ج20 - كتاب الشفعة

كتاب الشفعة

وعرفها المحقق في الشرائع بأنها استحقاق أحد الشريكين حصة شريكه بسبب انتقالها بالبيع ، واعترضه في المسالك في هذا التعريف ، وأطال في ذلك وأجاب عنه المحقق الأردبيلي منتصرا للمحقق بما لا مزيد فائدة في التعرض الى نقله.

ولهذا قال المحقق المذكور في آخر كلامه ، ونعم ما قال : ثم إني أظن عدم مناسبة هذه المضايقات في هذه التعريفات اللفظية في الفقه التي المقصود منها التمييز في الجملة ، ولكن لما تعرض الشارح لأمثالها أطنبت فيه بما عرفت ، فخرجت عن مقصود التعلق بذلك ، ولدفع الشبهة عن مثل المحقق وغيره ، والا فظني أن التوجه الى مثلها والتعرض للعبارات غير مناسب ، وليس وظيفة الفقيه ، بل ينبغي له ان يبذل جهده في تحقيق المسألة وتحريرها وتوضيحها مع الخفاء ، ودليلها وإثباتها لا غير انتهى ملخصا. وعلى ما ذكره «قدس‌سره» قد جرينا في هذا الكتاب كما لا يخفى على من لاحظه في جميع الأبواب.

وكيف كان فالكلام في هذا الكتاب يقع في مقاصد الأول فيما تثبت فيه الشفعة ، لا خلاف بين الأصحاب كما نقله غير واحد في ثبوتها في العقار الثابت القابل للقسمة كالأراضي والبساتين والمساكن ، وانما الخلاف فيما عدا ذلك.

فذهب جملة من المتأخرين وأكثر المتقدمين الى ثبوتها في كل مبيع ، منقولا كان أم لا ، قابلا للقسمة أم لا ، واليه مال الشهيد في الدروس ونفى عنه البعد ، وقيده جماعة بالقابل للقسمة ، وحكم بعضهم بثبوتها للمقسوم أيضا ، ونقله في المسالك عن ابن أبى عقيل.

وذهب أكثر المتأخرين إلى اختصاصها بغير المنقول عادة مما يقبل القسمة ، وأضاف بعض هؤلاء العبد ، دون غيره من المنقولات ، ولا بأس بنقل جملة من عبائر المتقدمين.

قال الشيخ في النهاية : كل شي‌ء كان بين الشريكين من ضياع أو عقار أو حيوان أو متاع ثم باع أحدهما نصيبه كان لشريكه المطالبة بالشفعة ، ثم قال : ولا شفعة فيما لا يصح قسمته وهو ظاهر في الشفعة في المنقولات القابلة.

وقال في الخلاف : لا شفعة في السفينة وكلما يمكن نقله من الثياب والحيوان والجرب والسفن وغير ذلك عند أكثر أصحابنا ، وعلى الظاهر من رواياتهم ، وحكى المالك أن الشفعة في كل شي‌ء من الأموال والثياب والطعام والحبوب والحيوان ، وفي أصحابنا من قال بذلك ، وهو اختيار المرتضى رحمه‌الله.

وقال الصدوق في المقنع : لا شفعة في سفينة ، ولا طريق ، ولا حمام ، ولا رحى ، ولا نهر ، ولا ثوب ، ولا في شي‌ء مقسوم ، وهي واجبة في كل شي‌ء عدا ذلك من حيوان وأرض ورقيق وعقار ، ورواه في الفقيه وقال أبوه؟ الشفعة واجبة في كل شي‌ء من حيوان أو عقار أو رقيق إذا كان الشي‌ء بين شريكين ، وليس في الطريق شفعة ، ولا في نهر ، والارحى ، ولا في حمام ، ولا في ثوب ، ولا في شي‌ء مقسوم.

وقال ابن أبى عقيل : لا شفعة في سفينة ولا رقيق.


وقال المرتضى مما انفردت به الإمامية إثباتهم حق الشفعة في كل شي‌ء من المبيعات من عقار وضيعة ومتاع وعروض وحيوان ، كان ذلك مما يتحمل القسمة أو لا يتحملها ، ونقل ذلك عن ابن الجنيد وأبى الصلاح وابن البراج وابن إدريس.

قال في المختلف بعد نقل هذه الأقوال : والمعتمد أنها انما تثبت فيما يصح قسمته خاصة إلا المملوك ، وظاهره ما يصح قسمته منقولا كان أو غير منقول.

وقال المحقق في النافع وفي ثبوتها في الحيوان قولان : المروي أنها لا تثبت ومن فقهائنا من أثبتها في العبد دون غيره ، والواجب أولا نقل ما وصل إلينا من الاخبار المتعلقة بالمقام ثم النظر فيما يظهر منها من الأحكام.

فمن الاخبار المشار إليها ما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) عن عقبة بن خالد (1) عن أبى عبد الله عليه‌السلام «قال قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن ، وقال : لا ضرر ولا ضرار ، وقال : إذا أرفت الأرف ـ وفي الفقيه وقال الصادق عليه‌السلام : إذا أرفت ـ وحدت الحدود فلا شفعة». قال الفيومي في كتاب المصباح المنير : «الأرفة الحد الفاصل بين الأرضين ، والجمع أرف مثل غرفة وغرف» انتهى وحينئذ فالعطف في قوله وحدت الحدود تفسيري.

وما رواه في الكافي والتهذيب عن يونس (2) عن بعض رجاله عن أبى عبد الله «عليه‌السلام» وفي الفقيه عن أبى عبد الله عليه‌السلام مرسلا «قال : سألته عن الشفعة لمن هي؟ وفي أي شي‌ء هي؟ ولمن تصلح وهل تكون في الحيوان شفعة؟ وكيف هي؟ فقال : الشفعة جائزة في كل شي‌ء من حيوان أو أرض أو متاع إذا كان الشي‌ء بين شريكين لا غيرهما فباع أحدهما نصيبه فشريكه أحق به من غيره ، وان زاد على الاثنين فلا شفعة ، لأحد منهم». وزاد في الكافي وروى أيضا : أن الشفعة لا تكون إلا في الأرضين والدور فقط.

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 280 التهذيب ج 7 ص 164 الفقيه ج 3 ص 45.

(2) الكافي ج 5 ص 281 التهذيب ج 7 ص 164 الفقيه ج 3 ص 46.


وما رواه في الكافي والتهذيب عن السكوني (1) عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا شفعة في سفينة ، ولا في نهر ، ولا في طريق».

وما رواه الصدوق في الفقيه عن السكوني (2) «عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عن على عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا شفعة في سفينة ، ولا في نهر ، ولا في طريق ، ولا في رحى ، ولا في حمام».

وما رواه الشيخ في التهذيب عن سليمان بن خالد (3) في الموثق عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : «ليس في الحيوان شفعة».

وعن عبد الله بن سنان (4) بسند صحيح وآخر موثق قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : المملوك يكون بين شركاء فباع أحدهم نصيبه فقال أحدهما : أنا أحق به إله ذلك؟ قال : نعم إذا كان واحدا».

وما رواه في التهذيب في الصحيح عن الحلبي (5) «عن أبى عبد الله «عليه‌السلام» : أنه قال في المملوك يكون بين الشركاء فيبيع أحدهم نصيبه فيقول صاحبه : أنا أحق به إله ذلك؟ قال : نعم إذا كان واحدا ، قيل له في الحيوان شفعة؟ فقال : لا».

وما رواه في الفقيه عن أحمد بن محمد بن أبى نصر عن عبد الله بن سنان (6) قال : «سألته عن مملوك بين شركاء أراد أحدهم بيع نصيبه؟ قال : يبيعه ، قلت : فإنهما كانا اثنين فأراد أحدهما بيع نصيبه فلما أقدم على البيع قال له شريكه : أعطني قال : هو أحق به ، ثم قال عليه‌السلام لا شفعة في حيوان الا أن يكون الشريك فيه واحدا».

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 282.

(2) الفقيه ج 3 ص 46.

(3 ـ 4) التهذيب ج 7 ص 165.

(5) التهذيب ج 7 ص 166.

(6) الفقيه ج 3 ص 46.


وقال في كتاب الفقه الرضوي (1) «وروى أن الشفعة واجبة في كل شي‌ء من الحيوان والعقار والرقيق إذا كان بين شريكين ، فباع أحدهما فالشريك أحق به من الغريب ، وإذا كان الشركاء أكثر من اثنين فلا شفعة لواحد منهم الى أن قال وروى أنه ليس في الطريق شفعة ، ولا في النهر ، ولا في رحاء ، ولا في حمام ، ولا في ثوب ، ولا في شي‌ء مقسوم». انتهى.

هذا ما حضرني من أخبار المسألة وباختلافها كما ترى اختلف كلام الأصحاب ويدل على القول الأول من هذه الاخبار مرسلة يونس المتقدمة ، وهو ظاهر الرواية الاولى من الروايتين المنقولتين في كتاب الفقه الرضوي.

الا أن هذا العموم مما ينافيه جملة من أخبار المسألة كالمرسلة المنقولة من الكافي ، الدالة على انحصار الشفعة في الأرضين والدور ، والظاهر ان المراد منها العقار مطلقا ، وما ذكر فيها من الفردين المذكورين انما خرج مخرج التمثيل ، ونحوها مفهوم رواية عقبة بن خالد الدالة على الأرضين والمساكن ، فإنها وان لم يكن مثل الاولى صريحة ، الا ان ظاهرها ذلك والاخبار الدالة على نفى الشفعة في السفينة والنهر في الطريق.

وفي رواية السكوني وكذا رواية كتاب الفقه اضافة الرحى والحمام ، وهو فتوى الشيخ على بن بابويه كما تقدم ، والظاهر أن مستنده انما هو الكتاب المذكور كما عرفته في غير موضع ، ولا سيما في كتب العبادات.

وأما صحيحة الحلبي الدالة على نفى الشفعة في الحيوان يعنى غير الأناسي بقرينة جوازها في العبد وكذا موثقة سليمان بن خالد فيجب تقييدها بما دل عليه رواية ابن سنان من الجواز إذا كان بين شريكين ، فيخص النفي بما إذا كان أزيد وبذلك يظهر ضعف القول المذكور.

ويمكن تأييد مرسلة يونس المذكورة بما رواه في الكافي والتهذيب عن

__________________

(1) المستدرك ج 3 ص 148.


هارون بن حمزة الغنوي (1) ، عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن الشفعة في الدور أشي‌ء واجب للشريك ويعرض على الجار فهو أحق بها من غيره؟ فقال : الشفعة في البيوع إذا كان شريكا فهو أحق بها من غيره بالثمن».

وعن جميل بن دراج (2) عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «الشفعة لكل شريك لم يقاسم».

وأما القول المشهور بين أكثر المتأخرين وهو اختصاصها بغير المنقول عادة مما يقبل القسمة ، فقد استدل عليه بأن الأدلة عقلا ونقلا كتابا وسنة مما تدل على عدم جواز التسلط على مال المسلم الا بطيب نفسه منه ، والأخذ بالشفعة مناف لذلك ، خرج منه ما وقع عليه الإجماع ، وهو ما لا ينقل ، وبقي الباقي تحت المنع بالأدلة المتقدمة.

ويؤيده مرسلة الكافي المتقدمة ، وما ورد من نفى الشفعة في الجملة من المعدودات في الاخبار كالسفينة والنهر ونحوهما مما تقدم ، والحيوان في روايتي الحلبي وسليمان بن خالد ، ولا ينافي ذلك صريحا إلا مرسلة يونس ، وقد حملها بعض محققي متأخري المتأخرين على التقية.

أقول : ومثلها رواية كتاب الفقه فإنه يجب حملها على ذلك أيضا ، إلا أنك قد عرفت أن روايتي الحلبي وسليمان بن خالد مخصصان برواية عبد الله بن سنان ، فيشكل حينئذ الاستناد إليهما في ذلك ، وأما التقييد بقبول القسمة فاستدل عليه بالأخبار الدالة على نفى الشفعة في السفينة ونحوها مما ذكر في رواية السكوني وغيرها.

وأنت خبير بأنه لا دلالة فيها على ذلك ، إذ لا تعرض فيها لذكر القسمة وعدمها ، وكأنهم بنوا على أن العلة في النفي في هذه الأفراد انما هي من حيث عدم قبول هذه الأشياء القسمة.

__________________

(1 ـ 2) الكافي ج 5 ص 281 و 280 التهذيب ج 7 ص 164.


وفيه أن هذه علة مستنبطة لا يجوز العمل عليها عندنا. نعم يمكن الاستدلال عليه بما في رواية عقبة بن خالد من قوله عليه‌السلام «إذا رفت الأرف وحدت الحدود فلا شفعة». وفي معناها روايات أخر ، فإن ظاهرها أنه لا شفعة إلا فيما يقع فيه الحدود ، وتضرب له الطرف ويقع فيه السهام.

وأما القول بثبوتها في المقسوم كما ذهب اليه ابن ابى عقيل ، فيرده رواية عقبة بن خالد ، والرواية الثانية من روايتي كتاب الفقه الرضوي ، ومرسلة جميل بن دراج المتقدمة هنا ، ورواية محمد بن مسلم (1) «عن ابى جعفر عليه‌السلام قال : إذا وقعت السهام ارتفعت الشفعة». ونحوه روايات أخر أعرضنا عن ذكرها فالقول المذكور بمحل من الضعف والقصور.

وأما ما ذكره المحقق في النافع من القول بعدم ثبوتها في الحيوان.

ففيه ما عرفت من أنه وان دل على ذلك بعض الأخبار الا أن البعض الآخر دل على جوازها مع اتحاد الشريك ، فيجب تقييد ما أطلق به.

وكيف كان فالمسألة لا تخلو من الاشكال ، والقدر المعلوم جواز الشفعة فيه هو ما وقع عليه الاتفاق مما قدمنا ذكره ، وما عداه فهو محل توقف واشكال.

نعم يمكن القول بالجواز في العبد ، لدلالة جملة من الاخبار عليه ، ومنها صحيحة عبد الله بن سنان ، وصحيحة الحلبي ، ورواية عبد الله بن سنان الثانية ، وظاهر جملة من المتأخرين التوقف في المسألة ، كشيخنا الشهيد الثاني في المسالك والمحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد ، والمحدث الكاشاني ، في المفاتيح ، والفاضل الخراساني في الكفاية ، وهو في محله بالنسبة الى ما عدا ما ذكرناه والله العالم.

تنبيهات

الأول ـ إذا بيعت الأرض وما فيها من نخل أو شجر أو أبنية فالظاهر ثبوت الشفعة

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 280.


في تلك التي في الأرض تبعا لها ، بل الظاهر أنه لا اشكال فيه لدخولها في عموم النصوص الدالة على ثبوتها في الرباع والمساكن والدور ، كما تقدم في رواية عقبة بن خالد ، ومرسلة الكافي وللرواية الاولى من روايتي كتاب الفقه ، ورواية الغنوي.

أما لو بيعت منفردة نازعة عن تلك الأرض أو منضمة إلى أرض أخرى غير ما هي فيها بنى جواز الشفعة فيما على ما تقدم من القول بالعموم في كل مبيع ، فتجوز الشفعة فيها.

وعلى ما قيل : من التخصيص بالأرضين والمساكن والبساتين كما هو المتفق عليه ، فإنه لا شفعة فيها ، لأنها لا تدخل منفردة في شي‌ء من هذه المذكورات ، لان المساكن اسم للمجموع المركب من الأرض والأبنية التي فيها ، وكذا البساتين بالنسبة إلى الشجر ، وضمها الى غير أرضها غير نافع ، لعدم الصدق ، فلا تكون تابعة لها.

الثاني ـ هل يثبت الشفعة في الثمرة وان بيعت على رؤس النخل والشجر منضمة إليها قولان : مبنيان على ما تقدم من القول بالعموم في كل مبيع ، كما هو قول أكثر المتقدمين ، وجملة من المتأخرين ، فيثبت الشفعة فيها.

وما تقدم مما هو المشهور بين المتأخرين من الاختصاص بغير المنقول ، والثمرة في حكم المنقول إذ لا يراد دوامها ، وانما له أجل معين ينتظر وصوله فتقطع ، ولأنها غير داخلة في مفهوم البستان ، ونحوه ومن ثم لا يدخل في بيع الأصل بعد الظهور ، كما تقدم ، فلا يثبت الشفعة فيها ، وفي معناها الزرع الثابت.

قال الشيخ في الخلاف والمبسوط : إذا باع النخل منضما إلى الأرض وهو مثمر ، وشرط الثمرة في البيع (1) كان للشفيع أخذ ذلك أجمع.

قال العلامة في المختلف بعد نقله عنه : وقال بعض فقهائنا : ليس للشفيع

__________________

(1) معنى قوله وشرط الثمرة في البيع : أى دخولها لأنها لو شرط بعد الظهور لا تدخل من غير تقدم دخولها في مسمى النخل كما تقدم تحقيقه في موضعه ـ منه رحمه‌الله.


أخذ الثمرة ، بل يأخذ النخل والأرض بحصتهما من الثمن ، وهو المعتمد ، لنا الأصل عدم الأخذ بالشفعة ، ولأنا قد بينا أن الشفعة لا تثبت فيما ينقل ويحول ، والثمرة على رؤس النخل من هذا الباب ، فلا شفعة فيها ، ثم نقل عن الشيخ الاحتجاج بعموم الأخبار المروية في وجوب الشفعة في البيع ، وأجاب بأن العام قد يخص بدليل أقوى.

أقول : وقد عرفت الكلام في ذلك ، وأن ما نقل عن الشيخ هنا هو مقتضى ما نقل عن السيد المرتضى ومن تبعه كما تقدم ذكره ، وبالجملة فإنه هو المشهور بين المتقدمين كما عرفت.

الثالث ـ المشهور بين المتأخرين عدم ثبوت الشفعة في النهر والطريق والحمام ونحو ذلك مما تضر قسمته ، وأنه يشترط في الأخذ بالشفعة كونه مما يقبل القسمة الإجبارية ، ولو أضرت به القسمة فلا شفعة ، استنادا الى ما تقدم من رواية السكوني ، ونحوها رواية فقه الرضا عليه‌السلام قالوا : وليس المراد من الطريق فيهما والنهر والحمام ما كان واسعا فيكون المراد ما كان ضيقا.

وما رواه الشيخ عن طلحة بن زيد (1) «عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما‌السلام قال : لا شفعة إلا لشريك غير مقاسم» (2).

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 167.

(2) أقول : ونحو رواية طلحة المذكورة ـ موثقة أبي العباس وعبد الرحمن بن أبى عبد الله «قالا سمعنا أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : الشفعة لا تكون الا لشريك لم يقاسم». وأنت خبير بأن غاية ما يدل عليه الخبران المذكوران هو أن الشفعة لا يكون بعد القسمة ، يعني بالنسبة الى ما يقبل القسمة ، وفيه رد على العلامة والقائلين بجواز الشفعة ، وان كان بعد القسمة ، كما هو مذهب ابن ابى عقيل ، ولا دلالة فيه صريحا ولا ظاهرا على اشتراط قبول القسمة في جواز الشفعة ـ منه رحمه‌الله.


قال في المسالك : ولا يخفى عليك ضعف هذه الأدلة ، ومن ثم ذهب المرتضى وابن إدريس رحمهما‌الله ، الى عدم اشتراطه ، لعموم الأدلة الدالة على ثبوتها من غير تخصيص ، ولأن المقتضي لثبوت الشفعة وهو ازالة الضرر عن الشريك قائم في غير المقسوم بل أقوى ، لأن المقسوم يمكن التخلص من ضرر الشريك بالقسمة ، بخلاف غيره انتهى.

واقتفاه في ذلك المحدث الكاشاني في المفاتيح ، وهو جيد لما عرفت آنفا ، فان هذين الخبرين لإجمالهما مضافا الى ضعفهما لا يبلغان قوة في تخصيص ما دل على العموم صريحا ، ثم انه بناء على القول المذكور فهل المراد من الضرر الرافع للإجبار عن القسمة هو المبطل لمنفعة المال بالكلية ـ بمعنى أنه متى قسم خرج عن حد الانتفاع به لضيقه أو لقلة النصيب ، أو لأن أجزاءه غير منتفع بها كالأمثلة المذكورة إذا كانت بالغة في الصغر هذا الحد ، فلو بقي للسهم بعد القسمة نفع ما ، يثبت الشفعة ـ أو أن المراد بالضرر هو أن ينقص قيمة المقسوم بسبب القسمة نقصا فاحشا ـ أو أن المراد أن يبطل منفعته المقصودة قبل القسمة ، وان بقيت فيه منافع ، كالحمام والرحى إذا خرجا بالقسمة عن صلاحية الانتفاع بهما في الغسل والطحن على الوجه الأول؟ احتمالات ، سيأتي تحقيق الكلام فيها إنشاء الله تعالى في محله اللائق به ثم أنه يأتي على المعنى الأول من هذه الثلاثة المذكورة أنه لو كان الحمام أو الطريق أو النهر واسعا لا تبطل منفعته بالقسمة أجبر الممتنع من القسمة ، وتثبت الشفعة.

المقصد الثاني في الشروط

وهي أمور الأول ـ الشركة ، على الأشهر الأظهر ، فلو كان مقسوما فلا شفعة ، خلافا لابن أبى عقيل كما تقدم نقله عنه ، وقد تقدمت جملة من الروايات الدالة على ذلك ، ولا تثبت بالجواز عندنا.

نعم قد اتفق النص والفتوى عن استثناء صورة واحدة ، وهي ما إذا كانت دار فيها دور مقسومة لكل طرف مالك على حده ، وطريق الجميع واحدة ، فباع أحد


المالكين منزله وما يخصه من الطريق ، فإن الشفعة حينئذ تثبت في مجموع المبيع وان كان بعضه غير مشترك ، فلو انفردت الدار بالبيع ، دون الطريق فلا شفعة ، ولو بيعت الطريق خاصة تثبت الشفعة إذا كانت الطريق واسعة ، بناء على اشتراط قبول القسمة.

والذي وقفت عليه مما يتعلق بهذا الحكم من الاخبار ما رواه الكليني عن منصور بن حازم (1) في الحسن قال : «قال : قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : دار بين قوم اقتسموها فأخذ كل واحد منهم قطعة ، فبناها وتركوا بينهم ساحة فيها ممرهم ، فجاء رجل فاشترى نصيب بعضهم إله ذلك؟ قال : نعم ولكن يسد بابه ، ويفتح بابا الى الطريق ، أو ينزل من فوق البيت ويسد بابه ، فإن أراد صاحب الطريق بيعه ، فإنهم أحق به ، والا فهو طريقه يجي‌ء حتى يجلس على ذلك الباب».

وعد هذه الرواية في الصحيح جملة من الأصحاب أولهم العلامة في التذكرة وتبعه جمع ممن تأخر عنه منهم شيخنا الشهيد الثاني في المسالك.

وفيه أن في سندها الكاهلي وهو غير موثق. نعم هو ممدوح ، فحديثه في الحسن ، لا الصحيح ، ورواه الشيخ عن منصور في الموثق مثله ، الا أنه قال : «أو ينزل من فوق البيت ، فإن أراد شريكهم أن يبيع منقل قدميه فإنهم أحق به ، وان أراد يجي‌ء حتى يقعد على الباب المسدود الذي باعه لم يكن لهم أن يمنعوه».

وما رواه في الكافي عن منصور بن حازم (2) في الصحيح أو الحسن بإبراهيم بن هاشم قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن دار فيها دور وطريقهم واحد في عرصة الدار ، فباع بعضهم منزله من رجل هل لشركائه في الطريق أن يأخذوا بالشفعة؟ فقال : ان كان باع الدار وحول بابها الى طريق غير ذلك فلا شفعة لهم ، وان باع الطريق مع الدار فلهم الشفعة». ورواه الشيخ مثله.

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 281 التهذيب ج 7 ص 167.

(2) الكافي ج 5 ص 280 التهذيب ج 7 ص 165.


وأنت خبير بأن الرواية الاولى لا دلالة لها على محل البحث ، لأنها انما تضمنت التفصيل بين بيع الدار دون حصة من الساحة ـ وهي الطريق ، وقد حكم عليه‌السلام بأن المشتري يسد بابه الشارع إلى المساحة ويفتح له بابا الى الطريق ، أو ينزل من فوق البيت لعدم استحقاقه المرور من تلك الساحة ، حيث أنها غير داخلة في البيع ، ولا شفعة هنا لعدم الشركة ـ وبين بيع حصته من الساحة خاصة التي هي الممر ، وللشركاء حينئذ الشفعة من حيث الشركة ـ فيها ، دون الدار ، لانه لم يبعها معها فلا شفعة فيها ، وان لم يبع حصته من تلك الطريق بعد بيعه الدار فله المجي‌ء والسلوك فيها الى أن ينتهي الى ذلك الباب المسدود ، ولا تعرض في الرواية لبيع الدار مع الطريق ، كما هو موضوع المسألة.

واما الثانية ـ فهي صريحة في ذلك حيث قال : «وان باع الطريق مع الدار فلهم الشفعة» وقد عد العلامة في التذكرة وغيره الرواية الأولى دليلا للمسألة المذكورة.

ويمكن أن يكون منشأ توهمهم ذلك حمل قوله فيها برواية الكافي «فإن أراد صاحب الطريق بيعه» على معنى بيع الطريق مع الدار ، وهو غلط ، فإن العبارة ظاهرة بل صريحة في كون البيع ، انما وقع على الطريق خاصة. وأصرح منها قوله في رواية الشيخ «وان أراد شريكهم أن يبيع منقل قدميه فهم أحق به» ويؤيده أيضا قوله بعد هذه العبارة «والا فهو طريقه» كما في الكافي وقوله «وان أراد يجي‌ء» الى آخره كما في رواية التهذيب ، فإنه ظاهر في انه قد باع الدار أولا.

وهذا الكلام في الطريق خاصة بعد بيعه الدار ، وأنه ان باع حصته منها فللشريك فيها الشفعة ، والا فالطريق له يجي‌ء ويمضى منه الى أن ينتهي الى باب الدار المسدود ، هذا ظاهر الخبرين كما هو رأى العين.

وقال في كتاب الفقه الرضوي (1) «فإذا كانت دار فيها دور وطريق أبوابها في عرصة واحدة ، فباع رجل داره منها من رجل كان لصاحب الدار الأخرى شفعة ،

__________________

(1) المستدرك ج 3 ص 147.


إذا لم يتهيأ له أن يحول باب الدار التي اشتراها الى موضع آخر ، فان حول بابها فلا شفعة لأحد عليه». انتهى.

والظاهر أن قوله : «إذا لم يتهيأ له أن يحول» الى آخره كناية عن دخول الطريق في البيع وعدمه ، بمعنى أنه ان باع الدار وحدها من غير دخول الطريق معها ، فلا شفعة لما عرفت من عدم موجب الشفعة ، وان أدخل الطريق في البيع لعدم إمكان طريق له غير ذلك فله الشفعة في الجميع.

وينبغي التنبيه على أمور الأول لا يخفى أن مورد الخبرين المذكورين انما هو الطريق كما عرفت ، والأصحاب قد أضافوا إليها الشرب ، وهو النهر الذي يجري فيه الماء إلى الأرض المقسومة ، بمعنى أن الأرض مقسومة ، والنهر مشترك ، فلو باع أحد الشريكين حصته من الأرض مع حصته من النهر ، فللشريك الأخر الشفعة ولا يخفى ما فيه ، فان الحكم على خلاف أصولهم المقررة ، والروايات المعتبرة من عدم جواز الشفعة في المقسوم مؤيدا بأصالة عدم التسلط على مال الغير ، فالواجب الوقوف فيما خالف ذلك على مورد النص ، كما قرروه في غير مقام.

الثاني ـ إطلاق الرواية الاولى من الروايتين المذكورتين يدل على جواز الشفعة في الطريق ، متى بيعت وحدها ، سواء كانت قابلة للقسمة أم لا ، والمشهور بين المتأخرين اعتبار قبولها ذلك ، أما في صورة بيعها مع الدار كما هو موضوع المسألة فالظاهر من كلامهم عدم اشتراط ذلك ، نظرا الى أن الطريق تابعة ، والمبيع حقيقة انما هو الدار ، فيكفي قبولها للقسمة.

الثالث ـ هل يشترط في جواز الشفعة في هذه المسألة كون الدور مقسومة بعد الشركة أو لا؟ أو يكفي كونها منفردة من أصلها ، وكل منها على حدة من غير تقدم شركة وان اشتركت في الطريق؟ فعلى هذا يجوز الشفعة فيها أعم من أن يكون مشتركة في الأصل ، أم لا؟ قولان : وبالثاني صرح العلامة في التذكرة ، وهو اختياره في المسالك.

وعليه تدل ظاهر الرواية الثانية ، حيث أن السؤال فيها عن دار فيها دور ، وهو أعم


من كونها مقسومة بعد الاشتراك أم لا ، وبالأول صرح المحقق في الشرائع ، وغيره في غيره.

قال في المسالك بعد نقله الثاني عن التذكرة : وهو الظاهر ، لان هذا مستثنى من اعتبار الشركة ، ويكتفى فيه بالشركة في الطريق ، ولان زوال الشركة بالقسمة قبل البيع يلحقها بالجواز ، فلا وجه لاعتبارها.

ويظهر من عبارة المصنف وجماعة ـ حيث فرضوا الحكم في الأرض المقسومة مع الاشتراك في الطريق ـ اعتبار الشركة في الأصل ، واحتج له بأن ضم غير المشفوع الى المشفوع لا يوجب ثبوت الشفعة في غير المشفوع اتفاقا ، والمبيع الذي لا شركة فيه في الحال ولا في الأصل ، ليس من متعلقات الشفعة ، إذ لو بيع وحده لم يثبت فيه شفعة بحال ، وإثباتها لا يكون الا بمحض الجوار ، وإذا ضم الى المشترك وجب أن يكون الحكم كذلك ، ولعموم قوله عليه‌السلام «لا شفعة إلا لشريك مقاسم».

ولا شريك هنا لا في الحال ، ولا في الأصل ، ولرواية أبي العباس (1) «الشفعة لا تكون الا لشريك». وغير ذلك مما في معناه. ولا يخفى عليك ضعف هذا الاحتجاج ، لان هذه الصورة مستثناة من اشتراط الشركة بالنص والإجماع ، فلا يقدح فيها ما دل على اشتراط الشركة ، ولا على نفى الشفعة بضميمة غير المشفوع اليه ، من أن المقسوم خرج عن تعلق الشفعة عندهم ، فضميمته كضميمة غيره لولا الطريق المشتركة ، ولان مدلول هذه الروايات اعتبار الشركة بالفعل ، وهو منتف مع القسمة ، ولو أريد منها ما يعم السابقة لزم ثبوتها في المقسوم ، وان لم يكن له شركة في الطريق.

وأما معارضة رواية منصور الصحيحة والحسنة بتلك الأخبار ـ الدالة على اعتبار الشركة ، وترجيح تلك بالكثرة ، وموافقتها للأصل ـ فعجيب ، لان مدلولها على تقدير قطع النظر عن سندها اعتبار الشركة بالفعل كما ذكرناه ، وروايات منصور دلت على الاكتفاء بالشركة في الطريق ، فهي خاصة ، وتلك عامة ، فيجمع

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 165.


بينهما بتخصيص العام بما عدا ذلك انتهى.

وهو جيد وجيه ، الا أن في اعتضاده بروايات منصور ما عرفته آنفا من أن ذلك انما هو مدلول إحديهما دون الأخرى.

الرابع ـ ظاهر روايتي منصور المتقدمتين مع اعتبار إسناديهما كما عرفت جواز الشفعة مع تعدد الشركاء ، وهو خلاف فتوى جمهور الأصحاب ، وخلاف ما دل عليه غيرهما من الاخبار ، الا أن ظاهر كلامه عليه‌السلام في كتاب الفقه كون الشريك متحدا ، وسيجي‌ء الكلام في هذه المسألة إنشاء الله تعالى في المقام ،

الخامس ـ قالوا : لو باع عرصة مقسومة وشقصا من أخرى ، فالشفعة في صفقة الشقص خاصة بحصته من الثمن ، والوجه فيه ظاهر ، لان المقسوم لا شفعة فيه كما تقدم ، وليس هذا من قبيل الصورة المتقدمة المستثناة من هذه القاعدة ، وأما الشقص فالعلة الموجبة للشفعة موجودة فيه ، وهي الشركة ، فيعطى كل واحد حكمه ، ولا يقدح في ذلك كونه بيعا واحدا لصدق البيع على كل واحد بانفراده أيضا.

ومن هذا الباب لو باع البستان بثمره والأرض بزرعها ، بناء على ما هو المشهور بين المتأخرين من عدم الشفعة في الثمرة والزرع ، لكونهما مما ينقل ، والشفعة مخصوصة بما لا ينقل عندهم كما تقدم ذكره.

فعلى هذا تثبت الشفعة في غير الثمرة والزرع بحصته من الثمن ، بأن ينسب قيمة المشفوع فيه منفردا إلى قيمة المجموع ، فحصته من الثمن بتلك النسبة ، فإذا قيل : قيمة المجموع مأة ، وقيمة ما عدا الثمرة والزرع ثمانون ، أخذ الشفيع المشفوع بأربعة أخماس الثمن كائنا ما كان.

الثاني من الشرائط المتقدم ذكرها ـ انتقال الشقص بالبيع خاصة ، فلو جعله صداقا أو صدقة أو هبة أو صالح عليه فلا شفعة على الأشهر الأظهر ، بل كاد يكون إجماعا ، وخالف فيه ابن الجنيد ، فأثبت الشفعة في مجرد النقل حتى الهبة بعوض وغيرها.

قال على ما نقله عنه في المختلف : إذا زال ملك الشريك عنه بهبة منه بعوض شرط يعوضه إياه ، أو غير عوض كانت للشفيع شفعة فيه ، فان حبس ملكه أو أسكنه لم يكن للشفيع


شفعة ، ثم نقل عنه أنه احتج بأن الحكمة الباعثة لإيجاب الشفعة في صورة البيع موجودة في غيره من عقود المعاوضات ، ولا اعتبار بخصوصيات العقود في ذلك في نظر الشارع ، فاما أن يثبت الحكم في الجميع ، أو ينتفي عن الجميع ، فإثباته في البعض دون البعض ترجيح من غير مرجح.

ثم أجاب عنه بأن الحكمة لا يجوز التعليل بها ، لعدم انضباطها فلا بد من ضابط ، ولما رأينا صور ثبوت الشفعة موجود فيها مطلق البيع ، جعلناه ضابطا للمناسبة والاقتران ، على أن القياس عندنا باطل انتهى.

وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك الميل الى ما ذهب اليه ابن الجنيد هنا ، حيث قال بعد ذكر المصنف الحكم المذكور : هذا هو المشهور بين الأصحاب ، بل كاد يكون إجماعا ، وليس عليه دليل صريح ، وانما تضمنت الروايات ذكر البيع ، وهو لا ينافي ثبوتها بغيره.

ومن ثم خالف ابن الجنيد ، فأثبتها لمطلق النقل ، حتى بالهبة بعوض وغيره لما أشرنا إليه من عدم دليل يقتضي التخصيص ، واشتراك الجميع في الحكمة الباعثة على إثبات الشفعة ، وهو دفع الضرر عن الشريك ، ولو خصها بعقود المعاوضات كما تقوله العامة كان أبعد ، لأن أخذ الشفيع للموهوب بغير عوض بعيد ، وبه خارج عن مقتضى الأخذ انتهى.

أقول : لا يخفى أن مقتضى الدليل العقلي والنقلي كتابا وسنة والإجماع هو عدم جواز التصرف في مال الغير إلا بإذن منه ، والشفعة قد خرجت على خلاف مقتضى هذه الأدلة المتفق عليها وعلى قوتها والاعتماد عليها ، وحينئذ فلا بد في كل فرد ادعى فيه جواز الشفعة من دليل واضح من الكتاب أو السنة أو الإجماع الذي يعتمدونه ، ليمكن الخروج به عما اقتضته هذه الأدلة المذكورة.

وغاية ما وجد في الاخبار بالنسبة الى هذه المسألة هو جواز الشفعة بالانتقال بالبيع خاصة ، ومدعى الجواز في الانتقال بغيره عليه الدليل ، ليخرج عن عموم تلك الأدلة القاطعة المانعة من جواز التصرف في مال الغير إلا باذنه ،


وبذلك يظهر لك في ما كلام شيخنا المذكور من القصور ، حيث أنه أنما مال الى مذهب ابن الجنيد ، لعدم الدليل على التخصيص بالبيع ، ومجرد ورود الروايات بالبيع لا يقتضي التخصيص به ، وغفل عن أن الشفعة إنما خرجت على خلاف الأصول المقررة ، والقواعد المعتبرة كتابا وسنة وإجماعا ، فيجب الاقتصار في ثبوتها على موارد الأدلة كما قرروه في غير مقام.

والتمويه هنا بهذه الحكمة التي يدعونها لم نقف عليه في خبر من الاخبار ، وانما استنبطوها من أخبار الشفعة الواردة في البيوع ، وعلى تقدير حكم الشارع بالشفعة في البيع لدفع الضرر عن الشريك ، فالتعدية الى غير البيع قياس محض ، لان هذه العلة مخصوصة بصورة البيع ، وحمل غيره عليه قياس محض ، إذ يمكن أن يكون للبيع خصوصية في ذلك لا نعلمها ، فكيف يمكن التعدية بمجرد ذلك.

وبالجملة فإن التمسك بذلك في مقابلة ما ذكرنا من الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة مجازفة محضة هذا.

وأما الاخبار الدالة على ما هو المشهور والمؤيد المنصور فمنها ما رواه الشيخ في التهذيب عن أبى بصير (1) عن أبى جعفر عليه‌السلام «قال سألته عن رجل تزوج امرأة على بيت في دار له ، وله في تلك الدار شركاء قال : جائز له ولها ، ولا شفعة لأحد من الشركاء عليها».

ووصف هذه الرواية في المسالك بالصحة ، مع أن أبا بصير فيها مشترك ، ولا قرينة تعين كونه المرادي الثقة ، ومن قاعدتهم عدها في الضعيف ، وهي واضحة في رفع ما ادعوه من الحكمة الموجبة للعموم في جميع الانتقالات ، ومنها

رواية الغنوي المتقدمة في المقصد الأول (2) وقوله فيها «الشفعة في البيوع إذا كان شريكا فيها فهو أحق بها من غيره بالثمن».

ومنها مرسلة يونس المتقدمة ثمة أيضا وفيها «الشفعة جائزة في كل شي‌ء من

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 167.

(2) ص 289.


حيوان أو أرض أو متاع إذا كان الشي‌ء بين شريكين لا غير ، فباع أحدهما نصيبه» الحديث.

ومنها روايتا منصور بن حازم المتقدمتان في الشرط الأول من هذا المقصد (1) فان موردهما البيع ، الى غير ذلك من الاخبار.

الثالث من الشروط المعتبرة في الشفعة : أن لا يكون الشريك أكثر من واحد على المشهور ، واليه ذهب الشيخان والمرتضى وأتباعهم ، حتى ادعى ابن إدريس عليه الإجماع ، ونقل في المختلف عن الشيخين ، وعلى بن بابويه ، والسيد المرتضى وسلار ، وأبى الصلاح ، وابن البراج ، وابن حمزة ، والطبرسي ، وابن زهرة ، وقطب الدين الكيدري ، وابن إدريس ، ونقله في المختلف أيضا عن والده.

والصدوق في المقنع وافق المشهور ، ونسب ثبوتها مع الكثرة إلى الرواية وفي الفقيه ذهب الى ثبوتها مع الكثرة في غير الحيوان ، فإنه روى فيه رواية طلحة بن زيد (2) الدالة على ثبوت الشفعة على عدد الرجال ، ثم قال بعد نقل روايات في البين (3) : «وسئل الصادق عليه‌السلام عن الشفعة لمن هي وفي أي شي‌ء هي؟ وهل تكون في الحيوان شفعة؟ قال : الشفعة واجبة في كل شي‌ء من حيوان أو أرض أو متاع إذا كان الشي‌ء بين شريكين لا غيرهما فباع أحدهما نصيبه ، فشريكه أحق به من غيره ، فإذا زاد على الاثنين فلا شفعة لأحد منهم».

ثم قال : قال المصنف هذا الكتاب : يعنى بذلك الشفعة في الحيوان وحده فاما في غير الحيوان فالشفعة واجبة للشركاء ، وان كان أكثر من اثنين ، وتصديق ذلك ما رواه أحمد بن محمد بن ابى نصر عن عبد الله بن سنان (4) قال : «سألته عن مملوك». ثم ساقه كما سنذكره هنا إنشاء الله تعالى.

وذهب ابن الجنيد الى ثبوتها مع الكثرة مطلقا ، وقواه العلامة في المختلف بعد ذهابه الى المشهور ، وخطأ ابن إدريس في دعواه الإجماع ، ونقل المحقق

__________________

(1) ص 294.

(2 ـ 3 ـ 4) الفقيه ج 3 ص 45.


قولا بثبوتها مع الكثرة في غير العبد.

أقول : والأصل في هذا الخلاف اختلاف الاخبار في هذه المسألة فمما يدل على القول المشهور ما رواه في الكافي والتهذيب عن عبد الله بن سنان (1) عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : «لا تكون الشفعة إلا لشريكين ما لم يتقاسما ، وإذا صاروا ثلاثة فليس لواحد منهم شفعة».

وعد هذه الرواية في المسالك صحيحة ، مع أن في سندها محمد بن عيسى عن يونس ، وهو يعد هذا السند دائما في الضعيف ، فوصفه هنا بالصحة غفلة منه (قدس‌سره).

ومنها مرسلة يونس (2) المتقدمة وهي التي ذكرها الصدوق هنا مرسلة عنه عليه‌السلام «وفيها والشفعة جائزة في كل شي‌ء من حيوان أو أرض أو متاع إذا كان الشي‌ء بين شريكين لا غير ، فباع أحدهما نصيبه فشريكه أحق به من غيره ، فإذا زاد على الاثنين فلا شفعة لهم».

وما رواه في التهذيب عن عبد الله بن سنان (3) في الموثق قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : المملوك يكون بين شركاء فباع أحدهم نصيبه ، فقال أحدهما : أنا أحق به إله ذلك؟ قال : نعم إذا كان واحدا».

ومنها ما رواه في الفقيه في الصحيح عن البزنطي عن عبد الله بن سنان (4) قال : «سألته عن مملوك بين شركاء أراد أحدهم بيع نصيبه قال : يبيعه ، قلت : فإنهما كانا اثنين فأراد أحدهما بيع نصيبه فلما أقدم على البيع قال له شريكه : أعطني قال : أحق به ، ثم قال عليه‌السلام : لا شفعة في حيوان الا أن يكون الشريك فيه واحدا».

__________________

(1 ـ 2) الكافي ج 5 ص 281 التهذيب ج 7 ص 164 واخرج الأخير الفقيه ج 3 ص 46.

(3) التهذيب ج 7 ص 166.

(4) الفقيه ج 3 ص 46.


وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح والحسن أو الصحيح عن الحلبي (1) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) «أنه قال في المملوك يكون بين الشركاء فيبيع أحدهم نصيبه فيقول صاحبه : أنا أحق به إله ذلك ، قال : نعم إذا كان واحدا ، قيل له : في الحيوان شفعة؟ قال : لا».

وفي كتاب الفقه الرضوي (2) قال (عليه‌السلام): «وروى أن الشفعة واجبة في كل شي‌ء من الحيوان أو العقار والرقيق إذا كان الشي‌ء بين شريكين فباع أحدهما فالشريك أحق به من الغريب ، وإذا كان الشركاء أكثر من اثنين فلا شفعة لواحد منهم».

وأما ما يدل على الشفعة مع الكثرة فمنه ما رواه في التهذيب والفقيه عن السكوني (3) «عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم‌السلام) عن على (عليه‌السلام) قال : الشفعة على عدد الرجال».

وما رواه في الفقيه عن طلحة بن زيد (4) «عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهم‌السلام قال : قال على (عليه‌السلام) : الشفعة على عدد الرجال».

هذا ما حضرني من روايات هذا الحكم ، والشيخ قد حمل الروايتين الأخيرتين على التقية ، قال ، لموافقتهما بعض العامة وهو جيد ، ويؤيده أن رواتهما من رجال العامة ، وأنت خبير بأنه مع قطع النظر عن ذلك ، فان هاتين الروايتين لا يبلغ قوة في معارضة الأخبار المتقدمة ، ومن قواعدهم أنهم لا يجمعون بين الاخبار الا مع المعارضة ، والا فإنهم يطرحون المرجوح منها.

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 210 التهذيب ج 7 ص 166 الصحيح في رواية التهذيب والحسن أو الصحيح في رواية الكافي باعتبار إبراهيم ابن هاشم ـ منه رحمه‌الله.

(2) المستدرك ج 3 ص 148.

(3) التهذيب ج 7 ص 166 الفقيه ج 3 ص 45.

(4) الفقيه ج 3 ص 45.


وأما جمع الصدوق في الفقيه بينها بحمل الأخبار الدالة على التخصيص بالاثنين على الحيوان خاصة ، وجواز الشفعة مع الكثرة في غيره.

فيرده تصريح جملة من الاخبار الدالة على اشتراط كونها اثنين في غير الحيوان ، مثل مرسلة يونس ، ورواية كتاب الفقه الرضوي ، وهو معتمد عليه عنده ، وقد أكثر الإفتاء بعبائره في كتابه كما قدمنا ذكره ، سيما في كتب العبادات.

وأما قوله في ما تقدم نقله عنه بعد إيراد مضمون مرسلة يونس : يعنى بذلك الشفعة في الحيوان وحده» فهو عجيب من مثله (قدس‌سره) فان سياق كلامه عليه‌السلام أن الشفعة واجبة في كل شي‌ء من حيوان أو أرض أو متاع بشرط أن يكون ذلك الشي‌ء بين اثنين لا أزيد ، فأي مجال هنا للتخصيص بالحيوان كما زعمه ، على أن المتبادر من الحيوان في هذه الروايات انما هو الحيوان الغير الأناسي ، كما هو صريح صحيحة الحلبي ، حيث صرح فيها باشتراط الاثنينية في المملوك ، وأنه لا يجوز الشفعة فيه الا بذلك ، ثم نفى الشفعة عن الحيوان ، وحينئذ فيكون الروايات الدالة على اشتراط الاثنينية في العبد مخالفة لما ذكره.

وبالجملة فالأظهر عندي هو القول المشهور ، وحمل خبري السكوني وطلحة بن زيد على التقية. نعم ربما أوهم الدلالة على هذا القول روايتا منصور بن حازم المتقدمتان ، مع اعتبار إسناديهما كما أشرنا إليه آنفا.

ومثلهما رواية عقبة بن خالد (1) عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : «قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بالشفعة بين الشركاء». وتوجيه الاستدلال بهذه الأخبار بأنها وردت بلفظ الجمع في الشركاء ، وأقله ثلاثة ، وكذا لفظ القوم في إحدى روايتي منصور بن حازم وأجاب الشهيد في الدروس عن روايتي منصور بالحمل على التقية ، قال : لموافقتهما لمذهب العامة ، وهو جيد.

ويمكن الجواب أيضا بحمل الجمع على الاثنين ، فإنه وان كان مجازا على

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 280.


المشهور بين الأصوليين ، الا أنه لا بأس به في مقام الجمع بين الاخبار ، واليه يميل كلام المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد ، ونقله أيضا عن الاستبصار ، قال : فإنه يصح إطلاق الجمع على الاثنين بل على الواحد ، كالقوم ، وان كان مجازا ، لجمع بين الأدلة ، ثم ذكر الحمل على التقية أيضا.

أقول : ويؤيده ما قدمنا نقله عن كتاب الفقه الرضوي ، حيث أن ظاهر عبارته كون الشريك في هذه الصورة المفروضة في هذا الخبرين واحدا ، كما قدمنا الإشارة إليه.

ثم أقول : لا يخفى أن ما قدمناه في سابق هذا الشرط من التحقيق ، وأن الأصل ـ بمقتضى الأدلة العقلية والنقلية كتابا وسنة والإجماع ـ هو عدم جواز الشفعة التي هي عبارة عن التصرف في مال الغير بغير اذنه ، فيتوقف الخروج عن هذا الأصل الأصيل على دليل واضح صريح صحيح في جواز الشفعة ، والذي دلت عليه الاخبار المعتمدة بصريحها هو التخصيص بصورة ما إذا كانا اثنين خاصة.

وما دل على أكثر ، لتطرق الاحتمال اليه بالحمل على التقية التي هي في اختلاف الأحكام الشرعية أصل كل بلية ، واحتمال الحمل على التجوز الذي هو باب واسع في الآيات والروايات ، وكلام البلغاء لا يمكن الخروج به عن ذلك الأصل المشار اليه.

وما ادعاه في المسالك ـ من أن روايات هذا القول أكثر وأوضح دلالة وأن رواية منصور أصح طريقا ـ ففيه أنه لم يورد من روايات القول المشهور إلا رواية عبد الله بن سنان ـ التي قدمنا النقل عنه أنه وصفها بالصحة ـ ومرسلة يونس ، والحال كما عرفت أن دليل القول المشهور هو جملة الروايات التي قدمناها ، وهي أكثر عدوا وأصرح دلالة ، وفيها جملة من الصحاح ، وما ذكره من صحة صحيحة منصور مسلم ، لكنها غير صريحة ، لما عرفت من تطرق الاحتمالات إليها ، بخلاف تلك الروايات.

وكيف كان فإنه ينبغي أن يستثني المملوك من محل الخلاف ، لما تضمنه


جملة من الاخبار الصحيحة الصريحة في اشتراط وحدة الشريك في صحة الشفعة فيه ، ويجعل محل الخلاف فيما عداه ، وبه يظهر قوة القول الذي نقله المحقق كما قدمنا ذكره في جملة أقوال المسألة : والله العالم.

تنبيه : قال في المسالك ـ بعد تمام البحث في المسألة المذكورة ـ : إذا عرفت ذلك فقد اختلف القائلون بثبوتها مع الكثرة ، هل هي على عدد الرؤوس ، أو على قدر السهام ، صرح الصدوق بالأول ، ونقله الشيخ عنهم مطلقا ، وقال ابن الجنيد : الشفعة على قدر السهام من الشركة ، ولو حكم بها على عدد الشفعاء جاز ، ويدل على الأول رواية طلحة بن زيد «أن عليا (عليه‌السلام) قال : الشفعة تثبت على عدد الرجال».

أقول : ومثلها رواية السكوني أيضا كما تقدم ، وبه يظهر رجحان هذا القول على تقدير العمل بروايات الكثرة ، إلا أنك قد عرفت حمل الخبرين المذكورين على التقية ، والكلام في هذا الفرع لا محصل له على ما اخترناه.

الرابع ـ ما ذكره جملة من المتأخرين كالعلامة في الإرشاد من أن من شروط الشفعة أن يكون مما يمكن قسمته ، ونقل عنه في التذكرة أن هذا شرط عند أكثر علمائنا.

أقول : قد عرفت في صدر المقصد الأول الخلاف في هذا المقام ، وأن المشهور بين المتقدمين وجملة من المتأخرين هو ثبوتها في كل مبيع منقول أو غيره قابل للقسمة أم لا ، فلعل ما نقل عن التذكرة من نسبة هذا القول الى أكثر علمائنا يعنى المعاصرين له ، والا فإن ابن إدريس ومن تقدم كما تقدم ذكره انما هم على خلاف ذلك ، وشهرة هذا القول بين المتأخرين كما تقدم نقله عنهم انما وقع بعد العلامة.

وبالجملة فإن نسبته الى أكثر علمائنا لا يخلو من الاشكال لما عرفت ، وتحقيق الكلام في هذا الشرط قد تقدم في المقصد الأول (1).

__________________

(1) ص 299.


المقصد الثالث في الشفيع

قالوا : وهو كل شريك بحصة مشاعة قادر على الثمن ، ويشترط فيه الإسلام إذا كان المشترى مسلما.

أقول. وتفصيل هذه الجملة يقع في مواضع الأول ـ قد عرفت في الشرط الأول من المقصد الثاني أن من شروط الشفعة الشركة بحصة مشاعة ، فلا شفعة فيما قسم ، ولا في الجوار الا فيما تقدم من صورة الاشتراك في الطريق ، كما تقدم تحقيقه.

الثاني ـ قالوا : المراد بالقادر على الثمن ما يشمل القدرة بالفعل أو القوة ، ليدخل فيه الفقير القادر على دفعه ولو بالاقتراض ، واستشكلوا في المماطل والهارب ، لصدق القدرة عليهما بالفعل ، فضلا عن القوة ، فتصح الشفعة بناء على ذلك الحكم ، الا ان اللازم من ذلك الضرر على المشترى ، والظاهر كما استظهره المحقق الأردبيلي عدم صدقه عليهما ، لأنهما في قوة العاجز عن الثمن بل أقبح ، ومن هنا قالوا : لو ماطل القادر على الأداء بطلت الشفعة ، قالوا : ولو ادعى غيبة الثمن فان ذكر أنه ببلده ، أخر ثلاثة أيام من وقت حضوره للأخذ ، وان ذكر أنه ببلد آخر أجل بمقدار ذهابه اليه وأخذه وعوده وثلاثة أيام.

والذي وقفت عليه من الاخبار هنا ما رواه الشيخ في التهذيب عن على بن مهزيار (1) في الحسن قال : «سألت أبا جعفر الثاني عليه‌السلام عن رجل طلب شفعة أرض فذهب على أن يحضر المال فلم ينض ، فكيف يصنع صاحب الأرض ان أراد بيعها أيبيعها أو ينتظر مجي‌ء شريكه صاحب الشفعة؟ قال : ان كان معه في المصر فلينتظر به ثلاثة أيام ، فإن أتاه بالمال والا فليبع وبطلت شفعته في الأرض ، وان طلب الأجل لي أن يحمل المال من بلد الى بلد آخر فلينتظر به مقدار ما يسافر الرجل الى تلك البلدة وينصرف ، وزيادة ثلاثة أيام إذا قدم ، فان وافاه وإلا فلا شفعة له».

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 167.


وأنت خبير بأن مورد الرواية المذكورة انما هو الشفعة قبل البيع ، وأن الذي ينتظر الشريك الذي يريد أن يبيع لا المشترى ، والأصحاب قد استدلوا بها على الشفعة بعده ، ولعلهم قاسوا حال المشترى على البائع ، وهو مشكل ،

وأيضا فظاهر الخبر الجواز ، أعم من أن يكون في ذلك ضرر أم لا ، وهم قد قيدوا الجواز بعدم الضرر ، وكأنهم قيدوا الخبر بذلك ، لأنه منفي بالعقل والنقل وحينئذ فلو كان البلد بعيدا جدا ويتضرر بالتأخير فلا شفعة ، وما ذكره المحقق الأردبيلي (قدس‌سره) من المناقشة هنا الظاهر ضعفه (1).

الثالث لا خلاف بين الأصحاب كما نقله في المختلف في الثمن إذا كان من ذوات الأمثال تثبت الشفعة ، إنما الخلاف فيما إذا كان من ذوات القيم ، فذهب الشيخ في الخلاف الى بطلان الشفعة ، ونقله في المبسوط عن بعض أصحابنا ، وهو منقول أيضا عن الطبرسي وابن حمزة ، واختاره العلامة في المختلف (2).

__________________

(1) حيث قال : وظاهر الرواية غير مقيد بعدم الضرر فكأنهم قيدوا بعدم الضرر ، لأنه منفي بالعقل والنقل ، لكنه غير ظاهر ، لأنا نجد وقوعه في الشرع كثيرا فليس له ضابط واضح خصوصا مع وجود النص. انتهى ، وفيه أن ما ادعاه عن وقوعه في الشرع كثيرا في محل المنع ، ومع تسليمه فيجب الاقتصار به على موضعه ، ويخص به الدليل العقلي والنقلي الدال على عدم جوازه. وما أطلق من هذه الرواية ونحوها يجب تخصيصها بالأدلة المذكورة كما هو مقتضى القواعد المقررة ، وبالجملة ، فإن مناقشته بمحل من الضعف والنظر ـ منه رحمه‌الله.

(2) أقول : ويؤيد القول بالبطلان أن الشفعة انما يكون بمثل الثمن ، والثمن هنا ليس من ذوات الأمثال ، والقائلون بالجواز انما يوجبون القيمة وقت العقد ، وهي ليست مثل الثمن والمثمن ، ويشير الى ذلك أيضا رواية الغنوي المتقدمة في المقصد الأول ، وقوله فيها فهو أحق بها من غيره بالثمن ، وهو انما يتحقق بالمثل ، لان الحمل على الثمن الحقيقي متعذر فيصار حينئذ إلى أقرب المجازات وهو المثل والمحقق في النافع بعد أن اختار جواز الشفعة نسب القول بسقوط الشفعة إلى رواية


وقال الشيخ : بصحة الشفعة ، وأنه يأخذ بقيمته ، وبه قال المفيد ، وأبو الصلاح وابن إدريس ، والمحقق في النافع ، والأقرب الأول تمسكا بما ذكرنا من الأصل المتقدم ذكره حتى يقوم الدليل على جواز الشفعة في موضع البحث ، ويدل عليه أيضا ما رواه الشيخ في التهذيب عن ابن رئاب (1) «عن أبى عبد الله عليه‌السلام في رجل اشترى دارا برقيق ومتاع وبز وجوهر قال : ليس لأحد فيها شفعة».

استند أصحاب القول الثاني إلى عموم ثبوت الشفعة ، وفيه أن العموم مخصص بما ذكرناه من الدليل.

الرابع : هل يدخل الموقوف عليه فيمن يجوز له الأخذ بالشفعة أم لا؟ وتوضيح ذلك أنه إذا كان بعض الدار أو الأرض وقفا والبعض الأخر طلقا ، فان بيع الوقف على وجه يصح بيعه فالظاهر أنه لا إشكال في أن للشريك وهو صاحب الطلق الشفعة ، لوجود المقتضى وعدم المانع.

إنما الاشكال والخلاف فيما إذا بيع الطلق ، وقال السيد المرتضى (رضى الله عنه) : لإمام المسلمين وخلفائه المطالبة بشفعة الوقوف التي ينظرون فيها على المساكين ، أو على المساجد ومصالح المسلمين ، وكذلك كل ناظر بحق في وقف من وصى وولى ، له أن يطالب بشفعته.

وقال الشيخ (2) في المبسوط : إذا كان نصف الدار وقفا ونصفها طلقا فبيع الطلق

__________________

فيها احتمال ، وقال بعض الأصحاب في الاحتمال المذكور قصر الرواية على موردها ولا يخفى ما فيه من البعد سيما مع اعتضاد الرواية المذكور بما ذكرناه في الأصل منه رحمه‌الله.

(1) التهذيب ج 7 ص 167.

(2) قال في الكتاب المذكور : لو كانت الدار وقفا وبعضها طلقا فبيع الطلق لم يكن للموقوف عليهم شفعة ولو كان واحدا ، لانه ليس مالكا للرقبة على الخصوص انتهى. منه رحمه‌الله.


لم يستحق أهل الوقف الشفعة بلا خلاف ، وتبعه المحقق في الشرائع والشهيد في الدروس.

وقال ابن إدريس : ان كان الموقوف ، عليه واحدا صحت الشفعة ، والا فلا ، واختاره العلامة في المختلف واحتج عليه بأنه مع الاتحاد يصدق شريك واحد في بيع ، فكان له الشفعة كالطلق ، ثم نقل عن الشيخ الاحتجاج بعدم انحصار الحق في الموقوف عليه ، وبعدم الانتقال اليه.

قال : والجواب المنع من المتقدمتين وهذا القول هو المشهور بين المتأخرين ، والظاهر أن الخلاف المذكور مبنى على أنه هل ينتقل الوقف الى الموقوف عليه مطلقا ، أو مع اتحاده ، أو لا مطلقا؟ فيرجع كل من الأقوال الثلاثة الى ذلك ، الا أن الشهيد في الدروس ـ مع اختياره في الوقف انتقاله الى الموقوف عليه ـ حكم هنا بعدم الشفعة ، معللا بنقص الملك ، بمعنى أن تملك الموقوف عليه تملك ناقص ، ولهذا لا ينفذ تصرفه فيه ، فلا يتسلط على الأخذ بالشفعة.

وأورد عليه بأن المعتبر في ثبوتها ، الشركة المتحققة بالملك في الجملة ، نقصه بالحجر على المالك في التصرف لا ينافي كونه مالكا ، ومن ثم ثبتت لغيره ممن يجرى عليه في التصرف. أقول : والمسألة لعدم النص في محل الاشكال. والله العالم.

الخامس ـ قد صرح جملة من الأصحاب : بأنه يشترط في الشفيع الإسلام إذا كان المشترى مسلما ، قالوا : لان الشفيع انما يأخذ من المشترى قهرا وأخذه منه على وجه القهر سبيل على المسلم ، وهو منفي بقوله عزوجل (1) «وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً».

وفيه أن المراد من الآية المذكورة كما قدمناه في كتاب البيع انما هو السبيل من جهة الحجة ، كما ورد به النص في تفسيرها عنهم عليهم‌السلام وان كانوا (رضوان الله

__________________

(1) سورة النساء الآية 141.


عليهم) قد أكثروا من الاستدلال بها في مثل هذا الموضع.

نعم يدل على ذلك ما رواه في الكافي والتهذيب عن السكوني (1) عن أبى عبد الله عليه‌السلام ، ورواه في الفقيه مرسلا عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : «ليس لليهود ولا للنصارى شفعة».

وقال الرضا عليه‌السلام في كتاب الفقه (2) «ولا شفعة ليهودي ولا نصراني ولا مخالف». وهو صريح في عدم جواز الشفعة للمخالف ، وفيه رد على من حكم بإسلام المخالفين من أصحابنا (رضوان الله عليهم) فان الظاهر منهم بناء على حكمهم بإسلام المخالفين ، ثبوت الشفعة لهم ، وأما من يحكم من أصحابنا بكفرهم كما هو المشهور بين المتقدمين فلا ، وكلامه عليه‌السلام هنا مؤيد لذلك ، وفي التقييد في نفى شفعتهم بكون المشترى مسلما إشارة إلى أنه لو كان المشترى منهم فلهم الشفعة ، وهو كذلك بغير خلاف ، وعليه يحمل إطلاق الخبرين المذكورين ايضا (3) والله العالم.

السادس ـ قد تقدم اشتراط قدرة الشفيع على الثمن ، وحينئذ فلو كان عاجزا عن الثمن فلا شفعة له ، ويتحقق العجز باعترافه بذلك ، والظاهر أن المراد بالعجز ما هو أعم من إعساره عن الثمن ، والعجز عن تحصيله ، ولو على جهة القرض ، بمعنى أنه عاجز عن تحصيله بكل وجه من الوجوه ، لما تقدم من أن المراد بالقدرة ما هو أعم من أن يكون بالفعل أو القوة ، فيدخل فيه الفقير القادر على القرض.

وبذلك يظهر لك ما في كلامه في المسالك حيث قال ـ بعد أن حكم بتحقق العجز باعترافه : وفي تحققه بإعساره وجهان : أجودهما العدم ، لإمكان تحصيله

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 281 التهذيب ج 7 ص 166 الفقيه ج 3 ص 45.

(2) المستدرك ج 2 ص 148.

(3) بمعنى ان إطلاق الخبرين دال على نفى الشفعة أعم من أن يكون المشترى مسلما أم لا ، ولا بد من تقييده بكونه مسلما ، لعدم الخلاف في جواز الشفعة لو كان منهم. منه رحمه‌الله.


بقرض ونحوه ، مع أنه سابقا فسر القدرة بما ذكرناه ، من أنها أعم من القادر بالفعل أو القوة ، ليدخل الفقير القادر على القرض.

وحينئذ فإذا كان الفقير القادر على القرض داخلا في القادر على تحصيل الثمن. فلا معنى للتردد في تحقق العجز بالإعسار حتى أنه يتردد هنا في ذلك ، ثم يقول : والأجود العدم ، بل مقتضى ما قدمه أن المعسر ليس بعاجز ، لإمكان تحصيله بالقرض فلا وجه للتردد بالكلية.

ثم أنه حكم في المسالك بأن المعسر ينظر ثلاثة أيام كمدعي غيبته ، وفيه إشكال فإنه مع تسليم دلالة الرواية على ما ادعاه ـ مع ما عرفت آنفا من أن موردها انما هو الشفعة قبل البيع ، فهي خارجة عن محل البحث ، ومحض قياس ، فان مورد النص بناء على ما يدعيه غيبة الثمن ، فإلحاق المعسر به قياس محض.

نعم يمكن أن يقال : ان الرواية ليست صريحة في أن التأخير من حيث غيبة المال ، بمعنى أن المال موجود ولكنه غير حاضر ، بل الظاهر منها ما هو أعم من ذلك ومن عدمه بالكلية ، لأنه قال فيها : «مذهب على أن يحضر المال فلم ينض (1)» اى لم يحصل فجوز عليه‌السلام له النظرة إلى ثلاثة أيام ، وظاهر عدم الحصول هو المعنى الثاني الذي ذكرناه.

ثم انهم حكموا بأن المماطل والهارب كالعاجز لا شفعة بهما ، والمراد بالمماطل هو القادر على الثمن ولا يؤدى ، قال في المسالك : ولا يشترط فيه مضى ثلاثة أيام ، لأنها محدودة للعاجز ، ولا عجز هنا ، ويحتمل الحاقه به بظاهر رواية على بن مهزيار (2) عن الجواد (عليه‌السلام) بانتظاره ثلاثة أيام حيث لم ينض الثمن. انتهى.

__________________

(1) قال في كتاب المصباح المنير : نض الثمر : حصل وتعجل ، وقال ابن الفوته نض الشي‌ء : حصل ـ الى أن قال ـ لانه يقال ما نض بيدي من شي‌ء : أي ما حصل انتهى. منه رحمه‌الله.

(2) التهذيب ج 7 ص 167.


وفيه ما عرفت آنفا ثم قال : وأما الهارب فان كان قبل الأخذ فلا شفعة له ، لمنافاته الفورية على القول بها ، وان كان بعده ، فللمشتري الفسخ ، ولا يتوقف على الحاكم لعموم «لا ضرر ولا ضرار».

السابع قد صرح الأصحاب بثبوت الشفعة للغائب والصبي والمجنون ، ويتولى الأخذ وليهما مع الغبطة.

أقول : ويدل عليه بالنسبة إلى الغائب والصبي ما رواه المشايخ الثلاثة عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) اما الكليني والشيخ فبطريق السكوني (1) المتقدم في الموضع الخامس ، وأما الصدوق فبالإرسال عنه (عليه‌السلام) في حديث قد تقدم ذكره في الموضع المشار اليه قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : وصى اليتيم بمنزلة أبيه يأخذ له الشفعة ، إذا كان له فيه رغبة : وقال : للغائب شفعة» (2). وكأنهم حملوا المجنون على الصبي ، الا أن ظاهر كلامهم أن ثبوت هذا الحكم لهؤلاء انما هو بالأدلة العامة ، دون هذه الرواية.

قال في المسالك ـ بعد ذكر المصنف ثبوتها للغائب والسفيه والمجنون والصبي ـ ما صورته : لا شبهة في ثبوتها لمن ذكر لعموم الأدلة المتناولة للمولى عليه وغيره ، وهو جيد ، مؤيد بالرواية المذكورة ، وحينئذ فثبوت الشفعة للغائب بعد حضوره وان طال زمان الغيبة فيتولى الشفعة بنفسه.

قالوا : ولو تمكن من المطالبة في الغيبة بنفسه أو وكيله فكالحاضر ، وفي حكمه المريض الذي لا يتمكن من المطالبة ، وكذا المحبوس ظلما أو بحق يعجز عن أدائه ، وفيه توقف ، وأما الصبي والمجنون والسفيه فيطالب لهم الولي مع الغبطة كما أشار إليه في الرواية ، لقوله «إذا كان له فيه رغبة» والظاهر أنه لو ترك الولي

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 166 الكافي ج 3 ص 45.

(2) أقول فيه دلالة على ان الوصي بمنزلة الأب حتى في الأخذ بالشفعة منه رحمه‌الله.


الأخذ مع الغبطة لم يسقط حقهم من الشفعة ، بل لهم الأخذ بها بعد زوال المانع لأن التأخير وقع لعذر كالغائب.

الثامن ـ لا إشكال في أن لولي اليتيم أن يبيع ماله لمصلحته ، كالإنفاق عليه ونحوه ، سواء كان أبا أو جدا أو وصيا ، انما الكلام في ثبوت الشفعة للولي إذا كان شريكا لليتيم في ذلك الشقص ، فقيل : لا يصح بالشفعة مطلقا ، لرضا الولي بالبيع فإنه مسقط للشفعة وان كان قبل العقد ، وبه صرح العلامة في المختلف.

وفصل الشيخ في المبسوط فقال : إذا باع ولى اليتيم حصته من المشترك بينه وبينه ، لم يكن له الأخذ بالشفعة ، الا أن يكون أبا أو جدا ، لأن الوصي متهم ، فيؤثر تقليل الثمن ، ولانه ليس له أن يشترى لنفسه ، بخلاف الأب والجد ، فإنهما غير متهمين ، ولهما أن يشتريا لأنفسهما.

وما ذكره الشيخ هنا من أنه ليس للوصي أن يشترى لنفسه كالأب والجد منعه العلامة في المختلف ، فقال : ويجوز عندنا أن يشترى الوصي لنفسه كالأب والجد.

وظاهر المحقق في الشرائع القول بالجواز مطلقا ، وظاهره في المسالك الميل اليه ، حيث أنه قرره وأوضحه ، ولم يتعرض عليه ، فأجاب عن إبطال الشيخ شفعة الوصي بالتهمة ، بأن المفروض وقوع البيع على الوجه المعتبر ، وأجاب عن تعليل العلامة البطلان برضا الولي ، فقال : ولا يتم أن الرضا بالبائع قبله يسقط الشفعة ، لأن ذلك تمهيد للأخذ بالشفعة وتحقيق لسببه ، فلا يكون الرضا به مسقطا لها ، إذ الرضا بالسبب من حيث هو سبب يقتضي الرضا بالمسبب ، فكيف يسقطه ،

والمسألة لخلوها عن النص محل اشكال ، ومرجع قول المحقق الى تفريع الأخذ بالشفعة على جواز الشراء ، ولا يخلو من قرب والله العالم.


المقصد الرابع في كيفية الأخذ بالشفعة

وفيه مسائل الاولى ـ الظاهر أنه لا خلاف كما نقله في المسالك في أنه لو اشتمل البيع المشفوع على خيار وكان الخيار للمشتري فإن للشفيع الشفعة بنفس العقد ، ولا يتوقف على انقضاء الخيار ، قالوا : لان انتقال الملك عن البائع يحصل بالعقد من غير توقف على انقضاء الخيار ، والشفعة مترتبة على صحة البيع والانتقال إلى المشتري ليؤخذ منه.

وظاهرهم سقوط خياره ، لانتفاء الفائدة من فسخه ، لان غرضه على تقدير الفسخ حصول الثمن ، وقد حصل من الشفيع بالشفعة ، فلا ثمرة تترتب على فسخه ، بخلاف فسخ البائع ، لأن غرضه الرجوع الى المبيع.

وأما لو كان الخيار للبائع أولهما ، أو للبائع وأجنبي ، فإن قلنا بانتقال المبيع بنفس العقد كما هو الأشهر الأظهر ، ثبتت الشفعة ، لحصول المقتضى ، وهو البيع الناقل للملك مع وجود الشريك ، وانتفاء المانع ، إذ ليس الا الخيار وهو غير صالح للمانعية ، لأن غايته كون العقد بسبب الخيار متزلزلا ، ولم يثبت كونه مؤثرا في المنع ، وان لم نقل بالانتقال بنفس العقد ، بل يتوقف على مضى الخيار ، كما هو قول الشيخ ، فلا شفعة حتى ينقضي الخيار ، لأن الشفعة مترتبة على الانتقال والملك ، وهو لا يحصل الا بعد مضى الخيار.

ثم انه على تقدير القول المشهور من الانتقال بنفس العقد ، فهل يسقط خيار البائع بالأخذ بالشفعة؟ لانتقال الملك عن المشتري ، لأن البائع إذا فسخ انما يرجع على المشترى ، والحال أن المبيع قد خرج عن ملك المشترى ، وصار الى مالك آخر أم لا يسقط؟ لأن الأصل بقاء الخيار ، فان فسخ البائع أو ذو الخيار بطلت الشفعة ، وان لم يفسخ حتى انقضت مدة الخيار ثبتت الشفعة ، قولان : وثانيهما لا يخلو من قوة ، وهو اختياره في المسالك.

بقي هنا شي‌ء ينبغي التنبيه عليه ، وهو أن ما ذكرنا من التفصيل من كون الخيار


للمشتري أو للبائع ، وأنه على الأول ينتقل المبيع إلى المشتري ، بخلاف الثاني لما فيه من الخلاف ، صرح به الشيخ في الخلاف والمبسوط في باب الشفعة ، مع أنه في الخلاف في باب الخيار من كتاب البيع قال : انه إذا كان الخيار للمشتري وحده زال ملك البائع عن الملك بنفس العقد ، لكنه لم ينتقل إلى المشتري حتى ينقضي الخيار فإذا انقضى ملك المشترى بالعقد الأول.

ومقتضى هذا الكلام التسوية عنده بين البائع والمشترى في عدم ثبوت الشفعة مع الخيار مطلقا ، لعدم انتقال الملك إلى المشترى ، والشفعة متوقفة على ذلك كما اعترف به هو وغيره ، الا أنه لما كان هذا القول لم يقل به غيره ـ مع موافقته في باب الشفعة من الخلاف والمبسوط على ما قدمنا نقله عنه ـ لم يتحقق الخلاف في المسألة زيادة على ما قدمناه من التفصيل

الثانية ـ لا يخفى أن مقتضى الأدلة الدالة على الشفعة ، هو استحقاق الشفيع لمجموع الشقص المشترك إذا أخذه بالشفعة ، وأن ذلك حقه شرعا ، وحينئذ فهل له تبعيض حقه بأن يشفع في بعضه ويترك بعضا أم لا؟ ظاهر الأصحاب من غير خلاف يعرف هو الثاني ، لما في التبعيض من الإضرار بالمشتري ، ولا يناسب بناء الأخذ بالشفعة الذي شرع لدفع الإضرار على الإضرار.

والأظهر في تعليل ذلك انما هو ما قدمناه من أن الأصل بمقتضى الأدلة العقلية والنقلية كتابا وسنة هو عدم الأخذ بالشفعة ، فيقتصر في جواز الأخذ بها على ما قام عليه الدليل ، والاخبار الواردة بالشفعة على كثرتها وتعددها انما وردت باعتبار المجموع ، وما عداه تبقى صحته موقوفة على الدليل.

ومما فرعوه على ذلك أنه لو قال : أخذت نصف الشقص بناء على اعتبار وجوب الفورية ، بطلت شفعته ، لأن المأخوذ لا تصح الشفعة فيه لما عرفت ، وأما الباقي فإن ظهر منه إسقاط حقه منه فظاهر ، والا فقد حصل التراخي الموجب لفوات الفورية ، وحينئذ فتبطل الشفعة في الجميع.

وربما قيل بالصحة في الجميع إذا وقعت الشفعة على الوجه المذكور نظرا


الى أن أخذ البعض يستلزم أخذ الجميع لعدم صحة أخذه وحدة ، وضعفه ظاهر ، لمنع الاستلزام ، وجواز تعلق الغرض بالبعض خاصة.

الثالثة ـ مقتضى الأدلة وبه صرح الأصحاب أنه يأخذه بالثمن الذي وقع العقد عليه وان كان قيمة الشقص المشفوع في حد ذاته أكثر أو أقل ولا يلزمه ما يغرمه المشترى من المؤن كأجرة الدلال والوزان ونحو ذلك ، والمراد من أخذه بالثمن يعنى مثله ، لعدم إمكان الأخذ به نفسه غالبا.

الرابعة ـ يدفع الشفيع مثل الثمن لو كان الثمن مثليا كالذهب والفضة بلا خلاف ، وانما الخلاف فيما لو كان قيميا كالحيوان والثوب والجواهر ونحوها ، فهل تصح الشفعة أم لا؟ وقد تقدم نقل الخلاف المذكور في الموضع الثالث من سابق هذا المقصد (1) وذكرنا أن الأقرب العدم ، الا أن لشيخنا الشهيد الثاني هنا في المسالك كلاما يتضمن نصرة القول بالصحة لم ننقله فيما سبق ، ولا بأس بنقله ، وبيان ما فيه.

قال بعد الطعن في رواية ابن رئاب المتقدمة : ودلالته على موضع النزاع ممنوعة ، فان نفى الشفعة أعم من كونه بسبب كون الثمن قيميا أو غيره ، إذ لم يذكر أن في الدار شريكا ، فجاز نفى الشفعة لذلك عن الجار وغيره ، أو بكونها غير قابلة للقسمة أو لغير ذلك.

وبالجملة فإن المانع من الشفعة غير مذكور وأسباب المنع كثيرة فلا وجه لحمله على المتنازع أصلا ، والعجب مع ذلك من دعوى أنها نص في الباب ، مع أنها ليست من الظاهر فضلا عن النص انتهى.

أقول : لا يخفى على المتدرب في الصناعة ، والمتأمل في الاخبار بعين التدبر والاعتبار أن الأجوبة فيها انما تخرج على وفق ما يفهم من الاسؤلة وما يظهر منها.

ومن الظاهر أن السؤال في الرواية المشار إليها انما أريد به من حيث الشراء

__________________

(1) ص 308.


بذلك الثمن ، وأنه هل يجوز الشفعة إذا كان الشراء بهذا الثمن أم لا؟ ولو كان المراد من السؤال معنى آخر من كون الدار لا شريك فيها ، وأن المراد نفى الشفعة بالجوار لما كان لذكر القيمة وجه بالكلية ، ولكان حق السؤال التصريح بذلك ، وأن يؤتى بعبارة تؤدي هذا المعنى ، والا فإن فهمه من عبارة الخبر انما هو من قبيل التعمية ، والألغاز الذي هو بعيد عن الحقيقة بمراحل بل المجاز.

وبالجملة فإن غاية ما يتعلق به هنا هو إطلاق الشفعة في الدار من غير تصريح بكونها مشتركة ، ومثل هذا الإطلاق في الاخبار أكثر كثير ، اعتمادا على قرائن الحال وقت السؤال ، كما لا يخفى على الناظر فيها ، وسياق السؤال في الخبر المذكور ظاهر فيما قلناه ، وهو الذي فهمه من عداه من الأصحاب كالشيخ والعلامة وغيرهما.

واستدل جملة من الأصحاب منهم العلامة في المختلف على المنع أيضا بحسنة هارون بن حمزة الغنوي المتقدمة ، بقوله فيها «وهو أحق بها من غيره بالثمن» وهو انما يتحقق في المثلي ، لأن الحقيقة غير مرادة إجماعا ، فيحمل على أقرب المجازات إلى الحقيقة وهو المثل.

ثم انه على تقدير القول بثبوت الشفعة مع كون الثمن قيميا فهل المعتبر قيمته وقت العقد؟ لانه وقت استحقاق الثمن ، والعين متعذرة ، فوجب الانتقال إلى القيمة ، أو المعتبر وقت الأخذ؟ لوجوبه حينئذ على الشفيع ، فيعتبر قيمته وقت الوجوب بتعذر العين ، أو يعتبر الأعلى من وقت العقد الى وقت الأخذ كالغاصب؟ أقوال : أضعفها الأخير وأشهرها الأول.

الخامسة ـ ظاهر متأخري الأصحاب أنه يجب على المشترى دفع الشقص المشفوع بعد الشفعة ما لم يدفع الشفيع الثمن ، فاعتبروا هنا دفع الثمن أولا ، ولم يعتبروا ذلك في غير باب الشفعة من المعاوضات كالبيع وغيره ، بل صرحوا ثمة بوجوب التسليم على الجميع من غير أولوية تقدم أحدهما على الأخر.

قيل : ووجه الفرق بين الشفعة وغيرها لأن الشفعة معاوضة قهرية ، أخذ العوض


فيها بغير رضا المشترى ، فجبر وهن قهره بتسليم الثمن إليه أولا ، بخلاف البيع ، فان مبناه على الاختيار ، فلم يكن أحد من المتبايعين أولى بالبدأة من الأخر.

قال شيخنا في المسالك ونعم ما قال : وهذه في الحقيقة علة مناسبة ، لكن لا دلالة في التعويض عليها ، وإثباتها بمجرد ذلك لا يخلو من اشكال.

نعم اعتبرها العامة في كتبهم وهي مناسبة على قواعدهم ، ولو قيل هنا المعتبر التقابض كالبيع كان وجها انتهى.

وكيف كان فالظاهر أن الشفيع يملك الشقص بمجرد الشفعة ، كما أن المشترى يملك المبيع بمجرد العقد ، لكن هل يتم الملك بمجرد الأخذ القولي بدون تسليم الثمن ، أم يتوقف على التقابض؟ قولان : وعلى الأول هل يكون دفع الثمن جزءا من السبب للملك؟ أم كاشفا عن حصول الملك بالأخذ القولي؟ وجهان : ويظهر الفائدة في النماء المتخلل ، والأقرب أن الكلام هنا كما حققناه في البيع من أن كلا منهما قد وجب عليه تسليم ما انتقل عنه الى صاحبه ، ولا أولوية في تقدم أحدهما على الآخر ، وعدم دفع أحدهما لو أحل بما وجب عليه ، لا يقتضي جواز التأخير للآخر مع وجوب الدفع عليه والله العالم.

السادسة ـ المشهور وجوب الفورية في الشفعة ، وهو مذهب الشيخ في النهاية والخلاف والمبسوط ، وبه قال ابن البراج وابن حمزة والطبرسي والعلامة ، ونقله في المختلف عن والده ، وادعى الشيخ عليه الإجماع.

وقال السيد المرتضى (رضى الله عنه) أنها على التراخي ، ولا تسقط إلا بالإسقاط ، وادعى عليه الإجماع ، وبه قال ابن الجنيد ، والشيخ على بن بابويه ، وابن إدريس ، وظاهر كلام أبى الصلاح ، وبالأول قال الشهيدان في اللمعة وشرحها ، والمحقق في الشرائع وغيرهم.

وظاهر الشهيد الثاني في المسالك التوقف في المسألة ، وفي الدروس بعد أن نقل أولا القول بالفورية عن الشيخ واتباعه ، ثم نقل العدم عن المرتضى ومن


تبعه ، قال : ولم نظفر بنص قاطع من الجانبين ، ولكن في رواية على بن مهزيار (1) دلالة على الفور مع اعتضادها بنفي الضرر عن المشتري ، لأنه ان تصرف كان معرضا للنقص ، وان أهمل انتفت فائدة الملك ، الى أن قال : والوجه الأول لما اشتهر من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (2) «الشفعة كحل عقال». أي إذا لم يبتدر فات كالبعير يحل عقاله انتهى.

وظاهر صدر كلامه التوقف في المسألة ، لعدم النص القاطع ، وفي آخر كلامه جزم باختيار القول الأول ، للخبر الذي ذكره مع أنه عامي كما صرح به الشهيد الثاني في الروضة ، وهو كذلك فانا لم نقف عليه في كتب أخبارنا.

احتج القائلون بالقول الأول بأن الأصل عدم الشفعة ، وعدم التسلط على ملك الغير بغير رضاه ، فيفتقر فيها على موضع الوفاق ، ولأن التراخي فيها لا ينفك عن ضرر على المشترى ، فإنه لا يرغب في عمارة ملكه مع علمه بتزلزله ، وانتقاله عنه فيؤدي إلى تعطيل حكمة ملكه ، وذلك ضرر عظيم.

واحتج في المختلف أيضا على ذلك برواية على بن مهزيار التي أشار إليها في الدروس بأن فيها دلالة ما ، وهذه الرواية قد تقدمت في صدر المقصد الثالث ، قال بعد إيرادها ، وجه الاستدلال أنه عليه‌السلام حكم ببطلان الشفعة بعد مضى ثلاثة أيام ، ولو كان حق الشفعة ثابتا على التراخي لم تبطل شفعته ، بل كانت تثبت له متى حصل الثمن ، لأنها تثبت كذلك وان لم يطالب ، فلا تؤثر المطالبة بها الذي هو أحد أسباب وجودها في عدمها.

احتج الآخرون بالإجماع الذي ادعاه المرتضى ، وبأن البيع سبب في استحقاق الشفعة ، والأصل ثبوت الشي‌ء على ما كان عملا بالاستصحاب.

قال المرتضى (رضى الله عنه) : ويقوى ذلك أن الحقوق في أصول الشريعة وفي العقول أيضا لا تبطل بالإمساك عن طلبها ، فكيف خرج حق الشفعة عن أصول

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 167.

(2) سنن ابن ماجة ج 2 ص 835 ط دار احياء الكتب العربية ستة 1373.


الأحكام الشرعية والعقلية ، فإن من لم يطلب دينه أو وديعته لا يبطل حقه بالتغافل عن الطلب

ثم أجاب عن الضرر على المشترى ـ الذي احتج به الأولون ـ بأنه يمكنه التحرز عن ذلك بأن يعرض المبيع على الشفيع ، ويبذل تسليمه اليه ، فاما أن يتسلم ، أو يترك الشفعة ، فيزول الضرر على المشترى ، فان لم يفعل المشترى ذلك كان التفريط من قبله ، ثم أطال كما عادته هي (قدس‌سره) بأدلة أخرى أيضا ، وأجاب في المختلف عن ذلك بما يطول بنقله الكلام.

والتحقيق أن المسألة لعدم النص الواضح محل اشكال ، وان كان القول الأول لاعتضاده بالأصل الذي قدمنا ذكره في غير موضع مما تقدم ، مع اعتضاده بالاحتياط الذي هو واجب في موضع الاشتباه الذي منه خلو المسألة من الدليل لا يخلو من قرب.

وأما استدلال العلامة على هذا القول برواية على بن مهزيار بالتقريب الذي ذكره ، فيمكن معارضته بأنه لو كانت الفورية واجبة لما رخص في التأخير ثلاثة أيام ايضا.

السابعة ـ حيث تعتبر الفورية فإذا علم وأهمل مختارا بطلت شفعته ، ويعذر جاهل الفورية كما يعذر جاهل الشفعة ، ويقبل دعوى الجهل ممن يمكن في حقه عادة وكذا لا يقدح فيها تأخيره لعذر يمنع المباشرة أو التوكيل.

ومن الأعذار التي صرح بها الأصحاب في هذا الباب ما لو ترك لتوهمه كثرة الثمن لامارة أوجبته ، كاخبار مخبر ثم ظهر كذبه ونحو ذلك ، لا مجرد الاحتمال ، فإن الشفعة باقية الى حين العلم بالحال ، فتصير فورية على القول بها وانما كان ذلك عذرا ، لأن قلة الثمن مقصودة في المعاوضة ، ومثله ما لو أعتقده ذهبا فبان فضة ، أو حيوانا فبان قماشا ، ونحو ذلك ، فإن الأغراض قد يتعلق بجنس دون آخر لسهولته ، وكذا لو كان محبوسا بحق عاجز عنه ، بخلاف ما لو كان قادرا ، فان التقصير من


من قبله (1) وأولى منه الحبس بظلم ، لكن الظاهر أنه يشترط في هذين (2) عجزه عن الوكالة.

ثم انه ينبغي أن يعلم أن وجوب المبادرة على تقدير الفورية ليس المبادرة بكل وجه ممكن ، بل المرجع فيه الى العادة والعرف ، فيكفي مشيه إلى المشتري لأخذ الشفعة بالمعتاد وان قدر على الزيادة ، وانتظار الصبح لو علم ليلا ، ولا يمنع من ذلك أيضا الصلاة إذا حضر وقتها ، وكذا مقدماتها ومتعلقاتها الواجبة والمندوبة.

ومنها انتظار الجماعة ، وانتظار زوال الحر والبرد المانعين ، والخروج من الحمام لو علم فيه بعد قضاء وطره ، وتحرى الرفقة حيث يكون الطريق مخوفا والمشترى في غير البلد ، والسلام على المشترى بعد الدخول عليه بل التحية المعتادة ونحو ذلك. هذا كله مع غيبة المشتري عنه في حال العلم ، أما مع حضوره فلا يعد شي‌ء من هذه عذرا ، لان قوله أخذت بالشفعة لا ينافي شيئا من ذلك.

الثامنة ـ قد صرح الأصحاب رضوان الله عليهم ، من غير خلاف يعرف أنه لا تسقط الشفعة بتقابل المتبايعين (3) ، لان استحقاق الشفعة قد حصل بالعقد ، فحق الشفيع متقدم ، نعم لو عفى الشفيع سقطت الشفعة من جهة الشراء ، وهل يتجدد بالإقالة بناء على انها بيع مطلقا أو في حق الشفيع؟ الأشهر الأظهر العدم ، لعدم كون الإقالة بيعا ، وانما هي فسخ كما تقدم تحقيقه في بعض نكت الفصل الثاني عشر من كتاب البيع.

ولو قلنا بأنها بيع أخذ الشقص من البائع بعد الشفعة ، ثم انه ان حصل التقايل

__________________

(1) وانما كان التقصير من قبله لانه يجب عليه دفعه الثمن ليخلص من الحبس المانع من تعجيل المطالبة. منه رحمه‌الله.

(2) يعنى من الحبس بحق هو عاجز عنه منه رحمه‌الله.

(3) بل الظاهر أنه لا خلاف فيه منه رحمه‌الله.


قبل علم الشفيع بالشفعة لم تسقط بالإقالة ، (1) لما عرفت من سبق حق الشفيع فله فسخ الإقالة ، والأخذ من المشترى على قاعدة الشفعة ، ودركه على المشترى كما لو يكن ثمة إقالة ، فان درك المشفوع في جميع أفراد الشفعة على المشترى ، فلو ظهر استحقاق الشقص رجع عليه بالثمن وغيره مما يغرمه ، ولو كان المشترى لم يقبضه من البائع لم يكلف أخذه منه ثم إقباضه الشفيع بل الشفيع يقبضه من البائع ، لانتقال الحق إليه فقبضه كقبض المشترى.

وعلى كل حال فيبقى الدرك على المشترى ، وكما لا تسقط الشفعة بالتقايل ، فكذا لا تسقط ببيع المشترى ، ولا وقفه ولا جعله مسجدا ، ولا نحو ذلك من تصرفاته ، لأنها وان كانت صحيحة من حيث أن المشفوع ملكه ، لكن لا يبطل ذلك حق الشفيع لسبقه على هذه التصرفات فمتى أخذ بالشفعة بطل ما سبقها من التصرفات.

بقي الكلام في أن تصرف المشترى ان كان مما تثبت فيه الشفعة كالبيع ، فالظاهر من كلامهم أنه يتخير الشفيع بين أخذه من المشترى الأول أو الثاني أو الثالث ، وهكذا لو تعدد ، لان كل واحد من البيوع المتعددة سبب تام في ثبوت الشفعة.

ثم ان أخذ الشفيع بالشراء الأول وقع الثمن الأول وبطل المتأخر مطلقا ، وان أخذ بالشراء الأخير أخذها بثمنه ، وصح السابق عليه مطلقا ، لان الرضا به يستلزم الرضا بما سبق عليه. وان أخذ من المتوسط أخذ بثمنه ، وصح ما تقدمه ، وبطل ما تأخر عنه.

وان كان التصرف مما لا تثبت فيه الشفعة ، كالوقف والهبة والإجارة فللشفيع نقضه وأخذ الشقص بالشفعة ، لسبق حقه ، والثمن في الهبة للواهب لازمة كانت أو

__________________

(1) لأنه في صورة الإقالة صار مشتريا ، فان بالإقالة على تقدير كونها بيعا يصير المشتري بائعا والبائع مشتريا منه رحمه‌الله.


جائزة ، والمتصدق ، ولا خلاف عندهم في هذه الأحكام ، وانما نقلوا الخلاف في بعضها عن بعض العامة حيث صرحوا بصحة التصرف بالبيع والوقف ونحوهما ، وأبطلوا الشفعة بعض آخر منهم حيث حكموا ببطلان التصرف المشترى والله العالم

التاسعة ـ قالوا : لو انهدم البيت أو عاب فهنا صور ، أحدها أن يكون ذلك بفعل المشترى قبل مطالبة الشفيع بالشفعة ، ولا يحصل معه (1) تلف شي‌ء من العين ، والمشهور أن للشفيع الخيار بين الأخذ بكل الثمن أو الترك ، لأن المشتري إنما تصرف في ملكه تصرفا سائغا ، فلا يكون مضمونا عليه.

والعائب (2) لا يقابل بشي‌ء من الثمن فلا يستحق الشفيع في مقابلته شيئا كما لو تعيب في يد البائع ، فإن المشتري يتخير بين الفسخ ، وبين الأخذ بمجموع الثمن ، وقيل بضمانه على المشترى ، لأن حق الشفيع قد تعلق به بمجرد البيع وان لم يطالب ، والمطالبة إنما تفيده تأكيدا كما تضمن الراهن الرهن إذا جنى عليه.

وثانيها ـ أن يكون ذلك بفعل المشترى بعد المطالبة بالشفعة ، والمشهور أنه يضمن النقص بمعنى سقوط ما قابله من الثمن ، لان الشفيع قد استحق أخذ المبيع كاملا بالمطالبة ، وتعلق حقه به ، فإذا نقص بفعل المشترى ضمنه له.

وقيل : بعدم الضمان ، وهو ظاهر الشيخ في المبسوط استنادا الى ان الشفيع

__________________

(1) وانما هو مثل شق الجدار ، وافك الجذع ونحو ذلك ، أما لو تضمن تلف شي‌ء من العين فإنه يضمن بحصته من الثمن لو اختار الشفيع الأخذ بالشفعة ، لأن الثمن في مقابلة العين ، فإذا تلف منها شي‌ء سقط من الثمن بنسبة التالف فيضمنه المشتري حينئذ ـ منه رحمه‌الله.

(2) قوله والعائب لا يقابل بشي‌ء من الثمن ، كأنه جواب عن سؤال مقدر بأن يقال : ان الشفيع يأخذه بالشفعة ، ولكن ينقص من الثمن ما قابل العائب ، وأجاب بأن الثمن انما جعل في مقابلة الصحيح دون العائب ، ولهذا لو بقيت في يد البائع تخير المشترى بين الفسخ والأخذ بالثمن كملا ، دون أخذ الصحيح بما يلحقه من الثمن كما ذكرناه ـ منه رحمه‌الله.


لا يملك بالمطالبة بل يملك الأخذ فيكون المشترى قد تصرف في ملكه تصرفا سائغا ، فلا يتعقبه الضمان ، ورد بأن التصرف في الملك لا ينافي ضمانه كتصرف الراهن ، وهذا منه لاشتراكهما في تعلق حق العين.

وثالثها ـ أن يكون ذلك بفعل غيره ، سواء كان قد طالب الشفيع أم لا ، فإنه يتخير الشفيع بين الأخذ بمجموع الثمن ، والترك ، لانه لا تقصير من المشترى ، ولا تصرف حال استحقاق الغير ، ووجه الضمان المذكور في الصورة الأولى آت هنا ، الا أنه هنا أضعف باعتبار أن العيب بغير فعل المشتري.

أقول : وقد ورد في هذه الصورة ما يدل على ما ذكروه ، وهو ما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن الحسن بن محبوب (1) عن رجل قال : «كتبت الى الفقيه عليه‌السلام في رجل اشترى من رجل نصف دار مشاعا غير مقسوم ، وكان شريكه الذي له النصف الأخر غائبا ، فلما قبضها وتحول عنها تهدمت الدار وجاء سيل جارف وهدمها وذهب بها ، فجاء شريكه الغائب فطلب الشفعة من هذا فأعطاه الشفعة على أن يعطيه ماله كملا الذي نقد في ثمنها فقال له : ضع عني قيمة البناء ، فان البناء قد تهدم وذهب به السيل ، ما الذي يجب في ذلك؟ فوقع عليه‌السلام ليس له الا الشراء والبيع الأول إنشاء الله». وما تقدم في الصورتين السابقتين من القول المشهور فيهما وان لم يرد به نص ، الا أنه موافق للقواعد الشرعية والله العالم.

العاشرة ـ اختلف الأصحاب في أن الشفعة هل تورث أم لا؟ فقال : الأكثر منهم الشيخ المفيد والسيد المرتضى (رضى الله عنهما) انها تورث كالأموال ، وبه قال ابن الجنيد ، وقال الشيخ في النهاية والخلاف أنها لا تورث ، وبه قال ابن البراج والطبرسي وابن حمزة.

وللشيخ قول آخر في كتاب البيوع من الخلاف يدل على انها تورث حيث قال : خيار الثلاثة موروث ، وكذا إذا مات الشفيع قبل الأخذ بالشفعة قام وارثه

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 192.


مقامه ، وهو اختيار ابن إدريس والعلامة في المختلف وهو المشهور بين المتأخرين وبه صرح في المسالك ، واحتجوا على ذلك بآيات الإرث (1) الدالة على إرث ما ترك (2) وحق الشفعة من جملة المتروكات كما دخل فيه الخيار الثابت بالمورث بالإجماع ، والشفعة في معنى الخيار ثبتت لدفع الضرر ، واحتج في المسالك ايضا بقوله (3) صلى‌الله‌عليه‌وآله ما ترك الميت من حق فهو لوارثه» قال : وهي أوضح دلالة من الاية.

احتج الشيخ بما رواه في التهذيب عن طلحة بن زيد (4) عن جعفر عن أبيه عن على عليهم‌السلام في حديث قال : «لا تورث الشفعة». واحتج أيضا بأن ملك الوارث متجدد على الشراء فلا يستحق شفعة ، وأجيب عن الرواية بضعف السند وأن طلحة بتري ، وعن الثاني بأن الوارث يأخذ ما استحقه مورثه وحقه ، فلا يقدح تجدد ملكه.

أقول : والمسألة لا يخلو من توقف ، فان ثبت الحديث النبوي الذي رواه في المسالك من طرقنا فإنه لا يحضرني الان ذلك ، فالقول الأول أصح ، والا فالمسألة محل إشكال ، لمعارضة الأدلة المذكورة لرواية طلحة ، وردها بضعف السند جيد

__________________

(1) سورة النساء الآية 11 ـ 14 ـ 176.

(2) واما الآيات فإن إطلاقها يحمل على الافراد الشائعة المتكررة ، لما تقرر عندهم في أمثال هذه المواضع ، دون الأفراد الشاذة النادرة ، ومن الظاهر ان الافراد المتكررة انما هي أعيان الأموال دون الحقوق ، وأما الشفعة في الخيار فان ثبت بدليل شرعي ـ فوجوب العمل بها فيه ـ لا يقتضي حمل غيره عليه ، فإنه قياس محض ، والاشتراك في العلة المذكورة لا يوجب ذلك ، مع أنها غير منصوصة ، وبالجملة فإن باب المناقشة في ذلك غير منسد ، ويظهر من المحقق الأردبيلي الميل الى القول بالعدم ، من حيث عدم الدليل الواضح على القول المشهور ، قال : إذ شمول آية الإرث لها غير ظاهر ، وهو مؤيد لما ذكرناه بالنسبة إلى استدلالهم بآيات الميراث والله العالم منه رحمه‌الله.

(3) ما اثرنا على هذه الرواية بعد الفحص في مظانها.

(4) التهذيب ج 7 ص 167.


على الاصطلاح المحدث ، واما على طريقة القدماء والمحدثين فلا ، فتبقى المعارضة بينها وبين ما ذكر من الأدلة المشار إليها ، مع ما يتطرق إلى الأدلة المشار إليها من المناقشة ، وإمكان تأييد رواية طلحة المذكورة بما قدمناه من أن مقتضى الأدلة العقلية والنقلية عدم جواز الشفعة إلا ما دل عليه دليل واضح.

ثم أنها على تقدير القول المشهور لو مات وخلف زوجة (1) وابنا قال الشيخ في المبسوط تفريعا على هذا القول : ان الإرث على فريضة الله فللزوجة الثمن ، وقيل : انه كذلك على رأى من يقول الشفعة في صورة الكثرة على قدر السهام ، أما من يقول بأنها على عدد الرؤس ، فإنه يجعلها في المثال المذكور نصفين بين الزوجة والولد ، كما يظهر من المبسوط أيضا ، فحينئذ تصير المسألة خلافية ، وقد تقدم نقل الخلاف المذكور بالنسبة إلى الشفعة مع الكثرة في آخر المقصد الثاني ، والأظهر كما صرح به الأكثر أنها هنا على تقدير القول المذكور على قدر السهام وان لم نقل به في كثرة الشركاء ، لظهور الفرق بين الموضعين ، لان كل واحد من الورثة لا يستحق الشفعة باعتبار نفسه ، بل باعتبار مورثه ، ومورثه مستحق للجميع ، وقد انتقل عنه الى ورثته فيجب أن يثبت لهم على حد الإرث ، فهم بالإرث يأخذون لا بالشركة ، ولهذا أثبتها هنا من لم يثبت الشفعة مع الشركة ، والمراد بحق الشفعة الذي هو محل البحث هو مجرد استحقاق الشفعة ، وان لم يأخذ بها الشفيع قبل موته ، فان لوارثه أن يأخذ بها كما هو صريح عبارة الشيخ المتقدم نقلها من كتاب الخلاف ، وبطريق الاولى ما لو أخذ بها قبل الموت ولكن لم يقبض ولم يتصرف.

قالوا : ولو عفى أحد الورثة عن نصيبه من الشفعة لم يسقط الشفعة ، لأن

__________________

(1) قال في المسالك : وخص المثال بالزوجة لدفع توهم أنها لا تورث من الشفعة من حيث أنها ممتنع في الجملة من بعض المتروكات ، أقول : هذا المثال قد ذكره الشيخ في المبسوط وتبعه الجماعة في التمثيل به ، وشيخنا المذكور ذكر وجه النكتة في اختياره دون غيره من أمثلة الميراث ـ منه رحمه‌الله.


الحق للجميع فلا يسقط حق واحد بترك غيره ، وكان لمن لم يعف أن يأخذ الجميع ، لانه لا يجوز تبعيض الصفقة على المشترى ، فالمستحق اما أن يأخذ الجميع أو يتركه.

قيل : ويحتمل هنا سقوط حق الآخر بعفو صاحبه وان لم نقل بذلك في الشريكين ، لان الوارث يقوم مقام المورث ، فعفوه عن نصيبه كعفو المورث عن البعض ، فيسقط الباقي.

ورد بأن الشركاء ، في الإرث يصيرون بمنزلة الشركاء في أصل الشفعة ، لأنها شفعة واحدة بين الشركاء سواء كان بالإرث أو بالشركة ، ولا يسقط من البعض بعفو البعض ، بخلاف عفو المورث عن بعض نصيبه ، فان حقه في المجموع من حيث هو مجموع لا في الأبعاض ، فعفوه عن بعض حقه كعفوه عن جميعه.

وظاهر المحقق الأردبيلي «قدس‌سره» المناقشة في أصل هذا الحكم ، حيث قال : ولو ترك بعضهم وعفى لم يسقط حق الباقين ، بل لهم الأخذ ، ولكن أخذ الجميع أو الترك ، وليس لهم أخذ حصتهم فقط ، للزوم التشقيص والتبعيض الممنوع منه عندهم فتأمل ، فإن الأصل والاستصحاب يقتضي جواز أخذ الحصة فقط ، ولعل عدم التبعيض مجمع عليه ، والا فالقول به متوجه انتهى.

وبالجملة فالمسألة لعدم النص الواضح في أصلها محل اشكال كما عرفت ، وفي فروعها أشكل والله العالم.

الحادية عشر ـ لو حمل النحل بعد الابتياع فأخذه الشفيع قبل التأبير قال الشيخ : الطلع للشفيع ، لانه بحكم السعف ، ولانه يتبع الأصل في البيع ، فكذا هنا ، لأن المقتضي للتبعية هناك ليس الا كونه جزءا من المسمى ، ورده المتأخرون بأن هذا الحكم مختص بالبيع ، وقوفا على مورد النص ، فإلحاق غيره به قياس ، وكونه بحكم السعف ممنوع ، وكذا دعواه كونه جزءا من المسمى ، والمقتضي في البيع انما هو النص.

وظاهرهم أنه لا خلاف في أن الثمرة إذا ظهرت في ملك المشترى قبل الأخذ


بالشفعة يكون للمشتري وان بقيت على الشجرة ، لأنها بحكم المنفصل ، ومنه ثمرة النخل بعد التأبير ، أما قبله فقد عرفت خلاف الشيخ في ذلك ، فيكون هذا الفرد مستثنى من الإجماع المشار اليه.

والحق كما عرفته ـ أن حكمها بالنسبة إلى الشفعة قبل التأبير كحكمها بعده في كونها للمشتري غير داخلة في الشفعة ، وعلى هذا فيكون الطلع غير مؤبر وقت الشراء للمشتري ، فإن أخذه الشفيع وهو بتلك الحال بقي للمشتري ، كما لو أخذه بعد التأبير ، ويكون البيع في هذه الصورة بمنزلة ما إذا ضم غير المشفوع ، فيأخذ الشفيع المشفوع وهو غير الثمرة بحصته من الثمن ، وطريقه كما تقدم في غير موضع أن تقوم المجموع ، ثم يقوم الثمرة وتنسب قيمتها الى المجموع ، ويسقط من الثمن بتلك النسبة.

الثانية عشر ـ قد صرح الأصحاب «رضوان الله عليهم» ، بأنه إذا باع الشريك الذي له الشفعة نصيبه من المال المشترك قبل الأخذ بالشفعة فهنا صورتان

الاولى ـ أن يكون بيعه بعد العلم بالشفعة ، وحصول شرائطها وشرائط فوريتها على تقدير القول بالفورية ، ولا إشكال في بطلان شفعته ، أما على تقدير الفورية فلفواتها بالاشتغال بالبيع ، لانه مخل بالفورية ، وأما على تقدير عدم الفورية ، فلان السبب في استحقاق الشفعة الملك ، وقد زال فيزول معلوله.

الثانية أن يكون قبل العلم بالشفعة ، ومثله أيضا ما لو كان قبل ثبوت الفورية فيها لما تقدم من الاعذار ، كعدم العلم بقدر الثمن ، أو جهله بالفورية أو نحو ذلك ، فباع والحال هذه ففي بقائها مطلقا ، أو زوالها مطلقا ، أو التفصيل أقوال :

أحدها ما اختاره المحقق في الشرائع من بقائها مطلقا ، لان الاستحقاق ثبت بالشراء سابقا على بيعه ، فيستصحب لأصالة عدم السقوط ، ولقيام السبب المقتضى له ، وهو الشراء ، فيجب أن يحصل المسبب.

وبهذا القول صرح الشيخ في المبسوط أيضا ، حيث قال : الاولى ثبوت الشفعة ، لأنها وجبت له أولا ولم يوجد سبب إسقاطها والأصل بقاؤها.


وثانيها سقوطها ، وهو اختيار العلامة وجمع من الأصحاب ، وعللوه بأن السبب في جواز الأخذ ليس هو الشراء وحده ، بل هو مع الشركة ، وقد زال أحد جزئي السبب فتزول ، ولا يكفى وجودها حال الشراء ، بل لا بد من وجودها حال الأخذ بالشفعة ، لقوله عليه‌السلام «لا شفعة إلا لشريك غير مقاسم». فلو أثبتنا له الشفعة بعد البيع ، لاثبتناها لغير شريك مقاسم ، والجهل مع انتفاع السبب لا أثر له.

وثالثها ـ التفصيل بالجهل بالشفعة حال البيع ، والعلم ، فتثبت في الأول دون الثاني ، وهو منقول عن الشيخ رحمه‌الله ، لان البيع بعد العلم يؤذن بالإعراض عنها ، كما لو بارك ، بخلاف ما إذا لم يعلم ، فإنه معذور : وأجيب بأن الجهل لا أثر له إذا انتفى السبب ، لان خطاب الوضع لا يتفاوت الأمر فيه بالعلم والجهل.

أقول : والمسألة لعدم النص لا يخلو من توقف ، الا أن الأظهر بحسب هذه التعليلات وقربها وبعدها من القواعد الشرعية هو القول الثاني من هذه الأقوال الثلاثة.

أما الأول ـ فقد علم جوابه من دليل القول الثاني ، ويزيده تأكيدا أن ما استند اليه من الاستصحاب وهو الذي عبر عنه في المبسوط بالأصل ، فقال : والأصل بقاؤها مردود بما حققناه في مقدمات الكتاب في جلد كتاب الطهارة من عدم ثبوت حجية هذا الاستصحاب.

واما الثالث ـ فلما سمعت من الجواب عن دليله ، والى ما ذكرناه من القول الثاني يميل كلامه في المسالك أيضا ، حيث قال ـ بعد ذكر الأقوال الثلاثة على الترتيب الذي ذكرناه ـ : والقول الوسط لا يخلو من قوة انتهى والله العالم.

الثالثة عشر ـ لو عرض البائع الشي‌ء على صاحب الشفعة بثمن معلوم فلم يرده فباعه من غيره بذلك الثمن أو زائدا عليه ، فهل يكون لصاحب الشفعة المطالبة بها أم لا؟ قولان : وبالثاني قال الشيخان وابن حمزة ، وبالأول قال ابن إدريس ، واحتج الشيخان ـ على ما نقله في المختلف ـ بأن الشفعة تثبت في موضع الاتفاق على خلاف الأصل ، لكونه أخذ ملك المشترى من غير رضاه ، ويجبر على المعاوضة ، لدخوله مع البائع في العقد الذي أساء فيه بإدخال الضرر على شريكه ، وترك الإحسان إليه


في عرضه اليه ، وهذا المعنى معدوم هنا ، فإنه قد عرضه عليه ، فامتناعه من أخذه دليل على عدم الضرر في حقه ببيعه ، وان كان فيه ضرر ، فهو الذي أدخله على نفسه كما لو أخر المطالبة. انتهى.

واحتج ابن إدريس بأنه انما يستحق المطالبة بعد البيع ، ولا حق له قبل البيع فإذا عفى قبله ، فما عفى عن شي‌ء يستحقه ، فله إذا باع شريكه أخذ الشفعة ، لأنه تجدد له حق ، ولا دليل على إسقاطه ، وقبل البيع لم يسقط شيئا ، وكذا لو قال الشفيع للمشتري : اشتر نصيب شريكي ، فقد نزلت عن الشفعة وتركتها ، ثم اشترى المشترى ذلك على هذا ، لا تسقط شفعته بذلك ، وله المطالبة ، لأنه انما يستحق الشفعة بعد العقد ، فإذا عفى قبل ذلك لم يصح ، لانه قد عفى عما لم يجب له ولا يملكه ، فلا يسقط حقه حين وجوبه ، وكذا الورثة إذا عفوا عما زاد على الثلث في الوصية قبل موت الموصى ، ثم مات بعد ذلك ، فلهم الرجوع لمثل ما قلناه على الصحيح من المذهب انتهى.

والى هذا ذهب ابن الجنيد أيضا فقال : وكما ان الشفعة لا تجب الا بعد صحة البيع وتمامه ، فكذلك لا يكون ترك الشفيع إياها قبل البيع مبطلا لما وجب له منها بعد البيع ، والعلامة في المختلف بعد أن نقل كلامي ابن إدريس وابن الجنيد قال : وهو المختار ، لنا أنه إسقاط حق قبل ثبوته ، فلا يصح كما لو أبرأه عما لم يجب له ، أو أسقطت المرأة صداقها قبل التزويج ، ثم نقل بعد هذا احتجاج الشيخين بما قدمنا نقله عنهما ، وقال : وفيه قوة ، وهو ظاهر في تردده في المسألة.

وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ترجيح مذهب ابن إدريس للوجه الذي ذكره ، والظاهر أنه الأقرب نظرا الى عموم أدلة الشفعة ، وأن الاسقاط قبل ثبوت الشفعة غير مؤثر في المنع ، والا لصح ذلك في غير هذا الحق من الحقوق ، مع أنهم لا يقولون به.

وظاهر المحقق الأردبيلي قدس‌سره ، الميل الى مذهب الشيخين ، لكن لا لما تقدم في الاحتجاج المنقول عنهما ، بل من حيث أن هذا وعد ، والأدلة دالة على وجوب


الوفاء بالوعد ، قال : ولو لا خوف خرق الإجماع (1) لكان القول بوجوب الإيفاء ـ كما هو قول بعض العامة ـ متوجها ، فالقول به هنا غير بعيد ، لعدم الإجماع على خلافه ، الى أن قال : وأما دليل القول بعدم البطلان فهو أنه إسقاط لما ليس له ، فهو مثل إبراء عما لم يكن في الذمة ، ويمكن أن يقال : ليس هذا إبراء وإسقاط ، بل قول ووعد وشرط ، ومخالفته قبيحة عقلا وشرعا ، وانه غدر وإغراء وليس من صفات المؤمن انتهى.

وظاهر شيخنا الشهيد في شرح نكت الإرشاد الميل أيضا الى مذهب الشيخين ، قال : لأن الشفعة وضعت لازالة الضرر ، ونزوله عنها يؤذن بعدم الضرر ، ولما روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (2) أنه قال : «لا يحل أن يبيع حتى يستأذن شريكه ، فان باع ولم يؤذن فهو أحق به». علق الاستحقاق على عدم الاستيذان ، فلا يثبت معه والنزول ، أما بعد الاستيذان فالظاهر سقوط الشفعة ، وأما قبله فكذلك إذ لا يبقى للاستيذان معنى معقول ، ولا نسلم ان ذلك من باب الاسقاط ، فيتوقف على تحقق الاستحقاق كالدين انتهى.

والمحقق الأردبيلي بعد ذكر ما قدمنا نقله عنه اعتضد أيضا بهذا الكلام ، ولم ينكر منه شيئا ، وظاهره الموافقة على صحة الحديث المذكور ، حيث قال : ودلالته

__________________

(1) ظاهر كلامه (قدس‌سره) ان الأصحاب ادعوا الإجماع على عدم وجوب الوفاء بالوعد ، والا لم يمنعه من القول بالوجوب الا ذلك ، وفيه ما حققناه في غير موضع من مؤلفاتنا وبه صرح جمع من المحققين منهم شيخنا الشهيد الثاني في المسالك من أن ذلك غير مانع متى قام الدليل على الحكم ، لما علم من إجماعاتهم المدعاة في غير موضع ، وهو قد اعترف فيما تركنا نقله من كلامه بأن الأدلة على وجوب الوفاء بالوعد كثيرة ، والأدلة دالة على وجوب الوفاء بالشروط فالخروج منها بمجرد ما ذكره مجازفة ظاهرة ـ منه رحمه‌الله.

(2) المستدرك ج 3 ص 147.


ظاهرة على السقوط بعد الاستيذان ، وأنت خبير بأنا لم نقف على هذا الخبر في كتب أخبارنا ، والظاهر أنه عامي وسيما شيخنا المذكور كثيرا ما يستسلفون الأخبار العامية ويستدلون بها في أمثال هذه المقامات الخالية من الاخبار المعصومية ، ولو صح الخبر المذكور لما كان عنه معدل لدلالته بالمفهوم الشرطي الذي هو حجة صحيحة كما أوضحناه في صدر كتاب الطهارة على ما يدعونه ، ولكن الأمر كما ترى وأما منعه أن ذلك من باب الاسقاط ، فليس بعده الا ان يكون من قبيل الوعد ، كما ذكره المحقق المتقدم ذكره ، وتعليله الأول ، وقوله فيه «ونزوله عنها يؤذن بعدم الضرر» انما يناسب الاسقاط ، لا الوعد ، لان المراد بنزوله عنها معنى تركه لها ، قال في كتاب المصباح المنير : ونزلت عن الحق تركته ، على أنه متى لم يكن من باب الاسقاط كما ذكره ، فالحق باق لا مزيل له ، ومجرد عدم إرادته بعد العرض عليه لا يوجب منع الإرادة بعد تحقق حقه واستحقاقه الشفعة بالبيع.

وأما دعوى كونه وعدا وشرطا كما ذكره المحقق المشار اليه واستدل بأدلة وجوب الوفاء بالوعد والشرط فظني بعده ، وان أمكن احتماله على بعد باعتبار حصوله ذلك من هذا الكلام ضمنا ، فإن غاية الأمر أنه عرض عليه الشراء فامتنع منه ولم يرده وهذا لا يسمى بحسب العرف وعدا إلا بتأويل وتمحل.

وبالجملة فالمسألة لخلوها عن النص محل اشكال كغيرها من الفروع المذكورة ، وان كان القول بما ذهب اليه ابن إدريس ومن تبعه أقرب لما عرفت. والله العالم.

الرابعة عشر ـ اختلف الأصحاب فيما لو كان الثمن مؤجلا فالمشهور أنه يأخذ بالشفعة عاجلا بالثمن المؤجل الذي وقع عليه العقد ، فان العقد انما وقع على المؤجل وهو قول الشيخ المفيد وابن البراج وابن إدريس ، وبه قال الشيخ في النهاية ، وزاد أنه ان لم يكن الشفيع مليا الزم بإقامة كفيل يضمنه.

وقال في الخلاف والمبسوط : انه يتخير الشفيع بين أخذه بالثمن حالا وبين التأخير إلى حلول الأجل وأخذه بثمن حال ، ونقل في الكتابين ما ذكره في النهاية قولا عن بعض أصحابنا.


وقال في الخلاف ـ بعد نقله وقد ذكرناه في النهاية ـ : وهو قوى وبهذا القول الثاني قال ابن الجنيد والطبرسي على ما نقله في المختلف ، والأقرب هو الأول بناء على القول بالفورية ، كما هو المشهور عندهم ، وقد تقدم تحقيق الكلام فيه.

وتوضيحه أن الشفيع بمنزلة المشتري يأخذ بالثمن الذي أخذ به المشترى ، وليس له أكثر من حقه قدرا وأجلا ، على أنه قد تقرر أن للأجل قسطا من الثمن ، فلو أخذ بالثمن حالا في الصورة المذكورة للزم الزيادة في الثمن المأخوذ به على أصل الثمن الذي وقع به الشراء.

وبه يظهر أن القول الثاني يستلزم أحد محذورين ، اما إسقاط الشفعة بعد ثبوتها ان أخر إلى حلول الأجل للإخلال بالفورية المستلزم لبطلانها ، أو زيادة وصف في الثمن ان أخذ بالشفعة ، وعجل بالثمن ، لان تعجيله زيادة وصف فيه من غير موجب ، بل يستلزم زيادة الثمن ، لما عرفت من أن التأجيل له قسط من الثمن ، فليرم زيادة الثمن على الأصل ، ويتفرع على هذا القول أنه لو مات المشترى حل عليه الثمن ، وبقي الشفيع على التخيير الثابت له أولا ، فإن شاء عجل ، وان شاء أخر إلى حلول الأجل.

احتج الشيخ على ما ذهب إليه في الخلاف والمبسوط بأن الشفعة قد وجبت بنفس الشراء والذمم لا تتساوى فوجب عليه الثمن حالا أو يصبر الى وقت الحلول فيطالب بالشفعة مع الثمن ، وأجيب عنه بأنه لا يلزم من عدم تساوى الذمم ، ثبوت أحد الأمرين المذكورين لإمكان التخلص بالضمين ، اما مطلقا كما يظهر من العلامة في المختلف ، أو مع عدم الملاءة.

أقول : وأشار إليه الشيخ فيما قدمنا من عبارته في النهاية بقوله ان لم يكن الشفيع مليا الزم بإقامة كفيل.

الخامسة عشر ـ إذا اختلف المشترى والشفيع في القيمة بعد الاتفاق في الشراء ، فقال المشترى : اشتريت بمأة ، وقال الشفيع : بل بخمسين ، فان لم يكن بينة لأحدهما فالظاهر من كلام أكثر الأصحاب أن القول قول المشترى مع يمينه ،


وبه صرح الشيخ في النهاية والشيخ المفيد وأبو الصلاح وابن إدريس.

قال في المختلف : وهو جيد ، لانه العاقد فهو أعرف بالثمن ، ولان الشقص ملكه ، فلا ينزع منه بالدعوى بغير بينه ، وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك الخلاف في ذلك ، قال : لان النزاع ليس في العقد ، لاتفاقهما معا على وقوعه صحيحا ، واستحقاق الشفعة به ، وانما نزاعهما في القدر الواجب على الشفيع دفعه من الثمن ، فالمشتري يدعى زيادته عما يدعيه ، والشفيع ينكره ، فيكون المشترى هو المدعى والشفيع هو المنكر ، فيدخل في عموم اليمين على من أنكر انتهى. وهو جيد.

وأما مع البينة قال في المسالك : فان كان من الشفيع على ما يدعيه قبلت ، بناء على أنه خارج ، وقد تقدم قول المشترى فيكون البينة بينة الأخر ، فإن كانت من المشترى قيل : أفادت اندفاع اليمين عنه ، وان كان في دفع اليمين عن المنكر بالبينة في غير هذه الصورة تردد ، والفرق أنه يدعى دعوى محضة ، وقد أقام بها بينة فتكون مسموعة ، ويشكل بأن جعله مدعيا دعوى محضة يوجب عدم قبول قوله فإنما توجه قبوله بتكلف كونه منكرا فلا يخرج عن حكم المنكر انتهى.

وان كانت من الطرفين فقد اختلف كلامهم في ذلك فقال الشيخ في الخلاف والمبسوط : البينة بينة المشتري أيضا ، وعلله في المبسوط بأنه الداخل ، وفي الخلاف بأنه المدعي لزيادة الثمن ، والشفيع ينكره فالبينة على المدعى ، وقال ابن الجنيد : إذا اختلف الشفيع والمشترى في الثمن كانت البينة على الشفيع في قدر الثمن إذا لم يقر له بالشفعة ، فإن أقر بها المشترى كانت البينة في قدر الثمن عليه ، والا كانت له يمين الشفيع ، لانه لا يستحق عليه زيادة على ما يقر به له من الثمن.

وقال ابن إدريس : البينة بينة الشفيع ، لانه خارج ، وقال العلامة في المختلف بعد نقل ذلك : ويحتمل عندي في هذه المسألة أمور ثلاثة أقويها تقديم بينة المشتري ، لأنها يرجح يقول المشتري ، فإنه مقدم على قول الشفيع ، وهذا بخلاف الداخل والخارج ، لان بينة الداخل يمكن أن تستند الى اليد ، فلهذا قدمنا بينة الخارج.


الثاني ـ بينة الشفيع ، لأنهما بينتان معارضتان ، فقدمت بينة من لا يقبل قوله عند عدمها كالداخل والخارج ، والثالث ـ القرعة لأنهما تنازعا في العقد ، ولا يد لهما عليه فصارا كالمتنازعين في عين في يد غيرهما انتهى.

أقول : وأنت خبير بأن مرجع هذا الخلاف الى الخلاف في تقديم بينة الخارج أو الداخل عند التعارض ، فعلى الأول تقدم بينة المشترى ، وعلى الثاني بينة الشفيع ، الا أن ظاهر كلامه في المختلف أن تقديم بينة المشترى لا من الحيثية المذكورة ، بل من حيث ترجحها بتقديم قوله ، وهذا الترجيح انما يتم بناء على ما هو المشهور عندهم ، والا فعلى ما قدمنا نقله عن المسالك من ان القول قول الشفيع بيمينه فلا.

وبالجملة فالمسألة لخلوها من النص الواضح صارت مطرحا للأنظار ، ومسرحا للافكار مع ما هي عليه من الاختلاف الذي لا يقف على حد ، ولا يصل الى عد. والله العالم.

السادسة عشر ـ إذا ظهر في الشقص الذي هو محل الشفعة عيب ، فان كان ذلك حال البيع وقبل أخذ الشفيع بالشفعة فالواجب أولا النظر فيما يستقر عليه حكم المشترى في هذه الصورة ، فإن اختار أخذ الأرش ، أو كان الحق منحصرا في الأرش بأن حدث في المبيع ما يمنع الرد ، فالحكم في الشفيع أنه يسقط عنه من الثمن ما قابل الأرش الذي أخذ المشتري ، لأنه جزء من الثمن ، والثمن حقيقة انما هو الباقي بعد الأرش ، وان لم يأخذ الأرش بل عفا عنه ، لانه حقه ان شاء تركه ، تخير الشفيع بين الأخذ بمجموع الثمن الذي وقع عليه العقد ، وبين الترك ، لانه لم يتجدد للثمن ما يوجب نقصه كما في الصورة الاولى.

وان كان ظهور العيب بعد الأخذ بالشفعة فهيهنا صور أربع ، لانه اما أن يكون المشترى والشفيع عالمين به وقت البيع ، أو جاهلين أو أحدهما عالم والأخر جاهل ، وهذه الصورة الثالثة تنحل الى صورتين ، وهو أن يكون المشترى عالما والشفيع جاهلا وبالعكس.

فالأولى أن يكونا عالمين فلا خيار لأحدهما ولا أرش ، لقدوم المشترى على الشراء والحال هذه ، والشفيع على الأخذ بالشفعة والحال كما عرفت ، وهذا ظاهر.


الثانية أن يكونا جاهلين ، فان اتفقا بعد العلم على رده فلا بحث ، وان اتفقا على أخذه مع الأرش أو بدونه صح ، والثمن اللازم للشفيع على الأول هو ما بعد الأرش ، وعلى الثاني هو ما وقع عليه العقد.

وأطلق في المسالك أن الثمن اللازم للشفيع ما بعد الأرش ، ولا أعرف له وجها ، لانه مع الاتفاق على عدم الأرش يبقى الثمن الذي وقع عليه العقد على حاله ، لم يعرض له ما يوجب نقصانه ، فكيف يكون اللازم للشفيع ما بعد الأرش والحال أنه لا أرش ، لاتفاقهما على الأخذ بدونه ، وان اختلفت إرادتهما فأراد الشفيع رده دون المشترى فله ذلك ، ويرجع المبيع إلى المشتري فيتخير بين أخذه مع الأرش أو بدونه أو عدم الأخذ بالكلية ان لم يحدث في المبيع ما يمنع الرد ، وان انعكس الأمر بأن أراد الشفيع أخذه ، وأراد المشتري رده ، فظاهر الأصحاب تقديم ارادة الشفيع لثبوت حقه وسبقه (1) وعلل أيضا بأن فيه جمعا بين الحقين ، لأنا لو قدمنا المشترى بطل حق الشفيع بالكلية مع ما عرفت من ثبوته وسبقه ، وإذا قدمنا الشفيع فإن المشتري يحصل له مثل ثمنه أو قيمته من الشفيع ، ولا يفوت عليه شي‌ء فيكون تقديمه جامعا بين الحقين.

بقي الكلام في أنه على ما ذكرنا من تقديم الشفيع وأخذه المبيع بما وقع عليه العقد من الثمن ، فلو أراد المشتري طلب الأرش والحال هذه ، فهل تجب اجابته ودفعه إليه أم لا؟ قولان : وبالثاني قال الشيخ (رحمه‌الله) وعلله بأنه استدرك ظلامته برجوع جميع الثمن اليه من الشفيع ، فلم يقف منه شي‌ء يطالب به.

وبالأول قال المحقق في الشرائع ، لأن حقه انما هو عند البائع ، حيث أن الأرش جزء من الثمن عوض جزء فات من المبيع ، فلا يجب عليه أن يقبل عوضه من الشفيع ، لان الواقع بين البائع والمشترى معاوضة مستقلة مغايرة لما وقع بينه و

__________________

(1) وذلك فان حقه ترتب على البيع واما حق المشترى فإنه انما ثبت بظهور العيب المتأخر عن وقت البيع ووقت الشفعة كما هو المفروض في أصل المسألة فيكون حق الشفيع أسبق ـ منه رحمه‌الله.


بين الشفيع ، وحقه انما هو عند البائع ، ولا يجب عليه قبول عوضه من الشفيع. والى هذا القول مال في المسالك أيضا ، وقال : انه أقوى ، قال : وحينئذ فله الرجوع على البائع بالأرش ، فيسقط عن الشفيع من الثمن بقدره ، لان الثمن ما يبقى بعد الأرش.

الثالثة ـ أن يعلم الشفيع بالعيب دون المشترى ، والحكم فيه لزومه للشفيع لقدومه على الأخذ مع علمه بالعيب ، وأما المشتري فالظاهر أنه ليس له الرد لانتقال المبيع الى الشفيع ، وبه صرح الأصحاب أيضا ، وعللوه بمراعاة حق الشفيع.

قالوا : وفي ثبوت الأرش للمشتري الوجهان المتقدمان ، قال في المسالك : والأصح ان له ذلك فيسقط عن الشفيع بقدره ، ولا يقدح فيه علمه بالحال لما بيناه من أنه يأخذ بالثمن وهو ما بعد الأرش.

الرابعة ـ أن يعلم المشتري خاصة ، وحينئذ فللشفيع رده بالعيب حيث أنه جاهل به ، وليس له أرش ، لأنه انما يأخذ بالثمن الذي وقع عليه العقد ، والمشترى لا أرش له هنا لقدومه على الشراء مع علمه بالعيب ، واستحقاق الشفيع الأرش فرع أخذ المشتري إياه والله العالم.

السابعة عشر ـ قالوا : وطريق الأخذ بالشفعة أن يقول : أخذت أو تملكت أو اخترت الأخذ ، ولكن لا يكفى مجرد القول ، بل لا بد من تسليم الثمن مع ذلك ، هذا مع عدم رضى المشترى بالشفعة ، فتصح الشفعة بذلك رضى أو لم يرض ، وأما مع رضاه بالشفعة ، والصبر بالثمن فلا يلزم تسليمه في صحة الشفعة ، ولكن يجب على الشفيع تسليمه عند الطلب ، كسائر الحقوق ، أقول : الظاهر أن كلما دل من الألفاظ على الأخذ بالشفعة ، وطلبها فهو موجب لذلك ، إذ لا تعرض للتخصيص بشي‌ء من الألفاظ في الاخبار ، لا في هذا الباب ولا في غيره من العقود حتى البيع الذي هو مطرح الانظار في أمثال هذه المقامات وأما الكلام في الثمن ووجوب تسليمه أو لا فقد تقدم الكلام فيه في المسألة الخامسة من هذا المقصد ، ثم ان ظاهر كلامهم أنه لا بد في الأخذ بالشفعة من معلومية الثمن عند الشفيع جنسا وقدرا ووصفا ، وعللوه بأنه لما كان الأخذ بالشفعة في


معنى المعاوضة المحضة ، لأنه يأخذ الشقص بالثمن الذي بيع به ، اشترط علمه به حين الأخذ حذرا من الغرر اللازم على تقدير الجهل ، لان الثمن يزيد وينقص والأغراض تختلف فيه قلة وكثرة ، وربما يزيد حيلة على زهد الشفيع في الأخذ مع اتفاقهما على إسقاط بعضه ، فلا يكفي أخذه بالشفعة مع عدم العلم به جنسا وقدرا ووصفا وان رضى بأخذه مهما كان الثمن ، لان دخوله على تحمل الغرر لا يرفع حكمه المترتب عليه شرعا من بطلان المعاوضة مع وجوده ، كما لو أقدم المشترى على الشراء بالثمن المجهول ورضى به كيف كان.

قالوا : وحيث لا يصح الأخذ لا تبطل الشفعة ، بل يجددها إذا علم به ، وظاهر المحقق الأردبيلي (قدس‌سره) المناقشة في الحكم المذكور حيث قال بعد ان نقل قول المصنف «انه لو قال : أخذت بالثمن كائنا ما كان وكان عالما بقدره صح والا فلا» : ما صورته «لا شك في الصحة مع العلم وأما مع الجهل فقال المصنف : لا يكفى وان ضم إليه كائنا ما كان ، ولعل دليله الجهل بالثمن وان الشفعة بمنزلة البيع بينه وبين المشترى ، ولا بد من العلم بالعوضين ، وذلك غير ظاهر ، وما نعرف لاشتراط العلم دليلا لا عقليا ولا شرعيا الا أن يكون إجماعا فتأمل انتهى.

وبالجملة فإن مرجع ما قدمنا من كلامهم الى إلحاق الشفعة بالبيع ، وحملها عليه من حيث الاشتراك في كونهما معاوضة ، وقد قام الدليل في البيع على وجوب العلم بالعوضين جنسا وقدرا ووصفا فكذا هنا.

وأنت خبير بما فيه ، فإنه عند التحقيق لا يخرج عن القياس المنهي عنه في الاخبار ، حيث أن أخبار الشفعة على تعددها وتكاثرها لا إشعار في شي‌ء منها بذلك والحكم به بدون ذلك مشكل.

وأما التعليل بالغرر فيمكن دفعه بأن الشفيع قد أقدم على ذلك ورضى به ، وقوله «أن دخوله على تحمل الغرر لا يدفع حكمه» مسلم لو ثبت هنا عدم جواز الدخول في هذا الحال ، وقياسه على البيع ممنوع ، لقيام الدليل في البيع ، فيتم ما ذكروه فيه ، أما هنا فهو محل البحث وعين المتنازع فيه والله العالم.


المقصد الخامس في موجبات سقوط الشفعة وبطلانها

فمنها أن يشترى شقصا لا يستوي إلا عشرة بمأة ويدفع عوض المأة ما يساوى عشرة ، فالشفيع اما ان يدفع المأة ، أو ينزل عن الشفعة ، لأنك قد عرفت أنه يأخذ بالثمن الذي وقع عليه العقد ان أراد الشفعة ، وأما دفع المشترى عوض المأة ما يساوى عشرة فهي معاوضة أخرى ، لا تعلق للشفيع بها ، وهذا من جملة الحيل لإسقاط الشفعة ، وفي معناه أن يبرءه من بعض الثمن.

ومنها ترك المطالبة بالشفعة مع العلم وعدم العذر ، بناء على القول بالفورية ، وأما على القول بعدمها فلا ، وقد تقدم تحقيق الكلام في ذلك في المسألة السادسة من المقصد السابق ، وأنه على القول الغير المشهور لا تسقط إلا بالإسقاط ، والا فهي ثابتة على التراخي.

ومنها ما لو نزل عن الشفعة قبل البيع على أحد القولين ، وقد تقدم تحقيق ذلك في المسألة الثالثة عشر من المقصد المذكور.

ومنها أن يشهد على البيع على أحد القولين فذهب الشيخ في النهاية وجماعة إلى بطلانها ، لدلالته على الرضا بالبيع ، وذهب في المبسوط الى عدمه ، للأصل ومنع الدلالة ، وتأثيرها على تقديرها في الابطال ، واختاره في المسالك.

ومنها أن يبارك للمشتري أو البائع العقد ، وهو محل خلاف أيضا ، وعلل القول بالبطلان اما لتضمنه الرضا ، أو لمنافاته الفورية ، قال في المسالك : والأصح عدم البطلان ، لمنع ، الأمرين ، أما الأول فواضح ، وأما الثاني فلان المعتبر فيها العرف ، ونحو السلام والدعاء عند الاجتماع لذلك وأشباهه لا ينافيها عرفا ، بل ربما كانت المبادرة إلى الأخذ بدون الكلام مستهجنا عادة انتهى.

أقول : ويزيده تأكيدا بالنسبة إلى الدلالة على الرضا أنه من المحتمل قريبا بل هو الظاهر ـ متى حصلت منه الشفعة أن الرضا بالبيع انما كان لكونه وسيلة إلى الأخذ بالشفعة ، فيكون مؤكدا لا منافيا ، وبالنسبة الى الثاني ما تقدم في المسألة


السادسة من المقصد المتقدم.

ومنها أن يأذن للمشتري في الابتياع ، وفيه أيضا قولان : أظهرهما عدم الابطال واحتج القائل بالإبطال بدلالة الاذن على الرضا المبطل لها ، وفيه منع ظاهر ، لما عرفت آنفا من أن الرضا ان لم يكن دالا على الجواز لكونه وسيلة إلى الأخذ بالشفعة لم يكن مبطلا.

والتحقيق في هذه المواضع الخلافية ونحوها أن الشفعة لا تبطل الا مع التصريح بإسقاطها بمد ثبوتها ، أو منافاته الفورية على القول باعتبارها.

ومنها وهو من الحيل أيضا في إسقاط الشفعة أن ينقل الشقص بغير البيع كالهبة والصلح على الأشهر الأظهر من اختصاص الشفعة بالبيع ، كما تقدم تحقيقه في المقصد الثاني في الشروط ، وسقوط الشفعة هنا حقيقة لفقد الشرط المقتضى لثبوتها ، وهو انتقال الشقص بالبيع.

ومنها أن يبيع جزءا من الشقص بثمن كله ، ثم يهب له باقي الشقص.

ومنها أن يبيع عشر الشقص مثلا بتسعة أعشار الثمن ، ثم يبيع تسعة أعشاره بعشر الثمن ، فالشريك الأول لا يرغب في الشفعة في البيع الأول لقلة المبيع ، وكثرة الثمن ، ولا شفعة له أيضا في البيع الثاني لتعدد الشركاء ، لان الأشهر الأظهر اشتراط وحدة الشريك كما تقدم تحقيقه ، وذلك لان المشتري حال البيع الثاني صار شريكا.

ومنها أن يبيعه بثمن قيمي كثوب مثلا ، ثم يبادر البائع بعد قبضه إلى إتلافه قبل العلم بثمنه ، أو يخلطه بغيره بحيث لا يتميز ، فإنه تندفع الشفعة هنا لعدم معلومية الثمن والجهل به ، لأن الشفعة في القيمي انما يكون بقيمته ، وهي هنا غير معلومة.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *