ج11 - قضاء الصلاة
بِسْمِ
اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الباب الرابع
والكلام يقع في هذا الباب في مقاصد الأول ـ في القضاء وهو
إما أن يكون عن الإنسان نفسه أو عن غيره من الأموات ، فهنا مطلبان (الأول) ـ في
قضاء الإنسان عن نفسه ما فاته وفيه مسائل :
الأولى ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله
عليهم) في عدم قضاء ما فات بصغر أو جنون أو حيض أو نفاس أو كفر أصلي.
ويدل على الأولين مضافا الى الإجماع حديث رفع القلم عن
الصبي والمجنون (1) كما ذكره بعض
الأصحاب. إلا ان فيه ان غاية ما يدل عليه سقوط الأداء ، ويمكن إتمام الاستدلال به
بأنه لما دل على سقوط الأداء ـ ومن الظاهر عدم ترتب القضاء على مجرد فوات الأداء
بل لا بد له من أمر جديد على الأشهر الأظهر ـ فلا قضاء حينئذ لعدم الدليل عليه.
وقيد شيخنا الشهيد الثاني في الروض الثاني بما إذا لم يكن سبب الجنون من فعله وإلا
وجب عليه القضاء كالسكران. انتهى. وعلى الثالث
__________________
(1) الوسائل الباب 4 من مقدمة العبادات ، وسنن ابى داود ج 4 ص
141 حد الزنا.
والرابع ما تقدم في كتاب الطهارة.
وعلى الخامس مضافا الى الإجماع المذكور قوله سبحانه «قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ... الآية» (1) والخبر وهو قوله
صلىاللهعليهوآله (2) «الإسلام يجب ـ
أو يهدم ـ ما قبله».
وتقييد الكفر بالأصلي كما ذكرنا وقع في عبائر أصحابنا
أيضا للاحتراز عن العارض كالمرتد وسيأتي حكمه ان شاء الله تعالى في المقام.
إنما الخلاف في المغمى عليه إذا استوعب الإغماء جميع وقت
الصلاة فقد اختلفت فيه كلمة الأصحاب الظاهر اختلاف الأخبار في هذا الباب ،
فالمشهور انه لا يجب القضاء عليه ، وعن بعض الأصحاب انه يقضى آخر أيام إفاقته إن
أفاق نهارا أو آخر ليلته إن أفاق ليلا ، وقال الصدوق في المقنع (3) : اعلم ان
المغمى عليه يقضى جميع ما فاته من الصلوات ، وروى ليس على المغمى عليه ان يقضى إلا
صلاة اليوم الذي أفاق فيه والليلة التي أفاق فيها ، وروى انه يقضى صلاة ثلاثة أيام
، وروى انه يقضى الصلاة التي أفاق في وقتها. وهو كما ترى ظاهر في اختياره قضاء
جميع ما فاته. والعجب منه (قدسسره) انه بعد أن
اختار وجوب القضاء عليه لجميع ما فاته أسند الأقوال الباقية إلى الرواية ولم يتعرض
الى سقوط القضاء بالكلية مع انه المشهور وهو الذي تظافرت به الأخبار كما سيظهر لك
ان شاء الله تعالى.
والأظهر هو القول المشهور ، ويدل عليه من الأخبار ما
رواه الشيخ في الصحيح عن أيوب بن نوح (4) قال : «كتبت الى ابى الحسن الثالث عليهالسلام اسأله عن
المغمى عليه يوما أو أكثر هل يقضى ما فاته من الصلاة أم لا؟ فكتب لا يقضى الصوم
ولا يقضي الصلاة».
وعن الحلبي في الصحيح عن ابى عبد الله عليهالسلام (5) قال : «سألته
عن المريض
__________________
(1) سورة الأنفال الآية 39 «قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ
يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ».
(2) الخصائص الكبرى ج 1 ص 249 وصحيح مسلم باب الايمان.
(3 و 4 و 5) الوسائل الباب 3 من قضاء الصلوات.
هل يقضى الصلاة إذا أغمي عليه؟ قال لا
إلا الصلاة التي أفاق فيها».
وعن حفص في الصحيح عن ابى عبد الله عليهالسلام (1) قال : «يقضى
الصلاة التي أفاق فيها».
وعن على بن مهزيار في الصحيح (2) قال : «سألته
عن المغمى عليه يوما أو أكثر هل يقضى ما فاته من الصلاة أم لا؟ فكتب لا يقضى الصوم
ولا يقضي الصلاة». ورواه في الفقيه في الصحيح عن على بن مهزيار ايضا (3) وزاد فيه «وكل
ما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر».
وعن ابى بصير في الموثق أو الصحيح أو الضعيف ـ بالنظر
الى الخلاف في أبي بصير ـ عن أحدهما (عليهماالسلام) (4) قال : «سألته
عن المريض يغمى عليه ثم يفيق كيف يقضى صلاته؟ قال يقضى الصلاة التي أدرك وقتها».
وعن أبي أيوب عن ابى عبد الله عليهالسلام (5) قال : «سألته
عن رجل أغمي عليه أياما لم يصل ثم أفاق أيصلى ما فاته؟ قال لا شيء عليه».
وعن معمر بن عمر في الحسن اليه وهو مجهول (6) قال : «سألت
أبا جعفر عليهالسلام عن المريض
يقضي الصلاة إذا أغمي عليه؟ قال لا».
وفي الصحيح الى على بن محمد بن سليمان وهو مجهول (7) قال : «كتبت
الى الفقيه ابى الحسن العسكري عليهالسلام اسأله عن
المغمى عليه يوما أو أكثر هل يقضى ما فاته من الصلاة أم لا؟ فكتب لا يقضى الصوم
ولا يقضي الصلاة».
وما رواه الكليني والشيخ في الصحيح أو الحسن عن حفص بن
البختري عن ابى عبد الله عليهالسلام (8) قال : «سمعته
يقول في المغمى عليه قال ما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر».
وما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليهالسلام (9) «في الرجل يغمى
عليه الأيام؟ قال لا يعيد شيئا من صلاته».
__________________
(1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6 و 7 و 8 و 9) الوسائل الباب 3 من قضاء
الصلوات.
وعن عبد الله بن سنان في الصحيح أو الحسن عن ابى عبد
الله عليهالسلام (1) قال : «كل ما
غلب الله عليه فليس على صاحبه شيء».
وعن العلاء بن الفضيل (2) قال : «سألت
أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يغمى
عليه يوما الى الليل ثم يفيق قال ان أفاق قبل غروب الشمس فعليه قضاء يومه هذا ،
فإن أغمي عليه أياما ذوات عدد فليس عليه ان يقضى إلا آخر أيامه إن أفاق قبل غروب
الشمس وإلا فليس عليه قضاء».
وعن ابى بصير في الموثق أو الصحيح أو الضعيف ـ كما تقدم
ـ عن ابى عبد الله عليهالسلام (3) قال : «سألته
عن الرجل يغمى عليه نهارا ثم يفيق قبل غروب الشمس؟ قال يصلى الظهر والعصر ، ومن
الليل إذا أفاق قبل الصبح قضى صلاة الليل».
وعن عبد الله بن محمد الحجال في الصحيح (4) قال «كتبت
اليه جعلت فداك روى عن ابى عبد الله عليهالسلام في المريض
يغمى عليه أياما فقال بعضهم يقضى صلاة يومه الذي أفاق فيه ، وقال بعضهم يقضى صلاة
ثلاثة أيام ويدع ما سوى ذلك ، وقال بعضهم انه لا قضاء عليه؟ فكتب يقضى صلاة اليوم
الذي يفيق فيه».
وروى الصدوق «قدسسره» في كتاب
العيون والعلل في الصحيح عن الفضل ابن شاذان عن الرضا عليهالسلام (5) في حديث قال :
«وكذلك كل ما غلب الله عليه مثل المغمى عليه يغمى عليه في يوم وليلة فلا يجب عليه
قضاء الصلوات كما قال الصادق عليهالسلام كل ما غلب
الله على العبد فهو أعذر له».
وروى في كتاب قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده
على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهالسلام (6) قال : «سألته
عن المريض يغمى عليه أياما ثم يفيق ما عليه من قضاء ما ترك من الصلاة؟ قال يقضى
صلاة ذلك اليوم».
__________________
(1 و 2 و 3 و 4 و 5) الوسائل الباب 3 من قضاء الصلوات.
(6) الوسائل الباب 3 من قضاء الصلوات. وفيه وفي قرب الاسناد ص
97 «يقضى صلاة اليوم الذي أفاق فيه».
وقال الرضا عليهالسلام في كتاب الفقه
الرضوي (1) «قال العالم عليهالسلام ليس على
المريض ان يقضى الصلاة إذا أغمي عليه إلا الصلاة التي أفاق في وقتها».
وروى الصدوق في كتاب الخصال بسنده عن موسى بن بكر (2) قال : «قلت
لأبي عبد الله عليهالسلام الرجل يغمى
عليه اليوم واليومين والثلاثة والأربعة وأكثر من ذلك كم يقضى من صلاته؟ فقال ألا
أخبرك بما يجمع لك هذا وأشباهه : كل ما غلب الله عزوجل عليه من أمر
فالله أعذر لعبده». وزاد فيه غيره (3) «ان أبا عبد
الله عليهالسلام قال وهذا من
الأبواب التي يفتح كل باب منها الف باب».
وروى في بصائر الدرجات عن احمد بن محمد مثله (4).
هذا ما وقفت عليه من الأخبار الدالة على القول المشهور
وهي كما ترى مع كثرتها فيه واضحة الظهور.
وأما روايات المسألة الباقية فمنها ما رواه الشيخ في
الصحيح عن حفص عن ابى عبد الله عليهالسلام (5) قال : «سألته
عن المغمى عليه يوما الى الليل قال يقضى صلاة يوم».
وعن سماعة في الموثق (6) قال : «سألته عن المريض يغمى عليه
قال : إذا جاز عليه ثلاثة أيام فليس عليه قضاء وان أغمي عليه ثلاثة أيام فعليه
قضاء الصلاة فيهن».
__________________
(1 و 4) البحار ج 18 الصلاة ص 677.
(2 و 3) الوسائل الباب 8 من قضاء الصلوات.
(5) الوسائل الباب 4 من قضاء الصلوات. وليس في الوسائل ولا في
التهذيب ج 1 ص 238 في هذا الحديث «يوما الى الليل» وانما هو في الوافي باب صلاة
المغمى عليه ، فقد نقله من التهذيب بطريقين وفيه هذا القول ، والموجود في التهذيب
والوسائل انما هو أحد الطريقين ولم نقف على الطريق الآخر. ولا يخفى ان الشيخ في
التهذيب ج 1 ص 421 يروى من طريق حفص الحديث رقم (5) إلا انه لا يشتمل على السؤال
ومورد الكلام انما هو حديث حفص المشتمل على السؤال.
(6) الوسائل الباب 4 من قضاء الصلوات.
وعن حفص بن البختري في الصحيح عن ابى عبد الله عليهالسلام (1) قال : «المغمى
عليه يقضى صلاة ثلاثة أيام».
وعن حفص في الصحيح عن ابى عبد الله عليهالسلام (2) قال : «يقضى
المغمى عليه ما فاته».
وعن حفص في الصحيح عن ابى عبد الله عليهالسلام (3) قال : «يقضى
صلاة يوم».
وعن ابى بصير (4) قال : «قلت لأبي جعفر عليهالسلام رجل أغمي عليه
شهرا أيقضى شيئا من صلاته؟ قال يقضى منها ثلاثة أيام».
وعن ابى كهمس (5) قال : «سمعت أبا عبد الله عليهالسلام وسئل عن
المغمى عليه أيقضى ما ترك من الصلاة؟ فقال أما انا وولدي وأهلي فنفعل ذلك».
وفي الحسن أو الصحيح عن إبراهيم بن هاشم عن غير واحد عن
منصور بن حازم عن ابى عبد الله عليهالسلام (6) «انه سأله عن
المغمى عليه شهرا أو أربعين ليلة قال فقال ان شئت أخبرتك بما آمر به نفسي وولدي ان
تقضى كل ما فاتك».
وفي الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليهالسلام (7) قال : «كل شيء
تركته من صلاتك لمرض أغمي عليك فيه فاقضه إذا أفقت».
وفي الحسن عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليهالسلام (8) قال : «سألته
عن الرجل يغمى عليه ثم يفيق قال يقضى ما فاته يؤذن في الأولى ويقيم في البقية».
وفي الصحيح عن منصور بن حازم عن ابى عبد الله عليهالسلام (9) «في المغمى
عليه قال يقضى كل ما فاته».
وعن رفاعة في الصحيح عن ابى عبد الله عليهالسلام (10) قال : «سألته
عن المغمى عليه شهرا ما يقضى من الصلاة؟ قال يقضيها كلها ، ان أمر الصلاة شديد».
وروى في الذكرى عن إسماعيل بن جابر (11) قال : «سقطت
عن بعيري
__________________
(1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6 و 7 و 8 و 9 و 10 و 11) الوسائل الباب
4 من قضاء الصلوات.
فانقلبت على أم رأسي فمكثت سبع عشرة
ليلة مغمى على فسألته عن ذلك فقال اقض مع كل صلاة صلاة». ونقل في الذكرى (1) عن ابن إدريس
انه قال : «وروى انه يقضى صلاة شهر» أقول : وهذه الرواية لم تصل إلينا.
وكيف كان فالظاهر ـ كما ذكره الشيخ وقبله الصدوق في
الفقيه وهو المشهور ـ هو حمل هذه الأخبار على الاستحباب كما يشير اليه خبر ابى
كهمس ورواية منصور بن حازم الأولى وان تفاوتت مراتبه بالجميع أو الشهر أو الثلاثة
أو اليوم الواحد فهي مترتبة في الفضل والاستحباب.
قال في الفقيه (2) واما الأخبار التي رويت في المغمى
عليه ـ انه يقضى جميع ما فاته وما روى انه يقضى صلاة شهر وما روى انه يقضى صلاة
ثلاثة أيام ـ فهي صحيحة ولكنها على الاستحباب لا على الإيجاب والأصل انه لا قضاء
عليه. انتهى.
والعجب ان هذا كلامه في الفقيه مع انه كما تقدم من عبارة
المقنع اختار وجوب قضاء جميع ما فاته ، وهذا من نوادر الاتفاق له في اختلاف الفتوى
في مسألة واحدة وان كان ذلك كثيرا في كلام المجتهدين من أصحابنا (رضوان الله عليهم)
تنبيهات
الأول ـ قد صرح غير واحد من أصحابنا (رضوان الله عليهم)
بأنه لا يلحق بالكافر الأصلي من حكم بكفره من منتحلي الإسلام ولا غيرهم من
المخالفين ، فان الحكم في هؤلاء جميعا هو انهم بعد الاستبصار والرجوع الى الدين
الحق يجب عليهم قضاء ما فاتهم لو أخلوا بشيء من واجباته اما ما كان صحيحا في
مذهبهم فلا اعادة عليهم فيه.
اما الأول فلعموم الأدلة الدالة على وجوب قضاء الفائت (3) الشامل لمحل
البحث ، وخروج الكافر الأصلي بدليل مختص به فيبقى ما عداه داخلا تحت العموم.
__________________
(1) ص 135 وفي البحار ج 18 الصلاة ص 676.
(2) ج 1 ص 237.
(3) الوسائل الباب 1 من قضاء الصلوات.
واما الثاني فللأخبار المستفيضة الدالة على ذلك ، ومنها
ما رواه ثقة الإسلام والشيخ عنه في الصحيح أو الحسن عن زرارة وبكير والفضيل ومحمد
بن مسلم وبريد العجلي عن ابى جعفر وابى عبد الله (عليهماالسلام) (1) «انهما قالا في
الرجل يكون في بعض هذه الأهواء : الحرورية والمرجئة والعثمانية والقدرية ثم يتوب
ويعرف هذا الأمر ويحسن رأيه أيعيد كل صلاة صلاها أو صوم أو زكاة أو حج أو ليس عليه
إعادة شيء من ذلك؟ قال ليس عليه إعادة شيء من ذلك غير الزكاة لا بد أن يؤديها
لأنه وضع الزكاة في غير موضعها وانما موضعها أهل الولاية».
ومنها ـ ما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن ابن
أذينة (2) قال : «كتب
الى أبو عبد الله عليهالسلام ان كل عمل
عمله الناصب في حال ضلاله أو حال نصبه ثم من الله عليه وعرفه هذا الأمر فإنه يؤجر
عليه ويكتب له إلا الزكاة فإنه يعيدها لانه وضعها في غير موضعها وانما موضعها أهل
الولاية ، وأما الصلاة والصوم فليس عليه قضاؤهما».
ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن بريد بن معاوية
العجلي عن ابى عبد الله عليهالسلام (3) في حديث قال
فيه «وكل عمل عمله وهو في حال نصبه وضلالته ثم من الله عليه وعرفه الولاية فإنه
يؤجر عليه إلا الزكاة. الى ان قال : وأما الصلاة والحج والصيام فليس عليه قضاء».
ومنها ـ ما رواه الكشي بسنده عن عمار الساباطي (4) قال : «قال
سليمان بن خالد لأبي عبد الله عليهالسلام وانا جالس انى
منذ عرفت هذا الأمر أصلي في كل يوم صلاتين اقضى ما فاتنى قبل معرفتي قال لا تفعل
فان الحال التي كنت عليها أعظم من ترك ما تركت من الصلاة».
أقول : ظاهر هذا الخبر عدم وجوب قضاء ما تركه حال ضلاله
، وهو
__________________
(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 3 من المستحقين للزكاة.
(4) الوسائل الباب 31 من مقدمة العبادات.
خلاف ما صرح به الأصحاب من وجوب قضاء
ما تركه كما عرفت.
وشيخنا الشهيد في الذكرى قد نقل هذا الخبر من كتاب
الرحمة عن عمار كما ذكرناه ثم قال : وهذا الحديث مع ندوره وضعف سنده لا ينهض مخصصا
للعموم مع قبوله التأويل بأن يكون سليمان يقضى صلاته التي صلاها وسماها فائتة بحسب
معتقده الآن ، لأنه اعتقد انه بحكم من لم يصل لمخالفتها في بعض الأمور ، فيكون
معنى قول الامام عليهالسلام «من ترك.» ما
تركت من شرائطها وأفعالها ، وحينئذ لا دلالة فيه على عدم قضاء الفائتة حقيقة في
الحال الاولى. انتهى.
واستشكل العلامة في التذكرة سقوط القضاء عن من صلى منهم
أو صام لاختلال الشرائط والأركان. والظاهر بعده لدلالة الأخبار الصحيحة كما ترى
على خلافه ، والمستفاد من هذه الأخبار ترتب الثواب على تلك الأعمال بعد الدخول في
الإيمان وان كانت باطلة واقعا تفضلا منه سبحانه لرجوعه الى المذهب الحق ، وبطلانها
سابقا لا ينافي ترتب الثواب عليها أخيرا لأن الثواب هنا انما هو تفضلى لا استحقاقي
لتبعيته للصحة والحال انها غير صحيحة كما عرفت.
قيل : وصحيحة الفضلاء المتقدمة تدل على عدم الفرق في
الحكم المذكور بين من يحكم بإسلامه من فرق المخالفين ومن يحكم بكفره من أهل القبلة
، لأن من جملة من ذكر فيها صريحا الحرورية وهم كفار لأنهم خوارج.
أقول : هذا الخبر وأمثاله إنما خرج بناء على كفر
المخالفين وانه لا فرق بينهم وبين الخوارج كما هو مذهب متقدمي الأصحاب وبه استفاضت
الأخبار كما قدمناه ذكره في كتاب الطهارة ، والحكم بإسلام المخالفين انما وقع في
كلام جملة من المتأخرين غفلة عن التعمق في الأخبار والنظر فيها بعين الفكر
والاعتبار ، وسيأتي مزيد تحقيق للمسألة ان شاء الله تعالى في كتاب الحج.
الثاني ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو حصل
الإغماء بفعل المكلف كشرب المسكر وشرب المرقد وجب القضاء ، أسنده في الذكرى الى
الأصحاب ، واستدل عليه بأنه مسبب عن
فعله. قال في المدارك : والاعتماد في ذلك على النصوص المتضمنة لوجوب قضاء الفوائت (1) المتناولة
بعمومها لهذه الصورة.
وقال الفاضل الخراساني في الذخيرة : واعلم ان ظاهر
الأدلة عدم الفرق بين أن يكون الإغماء من غير فعله أم لا ، وذكر الشهيد انه لو
أغمي عليه بفعله وجب عليه القضاء وأسنده إلى الأصحاب والحجة عليه غير واضحة.
انتهى. وظاهره المخالفة في الحكم المذكور وستعرف ما فيه ان شاء الله تعالى.
قالوا : ولو أكل غذاء لم يعلم بكونه مقتضيا للإغماء
فاتفق انه آل إلى الإغماء لم يجب عليه قضاء ما يفوته من الصلاة في حال الإغماء.
قال في المدارك : والوجه فيه إطلاق النصوص المتضمنة
لسقوط القضاء عن المغمى عليه (2) ثم قال : ولو
علم بكون الغذاء موجبا للإغماء قيل وجب القضاء كتناول المسكر ، ولو شربت المرأة
دواء للحيض أو لسقوط الولد فتصير نفساء لم يجب عليها القضاء للعموم وبه قطع
الشهيدان ، وفرقا بين ذلك وبين تناول الغذاء المقتضى للإغماء بأن سقوط القضاء
عنهما عزيمة لا رخصة وتخفيف بخلاف المغمى عليه. وفي هذا الفرق نظر. انتهى.
أقول وبالله سبحانه الثقة : لا ريب انه في جميع هذه
الفروض المذكورة قد تعارض فيها إطلاق الأخبار الدالة على سقوط القضاء عن المغمى
عليه بناء على الأشهر الأظهر وإطلاق الأخبار الدالة على وجوب القضاء على من فاتته
صلاة فتقييد أحد الإطلاقين بالآخر يحتاج الى مرجح ، إلا ان الظاهر من اخبار
الإغماء ـ بالنظر الى ما دل عليه جملة منها من أن سقوط القضاء عن المغمى عليه انما
هو من حيث ابتلاء الله سبحانه له بذلك المرض فهو سبحانه أعذر لعبده ، كما في صحيحة
حفص بن البختري (3) من قوله «ما
غلب الله عليه فالله أولى بالعذر». وفي حسنة عبد الله
__________________
(1) الوسائل الباب 1 من قضاء الصلوات.
(2) الوسائل الباب 3 من قضاء الصلوات.
(3) ص 4 و 5 و 6 والراوي في الثانية «ابن سنان».
ابن المغيرة «كل ما غلب الله عليه
فليس على صاحبه شيء». ونحوه في صحيحة على بن مهزيار برواية الفقيه ورواية موسى بن
بكر الصريحة في أن هذا أحد القواعد الكلية والأبواب التي ينفتح منها الف باب ـ هو
أنها أخص من اخبار القضاء ، وحينئذ فيجب تقييد إطلاق أخبار القضاء بها في هذا
المقام في جميع ما ذكروه من الأفراد التي تعارض فيها الإطلاقان المذكوران ، فان
الجميع ظاهر كما ترى في أن سقوط القضاء عن المغمى عليه انما هو من حيث كون الإغماء
من قبله سبحانه وفعله بعبده ، وحينئذ فإلحاق الإغماء الحاصل من قبل المكلف به وان
كان عن جهل ليس بجيد بل حكمه حكم ما لو تعمد ذلك من وجوب القضاء.
ومن هذا التعليل الذي قد عرفت انه من القواعد الكلية
والضوابط الإلهية يفهم ايضا وجوب القضاء على الحائض والنفساء إذا كان عروض ذلك من
قبلهما بشرب الدواء وان كان ظاهر الأصحاب خلافه عملا بإطلاق أخبار الحيض كما ذكره
السيد المذكور.
هذا ، مع انهم صرحوا في غير مقام بأن الأحكام المودعة في
الأخبار انما تنصرف وتحمل على الأفراد الشائعة المتكررة فإنها هي التي يتبادر
إليها الإطلاق دون الفروض النادرة الوقوع. وبذلك يظهر لك ما في كلام الفاضل
الخراساني المتقدم في المسألة الأولى وكلام السيد في الثانية جريا على كلام
الأصحاب في الباب.
واستثنى جماعة من متأخري الأصحاب من الموجب للقضاء السكر
الذي يكون الشارب غير عالم به أو أكره عليه أو اضطر إليه لحاجة. وفيه ما عرفت من
ان مدار الحكم في سقوط القضاء عن المغمى عليه هو كون الإغماء من قبله سبحانه ، فكل
ما كان كذلك فإنه لا قضاء وما لم يكن كذلك فالواجب القضاء عملا بإطلاق أخبار وجوب
القضاء لعدم المخصص لها ، مؤيدا ذلك بما ذكرناه من عدم انصراف إطلاق الحكم بسقوط
القضاء عن المغمى عليه الى هذه الأفراد النادرة الوقوع. والله العالم.
الثالث ـ قال في الذكرى ـ بعد أن ذكر ان مما يوجب القضاء
النوم المستوعب
وشرب المرقد ـ ما لفظه : ولو كان
النوم على خلاف العادة فالظاهر التحاقه بالإغماء وقد نبه عليه في المبسوط. انتهى.
أقول : لا يخفى ان الأخبار الواردة بوجوب قضاء النائم
لما نام عنه شاملة بإطلاقها لهذا الفرد المذكور فلا أعرف لاستثنائه دليلا معتمدا.
ومن الأخبار المشار إليها ما رواه الشيخ في الصحيح عن
زرارة عن ابى جعفر عليهالسلام (1) قال : «سألته
عن رجل صلى ركعتين بغير طهور أو نسي صلاة لم يصلها أو نام عنها؟ قال يقضيها إذا
ذكرها في أي ساعة ذكرها من ليل أو نهار».
وفي الصحيح عن عبد الله بن مسكان رفعه الى ابى عبد الله عليهالسلام (2) قال : «من نام
قبل ان يصلى العتمة فلم يستيقظ حتى يمضى نصف الليل فليقض صلاته وليستغفر الله». الى
غير ذلك من الأخبار.
ويدل على ذلك إطلاق الأخبار الدالة على ان من فاتته
فريضة بنوم أو غيره فإنه يجب عليه قضاؤها وهي كثيرة :
ومنها ـ صحيحة حماد بن عثمان (3) «انه سأل أبا
عبد الله عليهالسلام عن رجل فاته
شيء من الصلوات فذكر عند طلوع الشمس أو عند غروبها؟ قال فليصل حين يذكر».
وصحيحة معاوية بن عمار (4) قال : «سمعت
أبا عبد الله عليهالسلام يقول خمس
صلوات لا تترك على حال. الى ان قال في تعداد الخمس المذكورة : وإذا نسيت فصل إذا
ذكرت».
وصحيحة زرارة أو حسنته الطويلة الواردة في ترتب الفوائت (5) وغيرها من
الأخبار الكثيرة.
__________________
(1) الوسائل الباب 1 و 2 من قضاء الصلوات واللفظ «سئل» وليس
فيه «ركعتين».
(2) الوسائل الباب 17 و 29 من مواقيت الصلاة.
(3 و 4) الوسائل الباب 39 من مواقيت الصلاة.
(5) الوسائل الباب 63 من مواقيت الصلاة.
ومن هنا صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بوجوب قضاء كل
ما فاته عمدا أو سهوا بنوم أو سكر أو شرب مرقد أورده عن الإسلام إلا ما استثنى مما
تقدم ذكره. والله العالم.
المسألة الثانية ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله
عليهم) في أن من ترك الصلاة مستحلا تركها فان كان ممن ولد على فطرة الإسلام فإنه
يقتل من غير استتابة. لأنه مرتد لإنكاره ما علم ثبوته من الدين ضرورة ، ومن حكم
المرتد الفطري القتل وان تاب ، إلا ان الاخبار ـ كما تقدم جملة منها في المقدمة
الاولى من مقدمات هذا الكتاب ـ دلت على الكفر مطلقا من غير قيد الاستحلال ، وقد مر
تحقيق الكلام في ذلك في الموضع المشار اليه (1) وبينا انه لا مانع من حمل الكفر فيها
على المعنى الحقيقي.
قالوا : وفي حكم استحلال الصلاة استحلال شرط مجمع عليه
كالطهارة أو جزء كالركوع دون المختلف فيه كتعين الفاتحة ووجوب الطمأنينة ، وكأنهم
بنوا ذلك على الفرق بين ضروري الدين وضروري المذهب وإلا فتعين الفاتحة ووجوب
الطمأنينة لا خلاف فيه عندنا وانما الخلاف فيهما بين العامة والخاصة. والفرق
المذكور لا يخلو عندي من اشكال لعدم ظهور الدليل عليه.
وكيف كان فهذا الحكم مختص بالرجل دون المرأة فإنها لا
تقتل بل تستتاب فإن أبت فإنها تحبس وتضرب أوقات الصلاة حتى تتوب أو تموت.
وان كان التارك مستحلا مليا بان كان كافرا ثم أسلم
استتيب أولا فإن امتنع قتل.
وان لم يكن مستحلا عزر فان عاد عزر فان عاد ثالثة قتل
على قول وقيل انما يقتل في الرابعة ، والخلاف هنا مبنى على الخلاف في أصحاب
الكبائر هل يقتلون في الثالثة أو الرابعة؟ ولتحقيق المسألة محل آخر.
__________________
(1) ج 6 ص 18.
ولا خلاف في ان المرتد فطريا كان أو مليا إذا رجع الى
الإسلام فإنه يقضى زمان ردته ، والمستند فيه عموم الأخبار الدالة على وجوب قضاء
الفوائت (1) خرج ما خرج
بالدليل وبقي الباقي.
وهذا الحكم واضح في المرتد الملي والمرأة مطلقا ملية أو
فطرية فإنه لا اشكال ولا خلاف في قبول توبتهما متى تابا.
وانما الخلاف والإشكال في الرجل المرتد إذا كان فطريا هل
تقبل توبته أم لا؟ ففيه أقوال ثلاثة : (الأول) ـ وهو المشهور على ما صرح به شيخنا
الشهيد الثاني في كتاب الميراث من المسالك ـ عدم قبولها مطلقا ، قال في الموضع
المذكور من الكتاب المشار اليه : واما عدم قبولها مطلقا فالمشهور ذلك عملا بإطلاق
الاخبار (2) والحق قبولها
في ما بينه وبين الله تعالى حذرا من التكليف بما لا يطاق. انتهى. وبذلك يظهر ما في
كلام بعض مشايخنا المعاصرين حيث ادعى ان المشهور هو قبولها باطنا وعدم قبولها
ظاهرا (الثاني) قبولها مطلقا باطنا وظاهرا وهو منقول عن ابن الجنيد (الثالث)
قبولها باطنا وعدم قبولها ظاهرا وهو اختيار شيخنا الشهيد الثاني كما سمعت من كلامه
وعليه جملة من المتأخرين وهو الظاهر عندي ، وبه يجمع بين أدلة المسألة ويزول عنها
الاختلاف ، وحينئذ فتجري عليه الأحكام التي أوجبتها الردة من القتل وبينونة الزوجة
وقسمة أمواله على الورثة وتصح عباداته في ما بينه وبين الله سبحانه وتقبل منه لو
اتفق ذلك قبل القتل وبعد التوبة.
حجة القول المشهور ظواهر الاخبار مثل قول ابى جعفر عليهالسلام في حسنة محمد
بن مسلم «وقد سأل عن المرتد فقال من رغب عن الإسلام وكفر بما انزل على محمد صلىاللهعليهوآله بعد إسلامه
فلا توبة له وقد وجب قتله وبانت منه امرأته ويقسم ما ترك على ولده».
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 1 من حد المرتد.
وقول ابى عبد الله عليهالسلام في موثقة عمار
الساباطي (1) «كل مسلم بين
مسلمين ارتد عن الإسلام وجحد محمدا صلىاللهعليهوآله نبوته وكذبه
فإن دمه مباح لكل من سمع ذلك منه وامرأته عدة بائنة منه يوم ارتد فلا تقربه ويقسم
ماله على ورثته ، وتعتد امرأته المتوفى عنها زوجها ، وعلى الامام ان يقتله ولا
يستتيبه».
ونحوهما غيرهما من الاخبار ، وظاهرهما عدم القبول مطلقا
لإجرائه مجرى الميت في الأحكام المذكورة.
حجة القول بالقبول باطنا وعدمه ظاهرا كما هو المختار
الجمع بين الاخبار المذكورة وبين ما دل على قبول التوبة من الآيات القرآنية
والاخبار النبوية.
ومن الآيات قوله عزوجل «وَمَنْ
يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ
وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً إِلّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً
فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ» (2) وقوله سبحانه «فَمَنْ
تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ
غَفُورٌ رَحِيمٌ» (3) ومفهوم قوله عزوجل «وَمَنْ
يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ» (4).
ومن الأخبار حسنة محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليهالسلام (5) قال : «من كان
مؤمنا فعمل خيرا في إيمانه ثم أصابته فتنة فكفر ثم تاب بعد كفره كتب له وحسب كل شيء
كان عمله في إيمانه ولا يبطله الكفر إذا تاب بعد كفره». الى غير ذلك من الآيات
والروايات.
وكذا ما دل على توجه خطاب التكليف اليه من عموم أدلة
التكاليف لكل بالغ عاقل مسلم فيلزم صحة عباداته وقبولها منه المستلزم لقبول التوبة
باطنا وإلا لزم
__________________
(1) الوسائل الباب 1 من حد المرتد.
(2) سورة الفرقان الآية 68 و 69.
(3) سورة المائدة الآية 42.
(4) سورة البقرة الآية 214.
(5) الوسائل الباب 99 من جهاد النفس.
التكليف بما لا يطاق ، كما يشير اليه
كلام شيخنا الشهيد الثاني المتقدم ، وهو منفي عقلا ونقلا.
وحينئذ فلو لم يطلع عليه أحد أو لم يقدر على قتله أو
تأخر بوجه وقد حصلت منه التوبة فإنه تقبل توبته في ما بينه وبين الله عزوجل وتصح عباداته
ومعاملاته ويطهر بدنه ويدفن في مقابر المسلمين ، لقوله عزوجل زيادة على ما
تقدم «إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا
عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» (1) ولا ينافيه اجراء تلك الأحكام التي
اشتملت عليها الأخبار المتقدمة ، فإن هذا أمر آخر وراء قبول التوبة باطنا.
وأما ما نقل عن ابن الجنيد وهو القول الثالث فلعل وجهه
العمل بما دل على قبول التوبة من الآيات والروايات ، إلا ان فيه طرحا للأخبار
المتقدمة والجمع بين الدليلين متى أمكن أولى من طرح أحدهما.
إذا عرفت ذلك فاعلم ان كلام شيخنا الشهيد الثاني (قدسسره) في المسالك
في هذه المسألة لا يخلو من اضطراب ، فإنه قال في كتاب الميراث ما قدمنا ذكره مما
يدل على ان المختار عنده هو قبول التوبة باطنا لا ظاهرا وان المشهور بين الأصحاب (رضوان
الله عليهم) هو عدم القبول مطلقا.
وقال في كتاب القضاء : ثم ان قبلت توبته كالمرأة والملي
قضى وان لم تقبل ظاهرا كالفطرى على المشهور فإن أمهل بما يمكنه القضاء قبل قتله
قضى وإلا بقي في ذمته ، والأقوى قبول توبته مطلقا. انتهى.
وهذا الكلام كما ترى ظاهر في اختياره قبول التوبة ظاهرا
وباطنا كما هو المنقول عن ابن الجنيد وهو خلاف ما صرح به في كتاب الميراث ، وظاهره
ان القبول ظاهرا وعدمه محل خلاف والمشهور هو عدم القبول مع انه ادعى الإجماع في
مبحث الارتداد من كتاب الحدود على عدم قبول توبته ظاهرا وقوى قبولها
__________________
(1) سورة المائدة الآية 38.
باطنا كما حكيناه عنه في كتاب الميراث
، ففي الأول نسب عدم القبول ظاهرا الى المشهور مؤذنا بالخلاف فيه ، وفي الثاني
ادعى الإجماع المؤذن بعدم الخلاف.
ويمكن الجواب عن هذا بحمل الإجماع على الشهرة وان عبر
بلفظ الإجماع لما ذكره الشهيد في الذكرى من انهم كثيرا ما يريدون به الشهرة دفعا
للتناقض الواقع في كلامهم في دعوى الإجماع على حكم ودعوى الإجماع على خلافه من ذلك
المدعى أو غيره ، وانما الإشكال في اختياره القول بالقبول باطنا لا ظاهرا كما في
كتاب الميراث مع اختياره القبول ظاهرا وباطنا كما في كتاب القضاء. والله العالم.
المسألة الثالثة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في
وجوب تقديم الفائتة على الحاضرة على أقوال ثلاثة ، وقد تقدم تحقيق هذه المسألة
مستوفى بحمد الله سبحانه في مبحث الأوقات فلا حاجة الى الإعادة.
المسألة الرابعة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم)
انه لو نسي تعيين الصلاة الفائتة بأن كانت واحدة مثلا ولا يعلم ايها من الخمس فإنه
يصلى ثلاثا ينوي بها المغرب وأربعا مرددة بين الظهر والعصر والعشاء واثنتين ينوي
بهما الصبح ، ذهب اليه الشيخان وابنا بابويه وابن الجنيد وأكثر المتأخرين ، ونقل
الشيخ في الخلاف الإجماع عليه (1) ونقل عن ابى الصلاح وابن حمزة وجوب
الخمس.
ويدل على المشهور ما رواه الشيخ بإسنادين أحدهما من
الصحاح والآخر من الحسان عن على بن أسباط عن غير واحد من أصحابنا عن ابى عبد الله عليهالسلام (2) قال «من نسي
من صلاة يومه واحدة ولم يدر أي صلاة هي صلى ركعتين وثلاثا وأربعا».
وما رواه أحمد بن ابى عبد الله البرقي في كتاب المحاسن
عن على بن مهزيار عن الحسين رفعه (3) قال : «سئل أبو عبد الله عليهالسلام عن رجل نسي
صلاة من الصلوات الخمس لا يدرى أيتها هي قال يصلى ثلاثة وأربعة وركعتين ، فان كانت
الظهر أو العصر أو العشاء كان قد صلى أربعا ، وان كانت المغرب أو الغداة فقد صلى».
__________________
(1) وفي الخطية «وهو الأظهر».
(2 و 3) الوسائل الباب 11 من قضاء الصلوات.
احتج الفاضلان المذكوران بعموم ما دل على وجوب قضاء
الفوائت ولا يعلم إلا بالإتيان بالخمس كملا.
واحتج في المدارك على القول المشهور بما لا يخلو عند
التأمل الصادق من القصور ، قال بعد ذكر القول المشهور أو لا ثم القول الثاني :
والمعتمد الأول ، لنا ان الواجب عليه صلاة واحدة لكن لما كانت غير متعينة والزيادة
والنقيصة في الصلاة مبطلة وجب عليه الإتيان بالثلاث لدخول الواجب في أحدها يقينا
والأصل براءة الذمة من الزائد ، ويؤيده رواية على بن أسباط. ثم ساق الرواية إلى
قوله «أربعا».
أقول : لا يخفى انه لما كانت الرواية المذكورة باصطلاحه
ضعيفة السند لفق هذا الدليل وجعله المعتمد وجعل الرواية مؤيدة له. وفيه ان دليله
لا يفي بالمطلوب ولا يقوم حجة على الخصم ، لان مطرح النزاع في هذه المسألة هو انه
هل يكتفى بالرباعية المرددة بين الثلاث الفرائض المذكورة أم يجب الإتيان بكل فريضة
منها على حدة حتى يستوفى الخمس؟ فالخصم يوجب الثاني وهو الحق بناء على طرح الرواية
من البين لما ذكره ذلك الخصم من التعليل ، وجوابه عنه بالمنع لحصوله بالثلاث
المرددة مردود بان العبادات توقيفية من الشارع كما وكيفا وأداء وقضاء ووجوبا وندبا
لا مسرح لأمثال هذه التخريجات الغثة فيها ، ولم يثبت من الشارع الاكتفاء بذلك بناء
على طرح النص المذكور ، ويقين براءة الذمة لا يحصل إلا بالإتيان بالثلاث المذكورة
على حدة. ويؤيده ان الأصل عدم التداخل ، والقول بالتداخل والاكتفاء بالواحدة من
غير دليل شرعي مردود. وبالجملة فإن دليله المذكور لا يخرج عن المصادرة لأن الخصم
يمنع الاكتفاء بالأربع المرددة ويوجب الإتيان بالخمس وهو يحتج بالاكتفاء بها وهو
عين الدعوى ، ومن ثم ان صاحب الذخيرة مع اقتفائه له في أكثر الأحكام عدل عنه في
هذا المقام ولفق للاستدلال بالخبر وجوها ذكرها لجبر ضعفه ، والكل حاصل عن ضيق
الخناق في هذا الاصطلاح
الذي هو الى الفساد أقرب من الصلاح
كما نبهت عليه في غير مقام.
فروع
الأول ـ لو كانت الفائتة في الصورة المذكورة في السفر
صلى ثنائية مطلقة إطلاقا رباعيا ومغربا ، وخالف ابن إدريس هنا مع موافقته ثمة نظرا
الى اختصاص النص بالأول فالتعدية قياس ، وزعما منه حصول الإجماع ثمة دون ما هنا.
وأنت خبير بان ظاهر خبر المحاسن وقوله عليهالسلام فيه «فان كانت
الظهر أو العصر أو العشاء كان قد صلى أربعا» هو الإشارة الى ان الغرض من التشريك
والعلة فيه هو حصول الفريضة الفائتة في ضمن هذه الكيفية. ولا تفاوت فيه بين اشتراك
هذا العدد بين ثلاث فرائض أو أربع ، وورود الثلاث في الخبرين المذكورين انما هو
باعتبار صلاة الحضر التي هي الغالبة المتكررة ، فذكر هذا التفصيل فيها بالثلاث
والأربع والثنتين انما خرج مخرج التمثيل.
الثاني ـ لو قلنا بالترديد كما هو المشهور وقلنا بوجوب
الجهر والإخفات فهل الحكم في هذه الفريضة المترددة الجهر أو الإخفات؟ إشكال ،
والظاهر من كلام جملة من الأصحاب هنا التخيير ، ولا يخلو من قرب وإلا لزم الترجيح
من غير مرجح.
الثالث ـ لو تعددت الفائتة المجهولة قضى كما تقدم مكررا.
فلو كان العدد معلوما كأن نسي فريضتين مجهولتين مثلا صلى ثلاثا ثلاثا ان كانتا من
صلاة الحضر وان كانتا من السفر اثنتين اثنتين ، وعلى هذا النحو لو نسي ثلاث فرائض
مجهولات ، وأما لو لم يكن العدد معلوما قضى على الوجه المذكور حتى يغلب على ظنه
الوفاء.
الرابع ـ لو فاتته فريضة معينة مرات لا يعلم عددها قالوا
يكرر حتى يغلب على ظنه الوفاء ، قال في المدارك : وهو مقطوع به في كلام الأصحاب
ولم نقف فيه على نص بالخصوص.
وبنحو ذلك صرح جده (قدسسره) في الروض ثم
قال : والظاهر من الجماعة ايضا انه لا نص عليه. ثم قال نعم ورد ذلك في قضاء
النوافل الموقتة فروى
مرازم (1) قال : «سأل
إسماعيل بن جابر أبا عبد الله عليهالسلام ان على نوافل
كثيرة فقال اقضها. فقلت لا أحصيها؟ قال توخ». والتوخي التحري وهو طلب ما هو أحرى
بالاستعمال في غالب الظن ، قاله الجوهري. وروى عبد الله بن سنان عنه عليهالسلام (2) «في رجل فاته
من النوافل ما لا يدرى ما هو من كثيرته كيف يصنع؟ قال يصلى حتى لا يدرى كم صلى من
كثرته فيكون قد قضى بقدر ما عليه». قال في الذكرى : وبهذين الحديثين احتج الشيخ
على أن من عليه فرائض لا يعلم كميتها يقضى حتى يغلب على ظنه الوفاء من باب التنبيه
بالأدنى على الأعلى. وفيه نظر لان كون النوافل أدنى مرتبة يوجب سهولة الخطب فيها
والاكتفاء بالأمر الأسهل فلا يلزم منه تعدية الحكم الى ما هو أقوى وهو الفرائض كما
لا يخفى ، بل الأمر في ذلك بالعكس فان الاكتفاء بالظن في الفرائض الواجبة الموجبة
لشغل الذمة يقتضي الاكتفاء به في النوافل التي ليست بهذه المثابة بالأولى. انتهى.
قال في المدارك : ويمكن الجواب عنه بان الشيخ (قدسسره) انما استدل
بالرواية على وجوب القضاء الى أن يغلب على الظن الوفاء لا على الاكتفاء بالظن فإنه
يكفي في عدم اعتبار ما زاد عليه عدم تحقق الفوات. نعم يرد على هذا الاستدلال ان
قضاء النوافل على هذا الوجه انما هو على وجه الاستحباب فلا يلزم منه وجوب قضاء
الفريضة كذلك. انتهى.
والتحقيق أن يقال انه لما كانت المسألة غير منصوصة
فالواجب فيها العمل بالاحتياط كما أشرنا إليه في غير موضع مما تقدم ، ووجهه انه لا
ريب ان الذمة مشغولة بالفريضة بيقين ولا تبرأ إلا بيقين الأداء من جميع ذلك ، وحيث
كانت الفريضة في هذه الصورة المفروضة غير معلومة المقدار لكثرتها فيقين البراءة لا
يحصل إلا بالقضاء بما يقابل الكثرة الفائتة ، فإن كان الفائت قد بلغ في الكثرة إلى
حد لا يدرى ما قدره فينبغي أن يكون القضاء كذلك ، وورد ذلك في النافلة مع
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 19 من أعداد الفرائض ونوافلها.
انها مستحبة ، وانما الغرض الحث على
الإتيان بالمستحبات على وجه يحصل به يقين القيام بالوظائف الشرعية والسنة المحمدية
صلىاللهعليهوآله فكيف بالفرائض
الواجبة الموجبة لشغل الذمة ، فإن تحصيل يقين البراءة فيها أهم وطلب الوجه الموجب
للخروج عن المؤاخذة فيها أعظم وأتم. وبالجملة فكلام الشيخ (رضوان الله عليه) لا
يخلو من قوة وأبواب المناقشات واسعة المجال لا يسلم من تطرقها مقال.
ونقل عن العلامة (قدسسره) في التذكرة
الاكتفاء بقضاء ما تيقن فواته خاصة ، قال في المدارك : وهو متجه لأصالة البراءة من
التكليف بالقضاء مع عدم تيقن الفوات ، ولان الظاهر من حال المسلم انه لا يترك
الصلاة ، ويؤيده حسنة زرارة والفضيل عن ابى جعفر عليهالسلام (1) قال : «متى
استيقنت أو شككت في وقت صلاة انك لم تصلها صليتها ، وان شككت بعد ما خرج وقت
الفوات فقد دخل حائل فلا اعادة عليك من شك حتى تستيقن ، وان استيقنت فعليك أن
تصليها في أي حال كنت». انتهى. وهو جيد من حيث الاعتبار إلا ان التحقيق ما قدمنا
ذكره
المسألة الخامسة ـ لا خلاف بين علماء الفريقين في ترتب
الحواضر بعضها على بعض ، وأما الفوائت فالمشهور بين أصحابنا (رضوان الله عليهم)
وجوب الترتيب بينهما إذا علمه بل نقل الفاضلان في المعتبر والمنتهى الإجماع عليه ،
وحكى الشهيد في الذكرى عن بعض الأصحاب ممن صنف في المضايقة والمواسعة القول
بالاستحباب
استدلال الأولون بقوله صلىاللهعليهوآله (2) «من فاتته
فريضة فليقضها كما فاتته». والتقريب فيه انه يجب الترتيب في الأداء فكذا في القضاء.
وما رواه الشيخ عن زرارة عن ابى جعفر عليهالسلام في الصحيح (3) قال : «إذا
__________________
(1) الوسائل ـ الباب ـ 60 ـ من مواقيت الصلاة.
(2) لم نقف على حديث بهذا اللفظ في ما وقفنا عليه من أحاديث
الخاصة والعامة ويمكن أن يكون نقلا بالمضمون لما دل على وجوب المماثلة بين القضاء
والأداء.
(3) الوسائل الباب 63 من المواقيت و 1 من قضاء الصلوات والشيخ
يرويه عن الكليني.
نسيت صلاة أو صليتها بغير وضوء وكان
عليك قضاء صلوات فابدأ بأولاهن فأذن لها وأقم ثم صلها ثم صل ما بعدها بإقامة لكل
صلاة».
وعن محمد بن مسلم في الصحيح (1) قال : «سألت
أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل صلى
الصلوات وهو جنب اليوم واليومين والثلاثة ثم ذكر بعد ذلك؟ قال يتطهر ويؤذن وقيم في
أولاهن ثم يصلى ويقيم بعد ذلك في كل صلاة فيصلي بغير أذان حتى يقضى صلاته».
وأجاب في الذخيرة عن الخبر الأول بعدم صحة الرواية وانها
غير ثابتة قال والظاهر انها من طريق العامة ، سلمنا لكن اقتضاء التشبيه المماثلة
من جميع الجهات بحيث يشمل هذه الأوصاف الاعتبارية غير واضح. ثم أورد على صحيح
زرارة بان الأمر في أخبارنا غير واضح الدلالة على الوجوب ، الى أن قال : وللتوقف
في هذه المسألة طريق وطريق الاحتياط رعاية الترتيب.
أقول : أما ما ذكره في رد الخبر الأول فجيد. وأما ما
ذكره في رد الخبر الثاني فقد عرفت ما فيه في غير موضع مما تقدم. وبالجملة فإن
الحكم مما لا اشكال فيه.
واما القول الذي حكاه في الذكرى عن بعض الأصحاب فلم نقف
له على دليل. إلا انه قال في الذكرى ان قائله حمل الأخبار وكلام الأصحاب على
الاستحباب ، ثم قال وهو حمل بعيد مردود بما اشتهر بين الجماعة. ثم قال (فان قيل)
هي عبادات مستقلة والترتيب فيها من توابع الوقت وضروراته فلا يعتبر في القضاء
كالصيام (قلنا) قياس في معارضة النص ، ومعارض بأنها صلوات وجبت مرتبة فلتقض مرتبة
كالأداء. والأول من تعليله جيد. والثاني مبنى على الحديث النبوي المتقدم وقد عرفت
ما فيه.
وبالجملة فإن الحكم مما لا إشكال فيه مع العلم بالترتيب
وانما الإشكال والخلاف مع جهله والأظهر سقوطه وبه قطع العلامة في التحرير وولده في
الشرح ، واليه ذهب جمع من المتأخرين : منهم ـ الشهيدان وهو ظاهر العلامة في
القواعد.
__________________
(1) الوسائل الباب 1 من قضاء الصلوات.
والوجه فيه ان الروايات المتضمنة لوجوب الترتيب لا
تتناول الجاهل نصا ولا ظاهرا فيكون منفيا بالأصل. واستدل عليه في الذكرى بامتناع
التكليف بالمحال واستلزام التكرار المحصل له الحرج المنفي (1).
وقيل بوجوب الترتيب لإمكان الامتثال بالتكرار المحصل له
، وبه صرح العلامة في الإرشاد ، وعلى هذا فيجب على من فاته الظهر والعصر من يومين
وجهل السابق أن يصلى ظهرا بين عصرين أو عصرا بين ظهرين ليحصل الترتيب بينهما على
تقدير سبق كل منهما. ولو جامعهما مغرب من ثالث صلى الثلاث قبل المغرب وبعدها. ولو
كان معها عشاء صلى السبع قبلها وبعدها. ولو انضم إليها صبح صلى الخمس عشرة قبلها
وبعدها.
والضابط تكريرها على وجه يحصل الترتيب على جميع
الاحتمالات وهي اثنان في الأول وستة في الثاني وأربعة وعشرون في الثالث ومائة
وعشرون في الرابع حاصلة من ضرب ما اجتمع سابقا من الاحتمالات في عدد الفرائض
المطلوبة ، ففي الصورة الأولى من الاحتمالات وهي اثنان ثلاث فرائض ، وفي الصورة
الثانية من الاحتمالات وهي ستة سبع فرائض ، وفي الصورة الثالثة منها وهي أربعة
وعشرون احتمالا خمس عشرة فريضة ، وفي الرابعة وهي مائة وعشرون احتمالا احدى
وثلاثون فريضة ، وعلى هذا القياس.
ويمكن حصول الترتيب بوجه أخصر وأسهل وهو ان يصلى الفوائت
المذكورة بأي ترتيب أراد ويكررها كذلك ناقصة عن عدد ما فاته من الصلاة بواحدة ثم
يختم بما بدأ به ، فيصلي في الفرض الأول الظهر والعصر ثم الظهر أو بالعكس ، وفي
الثاني الظهر ثم العصر ثم المغرب ثم يكرر مرة أخرى ثم يصلى الظهر ، وفي هذين لا
فرق بين الضابطين من حيث العدد ، وفي الثالث يصلى الظهر ثم العصر ثم المغرب ثم
العشاء ثم يكررها مرتين ثم يصلى الظهر فيحصل الترتيب بثلاث عشرة فريضة ،
__________________
(1) ج 1 ص 151.
ومقتضى الضابطة السابقة حصول الترتيب
بخمس عشرة فريضة. وعلى هذا القياس في غيرها من الصور.
هذا كله في ترتيب فوائت اليومية بعضها على بعض ، وأما
الترتيب بين فوائت غير اليومية ـ مثل صلاة الآيات المتعددة الأسباب بحيث يقدم ما
تقدم سببه وهكذا وكذا الترتيب بينها وبين اليومية بأن يكون عليه فوائت من اليومية
وفوائت من غيرها ـ ففي وجوب الترتيب في هاتين الصورتين وعدمه اشكال ، حيث لا نص في
هذا المقام ، والاحتياط يقتضي الترتيب.
قال في الذكرى : قال بعض المتأخرين بسقوط الترتيب بين
اليومية والفوائت الأخر وكذا بين تلك الفوائت اقتصارا بالوجوب على محل الوفاق ،
وبعض مشايخ الوزير السعيد مؤيد الدين ابن العلقمي (طاب ثراهما) أوجب الترتيب في
الموضعين نظرا الى عموم «فليقضها كما فاتته» (1). وجعله الفاضل في التذكرة احتمالا ،
ولا بأس به. انتهى.
أقول : قد عرفت ما في هذا الحديث الذي استند اليه هذا
القائل ، مع انه على تقدير صحة الخبر المذكور لا يخلو الاستدلال من المناقشة أيضا.
المسألة السادسة ـ الاعتبار في القصر والتمام وكذا في
الجهر والإخفات بحال الفوات. أما الأول فقال في المدارك : انه مذهب العلماء كافة
إلا من شذ. والظاهر انه أشار به الى ما نقله في الذكرى عن المزني من علماء العامة
من القصر اعتبارا بحالة الفعل كالمريض إذا قضى فإنه يعتبر حاله والمتيمم كذلك (2) قال : ورد
بسبق
__________________
(1) ارجع الى التعليقة 2 ص 22.
(2) في مختصر المزني على هامش «الام» ج 1 ص 125 «قال الشافعي
ان نسي صلاة سفر فذكرها في حضر فعليه ان يصليها صلاة حضر لأن علة القصر هي النية
والسفر فإذا ذهبت العلة ذهب القصر ، وإذا نسي صلاة حضر فذكرها في سفر فعليه ان
يصليها أربعا لأن أصل الفرض أربع فلا يجزئه أقل منها وانما رخص له في القصر ما دام
وقت الصلاة
الإجماع. والمريض والمتيمم عاجزان عن
القيام واستعمال الماء ، ولا تكليف مع العجز ولهذا لو شرع في الصلاة قائما ثم مرض
قعد. الى آخر كلامه زيد في إكرامه.
واستدل الأصحاب على الحكم المذكور بقوله صلىاللهعليهوآله (1) «فليقضها كما
فاتته». وقد تقدم ان الخبر المذكور لم يثبت من طرقنا.
والمروي من طرقنا مما يدل على ذلك ما رواه الشيخ في
الصحيح أو الحسن عن زرارة (2) قال : «قلت له
رجل فاتته صلاة من صلاة السفر فذكرها في الحضر؟ فقال يقضى ما فاته كما فاته : ان
كانت صلاة السفر أداها في الحضر مثلها وان كانت صلاة الحضر فليقض في السفر صلاة
الحضر كما فاتته».
وعن زرارة عن ابى جعفر عليهالسلام (3) قال : «إذا
نسي الرجل صلاة أو صلاها بغير طهور وهو مقيم أو مسافر فذكرها فليقض الذي وجب عليه
لا يزيد على ذلك ولا ينقص ، ومن نسي أربعا فليقض أربعا حين يذكرها مسافرا كان أو
مقيما ، ومن نسي ركعتين صلى ركعتين إذا ذكر مسافرا كان أو مقيما».
ولو حصل الفوات في أماكن التخيير فهل يستحب التخيير في
القضاء مطلقا أو بشرط ان يوقعه في تلك الأماكن أو يتعين القصر؟ احتمالات أحوطها
الأخير. وأما الثاني وهو ان يقضى الجهرية والإخفاتية كما كانت تؤدى ليلا كان
__________________
قائما وهو مسافر فإذا زال وقتها ذهبت الرخصة» وفي المغني ج 2 ص
282 «نص احمد على انه إذا نسي صلاة حضر فذكرها في السفر أو صلاة سفر فذكرها في
الحضر صلى في الحالتين صلاة حضر ، أما المسألة الأولى فبالإجماع يصلى أربعا. واما
الثانية وهو ما إذا نسي في السفر وذكر في الحضر فبالاحتياط يصلى أربعا. والى ذلك
ذهب الأوزاعي وداود والشافعي في أحد قوليه ، وقال مالك والثوري وأصحاب الرأي
يصليها صلاة سفر لأنه انما يقضى ما فاته ولم يفته إلا ركعتان».
(1) ارجع الى التعليقة 2 ص 22.
(2) الوسائل الباب 6 من قضاء الصلوات. والشيخ يرويه عن
الكليني.
(3) الوسائل الباب 6 من قضاء الصلوات.
أو نهارا فقد نقل الشيخ فيه الإجماع ،
ويدل عليه عموم قوله في الخبر الأول «يقضى ما فاته كما فاته» وان كان مورد الخبر
العدد الذي هو أحد أفراد هذه القضية الكلية.
بقي الكلام هنا في موضعين : أحدهما ـ بالنسبة إلى
الكيفية التي هي عبارة عن هيئة الصلاة التي تؤدي عليها ، والظاهر ان الاعتبار فيها
بحال الفعل لا حال الفوات كصلاة الصحيح وصلاة المريض ، فيقضى الصحيح فائتة المرض
بالكيفية التي يصليها صحيحا ويقضى المريض فائتة الصحة على الكيفية التي هو عليها
جالسا أو قائما أو نحو ذلك ويجب عليه بل ولا يجوز له التأخير الى ان يصح ويأتي
بصلاة الصحيح.
وثانيهما ـ لو قضى الرجل عن المرأة أو بالعكس مع وجوب
الجهر على الرجل والإخفات على المرأة في القراءة أو جميع أفعال الصلاة بناء على
تحريم إسماعها الأجنبي صوتها ، وهكذا بالنسبة إلى سنن صلاة المرأة وما يخصها في
القيام والعقود ونحوهما ، فهل الاعتبار بالقاضي أو المقضي عنه؟ الظاهر الأول فيقضى
الرجل صلاة المرأة كما يقضى عن نفسه ، عملا بعموم الخطاب المتعلق به من وجوب الجهر
عليه في موضعه والتكاليف الموظفة في قيامه وقعوده وأفعال صلاته أعم من أن يكون ذلك
عن نفسه أو غيره ، فإن الأخبار الدالة على أحكام صلاة الرجل لا تخصيص فيها بما
أوقعه عن نفسه بل هي أعم من ذلك كما لا يخفى وكذا المرأة تقضى صلاة الرجل مثل
صلاتها عن نفسها بالتقريب المذكور. والله العالم.
المسألة السابعة ـ يستحب قضاء النوافل الموقتة إجماعا
نصا وفتوى والأخبار بذلك متظافرة :
ومنها ـ ما رواه ثقة الإسلام عن عبد الله بن سنان (1) قال : «قلت
لأبي عبد الله عليهالسلام رجل عليه من
صلاة النوافل ما لا يدرى ما هو من كثرته كيف يصنع؟ قال فليصل حتى لا يدرى كم صلى
من كثرته فيكون قد قضى بقدر علمه. قلت فإنه لا يقدر
__________________
(1) الوسائل الباب 18 من أعداد الفرائض ونوافلها.
على القضاء من كثرة شغله؟ فقال ان كان
شغله في طلب معيشة لا بد منها أو حاجة لأخ مؤمن فلا شيء عليه ، وان كان شغله لدنيا
تشاغل بها عن الصلاة فعليه القضاء وإلا لقي الله تعالى مستخفا متهاونا مضيعا لسنة
رسول الله صلىاللهعليهوآله الحديث.». ويأتي
تمامه ان شاء الله تعالى.
وما رواه في الكافي والتهذيب في الحسن عن مرازم (1) قال : «سأل
إسماعيل ابن جابر أبا عبد الله عليهالسلام فقال أصلحك
الله ان على نوافل كثيرة فكيف اصنع؟ فقال اقضها. فقال له انها أكثر من ذلك؟ قال
اقضها قلت لا أحصيها؟ قال توخ. قال مرازم وكنت مرضت أربعة أشهر لم أتنفل فيها فقلت
أصلحك الله وجعلت فداك انى مرضت أربعة أشهر لم أصل فيها نافلة؟ قال ليس عليك قضاء
ان المريض ليس كالصحيح كل ما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر فيه».
وقوله عليهالسلام في هذا الخبر «ليس
عليك قضاء» محمول على نفى تأكد الاستحباب لحسنة محمد بن مسلم (2) قال : «قلت له
رجل مرض فترك النافلة؟ فقال يا محمد ليست بفريضة إن قضاها فهو خير يفعله وان لم
يفعل فلا شيء عليه».
ثم انه مع عدم القدرة على القضاء يتصدق لما رواه عبد
الله بن سنان في تتمة الخبر المتقدم «قلت فإنه لا يقدر على القضاء فهل يجزئ ان
يتصدق؟ فسكت مليا ثم قال فليتصدق بصدقة. قلت فما يتصدق؟ قال بقدر طوله وادنى ذلك
مد لكل مسكين مكان كل صلاة. قلت وكم الصلاة التي يجب فيها مد لكل مسكين؟ فقال لكل
ركعتين من صلاة الليل مد ولكل ركعتين من صلاة النهار مد. فقلت لا يقدر؟ فقال مد
اذن لكل اربع ركعات. فقلت لا يقدر؟ فقال مد لكل صلاة الليل ومد لصلاة النهار ،
والصلاة أفضل والصلاة أفضل والصلاة أفضل» والأصحاب (رضوان الله عليهم) قد ذكروا
هنا انه ان عجز يتصدق عن كل ركعتين بمد فإن عجز فعن كل يوم بمد استحبابا. ولا يخفى
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 19 و 20 من أعداد الفرائض ونوافلها.
ما فيه من عدم الانطباق على ما تضمنه
الخبر. والله العالم.
المسألة الثامنة ـ قال في الذكرى : قد اشتهر بين متأخري
الأصحاب قولا وفعلا الاحتياط بقضاء صلاة يتخيل اشتمالها على خلل بل جميع العبادات
الموهوم فيها ذلك ، وربما تداركوا ما لا يدخل الوهم في صحته وبطلانه في الحياة
وبالوصية بعد الوفاة ، ولم نظفر بنص في ذلك بالخصوص ، وللبحث فيه مجال إذ يمكن ان
يقال بشرعيته لوجوه : منها ـ قوله تعالى «فَاتَّقُوا
اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» (1) و «اتَّقُوا
اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ» (2) «وَجاهِدُوا
فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ» (3) «وَالَّذِينَ
جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا» (4) «وَالَّذِينَ
يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ» (5) وقول النبي صلىاللهعليهوآله (6) «دع ما يريبك
الى ما لا يريبك». و «انما الأعمال بالنيات» (7). و «من اتقى الشبهات استبرأ لدينه
وعرضه» (8). وقوله صلىاللهعليهوآله (9) للمتيمم لما
أعاد صلاته لوجود الماء في الوقت «لك الأجر مرتين». وللذي لم يعد «أصبت السنة»
__________________
(1) سورة التغابن الآية 16.
(2) سورة آل عمران الآية 97.
(3) سورة الحج الآية 77.
(4) سورة العنكبوت الآية 69.
(5) سورة المؤمنون الآية 62.
(6) الوسائل الباب 12 من صفات القاضي وما يجوز ان يقضى به عن
الشهيد في الذكرى وغيره ، وفي الجامع الصغير للسيوطي ج 2 ص 14.
(7) الوسائل الباب 5 من مقدمة العبادات.
(8) الوسائل الباب 12 من صفات القاضي وما يجوز ان يقضى به عن
الذكرى ، وفي البخاري كتاب الايمان باب (فضل من استبرأ لدينه).
(9) في سنن ابى داود ج 1 ص 93 باب (المتيمم يجد الماء بعد ما
يصلى في الوقت) عن ابى سعيد الخدري قال : خرج رجلان في سفر فحضرت الصلاة وليس
معهما ماء فتيمما صعيدا طيبا فصليا ثم وجدا الماء في الوقت فأعاد أحدهما الصلاة
والوضوء ولم يعد الآخر ثم أتيا رسول الله (ص) فذكرا ذلك له فقال الذي لم يعد :
أصبت السنة وأجزأتك صلاتك. وقال للذي توضأ وأعاد : لك الأجر مرتين ...
وقول الصادق عليهالسلام في الخبر
السالف (1) «انظروا الى
عبدي يقضى ما لم افترض عليه». وقول العبد الصالح عليهالسلام في مكاتبة عبد
الله بن وضاح (2) «أرى لك ان
تنتظر حتى تذهب الحمرة وتأخذ بالحائطة لدينك». وربما يخيل المنع لوجوه : منها قوله
تعالى «يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ» (3) «يُرِيدُ
اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ» (4) «وَما
جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» (5) وفتح باب الاحتياط يؤدي اليه ، وقول
النبي صلىاللهعليهوآله (6) «بعثت
بالحنيفية السمحة». وروى حمزة بن حمران عن ابى عبد الله عليهالسلام (7) «ما أعاد
الصلاة فقيه ، يحتال فيها ويدبرها حتى لا يعيدها». والأقرب الأول لعموم قوله تعالى
«أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلّى» (8) وقول النبي صلىاللهعليهوآله (9) «الصلاة خير
موضوع فمن شاء استقل ومن شاء استكثر». ولان الاحتياط المشروع في الصلاة من هذا
القبيل ، فان غايته التجويز ، ولهذا قال أبو عبد الله عليهالسلام (10) «وان كان صلى
أربعا كانت هاتان نافلة». ولأن إجماع شيعة عصرنا وما راهقه عليه ، فإنهم لا يزالون
يوصون بقضاء العبادات مع فعلهم إياها ويعيدون كثيرا منها أداء وقضاء والنهى عن
إعادة الصلاة انما هو في الشك الذي يمكن فيه البناء. انتهى.
أقول : لا يخفى ان أكثر ما أطال به (قدسسره) من الأدلة
سيما في المقام الأول والثاني تطويل بغير طائل ، والحق في المقام انه مع تطرق
احتمال النقص ـ كما في أكثر الناس حيث يأتون بالعبادات مع الجهل بالمسائل الشرعية
وعدم صحة
__________________
(1) الوسائل الباب 57 من مواقيت الصلاة رقم 5 و 15.
(2) الوسائل الباب 16 من مواقيت الصلاة رقم 14.
(3) سورة البقرة الآية 181.
(4) سورة النساء الآية 32.
(5) سورة الحج الآية 77.
(6) الجامع الصغير ج 1 ص 125 وكنز العمال ج 6 ص 111 كما هنا ،
وفي الذكرى «السمحة السهلة» وفي تاريخ بغداد ج 7 ص 209 «السمحة أو السهلة».
(7) الوسائل الباب 29 من الخلل في الصلاة.
(8) سورة العلق الآية 9 و 10.
(9) الوسائل الباب 42 من أحكام المساجد والمستدرك الباب 10 من
أعداد الفرائض.
(10) الوسائل الباب 11 من الخلل في الصلاة.
القراءة وعدم التورع من النجاسات
والشبهات وعدم المحافظة على أفعالها ونحو ذلك ـ فإنه لا ريب ان القضاء حسن بل أحسن
عملا باخبار الاحتياط في الدين ، واما مع يقين الصحة ويقين البراءة فإشكال يأتي
التنبيه عليه ان شاء الله تعالى في المطلب الآتي
المسألة التاسعة ـ من فاته الفرض المختلف باعتبار أول
الوقت وآخره كمن دخل عليه الوقت وهو حاضر ثم سافر قبل الصلاة وبالعكس هل يقضى لو
فاتته والحال هذه باعتبار وقت الوجوب وهو الأول أو وقت الفوات وهو الثاني؟ قولان
والأشهر الأظهر الثاني وهو الاعتبار بحال الفوات فيبني على وجوب الأداء في المسألة
، فإن كان الواجب فيه التمام مطلقا كما هو أحد الأقوال وجب القضاء تماما وان كان
القصر مطلقا وجب القضاء كذلك وان كان التفصيل فكذلك ، وبالجملة فالمراعى ما وجب
عليه أداؤها من قصر أو تمام ، فمعنى حال الفوات يعنى الحالة التي فاتت عليها
الفريضة ووجب أداؤها عليها. وقيل ان الاعتبار بحال الوجوب ونقل عن السيد المرتضى
وابن الجنيد.
ويدل على المشهور قوله عليهالسلام في حسنة زرارة
(1) «يقضي ما فاته
كما فاته». ولا يتحقق الفوات إلا عند خروج الوقت.
واستدل على القول الآخر برواية زرارة عن ابى جعفر عليهالسلام (2) «انه سئل عن
رجل دخل وقت الصلاة وهو في السفر فأخر الصلاة حتى قدم فهو يريد ان يصليها إذا قدم
إلى أهله فنسي حين قدم إلى أهله أن يصليها حتى ذهب وقتها؟ قال يصليها ركعتين صلاة
المسافر لان الوقت دخل وهو مسافر كان ينبغي أن يصليها عند ذلك».
وردها المتأخرون بضعف الاسناد ، وأجاب عنها في المعتبر
باحتمال أن يكون دخل مع ضيق الوقت عن أداء الصلاة أربعا فيقضي على وقت إمكان
الأداء.
أقول : ويمكن أن يقال لعل هذا الخبر انما خرج بناء على
ان فرض هذا الداخل الصلاة أداء بالقصر كما هو أحد الأقوال في المسألة ، وحينئذ
فالقضاء تابع لذلك فيكون
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 6 من قضاء الصلوات.
الخبر موافقا لما هو المشهور من
الاعتبار بحال الفوات ، وليس في التعليل المذكور في الرواية منافاة لما ذكرنا ، إذ
غاية ما يدل عليه ان استقرار الركعتين في ذمته باعتبار دخول الوقت في السفر وهو
مما لا إشكال فيه. وكيف كان فالاحتياط مما لا ينبغي تركه. والله العالم.
المطلب الثاني ـ في القضاء عن الأموات ، وحيث ان هنا
جملة من الاخبار المتعلقة بقضاء الصلاة عن الأموات ذكرها السيد الزاهد العابد رضى
الدين أبو القاسم على بن طاوس الحسيني (عطر الله مرقده) في كتاب غياث سلطان الورى
لسكان الثرى وقصد بها بيان قضاء الصلاة عن الأموات ، وقد نقلها جملة من أصحابنا :
منهم ـ شيخنا الشهيد في الذكرى وشيخنا المجلسي في البحار وغيرهما فأحببنا أولا
إيرادها ثم إردافها ان شاء الله تعالى بالأبحاث الشافية المتعلقة بالمقام
والتحقيقات الوافية الداخلة في سلك هذا النظام :
فنقول : الأول ـ ما رواه الصدوق في كتاب من لا يحضره
الفقيه (1) «ان الصادق عليهالسلام سأله عمر بن
يزيد أيصلى عن الميت؟ قال نعم حتى انه ليكون في ضيق فيوسع عليه ذلك الضيق ثم يؤتى
فيقال له خفف عنك هذا الضيق بصلاة فلان أخيك عنك».
الثاني ـ ما رواه على بن جعفر في مسائله عن أخيه موسى بن
جعفر عليهالسلام (2) قال : «حدثني
أخي موسى بن جعفر عليهالسلام قال سألت أبي
جعفر بن محمد عليهالسلام عن الرجل هل
يصلح له أن يصلى أو يصوم عن بعض موتاه؟ قال نعم فيصلي ما أحب ويجعل تلك للميت فهو
للميت إذا جعل ذلك له». قيل ولفظ «ما أحب» للعموم وجعلها نفسها للميت دون ثوابها
ينفي أن يكون هدية صلاة مندوبة.
الثالث ـ من مسائله أيضا عن أخيه موسى عليهالسلام (3) «وسأله عن
الرجل هل يصلح أن يصلى ويصوم عن بعض أهله بعد موته؟ قال نعم يصلى ما أحب ويجعل ذلك
__________________
(1) الوسائل الباب 28 من الاحتضار.
(2 و 3) الوسائل الباب 12 من قضاء الصلوات.
للميت فهو للميت إذا جعله له».
الرابع ـ ما رواه الشيخ أبو جعفر الطوسي بإسناده الى
محمد بن عمر بن يزيد (1) قال : «قلت
لأبي عبد الله عليهالسلام يصلى عن الميت؟
قال نعم حتى انه ليكون في ضيق فيوسع عليه ذلك ثم يؤتى فيقال له خفف عنك هذا الضيق
بصلاة فلان أخيك».
الخامس ـ ما رواه الشيخ بإسناده إلى عمار الساباطي من
كتاب أصله المروي عن الصادق عليهالسلام (2) «وعن الرجل
يكون عليه صلاة أو يكون عليه صوم هل يجوز له ان يقضيه رجل غير عارف؟ قال لا يقضيه
إلا رجل مسلم عارف».
السادس ـ ما رواه الشيخ بإسناده الى محمد بن ابى عمير عن
رجاله عن الصادق عليهالسلام (3) «في الرجل يموت
وعليه صلاة أو صيام؟ قال يقضيه أولى الناس به».
السابع ـ ما رواه الشيخ محمد بن يعقوب الكليني بإسناده
الى محمد بن ابى عمير عن حفص بن البختري عن ابى عبد الله عليهالسلام (4) «في الرجل يموت
وعليه صلاة أو صيام؟ قال يقضى عنه أولى الناس به».
الثامن ـ هذا الحديث بعينه عن حفص بطريق آخر الى كتابه
الذي هو من الأصول (5).
التاسع ـ ما روى في أصل هشام بن سالم من رجال الصادق
والكاظم (عليهماالسلام) ويروى عنه
ابن ابى عمير ، قال هشام في كتابه : وعنه عليهالسلام (6) قال : «قلت
يصل الى الميت الدعاء والصدقة والصلاة ونحو هذا؟ قال نعم «قلت ويعلم من صنع ذلك به؟
قال نعم» ثم قال يكون مسخوطا عليه فيرضى عنه». وظاهره انه من الصلاة الواجبة التي
تركها لأنها سبب للسخط.
العاشر ـ ما رواه على بن أبي حمزة في أصله وهو من رجال
الصادق والكاظم
__________________
(1 و 2 و 3 و 6) الوسائل الباب 12 من قضاء الصلوات.
(4) الوسائل الباب 23 من أحكام شهر رمضان. والوارد «اولى الناس
بميراثه».
(5) الذكرى ص 74 عن كتاب غياث سلطان الورى.
عليهماالسلام) (1) قال : «وسألته
عن الرجل يحج ويعتمر ويصلى ويصوم ويتصدق عن والديه وذوي قرابته؟ قال لا بأس به
يؤجر في ما يصنع وله أجر آخر بصلته قرابته. قلت وان كان لا يرى ما أرى وهو ناصب؟
قال يخفف عنه بعض ما هو فيه». أقول : وهذا ايضا مما ذكره ابن بابويه في كتابه (2).
الحادي عشر ـ ما رواه الحسين بن الحسن العلوي الكوكبي في
كتاب المنسك بإسناده الى على بن أبي حمزة (3) قال : «قلت لأبي إبراهيم عليهالسلام أحج وأصلي
وأتصدق عن الأحياء والأموات من قرابتي وأصحابي؟ قال نعم تصدق عنه وصل عنه ولك أجر
آخر بصلتك إياه». قال ابن طاوس (قدسسره) يحمل في الحي
على ما يصح فيه النيابة من الصلوات ويبقى الميت على عمومه.
الثاني عشر ـ ما رواه الحسن بن محبوب في كتاب المشيخة عن
الصادق عليهالسلام (4) انه قال : «يدخل
على الميت في قبره الصلاة والصوم والحج والصدقة والبر والدعاء ، قال ويكتب أجره
للذي يفعله وللميت». وهذا الحسن بن محبوب يروى عن ستين رجلا من رجال ابى عبد الله عليهالسلام وروى عن الرضا
عليهالسلام وقد دعا له
الرضا واثنى عليه فقال في ما كتبه عليهالسلام (5) «ان الله قد
أيدك بحكمة وأنطقها على لسانك قد أحسنت وأصبت أصاب الله بك الرشاد ويسرك للخير
ووفقك لطاعته».
الثالث عشر ـ ما رواه ابن ابى عمير بطريق آخر عن الامام عليهالسلام (6) «يدخل على
الميت في قبره الصلاة والصوم والحج والصدقة والبر والدعاء ، قال ويكتب أجره للذي
يفعله وللميت».
الرابع عشر ـ ما رواه إسحاق بن عمار (7) قال : «سمعت
أبا عبد الله عليهالسلام
__________________
(1 و 3 و 4 و 6) الوسائل الباب 12 من قضاء الصلوات.
(2) ج 1 ص 117 قال : «ويجوز أن يجعل الحي حجته أو عمرته أو بعض
صلاته أو بعض طوافه لبعض أهله.».
(5) الذكرى ص 74.
(7) الوسائل الباب 12 من قضاء الصلوات. وما في الكتاب يوافق ما
في الذكرى والوسائل القديمة ، وفي الوسائل الحديثة «محمد بن إسحاق بن عمار قال
سألت أبا عبد الله.».
يقول : يدخل على الميت في قبره الصلاة
والصوم والحج والصدقة والبر والدعاء ، قال ويكتب أجره للذي يفعله وللميت».
الخامس عشر ـ روى ابن بابويه عن الصادق عليهالسلام (1) «يدخل على
الميت في قبره الصلاة والصوم والحج والصدقة والعتق».
السادس عشر ـ ما رواه عمر بن محمد بن يزيد (2) قال : «قال
أبو عبد الله عليهالسلام ان الصلاة
والصوم والصدقة والحج والعمرة وكل عمل صالح ينفع الميت حتى ان الميت ليكون في ضيق
فيوسع عليه ويقال ان هذا بعمل ابنك فلان وبعمل أخيك فلان ، أخوه في الدين». قال
السيد (رحمهالله) «أخوه في
الدين» إيضاح لكل ما يدخل تحت عمومه من الابتداء بالصلاة عن الميت أو بالإجارات.
السابع عشر ـ ما رواه على بن يقطين ـ وكان عظيم القدر
عند ابى الحسن موسى عليهالسلام له كتاب
المسائل ـ عنه عليهالسلام (3) قال : «وعن
الرجل يتصدق عن الميت ويصوم ويعتق ويصلى؟ قال كل ذلك حسن يدخل منفعته على الميت».
الثامن عشر ـ ما رواه على بن إسماعيل الميثمي في أصل
كتابه قال حدثني كردين (4) قال : «قلت
لأبي عبد الله عليهالسلام الصدقة والحج
والصوم يلحق الميت؟ قال نعم. قال فقال هذا القاضي خلفي وهو لا يرى ذلك. قال قلت
وما أنا وذا فوالله لو أمرتني أن أضرب عنقه لضربت عنقه. قال فضحك. قال : وسألت أبا
الحسن عليهالسلام عن الصلاة على
الميت أتلحق به. قال نعم. قال : وسألت أبا عبد الله عليهالسلام قلت انى لم
أتصدق بصدقة منذ ماتت أمي إلا عنها؟ قال نعم. قلت افترى غير ذلك؟ قال نعم نصف عنك
ونصف عنها. قلت أيلحق بها؟ قال نعم». قال السيد : قوله «الصلاة
__________________
(1) الفقيه ج 1 ص 117 وفي الوسائل الباب 28 من الاحتضار.
(2) الذكرى ص 74 عن كتاب غياث سلطان الورى.
(3) الوسائل الباب 12 من قضاء الصلوات.
(4) الذكرى ص 74 وفي الوسائل الباب 12 من قضاء الصلوات.
على الميت» أي التي كانت على الميت
أيام حياته. ولو كانت ندبا كان الذي يلحقه ثوابها دون الصلاة نفسها.
التاسع عشر ـ ما رواه حماد بن عثمان في كتابه (1) قال : «قال
أبو عبد الله عليهالسلام ان الصلاة
والصوم والصدقة والحج والعمرة وكل عمل صالح ينفع الميت حتى ان الميت ليكون في ضيق
فيوسع عليه ويقال هذا بعمل ابنك فلان أو بعمل أخيك فلان ، أخوه في الدين».
العشرون ـ ما رواه عبد الله بن جندب (2) قال : «كتبت
الى ابى الحسن عليهالسلام اسأله عن
الرجل يريد أن يجعل أعماله من الصلاة والبر والخير أثلاثا ثلثا له وثلثين لأبويه
أو يفردهما من أعماله بشيء مما يتطوع به وان كان أحدهما حيا والآخر ميتا؟ فكتب
الى : أما الميت فحسن جائز وأما الحي فلا إلا البر والصلة». قال السيد : لا يراد
بهذه الصلاة المندوبة لأن الظاهر جوازها عن الأحياء في الزيارات والحج وغيرهما.
الحادي والعشرون ـ ما رواه محمد بن عبد الله بن جعفر
الحميري (3) انه كتب الى
الكاظم مثله وأجابه بمثله.
الثاني والعشرون ـ ما رواه ابان بن عثمان عن على بن مسمع
(4) قال : «قلت
لأبي عبد الله عليهالسلام ان أمي هلكت
ولم أتصدق بصدقة. كما تقدم الى قوله أفيلحق ذلك بها؟ قال عليهالسلام نعم. قلت
والحج؟ قال نعم. قلت والصلاة؟ قال نعم. قال ثم سألت أبا الحسن عليهالسلام بعد ذلك ايضا
عن الصوم فقال نعم».
الثالث والعشرون ـ ما رواه الكليني بإسناده الى محمد بن
مروان (5) قال : «قال
أبو عبد الله عليهالسلام ما يمنع الرجل
منكم أن يبر والدية حيين وميتين يصلى عنهما ويتصدق عنهما ويحج عنهما ويصوم عنهما
فيكون الذي صنع لهما وله مثل ذلك فيزيده الله ببره وصلته خيرا كثيرا».
__________________
(1 و 2 و 3 و 4 و 5) الوسائل الباب 12 من قضاء الصلوات.
الرابع والعشرون ـ عن عبد الله بن سنان عن الصادق عليهالسلام (1) قال : «الصلاة
التي دخل وقتها قبل أن يموت الميت يقضى عنه أولى الناس به».
ثم ذكر (قدسسره) عشرة أحاديث
تدل بطريق العموم قال :
الأول ـ ما رواه عبد الله بن ابى يعفور عن الصادق عليهالسلام (2) قال : «يقضى
عن الميت الحج والصوم والعتق وفعاله الحسن».
الثاني ـ ما رواه صفوان بن يحيى (3) ـ وكان من
خواص الرضا والجواد (عليهماالسلام) وروى عن
أربعين رجلا من أصحاب الصادق عليهالسلام قال «يقضى عن
الميت الحج والصوم والعتق وفعاله الحسن».
الثالث ـ ما رواه محمد بن مسلم عن ابى عبد الله عليهالسلام (4) قال : «يقضى
عن الميت الحج والصوم والعتق وفعاله الحسن».
الرابع ـ ما رواه العلاء بن رزين في كتابه (5) ـ وهو أحد
رجال الصادق (عليهالسلام) ـ قال : «يقضى
عن الميت الحج والصوم والعتق وفعاله الحسن».
الخامس ـ ما رواه البزنطي ـ وكان من رجال الرضا (عليهالسلام) (6) ـ قال «يقضى
عن الميت الحج والصوم والعتق وفعله الحسن».
السادس ـ ما ذكره صاحب الفاخر مما أجمع عليه وصح من قول
الأئمة (عليهمالسلام) (7) قال : «ويقضى
عن الميت أعماله الحسنة كلها».
السابع ـ ما رواه ابن بابويه عن الصادق عليهالسلام (8) قال : «من عمل
من المسلمين عن ميت عملا صالحا أضعف الله له اجره ونفع الله به الميت».
الثامن ـ ما رواه عمر بن يزيد (9) قال : «قال
أبو عبد الله عليهالسلام من عمل من
المؤمنين عن ميت عملا صالحا أضعف الله اجره وينعم بذلك الميت».
التاسع ـ ما رواه العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم عن ابى
عبد الله (عليه
__________________
(1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6 و 7 و 8 و 9) الوسائل الباب 12 من قضاء
الصلوات.
السلام) (1) قال : «يقضى
عن الميت الحج والصوم والعتق وفعاله الحسن».
العاشر ـ ما رواه حماد بن عثمان في كتابه (2) قال : «قال
أبو عبد الله (عليهالسلام) من عمل من
المؤمنين عن ميت عملا صالحا أضعف الله اجره وينعم بذلك الميت».
قال الشهيد : وروى يونس عن العلاء عن عبد الله بن ابى
يعفور عن الصادق عليهالسلام (3) قال : «يقضى
عن الميت الحج والصوم والعتق والفعل الحسن».
ومما يصلح هنا ما أورده في التهذيب بإسناده عن عمر بن
يزيد (4) قال : «كان
أبو عبد الله عليهالسلام يصلى عن ولده
في كل ليلة ركعتين وعن والديه في كل يوم ركعتين. قلت جعلت فداك كيف صار للولد
الليل؟ قال لان الفراش للولد. قال : وكان يقرأ فيهما القدر والكوثر». قال : «فان
هذا الحديث يدل على وقوع الصلاة عن الميت من غير الولد كالأب ، وهو حجة على من
ينفى الوقوع أصلا أو ينفيه إلا من الولد.
قال في الذخيرة : قلت يفهم من هذا الكلام وقوع الخلاف في
وقوع الصلاة عن الميت ثم في عدم اختصاصه بقضاء الولد عن الوالد ، وسيجيء ما يدل
على اتفاق الإمامية على وقوع الصلاة عن الميت وعدم اختصاصه بالولد نقلا عن كلام
الشهيد. ولعل الخلاف الذي يفهم ههنا مخصوص بالعامة أو مستند الى بعض الأصحاب
المعاصرين للشهيد أو السيد أو غيرهم ممن لا يرون مخالفته قادحة في الإجماع.
ثم ذكر السيد (قدسسره) ان الصلاة
دين وكل دين يقضى عن الميت ، أما ان الصلاة تسمى دينا ففيه أربعة أحاديث :
الأول ـ ما رواه حماد عن ابى عبد الله عليهالسلام (5) في اخباره عن
لقمان عليهالسلام
__________________
(1 و 2 و 3 و 5) الوسائل الباب 12 من قضاء الصلوات.
(4) الوسائل الباب 28 من الاحتضار. وفي التهذيب ج 1 ص 132
والوسائل. «وكان يقرأ فيهما انا أنزلناه في ليلة القدر وانا أعطيناك الكوثر».
«وإذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخرها لشيء
صلها واسترح منها فإنها دين».
الثاني ـ ما ذكره ابن بابويه في باب آداب المسافر (1) «إذا جاء وقت
الصلاة فلا تؤخرها لشيء صلها واسترح منها فإنها دين».
الثالث ـ ما رواه ابن بابويه في كتاب معاني الأخبار
بإسناده الى محمد بن الحنفية في حديث الأذان لما اسرى بالنبي صلىاللهعليهوآله «2» الى قوله :
«ثم قال حي على الصلاة قال الله جل جلاله فرضتها على عبادي وجعلتها لي دينا». إذا
روى بفتح الدال
الرابع ـ ما رواه حريز بن عبد الله عن زرارة عن ابى جعفر
عليهالسلام (3) قال : «قلت له
رجل عليه دين من صلاة قام يقضيه فخاف ان يدركه الصبح ولم يصل صلاة ليلته تلك؟ قال
يؤخر القضاء ويصلى صلاة ليلته تلك».
وأما قضاء الدين عن الميت فلقضية الخثعمية (4) لما سألت رسول
الله صلىاللهعليهوآله.
__________________
(1) الوسائل الباب 52 من آداب السفر. والحديث عن حماد عن
الصادق «ع» نقلا عن لقمان وعليه يتحد الحديثان.
(2) مستدرك الوسائل نوادر ما يتعلق بأبواب الأذان والإقامة.
(3) الوسائل الباب 61 من المواقيت عن كتاب غياث سلطان الورى.
(4) المذكور في سنن ابى داود ج 1 ص 286 وغيره من كتب أحاديث
العامة اللفظ الآتي أو ما قاربه : عن ابن عباس عن النبي (ص) «جاءته امرأة من خثعم
فقالت ان فريضة الله على عباده في الحج أدركت ابى شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت
على الراحلة أفأحج عنه؟ قال نعم». ورواه في تيسير الوصول ج 1 ص 331 عن الستة ،
ورواه في الوسائل عن الشيخ المفيد في المقنعة في الباب 24 من وجوب الحج وشرائطه. وفي
سنن البيهقي ج 4 ص 328 بعد أن نقل الحديث كما تقدم بعدة طرق ومنها طريق سفيان قال
قال سفيان وكان عمرو بن دينار حدثناه أولا عن الزهري عن سليمان بن يسار عن ابن
عباس فقال فيه «أو ينفعه ذلك؟ يا رسول الله «ص»؟ قال نعم كما لو كان على أحدكم دين
فقضاه». ثم قال فلما جاءنا الزهري حدثناه فتفقدته فلم يقل هذا الكلام الذي رواه
عنه عمرو. انتهى. وقد نقل ذلك الشيخ في الخلاف ص 156. نعم في سنن النسائي ج 2 ص 5
عن ابن عباس قال : «قال رجل يا رسول الله «ص» ان ابى مات ولم يحج أفأحج عنه؟ قال أرأيت
لو كان على أبيك
فقالت يا رسول الله صلىاللهعليهوآله ان أبى أدركته
فريضة الحج شيخا زمنا لا يستطيع أن يحج ان حججت عنه أينفعه ذلك؟ فقال لها أرأيت لو
كان على أبيك دين فقضيته أكان ينفعه ذلك؟ قالت نعم. قال فدين الله أحق بالقضاء.
قال السيد : ويدل على أن القضاء عن الميت أمر مشروع
تعاقد صفوان ابن يحيى وعبد الله بن جندب وعلى بن النعمان في بيت الله الحرام ان من
مات منهم يصلى من بقي صلاته ويصوم عنه ويحج عنه ما دام حيا ، فمات صاحباه وبقي
صفوان فكان يفي لهما بذلك فيصلي كل يوم وليلة خمسين ومائة ركعة (1) وهؤلاء من
أعيان مشايخ الأصحاب والرواة عن الأئمة (عليهمالسلام).
قال السيد : انك إذا اعتبرت كثيرا من الأحكام الشرعية
وجدت الأخبار فيها مختلفة حتى صنفت لأجلها كتب ولم تستوعب الخلاف ، والصلاة عن
الأموات قد ورد فيها مجموع أخبار ولم نجد خبرا واحدا يخالفها ، ومن المعلوم ان هذا
المهم في الدين لا يخلو عن شرع بقضاء أو ترك فإذا وجد المقتضى ولم يوجد المانع علم
موافقة ذلك للحكمة الإلهية. انتهى كلامه زيد في الخلد إكرامه ومقامه.
إذا عرفت ذلك فاعلم ان تحقيق الكلام في هذا المقام
وتفصيل ما اشتمل عليه جملة هذه الاخبار الواردة عنهم (عليهمالسلام) والإحاطة بما
فيها من نقض وإبرام يقتضي بسطها في مسائل :
الأولى ـ المستفاد من هذه الأخبار وكذا من كلام علمائنا
الأبرار من غير خلاف يعرف جواز الصلاة عن الميت بان يصلى نيابة عنه كما انه يجوز
أن يحج نيابة عنه أو انه يصلى لنفسه ثم يجعل ثوابها وأجرها له.
__________________
دين أكنت قاضيه؟ قال نعم. قال فدين الله أحق». فالحديث المنقول
في الكتاب عن السيد باللفظ المتقدم لم نقف عليه في كتب الحديث ويجوز أن يكون قد
تداخلت ألفاظ الحديث الثاني بالأول فظهر الحديث بهذه الصورة.
(1) رجال النجاشي ص 140 وفهرست الشيخ ص 83.
هذا بالنسبة إلى الصلوات المستحبة وأكثر الأخبار
المتقدمة إنما خرجت هذا المخرج ، وأما الواجبة فإنه يجوز ايضا أن يصليها نيابة عنه
وان لم يكن ولده ولا وليه ، إلا أن الفاضل الخراساني في الذخيرة قال ان الفتوى
بذلك لم يكن مشهورا في كتب القدماء وانما اشتهر بين أصحابنا المتأخرين ، والمشهور
في كتب السابقين قضاء الولي عن الميت حسب. انتهى. وهو جيد.
بقي الإشكال هنا في انه هل ينحسب جواز القضاء في الواجبة
الى ما لو لم تكن ذمة الميت مشغولة بالعبادة كالصلاة اليومية بأن يصليها عنه وان
علم فراغ ذمته منها أم لا؟ ظاهر الجماعة ذلك ، وعليه جرى من عاصرناه من مشايخنا في
بلادنا البحرين حتى ان الرجل منهم يوصى بعقار يصرف حاصله في العبادة والصلاة
اليومية عنه الى يوم القيامة ، وشاهدنا جملة من العلماء يعملون بتلك العبادات من
غير توقف ولا تناكر ، والظاهر ان عمدة ما استدلوا به على ذلك حكاية صفوان بن يحيى
المتقدمة.
ولم اطلع على من توقف في هذا الحكم وناقش فيه إلا الفاضل
المولى محمد باقر الخراساني في الذخيرة فإنه قال ـ بعد ذكره هذا الفرع المذكور
وتقديم جملة الأخبار التي قدمناها ـ ما صورته : وفيه اشكال نظرا الى ان شرعية
العبادات تحتاج الى توقيف الشرع وليس ههنا أمر دال على ذلك بحيث ينسد به باب
التوقف والإشكال ، فإن الأخبار المذكورة غير واضحة الدلالة على العموم ، ولو سلم
لا يبعد أن يكون المراد بالصلاة فيها الصلاة المشروعة بالنسبة إلى المكلف بناء على
أن لفظة الصلاة موضوعة للصحيحة الشرعية لا طبيعة الأركان مطلقا ، وإذا كان الأمر
كذلك كان محصل النص أن كل صلاة يصح شرعا أن يفعله المكلف فله أن يجعله للميت فلا
يستفاد منه الجواز. وأما قضية صفوان فقد ذكرها النجاشي بلفظ «روى» والشيخ أطلق
ذكرها ولم يذكر لها سندا وطريقا ، والمسامحة في نقل أمثال هذه الحكايات التي لم
يكن الغرض الأصلي من إيرادها تأسيس حكم شرعي شائع غالب ،
فبهذا الاعتبار يحصل نوع شك في صحة
الاستناد الى الأمر المذكور فيحصل الشك في المسألة حتى يفتح الله ويسهل طريق
معرفتها. انتهى. وهو جيد ، والى ذلك ايضا يميل كلام شيخنا المجلسي (قدسسره) في كتاب
البحار.
والظاهر عندي هو العدم وان كان ظاهر كلاميهما (طاب
ثراهما) انما هو التوقف والاستشكال لعدم وقوفهم على دليل صريح في ثبوت هذا الحكم
وعدمه في هذا المجال ، مع انه قد روى الشيخ في الموثق عن ابى بصير عن ابى عبد الله
عليهالسلام (1) قال : «سألته
عن امرأة مرضت في شهر رمضان وماتت في شوال فأوصتني أن أقضي عنها؟ قال هل برئت من
مرضها؟ قلت لا ماتت فيه. قال لا يقضى عنها فان الله لم يجعله عليها. قلت فإني
اشتهى أن أقضي عنها وقد أوصتني بذلك؟ قال فكيف تقضى شيئا لم يجعله الله عليها».
(فان قيل) ان مورد الرواية مخصوص بالصوم فلا يتعدى الى
غيره إلا بدليل (قلنا) موضع الاستدلال في الخبر انما هو قوله عليهالسلام في الجواب بعد
نهيه عن القضاء في الصورة المذكورة المؤذن بالتحريم وتعليله التحريم بان الله لم
يجعله عليها المؤذن بأن القضاء كائنا ما كان انما يكون لما ثبت في الذمة واشتغلت
به وكان مخاطبا به من قبله سبحانه ، ثم تأكيد ذلك بعد مراجعة السائل بالاستفهام الإنكاري
بقوله (عليهالسلام) «فكيف تقضى
شيئا لم يجعله الله عليها».
وبالجملة فإن هذا الخبر كما ترى ظاهر الدلالة واضح
المقالة في ان القضاء عن الغير لا يشرع إلا مع استقرار الأداء في ذمته ، مضافا الى
ما عرفت في كلام الفاضل المتقدم من أن العبادات مبنية على التوقيف ثبوتا وعدما
والثابت هنا بموجب هذا الخبر انما هو العدم. ولم أقف على من تنبه للاستدلال بالخبر
المذكور في هذا المقام مع انه كما ترى واضح الدلالة في ما ادعيناه ، ولا معارض له
في البين إلا حكاية صفوان المذكورة ، ومن الظاهر قصورها عن المعارضة من جهات
عديدة. والله العالم.
__________________
(1) الوسائل الباب 23 من أحكام شهر رمضان.
المسألة الثانية ـ قد تقدم ان الأشهر الأظهر وجوب
الترتيب على القاضي عن نفسه مع العلم بالترتيب ، أما لو كان القضاء عن الغير فهل
يجب ذلك بمعنى انه لا يصح أن يقضى عن الميت اثنان أو ثلاثة مثلا دفعة واحدة بل لا
بد أن يكون أحدهم بعد الآخر أو أن يكون القاضي عنه متحدا؟ ظاهر الأصحاب الأول كما
في قضاء الإنسان عن نفسه.
وقد وقفت في هذا المقام على كلام جيد للسيد الفاضل
المحقق السيد نعمة الله الجزائري (نور الله تعالى تربته) يتضمن القول بعدم الوجوب
في شرحه على التهذيب ، حيث قال بعد ذكر المسألة : الذي أفتى به أكثر مشايخنا
المعاصرين هو وجوب الترتيب ، ولهذا أمروا بتوزيع الأوقات وتقسيمها بين المستأجرين
حتى لا يصلى اثنان عن الميت في وقت واحد ، والذي لا يزال يختلج بخاطري من البحث عن
حقيقة الأخبار هو القول الثاني ، وذلك ان اخبار هذا الباب من قوله عليهالسلام (1) : «من فاتته
فريضة». ومن هذا الخبر الذي نحن بصدد الكلام فيه هو قضاء المكلف ما في ذمته ، وذلك
انه يجب عليه تفريغ الذمة من ما تعلق بها أو لا فأولا شيئا بعد شيء لعدم إمكان
المبادرة إلى تفريغها من تلك الواجبات كلها دفعة واحدة وإذا لم يمكن هذا وجب ذلك ،
بخلاف الميت فإنه إذا مات لم تبق له ذمة كذمة الحي ولهذا بطلت الأحكام المنوطة بها
كأجل الدين وأكثر الإجارات وأحكام الفلس ونحوها ، وحينئذ فقد بقي مشغولا بما فاته
من الواجبات ، والمبادرة إلى رفعها ورفع عذابها عنه مهما أمكن هو الأولى ، لأنه
كما ورد في الأخبار يضيق عليه من جهتها فإذا قضيت عنه أسرعت اليه ملائكة الرحمة
ووسعوا عليه من جهة قضاء العبادة عنه ، فإذا أمكن رفعها عنه دفعة واحدة أو ما هو
قريب منها كان هو الأحسن. الى ان قال : على ان الأخبار التي استدلوا بها على
القضاء عن الميت عامة شاملة لموضع النزاع. وبالجملة فالقول بعدم الترتيب هنا لعله
الأولى ، وقد استدل لهذا القول من بعض
__________________
(1) ارجع الى التعليقة 2 ص 22.
المعاصرين إلا انه لم يذكر هذا الكلام
بل جعل عدم الدليل دليلا على العدم. انتهى كلام السيد المزبور وهو جيد وجيه.
ويكفينا في القول بذلك ما نقله عن بعض معاصريه من عدم
وجود الدليل في الصورة المذكورة على وجوب الترتيب ، إذ لا تكليف إلا بعد البيان
ولا مؤاخذة إلا بعد اقامة البرهان ، فان ما ورد من الأخبار الدالة على وجوب
الترتيب (1) مورده قضاء
الإنسان عن نفسه كما عرفت ، وما ذكره (قدسسره) علاوة ظاهر
الوجاهة ، وعلى هذا جرى من عاصرناه من مشايخنا في بلاد البحرين. والله العالم.
المسألة الثالثة ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان
الله عليهم) في ما أعلم في جواز الاستئجار للصلاة والصوم عن الميت ، إلا ان بعض
متأخري المتأخرين ممن سيأتي نقل كلامه ناقش في ذلك ، والظاهر ضعفه كما سيظهر لك ان
شاء الله تعالى.
قال السيد الزاهد العابد المجاهد رضى الدين بن طاوس (عطر
الله مرقده) في كتاب غياث سلطان الورى لسكان الثرى : وقد حكى ابن حمزة في كتابه في
قضاء الصلاة عن الشيخ ابى جعفر محمد بن الحسين الشوهاني انه كان يجوز الاستئجار عن
الميت ، واستدل ابن زهرة على وجوب قضاء الولي الصلاة بالإجماع على انها تجري مجرى
الصوم والحج. وقد سبقه ابن الجنيد بهذا الكلام حيث قال : والعليل إذا وجبت عليه
الصلاة وأخرها عن وقتها الى ان فاتت قضاها عنه وليه كما يقضى حجة الإسلام والصيام.
قال وكذلك روى أبو يحيى عن إبراهيم بن هشام عن ابى عبد الله عليهالسلام (2) فقد سويا بين
الصلاة وبين الحج ، ولا ريب في جواز
__________________
(1) ص 22 و 23.
(2) لم نقف على رواية بهذا السند في مورد الكلام ، وفي الذكرى
في نسخة «أبو يحيى بن إبراهيم ابن سالم» ويجوز ان يكون تصحيف في العبارة. نعم ورد
في رواية صفوان بن يحيى عن معاوية بن عمار عن ابى عبد الله (ع) المذكورة في
الوسائل في الباب 28 من الاحتضار ما يتعلق بالمورد.
الاستئجار على الحج.
وقال شيخنا الشهيد في الذكرى بعد نقل هذا الكلام :
الاستئجار على فعل الصلاة الواجبة بعد الوفاة مبنى على مقدمتين (إحداهما) جواز
الصلاة عن الميت وهذه اجماعية والأخبار الصحيحة ناطقة بها كما تلوناه. و (الثانية)
ان كلما جازت الصلاة عن الميت جاز الاستئجار عنه ، وهذه المقدمة داخلة في عموم
الاستئجار على الأعمال المباحة التي يمكن أن تقع للمستأجر ، ولا يخالف فيها أحد من
الإمامية بل ولا من غيرهم ، لان المخالف من العامة إنما منع لزعمه انه لا يمكن
وقوعها للمستأجر عنه (1) أما من يقول
بإمكان وقوعها له وهم جميع الإمامية فلا يمكنه القول بمنع الاستئجار إلا ان يخرق
الإجماع في إحدى المقدمتين ، على ان هذا النوع قد انعقد عليه الإجماع من الإمامية
الخلف والسلف من عهد المصنف وما قبله الى زماننا هذا ، وقد تقرر أن إجماعهم حجة
قطعية (فإن قلت) فهلا اشتهر الاستئجار على ذلك والعمل به عن النبي صلىاللهعليهوآله والأئمة (عليهمالسلام) كما اشتهر
الاستئجار على الحج حتى علم من المذهب ضرورة (قلت) ليس كل واقع يجب اشتهاره ولا كل
مشهور يجب الجزم بصحته فرب مشهور لا أصل له ورب متأصل لم يشتهر ، إما لعدم الحاجة
إليه في بعض الأحيان أو لندور وقوعه ، والأمر في الصلاة كذلك فان
__________________
(1) في بدائع الصنائع ج 2 ص 212 ان العبادات البدنية المحضة
كالصلاة والصوم لا تقبل النيابة عن الحي والميت لقوله (ص) «لا يصوم أحد عن أحد ولا
يصلى أحد عن أحد». والعبادة المالية المحضة كالزكاة والصدقات تجوز فيها النيابة
لأن الغاية إخراج المال ، والبدنية المالية كالحج تجوز النيابة فيه عن الحي العاجز
أو الميت وقد وجب عليه لقوله (ص) «حق الله أحق أن يقضى» وفي ص 221 قال : «من وجب
عليه الحج ومات ولم يوص به أثم ويسقط عنه في أحكام الدنيا لان العبادات تسقط
بالموت مالية أو بدنية» والشافعي في الأم ج 2 ص 98 نفى الخلاف في جواز النيابة عن
الميت في الحج ، ولم يخالف فيه ابن قدامة في المغني ج 3 ص 234 ، وللتفصيل يرجع الى
المحاضرات تقرير بحث آية الله الخوئي ص 389.
سلف الشيعة كانوا على ملازمة الفريضة
والنافلة على حد لا يقع من أحد منهم إخلال بها إلا لعذر يعتد به كمرض موت أو غيره
، وإذا اتفق فوات فريضة بادروا الى فعلها لأن أكثر قدمائهم على المضايقة المحصنة
فلم يفتقروا الى هذه المسألة واكتفوا بذكر قضاء الولي لما فات الميت من ذلك على
طريق الندور ، ويعرف هذه الدعاوي من طالع كتب الحديث والفقه وسيرة السلف معرفة لا
يرتاب فيها ، فخلف من بعدهم قوم تطرق إليهم التقصير واستولى عليهم فتور الهمم حتى
آل الحال إلى انه لا يوجد من يقوم بكمال السنن إلا أو حديهم ولا يبادر بقضاء
الفائت إلا أقلهم ، فاحتاجوا الى استدراك ذلك بعد الموت لظنهم عجز الولي عن القيام
به ، فوجب رد ذلك الى الأصول المقررة والقواعد الممهدة وفي ما ذكرناه كفاية.
انتهى. وهو جيد متين.
واعترضه المولى محمد باقر الخراساني في الذخيرة ـ بعد أن
ذكر سابقا ما قدمنا نقله عنه آنفا من أن الفتوى بذلك لم تكن مشهورة في كتب القدماء
ـ فقال بعد نقل هذا الكلام : قلت ملخص ما ذكره الشهيد ان الحكم بجواز الاستئجار
للميت مبنى على الإجماع على ان كل أمر مباح يمكن أن يقع للمستأجر يجوز الاستئجار
فيه ، وقد نبهت مرارا بأن إثبات الإجماع في زمن الغيبة في غاية الإشكال خصوصا في
مثل هذه المسألة التي لم تشتهر في سالف الأعصار وقد خلت منها مصنفات القدماء
والعظماء. ثم ان قوله (قدسسره) «على ان هذا
النوع قد انعقد عليه الإجماع. الى آخره» يدل على انه زعم انعقاد الإجماع عليه في
زمان السيد وما قاربه ، ولا يخفى ان دعوى انعقاد الإجماع بالمعنى المعروف بين
الشيعة في مثل تلك الأزمان بين التعسف واضح الجزاف. ثم ما ذكره في تعليل عدم اشتهار
هذا الحكم بين السلف لا يخلو عن تكلف ، فان ما ذكره من ملازمة الشيعة على مداومة
الصلوات وحفظ حدودها والاستباق والمسارعة إلى قضاء فوائتها على تقدير تمامه انما
يجرى في العلماء وأهل التقوى منهم لاعوامهم وأدانيهم وعموم السفلة والجهلة منهم ،
ويكفى ذلك داعيا للافتقار الى هذه المسألة والفتوى بها واشتهار العمل بها لو كان
لها أصل. وبالجملة للنظر
في هذه المسألة وجه فتدبر. انتهى.
أقول : لا يخفى ما فيه على الفطن النبيه فإنه عنده ظاهر
البطلان غنى عند التأمل عن البيان :
(أما أولا) فلان قوله «قلت ملخص ما ذكره الشهيد. الى
قوله الفقهاء والعظماء» مردود (أولا) بأن هذا الإجماع الذي ادعاه الشهيد وادعى به
صحة الاستئجار في كل الأعمال المباحة التي يمكن أن تقع للمستأجر عنه ، ان كان
المناقشة فيه انما هو بالنسبة إلى الصلاة والصوم فهذا مما لا معنى له عند المحصل
لانه متى سلم تلك القاعدة الكلية فعليه في استثناء ما ذكره الدليل ، وان كان
بالنسبة إلى أصل الكلية فالواجب عليه طلب الدليل في كل فرد فرد من افراد الإجارات
وان لا تجوز الإجارة في عمل من الأعمال ولا فعل من الأفعال إلا بنص خاص بذلك
الجزئي يدل على جواز الإجارة فيه بخصوصه وإلا فلا ولا أراه يلتزمه ، بل لو انفتح
هذا الباب لأدى إلى اطراده في جميع أبواب المعاملات من البيوع والمصالحات والسلم
والمساقاة ونحو ذلك ، فيشترط في كل فرد فرد مما يجرى فيه أحد هذه العقود ورود نص
فيه وإلا فلا يجوز أن يدخله البيع ونحوه من تلك المعاملات ، إذ العلة واحدة في
الجميع والمناقشة تجري في الكل ، مع انه لا يرتاب هو ولا غيره في أن المدار في
جميع المعاملات انما هو على ما يدخل به ذلك الفرد الذي يراد اجراء تلك المعاملة
عليه في جملة أفرادها الشائعة وينتظم به في جملة جزئياتها الذائعة إلا أن يقوم على
المنع دليل من خارج ، وهذه قاعدة كلية في جميع المعاملات ، فان سلمها وقال بها
لزمه اجراء ذلك في محل البحث فإنه أحد أفرادها إلا ان يأتي بدليل على إخراجه ، وان
منعها ـ ولا أراه يتجشمه ـ فهو محجوج بما ذكرناه وانى له بالمخرج.
و (ثانيا) ـ ان الشهيد (قدسسره) لم يستند هنا
الى مجرد الإجماع وانما استند أولا إلى عموم ما دل على الإجارة في الأعمال المباحة
ثم أردفه باتفاق الإمامية لأنه قال : وهذه المقدمة داخلة في عموم الاستئجار على
الأعمال المباحة أي عموم
أدلة الاستئجار بمعنى أن دليلها عموم
الأدلة الدالة على الاستئجار على الأعمال المباحة ، ثم قال ولا يخالف فيها أحد من
الإمامية. الى آخره ، فاستند أولا إلى عموم الأدلة ، وثانيا إلى الإجماع ، وهذا هو
الواقع والجاري في جميع المعاملات ، فان هذه القواعد كما انها متفق عليها بين
الأصحاب منصوصة في جميع أبواب المعاملات من اجارة وغيرها ، فالمدعى لإخراج فرد من
افراد بعض تلك القواعد عليه اقامة الدليل.
ومن الأخبار الدالة على هذه القاعدة بالنسبة إلى الإجارة
ما رواه الحسن بن شعبة في كتاب تحف العقول عن الصادق عليهالسلام (1) في وجوه
المعايش قال : واما تفسير الإجارات فإجارة الإنسان نفسه أو ما يملك أو يلي أمره من
قرابته أو دابته أو ثوبه بوجه الحلال من جهات الإجارات أن يؤجر نفسه أو داره أو
أرضه أو شيئا يملكه في ما ينتفع به من وجوه المنافع ، أو العمل بنفسه وولده
ومملوكه أو أجيره من غير أن يكون وكيلا للوالي. الى أن قال : وكل من آجر نفسه أو
آجر ما يملكه أو يلي أمره من كافر أو مؤمن أو ملك أو سوقه على ما فسرناه مما تجوز
الإجارة فيه فحلال محلل فعله وكسبه. انتهى.
قال بعض المحدثين من أفاضل متأخري المتأخرين بعد نقل هذا
الخبر : أقول فيه دلالة على جواز إجارة الإنسان من يلي أمره من قرابته وان يؤجر
نفسه للعبادات. الى أن قال : وبالجملة المستفاد منها جواز أن يستأجر لكل عمل وان
يؤجر نفسه من كل أحد لكل عمل إلا ما أخرجه الدليل. انتهى.
وأما قوله ـ ثم ان قوله على ان هذا النوع. الى آخره ـ فهو
في محله إلا انه لا يضر بما قلناه فان المطلوب يتم بما قدمناه وأحكمناه.
و (اما ثانيا) فلان قوله ـ ثم ما ذكره في تعليل عدم
اشتهار هذا الحكم. الى آخره ـ سقيم عليل لا يبرد الغليل وكلام شيخنا (قدسسره) هنا حق لا
ريب
__________________
(1) الوسائل الباب 1 من الإجارة.
فيه وصدق لا شبهة تعتريه ، فان ما
ذكره (قدسسره) من الاستئجار
على الصلاة والوصية بها انما يترتب على ترك العلماء وأهل التقوى العارفين بوجوب
قضائها الخائفين من تبعاتها وجزأيها لو كانوا يتركونها فإنهم يوصون بها ، ولكن لما
كانوا يحافظون عليها في حال الحياة تمام المحافظة أداء وقضاء واجبا وسنة لم يقع
ذلك ولم يشتهر ، فاما اعتراضه بالجهلة والسفلة الذين لا يبالون بالصلاة صحيحة كانت
أو باطلة في حياتهم أو بعد موتهم فغير وارد ، لأنهم لما ذكرنا يتركونها ويتهاونون
بها ويموتون على ذلك من غير فحص ولا وصية بقضائها لجهلهم وقلة مبالاتهم بالدين
فكيف يكون ذلك حينئذ داعيا الى الافتقار الى هذه المسألة والفتوى بها واشتهار
العمل بها ، على ان مساق كلام شيخنا المشار اليه انما هو بالنسبة إلى شهرة
الاستئجار على الصلاة وانه لم لا اشتهر كاشتهار الاستئجار على الحج لا بالنسبة إلى
الفتوى بهذه المسألة ، ويزيدك تأكيدا لما ذكرنا ثمة كلام شيخنا المذكور وقوله «فخلف
من بعدهم قوم تطرق إليهم التقصير. الى آخره» مما يدل على ان اشتهار الوصية بالصلاة
والاستئجار عليها في الوقت الأخير انما كان لتهاون العلماء والعارفين بما يعرفون
وجوبه عليهم وفتورهم عن القيام بالواجبات فضلا عن السنن الموظفة في ذلك المقام ،
فالكلام أولا وآخرا انما ترتب على العلماء والعارفين لا ما توهمه من ضم السفلة
والجاهلين.
وبالجملة فكلامه (قدسسره) ليس بموجه
يعتمد عليه وكلام شيخنا المذكور أولى وأحرى بالرجوع اليه.
ثم ان ممن ناقش في هذه المسألة وان كان من جهة أخرى
المحدث الكاشاني (طاب ثراه) في كتاب المفاتيح ، حيث قال ـ في آخر الخاتمة التي في
الجنائز من الكتاب المذكور بعد أن ذكر انه يصل الى الميت ثواب الصلاة والصوم
والصدقة والحج ـ ما صورته : وأما العبادات الواجبة عليه التي فاتته فما شاب منها
المال كالحج يجوز
الاستئجار له كما يجوز التبرع به عنه
بالنص (1) والإجماع ،
واما البدني المحض كالصلاة والصيام ففي النصوص (2) «يقضيها عنه
أولى الناس به». وظاهرها التعيين عليه ، والأظهر جواز التبرع بهما عنه من غيره
ايضا ، وهل يجوز الاستئجار لهما؟ المشهور نعم ، وفيه تردد لفقد النص فيه وعدم حجية
القياس حتى يقاس على الحج أو على التبرع ، وعدم ثبوت الإجماع بسيطا ولا مركبا إذ
لم يثبت ان كان من قال بجواز العبادة للغير قال بجواز الاستئجار لها ، وكيف كان
فلا يجب القيام بالعبادات البدنية المحضة له بتبرع ولا استئجار إلا مع الوصية. إلى
آخر كلامه.
وقال في كتاب المعايش والمكاسب بعد كلام في المقام :
والذي يظهر لي ان ما يعتبر فيه نية التقرب لا يجوز أخذ الأجرة عليه مطلقا لمنافاته
الإخلاص فإن النية كما مضى ما يبعث على الفعل دون ما يخطر بالبال ، نعم يجوز فيه
الأخذ ان اعطى على وجه الاسترضاء أو الهدية أو الارتزاق من بيت المال ونحو ذلك من
غير تشارط ، وأما ما لا يعتبر فيه ذلك بل يكون الغرض منه صدور الفعل على أى وجه
اتفق فيجوز أخذ الأجرة عليه مع عدم الشرط في ما له صورة العبادة. وأما جواز
الاستئجار للحج مع كونه من القسم الأول فلأنه انما يجب بعد الاستئجار وفيه تغليب
لجهة المالية ، فإنه انما يأخذ المال ليصرفه في الطريق حتى يتمكن من الحج ولا فرق
في صرف المال في الطريق بان يصدر من صاحب المال أو نائبه ، ثم ان النائب إذا وصل
الى مكة وتمكن من الحج امكنه التقرب به كما لو لم يكن أخذ أجرة فهو كالمتطوع أو
نقول ان ذلك ايضا على سبيل الاسترضاء للتبرع. أما الصلاة والصوم فلم يثبت جواز
الاستئجار لهما. انتهى.
وفيه نظر من وجوه : الأول ـ ان ما ذكره في الكلام الأول
من التردد في جواز الاستئجار لفقد النص مردود (أولا) ـ بما عرفت آنفا من أن فقد
النص في خصوص
__________________
(1) الوسائل أبواب النيابة في الحج وبعض أبواب وجوب الحج
وشرائطه.
(2) الوسائل الباب 12 من قضاء الصلوات والباب 23 من أحكام شهر
رمضان.
الاستئجار للصلاة والصيام لا يصلح
للمانعية ، ومن ذا الذي اشترط وجود النص في خصوص كل عمل وفعل يراد الاستئجار عليه
حتى يشترط هنا ، والنصوص العامة كافية كما في غير الإجارة من المعاملات.
وثانيا ـ انه قد روى الصدوق (قدسسره) في الفقيه (1) عن عبد الله
بن جبلة عن إسحاق بن عمار عن ابى عبد الله عليهالسلام «في رجل يجعل
عليه صياما في نذر فلا يقوى؟ قال يعطى من يصوم عنه كل يوم مدين». وهي صريحة في
المطلوب والمراد عارية عن وصمة الإيراد.
وثالثا ـ النقض بالحج ايضا كما سيأتي بيانه ان شاء الله
تعالى.
الثاني ـ ما ذكره في كلامه الثاني ـ بقوله : والذي يظهر
لي ان ما يعتبر فيه نية التقرب لا يجوز أخذ الأجرة عليه. الى آخره ـ فان فيه (أولا)
ـ ما ذكرناه في الوجه الأول من ورود النص في الصوم وكذا في الحج ، وما اعتذر به في
الحج فسيأتي بيان بطلانه.
وثانيا ـ انه متى كان العلة في عدم جواز الاستئجار ذلك
فإنه لا يجوز وان أوصى الميت بذلك ، لان الاستئجار متى كان باطلا لبطلان العبادة
والأجير لا يستحق لذلك اجرة فالوصية غير مشروعة فتكون باطلة ، مع انه قد استثنى
الوصية كما عرفت ، هذا خلف.
وثالثا ـ ان لقائل أن يقول ان الفعل المستأجر عليه هو
الصلاة المتقرب بها الى الله سبحانه فإنها هي المستقرة في ذمة المستأجر عنه ،
فالأجرة في مقابلة المجموع لا الصلاة خاصة ليحصل منافاة الأجرة للقربة ، والفرق
لطيف يحتاج الى مزيد تأمل ، وتوضيحه ان النية مشتملة على قيود منها كون الفعل
خالصا لله سبحانه ومنها كونه أداء أو قضاء عن نفسه أو غيره تبرعا أو بأجرة ، وكل
من هذه القيود الأخيرة غير مناف لقيد الإخلاص ، والأجرة في ما نحن فيه انما وقعت
أولا
__________________
(1) الوسائل الباب 12 من النذر والعهد عن الفقيه والكافي.
وبالذات بإزاء القصد الثاني أعني
النيابة عن زيد مثلا ، بمعنى انه استؤجر على النيابة عن زيد في الإتيان بهذه
الفريضة للتقرب بها وقيد القربة على حاله وفي محله لا تعلق للأجرة به إلا من حيث
كونه قيدا للفعل المستأجر عليه ، نعم لو اشترط في النيابة عن الغير التقرب زيادة
على التقرب المشروط في صحة العبادة اتجه منافاة الأجرة لذلك إلا انه ليس بشرط
إجماعا ، وبالجملة فإن أصل الصلاة مقصود بها وجهه سبحانه ولكن الحامل عليها
والباعث عليها مع التقرب هو هذا المبلغ الذي قرر له ولذلك نظائر في الشرع توجب رفع
الاستبعاد مثل الصلاة لأجل الاستسقاء وصلاة الاستخارة وصلاة الحاجة وصلاة طلب
الولد وطلب الرزق ونحو. ذلك مما كان الباعث عليه أحد هذه الأغراض فإن أصل الصلاة
مقصود بها وجهه سبحانه ومتقرب بها اليه جل شأنه ولكن الحامل عليها هو أحد هذه
الأمور المذكورة ونحوها بمعنى انه يأتي بالصلاة الخالصة لوجه الله سبحانه لأجل هذا
الغرض الحامل له عليها.
(فان قيل) ان هذا مما قام الدليل على صحته وورود الخبر
به (قلنا) ان الخصم انما تمسك بأن الصلاة بالأجرة مناف للقربة والإخلاص بها لله
سبحانه حيث ان الحامل عليها انما هو الأجرة دون قصد وجهه سبحانه ، وبمقتضى تعليله
المذكور لا يصح شيء من هذه الصلوات بالكلية فإن الباعث عليها أمور أخر كما عرفت ،
مع ان الشرع قد ورد بصحتها وليس الوجه في ذلك إلا ما قلناه من أن هذه الأسباب انما
هي أسباب حاملة على الإتيان بالصلاة الخالصة له سبحانه ، ومثله يجري في مسألة
الإجارة فلا فرق حينئذ.
وبالجملة فإن ورود النص بالصحة في هذه المواضع دليل واضح
في بطلان ما توهمه ي أمر الاستئجار على الصلاة ، وحينئذ فكما يصح أن يكون الحامل
على العبادة أحد هذه الأمور يجوز ان يكون الحامل أخذ الأجرة والانتفاع بها.
الثالث ـ ما ذكره ـ بقوله : وأما جواز الاستئجار على
الحج مع كونه من القسم الأول. الى آخره ـ فان فيه (أولا) ـ انه من الجائز الواقع
ان يكون الاستئجار
من الميقات أو من مكة وهو مما لا يجرى
فيه هذا التخرص الذي ذكره والتمحل الذي اعتبره ، فلا يكون ما ذكره كليا مع ان ظاهر
النصوص كلية الحكم وهو كاف للخصم في التعلق به فإنه لا ينكر صحته.
وثانيا ـ انه يمكن أيضا إجراء ما فرضه في الحج في الصلاة
بأن يقبض الأجير الأجرة ويتصرف فيها بعد الاستئجار ولا يأتي بالصلاة إلا بعد نفاد
الأجرة إذ الإجارة لا تقتضي الفورية كما هو الأظهر الأشهر ، وحينئذ فيمكنه التقرب
بها كما لو لم يكن أخذ أجرة فهو كالمتطوع.
وثالثا ـ ان قوله ـ أو نقول ان ذلك على سبيل الاسترضاء
للتبرع ـ مناف لفرض المسألة أولا ، فإن المفروض الاستئجار للحج كما صرح به في
كلامه فكيف يجعله تبرعا وان المدفوع من الأجرة على سبيل الاسترضاء. والفرق بين
الأمرين أوضح واضح.
وبالجملة فإنه لو جاز بناء الأحكام الشرعية على مثل هذه
التخريجات البعيدة والتمحلات الغير السديدة لا تسع المجال وانفتح باب القيل والقال
، ولم يبلغ المجتهدون الذين قد أكثر من التشنيع عليهم في رسائله ومصنفاته الى مثل
هذه التخريجات الواهية الباردة والتخرصات البعيدة الشاردة. والله العالم.
المسألة الرابعة ـ لا يخفى على من تتبع كلام الأصحاب (رضوان
الله عليهم) في هذا الباب ما وقع لهم من الاختلاف في القاضي والمقضي والمقضي عنه.
أما الأول فقد صرح الأكثر بأنه الولد الأكبر ، قال في
الذكرى بعد نقل ذلك عنهم : وكأنهم جعلوه بإزاء حبوته لأنهم قرنوا بينها وبينه
والأخبار خالية عن التخصيص كما أطلقه ابن الجنيد وابن زهرة ، ولم نجد في اخبار
الحبوة ذكر الصلاة نعم ذكرها المصنفون ولا بأس به اقتصارا على المتيقن وان كان
القول بعموم كل ولى ذكر أولى حسبما تضمنته الروايات. انتهى.
أقول : قال ابن الجنيد : والعليل إذا أوجبت عليه صلاة
فأخرها عن وقتها
الى ان مات قضاها عنه وليه كما يقضى
عنه حجة الإسلام والصيام ببدنه ، فان جعل بدل كل ركعتين مدا أجزأه فان لم يقدر
فلكل أربع فان لم يقدر فمد لصلاة النهار ومد لصلاة الليل ، والصلاة أفضل. وعن
المرتضى نحو ذلك. وظاهرهما مع التخيير بين القضاء والتصدق التخصيص بما فات عن
العليل في مرض موته.
وقال ابن زهرة : ومن مات وعليه صلاة وجب على وليه قضاؤها
، وان تصدق عن كل ركعتين بمد أجزأه. إلى آخر ما ذكره ابن الجنيد. واحتج بالإجماع
وطريق الاحتياط ، وظاهره التخيير بين القضاء والصدقة مع عموم الفائت دون التخصيص
بفائت مرض الموت.
والجميع متفقون على الولي بقول مطلق. وقال ابن إدريس
بوجوب القضاء على وليه الأكبر من الذكران ما وجب على العليل فأخره عن أوقاته حتى
مات ولا يقضى عنه إلا الصلاة الفائتة في حال مرض بموته فحسب ، وتبعه في ذلك سبطه نجيب
الدين يحيى بن سعيد والشهيد في اللمعة. وهو صريح في التخصيص بالفائت في مرض الموت
وان القاضي هو الولي وهو الأكبر من الذكران.
واما الثاني فظاهر الشيخين وابن ابى عقيل وابن البراج
وابن حمزة والعلامة في أكثر كتبه انه جميع ما فات الميت وهو ظاهر كلام ابن زهرة المتقدم
، وظاهر ما قدمنا نقله عن ابن الجنيد والمرتضى وابن إدريس ويحيى بن سعيد والشهيد
في اللمعة هو التخصيص بما فات في مرض الموت ، وقال المحقق في كتابيه بقول الشيخين
، وقال في المسائل البغدادية المنسوبة إلى سؤال جمال الدين بن حاتم المشغري (قدسسره) : الذي ظهر
لي ان الولد يلزمه قضاء ما فات الميت من صيام وصلاة لعذر كالمرض والسفر والحيض لا
ما تركه الميت عمدا مع قدرته عليه. قال في الذكرى بعد نقل ذلك عنه : وقد كان شيخنا
عميد الدين (قدسسره) ينصر هذا
القول ولا بأس به ، فان الروايات تحمل على الغالب من الترك وهو انما يكون على هذا
الوجه أما تعمد ترك الصلاة فإنه نادر ، نعم قد يتفق فعلها لا على الوجه المبرئ
للذمة
والظاهر انه ملحق بالتعمد للتفريط.
انتهى.
وأما الثالث فظاهرهم انه الرجل ، قال في الذكرى : لذكرهم
إياه في معرض الحبوة. وظاهر عبارة المحقق الشمول للمرأة.
والتحقيق عندي في هذا المقام أما بالنسبة إلى الأول فهو
ولى الميت وهو أولى الناس بميراثه كما صرح به ابن الجنيد ومن معه ممن قدمنا ذكره ،
وبذلك صرح الصدوقان ايضا.
وعليه تدل صحيحة حفص بن البختري وهي السابعة من الروايات
المتقدمة ومثلها الرواية السادسة والرواية الرابعة والعشرون (1).
ونحوها أيضا مرسلة حماد بن عثمان عن من ذكره عن ابى عبد
الله عليهالسلام (2) «في الرجل يموت
وعليه دين من شهر رمضان من يقضى عنه؟ قال أولى الناس به قلت فان كان أولى الناس به
امرأة؟ قال لا إلا الرجال». وبذلك يظهر لك ما في كلام جمهور الأصحاب من التخصيص
بالولد فإنه خال عن المستند.
ويختص القضاء بالرجال دون النساء كما تضمنه خبر حفص (3) ومرسلة حماد (4) وبأكبر الرجال
لو تعددوا لصحيحة الصفار عن ابى محمد الحسن عليهالسلام (5) «انه كتب اليه
رجل مات وعليه قضاء من شهر رمضان عشرة أيام وله وليان هل يجوز لهما ان يقضيا عنه
جميعا خمسة أيام أحد الوليين وخمسة أيام الآخر؟ فوقع عليهالسلام يقضى عنه أكبر
ولييه عشرة أيام ولاء إنشاء الله». قال في الفقيه : وهذا التوقيع عندي مع توقيعاته
الى الصفار بخطه عليهالسلام.
واما بالنسبة الى الثاني فهو كل ما فات الميت لعذر كان
أم لا لعذر في مرض الموت أو غيره لا طلاق الأخبار المذكورة من الخبر السادس
والسابع ، ولا ينافي ذلك الخبر الرابع والعشرون إذ لا دلالة فيه على نفى ما عدا ما
ذكر فيه بل غايته أن
__________________
(1) ص 33 و 37.
(2 و 3 و 4 و 5) الوسائل الباب 23 من أحكام شهر رمضان.
يكون بالنسبة الى ذلك مطلقا وإطلاقه
محمول على ما دل عليه الخبران المذكوران من جميع ما فات الميت.
وقال في الذكرى : ورواية عبد الله بن سنان وردت بطريقين
وليس فيها نفى لما عداها ، إلا أن يقال قضية الأصل تقتضي عدم القضاء إلا ما وقع
الاتفاق عليه ، أو أن المتعمد مؤاخذ بذنبه فلا يناسب مؤاخذة الولي به لقوله تعالى «وَلا
تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى» (1) انتهى.
وفيه ان قضية الأصل يجب الخروج عنها بالدليل وهو خبر حفص
ومرسلة ابن ابى عمير فإنهما ظاهران في العموم. وأما التعليل بالمؤاخذة بالذنب
فعليل سيما في مقابلة النص ، والآية المذكورة لو عمل على ظاهرها لوجب المنع ايضا
من تحمل الولي ما فات الميت لعذر وهو لا يقول به.
وأما بالنسبة الى الثالث فإشكال ينشأ من ورود بعض
الأخبار بلفظ الرجل وبعض بلفظ الميت ، والظاهر حمل ذكر الرجل على مجرد التمثيل
لاشتراكهما في الأحكام غالبا فيرجح القول بالعموم ، ويؤيده ان التخصيص بالرجل في
الروايات انما وقع في الأسئلة فلا يقتضي تقييد المطلق الواقع في الروايات الأخر ،
ويؤكده ايضا انه الأحوط.
ثم انه على تقدير تفسير الولي بالولد الأكبر كما هو
الأشهر ينحصر المقضي عنه في الأب سيما على القول بكون المقضي عنه الرجل وكأنهم
جعلوه في مقابلة الحبوة كما تقدم في كلام شيخنا الشهيد ، أو مع الأم بناء على
العموم في المقضي عنه ولا يتعدى الى غيرهما. ولكن تفسير الولي بذلك كما عرفت عار
عن الدليل بل الدليل على خلافه واضح السبيل. وسيأتي ان شاء الله تعالى في كتاب
الصيام مزيد بحث في هذا المقام محيط بأطراف الكلام بإبرام النقض ونقض الإبرام.
__________________
(1) سورة الأنعام الآية 164.
فوائد
الأولى ـ قد تقدم في كلام ابن الجنيد والمرتضى وابن زهرة
التخيير بين الصلاة والصدقة ولم نظفر له بمستند ، والذي ورد من الصدقة انما هو
بالنسبة إلى النوافل كما تقدم ، قال في المختلف بعد نقل التخيير عن ابن الجنيد
والمرتضى : وباقي المشهورين من الأصحاب لم يذكروا الصدقة في الفرائض ، ثم قال :
لنا انه واجب عليه فلا تجزئ عنه الصدقة كالميت. ثم ذكر بأنهم احتجوا بأنه واجب
عليه على سبيل البدل فأجزأت الصدقة عنه كالصوم. ثم أجاب بأنه لولا النص لما صرنا
إليه في الصوم. انتهى. وقال في الذكرى : واما الصدقة عن الصلاة فلم نرها في غير
النافلة.
الثانية ـ هل يشترط كمال الولي حال الوفاة؟ قرب الشهيد
في الذكرى ذلك ، قال لرفع القلم عن الصبي والمجنون (1) ثم قال :
ويمكن إلحاق الأمر به عند البلوغ بناء على انه يحبى وانها تلازم القضاء. أما
السفيه وفاسد الرأي فعند الشيخ لا يحبى فيمكن انتفاء القضاء عنه ، ووجوبه أقرب
أخذا بالعموم. والشيخ نجم الدين لم يثبت عنده منع السفيه والفاسد الرأي من الحبوة
، فهو أولى بالحكم بوجوب القضاء عليهما. انتهى.
أقول : مبنى هذا الكلام والبحث في هذا المقام على كون
الولي الذي يجب قضاؤه عن الميت هو الولد كما هو المشهور ، وقد عرفت ما فيه من
القصور وان الولي في هذا الباب الذي يتعلق به الخطاب انما هو الأولى بالميراث ،
ومنه يعلم سقوط هذا الكلام والدوران مدار الحبوة وعدمها الذي فرعوا عليه الكلام في
السفيه وفاسد الرأي. بقي الكلام على ما اخترناه من معنى الولي لو اتفق عدم بلوغه
وقت الوفاة ، وفيه اشكال لعدم النص الواضح في البين وقيام الاحتمال من الجانبين.
الثالثة ـ لو قلنا بعدم قضاء الولي ما تركه الميت عمدا
أو كان الميت لا ولى له فإن أوصى الميت بفعلها من ماله وجب إنفاذه ، وان أخل بذلك
فظاهر المتأخرين من
__________________
(1) ارجع الى التعليقة 1 ص 2.
الأصحاب عدم وجوب الإخراج من ماله ،
وعلله في الذكرى قال لعدم تعلق الفرض بغير البدن خالفناه مع وصية الميت لانعقاد
الإجماع عليه بقي ما عداه على أصله. انتهى
ونقل عن بعض الأصحاب القول بوجوب إخراجها كالحج وصب
الأخبار التي لا ولى فيها عليه ، واحتج ايضا بخبر زرارة الطويل الوارد في الزكاة (1) قال : «قلت
لأبي عبد الله عليهالسلام ان أباك قال
لي من فر بها من الزكاة فعليه أن يؤديها؟ قال صدق ابى عليه أن يؤدى ما وجب عليه
وما لم يجب عليه فلا شيء عليه فيه. ثم قال أرأيت لو أن رجلا أغمي عليه يوما ثم
مات فذهبت صلاته أكان عليه وقد مات أن يؤديها؟ قلت لا إلا أن يكون أفاق من يومه». قال
: وظاهره انه يؤديها بعد موته وهو انما يكون بوليه أو ماله فحيث لا ولى يحمل على
المال وهو شامل لحالة الإيصاء وعدمه. انتهى.
وظاهر الشهيد في الذكرى الميل الى ذلك أو التوقف في ما
هنالك ، حيث انه نقل فيه القول والاستدلال المذكورين ولم يقدح فيه بشيء ، ويعضده
انه قال بعد ذكر المسألة المذكورة : لو أوصى بفعلها من ماله فان قلنا بوجوبه لولا
الإيصاء كان من الأصل كسائر الواجبات وان قلنا بعدمه فهو تبرع يخرج من الثلث إلا
ان يجيزه الوارث. انتهى.
أقول : لا يخفى ان ظاهر كلمة الأصحاب عدا من نقل عنه
الخلاف هنا هو الاتفاق على ان الصلاة والصوم ونحوهما من الواجبات البدنية لا يجب
إخراجها مع عدم الوصية ومع الوصية فمخرجها الثلث كسائر الوصايا ، بخلاف الواجبات
المالية كالزكاة ونحوها ، والحج وان كان مشوبا إلا انه غلب فيه الجهة المالية ،
وسيأتي مزيد تحقيق لذلك ان شاء الله تعالى في كتاب الحج.
وكيف كان فان ما استند اليه ذلك البعض المنقول عنه القول
بوجوب إخراج الصلاة والصوم عن الميت وان لم يوص به لا يخلو من المناقشة وان جمد
عليه من
__________________
(1) الفروع ج 1 ص 148 وفي الوسائل الباب 12 من زكاة الذهب
والفضة.
نقل كلامه في المقام كشيخنا الشهيد في
الذكرى والفاضل الخراساني في الذخيرة ، وذلك اما بالنسبة الى الأخبار الغير
المشتملة على ذكر الولي فقد عرفت في ما تقدم ان المتبادر من سياق تلك الأخبار انما
هو الصلوات المستحبة لا الواجبة ، ومع تسليم شمول الواجبة فإنا نقول ان غاية تلك
الأخبار أن تكون مطلقة بالنسبة إلى القاضي. والقاعدة تقتضي حمل إطلاقها على ما دلت
عليه الأخبار المتقدمة من اناطة القضاء بالولي. وكذا الكلام في رواية زرارة
المذكورة.
ومن الأخبار الدالة على اناطة القضاء بالولي زيادة على
ما تقدم موثقة ابن بكير عن بعض أصحابنا عن ابى عبد الله عليهالسلام (1) «في الرجل يموت
في شهر رمضان؟ قال ليس على وليه ان يقضى عنه. الى ان قال : فان مرض فلم يصم شهر
رمضان ثم صح بعد ذلك فلم يقضه ثم مرض فمات فعلى وليه ان يقضى عنه لأنه قد صح فلم
يقض ووجب عليه».
وقال الرضا عليهالسلام في كتاب الفقه
(2) «وإذا مات
الرجل وعليه من صوم شهر رمضان فعلى وليه أن يقضى عنه. الى ان قال : وإذا كان للميت
وليان فعلى أكبرهما من الرجال أن يقضى عنه ، فان لم يكن له ولى من الرجال قضى عنه
وليه من النساء». وبهذه العبارة ما ذكرناه منها وما لم نذكره عبر في الفقيه.
وبالجملة فإنك إذا ضمت هذه الأخبار بعضها الى بعض وحملت
مطلقها على مقيدها ظهر لك انه لا مستند لهذا القول المذكور من الأخبار وان قياس
الصلاة والصوم على الحج في التعلق بالمال بعد تعذر البدن قياس مع الفارق ، وذلك
فان الحج بدني مشوب بالمال فمن ثم دلت الأخبار بعد تعذر الإتيان به بالبدن على
التعلق بالمال ، فوجب إخراجه بعد الموت من ماله بل في حال الحياة مع المرض المانع
من المباشرة كما سيأتي ان شاء الله تعالى في كتاب الحج ، وأما الصوم والصلاة
فإنهما
__________________
(1) الوسائل الباب 23 من أحكام شهر رمضان.
(2) ص 25.
بدنيان محضان لا تعلق لهما بالمال في
حال الحياة فمع تعذر الإتيان بهما والموت بعد استقرارهما في الذمة يتعلق الخطاب
بالولي ، ومع عدم الولي فلا دليل يدل على تعلقهما بالمال كما ادعاه القائل المذكور
بل يسقط حكمهما كما هو ظاهر الأدلة المتقدمة الدالة على انه مع فقد الولي من
الرجال فلا يتعلق القضاء بالولي من النساء ، ولو كان القضاء يرجع الى المال في
الصورة المذكورة لا شير إليه في بعض تلك الأخبار بان يقال بل يجب القضاء عنه من
ماله. وبالجملة فعندي ان ما تكلفه هذا الفاضل المذكور من القول واستدل عليه بما
ذكر فهو غير خال من القصور. والله العالم.
الرابعة ـ لو أوصى الميت بقضائها عنه بأجرة من ماله
وأسندها الى أحد أوليائه أو الى أجنبي فهل تسقط عن الولي؟ وجهان واستقرب في الذكرى
السقوط لوجوب العمل بما رسمه الموصى. وهو غير بعيد ، ويؤيده ان المتبادر من
الأخبار الدالة على اناطة ذلك بالولي انما هو مع عدم وصية الميت بذلك على وجه من
الوجوه ، وحينئذ فلا منافاة في هذه الصورة لما دلت عليه الأخبار ، ويؤيد ما ذكرناه
ما صرح به السيد ابن طاوس (قدسسره) في رسالته
التي قدمناه نقل هذه الأخبار المتقدمة منها ، حيث قال ما صورته : لو أوصى الميت
بالصلاة عنه وجب العمل بوصيته لعموم «فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ
فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ» (1) ولانه لو أوصى ليهودي أو نصراني لوجب
إنفاذ وصيته فكيف الصلاة المشروعة. ثم أورد بعض الأخبار الدالة على ذلك.
الخامسة ـ قال في الذكرى : لا يشترط خلو ذمة الولي من
صلاة واجبة لتغاير السبب فيلزمان معا ، والأقرب الترتيب بينهما عملا بظاهر الأخبار
وفحاويها ، نعم لو فاتته صلاة بعد التحمل أمكن القول بوجوب تقديمها لان زمان
قضائها مستثنى كزمان أدائها ، ويمكن تقديم المتحمل لسبق سببه. انتهى.
أقول : أما الحكم الأول فجيد ، وأما الثاني وهو وجوب
الترتيب بين ما في ذمته وبين ما تحمله عن الميت فلا أعرف له دليلا معتمدا بل ظواهر
الأخبار وإطلاقها
__________________
(1) سورة البقرة الآية 177.
انما يقتضي عدم وجوب الترتيب ، فإن
إطلاقها دال على وجوب قضاء ما لزمه من نفسه وما لزمه من غيره وأما انه يرتب بينهما
فلا يفهم ذلك منها بوجه. وأما الثالث فالظاهر التخيير لعدم الدليل على رجحان واحد
من الاحتمالين المذكورين في كلامه.
السادسة ـ قال في الذكرى : لو مات هذا الولي فالأقرب أن
وليه لا يتحملها لقضية الأصل والاقتصار على المتيقن سواء تركها عمدا أو لعذر.
انتهى.
أقول : من المحتمل قريبا القول بوجوب التحمل لظاهر
الأخبار المتقدمة ، فإن قوله في صحيحة حفص (1) «في الرجل يموت
وعليه صلاة أو صيام؟ قال يقضى عنه أولى الناس به». شامل لما لو كانت تلك الصلاة
التي في ذمته وعليه من فوائت صلاته ومما لزمه تحمله عن غيره ، ونحوها مرسلة ابن
ابى عمير (2) ونحوها
الروايات الدالة على الصوم ، فان الجميع ظاهر في العموم لصدق كونه عليه.
السابعة ـ قال في الذكرى : الأقرب انه ليس له الاستئجار
لمخاطبته بها والصلاة لا تقبل التحمل عن الحي. ويمكن الجواز لما يأتي ان شاء الله
تعالى في الصوم ولان الفرض فعلها عن الميت. فان قلنا بجوازه وتبرع بها متبرع أجزأت
أيضا. انتهى أقول : قد تقدم في الرواية الحادية عشرة ما يدل على جواز الحج والصلاة
والصدقة عن الأحياء والأموات من القرابة والأصحاب ، والسيد ابن طاوس (قدسسره) تأوله في
الحي بما يصح فيه النيابة من الصلوات ، والظاهر ان مراده مثل ركعتي الطواف نيابة
وصلاة الزيارة نيابة دون ما عدا ذلك ، وهو ظاهر كلمة الأصحاب في هذا الباب.
ويعضده ما في الحديث العشرين حيث «سأله السائل عن الرجل
يريد ان يجعل اعماله من الصلاة والبر والخير أثلاثا له ولأبويه وكان أحدهما حيا
والآخر
__________________
(1) الوسائل الباب 23 من أحكام شهر رمضان ، وفي الفروع ج 1 ص
196 والوسائل والوافي باب (من مات وعليه صيام) «أولى الناس بميراثه» :.
(2) الوسائل الباب 12 من قضاء الصلوات.
ميتا؟ فكتب اليه : أما الميت فحسن
جائز وأما الحي فلا إلا البر والصلة» وهو ظاهر بل صريح في عدم جواز الصلاة عن الحي
وجوبا أو استحبابا ، لأنه إنما رخص له في الحي بالبر والصلة دون الصلاة التي هي
مذكورة معهما في السؤال ، ومن ذلك يظهر ان الأقرب عدم صحة الاستئجار من الولي.
وأما ما علل به إمكان الجواز ـ من حصول ذلك في الصوم وكون الفرض فعلها عن الميت ـ ففيه ما ذكره السيد السند (قدسسره) في المدارك في مسألة الصوم بعد أن نقل عن جده انه لو تبرع بعض بالقضاء سقط عن الولي ، وان وجه السقوط حصول المقتضى وهو براءة الذمة ، حيث قال : ويتوجه عليه ان الوجوب تعلق بالولي وسقوطه بفعل غيره يحتاج الى دليل ، ومن ثم ذهب ابن إدريس والعلامة في المنتهى الى عدم الاجتزاء بفعل المتبرع وان وقع باذن من تعلق به الوجوب لأصالة عدم سقوط الفرض عن المكلف بفعل غيره. وقوته ظاهرة. انتهى وهو جيد. والله العالم بحقائق أحكامه وأولياؤه القائمون بمعالم حلاله وحرامه.