الحقائق ج1 - كتاب العتق
كتاب العتق
وهو بالفتح مصدر وبالكسر اسم للمصدر، وهما لغة الخلوص ومنه سمي البيت الشريف عتيقا والخيل الجياد عتاقا، وشرعا خلوص المملوك الآدمي أو بعضه من الرق بالنسبة إلى مطلق العتق وبالنسبة إلى المباشرة الذي هو مقصود الكتاب الذاتي تخلص الآدمي أو بعضه من الرق منجزا بصيغة مخصوصة، وهو مشتمل على مقاصد ومباحث:
المقصد الأول
في بيان فضله وشرفه وثمرته
وفضله ورجحانه، متفق عليه كتابا وسنة وإجماعا من جميع فرق الاسلام، وقد روت العامة والخاصة مستفيضا بل متواترا عنه صلى الله عليه واله وأنه قال: من أعتق مؤمنا أعتق الله بكل عضو عضوا له من النار. وقد اتفق أهل الاسلام على صحة هذه الرواية لكنها قد جاءت بعبارات مختلفة. أما ما جاء من طريقنا عن أئمتنا عليهم السلام فهي كثيرة بالغة حد التواتر المعنوي فمنها صحيحة معاوية بن عمار وحفص بن البختري (1) كما في التهذيب عن أبي عبد الله عليه السلام ” أنه قال في الرجل يعتق المملوكة، قال: يعتق الله عز وجل بكل عضو منه عضوا منه النار “.
(1) التهذيب ج 8 ص 216 ح 1، الوسائل ج 16 ص 2 ب 1 ح 1 وفيهما ” يعتق المملوك “.
[ 166 ]
وصحيحة الحلبي ومعاوية بن عمار وحفص بن البختري (1) كلهم عن أبي عبد الله عليه السلام نحوه. وصحيحة ربعي بن عبد الله عن زرارة (2) عن أبي جعفر عليه السلام ” قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله: من أعتق مسلما أعتق الله العزيز الجبار بكل عضو منه عضوا من النار “. وصحيحته الاخرى عن زرارة (3) أيضا عن جعفر عليه السلام مثله إلا أنه أسقط ” العزيز الجبار “. وخبر بشير النبال (4) ” قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: من أعتق نسمة صالحة لوجه الله كفر عنه مكان كل عضو منه عضوا من النار “. وموثقة سماعة (5) عن أبي جعفر عليه السلام ” قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله: من أعتق مسلما أعتق الله بكل عضوا منه عضوا من النار “. وخبر الحكم بن أبي نعيم (6) كما في أمالي محمد بن الحسن الطوسي ” قال: سمعت فاطمة بنت علي تحدث عن أبيها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه واله: من أعتق رقبة مؤمنة كان له بكل عضو فكاك عضو منه من النار “. وخبر محمد بن جمهور (7) المرسل عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث ” إن فاطمة بنت أسد قالت لرسول الله صلى الله عليه واله يوما: إني أريد أن أعتق جاريتي هذه، فقال لها: إن فعلت أعتق الله بكل عضو منها منك من النار “.
(1) الكافي ج 6 ص 180 ح 1، الوسائل ج 16 ص 2 ب 1 ح 1. (2) التهذيب ج 8 ص 216 ح 2، الوسائل ج 16 ص 3 ب 1 ح 2. (3) الكافي ج 6 ص 180 ح 2، الوسائل ج 16 ص 3 ب 1 ح 2. (4) الكافي ج 6 ص 180 ح 4، الوسائل ج 16 ص 4 ب 1 ح 4 وفيهما ” كفر الله عنه “. (5) ثواب الاعمال ص 166 ح 1، الوسائل ج 16 ص 4 ب 1 ح 7. (6) أمالى الطوسى ج 2 ص 4 طبع النجف الاشرف وفيه ” فاطمة بنت محمد “، الوسائل ج 16 ص 5 ب 1 ح 8. (7) الكافي ج 1 ص 453 ح 2، الوسائل ج 16 ص 4 ب 1 ح 5.
[ 167 ]
وروى الشيخ بإسناده عن إبراهيم بن أبي البلاد عن أبيه (1) مرسلا عن النبي صلى الله عليه واله ” أنه قال: من أعتق مؤمنا أعتق الله العزيز الجبار بكل عضو له عضوا منه من النار، فإن كانت انثى أعتق الله العزيز الجبار بكل عضوين منها عضوا من النار، لأن المرأة نصف الرجل “. فهذه جملة من ألفاظ الرواية المذكورة على اختلافهما طرقا ودلالة ومتونا ليس فيها اللفظ الذي ذكره المحقق في شرايعه سوى ما في خبر إبراهيم بن أبي البلاد لأنه قد نقلها بهذا اللفط وهو ” من أعتق مؤمنا أعتق الله بكل عضو عضوا له من النار ” وهي كما ترى لاتناسبها في اللفظ، والعبارة سوى تلك المرسلة وإن كان فيها زيادة ” العزيز الجبار ” فكأنه تصرف فيها نظر إلى المعنى في كل هذه الروايات. وخص المؤمن في كثير منها إما لأن المراد به الامامي وهو الاسلام بالمعنى الأخص، فتتوافق الأخبار المذكورة في الوصف المعلق عليه معنى، ولا حاجة إلى ما تكلفه ثاني الشهيدين من أن المراد به المسلم كما في صحيحة زرارة، أو حمل المطلق على المقيد كحمل لفظ المملوك في الرواية على المسلم والمؤمن ثم جواز بقاء كل واحد من الثلاثة على أصله لعدم وجوب التقييد لحصول الثواب المذكور على عتق كل مملوك مؤمن أو مسلم أو مطلقا ذكرا وانثى، واحتمل أن يخص ذلك بالذكر بقرينة تذكير اللفظ ولتقييده بمرسلة إبراهيم بن أبي البلاد إلا أن تقييد الصحيح بالمرسل لا يخلو من نظر. إلى هنا كلامه في مسالكه، وفي نظره نظر لأن إطلاق الصحيح الذي أبى تقييده بالمرسل لا يشمل إطلاقه الانثى لتعليقه على الذكر فيكون موافقا للمرسل. وروت العامة في صحاحها (2) عنه صلى الله عليه واله ” أنه قال: أيما رجل أعتق امرء
(1) التهذيب ج 8 ص 216 ح 3، الوسائل ج 16 ص 6 ب 3 ح 1، وفيهما ” بكل عضو منه عضوا من النار ” مع اختلاف يسير. (2) صحيح مسلم ج 10 ص 152 وفيه اختلاف يسير وليس فيه ” حتى الفرج بالفرج “.
[ 168 ]
مسلما استنقذ الله بكل عضو منه عضوا منه من النار حتى الفرج بالفرج “. وفي هذه الرواية التعليق على الاسلام كما في تلك الصحاح لكن يجب أن يحمل على الاسلام الخالص الذي هو الايمان، وفيها دلالة على كون المعتق رجلا لأن المرء مذكر المرأة فلا يتناول الانثى. وفي بعض ألفاظ رواياتهم (1) عنه صلى الله عليه واله ” من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار حتى فرجها بفرجه ” وهذه شاملة للذكر والانثى إلا أنها قابلة للتقييد بذلك المرسل. ومن الأخبار الدالة على فضيلته بغير هذه العبارة ما رواه في الصحيح الكليني عن معاوية بن وهب (2) عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث طويل ” ولقد أعتق علي ألف مملوك لوجه الله تربث فيهم يداه “. ومثله خبر زيد الشحام (3) عن أبي عبد الله عليه السلام كما في الكافي والمحاسن وثواب الأعمال ” أن أمير المؤمنين عليه السلام أعتق ألف مملوك من كد يده “. وفي المحاسن عن أبي عبد الله البجلي (4) عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: أربع من أتى بواحدة منهن دخل الجنة: من سقى هامة ظامئة أوأشبع كبدا جائعة أوكسى جلدة عارية أو أعتق رقبة عانبة “. وفي المحاسن عن محمد بن مروان (5) أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام أن أبا جعفر عليه السلام
(1) الجامع الصغير ص 165 وفيه ” من اعتق رقبة مسلمة – حتى فرجه بفرجه “. (2) الكافي ج 8 ص 145 ح 175 وفيه ” والله لقد أعتق ألف مملوك لوجه الله عز وجل دبرت فيهم يداه “، الوسائل ج 16 ص 3 ب 1 ح 3 وفيه ” دبرت “. (3) الكافي ج 5 ص 74 ح 4، المحاسن ص 624 ح 80، لم نعثر عليه في ثواب الاعمال، الوسائل ج 16 ص 4 ب 1 ح 6 (4) المحاسن ص 294 ح 456، الوسائل ج 16 ص 5 ب 1 ح 9 وفيه ” أبى عبد الله المحلى – رقبة عائية “. (5) المحاسن ص 624 ح 81، الوسائل ج 16 ص 5 ب 1 ح 10.
[ 169 ]
مات وترك ستين مملوكا فأعتق ثلثهم عند موته “. ويتأكد العتق في شهر رمضان سيما العشر الأواخر منه وعشية عرفة ويومها ففي خبر محمد بن عجلان (1) كما في كتاب الاقبال وكتاب المناقب لابن شهر اشوب ” قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: كان علي بن الحسين عليه السلام إذا دخل شهر رمضان لا يضرب عبدا له ولا أمة ” وساق الحديث وهو طويل إلى أن قال فيه: ” إنه كان يكتب جناياتهم في كل وقت ويعفو عنهم آخر ليلة من الشهر ثم يقول: اذهبوا فقد عفوت عنكم وأعتقت رقابكم، قال: وما من سنة إلا وكان يعتق فيها آخر ليلة من شهر رمضان ما بين عشرين ونيف إلى أقل أو أكثر، وكان يقول: إن لله في كل ليلة من شهر رمضان عند الافطار سبعين ألف ألف عتيق من النار كل قد استوجب النار، فإذا كان آخر ليلة من شهر رمضان أعتق فيها مثل ما أعتق في جميعه، وإني لأحب أن يراني الله قد أعتقت رقابا من ملكي في دار الدنيا رجاء أن يعتق رقبتي من النار، وما استخدم خادما فوق حول، وكان إذا ملك عبدا في أول السنة أو وسط السنة فإذا كان ليلة الفطر أعتق واستبدل سواهم في الحول الثاني ثم أعتق، كذلك كان يفعل حتى لحق بالله، ولقد كان يشتري السودان وما به إليهم من حاجة يأتي بهم عرفة فيسد بهم تلك الفرج والخلال، فإذا أفاض أمر بعتق رقابهم وأمر بجوائز لهم من المال “. وفي صحيحة الحلبي (2) عن أبي عبد الله عليه السلام كما في الفقيه ” قال: يستحب للرجل أن يتقرب في عشية عرفة بالعتق والصدقة “. وفي صحيحة معاوية بن عمار وحفص بن البختري (3) عن أبي عبد الله عليه السلام
(1) الاقبال ص 477، المناقب ج 4 ص 158 أورد قطعة من الرواية مع تفاوت يسير، بحار الانوار ج 46 ص 103 ح 93. (2) الفقيه ج 3 ص 66 ح 2، الوسائل ج 16 ص 6 ب 2 ح 1. (3) التهذيب ج 8 ص 216 ح 1، الوسائل ج 16 ص 6 ب 2 ح 2.
[ 170 ]
في حديث ” أنه قال: يستحب للرجل أن يتقرب عشية عرفة ويوم عرفة بالعتق والصدقة “. وفي صحيحة الحلبي ومعاوية بن عمار وحفص بن البختري (1) كما في الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام مثله. ومما يدل على فضيلة العتق أيضا جعل الله تعالى له لقتل المؤمن والوطء في رمضان وللاثم في مخالفة الله تعالى فيما عاهد عليه ونذره وحلف عليه، وقد جعله النبي صلى الله عليه واله موجبا للعتق من النار فقال صلى الله عليه واله في غير مرة: أيما رجل أعتق رجلا مسلما كان ذلك فكاكه من النار، ولأنه يخلص الآدمي المعصوم الدم من حرز الرق وتملك منافعه وبه تكمل أحكامه. ويدل على فضيلته أيضا من الكتاب قوله تعالى ” فلا اقتحم العقبة * وما أدرلك ما العقبة * فك رقبة * أو إطعام في يوم ذي مسغبة ” (2). وفي صحيحة معمر بن خلاد (3) ” قال: كان أبو الحسن الرضا عليه السلام إذا أكل أتى بصحفة فتوضع بقرب مائدته، فيعمد إلى أطيب الطعام مما يؤتى به، فيأخذ من كل شئ شيئا فيوضع في تلك الصحفة فيؤمر بها للمساكين، ثم يتلو هذه الآية ” فلا اقتحم العقبة ” ثم يقول: علم الله عز وجل أنه ليس كل إنسان يقدر على عتق رقبة فجعل لهم سبيلا إلى الجنة “. وفي خبر محمد بن عمر بن يزيد (4) ” قال: أخبرت أبا محمد الحسن عليه السلام أني اصبت بابنين وبقي لي ابن صغير، فقال: تصدق عنه، ثم قال حين حضر قيامي:
(1) الكافي ج 6 ص 180 ح 1، الوسائل ج 16 ص 6 ب 2 ح 2. (2) سورة البلد آية 11 – 14. (3) الكافي ج 4 ص 52 ح 12، الوسائل ج 6 ص 329 ب 48 ح 1 وفيهما ” فيضع – ثم يأمر بها “. (4) الكافي ج 4 ص 4 ح 10، الوسائل ج 6 ص 261 ب 4 ح 1 وفيهما ” وبقى لى بنى “.
[ 171 ]
مر الصبي فليتصدق بيده بالكسر ” ثم ساق الحديث إلى أن قال: ” فلا اقتحم العقبة * وما أدراك ما العقبة – إلى قوله – أو مسكينا ذامتربة، علم الله عز وجل أن كل أحد لا يقدر على فك رقبة، فجعل إطعام اليتيم والمسكين مثل ذلك تصدق عنه “. والمراد بالعقبة في الآية كما رواه ابن شهر اشوب من طريق العامة عن أنس (1) ” قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله في قوله تعالى ” فلا اقتحم العقبة “: أن العقبة فوق الصراط عقبة كؤودا طولها ثلاثة آلاف عام، ألف عام هبوط وألف عام شوك وحسك وعقارب وحيات وألف عام صعود، أنا أول من يقطع تلك العقبة وثاني من يقطع تلك العقبة علي بن أبي طالب عليه السلام ” وقال بعد كلام طويل: لا يقطعها في غير مشقة إلا محمد وأهل بيته “.
المقصد الثاني
فيما يتحقق به الرق
المترتب عليه الملك المترتب عليه العتق يختص الرق بالحربي وإن كان كتابيا لم يقم بشرائط الذمة، ثم يسري الرق في عقبه وإن أسلموا حتى يعرض المحرر لهم من ملك أو عتق أو تدبير أو كتابه أو استيلاد أو جذام أو عمى أو برص عند ابن حمزة، أو إقعاد أو تنكيل في المشهور خلافا لابن إدريس فيه أو لارث أو إسلام العبد قبل مولاه في دار الحرب وخروجه قبله أو كون أحد الأبوين حرا إلا أن يشترط عليه الرق فيصح عند الأكثر، وسيجئ تفاصيل هذه الأسباب والكلام على أحكامها مفصلة الدليل والفتوى عند الأصحاب، فيشتمل هذا المقصد على مسائل:
الاولى: في تحقيق ما يختص به الرق وإن كان كتابيا على الأشهر، وقد اتفقت كلمة الأصحاب على اختصاص الرق لأهل الحرب وهو من يجوز قتالهم ومحاربتهم إلى أن يسلموا، سواء انحصرت الغاية في إسلامهم كمن عدا اليهود
(1) المناقب ج 2 ص 155 طبع قم وفيه ” إن فوق الصراط عقبة “.
[ 172 ]
والنصارى والمجوس من فرق الكفار أم كان الاسلام أحد الغايتين كالفرق الثلاث فإنهم يقاتلون إلى أن يسلموا أو يلتزموا بشرائط الذمة من الجزية وغيرها. وقد أفصحت عبارة المحقق في شرايعه وكذلك العلامة في قواعده بأن هذه الفرق الثلاث إذا أخلوا بشرائط الذمة دخلوا في قسم أهل الحرب، وتدل عليه صحيحة زرارة الآتي ذكرها، وربما أطلق كثير من الفقهاء أهل الحرب على القسم الأول خاصة وإن جاز قتال الثاني في الجملة. والوجه في هذا أن التسمية منتفية عنهم ماداموا قائمين على شرائط الذمة وإن كان في الأصل مشاركين للحربيين في الكفر وجواز القتال، إلا أن لهم عن الاسلام بدلا وهو القيام بشرائط الذمة بخلاف الحربي المحض، فمن هنا أخرجوا عن إطلاق الحربي عليهم. وعلى الاعتبارين فالمراد بأهل الحرب بالنسبة إلى هذا الحكم وهو جواز استرقاقهم معناه الأعم للاتفاق على جواز استرقاق من عدا الفرق الثلاث الملتزمين بشرائط الذمة، ولافرق في جواز استرقاقهم بين أن ينصب الحرب للمسلمين ويستقل بأمرهم أو يكونون تحت حكم الاسلام وقهره كمن بين المسلمين من عبدة الأوثان والنيران والغلاة وغيرهم، إلا أن يكونوا مهادنين للمسلمين بشرائطها المقررة في كتاب الجهاد، فيجب حينئذ الكف عنهم. وتدل على هذا الحكم صحيحة رفاعة (1) ” قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام: إن الروم يغيرون على الصقالبة فيسرقون أولادهم من الجواري والغلمان فيعمدون إلى الغلمان فيخصونهم ثم يبعثون بهم إلى بغداد إلى التجار، فما ترى في شرائهم ونحن نعلم أنهم قد سرقوا وإنما أغاروا عليهم من غير حرب كانت بينهم ؟ فقال: لا بأس بشرائهم، إنما أخرجوهم من الكفر إلى دار الاسلام “.
(1) الكافي ج 5 ص 210 ح 9، الوسائل ج 13 ص 27 ح 1 وفيهما ” من الشرك الى دار الاسلام “.
[ 173 ]
وصحيحته الاخرى (1) كما في التهذيب أيضا عن أبي الحسن عليه السلام مثله. وموثقة إبراهيم بن عبد الحميد (2) عن أبي الحسن عليه السلام ” في شراء الروميات فقال: اشرتهن وبعهن “. وخبر زكريا بن آدم (3) ” قال: سألت الرضا عليه السلام عن قوم من العدو ” إلى أن قال: ” وسألته عن سبي الديلم يسرق بعضهم من بعض ويغير المسلمون عليهم بلا إمام، أيحل شراؤهم ؟ قال: إذا أقروا لهم بالعبودية فلا بأس بشرائهم “. وكذلك يجوز شراؤهم من آبائهم وامهاتهم فيملكون بذلك لخبر عبد الله اللحام (4) الموثق ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل يشتري من رجل من أهل الشرك ابنته فيتخذها، قال: لا بأس “. وخبر الآخر (5) ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يشتري امرأة رجل من أهل الشرك يتخذها، قال: لا بأس “. وفي خبره الثالث (6) الذي يقرب من الموثق عن أبي عبد الله عليه السلام مثله. فأما ما رواه الشيخ والكليني عن زكريا بن آدم (7) ” قال: سألت الرضا عليه السلام عن قوم من العدو ” إلى أن قال: ” وسألته عن أهل الذمة أصابهم جوع فأتاه
(1) التهذيب ج 6 ص 162 ح 6، الوسائل ج 13 ص 27 ب 2 ح 1 وفيهما ” من الشرك الى دار الاسلام “. (2) الكافي ج 5 ص 210 ح 6، الوسائل ج 13 ص 27 ب 2 ح 2. (3) الكافي ج 5 ص 210 ح 8، الوسائل ج 13 ص 27 ب 2 ح 3. (4) التهذيب ج 7 ص 77 ح 44، الوسائل ج 13 ص 28 ب 3 ح 2. (5) التهذيب ج 7 ص 77 ح 43 وفيه ” يتخذها ام ولد “، الوسائل ج 13 ص 28 ب 3 ح 3. (6) التهذيب ج 8 ص 200 ح 8، الوسائل ج 13 ص 28 ب 3 ح 3. (7) الكافي ج 5 ص 210 ح 8، التهذيب ج 7 ص 77 ح 45 وفيهما اختلاف يسير، الوسائل ج 13 ص 28 ب 3 ح 1.
[ 174 ]
رجل بولده فقال: هذا لك أطعمه وهو لك عبد، فقال: لاتبتع حرا فإنه لا يصلح لك ولا من أهل الذمة “. ومثلها روايته الاخرى، فيجب حملها على ما لو كانوا قائمين بشرائط الذمة حيث إنهم بمنزلة الأحرار، وإليه يرشد قوله عليه السلام ” لاتبتع حرا “. وكذا كل من استرق عن أهل الذمة ولم يقم بشرائطها، لما عرفت من أنهم في تلك الحال حربيون لا ذمة لهم وإن كان المسترق لهم ناصبيا أو باغيا. ففي صحيحة العيص بن القاسم (1) كما في التهذيب ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قوم مجوس خرجوا على اناس من المسلمين في أرض الاسلام، هل يحل قتالهم ؟ قال: نعم وسبيهم “. وصحيحة البزنطي عن محمد بن عبد الله (2) ” قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن قوم خرجوا وقتلوا اناسا من المسلمين وهدموا المساجد، وأن المتولي هارون بعث إليهم فاخذوا وقتلوا وسبى النساء والصبيان، هل يستقيم شراء شئ منهن ويطأهن أم لا ؟ قال: لا بأس بشراء متاعهم وسبيهن “. وخبر زكريا بن آدم (3) ” قال: سألت الرضا عليه السلام عن قوم من العدو صالحوا ثم خفروا، لعلهم إنما خفروا لأنهم لم يعدل عليهم، أيصلح أن يشتري من سبيهم ؟ قال: إن كان من عدو قد استبان عداوتهم فاشتر منهم، وإن كان قد خفروا وظلموا فلا يبتاع من سبيهم “. وفي خبر إسماعيل بن الفضل (4) ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن سبي الأكراد
(1) التهذيب ج 6 ص 161 ح 3، الوسائل ج 11 ص 99 ب 50 ح 3. (2) التهذيب ج 6 ص 161 ح 4 وفيه ” وأن المستوفى “، الوسائل ج 11 ص 99 ب 50 ح 4 وفيهما ” متاعهن “. (3) التهذيب ج 7 ص 76 ح 41 وفيه ” لانه لم يعدل عليهم “، الوسائل ج 13 ص 28 ب 3 ح 1. (4) التهذيب ج 6 ص 161 ح 1، الوسائل ج 11 ص 99 ب 5 ح 1 وفيهما ” ومن حارب من المشركين “
[ 175 ]
إذا حاربوا من حارب من المشركين، هل يحل نكاحهم وشراؤهم ؟ قال: نعم “. وخبر عمران (1) ” قال: سألته عن سبي الديلم وهم يسرقون بعضهم من بعض ويغير عليهم المسلمون بلا إمام، هل يحل نكاحهم وشراؤهم ؟ قال: نعم “. وفي صحيحة زرارة (2) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال: إن رسول الله صلى الله عليه واله قبل الجزية من أهل الذمة على أن لا يأكلوا الربا ولا يأكلوا لحم الخنزير ولا ينكحوا الأخوات ولا بنات الأخ ولا بنات الاخت، فمن فعل ذلك منهم برئت منه ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه واله قال: وليست لهم اليوم ذمة “. أما مماليك أهل الذمة فلا كلام في جواز ملكيتهم إذا أقروا لهم بالعبودية وكذا ممالك أهل الحرب. ففي موثقة عبد الرحمن بن أبي عبد الله (3) ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رقيق أهل الذمة أشتري منهم شيئا ؟ فقال: اشتروا إذا أقروا لهم بالرق “. وموثقة زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام مثله، وصحيحته (4) كما في التهذيب عن أبي عبد الله عليه السلام مثله. وخبر إسماعيل بن الفضل (5) ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن شراء مملوك أهل الذمة ؟ قال: إذا أقروا لهم بذلك فاشتر وانكح “. وصحيحته (6) كما في الفقيه مثله. وموثقته (7) كما في التهذيب عن أبي عبد الله عليه السلام مثله.
(1) التهذيب ج 6 ص 161 ح 2 ” وهم يسرق “، الوسائل ج 11 ص 99 ب 50 ح 2 وفيهما ” عن المرزبان بن عمران ” وكذلك ” أيحل شراؤهم ؟ فكتب: إذا أقروا بالعبودية فلا بأس بشرائهم “. (2) التهذيب ج 6 ص 158 ح 1، الوسائل ج 11 ص 95 ب 48 ح 1. (3) التهذيب ج 7 ص 70 ح 14، الوسائل ج 13 ص 26 ب 1 ح 1 وفيهما ” فقال: اشتراذا “. (4) التهذيب ج 7 ص 70 ح 15. (5 و 6 و 7) الكافي ج 5 ص 210 ح 7 وفيه ” مملوكي “، الفقيه ج 3 ح 139 ح 48، التهذيب ج 7 ص 70 ح 13، الوسائل ج 13 ص 26 ب 1 ح 1.
[ 176 ]
وكذا كل من أقر على نفسه بالرق مع جهالة حريته حكم برقة، ويعتبر في نفوذ إقراره كونه بالغا عاقلا كما هو المعتبر في قبول الاقرار مطلقا، وهل يعتبر مع ذلك رشده ؟ الأكثر ومنهم المحقق على عدم اعتباره لأن السفه إنما يمنع مع التصرف المالي، والاقرار بالرقية ليس إقرارا بمال لأنه قبل الاقرار محكوم بحريته ظاهرا، فيكون إقراره مسموعا. ولصحيحة عبد الله بن سنان (1) ” قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: الناس كلهم أحرار إلا من أقر على نفسه بالعبودية ” وهو مدرك من عبد أو أمة، فاعتبر البلوغ ولم يعتبر الرشد. وربما قيل باعتبار الرشد، لأن إقراره وان لم يتعلق بالمال ابتداء لكنه قد كشف عن كونه مالا قبل الاقرار فإنه إخبار عن حق سابق عليه لا إنشاء من حينه، ولامكان أن يكون بيده مال، فإن إقراره على نفسه يستتبع ماله فيكون إقرارا بمال محض ولو بالتبعية. ورد الأول بأن ذلك لو منع قبول الاقرار لأدى إلى قبوله لأنه إذا لم يقبل بقي على أصل الحرية فينفذ إقراره فيصير مالا فيرد حرا وذلك دور، والمال جاز دخوله تبعا وإن لم يقبل الاقرار به مستقلا، كما لو استلحق واجب النفقة، فقد قيل إنه ينفق عليه من ماله نظرا إلى كونه تابعا لا بالأصالة أو يقال يصح في الرقية دون المال لوجود المانع فيه دونها كما سمع في الاقرار بالزوجة دون المهر، وحيث يقبل إقراره لا يقبل رجوعه عن إقراره بعد ذلك لأنه يفضي إلى تكذيب كلامه السابق ودفع ما ثبت عليه بغير موجب. وكذا لو أقام بينة لم تسمع لتكذيبه لها بإقراره السابق إلا أن يذكر لاقراره تأويلا يندفع به التناقض فيقول القبول، كما لو قال: لا أعلم بكوني قد تولدت بعد حرية أحد الأبوين فجرى إقراري على الظاهر حينئذ ثم انكشف لي سبق العتق على الاقرار ببينة
(1) الكافي ج 6 ص 195 ح 5، الوسائل ج 16 ص 39 ب 29 ح 1 وفيهما ” سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: كان على بن أبى طالب عليه السلام يقول: “.
[ 177 ]
أو شياع مفيد للعلم بذلك. ولو أنكر له رقيته بقى على الرقية المجهولة ويتجه حينئذ جواز رجوعه لأنه مال لا يدعيه أحد، وإقراره السابق قد سقط اعتباره برد المقر له، فإذا لم يصر حرا بذلك لا أقل من سماع دعواه الحرية بعد ذلك. ووجه عدم قبول الاقرار الثاني مطلقا استلزام كونه رقا، وإقرار العقلاء على أنفسهم جائز وتكذيب المقر له لا يرفع الاقرار في نفس الأمر وإنما ينتفي عنه ظاهرا، ومتى صار رقا بإقراره لا ينفذ إقراره بعد ذلك لأنه حينئذ ممنوع من التصرف المترتب على الحرية، ولو لم يكن قد عين المقر له ابتداء ثم رجع وأظهر تأويلا محتملا فأولى بالقبول، وفي حكم الاقرار الشهادة عليه بالرق صغيرا كان أو كبيرا كما تضمنته صحيحة عبد الله بن سنان (1) المتقدمة المسند حكمهما إلى علي عليه السلام أو لأبي عبد الله عليه السلام بغير واسطة إلى علي ابتداء كما في الفقيه حيث قال فيها بعد قوله من عبد أو أمة ” ومن شهد عليه بالرق صغيرا كان أو كبيرا ” ولا يسمع دعواه الحرية بعد ثبوت العبودية علية بأي طريق كان إلا بالبينة بل يؤخذ بكلامه السابق. ففي صحيحة العيص بن القاسم (2) كما في التهذيب والفقيه عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: سألته عن مملوك ادعى أنه حر ولم يأت ببينة على ذلك، أشتريه ؟ قال: نعم “. وقد جاءت أخبار كثيرة في الاقرار وأنه يؤخذ به مثل خبر محمد بن الفضل الهاشمي (3) ” قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل حر أقر بأنه عبد، فقال أبو
(1) الفقيه ج 3 ص 84 ح 1 وفيه ” عليه شاهدان “، الوسائل ج 16 ص 39 ب 29 ح 1. (2) الفقيه ج 3 ص 140 ح 55، التهذيب ج 7 ص 74 ح 31، الوسائل ج 16 ص 39 ب 29 ح 4. (3) التهذيب ج 8 ص 235 ح 80، الوسائل ج 16 ص 39 ب 29 ح 3 وفيهما اختلاف يسير.
[ 178 ]
عبد الله عليه السلام: تأخذه بما قال أو يؤدي المال “. وخبر الفضل (1) ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل حر أقر بأنه عبد قال: يؤخذ بما أقر به “. ورواه الصدوق (2) في الموثق نحوه إلا أنه أسقط لفظ ” حر ” وقال: ” أو يرد المال “. وخبر إسماعيل بن الفضل (3) الموثق أيضا ” قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: حر أقر على نفسه بالعبودية، أستعبده على ذلك ؟ قال: هو عبد إذا أقر على نفسه “.
الثانية: لما ثبت أن الحربي فئ في الحقيقة للمسلمين جاز تملكه للمسلم مطلقا، وجاز التوصل إليه بأي سبب من الأسباب ومنها شراؤه ممن يبيعه سواء كان البائع أبا أو زوجا أم غير هما من الأرحام، وليس هذا في الحقيقة بيعا حقيقيا إذ ليس هو ملكا له وإنما هو وسيلة إلى وصول المسلم إلى حقه، فلا تلحقه أحكام البيع ولا تشترط فيه شرائطه، و إنما السبب المملك له القهر والاستيلاء. وفي الدروس جوز للمسلم الرد بالعيب وأخذ الأرش نظرا إلى أنه وإن لم يكن بيعا حقيقيا لكنه إنما بدل العوض في مقابلته صحيحا. ويشكل بأن الأرش عوض الجزء الفائت في المبيع ولا مبيع هنا، وبأنه قد ملكه بالاستيلاء فكيف يبطله مجرد الرد، وليس من الأسباب الناقلة للملك شرعا في غير البيع الحقيقي وربما دفع هذا الاشكال بأن قدوم الحربي على البيع التزامه، ومن جملة تلك اللوازم الرد بالعيب أو أخذ أرشه فرده عليه ينزل منزلة الاعراض عن المال، والثمن غايته أن يكون قد صار ملكا للحربي، والتوصل إلى أخذه جائز بكل (1) التهذيب ج 8 ص 235 ح 79، الوسائل ج 16 ص 39 ب 29 ح 2. (2) الفقيه ج 3 ص 84 ح 2، الوسائل ج 16 ص 39 ب 29 ح 3. (3) التهذيب ج 7 ص 237 ح 57، الوسائل ج 16 ص 40 ب 29 ح 5 وفيهما اختلاف يسير.
[ 179 ]
سبب، وهذا منه بل أولى بأنه مقتضى حكم البيع. وهذا كله إذا لم يكن مال الحربي معصوما، فإن دخل إلى دار الاسلام بأمان فلا يحل أخذ ماله بغير سبب مبيح له شرعا، وحينئذ يتجه صحة البيع ولزوم أحكامه التي من جملتها رده معيبا وأخذ أرشه.
الثالثة: قد عرفت مما سبق من الأخبار والفتوى أنه يستوي في ذلك سبي المؤمنين وأهل الضلال، والمراد بأهل الضلال ما يشمل المسلمين منهم والكافرين، فلو سبى كافر مثله ملكه وجاز شراءه منه كما جاء في أخبار اللحام وغيره، وقد جاء في عدة من الأخبار الواردة في غنيمة أهل الحرب بأن ما في أيديهم من العبيد تغنم كأموالهم إلا ما ثبت بعد ذلك أنه مما غنموه من مال المسلمين وكانوا معروفين، أو ما استرقوه من أنفس المسلمين فإنهم يرجعون إلى الحرية وترجع أموالهم المغتنمة منهم. ففي مرسلة هشام بن سالم (1) عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام ” في السبي يأخذه العدو من المسلمين من الأولاد المسلمين أو من مماليكهم فيحوزونهم، ثم إن المسلمين بعد قاتلوهم فظفروا بهم فسبوهم وأخذوا منهم ما أخذوا من مماليك المسلمين وأولادهم الذين كانوا أخذوهم من المسلمين، فكيف يصنع فيما أخذوه من أولاد المسلمين ومماليكهم ؟ قال: فقال: أما أولاد المسلمين فلا يقام في سهام المسلمين ولكن يرد إلى أبيه أو أخيه أو إلي وليه بشهود، وأما المماليك فإنهم يقومون في سهام المسلمين فيباعون ويعطى مواليهم قيمة أثمانهم من بيت مال المسلمين “. وفي صحيحته (2) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: سأله رجل عن الترك يغيرون
(1) الكافي ج 5 ص 42 ح 1، الوسائل ج 11 ص 73 ب 35 ح 1 وفيهما اختلاف يسير. (2) التهذيب ج 6 ص 159 ح 2، الوسائل ج 11 ص 74 ب 35 ح 3.
[ 180 ]
على المسلمين فيأخذون أولادهم فيسرقون منهم، أيرد عليهم ؟ قال: نعم المسلم أخو المسلم، والمسلم أحق بماله أينما وجده “. وفي صحيحة الحلبي (1) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: سألته عن رجل لقيه العدو فأصابوا منه مالا أو متاعا ثم إن المسلمين أصابوا ذلك، كيف يصنع بمتاع الرجل ؟ فقال: إن كانوا أصابوه قبل أن يحوزوا متاع الرجل رد عليه، وإن كانوا أصابوه بعد ما أحرزوه فهو فئ للمسلمين وهو أحق بالشفعة “. وفي مرسلة جميل (2) عن أبي عبد الله عليه السلام ” في رجل كان له عبد فادخل دار الشرك ثم اخذ سبيا إلى دار الاسلام، قال: إن وقع عليه قبل القسمة فهو له، وإن جرى عليه القسمة فهو أحق بالثمن “. وهذه الأخبار بعد رد مطلقها إلى مفصلها يحكم للمسلمين بعين أموالهم قبل أن تقسم الغنيمة بين المسلمين وبعدها يرد عليهم القيمة لكي لا تنقض القسمة، بل يجوز أن يقال يرد عليهم على كل حال ويرجع المشتري على الامام بثمن ذلك. لصحيحة علي بن رئاب (4) عن طربال عن أبي جعفر عليه السلام ” قال: سأل عن رجل كانت له جارية فغار عليه المشركون فأخذوها منه، ثم إن المسلمين بعد غزوهم أخذوها فيما غنموا منهم، فقال: إن كانت في الغنائم وأقام البينة أن المشركين غاروا عليهم وأخذوها منه ردت عليه، وإن كان قد اشتريت وخرجت من المغنم فأصابها ردت عليه برمتها واعطي الذي اشتراها الثمن من المغنم من جميعه، فقيل له: فإن لم يصبها حتى تفرق الناس واقتسموا جميع الغنائم فأصابها بعد ؟ قال: يأخذها
(1) التهذيب ج 6 ص 160 ح 3، الوسائل ج 11 ص 74 ب 35 ح 2. (2) التهذيب ج 6 ص 160 ح 4 وفيه ” القسم ” في الموردين، الوسائل ج 11 ص 47 ب 35 ح 4 وفيه ” وان جرى عليه القسم “. (3) التهذيب ج 6 ص 160 ح 5، الوسائل ج 11 ص 75 ب 35 ح 5 وفيهما اختلاف.
[ 181 ]
من الذي في يده، فإذا أقام البينة فيرجع الذي هي في يده إذا أقام البينة على أمير الجيش بالثمن “. وبالجملة: أن ما في أيديهم من ملك سواء كان بسبيهم أو بشرائهم فلا كلام في جواز شرائه منهم كما جاز شراء ولدهم وأزواجهم، وكذا لو كان الكافر ذميا أو مسلما مبدعا فلا إشكال في تملكه، وقد أباحت الأئمة عليهم السلام – كما سمعت من الأخبار – شراء ذلك منهم وكذا غير ذلك من ضروب التملكات وإن كانت جميعها للامام أو بعضها من غير اشتراط إخراج الحصة المذكورة، وقد تقدم الكلام على ذلك في مباحث الخمس، وأنهم قد حللوه لشيعتهم لتطيب ولادتهم.
الرابعة: إن الملتقط من دار الحرب مما يجوز استرقاقه تبعا للدار إذا لم يكن فيها مسلم أو مسالم كما تقدم في أحكام اللقطة، لأنه يحكم بكونه رقا بمجرد وجوده في دار الحرب لأنه لا يقصر عن كونه من جملة ذراريهم وهم لا يملكون إلا بالتملك، وإنما يجوز استرقاق اللقيط في دار الحرب عند نية التملك. وأما ما ورد في عدة الأخبار مثل موثقة زرارة (1) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: اللقيط لا يشترى ولا يباع “. ومثل صحيحة عبد الرحمن العرزمي (2) عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عليه السلام ” قال: المنبوذ حر فإذا كبر فإن شاء توالى الذي لقطه وإلا فليرد عليه النفقة وليذهب فليوال من شاء “. وصحيحة البزنطي (3) ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن اللقطة، فقال: لاتباع
(1) الكافي ج 5 ص 224 ح 1، الوسائل ج 17 ص 371 ب 22 ح 1. (2) الكافي ج 5 ص 225 ح 3 وفيه ” تولى “، الوسائل ج 17 ص 371 ب 22 ح 3 وفيهما ” الى الذى التقطه “. (3) الكافي ج 5 ص 225 ح 4، الوسائل ج 17 ص 372 ب 22 ح 4 وفيهما ” عن اللقطية “.
[ 182 ]
ولا تشترى ولكن نستخدمها بما أنفقت عليها “. وصحيحة محمد بن مسلم (1) ” قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن اللقيط، فقال، حر لا يباع ولا يوهب “. إلى غير ذلك من الأخبار الجارية في هذا المضمار، مما دل على أن اللقيط حر لا يحل تملكه، فيجب أن تحمل على لقطة بلاد الاسلام أو بلاد الكفر الذي فيها مسلم أو مسالم جمعا بين الأدلة.
المقصد الثالث
في الأسباب الموجبة للعتق
وبيان شرائطها وتفاصيل تلك الأسباب وقد عرفت فيما سبق على سبيل الاجماع عدد تلك الأسباب، وقد ذكر حكم بعضها في أحكام النكاح والأولاد وبعضها في الوصايا، وسيجئ بعضها في الارث وبعضها قد تقدم في البيوع في حكم بيع الحيوان، ولنذكر الآن بقية الأسباب على سبيل التفصيل وهو يستدعي مسائل:
الاولى: في سبب المباشرة وهو الاعتاق بالصيغة، ولا بد له من صيغ الايقاع وعبارته الصريحة التحرير وهو ما اتفق عليه في النصوص والفتوى كأن يقول حررتك أو أنت حرة أو أنت حر لوجه الله. ولقد استعملت هذه اللفظة في قوله تعالى في آيات الكفارات القرآنية المشتملة على العتق كالأيمان والظهار والقتل حيث قال فيها ” فتحرير رقبة ” (2) وقد اتفقوا أيضا على عدم وقوعه بالكنايات المحتملة له ولغيره وإن قصده بها كفككت رقبتك أو أنت سائبة ولا سبيل لي عليك، وإن كان القرآن أتى ببعضها كآية فك رقبة أو إطعام، فإن الاستعمال أعم من الصريح بل من الحقيقة. كما استعمل الطلاق بمعنى التسريح والفراق ولم يستعملا في الطلاق بالاتفاق
(1) الكافي ج 5 ص 225 ح 5، الوسائل ج 17 ص 372 ب 22 ح 5. (2) سورة النساء – اية 92.
[ 183 ]
وهو قوله تعالى ” أو تسريح بإحسان ” (1) وقد أشارت الأخبار في تفسيرها أن المراد بها الطلقة الثالثة، ومثل قوله ” أو فارقوهن بمعروف ” (2) فإن المراد به الطلاق وقد اختلفوا في لفظ الاعتاق كأعتقتك وأنت معتق أو عتيق للشك في كونه صريحا به أو كناية، والأصح القطع بوقوعه به لدلالته عليه لغة وعرفا وشرعا، بل استعماله فيه أكثر من التحرير. كما لا يخفى على من اطلع على عبارات الفقهاء وكلام النبي والأئمة النجباء عليهم السلام وصيغهم ومحاوراتهم ووصاياهم ومواضع مواريثهم، كما هو غير خفي على من تأمل الأخبار الواردة في حكم من تزوج بمملوكته وجعل عتقها صداقها مثل صحيحة علي بن جعفر (3) عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام ” قال: سألته عن رجل قال لأمتة: أعتقتك وجعلت عتقك مهرك، فقال: عتقت وهي بالخيار إن شاءت تزوجته وإن شاءت فلا “. ومثلها خبر محمد بن آدم (4) عن الرضا عليه السلام ” في الرجل يقول لجاريته: أعتقتك وجعلت صداقك عتقك، قال: جاز العتق والأمر إليها إن شاءت زوجته نفسها وإن شاءت لم تفعل “. وصحيحة عبيد بن زرارة (5) ” أنه سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول: إذا قال الرجل لأمته: أعتقك وأتزوجك وأجعل مهرك عتقك وهو جائز “. وصحيحة الحلبي (6) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: سألته عن الرجل يعتق الأمة ويقول مهرك عتقك، فقال: حسن “.
(1) سورة البقرة – آية 229. (2) سورة الطلاق – آية 2. (3) التهذيب ج 8 ص 201 ح 16، الوسائل ج 14 ص 510 ب 12 ح 1. (4) التهذيب ج 8 ص 201 ح 15، الوسائل ج 14 ص 511 ب 12 ح 2. (5) الكافي ج 5 ص 476 ح 3، الوسائل ج 14 ص 509 ب 11 ح 1. (6) الكافي ج 5 ص 475 ح 1، الوسائل ج 14 ص 509 ب 11 ح 3.
[ 184 ]
وموثقة عبيد بن زرارة (1) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: قلت له: رجل قال لجاريته: أعتقك وجعلت مهرك عتقك، قال: فقال: جائز “. والأخبار بهذا المعنى بالغة حد التواتر المعنوي. وفي صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله (2) كما في الفقيه ” أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام في رجل قال لغلامه: أعتقك أن ازوجك جاريتي هذه فإن نكحت لزوجه عليها فعليك مائة دينار فأعتقه على ذلك فنكح أو تسرى، يجوز شرطه ؟ قال: يجوز عليه شرطه “. ومثلها صحيحة محمد بن مسلم (3) عن أحد هما عليهما السلام ” في الرجل يقول لعبده: أعتقتك أن ازوجك ابنتي، فإن تزوجت عليها أو تسريت فعليك مائة دينار، فأعتقه على ذلك فتسرى أو تزوج، قال: عليه شرطه “. وفي كتب العتق المروية عنهم التي يستحب أن تكتب للعبد المحرر كصحيحة إبراهيم بن أبي البلاد (4) ” قال: قرأت عتق أبي عبد الله عليه السلام فإذا هو: هذا ما أعتق جعفر بن محمد أعتق فلانا غلامه لوجه الله ” إلى آخره كما سيجئ. وصحيحة عبد الله بن سنان (5) عن غلام أعتقه أبو عبد الله عليه السلام ” هذا ما أعتق جعفر بن محمد، أعتق غلامه السندي على أنه يشهد أن لا إله إلا الله ” وساق الكتاب
(1) التهذيب ج 8 ص 201 ح 13، الوسائل ج 14 ص 510 ب 11 ح 6. (2) الفقه ج 3 ص 69 ح 15، الوسائل ج 16 ص 17 ب 12 ح 1 وفيهما هكذا ” سأله عبد الرحمن بن أبى عبد الله عن رجل قال لغلامه: أعتقك على أن ازوجك جاريتي هذه فان نكحت عليها أو تسريت فعليك مائة دينار فأعتقه على ذلك فنكح أو تسرى، أعليه مائة دينار ويجوز شرطه ؟ قال: يجوز عليه شرطه “. (3) الكافي ج 6 ص 179 ح 4، الوسائل ج 16 ص 18 ب 12 ح 4 وفيهما اختلاف يسير. (4) الكافي ج 6 ص 181 ح 2، الوسائل ج 16 ص 10 ب 6 ح 1. (5) الكافي ج 6 ص 181 ح 1 وفيه ” محمد بن سنان “، الوسائل ج 16 ص 10 ب 6 ح 2 وفيهما ” غلامه السندي فلانا “.
[ 185 ]
إلى أن قال: ” أعتقه لوجه الله “. وكذلك أخبار الشرائط المصححة للعتق مثل صحيحة منصور بن حازم (1) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله: لاطلاق قبل نكاح ولاعتق قبل ملك “. وقد جاء هذا اللفظ بعد أخبار يطول المقام بذكرها. وكذلك الأخبار الواردة عنهم عليهم السلام في اشتراط نية التقرب في العتق مثل قوله في المستفيض ” لاعتق إلا ما اريد به وجه الله ” فقد رواه هشام بن سالم ومعاوية ابن عمار وابن اذينة وابن بكير (2) وغير واحد عن أبي عبد الله عليه السلام. وكذا أخبار الوصية وأخبار عتق السراية. وبالجملة: أن من تتبع أخبار العتق وأحكامها وبيان شرائطها وصيغها لم يقف على ما دل على لفظ التحرير من الصيغ والاستعمال إلا نوادر من المواضع أكثرها في النذور هي مثل أن يقول وينذر عتق أول مملوك يملكه كما جاءت به صحيحة الحلبي (3) عن أبي عبد الله عليه السلام ” في رجل قال: أول مملوك أملكه فهو حر، فورث سبعة جميعا، قال: يقرع بينهم “. ومثلها خبر عبد الله بن سليمان (4) وخبر الصيقل (5). وبالجملة: فالاتيان على المواضع التي جاءت بلفظ العتق مما يلحق بالمستحيل وعلى هذا فيضعف قول من ذهب إلى المنع أو تردد في ذلك كما وقع للمحقق في الشرايع، فإنه تردد أولا في الاجتزاء بها ثم قطع بالعدم، وهو كما ترى رد للأخبار التي بلغت حد الاستفاضة بل التواتر المعنوي، وقد فسر العلامة الصيغة
(1) الكافي ج 6 ص 179 ح 1، الوسائل ج 16 ص 8 ب 5 ح 1. (2) الكافي ج 6 ص 178 ح 1، الوسائل ج 16 ص 7 ب 4 ح 1. (3) التهذيب ج 8 ص 225 ح 44، الوسائل ج 16 ص 69 ب 57 ح 1. (4) التهذيب ج 8 ص 225 ح 43، الوسائل ج 16 ص 70 ب 57 ح 2. (5) التهذيب ج 8 ص 226 ح 45، الوسائل ج 16 ص 70 ب 57 ح 3.
[ 186 ]
الصريحة التي لا تجزي ولا يقع العتق بها فك الرقبة وإزالة قيد الملك، وفي صراحتهما نظر إذا قضى ما ورد التعبير بهما على سبيل الكناية عن العتق في الآيتين المتقدمتين، ولم يجعلو هما صريحين فيه، ولو سلمنا كونهما صريحين لالتزمنا بوقوعه بهما لعدم المانع منه شرعا. وأما السائبة فهو المعتق يطلق على الذكر والانثى. قال ابن الأثير في نهايته: قد تكرر ذكر السائبة والسوائب، كان الرجل إذا أعتق عبدا يقال هو سائبة فلا عقد بينهما ولا ميراث. ومعناه الحقيقي أنه لاولاء لمعتقه عليه كما سيجئ مصرحا به في الأخبار. واختلفوا فيما لو قال لأمته يا حرة وقصد العتق، ففي تحريرها بذلك وجهان بل قولان، منشأهما أن حرف الاشارة إلى المملوك غير معتبر بخصوصه وإنما الغرض به تميزه وهو حاصل بالنداء، وصيغة التحرير حاصلة بقوله حر أو ما في معناها ومن النداء عن شبه الانشاء لأن الأصل فيه عرفا صيغة الاخبار باللفظ الماضي، والجملة الاسمية في بعض الموارد كأنت حر، وغاية استعمال النداء فيه أن يكون كناية، والعتق لا يقع بها عندنا، وهذا هو الأقوى، ومن أوقعه بالكناية من العامة قطع بوقوعه في النداء بقصد الاعتاق قطعا ومع الاطلاق أو قصد النداء بالاسم على خلاف، بمعنى أنه لا يقبل منه دعوى النداء ظاهرا على أحد الوجهين. وأنت قد سمعت من الأخبار الواردة في هذه الصيغة إنما دل على الجملة الاسمية أو الفعلية الصريحتين في الانشائية، فكلما سواهما منحسر عن الاجزاء وإن قصد الانشاء، وعلى هذا بطل ما فرعوه من الخلاف فيما لو كان اسمها حرة أو اسمه حرا أو عتيقا فقال أنت حرة أو أنت حر أوعتيق ولم يدل دليل على قصد الانشاء. أما لو قصد الانشاء فلا شبهة في وقوعه لصراحته فيه كما قد سمعت، وقد انضم إليه القصد فكان آكد. وإن قصد الأخبار باسمه دون الانشاء انتفى العتق باطنا قطعا وقبل قوله في عدم قصد العتق ظاهرا لاشتراك اللفظ بين معنيين، فهو مرجع صرفه إلى أحد هما كما في كل مشترك، فإن اشتبه الحال بموته أو غيره
[ 187 ]
ففي الحكم بعتقه عند هم وجهان بل قولان، وهذه الصورة هي موضع الخلاف ومنشئه كون اللفظ صريحا فيه، والصريح لا يحتاج إلى الاخبار عن قصده كما قد علم واحتمال إرادة الاخبار عن الاسم المخرج له عن الصراحة، وإذا قام الاحتمال استصحب بقاء الرق، وهذا هو الأولى ما لم تحصل قرينة خارجية يرجح جانب الانشاء، فإن ترجحه بحسب حال اللفظ قريب الأمر، فإن انضم إليه قرينة اخرى زاد قوة وتعين العمل به. وبعد ذلك الاحتمال ولو لم يكن اسمها حرة فقال أنت حرة ثم ادعى أنها أراده عفيفة ففي قبوله منه وجهان من احتمال الأمرين، فلا يعلم ذلك إلا من جهته فيقبل قوله في إرادته. وبهذا قطع العلامة في القواعد ومن أنه خلاف الظاهر فينفذ العتق نظرا إلى الظاهر ولا يصدق في هذا التأويل لأنه خلاف ما هو كالنص لمجازية هذا المعنى، ولا إشكال هنا في الحكم بالعتق لو لم يدع إرادة خلافه، بخلاف ما لو لم يكن اسم المملوك كذلك فإنه لا يحكم بالعتق إلا مع اعترافه بقصده، والفارق ظهور اللفظ في العتق هنا واحتماله للأمرين على السواء هناك لمكان الاشتراك. ولو ادعى المملوك في هذه الصورة إرادة العتق فله إحلاف مولاه على عدم قصده، وهاهنا فروع:
الاول: لا يكفي عن اللفظ المذكور في الصيغ الاشارة مع القدرة على النطق ولا الكتابة لأصالة بقاء الملك إلى أن يثبت المزيل شرعا، ولم يرد في النصوص والفتوى ما يدل على وقوع العتق بذلك. هذا كله مع القدرة، أما مع العجز للخرس أو المرض فتكفي الاشارة المفهمة كما تجزي في غيره من العقود اللازمه والايقاعات. ففي صحيحة الحلبي (1) عن أبي عبد الله عليه السلام ” أن أباه حدثه أن أمامة بنت
(1) التهذيب ج 8 ص 258 ح 169، الوسائل ج 16 ص 59 ب 44 ح 1 وفيهما اختلاف يسير.
[ 188 ]
أبي العاص بن الربيع وامها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه واله فتزوجها بعد علي عليه السلام المغيرة بن نوفل، وأنها وجعت وجعا شديدا حتى اعتقل لسانها، فأتاها الحسن والحسين عليهما السلام وهي لا تستطيع الكلام، فجعلا يقولان – والمغيرة كاره لما يقولان -: أعتقت فلانا وأهله ؟ فتشير بذلك أن نعم وكذا وكذا، فتشير برأسها نعم أولا، قلت: فأجازا ذلك لها ؟ قال: نعم “. وموثقة يونس بن يعقوب (1) عن أبي مريم ذكره عن أبيه ” أن أمامة بنت أبي العاص ” وساق الحديث إلى أن قال: ” فجعلا يقولان لها – والمغيرة كاره لذلك -: أعتقت فلانا وآله ؟ وجعلت تشير برأسها، فأجازا ذلك لها “. وخبر علي بن جعفر وصحيحته (2) كما في قرب الأسناد وكتاب المسائل عن أخيه موسى عليه السلام ” قال: سألته عن رجل اعتقل لسانه عند الموت أو امرأة، فجعل أهلهما يسائله: أعتقت فلانا وفلانا ؟ فيؤمي برأسه أو تؤمي برأسها في بعض نعم وفي بعض لا، وفي الصدقة مثل ذلك، أيجوز ذلك ؟ قال: نعم هو جائز “. وخبر محمد بن جمهور (3) المرسل عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: إن فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين كانت أول امرأة هاجرت إلى رسول صلى الله عليه واله من مكة إلى المدينة على قدميها ” إلى أن قال: ” قالت لرسول الله صلى الله عليه واله يوما: إنى اريد أعتق جاريتي هذه، فقال: إن فعلت أعتق الله بكل عضو منها عضوا منك من النار، فلما مرضت أوصت إلى رسول الله صلى الله عليه واله وأمرت أن يعتق خادمها واعتقل لسانها فجعلت تؤمي إلى رسول الله صلى الله عليه واله إيماء، فقبل رسول الله صلى الله عليه واله وصيتها “.
(1) التهذيب ج 9 ص 241 ح 28، الوسائل ج 13 ص 437 ب 49 ح 1 وفيهما ” فلانا وأهله ” مع اختلاف يسير. (2) قرب الاسناد ص 119، الوسائل ج 13 ص 437 ب 49 ح 2 وفيهما اختلاف يسير. (3) الكافي ج 1 ص 453 ح 2، الوسائل ج 13 ص 438 ب 49 ح 3.
[ 189 ]
والكتابة غير مجزية اختيارا لأنها من جملة الاشارة بل هي من أقواها وتجزي مع الاضطرار، ويدل على إجزائها اختيارا خبر زرارة (1) ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام في رجل كتب إلى امرأته بطلاقها، وكتب بعتق مملوكه ولم ينطق به لسانه، قال: ليس بشئ حتى ينطق به لسانه “. وقد تقدم في الطلاق ما يدل على الاكتفاء بالكتابة مع الغيبة فيه، وفي صحيحة الثمالي (2) ” قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل قال لرجل: اكتب يا فلان إلى امرأتي بطلاقها أو اكتب إلى عبدي بعتقه، يكون ذلك طلاقا أو عتقا ؟ قال: لا يكون طلاقا ولا عتقا حتى ينطق به لسانه أو يخطه بيده وهو يريد الطلاق أو العتق ويكون ذلك منه بالأهله والشهور ويكون غائبا عن أهله “. وهو كما ترى معارض لما سبق، ويمكن حمله على التقية أو على من لا يقدر على النطق كالأخرس أو على أن علم الزوجة بالطلاق والغلام بالعتق إما بسماع العتق أو بالكتابة أو بانضمام التلفظ إليها ولو بالاشارة المفهمة. وقد تقدم في كتاب الطلاق صحيحتان إلى زرارة أيضا، أحد هما في التهذيب والاخرى في الكافي، وصورتهما في التهذيب (3) ” سألته عن رجل كتب إلى امرأته بطلاقها أو كتب بعتق مملوكه ولم ينطق به لسانه، قال: ليس بشئ حتى ينطق به لسانه “. وصورتهما في الكافي (4) ” قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: رجل كتب بطلاق امرأته أو عتق غلامه ثم بدا له، قال: ليس ذلك بطلاق ولا اعتاق حتى يتكلم به “.
(1) التهذيب ج 8 ص 248 ح 132، الوسائل ج 16 ص 60 ب 45 ح 1. (2) الكافي ج 6 ص 64 ح 1، الوسائل ج 15 ص 291 ب 14 ح 2. (3) التهذيب ج 7 ص 453 ح 23، الوسائل ج 15 ص 290 ب 14 ح 1 وفيهما اختلاف يسير. (4) الكافي ج 6 ص 64 ح 2، الوسائل ج 15 ص 291 ب 14 ح 2 وفيهما ” بعتق غلامه – بدا له فمحاه – عتاق “.
[ 190 ]
ومما يدل على جواز الكتابة عند الضرورة صحيحة البزنطي (1) ” أنه سأل أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الرجل تكون عنده المرأة يصمت ولا يتكلم، قال: أخرس هو ؟ قلت: نعم ويعلم منه بغض لامرأته وكراهة لها، أيجوز أن يطلق عنه ولية ؟ قال: لا، ولكن يكتب ويشهد على ذلك، قلت: فإنه لا يكتب ولا يسمع كيف يطلقها ؟ قال: بالذي يعرف منه من أفعاله مثل ما ذكرت من كراهته وبغضه بها “. ومثله حسنه وخبره (2) كما في الكافي والتهذيب ” قال: سألت أبا الحسن عليه السلام ” وذكر مثله. وكذلك يدل على الاكتفاء مع تعذر النطق خبر سدير (3) كما في الفقيه والتهذيب وكتاب إكمال الدين وإتمام النعمة عن أبي جعفر عليه السلام ” قال: دخلت على محمد بن علي بن الحنيفة وقد اعتقل لسانه فأمرته بالوصية فلم يجب، قال: فأمرت بطشت فجعل فيه الرمل فوضع، فقلت: خط بيدك، فخط وصيته في الرمل ونسختها أنا في صحيفة “. وكذا إذا تعسر النطق بالعربية ومع الامكان لا تجزي سائر اللغات كما تقدم في خبرة مسعدة بن صدقة (4) المروي في كتاب قرب الأسناد، وقد أورده جامع الأصل غير مرة في الكتب المتقدمة، ومع العجز يقع بأي لغة اتفق مع صراحتهما فيه في تلك اللغة، وقد تقدم في كتاب الطلاق خبر وهب بن وهب (5) وفيه إطلاق
(1) الفقيه ج 3 ص 333 ح 1 وفيه ” فيعلم منه بغضا – قلت: أصلحك الله “، الوسائل ج 15 ص 299 ب 19 ح 1 وفيهما ” يعرف به من أفعاله “. (2) الكافي ج 6 ص 128 ح 1، التهذيب ج 8 ص 74 ح 166، الوسائل ج 15 ص 299 ب 19 ح 1. (3) الفقيه ج 4 ص 146 ح 1، التهذيب ج 9 ص 241 ح 27، كمال الدين ص 36 طبع مؤسسة النشر الاسلامي – قم، الوسائل ج 13 ص 436 ب 48 ح 1. (4) قرب الاسناد ص 24، الوسائل ج 4 ص 802 ب 59 ح 2. (5) التهذيب ج 8 ص 38 ح 31، الوسائل ج 15 ص 297 ب 17 ح 1.
[ 191 ]
جواز الطلاق بكل لسان، وحمل على ما لو تعذرت العربية، كما يدل عليه خبر قرب الأسناد المشار إليه لقوله فيه ” سمعت جعفر بن محمد عليه السلام يقول: إنك قد ترى من المحرم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح، وكذا الأخرس في القراءة وفي التشهد أو ما أشبه ذلك، فهذا بمنزلة العجم، والمحرم لايراد منه ما يراد من العاقل المتكلم الفصيح “.
الثاني: لا بد من تجريد الصيغة المذكورة عن الشرط، فلو علقه على شرط متوقع أو صفة لم يصح كما هو المشهور بين الأصحاب. وجوزه القاضي ابن البراج وابن الجنيد من أصحابنا معلقا على شرط كان أو صفة وجوز الرجوع فيه قبل حصولهما كالتدبير وهو مذهب العامة. واستشهدوا عليه بالتدبير فإنه عتق معلق، وباقي الأصحاب خصوه بمورده، ومنع بعضهم كونه عتقا معلقا بل هو وصيته بالعتق كما سيجئ تحقيقه. وادعى في المختلف الاجماع على بطلان العتق المعلق على شرط، وليس هذا الاجماع في محله، فإن الخلاف كما سمعت متحقق، ومعلومية نسب المخالف على الوجه قادحة، وقد تقدم الفرق بين الشرط والصفة، وأن المراد بالشرط ما جاز وقوعه في الحال وعدمه كمجئ زيد والصفة ما لا يحتمل وقوعها في الحال ويتيقن وقوعها عادة كطلوع الشمس، ولم يذكر الأصحاب في هذا المقام دليلا على المنع والبطلان سوى الاجماع المدعى، وقد عرفت ما فيه. وكذا لم يذكروا دليلا على الجواز سوى ما ذكرناه عنه، وأن أصالة الجواز وعدم ما يدل على المنع يقتضي عدم وقوعه. ومن هنا استظهر السيد في شرح النافع الجواز استنادا للدليل المذكور، ولا فرق عند مانعه بين أن يكون التعليق وقع يمينا أو غيرها، وكذا من جوز ذلك. والذي يدل عليه من الأخبار صحيحة محمد بن مسلم (1) كما في الفقيه عن
(1) الفقيه ج 3 ص 228 ح 2، الوسائل ج 16 ص 157 ب 11 ح 2 وفيهما ” فليس هذا بشئ انما هذا “.
[ 192 ]
أحد هما عليهما السلام ” أنه سئل عن امرأة جعلت مالها هديا وكل مملوك لها حر إن كلمت اختها ابدا، قال: تكلمها فليس هذا شيئا، إن هذا وشبهه من خطوات الشيطان “. وصحيحة زرارة (1) عن أبي جعفر عليه السلام ” قال: سألته عن الرجل يقول: إن اشتريت فلانا أو فلانة فهو حر، وإن اشتريت هذا الثوب فهو في المساكين، وإن نكحت فلانة فهي طالق، قال: ليس ذلك كله بشئ، لا يطلق إلا ما يملك، ولا يتصدق إلا بما يملك، ولا يعتق إلا بما يملك “. وصحيحة على بن جعفر (2) كما في كتابه عن أخيه موسى عليه السلام ” قال: سألته عن رجل يقول: إن اشتريت فلانا فهو حر، وإن اشتريت هذا الثوب فهو صدقة، وإن نكحت فلانة فهي طالق، قال: ليس ذلك بشئ “. وصحيحة سعد بن أبي خلف (3) ” قال: قلت لأبي الحسن موسى عليه السلام: إني كنت اشتريت جارية سرا من امرأتي وأنه بلغها ذلك فخرجت عن منزلي وأبت أن ترجع إلى منزلي وبقيت في منزل أهلها، فقال لها: إن الذي بلغك باطل، وإن الذي أتاك لهذا عدو لك أراد أن يستفزك، فقالت: لا والله لا يكون بيني وبينك شئ حتى تحلف لي بعتق كل جارية لك وبصدقة مالك إن كنت قد اشتريت جارية وهي في ملكك اليوم، فحلفت لها بذلك فأعادت اليمين، فقالت: قل كل جارية لي الساعة فهي حرة، فقلت لها: كل جارية لي الساعة فهى حرة، وقد اعتزلت جاريتي وهممت أن أعتقها وأتزوجها لهواي فيها، قال: ليس عليك فيما أحلفتك شئ “.
(1) التهذيب ج 8 ص 289 ح 61، الوسائل ج 16 ص 168 ب 14 ح 6 وفيهما ” ولا يصدق “. (2) بحار الانوار ج 10 ص 267، الوسائل ج 16 ص 9 ب 5 ح 7. (3) الكافي ج 7 ص 442 ح 18، الوسائل ج 16 ص 172 ب 16 ح 2.
[ 193 ]
واعلم أنه لا يجوز عتق ولا صدقة إلا ما اريد به وجه الله وثوابه، وصحيحة منصور بن حازم (1) عن أبي عبد الله عليه السلام ” عن امرأة حلفت لزوجها بالعتاق والهدي إن هو مات لم تتزوج بعده أبدا ثم بدا لها أن تتزوج، فقال: تبيع مملوكها، فإني أخاف عليها من الشيطان. وليس عليها في الحق شئ، وإن شاءت أن تهدي هديا فعلت “. وصحيحته الاخرى (2) ” قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: أما سمعت بطارق ؟ إن طارقا كان نخاسا بالمدينة، فأتى أبا جعفر عليه السلام فقال: يا أبا جعفر إني هالك حلفت بالطلاق والعتاق والنذور، فقال: يا طارق هذا من خطوات الشيطان “. وربما احتج لابن الجنيد والقاضي ومن قال بمقالتهما بما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي علي بن راشد (3) ” قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: جعلت فداك إن امرأة اعتل صبي لها فقالت: اللهم إن كشفت عنه ففلانة حرة، والجارية ليست بعارفة، فأيما أفضل جعلت فداك تعتقها أو تصرف ثمنها في وجوه البر ؟ فقال: لا يجوز إلا عتقها “. وصحيحة البزنطي (4) عن أبي الحسن عليه السلام ” قال: قال: إن أبي عليه السلام كان حلف على بعض امهات أولاده أن لا يسافر بها، فإن سافر بها فعليه أن يعتق نسمة تبلغ مائة دينار، فأخرجها يوما فأمرني فاشتريت نسمة بمائة دينار، فأعتقها “.
(1) التهذيب ج 8 ص 289 ح 59، الوسائل ج 16 ص 212 ب 45 ح 1 وفيهما اختلاف يسير. (2) التهذيب ج 8 ص 287 ح 50، الوسائل ج 16 ص 168 ب 14 ح 4 وفيهما ” انى حلفت “. (3) التهذيب ج 8 ص 314 ح 46، الوسائل ج 16 ص 229 ب 7 ح 2 وفيهما ” لابي جعفر الثاني – ففلانة جاريتي حرة ” وليس فيهما ” جعلت فداك “. (4) التهذيب ج 8 ص 302 ح 113، الوسائل ج 16 ص 176 ب 18 ح 6 وفيهما اختلاف يسير.
[ 194 ]
فاجيب عن هذين الحديثين: (أما) عن الأول فجعله من باب النذر كما هو الظاهر من سياقه، ولا إشكال في جواز التعليق فيه كما هو متفق عليه، حيث وقع شكرا في مقابلة نعمة الله التي هي الشفاء، وهو وإن لم يصرح بكونه لله لكونه ليس في مقام الحكاية لصورة عبارة النذر وإنما أتى بما يدل على كونه نذرا، ومن هنا حمله شيخ التهذيبين ومحدثا الوافي والوسائل على ذلك. (وأما) الخبر الثاني فليس فيه تعليق العتق على شرط كما هو الظاهر ولاغيره، نعم فيه الحلف بالعتاق والتزامه له عليه السلام فسبيله التقية لاجماع العامة على ذلك ولتصريح تلك الأخبار بأنه من خطوات الشيطان، فيكون داخلا في آية ” ولا تتبعوا خطوات الشيطان ” (1). ويحتمل هذا الحمل الأول أيضا إن أخرجناه من باب النذر. والعجب من المحدثين والمجتهدين حيث أعرضوا عن هذه الأدلة في البين وكانهم جعلوا وجه الفساد فيها هو جعلها يمينا لا من جهة التعليق، وهذا في الحقيقة وإن أمكن لكن المانعين من التعليق لا يفرقون بين ما ليس يمينا أو كان من اليمين، وكذلك المجوزون فيكون الاستدلال بهذه الأخبار في محله خصوصا فيما لم يشتمل على بيان منها، فلا يستثنى من هذه القاعدة سوى التدبير والنذر والوصايا، وكل خبر اشعر بجواز ذلك والتزامه فسبيله التقية.
الثالث: لو أسند الحرية في هذه الايقاعات لأحد الجوارح مما لا تقال على النفس إلا بتجوز بعيد كيدك أو رجلك أو وجهك أو رأسك حر أو حرة وقصد العتق لم ينعقد. أما لو قال بدنك أو جسدك فذلك موضع خلاف وإشكال، ولهذا صار في وقوعه قولان: من جهة أن معناه اللغوي غير الذات، ومن دلالته عليه عرفا عاما وهو مقدم على العرف الخاص الذي لا يعرفه إلا الآحاد، والأقوى وقوعه في الثاني دون
(1) سورة البقرة – آية 208.
[ 195 ]
الأولين، والرأس والوجه وإن اطلقا على الذات عرفا في بعض الأحيان إلا أنه خلاف المتبادر بخلاف البدن والجسد لأن أهل العرف لا يعرفون من معنى الذات سواهما، وأما مخالفتها النفس الناطقة فذلك موكول إلى دقائق الحكماء والمتكلمين والفلاسفة ومع ذلك فإطلاق هذين الشيئين على النفس إطلاق شايع ولو من المجازات المشهورة. واعلم أنه قد تقدم في كتاب الكفالة وقوع الخلاف المشهور في تعلقها بالوجه والرأس، والمشهور جوازه، معللين ذلك بأنه قد يعبر بهما على الجملة عرفا، وقد عللوه هنا بالعكس، وكأن وجه الفرق في الاستعمالين أن المقصد الذاتي في الكفالة إحضار البدن والذات تابعد عرفا، وهنا بالعكس، فإن الحرية المقصودة من العتق متعلقها الذات والبدن تابع حيث تثبت المغايرة بينهما وتلاحظ. وأما الفرق بينهما بأن المعتبر في الكفالة العرف وفي العتق الشرع فهو تحكم محض وإن كان العرف متصرفا في الفرق الأول أيضا.
الرابع: هل يشترط تعيين المعتق بصيغة المفعول والقصد إليه معينا ؟ قولان، للأصحاب والأكثر على العدم، والقول الآخر عدم الجواز للجهالة، وقد مضى مثل هذا الخلاف في الطلاق والظهار والايلاء، والوجه فيها واحد، غير أن اشتراط عدم التعيين هنا أشهر، وهناك بالعكس، ولا وجه له إلا مراعاة الاحتياط في الفروج وبناء العتق على التغليب. ويمكن الاحتياج للمشهور بمثله من أعتق ثلث عبيده ولم يعين الثلث فإنه يصح ويستخرج بالقرعة كما سيجئ، وقد اتفق عليه الفتوى والدليل، وهو ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مروان (1) عن موسى بن جعفر عليه السلام عن أبيه عليه السلام ” أن أبا جعفر عليه السلام مات وترك ستين مملوكا فأعتق ثلثهم فاقرعت بينهم فأعتق الثلث “.
(1) الفقيه ج 4 ص 159 ح 13، التهذيب ج 8 ص 234 ح 76 وفيه ” وأوصى بعتق ثلثهم ” بدل ” فأعتق ثلثهم “، الوسائل ج 16 ص 77 ب 65 ح 2 وليس فيه ” فأعتق ثلثهم ” وفي المصدرين الاخيرين ” فأخرجت عشرين فأعتقتهم ” بدل ” فأعتق الثلث “.
[ 196 ]
وكذلك ما سيجئ جواز عتق أول مملوك يملكه فيملك جماعة فإنه يتخير أو يستخرج أحدهم بالقرعة كما تضمنته صحيحة الحلبي (1) الآتي ذكرها في المسألة عن أبي الله عليه السلام ” في رجل قال: أول مملوك أملكه مهو حر، فورث سبعة جميعا، قال: يقرع بينهم ويعتق الذي قرع “. وفي رواية الصيقل (2) أنه له الخيار حيث قال ” في رجل قال: أول مملوك أملكه فهو حر، فأصاب ستة، قال: إنما كان لله عليه واحد فليختر أيهما شاء فليعتقه “. وهذا الحكم قريب من المختار المشهور في هذه المسألة حيث إن المعتق غير معين بل غير موجود في الملك الآن، وهذا دليل على بناء العتق على التغليب ولم أر من الأصحاب من استدل على هذين القولين بشئ من الأدلة المنصوصة عليها في الأخبار سوى ما ذكرناه من التقريبات والاعتبار. ثم إنه على القول بصحته اختلفوا في مرجع تعينه، فقيل: يرجع إلى القرعة لأنها لكل أمر مشكل. واسضعفه جماعة من المتأخرين حيث لا معين في نفس الأمر حتى يستخرج بالقرعة. وفيه نظر، لأن هذا وارد فيما لو ملك أول مملوك يعتقه ولا معين هناك، وقد سمعت أن صحيحة الحلبي قد حكمت باستخراج المعين بالقرعة. وهل يقع العتق على هذا التقدير بالصيغة ؟ أو هو التزام عتق في الذمة منحصر في عبيده الذين اطلق فيهم ؟ وجهان، تقدم مثلها في الطلاق، ويتخرج عليهما ما لو مات أحدهم بعينه هل يصح إن قلنا بحصول العتق عند التعيين ؟ لم يصح لأن الميت لم يقبل العتق، وعلى هذا فلو كان الايهام في عبدين وقلنا
(1) التهذيب ج 8 ص 225 ح 44، الوسائل ج 16 ص 69 ب 57 ح 1. (2) التهذيب ج 8 ص 226 ح 45، الوسائل ج 16 ص 70 ب 57 ح 3 وفيهما ” انما كان نيته على واحد – أيهم “.
[ 197 ]
ببطلان التعيين في الميت تعين الآخر ولا حاجة إلى لفظه. وإن قلنا بالوقوع عند الايهام صح تعيينه، وحيث يتعين لا يصح له العدول عن المعين. فلو قال: عينت هذا بل هذا عتق الأول ولغى الثاني لأن التعيين حصل بالأول ولم يبق للعتق محل، بخلاف قوله، عتقت هذا بل هذا، وهذا كله عند العدول عند القرعة إلى تعينه كما هو المشهور. وكأن دليلهم على ذلك خبر الحسن بن زياد الصيقل الوارد في مسألة عتق أول ما يملكه، وفي وجوب الاتفاق على الجميع قبل التعيين والمنع من استخدامهم وجهان بل قولان، أحوطهما ذلك. ولو جرى ذلك في أمتين أو أكثر حرم الوطء حتى يتعين المعتقة، فإن فعل ففي كون فعله تعيينا لغير الموطوءة وجهان سبق مثلهما في الطلاق، فإن لم نجعله تعيينا وعين العتق في الموطوءة فلا حد عليه. وفي وجوب المهر وجهان مبنيان على وقوع العتق بالتعيين والصيغة، فعلى الثاني يجب دون الأول. ولو مات قبل التعيين فلهم في المسألة قولان، أحد هما أن التعيين للوارث لقيامه مقام الموروث كما يخلفه في خيار البيع والشفعة والحدود وكل حق موروث. وقال الشيخ وجماعة بتعين القرعة هنا لأن الوارث غير مطلع على قصد مورثه فلا يمكن التعيين. وفيه نظر، لأن معرفة قصده غير شرط، ولأن تعيين المورث مجرد تشهير لا يفتقر إلى شئ آخر، ووارثه قائم مقامه، إذ ليس هناك معتق معين في نفس الأمر حتى يشتبه على الوارث بعينه ومقصود المورث. وربما اجيب عن ذلك بأن التعيين وإن كان راجعا إلى الاختيار إلا أنه مختص باختيار مبهم، وقد فات بالموت، ولأنه في حكم تكميل اللفظ فلا يؤخذ إلا من التلفظ، ولا ريب أن القرعة على ذلك متعينة، والقرعة كما وضعت لتعين المتعين في نفس الأمر كذلك جاءت لتعيين المختار عند الله. أما لو أعتق معينا ثم اشتبه ارجئ حتى يذكر، فإن ذكر عمل بقوله،
[ 198 ]
ولو عدل بعد ذلك لم يقبل منه، فإن لم يذكر لم يقرع ما دام حيا لاحتمال التذكر. فأما لو ادعى الوارث العلم رجع إليه، وإن جهل أقرع بين عبيده لتحقق الاشكال واليأس من زواله. هكذا قرر الحكم الأكثر ولم يذكروا له مستندا من الأخبار. ومقتضى عمومات أخبار القرعة وأنها لكل أمر مشكل استعمالها هنا، ولا يعتبر إمهاله للتذكر إلا بما يحصل به في العادة التذكر كما في سائر الأحكام. ويدل عليه ما رواه الكليني والشيخ عن يونس (1) مقطوعا ” قال في رجل كان له عدة مماليك فقال: أيكم علمني آية من كتاب الله تعالى فهو حر، فعلمه واحد منهم ولم يدر أيهم الذي علمه، أنه قال: يستخرج بالقرعة، قال: ولا يستخرجه إلا إمام لأنه له على القرعة كلاما ودعاء لا يعلمه غيره “. ولعله أراد بالامام هنا ما هو أعم من المعصوم ومن خلفائه من الفقهاء المتولين للأحكام، ومع ذلك فيحمل هذا الاختصاص على سبيل الأولوية لتعذر معرفة وظائف القرعة غالبا من غير الفقيه. ويحتمل أن يكون هذا من كلام يونس فتوى منه، والحمل الأول أولى لأنه مستبعد أن يورده مثل الكليني والشيخ حجة ودليلا على شئ من الأحكام وإن لم يسنده إلى الامام، فاعتماد هؤلاء على مثل هذه الروايات المقطوعة دليل على قطعهم بأن ذلك عن الامام لأنها الطريقة المستعملة في الصدر الأول. فالقول بالرجوع إلى تعيين الوارث هنا بعيد، لأن التعيين هنا ليس إنشاء بل إخبار عما وقع من المورث، فلا مدخل لتعيين الوارث حيث يدعي العلم. ثم على تقدير تعيين المعتق أو الوارث لو ادعى المماليك الذي لم يعينهم أنه المراد فالقول قول المالك مع يمينه لأن ذلك لا يعلم إلا من قبله، وإنما
(1) الكافي ج 6 ص 197 ح 14، التهذيب ج 8 ص 230 ح 63، الوسائل ج 16 ص 44 ب 32 ح 1 وما في المصادر اختلاف يسير.
[ 199 ]
توجهت عليه اليمين لامكان اطلاع المملوك على الحال فتسمع دعواه بحيث يتوجه بها اليمين، فإن نكل على اليمين قضى عليه بعتق المدعي مضافا إلى ما عينه إن قضينا بالنكول وإلا أحلف المملوك وأعتق. ثم إنه استمر الاشتباه لانتظار التذكر أو لعدم تأتي القرعة منع من الوطء والاستخدام لتحريم ذلك من الحر واشتباهه بمحصور، وعلى الانفاق على الجميع من باب مقدمة الواجب من وجوب الانفاق على المملوك، ولا يتم إلا بالانفاق على جميعهم، فإن مات فهل التذكر قام الوارث مقامه وخوطب بجميع خطاباته ؟ فإن ادعى إطلاقه على المعتق قبل موته لأنه خليفته وربما ذكر له ذلك وأطلعه عليه، وإن لم يدع العلم فلا طريق سوى القرعة لأن المعتق هنا معين عند الله ومجهول عندنا، فيستخرج بالقرعة لا غير، ولا طريق إلى تعيين الوارث هنا مع عدم دعواه العلم .
الثانية: في شرائط المعتق المباشر، يعتبر فيه في المشهور البلوغ وكمال العقل والاختيار والقصد إلى العتق والتقرب إلى الله تعالى كونه غير محجور عليه. (أما) الأول فقد خالف فيه الشيخ واكتفى في جواز العتق ببلوغ الصبي عشر كما في الصدقات والعطايا، بل أسند في الدروس جواز ذلك في العطايا والصدقات إلى المشهور. ويمكن أن يحتج للمشهور بخبر حمزة بن حمران عن حمران (1) كما في التهذيب والكافي وفي مستطرفات السرائر ” قال: سألت أبا جعفر عليه السلام قلت له: متى يجب على الغلام أن يؤخذ بالحدود التامة وتقام عليه ويؤخذ بها ؟ قال: إذا خرج عن اليتم وأدرك، قلت: فلذلك حد يعرف به ؟ فقال: إذا احتلم أو بلغ خمس عشرة أو أنبت أو أشعر قبل ذلك اقيمت عليه الحدود التامة واخذ بها واخذت له ” وساق
(1) الكافي ج 7 ص 197 ح 1، التهذيب ج 10 ص 37 ح 132، السرائر ص 482، الوسائل ج 1 ص 30 ب 4 ح 2 وما في المصادر اختلاف يسير.
[ 200 ]
الحديث إلى أن قال: ” إن الجارية ليست مثل الغلام، إن الجارية إذا تزوجت ودخل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم ودفع إليها مالها وجاز أمرها في البيع والشراء واقيمت عليها الحدود التامة واخذ لها وبها، قال: والغلام لا يجوز له في الشراء والبيع ولا يخرج من اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة أو يحتلم أو يشعر أو ينبت قبل ذلك “. وصحيحة هشام بن سالم (1) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: انقطاع يتم اليتيم الاحتلام وهو أشده، وإن احتلم ولم يؤنس منه رشده وكان سفيها أو ضعيفا فليمسك عنه وليه ماله “. وخبر أبي الحسين الخادم عن أبي عبد الله عليه السلام كما في الخصال (2) ” قال: سأله أبي وأنا حاضر عن اليتيم متى يجوز أمره ؟ فقال: حتى يبلغ أشده ؟ قال: وما أشده ؟ قال: احتلامه، قال: قلت: قد يكون الغلام ابن ثماني عشرة أو أقل أو أكثر ولم يحتلم، قال: إذا بلغ وكتب عليه الشئ جاز أمره إلا أن يكون سفيها أو ضعيفا “. إلى غير ذلك من الأخبار التي تقدمت في العبادات والمعاملات وفي الحجر. وقد احتج الشيخ ومن تبعه على ما ذهبوا إليه من الاكتفاء بالعشر كما في الهبات والعطايا برواية زرارة (3) كما في الكافي والتهذيب عن أبي جعفر عليه السلام ” قال: إذا أتى على الغلام عشر سنين فإنه يجوز من ماله ما اعتق وتصدق على وجه المعروف
الكافي ج 7 ص 68 ح 2 وفيه ” بالاحتلام “، الوسائل ج 13 ص 430 ب 44 ح 9 وفيهما ” منه رشد “. (2) الخصال ص 495 ح 3 طبع مؤسسة النشر الاسلامي وفيه عن أبى الحسين الخادم يباع اللؤلؤ عن عبد الله بن سنان، الوسائل ج 13 ص 143 ب 2 ح 5. (3) الكافي ج 7 ص 28 ح 1 وفيه ” لا يجوز له في “، التهذيب ج 8 ص 248 ح 131، الوسائل ج 16 ص 68 ب 56 ح 2 وفي الاخيرين ” يجوز له من ” وفى الكافي والوسائل ” وتصدق وأوصى على حد معروف وحق “.
[ 201 ]
فهو جائز ” وفي نسخ التهذيب (1) ” على حد المعروف حق فهو جائز “. وربما وجد هذا الاستدلال بصحيحة محمد بن قيس (2) عن أبي جعفر عليه السلام ” قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: أيما رجل ترك سرية – إلى أن قال: – وقضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل ترك جارية قد ولدت منه بنتا وهي صغيرة غير أنها تبين الكلام، فاعتقت امها، فخاصم فيها موالي ابن الجارية، فأجاز عتقها الام “. ومثلها حسنته وموثقته (3). وقد وصف المحقق خبر العشر في النافع بالحسن، وقال شارحه السيد: لم نقف على هذه الرواية حسنته كما ذكرها المصنف، والموجود في كتب الأخبار والاستدلال ما رواه الشيخ عن موسى بن بكر عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: ” قال: إذا أتى الغلام عشر سنين ” ثم ذكر الحديث المتقدم ثم قال: وبمضمونها أفتى الشيخ وجماعة، وضعفها بالارسال وغيرها يمنع من التمسك بها في إثبات هذا الحكم، وكأنه حمل الحسن على الاصطلاح الجديد الذي حدث بعد المحقق لأنه لم يصطلح على هذا التقسيم في الدراية إلا في زمن ابن طاووس صاحب البشرى والعلامة، وهذا منه عجيب، وأعجب منه قوله بأن الرواية مرسلة مع أن الشيخ قد رواها تارة معلقة على صفوان بن يحيى وتارة على موسى بن بكر وليس فيها مع الطرفين إرسال، أما إلى صفوان فطريقه من الصحيح، وإنما ضعفت بموسى بن بكر، وأما تعليقها على موسى بن بكر فلا يوجب الارسال أيضا لأن طريقه إليه في المشيخة ليس من المراسيل في شئ، ومع ذلك فقد رواها الكليني في الكافي متصلة الاسناد بمشيخته إلى صفوان ثم عن موسى بن بكر ثم عن زرارة.
(1) والصحيح الكافي وفيه ” معروف “. (2) الكافي ج 6 ص 192 ح 3، الوسائل ج 16 ص 69 ب 56 ح 3 وفيهما ” موالى أبى الجارية فأجاز عتقها للام “. (3) الفقيه ج 3 ص 83 ح 7، التهذيب ج 8 ص 238 ح 93 وفيهما اختلاف يسير.
[ 202 ]
وأعجب منه ما وقع لجده في المسالك حيث قال بعد ذكره لرواية زرارة عن الباقر عليه السلام مريدا بها هذه الرواية المذكورة: وفي طريق الرواية ضعف بموسى ابن بكر فإنه واقفي غير ثقة وابن فضال فإنه فطحي وإن كان ثقة. مع أنه في باب الوصايا من التهذيب أوقفها على زرارة في موضع وأسندها إلى الباقر عليه السلام في آخر، فكيف مع هذه القوادح تثبت حكما مخالفا لاصول المذهب بل لاجماع المسلمين. وفي هذا الكتاب أوصلها – يعني المصنف – إلى الباقر عليه السلام. وفي نكت النهاية قال: إنها موقوفة على زرارة، وفي النافع جعلها حسنة، ولعله أراد غير الحسن المصطلح عليه بين أهل الحديث وهو أن تكون رواتها إمامية وفيهم من الممدوح غير المعدل، فإن أمرها ليس كذلك لما عرفت من حال رواتها، فهي ضعيفة لاحسنة، فإطراحها متعين. ووجه التعجب يظهر مما سبق في كلامنا على السيد، فإن ابن فضال إنما كان في بعض طرقها لأن الشيخ قد رواها من ثلاثة طرق، ليس في الطريقين المذكورين في كلامنا ذكر لابن فضال، ولا في طريق الكافي أيضا، وفي الثلاثة مصرح بإمامها بأنه أبو جعفر عليه السلام، فإيراده لها مقطوعة في بعض المواضع غير مضر مع أن هذا لا يعد قطعا بل إضمارا، والاضمار غير مضر لأن الاضمار عائد إلى الامام متعين حتى لو لم يصرح به في بقية هذه الطرق لحكمنا بكونه الامام، فإن الاضمار في الأدلة إنمانشأ من اقتطار الأدلة بعضها من بعض، حيث إنهم في تلك الاصول كانوا يصدرون بالاسم الامام مظهرا ثم يحيلون عليه بالاضمار، هذا إذا لم يصرح فكيف إذا صرح به في هذه الطرق كلها، فالترام الاضمار فيه والقدح به في غاية البعد من أمثالهم، فالحق أن الرواية متكررة الأسانيد في اصول المعتبرة وهو الذي أوجب وصفها بالحسن على طريقة القدماء لأن مدار الحسن والصحة على القرائن التي من جملتها تعدد طرقها في الاصول المتعددة فهي بريئة من القدح المذكور. والعجب من هؤلاء المتأخرين حيث قبلوا مثل هذه الأخبار وجعلوها الحجة
[ 203 ]
في مثل العطايا والهبات، والمعروف ورودها في العتق مع اشتمالها كما ترى على الجميع، فالأقوى الاكتفاء بذلك في العتق كما في العطايا والهبات، وهو مريد بتلك الصحيحة المذكورة لابن قيس وكذلك حسنته وموثقته. وأعجب من هذا قوله – قدس سره – بعد ذلك الكلام: ويمكن حملها وحمل ما ورد في معناها من جواز هبته وصدقته ووصيته، على أن ابن العشر محل إمكان البلوغ لما تقدم من أن الولد يلحق به في هذا السن بإمكان بلوغه بالمني، بسبب أنه في وقت إمكان البلوغ بمعنى أنه من حيث السن لا مانع من جهته وإن توقف على أمر آخر، وهذا خير من إطراح الروايات الكثيرة. وهو كلام مضطرب لا يخفى اضطرابه على أدنى من له مسكة في فهم الأخبار وضبط قواعد الفقه. وقد صرح هو في غير موضع لأن احتمال التولد منه وإن بنى عليه في الانتساب لمكان الضرورة، لكن لا يبنى عليه ما يتوقف على البلوغ على التحقيق بل يبقى محجورا عليه ممنوعا من التصرفات كلها إلى أن يتحقق عليه بلوغه، إلا فيما اكتفى فيه بسن العشر أو بسن دون البلوغ كما ثبت في الوصايا والعطايا والهبات عند المشهور، وما تكلفه من الجمع حذرا من الاطراح في الحقيقة إطراح لها وإن كا نت من الصحاح وهدم للقواعد المقررة، لأن تلك مشروطة بتحقق تلك العلامات لا بمجرد الاحتمال، سيما خبر حمزة بن حمران وأخبار عبد الله بن سنان وغيرها من الأخبار مما ورد في علامات البلوغ الذي بنى عليه الأحكام من المعاملات وغيرها. فالأقوى إذا التزام تلك القواعد إلا إذا ثبت الدليل المخصص على سبيل التحقيق ويكون مخرجا من قاعدة اشتراط البلوغ لا أنها تجعل دليلا على البلوغ، كيف وسن البلوغ أقله ثلاثة عشر سنة كما ذهب إليه ابن الجنيد والصدوق وجملة من مشايخنا من متأخري المتأخرين. (وأما) اشتراط العقل والتميز فلبطلان المعاملات والعبادات الواقعة عليه من المجنون.
[ 204 ]
ويدل عليه بالخصوص صحيحة الفضلاء وهو زرارة وبكير ومحمد بن مسلم وبريد وفضيل بن يسار وإسماعيل الأزرق ومعمر بن يحيى (1) عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام ” أن المدله ليس له طلاق ولاعتقه عتق “. والمدله – كمعظم – الساهي القلب الذاهل العقل من عشق ونحوه وما لا يحصى ما فعل وما فعل به. ويؤيده أيضا ما قدمناه من الأخبار الصحاح الصراح من أن السفيه والضعيف باطلا التصرف، والمجنون هو الضعيف. وخبر الحلبي (2) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: سألته عن المرأة المعتوهة الذاهبة العقل يجوز بيعها وهبتها وصدقتها ؟ قال: لا “. (وأما) شرط القصد فتدل عليه الأخبار الواردة في نفي صحة عتق السكران مثل صحيحة زرارة (3) عن أبي جعفر عليه السلام ” قال: سألته عن طلاق المكره وعتقه، فقال: ليس طلاقه بطلاق ولا عتقه بعتق “. وخبر الحلبي (4) الموثق عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: سألته عن طلاق السكران، فقال: لا يجوز ولا عتقه “. وموثقته الاخرى (5) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: لا يجوز عتق السكران “. وخبره (6) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: سألته عن طلاق السكران وعتقه، فقال: لا يجوز “. (وأما) شرط الاختيار فيدل عليه ما دل على بطلان عتق المكره بقول مطلق
(1) الكافي ج 6 ص 191 ح 3 وفيه ” أن المدله ليس عتقه بعتق “، الوسائل ج 16 ص 29 ب 20 ح 1 وفيه ” أن الوله ليس عتقه عتقا “. (2) الكافي ج 6 ص 191 ح 2 وفيه ” بيعها وصدقتها “، الوسائل ج 16 ص 30 ب 21 ح 3. (3) الكافي ج 6 ص 127 ح 2، الوسائل ج 16 ص 29 ب 19 ح 2. (4) الكافي ج 6 ص 126 ح 2، الوسائل ج 16 ص 30 ب 21 ح 1. (5) الكافي ج 6 ص 191 ح 2، الوسائل ج 16 ص 31 ب 21 ح 2. (6) الكافي ج 6 ص 191 ح 2، الوسائل ج 16 ص 31 ب 21 ح 3.
[ 205 ]
وإن بقي معه القصد مثل صحيحة زرارة المتقدمة عن أبي جعفر عليه السلام ” قال: سألته عن طلاق المكره وعتقه، ليس طلاقه بطلاق ولا عتقه بعتق “. وصحيحته الاخرى (1) كما في التهذيب أيضا عن أبي جعفر عليه السلام ” قال: سألته عن عتق المكره، فقال: ليس عتقه بعتق “. وصحيحتي عبد الله بن مسكان (2) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: سمعته بقول: لو أن رجلا مسلما مر بقوم ليسوا بسلطان فقهروه حتى تخوف نفسه أن يعتق أو يطلق ففعل ليس عليه شئ “. (وأما) المحجور عليه لسفه فلا يجوز عتقه للأخبار المانعة من تصرفاته كلها، كالأخبار الواردة في تفسير الآية ” إلا أن يكون سفيها أو ضعيفا ” وما تقدم من صحيحة هشام بن سالم (3) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: انقطاع يتم اليتيم بالاحتلام وهو أشده، وإن احتلم ولم يؤنس عنه رشده وكان سفيها أو ضعيفا فليمسك عنه وليه ماله “. وخبر أبي الحسين الخادم (4) كما في الخصال وقد تقدم عن قريب وفيه ” إذا بلغ وكتب عليه الشئ جاز أمره إلا أن يكون سفيها أو ضعيفا “. (وأما) اشتراط نية التقرب في صحة العتق هو أن يكون قاصدا به وجه الله تعالى، وثوابه على حد ما يعتبر في غيره من العبادات وإن لم يتلفظ به، بخلاف صيغة الاعتاق فإن اللفظ معتبر فيها، وحينئذ فيكفي أنه حر وما في معناه قاصدا به القربة فالأخبار به مستفيضة وعليه الاجماع.
(1) الكافي ج 6 ص 191 ح 1، الوسائل ج 16 ص 29 ب 19 ح 1. (2) الكافي ج 6 ص 126 ح 1، الوسائل ج 15 ص 331 ب 37 ح 2 وفيهما ” عبد الله ابن سنان – حتى يتخوف على نفسه – ففعل لم يكن عليه شئ “. (3) الكافي ج 7 ص 68 ح 2 وفيه ” منه رشد “، الوسائل ج 13 ص 143 ب 2 ح 5. (4) الخصال ج 1 و 2 ص 495 ح 3، الوسائل ج 13 ص 143 ب 2 ح 5.
[ 206 ]
فمن تلك الأخبار صحيحة هشام بن سالم وحماد وابن اذنية وابن بكير وغير واحد (1) عن أبي عبد الله عليه السلام ” أنه قال: لاعتق إلا ما اريد به وجه الله تعالى “. ورواه الصدوق (2) مرسلا. وخبر علي بن أبي حمزة (3) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: لاعتق إلا ما طلب به وجه الله عز وجل “. وصحيحة حماد بن عثمان (4) عن أبى عبد الله عليه السلام ” قال: لا صدقة ولا عتق إلا ما اريد به وجه الله عز وجل “. وصحيحة الفضلاء (5) ” قال أبو عبد الله عليه السلام: ما صدقة ولا عتق إلا ما اريد به وجه الله عز وجل “. وصحيحة سعد بن أبي خلف (6) عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام ” أنه قال: لا يجوز عتق ولا صدقة إلا ما تريد به الله عز وجل وثوابه “. وعلى هذا اختلف أصحابنا في جواز عتق الكافر حيث إن تأتي القربة منه غير معلوم. فقيل: لا يصح مطلقا، واختاره ابن إدريس لأنه عبادة شرعية، وعليه المحقق والعلامة وجماعة محتجين بذلك وباشتراطه نية القربة وهو متعذر من الكافر، ومن ثم أجمعوا على بطلان عبادته المشروطة بالنية لا أن العبادة مشروطة
(1) الكافي ج 6 ص 178 ح 1، الوسائل ج 16 ص 7 ب 4 ح 1. (2) الفقيه ج 3 ص 68 ح 10. (3) الكافي ج 6 ص 178 ح 2، الوسائل ج 16 ص 7 ب 4 ح 2. (4) الكافي ج 7 ص 30 ح 1، الوسائل ج 13 ص 319 ب 13 ح 2. (5) الكافي ج 8 ص 30 ح 2 وفيه ” لاصدقة “، الوسائل ج 13 ص 320 ب 13 ح 3. (6) الكافي ج 7 ص 442 ذيل ح 18، التهذيب ج 8 ص 286 ذيل ح 46، الوسائل ج 16 ص 172 ب 16 ذيل ح 2 وما في المصادر ” ما اريد “.
[ 207 ]
بالثواب حيث تقع صحيحة وهي مشروطة بدخول الجنة يثاب بها وفيها وذلك تمنع في حق الكافر (1). ويدل على كونه عبادة مشروطة بنية القربة ما قدمناه من الأخبار من قولهم ” لا عتق إلا ما اريد به وجه الله تعالى ” والمراد نفي الصحة لأنه أقرب المجازات إلى نفي الحقيقة حيث كانت الحقيقة غير مراده.
وثاني الأقوال: عدم الاشتراط مطلقا، وهو مختار الشيخ في كتابي الفروع، واحتج على ذلك بأن العتق أصله فك ملك وتصرف مالي ونفع للغير، والكافر أهل لهذا كله، بل إن ملكه أضعف من ملك المسلم، ففكه أسهل، ولأن العتق مبني على التغليب، وجاز حمل الخبر على نفي الكمال كقوله صلى الله عليه واله (2) ” لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ” ومن ثم انعقد الاجماع على بطلان عبارة الكافر المحضة دون عتقه، ونحوه من تصرفاته المالية المشتملة على العبادات كالوقف والصدقة ترجيحا لجانب المالية على العبادة.
وثالثها: القول بالتفصيل، واختاره جماعة من الأصحاب فيهم العلامة في المختلف فحكموا بصحة عتق الكافر إن كان كفره بغير جحود الخالق من جحد نبي أو كتاب أو غير ذلك، وبطلانه ممن كان كفره بجحد الخالق لتعذر حصول القربة و وجه الله تعالى منه بخلاف الأول، لأن قوله عليه السلام في المستفيضة ” لا عتق إلا ما اريد به وجه الله ” يقتضي اشتراط إرادة التقرب المتوقفة على الاقرار بالتقرب إليه، وهذا هو المعتمد لأن حمله على نفي الصحة أولى لأنه الأقرب إلى المراد، فيتفق وجود المقتضي وهو عتق الجامع للشرائط التي منها إرادة وجه الله سبحانه وتعالى به، فإن الكافر إذا كان مقرا بالله عز وجل أمكن وقوع ذلك منه، ولا يلزم من اشتراطه بالارادة المذكورة حصول المراد لأن ذلك أمر آخر خارج عن الشرط المعتبر.
(1) كذا في النسخة. (2) التهذيب ج 1 ص 92 ح 93، الوسائل ج 3 ص 478 ب 2 ح 1 وفيهما ” الا في مسجده “.
[ 208 ]
وقولهم ” إن العتق عبادة فيشترط في صحته الاسلام ليترتب الثواب على فعله ممنوع لانتفاء الدليل عليه، وحينئذ فالبطلان في الأول وهو الكافر الجاحد للالهية، فوجهه عدم تصور كونه مريدا بعتقه وجه الله تعالى، وقد ثبت اشتراط ذلك بالأخبار المستفيضة، وأن المراد به نفي الصحة وحملها على نفي الكمال لا يلتزمه الشيخ في جمع الأحوال.
الثالثة: في شرائط المعتق، يعتبر في المعتق كونه مملوكا للمعتق بالفعل كما هو المشهور بين الأصحاب، فلو أعتق غير المالك لا يقع صحيحا وإن أجازه المالك لقوله صلى الله عليه واله في الخبر النبوي (1) المروي من الطرفين ” لاعتق إلا بعد ملك ” وهو مقتضي لوجود الملك بالفعل فلا يجري على مملوك الغير، حتى لو علقه على الملك لم يفد شيئا وكان لاغيا “. و الأخبار بهذا عن أئمتنا عليهم السلام مستفيضة منها صحيحة منصور بن حازم (2) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: لاطلاق قبل نكاح ولاعتق قبل ملك “. وموثقة أبي بصير (3) عن أبى عبد الله عليه السلام ” قال: كان الذين من قبلنا يقولون: لاعتاق ولا طلاق إلا بعد ما يملك الرجل “. وموثقته الاخرى (4) كما في نوادر أحمد بن محمد بن عيسى مثله وزاد ” كل من أعتق ما لا يملك فهو باطل “. وصحيحة عبد الله بن مسكان (5) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: من أعتق ما لا يملك فلا يجوز “.
(1) الكافي ج 6 ص 179 ح 2، سنن أبى داود ج 2 ص 285. (2) الكافي ج 6 ص 179 ح 1، الوسائل ج 16 ص 8 ب 5 ح 1. (3) الكافي ج 6 ص 63 ح 3، الوسائل ج 16 ص 9 ب 5 ح 3. (4) الوسائل ج 16 ص 9 ب 5 ح 3. (5) التهذيب ج 8 ص 249 ح 135، الوسائل ج 16 ص 9 ب 5 ح 4.
[ 209 ]
وخبر مسمع (1) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله: لاعتق إلا بعد ملك “. وخبر الحسين بن علوان (2) كما في كتاب قرب الأسناد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليهم السلام ” أنه كان يقول: لاطلاق لمن لا ينكح ولا عتق إلا ما يملك. وقال علي عليه السلام: ولو وضع يده على رأسها “. وخبر الآخر (3) أيضا كما في قرب الأسناد عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام ” قال: لاطلاق إلا من بعد نكاح ولاعتق إلا من بعد ملك “. وصحيحة علي بن جعفر (4) كما في كتاب الرسائل له عن أخيه عن موسى عليه السلام ” قال: سألته عن رجل يقول: إن اشتريت فلانا فهو حر وإن اشتريت هذا الثوب فهو صدقة وإن نكحت فلانة فهي طالق، قال: ليس ذلك بشئ “. وصحيحة الحلبي (5) عن أبي عبد الله عليه السلام كما في الفقيه ” أنه سئل عن رجل قال: كل امرأة أتزوجها ما دامت أم عاشت امي فهي طالق، فقال: لا طلاق إلا بعد نكاح ولاعتق إلا بعد ملك “. ومثلها مرسلة المقنع (6) عن النبي صلى الله عليه واله. وصحيحة محمد بن قيس (7) عن أبي جعفر عليه السلام ” قال: سألته عن رجل قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق وإن اشتريت فلانا فهو حر وإن اشتريت هذا الثوب
(1) الكافي ج 6 ص 179 ح 2، الوسائل ج 16 ص 8 ب 5 ح 2. (2) قرب الاسناد ص 42 وفيه ” ولا عتاق “، الوسائل ج 16 ص 9 ب 5 ح 5 وفيهما ” لمن لا يملك “. (3) قرب الاسناد ص 113، الوسائل ج 16 ص 9 ب 5 ح 6. (4) بحار الانوار ج 10 ص 267، الوسائل ج 16 ص 9 ب 5 ح 7. (5) الفقيه ج 3 ص 321 ح 3، الوسائل ج 15 ص 286 ب 12 ح 1. (6) المقنع ص 38، الوسائل ج 15 ص 286 ب 12 ح 1. (7) الكافي ج 6 ص 63 ح 5، الوسائل ج 15 ص 287 ب 12 ح 2 وفيهما اختلاف يسير.
[ 210 ]
فهو في المساكين، فقال: ليس بشئ، لاطلاق إلا ما يملك ولا عتق إلا ما يملك ولا صدقة إلا ما يملك “. وخبر النضر بن قرواش (1) عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث ” قال: لاطلاق قبل نكاح ولاعتق قبل ملك “. وخبر زرارة (2) عن أبي جعفر عليه السلام ” قال: من قال فلانة طالق إن تزوجتها وفلانا حر إن اشتريته فليتزوج ويشتري فإنه ليس يدخل عليه طلاق ولاعتق “. وموثقة معمر بن يحيى (3) عن أبي جعفر عليه السلام ” قال: سألناه عن الرجل يقول: إن اشتريت فلانا أو فلانة فهو حر وإن اشتريت هذا الثوب فهو في المساكين وإن نكحت فلانة فهي طالق، قال: ليس ذلك بشئ، لا يطلق الرجل إلا ما ملك ولا يعتق إلا ما ملك ولا يتصدق إلا بما يملك “. وموثقته الاخرى (4) ” أنه سمع أبا جعفر عليه السلام يقول: لا يطلق الرجل إلا ما ملك ولا يعتق إلا ماملك ولا يتصدق إلا بما ملك “. فهذه الأخبار كما ترى تنادي بأن اشتراط الملك بالفعل شرط في صحة العتق، وأن الفضولي منه باطل، وأن المعلق على الملك منه باطل لأمرين: وقوعه من غير المالك وتعليقه على الشرط، وقد استثني من ذلك ما لو جعله نذرا أو ما في معناه من العهد واليمين، مثل: لله علي إعتاقه إن ملكته، فيجب عتقه عند حصول الشرط لعموم الأمر بالوفاء بالنذر، ولا ينعتق بنفسه عند حصول الشرط ولو آنا ما،
(1) الكافي ج 8 ص 196 ح 234، الوسائل ج 15 ص 287 ب 12 ح 4. (2) التهذيب ج 8 ص 51 ح 84، الوسائل ج 15 ص 288 ب 12 ح 9 وفيهما ” وفلان حر – وليشتر “. (3) التهذيب ج 8 ص 52 ح 85، الوسائل ج 15 ص 289 ب 12 ح 10 وفيهما اختلاف يسير. (4) التهذيب ج 8 ص 52 ح 86 وفيه في الموارد الثلاثة ” ما يملك “، الوسائل ج 15 ص 289 ب 12 ح 11.
[ 211 ]
فلو عتق بمجرد ملكه لزم العتق في غير ملك. هكذا استدل المحقق. واجيب بجواز الاكتفاء بالعتق الضمني كملك القريب الموجب للعتق آنا ثم يعتق، إذ لا عتق قبل ملك. هذا إذا كانت الصيغة: لله علي أنه حر إن ملكته، أما إن كانت: لله على إعتاقه، فلا إشكال في افتقار إعتاقة إلى الصيغة، ولو جعل نفس العتق يمينا لم يقع لأن اليمين لا ينعقد بالعتاق ولا بالطلاق ولا بالظهار كما سيجئ في مباحث كتاب الأيمان، ولاستلزامه التعليق في غير النذر، وقد سمعت فيما سبق أن التعليق مفسد له، وأكثر الأخبار الواردة في فساد المعلق والحاكمة به إنما جاءت في اليمين. والفرق بين التعليق في اليمين والتعليق في غيره موكول إلى النية، فإن كان الغرض من التعليق البعث على الفعل إن كان طاعة أو الزجر عنه إن كان معصية كقوله إن حججت فأنت حر أو إن زنيت كذلك قصدا للبعث في الأول والزجر في الثاني فهو يمين وإن كان الغرض مجرد التعليق كإن قدم زيد أو دخلت الدار أو طلعت الشمس فهو شرط أو صفة، والعتق لا يقع معلقا في الجميع كما تقدم. ويتفرع على ما قلناه من اشتراط سبق الملك على العتق مما لو أعتق الأب والجد لأبيه مملوك ولده الصغير من غير أن يقومه على نفسه ويشتريه، أو كان الولد بالغا رشيدا ولم يشتر منه لم يصح، لأنه ما لم يقومه على نفسه مع صغر الولد وما لم يشتره من الكبير يكون عتقه فضوليا، وعتق الفضولي قد عرفت بطلانه لتصريح تلك الأخبار ببطلانه صريحا، وبأنه لم يجز بعد اشتراط سبق الملكية فيها. وهذا الحكم مجمع عليه إلا في مسألة واحدة وهو ما لو أعتق الأب مملوك الولد الصغير بدون تقويم، أو كان الولد كبيرا أيضا، فإن للشيخ هنا خلافا تفرد
[ 212 ]
به في كتابه النهاية والتهذيب حيث صححه استنادا إلى رواية حسين بن علوان (1) عن زيد بن علي عن آبائه عليهم السلام عن على عليه السلام ” قال: أتى النبي صلى الله عليه واله وسلم رجل فقال: يا رسول الله صلى الله عليك وآلك إن أبي قصد عمدا إلى مملوكي فأعتقه كهيئة المضرة لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنت ومالك من هبة الله لأبيك، أنت سهم من كنانته، يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور ويجعل من يشاء عقيما، جازت عتاقة أبيك، يتناول من ولدك ومالك وبدنك، وليس لك أن تتناول من ماله ولابدنه شيئا إلا بإذنه ” فقدم على تخصيص تلك الأخبار المعتبرة الصحيحة المجمع على مضمونها بهذه الرواية الشاذة الضعيفة برجال العامة والزيدية، فالأولى ارتكاب تأويلها بحسب ما يمكن، فإن تعذر ذلك فالواجب إطراحها وحملها على التقية. وقد حملها جماعة على الاستحباب بمعنى أنه يستحب للولد أن يجيز ويمضي ما أمره به أبوه بأن يعمد إلى ما يعتقه الأب فيعتقه. واحتمل في محدث الوسائل كون الأب شريكا فيه ويشهد إليه قوله ” كهيئة المضرة لي ” بأن كان للولد فيه أكثره. واحتمل فيه ممن كونه ينعتق على الولد. وأما على شراء الأب له مع صغر الولد واحتياجه إلى بيعه وعتقه إلى غير ذلك من التأويلات واحتمل فيه الشيخ أيضا. ولا يمكن أن يؤيد بالأخبار الواردة في جواز تصرف الأب في مال الولد في نفقاته ومؤونته وتوسعته، لأن تلك قابلة أيضا للتقييد ومعارضة بما هو أقوى منها سندا ودلالة، وأن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إنما قال ذلك في قضية مخصوصة حيث ادعى الأب إنفاق مال الولد على الولد فأنكره الولد بعد بلوغه فجادله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالتي هي أحسن لأن القول
(1) التهذيب ج 8 ص 235 ح 82 وفيه ” ان أبى عمد الى مملوك لى “، الوسائل ج 16 ص 78 ب 67 ح 1 وفيه ” ان أبى عمد الى مملوكي ” وفيهما ” يتناول والدك من مالك وبدنك ” وليس فيهما ” صلى الله عليك وآلك “.
[ 213 ]
هنا قول الأب كما مر تحقيقة في المكاسب وفي كتاب الحج.
الثاني: الاسلام عند الأكثر، ومنهم شيخ التهذيب والمفيد والمرتضى والأتباع وابن إدريس والمحقق والعلامة لقوله تعالى ” ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ” (1) نهى في هذه الآية في قصد الخبيث بالانفاق، والأصل فيه التحريم المقتضي لفساد العبادة، وللأخبار الكثيرة التي مر ذكرها في اشتراط القربة لقوله عليه السلام فيها ” لاعتق إلا ما اريد به وجه الله تعالى “. ولخصص رواية سيف بن عميرة (2) ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام: أيجوز للمسلم أن يعتق مملوكا مشركا ؟ قال: لا “. والقول بصحة عتقه مطلقا – كما هو للشيخ في كتابي الفروع وقواه أول الشهيدين في شرح نكت الارشاد – هو ثاني الأقوال في المسألة للأصل وعمومات الأخبار. وما روي عن الحسن بن صالح (3) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: إن عليا أعتق عبدا له نصرانيا فأسلم حين أعتقه “. وبما رواه في كتاب قرب الأسناد عن البختري (4) عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام ” أن عليا عليه السلام أعتق عبدا نصرانيا. ثم قال: ميراثه ما بين المسلمين عامة إن لم يكن له ولي “.
وثالث الأقوال التفصيل وهو صحته مع النذر وبطلانه مع التبرع، وهو للشيخ في النهاية والاستبصار جمعا بين الخبرين السالفين بحمل صحة فعل علي عليه السلام
(1) سورة البقرة – آية 267. (2) التهذيب ج 8 ص 218 ح 15، الوسائل ج 16 ص 24 ب 17 ح 5. (3) الكافي ج 6 ص 182 ح 1، الوسائل ج 16 ص 23 ب 17 ح 5. (4) قرب الاسناد ص 66، الوسائل ج 16 ص 24 ب 17 ح 6 وفيهما ” ميراثه بين المسلمين “.
[ 214 ]
على أنه كان قد نذر عتقه لئلا ينافي في النهي عن عتقه في خبر سيف، وهو جمع بعيد كما سنطلعك عليه، وقد طعن في دليل الأول. أما الآية فلأنها إنما دلت على النهي عن إنفاق مال الخبيث – وهو المال الردئ أو الحرام من المال – على ما استفاضت به الأخبار في تفسير الآية كما مر في الزكاة والصدقات وذكره المفسرون، ولا يلزم منه تحريم عتق الكافر لأن الانفاق في المالية لا لاعتاق الخبيث، وربما كانت ماليته خيرمن مالية العبد المسلم، فهو من هذه الحيثية ليس بخبيث، مع أن إطلاق الانفاق على مثل ذلك تجوز بعيد لا يصار إليه إلا بدليل، ولو سلم تناوله للكافر منعنا من عموم النهي عن إنفاق الردئ مطلقا، بل في الصدقة الواجبة للاجماع في النصوص والفتوى على جواز الصدقة المندوبة بالردئ من المال والجيد. وإن كان الردئ أقل فضلا والمعتبرة الدالة على أنه مأمور بالصدقة ولو بشق تمرة ومذقة من لبن وكراع من شاة. وأما الخبر الأول فقد تقدم تحقيقه والمراد منه، وأن ليس المعتبر فيه إلا إرادة وجه الله تعالى وهي ممكنة في حق المعتق الكافر المقر بالله تعالى من مثله ومن المسلم إذا رجي بعتقه الخير واستجلابه إلى الاسلام، ونحو ذلك من المقاصد الجميلة التي يمكن معها إرادة وجه الله تعالى. ويؤيده فعل علي عليه السلام حيث أعتق ذلك العبد النصراني حيث علم أنه يترتب على عتقه استجلابه إلى الاسلام ولهذا أسلم. وأما رواية سيف فهي ضيعفة السند بأبي حمزة البطائني مع أنها أخص من المدعى لأن موردها المشرك فلا يدل عليه بالعموم. نعم، يمكن أن يستدل لهم على المنع بخبر صباح المزني عن ناجية (1) ” قال: رأيت رجلا عند أبي عبد الله عليه السلام فقال له: جعلت فداك إنى أعتقت خادما
(1) الكافي ج 6 ص 196 ح 9 وفيه ” عليها غذا “، الوسائل ج 16 ص 23 ب 17 ح 3 وفيهما ” ما فعلت الخادم ؟ قال: حية، قال: ردها الى مملوكتها “. مع اختلاف يسير.
[ 215 ]
لي وها أنا أطلب شراء خادم لي فما أقدر عليها، فقال: ما فعلت بالخادم ؟ فقال: بعته، فقال: ردها في مملكتك ما أغنى الله عن عتق أحدكم، تعتقون اليوم وتكونون علينا غدا، لا يجوز لكم أن تعتقوا إلا عارفا “. والمراد بالعارف هنا المؤمن أو المستضعف لما يأتي من جواز عتقه. وبخبر علي بن أبي حمزة (1) وقد تقدم في كتاب الوصية ” قال: سألت عبدا صالحا عليه السلام عن رجل هلك فأوصى بعتق نسمة مسلمة بثلاثين دينارا فلم يوجد ما الذي سمى، قال: ما أرى لهم أيزيدوا على الذي سمى ! قلت: فإن لم يجدوا ؟ قال: فليشروا من عرض الناس ما لم يكن ناصبيا “. ولا ينافي هذا صحيحة علي بن مهزيار عن أبي علي بن راشد (2) ” قال: قلت: لأبي جعفر عليه السلام: إن امرأة من أهلنا اعتل صبي لها، فقالت: اللهم إن كشفت عنه ففلانة حرة والجارية ليست بعارفة، فأيهما أفضل جعلت فداك تعتقها أو تصرف ثمنها في وجه الله ؟ قال: لا يجوز إلا عتقها ” لاحتمال أن يكون المراد بغير العارفة المستضعفة لصدقه عليها، ولا يستلزم سلب المعرفة النصب لأن نقيض الأخص أعم من نقيض الأعم، والكفر إنما يستلزمه النصب، فلا تحصل المعارضة بين هذا الخبر وما تقدم لتعليق المنع على النصب لاشعار خبر الأول لقوله عليه السلام ” ما أغنى ” إلى قوله ” وغدا تكونون علينا “. أما الأخبار التي احتج بها المجوز مطلقا فالعام منها مقيد بهذا الخاص، وما دل على عتق علي عليه السلام للنصراني فلعلمه عليه السلام أنه يؤول له من ترغيبه في الاسلام ودخوله فيه. وأما حديث قرب الأسناد فيمكن حمله على التقية لمطابقته لفتوى كثير منهم ولأنه من مروياتهم.
(1) الكافي ج 7 ص 18 ح 10، الوسائل ج 13 ص 462 ب 73 ح 2 وفيهما اختلاف يسير. (2) التهذيب ج 8 ص 228 ح 56، الوسائل ج 16 ص 74 ب 63 ح 1.
[ 216 ]
وأما دليل القول المفصل فقد عرفت أنه نفس الجمع بين الخبرين ولا دلالة في شئ من الخبرين على ذلك. وأما الاستدلال بصحيحة علي بن مهزيار فقد عرفت ما يرد عليها من قبولها للتأويل، بل ينبغي أن يقال بالمنع في النذر، والجواز في غيره لقيام الدليل على اشتراط الرجحان في النذر سيما إذا كان المنذور العتق، ألا ترى إلى خبر على ابن أبي حمزة الذي مورده بالوصية قد أذن في شرائه من عرض الناس حيث لا يوجد المسلمة، واشترط أن لا يكون ناصبيا. فالأقوى إذا المنع من عتق الكافر وسيما إذا كان مشركا أو ناصبيا وما أوهم الجواز يجب حمله على التقية أو على ما لو كان مستضعفا. أما ولد الزنا فهو موضع خلاف لاختلافهم في أن الأصل إسلامه لاكفره إذا لم يظهر كلمة الكفرة، والمشهور جواز عتقه على كراهة ما لم يظهر كلمة الكفر أو يشرط أن يظهر كلمة الاسلام لما ثبت من التلازم الغالبي بين البغض لعلي عليه السلام وبين كونه ولد زنا، والقول بعدم صحة عتقه بناء على كفره وإن أظهر الاسلام للمرتضى وابن إدريس، والحق جواز عتقه إذا أظهر كلمة الاسلام بعد بلوغه، وأما قبل ذلك فالأصل كفره، وقد جمعنا بين الأخبار في كثير من مزبوراتنا. ويدل على جواز عتقه صحيحة سعيد بن يسار (1) كما في الفقيه عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: لا بأس بأن يعتق ولد زنا “. ومثله خبره (2) كما في الكافي والتهذيب عن أبي عبد الله عليه السلام مثله “. وكذلك ولده لموثقة سعيد بن يسار (3) عن أبي عبد الله عليه السلام ” في الرجل
(1) الفقيه ج 3 ص 86 ح 1، الوسائل ج 16 ص 22 ب 16 ح 1. (2) الكافي ج 6 ص 182 ح 2، التهذيب ج 8 ص 218 ح 13. (3) التهذيب ج 7 ص 448 ح 1، الوسائل ج 16 ص 23 ب 16 ح 2 وفيهما ” فيولد لهما ولدا يعتق “.
[ 217 ]
يكون عنده العبد ولد زنا فيزوجه الجارية فيولد له ولد يعتق ولده يلتمس به وجه الله ؟ قال: نعم لا بأس فليعتق إن أحب. ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: لا بأس فليعتق إن أحب “. وأما حديث ” أن ولد الزنا لاينجب ” فهو لا يدل على كفره، فلا يجوز التمسك به في المنع لأن النجابة المنفية مغايرة للاسلام لغة وعرفا، وقد جاء نفي النجابة عن جماعة من آحاد المؤمنين ولو كان باعتبار صناعته كما جاء في الحايك أنه لا ينجب إلى سبعة آباء مثل ما ورد في ولد الزنا. وجاء في خبر سعيد بن جناح (1) كما في الخصال رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام ” قال: ستة لاينجبون: السندي والزنجي والتركي والكردي والخوزي ونبك الري ” والخوزي أهل خوزستان والنبك المكان المرتفع، ويحتمل أن يكون إضافته إلى الري بيانية وفي بعض النسخ تقديم الباء على النون وهو بالضم أصل الشئ وخالصه. وقد جاء فيهم أيضا أنه لايدخل الايمان في قلوبهم كما جاء في خبر مطرق (2) مولى معن كما في الخصال عن أبي عبد الله عليه السلام ” أنه قال: لايدخل حلو الايمان في قلب سندي ولا زنجي ولاخوزي ولاكردى ولابربري ولانبك الري ولا من حملته امه من الزنا “. وفي مرفوعة داود بن فرقد (3) عن أبي جعفر عليه السلام وأبي عبد الله عليه السلام ” قال: ثلاثة لا ينجبون: أعور يمين وأزرق كالفص ومولد السند “. إلى غير ذلك من الأخبار الشاهدة لمجامعة هذه الصفات المؤمن وإن لم يكن
(1) الخصال ج 1 و 2 وص 328 ح 21 طبع مؤسسة النشر الاسلامي – قم. (2) الخصال ج 1 و 2 ص 352 وفيه ” الايمان قلب “. الخصال ج 1 و 2 ص 110 ح 80 وفيه ” أبى جعفر أو أبى عبد الله “، الوسائل ج 14 ص 55 ب 31 ح 3 وفيه ” أعور عين “.
[ 218 ]
إيمانه كاملا.
الرابعة: لو شرط المعتق في عتقه على المملوك شرطا سائغا من خدمة أو غيرها لم ينافي القربة لزمه الوفاء به، وفاقا للأكثر، فليزم العبد به. أما لو شرط إعارته في الرق مع المخالفة فهو موضع خلاف، فالمشهور أنه كذلك، وقيل: يبطل العتق لأنه اشتراط للاسترقاق ممن ثبت حريته. وقيل: يبطل، بل قد نقل جماعة عليه الاجماع الشرط خاصة. و يدل على الحكم الأول المستفيضة من النبوية وغيرها، ومنها الصحيحة وغيرها (1) ” المؤمنون عند شروطهم “. وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (2) عن أحد هما عليهما السلام ” في الرجل يقول لعبده: أعتقك على أن ازوجك ابنتي فإن تزوجت عليها أو تسريت فعليك مائة دينار، فأعتقه على ذلك فيتزوج أو يتسرى، قال: عليه مائة دينار “. ورواه في الصحيح عن يعقوب بن شعيب (3) ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أعتق جاريته وشرط عليها أن تخدمه خمس سنين فأبقت ثم مات الرجل فوجدها ورثته، ألهم أن يستخدموها ؟ قال: لا “. وما رواه ابن بابويه في الصحيح عن أبي العباس البقباق (4) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال سألته عن رجل قال: غلامي حر وعليه عمالة كذا وكذا، قال: هو حر وعليه العمالة “. وموثقة عبد الرحمن بن أبي عبد الله (5) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: أوصى أمير
(1) الفقيه ج 3 ص 29 ح 21 وص 75 ح 8، الوسائل ج 16 ص 103 ب 4 ح 3 و 5 و 7 وفيهما ” المسلمون “. (2) الكافي ج 6 ص 179 ح 4، الوسائل ج 16 ص 18 ب 12 ح 4 وفيهما اختلاف يسير. (3) الكافي ج 6 ص 179 ح 2، الوسائل ج 16 ص 17 ب 11 ح 1. (4) الفقيه ج 3 ص 75 ح 7، الوسائل ج 16 ص 16 ب 10 ح 2 وفيهما ” كذا وكذا سنة “. (5) الكافي ج 6 ص 179 ح 1 وفيه ” أبا نيزر “، الوسائل ج 16 ص 16 ب 10 ح 1.
[ 219 ]
المؤمنين عليه السلام فقال: إن أبا نيروز ورباحا وجبيرا اعتقوا أن يعملوا في المال خمس سنين “. وموثقة عبد الرحمن بن أبي عبد الله (1) عن أبي عبد الله عليه السلام بل صحيحته كما في التهذيب (2) ” قال: سألته عن رجل قال: غلامي حر وعليه عمالة كذا وكذا سنة، قال: هو حر وعليه العمالة “. وصحيحته الاخرى (3) كما في الفقيه مثله، وزاد ” قلت: إن ابن أبي ليلى يزعم أنه حر وليس عليه شئ، قال: كذب، إن عليا عليه السلام أعتق أبا نيروز وعياضا ورياحا وعليهم عمالة كذا وكذا سنة ولهم كسوتهم ورزقهم بالمعروف في تلك السنين “. وصحيحة إسحاق بن عمار (4) وغيره عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: سألته عن الرجل يعتق مملوكه وغيره ويزوجه بابنته، ويشترط عليه إن هو أغارها أن يرده في الرق، قال: له شرطه “. وصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله (5) ” أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن رجل قال لغلامه: أعتقك على أن ازوجك جاريتي هذه، فإن تزوجت عليها أو تسريت فعليك مائة دينار، فأعتقه على ذلك، فنكح أو تسرى، أعليه مائة دينار ويجوز شرطه ؟ قال: يجوز عليه شرطه “. ” قال: وقال أبو عبد الله عليه السلام في رجل أعتق مملوكه على أن يزوجه ابنته وشرطه عليه إن تزوج أو تسرى عليها فعليه كذا وكذا، قال: يجوز “.
(1) في الفقيه والتهذيب والوسائل ” عن أبى العباس عن أبى عبد الله “. (2) التهذيب ج 8 ص 237 ح 90، الوسائل ج 16 ص 16 ب 10 ح 2. (3) الفقيه ج 3 ص 75 ح 7 وفيه ” أبا نيزر “، الوسائل ج 16 ص 16 ب 10 ح 3. (4) الكافي ج 6 ص 179 ح 3، الوسائل ج 16 ص 18 ب 12 ح 3 وليس فيهما ” وغيره “. (5) الفقيه ج 3 ص 69 ح 15 و 16، الوسائل ج 16 ص 17 ب 12 ح 1 و 2 وفيهما ” فان نكحت “.
[ 220 ]
وهل يشترط في لزوم الشرط على القول به قبول المملوك ؟ قيل: لا، وهو ظاهر اختيار المحقق، لأن المولى مالك العبد ومنافعه وله الضريبة عليه وهي إلزامه بمال من كسبه، فإذا شرط عليه خدمة أو مالا فقد فك ملكه عنه وعن منافعه واستثنى بعضها فكان له ذلك. وقيل – والقائل العلامة في التحرير -: ويشترط مطلقا لاقتضاء التحرير تبعية المنافع فلا يشترط شيئا منها إلا برضا المملوك. وفصل العلامة في القواعد ما اشترط في اشتراط المال دون الخدمة. واختاره فخر المحققين في شرحه على القواعد واستدلا على اشتراط قبوله في المال بما رواه حريز (1) في الصحيح ” قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل قال لمملوكه: أنت حر ولي مالك، قال: لا يبدأ بالحرية قبل المال فيقول له: لي مالك وأنت حر إلا أن يرضى المملوك ” فالمال للسيد، وفي وصفه الرواية بالصحة ونسبتها إلى حريز نظر لأن حريز بن عبد الله السجستاني تأبى روايته هنا القبلية والبعدية، مع مخالفته لما هو موجود في التهذيب لأن الراوي أبو حريز (2) وهو غير موثق لأنه واقفي فلا تكون الرواية من الصحيح، ومع ذلك فليست مما نحن فيه من شئ لأن موردها مال العبد عند عتقه، لأنه لا يصير للسيد إلا باشتراطه حيث يكون عالما به، وإذا كان غير عالما به فالمال للسيد كما جاء في عدة أخبار معتبرة، فعرفه عليه السلام طريق الاشتراط بأن يكون سابقا على العتق لامن باب اشتراط المال في مقابلة عتقه أو مخالفته لشرطه كما علمت من الأخبار السابقة ومحل ذلك الخلاف.
(1) الفقيه ج 3 ص 92 ح 1 وفيه ” قال: يبدأ بالمال قبل العتق – برضا من المملوك “. التهذيب ج 8 ص 224 ح 39 وفيه ” أبى جرير قال: سألت أبا الحسن – برضا المملوك “. الوسائل ج 16 ص 34 ب 24 ح 5 وفيه ” أبى جرير قال: سألت أبا جعفر عليه السلام – برضا المملوك فان ذلك أحب الى “. (2) وفي التهذيب ” أبو جرير “.
[ 221 ]
فمن تلك الأخبار المشار إليها موثقة زرارة (1) كما في الكافي والتهذيب والفقيه عن أبي جعفر عليه السلام ” قال: إذا كان للرجل مملوك فأعتقه وهو يعلم أن له مالا ولم يكن استثنى السيد حين أعتقه المال فهو للعبد “. وصحيحة زرارة وحسنته (2) عن أحد هما عليهما السلام كما في الفقيه والكافي ” في رجل أعتق عبدا له وله مال، لمن مال العبد ؟ قال: إن كان علم أن له مالا تبعه ماله وإلا فهو للمعتق ” وزاد في الفقيه ” وقال في رجل باع مملوكا وله مال: إن علم مولاه الذي باعه أن له مالا فالمال للمشتري، وإن لم يعلم البائع فالمال للبائع “. وخبره (3) ” قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل أعتق عبدا وللعد مال، لمن المال ؟ فقال: إن كان يعلم أن له مالا تبعه ماله وإلا فهو له “. وصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله (4) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: سألته عن رجل أعتق عبدا له وللعبد مال وهو يعلم أن للعبد مالا فتوفي الذي أعتقه، لمن يكون مال البعد ؟ يكون للذي أعتق العبد أو للعبد، قال: إذا أعتقه وهو يعلم أن له مالا فماله له وإن لم يعلم فماله لولد سيده “. وحيث كان مؤدى هذه الأخبار كما ترى وأنه لا يصير المال إذا كان معلوما للمولى إلا بالشرط عرفه طريقه الشرط ليصير ذلك المال له، فأمره أن يذكره
(1) الكافي ج 6 ص 190 ح 2، الفقيه ج 3 ص 69 ح 19، التهذيب ج 8 ص 223 ح 37، الوسائل ج 16 ص 33 ب 24 ح 1 وما في المصادر اختلاف يسير. (2) الكافي ج 6 ص 190 ح 3، الفقيه ج 3 ص 69 ح 18 وفيه ” عبدا له مال لمن مال العبد ؟ – قال: ان علم مولاه ” الوسائل ج 16 ص 34 ب 24 ح 2 و 3. (3) التهذيب ج 8 ص 223 ح 36 وفيه ” أعتق عبدا له “، الوسائل ج 16 ص 34 ب 24 ح 4. (4) التهذيب ج 8 ص 223 ح 38، الوسائل ج 16 ص 35 ب 24 ح 6 وفيهما ” أن له مالا – أيكون “.
[ 222 ]
أولا فلا يمكن الاحتجاج به على هذه الدعوى، إذ لو كان كذلك لالتزم ذكره أولا قبل العتق كما هو مقتضى هذا الخبر، والعجب من غفلة علمائنا عن مؤاده حتى احتجوا به لقول العلامة ومن تبعه. وأعجب من هذا غفلة السيد في شرحه على النافع حتى قال بعد طعنه في صحة الرواية: لكن لا بأس بالمصير إلى هذا القول اقتصارا في الحكم بإلزام العبد شيئا لسيده بدون رضاه على موضع اليقين. فالحق لزوم ذلك الشرط مطلقا، سواء قدمه أو أخره، رضي به العبد أم لم يرض لاطلاق تلك النصوص. أما الشرط الثاني وهو اشتراط إعادته في الرق إن خالف وهو موضع الخلاف المتعلق بصحة العتق والشرط أو بطلانها معا أو صحة العتق خاصة وبطلان الشرط فالأخبار بالنسبة إلى هذه الأقوال كلها منتفية سوى القول بصحتها لعموم المؤمنين عند شروطهم. ولمعتبرة إسحاق بن عمار (1) المتقدمة عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: سألته عن الرجل يعتق مملوكه ويزوجه ابنته ويشترط عليه إن أغارها أن يرده في الرق، قال: له شرطه “. وقد ضعف المحقق هذه الرواية في النكت لشذوذها وضعف سندها ومنافاتها لاصول المذهب. وفيه نظر، لأن الخبر ليس بضعيف إلا من جهة رميهم لاسحاق بن عمار بالفطحية ولم يثبت، وأما الشذوذ فلا معارض لها في الأخبار بل عمل المشهور عليها مع تأييدها ب ” المؤمنون عند شروطهم “. أما ما استندنا إليه في البطلان بأن صحة الشرط يستلزم عود من ثبت حريته إلى الرق وهو غير جائز ولامعهود
(1) الكفى ج 6 ص 179 ح 3، الوسائل ج 16 ص 18 ب 12 ح 3 وفيهما ” ان هو أغارها “.
[ 223 ]
ففيه: أن هذه الكلية لم تثبت، وعلى تقدير ثبوتها فيجوز تخصيصها بالنص على أنه لم يعتق عتقا مطلقا بل عتقا مشروطا بقيامه بالشرط، ومع المخالفة يعود في الرق كما جاء في عتق المكاتبة المشروطة، وليس ذلك إلا من جهة الشرط. وأما القول الثالث الذي هو مختار ابن إدريس وقواه فخر المحققين في شرح القواعد – وهو صحة العقد وبطلان الشرط – فوجهه: أن العتق مستكمل الشرائط فتثبت صحته، وأما الشرط ففساده مختص به لأنه مخالف لمقتضى العتق، إذ من شأن العتق الصحيح أن لا ينتقض وفساد الشرط لا يتعدى إلى العتق إلا بدليل، كما ثبت في كثير من شرائط النكاح والبيوع الباطلة مع صحة الأنكحة والبيوع كما تقدم في كتاب البيع والنكاح لأنهما شيئان، ولا يلزم من فساد أحد هما لعارض وهو مخالفته المشروع بطلان الآخر لأن بناء العتق على التغليب كما قررناه غير مرة. وبالجملة: أن المتبع في هذا كله هو الدليل الخاص، ولا دليل من النصوص لما سوى القول المشهور. وأما ما وجهه ثاني الشهيدين في المسالك بطلانهما معا بأن العتق مجردا عن الشرط غير مقصود وبناء العتق على التغليب لا يدل على صحته من دون القصد فهو من باب معارضة الدليل من الأخبار بالاعتبار. تتمة لو كان المشهور في العتق خدمة زمان معين وأخل المعتق بالخدمة المشترطة عليه تلك المدة لم يعد إلى الرق بذلك الاخلال، وليس للمشروط له مطالبته بالخدمة في مثل ذلك المدة للأصل وعدم كون الخدمة مثليا. وكذا ليس لورثته إلزامه بالخدمة لو مات المعتق المشترط لفوات الخدمة المعينة بالزمان. وقد اختلفوا في أنه هل تثبت مثل اجرة الخدمة المشروطة للمالك أو ورثته ؟ “
[ 224 ]
قال الشيخ في نهايته وأتباعه وابن الجنيد: لا، لصحيحة يعقوب بن شعيب (1) التي رواها المحدثون الثلاثة ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أعتق جاريته و شرط عليها أن تخدمه خمس سنين فأبقت ثم مات الرجل فوجدها ورثته، ألهم أن يستخدموها ؟ قال: لا “. وقال ابن إدريس والمحقق والمتأخرون: إنه يجب عليه اجرة مثل تلك الخدمة لأنها حق متقدم بالمال فيثبت في الذمة قيمته وهو اجرة المثل. وهذه الروايات الصحيحة غير منافية لذلك لأنها إنما نفت مماثل الخدمة، ونحن نقول به لأن مدة الخدمة المعينة قد فاتت وهي ليست مثلية حتى تلزم الخدمة في مثلها وإنما عليه اجرة مثلها لأنها مستحقة عليه وقد فوتها عليهم، ونفي الاستخدام لا يقتضي نفي الاجرة الثانية لهم عوضا عما فوت عليهم من الحق. وهذا حسن وقد تقدم له في أحكام المهور من النكاح ما يماثله كمن تزوج على تعليم سورة ثم طلقها قبل الدخول وقبل أن يعلمها أو بعد أن علمها فإن المهر ينتصف هنا بنصف اجرة المثل على تعليمها. ففي خبر زرارة (2) عن أبي جعفر عليه السلام كما في الكافي والتهذيب ” في رجل تزوج امرأة على تعليم سورة من كتاب الله ثم طلقها قبل أن يدخل بها، فبم يرجع عليها ؟ قال: بنصف ما يتعلم به تلك السورة “.
وهاهنا فروع:
الاول: لو نذر عتق أول مملوك يملكه فاتفق ملكه جماعة دفعة واحدة فلا كلام في صحة النذر للدليل، وإن كان المنذور مبهما فإنه جائز فيه كما يجوز
(1) الكافي ج 6 ص 179 ح 2، الفقيه ج 3 ص 69 ح 17، التهذيب ج 8 ص 222 ح 30، الوسائل ج 16 ص 17 ب 11 ح 1. (2) الكافي ج 5 ص 382 ح 14 وفيه ” على سورة – فبما – يعلم به مثل “، التهذيب ج 7 ص 364 ح 38 وفيه ” بم يرجع “، الوسائل ج 15 ص 27 ب 17 ح 1.
[ 225 ]
نذر العين الأصل والنصوص. ثم إنه إن اتفق ملك واحد ببيع أو هبة أو ميراث أو غيرها من الأسباب عتق، وهل يشترط في عتقه أن يملك آخر بعده ؟ وجهان، بل قولان مبنيان من أن الأولوية من الامور النسبية التي تقتضي أمرين: أحد هما ثبوتي وهو سبقه لغيره، والآخر عدمي وهو عدم سبق غيره له، وعلى الشك في اقتضائه الأمر الأول عرفا، والأظهر عدم الاشتراط وإن ملك جماعة كما هو فرض المسألة المذكورة ثم ملكهم دفعة واحدة، ففيه أقوال:
أحدها: لزوم عتق واحد منهم ويخرج بالقرعة، أما لزوم العتق فالمقتضي النذر لوجود شرطه، فوجب الوفاء به لأن الأولية موجودة في كل واحد منهم لأنه بملكه الجماعة صدق أنه ملك واحد لأنه من جملة الجماعة. وأما إخراجه بالقرعة فلانتفاء الأولية عن أحدهم، ولصحيحة الحلبي (1) التي مر ذكرها عن الصادق عليه السلام ” في رجل قال: أول مملوك أملكه فهو حر، فورث سبعة جميعا، قال: يقرع بينهم ويعتق الذي يخرج سهمه “. وهذا مختار الشيخ في النهاية وقبله الصدوق وجماعة. ومثل صحيحة الحلبي خبر عبد الله بن سليمان (2) ” قال: سألته عن رجل قال: أول مملوك أملكه فهو حر، فلم يلبث أن ملك ستة، أيهم يعتق ؟ قال: يقرع بينهم ثم يعتق واحد “. وربما استشكل انعقاد النذر هنا لأنه إنما تعلق بعتق مملوك واحد يصدق عليه أنه أول، فإذا ملك جماعة لم يوجد الشرط. وفيه: أن الأولية صادقة مع الوحدة والتعدد إلا أنها هنا محتملة التعلق
(1) التهذيب ج 8 ص 225 ح 44، الوسائل ج 16 ص 69 ب 57 ح 1 وفيهما ” ويعتق الذى قرع “. (2) التهذيب ج 2 ص 225 ح 43، الوسائل ج 16 ص 70 ب 57 ح 2 وفيهما ” واحدا “.
[ 226 ]
بكل واحد منهم، ولهذا حكم الشارع باستخراجه بالقرعة ليعلم ما عند الله فيما هو متساو بحسب الظاهر. وقال ابن الجنيد: يتخير الناذر مع بقائه وقدرته إلا فالقرعة. واختاره الشيخ في التهذيب والمحقق في نكت النهاية. واستدل عليه في التهذيب بما رواه عن الحسن الصيقل (1) وكذلك الصدوق في الفقيه ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل قال: أول مملوك أملكه فهو حر، فأصاب ستة، فقال: إنما كان لله عليه واحد فليتخير أيها شاء فليعتقه “. فأجاب عن رواية القرعة بالحمل على أن ذلك هو الأولى والأحوط وإن كان التخير جائزا. واستجوده السيد في شرح النافع لو تكافأ السندان لكنه قال: إن رواية القرعة صحيحة السند وفي طريق هذه الرواية عدة من الضعفاء فلا تصلح لمعارضة تلك الرواية. وكأنه – قدس سره – أراد بالضعف ما يشمل إهمال الحال، وإلا فليس في طريقها من حكم بضعفه سوى إسماعيل بن يسار الهاشمي، وإلا فعبد الله ابن غالب الذي هو في طريقها الظاهر أنه الأسدي الشاعر أخو إسحاق بن غالب وهو ثقة، وأما الحسن الصيقل راويها فهو مهمل ولم يكن مقدوحا عليه، هذا إن لم يكن متحدا بالعطار أو الضبي، وإلا كان ثقة فلم تتعدد الضعفاء فيها كما ترى. ولهذا قال جده في المسالك: وهذه – يعني رواية الصيقل – ضعيفة السند فإن في طريقها إسماعيل بن يسار وهو ضعيف والحسن الصيقل مجهول الحال. فكان على السيد متابعة جده في هذا القدح والتحرز عن هذه العبارة الموهمة، وكأنه – قدس سره – لم يراجع كلام جده هنا كمال المراجعة. (1) الفقيه ج 3 ص 92 ح 2 وفيه ” انما كانت نيته “، التهذيب ج 8 ص 226 ح 45 وفيه ” انما كان نيته “، الوسائل ج 14 ص 70 ب 57 ح 3 وما في المصادر ” نيته على واحد فليختر أيهم “.
[ 227 ]
ومع هذا كله فالرواية الناطقة بالقرعة المؤيدة بخبر عبد الله بن سليمان – وقد مر ذكره – وهذه الرواية لا مؤيد لها، فحملها على تعذر القرعة حسن وعند إمكانها فلا تخيير. وأما الجمع بينهما بالاستحباب كما فعله العاملون بهذه الرواية الضعيفة بحمل صحيحة الحلبي على الاستحباب ففيه نظر، لعدم التكافؤ في العدد والسند، فالعمل بها متعين لعدم المعارض في الحقيقة، وتحمل هذه الضعيفة على ما قلناه من تعذر القرعة، ويمكن حملها على التقية لعدم اعتبار القرعة عند هم وإن رووها في صحاحهم لأنهم خصوا جوازها بزمن النبي صلى الله عليه واله. وقد ذهب ابن إدريس إلى بطلان هذا النذر من أصله لعدم تحقق محله لأنه لا يتحقق إلا مع الوحدة، لأن من يملك جماعة في أول وهلة لا أول لها لينعقد نذره، وقد عرفت الجواب عنه. واحتمل العلامة في القواعد حرية الجميع لتحقق الأولية في كل واحد، كمن قال من سبق فله عشرة، ثم ضعفه بوجود الفرق بين الصيغتين بأن ” من ” للعموم و ” مملوك ” للخصوص لأن المراد منها حال الايجاب فردا بعينه. وقال شهيد الدروس: إنه لو أراد بمملوك الجنس ملغي فيه اعتبار الفردية ساوى ” من ” في الحكم والعموم، وهو مشكل، لأن الجنس يتحقق بالواحد فلا يعتق ما عداه، بخلاف ” من ” فإنها في اللفظ موصولة وهي من صيغ العموم. ولو عبر في هذا النذر بصيغة الموصول بأن يقول أول ما أملكه من المماليك فهو حر وجب عتق الجميع بغير إشكال.
الثاني: لو نذر عتق أول ما تلده أمته وكان ما تلده مملوكا له فولدت تو أمين عتقا جميعا، والوجه في ذلك أن ” ما ” في ” ما تلده ” موصولة فتتناول الجميع بخلاف لفظ المملوك في المسألة السابقة فإنه نكرة في الاثبات فلا تعم. ويدل عليه من الأخبار خبر عبد الله بن الفضل الهاشمي (1) عن أبيه رفعه ” قال:
(1) الكافي ج 6 ص 195 ح 7، الوسائل ج 16 ص 42 ب 31 ح 1.
[ 228 ]
قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل نكح وليدة رجل أعتق ربها أول ولده تلده فولدت توأما، فقال: اعتق كلاهما “. لكن مورد الرواية كما ترى إنما هو النكرة في سياق الاثبات. وظاهر كلام جملة من المتأخرين اعتبار عتقهما معا متوقف على التعبير بالموصول، وأنه لو تعلق النذر هنا بأول ولد تلده المرأة لم يتناول المتعدد وكأنهم لم يلتفتوا إلى هذا النص إما لعدم الوقوف عليه أو لضعفه بالارسال ومخالفته للقواعد. وفيه نظر، لأن التوأمين إن دخلا في الأولية لتنزيلهما منزلة الولد الواحد فلا إشكال في صدق الأولية عليهما، وإن نظر إلى كونهما متعددين تعلق العتق بمن تلده أولا، وإن خرجا دفعة أو اشتبه حاله فالمحكم فيه القرعة أو التخيير في المسألة الاولى، فالحق اتباع النص في ذلك. وقد حكم بعتقها معا إما لصدق الأولية عليهما معا أو لأنهما بمنزلة الولد الواحد. وقد اعتبر جماعة من المتأخرين في عتقهما معا عند التعبير ب ” ما ” الواردة دفعة واحدة، وإن كان نادرا قالوا: إذ لو سبق خروج أحد هما لكان هو الأول. وإطلق الأكثر الحكم من غير تقييد بالدفعة تبعا لاطلاق الرواية المذكورة. قال فاني الشهيدين في المسالك بعد نسبته هذا الكلام إلى الأكثر: وهو حسن لو صلحت الرواية لاثبات الحكم، وهذا ظن منهم بأن التعبير وقع فيها بلفظ ” ما ” ولم نقف عليها كذلك. هذا كله إذا ولدت الأول حيا وإلا عتق الثاني لأن الميت لا يصلح للعتق ونذره صحيحا يدل على موته التزاما وقيل: يبطل هنا لفوات متعلقه. ولو ولدته مستحقا للعتق كالمقعد والأعمى فالو جهان، وأولى بعدم عتق الثاني هنا لصلاحية الأول العتق، غاية الأمر اجتماع سببين لعتقه، وهذا غير مضر. أما لو قال في نذره ” أول حمل ” عتق التوأمان مطلقا بغير إشكال الحمل اسم
[ 229 ]
التوأمين معا.
الثالث: لو أعتق بعض مماليكه فقيل له: هل أعتقت مماليكك ؟ فقال: نعم لم ينعتق بهذا الاقرار إلا من سبق عتقه وإن كان ظاهر الصيغة العموم. والأصل في هذه المسألة موثقة سماعة (1) كما رواه شيخ التهذيبين ” قال: سألته عن رجل قال لثلاثة مماليك له: أنتم أحرار وكان له أربعة، فقال له رجل من الناس: أعتقت مماليكك ؟ فقال: نعم أيجب العتق للأربعة حينئذ جميعهم ؟ أو هو للثلاثة الذين أعتق ؟ فقال: إنما يجب العتق لمن أعتق “. وقد رواها الصدوق (2) أيضا من الموثق، وهى مستند المشهور. والظاهر أن مرادهم لا ينعتق في نفس الأمر إلا من سبق عتقه لأن قوله ” نعم ” في جواب ذلك السؤال لا يكفي في حصول العتق. أما في الظاهر فالحكم مشكل لأنه يجب عليه الحكم بعتق الجميع لأن قوله ” نعم ” عقيب الاستفهام عن عتق عبيده الذي هو جمع مضاف مفيد للعموم، فيفيد الاقرار بعتق جميع عبيده. ويمكن أن يكون الاستفهام عن عبيده الذي سمع المستفهم بعتقهم فتكون الاضافة عمدية فيلغى العموم عنها، فلا يدخل في الظاهر والواقع إلا من أجرى العتق عليهم لأن الاقرار إنما يجري على الظواهر عموما وخصوصا حيث يجرد عن القرينة وإلا فعند وجودها فلا يحكم إلا بما دلت عليه. وبهذا اندفع ما أورده ثاني الشهيدين في المسالك من البحث والاشكال حيث قال: وفي هذا الحكم بحث، وفيه على إطلاقه إشكال، لأن الحكم إن كان جاريا على ما في نفس الأمر من دون أن يعتبر لفظه إقرارا بالعتق ظاهرا فالحكم كذلك، ولا فرق فيه بين كون من أعتقهم بالغين حد الكثرة أو عدمه، فلو كان قد أعتق واحدا منهم وعين بذلك لم يعتق سوى من كان قد أعتقه، لأن الاقرار ليس من الأسباب
(1) التهذيب ج 8 ص 226 ح 46، الوسائل ج 16 ص 70 ب 58 ح 1 وفيهما اختلاف يسير. (2) الفقيه ج 3 ص 68 ح 12.
[ 230 ]
الموجبة لانشاء العتق في الحال وإنما هو إخبار فيما سبق، فلا يصح إذا لم يكن [ له ] مطابق [ في ] الخارج سابق عليه مستند إلى سبب اقتضائه، فما كان وقع عليه العتق انصرف إليه وغيره يبقي على أصل الرق، قليلا كان أم كثيرا. وإن كان جاريا على ظاهر الاقرار فمقتضاه الحكم بانعتاق جميع مماليكه، لأن ” مماليك ” جمع مضاف وهو يفيد العموم، و ” نعم ” يقتضي تقرير السؤال وإعادته فيكون إقرار بعتق الجميع، والرواية قاصرة عن إفادة قصر الحكم على ما في نفس الأمر وإطراح الاقرار ظاهرا من حيث إنها مقطوعة ضعيفة السند، إلا أن الشيخ لا يراعي في علمه تصحيح الرواية خصوصا في النهاية، وتبعه الجماعة زاعمين انجبار الضعف بالشهرة بل بصيغة جمع الكثرة، فكيف ينصرف الاقرار إلى ما أعتقه خاصة وتحصل المطابقة بين عتقه لواحد وبين قوله عتقت مماليكي. ولأجل ذلك استقرب العلامة في القواعد اشتراط الكثرة في المعتق ليطابق لفظ الاقرار، والاشكال فيه أقوى من الاطلاق لأنه لا يجري على الظاهر ولا على ما في نفس الأمر. أما الظاهر فلما ذكرناه من استلزام الاقرار عتق الجميع من حيث إن ” مماليك ” جمع مضاف وقد أقره بالاقرار به. وأما في نفس الأمر فلأن العتق لم يقع فيه إلا على من باشر عتقه خاصة، وصيغة الاقرار ليست من الأسباب المسببة لعتق باقي العدد المعتبر في الكثرة منه لما وقع عليه العتق. واعتذر له ولده فخر الدين – رحمه الله – بأنه إذا أعتق ثلاثة من ممالكيه يصدق قوله هؤلاء مماليكي حقيقة. فإذا قيل له: أعتقت مماليكك ؟ فقال: نعم وهو يقتضي إعادة السؤال وتقريره، فيكون إقراره بعتق المماليك الذين انعتقوا فلا يلزم هم لأصالة البراءة، ولأن الاقرار إنما يحصل على التحقيق والمتيقن لا على ما فيه احتمال.
[ 231 ]
ثم قال: وهل يشترط في الاقتصار على كثيرة بحيث يصدق عليه الجمع حقيقة أم لا ؟ قولان ومنشأهما: أن اللفظ إنما يحمل على الاقرار على أصل الحقيقة ومن حيث أصل البراءة ومن جواز التجوز به، فعلى عدم الاشتراط يكتفي بالواحد على الاشتراط ويلزم بعتق ما يصدق عليه الجمع، ويكون في الباقي كالمشتبه، ثم جعل هذا البحث مبتنيا على الحكم بمجرد الاقرار ظاهرا، أما البحث عما في نفس الأمر فلا ينعتق إلا ما وقع عليه العتق. ثم قال – قد سره – بعد انتهاء الكلام إلى هذا المقام من كلام العلامة وابنه: وفيه نظر من وجوه:
الأول: ظهور الفرق بين المتنازع فيه وهو قوله ” أعتقت مماليكي ” الذي هو مقتضى قوله ” نعم ” جوابا لمن (1) ” أعتقت مماليكك ” وبين قوله عن ثلاثة من مماليكه ” هؤلاء مماليكي وإن اشتركا في صيغة العموم، لأن لفظ العموم يستغرق ما يصلح له ويدخل فيه دون غيره، فقوله ” أعتقت مماليكي ” يصلح الجميع من هو داخل في ملكه وإن بلغوا ألفا فيتناولهم العموم، وقوله ” هؤلاء مماليكي ” إنما يتناول المشار إليهم دون غير هم فلا يلزم من صدق قوله من الثلاثة هؤلاء مماليكي اختصاص الحكم بعتق الثلاثة إذا قال أعتقت مماليكي الدال بلفظه على الجميع.
الثاني: قوله ” فيكون إقرارا بعتق المماليك الذين انعتقوا فلا يلزم بغيرهم ” لا يتم إلا بحسب نفس الأمر، أما بحسب الظاهر فقد وجد الاقرار بالعتق الدال بالوضع على الجميع فلا يختص بالبغض، وبهذا يقطع أصل البراءة، وقد اعترف بأن الحكم مبني على الظاهر لا على نفس الأمر حينئذ.
الثالث: قوله ” إن الاقرار إنما نحمله على التحقيق والمتيقق في نفس الأمر لا على ما فيه احتمال ” إن أراد به المتيقن بحسب مدلول اللفظ فمسلم، لكن لا
(1) والصحيح ” لمن قال “.
[ 232 ]
ينفعه في الاقتصار على الثلاثة لأن مدلول اللفظ والمتيقن منه يتناول لجميع مماليكه بالنظر إلى عموم لفظة الاقرار، وإذا أراد المتيقن في نفس الأمر ويبقي المحتمل خروجه وإن دل عليه لفظ الاقرار فظاهر فساده لأن الانسان مؤاخذ بما دل عليه لفظه وإن احتمل في نفس الأمر براءته منها. وكذا لو قال أعتقت عبيدي ولم يكن أعتق أحد منهم فإنه يؤخذ بإقراره ويحكم عليه بعتق الجميع أو البعض على حسب ما قد علم.
الرابع: ترتيب الخلاف في الحكم على عتق واحد خاصة أو أقل الجمع على الظاهر مع وجود اللفظ الدال على الجميع، والعموم غير مطابق، بل اللازم من العمل بالظاهر الحكم عليه بعتق الجميع أو الجمع. أما الاختصار على الواحد فلا يقتضيه اللفظ بوجه، ولا يقول أحد بأن من أقر بشئ بصيغة الجمع فضلا عن العموم يلزم واحد خاصة، وإنما الخلاف في حمل الجمع على اثنين أو على ثلاثة فصاعدا، أما على الواحد فليس محل نظر أصلا. ثم قال: والحق في هذه المسألة العمل بالظاهر والحكم بعتق الجميع نظر إلى مدلول لفظه قوله، وأما فيما بينه وبين الله تعالى فلا يحكم عليه إلا بعتق من أعتقه خاصة ولا يزيد عنه إلى أقل الجمع ولو كان أقل منه قطعا. نعم لو دلت القرائن على أنه لا يريد باللفظ مدلوله كما لو مر على عشار وأراد أن يأخذ عليهم مظلمة فأقر بذلك مع ظاهر إرادته بخلاف مدلول لفظه اتجه عدم الحكم عليه به ظاهرا كما لا يحكم به باطنا. وعليه دلت رواية الوليد بن هشام (1) ” قال: قدمت من مصر ومعي رقيق فمررت بالعاشر فسألني فقلت، هم أحرار كلهم، فقدمت المدينة فدخلت على أبي الحسن عليه السلام فأخبرته بقولي للعشار، فقال لي: ليس عليك شئ “. فلم يحكم عليه السلام بظاهر إقراره، وأقره على ما في نفس الأمر. وكذلك الرواية السابقة ظاهرة في إرادة ما في نفس الأمر لا الظاهر بقوله عليه السلام
(1) التهذيب ج 8 ص 227 ح 48، الوسائل ج 16 ص 71 ب 60 ح 1.
[ 233 ]
” إنما يجب العتق لمن أعتق ” إلى هنا كلامه – قدس سره -. وفيه نظره من وجوه: أما (أولا) ففي قوله ” والرواية قاصرة عن إفادة أصل الحكم ” إلى قوله ” زاعمين انجبار الضعف بالشهرة ” لأن الرواية لا قصور فيها بل هي واضحة فيما قلناه من قصر الحكم على ما في نفس الأمر، وليس فيها إطراح للاقرار لأنه أقر بما استفهم عنه السائل المطلع على ما أعتقه من الاقرار، وأراد بهذا السؤال معلومية ما أخبر به بالاستظهار عليه من جهته فيكون بمنزلة المثال الذي ذكره العلامة، فالصيغة وإن كانت من صيغ العموم إلا أن القرينة خصصتها وجعلت إضافتها عهدية كما أن اسم الاشارة في قوله ” هؤلاء مماليكي ” مشيرا بها إلى ما أعتقه من الثلاثة صار مخصصا لهذه الصيغة. (وثانيا) بأن الرواية لاقطع فيها ولا إرسال لأنها من باب الاخبار، وقد أسمعناك فيما سبق أن هذا الاضمار إنما وقع على معين وهو المسؤول عن الأئمة عليهم السلام في صدر الاسؤلة، وإنما نشأ الاضمار من اقتطاع الأخبار بعضها من بعض، وكذلك ليس مقدوحا عليها بالضعف كما زعمه، لأنها بالاصطلاح الجديد من الموثق لأن رجاله ثقات إلا أنهم غير إماميين، وأما على طريقة القدماء فليس ببعيد أن تكون من الصحيح لأن مدار الصحة عندهم على القرائن لا على وثاقة الرجل وكونه إماميا كما يعلم من طريقة الشيخ بل من تأخر عنه كالمحقق كما مضى الكلام عليه من قريب. (وثالثا) في قوله ” بل بصيغة جمع الكثرة، فكيف ينصرف الاقرار إلى ما أعتقه خاصة فتحصل المطابقة ” إلى قوله ” ولأجل ذلك استقرب العلامة في القواعد ” لأن جموع الكثرة وصيغها لاتحمل على ذلك الاصطلاح الخاص في الأقارير ولا في الوصايا لابتناء هذه الأحكام على العرف العام، وقد حقق هو هذا الحكم في كثير من المسائل في الكتاب وغيره، فإن قاعدة جمع الكثرة والقلة غير معتبرة وإنما هما مشتركتان في القلة والكثرة نعم الخلاف إنما وقع في تحديد القلة من كونها ثلاثة أو اثنين.
[ 234 ]
وأما (رابعا) فلأن قوله في الاعتراض على العلامة من ظهور الفرق بين المتنازعين فيه وهو قوله ” أعتقت مماليكي ” الذي هو مقتضى قوله ” نعم ” جوابا لمن قال ” أعتقت مماليكك ” وكذا قوله ” فيدخل فيه دون غيره ” لأن هذا الفرق غير ظاهر فيما نحن فيه، لأن كلامن الصيغتين من صيغ العموم وجموع الكثرة، وإنما ادعى الفرق بينهما بحصول التخصيص في الثانية دون الاولى. وأنت قد عرفت أنه لافرق بينهما لوجود القرينة في كل منهما. نعم، أن استدلالهم على هذا الحكم فيما لو كان المعتوق واحدا أم اثنين بهذه الرواية في غير محله، لأنها إنما تدل على أن موضع هذا الحكم فيما لو كان المعتوق ثلاثة فصاعدا ويكون المملوك أكثر عنه عددا فينصرف المقر به وإن كان بصيغة العموم الشاملة لجميع لأفراد إلى ما وقع عليه العتق خاصة، لكن بشرط أن لا ينقص عن الثلاثة ليتطابق الظاهر والواقع بعد تخصيص الظاهر. بالقرينة، وهذا الذي قصده العلامة – قدس سره – ووجه به ابنه كلامه في الجملة. فالواجب قصر هذا الحكم على مدلول الرواية وموردها، وقد عرفت البحث أن موردها الثلاثة فلا يجري فيما لو كان المعتوق واحد أو اثنين، لأن تخصيص صيغة الجمع التي ظاهرها العموم وإرجاعها إلى الواحد من المجازات البعيدة التي لا يصار إليها إلا في مواضع نادرة كقولهم ” بنو فلان قتلوا زيدا ” و إنما قتله واحد منهم أو عند قصد التعظيم كآية ” الذين يؤتون الزكاة وهم راكعون ” (1) حيث نزلت في علي عليه السلام. وبهذا يتبين لك وجه النظر في الوجوه التي تنظر بها على الشيخ والعلامة. والعجب منه أنه قد ذكر في آخر كلامه أنه لو دلت القرائن على أنه لا يريد باللفظ مدلوله كمرور المالك على العاشر و إقراره بأن مماليكه أحرار حذرا من المظلمة فيلغي ذلك الاقرار ويعتمد على القرائن ونفس الأمر، ويلغي
(1) سورة المائدة – آية 55.
[ 235 ]
الاقرار بالمرة، ويمنع ذلك في الرواية التي هي مورد هذا الحكم مع اشتمالها على تلك القرينة. ولهذا قال في آخر كلامه ” وكذلك الرواية السابقة ظاهرة في إرادة ما في نفس الأمر “. نعم في قوله ” لا الظاهر ” نظر لأن الظاهر هنا مطابق لما في نفس الأمر حيث إن السؤال مخصص للجواب وصارف الاضافة عن الاستغراق إلى العهدية كما سمعت، فبطلت هذه المناقشات و المؤاخذات من أصلها.
الخامسة: لو نذر كل عبد قديم أو أوصى بعتقه كذلك انصرف إلى من مضى عليه من ملكه ستة أشهر فصاعدا كما ذكره الشيخ في النهاية وتبعه عليه جماعة من المتأخرين، حتى ابن إدريس الذي من شأنه القدح في أخبار الآحاد والرد لها، وما ذاك إلا لصحة هذا المستند عنده. والأصل في هذا الحكم خبر داود النهدمي (1) عن بعض أصحابنا ” قال: دخل أبو سعيد المكاري على أبي الحسن الرضا عليه السلام ” وساق الحديث إلى أن قال: فقال له: رجل قال عند موته كل مملوك لي قديم فهو حر لوجه الله، قال: نعم إن الله يقول في كتابه ” حتى عاد كالعرجون القديم ” (2) فما كان من مماليكه أتى له ستة أشهر فهو قديم حر “. ورواه الشيخ بهذا الاسناد كما في الكافي (2) وبإسناد آخر لا يخلو عن شائبة الارسال أيضا. ورواه في عيون أخبار الرضا عليه السلام (4) بطريق معتبر ” قال: دخل أبو سعيد (1) التهذيب ج 8 ص 231 ح 68 وفيه ” فقال: رجل “، الوسائل ج 16 ص 40 ب 30 ح 1. (2) سورة يس – آية 39. (3) الكافي ج 6 ص 195 ح 6. (4) عيون أخبار الرضا ج 1 ص 231 طبع قم، الوسائل ج 16 ص 40 ب 30 ح 1.
[ 236 ]
المكاري ” وذكر الحديث. ورواه المفيد في إشاره (1) مرسلا: قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل أوصى فقال: اعتق عني كل عبد قديم في ملكي فلما مات لم يعرف الوصي، بم يصنع ؟ فسئل عن ذلك فقال: يعتق عنه كل عبد في ملكه ستة أشهر، وتلا قوله تعالى ” والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم ” وقد ثبت أن العرجون إنما ينتهي بالشبه بالهلال في تقوسه بعد ستة أشهر من أخذ الثمرة منه “. والروايات الاولى كما ترى قد اشتملت على لفظ ” المملوك ” الشامل للذكر والانثى ولكن الشيخ عبر بلفظ ” العبد ” وتبعه من تأخر عنه. حتى أن العلامة في القواعد استشكل الحكم في الآية، وأورد عليه ولده في الشرح الموسوم بالايضاح بأن في خبر أبي سعيد المكاري كل مملوك وهو يتناول الأمة فيكون منصوصا عليها. ثم أجاب عنه بأن المصنف – يعني والده – لم يستند في قوله إلى هذه الرواية بل إلى إجماع الأصحاب وهو بلفظ العبد، وفيه ضعف لأن المسألة لم تكن إجماعية، لأن كثيرا من العلماء كابن الجنيد والصدوق وسلار لم يتعرضوا لها، وإنما الأصل فيها الشيخ وطريقه في النهاية الاستناد إلى مجرد الروايات من غير بحث عن طرقها أو ندورها كما هو المعلوم من عادته، ولكن اتباع ابن إدريس له مع تصلقه (2) في الأخبار حملهم على شبهة الاجماع، حيث إنه لا يعتمد على أخبار الآحاد مطلقا، فعلمه بمضمونها مما يدل على فهمه أنه مجمع عليه. هذا أقصى ما أمكن أن يوجه به كلامهم. وأنت قد عرفت من الأخبار التي أوردناها في هذه المسألة بعضها بلفظ ” المملوك “
(1) ارشاد المفيد ص 118 طبع بيروت، الوسائل ج 16 ص 41 ب 30 ح 1 وفيهما اختلاف يسير. (2) كذا، ولعله ” تصلبه “.
[ 237 ]
وبعضها بلفظ ” العبد ” وفي إطلاق كل من اللفظين على آخر في أماكن متعددة دالة على أنهما مترادفان، وأنه في مقام التعميم والكلية يعتبر فيه تغليب الذكر على الانثى، فالأمة داخلة على التقديرين، والفرق تحكم وإن كان العموم في المملوك أظهر وأشهر. واعلم أن المتأخرين اختلفوا في تعدي هذا الحكم من النذر الوصية بالملك إلى النذر بالصدقة بالمال القديم، وكذلك في الاقرار وإبراء كل غريم قديم ونحو ذلك، لشبهة أن القديم من الحقائق الشرعية في ذلك القدر فيعتدى معتضدا بتعليل الرواية واستدلالها بقوله ” حتى عاد كالعرجون القديم ” فإنه يقتضي ثبوت القدم بالمدة المذكورة مطلقا ومن معارضة اللغة والعرف ومنع تخصيصه شرعا لضعف المستند العاجز عن إثبات الحقائق الشرعية وقصر الاجماع المدعى لوتم على مورده، وهذا هو الأقوى. ولو قصر الجميع عن ستة أشهر ففي عتق أولهم تملكا اتحد أم تعدد، وبطلان النذر وجهان، وعلى الصحة لو اتفق ملك الجميع دفعة ففي انعتاق الجميع أو البطلان لفقد الوصف الوجهان أيضا، والأقوى الرجوع في غير موضع النصوص والوفاق المدعى من العرف، فإن لم يدل على اتصاف شي من متعلق النذر بالقدم بطل إتباعا للنصوص المخرجة هذا اللفظ عن حقيقته اللغوية والعرفية إلى الحقيقة الشرعية، وهو قصره على المماليك من عبد أو أمة في النذور والوصية، وفيما سواها فليس إلا القواعد اللغوية والعرفية.
السادسة: لو نذر عتق أمته إن وطأها فخرجت عن ملكه انحل النذر واليمين وإن عادت له بملك مستأنف كما هو مجمع عليه بين الإصحاب. وأما المستند في ذلك من الأخبار فهو ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (1)
(1) التهذيب ج 8 ص 226 ح 47، الوسائل ج 16 ص 71 ب 59 ح 1 وفيهما ” عن ” محمد – عن ملكه ” مع اختلاف يسير.
[ 238 ]
عن أحد هما عليهما السلام ” قال: سألته عن الرجل تكون له الأمة فيقول يوم يأتيها فهي حرة، ثم يبيعها من رجل ثم يشتريها بعد ذلك، قال: لا بأس بأن يأتيها قد خرجت من ملكه “. واورد على هذا الاستدلال بعدم صراحتها في نذر العتق المعلق على الوطء شكرا أو زجرا، بل الظاهر منها أن العتق وقع معلقا على شرط في غير النذر، وقد عرفت أن هذا مما يفسد العتق لاشتراط التنجيز فيه، لكن الأصحاب حملوها على النذر صرفا لهذا العتق المعلق على شرط إلى ما يصححه وهو النذر. وحملها ابن إدريس على ما إذا تعلق النذر بوطئها وهي في ملكه، ولا ريب في انحلال النذر بخروجها عن ملكه بهذا التقدير، كما أنه لا إشكال مع إطلاق النذر، ولا يبعد مساواته لصورة التعميم. وفي تعدي حكمها إلى غير الأمة أو إلى التعليق بغير الوطء وجهان بل قولان: من مخالفتها للأصل حيث إن خروجها عن ملكه لا مدخل له في انحلال النذر، لأن غايته صيرورتها أجنبية منه والنذر يصح تعلقه بالأجنبية كنذر عتقها إن ملكها وهي في غير ملكه ابتداء كما تقدم في نظائره. ومن حيث الايماء في الرواية إلى العلة بقوله ” قد خرجت عن ملكه ” وذلك موجب للتعدي إلى ما يوجد فيه العلة المنصوصة. والأقوى الأول لأن هذه العلل ليست حقائق حقيقة وإنما وضعت تقريبا للأفهام وإلجاما للعوام. لكن في هذه الرواية على تقدير حملها على النذر دلالة على جواز التصرف للمالك في المال المنذور المعلق على شرط قبل حصول الشرط، وفيه خلاف مشهور، وموضع الحكم بانحلال النذر ما إذا لم يعمم نذره ولو بالنذر ما يشمل الملك العائد، وهذه الرواية مما تفردت بهذا الحكم حيث لم يكن في الباب سواها على ما بلغنا. نعم هي من مرويات الفقيه والتهذيب، وفي كليهما من الصحيح.
[ 239 ]
السابعة: من أعتق من المماليك وله مال بناء على أن المملوك يملك شيئا في الجملة كما هو مذهب المشهور، لا كما زعمه ثاني الشهيدين في المسالك من أن الأكثر على العدم فهو للمولى سواء اعتق أم بقي على الرقية ما لم يعلم أن أصله من جهة خارجة. ثم إنه على القول بجواز ملكه حيث يعتق وكان بيده مال فهو له، فإن علم به المولى ولم يستثنه وإلا فهو للمولى، وقد قدمنا لك جملة من المعتبرة في بيان اشتراط المولى على العبد شيئا من الشرائط حالة عتقه. فمن تلك الأخبار صحيحة زرارة (1) عن الباقر عليه السلام ” قال: سألته عن رجل أعتق عبدا له وللعبد مال، لمن المال ؟ فقال: إن كان يعلم أن له مال تبعه وإلا فهو له “. وفي رواية اخرى عن زرارة (2) أيضا وقد تقدمت عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: إذا كاتب الرجل مملوكه وأعتقه وهو يعلم أن له مالا ولم يكن استثنى السيد المال حين أعتقه فهو للعبد “. وقد توقف العلامة في المختلف مع حكمه بعدم ملك العبد نظرا إلى صحة هذه الرواية. وفي الاستدلال بهما نظر، لأن (الاولى) وإن صح طريقها على الاصطلاحين القديم والحديث إلا أنه ليس فيها ذلك الحكم مع استثناء المولى يكون له، بل أطلق فيها أنه مع علمه بالمال ولم يستثنه فيكون للعبد.
(والثانية) وإن دلت على الحكم المدعى في القول لكن في طريقها عبد الله بن بكير وحاله مشهور لانتسابه إلى الفطحية، لكن قد نقل الشيخ إجماع العصابة على 8
(1) الكافي ج 6 ص 190 ح 4، الوسائل ج 16 ص 34 ب 24 ح 4 وفيهما ” سألت أبا جعفر عليه السلام ” مع اختلاف يسير. (2) الكافي ج 6 ص 190 ح 2، الوسائل ج 16 ص 33 ب 24 ح 1 وفيه ” أو أعتقه “.
[ 240 ]
تصحيح ما يصح منه وإن كان فطحيا، لكن أيضا هذه العبارة مشتبهة ولهذا احتملوا فيها معاني متعددة. فعلى هذا يمكن التمسك بظاهرها في صحة رواياته لمكان هذا الاجماع، فيمكن الاستناد إلى روايته. فيجب حمل الاولى عليها بمعنى أنه لو لم يستثنه حملا للمطلق على المقيد. ثم على تقدير توقف ملك المولى على استثناء المال عند العلم به لافرق عندهم بين أن يقدم على العتق وبين أن يؤخره مع الاتصال لأنه كلام واحد لايتم إلا بآخره. والشيخ قد اشترط تبعا للروايات الآتية تقديم الاستثناء على التحرير لرواية جرير (1) التي نسبها فخر المحققين في شرح القواعد لوالده إلى حريز ووضعها بالصحة غفلة عن القرينة القبلية والبعدية ” قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل قال لمملوكه: أنت حر ولي مالك، قال: لا يبدأ بالحرية قبل العتق تقول: لي مالك وأنت حر برضا المملوك ” ولأنه إذا قدم التحرير انعتق بقوله: أنت حر، فلا يقع الاستثناء موقعه. هذا كلامه. وتنظر فيه ثاني الشهيدين في المسالك بما حاصله: أن الرواية قد تضمنت شرطا زائدا وهو اعتبار رضا المملوك وهم لا يقولون وبأنا نمنع حصول التحرير قبل تمام الكلام لأن الشرط من جملة الصيغة، وهذا محقق. وأما باقي الروايات التي أشرنا إليها فيما سبق فهي ترجع إلى موافقة هذه الروايتين وليس فيها تعرض لما في روايه أبي جرير الواقفي من تقديم هذا الشرط هي مطلقة، لكن يمكن ردها من جهة الاطلاق إليها، والأحوط مراعاة ما اشتملت عليه من التقديم والرضا، حيث إن باقي الروايات لا تأبى هذا التقييد.
(1) التهذيب ج 8 ص 224 ح 39، الوسائل ج 16 ص 34 ب 24 ح 5 وفيهما ” أبى جرير – قبل المال يقول: “.
[ 241 ]
نعم قد جاء في بعض الروايات في هذا الحكم ما يدل على أن في بعض معتقات علي عليه السلام وكان له مال وأنه جعل المال لهم معا ثم جعل ما يخصه عليه السلام للعبد، ولعل هذا على جهة الاستحباب أو لاحتمال أن يكون له مال في نفس الأمر ولم يتعلق له علمه عليه السلام العادي، فاشترط جمع ذلك للعتق من باب التفضيل منه عليه السلام، وحينئذ فتنطبق الأخبار على ويترة واحدة. ومن تلك الأخبار أيضا صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله (1) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: سألته عن رجل أعتق عبدا له وللعبد مال وهو يعلم أن له مالا فتوفي الذي أعتق العبد، لمن يكون مال العبد ؟ يكون للذي أعتق العبد أو للعبد ؟ قال: إذا أعتقه وهو يعلم أن له مالا فماله له، وإن لم يعلم فماله لولد سيده “. وفي خبرين آخرين لزرارة (2) أحد هما من الصحيح والآخر من الضعيف غير ما تقدم ” قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل أعتق عبدا وللعبد مال، لمن المال ؟ فقال: إن كان يعلم أن له مالا تبعه وإلا فهو له “. وأما الخبر المشتمل على فعل علي عليه السلام في جعله المال لعبده فهو خبر إسحاق ابن عمار (3) عن جعفر عن أبيه عليهما السلام ” أن عليا عليه السلام أعتق عبدا فقال له: إن ملك لي ولك وقد تركته لك “.
الثامنة: إن من أوصى بعتق ثلث ممالكيه استخرج ذلك الثلث بالقرعة، وقد جرت عادة أصحابنا في مؤلفاتهم أن يذكروا هذه المسألة تارة في العتق وتارة في الوصية، ثم إنه إذا تساووا عددا وقيمة أو اختلفوا وأمكن التعديل أثلاثا
(1) التهذيب ج 8 ص 223 ح 38 وفيه ” عبد الرحمن بن أبى عبد الله قال: سألته – أيكون للذى “، الوسائل ج 16 ص 35 ب 24 ح 6. (2) الكافي ج 6 ص 191 ح 4، التهذيب ج 8 ص 223 ح 36، الوسائل ج 16 ص 34 ب 24 ح 4. (3) التهذيب ج 8 ص 237 ح 88، الوسائل ج 16 ص 35 ب 24 ح 7 وفيهما ” أعتق عبدا له – ولكن قد تركته لك “.
[ 242 ]
فلا بحث، وإن اختلفت القيمة ولم يكن التعديل أخرج ثلثهم قيمة وأطرح اعتبار العدد. وفيه تردد لمخالفته لاطلاق النصوص. وإن تعذر التعديل عددا وقيمة أخرجناها بالقرعة على الحرية حتى يستوفي الثلث قيمة ولو بجزء من آخر. ثم إنه يقع هذا في حالين:
(أحدهما) إذا أعتقا جزء مشاعا كالثلث مثلا والثاني ما لو أعتق المريض الجميع فلم تنفذ وصيته إلا في الثلث واحتيج إلى إخراج الجزء المذكور استخرج بالقرعة. وفي كيفيتها طرق، وهذه الطرق يشملها النص في ذلك، وهو صحيحة محمد ابن مسلم (1) ” قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل يكون له المملوكون فيوصي بعتق ثلثهم، كان علي عليه السلام يسهم بينهم “. وصحيحة أبان عن محمد بن مروان (2) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: إن أبي ترك ستين مملوكا فأقرعت بينهم فأخرجت عشرين فأعتقهم “. ورواه الصدوق بإسناده عن محمد بن مروان (3) أيضا. وهذه الأخبار كما ترى قد دلت على القرعة ولكن لم تشتمل على بيان طرقها فتشتمل الطرق المناسبة لها أجمع. وقد ذكر الشهيد في الدروس في كيفية القرعة وجهين: (أحد هما) أن يكتبا أسماء العبيد بعد تجزئتهم ثلاثة أجزاء وبعد التعديل، ثم يخرج على الحرية أو الرقية، فإن خرج على الحرية كفت الواحدة، وإلا أخرج رقعتين.
(وثانيهما) أن يكتب الحرية في رقعة والرقية في رقعة ويخرج على أسماء العبيد.
(1) التهذيب ج 8 ص 234 ح 75، الوسائل ج 16 ص 77 ب 65 ح 1. (2) التهذيب ج 8 ص 234 ح 76 وفيه ” وأوصى بعتق ثلثهم “، الوسائل ج 16 ص 77 ب 65 ح 2. (3) الفقيه ج 3 ص 70 ح 23.
[ 243 ]
والذي روته العامة عن النبي صلى الله عليه وآله في ذلك وذكره كثير من علمائنا تبعا لهم في ذلك جمع كل ثلث في رقعة وقد كانوا ستة فجزأهم ثلاثة أجزاء اثنين اثنين، وهو الذي ذكره المحقق – رحمه الله – في الشرايع وهو يتم مع تساويهم قيمة وقبول العدد التجزئة أثلاثا كالستة، ولهذا كتب اسم كل اثنين في رقعة من غير أن يتعرض في الكتابة للحرية والرقية، ثم يسترها ويخرج، فإن أخرج على الحرية عتق الاثنان الخارجان أول مرة وصارت الأربعة المتخلفة أرقاء، وإن أخرج على الرقية استرق الخارجان واحتيج إلى إخراج اخرى، ويتخير حينئذ بين الاخراج على الحرية أو الرقية، وعلى أيهما أخرج حكم الخارج به وبقي من الرقعة الاخرى للآخر. وإن كتب في الرقاع الحرية والرقية كما هو في الطريق الثاني من الطريقين المذكورين من غير أن يكتب أسماء العبيد بالطريق الثاني فليكتب في رقعة حرية وفي رقعتين رقية على نسبة المطلوب في القلة والكثرة، ثم يخرج باسم أحد أجزاء الثلاثة الذين ترتبوا سابقا، فإذا خرجت رقعة الحرية انفصل الأمر، وإن خرجت رقعة الرق استخرج المخصوصون بها واخرجت كما مر. والطريق الثالث الذي ذكره البعض أن يكتب رقاع في الفرض المذكور إما بأسماء الستة اسم كل واحد في رقعة ثم يخرج على الحرية والرقية كما مر إلى أن يستوفي المطلوب، أو يكتب في اثنين حرية وفي أربع رقية ثم يخرج على واحد واحد إلى أن يستوفيه. وهذا الطريق أعدل لأن جمع اثنين على حكم واحد ويمنع من افتراقها في الحرية والرقية. ومن الممكن خروج أحد هما حرا والآخر رقا لكن المشهور بين الفقهاء وهو الأول لوروده في الرواية المشار إليها، والأقوى جواز العمل على الجميع لعدم نهوض الرواية المذكورة بالتعيين هذا كله إن أمكن تجرئتهم أثلاثا بالعدد والقيمة كأن يكون قيمة كل واحد منهم مائة.
[ 244 ]
وكذا لو اختلفت القيمة مع إمكان تعديلهم أثلاثا بالعدد كستة، قيمة ثلاثة منهم ستمائة كل واحد مائتان وثلاثة ثلاثمائة كل واحد مائة، فيضم كل خسيس إلى نفيس ويجعلان أثلاثا. ولو اختلفت القيمة وأمكن التعديل بها دون العدد كما لو كان قيمة واحد مائتين وقيمة اثنين مائتين وقيمة ثلاثة مائتين ففي تعديلهم بالقيمة أو العدد وجهان، بل قولان، أظهر هما اعتبار القيمة فيجعل الواحد ثلثا والاثنين ثلثا والثلاثة ثلثا لأن المقصود الذاتي من العبيد المالية دون الأشخاص، ووجه اعتبار العدد موافقة المروي من فعل النبي صلى الله عليه وآله مع استبعاد تساوي الستة في القيمة بكل وجه، وفي بعض الأخبار أنهم كانوا متساوين قيمة. ولو أمكن التعديل خاصة كست قيمة اثنين مائة واثنين مائة وخمسين واثنين ثلاثمائة قسموا ثلاثمائة بالعدد، فإن اخرج على الحرية فخرج اثنان مساويات الثلث قيمة فلا كلام، وإن خرجا ناقصين عتقا واكمل الثلث من الباقين بالقرعة، وإن خرجا زائدين اعيدت القرعة بينهما وعتق من تخرجه الحرية ومن الآخر تتمة الثلث. وإن لم يمكن تعديل عدد ولا قيمة كخمسة قيمة واحد مائة واثنين مائة واثنين ثلاثمائة ففي تجزئتهم وجهان:
(أحدهما) تجزئة ثلاثة بالعدد مراعاة لتقريب القيمة إلى التسوية ما أمكن، وإنما فعل ذلك تقريبا إلى المروي وإن لم يكن مثله.
(والثاني) وهو الأصح الاعتداد بالطريق الثالث خاصة فتكتب خمس رقاع وترخج – كما فصل – إلى أن يستوفي الثلث ولو بجزء من واحد. وهذا مختار المحقق في الشرايع حتى لم يذكر غيره. ولو كان قيمة الخمسة على السوي فعلى الطريق الأول يجزيه اثنين واثنين وواحدا، وعلى الطريق الثاني يكتب خمس رقاع بأسمائهم ويخرج على الحرية والرقية إلى أن يستوفي الثلث قيمة. والوجه استعمال هذه في جميع الفروع
[ 245 ]
لا سيما عند تعذر التعديل قيمة وعددا. واعلم أن اعتبار القرعة في كتابة الرقاع هو المعروف بين علمائنا لأنه موافق للرواية عن النبي صلى الله عليه واله ولروايات ” من ولد وليس له ما للرجال ولا ما للنساء ” كما سيجئ في الميراث، ولبعده من التهمة، وينبغي أن تكون متساوية، وأن تدرج في بنادق من طين أو شمع وتجعل في حجر من لم يحضر عملها، وأن تغطى بثوب أو تحت المصلى ويدخل من يخرجها بيده من تحت الثوب، كل ذلك ليكون أبعد من التهمة. واختلفوا في تعيين العمل بالرقاع وعدمه وإن كانت الرقاع أفضل. وتنظر في ذلك شهيد المسالك، قال: لعدم دليل مخصص، وكما روي من فعل النبي صلى الله عليه واله بالرقاع كذلك فيما روي أنه أقرع في بعض الغنائم بالبعر وأنه أقرع مرة اخرى بالنوى. فلو قيل بجواز القرعة في ذلك كله وأشباهه كان وجها لحصول الغرض وإن كان الوقوف مع المشهور أولى. وفيه نظر، لأن هذين الخبرين من طريق العامة وليس من مروياتنا، ولم يجئ في أخبارنا إلا الرقاع والبنادق فكذلك أصحابنا لم يذكروا سواهما، وفي خبر الاحتياج والغيبة المرويين عن صاحب الزمان عليه السلام فيما خرجا من التوقيع للحميري النهي عن سوى الرقاع والبنادق في الاستخارة والقرعة لكنه – قدس سره – لم يقف على الرواية، واغتر بما روته العامة من الأخبار الموضوعة للغواية، ولكنهم – قدس الله أسرارهم – في مقام الروايات إما إفراط أو تفريط على وجه لا ينتهي إلى غاية. وهذا البحث آت في جميع أفراد القرعة الواقعة في القسمة وغيرها بالخصوص لها في هذه الواقعة، لأن دائرتها في الأحكام والفتوى واسعة.
التاسعة: من اشترى أمة بثمن مؤجل نسية ولم ينقد شيئا من ثمنها فأعتقها و تزوجها وجعل مهرها عتقها ومات ولم يخلف سواها بطل عتقه ونكاحه ورجعت على البائع رقا، ولو جعلت كان ولدها رقا.
[ 246 ]
وقد تكلموا على هذا الحكم في موضعين بل في مواضع ثلاثة: (أحدها) في النكاح (والثاني) في العتق (و الثالث) في الميراث. وقد قدحوا في مستند هذا الحكم في أصله لمخالفته للقوانين المعتبرة في النكاح وفي العتق وفي الأولاد، ومن ذلك عدل مشهور المتأخرين عنها وقالوا لا يبطل العتق ولا يرق الولد وطعنوا في أسنادها، وقد ذكرها المحقق في شرايعه مرتين، مرة في النكاح ومرة في العتق، واستوفى شارحوا كلامه هنا في النكاح، وقد تقدم من شارح الأصل كلام مستوفى في نكاح الاماء، ولا بأس بإعادة بعض ذلك الكلام تشييدا لذلك البناء وتنبيها عما عسى قد أغفله عن المناقشات التي يترتب عليها إزالة بعض الاشكالات هنا. وأصل مستندهم في هذا الحكم موثقة أبو بصير (1) ” قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام وأنا حاضر عن رجل باع من رجل جارية بكرا إلى سنة فلما قبضها المشتري أعتقها من الغد وجعل مهرها عتقها ثم مات بعد ذلك بشهر، فقال أبو عبد الله عليه السلام: إن كان للذي اشتراها إلى سنة مال أو عقدة (يوم اشتراها وأعتقها) يحيط بقضاء ما عليه من الدين في رقبتها، فإن عتقه وتزويجه جائز، وإن لم يكن للذي عتقها وتزوجها مال ولا عقد يوم مات يحيط بقضاء ما عليه من الدين في رقبتها فإن عتقه ونكاحه باطل لأنه أعتق مالا يملك، وأرى أنها رق لمولاها الأول، قيل له: فإن كان قد علقت من الذي أعتقها وتزوجها فما حال ما في بطنها ؟ قال: ما في بطنها مع امها كهيئتها “. قال المحقق في النكت بعد ذكره لهذه الرواية: إن سلم هذا النقل فلا كلام لجواز استثناء هذا الحكم من جميع الاصول المنافية لعله لا نتعقلها: لكن عندي أن هذا خبر واحد لا يعضده دليل فالرجوع الى الأصل أولى.
(1) الكافي ج 6 ص 193 ح 1، التهذيب ج 8 ص 231 ح 71، الوسائل ج 16 ص 35 ب 25 ح 1 وما في المصادر ” عن هشام بن سالم ” مع اختلاف يسير وما بين القوسين ليست في الرواية.
[ 247 ]
وفي الشرايع في مباحث النكاح صرح بردها، وقبله الفاضل ابن إدريس لمخالفتها الاصول الشرعية المقتضية لصحة التزويج والعتق لمصادفتهما الملك الصحيح وصدورهما من أهلهما في محلهما الموجب لصحتهما وحرية الولد. والمتأخرون حيث اعتنوا بشأنها لصحة سندها عندهم، حيث إنها تارة رواها هشام عن أبى بصير كما في موضعين من التهذيب، وفي ثالث عن هشام عن أبي عبد الله عليه السلام بغير واسطة وكذلك في الكافي، وكذلك نسبها شهيد المسالك إلى الاضطراب. ومع ذلك فقد قدحوا في هشام المذكور لما ينسب له من العقائد الفاسدة وإن كان الأقوى براءة ساحته، فاحتاجوا بعد قبولها إلى تأويلها وردها إلى القواعد فحملها العلامة على وقوع العتق والنكاح والشراء في مرض الموت بناء على مذهبه من بطلان التصرف المنجز مع وجود الدين المستغرق وحينئذ فترجع رقا وتبين بطلان النكاح. واعترضه السيد عميد الدين بأنها قد حكمت يعود ولدها رقا كهيئتها، وهذا التأويل لا يتمشى في عود الولد لأن غايته بطلان العتق في المرض فتبقى أمته، فإذا وطأ الحر أمته لا يرجع ولده رقا بل غايته أن امه تباع في الدين. وابنه فخر المحققين أجاب عن هذا الاشكال بأنه ليس في الرواية ما يدل على رقية الولد، إذ ليس فيها سوى قوله في شأنه ” كهيئتها ” وهو أعم من أن يكون كهيئتها في حال حريتها قبل ظهور عجزه من الثمن فيكون حرا أو بعده فيكون رقا. ورده أول الشهيدين في شرح نكت الارشاد بأن هذا إيراد على النص، فإن المفهوم من قوله ” كهيئتها ” ليس إلا أن حكمه كحكمها في حال السؤال، وقد حكم بذلك قبل رقيتها فيكون ولدها رقا. فتدل هذه العبارة بالمطابقة على رقيته لأن هذا اللفظ موضوع لهذا المعنى، وارتكاب هذا التأويل يمنع التعلق
[ 248 ]
بجميع النصوص وفي التزامه فساد لا يخفى على المتأمل ورجوع عن طريقة الاستدلال ونكوص. ومع ذلك أنه لا يتم في الولد ولا في الام أيضا من وجه آخر وهي من أن الرواية دلت على عودها رقا للبائع، وأين هذا من الحمل ومقتضاه لأن مقتضاه جواز بيعها في دينه لاعودها إلى ملك بائعها. وحملها بعضهم على ما هو أبعد من فساد البيع وعلم المشترى به فيكون زانيا فتلحقة الأحكام. ورد بأن الرواية قد فرقت في هذا الحكم بين ما إذا خلف ما يقوم بقضاء ما عليه وبين عدمه لصحة النكاح والعتق في الأول دون الثاني، وعلى القول بفساد البيع لا يمكن جواز هما، خلف شيئا أم لم يخلف. ونزلها ثالث على أنه فعل ذلك مضارة ومن شرائط العتق القربة. ورد بأنه لايتم أيضا في الولد. وبالجملة: أن كلامه على هذه الرواية في القبول والرد إفراط وتفريط وكلما أتوا به من النصوص والأجوبة عنها مخدوشة، فليس سوى تلقيها بالقبول وإخراجها بالاستثناء من تلك القوانين والاصول، صونا لأخبارهم عليهم السلام عن النقوض ومخالفة المنقول. نعم يجب الاقتصار على مؤداها فيقيد الثمن بالنسية ويكون التزويج على هذه الهيئة ومهرها عتقها ووقوع وفاته وهي حامل وتكون النسية إلى سنة، ومن عمل بها لم يعتبر ذلك كله، نظرا إلى عدم أدخلية مثل ذلك في الحكم، وكذلك يعتبر بكارتها، ولا يصح إجراء حكمها في العبد ولو اشتراه نسية أو مطلقا فأعتقه، لما بينهما من الفرق عند الاقتصار على مورد النص المخالف لقوانين العامة، وحيث إنه لا بد من قبولها لقوة طريقها وعمل القدماء بمضمونها فلنقتصر على المنصوص بالخصوص، للسلامة من هدم تلك القواعد التي هي كالبناء المرصوص.
[ 249 ]
العاشرة: إذا أوصى شخص بعتق عبده فخرج من الثلث كما هو شأن الوصية لزم الورثة إعتاقة، فإن امتنعوا عتقه الحاكم عليهم جبرا فيحكم بحريته حين الاعتقاق لا حين الوفاة، فيكون ما بين الاعتاق والوفاة من المدة لم يخرج عن الرق إذ لا ينفك عن اخر هذين الأمرين. فلو اكتسب قبل الاعتاق وبعد الوفاة فلمن يكون كسبه ؟ له لاستقرار سبب العتق بالوفاة ؟ أو للوارث لتحقق العتق عند الاكتساب ؟ قولان، أحد هما للشيخ وهو أن يكون كسبه في ذلك الوقت له، وهذا في المبسوط مستدلا بما ذكره المحقق وغيره من استقرار سبب العتق الوفاة، ويتجه أن السبب المقتضي لانتقال مال الوصي عن ملك الوارث وانصرافه إلى الوصية مستند إلى الوصية والموت. فكل منهما جزء لسبب وبالموت يتم السبب، فيكون العبد الموصى بعتقه بعد الموت بمنزلة الحر وإن توقفت حريته على الاعتقاق فيتبعه الكسب لكن لا يملكه إلا بعد العتق لأنه قبله رق لا يملك، وإنما كان أحق به. ورده المحقق بمنع استقرار السبب بالموت لأنه مركب من ثلاثة أشياء: الوصية والموت وإيقاع صيغة العتق. كما يتوقف ملك الوصية لو كانت لمعين على قبوله مضافا إلى وصيته، وموت الموصي قبل القبول لا يملك وإن حصل الأمران الأخيران، ولو كان سبب العتق قديما واستقر وجب أن يثبت معلوله وهو العتق وهذا لا يقول به حيث حكم بالرقية، وإنما يتحرر بالاعتاق، وحيث لم يكن تاما لم يثبت معلوله، وملكه له متوقف عليه ولما امتنع خلو الملك عن المالك ولم يكن العبد مالكا قبل العتق تعين أن يكون لا وارث إذ لا ثالث لهما. واستشكل ذلك ثاني الشهيدين في المسالك بأن الله تعالى جعل الارث بعد الوصية النافذة كما هو صريح الكتاب والسنة والاجماع، والغرض هنا كذلك وذلك يمنع من ملك الوارث له لخروجه عن ملكه بالوصية، غايته أن يكون الملك مراعى بالاعتاق فيتبعه الكسب، ويكشف عن سبق ملكه له كما يكشف عن
[ 250 ]
سبق الموصى له عن الوصية من حين الموت، وفي حكم ما لو أوصى بعقار يوقف في بعض الجهات واخرج من الثلث قبل أن يوقف فإن نماءه يسبل لتلك الجهات أما الموصى به على وجهه لا يتوقف على الصيغة كقوله أخرجوا عني العين الفلانية في حجة ونحوها، فنماؤها بعد الموت وقبل الاخراج في الجهة تابع لها قطعا لتعينها لتلك الجهة وخروجها عن ملك الوارث بالموت.
الحادية عشرة: لو أعتق المالك مملوكه عن غيره بإذنه فالمشهور بين الأصحاب وغيرهم صحة ذلك العتق ووقوعه عن الآمر، خلافا لابن إدريس حيث حكم بوقوعه عنه، نظرا إلى أن وقوع العتق عن الشخص مترتب على ملكه له، لقوله صلى الله عليه واله في الأخبار المستفيضة ” لاعتق إلا في ملك ” وهو منتف عن الآمر قطعا وموجود في المعتق، فيقع عنه لا عن الآمر. وقد أجاب القائلون بوقوعه عن الأمر بانتقال الملك إليه آناما، وهو عند نية عتقه ليتحقق شرط صحة العتق، استدلوا على الأمرين بصحيحة بريد بن معاوية العجلي (1) عن الباقر عليه السلام ” قال: سألته عن رجل كان عليه عتق رقبة فمات قبل أن يعتق، فانطلق ابنه فابتاع رجلا من كسبه فأعتقه عن أبيه، وأن المعتق أصاب بعد ذلك مالا ثم مات وتركه، لمن يكون تركته ؟ قال: فقال: إن كانت الرقبة التى كانت على أبيه في ظهار أو شكر أووجبت عليه فإن المعتق سائبة لا سبيل لأحد عليه ” وساق الحديث إلى أن قال: ” وإن كانت الرقبة على أبيه تطوعا وكان أبوه أمره أن يعتق عنه نسمة فإن ولاء المعتق ميراث لجميع ولد الميت من الرجال (2) قال: وإن كان ابنه الذي اشترى الرقبة فأعتقها عن أبيه من ماله بعد
(1) الكافي ج 7 ص 171 ح 7، الوسائل ج 16 ص 53 ب 40 ح 2 وفيهما اختلاف يسير. (2) وفيهما هنا ” قال: ويكون الذى اشتراه وأعتقه بأمر أبيه كواحد من الورثة إذا لم يكن للعتق قرابة من المسلمين أحرارا يرثونه “.
[ 251 ]
موت أبيه تطوعا منه من غير أن يكون أبوه أمره بذلك فإن ولاءه وميراثه للذي اشتراه من ماله وأعتقه عن أبيه إذا لم يكن للمعتق وارث من قرابته “. ووجه الولاء له أن ثبوت الولاء للآمر متوقف على انتقال الملك إليه ووقوع العتق (عتقه خ ل) عنه تبرعا لا في حق واجب عليه وقد أثبته له فثبت اللزوم وهو الملك له وتنظر في هذا التوجيه جماعة بما حاصله: أنه قبل الموت لا يتصور الملك له لأن المفروض أن الولد إنما إشترى النسمة بعد موته فكيف يحكم بملكه لها قبل الشراء ؟ وكذا بعد الموت لا يعقل ملك الميت لما قد تجدد سببه، والولاء حكم شرعي إذا جعله الشارع حقا لمن أعتق عنه، وإن لم يكن مالكا صح، وهو هنا كذلك. ولا يلزم انتفاء ملك الميت بعد موته لما للغير. ويمكن الجواب بأن الميت يمكن أن يملك بعد الموت إذا كان وقد أحدث سببا له وإن له يتم كما لو نصب شبكة وهو حي ثم وقع فيها الصيد بعد وفاته، وهنا كذلك لأن أمره بالعتق جزء السبب المملك أو تمام السبب، والعتق شرط، فصح أن ينكشف به ملكه قبل موته والرواية الصحيحة مؤيدة لذلك. وقد اختلف العلماء في وقت انتقال الملك إلى الامر إلى أقوال: أحد ها: أن الملك يحصل عقيب الفراغ من لفظ الاعتاق على الاتصال، وفيه أنه يستلزم تأخر العتق عن الاعتاق بقدر ما يتوسطهما الملك، واعتذروا بأن تأخر الاعتاق عن العتق بسبب أنه إعتاق عن الغير، ومثله يقع في قوله: أعتقت عبدي عنك بكذا وكذا درهما، فإن عتقه يتوقف على قبول المعتق عنه ويلزم منه تأخر العتق عن الاعتاق. ونسب المحقق – رحمه الله – هذا القول إلى التحكم، لأن الدليل الدال على صحة هذا العتق إن سلم دلالته على انتفال الملك فليس فيه توقيت له، فتخصيصه
[ 252 ]
بهذا الوقت تحكم.
وثانيها: أنه يحصل الملك بشروعه في لفظ الاعتاق، ويعتق إذا تم اللفظ بمجموع الصيغة فالجزء الأخير علة للعتق وهو ملك الآمر، والكل سبب لزوال ملكه عنه للاعتاق، وهو قول المفيد والعلامة وولده فخر المحققين في شرحه على القواعد. وفيه أنه يستلزم صيرورته ملكا للامر قبل تمام الصيغة، فلو فرض ملكه قبل إكمالها خرج عن ملكه ولم يقع المعتق.
وثالثها: أنه يحصل الملك للمستدعي بالاستدعاء، ويعتق عليه إذا تلفظ المالك بالاعتاق. ويرد عليه ما ورد عليه ما ورد على السابق وزيادة.
ورابعها: أنه يحصل الملك والعتق معا عند تمام الاعتاق، وفي هذا سلامة عن المحذور السابق، لأن اشتراط وقوع العتق في الملك يقتضي تقديم الملك على العتق فلا يتم وقوعهما معا في وقت واحد عند تمام لفظ العتق.
خامسها: أنه يحصل بالأمر المقترن بصيغة العتق فيكون تمام الصيغة كاشفا عن سبق الملك عليها وعدم إيقاعها بعد الاستدعاء لو قطعها أو وقع خلل فيها، دال على عدم حصول الملك بالأمر لعدم حصول ما يعتبر في صحته وهو اقترانه بالأمر بالعتق. وفيه أن الاقتران المذكور يكون شرطا في سبق الملك ولا يتحقق الاقتران إلا بتمام صيغة العتق فليزم تأخر الملك عن الاعتاق وإلا لتأخر الشرط عن المشروط. ولأجل كثرة هذه المؤاخذات والنقوض وورود هذه الاشكالات على هذه المقالات قال المحقق – رحمه الله – ونعم ما قال: إن الوجه في ذلك كله هو الاقتصار على الثمرة وهو صحة العتق من الآمر وبراءة ذمته من الكفار والحق الواجب،
[ 253 ]
ولا يجب علينا البحث والتفتيش عن وقت الانتقال إليه فإن ذلك ظنون وتخمين لا يرجع إلى دليل صالح متين. ولو كان المعتق في هذا الحال أب الآمر صح عتقه ولو في الكفارة على إشكال. ووجهه احتمال عدم الاجزاء لأنه إما أن يكون ملكه قبل انعتاقه أو لا، وإيا ما كان فالظاهر عدم الاجزاء. (أما) الأول فلأن ملكه يستلزم عتقه عليه قهرا بالسبب لا اختيارا، فلا يصح عتقه عن الكفارة لاشتراطه بالاختيار. (وأما) عن الثاني فلا يصح العتق أصلا فضلا عن عتقه في الكفارة، لما ثبت أنه لاعتق إلا في ملك، ولأن شرط العتق النية لأنه عبادة ولا يمكن تحققها إلا بعد تحقق الملك إذ قبل الملك لا يصح نية العتق ويكون قبل تحقق العتق فتكون بينهما، وهذا محال لأنه لافاصل بينهما متحقق فيه النية. ويحتمل الاجزاء لأن الموجب للعتق هنا الصيغة التي وضعها الشارع للعتق الصادر اختيار منه بالنية لاغيرها، لأن ذلك الغير إما الملك أو النسب أو هما أو حكم الشارع بشرط وجود الملك والنسب، والظاهر انتفاء الأولين، إذ الملك علة معدة لوجود خاصتها فيه، وكذا النسب لاجتماعه مع الملك ابتداء، وعلة العدم لا تجامع الوجود ابتداء، وليس هذا محل تحقيقه. ولو سلمنا فإنه إنما يقتضي مع عدم المانع، والمانع هنا من تأثير ذلك السبب موجود وهو الصيغة، فإن اقتضاءها الملك مشروط بكونها صالحة لكونها موجب العتق لأنها إن لم توجب هي ولا جزؤها الملك لم توجب العتق، وكونها صالحة للتأثير في إيجاب العتق يمنع من إيجاب الملك أو النسب أو حكم الشرع للعتق لابسببها فينعتق بها لا بغيرها، وهذا الملك لا يصلح للاعتاق بالنسب ولالكونه شرطا له، وكذا النسب هنا لأنه إعتاق بالنيابة ولا شئ من العتق النسبي كذلك، فكل عتق بالصيغة الموضوعة للعتق شرعا تجزي عن الكفارة، فالأولى إذا الاجزاء. فلا يرد هنا ما قرروه من الاشكال على هذه المسألة وهو لزوم الدور الفقهي
[ 254 ]
وتقريره على ما ذكره شارح القواعد أن ثبوت ملكه المترتب عليه العتق عنه يؤدي إلى عدمه وكلما يستلزم ثبوته عدمه محال. أما الاولى فلأن ملكه يستلزم عدم انعتاقه لأن عتقه إما بوكالة عنه أولا، فالأول محال لأنه قد يكون وكله في عتق عبد غيره فلا يصح لأن الوكالة معلقة حينئذ، والثاني محال لأن العتق لا يقف على الاجارة إذ لا يقع فضوليا بل يبطل إذا وقع على ملك الغير، وقد تقدمت أدلته المعتبرة الصحيحة، وبطلان عتقه يستلزم عدم ملكه قطعا، لأنا نجيب عن ذلك بأن عتقه بإذنه والاذن هنا يصح لأن الملك مستلزم للعتق، والاذن هنا يصح إيقافه على شرط إلا أنه ليس بوكالة.
الثانية عشرة: لو نذر عتق العبد المقيد انحل قيده وعتقه إن نقص وزن القيد عن عشرة دراهم مثلا فشهد عدلان عند الحاكم بالنقص فحكم بعتقه وأمر بحل قيد فظهر كذبهما عتق بحل القيد وظهر أنه لم يعتق بالشرط الذي حكم الحاكم بعتقه به. وتقرير هذه المسألة على جهة التفصيل وإن كانت مسلوبة الدليل من النصوص، بالخصوص إنه إذا علق نذر العتق بكل واحد من شيئين وجعل كل واحد منهما سببا تاما، فإيهما حصل حصل وجود العتق به كما في المثال الذي ذكرناه، وتوجيهه مبني على مسائل:
الاولى: أن إلزام الحاكم بالعتق بالقهر إن كان مطابقا لنفس الأمر فهو ليس لاكراه، والعتق الصادر من المالك بالقهر المذكور صحيح لأنه قهر شرعي، وإنما يبطل التصرف بالاكراه إذا كان الاكراه غير شرعي، فأن كان شرعيا في الظاهر وغير شرعي في نفس الأمر لم يكن العتق صحيحا في نفس الأمر وإن حكم به الحاكم، فإذا ظهر كون القهر غير شرعي في نفس الأمر ظهر بطلان العتق.
والثانية: إنه إذا نذر عتقه إن كان قيده ناقصا عن عشرة دراهم وعتقه انحل بصيغة البناء للمجهول ترتب على حله من أي شخص كان.
[ 255 ]
الثالثة: أن الحاكم لا يأمر بحل القيد بمجرد الحكم بوجود العتق، بل أوقع صيغة العتق الشرعية إما هو أو وكيله أو الحاكم إن امتنع أو غاب أو مات من غير وارث بالغ. فقولهم في المسألة ” حكم بعتقه ” أي بعد أن الزم بالعتق، فلما عتق بأحد المذكورين حكم الحاكم بعتقه ثم أمر بحل قيده. ثم إنه على تقدير كذبهما وعتقه بحل القيد هل يضمنان بقيمة العبد أم لا ؟ إشكال من أن الحكم – وهو العتق له – لم يحصل بشهادتهما بل بحل قيده ولم يشهدا به، ولأنه لو باشرا الحل لم يضمنا، فعدم الضمان بشهادتهما أولى، ومن أن شهادتهما الكاذبة سبب إتلافه، وكلما أتلفا شيئا بسبب الشهادة الكاذبة ضمنا، كما عليه النص والاجماع كما في غير هذه المسألة، ولأنه قد ثبت في أسباب الضمان للمتلف أن سبب السبب موجب للضمان، فإن واضع الحجر في الطريق – إذا عثر به غيره فوقع في بئر حفر ظلما – ضامن دون الحافر، وأيضا أنه السبب الأولى. وأما قولهم في الوجه الأول ” أنه لو باشرا حله لم يضمنا ” فهنا أولى، إنما لم يضمنا قيمة العبد لأنهما سبب لوجوب العتق عليه يجعله سببا والأصل له حصول الثواب على الله تعالى لأنه فعل ما كلف به. لا يقال: كيف يجامع عدم الضمان بالشهادة ؟ لأنا نقول: إن شهادة الزور يعاقب عليها ولا يعاقب على الحل لتشديد الشارع فيها، لكن في عدم ضمانها بالحل منع سنصرح به، فالأصح أنه لا ضمان عليهما. ولو حله أجنبي لم يضمن، عالما كان بالنذر أو جاهلا به، نهاه المالك أو لا، على إشكال. ووجه هذه الفروع أنه إذا حله أجنبي وترتب عليه العتق المذكور فإما أن يكون عالما النذر أولا، وعلى كل تقدير فإما أن يكون حله بأمر المالك أو مع نهي المالك أولامع أمره ولا نهيه، فالأقسام ستة:
الأول: أن يكون عالما وأمره الملك.
[ 256 ]
والثاني: أن يكون جاهلا وأمره المالك، ولا إشكال في أنه لا يضمن في هاتين الصورتين قطعا.
والثالث: أن يكون عالما ونهاه المالك، فيحتمل هنا الضمان لأن المتلف من أوجد السبب الموجب للتلف لا من جعله سببا، ولا يوصف بالقبح هنا بل إنما يوصف مع وجود التلف به، فإن من ألقى الغير إلى النار لاتوصف بسببيته النار بالقبح هنا بل إنما يوصف الالقاء به وهو فعل الملقي، ولأنه تصرف في ملك الغير بغير إذنه وحصل التلف بسببه فيضمن، ويحتمل عدمه لأن سبب العتق النذر، والحل ليس عقلا ولا شرعا بنفسه، وأن المالك يحصل له بعتقه الثواب الدائم، ولو ضمنه الغير لحصل للمالك العوض وزال ما بإزاء المال، وليس كذلك.
الرابع: أن يكون جاهلا ونهاه المالك، والاشكال كما تقدم، وجاهل الحكم لا يعذر في حقوق الآدميين.
الخامس: أن يكون عالما ولاتوجه أمر المالك ولانهيه، والاشكال كما تقدم، والضمان في الأولين أقوى.
السادس: أن يكون جاهلا ولا يأمر به ولا ينهاه، ووجه الاشكال ما تقدم.
الثالثة عشرة: لو أعتق ثلاث إماء في مرض الموت وليس له مال سواهن اخرجت واحدة بالقرعة، فإن كان بها حمل تجدد لها بعد الاعتاق، فهو حر بالنص والاجماع إن كان متولدا من حر، وإن كان سابقا على الاعتاق فهو موضع خلاف، فالمشهور أنه لا يتحرر بتحرر امه، وهو حمل كما سيجئ. والشيخ في كتابي الأخبار والنهاية على تحرره بتحرر امه إذا كان حملا كما في خبر السكوني وخبر الجعفريات، وسيأتي ذكرهما في الفروع الآتية. وقد سبقه إلى ذلك الاسكافي لذينك الخبرين ولأنه بمنزلة الجزء منها، وإنما اخرجت بالقرعة لأن كل واحدة منهن ثلث التركة، فلو كن مختلفات في القيمة اخرج الثلث خاصة ولو كان جزء من واحدة، فما زادوا على تقدير
[ 257 ]
دخوله لا بد من تقويمه أيضا ليحتسب على الورثة. ثم إن ولد قبل موت المعتق قوم منفصلا حال الوفاة – على ما تقرر في الوصية – وإن بقي حملا إلى أن مات قوم حملا وإن انفصل بعد ذلك، ولأن الزيادة بالوضع حصلت في ملك الوارث إن اتفقت، وهذه المسألة ليس في النصوص ما يدل عليها بالنصوص لكنه متفرع على كون المنجزات في مرض الموت من الثلث. وأما على تقدير أنها من الأصل يسقط هذا البحث من أصله، وقد تقدم في الوصايا الكلام على هذه المسألة، ومنه شيخنا هناك على أن المختار أنه من الأصل لدلالة أكثر الأخبار على أن الانسان مسلط على ماله ما دامت الروح فيه.
الرابعة عشرة: إذا أعتق ثلاثة عبيد في مرض الموت وقلنا إن المنجزات من الثلث ولم يملك غيرهم ثم مات أحدهم اقرع بين الميت والأحياء، فإن أخرجت القرعة الميت حكم بحريته واسترق الحيان، وإن خرجت بأحد الحيين حكم على الميت أنه مات رقا لكنه أنه لا يحتسب من التركة ويقرع بين الحيين قرعة اخرى أو يحرر منهما ما يحتمله الثلث من التركة الباقية وهي الاثنان لأنه ليس له سواهما، ولو عجز أحد هما عن الثلث اكمل من الآخر. وتقرير هذه المسألة على التفصيل بأنه إذا أعتق ثلاثة أعبد في مرض الموت – وهو لا يملك غيرهم بعد موت السيد أو قبله – قبل قبض الوارث اقرع بين الميت والحيين ولا ينزل الميت ابتداء كالمعدوم وأبقى للوارث مثلا ما فات، لأن الميت إنما مات بعد عتقة في نفس الأمر حيث يخرج القرعة بعتقه، وهو قبل القرعة صالح للحرية والرقية، فإذا اقرع بينهم ظهر حاله، فإن خرج عليه سهم الحرية بان أنه مات حرا مورثا عنه، واسترق الآخران على تقدير تساويهم قيمة، فورثته يجهزوه إن كان لهمال من أصل ماله، وإلا فعلى الوارث إن أوجب موته التجهيز على الوارث، وربما قيل إنه من بيت المال ولم يثبت. وإن خرج له سهم الرق لم يحسب على الورثة لأنهم يبغون المال ومنفعته،
[ 258 ]
ويحتسب به على المعتق يبتغي به الثواب وتعاد القرعة بين الحيين وينزلان منزلة ما لو لم يكن سواهما مال وقد أعتقهما. فمن خرج له سهم العتق أعتق ثلثاه واسترق ثلثه والعبد الآخر، وإن خرج سهم العتق على أحد الحيين ابتداء اعتق ثلثاه وبقي ثلثه والآخر رقا كما في المسألة الاولى بعد الاقراع الثاني ويبقي موت الآخر رقا. ولو كان موته بعد قبض الوارث ففي احتسابه عليه وجهان، أقواهما نعم، حتى لو خرجت القرعة لأحد الحيين عتق كله، وذلك لأن الميت دخل في أيديهم وضمانهم. ووجه العدم أنهم لايتسلطون على التصرف وإن ثبت أيديهم الحسبة، فيكون كما لو مات قبل ثبوت أيديهم وقبضهم. وظاهر عبارة المحقق – رحمه الله – في الشرايع القول الثاني لاطلاق كلامه بعدم الاحتساب على الورثة، ولو كانت الضرورة بحالها ومات اثنان اقرع بينهم أيضا، فإن أخرج السهم الحرية على أحد الميتين أعتق نصفه خاصة وجعل للورثة مثليه وهو العبد الحي. وإن خرج سهم الرق عليه أقرع بين الميت الآخر وبين الحي، فإن خرج سهم الحرية على الميت الآخر أعتقنا نصفه وحولنا الحي للورثة وهو مثلا ما أعتق، وإن خرج سهم الرق عليه لم يحتسب على الورثة وأعتق ثلث العبد الحي. ولو كان موت الميت منهم بالقتل الموجب للقيمة دخل القتيل في القرعة مطلقا لأن قيمته تقوم مقامه على تقدير رقيته، فلا يفوت الوارث المال، ثم إن خرج سهم العتق لأحد الحيين عتق أجمع وبقي للورثة الآخر وقيمة القتيل، وإن خرج على القتيل ظهر كونه قتل حرا وعلى قاتله الدية لورثته. هذا كله مع تساويهم في القيمة كما فرضناه في أصل المسألة.
[ 259 ]
أما لو اختلفت القيمة فالواجب عتق ثلث الجميع بالقيمة، فإن خرجت لواحد القرعة وكانت قيمته بقدر الثلث فذاك، وإن نقص اكمل من الآخر، ولو زاد كان فاضله رقا.
فوائد:
الاولى: من أقر بعتق مماليكه للتقية أو دفع الضرر لم يلزم بهذا الاقرار ولم يقع العتق عليهم. لخبر الولد بن هشام (1) وغيره ” قال: قدمت من مصر ومعي رقيق فمررت بالعاشر فسألني فقلت: هم أحرار كلهم، فقدمت المدينة ودخلت على أبي الحسن عليه السلام فأخبرته بقولي للعاشر، فقال لي: ليس عليك شئ “. ورواه الصدوق بإسناده عن الحسين بن سعيد (2) نحوه.
الثانية: لو أقر أحد الورثة و شهد بعتق المملوك جازت شهادته في حصته لا في حصة الباقين، ولا تقع السراية في باقية مع ضمان المقر لقيمته للورثة، وذلك إذا كان المقر مرضيا لعدالته، بل يستسعى العبد في باقي قيمته. لصحيحة محمد بن مسلم (3) كما في التهذيب و الفقيه، ولخبره (4) كما في التهذيب عن أحد هما عليهما السلام ” قال: سألته عن رجل ترك مملوكا بين نفر فشهد أحد هم أن الميت أعتقه، قال: إن كان الشاهد مرضيا لم يضمن، وجازت شهادته في نصيبه، ويستسعى العبد فيما كان للورثة “.
(1) التهذيب ج 8 ص 227 ح 48، الوسائل ج 16 ص 71 ب 60 ح 1. (2) الفقيه ج 3 ص 84 ح 8. (3) الفقيه ج 3 ص 70 ح 24، التهذيب ج 8 ص 234 ح 77، الوسائل ج 6 ص 66 ب 52 ح 1. (4) التهذيب ج 8 ص 246 ح 121.
[ 260 ]
وصحيحة منصور بن حازم (1) ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل هلك وترك غلاما، فشهد بعض ورثته أنه حر، قال: إن كان الشاهد مرضيا جازت شهادته، وليستسعى فيما كان لغيره من الورثة “. وخبر منصور (2) أيضا كما في الفقيه عن أبي عبد الله عليه السلام ” في رجل مات وترك عبدا، فشهد بعض ولده أن أباه أعتقه، قال: تجوز عليه شهادته ولا يغرم، ويستسعى الغلام فيما كان لغيره من الورثة “. وكذلك خبره (3) المروي في الكافي ومرسلته (4) المروية في الكافي أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: سألته عن رجل مات وترك مملوكا، فشهد بعض ورثته أنه حر، فقال: إن كان الشاهد مرضيا جازت شهادته في نصيبه، واستسعى فيما كان لغيره من الورثة “. وسيأتي تتمة المسألة في الاقرار.
الثالثة: إن من أعتق عبدا وعلى العبد دين لم يلزم السيد إلا أن يكون قد استدانه لمولاه أو أذن له بالتجارة واستدان فيها بإذنه. كما تضمنته روايتا ظريف بياع الأكفان كما في التهذيب عن أبي عبد الله عليه السلام لقوله في الاولى (5) ” سألت أبا عبد الله عليه السلام عن غلام لي كنت أذنت له في الشراء والبيع فوقع عليه مال للناس وقد أعطيت به مالا كثيرا، فقال أبو عبد الله
(1) التهذيب ج 8 ص 246 ح 122، الوسائل ج 16 ص 66 ب 52 ح 2 وفيهما اختلاف يسير. (2) الفقيه ج 4 ص 170 ح 1، الوسائل ج 13 ص 401 ب 26 ح 1. (3) الكافي ج 7 ص 42 ح 1. (4) الكافي ج 7 ص 43 ح 2، الوسائل ج 13 ص 402 ب 26 ح 4 وفيهما ” وترك غلاما مملوكا “. (5) التهذيب ج 6 ص 196 ح 56، الوسائل ج 13 ص 118 ب 31 ح 2 وفيهما ” مال الناس “.
[ 261 ]
عليه السلام: إن بعته لزمك ما عليه وإن أعتقه فالمال على الغلام وهو مولاك ” والثانية (1) ” قال عليه السلام إن بعته لزمك وإن أعتقته لم يلزمك الدين، فأعتقه ولم يلزمه شئ. ” ورواه الكليني (2) مرسلا عنه عليه السلام “. وفي خبر أشعث (3) عن أبي الحسن عليه السلام ” في الرجل يموت وعليه دين وقد أذن لعبده في التجارة وعلى العبد دين، قال: يبدأ بدين السيد “. وخبر شريح (4) ” قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام في عبد بيع وعليه دين قال: دينه على من أذن له في التجارة وأكل ثمنه “. وهذان الخبران مقيدان لذينك الخبرين وهما أعم من أن يعتق العبد وأن لا يعتق. وقد تقدم الكلام من المصنف في كتاب الديون.
الرابعة: لو أبق العبد ولم يعلم بموته ولا بحياته فالأصل حياته فيجوز عتقه ولو في الكفارات الواجبة على الأصح. وللأصحاب في هذه المسألة خلاف ذكره في كتاب الكفارات وأعرضوا عنه في كتاب العتق، وربما ذكره بعضهم في العتق أيضا، والمشهور بين أصحابنا ما ذكرناه، ومنع بعضهم تبعا لبعض الشافعية، واستوجبه في المختلف فيه إلى الظن فيصح عتقه مع ظن حياته ويبطل مع ظن وفاته واشتباه الحال، والأصح ما قلناه. ويدل عليه من الأخبار صحيحة أبي هاشم الجعفري (5) كما في الكافي
(1) التهذيب ج 6 ص 199 ح 68، الوسائل ج 13 ص 118 ب 31 ح 3. (2) الكافي ج 5 ص 303 ح 1. (3) التهذيب ج 8 ص 248 ح 129، الوسائل ج 16 ص 67 ب 55 ح 1. (4) التهذيب ج 8 ص 248 ح 130، الوسائل ج 16 ص 68 ب 55 ح 2. (5) الكافي ج 6 ص 199 ح 3، الفقيه ج 3 ص 86 ح 13 وفيه ” عن رجل له مملوك قد أبق منهيجوز… ” وتنتهى الرواية فيه الى ” منه موتا “، التهذيب ج 8 ص 247 ح 123 وما في المصادر الثلاثة ” كفارة الظهار ” فقط، الوسائل ج 16 ص 62 ب 48 ح 1 وما في المصادر ” يعرف ” بدل ” تعرف “.
[ 262 ]
والفقيه والتهذيب ” قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل أبق منه مملوكه، أيجوز أن يعتقه في كفارة اليمين والظهار ؟ قال: لا بأس به ما لم تعرف منه موتا. قال أبو هاشم: وكان سألني نصر بن عامر القمي أن أسأله عن ذلك ” إلا أنه في الفقيه أسقط لفظ اليمين. وخبر أحمد بن هلال (1) كما في الفقيه ” قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام كان علي عتق رقبة فهرب لي مملوك ولست أعلم أين هو يجزي عتقه ؟ فكتب عليه السلام: نعم “.
الخامسة: أن من أعتق أمة حبلى ولم ينص على ولدها بالعتق لم يكن الولد معتقا ولا يصح عتقه حملا بالانفراد إلا بضمه لامه وتكون امه مدبرة عند علوقها بالحمل فيقع الحمل مدبرا، وكذلك المكاتبة، وسيجئ بيان ذلك كله مفصلا. وخالف الشيخ والاسكافي قبله فحكما بعتق الحمل بمجرد عتق امه وإن استثنى الحمل من العتق فبلغ الشرط عند هما لما رواه الشيخ والصدوق بإسناديهما عن السكوني (2) عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام ” في رجل أعتق أمة وهي حبلى فاستثنى ما في بطنها، قال: الأمة حرة وما في بطنها حر لأن ما في بطنها منها “. وقد مضي في كتاب البيع نوع تحقيق لهذه المسألة حيث إن الشيخ وابن الجنيد حكما بتبعية الحمل للأمة في البيع عند إطلاق بيع الام، كما حكما بذلك في العتق، مستدلين بذلك بأن الحمل منزلة العضو منها، وبخبر السكوني المذكور بتنصيصه على تبعية الأمة في العتق وإن استثنى. والأولى حمل هذا الخبر على التقية لمغايرة الحمل لها، لأنه كثير ما يتحرر دونها كما لو كان والده حر
(1) الفقيه ج 3 ص 85 ح 12، الوسائل ج 16 ص 63 ب 48 ح 2 وفيهما ” لست – يجزينى “. (2) الفقيه ج 3 ص 85 ح 8، التهذيب ج 8 ص 136 ح 84 وفيهما ” عن جعفر عن أبيه عليهما السلام في رجل “، الوسائل ج 16 ص 79 ب 69 ح 1 وفيه ” عن جعفر عن آبائه “.
[ 263 ]
ولأنه تلزمه أحكام لا تلزمها كإسلامه وعتقه دونها، ولأن الجناية عليه غير الجناية عليها، وأمثال ذلك من اللوازم المذكورة في مظانها، وستجئ البينة زيادة على ما هنا في التدبير والمكاتبة.
السادسة: في مسنونات العتق ومكروهاته عند مباشرته:
(فمنها) استحباب عتق من أغنى نفسه دون لم يكن كذلك كالولدان الصغار والشيخ الكبير وإن جاز عتق الجميع. ففي صحيحة هشام بن سالم (1) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: سألته عمن أعتق من النسم ؟ فقال: أعتق من أغنى نفسه “. وصحيحة على بن جعفر (2) عن أخيه موسى عليه السلام ” قال: سألته عن رجل عليه عتق رقبة وأراد أن يعتق نسمة، أيهما أفضل أن يعتق شيخا كبيرا أو شابا أجرد ؟ قال: أعتق من أغنى نفسه، والشيخ الكبير الضيعف أفضل من الشاب أجرد ” وخبره (3) كما في قرب الأسناد وصحيحه كما في كتاب المسائل عن أخيه موسى عليه السلام، وذكر مثله إلا أنه قال فيهما ” شابا جلدا ” وقال في آخره ” من الشاب الجرد “. وفي صحيحة محمد بن مسلم (4) عن أحد هما عليهما السلام ” قال: سألته عن الصبي يعتقه رجل ؟ قال: نعم، قد أعتق عليه السلام ولدان كثيرة “.
(ومنها) أنه إذا أعتق من لا حيلة له وكسب استحب نفقته عليه استحبابا مؤكدا.
(1) الكافي ج 6 ص 181 ح 3، الوسائل ج 16 ص 22 ب 15 ح 3 وفيهما ” أعتق النسمة “. (2) الكافي ج 6 ص 196 ح 10، الوسائل ج 16 ص 21 ب 15 ح 2 وفيهما ” الشاب الاجرد “. (3) قرب الاسناد ص 119 وفيه ” الشاب الجلد “، الوسائل ج 16 ص 22 ب 15 ذيل ح 2. (4) الكافي ج 6 ص 181 ح 2، الوسائل ج 16 ص 21 ب 15 ح 1 وفيهما ” يعتقه الرجل – أعتق على عليه السلام ولدانا “.
[ 264 ]
ففي صحيحة ابن محبوب (1) كما في الكافي ” قال: كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام وسألته عن رجل يعتق غلاما صغيرا أو شيخا كبيرا أو من به زمانة ولا حيلة له، فقال: من أعتق مملوكا لا حيلة له فإن عليه أن يعوله حتى يستغني عنه، وكذلك كان أمير المؤمنين عليه السلام يفعل إذا أعتق الصغار ومن لا حيلة له “.
(ومنها) استحباب عتق العبد على عتق الأمة لما تقدم في خبر إبراهيم بن أبي البلاد (2) والمروي في الكافي مسندا وفي الفقيه مرسلا وفي ثواب الأعمال مسندا وكذا في التهذيب ” قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله: من أعتق مؤمنا أعتق الله بكل عضو منه عضوا من النار، وإن كانت انثى أعتق الله بكل عضوين منها عضوا منه من النار، لأن المرأة نصف الرجل “.
(ومنها) استحباب عتق الأرحام الذين لايعتقون بالقرابة خصوصا الوراث وكراهة تملكهم. ففي موثقة سماعة (3) ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل يملك ذارحم، أيحل له أن يبعه أو يستعبده ؟ قال: لا يصلح له أن يبيعه وهو مولاه وأخوه، فإن مات ورثه دون ولده، وليس له أن يبيعه ولا يستعبده “. وموثقة علي بن جعفر (4) عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام كما في التهذيب وخبره (5) كما في كتاب قرب الأسناد وصحيحه كما في كتاب المسائل له عن
(1) الكافي ج 6 ص 181 ح 1، الوسائل ج 16 ص 20 ب 14 ح 1 وفيهما ” عن الرجل “. (2) الكافي ج 6 ص 180 ح 3، الفقيه ج 3 ص 66 ح 1، التهذيب ج 8 ص 216 ح 3، ثواب الاعمال ص 166 طبع طهران، الوسائل ج 16 ص 6 ب 3 ح 1. (3) التهذيب ج 8 ص 232 ح 108، وفيه ” هل يحل له “، الوسائل ج 16 ص 18 ب 13 ح 1. (4) التهذيب ج 8 ص 242 ح 109، الوسائل ج 16 ص 19 ب 13 ح 2 وفيهما ” أو عمه أو ابن عمه “. (5) قرب الاسناد ص 109 وفيه ” رجل تزوج جارية اخته أو عمته أو عمه أو ابن اخته فولدت ما حاله ؟ قال: إذا كان الولد ممن يملكه عتق “، الوسائل ج 16 ص 19 ب 13 ح 2.
[ 265 ]
أخيه موسى عليه السلام ” قال: سألته عن رجل زوج جاريته أخاه أو ابن عمه أو ابن أخيه فولدت، ما حال الولد ؟ قال: إذا كان الولد يرث من ملكه شيئا عتق “. والظاهر أن هذا مبني على كون الولد رقا إما لكون أبويه رقين أو بناء على اشتراط رقيته أو على تبعيته لامه في الرقية وإن كان الأب حرا. وموثقة محمد بن مسلم (1) عن أحد هما عليهما السلام ” قال: يملك الرجل أخاه وغيره من ذوي قرابته من الرجال “. وموثقة سماعة (1) عن أبي عبد الله عليه السلام ” في رجل يملك ذا رحمه، هل يصلح له أن يبيعه أو يستعبده ؟ قال: لا يصلح له أن يبيعه ولا يتخذه عبدا وهو مولاه وأخوه في الدين، وأيهما مات ورثه صاحبه إلا أن يكون له وارث أقرب إليه منه “.
(ومنها) استحباب اختيار عتق المملوك في الرخاء على بيعه والصدقة بثمنه، واختيار البيع والصدقة على العتق في الغلاء، وكراهة عتق الفاسق وشارب الخمر. لصحيحة بكر بن محمد الأزدي (3) كما في الكافي والفقيه عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: سأله رجل وأنا حاضر فقال: يكون لي الغلام فيشرب الخمر ويدخل في هذه الامور المكروهة واريد عتقه، فهل أعتقه أحب إليك أم بيعه وأتصدق بثمنه ؟ فقال: إن العتق في بعض الزمان أفضل والصدقة في بعض الزمان أفضل، فإن كان الناس حسنة حالهم فالعتق أفضل، فإذا كانوا شديدة حالهم فالصدقة أفضل، وبيع هذا أحب إلي إذا كان بهذا الحال “.
(1) التهذيب ج 8 ص 244 ح 115، الوسائل ج 16 ص 19 ب 13 ح 3. (2) الفقيه ج 3 ص 80 ح 7، الوسائل ج 16 ص 19 ب 13 ح 5 وفيهما ” لا مصلح له بيعه “. (3) الكافي ج 6 ص 194 ح 4 وفيه ” فهل عتقه “، الفقيه ج 3 ص 79 ضمن ح 6 وفيه ” فأعتقه “، الوسائل ج 16 ص 37 ب 27 ح 1 وما في المصادر ” وفي بعض الزمان الصدقة أفضل ” مع اختلاف يسير.
[ 266 ]
(ومنها) استحباب عتق المملوك الصالح وكراهة استخدامه. ففى الفقيه (1) مرسلا وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام (2) مسندا وكذلك في صحيفة الرضا (3) عن الرضا عليه السلام والاولى عن أبي جعفر عليه السلام حيث قال: ” دخل أبو جعفر الباقر عليه السلام الخلاء فوجد لقمة خبز في العذرة فأخذها وغسلها ودفعها إلى مملوك معه قال: تكون معك لآكلها إذا خرجت، فلما خرج عليه السلام قال للملوك: أين اللقمة ؟ فقال: أكلتها يابن رسول الله، فقال: إنها ما استوت في جوف أحد إلا وجبت له الجنة، فاذهب أنت حر، فإني أكره أن أستخدم رجلا من أهل الجنة “. وفي العيون وصحيفة الرضا عليه السلام أسند الرضا القضية إلى الحسين عليه السلام وقد تقدمت في أحكام الخلاء. وخبر بشر النبال (4) كما في ثواب الأعمال ” قال: سمعت محمدا أبا جعفر عليه السلام يقول: من أعتق نسمة صالحة كفر الله بكل عضو منها عضوا منه من النار “.
(ومنها) تأكد استحباب عتق المملوك المؤمن بعد سبع سنين وكراهة استخدامه بعدها وبعد العشرين السنة آكد. ففي مرسلة محمد بن عبد الله بن زرارة (5) عن بعض آل أعين عن أبي عبد الله عليه السلام ” فقال: من كان مؤمنا فقد عتق بعد سبع سنين، أعتقه صاحبه أم لم يعتقه، ولا يحل خدمة من كان مؤمنا بعد سبع سنين “. ومرسلة الحسين بن علوان (6) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: صحبة عشرين قرابة “.
(1) الفقيه ج 1 ص 18 ح 14، الوسائل ج 16 ص 38 ب 28 ح 1 وفيهما اختلاف يسير. (2) عيون أخبار الرضا ج 2 ص 43 ب 31 ح 154 طبع طهران. (3) مستدرك الوسائل ج 3 ص 41 ب 24 ح 2. (4) ثواب الاعمال ص 166، الوسائل ج 16 ص 38 ب 28 ح 2 وفيهما ” بشير النبال – جعفر بن محمد ” مع اختلاف يسير. (5) الكافي ج 6 ص 196 ح 12، الوسائل ج 16 ص 43 ب 33 ح 1. (5) الكافي ج 6 ص 199 ح 5، الوسائل ج 16 ص 43 ب 33 ح 2 وفيهما ” صحبة عشرين سنة قرابة “.
[ 267 ]
رواه في كتاب الاقبال عن الحسين بن علوان مثله. وموثقة زرارة (1) عن أبي جعفر عليه السلام ” قال: إذا أتى المملوك ثمنه بعد سبع سنين فعليه أن يقبله “.
(ومنها) استحباب عتق المملوك إذا ضربه المولى ولو كان في حق، وقيده الأصحاب بما إذا ضربه فوق الحد أو ضربه ظلما، والأخبار لا تساعد على ذلك كما ستسمعها. ففي رواية أبي بصير (2) كما في كتاب الحسين بن سعيد وهو كتاب الزهد عن أبي جعفر عليه السلام ” قال: إن أبي ضرب غلاما له واحدة بسوط وكان بعثه في حاجة فأبطأ عليه فبكى الغلام، فقال: الله تبعثني في حاجتك ثم تضربني ! قال: فبكى أبي وقال: يا بني اذهب إلى قبر رسول الله فصل ركعتين وقل: اللهم اغفر لعلي ابن الحسين خطيئته، ثم قال للغلام: اذهب فأنت حر، فقلت: كان العتق كفارة للذنب ؟ فسكت “. وخبر عبد الله بن طلحة (3) كما في ذلك الكتاب أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام ” أن رجلا من بني فهد كان يضرب عبدا له والعبد يقول: أعوذ بالله، فلم يقلع عنه، فقال: أعوذ بمحمد صلى الله عليه واله و، فأقلع عنه الرجل الضرب، فقال رسول الله صلى الله عليه واله: يتعوذ بالله فلا تعيذه ويتعوذ بمحمد فتعيذه ! والله أحق أن يجار عائذه من محمد، فقال الرجل: هو حر لوجه الله، فقال: والذي بعثني بالحق نبيا لو لم تفعل لواقع وجهك حر النار “. والذي ذكره الأصحاب في هذا المقام أن من ضرب مملوكه فوق الحد استحب له التكفير بعتقه، وظاهر القدماء كالشيخ وأتباعه أن ذلك على السبيل الوجوب.
(1) التهذيب ج 8 ص 249 ح 137 وفيه ” قمة ثمنه “، الوسائل ج 16 ص 44 ب 33 ح 4. (2) الزهد ص 43 ب 7 ح 116، الوسائل ج 15 ص 582 ب 30 ح 1. (3) الزهد ص 44 ب 7 ح 119، الوسائل ج 15 ص 582 ب 30 ح 2.
[ 268 ]
وجعلوا المستند في ذلك صحيحة أبي بصير (1) عن أبي جعفر عليه السلام ” قال: من ضرب مملوكا حدا من الحدود من غير حد أوجبه المملوك على نفسه لم يكن لضاربه كفارة إلا عتقه “. وقد أنكر هذا الحكم رأسا ابن إدريس لعدم دليل يدل عليه. والمحقق والعلامة وأكثر المتأخرين عدلوا إلى الاستحباب، واحتج له في المختلف بأنه فعل محرم، والعتق مسقط لذنب القتل وهو أعظم من الضرب، فاستحب العتق، ولو استند إلى الرواية كان أجود، وإن لم تكن صريحة فيما ادعوا لأن ظاهرها أنه إذا ضربه حدا من الحدود من غير موجب أوجبه المملوك على نفسه، لا أنه إذا ضربه زيادة عن الحد بل لأنه ضربه حدا غير مستحق لضربه، والمتبادر من الحد هنا هو المقدار من العقوبة المستحقة على ذلك الفاعل مع إطلاق الحد عليه شرعا، فلا يدخل التعزير لأنه مقدر بنظر الحاكم، ويعتبر فيه حد العبيد لا الأحرار. وقيل: يعتبر حد الأحرار ولأصالة بقاء الملك سليما عن تعلق حق الملك على مالكه، وهذا إنما يتأتى على القول بالوجوب. أما على القول بالاستحباب فلا، لأن المعلق على مفهوم كلي يتضمن في وجوده في أي فرض من أفراده، وحمله على حد لا يتعلق بالمحدود بعيد جدا، ولافرق في ذلك بين الذكر والانثى لتناول المملوك لهما. ومن هذا القبيل ما تقدم في رواية الاقبال والمناقب فيما كان يصنعه علي بن الحسين عليه السلام بمماليكه في شهر رمضان، حيث إنه يعتقهم في مقابلة ما يذنبون في هذا الشهر من المعاصي بعد كتابته عليهم حتى إذا كان آخر الشهر أوقفهم بين يديه وعرفهم بذنوبهم ذنبا ذنبا ثم سألهم العفو عن تقصيراته فيهم ثم يعتقهم بعد عفوهم عن تقصيراته. وقد جاء استحباب العتق عند التماس العبد العفو عن تقصير فعله كما
(1) الكافي ج 7 ص 243 ح 17، الوسائل ج 18 ص 337 ب 27 ح 1.
[ 269 ]
صنعه علي بن الحسين عليه السلام مع جاريته التي توضيه على ما رواه ابن بابويه في الأمالي عن عبد الرزاق (1) ” قال: جعلت جارية لعلي بن الحسين عليه السلام تسكب الماء عليه وهو يتوضأ للصلاة، فسقط الابريق من يد الجارية على وجه فشجه فرفع علي بن الحسين رأسه إليها، فقالت الجارية: إن الله عز وجل يقول: والكاظمين الغيظ، فقال لها: قد كظمت غيظي، قالت: والعافين عن الناس، قال لها: عفا الله عنك، قالت: والله يحب المحسنين، قال: اذهبي فأنت حرة “.
(ومنها) ما لو اشترى حبلى فوطأ قبل مضي أربعة أشهر ومضى عشرة أيام كره له بيع الولد، سواء كان الحمل من زنا أو من غيره، وفاقا لابن إدريس والمحقق، وحرمه الشيخان وسلار وبنو زهرة وحمزة والبراج. وادعى ابن زهرة عليه الاجماع، واستحب عند ما سوى الشيخ وابن حمزة أن يعزل له قسطا من ماله، ويعتقه، وأوجب الشيخ وابن حمزة العتق وعزل القسط. وتدل عليه صحيحة إسحاق بن عمار (2) ” قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل اشترى جارية حاملا وقد استبان حملها فوطأها، قال: بئس ما صنع، فقلت: ما تقول فيها ؟ قال: عزل عنها أم لا ؟ قلت: أجبني في الوجهين، قال: إن كان قد عزل عنها فليتق الله ولا يعد، وإن كان لم يعزل عنها فلا يبيع ذلك الولد ولا يورث ولكن يعتقه ويجعل له شيئا من ماله يعيش به فإنه قد غذاه بنطفته “. وموثقة غياث بن إبراهيم (3) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: من جامع أمة حبلى من غيره فعليه أن يعتق ولدها ولا يسترقه لأنه شارك فيه، ولأن الماء تمام الولد “.
(1) الامالى للشيخ الصدوق ص 168 ح 12 طبع مؤسسة الاعلمي. (2) التهذيب ج 8 ص 178 ح 48، الوسائل ج 14 ص 507 ب 9 ح 1 وفيهما اختلاف يسير. (3) الكافي ج 5 ص 488 ح 3، الوسائل ج 14 ص 507 ب 9 ح 2 وفيهما اختلاف يسير.
[ 270 ]
وخبر السكوني (1) عن أبي عبد الله عليه السلام ” أن رسول الله صلى الله عليه واله دخل على رجل من الأنصار وإذا وليدة عظيمة البطن تختلف، فسأل عنها فقال: اشتريتها يا رسول الله وبها هذا الحبل، قال: أقربتها ؟ قال: نعم، قال: أعتق ما في بطنها، قال: يا رسول الله بما استحق العتق ؟ قال: لأن نطفتك غذت سمعه وبصره ولحمه ودمه “. وموثقة إسحاق بن عمار (2) على ما في الكافي عن أبي الحسن عليه السلام مثل صحيحته المتقدمة.
(ومنها) ما لو انهدمت دار على قوم فبقي منهم صبيان أحد هما مملوك والآخر حر فاشتبها فيقرع بينهما، فإن خرج السهم على أحد هما بحريته جعل المال له واعتق الآخر. استحبابا في المشهور، خلافا للشيخ وجماعة حيث ذهبوا إلى الوجوب. وتدل على هذا الحكم صحيحة حريز (3) عن أحد هما عليهما السلام ” قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام باليمن في قوم انهدمت عليهم دار لهم فبقي صبيان أحد هما مملوك والآخر حر، فأسهم بينهما فخرج السهم على أحد هما، فجعل المال له وأعتق الآخر “. ومثلها صحيحته الاخرى (4) كما في التهذيب. وموثقة محمد بن الحسين بن المختار (5) ” قال: قال أبو عبد الله عليه السلام لأبي حنيفة: يا أبا حنيفة ما تقول في بيت سقط على قوم وبقي منهم صبيان أحد هما حر والآخر مملوك لصاحبه. فلم يعرف الحر من المملوك ؟ فقال أبو حنيفة: يعتق نصف هذا ويعتق نصف هذا ويقسم المال بينهما، فقال أبو عبد الله عليه السلام: ليس كذلك، ولكن
(1) و (2) الكافي ج 5 ص 487 ح 2 و 1، الوسائل ج 14 ص 507 ب 9 ح 3 و 1. (3) الكافي ج 7 ص 137 ح 4، الوسائل ج 17 ص 592 ب 4 ح 1. (4) التهذيب ج 9 ص 362 ح 12، الوسائل ج 17 ص 592 ب 4 ح 1. (5) الكافي ج 7 ص 138 ح 7، الوسائل ج 17 ص 592 ب 4 ح 2.
[ 271 ]
يقرع بينهما، فمن أصابته القرعة فهو الحر، ويعتق هذا فيجعل مولى له “. ومثلها مرسلة إرشاد المفيد (1) ” قال: قضى علي عليه السلام في قوم وقع عليهم بيت فقتلهم وكان في جماعتهم امرأة مملوكة والاخرى حرة، وكان للحرة ولد طفل من حر، وللجارية المملوكة طفل مملوك من مملوك، فلم يعرف الحر من الطفلين، فقرع بينهما، وحكم بالحرية لمن خرج سهم الحر عليه منهما، وحكم بالرقية لمن خرج عليه سهم الرق منهما، ثم أعتقه وجعله مولاه، وحكم في ميراثهما بالحكم في الحر ومولاه، فأمضى رسول الله صلى الله عليه واله هذا القضاء “.
(ومنها) استحباب عتق العبد في المرض قبل أن تحضره أمارات الموت، فإن حضرت أماراته كره عتقه. ففي صحيحة علي بن مهزيار (2) ” قال: كتبت إليه أسأله عن المملوك يحضره الموت فيعتقه مولاه في تلك الساعة فيخرج من الدنيا حرا، هل للمولى في ذلك أجر ؟ أو يترك فيكون له أجره إذا مات وهو مملوك ؟ فكتب: يترك العبد مملوكا في حال موته فهو أجر لمولاه، وهذا إذا أعتق في هذا الحال لم يكن نافعا له “. وخبر الفضل بن المبارك (3) ” أنه كتب إلى أبي الحسن علي بن محمد عليهما السلام في رجل له مملوك فمرض، أيعتقه في مرضه أعظم لأجره ؟ أو يتركه مملوكا ؟ فقال: إن كان في مرض فالعتق أفضل، لأنه يعتق الله عز وجل بكل عضو منه عضوا منه من النار، وإن كان في حال حضور الموت فيتركه مملوكا أفضل له من عتقه “.
(1) ارشاد المفيد ص 94 طبع طهران (دار الكتب الاسلامية)، الوسائل ج 17 ص 593 ب 4 ح 5. (2) الكافي ج 6 ص 195 ح 8 وفيه ” وهذا عتق في هذه الساعة ليس بنافع له “، الوسائل ج 16 ص 42 ب 32 ح 1 وفيهما اختلاف يسير. (3) الفقيه ج 3 ص 93 ح 4، الوسائل ج 16 ص 42 ب 32 ح 2 وفيهما اختلاف يسير.
[ 272 ]
(ومنها) لو شهد مملوكان بحرية ولد الميت وثبت بشهادتهما ذلك فيستحب لمن شهدا له بذلك أن يعتقهما ويكره أن يسترقهما. وتدل عليه موثقة داود بن فرقد (1) كما في الفقيه والكافي ” قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل كان في سفر ومعه جاريتان وغلامان مملوكان، فقال لهما: أنتما أحرار لوجه الله تعالى، واشهدا إن ما في بطن جاريتي هذه مني، فولدت غلاما، فلما قدموا على الورثة أنكروهم واسترقوهم، ثم إن الغلامين اعتقا بعد فشهدا بعد ما اعتقا أن مولاهما الأول أشهد هما أن ما في بطن جاريته منه، قال: تجوز شهادتهم للغلام ولا يسترقهما الغلام الذي شهدا له لأنهما أثبتا نسبه “. والذي يدل على الاستحباب لأنهما يرجعان رقين بحسب الظاهر. وصحيحة الحلبي (2) عن أبي عبد الله عليه السلام ” في رجل مات وترك جارية حبلى ومملوكين فورثهما أخ له، فأعتق العبدين وولدت الجارية غلاما، فشهدا بعد العتق أن مولاهما كان أشهد هما أنه كان ينزل على الجارية وأن الحبل منه، قال: تجوز شهادتهما ويرد ان عبدين كما كانا “.
(ومنها) استحباب اشتراء العبد من مال الزكاة إذا كان تحت الشدة أو كان أبا لذي الزكاة ويعتق، وقد تقدم في الزكاة ما يدل عليه من الأخبار. فمن تلك الأخبار خبر أبي بصير (3) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: سألته عن الرجل يجتمع عنده من الزكاة الخمس مائة والست مائة يشتري منها نسمة ويعتقها، قال: إذا يظلم قوما آخرين حقوقهم، قال: ثم مكث مليا ثم قال: إلا أن
(1) الكافي ج 7 ص 20 ح 16، الفقيه ج 4 ص 157 ح 2، الوسائل ج 13 ص 460 ب 71 ح 1. (2) التهذيب ج 6 ص 250 ح 37، الوسائل ج 13 ص 461 ب 71 ح 2. (3) الكافي ج 3 ص 557 ح 2، الوسائل ج 6 ص 202 ب 43 ح 1.
[ 273 ]
يكون عبدا مسلما في ضرورة فيشتريه ويعتقه “. وخبر أبي محمد الوابشي (1) الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: سأله بعض أصحابنا عن رجل اشترى أباه من الزكاة – زكاة ماله -، قال: اشتر خير رقبة لا بأس بذلك “.
(ومنها) استحباب أن يكتب له كتابا بعد عتقه مشتملا على عتقه وكيفيته كما في صحيحة إبراهيم بن أبي البلاد (2) ” قال: قرأت عتق أبي عبد الله عليه السلام فإذا هو: هذا ما أعتق جعفر بن محمد، أعتق فلانا غلامه لوجه الله لا يريد به جزاء ولا شكورا على أن يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويحج البيت و يصوم شهر رمضان ويوالي أولياء الله ويتبرأ من أعداء الله، شهد فلان وفلان وفلان ثلاثة “. ورواه في المقنع مرسلا، وراه الشيخ في التهذيب من الصحيح أيضا عن الحسين بن سعيد عن إبراهيم بن أبي البلاد (3). وصحيحة عبد الله بن سنان (4) كما في الكافي ” عن غلام أعتقه أبو عبد الله عليه السلام: هذا ما أعتق جعفر بن محمد، أعتق غلامه السندي فلانا على أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن البعث حق وأن النار حق، وعلى أنه يوالي أولياء الله ويتبرأ من أعداء الله، ويحل حلال الله ويحرم حرام الله، ويؤمن برسل الله، ويقر بما جاء من عند الله، أعتقه لوجه الله لا يريد به جزاء ولا شكورا، وليس لأحد عليه سبيل إلا بخير، شهد فلان “.
(ومنها) كراهة عتق ولد الزنا وإن أظهر الايمان بقاء على جواز إيمانه
(1) الكافي ج 3 ص 552 ح 1، والوسائل ج 6 ص 173 ب 19 ح 1. (2) الكافي ج 6 ص 181 ح 1 وفيه ” فإذا هو شرحه: – ويتولى “، الوسائل ج 16 ص 10 ب 6 ح 1. (3) المقنع ص 155، التهذيب ج 8 ص 216 ح 4، الوسائل ج 16 ص 10 ب 6 ح 1. (4) الكافي ج 6 ص 181 ح 1، الوسائل ج 16 ص 10 ب 6 ح 2.
[ 274 ]
وإلا كان حراما. وقد تقدم في الأخبار ما يدل عليه أيضا خبر عمار بن مروان (1) ” قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أن أبي حضره الموت فقيل: أوص، فقال: هذا ابني – يعني عمرا – فما صنع فهو جائز ” وساق الحديث إلى أن قال: ” وأوصى بنسمة مؤمنة عارفة، فلما أعتقناه بان لنا أنه لغير رشده، فقال: قد أجزت عنه “. وزاد الكليني (2) في روايته ” إنما مثل ذلك مثل رجل اشترى اضحية على أنها سمينة فوجدها مهزولة فقد أجزت “. ومثلها رواية الفقيه (3) أيضا.
(ومنها) استحباب عتق العبد عند الموت إذا كان ضربه في حال حياته ولو بحق. لموثقة إسحاق بن عمار عن أبي بصير (4) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: أعتق أبو جعفر عليه السلام من غلمانه عند موته شرارهم وأمسك خيارهم، فقلت: يا أبة تعتق هؤلاء وتمسك هؤلاء ؟ فقال: إنهم قد أصابوا مني ضربا فيكون هذا بهذا “.
(1) التهذيب ج 9 ص 236 ح 13، الوسائل ج 13 ص 481 ب 95 ح 2 و فيهما ” فقيل له – عمر – قد أجزأت عنه “. (2) الكافي ج 7 ص 62 ح 17، الوسائل ج 13 ص 481 ب 95 ح 3 وفيهما ” مثل رجل – فقد أجزأت عنه “. (3) الفقيه ج 4 ص 172 ح 5. (4) الكافي ج 7 ص 55 ح 13، الوسائل ج 13 ص 472 ب 84 ح 1.