر ظنا بكونه كذلك لقوله في الاولى «لا تكفر انما يصنع ذلك المجوس ولا تلثم ولا تحتفز ولا تقع على قدميك ولا تفترش ذراعيك». وقوله في الثانية «إذا قمت في الصلاة فعليك بالإقبال على صلاتك فإنما يحسب لك منها ما أقبلت عليه ولا تعبث فيها بيدك ولا برأسك ولا بلحيتك ولا تحدث نفسك ولا تتثأب ولا تتمط ولا تكفر فإنما يفعل ذلك المجوس ، ولا تلثم ولا تحتفز ولا تفرج كما يتفرج البعير ولا تقع على قدميك ولا تفترش ذراعيك ولا تفرقع أصابعك فإن ذلك نقصان في الصلاة (2) الحديث». والظاهر ان قوله «نقصان في الصلاة» راجع الى كل من هذه

__________________

(1) ص 10 و 11.

(2) لفظ الحديث في فروع الكافي ج 1 ص 82 والوافي باب (الإقبال على الصلاة) والوسائل هكذا «فان ذلك كله نقصان من الصلاة».


الأشياء المذكورة وهو مؤيد للحمل على الكراهة ، والى ذلك ايضا يشير قوله (عليه‌السلام) في رواية على بن جعفر المنقولة من كتابه (1) بعد قوله «لا يصلح ذلك» «فان فعل فلا يعود له» فإن مؤذن بالكراهة أيضا.

وبالجملة فإن المسألة لا تخلو من شوب تردد وان كان القول بالتحريم كما ذهب إليه في المدارك لا يخلو من قوة. والله العالم.

(الثاني) ـ في تفسيره ، والتكفير في اللغة هو الخضوع وان ينحني الإنسان ويطأطئ رأسه قريبا من الركوع كما يفعله من يريد تعظيم صاحبه ، ففي القاموس فسره بان يخضع الإنسان لغيره. وفي النهاية الأثيرية هو أن ينحني الإنسان. إلى آخر ما ذكر.

وقد اختلف الأصحاب في تفسيره ، فالفاضلان على انه عبارة عن وضع اليمين على الشمال وقيده العلامة في المنتهى والتذكرة بحال القراءة. وقال الشيخ لا فرق بين وضع اليمين على الشمال وبالعكس وتبعه ابن إدريس والشهيدان ، ويدل على هذا القول ما تقدم من رواية صاحب كتاب دعائم الإسلام وهو ظاهر روايتي على بن جعفر المتقدمتين ايضا وبه يظهر قوة القول المذكور.

قال بعض مشايخنا المتأخرين : والظاهر انه لا فرق في الكراهة أو التحريم بين أن يكون الوضع فوق السرة أو تحتها وبين أن يكون بينهما حائل أم لا وبين أن يكون الوضع على الزند أو على الساعد ، وقد صرح بالجميع جماعة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) واستشكل العلامة في النهاية الأخير. انتهى.

أقول : ويدل على الأخير ما تقدم (2) في رواية على بن جعفر الثانية من قوله «يضع احدى يديه على الأخرى بكفه أو ذراعه» وبه يضعف استشكال العلامة في ذلك.

__________________

(1 و 2) ص 11.


وكيف كان فلا ريب في جوازه حال التقية (1) بل وجوبه ان أدى تركه الى الضرر ، ولو تركه حال التقية فالظاهر عدم البطلان لتوجه النهي إلى أمر خارج عن العبادة.

فائدة : روى العياشي في تفسيره عن إسحاق بن عمار عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «قلت له أيضع الرجل يده على ذراعه في الصلاة؟ قال لا بأس ان بنى إسرائيل كانوا إذا دخلوا في الصلاة دخلوا متماوتين كأنهم موتى فانزل الله على

__________________

(1) في عمدة القارئ ج 3 ص 14 «يبحث عن وضع احدى اليدين على الأخرى (أولا) عن أصله ، قال به الحنفية والشافعي واحمد وإسحاق وعامة أهل العلم وهو قول أبي هريرة والنخعي والثوري وسعيد بن جبير وابى مجلز وابي ثور وابى عبيد وابن جرير وداود. والعمل على هذا عند أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وحكاه ابن المنذر عن مالك. وقال ابن الزبير والحسن البصري وابن سيرين يرسلهما وهو المشهور عن مالك وقال الليث بن سعد ان طال عليه الإرسال وضع اليمنى على اليسرى للاستراحة. وقال الأوزاعي هو مخير بين الوضع والإرسال. و (ثانيا) في كيفيته وهي ان يضع بطن كفه اليمنى على رسغه اليسرى فيكون الرسغ وسط الكف ، وقال الاسبيحاتى وعند ابى يوسف يقبض بيده اليمنى على رسغه اليسرى فيكون الرسغ وسط الكف ، وفي المفيد يأخذ الرسغ بالخنصر والإبهام وهو المختار. وفي الدراية يضع باطن أصابعه على الرسغ طولا ولا يقبض. واستحسن كثير من مشايخنا الجمع بان يضع باطن كفه اليمنى على كفه اليسرى ويحلق بالخنصر والإبهام على الرسغ. و (ثانيا) في مكان الوضع فعندنا ـ الحنفية ـ تحت السرة وعند الشافعي على الصدر ، وقال الترمذي العمل عند أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وضع اليمين على الشمال ورأى بعضهم فوق السرة وبعضهم تحت السرة وكل ذلك واسع. و (رابعا) وقت الوضع والأصل فيه كل قيام ذكر فيه مسنون فيعتمد بيده اليمنى على اليسرى فلا يعتمد في حال القنوت وصلاة الجنازة والقيام عن الركوع وبين تكبيرات العيد الزوائد ، وهذا هو الصحيح ، وعند ابى على النسفي والامام ابى عبد الله يعتمد في كل قيام سواه ذكر فيه مسنون أولا».

(2) مستدرك الوسائل الباب 14 من قواطع الصلاة.


نبيه «خذ ما آتيتك بقوة» (1) فإذا دخلت الصلاة فادخل فيها يجلد وقوة. ثم ذكرها في طلب الرزق فإذا طلبت الرزق فاطلبه بقوة».

أقول : الظاهر ان نفي البأس في الخبر المذكور خرج مخرج التقية وفيه إشارة الى ان التكفير يحصل بوضع اليد على الذراع كما قدمنا ذكره. وباقي الخبر لا يخلو من غموض واشكال فيحتمل أن يكون المراد بنبيه هنا هو موسى (عليه‌السلام) وما ذكر فيه من تماوت بني إسرائيل يحتمل أن يكون راجعا الى تكفيرهم في الصلاة فإن التكفير في هيئة التماوت وعلى هذا فالآية دالة على النهى عنه والأمر بالدخول بقوة الذي هو عبارة عن وضع اليدين على الفخذين ، وعلى تقدير كونه خطابا لنبينا (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يكون المراد انه ينبغي لهذه الأمة ان يأتوا بذلك من الإرسال على الفخذين وعدم التكفير. والله العالم.

(الثاني) ـ الكلام بحرفين فصاعدا مما ليس بقرآن ولا دعاء ، ولا خلاف في ذلك بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) وقد نقل اتفاقهم على ذلك جمع : منهم ـ الفاضلان والشهيدان وغيرهم.

ويدل على ذلك جملة من الأخبار : منها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (2) قال : «سألته عن الرجل يأخذه الرعاف أو القي‌ء في الصلاة كيف يصنع؟ قال ينفتل فيغسل انفه ويعود في الصلاة وان تكلم فليعد الصلاة». ورواه الشيخ عن محمد بن مسلم بإسناد آخر صحيح (3) وكذا رواه الكليني عنه بإسناد صحيح (4) وزاد عليه «وليس عليه وضوء» ،

وما رواه الشيخ في الصحيح عن إسماعيل بن عبد الخالق (5) قال : «سألته عن الرجل يكون في جماعة من القوم يصلى المكتوبة فيعرض له رعاف كيف

__________________

(1) سورة البقرة الآية 63 و 93 «خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ».

(2 و 3 و 4) الوسائل الباب 2 من قواطع الصلاة.

(5) الوسائل الباب 2 من قواطع الصلاة. وفي التهذيب ج 1 ص 229 «يصلى بهم المكتوبة» وفي الوسائل والوافي باب (الرعاف والقي‌ء والدم) والاستبصار ج 1 ص 403 كما هنا.


يصنع؟ قال يخرج فان وجد ماء قبل أن يتكلم فليغسل الرعاف ثم ليعد فليبن على صلاته».

وما رواه الكليني والشيخ عن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن الرجل يصيبه الرعاف وهو في الصلاة؟ فقال ان قدر على ماء عنده يمينا أو شمالا أو بين يديه وهو مستقبل القبلة فليغسله عنه ثم ليصل ما بقي من صلاته وان لم يقدر على ماء حتى ينصرف بوجهه أو يتكلم فقد قطع صلاته».

وقال في الفقيه : وفي رواية أبي بصير عنه (عليه‌السلام) (2) «ان تكلمت أو صرفت وجهك عن القبلة فأعد الصلاة». وقد تقدم قريبا (3) في صحيحة الفضيل بن يسار ورواية أبي سعيد القماط ما يدل على ذلك أيضا.

وتمام تحقيق الكلام في المقام يتوقف على رسم مسائل (الأولى) قد صرح بعضهم بان الكلام جنس لما يتكلم به سواء كان من حرف واحد أو أكثر إلا ان ظاهر كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) هنا تقييده بما تركب من حرفين فصاعدا ، وظاهرهم الإجماع على ان الحرف الواحد الغير المفهم لا يسمى كلاما ، نقل الإجماع على ذلك جمع : منهم ـ العلامة في التذكرة والشهيد في الذكرى.

قال في المدارك : وقد قطع الأصحاب بعدم بطلان الصلاة بالكلام بالحرف الواحد لأنه لا يسمى كلاما في العرف بل ولا في اللغة أيضا لاشتهار الكلام لغة في المركب من حرفين كما ذكره الرضي (رضى الله عنه) وان ذكر بعضهم انه جنس لما يتكلم به سواء كان على حرف واحد أو أكثر لأن الإطلاق أعم من الحقيقة. انتهى ولا يخفى ما فيه فإنه عدول عن ظاهر اللفظ المذكور إلا انه يمكن ان يقال

__________________

(1) الوسائل الباب 2 من قواطع الصلاة.

(2) الوسائل الباب 3 و 25 من قواطع الصلاة.

(3) ص 5 و 6.


كما تقدمت الإشارة إليه في غير موضع ـ ان الأحكام المودعة في الأخبار تبنى على ما هو الغالب المتكرر الذي يتبادر إليه الإطلاق وهو هنا إنما يصدق على ما كان من حرفين فصاعدا. ولعل إجماع الأصحاب (رضوان الله عليهم) على الحكم المذكور مبنى على ذلك.

نعم يبقى الكلام في الحرف الواحد المفهم مثل «ق» من «وقى يقي» و «ع» من «وعي يعي» ونحوهما من الأفعال المعتلة الطرفين ، وظاهر الأصحاب (رضوان الله عليهم) دعوى صدق الكلام عليها لغة وعرفا بل هو كلام عند أهل العربية فضلا عن الكلمة لتضمنه الإسناد المفيد فيدخل في عموم الأخبار المتقدمة. ويمكن بناؤه على ان المحذوف في هذه الأوامر بمنزلة المذكور فيكون حرفين فصاعدا.

(الثانية) حيث قد عرفت ان الكلام عندهم هو ما تركب من حرفين فصاعدا وهو أعم من أن يكون موضوعا أو مهملا فالتكلم بالألفاظ المهملة مبطل إجماعا بالترتيب المذكور.

(الثالثة) الظاهر انه لا خلاف ولا إشكال في أن التنحنح والتأوه والأنين والتنخم ونحوها مما لا يشتمل شي‌ء منها على حرفين فإنه غير مبطل لعدم صدق التكلم بذلك لغة ولا عرفا.

ويدل على ما رواه الشيخ عن عمار الساباطي في الموثق (1) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يسمع صوتا بالباب وهو في الصلاة فيتنحنح لتسمع جاريته أو أهله لتأتيه فيشير إليها بيده ليعلمها من بالباب لتنظر من هو؟ فقال لا بأس به».

وما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمار عن رجل من بنى عجل (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المكان يكون فيه الغبار فأنفخه إذا أردت

__________________

(1) الوسائل الباب 9 من قواطع الصلاة. والرواية رواها في الفقيه ج 1 ص 242 ولم ينقلها صاحبا الوسائل والوافي إلا عنه.

(2) الوسائل الباب 7 من السجود.


السجود؟ فقال لا بأس». ورواه في الفقيه مرسلا نحوه (1).

إنما الكلام في ما إذا اشتمل على حرفين والظاهر انه غير مبطل لان الحكم دائر مدار التسمية فما لم يسم كلاما لا يحصل به الإبطال والسامع إنما يقول تنحنح أو تأوه أو نحو ذلك ، وظاهر جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) الابطال به لصدق الكلام عليه باعتبار تضمنه حرفين. وفيه ما عرفت من أنه وان تضمن حرفين لكنه لا يقال في العرف أنه تكلم وإنما يقال تنحنح أو تنخم أو نحو ذلك

والى ما ذكرنا يميل كلام المحقق في المعتبر حيث انه استحسن جواز التأوه بحرفين للخوف من الله عند ذكر المخوفات ، قال وقد نقل عن كثير من الصلحاء التأوه في الصلاة ، ووصف إبراهيم (عليه‌السلام) بذلك (2) يؤذن بجوازه. واستحسنه في المدارك.

وفيه ان جواز ذلك إن كان من حيث خصوص ما ذكره من خوف الله ففيه انه لا دليل عليه مع صدق الكلام عرفا ، والكلام عندهم مبطل إلا ما استثنى وليس هذا منه ، وان كان من حيث عدم تسميته كلاما عرفا كما ذكرنا فلا وجه للتقييد بما ذكره.

قال في المنتهى : لو تنحنح بحرفين وسمى كلاما بطل صلاته. قال بعض مشايخنا بعد نقل ذلك عنه : وهذا الفرض مستبعد بل يمكن ادعاء استحالته إلا ان ينضم اليه كلام آخر. انتهى. وهو جيد فان مع صدق التنحنح عرفا فصدق الكلام والحال كذلك مستبعد بل محال كما ذكره إلا ان يصل هذين الحرفين بكلام يخرج بهما عن صدق التنحنح فيكون خارجا عن محل الفرض.

نعم روى الشيخ عن طلحة بن زيد عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (3)

__________________

(1) الوسائل الباب 7 من السجود.

(2) في قوله تعالى «إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوّاهٌ مُنِيبٌ» في سورة هود الآية 77 ، وقوله تعالى «إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوّاهٌ حَلِيمٌ» في سورة التوبة الآية 115.

(3) الوسائل الباب 25 من قواطع الصلاة. والسند في كتب الحديث هكذا «عن جعفر عن أبيه عن على ع».


ان عليا (عليه‌السلام) قال : «من أن في صلاته فقد تكلم». والأصحاب (رضوان الله عليهم) حملوه على الأنين بحرفين والأظهر حمله على تأكيد الكراهة لما قلناه.

ويمكن ايضا استثناء الأنين من الحكم المذكور للخبر المشار اليه. ويؤيده أيضاما رواه في الفقيه عن ابى بصير عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (1) في حديث قال : «ومن أن في صلاته فقد تكلم». ولعله الأجود فيكون الأنين من جملة القواطع زائدا على الكلام ولا تعلق به بوجه ، ولا ضرورة إلى تكلف اشتماله على الحرفين كما ذكروه.

(الرابعة) ظاهر الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لا فرق في بطلان الصلاة بالكلام بين أن يكون الكلام لمصلحة الصلاة أم لا ولا بين أن يكون لمصلحة أخرى غير الصلاة كإنقاذ الأعمى والصبي إذا خيف عليهما التردي في بئر أو الوقوع في نار ونحو ذلك ، ويفهم من المعتبر والمنتهى ان الحكم إجماعي. ونقل عن العلامة في التذكرة انه غير مبطل.

والظاهر الأول لما رواه الشيخ عن إسماعيل بن ابى زياد عن جعفر عن أبيه عن على (عليهم‌السلام) (2) انه قال : «في رجل يصلى ويرى الصبي يحبو الى النار أو الشاة تدخل البيت لتفسد الشي‌ء؟ قال فلينصرف وليحرز ما يتخوف ويبنى على صلاته ما لم يتكلم».

(الخامسة) قد تقدم انه يستثني من الكلام المبطل ما إذا كان دعاء أو ذكرا أو قرآنا ، ويدل على ذلك من الأخبار ما رواه الشيخ عن عمار الساباطي في الموثق في تتمة الرواية المتقدمة عنه في المسألة الثالثة (3) «وعن الرجل والمرأة يكونان

__________________

(1) الوسائل الباب 25 من قواطع الصلاة. والرواية ـ كما في الفقيه ج 1 ص 232 والوسائل والوافي باب (الالتفات والفرقعة والتكلم) مرسلة لم تسند الى ابى بصير.

(2) الوسائل الباب 21 من قواطع الصلاة.

(3) ص 18 والرواية للصدوق لا للشيخ كما تقدم هناك.


في الصلاة فيريدان شيئا أيجوز لهما أن يقولا «سبحان الله»؟ قال نعم ويومئان الى ما يريدان ، والمرأة إذا أرادت شيئا ضربت على فخذها وهي في الصلاة».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن على بن جعفر عن أخيه (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن رجل يكون في صلاته والى جانبه رجل راقد فيريد أن يوقظه فيسبح ويرفع صوته لا يريد إلا ليستيقظ الرجل أيقطع ذلك صلاته أو ما عليه؟ قال لا يقطع ذلك صلاته ولا شي‌ء عليه. وسألته عن الرجل يكون في صلاته فيستأذن انسان على الباب فيسبح ويرفع صوته ويسمع جاريته فتأتيه فيريها بيده ان على الباب إنسانا هل يقطع ذلك صلاته وما عليه؟ قال لا بأس لا يقطع ذلك صلاته».

وروى ان عليا (عليه‌السلام) (2) قال : «كانت لي ساعة أدخل فيها على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فان كان في الصلاة سبح وذلك اذنه وان كان في غير الصلاة اذن».

والروايات الدالة على استحباب الدعاء في الصلاة لنفسه ولإخوانه أكثر من ان يحيط بها المقام.

واما جواز قراءة القرآن في الصلاة فلا يحضرني من الأخبار إلا صحيحة معاوية بن وهب (3) الدالة على قراءة أمير المؤمنين (عليه‌السلام) في جواب ابن الكواء لما قرأ «وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ» (4) فأنصت أمير المؤمنين (عليه‌السلام) الى ان كان

__________________

(1) الوسائل الباب 9 من قواطع الصلاة. والسؤال الأول من الحديث ليس للشيخ وانما هو رواية قرب الاسناد وكتاب على بن جعفر راجع رقم 6 و 9 من الباب المذكور من الوسائل والوافي باب (ارادة الحاجة) والتهذيب ج 1 ص 230.

(2) مستدرك الوسائل الباب 9 من قواطع الصلاة بأدنى اختلاف في اللفظ.

(3) الوسائل الباب 34 من الجماعة.

(4) سورة الزمر الآية 65.


في الثالثة فقرأ أمير المؤمنين (عليه‌السلام) في جوابه «فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ» (1).

وذكر بعض الأصحاب انه يجوز التنبيه بتلاوة القرآن كما لو أراد الإذن لقوم بقوله «ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ» (2) أو لمن أراد التخطي على البساط بنعله «فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً» (3) أو أراد إعطاء كتاب من اسمه يحيى «يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ» (4).

أقول : والظاهر ان من هذا القبيل ما رواه في الكافي والتهذيب في الموثق عن عبيد بن زرارة (5) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن ذكر السورة من الكتاب ندعو بها في الصلاة مثل «قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ» فقال إذا كنت تدعو بها فلا بأس». فإن الظاهر ان المراد من الدعاء بها إنما هو بمعنى الطلب بمعنى يطلب بها الغير كما انه يطلب بالتسبيح كما تقدم. وبعض الأصحاب حمل الدعاء بها في الخبر على القنوت بالقرآن في الصلاة وجعله من قبيل التسبيح الذي ورد الاجتزاء به في القنوت. وبعض حمله على الدعاء وانه لا يشترط فيه الطلب بمعنى انه لا يشترط فيه أن يكون متضمنا للطلب. وقال في الوافي : لعل مراد السائل الرخصة في الإتيان بقراءة القرآن في غير محلها على وجه الدعاء والتمجيد طلبا لمعناها لا على وجه التلاوة. انتهى. والكل تكلف محض بل الظاهر ما ذكرناه فإنه معنى صحيح لا يحتاج الى تكلف.

وبما ذكرناه من الأخبار يعلم انه لو لم يقصد بالتسبيح أو القرآن سوى التفهيم فالظاهر صحة صلاته ، ونقل عن العلامة في النهاية احتمال البطلان.

ولو اتى بمفردات القرآن على غير الترتيب الذي هي عليه كان يقول «بسلام ادخلوها» فالظاهر ـ كما استظهره بعض الأصحاب ـ البطلان لانه ليس بقرآن فيكون كلاما أجنبيا.

__________________

(1) سورة الروم ، الآية 59.

(2) سورة الحجر ، الآية 46.

(3) سورة طه ، الآية 12.

(4) سورة مريم الآية 13.

(5) الوسائل الباب 9 من القراءة.


وقد صرح غير واحد بأن إشارة الأخرس ليست بكلام. وفيه وجه ضعيف بالبطلان.

(السادسة) المشهور انه لا تبطل الصلاة بالكلام سهوا بل نفى عنه الخلاف جمع من الأصحاب : منهم ـ الفاضلان وغيرهما.

ويدل عليه ما رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يتكلم ناسيا في الصلاة يقول «أقيموا صفوفكم» قال يتم صلاته ثم يسجد سجدتين. فقلت سجدتا السهو قبل التسليم هما أو بعده؟ قال بعده».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (2) «في الرجل يسهو في الركعتين ويتكلم؟ قال يتم ما بقي من صلاته تكلم أو لم يتكلم ولا شي‌ء عليه».

وقد تقدم (3) في صحيحة الفضيل بن يسار «فان تكلمت في الصلاة ناسيا فلا شي‌ء عليك».

وروى في الفقيه بإسناده عن عقبة (4) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل دعاه رجل وهو يصلى فسها فأجابه بحاجته كيف يصنع؟ قال يمضى على صلاته».

أقول : وفي حكمه ما لو ظن الفراغ من الصلاة فتكلم على الأشهر الأظهر وذهب الشيخ في النهاية إلى البطلان.

لنا ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (5) «في رجل صلى ركعتين من المكتوبة فسلم وهو يرى انه قد أتم الصلاة وقد تكلم ثم ذكر انه لم يصل غير ركعتين؟ فقال يتم ما بقي من صلاته ولا شي‌ء عليه».

__________________

(1) الوسائل الباب 4 و 5 من الخلل في الصلاة.

(2 و 5) الوسائل الباب 3 من الخلل في الصلاة.

(3) الوسائل الباب 25 من قواطع الصلاة.

(4) الوسائل الباب 25 من قواطع الصلاة.


وعن زرارة في الصحيح عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (1) «في الرجل يسهو في الركعتين ويتكلم؟ قال يتم ما بقي من صلاته تكلم أو لم يتكلم ولا شي‌ء عليه».

وعن زيد الشحام (2) قال : «سألته عن الرجل. ثم ساق الخبر الى ان قال (عليه‌السلام) وان هو استيقن انه صلى ركعتين أو ثلاثا ثم انصرف فتكلم فلم يعلم انه لم يتم الصلاة فإنما عليه أن يتم الصلاة ما بقي منها فإن نبي الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) صلى بالناس ركعتين ثم نسي حتى انصرف فقال له ذو الشمالين يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أحدث في الصلاة شي‌ء؟ فقال ايها الناس أصدق ذو الشمالين؟ فقالوا نعم لم تصل إلا ركعتين. فقام فأتم ما بقي من صلاته». ونحوه صحيحة سعيد الأعرج المتضمنة حكاية سهوه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (3).

وما رواه الصدوق والشيخ في الصحيح عن على بن النعمان الرازي (4) قال : «كنت مع أصحاب لي في سفر وانا إمامهم فصليت بهم المغرب فسلمت في الركعتين الأولتين فقال أصحابي إنما صليت بنا ركعتين فكلمتهم وكلموني فقالوا أما نحن فنعيد فقلت لكني لا أعيد وأتم بركعة فأتممت بركعة ثم سرنا فأتيت أبا عبد الله (عليه‌السلام) فذكرت له الذي كان من أمرنا فقال لي أنت كنت أصوب منهم فعلا إنما يعيد الصلاة من لا يدرى ما صلى» ،.

أقول : الظاهر ان تصويبه (عليه‌السلام) للإمام دونهم إنما هو بالنسبة إلى أصل الحكم في المسألة بمعنى انه من سلم ساهيا على ركعتين فان حكمه الإتمام ما لم يأت بمناف من خارج دون الإعادة من رأس وإلا فان اعادة المأمومين في الصورة المذكورة في محلها لأنهم على يقين من عدم تمام الصلاة وقد تكلموا في أثنائها عمدا بقولهم للإمام «إنما صليت بنا ركعتين» فالإعادة في محلها لذلك ، واما الإمام ففي بنائه على ما فعل أيضا إشكال لأنه بعد العلم بما أخبروه قال : «لكني لا أعيد وأتم بركعة» وهذا كلام أجنبي قد وقع في أثناء الصلاة أيضا وهو موجب لإعادتها ، اللهم

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 3 من الخلل في الصلاة.


إلا ان يراد به انه قال ذلك في نفسه من غير ان يتكلم بذلك. ونقل عن الشيخ انه حمل الخبر على جهل المسألة وقال بان الجاهل هنا في حكم الناسي. والشهيد في الذكرى حمل القول الأخير على مثل حديث النفس. وفيه انه لا يتم في المأمومين لأنهم تكلموا أو لا عالمين بكونهم في الصلاة. ثم الظاهر ان المراد بأفعل التفضيل في قوله «أنت كنت أصوب منهم» إنما هو بمعنى أصل الفعل كما هو شائع الاستعمال لا بمعنى كون فعلهم ايضا صوابا فيدل على جواز الأمرين والتخيير بينهما كما توهمه بعض متأخري المحدثين.

وأما ما ذهب اليه الشيخ هنا من البطلان فلا أعرف له دليلا إلا ان كان دخوله تحت إطلاق أخبار الكلام في الصلاة متعمدا وشمولها له. وفيه أن المتبادر من تلك الأخبار ان التعمد المبطل انما هو من علم انه في الصلاة وتكلم متعمدا بمعنى انه تعمد الكلام في الصلاة وأما من ظن أنه أتم وان تعمد الكلام إلا انه بنى على خروجه من الصلاة وان لم يكن كذلك في الواقع فهو لم يتعمد الكلام في الصلاة ليلزم منه بطلان صلاته.

(السابعة) ـ قال في المنتهى : لو تكلم مكرها ففي الإبطال به تردد ينشأ من كون النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) جمع بينه وبين الناسي في العفو (1) والأقرب البطلان لأنه تكلم عامدا بما ليس من الصلاة ، والإكراه لا يخرج الفعل عن التعمد. انتهى.

وقال في الذكرى : لو تكلم مكرها ففي الإبطال وجهان : نعم لصدق تعمد الكلام ، ولا لعموم «وما استكرهوا عليه» (2). نعم لا يأثم قطعا. وقال في التذكرة يبطل لانه مناف للصلاة فاستوى فيه الاختيار وعدمه كالحدث. وهو قياس مع الفارق فان نسيان الحدث مبطل لا الكلام ناسيا قطعا. انتهى.

__________________

(1 و 2) في حديث الرفع المروي في الوسائل الباب 37 من قواطع الصلاة و 30 من الخلل في الصلاة و 56 من جهاد النفس. وفي بعض رواياته «وما أكرهوا عليه».


أقول : لا يبعد القول بالبطلان هنا لا لما ذكره في التذكرة بل لشمول الأخبار المتقدمة للمكره لأنها قد اتفقت في الدلالة على ان من تكلم في صلاته فقد أبطلها ، وظاهرها أعم من أن يكون ذلك عن عمد أو سهو أو إكراه وقيد التعمد إنما وقع في كلام الأصحاب ، نعم قام الدليل على عدم البطلان بالنسبة إلى الكلام ساهيا فوجب استثناؤه من إطلاق تلك الأخبار وبقي ما عداه. والأصحاب (رضوان الله عليهم) بالنظر الى قيام الأدلة على استثناء الناسي وان صلاته صحيحة أطلقوا لفظ التعمد في جانب الأخبار الدالة على البطلان وقيدوها به وإلا فهي كما عرفت مطلقة شاملة بإطلاقها للعامد والناسي والمكره. وهذا بحمد الله سبحانه واضح. ثم انه لو ورد في شي‌ء من اخبار البطلان قيد التعمد لكان الظاهر حمله على ما قابل الناسي الذي دلت عليه الأخبار وبقي المكره داخلا تحتها أيضا. وأما خبر «وما استكرهوا عليه» فغايته رفع الإثم بمعنى انه إذا أكره على ارتكاب فعل محرم فلا اثم عليه في فعله وان بطلت الصلاة به في ما نحن فيه.

وظاهره في الذكرى التوقف في الحكم المذكور وكذا في المدارك حيث قال : «وفي المكره وجهان أحوطهما الإعادة» مع ان ما ذكرناه من الإبطال بالتقريب المذكور واضح لا سترة عليه.

وكيف كان فإنه وان كان ما ذكرناه هو الأقرب لما عرفت إلا ان الاحتياط لعدم النص الصريح في المقام مما لا ينبغي تركه. والله العالم.

(الثالث) ـ الالتفات الى ما وراءه ، وكلام الأصحاب وكذا اخبار الباب لا يخلو في المقام من إجمال واضطراب :

قال في المعتبر : الالتفات يمينا وشمالا لا ينقض ثواب الصلاة والالتفات الى ما وراءه يبطلها لأن الاستقبال شرط صحة الصلاة فالالتفات بكله مفوت لشرطها. الى ان قال وأما كراهة الالتفات يمينا وشمالا بوجهه مع بقاء جسده مستقبلا فلرواية الحلبي (1). الى آخره.

__________________

(1) ص 29.


وظاهر هذا الكلام تخصيص الإبطال بالالتفات الى ما وراءه بجميع البدن عامدا أو ساهيا والالتفات بكل البدن الى محض اليمين والشمال لا يوجب البطلان.

وبذلك يظهر ذلك ما في نقل صاحب الذخيرة عنه حيث قال ـ بعد أن نقل عن أكثر عبارات الأصحاب (رضوان الله عليهم) تقييد الالتفات المبطل بما إذا كان الى ورائه وذكر ان هذا التقييد يوجب عدم بطلان الصلاة بالالتفات الى اليمين والشمال ـ ما لفظه : لكن صرح المحقق في المعتبر بان الالتفات بكل البدن مبطل وهو أعم من أن يكون الى الخلف أو الى اليمين أو اليسار بل يشمل ما بين الجانبين والقبلة أيضا. انتهى.

وفيه ما عرفت من تصريحه في العبارة بما إذا كان الى ورائه ، نعم لو خلينا وظاهر تعليله لأمكن استفادة ذلك منه لصدق عدم الاستقبال وتفويت الشرط على ما إذا كان محض اليمين أو اليسار أو ما بين أحدهما وبين القبلة لكن قضية التقييد في المدعى يوجب التقييد في الدليل ليكون منطبقا على المدعى. الا ان ظاهر كلام المنتهى ـ وهو قد حذا حذو المعتبر في المقام ـ هو ما ذكره (قدس‌سره) من تخصيص الالتفات يمينا وشمالا الذي ينقض الصلاة بما إذا كان بالوجه.

وبالجملة فإن عبائرهم في المقام غير منقحة ولا ظاهرة بالظهور التام الحاسم لتطرق الاحتمال في تمييز تلك الأحكام.

وقال في الذكرى : يحرم الانحراف عن القبلة ولو يسيرا ، فلو فعل عمدا أبطلها ، وان كان ناسيا وكان بين المشرق والمغرب فلا إبطال ، وان كان الى المشرق والمغرب أو كان مستدبرا فقد أجرياه في المقنعة والنهاية مجرى الظان في الإعادة في الوقت إذا كان إليهما ومطلقا ان استدبر. وتوقف فيه الفاضلان. الى ان قال واعلم ان الالتفات الى محض اليمين واليسار بكله كالاستدبار كما انه بحكمه في الصلاة مستدبرا على أقوى القولين فيجي‌ء القول بالإبطال ولو فعله ناسيا إذا تذكر في الوقت ، وان فرقنا بين الالتفات وبين الصلاة الى اليمين واليسار فلا إبطال. انتهى


وهو ظاهر في بطلان الصلاة بتعمد الالتفات الى محض اليمين واليسار بجميع البدن كالاستدبار ، وهو خلاف ما يفهم من كلام الأكثر من تخصيص الابطال بالالتفات الى ما رواه كما سمعت من كلام المعتبر.

واما الالتفات بالوجه خاصة فلا يخلو اما أن يكون الى الخلف أو الى أحد الجانبين أو الى ما بينه وبين القبلة ، وظاهر قولهم انه تبطل بتعمد الالتفات الى ما وراءه تخصيص الإبطال في الوجه أيضا بالصورة الأولى ، وظاهر عبارة المعتبر حيث خص الالتفات المبطل بكل البدن عدم الإبطال وان استدبر به ، وكلام العلامة في المنتهى والتذكرة والنهاية لا يخلو من اضطراب ، وقال في الذكرى يكره الالتفات الى اليمين والشمال بحيث لا يخرج الوجه الى حد الاستدبار وكان بعض مشايخنا المعاصرين يرى ان الالتفات بالوجه قاطع للصلاة كما يقوله بعض الحنفية (1).

هذا في صورة التعمد واما السهو فكلامهم فيه أشد تدافعا واضطرابا ليس في التعرض له كثير فائدة ومن أراد الاطلاع فليرجع في ذلك الى الذخيرة للفاضل الخراساني فإنه قد أطال فيه بنقل تلك الأقوال.

والواجب الرجوع الى الأخبار الواردة في المقام وبيان ما يظهر منها من الأحكام :

الأول ـ ما رواه الصدوق في الصحيح عن عمر بن أذينة عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (2) «انه سأله عن الرجل يرعف وهو في الصلاة وقد صلى بعض صلاته؟ فقال ان كان الماء عن يمينه أو عن شماله أو عن خلفه فليغسله من غير ان يلتفت وليبن على صلاته ، فان لم يجد الماء حتى يلتفت فليعد الصلاة. قال والقي‌ء مثل ذلك».

الثاني ـ ما رواه الشيخ عن زرارة في الصحيح (3) «انه سمع أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكله».

الثالث ـ ما رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر (عليه

__________________

(1) البحر الرائق ج 2 ص 21.

(2) الوسائل الباب 2 من قواطع الصلاة.

(3) الوسائل الباب 3 من قواطع الصلاة.


السلام) (1) قال : «سألته عن الرجل يلتفت في الصلاة قال لا ولا ينقض أصابعه».

الرابع ـ ما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (2) في حديث قال : «ثم استقبل القبلة بوجهك ولا تقلب وجهك عن القبلة فتفسد صلاتك فان الله عزوجل يقول لنبيه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في الفريضة : (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ)» (3).

الخامس ـ ما رواه الكليني والشيخ عنه في الصحيح أو الحسن عن زرارة عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (4) قال : «إذا استقبلت القبلة بوجهك فلا تقلب وجهك عن القبلة فتفسد صلاتك فان الله تعالى قال لنبيه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في الفريضة (فَوَلِّ وَجْهَكَ). (5). الحديث».

السادس ـ ما رواه الكليني والشيخ عن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (6) قال : «إذا التفت في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشا وان كنت قد تشهدت فلا تعد».

السابع ـ ما تقدم في مسألة الكلام في الصلاة عمدا (7) من قوله (عليه‌السلام) في صحيحة الحلبي أو حسنته «وان لم يقدر على ماء حتى ينصرف بوجهه أو يتكلم فقد قطع صلاته».

الثامن ـ ما رواه الصدوق عن ابى بصير عن الصادق (عليه‌السلام) (8) قال : «ان تكلمت أو صرفت وجهك عن القبلة فأعد الصلاة».

التاسع ـ ما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (9)

__________________

(1 و 6 و 8) الوسائل الباب 3 من قواطع الصلاة.

(2) الوسائل الباب 9 من القبلة.

(3 و 5) سورة البقرة الآية 139 و 145.

(4) الفروع ج 1 ص 83 والتهذيب ج 1 ص 192 و 218 وفي الوسائل الباب 9 من القبلة.

(7) ص 17.

(9) التهذيب ج 1 ص 235 وفي الوافي باب «السهو في أعداد الركعات».


قال : «سئل عن رجل دخل مع الإمام في صلاته وقد سبقه بركعة فلما فرغ الإمام خرج مع الناس ثم ذكر انه قد فاتته ركعة؟ قال يعيد ركعة واحدة يجوز له ذلك إذا لم يحول وجهه عن القبلة فإذا حول وجهه فعليه ان يستقبل الصلاة استقبالا».

العاشر ـ ما رواه في قرب الاسناد عن على بن جعفر (1) وكتاب المسائل لعلي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (2) قال : «سألته عن الرجل يلتفت في صلاته هل يقطع ذلك صلاته؟ قال إذا كانت الفريضة والتفت الى خلفه فقد قطع صلاته فيعيد ما صلى ولا يعتد به وان كانت نافلة لم يقطع ذلك صلاته ولكن لا يعود».

الحادي عشر ـ ما رواه في مستطرفات السرائر من جامع البزنطي (3) قال : «سألت الرضا (عليه‌السلام) عن الرجل يلتفت في صلاته هل يقطع ذلك صلاته؟ قال إذا كانت الفريضة والتفت الى خلفه فقد قطع صلاته فيعيد ما صلى ولا يعتد به وان كانت نافلة فلا يقطع ذلك صلاته ولكن لا يعود».

الثاني عشر ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن على بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (4) قال : «سألته عن الرجل يكون في صلاته فيظن ان ثوبه قد انخرق أو أصابه شي‌ء هل يصلح له ان ينظر فيه أو يمسه؟ فقال ان كان في مقدم ثوبه أو جانبيه فلا بأس وان كان في مؤخره فلا يلتفت فإنه لا يصلح». ورواه على بن جعفر في كتابه (5) والحميري في قرب الاسناد (6).

الثالث عشر ـ ما رواه الشيخ عن عبد الحميد بن عبد الملك (7) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الالتفات في الصلاة أيقطع الصلاة؟ قال لا وما أحب أن يفعل».

__________________

(1 و 3 و 4 و 5 و 6) الوسائل الباب 3 من قواطع الصلاة.

(2) البحار ج 18 ص 210.

(7) الوسائل الباب 3 من قواطع الصلاة. وفي كتب الحديث هكذا : عن عبد الحميد عن عبد الملك. وفي جامع الرواة عند ذكر عبد الملك بن حكيم الخثعمي قال : حماد بن عثمان عن عبد الحميد عن عبد الملك عن ابي عبد الله «ع». وهو مطابق لما نقلناه من كتب الحديث.


الرابع عشر ـ ما رواه في الخصال بإسناده عن على (عليه‌السلام) في حديث الأربعمائة (1) قال : «الالتفات الفاحش يقطع الصلاة وينبغي لمن فعل ذلك ان يبدأ الصلاة بالأذان والإقامة والتكبير».

أقول : هذا ما حضرني من الأخبار ولا يخفى ما فيها من الاختلاف والاضطراب ومن أجلها اختلفت كلمات الأصحاب (رضوان الله عليهم) في هذا الباب

وتفصيل الكلام في هذا المقام ان يقال ـ بتوفيق الملك العلام وبركة أهل الذكر (عليهم‌السلام) ـ انه لا يخلو اما أن يكون الالتفات بالبدن كملا أو الوجه خاصة ، وعلى الأول فاما أن يكون عمدا أو سهوا ، وعلى كل منهما إما أن يكون الى ما بين اليمين واليسار أو الى محض اليمين واليسار أو الى دبر القبلة فههنا صور :

(الأولى) ـ أن يكون الالتفات بالبدن عمدا الى ما بين اليمين واليسار ، والظاهر الإبطال لأنه متعمد الصلاة الى غير القبلة ، وعلى ذلك يدل الخبر الثاني والرابع والخامس والثامن والتاسع.

(الثانية) ـ الصورة الأولى بحالها ولكن الالتفات الى محض اليمين واليسار والحكم فيها كذلك لما عرفت.

(الثالثة) ـ الصورة بحالها ولكن الى دبر القبلة ، وهو اولى بالبطلان للأخبار المتقدمة ، ويدل على ذلك زيادة على ما تقدم الخبر السادس والعاشر والحادي عشر

(الرابعة) ـ ان يكون الالتفات بالبدن سهوا الى ما بين اليمين والشمال ، والظاهر الصحة لما تقدم في بحث القبلة من موثقة عمار (2) الدالة على أن «من صلى الى غير القبلة فعلم وهو في الصلاة قبل أن يفرغ وكان متوجها الى ما بين المشرق والمغرب فليحول وجهه حين يعلم. الحديث». وهو شامل بإطلاقه للظان والساهي

وصحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «قلت

__________________

(1) الوسائل الباب 3 من قواطع الصلاة.

(2) ج 6 ص 430 وفي الوسائل الباب 10 من القبلة.

(3) الوسائل الباب 10 من القبلة.


الرجل يقوم في الصلاة ثم ينظر بعد ما فرغ فيرى انه قد انحرف عن القبلة يمينا أو شمالا؟ فقال له : قد مضت صلاته وما بين المشرق والمغرب قبلة».

والتقريب فيها انه إذا صحت الصلاة بعد الإتيان بها كملا على تلك الحال في ما بين اليمين واليسار صح بعضها بطريق اولى لاشتراك الجميع في موجب الصحة وهو كون ما بين اليمين واليسار قبلة لغير المتعمد ، بل ظاهر بعض الأخبار ايضا انه قبلة للمتعمد كما تقدم في بحث القبلة.

وبما ذكرنا من هذه الأخبار يخص إطلاق الأخبار الدالة على الإبطال في الصورة المتقدمة بحملها على العامد.

وبذلك يظهر ما في كلام الفاضل الخراساني في الذخيرة حيث قال بعد إيراد جملة من اخبار المسألة : إذا عرفت هذا فاعلم ان الصحيح ان الانحراف عن القبلة بكل البدن موجب لبطلان الصلاة مطلقا وان لم يصل الى حد التشريق والتغريب عملا بمنطوق صحيحة زرارة المذكورة (1) وعموم عدة من الأخبار المذكورة. انتهى. فان الظاهر ان مراده بالإطلاق يعني أعم من ان يكون عن عمد أو سهو. وفيه ما عرفت

والى ما ذكرنا من الصحة في هذه الصورة يشير كلامه في الذكرى كما قدمنا من قوله : وان كان ناسيا وكان ما بين المشرق والمغرب فلا إبطال.

(الخامسة) ـ ان يكون الالتفات بالبدن سهوا الى محض اليمين واليسار والظاهر انه لا إشكال في وجوب الإعادة في الوقت لموثقة عبد الرحمن بن ابى عبد الله عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «إذا صليت وأنت على غير القبلة واستبان لك انك صليت على غير القبلة وأنت في وقت فأعد وان فاتك الوقت فلا تعد». ونحوها غيرها مما تقدم في بحث القبلة وهي شاملة بإطلاقها للظان والساهي في الصلاة.

ويدل عليه إطلاق جملة من الأخبار المتقدمة ، خرج منه ما إذا كان الالتفات الى ما بين اليمين واليسار بالنصوص المتقدمة وبقي ما عداه.

__________________

(1) ص 28.

(2) الوسائل الباب 11 من القبلة.


إنما الإشكال في وجوب القضاء ، ومنشأه من ظواهر الأخبار المشار إليها فإن مقتضاها الإبطال في الصورة المذكورة لما عرفت من عمومها لذلك وإنما خرج عنه حكم الصورة الرابعة بالنصوص المذكورة وبقي ما عداه ، ومن دلالة موثقة عبد الرحمن المذكورة ونحوها على عدم الإعادة خارج الوقت.

ومقتضى ما نقل في الذكرى عن المقنعة والنهاية هو الإعادة في الوقت خاصة حملا للالتفات على ظن الصلاة الى تلك الجهة وهو مقتضى موثقة عبد الرحمن المذكورة ، ولا يخلو من قوة إلا أن الاحتياط في الإعادة.

والى القول بعدم وجوب القضاء يميل كلام الشهيد في البيان وبه صرح أيضا في الروض ، وكذا ظاهر عبارة الذكرى المتقدمة القول بوجوب القضاء في الوقت خاصة وقيل بوجوب القضاء مطلقا.

(السادسة) ـ ان يكون الالتفات بالبدن سهوا الى دبر القبلة والمراد به ما بين اليمين واليسار من خلف لا خصوص دبر القبلة حقيقة ، وظاهر الشهيد في الدروس ان المشهور عدم البطلان إلا انه اختار البطلان ، ونقل ذلك عن ظاهر الشيخ في التهذيب ، وهو ظاهر المحقق في ما تقدم من عبارته.

قال في الذكرى : ويجوز ان يستدل على بطلان الصلاة بالاستدبار مطلقا بما رواه زرارة عن الباقر (عليه‌السلام) (1) قال قال : «الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكله». فإنه يشمل بإطلاقه العامد والناسي إلا ان يعارض بحديث الرفع عن الناسي (2) فيجمع بينهما بحمله على العامد ، انتهى.

أقول : الظاهر ضعف هذه المعارضة فإن المتبادر من الخبر المذكور إنما هو رفع المؤاخذة وهو لا ينافي البطلان.

وبما ذكره هنا من القول بالصحة في الناسي اعتمادا على الخبر المذكور صرح العلامة

__________________

(1) الوسائل الباب 3 من قواطع الصلاة.

(2) الوسائل الباب 37 من قواطع الصلاة و 30 من الخلل في الصلاة و 56 من جهاد النفس.


في المنتهى فقال : لو التفت الى ما وراءه ناسيا لم يعد صلاته لقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (1) «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» ،. وفيه ما عرفت.

ثم انه على تقدير البطلان فهل يختص بالوقت بمعنى وجوب الإعادة في الوقت خاصة أو يجب القضاء أيضا؟ قولان وبالأول صرح في البيان ، قال في تعداد المبطلات : وتعمد التحرف عن القبلة ولو يسيرا ، ولو كان الى محض الجانبين أو مستدبرا بطلت وان كان سهوا إلا ان يستمر السهو حتى يخرج الوقت فلا قضاء فيهما على الأقرب. انتهى. وظاهر المقنعة والنهاية هو الإعادة مطلقا كما تقدم في عبارة الذكرى ، والظاهر انه الأقرب لظواهر إطلاق أكثر الأخبار المتقدمة وخصوصا الخبر العاشر والحادي عشر. هذا كله في الالتفات في البدن.

واما الالتفات بالوجه خاصة ففيه صور (الاولى) الالتفات الى محض اليمين واليسار ، والمشهور بين الأصحاب جواز الالتفات على كراهية ، وقد تقدم نقل كلام صاحب الذكرى عن بعض مشايخه المعاصرين ـ والظاهر إنه فخر المحققين ابن العلامة كما نقله غير واحد من الأصحاب ـ انه كان يرى ان الالتفات بالوجه قاطع للصلاة كما يقوله بعض الحنفية (2) قال لما روى عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) انه قال «لا تلتفتوا في صلاتكم فإنه لا صلاة لملتفت». رواه عبد الله بن سلام (3) قال : ويحمل على الالتفات بكله. وروى زرارة عن الباقر (عليه‌السلام) (4) «الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكله». انتهى.

قال في المدارك بعد أن نقل حكاية القول المذكور عن الشهيد : وربما كان مستنده إطلاق الروايات المتضمنة لذلك كحسنة زرارة عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (5) قال : «إذا استقبلت القبلة بوجهك فلا تقلب وجهك عن القبلة

__________________

(1) الوسائل الباب 37 من قواطع الصلاة و 30 من الخلل في الصلاة و 56 من جهاد النفس.

(2) البحر الرائق ج 2 ص 21.

(3) عمدة القارئ ج 3 ص 53.

(4) الوسائل الباب 3 من قواطع الصلاة.

(5) ارجع الى التعليقة 4 ص 29.


فتفسد صلاتك. الحديث». ثم قال : وحملها الشهيد في الذكرى على الالتفات بكل البدن لما رواه زرارة في الصحيح (1) «انه سمع أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكله». وقد يقال ان هذا المفهوم مقيد بمنطوق قوله (عليه‌السلام) في رواية الحلبي (2) «أعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشا». فان الظاهر تحقق التفاحش بالالتفات بالوجه خاصة الى أحد الجانبين. انتهى.

أقول : فيه (أولا) ان الموجود في الذكرى هو ما قدمنا نقله عن الكتاب المذكور لا ما ذكره (قدس‌سره) من الاستدلال لذلك القول بصحيحة زرارة وجواب الشهيد عن الرواية المذكورة. والمناقشة في ذلك وان كانت سهلة إلا ان من لم يراجع الذكرى يتوهم ان الأمر على ما ذكره فلذلك نبهنا عليه.

و (ثانيا) ـ انه إنما يتم التقييد الذي ذكره بناء على ما ادعاه من حصول التفاحش بالالتفات بالوجه خاصة وهو بعيد ، مع ان هذا المفهوم مؤيد بما دل عليه الخبر الثاني عشر (3).

وظاهر السيد (قدس‌سره) الميل الى القول المذكور استنادا إلى إطلاق الروايات المشار إليها وان كان صاحب القول المذكور انما استند الى تلك الرواية العامية. وهو جيد لظاهر حسنة زرارة المذكورة ونحوها الخبر الرابع (4) فان النظر بالوجه الى محض اليمين والشمال قلب الوجه عن القبلة ، ونحوهما قوله في الخبر السابع (5) «وان لم يقدر على ماء حتى ينصرف بوجهه فقد قطع صلاته» وكذا الخبر الثامن والتاسع (6) وفي رواية أبي بصير الواردة في الرعاف (7) «ان تكلمت أو

__________________

(1) الوسائل الباب 3 من قواطع الصلاة.

(2 و 4 و 5 و 6) ص ص 29.

(3) ص 30.

(7) الوسائل الباب 3 و 25 من قواطع الصلاة. وهذه الرواية ذكرها في الوافي في باب «الرعاف والقي‌ء والدم» بعد صحيحة ابن أذينة المتقدمة ص 28 كما في الفقيه ج 1 ص 239 وليس فيها قرينة على ورودها في الرعاف إلا ذلك ولم يذكرها في باب الالتفات


صرفت وجهك عن القبلة فأعد الصلاة». ومثلها صحيحة ابن أذينة (1) إلا أن ظاهر مفهوم صحيحة زرارة الدالة على ان الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكله المؤيد بصحيحة على بن جعفر المذكورة (2) هو عدم البطلان ، والمسألة لذلك موضع تردد.

واما ما نقله في المدارك عن الذكرى من حمل حسنة زرارة على الالتفات بكل البدن فقد عرفت ان صاحب الذكرى لم ينقل الحسنة المذكورة وإنما ذكر هذا التأويل للخبر العامي وهو غير بعيد ، اما بالنسبة إلى الحسنة المذكورة فهو بعيد حيث انها اشتملت على استقبال القبلة بالوجه والنهى عن قلب الوجه. وحمل الوجه على مجموع البدن بعيد كما لا يخفى.

والعجب من الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما يظهر منهم من الاتفاق على عدم البطلان بالالتفات بالوجه الى محض اليمين واليسار إلا من فخر المحققين وقد اتفقوا على رد قوله مع ان الأخبار التي أشرنا إليها ظاهرة الدلالة على القول المذكور كالنور على الطور.

وأما التفصيل ـ بالإتيان بشي‌ء من الأفعال على تلك الحال فيعيد في الوقت وإلا فلا اعادة كما ذكره في المدارك واقتفاه غيره ـ فلا أعرف عليه دليلا بل ظاهر الأخبار التي ذكرناها دالة على الإبطال في هذه الصورة الدلالة على البطلان مطلقا كما لا يخفى.

هذا إذا كان عمدا اما لو وقع الالتفات كذلك سهوا فالظاهر الصحة لأن الروايات الدالة على قطع الصلاة بالالتفات بالوجه ظاهرة في العمد والنهى في ما ورد بالنهي انما يتوجه الى العامد فلا شمول فيها للصورة المذكورة.

(الصورة الثانية) ما بين اليمين واليسار والظاهر الصحة للخبر الثالث عشر (3)

__________________

والتكلم بخلاف صاحب الوسائل فإنه لم يذكرها في باب الرعاف وانما ذكرها في باب بطلان الصلاة بالاستدبار وباب بطلانها بالكلام.

(1) ص 28.

(2 و 3) ص 30.


بحمله على هذه الصورة.

وما رواه الصدوق في ثواب الأعمال عن الخضر بن عبد الله عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «إذا قام العبد إلى الصلاة أقبل الله عليه بوجهه ولا يزال مقبلا عليه حتى يلتفت ثلاث مرات فإذا التفت ثلاث مرات اعرض عنه». بحمله على هذه المرتبة التي هي أقل مراتب الالتفات. ورواه البرقي في المحاسن (2).

ونحوه ما رواه في قرب الاسناد عن أبي البختري عن الصادق عن أبيه عن على (عليهم‌السلام) (3) قال : «الالتفات في الصلاة اختلاس من الشيطان فإياكم والالتفات في الصلاة فإن الله تبارك وتعالى يقبل على العبد إذا قام في الصلاة فإذا التفت قال الله تعالى يا ابن آدم عمن تلتفت؟ (ثلاثا) فإذا التفت الرابعة أعرض عنه».

وروى البرقي في المحاسن (4) قال وفي رواية ابن القداح عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما‌السلام) قال : «قال على (عليه‌السلام) للمصلي ثلاث خصال : ملائكة حافين به من قدميه إلى أعنان السماء ، والبر ينتثر عليه من رأسه الى قدمه ، وملك عن يمينه وعن يساره ، فإذا التفت قال الرب تبارك وتعالى الى خير من تلتفت يا ابن آدم؟ لو يعلم المصلى لمن يناجي ما انفتل».

وبهذه الأخبار يخص إطلاق الأخبار المتقدمة الدالة على قطع الصلاة بالانصراف بالوجه ، فإنه وان صدق الانصراف بالوجه في هذه الصورة في الجملة إلا ان هذه الأخبار قد دلت على مجرد الكراهة كما عرفت ، وحينئذ فيخص الجواز على كراهة بهذه الصورة خلافا لما عليه الأصحاب من عمومها للصورة المتقدمة لما عرفت. هذا مع التعمد ومنه يعلم السهو بطريق أولى.

(الصورة الثالثة) الاستدبار بالوجه والظاهر البطلان ان أمكن وقوعه مع التعمد قال شيخنا الشهيد الثاني في الروض : واختار جماعة من الأصحاب : منهم ـ الشهيد البطلان مع بلوغ الوجه الى حد الاستدبار وان كان الفرض بعيدا ، ويدل

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 32 من قواطع الصلاة.


عليه رواية الحلبي ـ وأشار بها الى الحديث السادس (1) ـ قال إذ لا التفات أفحش مما يصير الى حد الاستدبار.

أقول : ونحوه الخبر الثالث عشر (2) ويدل عليه أيضا الأخبار التي أشرنا إلى دلالتها على الإبطال بالالتفات الى محض اليمين والشمال بطريق الأولى.

قال في الروض : وإنما يبطل الالتفات في مواضعه لو وقع على وجه الاختيار أما لو وقع اضطرارا أو سهوا أو غيره ففي إبطاله نظر ، من أن الاستقبال شرط فيبطل المشروط بفواته ولا فرق فيه بين الحالين كالطهارة إلا ما أخرجه النص ، ومن العفو عما استكره الناس عليه للخبر (3) وهذا هو الظاهر. انتهى. والله العالم.

الرابع ـ القهقهة وهي لغة الترجيع في الضحك أو شدة الضحك كما في القاموس ، وقال في الصحاح : القهقهة في الضحك معروف وهو أن يقول «قه قه». قال في الروض بعد نقل كلام أهل اللغة وانه الترجيع في الضحك أو شدة الضحك : والمراد هنا مطلق الضحك كما صرح به المصنف في غير هذا الكتاب.

والحكم بتحريم القهقهة وإبطالها للصلاة مما لا خلاف فيه حكى إجماعهم عليه جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) كالفاضلين في المعتبر والمنتهى والتذكرة والشهيد في الذكرى وغيرهم.

والأصل فيه الأخبار الواردة عنهم (عليهم‌السلام) ، ومنها ما رواه في الكافي والتهذيب في الموثق عن سماعة (4) قال : «سألته عن الضحك هل يقطع الصلاة؟ قال أما التبسم فلا يقطع الصلاة وأما القهقهة فهي تقطع الصلاة».

وما روياه أيضا في الصحيح أو الحسن عن زرارة عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (5) قال : «القهقهة لا تنقض الوضوء وتنقض الصلاة».

وروى في الفقيه مرسلا (6) قال : «قال الصادق (عليه‌السلام) لا يقطع

__________________

(1) ص 29.

(2) ص 30.

(3) ارجع التعليقة 1 ص 34.

(4 و 5 و 6) الوسائل الباب 7 من قواطع الصلاة.


التبسم الصلاة وتقطعها القهقهة ولا تنقض الوضوء».

وروى الصدوق في الخصال (1) عن ابى بصير ومحمد بن مسلم عن الصادق عن آبائه (عليهم‌السلام) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) لا يقطع الصلاة التبسم ويقطعها القهقهة».

أقول : ظاهر هذه الأخبار كما ترى هو ترتب القطع على القهقهة وقد عرفت معناها لغة ، وظاهر كلام الروض المتقدم ان القاطع عند الأصحاب هو مطلق الضحك ، وقال في الروضة في تفسير القهقهة هي الضحك المشتمل على الصوت وان لم يكن فيه ترجيع ولا شدة ، وعلى هذا النحو كلام غيره ايضا.

وبالجملة فإن بعضهم فسر القهقهة هي بالضحك المشتمل على الصوت لوقوعها في الأخبار في مقابلة التبسم الخالي منه ، ومنهم من فسرها بمطلق الضحك ظنا منهم ان التبسم ليس من افراد الضحك مع ان الظاهر من موثقة سماعة انه من افراد الضحك ، وبذلك صرح في القاموس ايضا حيث قال فيه هو أقل الضحك وأحسنه. وكيف كان فان ما ذكروه لا يخلو من الاشكال لمخالفته للاخبار وكلام أهل اللغة.

ثم ان ظاهر الأخبار المذكورة عدم الفرق بين العمد والسهو إلا ان العلامة في التذكرة والشهيد في الذكرى ادعيا الإجماع على عدم الإبطال بالواقعة سهوا.

ولو وقعت على وجه لا يمكن دفعها لمقابلة لاعب ونحوه فاستقرب الشهيد في الذكرى البطلان وان لم يأثم لعموم الخبر. وهو جيد بل يظهر من التذكرة انه مجمع عليه بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) والله العالم.

الخامس ـ تعمد الفعل الكثير الخارج به عن الصلاة بلا خلاف بين الأصحاب بل كافة العلماء ، حكى ذلك الفاضلان وغيرهما.

قال في المنتهى : ويجب عليه ترك الفعل الكثير الخارج من أفعال الصلاة فلو فعله عامدا بطلت صلاته وهو قول أهل العلم كافة ، لأنه يخرج به عن كونه مصليا ،

__________________

(1) ج 2 ص 166 وفي الوسائل الباب 1 من أفعال الصلاة رقم 16.


والقليل لا يبطل الصلاة بالإجماع ، قال ولم يحد الشارع القلة والكثرة فالمرجع في ذلك الى العادة وكل ما ثبت ان النبي والأئمة (صلوات الله عليهم) فعلوه في الصلاة وأمروا به فهو من جنس القليل كقتل البرغوث والحية والعقرب ، وكما روى الجمهور عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (1) انه كان يحمل امامة بنت أبى العاص فكان إذا سجد وضعها وإذا قام رفعها.

أقول : لا يخفى ان الأخبار خالية من ذكر هذا الفرد والتعرض له في عداد ما يبطل الصلاة وإنما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) ولهذا اضطرب كلامهم في تحديد القلة والكثرة اضطرابا شديدا ، فمنهم من حده بما سمى كثيرا عرفا ، ومنهم من قال ما يخرج به فاعله عن كونه مصليا عرفا.

__________________

(1) قال في هامش محاضرات آية الله الخوئي في الفقه الجعفري قسم المعاملات ص 52 : ولم يستشهد الأئمة (ع) بقصة حمل النبي «ص» امامة ابنة زينب ولو كان لها عندهم «ع» عين أو اثر لاستشهدوا بها كما هي عادتهم ولكن أهل السنة في جوامعهم تعرضوا لهذه القصة ومع حرصهم الشديد عليها لم يذكروا إلا رواية واحدة عن أبي قتادة والراوي عنه عمرو بن سليم الزرقي وعنه عامر بن عبد الله بن الزبير وأبو سعيد المقبري ويزيد بن عتاب المجهول. وقد اختلفوا في النقل ففي صحيح البخاري ج 1 ص 87 قبل مواقيت الصلاة وصحيح مسلم ج 1 ص 205. الى ان قال بعد عد الجوامع وبيان الاختلاف بينها في المتن : وقد اضطرب فقهاؤهم لهذا الحديث الكاشف عن العمل الكثير المبطل وللخلاف في متن الحديث فمنهم من قال انه منسوخ ومنهم من قال انه في النافلة الجائز فيها ذلك ، ثم قال راجع فيه نيل الأوطار للشوكانى ج 1 ص 102 وفتح الباري ج 2 ص 464 وعمدة القارئ ج 2 ص 501 وشرح صحيح مسلم للنووي على هامش إرشاد الساري ج 3 ص 198 يتجلى لك من اضطراب الفقهاء في توجيهه بعده عن الحقيقة. إلى آخر كلامه. وفي النسخة المطبوعة من الحدائق أدرجت العبارة الآتية في عبارة المنتهى وهي هذه : «وهذا الحديث من موضوعات العامة أرادوا به انحطاط منزلته «ص» (وَيَأْبَى اللهُ إِلّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ)» مع انها غير موجودة في المنتهى ولا في ما وقفنا عليه من نسخ الحدائق الخطية ولذا حذفت في هذه الطبعة.


وقال في السرائر ما يسمى في العادة كثيرا مثل الأكل والشرب واللبس وغير ذلك مما إذا فعله الإنسان لا يسمى مصليا بل يسمى آكلا وشاربا ولا يسمى فاعله في العادة مصليا.

وقال العلامة في التذكرة : اختلف الفقهاء في حد الكثرة فالذي عول عليه علماؤنا البناء على العادة فما يسمى في العادة كثيرا فهو كثير وإلا فلا ، لأن عادة الشرع رد الناس في ما لم ينص عليه الى عرفهم وبه قال بعض الشافعية. وقال بعضهم القليل ما لم يسع زمانه لفعل ركعة من الصلاة والكثير ما يسع. وقال بعضهم ما لا يحتاج الى فعل اليدين معا كرفع العمامة وحل الأزرار فهو قليل وما يحتاج إليهما معا كتكوير العمامة وعقد السراويل فهو كثير. وقال بعضهم القليل ما لا يظن الناظر الى فاعله انه ليس في الصلاة والكثير ما يظن به الناظر الى فاعله الاعراض عن الصلاة (1) انتهى.

وأورد عليه ان ما ذكره من التعليل على احالة الحكم على العرف فهو متجه ان كان مستند أصل الحكم النص ، وليس كذلك فانى لم اطلع على نص يتضمن ان الفعل الكثير مبطل ولا ذكر نص في هذا الباب في شي‌ء من كتب الاستدلال ، فاذن مستند الحكم هو الإجماع فيجب اناطة الحكم بمورد الاتفاق فكل فعل ثبت الاتفاق على كونه فعلا كثيرا كان مبطلا ومتى ثبت انه ليس بكثير فهو ليس بمبطل ، ومتى اشتبه الأمر فلا يبعد القول بعدم كونه مبطلا فان اشتراط الصحة بتركه يحتاج الى دليل بناء على ان الصلاة اسم للأركان المعينة مطلقا فتكون هذه الأمور خارجة عن حقيقتها. ويحتمل القول بالبطلان ووجوب الإعادة لتوقف البراءة اليقينية من التكليف الثابت عليه. انتهى.

أقول ـ وبالله التوفيق إلى هداية سواء الطريق ـ قد عرفت في غير مقام مما تقدم ما في بناء الأحكام الشرعية على الرجوع الى العرف من الفساد مضافا الى عدم

__________________

(1) الفقه على المذاهب الأربعة ج 1 ص 252 وبدائع الصنائع ج 1 ص 241 والمغني ج 2 ص 249 والبحر الرائق ج 2 ص 12 ولم نعثر في ما وقفنا عليه من كتبهم بتحديد الفعل الكثير بما يسع زمانه لفعل ركعة من الصلاة.


الدليل عليه من سادات العباد. واما قول العلامة في ما قدمناه من كلامه ـ ان عادة الشرع رد الناس في ما لم ينص عليه الى عرفهم ـ فهو ممنوع أشد المنع بل المعلوم من الأخبار على وجه لا يعتريه غشاوة الإنكار عند من جاس خلال الديار عند فقد النص إنما هو الوقوف والتثبت والأخذ بالاحتياط ، وقد تقدمت في ذلك الأخبار في مقدمات كتاب الطهارة في مقدمة البراءة الأصلية وكذا في مواضع من مطاوي أبحاث الكتاب ، ولا بأس بالإشارة الى بعضها لإزالة ثقل المراجعة على النظار :

ومنها ـ قوله (عليه‌السلام) في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (1) «إذا أصبتم بمثل هذا فلم تدروا فعليكم بالاحتياط حتى تسألوا عنه فتعلموا».

وقولهم (عليهم‌السلام) في جملة من الأخبار (2) «الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة. إنما الأمور ثلاثة : أمر بين رشده فيتبع وأمر بين غيه فيجتنب وأمر مشكل يرد علمه الى الله تعالى والى رسوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك فمن ترك الشبهات نجى من الهلكات».

وقوله (عليه‌السلام) في حديث حمزة بن الطيار (3) «كف واسكت انه لا يسعكم في ما ينزل بكم مما لا تعلمون إلا الكف عنه والتثبت والرد إلى أئمة الهدى (عليهم‌السلام) حتى يحملوكم فيه على القصد ويجلوا عنكم فيه العمى ويعرفوكم فيه الحق ، قال الله تعالى (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)» (4).

وقوله (عليه‌السلام) (5) «ان وضح لك أمر فاقبله وإلا فاسكت تسلم ورد علمه الى الله تعالى فإنك في أوسع ما بين السماء والأرض».

وقول الصادق (عليه‌السلام) في حديث ابى البريد المروي في الكافي (6)

__________________

(1 و 2 و 3 و 5) الوسائل الباب 12 من صفات القاضي وما يجوز ان يقضى به.

(4) سورة النحل ، الآية 45.

(6) الوسائل الباب 7 من صفات القاضي وما يجوز ان يقضى به. وفيه ـ كما في أصول الكافي باب الضلال ـ هكذا (عن هاشم صاحب البريد).


«اما انه شر عليكم ان تقولوا بشي‌ء ما لم تسمعوه منا». الى غير ذلك من الأخبار التي يضيق عن نقلها المقام.

واما الاعتماد على الإجماع واناطة الحكم به فهو وان كان مشهورا بينهم إلا انك قد عرفت ما فيه مما كشف عن ضعف باطنه وخافية.

والتحقيق عندي في المقام هو ان يقال لا ريب أن الصلاة عبادة شرعية موظفة محدودة بالتكبير الى التسليم تحريمها التكبير وتحليلها التسليم (1). وانها عبارة عن الأفعال المخصوصة وما بينها من الانتقالات إلا أنه قد رخص الشارع في الإتيان ببعض الأفعال فيها مما هو خارج عنها ، فيجب الوقوف على مواضع الرخص لأنها جارية على خلاف الأصل ، لأنا لو خلينا وظاهر الأمر بها وانها عبارة عما ذكرنا ولم يرد شي‌ء من ما ذكرناه من الرخص لكنا نوجب الحكم ببطلانها مع الإتيان بتلك الأشياء البتة لخروجها عن الصلاة المبنية على التوقيف عن صاحب الشرع لكن لما وردت النصوص بها لم يسع الحكم بالإبطال ، وحينئذ فالواجب الاقتصار في الحكم بالصحة على موارد النصوص من تلك الأشياء ونحوها وما خرج عن ذلك سمى عرفا كثيرا أو لم يسم انمحت به صورة الصلاة أم لا فإنه يجب الحكم فيه بالإبطال وقوفا على ما ذكرناه من الأصل.

وبالجملة فإنه حيث كانت النصوص خالية من هذا الحكم وما ادعوه من الإجماع في المقام وفرعوا عليه من الأحكام فهي لا توصل عندنا الى مقام فالواجب الوقوف على مقتضى الأصل في حكم الصلاة وما يقتضيه الأمر بها وما ورد من النصوص المخصصة لذلك في هذا الباب.

فالواجب ذكر جملة من تلك النصوص الواردة في ذلك لتكون أنموذجا لا يتعداه السالك في هذه المسالك ، فمن ذلك أخبار الرعاف وقد تقدم جملة منها في مسألة الكلام.

__________________

(1) الوسائل الباب 1 من تكبيرة الإحرام و 1 من التسليم.


ومنها ـ ما رواه الصدوق في الصحيح عن عبد الله بن المغيرة (1) انه قال : «لا بأس أن يعد الرجل صلاته بخاتمه أو بحصى يأخذ بيده فيعد به».

وما رواه الشيخ في الموثق عن يونس بن يعقوب (2) قال : «رأيت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يسوى الحصى في موضع سجوده بين السجدتين».

وعن عبيد الله الحلبي في الموثق عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «سألته أيمسح الرجل جبهته في الصلاة إذا لصق بها تراب؟ فقال نعم قد كان أبو جعفر (عليه‌السلام) يمسح جبهته في الصلاة إذا لصق بها التراب».

وعن إسحاق بن عمار عن رجل من بنى عجل (4) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المكان يكون فيه الغبار فأنفخه إذا أردت السجود؟ فقال لا بأس».

وروى الكليني والشيخ عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (5) «في الرجل يمس أنفه في الصلاة فيرى دما كيف يصنع أينصرف؟ قال إن كان يابسا فليرم به ولا بأس». وفي الكافي «دما كثيرا» (6).

وروى الشيخ في الصحيح عن ابن ابى نصر عن ابى الوليد (7) قال : «كنت جالسا عند ابى عبد الله (عليه‌السلام) فسأله ناجية أبو حبيب فقال له جعلني الله فداك ان لي رحى أطحن فيها فربما قمت في ساعة من الليل فاعرف من الرحى ان الغلام قد نام فاضرب الحائط لأوقظه؟ فقال نعم أنت في طاعة الله تطلب رزقه». ورواه ابن بابويه بتفاوت في المتن (8) وفيه «فأقوم فأصلي. الى آخره».

وروى في الكافي والتهذيب في الحسن أو الصحيح عن الحلبي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (9) في حديث قال : «والمرأة إذا أرادت الحاجة وهي

__________________

(1) الوسائل الباب 28 من الخلل في الصلاة.

(2 و 3) الوسائل الباب 18 من السجود.

(4) الوسائل الباب 7 من السجود.

(5) الوسائل الباب 2 من قواطع الصلاة.

(6) ليس في الكافي ج 1 ص 101 كلمة «كثيرا».

(7 و 8 و 9) الوسائل الباب 9 من قواطع الصلاة.


تصلى تصفق بيديها».

وروى في الفقيه (1) قال : «وسأله حنان بن سدير أيومئ الرجل وهو في الصلاة؟ قال نعم قد أومأ النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في مسجد من مساجد الأنصار بمحجن كان معه. قال حنان ولا أعلمه إلا مسجد بنى عبد الأشهل».

وروى في الفقيه والتهذيب عن محمد بن بجيل أخي على بن بجيل (2) قال : «رأيت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يصلى فمر به رجل وهو بين السجدتين فرماه أبو عبد الله (عليه‌السلام) بحصاة فأقبل اليه الرجل».

ورؤيا أيضا عن زكريا الأعور (3) قال «رأيت أبا الحسن (عليه‌السلام) يصلى قائما والى جنبه رجل كبير يريد أن يقوم ومعه عصا له فأراد أن يتناولها فانحط أبو الحسن (عليه‌السلام) وهو قائم في صلاته فناول الرجل العصا ثم عاد الى موضعه من الصلاة».

ورؤيا أيضا عن سعيد الأعرج (4) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) انى أبيت وأريد الصوم فأكون في الوتر فأعطش فأكره أن اقطع الدعاء واشرب واكره أن أصبح وأنا عطشان وامامى قلة بيني وبينها خطوتان أو ثلاثة؟ قال تسعى إليها وتشرب منها حاجتك وتعود في الدعاء».

وروى في التهذيب في الموثق عن عمار الساباطي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (5) قال : «لا بأس ان تحمل المرأة صبيها وهي تصلي أو ترضعه وهي تتشهد».

__________________

(1) الوسائل الباب 9 من قواطع الصلاة.

(2) الوسائل الباب 10 من قواطع الصلاة.

(3) الوسائل الباب 12 من القيام. ولفظ التهذيب «ثم عاد الى صلاته» والفقيه «ثم عاد الى موضعه الى صلاته».

(4) الوسائل الباب 23 من قواطع الصلاة. واللفظ للتهذيب وهو يختلف عن لفظ الفقيه وقد نقله في الوسائل عن كل منهما مستقلا.

(5) الوسائل الباب 24 من قواطع الصلاة.


وروى في الفقيه (1) قال : «سأل الحلبي أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يحتك وهو في الصلاة؟ قال لا بأس».

وروى في التهذيب عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن على (عليهم‌السلام) (2) انه قال : «في رجل يصلى ويرى الصبي يحبو الى النار أو الشاة تدخل البيت لتفسد الشي‌ء؟ قال فلينصرف وليحرز ما يتخوف ويبنى على صلاته ما لم يتكلم».

وروى الشيخ في الحسن عن مسمع (3) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) فقلت أكون أصلي فتمر بي الجارية فربما ضممتها الى؟ قال لا بأس».

وعن السكوني عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (4) انه قال : «في الرجل يصلى في موضع ثم يريد ان يتقدم؟ قال يكف عن القراءة في مشيه حتى يتقدم الى الموضع الذي يريد ثم يقرأ».

وما رواه في التهذيب والكافي عن عبد الرحمن بن ابى عبد الله عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (5) قال : «إذا دخلت المسجد والامام راكع فظننت انك ان مشيت اليه رفع رأسه من قبل ان تدركه فكبر واركع فإذا رفع رأسه فاسجد مكانك فإذا قام فالحق بالصف فان جلس فاجلس مكانك فإذا قام فالحق بالصف». قال في الفقيه (6) «وروى انه يمشى في الصلاة يجر رجليه ولا يتخطى». وفي هذا الحكم اخبار عديدة بذلك.

وروى في الفقيه والتهذيب في الموثق عن عمار (7) قال : «سألت أبا عبد الله

__________________

(1) الوسائل الباب 28 من قواطع الصلاة.

(2) الوسائل الباب 21 من قواطع الصلاة.

(3) الوسائل الباب 22 من قواطع الصلاة.

(4) الوسائل الباب 44 من مكان المصلى و 34 من القراءة.

(5 و 6) الوسائل الباب 46 من الجماعة.

(7) الوسائل الباب 19 من قواطع الصلاة.


(عليه‌السلام) عن الرجل يكون في الصلاة فيرى حية بحياله يجوز له أن يتناولها فيقتلها؟ فقال ان كان بينه وبينها خطوة واحدة فليخط وليقتلها والا فلا».

ورؤيا في الحسن عن الحسين بن ابى العلاء (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يرى الحية والعقرب وهو يصلى المكتوبة؟ قال يقتلهما».

وفي الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (2) انه قال : «في رجل يرى العقرب والأفعى والحية وهو يصلى أيقتلها؟ قال : نعم ان شاء فعل».

وروى في الكافي عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «إذا وجدت قملة وأنت تصلي فادفنها في الحصى». ومثلها رواية الحسين ابن ابى العلاء (4).

وروى في كتاب قرب الاسناد وكتاب المسائل عن على بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (5) قال : «سألته عن الرجل يكون في صلاته فيرمى الكلب وغيره بالحجر ما عليه؟ قال ليس عليه شي‌ء ولا يقطع ذلك صلاته. وسألته عن الرجل هل يصلح له وهو في صلاته أن يقتل القملة أو النملة أو الفأرة أو الحلمة أو شبه ذلك؟ قال أما القملة فلا يصلح له ولكن يرمى بها خارجا من المسجد أو يدفنها تحت رجليه. وسألته عن رجل رعف وهو في صلاته وخلفه ماء هل يصلح له أن ينكص على عقبيه حتى يتناول الماء ويغسل الدم؟ قال إذا لم يلتفت فلا بأس. وسألته عن المرأة تكون في صلاة الفريضة وولدها الى جنبها فيبكي وهي قاعدة هل يصلح لها أن تتناوله فتقعده في حجرها وتسكته وترضعه؟ قال لا بأس».

وروى في المحاسن (6) عن ابن أذينة عن ابى جعفر (عليه‌السلام) قال

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 19 من قواطع الصلاة.

(3 و 4) الوسائل الباب 20 من قواطع الصلاة.

(5) الوسائل الباب 10 و 20 و 2 و 24 من قواطع الصلاة بترتيب الأسئلة في المتن وقد نقل الأول والرابع من كتابه أيضا دون الثاني والثالث ، وفي البحار ج 18 الصلاة ص 210 نقل الجميع من قرب الإسناد ومن كتابه.

(6) ص 590.


«لدغت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عقرب وهو يصلى بالناس فأخذ النعل وضربها ثم قال بعد ما انصرف : لعنك الله فما تدعين برا ولا فاجرا إلا آذيته. قال ثم دعا (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بملح جريش فذلك موضع اللذعة ثم قال لو علم الناس ما في الملح الجريش ما احتاجوا معه الى ترياق وغيره».

وروى على بن جعفر في كتاب المسائل عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن المرأة تكون في صلاتها قائمة يبكي ابنها الى جنبها هل يصلح لها ان تتناوله وتحمله وهي قائمة؟ قال لا تحمل وهي قائمة».

قال بعض مشايخنا (رضوان الله عليهم) قوله «لا تحمل وهي قائمة» يمكن أن يكون ذلك لاستلزام زيادة الركوع بناء على عدم اشتراط النية في ذلك وظاهر بعض الأصحاب اشتراطها ، ثم نقل كلام الذكرى الدال على ذلك ثم نقل رواية زكريا الأعور المتقدمة المتضمنة لهوي الامام لمناولة الشيخ عصاه (2) ثم قال : وهذا الخبر يدل على الجواز وعلى الاشتراط المذكور ، ويمكن الجمع بينهما بحمل هذا الخبر على الفريضة أو الكراهة وخبر الأعور على النافلة أو على الجواز والأول أظهر. انتهى.

وروى ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب نوادر البزنطي في الصحيح عن الحلبي (3) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يخطو امامه في الصلاة خطوتين أو ثلاثا؟ قال نعم لا بأس. وعن الرجل يقرب نعله بيده أو رجله في الصلاة؟ قال نعم».

وروى الشهيد في الذكرى عن البزنطي عن داود بن سرحان عن الصادق (عليه‌السلام) (4) «في عد الآي بعقد اليد؟ قال لا بأس هو احصى للقرآن».

وروى الصدوق في الفقيه عن على بن جعفر (5) «انه سأل أخاه موسى (عليه

__________________

(1) الوسائل الباب 24 من قواطع الصلاة.

(2) ص 45.

(3 و 4) الوسائل الباب 30 من قواطع الصلاة.

(5) الوسائل الباب 27 من قواطع الصلاة.


السلام) عن الرجل يتحرك بعض أسنانه وهو في الصلاة هل ينزعه؟ قال ان كان لا يدميه فلينزعه وان كان يدميه فلينصرف. وعن الرجل يكون به الثالول أو الجرح هل يصلح له أن يقطع الثالول وهو في صلاته أو ينتف بعض لحمه من ذلك الجرح ويطرحه؟ قال ان لم يتخوف ان يسيل الدم فلا بأس وان تخوف ان يسيل الدم فلا يفعله. وعن الرجل يرى في ثوبه خرء الطير أو غيره هل يحكه وهو في صلاته؟ قال : لا بأس. وقال لا بأس ان يرفع الرجل طرفه الى السماء وهو يصلى».

وروى الحميري في قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده على بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن الرجل هل يصلح له ان يصلى وفي كمه شي‌ء من الطير؟ قال : ان خاف عليه ذهابا فلا بأس. وسألته عن الرجل هل يصلح له ان يستدخل الدواء ويصلى وهو معه وهل ينقض الوضوء؟ قال لا ينقض الوضوء ولا يصلى حتى يطرحه. وسألته عن الرجل هل يصلح له ان يصلى وفي فيه الخرز واللؤلؤ؟ قال إذا كان يمنعه من قراءته فلا وان كان لا يمنعه فلا بأس».

واما ما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) في الموثق عن سماعة (2) ـ قال : «سألته عن الرجل يكون قائما في الصلاة الفريضة فينسى كيسه أو متاعا يتخوف ضيعته أو هلاكه؟ قال يقطع صلاته ويحرز متاعه ثم يستقبل الصلاة. قلت فيكون في الصلاة الفريضة فتفلت عليه دابة أو تفلت دابته فيخاف ان تذهب أو يصيب منها عنتا؟ فقال لا بأس ان يقطع صلاته». وزاد في الفقيه (3) «ويتحرز ويعود في صلاته».

وما رواه في الكافي والتهذيب عن حريز عن من أخبره عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «إذا كنت في صلاة الفريضة فرأيت غلاما لك قد أبق أو غريما لك عليه مال أو حية تخافها على نفسك فاقطع الصلاة واتبع الغلام

__________________

(1) الوسائل الباب 60 من لباس المصلى و 23 من قواطع الصلاة.

(2 و 3 و 4) الوسائل الباب 21 من قواطع الصلاة.


أو غريما لك واقتل الحية».

فيجب حمله على ما إذا استلزم فعل أحد المبطلات من الكلام والاستدبار ، على ان الثاني منهما مطلق فيجوز حمله على ما تقدم من الأخبار.

أقول : ومن هذه الأخبار يستفاد ان ما كان من الأفعال مثل ما اشتملت عليه نوعا أو شخصا فلا بأس به وما زاد على ذلك وخرج عنه فهو محل الإشكال وان لم يسم كثيرا عرفا. هذا هو القدر الذي يمكن القول به في المقام.

ثم ان المشهور بينهم ان إبطال الفعل الكثير مخصوص بصورة العمد كما صرح بذلك جمع منهم ونسبه في التذكرة إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه. وقال الشهيد الثاني : لو استلزم الفعل الكثير ناسيا انمحاء صورة الصلاة رأسا توجه البطلان ايضا لكن الأصحاب أطلقوا الحكم بعدم البطلان. انتهى. وجزم سبطه في المدارك بالبطلان هنا حيث قال : ولم أقف على رواية تدل بمنطوقها على بطلان الصلاة بالفعل الكثير لكن ينبغي ان يراد به ما تنمحي به صورة الصلاة بالكلية كما هو ظاهر اختيار المصنف في المعتبر اقتصارا في ما خالف الأصل على موضع الوفاق وان لا يفرق في بطلان الصلاة بين العمد والسهو. انتهى.

(السادس) ـ تعمد البكاء للأمور الدنيوية من ذهاب مال أو فوت عزيز وان وقع بغير اختيار إلا انه لا يأثم به ، وهذا الحكم ذكره الشيخ ومن تأخر عنه وظاهر عدم الخلاف فيه.

واستدلوا عليه بأنه فعل خارج عن حقيقة الصلاة فيكون قاطعا لها كالكلام ، وما رواه الشيخ عن أبي حنيفة (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن البكاء في الصلاة أيقطع الصلاة؟ قال ان بكى لذكر جنة أو نار فذلك هو أفضل الأعمال في الصلاة وان كان ذكر ميتا له فصلاته فاسدة».

ورد الأول في المدارك بأنه قياس والثاني بضعف السند لاشتماله على عدة من

__________________

(1) الوسائل الباب 5 من قواطع الصلاة.


الضعفاء ، قال فيشكل الاستناد إليها في إثبات حكم مخالف للأصل ثم نقل عن شيخه المعاصر التوقف في الحكم ، قال وهو في محله.

أقول : يمكن الجواب بناء على الاصطلاح المحدث في تقسيم الأخبار بجبر الخبر بالشهرة بين الأصحاب لما عرفت من اتفاقهم على الحكم المذكور والأمران اصطلاحيان

وقال في الفقيه (1) : وروى ان البكاء على الميت يقطع الصلاة والبكاء لذكر الجنة والنار من أفضل الأعمال في الصلاة.

وقال شيخنا في الروض : واعلم ان البكاء المبطل للصلاة هو المشتمل على الصوت لا مجرد خروج الدمع مع احتمال الاكتفاء به في البطلان ، ووجه الاحتمالين اختلاف معنى البكاء لغة مقصورا وممدودا والشك في إرادة أيهما من الأخبار قال : الجوهري البكاء يمد ويقصر فإذا مددت أردت الصوت الذي يكون مع البكاء وإذا قصرت أردت الدموع وخروجها ، قال الشاعر :

بكت عيني وحق لها بكاها
 

 

ولا يجدى البكاء ولا العويل
 

. انتهى أقول : لا يخفى أن الموجود في النص الذي هو مستند هذا الحكم إنما هو بالفعل الشامل للأمرين دون المصدر الذي هو مظهر لكل من المعنيين المذكورين وحينئذ فما اشتهر بين الأصحاب من تخصيص الإبطال بما إذا اشتمل على الصوت دون مجرد خروج الدمع لا أعرف له وجها. وربما أيده بعضهم باستصحاب حكم الصحة في الصلاة والمتيقن هو الإبطال بما اشتمل على الصوت. وهو ضعيف.

واما ما ذكره في الذخيرة ـ من ان الظاهر من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) إرادة الأعم ـ لعله مبنى على إطلاق بعضهم الكلام في البكاء وإلا فظاهر كلام شيخنا الشهيد الثاني المذكور ظاهر في اختياره التخصيص بالمشتمل على الصوت وإنما جعل الآخر احتمالا.

وقال سبطه في المدارك : وينبغي ان يراد بالبكاء ما كان فيه انتحاب وصوت

__________________

(1) الوسائل الباب 5 من قواطع الصلاة.


لا مجرد خروج الدمع اقتصارا على موضع الوفاق ان تم. انتهى. وبعضهم علله بما قدمنا ذكره.

ثم ان ظاهر كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) من حيث تعليقهم الإبطال بالأمور الدنيوية الذي هو أعم من ان يكون لفوتها أو لطلبها هو حصول الإبطال بالبكاء لطلب ولد أو مال أو شفاء مريض أو نحو ذلك ، وهو مشكل لأنه مأمور به ومندوب إليه في الأخبار ، مع ان ظاهر الخبر الذي هو مستند هذا الحكم إنما هو فواتها لا طلبها. وحينئذ فالظاهر انه لا تبطل بالبكاء لطلبها. ولا يعارض ذلك بمفهوم صدر الخبر لدلالته على انه ما لم يكن من الأمور الأخروية يكون مبطلا ، لأنا نقول مفهوم صدر الخبر انه ما لم يكن كذلك ليس أفضل الأعمال وعدم كونه أفضل الأعمال لا يوجب البطلان.

هذا. واما ما يدل من الأخبار على عدم الإبطال بالبكاء للأمور الأخروية ـ من الشوق إلى الجنة أو الخوف من العذاب أو الندامة على الذنوب بل هو من أفضل الأعمال عند ذي الجلال كما استفاضت به اخبار الآل (صلوات الله وسلامه عليهم ما ترادفت الأيام والليالي) وعضدته الآيات الواردة في الكتاب العزيز كقوله عزوجل «إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا» (1) ـ

فمنها ـ ما صح عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (2) «انه قال لعلى (عليه‌السلام) في جملة وصيته له : والرابعة كثرة البكاء لله يبنى لك بكل دمعة ألف بيت في الجنة».

وما رواه الصدوق (قدس‌سره) عن منصور بن يونس بزرج (3) «انه سأل الصادق (عليه‌السلام) عن الرجل يتباكى في الصلاة المفروضة حتى يبكي؟ قال قرة عين والله. وقال إذا كان ذلك فاذكرني عنده».

__________________

(1) سورة مريم الآية 59.

(2) البحار ج 19 باب فضل البكاء وذم جمود العين.

(3) الوسائل الباب 5 من قواطع الصلاة.


وما رواه الشيخ (عطر الله مرقده) عن سعيد بياع السابري (1) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) أيتباكى الرجل في الصلاة؟ فقال بخ بخ ولو مثل رأس الذباب».

وما رواه ثقة الإسلام (نور الله ضريحه) عن محمد بن مروان عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «ما من شي‌ء إلا وله كيل ووزن إلا الدموع فإن القطرة تطفئ بحارا من نار فإذا أغر ورقت العين بمائها لم يرهق وجهها قتر ولا ذلة فإذا فاضت حرمه الله على النار ، ولو ان باكيا بكى في أمة لرحموا».

وعن محمد بن مروان عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «ما من عين إلا وهي باكية يوم القيامة إلا عين بكت من خوف الله ، وما أغر ورقت عين بمائها من خشية الله (عزوجل) إلا حرم الله عزوجل سائر جسده على النار ولا فاضت على خده فرهق ذلك الوجه قتر ولا ذلة ، وما من شي‌ء إلا وله كيل ووزن إلا الدمعة فإن الله عزوجل يطفئ باليسير منها البحار من النار فلو ان عبدا بكى في أمة لرحم الله تلك الأمة ببكاء ذلك العبد».

وعن أبي حمزة عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (4) قال : «ما من قطرة أحب الى الله عزوجل من قطرة دموع في سواد الليل مخافة من الله لا يراد بها غيره».

وفي الحسن عن صالح بن رزين ومحمد بن مروان وغيرهما عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (5) قال : «كل عين باكية يوم القيامة إلا ثلاثة : عين غضت عن محارم الله وعين سهرت في طاعة الله وعين بكت في جوف الليل من خشية الله».

وعن ابن ابى عمير في الصحيح أو الحسن عن رجل من أصحابه (6) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) اوحى الله عزوجل الى موسى ان عبادي لم يتقربوا إلي بشي‌ء أحب الى من ثلاث خصال. قال موسى (عليه‌السلام) يا رب وما هن؟ قال

__________________

(1) الوسائل الباب 5 من قواطع الصلاة.

(2 و 3 و 4 و 5 و 6) الوسائل الباب 15 من جهاد النفس.


يا موسى الزهد في الدنيا والورع عن المعاصي والبكاء من خشيتي. قال موسى يا رب فما لمن صنع ذا؟ فأوحى الله عزوجل اليه يا موسى اما الزاهدون في الدنيا ففي الجنة واما البكاءون من خشيتي ففي الرفيع الأعلى لا يشاركهم أحد واما الورعون عن المعاصي فإني أفتش الناس ولا أفتشهم».

وعن على بن أبي حمزة (1) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) لأبي بصير ان خفت امرا يكون أو حاجة تريدها فابدأ بالله فمجده وأثن عليه كما هو اهله وصل على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) واسأل حاجتك وتباك ولو مثل رأس الذباب ، ان ابى كان يقول ان أقرب ما يكون العبد من الرب وهو ساجد باك».

(السابع) ـ تعمد الأكل والشرب إلا في الوتر لصائم أصابه عطش على المشهور وأصل الحكم المذكور ذكره الشيخ في الخلاف والمبسوط وادعى عليه الإجماع وتبعه عليه أكثر من تأخر عنه ، ومنعه المحقق في المعتبر وطالبه بالدليل على ذلك. وهو جيد فانا لم نقف على ما يدل عليه من الأخبار ، والى هذا مال جملة من أفاضل المتأخرين ومتأخريهم.

قال في الذكرى : أما الأكل والشرب فالظاهر انهما لا يبطلان بمسماهما بل بالكثرة فلو ازدرد ما بين أسنانه لم يبطل اما لو مضغ لقمة وابتلعها أو تناول قلة فشرب منها فان كثر ذلك عادة أبطل وان كان لقمة أو شربة فقد قال في التذكرة يبطل لان تناول المأكول ومضغه وابتلاعه أفعال معدودة. انتهى.

وقال في المنتهى : لو ترك في فيه شيئا يذوب كالسكر فذاب فابتلعه لم تفسد صلاته عندنا وعند الجمهور تفسد (2) لانه يسمى أكلا. أما لو بقي بين أسنانه شي‌ء من بقايا الغذاء فابتلعه في الصلاة لم تفسد صلاته قولا واحدا لانه لا يمكن التحرز عنه ، وكذا لو كان في فيه لقمة ولم يبلعها إلا في الصلاة لأنه فعل قليل. انتهى.

اما لو وضع في فيه لقمة حال الصلاة ومضغها وابتلعها أو تناول قلة وشرب

__________________

(1) الوسائل الباب 29 من الدعاء.

(2) المغني ج 2 ص 62.


منها فقد صرح العلامة في النهاية والتذكرة على ما نقل عنهما بأنه مبطل أيضا لأن التناول والمضغ والابتلاع أفعال كثيرة وكذا المشروب. وهذا القول جار على مذهب الشيخ المتقدم.

وبالجملة فإن من نازع في أصل الحكم إنما بنى فيه على حصول الكثرة وعدمها فجعل الإبطال وعدمه دائرا مدار الكثرة وعدمها وإلا فالأكل والشرب من حيث هما غير مبطلين وهو الأظهر في المسألة ، لنا ـ ان مجرد الأكل والشرب من قبيل الأفعال التي تقدم في الأخبار تعدادها وما اشتملت عليه تلك الأخبار من الافراد المعدودة فيها إنما خرج مخرج التمثيل فتكون هي وما شابهها كذلك ، وما زاد عليها يكون مبطلا لخروجه من الأخبار المذكورة وان علله الأصحاب بالكثرة التي عدوها من القواطع فالنزاع لفظي.

وكيف كان فإنه لا خلاف في استثناء الصورة المتقدمة بالشروط الواردة في الخبر الذي هو مستند الحكم المذكور وهو خبر سعيد الأعرج المتقدم (1) في جملة أخبار ما يجوز فعله في الصلاة.

وهل يعدى الحكم إلى النافلة مطلقا؟ صرح الشيخ بذلك والمشهور خلافه ، قال في المعتبر : قال في المبسوط والخلاف لا بأس بشرب الماء في صلاة النافلة لأن الأصل الإباحة وإنما منعناه في الفريضة بالإجماع ، وقال الشافعي لا يجوز في نافلة ولا في فريضة (2). ثم استدل برواية سعيد الأعرج ثم ساق الرواية. ثم قال في المعتبر : وقوله «منعناه في الفريضة بالإجماع» لا نعلم اى إجماع أشار اليه والرواية المذكورة غير دالة على دعواه لأنه ادعى الجواز في النافلة مطلقا والرواية تدل على الوتر خاصة بالقيود التي تضمنها الحديث وهي إرادة الصوم وخوف العطش وكونه في دعاء الوتر ، ولا يلزم من جواز الشرب على هذا التقدير جوازه في النافلة

__________________

(1) ص 45.

(2) الإقناع للخطيب الشربينى الشافعي ج 1 ص 123 والفقه على المذاهب الأربعة ج 1 ص 254 فقد ذكرا ما يقتضي ذلك بإطلاقه.


مطلقا. انتهى. وهو جيد.

أقول : وبعضهم لذلك تخطى عن عموم الوتر كما هو ظاهر المشهور الى تخصيص الجواز بدعائه كما هو مورد الرواية ولا ريب انه الأحوط.

وأنت خبير بان هذا الاستثناء إنما يصح بناء على قول الشيخ واتباعه من الإبطال بمسمى الأكل والشرب أو بناء على ان الشرب فعل كثير فيقتصر حينئذ على موضع النص والا فلا استثناء ولا قصر كما هو الأظهر وهو اختياره في المدارك ايضا

المقام الثالث ـ في ما يكون الأفضل تركه وان لم يقطعها وبعبارة أخرى ما يكره فيها :

ومنها ـ الالتفات يمينا وشمالا عند الأصحاب وذهب بعضهم إلى انه محرم مبطل وقد تقدم تحقيق القول في ذلك قريبا.

ومنها ـ العقص للرجل ، قال في القاموس عقص شعره ضفره وفتله. والقول بالكراهة هو المشهور بين المتأخرين وذهب اليه سلار وأبو الصلاح وابن إدريس وجمهور المتأخرين ، وهو ظاهر عبارة الشيخ المفيد حيث قال : لا ينبغي للرجل إذا كان له شعر ان يصلى وهو معقوص حتى يحله وقد روى رخصة في ذلك للنساء. وقال الشيخ في التهذيب والمبسوط والخلاف إذا صلى الرجل وهو معقوص الشعر عامدا بطلت صلاته.

واستدل عليه في الخلاف بالإجماع وبما رواه في التهذيب عن مصادف عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (1) «في رجل صلى صلاة فريضة وهو معقوص الشعر؟ قال يعيد صلاته».

وأجاب المتأخرون عن الإجماع بعدم ثبوته وهو جيد ، وعن الرواية بضعف السند.

__________________

(1) الوسائل الباب 36 من لباس المصلى. والرواية للكليني كما في الفروع ج 1 ص 113 ورواها الشيخ عنه في التهذيب ج 1 ص 202.


وفيه أولا ـ ما عرفت في غير موضع مما تقدم من أن الطعن بضعف السند لا يقوم حجة على المتقدمين الذين لا أثر لهذا الاصطلاح عندهم بل ولا على من لا يرى العمل به. وبالجملة فإن رد الخبر من غير معارض مشكل ومن ثم مال المحدث الشيخ محمد ابن الحسن الحر العاملي في كتاب الوسائل إلى تحريمه وإبطال الصلاة به.

وروى في كتاب دعائم الإسلام عن على (عليه‌السلام) (1) انه قال : «نهاني رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن اربع : عن تقليب الحصى في الصلاة وان أصلي وانا عاقص رأسي من خلفي ، وان احتجم وانا صائم ، وان أخص يوم الجمعة بالصوم».

وظاهر هذه الرواية الكراهة كما هو المشهور. ونفى البعد شيخنا المجلسي (قدس‌سره) عن حمل رواية مصادف على التقية (2).

وكيف كان فالحكم مختص بالرجال واما النساء فلا كراهة فيهن إجماعا.

ثم ان جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) صرحوا بأنه على تقدير التحريم لا يلزم البطلان ، وعللوه بأن النهي عن أمر خارج عن العبادة فلا يستلزم بطلانها. ولا يخفى ما في هذا الكلام من الغفلة عن النص المذكور حيث انه قد اشتمل على الإعادة الصريحة في البطلان وليس في الباب غيره وليس ههنا نص يتضمن النهى حتى يتجه ما ذكروه من التقريب. والله العالم.

ومنها ـ التثاؤب والتمطي وفرقعة الأصابع والعبث بلحيته أو غيرها ونفخ موضع سجوده والتنخم والبصاق ونحو ذلك.

والمستند في هذه الأشياء ونحوها عدة اخبار : منها ـ ما ورد في صحيح زرارة عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (3) قال : «إذا قمت في الصلاة فعليك بالإقبال على صلاتك فإنما يحسب لك منها ما أقبلت عليه ، ولا تعبث فيها بيدك ولا برأسك ولا

__________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 27 من لباس المصلى.

(2) في البحر الرائق ج 2 ص 23 استظهر التحريم للنهى بلا صارف.

(3) الوسائل الباب 1 من أفعال الصلاة.


بلحيتك ولا تحدث نفسك ولا تتثأب ولا تتمط ولا تكفر فإنما يفعل ذلك المجوس ولا تلثم ولا تحتفز ولا تفرج كما يتفرج البعير ولا تقع على قدميك ولا تفترش ذراعيك ولا تفرقع أصابعك ، فإن ذلك كله نقصان من الصلاة ، ولا تقم إلى الصلاة متكاسلا ولا متناعسا ولا متثاقلا ، فإنها من خلال النفاق فان الله تعالى نهى المؤمنين أن يقوموا إلى الصلاة وهم سكارى (1) يعنى سكر النوم ، وقال للمنافقين (وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلّا قَلِيلاً)» (2).

بيان : قال في النهاية : فيه «التثاؤب من الشيطان» التثاؤب معروف وهو مصدر تثاءب والاسم الثؤباء ، وإنما جعله من الشيطان كراهية له لأنه إنما يكون مع ثقل البدن وامتلائه واسترخائه وميله الى الكسل والنوم ، واضافه الى الشيطان لأنه الذي يدعو إلى إعطاء النفس شهوتها. وأراد به التحذير من السبب الذي يتولد منه وهو التوسع في المطعم والشبع فيثقل عن الطاعات ويكسل عن الخيرات. انتهى. والتمطي معروف وقيل أصله من التمطط وهو التمدد.

قال في المنتهى : يكره التثاؤب في الصلاة لأنه استراحة في الصلاة ومغير لهيئتها المشروعة وكذا يكره التمطي ايضا لهذه العلة ، ويؤيده ذلك ما رواه الشيخ في الحسن عن الحلبي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «سألته عن الرجل يتثأب في الصلاة ويتمطى؟ قال هو من الشيطان ولن يملكه». ثم قال : وفي ذلك دلالة على رجحان الترك مع الإمكان. انتهى.

واما التكفير فقد تقدم الكلام فيه وكذا في اللثام. واما الاحتفاز فقال في النهاية : الحفز الحث والإعجال ، ومنه حديث أبي بكرة «انه دب الى الصف راكعا وقد حفزه النفس». ومنه الحديث «انه (عليه‌السلام) اتى بتمر فجعل يقسمه وهو محتفز». اى مستعجل مستوفز يريد القيام ، ومنه حديث على (عليه‌السلام) (4)

__________________

(1) سورة النساء الآية 46.

(2) سورة النساء الآية 141.

(3) الوسائل الباب 11 من قواطع الصلاة.

(4) الوسائل الباب 3 من السجود.


«إذا صلت المرأة فلتحتفز إذا جلست وإذا سجدت ولا تخوى كما يتخوى الرجل اى تتضام وتجتمع». انتهى. وقال في المجمع : في حديث المصلى لا تلثم ولا تحتفز اى لا تتضام في سجودك بل تتخوى كما يتخوى البعير الضامر وهذا عكس المرأة فإنها تحتفز في سجودها ولا تتخوى. انتهى.

أقول : وقد علم من ذلك ان هذا اللفظ محتمل لمعنيين : (أحدهما) الجلوس غير متمكن ولا متورك بل يجلس مقعيا كالمريد للقيام سريعا. و (الثاني) بمعنى التضام في السجود اى لا تتضام في حال سجودك ، وفي بعض النسخ «ولا تحتقن» والمراد به مدافعة الأخبثين.

وروى في الكافي عن احمد بن محمد بن عيسى رفعه عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «إذا قمت في الصلاة فلا تعبث بلحيتك ولا برأسك ولا تعبث بالحصى وأنت تصلي إلا أن تسوى حيث تسجد فلا بأس».

وروى الشيخ في التهذيب عن ابى بصير (2) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) إذا قمت في الصلاة فاعلم أنك بين يدي الله تعالى فان كنت لا تراه فاعلم انه يراك فاقبل قبل صلاتك ولا تمتخط ولا تبزق ولا تنقض أصابعك ولا تورك فان قوما قد عذبوا بنقض الأصابع والتورك في الصلاة. الحديث».

أقول : ان نقض الأصابع بالقاف بعد النون ثم الضاد المعجمة ، قال في القاموس : انقض أصابعه ضرب بها لتصوت. وقال في مجمع البحرين : وانقاض الأصابع تصويتها وفرقعتها وانقض أصابعه ضرب بها لتصوت ، ومنه الحديث «لا ينقض الرجل أصابعه في الصلاة» انتهى. والتورك قسمان : منه ما هو سنة وهو ما تقدم في بحث السجود والتشهد ، ومكروه وهو ان يضع يديه على وركيه في الصلاة وهو قائم ، وهو المراد في الخبر ، قال الصدوق في الفقيه (3) : ولا

__________________

(1) الوسائل الباب 12 من قواطع الصلاة.

(2) الوسائل الباب 1 من قواطع الصلاة.

(3) ج 1 ص 198.


تتورك فان الله عزوجل قد عذب قوما على التورك كان أحدهم يضع يديه على وركيه من ملالة الصلاة.

وروى البزنطي في جامعه بإسناده عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «إذا قمت في صلاتك فاخشع فيها ولا تحدث نفسك ان قدرت على ذلك واخضع برقبتك ولا تلتفت فيها ولا يجز طرفك موضع سجودك وصف قدميك وارخ يديك ولا تكفر ولا تورك».

قال البزنطي (رحمه‌الله) فإنه بلغني عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) ان قوما عذبوا لأنهم كانوا يتوركون تضجرا بالصلاة. انتهى. قال الجزري في النهاية : فيه «كره ان يسجد الرجل متوركا» هو ان يرفع وركيه إذا سجد حتى يفحش في ذلك. وقيل هو ان يلصق ألييه بعقبيه في السجود. وقال الأزهري : التورك في الصلاة ضربان سنة ومكروه ، اما السنة فان ينحي رجليه في التشهد الأخير ويلصق مقعدته بالأرض ، وهو من وضع الورك عليها والورك ما فوق الفخذ وهي مؤنثة ، واما المكروه فان يضع يديه على وركيه في الصلاة وهو قائم وقد نهى عنه. انتهى كلام النهاية.

وقال العلامة في المنتهى : يكره التورك في الصلاة وهو أن يعتمد بيديه على وركيه وهو التخصر روى الجمهور عن أبي هريرة (2) «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نهى عن التخصر في الصلاة». ومن طريق الخاصة ما رواه ابى بصير ، ثم ساق الرواية المتقدمة.

والشهيد (قدس‌سره) في النفلية فسر التورك بالاعتماد على احدى الرجلين تارة وعلى الأخرى أخرى والتخصر بقبض خصره بيده ، وحكم بكراهتهما معا.

وروى في الكافي عن الحسن بن ابى الحسين الفارسي عن من حدثه عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان

__________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 1 من أفعال الصلاة عن البحار ج 18 الصلاة ص 191 ومجموعة الشهيد.

(2) صحيح البخاري باب الخصر في الصلاة.

(3) الوسائل الباب 12 من قواطع الصلاة.


الله كره لكم أيتها الأمة أربعا وعشرين خصلة ونهاكم عنها : كره لكم العبث في الصلاة.».

وروى في الفقيه (1) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان الله تعالى كره لي ست خصال وكرهتهن للأوصياء من ولدي واتباعهم من بعدي : العبث في الصلاة والرفث في الصوم والمن بعد الصدقة وإتيان المساجد جنبا والتطلع في الدور والضحك بين القبور».

وروى الكليني عن مسمع ابى سيار عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) سمع خلفه فرقعة فرقع الرجل أصابعه في صلاته فلما انصرف قال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) اما انه حظه من الصلاة».

ومنها ـ مدافعة البول والغائط والريح ، وعلل بما فيه من سلب الخشوع والتوجه والإقبال الذي هو روح العبادة.

ويدل على ذلك من الأخبار ما رواه الشيخ في الصحيح عن هشام بن الحكم عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «لا صلاة لحاقن ولا لحاقنة وهو بمنزلة من هو في ثوبه».

بيان : الموجود في التهذيب والذي نقله جملة من الأصحاب هو ما ذكرناه من قوله «ولا لحاقنة» ونقله في الوافي «لحاقن ولا لحاقب» ثم قال : بيان ـ كلاهما بالحاء المهملة وفي آخر الأول نون وفي آخر الثاني باء موحدة ، يعنى بالحاقن حابس البول وبالحاقب حابس الغائط. ثم نقل كلام النهاية بذلك. الى ان قال فما يوجد في بعض نسخ التهذيب «لا صلاة لحاقن ولا حاقنة» بالنون فيهما جميعا فلعله تصحيف. انتهى.

أقول : والظاهر انه اجتهاد منه (قدس‌سره) بناء على ما نقله عن النهاية

__________________

(1) الوسائل الباب 63 من الدفن.

(2) الوسائل الباب 14 من قواطع الصلاة.

(3) الوسائل الباب 8 من قواطع الصلاة.


وإلا فالموجود في التهذيب والذي نقله الأصحاب عنه في كتب الاستدلال إنما هو ما ذكرناه ، ويؤيده أن البرقي في المحاسن (1) قد رواه ايضا كذلك فروى عن أبيه عن ابن ابى عمير عن هشام بن الحكم عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «لا صلاة لحاقن ولا حاقنة وهو بمنزلة من هو في ثوبه».

قال في المنتهى بعد إيراد هذه الصحيحة : المراد بذلك نفى الكمال لا الصحة. ثم قال بعد ذلك : يكره مدافعة الأخبثين وهو قول من يحفظ عنه العلم ، قال ولو صلى كذلك صحت صلاته ذهب إليه علماؤنا ونقل عن مالك وبعض العامة القول بالإعادة (2)

وروى الشيخ عن ابى بكر الحضرمي عن أبيه عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال : لا تصل وأنت تجد شيئا من الأخبثين».

وروى في كتاب الخصال في الصحيح عن احمد بن أبى عبد الله البرقي رفعه الى ابى عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ثمانية لا يقبل الله لهم صلاة : العبد الآبق حتى يرجع الى مولاه والناشز عن زوجها وهو عليها ساخط ومانع الزكاة وتارك الوضوء والجارية المدركة تصلي بغير خمار وامام قوم يصلى بهم وهم له كارهون والزنين ـ قالوا يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وما الزنين؟ قال الذي يدافع البول والغائط ـ والسكران ، فهؤلاء الثمانية لا تقبل منهم صلاة».

بيان : قال في النهاية : فيه «لا يقبل الله صلاة الزبين» هو الذي يدافع الأخبثين وهو بوزن السجيل هكذا رواه بعضهم والمشهور بالنون كما روى «لا تيصلين أحدكم وهو زنين». اى حاقن يقال زن فدن اى حقن فقطر. وقيل هو الذي يدافع الأخبثين معا. انتهى. وقال في القاموس في مادة «زبن» بالباء : وكسكين

__________________

(1) ص 83.

(2) الفقه على المذاهب الأربعة ج 1 ص 259.

(3 و 4) الوسائل الباب 8 من قواطع الصلاة.


مدافع الأخبثين أو ممسكهما على كره. ولم يتعرض في «زنن» بالنون الى ذلك. ونحوه في مجمع البحرين.

وروى الصدوق في كتاب معاني الأخبار والمجالس عن إسحاق بن عمار (1) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول لا صلاة لحاقن ولا لحاقب ولا لحاذق فالحاقن الذي به البول والحاقب الذي به الغائط والحاذق الذي قد ضغطه الخف».

وروى في كتاب المحاسن عن عيسى بن عبد الله العمرى عن أبيه عن جده عن على بن ابى طالب (عليه‌السلام) عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (2) قال : «لا يصل أحدكم وبه أحد العصرين يعنى البول والغائط». أقول : قال في القاموس : والعصر الحبس وفي الحديث «أمر بلالا أن يؤذن قبل الفجر ليعتصر معتصرهم». أراد قاضى الحاجة

وروى الكليني والشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يصيبه الغمز في بطنه وهو يستطيع أن يصبر عليه أيصلى على تلك الحال أو لا يصلى؟ قال فقال ان احتمل الصبر ولم يخف إعجالا عن الصلاة فليصل وليصبر». وفيه دلالة على صحة الصلاة مع الحقن كما ادعى عليه الإجماع.

وكيف كان فان الحكم المذكور مخصوص بما إذا عرض له ذلك قبل الدخول في الصلاة وإلا فلو كان بعد ذلك فلا كراهة إجماعا.

مسائل

(الأولى) ـ لا خلاف في جواز السلام على المصلى للأصل ولعموم قوله عزوجل «فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا» (4).

ولموثقة عمار الساباطي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (5) «انه سأله عن

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 8 من قواطع الصلاة.

(3) ارجع الى التعليقة 2 ص 6.

(4) سورة النور ، الآية 61.

(5) الوسائل الباب 16 من قواطع الصلاة.


التسليم على المصلى فقال إذا سلم عليك رجل من المسلمين وأنت في الصلاة فرد عليه في ما بينك وبين نفسك ولا ترفع صوتك».

وفي موثقة سماعة عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن الرجل يسلم عليه وهو في الصلاة؟ قال يرد يقول سلام عليكم ولا يقل وعليكم السلام فان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان قائما يصلى فمر به عمار بن ياسر فسلم عليه فرد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) هكذا». هكذا رواه في الكافي عن عثمان بن عيسى عن سماعة (2) وفي التهذيب رواه عن عثمان بن عيسى عنه (عليه‌السلام) (3).

وروى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن محمد بن مسلم (4) قال : «دخلت على ابى جعفر (عليه‌السلام) وهو في الصلاة فقلت السلام عليك فقال السلام عليك فقلت كيف أصبحت؟ فسكت (عليه‌السلام) فلما انصرف قلت أيرد السلام وهو في الصلاة؟ فقال نعم مثل ما قيل له».

ولا خلاف أيضا في جواز الرد من المصلى بل وجوبه ، ويدل عليه موثقة عمار المذكورة وصحيحة محمد بن مسلم المذكورة أيضا.

وما رواه في الفقيه في الصحيح (5) قال : «سأل محمد بن مسلم أبا جعفر (عليه‌السلام) عن الرجل يسلم على القوم في الصلاة فقال إذا سلم عليك مسلم وأنت في الصلاة فسلم عليه تقول السلام عليك وأشر بإصبعك».

__________________

(1) الوسائل الباب 16 من قواطع الصلاة.

(2) الفروع ج 1 ص 102 في الوسائل الباب 16 من قواطع الصلاة.

(3) هكذا في النسخة المطبوعة ج 1 ص 29؟ إلا أن في هامشها علق على قوله «عثمان بن عيسى» هكذا «عن سماعة في نسخة ولعله هو الصواب لان عثمان لم ينقل عنه عليه‌السلام» وفي الوافي باب «رد السلام والتحميد للعطاس» نقل الرواية عن عثمان ابن عيسى عن سماعة من الكافي والتهذيب كليهما ، وظاهر الوسائل ايضا ان عثمان يرويها عن سماعة ، راجع الباب 16 من قواطع الصلاة.

(4 و 5) الوسائل الباب 16 من قواطع الصلاة.


أقول : ومن اخبار المسألة ما رواه في التهذيب والفقيه في الصحيح عن منصور بن حازم عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «إذا سلم عليك الرجل وأنت تصلى قال ترد عليه خفيا كما قال».

وما رواه في الفقيه (2) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) سلم عمار على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وهو في الصلاة فرد عليه ثم قال أبو جعفر (عليه‌السلام) ان السلام اسم من أسماء الله تعالى».

وما رواه عبد الله بن جعفر الحميري في قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده على بن جعفر عن أخيه (عليه‌السلام) (3) قال : «سألته عن الرجل يكون في الصلاة فيسلم عليه الرجل هل يصلح له أن يرد؟ قال نعم يقول السلام عليك فيشير إليه بإصبعه».

وما رواه الصدوق في الخصال عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما‌السلام) (4) قال : «لا تسلموا على اليهود والنصارى. الى ان قال ولا على المصلى ـ لأنه لا يستطيع أن يرد السلام لأن التسليم من المسلم تطوع والرد فريضة ـ ولا على آكل الربا ولا على رجل جالس على غائط ولا على الذي في الحمام».

وما رواه الشهيد في الذكرى (5) قال : روى البزنطي عن الباقر (عليه‌السلام) قال : «إذا دخلت المسجد والناس يصلون فسلم عليهم وإذا سلم عليك فاردد فإني أفعله ، وان عمار بن ياسر مر على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وهو يصلى فقال السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته فرد عليه‌السلام».

وروى في الخصال (6) في الصحيح عن محمد بن قيس عن ابى جعفر (عليه‌السلام) قال : «بينما أمير المؤمنين (عليه‌السلام) في الرحبة والناس عليه متراكمون

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 16 من قواطع الصلاة.

(4 و 5) الوسائل الباب 17 من قواطع الصلاة.

(6) ج 2 ص 56 وفي الوسائل الباب 43 من أحكام العشرة.


فمن مستفت ومن مستعد إذا قام اليه رجل فقال السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته فنظر إليه أمير المؤمنين (عليه‌السلام) بعينيه هاتيك العظيمتين فقال وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. الخبر».

وروى في الكافي عن حماد الأحمسي (1) قال : «دخلت على ابى عبد الله (عليه‌السلام) وأنا أريد أن أسأله عن صلاة الليل فقلت السلام عليك يا ابن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال وعليك السلام اى والله انا لولده. الحديث».

وعن الحكم بن عتيبة (2) قال : «بينا أنا مع ابى جعفر (عليه‌السلام) والبيت غاص بأهله إذ أقبل شيخ يتوكأ على عنزة له حتى وقف على باب البيت فقال السلام عليك يا ابن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ورحمة الله وبركاته فقال أبو جعفر (عليه‌السلام) وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.».

وعن ابن القداح عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «إذا سلم أحدكم فليجهر بسلامه ولا يقول سلمت فلم يردوا على ولعله يكون قد سلم ولم يسمعهم ، فإذا رد أحدكم فليجهر برده ولا يقول المسلم سلمت فلم يردوا على ، ثم قال كان على (عليه‌السلام) يقول لا تغضبوا ولا تغضبوا أفشوا السلام وأطيبوا الكلام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام ، ثم تلا عليهم قول الله تعالى (السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ)» (4).

وعن الحسن بن المنذر (5) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول من قال السلام عليكم فهي عشر حسنات ومن قال سلام عليكم ورحمة الله فهي عشرون

__________________

(1) الفروع ج 1 ص 137 وفي الوسائل الباب 2 و 16 من أعداد الفرائض ونوافلها. والراوي ـ كما في الكافي والوافي باب «فضل الصلاة» والوسائل ـ عائذ الأحمسي لاحماد الأحمسي.

(2) الوسائل الباب 43 من أحكام العشرة.

(3) الوسائل الباب 38 و 34 من أحكام العشرة.

(4) سورة الحشر الآية 23.

(5) الوسائل الباب 39 من أحكام العشرة.


حسنة ومن قال سلام عليكم ورحمة الله وبركاته فهي ثلاثون حسنة».

وعن منصور بن حازم عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (1) «ثلاثة يرد عليهم رد الجماعة وان كان واحدا : عند العطاس يقال يرحمكم الله وان لم يكن معه غيره ، والرجل يسلم على الرجل فيقول السلام عليكم والرجل يدعوا للرجل فيقول عافاكم الله تعالى وان كان واحدا فان معه غيره». والضمير في «غيره» راجع للواحد المذكور في جميع هذه الصور ، والمراد بالغير الملائكة الموكلون به الحافظون والكاتبون وغيرهم.

وعن ابى عبيدة الحذاء عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (2) قال : «مر أمير المؤمنين (عليه‌السلام) بقوم فسلم عليهم فقالوا عليك السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته ورضوانه. فقال لهم أمير المؤمنين (عليه‌السلام) لا تجاوزوا بنا ما قالت الملائكة لأبينا إبراهيم (عليه‌السلام) إنما قالوا (رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت)».

وعن عنبسة بن مصعب عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «القليل يبدأون الكثير بالسلام والراكب يبدأ الماشي وأصحاب البغال يبدأون أصحاب الحمير وأصحاب الخيل يبدأون أصحاب البغال».

وعن ابن بكير عن بعض أصحابه عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «سمعته يقول يسلم الراكب على الماشي والماشي على القاعد وإذا لقيت جماعة جماعة سلم الأقل على الأكثر وإذا لقي واحد جماعة سلم الواحد على الجماعة».

إذا عرفت ذلك فههنا فوائد شريفة ونكات لطيفة يجب التنبيه عليها في المقام ليكمل بها النظام :

الاولى ـ لا خلاف في وجوب الرد في الصلاة كان أم لا ، والأصل فيه

__________________

(1) الوسائل الباب 41 من أحكام العشرة.

(2) الوسائل الباب 43 من أحكام العشرة.

(3 و 4) الوسائل الباب 45 من أحكام العشرة.


قبل الأخبار الآية الشريفة وهي قوله عزوجل «وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها» (1).

والمراد بالتحية في الآية السلام أو ما هو أعم منه ، والتحية لغة أيضا السلام ، قال في القاموس : التحية السلام. وقال في المصباح المنير : وحياة تحية أصله الدعاء بالحياة ، ومنه التحيات لله اى البقاء ، وقيل الملك ، ثم كثر حتى استعمل في مطلق الدعاء ثم استعمله الشارع في دعاء مخصوص وهو «سلام عليكم». وفي المغرب حياه بمعنى أحياه تحية كبقاه بمعنى أبقاه تبقية ، هذا أصلها ثم سمى ما حيي به من سلام ونحوه تحية ، قال الله تعالى «تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ» (2) وحقيقة «حييت فلانا» قلت حياك الله اى عمرك الله. انتهى.

وقال أمين الإسلام الطبرسي في كتاب مجمع البيان : التحية السلام يقال حيي يحيي تحية إذا سلم. وقال في تفسير الآية أمر الله المسلمين برد السلام على المسلم بأحسن مما سلم ان كان مؤمنا وإلا فليقل «وعليكم» لا يزيد على ذلك ، فقوله «بِأَحْسَنَ مِنْها» للمسلمين خاصة وقوله «أَوْ رُدُّوها» لأهل الكتاب ، عن ابن عباس فإذا قال المسلم «السلام عليكم» فقلت «وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته» فقد حييته بأحسن منها وهذا منتهى رد السلام. وقيل ان قوله «أَوْ رُدُّوها» للمسلمين ايضا عن السدي وعطاء وإبراهيم وابن جريح قالوا إذا سلم عليك فرد عليه بأحسن مما سلم عليك أو بمثل ما قال. وهذا أقوى لما روى عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (3) انه قال «إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم». وذكر على بن إبراهيم في تفسيره عن الصادقين (عليهم‌السلام) ان المراد بالتحية في الآية السلام وغيره من البر ، وذكر الحسن ان رجلا دخل على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال السلام عليك فقال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وعليك السلام ورحمة الله فجاءه آخر فقال السلام عليك ورحمة الله فقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وعليك السلام ورحمة الله وبركاته

__________________

(1) سورة النساء الآية 88.

(2) سورة الأحزاب الآية 43.

(3) صحيح مسلم ج 2 ص 138 كتاب السلام باب الرد على أهل الكتاب.


فجاءه آخر فقال السلام عليك ورحمة الله وبركاته فقال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ، فقيل يا رسول الله زدت للأول والثاني في التحية ولم تزد للثالث فقال انه لم يبق لي من التحية شيئا فرددت عليه مثله. انتهى كلامه زيد مقامه أقول : ومن الأخبار الواردة على العموم كما ذكره على بن إبراهيم في تفسيره

ما رواه الصدوق في الخصال بسنده في حديث طويل عن ابى جعفر عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليهم‌السلام) (1) قال : «إذا عطس أحدكم فسمتوه قولوا يرحمكم الله ويقول هو يغفر الله لكم ويرحمكم قال الله تعالى (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها)» (2).

وفي كتاب المناقب لابن شهرآشوب (3) «جاءت جارية للحسن (عليه‌السلام) بطاق ريحان فقال أنت حرة لوجه الله. فقيل له في ذلك فقال (عليه‌السلام) أدبنا الله تعالى فقال «إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها» (4) وكان أحسن منها عتقها».

ويؤيده ما رواه في الكافي عن الصادق (عليه‌السلام) في الصحيح (5) من ان رد جواب الكتاب واجب كوجوب رد السلام.

بقي هنا اشكال وهو انه على تقدير العموم في الآية يلزم وجوب تعويض كل بر وإحسان والظاهر انه لا قائل به بل ربما دلت الأخبار على العدم ، ويمكن حمل الآية على الرجحان المطلق الشامل للوجوب والاستحباب ، وعلى هذا فالاستدلال بالآية المذكورة على وجوب الرد لا يخلو من الإشكال إلا ان يقال ان الواجب الحمل على مقتضى ظاهر الأمر وقيام الدليل الصارف في بعض الافراد لا يستلزم القول بذلك في ما لا دليل عليه.

__________________

(1) الوسائل الباب 58 من أحكام العشرة.

(2 و 4) سورة النساء الآية 88.

(3) البحار ج 18 الصلاة ص 204.

(5) الوسائل الباب 33 من أحكام العشرة.


هذا. واما الأخبار الدالة على وجوب الرد فقد تقدمت الإشارة إليها.

الثانية ـ المفهوم من الأخبار التي قدمناها ان الرد من المصلى بمثل ما قيل له من «السلام عليكم» و «السلام عليك» ونحوهما ، وقد تضمنت موثقة سماعة النهي عن الرد بقوله «وعليكم السلام» واما غير المصلى فإنه يرد بقوله «وعليكم السلام» بتقديم الظرف.

هذا هو المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ولابن إدريس خلاف في موضعين ، قال في الروض بعد ذكر وجوب الرد بالمثل في الصلاة وذكر بعض الأخبار الدالة عليه : وخالف ابن إدريس في اعتبار المثل فجوز الرد بقوله «عليكم السلام» خصوصا مع تسليم المسلم به لعموم الآية واستضعافا لخبر الواحد والأصحاب على خلافه. انتهى. والأظهر هو القول المشهور لما تقدم من الأخبار الصريحة في ذلك. ويظهر من العلامة في المختلف موافقة ابن إدريس في عدم وجوب الرد بالمثل ايضا.

وخالف ابن إدريس أيضا بالنسبة الى غير المصلى فجوز الرد بالمثل ووافقه في ذلك بالنسبة الى غير المصلى الفاضل الخراساني في الذخيرة حيث جوز الرد بالمثل استنادا الى ما رواه في الكافي عن زرارة في الصحيح أو الحسن عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (1) في حديث قال : «إذا سلم عليكم مسلم فقولوا سلام عليكم وإذا سلم عليكم كافر فقولوا عليك».

وأنت خبير بأن الأخبار الكثيرة مما قدمنا ذكره وما لم نذكره كلها متفقة الدلالة على الرد بتقديم الظرف عكس ما يسلم به المسلم. ويمكن الجواب عن هذه الرواية بأن الغرض من هذا اللفظ إنما هو بيان الفرق بين الرد على المسلم والكافر بان الكافر يقتصر في الرد عليه بقوله «عليك» من غير إردافه بالتسليم عليه بخلاف المسلم فإنه يردفه بالتسليم عليه ، وسياق الخبر إنما هو في ذلك وليس الخبر مسوقا

__________________

(1) الوسائل الباب 49 من أحكام العشرة.


لبيان كيفية الرد كما في الأخبار التي قدمناها.

ولا بأس بذكر الخبر كملا لتظهر للناظر قوة ما ذكرناه من الإجمال وهو ما رواه زرارة عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (1) قال : «دخل يهودي على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وعائشة عنده فقال السلام عليكم فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عليكم. ثم دخل آخر فقال مثل ذلك فرد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عليه كما رد على صاحبه. ثم دخل آخر فقال مثل ذلك فرد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عليه كما رد على صاحبيه فغضبت عائشة فقالت عليكم السام والغضب واللعنة يا معشر اليهود يا إخوة القردة والخنازير. فقال لها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يا عائشة ان الفحش لو كان ممثلا لكان مثال سوء ان الرفق لم يوضع على شي‌ء قط إلا زانه ولم يرفع عنه قط إلا شانه. قالت يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أما سمعت الى قولهم : السام عليكم؟ فقال بلى اما سمعت ما رددت عليهم؟ قلت عليكم ، فإذا سلم عليكم مسلم. الحديث كما تقدم».

وسياق الخبر كما ترى إنما هو في ما ذكرناه لا في بيان كيفية الرد وحينئذ فالمراد منه إنما هو بيان زيادة لفظ السلام في الرد على المسلم دون الكافر وذكره بهذه الكيفية وقع تعليما لذلك ، والأخبار المتقدمة صريحة في أن الكيفية الواجبة في الرد هي التي يقدم فيها الظرف كما عرفت.

وبما ذكرناه صرح العلامة في التذكرة فقال : وصيغة الجواب «وعليكم السلام» ولو قال : «وعليك السلام» للواحد جاز. ولو ترك العطف فقال : «عليكم السلام» فهو جواب خلافا لبعض الشافعية (2) فلو تلاقى اثنان فسلم كل واحد منهما على الآخر وجب على كل واحد منهما جواب الآخر ولا يحصل

__________________

(1) الوسائل الباب 49 من أحكام العشرة.

(2) في فتح الباري ج 11 ص 29 باب «من رد فقال عليك السلام» عن النووي انه قال اتفق أصحابنا ان المجيب لو قال «عليك» بغير واو لم يجزئ وان قال بالواو فوجهان.


الجواب بالسلام. انتهى.

وذهب بعض الى الجميع بين الأخبار بالتخيير والأظهر ما قدمناه.

(الثالثة) ـ المفهوم من الأخبار ان صيغة السلام التي يسلم بها لا بد أن يبدأ فيها بلفظ السلام مثل «سلام عليكم أو عليك» أو «السلام» بأحد الوجهين ، فاما تقديم الظرف فإنما هو في الجواب من غير المصلى كما عرفت.

ونقل بعض المتأخرين عن ظاهر الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان «عليك السلام أو عليكم السلام» صحيح يوجب الرد.

وأنكره في الذخيرة فقال ولم اطلع على ما نقله عن ظاهر الأصحاب إلا في كلام ابن إدريس مع انه قد صرح العلامة في التذكرة بخلافه فقال : ولو قال «عليك السلام» لم يكن مسلما إنما هي صيغة جواب. انتهى.

وهو الموافق لما ورد في الأخبار كما أشرنا اليه وهو ظاهر لمن تتبع الأخبار وقد روى العامة عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (1) «انه قال لمن قال عليك السلام يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : لا تقل عليك السلام فان عليك السلام تحية الموتى ، إذا سلمت فقل سلام عليك فيقول الراد عليك السلام».

واما كلام ابن إدريس في هذا المقام فإنه قال في السرائر : ويرد المصلى السلام إذا سلم عليه قولا لا فعلا ولا يقطع ذلك صلاته سواء رد بما يكون في لفظ القرآن أو ما يخالف ذلك إذا أدى بالرد الواجب الذي تبرأ ذمته به. إذا كان المسلم عليه قال له «سلام عليك أو سلام عليكم أو السلام عليكم أو عليكم السلام» فله ان يرد عليه بأي هذه الألفاظ كان لأنه رد سلام مأمور به وينويه رد سلام لا قراءة قرآن إذا سلم الأول بما قدمنا ذكره ، فان سلم بغير ما بيناه فلا يجوز للمصلي الرد

__________________

(1) في سنن ابى داود ج 4 ص 353 كتاب الأدب باب «كراهة ان يقول وعليك السلام» عن أبي جري الهجيمي قال «أتيت النبي (ص) فقلت عليك السلام يا رسول الله (ص) فقال لا تقل عليك السلام فان عليك السلام تحية لموتى» ..


عليه لأنه ما تعلق بذمته الرد لأنه غير سلام ، وقد أورد شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه خبرا عن محمد بن مسلم قال : دخلت على ابى جعفر (عليه‌السلام) ثم ساق الخبر كما قدمناه (1) ثم قال أورد هذا الخبر إيراد راض به مستشهدا به محتاجا على الخصم بصحته ، فاما ما أورده في نهايته فخبر عثمان بن عيسى عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (2) وقد ذهب بعض أصحابنا (رضوان الله عليهم) الى خبر عثمان ابن عيسى فقال : ويرد المصلى السلام على من سلم عليه ويقول له في الرد «سلام عليكم» ولا يقول له «وعليكم» وان قال له المسلم «عليكم السلام» فلا يرد مثل ذلك بل يقول «سلام عليكم» والأصل ما ذكرناه لأن التحريم يحتاج الى دليل. انتهى.

أقول : لا يخفى ان موثقة سماعة وان دلت بظاهرها على تعين الجواب بقوله «سلام عليكم» لكنها محمولة على ما إذا كان المسلم عليه بهذه الصيغة عملا بما دل على وجوب الرد بالمثل حال الصلاة فإن المستفاد منها انه يرد بمثل ما سلم عليه ، ونحوها في ذلك رواية محمد بن مسلم المنقولة عن الفقيه (3) حيث قال فيها «إذا سلم عليك مسلم وأنت في الصلاة فسلم عليه تقول : السلام عليكم». فإنها مبنية على كون المسلم يسلم بهذه الصيغة أيضا ، وبالجملة فإن إطلاق هذين الخبرين محمول على ما دل على وجوب الجواب بالمثل كما في صحيحة محمد بن مسلم لما سلم على ابى جعفر بقوله «السلام عليك» فأجابه بقوله «السلام عليك» ثم ذكر في آخر الرواية انه يرد بمثل ما قيل له. ونحو ذلك قوله (عليه‌السلام) في صحيحة منصور بن حازم (4) «ترد عليه خفيا كما قال». وما ذكرناه ظاهر من الأخبار باعتبار ضم بعضها الى بعض لا ما توهمه من تعين الجواب ب «سلام عليكم» وان سلم عليه بصيغة أخرى غيرها. واما ما ذكره في صيغ السلام التي يسلم بها ـ من انها «سلام عليكم أو سلام عليك أو السلام عليكم أو عليكم السلام» وان ما عدا هذه الصيغ الأربع لا يجب

__________________

(1) ص 64.

(2) هو خبر سماعة المتقدم ص 64 وقد تقدم هناك منه (قدس‌سره) ان الشيخ رواه عن عثمان بن عيسى عنه (ع).

(3) ص 64 وفيها «السلام عليك».

(4) ص 65.


رد الجواب فيها لأنه ليس بسلام فلا يجوز للمصلي الرد عليه ففيه (أولا) ان من جملة صيغ التسليم «السلام عليك» كما تضمنته صحيحة محمد بن مسلم حيث سلم به على الامام (عليه‌السلام) فأجابه بمثله. (وثانيا) ان صيغة «عليكم السلام» ليست من صيغ الابتداء بالسلام وإنما هي من صيغ الرد كما تقدم نقله عن العلامة في التذكرة. والاستناد إلى إطلاق صدق التحية في الآية يجب تقييده بالأخبار ، فإن المفهوم منها ان صيغ الابتداء بالسلام هي ما ذكرناه فيجب حمل إطلاق الآية على ذلك.

وبذلك ايضا يظهر لك ما في كلام العلامة في المختلف حيث ان ظاهره موافقة ابن إدريس في هذا المقام ، حيث قال ـ بعد ان نقل عن الشيخ انه يرد مثل ما قيل له «سلام عليكم» ولا يقول «وعليكم السلام» وذكر انه احتج على ذلك بحديث عثمان ابن عيسى المتقدم نقله عن سماعة ـ وعندي في العمل بهذه الرواية نظر فان في طريقها عثمان بن عيسى وهو ضعيف. ثم نقل كلام ابن إدريس من قوله : واما ما أورده في نهايته. إلخ. ثم قال : وهذا الكلام يشعر بتسويغ ذلك لو قال له المسلم وعليكم السلام. انتهى. ثم قال بعد ذلك : الخامس في الحديث الذي رواه محمد بن مسلم اشعار بالإتيان بالمثل ، والأقرب انه ليس واجبا بل لو أتى بمغايرة من التحيات لم يكن عندي به بأس. انتهى.

أقول : لا يخفى ان من تأمل الأخبار بعين الاعتبار ظهر له ما في كلامهما من القصور وإن المعتمد هو القول المشهور من وجوب الرد بالمثل في الصلاة بشرط ان يكون السلام من الصيغ الواردة في الأخبار وهي الأربع المتقدمة واما في غير الصلاة فيرد بأيها شاء بتقديم الظرف.

أما لو قال «سلام أو سلاما أو والسلام أو سلام الله عليك» أو نحو ذلك فتردد بعض الأصحاب في وجوب الرد من حيث صدق التحية عرفا وعدم ثبوت عموم الآية ، وظاهر ابن إدريس كما عرفت العدم لخروج ذلك عن الصيغ التي ذكرها وهو الأقرب فإن القدر المعلوم من الأخبار هو ما ذكرناه من الصيغ الأربع


المتقدمة والحكم باشتغال الذمة يحتاج الى دليل قاطع وليس فليس. وصدق التحية عرفا مقيد بالأخبار إذ الحكم شرعي لا عرفي ليكون مناطه العرف.

الرابعة ـ لا خلاف في أن الرد واجب كفاية لا عينا وكذا استحباب الابتداء به كفاية لا عينا ونقل في التذكرة عليه الإجماع.

ويدل عليه من الأخبار مضافا الى الإجماع ما رواه في الكافي في الموثق عن غياث ابن إبراهيم عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «إذا سلم من القوم واحد أجزأ عنهم وإذا رد واحد أجزأ عنهم».

وعن ابن بكير عن بعض أصحابه عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «إذا مرت الجماعة بقوم أجزأهم أن يسلم واحد منهم وإذا سلم على القوم وهم جماعة أجزأهم ان يرد واحد منهم».

وبهذين الخبرين مضافا الى الإجماع المدعى في المسألة يخص إطلاق الآية.

وأيده بعض الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه إنما سلم سلاما واحدا فليس له الا عوض واحد فإذا تحقق خرجوا عن العهدة.

ثم الظاهر انه انما يسقط برد من كان داخلا في المسلم عليهم فلا يسقط برد من لم يكن داخلا فيهم.

وهل يسقط برد الصبي المميز الداخل فيهم؟ اشكال واستظهر في المدارك العدم وان قلنا ان عبادته شرعية ، قال لعدم امتثال الأمر المقتضي للوجوب. وقال في الذكرى : وجهان مبنيان على صحة قيامه بفرض الكفاية وهو مبنى على ان أفعاله شرعية أولا وقد سبقت الإشارة اليه. ونحوه في الروض إلا انه رجح ان أفعاله تمرينية فلا يجزئ رد سلامه. وقد تقدم لنا تحقيق في المسألة يؤذن بجواز الاكتفاء برده وان كان الأحوط ما ذكر. ولا يخفى ان ظاهر الخبرين المذكورين حصول الاجزاء به إلا ان ظاهر الآية خلافه لتوجه الخطاب فيها الى المكلفين.

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 46 من أحكام العشرة.


ولو كان المسلم صبيا مميزا ففي وجوب الرد عليه وعدمه وجهان استظهر أولهما جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) : منهم ـ السيد السند في المدارك وجده في الروض وغيرهما ، ووجه قربه دخوله تحت عموم الآية.

ولو رد بعض الجماعة فهل يجوز للمصلي الرد أيضا أم لا؟ قال في الذكرى : لم يضر لأنه مشروع في الجملة ثم توقف في الاستحباب من شرعيته خارج الصلاة مستحبا ، ومن انه تشاغل بغير الصلاة مع عدم الحاجة اليه. واستجود في الروض جوازه واستحبابه لعموم الأوامر إذ لا شك انه مسلم عليه مع دخوله في العموم فيخاطب بالرد استحبابا ان لم يكن واجبا. وزوال الوجوب بالكفاية لا يقدح في بقاء الاستحباب كما في غير الصلاة فإن استحباب رد الثاني متحقق اتفاقا ان لم يوصف بالوجوب معللا بالأمر. انتهى. والمسألة محل توقف لأن المسألة خالية من النص وقياس حال الصلاة على خارجها قياس مع الفارق.

الخامسة ـ قد صرح جمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بوجوب الأسماع تحقيقا أو تقديرا ، قال في الذخيرة : ولم أجد أحدا صرح بخلافه في غير حال الصلاة. وقال في المدارك : وهل يجب على المجيب إسماع المسلم تحقيقا أو تقديرا؟ قيل نعم عدم صدق التحية عرفا ولا الرد بدونه ، وقيل لا وهو ظاهر اختيار المصنف في المعتبر وقواه شيخنا المعاصر لرواية عمار المتقدمة (1) ورواية منصور بن حازم عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : إذا سلم عليك رجل. ثم ساق الرواية كما قدمنا (2) ثم قال : وفي الروايتين قصور من حيث السند فلا تعويل عليهما. انتهى.

أقول ، لا يخفى ما في كلامه هنا من النظر الظاهر للخبير الماهر وذلك فإن رواية عمار هذه قد استدل بها سابقا على وجوب الرد في الصلاة ووصفها بكونها موثقة كما استدل أيضا بموثقة سماعة ووصفها بذلك ، وحينئذ فإن كانت الأخبار الموثقة من الأدلة الشرعية صح ما ذكره أو لا وينبغي أن يجيب عن الموثقة المذكورة

__________________

(1) ص 63.

(2) ص 65.


بغير ضعف السند وإلا فلا وجه لاستدلاله أولا بها ولا بموثقة سماعة ولكن هذه قاعدته كما نبهنا عليه في غير مقام من استدلاله بالموثقات عند الحاجة إليها وردها بضعف السند عند اختياره خلاف ما دلت عليه كما تراه هنا قد وصف رواية عمار في مقام الاستدلال بكونها موثقة وفي مقام الإعراض عنها بكونها رواية عمار وهي طريقة غير محمودة ، إلا ان ضيق المقام في هذا الاصطلاح الذي هو الى الفساد أقرب من الصلاح أوجب لهم انحلال الزمام وعدم الوقوف على قاعدة في المقام. واما صحيحة منصور بن حازم فليس في سندها من ربما يحصل الاشتباه به إلا محمد بن عبد الحميد الذي سبق الكلام معه فيه حيث توهم من ظاهر عبارة الخلاصة في ترجمته كما كتبه جده (قدس‌سرهما) على حواشيها ان التوثيق فيها انما يرجع الى أبيه وقد أوضحنا في ما سبق بطلانه ولهذا ان أصحاب هذا الاصطلاح يعدون حديثه في الصحيح وهو الحق كما لا يخفى على الممارس.

نعم يبقى الكلام في مضمون الخبرين المذكورين فإنهما ظاهران في ما ذهب اليه الفاضلان المتقدمان فينبغي الجواب عنهما عند من قال بوجوب الأسماع ، وكان هذا هو الاولى بالتعرض في المقام إلا ان تلك الطريقة التي عكف عليها أسهل تناولا في الخروج عن ضيق الإلزام.

والتحقيق عندي في المقام ان يقال : الظاهر من كلام جل الأصحاب (رضوان الله عليهم) وجوب الإسماع تحقيقا أو تقديرا في الصلاة وغيرها والمخالف إنما أسند له الخلاف في الصلاة خاصة ، ويدل على ما ذهب إليه الأصحاب إطلاق رواية ابن القداح المتقدمة (1) ويؤيدها أيضا ما رواه في معاني الأخبار عن عبد الله بن الفضل (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن معنى التسليم في الصلاة قال التسليم علامة الأمن وتحليل الصلاة. قلت وكيف ذاك جعلت فداك؟ قال كان الناس في ما مضى إذا سلم عليهم وارد أمنوا شره وكانوا إذا ردوا عليه أمن شرهم

__________________

(1) ص 66.

(2) الوسائل الباب 1 من التسليم.


وان لم يسلم لم يأمنوه وان لم يردوا على المسلم لم يأمنهم ، وذلك خلق في العرب. الحديث». وقد اشتمل صحيح محمد بن مسلم (1) على إسماع أبي جعفر (عليه‌السلام) له وهو في الصلاة ، وحينئذ فيمكن تأويل هذين الخبرين بحمل قوله «خفيا» في صحيحة منصور بن حازم و «بينك وبين نفسك» في موثقة عمار على ما يحصل به إسماع المسلم من غير إجهار يزيد على ذلك كما يشير اليه قوله في موثقة عمار : «ولا ترفع صوتك» يعنى الجهر المنهي عنه في الآية (2) ومثل هذا التجوز في الأخبار غير عزيز.

واحتمل بعض الأصحاب (رضوان الله عليهم) حملهما على التقية ، قال لان المشهور عند العامة عدم وجوب الرد نطقا (3) ولعله الأقرب ، ويؤيده ما ذكره شيخنا في الذكرى في جملة المسائل التي عدها في المقام ، قال : الثانية ـ لو كان في موضع تقية رد خفيا وأشار وقد تحمل عليه الروايتان السابقتان. وأشار بالروايتين إلى روايتي منصور وعمار المذكورتين ، وهو جيد وبه يزول الإشكال في المقام.

__________________

(1) ص 64.

(2) سورة بني إسرائيل ، الآية 110.

(3) في الهداية لشيخ الإسلام المرغينانى الحنفي ج 1 ص 43 «ولا يرد السلام بلسانه لانه كلام ولا بيده لانه سلام معنى حتى لو صافح بنية التسليم تفسد صلاته» وفي البحر الرائق ج 2 ص 8 عن الخلاصة : «السلام ورده مفسد للصلاة عمدا أو سهوا لانه من كلام الناس ويشمل ما إذا قال «السلام» فقط من غير ان يتبعه ب «عليكم». ثم قال واما رد السلام باليد أو بالرأس أو بالإصبع فعن الخلاصة والفتاوى الظهيرية لا يفسد ونقل ابن أمير الحاج عن بعض انه نسب الى ابى حنيفة فساد الصلاة بالرد باليد وصريح الطحاوي في شرح الآثار عدم الفساد عند أبي حنيفة وابى يوسف ومحمد. وقال ابن نجيم الحق ان الفساد غير ثابت في المذهب» وقال ابن حزم في المحلى ج 4 ص 46 «من سلم عليه وهو يصلى فليرد اشارة لا كلاما إما بيده أو برأسه» ولم ينقل خلافا من أحد. وفي فتح الباري ج 11 ص 16 «يستحب ان يرد المصلى السلام بالإشارة وان رد بعد الفراغ من الصلاة لفظا فهو أحب».


السادسة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه إذا سلم عليه في الصلاة بقوله «سلام عليكم» يجب أن يكون الجواب مثله ولا يجوز الجواب ب «عليكم السلام» ونسبه المرتضى (رضى الله عنه) إلى الشيعة ، وقال المحقق هو مذهب الأصحاب قاله الشيخ وهو حسن. وقد تقدم الكلام في ذلك ولم يخالف فيه الا ابن إدريس والعلامة في المختلف كما عرفت ، والأصحاب انما نقلوا هنا خلاف ابن إدريس خاصة وكأنهم لم يطلعوا على كلام العلامة في المختلف وإلا فهو كذلك كما أوضحناه آنفا.

وقال شيخنا الشهيد الثاني (قدس‌سره) في الروض : ولا يقدح في المثل زيادة الميم في «عليكم» في الجواب لمن حذفه لأنه أزيد دون العكس لأنه أدون. انتهى وفيه ، إشكال ومثله ما لو زاد في الرد بما يوجب كونه أحسن ، ووجه الإشكال تضمن الأخبار ان المصلى يرد بمثل ما قيل له كما في صحيحة محمد بن مسلم وكما قال في صحيحة منصور بن حازم (1) ويؤيده اقتصار ابى جعفر (عليه‌السلام) في الرد على محمد بن مسلم بمثل ما قال. والآية وان تضمنت التخيير بين المثل والأحسن إلا أنها مخصوصة بالأخبار المذكورة ومحمولة على ما عدا المصلي.

السابعة ـ إذا سلم عليه وهو في الصلاة وجب الرد عليه لفظا ولا خلاف فيه بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ونسبه في التذكرة إلى علمائنا ، وقال في المنتهى : ويجوز له ان يرد السلام إذا سلم عليه نطقا ذهب إليه علماؤنا اجمع. وحمل كلامه على ان الظاهر ان مراده من الجواز نفى التحريم ردا لقول بعض العامة (2) وقال في الذكرى : يجب الرد عليه لعموم قوله تعالى «وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها» (3) والصلاة غير منافية لذلك وظاهر الأصحاب مجرد الجواز للخبرين الآتيين والظاهر انهم أرادوا به بيان شرعيته ويبقى الوجوب معلوما من

__________________

(1) ص 64 و 65.

(2) ارجع الى التعليقة 3 ص 78.

(3) سورة النساء الآية 88.


القواعد الشرعية ، وبالغ بعض الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ذلك فقال تبطل الصلاة لو اشتغل بالأذكار ولما يرد السلام ، وهو من مشرب اجتماع الأمر والنهى في الصلاة كما سبق والأصح عدم البطلان بترك رده.

أقول : لا ريب ان جل الأخبار التي قدمناها ظاهرة في المشروعية بل الوجوب ، للأمر بذلك الذي هو حقيقة في الوجوب في موثقة سماعة وصحيحة محمد ابن مسلم المروية في الفقيه (1) مضافا الى الآية ، وباقي الأخبار تدل على المشروعية وكأنه أشار بالخبرين الآتيين إلى موثقة عمار وصحيحة منصور (2) الدالتين على الرد خفيا لأنه مع عدم الإسماع لا يتحقق الرد كما تقدم تحقيقه.

الثامنة ـ قد تكاثرت الأخبار باستحباب الابتداء بالسلام وظاهرها أفضليته على الرد وان كان الرد واجبا ، وهذا أحد المواضع التي صرحوا فيها بأفضلية المستحب على الواجب :

روى في الكافي عن السكوني عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) السلام تطوع والرد فريضة».

وعن عبد الله بن سنان في الصحيح عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «البادئ بالسلام اولى بالله وبرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وعن محمد بن مسلم عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (5) قال : «كان سليمان (عليه‌السلام) يقول أفشوا سلام الله تعالى فان سلام الله لا ينال الظالمين».

أقول : المراد بإفشاء السلام هو ان يسلم على كل من يلقاه من المسلمين ولو كان ظالما ، وحيث كان السلام بمعنى الرحمة والسلامة من آفات الدنيا ومكاره الآخرة فإنه لا ينفع الظالمين ولا ينالهم ونفعه انما يعود الى المسلم خاصة.

__________________

(1) ص 64.

(2) ص 65.

(3 و 4) الوسائل الباب 33 من أحكام العشرة.

(5) الوسائل الباب 34 من أحكام العشرة.


وعن محمد بن قيس في الصحيح عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (1) قال : «ان الله يحب إفشاء السلام».

وعن معاوية بن وهب في الموثق عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «ان الله عزوجل قال البخيل من بخل بالسلام».

وعن هارون بن خارجة عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «من التواضع ان تسلم على من لقيت».

وقد تقدم (4) حديث الحسن بن المنذر الدال على ثواب المسلم وتزايده بتزايد الصيغة في التسليم.

وروى في الكافي (5) بالسند الأول من هذه الأخبار قال : «من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه. وقال ابدأوا بالسلام قبل الكلام فمن بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه». قال الشارح المحقق المازندراني (قدس‌سره) في شرحه على الكتاب : لأن ترك السنة المؤكدة والاستخفاف بها وبالمؤمن خصوصا إذا كان بالتجبر يقتضي مقابلة التارك بالاستخفاف.

التاسعة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان وجوب الرد فوري ، قالوا لانه المتبادر من الرد والفاء الدالة على التعقيب بلا مهلة في الآية ، وربما يمنع ذلك في الفاء الجزائية. والمسألة محل توقف لعدم الدليل الناص في ما ذكروه وان كان هو الأحوط. ثم انه يتفرع على الفورية إن التارك له يأثم ، وهل يبقى في ذمته مثل سائر الحقوق؟ تأمل فيه بعض الأصحاب قال إلا أن يكون إجماعيا. وقال بعض الأصحاب (رضوان الله عليهم) : الظاهر ان الفورية المعتبرة في رد السلام إنما هو تعجيله بحيث لا يعد تاركا له عرفا وعلى هذا لا يضر إتمام كلمة أو كلام لو وقع السلام في أثنائهما. انتهى. وهو جيد.

__________________

(1 و 3) الوسائل الباب 34 من أحكام العشرة.

(2) الوسائل الباب 33 من أحكام العشرة.

(4) ص 66.

(5) الوسائل الباب 32 من أحكام العشرة.


العاشرة ـ قال في التذكرة : ولو ناداه من وراء ستر أو حائط فقال : «السلام عليك يا فلان» أو كتب كتابا وسلم عليه فيه أو أرسل رسولا فقال : «سلم على فلان» فبلغه الكتاب والرسالة قال بعض الشافعية (1) يجب عليه الجواب لأن تحية الغائب إنما تكون بالمناداة أو الكتاب أو الرسالة وقد قال الله تعالى «وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها» (2) والوجه انه ان سمع النداء وجب الجواب وإلا فلا. انتهى. قال في الذخيرة بعد نقله : وهو متجه لعدم ثبوت شمول الآية للصور المذكورة عدا صورة المناداة مع سماع النداء.

أقول : روى ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن الحسن بن محبوب عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «رد جواب الكتاب واجب كوجوب رد السلام ، والبادئ بالسلام أولى بالله وبرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وهذا الخبر دال بعمومه على وجوب رد السلام الذي كتب له في ذلك الكتاب لأنه من جملة ما يتوقع صاحبه رده سيما إذا كان الكتاب إنما يشتمل على مجرد الدعاء والسلام وقد حكم (عليه‌السلام) بوجوب رده كرد السلام. وفي قوله «والبادئ بالسلام. إلخ» إشارة الى ان البادئ بالكتاب أفضل كما تقدم الخبر بذلك في أفضلية الابتداء بالسلام. وبالجملة فإن ظاهر الخبر ان حكم الكتاب في وجوب الرد كحكم السلام.

وروى في الكافي أيضا عن ابى كهمش (4) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) عبد الله بن ابى يعفور يقرأك السلام قال وعليك وعليه‌السلام إذا أتيت عبد الله فاقرأه السلام وقل له. الحديث». وفي هذا الخبر دلالة على استحباب الإرسال بالسلام وان الرد بصيغة الرد على الحاضر بتقديم الظرف.

__________________

(1) الأذكار للنووي ص 199.

(2) سورة النساء الآية 88.

(3) الوسائل الباب 33 من أحكام العشرة.

(4) الوسائل الباب 43 من أحكام العشرة.


الحادية عشرة ـ لو ترك المصلى الرد واشتغل بإتمام الصلاة يأثم وهل تبطل الصلاة؟ قيل نعم للنهي المقتضي للفساد. وقيل ان اتى بشي‌ء من الأذكار في زمان الرد بطلت. وقيل ان اتى بشي‌ء من القراءة أو الأذكار في زمان وجوب الرد فلا يعتد بها بناء على ان الأمر بالشي‌ء يستلزم النهى عن ضده والنهى عن العبادة يقتضي الفساد ، ولكن لا يستلزم بطلان الصلاة إذ لا دليل على ان الكلام الذي يكون من قبيل الذكر والدعاء والقرآن يبطل الصلاة وإن كان حراما ، فان استمر على ترك الرد وقلنا ببقائه في ذمته لزم بطلان الصلاة لأنه لم يتدارك القراءة والذكر على وجه صحيح. قال بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين بعد نقل ذلك عنهم : والحق ان الحكم بالبطلان موقوف على مقدمات أكثرها بل كلها في محل المنع لكن الاحتياط يقتضي إعادة مثل تلك الصلاة. انتهى. وهو جيد.

الثانية عشرة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) تحريم سلام المرأة على الأجنبي وعللوه بان صوتها عورة فاستماعه حرام.

وتوقف جملة من متأخري المتأخرين إذ الظاهر من الأخبار عدم كون صوتها عورة.

أقول : وهو الحق مضافا الى ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح أو الحسن عن ربعي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ورواه في الفقيه مرسلا قال : «كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يسلم على النساء ويرددن عليه وكان أمير المؤمنين (عليه‌السلام) يسلم على النساء وكان يكره ان يسلم على الشابة منهن ويقول أتخوف أن يعجبني صوتها فيدخل على أكثر مما اطلب من الأجر». قال في الفقيه : إنما قال (عليه‌السلام) لغيره وان عبر عن نفسه وأراد بذلك ايضا التخوف من ان يظن ظان انه يعجبه صوتها فيكفر ، قال : ولكلام الأئمة (صلوات الله عليهم) مخارج ووجوه لا يعقلها إلا العالمون.

__________________

(1) الوسائل الباب 48 من أحكام العشرة.


أقول : ونظيره في القرآن من باب «إياك أعني واسمعي يا جارة» كثير.

وروى في الفقيه (1) قال : «سأل عمار الساباطي أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن النساء كيف يسلمن إذا دخلن على القوم؟ قال المرأة تقول عليكم السلام والرجل يقول السلام عليكم».

واما ما رواه في الكافي عن غياث بن إبراهيم عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «لا تسلم على المرأة». فهو محمول على الكراهة جمعا.

ثم ان على المشهور من التحريم على الأجنبي فهل يجب الرد عليها؟ قيل يحتمل ذلك لعموم الدليل والعدم لكون المتبادر التحية المشروعة ، وهو مختار التذكرة حيث قال : ولو سلم رجل على امرأة أو بالعكس فان كان بينهما زوجية أو محرمية أو كانت عجوزة خارجة عن مظنة الفتنة ثبت استحقاق الجواب وإلا فلا.

قالوا : وفي وجوب الرد عليها لو سلم عليها أجنبي وجهان فيحتمل الوجوب نظرا الى عموم الآية فيجوز اختصاص تحريم الاستماع بغيره ، ويحتمل العدم كما اختاره العلامة ويحتمل وجوب الرد خفيا كما قيل.

أقول : وهذا البحث لما كان على غير أساس كما عرفت فلا وجه للتشاغل بصحته وإبطاله.

الثالثة عشرة ـ قال العلامة في التذكرة : ولا يسلم على أهل الذمة ابتداء ، ولو سلم عليه ذمي أو من لم يعرفه فبان ذميا رد بغير السلام بان يقول «هداك الله أو أنعم الله صباحك أو أطال الله بقاءك» ولو رد بالسلام لم يزد في الجواب على قوله «وعليك» انتهى أقول : الذي وقفت عليه من الأخبار في هذا المقام ما تقدم (3) من صحيحة زرارة أو حسنته في رد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) على اليهود ، وما رواه في الكافي عن غياث بن إبراهيم عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «قال أمير المؤمنين

__________________

(1) الوسائل الباب 39 من أحكام العشرة.

(2) الوسائل الباب 130 من النكاح.

(3) ص 71.

(4) الوسائل الباب 49 من أحكام العشرة.


(عليه‌السلام) لابتدأوا أهل الكتاب بالتسليم وإذا سلموا عليكم فقولوا وعليكم».

وعن سماعة في الموثق (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن اليهودي والنصراني والمشرك إذا سلموا على الرجل وهو جالس كيف ينبغي ان يرد عليهم؟ قال يقول عليكم».

وعن محمد بن مسلم في الموثق عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «إذا سلم عليك اليهودي والنصراني والمشرك فقل عليك».

وعن زرارة عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «تقول في الرد على اليهودي والنصراني سلام».

وعن محمد بن عرفة عن ابي الحسن الرضا (عليه‌السلام) (4) قال : «قيل لأبي عبد الله (عليه‌السلام) كيف أدعو لليهودي والنصراني؟ قال تقول بارك الله لك في دنياك».

أقول : المستفاد من الخبر الأول تحريم ابتداء أهل الكتاب بالسلام ونحوهم من المشركين بطريق الاولى ، ولا ينافي ذلك ما رواه في الكافي عن عبد الرحمن بن الحجاج (5) قال : «قلت لأبي الحسن موسى (عليه‌السلام) أرأيت ان احتجت الى متطبب وهو نصراني ان أسلم وأدعو له؟ قال نعم ولا ينفعه دعاؤك». لأنا نجيب عنه بالحمل على حال الضرورة ، وكذا ما تقدم ايضا (6) من حديث «أفشوا سلام الله فان سلام الله لا ينال الظالمين». ونحوه ، لأنا نجيب عنه بان خبر غياث خاص وهذا عام والقاعدة تقديم العمل بالخاص وتخصيص العموم به.

وأكثر هذه الأخبار إنما اشتملت على الرد ب «عليكم أو عليك» واما ما ذكره من الرد بتلك الألفاظ فلم نقف له على دليل ، نعم ربما يقال في مقام الدعاء له كما يشعر به خبر محمد بن عرفة لا في مقام رد السلام كما ادعاه. نعم رواية زرارة قد

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 49 من أحكام العشرة.

(4 و 5) الوسائل الباب 53 من أحكام العشرة.

(6) ص 80.


تضمنت الرد ب «سلام» والظاهر انه على تقدير الرواية بفتح السين من قبيل قوله عزوجل «سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي» (1) وقوله سبحانه «وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ» (2) والوجه في جوازه انه لم يقصد به التحية وانما قصد به المباعدة والمتاركة قال أمين الإسلام الطبرسي (قدس‌سره) في تفسير الآية الأخيرة «وَقُلْ سَلامٌ» تقديره وقل أمرنا وأمركم سلام اى متاركة. ثم قال في بيان معنى الآية :

«وقل سلام» اى مداراة ومتاركة. وقيل هو سلام هجران ومجانبة لا سلام تحية وكرامة كقوله «سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ» (3) وقال في معنى الآية الاولى : وقال إبراهيم «سَلامٌ عَلَيْكَ» سلام توديع وهجر على الطف الوجوه وهو سلام متاركة ومباعدة عن الجبائي وابى مسلم. وقيل هذا سلام إكرام وبر فقابل جفوة أبيه بالبر تأدية لحق الأبوة اى هجرتك على وجه جميل من غير عقوق. انتهى. ولم أقف لهذا المعنى في كتب اللغة على ذكر مع أن الآيات كما ترى ظاهرة فيه.

ثم ان أكثر هذه الروايات انما اشتملت على الرد ب «عليكم السلام» و «عليك» بدون الواو ورواية غياث اشتملت على ذكر الواو ، واخبار العامة أيضا مختلفة ففي بعضها بالواو وفي بعض آخر بدونها (4) والمعنى بدون الواو ظاهر لان المقصود حينئذ ان الذي تقولون لنا مردود عليكم ، وهم غالبا ـ كما سمعت من صحيحة زرارة (5) ـ إنما يسلمون بالسام الذي هو الموت ، واما مع الواو فيشكل لأن الواو تقتضي إثبات ما قالوه على نفسه وتقريره عليها حتى يصح العطف فيدخل معهم في ما دعوا به ، ولهذا قال ابن الأثير في النهاية : قال الخطابي عامة المحدثين يروون «وعليكم» بإثبات واو العطف وكان ابن عيينة يرويه بغير واو وهو الصواب لأنه

__________________

(1) سورة مريم الآية 48.

(2) سورة الزخرف الآية 89.

(3) سورة القصص الآية 55.

(4) فتح الباري ج 11 ص 35 كتاب الاستئذان باب كيفية الرد على أهل الذمة.

(5) ص 80.


إذا حذف الواو صار قولهم الذي قالوه بنفسه مردودا عليهم خاصة وإذا أثبت الواو وقع الاشتراك معهم في ما قالوه لأن الواو تجمع بين الشيئين. والمثبتون للواو اختلفوا فقال بعضهم انها للاستئناف لا العطف فلا تقتضي الاشتراك. وقال عياض : هذا بعيد والاولى ان يقال الواو على بابها من العطف غير انا نجاب فيهم ولا يجابون فينا كما دل عليه الحديث. ثم قال حذف الواو أصح معنى وإثباتها أصح رواية وأشهر. انتهى.

وقال بعض أصحابنا بعد نقل ذلك : وهذا ليس بأولى لأن المفسدة قبول المجيب دعاءهم على نفسه وتقريره عليها وقبول المشاركة وهي باقية غير مدفوعة بما ذكره. ثم قال ثم أقول ويمكن ان يقال إذا علم المجيب انهم قالوا «السام عليك» يجيب ب «عليكم» بدون واو كما فعله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وإذا علم انهم قالوا «السلام عليك» كما هو المعروف في التحية يجيب بقوله «وعليكم» فيقبل سلامهم على نفسه ويقرره عليها ويأتي بلفظ يفيد المشاركة إلا ان ذلك لا ينفعهم وفائدته مجرد الرفق وتأليف القلوب ، وكذا يصح ان يجب ب «عليك» بدون واو ، وبذلك يتحقق الجمع بين الروايات. انتهى كلامه زيد مقامه. أقول : ما ذكره من الجمع جيد الا ان الظاهر ان الأجود منه حمل رواية غياث على التقية (1) لأنه لم يرد لفظ الواو في غيرها من الروايات المتقدمة ، ويعضده ان الراوي عامي بتري (2) فهو موافق لأكثر رواياتهم وأصحها كما عرفت من كلامهم.

ثم انه هل يجب الرد عليهم؟ استشكله بعض الأصحاب ثم قال ولعل العدم أقوى. وقال الفاضل المازندراني في حاشيته على الكتاب : ثم ان الأمر بردهم على سبيل الرخصة والجواز دون الوجوب وان احتمل نظرا الى ظاهره كما نقل عن ابن عباس والشعبي وقتادة من العامة ، واستدلوا بعموم الآية «وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها» حيث قال بأحسن منها للمسلمين وقوله «أَوْ رُدُّوها»

__________________

(1) ارجع الى التعليقة 4 ص 86.

(2) رجال المامقاني ج 2 ص 366.


لأهل الكتاب. والحق ان كليهما للمسلمين لعدم وجوب الرد بالأحسن للمسلمين اتفاقا بل الواجب أحد الأمرين اما الرد بالأحسن أو بالمثل. انتهى. وهو جيد.

الرابعة عشرة ـ قد صرح الأصحاب بأنه يكره ان يخص طائفة من الجمع بالسلام ، وانه يستحب ان يسلم الراكب على الماشي والقائم على الجالس والطائفة القليلة على الكثيرة والصغير على الكبير وأصحاب الخيل على أصحاب البغال وهما على أصحاب الحمير.

أقول وقد تقدم (1) في روايتي عنبسة بن مصعب وابن بكير عن بعض أصحابه الدلالة على ذلك ، قال بعض شراح الحديث : اما بدأة الصغير على الكبير فلأن للكبير على الصغير فضلا بالسن فحصل له بذلك مزية التقدم بالتحية ، نعم لو كان للصغير فضائل نفسانية مثل العلم والأدب دون الكبير لا يبعد القول بالعكس لأن مراعاة الفضل البدني تقتضي مراعاة الفضائل النفسانية بالطريق الاولى ، ولان العالم له نسبة مؤكدة إلى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والأئمة المعصومين (عليهم‌السلام) دون الجاهل ، ومن اعتبر حال بعض الأئمة والأنبياء علم ان تقدمهم على غيرهم مع صغر سنهم انما كان لأجل كمالاتهم. وحمل الصغير والكبير على الصغير المعنوي والكبير المعنوي مستبعد. واما بدأة المار على القاعد فلان القاعد قد يقع في نفسه خوف من القادم فإذا ابتدأ القادم بالسلام أمن ، أو لأن القاعد لو أمر بالبدأة على المارين شق عليه لكثرة المارين بخلاف العكس. واما بدأة القليل على الكثير فلفضلة الجماعة وايضا لو بدأت الجماعة على الواحد لخيف معه الكبر ، ويحتمل غير ذلك. واما بدأة الراكب على الماشي فلان للراكب فضلا دنيويا فعدل الشرع بينهما فجعل للماشي فضيلة أن يبدأ بالسلام ، أو لأن الماشي قد يخاف من الراكب فإذا سلم الراكب عليه أمن ، أو لأنه لو ابتدأ الماشي بالسلام على الراكب خيف على الراكب الكبر. انتهى وهو جيد مستفاد من الأخبار كما لا يخفى على من جلس خلال الديار. والله العالم.

__________________

(1) ص 67.


الخامسة عشرة ـ قد عرفت من جملة من الأخبار المتقدمة في صدر المسألة جواز التسليم على المصلى بل استحبابه وقد صرح جمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لا يكره السلام على المصلى للعموم.

وفيه ان رواية الخصال المتقدمة ثمة (1) ـ وهي من الموثقات عن مسعدة بن صدقة قال فيها : «لا تسلموا على اليهود ولا على النصارى ولا على المجوس ولا على عبدة الأوثان ولا على موائد شراب الخمر ولا على صاحب الشطرنج والنرد ولا على المخنث ولا على الشاعر الذي يقذف المحصنات ولا على المصلى. إلى آخر ما تقدم ثمة». ـ ظاهرة في النهي عن ذلك ، وقد عللها بما ذكره من ان المصلى لا يستطيع ان يرد السلام لان التسليم من المسلم تطوع والرد فريضة ، والظاهر ان المقصود من التعليل المذكور انه لما كان الرد فريضة فلا بد له أن يرد متى سلم عليه وفي ذلك شغل له عن التوجه والإقبال على صلاته ، فمعنى كونه لا يستطيع أن يرد السلام اى من حيث استلزامه للشغل له.

ويعضد هذه الرواية أيضا ما رواه في قرب الاسناد عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (2) قال : «كنت أسمع أبي يقول إذا دخلت المسجد الحرام والقوم يصلون فلا تسلم عليهم وسلم على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ثم أقبل على صلاتك ، وإذا دخلت على قوم جلوس يتحدثون فسلم عليهم».

وظاهر صاحب المدارك الميل الى القول بالكراهة لهذه الرواية الأخيرة حيث انه قال ـ بعد ان نقل عن جمع من الأصحاب انه لا يكره السلام على المصلى للعموم ـ ما لفظه : ويمكن القول بالكراهة لما رواه عبد الله بن جعفر في كتابه قرب الاسناد عن الصادق (عليه‌السلام). الى آخر ما تقدم.

أقول : الأظهر عندي حمل ما دل على المنع على التقية لما تقدم من ان

__________________

(1) ص 65 وفي الوسائل الباب 28 من أحكام العشرة.

(2) الوسائل الباب 17 من قواطع الصلاة.


مذهب جمهور العامة المنع من الرد وإنما يشير بإصبعه ، وأبو حنيفة قد منع من الرد والإشارة (1) مع ان الراوي عن ابى عبد الله في رواية قرب الاسناد إنما هو الحسين ابن علوان كما عرفت وهو عامي (2) والعجب من صاحب المدارك في اعتماده عليها والحال كما عرفت مع مناقشة الأصحاب في الروايات الصحيحة وتصلبه في الأدلة كيف ركن الى هذه الرواية وأسندها إلى الصادق (عليه‌السلام) ولم يذكر الراوي عنه لئلا يتطرق إليه المناقشة بما ذكرناه. وبالجملة فالأظهر عندي هو ما عرفت. والله العالم.

المسألة الثانية ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه يجوز للمصلي تسميت العاطس ، والتسميت على ما نقل عن الجوهري ذكر اسم الله تعالى على الشي‌ء ، وتسميت العاطس ان يقول له «يرحمك الله» بالسين والشين جميعا ، قال ثعلب الاختيار بالسين لأنه مأخوذ من السمت وهو القصد والمحجة. وقال أبو عبيد الشين أعلى في كلامهم وأكثر. وقال ايضا تسميت العاطس دعاء له وكل داع لأحد بخير فهو مسمت ومشمت. وقال في القاموس : التسميت ذكر الله على الشي‌ء والدعاء للعاطس. وفي المجمل يقولون للعاطس «يرحمك الله» فيقال التسميت. ويقال التسميت ذكر الله على الشي‌ء. وفي النهاية التسميت بالسين والشين الدعاء بالخير والبركة والمعجمة أعلاهما. وقال في المصباح المنير للفيومى : السمت الطريق والسمت القصد والسكينة والوقار وهو حسن السمت أي الهيئة ، والتسميت ذكر الله تعالى على الشي‌ء وتسميت العاطس الدعاء له ، وبالشين المعجمة مثله. وقال في التهذيب سمته بالسين والشين إذا دعا له ، وقال أبو عبيد الشين المعجمة أعلى وأفشى. وقال ثعلب السين المهملة هي الأصل أخذا من السمت وهو القصد والهدى والاستقامة ، وكل داع بخير فهو مسمت اى داع بالعود والبقاء الى سمته. انتهى.

والمشهور في كلام الأصحاب جوازه للمصلي بل استحبابه ، وظاهر المحقق في

__________________

(1) ارجع الى التعليقة 3 ص 78.

(2) رجال المامقاني ج 1 ص 335 واحتمل (قدس‌سره) كونه إماميا.


المعتبر التوقف فيه إلا انه قال بعد ذلك : والجواز أشبه بالمذهب.

والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه المشايخ الثلاثة عن ابى بصير عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «قلت له اسمع العطسة وانا في الصلاة فاحمد الله تعالى وأصلي على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله)؟ قال نعم». وزاد في الكافي (2) «وإذا عطس أخوك وأنت في الصلاة فقل الحمد لله».

وما رواه في الكافي عن جراح المدائني (3) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) للمسلم على أخيه من الحق ان يسلم عليه إذا لقيه ويعوده إذا مرض وينصح له إذا غاب ويسمته إذا عطس ـ يقول الحمد لله رب العالمين لا شريك له ويقول له يرحمك الله ، فيجيبه يقول له يهديكم الله ويصلح بالكم ـ ويجيبه إذا دعاه ويشيعه إذا مات».

وعن مسعدة بن صدقة عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا عطس الرجل فسمتوه ولو من وراء جزيرة». وفي رواية أخرى (5) «ولو من وراء البحر».

وعن إسحاق بن يزيد ومعمر بن ابى زياد وابن رئاب (6) قالوا : «كنا جلوسا عند ابى عبد الله (عليه‌السلام) إذ عطس رجل فما رد عليه أحد من القوم شيئا حتى ابتدأ هو فقال سبحان الله ألا سمعتم؟ من حق المسلم على المسلم أن يعوده إذا اشتكى وان يجيبه إذا دعاه وان يشهده إذا مات وان يسمته إذا عطس».

وعن داود بن الحصين (7) قال : «كنا عند ابى عبد الله (عليه‌السلام)

__________________

(1) الوسائل الباب 18 من قواطع الصلاة.

(2) الوسائل الباب 18 من قواطع الصلاة. وفي الفروع ج 1 ص 102 والوافي باب «رد السلام» والوسائل هكذا «فقل الحمد لله وصل على النبي وآله» وقد أثبت في ما وقفنا عليه من النسخ الخطية. وقد أثبت أيضا فيها ما يشترك فيه الكافي والتهذيب والفقيه وهو قوله (ع) «وان كان بينك وبين صاحبك اليم» إلا ان العبارة فيها توهم الاختصاص بالكافي حيث قال : وزاد في الكافي. الى أن قال «وصل على النبي وآله وان كان.».

(3 و 4 و 5 و 6 و 7) الوسائل الباب 57 من أحكام العشرة.


فأحصيت في البيت أربعة عشر رجلا فعطس أبو عبد الله (عليه‌السلام) فما تكلم أحد من القوم فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) ألا تسمتون؟ من حق المؤمن على المؤمن إذا مرض ان يعوده وإذا مات ان يشهد جنازته وإذا عطس ان يسمته ـ أو قال أن يشمته ـ وإذا دعاه ان يجيبه».

والظاهر ان مستند الأصحاب في ما ذهبوا اليه من استحباب تسميت المصلى لغيره هو عموم هذه الأخبار فإنها شاملة للمصلي وغيره ، ويستفاد من هذه الاخبار استحباب الحمد لله والصلاة على النبي وآله (صلوات الله عليهم) للعاطس والسامع ، قال في المنتهى : ويجوز للمصلي أن يحمد الله إذا عطس ويصلى على النبي وآله (صلوات الله عليهم) وان يفعل ذلك إذا عطس غيره وهو مذهب أهل البيت (ع)

ويفهم من بعض الأخبار توقف استحباب التسميت على حمد الله سبحانه بل الصلاة على النبي وآله (صلوات الله عليهم) من العاطس فلو لم يفعل لم يستحب تسميته كما سيأتي ان شاء الله.

وهل يجب على العاطس الرد؟ الأظهر ذلك ، وصرح جمع : منهم ـ صاحب المدارك بالعدم قال : وهل يجب على العاطس الرد؟ الأظهر لا لانه لا يسمى تحية.

أقول : قد روى في آخر كتاب الخصال في حديث طويل عن ابى جعفر عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) (1) مما علمه أصحابه في مجلس واحد من أربعمائة باب مما يصلح للمسلم في دينه قال (عليه‌السلام) «إذا عطس أحدكم فسمتوه قولوا يرحمكم الله وهو يقول يغفر الله لكم ويرحمكم ، قال الله عزوجل (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها)» (2). وهو ظاهر الدلالة في المطلوب ، والظاهر عدم وقوف هؤلاء القائلين على الخبر المشار اليه.

وقد صرح جملة من الأصحاب : منهم ـ المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى

__________________

(1) الوسائل الباب 58 من أحكام العشرة.

(2) سورة النساء الآية 88.


في استحباب التسميت باشتراط كون العاطس مؤمنا ، قال في الذخيرة : ويحتمل الجواز في المسلم مطلقا عملا بظاهر رواية جراح وغيرها مما اشتمل على ذكر المسلم. وهو ضعيف فان لفظ المسلم وان ذكر كما نقله إلا ان المراد به المؤمن وإطلاقه عليه أكثر كثير في الآيات والأخبار ، ويؤيده عد التسميت في قرن تلك الأشياء المعدودة من حقوق الإخوان فإنها مخصوصة بالمؤمنين كما لا يخفى ، فما ذكره من الاحتمال لا وجه له بالكلية.

ولا بأس بنقل جملة من الأخبار الواردة في العطس لما فيها من الفوائد والأحكام وان كانت خارجة من محل البحث في المقام :

ومنها ـ ما رواه في الكافي عن صفوان في الصحيح (1) قال : «كنت عند الرضا (عليه‌السلام) فعطس فقلت له صلى الله عليك ثم عطس فقلت له صلى الله عليك ثم عطس فقلت له صلى الله عليك. وقلت جعلت فداك إذا عطس مثلك يقال له كما يقول بعضنا لبعض «يرحمك الله» أو كما نقول؟ قال نعم ، قال أو ليس تقول صلى الله على محمد وآل محمد؟ قلت بلى. قال وارحم محمدا وآل محمد؟ قال بلى وقد صلى عليه ورحمه وانما صلاتنا عليه رحمة لنا وقربة».

بيان : قوله «إذا عطس مثلك» اى من أهل العصمة ولعل الترديد من الراوي بناء على ان مثلكم مرحومون قطعا فلا فائدة في طلب الرحمة لكم كما يقول بعضنا لبعض لانه تحصيل حاصل. وقوله «كما نقول» إشارة إلى قوله «صلى الله عليك» «قال نعم» يعنى كل من الأمرين جائز لا بأس به. ثم أشار الى أن الفائدة في الترحم علينا لكم لا لنا. ثم قال له : أو ليس تقول صلى الله على محمد وآله محمد؟ قلت بلى. وقال ارحم محمدا وآل محمد قال الامام بلى. يعني أنك تقول ذلك بعد الصلاة والحال ان الله سبحانه صلى عليه ورحمه فلا حاجة به الى صلاة مصل ولا ترحم مترحم وإنما فائدة ذلك راجعة الى المصلى. وبذلك صرح جملة من أصحابنا (رضوان الله عليهم) قال

__________________

(1) الوافي ج 3 باب العطاس والتسميت.


شيخنا الشهيد الثاني في شرح اللمعة : وغاية السؤال بها أي بالصلاة عائدة الى المصلى لأن الله سبحانه وتعالى قد اعطى نبيه من المنزلة والزلفى لديه ما لا تؤثر فيه صلاة مصل كما نطقت به الاخبار وصرح به العلماء الأخيار. انتهى.

ومنها ـ ما رواه في الكتاب المذكور عن أيوب بن نوح (1) قال : «عطس يوما وأنا عنده فقلت جعلت فداك ما يقال للإمام إذا عطس؟ قال يقول صلى الله عليك».

بيان : قد عرفت من الحديث السابق جواز تسميتهم (عليهم‌السلام) بما يقول بعضنا لبعض من قوله «يرحمك الله» وسيأتي ما يدل عليه ايضا ، ولعل التخصيص هنا بهذه الصورة لأنها أفضل الفردين.

ومنها ـ ما رواه عن احمد بن محمد بن ابى نصر (2) قال : «سمعت الرضا (عليه‌السلام) يقول : التثاؤب من الشيطان والعطسة من الله تعالى».

بيان : ثئب وتثأب أصابه كسل وفترة كفترة النعاس ، قال عياض : التثأب بشد الهمزة والاسم الثؤباء ، وقال ابن دريد وأصله من «ثئب الرجل فهو مثؤوب» إذا استرخى وكسل. وقال في مجمع البحرين : التثأب فترة تعتري الشخص فيفتح عندها فاه يقال تثاءبت على تفاعلت إذا فتحت فاك وتمطيت لكسل أو فترة والاسم الثؤباء. قال بعض الأفاضل وانما نسبه الى الشيطان لانه من تكسيله وسببه. وقيل أضيف إليه لأنه يرضيه. وقيل إنما ينشأ من امتلاء البدن وثقل النفس وكدورة الحواس ويورث الغفلة والكسل وسوء الفهم ولذلك كرهه الله وأحبه الشيطان (لعنه الله) والعطاس لما كان سببا لخفة الدماغ واستفراغ الفضلات وصفاء الروح وتقوية الحواس كان امره بالعكس ولكن التثأب من الشيطان. قيل انه ما تثأب نبي قط. انتهى.

ومنها ـ ما رواه عن صالح بن ابى حماد (3) قال : «سألت العالم (عليه‌السلام) عن

__________________

(1) الوافي ج 3 باب العطاس والتسميت.

(2) الوسائل الباب 60 من أحكام العشرة.

(3) الوسائل الباب 62 من أحكام العشرة.


العطسة وما العلة في الحمد لله عليها؟ فقال ان لله تعالى نعما على عبده في صحة بدنه وسلامة جوارحه وان العبد ينسى ذكر الله تعالى على ذلك وإذا نسي أمر الله تعالى الريح فجالت في بدنه ثم يخرجها من انفه فيحمد الله تعالى على ذلك فيكون حمده عند ذلك شكرا لما نسي».

بيان : يستفاد من هذا الخبر وجه ما تقدم في سابقه من قوله : «العطسة من الله تعالى» والظاهر انه أقرب مما ذكره ذلك الفاضل ، وحاصل ذلك ان معنى كونها من الله تعالى انه هو الذي حمل عبده عليها بإدخال الريح في بدنه وإخراجها من انفه ليحمد الله تعالى عند ذلك.

ومنها ـ ما رواه عن جابر (1) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) نعم الشي‌ء العطسة تنفع في الجسد وتذكر بالله تعالى. قلت ان عندنا قوما يقولون ليس لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في العطسة نصيب؟ فقال (عليه‌السلام) ان كانوا كاذبين فلانا لهم الله شفاعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وعن ابن ابى عمير عن بعض أصحابه (2) قال «عطس رجل عند ابى جعفر (عليه‌السلام) فقال الحمد لله فلم يسمته أبو جعفر (عليه‌السلام) وقال نقصنا حقنا ، ثم قال إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وأهل بيته. قال فقال الرجل فسمته أبو جعفر عليه‌السلام».

بيان : نقصه ونقصه بالتخفيف والتشديد بمعنى واحد ، وفي الخبر دلالة على ما قدمنا الإشارة إليه من ان استحقاق التسميت موقوف على حمد العاطس وصلاته على محمد وآله (صلوات الله عليهم) ، وهو مروي من طريق العامة أيضا لكن بالنسبة إلى التحميد ، روى مسلم عن انس بن مالك (3) قال : «عطس عند النبي (صلى الله عليه

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 63 من أحكام العشرة.

(3) ج 8 كتاب الزهد باب تسميت العاطس ، ورواه أبو داود في سننه ج 4 ص 309 آخر كتاب الأدب باب «من يعطس ولا يحمد الله».


وآله) رجلان فشمت أحدهما ولم يشمت الآخر فقال الذي لم يشمته عطس فلان فشمته وعطست انا فلم تشمتني؟ فقال ان هذا حمد الله وانك لم تحمد الله تعالى».

وعن الفضيل بن يسار (1) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) ان الناس يكرهون الصلاة على محمد وآله في ثلاثة مواطن : عند العطسة وعند الذبيحة وعند الجماع؟ فقال أبو جعفر (عليه‌السلام) ما لهم ويلهم نافقوا لعنهم الله».

وعن سعد بن ابى خلف في الصحيح أو الحسن (2) قال : «كان أبو جعفر (عليه‌السلام) إذا عطس فقيل له يرحمك الله قال يغفر الله لكم ويرحمكم ، وإذا عطس عنده انسان قال له يرحمك الله».

بيان : هذا الحديث يشتمل على ما اشتمل عليه حديث الخصال في رد التسميت ، قال في المدارك : والاولى في كيفية الرد الاعتماد على ما رواه الكليني في الحسن عن سعد بن ابى خلف ، ثم ساق الرواية.

وعن السكوني عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «عطس غلام لم يبلغ الحلم عند النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال الحمد لله فقال له النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بارك الله فيك».

بيان : فيه دلالة على استحباب تسميت الغلام إذا حمد الله تعالى بمثل هذا القول وان لم يتعرض له الأصحاب في ما أعلم.

وعن محمد بن مسلم عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (4) قال : «إذا عطس الرجل فليقل الحمد لله لا شريك له ، وإذا سمت الرجل فليقل يرحمك الله ، وإذا رد فليقل يغفر الله لك ولنا ، فان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) سئل عن آية أو شي‌ء فيه ذكر الله تعالى فقال كل ما ذكر الله فيه فهو حسن».

__________________

(1) الوسائل الباب 64 من أحكام العشرة.

(2 و 4) الوسائل الباب 58 من أحكام العشرة.

(3) الوسائل الباب 62 من أحكام العشرة.


بيان : لا ينافي هذا الخبر ما تقدم في مرسلة ابن ابى عمير من عدم تسميت الإمام للرجل حتى أردف التحميد بالصلاة ، لأن غاية هذا الخبر ان يكون مطلقا فيجب تقييده بالخبر المتقدم. ويحتمل ـ ولعله الأظهر ـ حمل الخبر الأول على التأديب وان جاز الاقتصار على مجرد التحميد.

والمستفاد من اخبار المسألة بالنسبة إلى العاطس انه يقول «الحمد لله» فان اقتصر عليها فهو جائز وان زاد عليها «رب العالمين أو لا شريك له» أو نحو ذلك فهو أفضل وان زاد الصلاة فهو أفضل الجميع سيما مع ما ذكرناه من الألفاظ الزائدة على التحميد ، وبالنسبة إلى التسميت ان يقول «يرحمك الله أو يرحمكم الله» وفي الجواب ما ذكر في هذه الرواية ، وأحسن منه ما تقدم في روايتي الخصال وسعد بن ابي خلف ، وان اتى بنحو ذلك فلا بأس فإن الظاهر حمل هذه الروايات على التمثيل في الدعاء لأخيه من الدعاء بالخير للعاطس وجوابه بما يناسب ذلك.

واما قوله في آخر الخبر : «سئل عن آية أو شي‌ء. إلخ» وفي نسخة الفاضل المازندراني ـ كما ذكره ـ «فان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) سئل عن آية تقال عند العطسة أو شي‌ء فيه ذكر الله تعالى. إلخ» والمعنى على كل من النسختين واضح فان حاصله ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) سئل عن آية معينة أو ذكر معين يقال عند التسميت أورده فقال كل ما تضمن ذكر الله عزوجل المناسب لمقام التسميت ورده فهو حسن. وهو عين ما أشرنا إليه آنفا.

وعن مسمع (1) قال «عطس أبو عبد الله (عليه‌السلام) فقال «الحمد لله رب العالمين» ثم جعل إصبعه على انفه فقال رغم الله أنفي رغما داخرا».

بيان : هذا الحكم غير مذكور في ما حضرني من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) وينبغي ان يعد في مستحبات العطس ايضا.

وعن محمد بن مروان رفعه (2) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام)

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 62 من أحكام العشرة.


من قال إذا عطس «الحمد لله رب العالمين على كل حال» لم يجد وجع الأذنين والأضراس».

وعن ابن فضال عن بعض أصحابه عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «في وجع الأضراس ووجع الآذان إذا سمعتم من يعطس فابدأوه بالحمد لله».

وعن زيد الشحام (2) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) من سمع عطسة فحمد الله تعالى وصلى على النبي وأهل بيته (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لم يشتك عينه ولا ضرسه. ثم قال ان سمعتها فقلها ولو كان بينك وبينه البحر».

وعن عبد الرحمن بن ابى نجران عن بعض أصحابه عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «عطس رجل نصراني عند ابى عبد الله (عليه‌السلام) فقال له القوم «هداك الله» فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) «يرحمك الله» فقالوا له انه نصراني؟ فقال (عليه‌السلام) لا يهديه الله حتى يرحمه».

بيان : هذا الخبر بظاهره مناف لما تقدم نقله عن الأصحاب من اشتراط الإيمان في تسميت العاطس كما دلت عليه الأخبار المتقدمة ، ويمكن ان يقال بمعونة الأخبار المتقدمة الدالة على اشتراط الايمان ان قصده (عليه‌السلام) من التسميت ب «يرحمك الله» انما هو المنع من تسميته بما ذكروه وبغيره وانه ليس أهلا للتسميت ، لأن تحاشيهم عن لفظ «يرحمك الله» الى ما ذكروه لا يغني إذ الهداية مستلزمة لسبق الرحمة الموجبة لهدايته فالأولى ان لا يسمت بحال. وهذا معنى لطيف وان تسارع الفهم القاصر الى رده.

وعن مسعدة بن صدقة عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا عطس المرء المسلم ثم سكت لعلة تكون به قالت الملائكة عنه «الحمد لله رب العالمين» فان قال «الحمد لله رب العالمين» قالت الملائكة «يغفر

__________________

(1 و 4) الوسائل الباب 62 من أحكام العشرة.

(3) الوسائل الباب 65 من أحكام العشرة.

(4) الوسائل الباب 62 من أحكام العشرة.


الله لك» قال : وقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) العطاس للمريض دليل العافية وراحة للبدن».

وعن حذيفة بن منصور (1) قال قال : «العطاس ينفع للبدن كله ما لم يزد على الثلاث فإذا زاد على الثلاث فهو داء وسقم».

وعن زرارة عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (2) قال : «إذا عطس الرجل ثلاثا فسمته ثم اتركه».

وعن ابى بكر الحضرمي (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن قوله تعالى (إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) (4) قال العطسة القبيحة».

بيان : العطسة القبيحة المشتملة على الصوت المستنكر يعنى انها مندرجة تحت الآية لا ان الآية مختصة بها. وفيه إشارة الى الأمر بالاعتدال.

وعن القاسم عن جده عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (5) قال : «من عطس ثم وضع يده على قصبة أنفه ثم قال «الحمد لله رب العالمين الحمد لله حمدا كثيرا كما هو اهله وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم» خرج من منخره الأيسر طائر أصغر من الجراد وأكبر من الذباب حتى يصير تحت العرش يستغفر له الى يوم القيامة».

وعن محمد بن يحيى عن بعض أصحابه رواه عن رجل من العامة (6) قال «كنت أجالس أبا عبد الله (عليه‌السلام) فلا والله ما رأيت مجلسا أنبل من مجالسه ، قال فقال لي ذات يوم من اين تخرج العطسة؟ فقلت من الأنف. فقال لي أصبت الخطأ فقلت جعلت فداك من اين تخرج؟ فقال من جميع البدن كما ان النطفة تخرج من

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 60 من أحكام العشرة.

(3) الوسائل الباب 60 من أحكام العشرة.

(4) سورة لقمان الآية 18.

(5) الوسائل الباب 63 من أحكام العشرة.

(6) الأصول ج 2 ص 657 وفي الوسائل الباب 60 من أحكام العشرة.


جميع البدن ومخرجها من الإحليل ، ثم قال اما رأيت الإنسان إذا عطس نفض أعضاءه؟ وصاحب العطسة يأمن الموت سبعة أيام».

وعن السكوني عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) تصديق الحديث عند العطاس».

وبهذا الاسناد (2) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا كان الرجل يتحدث بحديث فعطس عاطس فهو شاهد حق».

وعن القداح عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) تصديق الحديث عند العطاس».

بيان : قال بعض المحدثين لعل السر فيه ان العطسة رحمة من الله تعالى للعبد ويستبعد نزول الرحمة في مجلس يكذب فيه خصوصا عند صدور الكذب فإذا قاربت الحديث دلت على صدقه. انتهى.

وروى ابن إدريس في مستطرفات السرائر من كتاب النوادر لمحمد بن على بن محبوب عن محمد بن الحسين عن محمد بن يحيى عن غياث عن جعفر (عليه‌السلام) (4) «في رجل عطس في الصلاة فسمته رجل فقال فسدت صلاة ذلك الرجل».

بيان : قال ابن إدريس بعد إيراد الخبر : التسميت الدعاء للعاطس بالسين والشين معا ، وليس على فسادها دليل لان الدعاء لا يقطع الصلاة. انتهى. وهو جيد وغير بعيد ان هذا الخبر خرج مخرج التقية لأنه نسب إلى الشافعي وبعض العامة القول بالتحريم (5) مع ان ظاهر الخبر بطلان صلاة العاطس وان لم يرد فإنه هو الذي في الصلاة واما المسمت فغير ظاهر من الخبر كونه في الصلاة. وكيف ما كان

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 66 من أحكام العشرة.

(4) الوسائل الباب 18 من قواطع الصلاة.

(5) تعرض لذلك النووي الشافعي في شرحه على صحيح مسلم عند شرحه حديث معاوية بن الحكم السلمي في باب تحريم الكلام.


فبالحمل على أيهما كان لا يمكن القول بالبطلان لما تقدم. والله العالم.

المسألة الثالثة ـ المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) من غير خلاف يعرف هو تحريم قطع الصلاة اختيارا وقيده جملة من الأصحاب : منهم ـ العلامة في بعض كتبه بالفريضة.

واحتج عليه بوجهين (الأول) ان الإتمام واجب وهو ينافي القطع فيكون القطع محرما (الثاني) قوله تعالى «وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ» (1).

والأول منهما لا يخلو من مصادرة ، والثاني لا يخلو من الإجمال المانع من الاستناد إليه في الاستدلال ، ولهذا صرح جملة من محققي متأخري المتأخرين بأنهم لم يقفوا في المسألة على دليل يعتمد عليه وكان بعض المعاصرين يفتي لذلك بجواز قطع الصلاة اختيارا ، ويجوز له في الشكوك المنصوصة قطع الصلاة والإعادة من رأس للخروج عما في بعض صورها من الخلاف.

أقول : والحق ان الدليل على ذلك ما تقدم في الأخبار الكثيرة من ان تحريمها التكبير وتحليلها التسليم (2). ، فإنه لا معنى لكون تحريمها التكبير إلا تحريم ما كان محللا على المصلى قبل التكبير وانه بالدخول فيها بالتكبير تحرم عليه تلك الأمور من الاستدبار والكلام عمدا والحدث عمدا ونحو ذلك وان هذه الأشياء إنما تحل عليه بالتسليم ، وهذا المعنى من هذه العبارة أظهر من ان يخفى والروايات بهذا المضمون متكاثرة كما تقدمت في فصل التكبير والتسليم فلا مجال للتوقف في ذلك. وبذلك يظهر انه لا يجوز قطع الصلاة ولا الخروج منها الا بالتسليم. نعم يستثني من ذلك ما دلت النصوص على جواز القطع له كما يأتي ان شاء الله تعالى.

ويؤيده ما رواه الشيخ والكليني في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (3)

__________________

(1) سورة محمد الآية 35.

(2) الوسائل الباب 1 من تكبيرة الإحرام و 1 من التسليم.

(3) الوسائل الباب 8 من قواطع الصلاة. والمسؤول كما في الفروع ج 1 ص 101 والتهذيب ج 1 ص 228 والوافي باب «الحديث ومقدماته والنوم في الصلاة» والوسائل هو أبو الحسن «ع».


قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يصيبه الغمز في بطنه وهو يستطيع ان يصبر عليه أيصلى على تلك الحال أو لا يصلى؟ فقال ان احتمل الصبر ولم يخف إعجالا عن الصلاة فليصل وليصبر».

وقد تقدمت هذه الرواية (1) وتقدمت روايات أخر في معناها ، والتقريب فيها ان الأمر بالصلاة والصبر الذي هو حقيقة في الوجوب ظاهر في تحريم القطع في الصورة المذكورة مع ما عرفت (2) من الروايات الدالة على كراهة الصلاة مع المدافعة وانه بمنزله من هو في ثيابه ، وإذا ثبت في هذه الصورة ثبت في ما سواها بطريق الاولى ، ولو كان القطع جائزا في حد ذاته لما أمر باحتمال الأذى ولربما تضرر به إلا ان يخاف سبق الحدث فإنه يجوز له القطع من حيث خوف خروجه.

ثم انه قد ذكر الأصحاب من غير خلاف يعرف انه يجوز قطع الصلاة لأشياء وعبر عنها بعض بالضرورة كقبض الغريم وحفظ النفس المحرمة من التلف والضرر وإنقاذ الغريق وقتل الحية التي يخافها على نفسه وإحراز المال ـ وربما قيد بما يضر ضياعه ـ وخوف ضرر الحدث مع إمساكه ، الى غير ذلك. والذي وقفت عليه من اخبار المسألة

ما رواه الصدوق في الصحيح عن حريز عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «إذا كنت في صلاة الفريضة فرأيت غلاما لك قد أبق أو غريما لك عليه مال أو حية تتخوفها على نفسك فاقطع الصلاة واتبع غلامك أو غريمك واقتل الحية». ورواه في الكافي عن حريز عن من أخبره عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) مثله (4).

وعن سماعة (5) قال : «سألته عن الرجل يكون قائما في الصلاة الفريضة فينسى كيسه أو متاعا يتخوف ضيعته أو هلاكه؟ قال يقطع صلاته ويحرز متاعه ثم يستقبل الصلاة. قلت فيكون في الصلاة الفريضة فتفلت عليه دابة أو تفلت دابته فيخاف ان تذهب

__________________

(1) ص 6 و 63.

(2) ص 61.

(3 و 4 و 5) الوسائل الباب 21 من قواطع الصلاة.


أو يصيب منها عنتا؟ فقال لا بأس بأن يقطع صلاته ويتحرز ويعود الى صلاته».

أقول : والحديث الأول وان دل على قطع الصلاة إلا انه غير صريح ولا ظاهر في الإعادة من رأس بعد الإتيان بتلك الأشياء بل من الجائز بناؤه على ما مضى إلا مع وقوع أحد المبطلات في البين من كلام عمدا أو استدبار أو نحو ذلك ، وكذا آخر الحديث الثاني وقوله فيه : «ويعود الى صلاته» بل هو ظاهر في البناء على ما مضى كما لا يخفى ، وعلى هذا يجب حمل صدر الخبر الثاني وقوله فيه «ثم يستقبل الصلاة» على ما إذا استلزم أحد المبطلات. وبالجملة فالخبران غير صريحين في ما ادعاه الأصحاب من إبطال الصلاة بهذه الأشياء إلا أن يدعى ان القطع إنما يطلق على الإبطال خاصة ولهذا سموا مبطلات الصلاة قواطع في عباراتهم. وهو غير بعيد إذ هو المتبادر من ظاهر هذا اللفظ.

وقسم الشهيدان القطع ههنا إلى الأقسام الخمسة ، فقال في الذكرى بعد حكمه أولا بتحريم القطع إلا في مواضع الضرورة : وقد يجب القطع كما في حفظ الصبي والمال المحترم من التلف وإنقاذ الغريق والمحترق ، وحيث يتعين عليه فلو استمر بطلت صلاته للنهى المفسد للعبادة ، وقد لا يجب بل يباح كقتل الحية التي لا يغلب على الظن أذاها وإحراز المال الذي لا يضر فوته ، وقد يستحب كالقطع لاستدراك الأذان والإقامة وقراءة الجمعة والمنافقين في الظهر والجمعة والائتمام بإمام الأصل وغيره ، وقد يكره كإحراز المال اليسير الذي لا يبالي بفوته مع احتمال التحريم. انتهى

أقول : ما ذكراه (قدس‌سرهما) في صورة وجوب القطع من الكم ببطلان الصلاة لو تعين عليه واستمر في صلاته مبنى على استلزام الأمر بالشي‌ء النهي عن ضده الخاص والظاهر منه في غير موضع من كتابه المذكور عدم القول بذلك ، وبالجملة فالحكم بالبطلان ضعيف بل غايته حصول الإثم.

واما ما ذكراه في صورتي الإباحة والكراهة فمحل إشكال ، لأن الدليل قد دل على تحريم القطع كما قدمنا بيانه ولا يجوز الخروج عنه إلا بدليل ظاهر الدلالة


على الجواز ، وظهور ما ادعوه من الخبرين المذكورين محل منع. وما ذكر من التمثيل بالحية التي لا يغلب على الظن أذاها وإحراز المال الذي لا يضر فوته لا دليل عليه ، والقطع للحية في الخبر الأول وقع مقيدا بخوفها على نفسه ، واما المال فان المفهوم من الروايتين كونه مما يعتد به ويضر بالحال فوته فيكون القطع في الموضعين داخلا تحت القطع الواجب.

وقد وافقنا في هذا الموضع السيد السند (قدس‌سره) في المدارك إلا انه يرجع الى موافقة الجماعة لعدم الدليل على تحريم القطع ، ونحوه الفاضل الخراساني (قدس‌سره) في الذخيرة ، قال في المدارك بعد نقل التقسيم إلى الأقسام الخمسة عن جده وعدها كما ذكره : ويمكن المناقشة في جواز القطع في بعض هذه الصور لانتفاء الدليل عليه إلا انه يمكن المصير اليه لما أشرنا إليه من انتفاء دليل التحريم. انتهى. وفيه انا قد أوضحنا بحمد الله دليل التحريم في المقام بما لا يتطرق اليه نقض ولا إبرام.

ثم انه قال في الذكرى : وإذا أراد القطع فالأجود التحلل بالتسليم. والظاهر ضعفه إذ المتبادر من الخبر انما هو بالنسبة إلى الصلاة التامة. والله العالم.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *