ج8 - وظيفة الأخيرتين
الفصل الثامن
من الرباعية وثالثة
المغرب اتفق الأصحاب (رضوان الله عليهم) على التخيير في المواضع المشار إليها بين
التسبيح وقراءة الفاتحة وانما وقع الخلاف في الأفضل من الأمرين المذكورين على
أقوال :
أحدها ـ القول بأفضلية التسبيح مطلقا وهو مذهب ابن ابي
عقيل والصدوقين وابن إدريس ، واليه مال جملة من متأخري المتأخرين : منهم ـ المحدث
الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي وشيخنا الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني
والشيخ محمد بن ماجد من مجتهدي علماء البحرين ، وهو المختار عندي.
وثانيها ـ القول بأفضلية القراءة مطلقا ، ذهب إليه أبو
الصلاح تقي بن نجم الحلبي واختاره الشهيد في اللمعة واليه مال السيد السند في
المدارك.
وثالثها ـ القول بالتخيير مطلقا من غير تفصيل ، وهو مذهب
الشيخ في النهاية والجمل والمبسوط ونقله شيخنا المجلسي (قدسسره) عنه في أكثر
كتبه ، وهو ظاهر العلامة في الإرشاد والمختلف والمحقق في المعتبر.
ورابعها ـ القول بأفضلية القراءة للإمام والمساواة لغيره
من منفرد أو مأموم واختاره الشيخ في الاستبصار والعلامة في القواعد وقبله المحقق
في الشرائع واختاره أيضا المحقق الشيخ على في شرح القواعد ومتعلقات المختصر ،
واليه ذهب الشهيد في البيان واختاره المحقق الأردبيلي (قدسسره) في شرحه على
الإرشاد.
وخامسها ـ القول بأفضلية القراءة للإمام وأفضلية التسبيح
للمأموم وهو مذهب العلامة في المنتهى.
وسادسها ـ القول بأفضلية القراءة للإمام والتسبيح
للمنفرد ، اختاره الشهيد في الدروس واستحسنه العلامة في التذكرة على ما نقل عنه.
وسابعها ـ أفضلية التسبيح للإمام إذا تيقن ان ليس معه
مسبوق وأفضلية القراءة إذا تيقن دخول مسبوق أو جوزه والقراءة للمأموم والتخيير
للمنفرد ، ذهب اليه ابن الجنيد على ما نقل عنه.
واما الأخبار الواردة في المقام فهي لا تخلو من التناقض
وعدم الالتئام ومن ثم اختلفت فيها كلمات علمائنا الأعلام باختلاف الأذهان
والأفهام.
والذي يدل على القول الأول وهو الذي عليه من بينها
المعول جملة من الأخبار :
الأول ـ ما رواه الصدوق (عطر الله مرقده) في الصحيح عن
زرارة عن أبي جعفر (عليهالسلام) (1) قال قال : «لا
تقرأن في الركعتين الأخيرتين من الأربع الركعات المفروضات شيئا إماما كنت أو غير
امام. قال قلت فما أقول فيهما؟ قال ان كنت إماما أو وحدك فقل «سبحان الله والحمد
لله ولا إله إلا الله» ثلاث مرات تكمله تسع تسبيحات ثم تكبر وتركع».
الثاني ـ ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن زرارة عن أبي
جعفر (عليهالسلام) (2) قال : «عشر
ركعات : ركعتان من الظهر وركعتان من العصر وركعتا الصبح وركعتا المغرب وركعتا
العشاء الآخرة لا يجوز الوهم فيهن ومن وهم في شيء منهن استقبل الصلاة استقبالا.
وفوض إلى محمد (صلىاللهعليهوآله) فزاد النبي
في الصلاة سبع ركعات هي سنة ليس فيهن قراءة انما هو تسبيح وتهليل وتكبير ودعاء
فالوهم انما يكون فيهن».
الثالث ـ ما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر
(عليهالسلام) (3) قال «كان الذي
فرض الله على العباد من الصلاة عشر ركعات وفيهن القراءة وليس فيهن وهم يعني سهو
فزاد رسول الله (صلىاللهعليهوآله) سبعا وفيهن
الوهم وليس فيهن قراءة».
__________________
(1) الوسائل الباب 51 من القراءة.
(2) الوسائل الباب 42 من القراءة.
(3) الوسائل الباب 1 من الخلل في الصلاة.
الرابع ـ ما رواه الشيخ عن زرارة عن أبي جعفر (عليهالسلام) (1) قال : «ان
أدرك من الظهر أو من العصر أو من العشاء ركعتين وفاتته ركعتان قرأ في كل ركعة مما
أدرك خلف الإمام في نفسه بأم الكتاب وسورة. الى ان قال : فإذا سلم الامام قام فصلى
ركعتين لا يقرأ فيهما لأن الصلاة انما يقرأ فيها في الأولتين في كل ركعة بأم
الكتاب وسورة ، وفي الأخيرتين لا يقرأ فيهما انما هو تسبيح وتكبير وتهليل ودعاء
ليس فيهما قراءة. وان أدرك ركعة قرأ فيها خلف الإمام فإذا سلم الامام قام فقرأ بأم
الكتاب وسورة ثم قعد فتشهد ثم قام فصلى ركعتين ليس فيهما قراءة». وروى هذه الرواية
في الفقيه عن زرارة مثله (2) بأدنى تفاوت
لا يخل بالمقصود.
أقول : لا يخفى ما في دلالة هذه الأخبار الصحاح من
الصراحة في أفضلية التسبيح بل تعينه مطلقا اماما كان أو غيره سيما الصحيحة الاولى
، وظاهر هذه الأخبار بل صريحها انما هو تعين التسبيح دون الأفضلية للنهي عن
القراءة والنفي لها إلا انها لما اتفقت كلمة الأصحاب على التخيير بينه وبين القراءة
وعضدها بعض الأخبار الآتية ان شاء الله تعالى فلا مندوحة عن تأويلها بما يرجع إلى
ذلك بحمل النهي على الكراهة والنفي على نفي الأفضلية الراجع إلى أقلية الثواب في
القراءة. وكيف كان فهي صريحة في الرد على ما اشتهر بين أصحابنا من أصالة القراءة
في هذا الموضع وان التسبيح انما هو بدل منها وقائم مقامها ، ويشير إلى ذلك ما يأتي
(3) في صحيحة عبيد
بن زرارة ان شاء الله تعالى مما سنشير إليه ثمة.
فإن قيل : من الجائز حمل النهي والنفي هنا على النهي عن
تحتم القراءة ووجوبها فمعنى «لا تقرأن» يعني على جهة الحتم والتعيين كما في الأوليين
، وكذلك «ليس فيهن قراءة» يعني متحتمة متعينة.
قلت : فيه (أولا) ان قوله (عليهالسلام) في الصحيحة
الثانية والرابعة «إنما
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 47 من الجماعة.
(3) ص 393.
هو تسبيح وتكبير. إلى آخره» الدال على
حصر الموظف في ذلك يمنع مما ذكرت.
و (ثانيا) ـ انه لو كان النهي عن القراءة في الصحيحة
بقوله «لا تقرأن» مؤكدا بالنون انما توجه إلى اعتقاد وجوب القراءة وتحتمها دون أصل
القراءة لكان الأظهر في جواب السائل حين قال «فما أقول؟» ان يقال له انك مخير بين
القراءة والتسبيح لا ان يخص الجواب بالتسبيح المؤذن بتعيينه.
وبالجملة فدلالة هذه الأخبار مع صحة أسانيدها في المدعى
أظهر من ان ينكر إلا ان أصحابنا في كتبهم المبسوطة لم يلموا بها وان ذكر بعضهم
منها خبرا واحدا.
الخامس ـ ما رواه في الفقيه بسند صحيح إلى محمد بن عمران
العجلي (1) «انه سأل أبا
عبد الله (عليهالسلام) لأي علة صار
التسبيح في الركعتين الأخيرتين أفضل من القراءة؟ فذكر (عليهالسلام) حديث المعراج
وصلاة الملائكة خلف النبي (صلىاللهعليهوآله) الى ان قال :
وصار التسبيح أفضل من القراءة في الأخيرتين لأن النبي (صلىاللهعليهوآله) لما كان في
الأخيرتين ذكر ما رأى من عظمة الله عزوجل فدهش فقال «سبحان
الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر» فلذلك صار التسبيح أفضل من القراءة».
السادس ـ ما رواه في كتاب العلل عن محمد بن أبي حمزة (2) قال «قلت لأبي
عبد الله (عليهالسلام) لأي شيء صار
التسبيح في الأخيرتين أفضل من القراءة؟ قال لانه لما كان في الأخيرتين ذكر ما رأى
من عظمة الله تعالى فدهش فقال «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر»
فلتلك العلة صار التسبيح أفضل من القراءة».
أقول : والتقريب في هذين الخبرين ان قضية التعليل عموم
الحكم لجميع المصلين من امام ومأموم ومنفرد ، إذ الحكم راجع إلى الصلاة من حيث هي
بمعنى ان التسبيح فيها يرجح على القراءة بهذا الوجه ولا سيما الامام حيث ان النبي (صلىاللهعليهوآله)
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 25 و 51 من القراءة.
يوم سبح كان إماما للملائكة ، وذلك
فان هذا الخبر قد تضمن أيضا السؤال عن علة الجهر قبل ان يسأله عن علة أفضلية
التسبيح وفي الجواب عن علة الجهر تصريح بأنه (صلىاللهعليهوآله) كان اماما
يصلي بالملائكة فليراجع.
السابع ـ ما رواه في الفقيه عن الرضا (عليهالسلام) (1) ونحوه في كتاب
العلل عنه (عليهالسلام) (2) قال : «انما
جعل القراءة في الركعتين الأولتين والتسبيح في الأخيرتين للفرق بين ما فرضه الله
تعالى من عنده وبين ما فرضه الله من عند رسوله صلىاللهعليهوآله».
والتقريب فيه ما تقدم من ان قضية التعليل العموم لكل مصل
فكما ان الحكم في الأوليين عام بلا خلاف فكذا في الأخيرتين بمقتضى الخبر المذكور
لرجوعه إلى الصلاة من حيث هي.
الثامن ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد
الله (عليهالسلام) (3) قال : «إذا
قمت في الركعتين الأخيرتين لا تقرأ فيهما فقل : الحمد لله وسبحان الله والله أكبر».
هكذا نقله في الاستبصار (4) وفي التهذيب (5) أسقط منه لفظ «الأخيرتين»
والظاهر انه سهو من قلمه.
وقد أجيب عن الاستدلال بهذا الخبر بان قوله «لا تقرأ
فيهما» نفي لا نهى والجملة حالية من الضمير البارز في قوله «إذا قمت» اي حال كونك
غير قارئ. وإلى هذا يشير كلام المحقق في المعتبر حيث قال : وقوله «لا تقرأ» ليس
نهيا بل بمعنى «غير» كأنه قال «غير قارئ». انتهى. فجواب الشرط حينئذ قوله «فقل.
إلى آخره» ولهذا قرنه بالفاء وجرد جملة النفي عنها تنبيها على ذلك.
__________________
(1) الوسائل الباب 51 من القراءة.
(2) البحار ج 18 الصلاة ص 352.
(3) الوسائل الباب 51 من القراءة.
(4) ج 1 ص 322.
(5) ج 1 ص 162 ولفظ «الأخيرتين» موجود فيه.
وأجاب بعض مشايخنا (قدس الله أسرارهم) عن هذا الجواب بان
قوله : «لا تقرأ فيهما» جملة خبرية وقعت صفة للركعتين لأنهما معرفتان بلام الجنس
وهو قريب المسافة من النكرات لعدم التوقيت فيه والتعيين كما في قوله : «ولقد أمر
على اللئيم يسبني» قال العلامة الزمخشري في تفسير الفاتحة في قوله تعالى «غَيْرِ
الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ» : (فان قلت)
كيف يصح ان يكون «غير» صفة للمعرفة وهو لا يتعرف وان أضيف إلى المعارف؟ (قلت) «الَّذِينَ
أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ» لا توقيت فيه
فهو كقوله : ولقد أمر على اللئيم يسبني. انتهى قال : والوجه في حسن هذا الوصف
وملاحته في هذا المقام ما أشير إليه في صحيحتي زرارة بل صحاحه من ان الأخيرتين لا
قراءة فيهما بالأصالة بل الثابت فيهما بالأصالة هو التسبيح واما القراءة فهي
مرجوحة وان أجزأت لاشتمالها على التحميد والدعاء لا من حيث اختصاصها بالموضع من
حيث هي قراءة كما أشير إليه في صحيحة عبيد بن زرارة المروية في التهذيب (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الركعتين
الأخيرتين من الظهر؟ قال تسبح وتحمد الله وتستغفر لذنبك وان شئت فاتحة الكتاب
فإنها تحميد ودعاء». انتهى كلامه (زيد مقامه) وهو جيد نفيس وعليه فيكون جزاء الشرط
هو جملة قوله : «فقل» وجملة «لا تقرأ» خبرية وقعت صفة للركعتين. ووصف هاتين
الركعتين بعدم القراءة فيهما مؤذن بمرجوحية القراءة فيهما
واختار المحقق الشيخ حسن في كتاب المنتقى جعل جملة «لا
تقرأ» طلبية قال : لبعد ارادة غير النهى منه كما اوله به جماعة من الأصحاب (رضوان
الله عليهم) : منهم ـ المحقق في المعتبر فقال ان «لا» فيه بمعنى «غير» كأنه قال «غير
قارئ» مع ان التجوز في قوله «تقرأ» بإرادة الإرادة للقراءة أو الحمل على إضمار كلمة
«تريد» أقل تكلفا مما ذكروه والكل خلاف الظاهر. إلى ان قال : وربما يستشهد لترجيح
خلاف النهي بإدخال فاء الجواب على كلمة «قل» ولو أريد النهي لكان حقها ان تقترن
به. ويدفعه بعد التنزل لتسليم تعين كونها للجواب تكثر الإشارة في ما سلف من هذا
الكتاب
__________________
(1) الوسائل الباب 42 من القراءة.
إلى قلة ضبط الكتابة للأخبار في خصوص
الواو والفاء ففي الغالب يصحف أحدهما بالآخر ويكتب الحديث بأحدهما في كتاب أو في
موضع وبالآخر في غيره حتى من المصنف الواحد فلا وثوق بهذه الشهادة في مقام
التعارض. انتهى.
ولا يخفى عليك ان ما نقلناه عن شيخنا المتقدم أقرب في
الجواب لانطباقه على ما هو المتبادر من سوق الكلام سيما كون الجملة الجزائية هي
قوله «فقل» فان ما ذكره (رحمهالله) من الجواب
هنا عن ذلك وان احتمل إلا ان فتح هذا الباب يؤدي إلى رفع الوثوق بالاخبار
والاعتماد عليها فالواجب ان لا يصار اليه إلا مع عدم المندوحة.
التاسع ـ ما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر
(عليهالسلام) (1) قال : «وان
كنت خلف امام فلا تقرأن شيئا في الأولتين وأنصت لقراءته ولا تقرأن شيئا في
الأخيرتين ، فإن الله عزوجل يقول للمؤمنين
«(وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ) ـ يعني في
الفريضة خلف الامام ـ (فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)» (2) والأخيرتان
تبع للأولتين». وهذه الرواية نقلها ابن إدريس (قدسسره) في مستطرفات
السرائر (3) تتمة لصحيحة
زرارة الاولى (4).
وحاصل معنى هذه الرواية النهي عن القراءة خلف الإمام إذا
دخل معه في أولتيه والأمر بالإنصات لقراءته ، والنهي عن القراءة في أخيرتيه أيضا
من حيث كون الأخيرتين تبعا للأولتين. وملخصه انه إذا دخل معه في أولتيه فلا يقرأ
فيهما ولا في الأخيرتين ، والعلة في النهي في الأولتين من حيث قضية الإنصات وفي الأخيرتين
التبعية.
العاشر ـ ما رواه الصدوق في كتاب عيون الأخبار بسنده إلى
ابن أبي الضحاك (5) «انه صحب الرضا
(عليهالسلام) من المدينة
إلى مرو فكان يسبح في الأخراوين يقول : «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله
والله أكبر» ثلاث مرات ثم يركع». وربما سقط
__________________
(1) الوسائل الباب 31 من الجماعة.
(2) سورة الأعراف ، الآية 203.
(3) ص 471.
(4) ص 389.
(5) الوسائل الباب 42 من القراءة.
من بعض نسخه لفظ «والله أكبر».
الحادي عشر ـ ما رواه المحقق في المعتبر عن زرارة (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الأخيرتين
من الظهر قال تسبح وتحمد الله وتستغفر لذنبك».
الثاني عشر ـ ما رواه الشيخ عن محمد بن قيس في الصحيح عن
أبي جعفر (عليهالسلام) (2) قال : «كان
أمير المؤمنين (عليهالسلام) إذا صلى يقرأ
في الأولتين من صلاته الظهر سرا ويسبح في الأخيرتين من صلاته الظهر على نحو من
صلاته العشاء ، وكان يقرأ في الأولتين من صلاته العصر سرا ويسبح في الأخيرتين على
نحو من صلاته العشاء».
الثالث عشر ـ ما رواه أيضا في الموثق عن عمار بن موسى
الساباطي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «سألته
عن الرجل يدرك الامام وهو يصلي اربع ركعات وقد صلى الامام ركعتين؟ قال يفتتح
الصلاة ويدخل معه ويقرأ خلفه في الركعتين. إلى ان قال : فإذا سلم الامام ركع
ركعتين يسبح فيهما ويتشهد ويسلم».
الرابع عشر ـ ما رواه المحقق في المعتبر عن علي (عليهالسلام) (4) انه قال : «اقرأ
في الأولتين وسبح في الأخيرتين».
الخامس عشر ـ ما رواه في الكافي أيضا عن زرارة (5) قال : «قلت
لأبي جعفر (عليهالسلام) ما يجزئ من
القول في الركعتين الأخيرتين؟ قال ان تقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله
والله أكبر وتكبر وتركع».
فهذه جملة من الأخبار واضحة الدلالة في ما ادعيناه وجملة
منها ظاهرة بل صريحة
__________________
(1) في المسألة الثالثة من المسائل الأربع في القراءة وفي
البحار عنه ج 18 الصلاة ص 352 ومستدرك الوسائل الباب 31 من القراءة إلا أنه في
النسخة المطبوعة منه المؤرخة 1318 «عبيد بن زرارة» فتتحد مع الرواية المتقدمة ص
393 ولكنها فاقدة لذيلها.
(2 و 4) الوسائل الباب 51 من القراءة.
(3) الوسائل الباب 29 من صلاة الجمعة.
(5) الوسائل الباب 42 من القراءة.
في تعين التسبيح مطلقا وقد نص بعضها
على الامام بخصوصه وجملة قد صرحت بالأفضلية مطلقا كما أشرنا إليه آنفا ، وجملة قد
تضمنت الأمر بذلك المؤذن لا أقل بالرجحان والأفضلية ، وجملة قد تضمنت حكاية
صلواتهم (عليهمالسلام) ومن الظاهر
انهم كانوا أئمة في تلك الصلوات لأنهم أشد مواظبة على سنة الجماعة والناس أشد حرصا
ومواظبة على الاقتداء بهم ولا سيما صلاة الرسول (صلىاللهعليهوآله) بالملائكة
وصلاة الرضا (عليهالسلام) في طريق
خراسان. وهذا كله بحمد الله سبحانه ظاهر لا يقبل الإنكار وبين لا يعتريه الاستتار.
السادس عشر ـ ما رواه الشيخ (قدسسره) بسنده عن
سالم أبي خديجة عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «إذا
كنت امام قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين الأولتين وعلى الذين خلفك ان يقولوا «سبحان
الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر» وهم قيام فإذا كان في الركعتين
الأخيرتين فعلى الذين خلفك ان يقرأوا فاتحة الكتاب وعلى الامام التسبيح مثل ما
يسبح القوم في الركعتين الأخيرتين».
وهذا الخبر استدل به بعض مشايخنا المحققين من متأخري
المتأخرين ، والظاهر ان محل الاستدلال هو قوله «وعلى الامام التسبيح. إلخ» وحينئذ
فهو دليل على أفضلية التسبيح بالنسبة إلى الامام لا مطلقا كما هو ظاهر المستدل ،
ولذلك ان الفاضل الخراساني في الذخيرة جعله من الأخبار الدالة على أفضلية التسبيح
للإمام. وأياما كان فالظاهر ان معنى قوله : «فإذا كان في الركعتين الأخيرتين» يعني
إذا كان الائتمام في الأخيرتين بأن يكون المأمومون مسبوقين بركعتين ففرض من صلى
خلفه القراءة لأنهما اولتان بالنسبة إليهم ، والواجب عليهم القراءة هنا على الأظهر
كما يأتي بيانه في محله. وقوله أخيرا «في الركعتين الأخيرتين» اما ان يتعلق بالظرف
اعنى قوله «على الامام» ويكون معنى قوله «مثل ما يسبح القوم» إشارة إلى ما تقدم في
صدر الحديث من
__________________
(1) الوسائل الباب 51 من القراءة.
التسبيح وقت قراءة الامام ، وحاصله
حينئذ انه على الامام ان يسبح في الأخيرتين مثل تسبيح القوم خلفه في الأولتين ،
واما ان يتعلق بالفعل اعني «يسبح» ويكون المعنى حينئذ : وعلى الامام ان يسبح في
تلك الركعتين الأخيرتين اللتين على المأمومين المسبوقين ان يقرأوا فيهما مثل تسبيح
المأمومين فيهما لو كانوا غير مسبوقين. ولعل المستدل بالرواية على الأفضلية مطلقا
ناظر إلى هذا المعنى. وكيف كان فالظاهر عدم جواز حمل الركعتين الأخيرتين في قوله :
«فإذا كان في الركعتين الأخيرتين» على ان يكونا أخيرتين بالنسبة إلى الامام
والمأموم لاستلزامه حينئذ أولوية القراءة فيهما للمأمومين والتسبيح للإمام كما هو
ظاهر اللفظ بناء على ذلك ولا قائل به بل لا دليل عليه من خارج. والاعتماد في
إثباته على مجرد هذا الاحتمال لا يخلو من الاشكال بل الاختلال ، فإنه يلزم من ذلك
حصول الحشو في الكلام وهو مما يجب ان يصان عنه كلام الامام (عليهالسلام) كما لا يخفى
على ذوي الأذهان والافهام.
السابع عشر ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار
عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «قلت
الرجل يسهو عن القراءة في الركعتين الأولتين فيذكر في الركعتين الأخيرتين انه لم
يقرأ؟ قال أتم الركوع والسجود؟ قلت نعم. قال اني اكره أن أجعل آخر صلاتي أولها». استدل
به شيخنا البهائي (قدسسره) في كتاب
الحبل المتين على استحباب التسبيح للمنفرد.
وقال العلامة في المختلف ـ بعد الاستدلال بالخبر المذكور
على عدم تعين القراءة في الأخيرتين لناسيهما في الأولتين ردا على من ذهب إلى ذلك ـ
ما صورته : وهذا الحديث كما يدل على عدم وجوب القراءة فإنه دال على أولوية التسبيح
أيضا كما اختاره ابن أبي عقيل.
هذا ما وقفت عليه من الأخبار الدالة على القول الأول.
__________________
(1) الوسائل الباب 51 من القراءة.
واما ما يدل على القول الثاني فرواية محمد بن حكيم (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) أيما أفضل
القراءة في الركعتين الأخيرتين أو التسبيح؟ فقال القراءة أفضل».
وأنت خبير بان هذه الرواية لضعف سندها وانحطاط عددها
تقصر عن معارضة ما قدمناه من الأخبار ولا سيما على مذاق أصحاب هذا الاصطلاح ،
والظاهر بل المتعين حملها على التقية التي هي في اختلاف الأحكام الشرعية رأس كل
بلية ، وذلك لأن تعيين القراءة في الأخيرتين مذهب جمهور الجمهور ، فان المنقول عن
الشافعي والأوزاعي واحمد في إحدى الروايتين وجوب القراءة في الأخيرتين ، وعن مالك
وجوبها في معظم الصلاة ، وعن الحسن في كل ركعة ، وعن أبي حنيفة القول بالتخيير مع
فضيلة القراءة (2) فالحمل على
التقية ظاهر لا ستر عليه.
واما ما ذكره شيخنا المجلسي (قدسسره) في البحار ـ حيث
نقل عن العلامة في
__________________
(1) الوسائل الباب 51 من القراءة. والرواية عن أبي الحسن «ع».
(2) في شرح النووي على صحيح مسلم ج 4 ص 103 «قال الثوري
والأوزاعي وأبو حنيفة : لا تجب القراءة في الركعتين الأخيرتين بل هو بالخيار ان
شاء قرأ وان شاء سبح وان شاء سكت. والصحيح الذي عليه جمهور العلماء من السلف
والخلف وجوب الفاتحة في كل ركعة.» وفي بداية المجتهد ج 1 ص 115 «أوجب بعضهم قراءة
الفاتحة في كل ركعة ومنهم من أوجبها في أكثر الصلاة ومنهم من أوجبها في نصف الصلاة
ومنهم من أوجبها في ركعة من الصلاة ، وبالأول قال الشافعي وهي أشهر الروايات عن
مالك وقد روى عنه انه ان قرأها في ركعتين من الرباعية أجزأته. واما من يرى انه
تجزئ في ركعة فمنهم الحسن البصري وكثير من فقهاء البصرة. واما أبو حنيفة فيستحب
عنده التسبيح فيهما «الركعتين الأخيرتين» دون القراءة والجمهور يستحبون القراءة
فيها كلها» وفي نيل الأوطار ج 3 ص 179 «عن أبي حنيفة في الأخيرتين ان شاء قرأ وان
شاء سبح وان شاء سكت» وفي بدائع الصنائع ج 1 ص 111 مثله.
المنتهى القول بأفضلية القراءة للإمام
والتسبيح للمأموم ، قال وقواه في التذكرة ، ثم قال وهذا القول لا يخلو من قوة إذ
به يجمع بين أكثر الأخبار وان كان بعض الأخبار يأبى عنه. وذهب جماعة من محققي
المتأخرين إلى ترجيح التسبيح مطلقا وحملوا الأخبار الدالة على أفضلية القراءة
للإمام أو مطلقا على التقية لأن الشافعي واحمد ، يوجبان القراءة في الأخيرتين
ومالكا يوجبها في ثلاث ركعات من الرباعية وأبا حنيفة خير بين الحمد والتسبيح وجوز
السكوت (1) ويرد عليه ان
التخيير مع أفضلية القراءة أو التفصيل بين الامام والمنفرد مما لم يقل به أحد من
العامة فلا تقبل الحمل على التقية نعم يمكن حمل أخبار التسوية المطلقة على التقية
لقول أبي حنيفة بها. انتهى ـ
ففيه نظر من وجوه (أحدها) انه لا يخفى على من لاحظ
الأخبار التي قدمناها وتدبر في ما ذيلناها به من التحقيق الرشيق انه لا معدل عن
العمل بها والقول بما دلت عليه وهذه الرواية ظاهرة بل صريحة في المخالفة فلم يبق
إلا ردها لقصورها عن المعارضة وليس بعد العمل بما دلت عليه هذه الرواية إلا رد تلك
الأخبار المستفيضة المتكاثرة الصحيحة الصريحة في ما ادعينا وفيه من الشناعة ما لا
يتجشمه محصل ولا يتفوه به قائل ، وحينئذ فيجب رد هذه الرواية إلى قائلها كما أمروا
به (عليهمالسلام).
و (ثانيها) ـ انه مع تسليم صحة ما ذكره في نقل مذاهب
العامة من عدم تصريحهم بالأفضلية فإنه لا ينافي حمل الرواية المذكورة وأمثالها على
التقية ، وذلك فإنه يمكن حمل أخبار الفاتحة على التقية باعتبار ان المتبادر من
اخبار الأمر بالفاتحة للإمام هو الوجوب كما صرح به الفاضل الأردبيلي (قدسسره) في ما يأتي
من نقل كلامه ، ولا ينافيه لفظ الأفضلية في رواية محمد بن حكيم المذكورة الدالة
على ان القراءة أفضل مطلقا لأن الواجب أفضل من المندوب البتة إلا فيما استثنى ،
وحينئذ فتكون التقية باعتبار مذهب الشافعي واتباعه.
__________________
(1) ارجع إلى التعليقة 2 ص 398.
و (ثالثها) ـ ان مذهب أبي حنيفة هو التخيير مع أفضلية
القراءة كما نص عليه المخذول المهان فضل الله بن روزبهان الخنجي في كتابه الذي رد
فيه على كشف الحق ونهج الصدق حيث قال (1) : ومذهب أبي حنيفة أنه يقرأ في
الأخيرتين بالفاتحة فقط وهذا أفضل وان سبح أو سكت جاز. انتهى. والعجب انه كيف خفي
ذلك على شيخنا المشار اليه مع وفور اطلاعه.
وربما يستدل لهذا القول أيضا بما رواه الطبرسي في
الاحتجاج من التوقيعات الخارجة من الناحية المقدسة في أجوبة الحميري (2) «انه كتب إليه
يسأله عن الركعتين الأخيرتين قد كثرت فيهما الروايات فبعض يرى أن قراءة الحمد
فيهما أفضل وبعض يرى ان التسبيح فيهما أفضل فالفضل لأيهما لنستعمله؟ فأجاب (عليهالسلام) قد نسخت
قراءة أم الكتاب في هاتين الركعتين التسبيح ، والذي نسخ التسبيح قول العالم (عليهالسلام) : كل صلاة لا
قراءة فيها خداج إلا للعليل ومن يكثر عليه السهو فيتخوف بطلان الصلاة عليه».
وأنت خبير بما في هذا الخبر من الإجمال والاشكال الذي لا
يهتدى منه إلى وجه يبنى عليه في هذا المجال وما هذا شأنه فلا يعترض به ما قدمناه
من الأخبار.
واما القول الثالث وهو التخيير مطلقا من غير تفصيل فلا
اعرف عليه دليلا من الأخبار سوى رواية علي بن حنظلة عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «سألته
عن الركعتين الأخيرتين ما اصنع فيهما؟ قال ان شئت فاقرأ فاتحة الكتاب وان شئت
فاذكر الله فهما سواء. قال قلت فأي ذلك أفضل؟ قال هما والله سواء ان شئت سبحت وان
شئت قرأت».
وأنت خبير بما هي عليه من الضعف فلا تصلح لمعارضة خبر
واحد من تلك
__________________
(1) في التعليق على المسألة الحادية عشرة من الفصل الثاني في
الصلاة من المسألة الثامنة في الفقه.
(2) الوسائل الباب 51 من القراءة.
(3) الوسائل الباب 42 من القراءة.
الأخبار الصحيحة الصريحة في أفضلية
التسبيح فلم يبق إلا طرحها وإرجاعها إلى قائلها ، إذ العمل بما دلت عليه مستلزم
لطرح تلك الأخبار وهو ما لا يتجشمه من له أدنى روية من ذوي الأذهان والأفكار ، مع
إمكان حملها على التقية وان لم يعرف بالقول بالتساوي مطلقا قائل من العامة إذ
التخير مذهب أبي حنيفة واتباعه مع أفضلية القراءة كما تقدم (1) وقد قدمنا في
مقدمات الكتاب ان الحمل على التقية لا يتوقف على وجود القائل منهم ، وبالجملة فإنه
لم يبق إلا طرحها أو حملها على التقية وإلا فالعمل بها وان ذهب اليه من ذهب غفلة
عما قدمناه من الأخبار لا يتفوه به من وقف على ما حققناه ونقلناه من تلك الأخبار
الساطعة الأنوار والعلية المنار.
واما الاستناد في هذا القول إلى صحيحة عبيد بن زرارة فهي
بالدلالة على أفضلية التسبيح أشبه لما عرفته آنفا ، فإن قضية التعليل فيها فرعية
القراءة وأصالة التسبيح كما دلت عليه الأخبار المستفيضة المتقدمة.
وربما استدل بعضهم لهذا القول بتعارض الأخبار وتساقطها
فلا يتوجه رجحان أحد الطرفين على الآخر فيبقى التساوي مؤيدا برواية علي بن حنظلة.
وهذا القول جهل من صاحبه بما قدمناه من الأخبار إذ الظاهر انها لم تقرع سمعه ولم
تمر بنظره وهو كذلك كما سيظهر لك ان شاء الله في البحث مع السيد السند وشيخنا
المحقق الأردبيلي فإنهما من هذا القبيل ، وهذه الأخبار التي قدمناها وجمعناها لم
تجتمع في كتاب بل ولا نصفها ولا ربعها كما لا يخفى على من راجع كتبهم في هذا
الباب.
واما القول بأفضلية القراءة للإمام وهو القول الرابع
والخامس والسادس وان اختلفوا في ما عداه فهو باعتبار المستند أظهر من سابقيه.
ويدل عليه من الأخبار ما رواه الشيخ في الصحيح عن منصور
بن حازم عن
__________________
(1) في التعليقة 2 ص 398.
أبي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «إذا
كنت إماما فاقرأ في الركعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب وان كنت وحدك فيسعك فعلت أو
لم تفعل».
وما رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (2) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن القراءة
خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين؟ فقال الإمام يقرأ بفاتحة الكتاب ومن خلفه يسبح.».
وما رواه الشيخ عن جميل بن دراج (3) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عما يقرأ
الإمام في الركعتين في آخر الصلاة؟ فقال بفاتحة الكتاب ولا يقرأ الذين خلفه ويقرأ
الرجل فيهما إذا صلى وحده بفاتحة الكتاب».
أقول : لا يخفى انه مع العمل بهذه الأخبار والقول بما
دلت عليه فإنه يلزم طرح ما عارضها من الأخبار الدالة على أفضلية التسبيح مطلقا أو
بالنسبة إلى الامام ، وهي الرواية الاولى من الروايات المتقدمة والثانية والثالثة
والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة والعاشرة والثانية عشرة والسادسة عشرة (4) بالتقريبات
المذكورة ذيولها ، وفي رد هذه الروايات وطرحها مع صحتها وصراحتها من الشناعة ما لا
يخفى ، واما مع العمل بروايات التسبيح فحمل الأخبار المذكورة على التقية ظاهر لا
ستر عليه وواضح لا يأتيه الباطل لا من خلفه ولا من بين يديه ، لما عرفت آنفا (5) من ان مذهب
جمهور الجمهور وجوب القراءة ، وأبو حنيفة واتباعه وان خيروا إلا ان القراءة عندهم
أفضل فحمل هذه الأخبار على التقية أقرب قريب ، وقد استفاضت الأخبار عنهم (عليهمالسلام) بعرض الأخبار
في مقام الاختلاف على مذهب العامة والأخذ بخلافه.
وقد أيد بعض مشايخنا الحمل على التقية بما في صحيحة
منصور بن حازم من لفظ السعة للمأموم ، فإن مفهومه انه لا يسع الامام غير القراءة
للتقية واما المأموم فيسعه تركها
__________________
(1) الوسائل الباب 51 من القراءة.
(2 و 3) الوسائل الباب 42 من القراءة.
(4) من ص 389 إلى 396.
(5) ص 298.
والعدول إلى التسبيح. أقول : ويعضده
ان المستفاد من كثير من الأخبار ان أصحابنا كانوا يأمونهم في الجماعة.
وقد صرح بهذا الحمل جملة من أصحابنا المحققين من متأخري
المتأخرين : منهم ـ الفاضل الخراساني في الذخيرة والمحقق الشيخ حسن في المنتقى
وغيرهما.
فالوجه الأظهر في اخبار القراءة مطلقا هو الحمل على
التقية سيما للإمام لعظم الخطب عليه واقتضاء الاستصلاح التقية بالنسبة إليه فلذا
خصه بالقراءة في صحيحتي منصور ومعاوية بن عمار وحثه عليها خوفا عليه من الشناعة
والضرر ، ومتى حملت هذه الأخبار على التقية سلمت اخبار التسبيح وتوجه العمل بها من
غير معارض. ولم يقل أحد من العامة بتعين التسبيح أو أفضليته حتى يمكن حمل اخباره
على التقية بل هو عندهم مطروح واما اخبار القراءة فهي كما عرفت موافقة لهم. وقضية
القواعد المنصوصة عنهم (عليهمالسلام) في عرض
الأخبار في مقام الاختلاف هو حمل أخبار القراءة على التقية ، حتى انه قد ورد ما هو
أبلغ من ذلك وهو انه إذا لم يكن في البلد من تستفيه في الحكم الشرعي فاستفت قاضي
البلد وخذ بخلافه ، رواه الشيخ في التهذيب والصدوق في عيون الأخبار (1) ولكن أصحابنا
سامحهم الله تعالى بغفرانه وأسكنهم أعلى جنانه كما نبهناك عليه في غير موضع مما
تقدم قد الغوا هذه القواعد الواردة عنهم (عليهمالسلام) واتخذوها
وراء ظهورهم واصطلحوا على قواعد لم يرد بها نص ولا اثر فاتخذوها وجه جمع بين
الأخبار.
تتميم في المقام وكلام على كلام بعض الاعلام
قال السيد السند في المدارك ـ وهو ممن اختار القول
بأفضلية القراءة مطلقا أو للإمام كما سيظهر لك من كلامه ـ اختلف الأصحاب في أن
الأفضل للمصلي القراءة أو التسبيح ، فقال الشيخ في الاستبصار ان الأفضل للإمام
القراءة وانهما متساويان بالنسبة
__________________
(1) الوسائل الباب 9 من صفات القاضي وما يجوز ان يقضى به.
إلى المنفرد ، وقال في النهاية
والمبسوط هما سواء للمنفرد والامام ، وأطلق ابنا بابويه وابن أبي عقيل أفضلية
التسبيح ، احتج الشيخ في الاستبصار على أفضلية القراءة للإمام بما رواه في الصحيح
عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «إذا
كنت إماما فاقرأ في الركعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب وان كنت وحدك فيسعك فعلت أو
لم تفعل». ونحوه روى معاوية بن عمار في الصحيح (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن القراءة
خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين فقال الإمام يقرأ بفاتحة الكتاب ومن خلفه يسبح
فإذا كنت وحدك فاقرأ فيهما وان شئت فسبح». وعلى التساوي للمنفرد بما رواه عن عبد
الله بن بكير عن علي بن حنظلة عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «سألته
عن الركعتين الأخيرتين ما اصنع فيهما؟ فقال ان شئت فاقرأ فاتحة الكتاب وان شئت
فاذكر الله فهما سواء. قال قلت فأي ذلك أفضل؟ فقال هما والله سواء ان شئت سبحت وان
شئت قرأت». وهذا الجمع جيد لو كانت الأخبار متكافئة من حيث السند لكن الرواية
الأخيرة ضعيفة جدا بجهالة الراوي وبان من جملة رجالها الحسن بن علي بن فضال وعبد
الله بن بكير وهما فطحيان. ولو قيل بأفضلية القراءة مطلقا كما يدل عليه ظاهر
صحيحتي منصور بن حازم ومعاوية بن عمار لم يكن بعيدا من الصواب ، ويؤيده رواية حكم
بن حكيم (4) قال : «سألت
أبا الحسن (عليهالسلام) أيما أفضل
القراءة في الركعتين الأخيرتين أو التسبيح؟ فقال القراءة أفضل». ورواية جميل (5) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عما يقرأ
الإمام في الركعتين في آخر الصلاة فقال بفاتحة الكتاب ولا يقرأ الذين خلفه ويقرأ
الرجل
__________________
(1) الوسائل الباب 51 من القراءة.
(2 و 3 و 5) الوسائل الباب 42 من القراءة.
(4) الوسائل الباب 51 من القراءة ، والراوي هو محمد بن حكيم
كما سيأتي منه «قدسسره».
فيهما إذا صلى وحده بفاتحة الكتاب». وصحيحة
ابن سنان عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (1) وقال : «يجزئك
التسبيح في الأخيرتين. قلت اي شيء تقول أنت؟ قال اقرأ فاتحة الكتاب». ولا ينافي
ذلك ما رواه عبد الله الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «إذا
قمت في الركعتين الأخيرتين لا تقرأ فيهما فقل الحمد لله وسبحان الله والله أكبر». لأنا
تجيب عنها بالحمل على ان «لا» نافية وتكون جملة «لا تقرأ» حالية والمعنى إذا قمت
في الركعتين الأخيرتين وأنت غير قارئ فيهما فقل كذا وكذا أو يقال انها ناهية
والنهي انما توجه إلى القراءة مع اعتقاد ان غير القراءة لا يجوز كما ذكره الشيخ في
الاستبصار ، وبالجملة فهذه رواية واحدة فلا تترك لأجلها الأخبار المستفيضة السليمة
السند المؤيدة بعمل الأصحاب. انتهى.
أقول فيه نظر من وجوه : (الأول) ان ما نقله عن الشيخ في
الاستبصار ـ من انه احتج على أفضلية القراءة للإمام بصحيحة منصور بن حازم وعلى
التساوي للمنفرد برواية علي بن حنظلة ـ ليس في محله فان الشيخ بعد ان عنون الباب
بالتخيير بين القراءة والتسبيح أورد من الروايات الدالة على التخيير صحيحة عبيد بن
زرارة ورواية علي بن حنظلة الدالتين على التساوي مطلقا ، ثم أورد في خبر ما
يخالفهما في ذلك وهي رواية محمد بن حكيم التي نسبها هو إلى حكم بن حكيم الدالة على
أفضلية القراءة مطلقا وجمع بينهما بحمل ما دل على أفضلية القراءة على ما إذا كان
اماما وحمل تلك الروايتين الدالتين على التساوي على غيره ، ثم أورد صحيحة منصور بن
حازم سندا لهذا الحمل بطرفيه من أفضلية القراءة للإمام والتساوي لغيره ، والرواية
كما ترى دالة على ذلك هذا خلاصة كلام الشيخ في الاستبصار وبه يتضح لك ما في نقل
السيد السند (قدسسره) من الخلل
الذي لا ستر عليه ولا غبار.
(الثاني) ـ ان المفهوم من سياق كلامه ان الشيخ قد استدل
على أفضلية القراءة للإمام بهذه الرواية الدالة على عموم أفضلية القراءة مطلقا
بحملها على الإمام ،
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 51 من القراءة.
وعلى التساوي للمنفرد برواية علي بن
حنظلة الدالة بعمومها على المساواة مطلقا بحملها على المنفرد ثم رد (قدسسره) الحمل
المذكور بعدم تكافؤ الأخبار من حيث السند ثم رجح أفضلية القراءة مطلقا مستندا إلى
العموم الذي ادعاه من تلك الصحيحة وأردفها بصحيحة معاوية بن عمار. وهو لعمري بعيد
الصدور من مثل هذا الفحل المشهور ، فان الصحيحتين المذكورتين تناديان بالتصريح
بحكم الامام على حدة من أفضلية القراءة له وحكم المنفرد على حدة من التخيير ، فأين
إطلاق أفضلية القراءة الذي جنح اليه وادعى دلالة تلك الصحيحتين عليه؟ وما تكلفه
بعض في الاعتذار عنه ـ من انه يمكن تطبيقهما على أفضلية القراءة مطلقا وتكون فائدة
التفصيل فيهما بين الامام والمنفرد تأكد الفضل في الإمام ـ فتمحل ظاهر لا يلتفت
اليه وتكلف متعسف لا يعول عليه. وحينئذ فرواية علي بن حنظلة متى حملت على المنفرد
كانت مؤيدة لما دلت عليه تلك الصحيحتان من حكم المنفرد فيهما لا منافية لهما بناء
على ما ادعاه من عموم أفضلية القراءة للمنفرد. نعم ذلك مدلول رواية محمد بن حكيم
التي نسبها إلى حكم بن حكيم كما رأيت في نسخ منه متعددة.
(الثالث) ـ ان ظاهر قوله : «ولو قيل بأفضلية القراءة
مطلقا» انه لا قائل بذلك صريحا مع انا قد أسلفنا نقله عن الحلبي وتبعه الشهيد في
اللمعة ولعله لندرة القائل وشذوذه خفي عليه حتى انه قال في التهذيب اني لا أعلم
قائلا بهذا المذهب. وهو حق حيث انه انما حدث بعده. وممن خفي عليه القول بذلك أيضا
شيخنا البهائي (قدسسره) حيث انه صرح
في كتاب الحبل المتين انه لم يطلع على قائل بأفضلية القراءة للمنفرد.
(الرابع) ـ ان ما استدل به على ما ادعاه من صحيحة ابن
سنان منظور فيه من حيث السند والمتن :
اما الأول فلما ذكره بعض أصحابنا من احتمال كون ابن سنان
هو محمد أخو عبد الله بن سنان الذي هو مذكور مهملا في كتب الرجال كما ذكره الشيخ
في كتاب رجاله من رجال الصادق (عليهالسلام) وهو غير محمد
بن سنان الزاهري الضعيف فإنه
لا يروي عن الصادق (عليهالسلام) كما ذكر في
كتب الرجال وشهد به التتبع في هذا المجال ، وقد وردت رواية محمد بن سنان بقول مطلق
عن الصادق (عليهالسلام) في باب كراهة
أكل الثوم من كتاب علل الشرائع (1) ووقع التصريح به في ثلاثة أحاديث من
كتاب طب الأئمة (عليهمالسلام) اما الحديث
الأول منه فصورته عن الوشاء عن عبد الله بن سنان عن أخيه محمد عن جعفر بن محمد
الصادق (عليهالسلام) (2) ومثله الحديث
الثاني من الكتاب المذكور (3) وفي باب مقدار
الثواب في كل علة منه أيضا عن الوشاء عن عبد الله بن سنان قال : سمعت محمد بن سنان
يحدث عن الصادق (عليهالسلام) (4) وحينئذ فما
أطلقوه من انه متى وردت رواية ابن سنان عن الصادق (عليهالسلام) بغير واسطة
تعين الحمل على عبد الله لكون الزاهري الضعيف لا يروي عنه إلا بالواسطة غير جيد
لانه مبني على الحصر في عبد الله ومحمد الزاهري والحال ان محمدا أخا عبد الله ممن
يروي عنه (عليهالسلام) أيضا بلا
واسطة. والجواب ـ بان محمدا أخا عبد الله نادر الرواية فلا ينصرف إليه الإطلاق ـ مدخول
بما يتناقل في كلامهم ويدور على رؤوس أقلامهم من انه إذا قام الاحتمال بطل
الاستدلال.
واما الثاني فإن ما ادعاه من الدلالة غير واضح البيان
ولا ساطع البرهان لانه (قدسسره) قد اقتطع عجز
الرواية واستدل به وهو وان كان يعطي ذلك بظاهره إلا انه بملاحظة ما تقدمه في صدر
الرواية للاحتمال فيه مجال واسع ، والرواية بتمامها هي ما رواه الشيخ عن ابن سنان
عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (5) قال : «ان كنت
خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة حتى يفرغ وكان الرجل مأمونا على القرآن
فلا تقرأ خلفه في الأولتين. وقال يجزئك التسبيح في الأخيرتين. قلت اي شيء تقول
__________________
(1) ص 176 وفي الوسائل الباب 22 من أحكام المساجد.
(2 و 3 و 4) الوسائل الباب 1 من الاحتضار.
(5) الوسائل الباب 51 من القراءة.
أنت؟ قال اقرأ فاتحة الكتاب». وكأنه (رحمهالله) بنى في
اقتطاعه عجز الرواية واعتماده عليه في الاستدلال على انقطاعه عما قبله في المعنى
وان له معنى مستقلا ، وربما كان وجهه عنده ان السائل لما سأله عما يفعله (عليهالسلام) أعم من ان
يكون إماما أو مأموما أو منفردا فقال : «اقرأ فاتحة الكتاب» دل ذلك على رجحان
القراءة مطلقا.
قال المحقق المدقق الشيخ حسن في كتاب منتقى الجمان بعد
ذكر الرواية ما لفظه : قلت يسبق إلى الفهم في بادئ الرأي من عجز هذا الخبر انه في
معنى الخبرين اللذين قبله ـ وأشار بهما إلى صحيحتي عبيد بن زرارة ومنصور بن حازم ـ
ثم قال وقد اعتمد ذلك بعض المتأخرين فاقتطعه عن الصدر وأورده في حجة ترجيح قراءة
الحمد للإمام حديثا مستقلا ، وبعد التأمل يرى ان ذلك أحد الاحتمالات فيه وانه لا
وجه لترجيح المصير اليه على غيره ، ثم الحق ان اقتطاع بعض الحديث وافراده عن سائره
بمجرد ظن استقلاله أو تخيله كما اتفق لجماعة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) أمر
بعيد عن الصواب فكم من خطأ قد وقع بسببه في الاستدلال لمن لم تنكشف له بالتدبر
حقيقة الحال. انتهى
هذا. والأظهر بناء على اتصال عجز الرواية بصدرها كما هو
المتبادر إلى الفهم ان معنى قوله (عليهالسلام) : «يجزئك
التسبيح في الأخيرتين» يعني عن القراءة في الأوليين خلف الإمام إذا كنت مأموما ،
وحينئذ فقول السائل «أي شيء تقول أنت؟» يحتمل ان يكون معناه اي شيء تفتي به أنت
وتحكم به من الاجتزاء بالتسبيح في الأخيرتين أو القراءة فيهما وعلى هذا يكون قوله (عليهالسلام) : «اقرأ
فاتحة الكتاب» فعل أمر ، وان يكون معناه اي شيء تفعل أنت في صلاتك مأموما خلف
هؤلاء من القراءة في الأوليين أو الترك والاجتزاء بالتسبيح لأنهم (عليهمالسلام) كانوا يحضرون
جمعات هؤلاء وجماعاتهم فأجاب (عليهالسلام) بأنه يقرأ في
الأوليين حيث ان ائتمامه بمن لا يصح الاقتداء به. وهذا هو الأظهر في معنى الرواية
وهو الذي استظهره المحدث الكاشاني في الوافي بعد ان ذكر الاحتمال الأول أيضا.
ويحتمل أيضا ان يكون معنى
«أي شيء تقول أنت؟» أي شيء تفعله
أنت في الركعتين الأخيرتين إذا كنت مأموما من الاجتزاء بالتسبيح أو القراءة فيهما
، وحينئذ ففيه دلالة على تخيير المأموم في الركعتين الأخيرتين بين القراءة
والتسبيح مع أفضلية القراءة. ويحتمل أيضا ان يراد منه بيان حال المسبوق وانه يجزئه
تسبيح الإمام في الأخيرتين وان كان المأموم مصليا للأوليين أو الثانية في تلك
الحال غير ان الاولى للإمام قراءة الحمد. وهذان الاحتمالان ذكرهما في المنتقى
زيادة على الاحتمال الذي حكاه عن ذلك البعض في ما أسلفنا من نقل عبارته. وكيف كان
فهذه الرواية لما فيها من سعة دائرة الاحتمال لا تصلح للاستدلال فإنها بتعدد هذه
الاحتمالات تكون من قبيل المتشابهات.
(الخامس) ـ قوله «ولا ينافي ذلك ما رواه عبد الله الحلبي
في الصحيح. إلى آخر الكلام» فان فيه من العجب العجاب بما اشتمل عليه من الخلل
والاضطراب ما لا يخفى على من تأمل بعين الصواب :
(أما أولا) ـ فلحصره المنافاة في هذه الرواية وانه
بالجواب عنها يتم له ما ذكره وهذا مصداق ما أشرنا إليه آنفا من عدم الوقوف على تلك
الروايات الصحيحة الصريحة المستفيضة المتقدمة ، فليت شعري كأنها لم تمر به مدة
اشتغاله بالعلوم في تلك الأيام حتى يغمض العين عنها ولا يتعرض لشيء منها في
المقام.
(واما ثانيا) ـ فان الظاهر من سياق كلامه ـ كما عرفت ـ هو
الميل إلى أفضلية القراءة مطلقا لقوله «ولو قيل بأفضلية القراءة مطلقا» وقد عرفت
مما أسلفناه انه ليس في الأخبار ما يدل على هذا القول إلا رواية محمد بن حكيم
الضعيفة السند التي لا تصلح للاستدلال بناء على اصطلاحه ولا تعتمد. واما ما ادعاه
من دلالة صحيحتي منصور بن حازم ومعاوية بن عمار فقد عرفت ما فيه.
و (اما ثالثا) ـ فان ما ادعاه ـ من التأييد بعمل الأصحاب
مع قوله أولا «ولو قيل» المشعر بعدم القائل كما عرفت ـ لا يخلو من التشويش
والاضطراب. وبالجملة
فإنا لم نقف على قائل بهذا القول الذي
اختاره هنا سوى الحلبي والشهيد في اللمعة ولا من الأدلة سوى رواية محمد بن حكيم
المذكورة. والله العالم.
وقال المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد بعد الكلام في
كمية التسبيح : واما التفضيل فلا شك في تفضيل القراءة عليه للإمام لصحيحة معاوية
بن عمار قال : سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن القراءة.
ثم ساق الحديث ، ثم قال : ولرواية جميل. ثم ذكرها ، ثم قال : ولما ثبت جواز
التسبيح للإمام أيضا بالإجماع حمل القراءة له على الأفضل فلا ينبغي تركها ، ويحمل
ما في هذه للمنفرد على الجواز فقط لرواية علي بن حنظلة عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : سألته.
ثم ساق الرواية ثم قال حمله الشيخ وغيره على المنفرد لما مر من ترجيح القراءة
للإمام ، ولرواية منصور بن حازم الثقة ، ثم أوردها إلى آخرها ، ثم قال : ولو لا
الإجماع على التخيير للإمام أيضا لكان الحمل على ظاهرها من وجوب القراءة للإمام
متعينا فتحمل على الاستحباب لذلك ، ويفهم منها التسوية للمنفرد حيث قال بعد
الترجيح للإمام «وان كنت.» ومع ذلك لا يبعد أولوية اختيارها للمنفرد أيضا لفضيلة
الفاتحة ووجود «فاقرأوا» ووجود الخلاف في التسبيح بأنه مرة أو ثلاثا أو غيرهما
ولبعض ما مر مثل الأمر بالقراءة في صحيحة معاوية بن عمار بقوله «فاقرأ فيهما» ثم
الإتيان ب «ان شئت» فإن سوق الكلام يدل على ان التسبيح رخصة ، وما في رواية جميل ،
ولرواية محمد بن حكيم قال : سألت أبا الحسن (عليهالسلام). وساق
الرواية كما قدمناه ثم قال ولا يحتاج إلى الحمل على الامام فقط لاحتمال كونها أفضل
للإمام وكان للمنفرد أيضا أفضل لكن دونه في الفضل ويكون الأمر للإمام والتخيير
للمنفرد للمبالغة له دونه مع عدم صحة ما يدل على التسوية في رواية علي بن حنظلة مع
عمومها المتروك بالدليل واحتمال التأويل. انتهى.
قول : انظر إلى هذا الكلام المختل النظام والمنحل الزمام
فإنه ـ كما ترى ـ ظاهر في انه لم يقف على شيء من اخبار التسبيح التي قدمناها
بالكلية ولهذا انما استند في
معارضة أخبار القراءة إلى الإجماع على
التسبيح وجمع بينهما بالتخيير ، والظاهر ان السبب في ذلك ان الدائر في كتبهم في
مقام البحث عن الأخيرتين انما هو هذه الأخبار التي نقلها هنا وزاد عليها صاحب
المدارك رواية الحلبي التي أجاب عنها واما الأخبار التي قدمناها فهي متفرقة في
مواضع لم تجتمع إلا في كلامنا في هذا المجال. وأصحاب التصانيف لمزيد الاستعجال في
التصنيف يقنعون بما حضر بين أيديهم من كتب من قبلهم ولا يعطون التأمل حقه في
استقصاء الأدلة من مظانها وطلبها من أماكنها ومن ثم وقعوا في ما وقعوا فيه ،
والواجب في مقام البحث والتحقيق التعرض لنقل جملة أدلة المسألة والكلام فيها
وترجيح ما يرجحه والجواب عما عارضه.
وأنت خبير بان قوله : «ولما ثبت جواز التسبيح للإمام
أيضا بالإجماع. إلى آخره» الدال على انه انما صار إلى التسبيح تخييرا بالإجماع
فللقائل ان يعكس عليه هذه الدعوى ويقول انه قد دلت صحاح زرارة على النهي عن
القراءة مطلقا والنفي لها والأمر بالتسبيح خاصة ودل غيرها من الأخبار المتقدمة على
التسبيح أيضا ، وما عارضها من روايات القراءة قد حمل على التقية بمقتضى القاعدة
المنصوصة عن أصحاب العصمة (عليهمالسلام) في مقام
تعارض الأخبار ، فلو لا الإجماع على القول بالقراءة في المقام لتعين الاقتصار على
التسبيح بمقتضى ذلك إلا ان الإجماع على القراءة أوجب لنا القول بالتخيير وحمل ما
دل على تعين التسبيح والنهي عن القراءة على الأفضلية ، وما ادعيناه في المقام هو
الأوفق بأخبارهم وقواعدهم (عليهمالسلام).
وبالجملة فإن كلامهم (رضوان الله عليهم) في المقام لما
كان مبنيا على غير أساس تطرق اليه القدح والالتباس ، وضعف كلامه (قدسسره) أظهر من ان
يحتاج إلى مزيد بيان لمن انكشف له ما ذكرناه من نقل أخبار المسألة كملا وما
وشحناها به من التحقيقات الفائقة والتدقيقات الرائقة. والله العالم.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن تنقيح البحث في المسألة وتحقيق
القول فيها كما هو حقه
يتوقف على ذكر مقامات :
(الأول) ـ في كيفية التسبيح المذكور هنا وقد اختلف
الأصحاب في ذلك على أقوال : أحدها ـ الاجتزاء بأربع تسبيحات : «سبحان الله والحمد
لله ولا إله إلا الله والله أكبر» مرة واحدة ، ذهب اليه الشيخ المفيد والشيخ في
الاستبصار وجمع من المتأخرين : منهم ـ العلامة في المنتهى وشيخنا الشهيد الثاني في
الروض حيث قال انه أصح الأقوال ، ويدل عليه من الأخبار المتقدمة الخبر الخامس والسادس
والخامس عشر والسادس عشر.
وثانيها ـ انها تسع تسبيحات : «سبحان الله والحمد لله
ولا إله إلا الله» يكررها ثلاث مرات ، ذهب اليه الصدوق ابن بابويه وأسنده في
المعتبر والتذكرة والذكرى إلى حريز بن عبد الله السجستاني من قدماء الأصحاب ، ونقل
في المختلف عن علي بن بابويه انه قال : وتسبح في الأخراوين إماما كنت أو غير امام
تقول «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله» ثلاثا. قال فيكون الواجب عنده تسع
تسبيحات ورواه ابنه في من لا يحضره الفقيه وهو اختيار أبي الصلاح. انتهى وظاهر
كلامه في المختلف ان مذهب أبي الصلاح القول بالتسع مع انه في المنتهى نسب اليه
القول بثلاث تسبيحات كما نقله عنه في الذخيرة ومثله شيخنا في البحار إلا اني لم
أقف عليه في المنتهى كما ذكراه ولم يذكر لأبي الصلاح هنا مذهبا بالكلية وهما اعلم
بما نقلاه.
ويدل على هذا القول ما تقدم في الخبر الأول من الأخبار المتقدمة
إلا ان هذا الخبر قد نقله ابن إدريس في السرائر عن حريز عن زرارة في موضعين بزيادة
في أحدهما على ما قدمنا نقله عن الصدوق (أحدهما) في باب كيفية الصلاة (1) وزاد فيه بعد «لا
إله إلا الله» «والله أكبر» وثانيهما في آخر الكتاب في ما استطرفه من كتاب حريز (2) ولم يذكر فيه
التكبير ، قال شيخنا المجلسي (قدس
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 51 من القراءة.
سره) في البحار بعد نقل ذلك : والنسخ
المتعددة التي رأيناها متفقة على ما ذكرناه ويحتمل ان يكون زرارة رواه على الوجهين
ورواهما حريز عنه في كتابه لكنه بعيد جدا ، والظاهر زيادة التكبير من قلمه أو من
النساخ لأن سائر المحدثين رووا هذه الرواية بدون التكبير وزاد في الفقيه وغيره بعد
التسبيح «تكمله تسع تسبيحات» ويؤيده انه نسب في المعتبر وفي التذكرة القول بتسع
تسبيحات إلى حريز وذكرا هذه الرواية. انتهى. وهو جيد وجيه. أقول : ويدل عليه أيضا
خبر ابن أبي الضحاك عن الرضا (عليهالسلام) على ما سيأتي
بيانه (1) ان شاء الله
تعالى.
ثم العجب هنا من شيخنا الشهيد الثاني (رفع الله درجته)
في المسالك والروض حيث انه في الروض بعد ان اختار القول الأول قال : والثاني أحوط
والثالث جائز واما الرابع فلا لعدم التكبير. وأراد بالثاني القول بالاثني عشر
وبالثالث القول بالعشر وبالرابع القول بالتسع ، ونحوه في المسالك فمنع العمل به مع
ان روايته أصح روايات المسألة ، وما ذكره من القول الثاني والثالث لا دليل عليه
كما سيظهر لك.
قال شيخنا المجلسي في البحار بعد ان اختار القول بمطلق
الذكر : ثم الأفضل اختيار التسع لأنه أكثر وأصح اخبارا وهو مختار قدماء المحدثين
الآنسين بالاخبار المطلعين على الأسرار كحريز بن عبد الله والصدوق (قدس الله
روحيهما) أقول : وهو مذهب أبيه أيضا كما قدمنا نقله هنا عن المختلف.
وثالثها ـ انها عشر بزيادة التكبير على التسع المذكورة
في القول الثاني وهو مذهب السيد المرتضى والشيخ في الجمل والمبسوط وابن إدريس
وسلار وابن البراج ، ولم نقف على رواية تدل عليه وبذلك اعترف جملة من الأصحاب.
ورابعها ـ انها اثنا عشر بتكرير التسبيح المذكور في
الصورة الأولى ثلاثا وهو مذهب الشيخ في النهاية والاقتصاد وهو المنقول عن ظاهر ابن
أبي عقيل إلا انه
__________________
(1) ص 414.
قال ـ على ما نقله عنه في المختلف ـ :
السنة في الأواخر التسبيح وهو ان يقول : «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله
والله أكبر» سبعا أو خمسا وأدناه ثلاثا في كل ركعة.
وقد اعترضه جمع من الأصحاب بعدم الدليل عليه. وربما
استدل عليه بما رواه ابن إدريس في السرائر في باب كيفية الصلاة (1) إلا انك قد
عرفت ما فيه.
وربما أمكن الاستدلال بما رواه في كتاب العيون عن ابن
أبي الضحاك الذي صحب الرضا (عليهالسلام) (2) الى خراسان
فقال : «كان يسبح في الأخراوين يقول : «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله
والله أكبر» ثلاث مرات ثم يركع». إلا ان شيخنا المجلسي (قدسسره) نقل الخبر
المذكور في كتاب البحار (3) عاريا من لفظ
التكبير ثم قال : بيان ـ في بعض النسخ زيد في آخرها «والله أكبر» والموجود في
النسخ القديمة المصححة كما نقلناه بدون التكبير ، والظاهر ان الزيادة من النساخ
تبعا للمشهور ، انتهى. وعلى هذا فيكون الخبر المذكور دليلا واضحا على القول
الثاني.
نعم يدل على ذلك ما في كتاب الفقه الرضوي (4) حيث قال (عليهالسلام): وفي الركعتين
الأخراوين الحمد وحده وإلا فسبح فيهما ثلاثا ثلاثا تقول «سبحان الله والحمد لله
ولا إله إلا الله والله أكبر» تقولها في كل ركعة منهما ثلاث مرات.
وخامسها ـ وهو منقول عن ابن الجنيد انها ثلاث تسبيحات
غير مرتبة ، قال ـ على ما نقله عنه في المختلف ـ : والذي يقال في مكان القراءة
تحميد وتسبيح وتكبير يقدم ما يشاء.
واستدل له بالخبر الثامن (5) من الأخبار
المتقدمة وصحيحة عبيد بن زرارة (6) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الركعتين
الأخيرتين من الظهر قال تسبح وتحمد الله وتستغفر لذنبك وان شئت فاتحة الكتاب فإنها
تحميد ودعاء». وهذه الرواية
__________________
(1) ارجع إلى التعليقة 1 ص 412.
(2 و 6) الوسائل الباب 42 من القراءة.
(3) ج 18 الصلاة ص 352.
(4) ص 7.
(5) ص 292.
أسندها المحقق في المعتبر إلى زرارة
ولم يذكر فيها «وان شئت.» والظاهر كونها رواية أخرى غير رواية عبيد بن زرارة (1).
وسادسها ـ القول بالتخيير بين الصور الواردة في الأخبار
، واليه ذهب السيد الجليل جمال الدين أبو الفضائل أحمد بن طاوس صاحب البشرى
والمحقق في المعتبر وان جعل القول الأول أولى.
قال في المعتبر بعد نقل القول الأول والاستدلال عليه
بصحيحة زرارة وهو الخبر الخامس عشر (2) ثم القول بالتسع ونقل عليه صحيحة
زرارة المتقدمة في الخبر الأول (3) ثم القول بالاثني عشر ولم ينقل له
دليلا ثم ذكر صحيحة عبيد بن زرارة إلا انه أسندها إلى زرارة على الوجه الذي قدمناه
ثم صحيحة الحلبي التي قدمناها دليلا لابن الجنيد وهي الخبر الثامن (4) ثم قال :
اختلفت الرواية أيهما أفضل؟ ففي رواية (5) «هما سواء» وفي
أخرى (6) التسبيح وفي
رواية (7) «انه ان كنت
إماما فالقراءة أفضل وان كنت وحدك فيسعك فعلت أو لم تفعل». والوجه عندي القول
بالجواز في الكل إذ لا ترجيح وان كانت الرواية الأولى أولى وما ذكره في النهاية
أحوط لكن ليس بلازم. انتهى.
وظاهر هذا الكلام انه جمع بالتخيير بين روايات القراءة
وروايات التسبيح من غير تفصيل وكذلك بين اخبار صور التسبيح والمنقول عنه في
المدارك ذلك بالنسبة إلى صور التسبيح ، ورواياته وكلامه كما ترى عام له وللاختلاف
في ترجيح القراءة على التسبيح وبالعكس والتفصيل فإنه اختار التخيير مطلقا وكلامه
به ألصق واليه أقرب.
وإلى هذا القول مال جملة من متأخري المتأخرين : منهم ـ السيد
السند في المدارك والمحقق الشيخ حسن في المنتقى والفاضل الخراساني في الذخيرة
والمحدث الكاشاني في
__________________
(1) ارجع إلى التعليقة 1 ص 395.
(2) ص 395.
(3) ص 389.
(4) ص 392.
(5) على بن حنظلة ص 400.
(6) من ص 389 إلى 395.
(7) منصور بن حازم 401.
المفاتيح وهو قوى وان كان الأول أولى.
ومما يؤيده اختلاف الأخبار في كيفية ذلك مع جودة أسانيد
أكثرها وعدم مجال الحمل فيها على غير التخيير مضافا إلى ما دل على اتساع الأمر في
ذلك من الأخبار مثل قوله في صحيحة زرارة المتقدمة (1) «انما هو تسبيح
وتكبير وتهليل ودعاء». وفي صحيحته الأخرى (2) «تسبيح وتهليل
وتكبير ودعاء». وفي صحيحة عبيد بن زرارة (3) «وان شئت فاتحة
الكتاب فإنها تحميد ودعاء».
ومن ذلك يظهر قوة القول الثالث فإنه لا اشكال فيه إلا من
حيث زيادة التكبير في آخره وإلا فما تضمنه من التسبيحات التسع قد عرفت دليله ويكفي
في ثبوت التكبير فيه إطلاق الصحيحتين المذكورتين. وينقل عن بعض المتأخرين التوقف
في ذلك بناء على عدم الوقوف في ذلك على نص بالخصوص والظاهر ضعفه لما قلناه.
وربما دل إطلاق هذه الصحاح المشار إليها على عدم اعتبار
ترتيب معين وبذلك صرح المحقق في المعتبر ومال اليه بعض المتأخرين ، إلا انه يمكن
خدشه بأن إطلاقها يجب تقييده بالأخبار الدالة على الترتيب مضافا إلى وجوب تحصيل
يقين البراءة من التكليف الثابت بيقين. وبما ذكرناه صرح في الذكرى فقال هل يجب
الترتيب فيه كما صوره في صحيحة زرارة؟ الظاهر ذلك أخذا بالمتيقن ونفاه في المعتبر
للأصل.
هذا ، ويفهم من كلام البعض اتحاد القولين الأخيرين حيث
انه استدل لابن الجنيد بصحيحتي زرارة المشار إليهما وصحيحة عبيد بن زرارة. والظاهر
تغايرهما حيث ان صريح عبارة ابن الجنيد التخصيص بالتحميد والتسبيح والتكبير فهو
كسائر الأقوال المتقدمة في التخصيص بأذكار مخصوصة وانما يخالفها في عدم وجوب
الترتيب ، وصريح المنقول عن صاحب البشرى وكذا كلام المحقق في المعتبر جواز العمل
بكل ما روى في المسألة ، واما الاستدلال لابن الجنيد بتلك الصحاح المشار إليها
فغير مطابق لصريح
__________________
(1) ص 390.
(2) ص 389.
(3) ص 414.
عبارته حيث ان صحيحتي زرارة عاريتان
عن لفظ التحميد الموجود في عبارة ابن الجنيد مع زيادة التهليل والدعاء فيهما
وصحيحة عبيد غير متضمنة للتكبير مع زيادة الاستغفار فيها. وبالجملة فالتغاير أمر
ظاهر كما لا يخفى على كل ناظر فضلا عن الخبير الماهر.
بقي هنا شيء يجب التنبيه عليه وهو ان ظاهر رواية علي بن
حنظلة ربما دلت على اجزاء مطلق الذكر حيث قال فيها (1) «ان شئت فاقرأ
فاتحة الكتاب وان شئت فاذكر الله تعالى». وقد صرح باستفادته منها جمع من أفاضل
المتأخرين لكنهم ردوها بضعف السند فلا تنهض حجة بإثباته فلم يقل به أحد منهم لذلك.
وظاهر شيخنا المجلسي (قدسسره) وقبله الفاضل
الخراساني في الذخيرة الميل إلى ذلك لظاهر الخبر المذكور إلا ان ظاهر الفاضل
المشار اليه التوقف بعد ذلك كما سيأتي في كلامه ، واما شيخنا المشار اليه فظاهره
الجزم بذلك حيث قال : والذي يظهر لي من مجموع الأخبار الاكتفاء بمطلق الذكر ثم
الأفضل اختيار التسع. إلى آخر ما قدمنا نقله عنه.
أقول : لا يخفى على من لاحظ أخبار المسألة ـ وقد قدمناها
جميعا ـ انه ليس فيها ما ربما يوهم ذلك إلا رواية علي بن حنظلة المذكورة وهي مع غض
النظر عن المناقشة في سندها فلا تبلغ قوة في معارضة الأخبار الصحاح الصراح الدالة
على خصوص التسبيح مع أنها قابلة للتأويل والحمل على تلك الأخبار بحمل الذكر فيها
على التسبيح المذكور في تلك الأخبار ، ويؤيده ما في آخر الرواية المذكورة حيث قال
الراوي في تمام الرواية بعد ان أجابه (عليهالسلام) بما ذكرناه «قلت
فأي ذلك أفضل (2)؟ قال هما
والله سواء ان شئت سبحت وان شئت قرأت». فإنه صريح في ان التخيير انما هو بين
القراءة والتسبيح وهو مؤيد لحمل الذكر في الجواب الأول على التسبيح ، ويعضد ذلك ان
يقين البراءة انما يحصل بالتسبيح الذي استفاضت به الأخبار.
وقال الفاضل الخراساني في الذخيرة : وهل يجزئ مطلق الذكر؟
يحتمل ذلك لإطلاق
__________________
(1 و 2) ص 400.
رواية علي بن حنظلة مع كون إسنادها
معتبرا إلى ابن بكير إذ ليس فيه من يتوقف في شأنه إلا الحسن بن علي بن فضال وهو
بمكان من الجلالة وكذا ابن بكير ، والواسطة بينه وبين الامام (عليهالسلام) وان كان
مجهولا إلا ان ابن بكير ممن اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه فلا يضر جهالة
حال الواسطة ، وفي التعليل المذكور في خبر عبيد بن زرارة نوع اشعار بجواز الاكتفاء
بمطلق التحميد والدعاء وان لم يكن دالا عليه بناء على ان عدم مدخلية خصوص المادة
في العلية ليس بذلك الواضح ، والاشعار المذكور مضافا إلى رجحان دعوى عدم القائل
بالفصل يؤيد جواز الاكتفاء بمطلق الذكر ويحتمل العدم لنوع تأمل في اسناد الخبر
وعدم صراحته في المدعى ومخالفة ظاهره من التسوية لما سنحققه من تفضيل التسبيح وعدم
قائل بهذه التوسعة صريحا ، مع ان التكليف اليقيني يقتضي البراءة اليقينية. انتهى.
والمعتمد هو ما ذكره أخيرا لما حققناه أولا. واما ما ذكره من الوجوه أولا فهي وجوه
مدنفة عليلة ليس في التعرض لبيان ضعفها كثير فائدة بعد ما عرفت. والله العالم.
(المقام الثاني) ـ المشهور بين الأصحاب بقاء التخيير
لناسي القراءة في الأوليين ، وقال الشيخ في المبسوط ان نسي القراءة في الأولتين لم
يبطل تخيره والأولى القراءة لئلا تخلو الصلاة منها وقال ابن أبي عقيل من نسي
القراءة في الركعتين الأولتين وذكر في الأخيرتين سبح فيهما ولم يقرأ شيئا لأن
القراءة في الركعتين الأولتين والتسبيح في الأخيرتين.
قال في الذكرى : وقد روى انه إذا نسي في الأولتين
القراءة تعين في الأخيرتين ولم نظفر بحديث صريح في ذلك لكن روى محمد بن مسلم عن
الباقر (عليهالسلام) في ناسي
الفاتحة لا صلاة له (1).
ونقل عن الشيخ في الخلاف تعين قراءة الحمد في الأخيرتين
على ناسي القراءة في الأوليين
__________________
(1) الوسائل الباب 1 من القراءة.
نقل ذلك عنه السيد السند في المدارك
والمحدث الكاشاني في المفاتيح والمجلسي في البحار والذي نقل عنه الشهيد في الذكرى
انه قال : ان نسي القراءة في الأولتين قرأ في الأخيرتين. وهو أعم من ذلك.
وكتاب الخلاف لا يحضرني الآن لكن بعض الأصحاب قد نقل
عبارته بما هذا لفظه : تجب القراءة في الركعتين الأولتين وفي الأخيرتين والثالثة
يتخير بين القراءة والتسبيح ولا بد من واحد منهما فإن نسي القراءة في الأولتين قرأ
في الأخيرتين ، وروى (1) ان التخيير
قائم. وقال الشافعي تجب قراءة الحمد في كل ركعة وقال مالك تجب القراءة في معظم
الصلاة وقال داود وأهل الظاهر انما تجب في ركعة واحدة (2) دليلنا إجماع
الفرقة وأيضا قوله تعالى «فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ» (3) وهذا قد قرأ
وتكراره يحتاج إلى دليل. وقول النبي (صلىاللهعليهوآله) (4) «لا صلاة إلا
بفاتحة الكتاب». يدل على ذلك أيضا لأنه لم يذكر التكرار. وروى علي بن حنظلة عن أبي
عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته
عن الركعتين. الحديث». كما تقدم (5) ثم قال ومن قال لا يبطل التخيير مع
النسيان استدل بما رواه معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه
__________________
(1) في صحيحة معاوية بن عمار الآتية.
(2) في المغني ج 1 ص 485 «يجب قراءة الفاتحة في كل ركعة في
الصحيح من المذهب وهو مذهب مالك والأوزاعي والشافعي ، وعن أحمد انها لا تجب إلا في
ركعتين من الصلاة ونحوه عن النخعي والثوري وأبي حنيفة ، وعن الحسن انه ان قرأ في
ركعة واحدة أجزأه وعن مالك ان قرأ في ثلاث أجزأه لأنها معظم الصلاة» وارجع أيضا
إلى التعليقة 2 ص 398.
(3) سورة المزمل ، الآية 20.
(4) في صحيح مسلم ج 1 ص 155 باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة
والبخاري باب وجوب القراءة للإمام والمأموم عن عبادة بن الصامت عن النبي «ص» «لا
صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب».
(5) ص 400.
السلام) (1) قال : «قلت
الرجل يسهو عن القراءة في الركعتين الأولتين فيذكر في الركعتين الأخيرتين انه لم
يقرأ؟ قال أتم الركوع والسجود؟ قلت نعم. قال اني اكره أن أجعل آخر صلاتي أولها». وانما
قلنا الأحوط القراءة في هذه الحال لما رواه الحسين ابن حماد عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «قلت له
أسهو عن القراءة في الركعة الأولى؟ قال اقرأ في الثانية. قلت أسهو في الثانية؟ قال
اقرأ في الثالثة. قلت أسهو في صلاتي كلها؟ قال إذا حفظت الركوع والسجود فقد تمت
صلاتك». انتهى والظاهر من هذا الكلام ان حكمه أولا بالقراءة في الأخيرتين وان كان
محتملا للوجوب إلا ان آخر كلامه يكشف عن كون ذلك على سبيل الأولوية والاحتياط لا
على جهة التعيين كما نقله في المدارك وتبعه من تبعه عليه على عادتهم غالبا من حسن
الظن به في ما ينقله ، ويؤيد ما قلناه ما ذكره في الذكرى حيث قال بعد ذكر رواية
الحسين بن حماد المذكورة : وقال في الخلاف ان نسي القراءة في الأولتين قرأ في
الأخيرتين واحتج بهذه الرواية وأورد رواية معاوية بن عمار الآتية دليلا على بقاء
التخيير ثم جعل القراءة أحوط. انتهى وبذلك يتبين لك ما في نقل أولئك الفضلاء من
القصور.
وأجاب في المختلف عن رواية الحسين بان الأمر بالقراءة لا
ينافي التخيير فان الواجب المخير مأمور به. ونحوه الشهيد في الذكرى أيضا. وفيه ان
ظاهر الأمر الإيجاب عينا والتخيير يحتاج إلى دليل من خارج ليخرج عن ظاهر الأمر.
والتحقيق في المقام ان ما استدلوا به على التخيير في
الصورة المذكورة من صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة فالظاهر انه لا دلالة فيها على
ما ادعوه لأن الظاهر من هذه الرواية وروايات أخر في معناها أيضا ان المراد بجعل
آخر الصلاة أولها انما هو بقراءة الحمد والسورة في الأخيرتين كما سيأتي في مسألة
المسبوق في باب صلاة الجماعة.
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 30 من القراءة.
ومن أخبارها مرسلة أحمد بن النضر عن رجل عن أبي جعفر (عليهالسلام) (1) قال «قال لي :
أي شيء يقول هؤلاء في الرجل إذا فاتته مع الامام ركعتان؟ قلت يقولون يقرأ في
الركعتين بالحمد وسورة. فقال هذا يقلب صلاته فيجعل أولها آخرها. فقلت فكيف يصنع؟
فقال يقرأ بفاتحة الكتاب في كل ركعة».
وبذلك يظهر ان المراد من رواية معاوية بن عمار المذكورة
انما هو المنع من قراءة الحمد والسورة التي يترتب عليها قلب الصلاة لا قراءة الحمد
وحدها التي هي أحد الفردين المخيرين وانها تتعين هنا من حيث النسيان أولا. وبذلك
يظهر ان ما ذكره في المختلف وتبعه عليه بعض من تأخر عنه من ان هذه الرواية كما لا
دلالة لها على وجوب القراءة فهي تدل على أفضلية التسبيح محل نظر.
ويدل على وجوب القراءة في الصورة المذكورة ـ زيادة على
رواية الحسين بن حماد المتقدمة بالتقريب الذي ذكرناه في بيان الاستدلال بها وجواب
ما اعترضوا به على دلالتها ـ صحيحة زرارة المروية في الفقيه عن أبي جعفر (عليهالسلام) (2) قال : «قلت له
رجل نسي القراءة في الأولتين فذكرها في الأخيرتين؟ فقال يقضي القراءة والتكبير
والتسبيح الذي فاته في الأولتين في الأخيرتين ولا شيء عليه».
والظاهر ان هذه الرواية هي التي تقدمت الإشارة إليها في
كلام الشهيد (قدسسره) في الذكرى من
قوله : وقد روى انه إذا نسي في الأولتين القراءة تعين في الأخيرتين ، وذكر انه لم
يظفر بحديث صريح في ذلك فإنه ربما نقل له ذلك مجملا ولكنه لم يقف على الخبر.
والظاهر انه هذا الخبر فإنه ـ كما ترى ـ صحيح صريح في الإتيان بالقراءة في
الأخيرتين.
وبعض المتأخرين نقل هذه الرواية عارية عن لفظ «في
الأخيرتين» في آخر الخبر وأجاب عنه بجواز ان يكون المراد انه يقضي القراءة بعد
الفراغ من الصلاة إذ
__________________
(1) الوسائل الباب 47 من الجماعة.
(2) الوسائل الباب 30 من القراءة.
ليس فيها تعيين زمان القضاء. وهو مسلم
بالنسبة إلى ما نقله من الرواية العارية عن اللفظ المشار اليه واما على ما نقلناه
من وجوده كما هو المنقول في كتب الأخبار فلا وجه لكلامه
ومن ذلك يظهر لك ان القول بوجوب القراءة في الصورة
المذكورة ليس ببعيد لظاهر الخبرين المذكورين. وتأويلهما وان أمكن إلا انه فرع وجود
المعارض. والمعارضة بعموم الأخبار الدالة على التخيير وشمولها للناسي وغيره معارضة
بما دل على عدم صحة الصلاة بدون الفاتحة من قوله (صلىاللهعليهوآله) (1) «لا صلاة إلا
بفاتحة الكتاب». ونحوه ، فإن أجابوا ـ بأنه محمول على العامد جمعا بينه وبين ما دل
على صحة صلاة ناسي الفاتحة في جميع الصلاة ـ أجبنا عن الأول بأنه محمول على غير
الناسي جمعا ومرجعه إلى تخصيص عموم اخبار التخيير بهذين الخبرين والعمل بالخاص
مقدم كما هو القاعدة المسلمة عندهم.
وكيف كان فأولوية القراءة واستحبابها كما ذكره الشيخ مما
لا يرتاب فيه وانما الكلام في الوجوب وقد عرفت ان ظاهر الخبرين ذلك إلا اني لم أقف
على قائل به. والله هو العالم.
(المقام الثالث) ـ المفهوم من كلام جملة من الأصحاب ان
التخيير المجمع عليه في الأخيرتين بين الحمد والتسبيح انما هو في ما عدا أخيرتي
المأموم في الرباعية وأخيرته في الثلاثية ، وذلك فإنهم قد اختلفوا هنا في ما يجب
على المأموم وجعلوا هذا الخلاف شعبة من الخلاف في أولتي المأموم بالنسبة إلى جواز
القراءة له وعدمه.
واختلفوا في الأخيرتين هنا على أقوال نقلها شيخنا الشهيد
الثاني في الروض ولا بأس في التعرض لها وبيان ما هو الحق المستفاد من اخبار أهل
الذكر (عليهمالسلام) فيها :
الأول ـ وجوب القراءة مخيرا بينها وبين التسبيح كما لو
كان منفردا جهرية كانت الصلاة أو إخفاتية ، قال وهو قول أبي الصلاح وابن زهرة.
أقول وهو صريح عبائر أكثرهم وكذا صريح كلام المرتضى (رضياللهعنه) قال : لا يقرأ
المأموم خلف
__________________
(1) ارجع إلى التعليقة 4 ص 419.
الموثوق به في الأولتين في جميع
الصلوات. إلى ان قال : واما الأخيرتان فالأولى أن يقرأ المأموم أو يسبح وروى انه
ليس عليه ذلك (1).
(الثاني) ـ استحباب قراءة الحمد وحدها في الجهرية
والإخفاتية ونقله في الروض عن الشيخ بقول مطلق ولم يسنده إلى كتاب والذي في
النهاية وكذا في المبسوط لا دلالة فيه على ذلك لانه لم يذكر حكم الأخيرتين في
كلامه فيجوز رجوعه إلى ما قدمه في صدر كلامه من الأولتين ، قال في النهاية : إذا
تقدم من هو بشرائط الإمامة فلا تقرأن خلقه سواء كانت الصلاة مما يجهر فيها
بالقراءة أو لا يجهر بل تسبح مع نفسك وتحمد الله ، وان كانت الصلاة مما يجهر فيها
بالقراءة فأنصت للقراءة فإن خفي عليك قراءة الإمام قرأت لنفسك ، وان سمعت مثل
الهمهمة من قراءة الإمام جاز لك ان لا تقرأ وأنت مخير في القراءة ، ويستحب لك ان
تقرأ الحمد وحدها في ما لا يجهر الامام فيها بالقراءة وان لم تقرأها فليس عليك شيء.
انتهى. ونحوه في المبسوط ، وهو ظاهر كما ترى فيما قلناه إذ لا اشارة فيه إلى
الأخيرتين بوجه بل جميع ما ذكره من الأحكام بمقتضى سياق الكلام انما يرجع إلى
الأولتين.
(الثالث) ـ التخيير في الجهرية بين قراءة الحمد والتسبيح
استحبابا ، قال في الروض وهو ظاهر جماعة : منهم ـ العلامة في المختلف أقول قال
العلامة في المختلف ـ بعد نقل الأقوال في مسألة القراءة خلف الامام وشطر من اخبار
المسألة ـ ما هذا لفظه : والأقرب في الجمع بين الأخبار استحباب القراءة في الجهرية
إذا لم يسمع ولا همهمة لا الوجوب وتحريم القراءة فيها مع السماع لقراءة الامام
والتخيير بين القراءة والتسبيح في الأخيرتين من الإخفاتية. وأنت خبير بان ظاهر كلامه
هو الوجوب لا الاستحباب وذلك في الإخفاتية لا الجهرية كما نقل عنه فالنقل لا يخلو
من الخلل في الموضعين المذكورين ، وبالجملة
__________________
(1) الوسائل الباب 31 من الجماعة.
فكلام العلامة هنا يرجع إلى القول
الأول إلا انه خص ذلك بالصلاة الإخفاتية وظاهر قول الثلاثة المتقدمين العموم.
(الرابع) ـ سقوط القراءة والتسبيح ولم ينقل هذا القول في
الروض مع انه صريح ابن إدريس (قدسسره) حيث قال :
اختلفت الرواية في القراءة خلف الامام الموثوق به فروى (1) انه لا قراءة
على المأموم في جميع الركعات والصلوات سواء كانت جهرية أو إخفاتية. وهي أظهر
الروايات والذي تقتضيه أصول المذهب لأن الإمام ضامن للقراءة بلا خلاف بين أصحابنا
، وروي (2) انه لا قراءة
على المأموم في الأولتين في جميع الصلوات الجهرية والإخفاتية إلا ان تكون صلاة جهر
لم يسمع فيها المأموم قراءة الإمام فيقرأ لنفسه ،. وروى (3) انه ينصت في
ما جهر فيه الإمام بالقراءة ولا يقرأ هو شيئا ويلزمه القراءة في ما خافت ،. وروى
انه بالخيار (4) في ما خافت
فيه الإمام ،. فأما الركعتان الأخيرتان فقد روى (5) انه لا قراءة
على المأموم فيهما ولا تسبيح ،. وروى (6) انه يقرأ فيهما أو يسبح. والأول أظهر
لما قدمناه. انتهى.
(الخامس) ـ التخيير بين القراءة والتسبيح والسكوت وأفضلية
الأول ثم الثاني ، وهو قول ابن حمزة في الوسيلة كما نقله عنه في الذكرى. وهذا
القول لم ينقله في الروض أيضا ، قال في الكتاب المذكور : وإذا اقتدى بالإمام لم
يقرأ في الأولتين فإن جهر الامام وسمع أنصت وان خفي عليه قرأ وان سمع مثل الهمهمة
فهو مخير وان خافت الامام سبح في نفسه ، وفي الأخيرتين ان قرأ كان أفضل وان لم
يقرأ جاز وان سبح كان أفضل من السكوت.
(السادس) ـ استحباب التسبيح في نفسه وحمد الله أو قراءة
الحمد مطلقا ، نقله في الروض عن الشيخ نجيب الدين يحيى بن سعيد. وعندي ان عبارته
ليست
__________________
(1 و 3 و 4 و 5 و 6) الوسائل الباب 32 من الجماعة.
(2) السرائر ص 61.
صريحة في ان ذلك في الأخيرتين بل
ظاهرها كونه في الأوليين ، حيث قال : ولا يقرأ المأموم في صلاة جهر بل يصغي لها
فان لم يسمع وسمع كالهمهمة أجزأه وجاز ان يقرأ ، وان كان في صلاة إخفات سبح مع
نفسه وحمد الله ، وندب إلى قراءة الحمد في ما لا يجهر فيه. ولا تعرض فيها ـ كما
ترى ـ للأخيرتين بل ظاهرها انه في الأوليين من الصلاة الإخفاتية يستحب له التسبيح
والحمد لله ، ثم روى استحباب قراءة الحمد في الحال المذكورة
(السابع) ـ ما اختاره الفاضل الخراساني في الذخيرة من
تحريم القراءة في أخيرتي الإخفاتية حيث قال ـ بعد نقل جملة من عبائر الأصحاب في
المقام وشطر من اخبار مسألة القراءة خلف الامام ـ ما لفظه : إذا عرفت هذا فاعلم ان
الذي يترجح عندي بالنظر إلى هذه الأخبار تحريم القراءة في الإخفاتية مطلقا سواء
كانت في الأوليين أم في الأخيرتين. انتهى.
أقول : الظاهر ان منشأ اختلاف هذه الأقوال في المقام هو
اختلاف الأخبار عنهم (عليهمالسلام) في القراءة
خلف الامام واختلاف الأذهان في ذلك والافهام من المنع فيها عن القراءة مطلقا أو في
الأوليين خاصة أو التفصيل بين الجهرية والإخفاتية.
وأنت خبير بان ما قدمناه من الأخبار المستفيضة على
أفضلية التسبيح في الأخيرتين شاملة بعمومها أو إطلاقها للمأموم والأخبار الدالة
على التخيير والتساري أو أفضلية القراءة كذلك شاملة لاخيرتي المأموم أيضا ، ويدل
على خصوص المأموم وان الأفضل له التسبيح الخبر الرابع وهو صحيح زرارة مكررا ذلك
فيه والخبر التاسع والخبر الثالث عشر والسادس عشر (1) بالتقريب
المذكور في ذيله. وليس في اخبار القراءة خلف الإمام التي فرعوا عليها هذا الاختلاف
ما يدل على خصوص الأخيرتين بل دلالتها على ذلك ان كان انما هو بالإطلاق ، وحينئذ
فقد تعارض الإطلاقان فلا بد من تقييد أحدهما بالآخر ، والظاهر ان الأخبار الأولى
أظهر في العموم والشمول لوضوح الدلالة فيها بالتقريبات التي وشحناها به كما
__________________
(1) ص 390 و 394 و 395 و 396.
قدمناه سيما مع تأيدها بالأخبار التي
أشرنا إليها مصرحة بالمأموم بخصوصه دون هذه الأخبار ، فإن من المحتمل فيها قريبا ـ
بل هو الظاهر ـ اختصاص المنع من القراءة بحال المتابعة في الأوليين للإمام وهو
الموضع الذي تتعين فيه القراءة حتما وبه انقسمت الصلاة إلى جهرية وإخفاتية دون
الأخيرتين بحيث لم تتعين فيهما القراءة بل كانت مرجوحة كما أوضحناه من أولوية
التسبيح. وأيضا فلو اختار الإمام القراءة كانت قراءته إخفاتية كما هو المجمع عليه
بينهم فكيف يترتب عليه حكم كلي بالنسبة إلى المأموم من تحريم القراءة وعدمه أو
التفصيل بالسماع وعدمه والانقسام باعتبار ذلك إلى الجهرية والإخفاتية؟ فانا وان
سلمنا جريان هذه الشقوق فيما إذا اختار الإمام القراءة المرجوحة باعتبار انه لا
منافاة بين وجوب الإخفات والسماع والإنصات كما قيل إلا انه لا يتم في ما إذا اختار
التسبيح فكيف يصح الحكم بتحريم القراءة على المأموم مطلقا؟ مع عدم جريان الدليل
على تقدير تسليمه إلا في مادة اختيار الإمام القراءة.
والظاهر ان منشأ الشبهة في هذا الاختلاف هو ما اتفقت
عليه كلمتهم من أصالة القراءة في الأخيرتين وان التسبيح إنما يؤتى به عوضا عنها
ولذا ترى أكثر عباراتهم بالتسبيح بلفظ البدلية عن القراءة فيقولون «ويجزئ بدلا عن
القراءة التسبيح» ولا سيما بالنسبة إلى الامام عندهم فإن القراءة في حقه آكد ، وقد
عرفت ان الظاهر من الأخبار خلافه للنهى عن القراءة في تلك الأخبار الصحاح الصراح
والنفي لها ودلالة صحيحة عبيد بن زرارة (1) على فرعية القراءة كما تقدمت الإشارة
اليه. ومنه يظهر ان الأظهر هنا هو التخيير مع أفضلية التسبيح كغيره حسبما حققناه
سابقا.
ومن الأخبار التي اعتمدوها هنا في ما ذهبوا اليه وبنوا
عليها صحيحة عبد الرحمن ابن الحجاج (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الصلاة
خلف الامام اقرأ خلفه؟ فقال اما الصلاة التي لا يجهر فيها بالقراءة فإن ذلك جعل
اليه فلا تقرأ خلفه واما
__________________
(1) ص 414.
(2) الوسائل الباب 31 من الجماعة.
الصلاة التي يجهر فيها فإنما أمر
بالجهر لينصت من خلفه فان سمعت فأنصت وان لم تسمع فاقرأ». فإن قضية الجعل إلى
الامام في الصلاة الإخفاتية بمعنى الاعتماد على قراءته والاكتفاء بها فلا يجوز
للمأموم القراءة لذلك لا يتم كليا إلا في الأوليين لوجوب القراءة عليه فيهما حتما
واما الأخيرتان فحيث كان مخيرا فيهما سيما مع أفضلية التسبيح له كما اخترناه فكيف
يتم الجعل اليه والاعتماد عليه في سقوط القراءة عن المأموم وتحريمها عليه؟ والحال
انه ليس القراءة عليه واجبة بل الأفضل له التسبيح كما هو المفروض ، وقضية الإنصات
في الجهرية أظهر فإن تحريم القراءة من حيث وجوب الإنصات لا يجري إلا في الأوليين
فإن القراءة في الأخيرتين على تقدير اختيارها إخفاتية إجماعا ، وجملة الروايات
الواردة في هذا المجال كلها على هذا المنوال وان تفاوتت في وضوح الدلالة على ذلك.
واما ما دل على المنع من القراءة خلف الامام بعمومه
وإطلاقه كقوله (عليهالسلام) (1) «من قرأ خلف
إمام يأتم به فمات بعث على غير الفطرة». ونحوه فهو غير معمول عليه عندهم على عمومه
كما نبهوا عليه وشذ من قال به على عمومه.
هذا ، وما نقل من الرواية في كلام جملة منهم بعدم
القراءة والتسبيح كما اختاره ابن إدريس لم أقف عليها في شيء من كتب الأخبار التي
تحضرني الآن إلا انه قد روى الشيخ في الصحيح عن علي بن يقطين (2) «سألت أبا
الحسن (عليهالسلام) عن الركعتين
اللتين يصمت فيهما الامام أيقرأ فيهما بالحمد وهو امام يقتدى به؟ قال ان قرأت فلا
بأس. وان سكت فلا بأس». ومن المحتمل ان تكون هذه الرواية هي المشار إليها في
كلامهم فان ظاهرها التخيير بين القراءة والسكوت إلا ان القول بذلك قول أبي حنيفة
كما تقدم ذكره (3) فيجب حمل
الرواية على التقية لذلك ولمعارضتها بالأخبار المستفيضة الدال أكثرها على التسبيح
وجملة منها على القراءة أو الأفضلية في أحدهما أو
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 31 من الجماعة.
(3) ارجع إلى التعليقة 2 ص 398.
التخيير. وبه يظهر ان ما ذهب اليه ابن
إدريس من اختيار السكوت غير جيد.
(المقام الرابع) ـ لو قلنا بالتخيير بين الصور المتقدمة
كما هو أحد الأقوال في المسألة ـ واختار المكلف الإتيان بما زاد على الأربع
التسبيحات كما هو القول الأول من الأقوال المتقدمة أو الثلاث كما هو مذهب ابن
الجنيد ـ فهل يوصف الزائد هنا بالوجوب أو الاستحباب؟ قولان ظاهر العلامة في كتبه
الفقهية ـ وبه صرح في كتبه الأصولية ـ الثاني محتجا عليه بجواز تركه ولا شيء من
الواجب يجوز تركه.
واعترضه شيخنا الشهيد الثاني في الروض بان قوله : «لا شيء
من الواجب يجوز تركه» ان أريد تركه مطلقا يعني ولو إلى بدل فمنعه واضح لانتقاضه
بالواجبات الكلية كالتخييرية وإخوتها ، وان أريد به لا إلى بدل فمسلم لكن المتروك
له ههنا بدل وهو الفرد الناقص بمعنى ان مقولية الواجب على الفرد الزائد والناقص
كمقولية الكلي على أفراده المختلفة قوة وضعفا ، وحصول البراءة بالفرد الناقص لا من
حيث هو جزء الزائد بل من حيث انه الفرد الناقص ، وقد وقع مثله في تخيير المسافر
بين القصر والإتمام. وهذا هو التحقيق في المقام. انتهى
والمشهور الأول وهو الذي جزم به في الروض ونسبه في
الروضة إلى ظاهر النص والفتوى والظاهر انه الأقوى ، وعلى تقديره ففي المقام سؤالات
:
أحدها ـ انه لقائل أن يقول ان اللازم مما ذكر إمكان كون
الزائد واجبا لكن إذا تحققت البراءة في ضمن الفرد الناقص لم يبق دليل على وجوب
الزائد فنحن لا نستبعده لكن ننفيه حتى يقوم عليه الدليل.
هكذا قرره في الروض ثم أجاب عنه بان الروايات الدالة على
القدر الزائد الواقعة بصيغة الأمر ـ كقوله (عليهالسلام) في صحيحة
حريز عن زرارة (1) «فقل سبحان
الله والحمد لله ولا إله إلا الله (ثلاث مرات)». وكون ذلك واقعا بيانا للواجب ـ تدل
على
__________________
(1) ص 389.
وصف الزائد بالوجوب ولما لم يتم وجوبه
عينا للرواية الدالة على الاجتزاء بالأقل لزم القول بوجوبه تخييرا من جهة تأدي
الواجب به وحصول الامتثال.
هكذا حقق (قدسسره) الجواب
والظاهر ان مراده يرجع إلى منع تحقق البراءة في ضمن الفرد الناقص بقول مطلق بل
انما يتم ذلك فيما لو قصد الامتثال بالناقص لكونه فردا ناقصا من افراد الواجب
الكلي بأن قصده أولا أو عدل اليه عند تمامه ، اما إذا قصد الامتثال بالكامل وإيقاع
الناقص ضروري من حيث انه جرؤه فتحقق البراءة بالفرد الناقص والحال هذه ممنوع ، كما
انه لو قصد المكلف في مقام التخيير بين القصر والإتمام الامتثال بالأربع فإنه لا
يبرأ بما لو سلم ساهيا على الركعتين أو أحدث أو فعل منافيا على القول باستحباب
التسليم أو وجوبه خارجا ، وحينئذ فدلالة الرواية على وصف الزائد بالوجوب من حيث
انه جزء الواجب وهو مجموع التسبيحات التسع مثلا لا من حيث الزيادة وإطلاق الزائد
عليه مجازا بالنظر إلى اختيار الفرد الناقص. هكذا ينبغي ان يحقق كلامه وإلا فلو
سلم للسائل تحقق البراءة في ضمن الفرد الناقص مطلقا وانه يخرج به من العهدة وجعل
مطرح الكلام في الزائد خاصة لم يتم الجواب بالتزام خطابه بالزيادة على وجه الإيجاب
إذ بعد الخروج عن عهدة الخطاب كيف يبقى الإيجاب؟
وأورد بعضهم السؤال بما صورته : لقائل أن يقول لا ريب ان
المكلف إذا اتى بالتسبيحة الواحدة منها برئت ذمته بذلك ولا مجال لقصده بالثانية
والثالثة الوجوب إذ لا يعقل بعد ذلك في المأتي به وصف الوجوب.
ثم أجاب عنه بما لفظه : ولك ان تقول لا ريب ان المأمور
به هنا هو الأمر الكلي الذي هو الموصوف بالوجوب ووجوده في الخارج انما هو في ضمن
جزئياته وتحقق الكلي في ضمن جزئياته لا يلزم ان يكون على وجه واحد بل قد يتفاوت
ذلك بالقوة والضعف فعلى هذا نقول كون التسبيحة الواحدة فردا للكلي مبرئا للذمة لا
يمنع منه انضمام ما به يتحقق الفرد الكامل ويكون ذلك طريق البراءة. انتهى.
وأنت خبير بما فيه مما أشرنا إليه آنفا فإنه متى سلم كون
التسبيحة الواحدة التي أنى بها أحد أفراد الكلي وان الذمة قد برئت بالإتيان بها
فبعد براءة الذمة من ذلك الواجب الكلي بالإتيان بأحد أفراده كما هو المفروض كيف
يعقل عود الوجوب واشتغال الذمة حتى يكون انضمام ما به يتحقق الفرد الكامل طريق
البراءة؟
والتحقيق في ذلك هو ما أشرنا إليه من التفصيل ودوران ذلك
مدار قصد المكلف فإنه متى قصد المكلف الصورة الناقصة من أول الأمر أو عدل إليها
قبل تجاوزها فلا ريب في صحة ما اتى به ، وعلى هذا فالزيادة لا توصف بوجوب ـ لحصول
البراءة بما اتى به وسقوط التكليف ، ولعدم تعلق النية بهذه الزيادة والعبادات
تابعة للقصود والنيات ـ ولا باستحباب لعدم الدليل عليه. نعم نفس الصورة الكاملة هي
الموصوفة بالوجوب لأنها أحد أفراد الكلي التخييري وبالاستحباب لأنها الفرد الكامل
منه لا هذه الزيادة كما توهموه ، ومتى قصد المكلف الصورة الزائدة فالواجب هو مجموع
تلك الصورة ، وما اتى به من الصورة الناقصة ضمن هذه الصورة الكاملة لا يكون مبرئا
للذمة ما لم يتعلق به قصد من أول الأمر أو عدول اليه ، ولو حصل براءة الذمة بها
بمجرد الإتيان بها كما يوهمه ظاهر كلامهم للزم مثله في من قصد في مواضع التخيير
أربعا ثم سلم ساهيا على الركعتين فإنه يجتزئ بهما وتصح صلاته وان لم يقصدهما مع
انه ليس كذلك. وبالجملة فإن كلامهم هنا غير منقح وقد تقدم لنا تحقيق في ذلك في
كتاب الطهارة في مسألة المسح من باب الوضوء.
الثاني ـ انهم صرحوا بوصف الزائد بالاستحباب مع حكمهم
بوجوبه تخييرا والوجوب والاستحباب حكمان متقابلان.
وأجاب عن ذلك جمع من الأصحاب : منهم ـ شيخنا الشهيد
الثاني بحمل الاستحباب على العيني ، قال بعد ان جزم بالوجوب التخييري ما لفظه :
ويبقى إطلاق الاستحباب على الفرد الزائد محمولا على استحبابه عينا بمعنى كونه أفضل
الفردين الواجبين
وذلك لا ينافي وجوبه تخييرا من جهة
تأدي الواجب به وحصول الامتثال. انتهى.
أقول : وبذلك يظهر الجواب عما أورده السيد السند صاحب
المدارك في المقام من انه ان أريد بالاستحباب المعنى العرفي وهو رجحان الفعل مع
جواز تركه لا إلى بدل لم يمكن تعلقه بشيء من افراد الواجب التخييري ، وان أريد به
كون أحد الفردين الواجبين أكثر ثوابا من الآخر فلا امتناع فيه إلا انه خروج عن
المعنى المصطلح. انتهى وحاصل الجواب حينئذ التزام الشق الثاني من الترديد ولا
محذور فيه بعد ظهور المراد فقد صرح به جملة من أجلاء الأصحاب.
وربما أجيب عن ذلك أيضا بالتزام الشق الأول ، وجواز ترك
المندوب لا إلى بدل من جهة ندبه لا ينافي عدم جواز تركه من جهة أخرى وهي جهة وجوبه
التخييري باعتبار كونه أحد أفراد الواجب ، وغاية ما يلزم اتصافه بالوجوب
والاستحباب باعتبارين ولا امتناع فيه وانما يمتنع اتصافه بهما من جهة واحدة وهو
غير لازم هنا.
وأجيب عنه أيضا بناء على ذلك بان الاستحباب متعلق بالفرد
الكامل من افراد المخير ويجوز تركه لا إلى بدل إذ لا يقوم مقامه في الكمال غيره ،
والبدل الحاصل من فعل الواجب انما هو بدل لهذا الفرد من حيث الوجوب لا من حيث
الاستحباب. وأنت خبير بان هذا الجواب راجع في المعنى إلى ما قبله كما لا يخفى.
ثم انه لا يخفى ان ظاهر كلامهم كون محل البحث ومطرح
النزاع هو الزائد بعد الإتيان بالصورة الناقصة وقد أشرنا في جواب السؤال الأول إلى
عدم صحته بل ينبغي ان يجعل مطرح البحث هو مجموع التسبيحات الزائدة وهي الاثنتا
عشرة أو التسع أيهما اتى بها فإنه الموصوف بالوجوب التخييري والاستحباب الذاتي ،
واتصافها بالأول لكونها أحد أفراد الواجب التخييري وبالثاني لكونها الفرد الكامل ،
وكلام الأصحاب لا يخلو من الإجمال بل الاختلال وان أحببت تحقيق الحال زيادة على ما
ذكرناه في هذا المجال فارجع إلى ما حققناه في باب الوضوء في مسألة المسح على الرأس
فإنا قد استوفينا ثمة
الكلام بما لا يحوم حوله نقض ولا
إبرام. والله الهادي لمن يشاء.
الثالث ـ لو شرع في الزائد على الأقل فهل يجب عليه المضي
فيه ويجب إيقاعه على الوجه المأمور به في الواجب من الطمأنينة وغيرها من الهيئات
الواجبة أم يجوز تركه وتغييره عن الهيئة الواجبة؟ يحتمل الأول لما تقدم من كونه
موصوفا بالوجوب ولا ينافيه تركه بالكلية كما مر فيكون المكلف مخيرا ابتداء بين
الشروع فيه فيوقعه على وجهه وبين تركه ، ويحتمل الثاني لأن جواز تركه أصلا قد
يقتضي جواز تبعيضه وتغييره عن وصفه مع كونه ذكر الله تعالى بطريق اولى فيبقى حاله
مراعى منظورا إليه في آخره ، فان طابق وصف الواجب كان واجبا وترتب عليه ثواب
الواجب وحكمه وإلا فلا ، ولا قاطع بأحد الأمرين فليلاحظ ذلك. هكذا قرره في الروض
سؤالا وجوابا. وقال بعض مشايخنا المتأخرين بعد نقل ملخص ذلك عنه ما لفظه : أقول لا
يبعد ان يقال ان قصد الامتثال بالأقل فالحق الثاني لأن الزائد حينئذ ليس بواجب فلا
محذور في تركه وتغييره بل هو من قبيل الأذكار المأذون فيها في الصلاة عموما ، وان
قصد الامتثال بالفرد الزائد فالحق الأول لعدم تحقق الخروج عن عهدة الخطاب بالناقص
كما حررناه في ما سبق. انتهى.
أقول : وهذا الكلام ناظر إلى ما أشرنا إليه في جواب
السؤال الأول ولكنه لا يخلو من نظر ، وذلك لأن ما ذكره (قدسسره) أولا بناء
على قصد الامتثال بالأقل من انه لا محذور في ترك الزائد ولا تغييره متجه لو كان
قصد المكلف من الإتيان بالزائد مجرد الذكر فإنه لا محذور في تركه ولا تغييره عن
وصفه اما لو قصد به التسبيح الموظف في المقام كما يعطيه مراعاة حاله في آخره على
ما ذكره في الروض ولم يأت به على الوجه المأمور به مع انه قصد أولا الامتثال
بالأقل ففيه إشكال ، لأنه مع قصد الامتثال بالأقل كما لا يكون الزائد واجبا لحصول
البراءة بالأقل كذلك لا يكون مستحبا لعدم الدليل عليه. والركون في أمثال هذه
المقامات إلى قضية الذكر لا يسد باب الإيراد فإن المكلف
لو فعل بعض الأذكار في الصلاة في مقام
لم يعينه الشارع فيه معتقدا تعيينه واستحبابه هناك كان تشريعا محرما البتة.
وما ذكره ثانيا ـ من انه ان قصد الامتثال بالفرد الزائد
فالحق الأول لعدم تحقق الخروج عن عهدة الخطاب بالناقص ـ متجه في مقام الزيادة على
الناقص كما هو فرض المسألة ، لاستلزامه مع القطع قبلها عدم الإتيان بما قصده من
الفرد الزائد فلا بد ان يوقعه على وجهه أو يتركه حذرا من تغيير الهيئة الواجبة ،
اما لو قطع على الناقص بعد قصد الفرد الزائد قاصدا العدول اليه فلم لا يجوز ذلك
وما المانع منه؟ وقد صرح المحقق في المعتبر في مسألة القصر والإتمام بأنه يجوز لمن
نوى الإتمام الاقتصار على الركعتين ولمن نوى القصر الإتمام أيضا ، واستحسنه في
المدارك فلم لا يجوز ان يكون هنا كذلك؟
وبالجملة فإنه قد تلخص مما ذكرنا ان الأظهر في المقام ان
يقال انه متى قصد أحد الأفراد الزائدة وتجاوز الفرد الناقص فالظاهر وجوب الإتمام
لما ذكرنا ، ومتى قصد الفرد الناقص وزاد عليه قاصدا العدول إلى أحد الأفراد
الزائدة وجب ذلك أيضا ، لأن الظاهر انه لا فرق بين قصده أولا والعدول اليه ثانيا
كما صرحوا به في صورة التخيير بين القصر والإتمام ، وان قصد بالزائد مجرد الذكر
فأولى بالصحة ، واما انه يقصد به التسبيح الموظف ويقطع بعد تجاوز المرتبة الاولى
وقبل بلوغ احدى المراتب الزائدة ففيه اشكال لما ذكرنا.
تنبيه
لا يخفى ان ما ذكر من الخلاف في المقام وما وقع فيه من
النقض والإبرام جار أيضا بالنسبة إلى القدر الزائد على المسمى في مسح الرأس كما
تقدم البحث فيه في كتاب الطهارة ، وكذا في تكرير التسبيح في الركوع والسجود زيادة
على القدر المجزئ وما يتأدى به أقل الواجب.
ونقل بعض مشايخنا المحققين المتأخرين عن شيخنا الشهيد في
الذكرى انه اختار هنا وجوب الزائد مع انه اختار في المسح الزائد على المسمى
الاستحباب التفاتا إلى جواز تركه. قال وهو عجيب.
ونقل عنه ذلك في الروض تفصيلا واستحسنه ، قال واستقرب
شيخنا الشهيد في الذكرى استحباب الزائد عن أقل الواجب محتجا بجواز تركه ، قال هذا
إذا أوقعه دفعة واحدة ولو أوقعه تدريجا فالزائد مستحب قطعا. وهذا التفصيل حسن لانه
مع التدريج يتأدى الوجوب بمسح جزء فيحتاج إيجاب الباقي إلى دليل والأصل يقتضي عدم
الوجوب بخلاف ما لو مسحه دفعة واحدة إذ لم يتحقق فعل الواجب إلا بالجميع. انتهى.
وقيل عليه ان ذلك مناف لما صرح به (قدسسره) في هذا
المقام من وجوب الزائد من التسبيحات كما نص عليه في الروض ونسبه في الروضة إلى
ظاهر النص والفتوى إذ التدريج هنا ضروري فينبغي القطع باستحباب الثانية والثالثة
من التسبيحات.
ونقل عن شيخنا البهائي (قدسسره) انه فرق بين
المسح والتسبيح بأنه يجوز في التسبيح قصد استحباب الزائد على الواحدة بخلاف المسح
فإنه يجب قصد وجوب الزائد مطلقا حذرا من لزوم تكرار المسح. وهو تحكم وتعليله عليل.
والذي يظهر لي ان ما ذكره الشهيدان (رفع الله مقامهما)
من التفصيل المذكور صحيح لا غبار عليه ، والإيراد عليهما بمسألة التسبيح لا يصغى
اليه ولا يلتفت اليه لظهور الفرق بين المقامين ، لا كما نقل عن شيخنا البهائي بل
من حيث ان وجه التخيير بالنسبة إلى المسح غيره بالنسبة إلى التسبيح ، فان القول
بالتخيير في التسبيح إنما ادى اليه ضرورة الجمع بين الأخبار المختلفة في بيان
كيفيته كما أشار إليه كلام الروض في ما تقدم في جواب السؤال الأول ، والقول به في
المسح انما نشأ من إطلاق الأمر الصادق بمجرد المسمى ولو بجزء من إصبع وبالمسح
بمجموع الثلاث الأصابع وما بينهما من الافراد ، وافراد الكلي في الأول هي مجموع كل
واحدة من الصور التي وردت بها النصوص وفي
الثاني هو كل مسحة أوقعها المكلف دفعة
أعم من ان تكون يسيرة أو مستوعبة ، وحينئذ فالمكلف إذا مسح تدريجا فقد ادى الواجب
الذي هو مسمى المسح بهذا الجزء الذي قطع عليه ، فإيجاب المسح على الباقي بعد القطع
على ذلك الجزء الذي حصل المسمى في ضمنه وبرئت الذمة به يحتاج إلى دليل وليس ،
بخلاف التسبيح فان المكلف إذا تجاوز الصورة الناقصة قاصدا إيجاد الكلي في ضمن احدى
الصور الزائدة لم يصدق أنه أوجد الكلي في ضمن الناقصة ، حيث انه لم يقصدها بالكلية
وان كان حصولها ضروريا من حيث الجزئية ، والعبادات تابعة للقصود والنيات وإلا لم
تكن الأفراد الزائدة افرادا للواجب الكلي بالمرة ، لأن الصورة الصغرى حاصلة في
ضمنها البتة فلو كان مجرد الإتيان بها وان لم تكن مقصودة موجبا لحصول الكلي في
ضمنها وحصول البراءة اليقينية من التكليف لزم ما قلناه وفيه رد للأخبار الدالة على
وجوبها المحمولة على الوجوب التخييري جمعا.
والظاهر ان منشأ الإيراد هو توهم كون محل الاتصاف
بالاستحباب والوجوب التخييري هو الزائد على الصورة الناقصة كما تقدمت الإشارة إليه
، إذ على تقديره لو جعل مناط الحكم بالوجوب والاستحباب هو الاتصال والانفصال تعين
هنا الحكم بالاستحباب لتحتم انفصال التسبيحة الثانية والثالثة عما قبلها.
ومما ذكرنا يعلم الكلام أيضا في تسبيح الركوع والسجود ،
فان قلنا ان الواجب فيهما هو مجرد الذكر كما هو أحد القولين كان من قبيل المسح ،
وان قلنا ان الواجب هو التسبيح المخصوص فإنه يأتي بناء على مذهب من يختار التخيير
بين الافراد المروية أو بين بعضها ما يأتي في التسبيح في الأخيرتين على مذهب
التخيير أيضا. وقد تقدم نقل الخلاف في التسبيح على تقدير القول به في الركوع
والسجود بما ينتهي إلى خمسة أقوال.
(المقام الخامس) ـ في فوائد مهمة يقع بها الختام والتتمة
: (الأولى) المشهور بين الأصحاب وجوب الترتيب في هذا التسبيح وظاهر القائلين
بالتخيير بين صوره
الواردة في الأخبار العدم ، ووجه كل
منهما معلوم من دليله ، اما الأول فحيث استند كل من القائلين بصورة معينة إلى خبر
مخصوص قد ورد بها لزمه القول بذلك على الكيفية الواردة ، ووقوع الواو بين التسبيح
والتحميد وبين التحميد والتهليل مثلا وان كانت للعطف الغير الموجب للترتيب فيها
لكنها من كلام الامام (عليهالسلام) في بيان
الكيفية فهي جزء من اجزاء الكيفية المنقولة تختل باختلالها وليست من القول حتى
يلزم جواز تقديم بعض المعطوفات على بعض الموجب لعدم الترتيب واما الثاني فحيث كان
مستنده الجمع بين الأخبار المختلفة في الكيفية بالزيادة والنقصان والتقديم
والتأخير مؤيدا بإطلاق الصحاح المشار إليها آنفا كان عدم الترتيب متجها بناء على
ذلك ، وقد صرح به من القائلين بالتخيير المحقق في المعتبر.
وبذلك يظهر ما في كلام جملة من الاعلام من الإجمال في
هذا المقام ، قال في الذكرى : هل يجب الترتيب فيه كما صوره في رواية زرارة؟ الظاهر
نعم أخذا بالمتيقن ونفاه في المعتبر للأصل مع اختلاف الرواية.
وقال في المدارك : استقرب المصنف في المعتبر عدم ترتيب
الذكر لاختلاف الرواية في تعيينه وهو غير بعيد وان كان الأحوط اتباع ما ورد به
النقل بخصوصه.
وقال في الذخيرة : الأقرب عدم اشتراط الترتيب في
التسبيحات وفاقا للمحقق في المعتبر لاختلاف الروايات وهو أقوى دليل على ذلك ،
وخالف فيه المصنف والشهيد
أقول : لا يخفى ان محل الخلاف في كلامهم غير محرر فان الخلاف
في المسألة كما تقدم قد بلغ إلى ستة أقوال ، وهذا الخلاف انما يترتب على القول
بالتخيير خاصة الذي هو أحد تلك الأقوال ، وإلا فإن كل من ذهب إلى صورة خاصة مستندا
فيها إلى رواية مخصوصة فان الواجب عنده هو الإتيان بما دل عليه دليله ولا معنى
للخلاف فيه بعدم الترتيب ، والمحقق هنا انما ذهب إلى عدم الترتيب من حيث قوله
بالتخيير خاصة وقد أوضحنا وجهه ، والظاهر حينئذ ان من خالف المحقق هنا إلى القول
بالترتيب انما أراد
الإتيان بالفرد المخير بإحدى الروايات
الدالة على الترتيب كأن يختار مثلا صحيحة زرارة الدالة على التسبيحات الأربع أو
الصحيحة الدالة على التسع أو نحو ذلك من الأقوال المتقدمة ، ولا ريب انه الأحوط
على تقدير هذا القول.
(الثانية) ـ المشهور بين الأصحاب وجوب الإخفات في تسبيح
الأخيرتين بل ربما ادعى عليه الإجماع ، واحتج عليه جملة من الأصحاب : منهم ـ الشهيد
في الذكرى بالتسوية بينه وبين المبدل ، ثم قال ونفاه ابن إدريس للأصل وعدم النص
قلنا عموم الإخفات في الفريضة كالنص مع اعتضاده بالاحتياط. انتهى.
وقال في المدارك : وذكر جمع من الأصحاب انه يجب الإخفات
في هذا الذكر تسوية بينه وبين المبدل ونفاه ابن إدريس للأصل وفقد النص. وأجاب عنه
في الذكرى بان عموم الإخفات في الفريضة كالنص. وهو غير واضح وان كان الاحتياط
يقتضي المصير إلى ما ذكره. انتهى.
أقول : اما ما ادعوه ـ من وجوب كون التسبيح بدلا عن
القراءة وهي إخفاتية فيجب الإخفات في البدل أيضا ـ فممنوع (أولا) بأن المستفاد من
الأخبار كما عرفت هو العكس وهو أصالة التسبيح في الأخيرتين وان القراءة فرع عليه
ورخصة لا العكس كما ذكروه وان كان ظاهر كلامهم الاتفاق عليه كما تقدمت الإشارة
اليه إلا ان اتفاق الأخبار الصحيحة على خلافه. و (ثانيا) انه مع تسليم البدلية
فوجوب التساوي بينه وبين المبدل منه في جميع الأحكام ممنوع.
واما ما ادعاه ـ من ان عموم الإخفات في الفريضة كالنص ـ ففيه
ان المتبادر الظاهر من الأخبار الدالة على الإخفات انما هو بالنسبة إلى القراءة لا
ما يشمل التسبيح بل القراءة في الأوليين أيضا لا الأخيرتين. وانقسام الفريضة إلى
جهرية وإخفاتية انما هو بالنظر إلى القراءة في الأوليين كما تقدم تحقيقه في اخبار
القراءة.
نعم ربما يشير إلى ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي
بن يقطين (1) قال : «سألت
أبا الحسن (عليهالسلام) عن الركعتين
اللتين يصمت فيهما الامام أيقرأ فيهما بالحمد وهو امام يقتدى به؟ قال ان قرأت فلا
بأس وان سكت فلا بأس». فإن الظاهر ان مراده بقوله «بصمت فيهما الإمام» أي يخافت
ففيه إشارة إلى أن السنة في ما يؤتى به في الأخيرتين هو الإخفات وان كان مورد
الرواية الإمام خاصة. والرواية وان كانت قاصرة عن افادة العموم إلا انها لا تخلو
من نوع تأييد. ويحتمل في الرواية معنى آخر ولعله الأظهر وهو ان المراد بالصمت في
الموضعين هو السكوت ، وحاصل المعنى انه سأل عن الركعتين اللتين يسكت فيهما الامام
ـ والمراد بهما الأخيرتان ـ هل يقرأ فيهما بالحمد؟ فأجاب (عليهالسلام) بالتخيير بين
الحمد والسكوت ، وقد تقدم ان ذلك مذهب ابن إدريس ، فيكون الخبر محمولا على التقية
لأن ذلك مذهب أبي حنيفة كما تقدم ذكره (2).
وبالجملة فالظاهر ان هذا الذكر كسائر الأذكار التي يتخير
فيها بين الجهر والإخفات كما يشير اليه بعض الروايات وان كان الإخفات أولى لشهرته
بين الأصحاب بل دعوى الإجماع في الباب مع تأيده بظاهر الخبر المتقدم. والله
العالم.
(الثالثة) لو شرع في القراءة أو التسبيح فهل يجوز له
العدول إلى الآخر أم لا؟ قال في الذكرى : الأقرب انه ليس له العدول إلى الآخر لأنه
إبطال للعمل ولو كان العدول إلى الأفضل ، مع احتمال جوازه كخصال الكفارة وخصوصا
إلى الأفضل. انتهى وقال في المدارك أيضا : الظاهر جواز العدول من كل منهما إلى
الآخر خصوصا مع كون المعدول إليه أفضل.
أقول : لا ريب في ضعف التعليل الذي ذكره في الذكرى
والمسألة محل توقف لعدم النص في المقام وان كان القول الثاني لا يخلو من قرب.
(الرابعة) قال في الذكرى : ولو شرع في أحدهما بغير قصد
اليه فالظاهر
__________________
(1) الوسائل الباب 31 من الجماعة.
(2) ص 398.
الاستمرار عليه لاقتضاء نية الصلاة
فعل أيهما كان. ولو كان قاصدا إلى أحدهما فسبق لسانه إلى الآخر فالأقرب ان التخيير
باق فان تخير غيره اتى به وان تخير ما سبق اليه لسانه فالأجود استئنافه لأنه عمل
بغير نية. انتهى.
أقول : لا يخفى انه لا خلاف نصا وفتوى في ان ما يأتي به
من أفعال الصلاة ساهيا صحيح وان كان بغير نية للاكتفاء بالنية الإجمالية في أول
الصلاة ، فإن نية الصلاة التي هي عبارة عن مجموع هذه الأفعال نية لكل منها ،
وحينئذ فإن ما سبق اليه لسانه من جملة ذلك وان كان في نيته وقصده سابقا على وقت
الشروع فيه الإتيان بالفرد الآخر فحكمه بوجوب الاستئناف لأنه بغير نية مما لا وجه
له ، على ان ما يشعر به كلامه من اشتراط النية والقصد إلى أحدهما حسبما ذكروه في
القراءة من وجوب القصد إلى سورة مخصوصة ممنوع إذ لم يقم عليه دليل لا في هذا
الموضع ولا في ذلك كما تقدم تحقيقه. ولعله بنى هنا على ما صرحوا به في القراءة وقد
عرفت انه لا دليل عليه. وكيف كان فالأحوط ما ذكره (قدسسره).
(الخامسة) ـ قال في الذكرى أيضا : تجب فيه الموالاة الواجبة
في القراءة ومراعاة اللفظ المخصوص به باللسان العربي فلا تجزئ ترجمته. نعم لو اضطر
اليه ولم يمكنه العربية فالأقرب جوازه لما سبق في التكبير والأذكار في الأوليين.
أقول : اما وجوب الموالاة فلا اعرف عليه دليلا إلا الحمل
على القراءة وقضية البدلية. وفيه ما عرفت آنفا. وباقي ما ذكره وجهه واضح.
(السادسة)
ـ قال في الذكرى أيضا : ليس فيه بسملة لأنها جزء من القراءة لا من التسبيح ،
والأقرب انها غير مسنونة هنا ولو انى بها لم يكن به بأس. انتهى.
أقول : ربما يشعر قوله «والأقرب انها غير مسنونة»
باحتمال كونها مسنونة وان كان خلاف الأقرب. وهو غير جيد لأن العبادة مبنية على
التوقيف وحيث لم يرد النص بها كان اعتقاد شرعيتها هنا تشريعا محرما. ومن ذلك يظهر
لك ما في قوله :
«ولو اتى بها لم يكن به بأس» فإن
الإتيان بها ان كان لاعتقاد شرعيتها ففيه ما ذكرنا وان كان من حيث انها ذكر فلا
ثمرة في التخصيص بهذا المقام.
(السابعة) ـ قد صرح جمع من الأصحاب بأنه لو شك في عدد
التسبيح بنى على الأقل لأنه المتيقن ، ولو ذكر الزيادة فلا بأس.
(الثامنة) ـ قال في الذكرى : المشهور انه لا يستحب
الزيادة على اثنى عشر. وقال ابن أبي عقيل يقول : «سبحان الله والحمد لله ولا إله
إلا الله والله أكبر» سبعا أو خمسا وأدناه ثلاث في كل ركعة. ولا بأس باتباع هذا
الشيخ العظيم الشأن في استحباب تكرار ذكر الله. انتهى.
وأنت خبير بما فيه ، فان الاستحباب حكم شرعي يتوقف على الدليل. واما ما يوهمه كلامه من كون المستند في ذلك كونه ذكرا ففيه ما أشرنا إليه مرارا من ان ذلك نوع مجازفة في البحث ، فإن قضية الذكر انما تصلح مستندا فيما إذا كان القصد لذلك واما مع اعتقاد التوظيف بمحل مخصوص أو كيفية مخصوصة من غير ورود اثر بذلك فهو تشريع محض ، وبالجملة فالاحتياط في عدم تجاوز الصورة المنصوصة. والله العالم.