ج25 - أحكام النفقات
المقصد الخامس
وأسبابها ثلاثة : الزوجية ، والقرابة ، والملك ، ولا
خلاف بين علماء الإسلام في وجوبها : بهذه الثلاثة ، وحينئذ فالكلام في هذا المقصد
يقع في مطالب ثلاثة.
الأول في الزوجية : والأصل في
وجوب نفقة الزوجة الكتاب والسنة قال الله عزوجل «الرِّجالُ
قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما
أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ» (1) وقال سبحانه «لِيُنْفِقْ
ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّا
آتاهُ اللهُ لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلّا ما آتاها سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ
عُسْرٍ يُسْراً» (2).
__________________
(1) سورة النساء ـ آية 34.
(2) سورة الطلاق ـ آية 7.
وروى ثقة الإسلام في الكافي (1) عن إسحاق بن
عمار في الموثق قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : ما حق المرأة
على زوجها الذي إذا فعله كان محسنا؟ قال : يشبعها ويكسوها وإن جهلت غفر لها».
وروى في الفقيه (2) في الصحيح عن ربعي عن الفضيل بن يسار
عن أبي عبد الله عليهالسلام «في قوله عزوجل «وَمَنْ
قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّا آتاهُ اللهُ» قال : إذا أنفق
عليها ما يقيم ظهرها مع كسوة ، وإلا فرق بينهما».
وعن عاصم بن حميد (3) عن أبي بصير في الصحيح قال : «سمعت
أبا جعفر عليهالسلام يقول : من
كانت عنده امرأة فلم يكسها ما يواري عورتها ويطعمها ما يقيم صلبها كان حقا على
الامام أن يفرق بينهما». إلى غير ذلك من الأخبار التي تقدم جملة منها في الفائدة
السادسة عشر من فوائد المقدمة.
إذا عرفت ذلك فتحقيق الكلام في المقام يتوقف على بسطه في
مسائل :
الأولى : لا خلاف بين
الأصحاب في اشتراط النفقة بالعقد الدائم ، فلا يجب لمتمتع بها نفقة ، وإليه يشير قول
الصادق عليهالسلام في رواية
زرارة (4) «تزوج منهن
ألفا فإنما هن مستأجرات». وقول أبي جعفر عليهالسلام في رواية محمد
بن مسلم (5) «لأنها لا تطلق
، ولا تورث وإنما هي مستأجرة». ومن المعلوم أن الأجير لا نفقة (6) وإنما
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 510 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 224 ح 5.
(2) الفقيه ج 3 ص 279 ح 6 ، الوسائل ج 15 ص 223 ب 1 ح 1.
(3) الفقيه ج 3 ص 279 ح 5 ، الوسائل ج 15 ص 223 ح 2.
(4) الكافي ج 5 ص 452 ح 7 ، التهذيب ج 7 ص 258 ح 45 ، الوسائل
ج 14 ص 446 ح 2 ، وما في المصادر «فإنهن».
(5) الكافي ج 5 ص 451 ح 5 ، التهذيب ج 7 ص 259 ح 46 مع زيادة
فيه ، الوسائل ج 14 ص 446 ح 4 وما في المصادر «لا ترث» وهو الصحيح.
(6) والصحيح «لا نفقة له».
الخلاف بينهم في أنه هل تجب النفقة
بمجرد العقد إذا كان دائما وإن سقطت بالنشوز ، أو أنه يشترط مع العقد التمكين
الكامل؟ وعرفه المحقق في الشرائع بأنه التخلية بينها وبينه بحيث لا يختص موضعا ولا
وقتا. فلو بذلت نفسها في زمان دون زمان أو مكان دون آخر مما يسوغ فيه الاستمتاع لم
يحصل التمكين قولان ، الأكثر على الثاني ، بل لم أقف على مصرح بالأول وإن ذكر بلفظ
«قيل».
ثم إنه على تقدير القول المشهور فهل يتوقف حصول التمكين
على لفظ من قبل المرأة يدل على ذلك مثل أن تقول : سلمت نفسي إليك في أي مكان شئت
ونحو ذلك مع حصول التخلية أم لا؟ قولان ، وبالأول صرح العلامة في التحرير ، وصرح
في المسالك بأنه ذلك ظاهر كلام جملة من الأصحاب ثم استشكل في ذلك (1).
أقول : بل يجب القطع بعدمه ، أما (أولا) فلعدم الدليل
عليه ، والقائل به لم ينقل عنه ذكر دليل على ذلك ، ولو من الأدلة الاعتبارية
الجارية في كلامهم وأصالة العدم أقوى مستمسك حتى يقوم الدليل الواضح من الكتاب أو
السنة على ما يوجب الخروج عنه ، وهذه قاعدتهم في غير مقام من الأحكام.
وأما (ثانيا) فلأن الأصل المبني عليه هذا القول أعني
القول بوجوب التمكين على الوجه الذي عرفت ، وأن وجوب النفقة متوقف على ذلك مما لم
يقيموا عليه دليلا واضحا ولا برهانا لائحا ، غير مجرد الدعوى مع ظهور الأدلة على
خلافه ، وهو ما قدمناه من الأخبار الدالة على ترتب وجوب النفقة على مجرد
__________________
(1) حيث قال : واعلم أن الظاهر من كلام المصنف وغيره بل صرح به
بعضهم أن التمكين لا يكفى حصوله بالفعل ، بل لا بد من لفظ يدل عليه من قبل المرأة
بأن تقول : كلت نفسي إليك حيث شئت وأى زمان شئت ، ونحو ذلك ، فلو استمرت ساكتة وان
مكنت من نفسها بالفعل لم يكف في وجوب النفقة ، ولا يخلو ذلك من اشكال ، انتهى (منه
ـ قدسسره ـ). راجع مسالك الافهام ج 1 وفيه «سلمت
نفسي».
قال السيد السند في شرح النافع : وقد اختلف الأصحاب في
اعتبار هذا الشرط ، فذهب الأكثر إلى اعتباره ، وأن العقد بمجرده لا يوجب النفقة ،
وإنما تجب بالتمكين ، إما بجعله تمام السبب أو سببا تاما أو شرطا في الوجوب ،
وربما قيل بوجوب النفقة بالعقد كالمهر لكنها تسقط بالنشوز ، والمعتبر الأول
اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع الوفاق ، وليس فيما وصل إلينا من الأدلة النقلية
ما ينافي ذلك صريحا ولا ظاهرا ، انتهى.
أقول فيه : إن الأخبار التي أشرنا إليها أظهر ظاهر في
ترتب النفقة على مجرد العقد فإن ما اشتمل عليه جملة منها مما ذكرناه وما لم نذكره
من قوله عليهالسلام «حق المرأة على
زوجها» يعني من حيث الزوجية ، لأن التعليق على الوصف يشير بالعلية ، وهو صريح في
المطلوب ، ونحوه قوله «من كانت عنده امرأة فلم يكسها (1) ويطعمها ما
يقيم صلبها» إلخ أظهر ظاهر فيما ذكرناه فإنه بمجرد العقد يصدق أنه عنده امرأة.
وبالجملة فدلالة الأخبار على ما ذكرناه أظهر ظاهر كما
عرفت ، فدعواه أنه لم يصل إليه من الأدلة النقلية ما ينافي ذلك عجيب من مثله ـ رحمهالله.
وممن وافقنا على هذه المقالة ـ وإن غلب عليه رعاية
الشهرة فتوقف فيما قاله ـ شيخنا الشهيد الثاني في المسالك (2) والحري أن
ننقل جميع ما ذكره في المقام بلفظه وإن طال به زمان الكلام.
قال ـ قدسسره ـ بعد الكلام
في المقام «ولا ريب في أن للنفقة تعلقا بالعقد والتمكين جميعا فإنها لا تجب قبل
العقد ، ولو نشزت بعد العقد لم تطالب بالنفقة ، واختلف في أنها بم تجب؟ فقيل :
بالعقد كالمهر لا التمكين ، لدلالة الأدلة السابقة
__________________
(1) والصحيح كما في الرواية المتقدمة «فلم يكسها ما يوارى
عورتها ويطعمها.».
(2) مسالك الافهام ج 1 ص 584 وفيه «لا بالتمكين».
على وجوبها للزوجة من غير تقييد ،
غايته أن النشوز لما ثبت أنه مانع من وجوب الإنفاق كان الشرط عدم ظهور المانع ،
فما لم يوجد المانع يستمر الوجوب المعلق على الزوجية الحاصلة بالعقد ، فالعقد مثبت
، والنشوز مسقط ، ولأنها تجب للمريضة والرتقاء ، وقيل : لا تجب بالعقد مجردا بل
بالتمكين ، لأن المهر يجب به والعقد لا يوجب عوضين مختلفين ، ولأن النفقة مجهولة
الجملة ، والعقد لا يوجب مالا مجهولا ، ولما روي «أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم تزوج ودخل بعد
سنتين ولم ينفق إلا بعد دخوله». ولقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم (1) «اتقوا الله في
النساء فإنهن عوار عندكم ، اتخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ،
ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف». أوجب لهن إذا كن عند الرجال ، وهو يدل على
التمكين ، ولأن الأصل براءة الذمة من وجوب النفقة خرج منه حالة التمكين بالإجماع
فيبقى الباقي على الأصل ، وفي جميع هذه الأدلة نظر ، لأن عدم إيجاب العقد عوضين
مختلفين وعدم إيجابه مالا مجهولا مجرد دعوى أو استبعاد قد دلت الدليل على خلافهما
فإن الآيات الدالة على وجوب النفقة على الزوجة من غير تقييد يدل على أن العقد أوجب
النفقة على ذلك الوجه ، وأي مانع من إيجاب العقد أمرين مختلفين كما في شراء الدابة
والمملوك ، فإن العقد يوجب الثمن كالمهر ، ويوجب الإنفاق المجهول من غير شرط
إجماعا ، وعدم إنفاق النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قبل الدخول ـ لو
سلم ـ لا يدل على عدم الوجوب بإحدى الدلالات ، والخبر يدل على خلاف مطلوبكم لأن
الضمير في قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم «ولهن عليكم»
يعود على النساء المصدر بذكرهن ، وهن أعم من الممكنات ، ووصفهن بالوصفين لا يدل
على التمكين المدعى كونه شرطا أو سببا لأن استحلال فروجهن يحصل مع التمكين التام
وعدمه ، وأما
__________________
(1) سنن ابن ماجة ج 2 ص 1025 من باب 74 ، سنن أبى داود ج 2 ص
185 من باب 56 ، سنن الدارمي ج 2 ص 48 ، تحف العقول ص 30 مع اختلاف يسير ، وليس في
المصادر «فإنهن عوار عندكم».
أصالة البراءة فإنما تكون حجة مع عدم
دليل ناقل عنه ، لكنه موجود هنا بالعمومات الدالة على وجوب نفقة الأزواج ، والأصل
عدم التخصيص ، وعلى كل حال فالأظهر بين الأصحاب هو القول الثاني كما أشار إليه
المصنف ـ رحمهالله ـ» انتهى ،
وهو جيد وجيه كما لا يخفى عن الفطن النبيه.
ولكنه ـ رحمة الله عليه ـ لمراعاة الشهرة في المسألة لم
يصرح بالفتوى بما قاله ، وفي قوله «وكذا قول المحقق في المتن» إن ذلك يعني شرطية
التمكين أو سببيته هو الأظهر بين الأصحاب ما يؤذن بالتردد ، بل المحقق قد صرح في
متن عبارته بالتردد ، فقال «وفي وجوب النفقة بالعقد أو بالتمكين تردد ، أظهره بين
الأصحاب وقوف الوجوب على التمكين» وهو ظاهر في بقائه على التردد ، لتخصيصه
الأظهرية بالأصحاب ، ولم يذكر أن الأظهر عنده ذلك.
وبالجملة فالأظهر هو القول المخالف للمشهور ، فإنه هو
المؤيد بالأدلة والمنصور ، وما عدل بمحمل من الضعف والقصور ، وتنقيح البحث في
المسألة يتم برسم فوائد :
الأولى : قد صرحوا بأنه يظهر فائدة الخلاف المذكور في
مواضع منها ما لو اختلفا في التمكين بأن ادعته المرأة وأنكره الزوج ، فإن قلنا إن
التمكين سبب أو شرط فالقول قول الزوج ، وعلى المرأة البينة ، لأنها تدعي ما يخالف
الأصل ، وإن قلنا إنها تجب بالعقد والنشوز مانع كان القول قولها لأن الأصل استمرار
ما ثبت بالعقد ، وهو يدعي السقوط بالنشوز فعليه البينة.
ومنها ما لو لم يطالبها الزوج بالزفاف ، ولم تمنع هي منه
ولا عرضت نفسها عليه ومضت لذلك مدة ، فإن اعتبرنا التمكين فلا نفقة لها لأنه لم
يحصل من جانبها تمكين قولي ولا فعلي كما هو المفروض ، وإن قلنا إنها تجب بالعقد
وتسقط بالنشوز وجبت النفقة ، إذ المفروض أنه لم يقع من جانبها امتناع يتحقق به
النشوز.
أقول : لا يخفى ما في كلامهم في هذا التمكين الذي ادعوا
شرطيته أو سببيته
في وجوب الإنفاق من الإجمال ، وعدم
ظهور معنى يترتب عليه الخلاف في هذا المجال ، فإنه إن كان عبارة عن أن تبذل نفسها
وتعرض نكاحها عليه فهو لا يكون إلا بالقول الذي تقدم ، وقد عرفت أنه خلاف المشهور
، وإن كان عبارة عن إجابتها له متى طلب وتسليم نفسها متى أراد من غير تعلل ولا
توقف على زمان ولا مكان كما هو ظاهر تعريف المحقق المتقدم مع تعريفه بالتخلية
بينها وبينه ـ فهو حاصل في هذه الصورة المفروضة ، ولا ثالث لهذين المعنيين ، فإنه
متى لم يطالبها الزفاف ولم يطلب الدخول بها وهي منتظرة له في ذلك فالتمكين حاصل ،
وإنما حصل التأخير بسببه ، إلا أن يقولوا بأنه يجب عليها أن تخرج من بيتها وتمضي
إليه وتطالبه بالدخول ، أو تقول له ذلك القول المتقدم ، وهو ظاهر البطلان.
وبالجملة فإن كلامهم في تحقق معنى هذا التمكين الذي
ادعوه غير منقح ولا موجه كما لا يخفى على المتأمل بعين الإنصاف.
الثانية : لو كانت الزوجة صغيرة يحرم جماعها فالمشهور
أنه لا نفقة لها لعدم تحقق التمكين من جانبها من حيث عدم صلاحيتها لذلك عادة.
وقال ابن إدريس (1) : إذا كانت الزوجة صغيرة والزج كبير
وجب عليه نفقتها لعموم وجوب النفقة على الزوجة ، ودخوله مع العلم بحالها ، وهذه
ليست ناشزا والإجماع منعقد على وجوب النفقة على الزوجات.
واعترضه السيد السند في شرح النافع فقال ـ بعد نقل كلامه
ـ : وفي ثبوت ما ادعاه من العموم نظر ، وفي الإجماع منع ، مع أنه ـ رحمهالله ـ يعتبر في
وجوب النفقة التمكين ، لا انتفاء النشوز ، والتمكين لا يتحقق مع الصغر ، انتهى.
أقول : أما قوله «إن في ثبوت ما ادعاه من العموم نظر»
فهو محل نظر لما عرفت من ظاهر الآيات والأخبار الدالة على وجوب النفقة مع تحقق
الزوجية من غير تقييد بحال ولا زمان. نعم ما أورده عليه من أنه قائل بشرطية
التمكين
__________________
(1) السرائر : ص 320.
والتمكين هنا غير حاصل فهو ظاهر
الورود عليه ، إلا أنه يمكن أن يجاب عنه بأن التمكين الواجب على تقدير القول به
إنما هو ممن له أهلية ذلك ، وإن كان ظاهر كلامهم الأعم من ذلك حيث حكموا هنا بأن
العلة في عدم وجوب النفقة هو عدم التمكين من حيث صغرها وعدم قابليتها ، والظاهر أن
ما ذكرنا أقرب ، وكيف كان فقول ابن إدريس هو الظاهر من الأخبار المتقدمة المترتب
فيها وجوب الإنفاق على مجرد الزوجية بقول مطلق.
الثالثة : لو كانت
الزوجة كبيرة والزوج صغيرا قال الشيخ في المبسوط والخلاف لا نفقة عليه ، وظاهر
جملة من الأصحاب منهم ابن الجنيد والمحقق في الشرائع والعلامة في المختلف والشهيد
الثاني وغيرهم بل الظاهر أنه المشهور الوجوب.
قال في الشرائع (1) : أما لو كانت كبيرة والزوج صغيرا
قال الشيخ لا نفقة لها ، وفيه إشكال منشأه تحقق التمكين من طرفها والأشبه وجوب
الإنفاق ، انتهى.
واستشكل في شرح النافع كلام المحقق هنا ثم قال : وقول
الشيخ متجه لأنه الأصل ولا مخرج عنه.
أقول : قد عرفت بما قدمناه من التحقيق تزعزع هذا الأصل ،
وأنه بالبناء عليه غير حقيق ، وقد بينا المخرج عنه وهو عموم الآيات والأخبار
المستفيضة ، فالظاهر هو ما ذهب إليه الجماعة ، أما على ما اخترناه في المسألة من
ترتب الوجوب على مجرد حصول الزوجية وعدم ظهور النشوز فظاهر ، وأما على ما هو
المشهور من اشتراط التمكين فلأنه المفروض ، والأصل عدم اشتراط أمر آخر في الوجوب ،
وهو قابلية الزوج للاستمتاع بها.
وعلل ما ذهب إليه الشيخ بوجه عليل نقله في المسالك وأجاب
عنه ، على أنه مع ثبوته وصحته فبناء الأحكام الشرعية على مثله ـ من هذه العلل
الاعتبارية والتوجيهات العقلية ـ مما حظرت الأخبار جوازه ، كما تقدم ذكره في غير
موضع.
__________________
(1) شرائع الإسلام ص 176.
الرابعة : قالوا : إذا غاب الزوج عن المرأة فإن كانت
غيبته بعد أن حصل التمكين من الزوجة وجب عليه النفقة واستمرت عليه مدة غيبته ، وإن
كانت غيبته قبل التمكين فإن اكتفينا بالعقد وجعلنا النشوز مانعا فالحكم كذلك حيث
لم يثبت النشوز ، وإن اعتبرنا التمكين في الوجوب شرطا أو سببا فلا نفقة لها ، فلو
حضرت في هذه الصورة عند الحاكم وبذلت التسليم والطاعة لزوجها اعلم بذلك ، فإن وصل
إليها وجبت النفقة حينئذ ، وإن لم يفعل ، فإذا مضى زمان يمكنه الوصول فيه إليها
عادة فرض لها الحاكم النفقة في ماله لأن الامتناع منه.
ولو نشزت المرأة مع حضور الزوج فغاب عنها وهي كذلك ثم
عادت إلى الطاعة لم تجب نفقتها إلى أن يعلم بعودها ، ويمضي زمان يمكنه الوصول
إليها لخروجها بالنشوز عن استحقاق النفقة ، فلا تعود إلا مع تحقق التمكين.
أقول : قد عرفت مما قدمناه من التحقيق في المسألة ما في
بعض هذه الشقوق من الاختلال وبعض من الإجمال ، وما ذكروه من حضورها عند الحاكم على
تقدير اعتبار التمكين فلا أعرف له وجها ولا ما يوجبه.
نعم الواجب عليها إعلامه ، وبعد علمه بذلك فإنه يجب عليه
الإنفاق عليها لزوال المانع ، وهو النشوز ، رجع من سفره أم لم يرجع ، فلو لم يرجع
ولم ينفق عليها رفعت أمرها إلى الحاكم حينئذ وأخبرته بالحال ليجزي عليها النفقة من
ماله.
الخامسة : لا تسقط النفقة بامتناعها عن الوطء لعذر شرعي
كالحيض وفعل الواجب أو عقلي كالمرض ، وهل يفرق في الواجب بين المضيق والموسع أم لا؟
قولان ، فاعتبر الشيخ والعلامة في القواعد في جواز مبادرتها إلى الواجب الموسع من
الصوم إذن الزوج ، ونقل عن الشيخ في موضع من المبسوط أنه اعتبر ذلك في قضاء
الفريضة أيضا ، وظاهر جمع منهم السيد السند في شرح النافع عدم الفرق صوما كان أو
صلاة ، لأصالة عدم ثبوت سلطنته عليها في فعل الواجب ، وهو الأقرب ، والظاهر أنه
المشهور ، واتفق الجميع على جواز مبادرتها إلى الصلاة
الواجبة في أول الوقت بغير إذنه ،
وفرقوا بينهما بما لا يخلو من نظر ، وعلى ما اخترناه فلا ضرورة إلى الفرق المذكور
، والمشهور بين الأصحاب أنه لو كان الفعل مندوبا فإن كان مما يتوقف على إذن الزوج
كالحج والصوم فإن فعله بدون إذنه موجب لفساده ، ولكنه لا يوجب منع النفقة ، لأنه
غير مانع من التمكين ، إلا أن تمنعه من الاستمتاع ، فيكون هو السبب في عدم وجوب
النفقة لا نفس العبادة.
ونقل عن الشيخ أنه أسقط النفقة مع امتناعها من الإفطار ،
وأورد عليه بأنه على إطلاقه مشكل ، فإن النشوز لا يتحقق بترك غير الاستمتاع فلا
يتحقق بمخالفتها في ترك الأكل والشرب إذ لا يجب عليها إطاعته في ذلك ، إلا أن يقال
: إن ترك الإفطار يقتضي الامتناع عن الوطء.
وفيه أن الموجب حينئذ إنما هو الامتناع من الوطء ،
وعبارة الشيخ أعم لأنه رتب النشوز على المطالبة بالفطر فتمتنع.
وبالجملة فضعف القول المذكور ظاهر ، وإن كان مما لا
يتوقف على إذنه جاز لها فعله بغير الإذن إلا أن يكون ذلك مانعا من الاستمتاع بأن
يطلبه منها في ذلك الوقت فتجب عليها طاعته ، لأن المندوب لا يعارض الواجب ، ولو
استمرت والحال هذه لم تستحق نفقة لتحقق النشوز ، بل يحكم ببطلان الفعل نظرا إلى
النهي ، أو يصح وإن أثمت بالمخالفة ، وجهان مبنيان على أن الأمر بالشيء هل يستلزم
النهي عن ضده الخاص أم لا؟ والأظهر عندي الثاني كما تقدم تحقيقه في غير موضع من
الكتب المتقدمة.
السادسة : قال في الشرائع (1) : لو كانت
مريضة أو رتقاء أو قرناء لم تسقط النفقة لإمكان الاستمتاع بما دون الوطء قبلا
وظهور العذر فيه.
قال في المسالك (2) : لما حكم بعدم وجوب الإنفاق على
الصغيرة ، وإن مكنت
__________________
(1) شرائع الإسلام ص 202.
(2) مسالك الافهام ج 1 ص 585.
من حيث تعذر الوطء ذكر ما يمكن أن
يشاركها في الحكم وهو المريضة والرتقاء والقرناء ، ونبه المصنف على الفرق بينها
وبين الصغيرة بأن الاستمتاع بالرتقاء والقرناء ممكن في ما دون الفرج وظهور العذر
فيه من حيث كونه مانعا دائما ، فلا يناسب إدامة الحبس عليها مع عدم النفقة ، بخلاف
الصغيرة فإن لها أمدا يرتقب ، وأما المريضة فإن الوطء وإن تعذر لها مطلقا إلا أن
ذلك عارض متوقع الزوال كالحيض فلا يؤثر ، انتهى.
أقول : لا يخفى ما في هذه التعليلات العليلة في بيان
الفرق بين الصغيرة وغيرها مما ذكر هنا من الوهم وعدم صلوحها لتأسيس الأحكام
الشرعية المبنية على التوقيف من صاحب الشريعة.
على أن لقائل أن يقول : إن إمكان الاستمتاع بما دون
الوطء الذي جعلوه موجبا للنفقة في هذه الأفراد المذكورة يجري في الصغيرة ، إذا
المحرم إنما هو وطؤها الذي ربما أوجب إفضاؤها ، وأما الاستمتاع بها بالملاعبة
ونحوها فهو ممكن كما في أولئك ، فلم لا تجب لها النفقة!
وبالجملة فالجميع مشتركة في العذر المانع من الوطء وإن
تفاوتت ، باعتبار كون عذر الصغيرة مرجو الزوال ، وعذر أولئك ليس كذلك ، ومشتركة في
إمكان الاستمتاع بغير الجماع فلا فرق حينئذ ، والحق الحقيق بالاتباع الذي لا يحتاج
إلى تكلف ولا يتطرق إليه النزاع هو اشتراك الجميع في وجوب النفقة نظرا إلى عموم
الآيات والروايات التي قد اعترف سابقا فيما قدمنا من كلامه بأن مقتضاها ترتب وجوب
النفقة على مجرد تحقق الزوجية ، وهؤلاء كملا أزواج بغير خلاف ولا إشكال ، فتجب لها
النفقة على كل حال ، والركون إلى خلاف ذلك ـ بناء على هذه التكلفات البعيدة
والتخريجات الغير السديدة ـ مجازفة محضة في أحكامه.
المسألة الثانية : قد صرح
المحقق (1) بأنه تثبت
النفقة للمطلقة الرجعية كما تثبت للزوجة ، وتسقط نفقة البائنة وسكناها سواء كانت
عن طلاق أو فسخ.
نعم لو كانت حاملا لزم الإنفاق عليها حتى تضع ، وهل
النفقة للحمل أو لامه؟ قولان ، وفي الحامل المتوفى عنها زوجها روايتان أشهرهما أنه
لا نفقة لها ، والأخرى ينفق عليها من نصيب ولدها.
وتفصيل ما اشتمل عليه هذا الكلام من الأحكام يقع في
مقامات :
الأول : ما ذكره من وجوب النفقة للمطلقة الرجعية كما
تثبت للزوجة موضع وفاق لأنها بسبب بقائها تحت سلطنة الزوج وحبسها عن الأزواج
بمنزلة الزوجة بل هي زوجة وإن خرجت عنها في بعض الأحكام.
ويدل على ذلك أيضا ما رواه المشايخ الثلاثة (2) بأسانيده
متعددة عن زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «إن
المطلقة ثلاثة ليس لها نفقة على زوجها ، إنما ذلك للتي لزوجها عليها رجعة».
وما رواه في الكافي (3) عن سعد بن أبي خلف في الصحيح قال : «سألت
أبا الحسن موسى عليهالسلام عن شيء من
الطلاق ، فقال : إذا طلق الرجل امرأته طلاقا لا يملك فيه الرجعة فقد بانت منه ساعة
طلقها وملكت نفسها ولا سبيل له عليها ، وتعتد حيث شاءت ولا نفقة لها ، قال : قلت :
أليس الله يقول «لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ» (4) قال : فقال : إنما عنى بذلك التي
تطلق تطليقة بعد تطليقة ، فتلك التي لا تخرج حتى تطلق الثالثة ، فإذا طلقت الثالثة
فقد بانت منه ولا نفقة لها ،
__________________
(1) شرائع الإسلام ص 202.
(2) الكافي ج 6 ص 104 ح 1 ، الفقيه ج 3 ص 324 ح 5 ، التهذيب ج
8 ص 133 ح 58 ، الوسائل ج 15 ص 232 ح 2.
(3) الكافي ج 6 ص 90 ح 5 ، التهذيب ج 8 ص 132 ح 57 ، الوسائل ج
15 ص 231 ح 1.
(4) سورة الطلاق ـ آية 1.
والمرأة التي يطلقها الرجل تطليقة ثم
يدعها حتى يخلو أجلها فهذه أيضا تقعد في منزل زوجها ، ولها النفقة والسكنى حتى
تنقضي عدتها».
وروى الثقة الجليل عبد الله بن جعفر الحميري في قرب
الاسناد (1) عن عبد الله
ابن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهالسلام قال : «سألته
عن المطلقة إلها نفقة على زوجها حتى تنقضي عدتها؟ قال : نعم». وإطلاقه محمول على
الرجعية لما يظهر لك إن شاء الله تعالى من أن غيرها لا نفقة لها.
وبالجملة فالحكم المذكور اتفاقي نصا وفتوى فلا إشكال ،
واستثنى بعضهم من النفقة الواجبة لها آلة التنظيف لأن الزوج لا ينتفع بذلك.
قال في المسالك : وهو حسن ، وقال سبطه في شرح النافع :
والإطلاق أجود فلعل الله يحدث بعد ذلك أمرا.
أقول : ما ذكره سبطه ـ رحمهالله ـ هو المؤيد
بالأخبار الكثيرة ، ومنها ما رواه في الكافي (2) عن أبي بصير في الموثق عن أحدهما عليهماالسلام «في المطلقة
تعتد في بيتها وتظهر له زينتها لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا».
وعن محمد بن قيس (3) عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «المطلقة
تشوق لزوجها ما كان عليها رجعة ولا يستأذن عليها». والمراد تتزين له بحيث يشتاق
إليها.
وفي رواية زرارة (4) عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «المطلقة
تكتحل وتختضب وتلبس ما شاءت من الثياب لأن الله عزوجل يقول «لَعَلَّ
اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً» (5). لعلها أن تقع في نفسه فيراجعها» إلى
غير ذلك من الأخبار.
__________________
(1) قرب الاسناد ص 110.
(2) الكافي ج 6 ص 91 ح 10 ، التهذيب ج 8 ص 131 ح 50 ، الوسائل
ج 15 ص 437 ب 21 ح 1.
(3) الكافي ج 6 ص 91 ح 7 ، الوسائل ج 15 ص 437 ب 21 ح 4.
(4) الكافي ج 6 ص 92 ح 14 ، التهذيب ج 8 ص 131 ح 53 ، الوسائل
ج 15 ص 337 ب 21 ح 2.
(5) سورة الطلاق ـ آية 1.
ولا تسقط نفقة المعتدة إلا بما تسقط به نفقة الزوجة ،
ويستمر إلى انقضاء العدة ، ولو ظهر بالمرأة أمارات الحمل بعد الطلاق فعلى الزوج
الإنفاق عليها إلى أن تضع ، ولو أنفق عليها ثم تبين أنها لم تكن حاملا قيل : إنها
ترد ما دفع إليها ، وفيه تردد.
الثاني : ما ذكره من سقوط نفقة البائن وسكناها إذا لم
تكن حاملا ، فالظاهر أنه موضع وفاق ، وتدل عليه الأخبار المتكاثرة.
ومنها ما تقدم في رواية زرارة وصحيحة سعد وما رواه في
الكافي (1) عن عبد الله
بن سنان في الموثق عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته
عن المطلقة ثلاثا على السنة هل لها سكنى أو نفقة؟ قال : لا».
وعن أبي بصير (2) عن أبي عبد الله عليهالسلام «أنه سئل عن
المطلقة ثلاثا إلها سكنى ونفقة؟ قال : حبلى هي؟ قلت : لا ، قال : لا».
وعن سماعة (3) في الموثق قال : «قلت : المطلقة
ثلاثا إلها سكنى أو نفقة؟ فقال : حبلى هي؟ فقلت : لا ، قال : ليس لها سكنى ولا
نفقة».
وما رواه الشيخ في التهذيب (4) في الصحيح عن
الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام «أنه سئل عن
المطلقة ثلاثا. لها النفقة والسكنى؟ فقال : أحبلى هي؟ قلت : لا ، قال : لا». إلا
أنه روى الشيخ (5) أيضا في
الصحيح عن ابن سنان قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن المطلقة
ثلاثا على العدة لها سكنى أو نفقة؟ قال : نعم». والشيخ حمله على
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 104 ح 2 ، التهذيب ج 8 ص 133 ح 59 ، الوسائل
ج 15 ص 233 ح 5.
(2) الكافي ج 6 ص 104 ح 3 ، الوسائل ج 15 ص 233 ح 6.
(3) الكافي ج 6 ص 104 ح 5 ، الوسائل ج 15 ص 232 ح 3.
(4) التهذيب ج 8 ص 133 ح 61 ، الوسائل ج 15 ص 233 ح 7.
(5) التهذيب ج 8 ص 133 ح 60 ، الوسائل ج 15 ص 233 ح 8.
الاستحباب ، قال : ويحتمل أن يكون
المراد به إذا كانت المرأة حاملا.
أقول : وكلا الاحتمالين بعيد إلا أن الثاني أقل بعدا.
الثالث : ما ذكره من أنها لو كانت حاملا لزم الإنفاق
عليها حتى تضع ، وهو مما لا أعرف فيه خلافا ، ويدل عليه قوله عزوجل «وَإِنْ
كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ» (1) وهي تدل بعمومها على من كانت رجعية
أو بائنة.
ومن الأخبار ما رواه ثقة الإسلام (2) في الصحيح أو
الحسن عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «الحامل
أجلها أن تضع حملها وعليه نفقتها بالمعروف حتى تضع حملها».
وعن عبد الله بن سنان (3) في الصحيح عن
أبي عبد الله عليهالسلام «في الرجل يطلق
امرأته وهي حبلى قال : أجلها أن تضع حملها وعليه نفقتها حتى تضع حملها».
ونحوهما صحيحة الحلبي ورواية الكافي ، والجميع دال على
البائن التي هي محل البحث من حيث الإطلاق كالآية ، فإن الطلاق فيها أعم من أن يكون
بائنا أو رجعيا ، وإنما الخلاف بينهم في أن النفقة هنا هل هي للحامل لأجل الحمل؟ أو
أنها للحمل؟ قولان ، الأكثر على الثاني وهو قول الشيخ في المبسوط ، وتبعه عليه
أكثر الجماعة مستندين إلى دوران وجوب النفقة مع الحمل وجودا وعدما ، فإنها لو كانت
حائلا فإنها لا نفقة لها ومتى كانت حاملا وجبت النفقة ، فلما وجبت بوجوده وسقطت
بعدمه دل على أنها له كدورانها مع الزوجية وجودا وعدما ،
__________________
(1) سورة الطلاق ـ آية 6.
(2) الكافي ج 6 ص 103 ح 1 ، التهذيب ج 8 ص 133 ح 62 ، الوسائل
ج 15 ص 231 ب 7 ح 3.
(3) الكافي ج 6 ص 103 ح 4 ، التهذيب ج 8 ص 134 ح 63 ، الوسائل
ج 15 ص 230 ب 7 ح 1.
ولوجوبها له منفصلا فكذا متصلا ، ولنص
الأصحاب على أنه ينفق عليها من مال الحمل.
وذهب جمع منهم ابن حمزة إلى الأول ، مستندين إلى أنه لو
كانت النفقة للحمل لوجبت نفقته دون نفقتها مقدرة بحال الزوج ، لأن نفقة الأقارب
غير مقدرة بخلاف نفقة الزوجة ، ولأنها لو كانت للحمل لوجبت على الجد كما لو كان
منفصلا وهي لا تجب عليه هنا ، ولأنها لو كانت للولد لسقطت بيسار الولد كما إذا ورث
أو أوصى له بشيء فقبله أبوه.
قال في المسالك ـ بعد ذكر ذلك ـ : والشيخ التزم بعض هذه
الإلزامات فحكم بسقوطها بيسار الولد وثبوتها على الجد ، وظاهر شيخنا الشهيد الثاني
في المسالك التوقف في المسألة حيث اقتصر فيه على نقل القولين المذكورين ونقل
أدلتهما ولم يتعرض لترجيح شيء منهما ، ولا للطعن في أدلة أحدهما.
وظاهر سبطه السيد السند في شرح النافع ترجيح القول الأول
قال : وقيل إنها للحامل وهو الأصح لأنه المستفاد من الآية ، فإن الضمير في «عليهن»
يرجع إلى الحامل بغير إشكال ، ثم أورد بعض الأدلة المتقدمة.
أقول : والمسألة محل إشكال لعدم النص الواضح القاطع
لمادة القيل والقال ، وأما قوله في شرح النافع في الاستدلال على ما اختاره بأنه
المستفاد من الآية من حيث إن الضمير في «عليهن» يرجع إلى الحامل فهو عجيب ، إذ
الجميع متفقون على أن الإنفاق إنما هو على الام ، وهي التي تأكل وتشرب وتلبس ،
وإنما الخلاف في أن هذا الإنفاق عليها هل لاستحقاقها له وأنها هي صاحبة الحق وإن
كان السبب في ذلك الحمل الذي في بطنها؟ أو أن المستحق لذلك إنما هو الحمل والإنفاق
عليها إنما هو لأجل الحمل بأن يعيش في بطنها حتى تلده فهو المستحق أولا وبالذات ،
والإنفاق عليها إنما هو بمنزلة الطريق إلى بقائه؟
وبالجملة فإن الآية لا دلالة فيها على ما ادعاه ، ثم
إنهم قد ذكروا هنا
فروعا عديدة على القولين المذكورين لا
بأس بذكرها ، وإن كان قليل الجدوى في هذا المجال لما عرفت من عدم ثبوت الأصل وأنه
محل الاشكال ، فكل ما يتفرع عليه باق في زاوية الإجمال والاحتمال.
و (منها) إذا تزوج الحر أمة وشرط مولاها رق الولد وقلنا
بجواز ذلك فأبانها وهي حامل فعلى القول بأنها للحمل لا تجب على والده ، لأن الولد
ملك لغيره ، وإنما يجب على سيده ، وهو سيد الأمة ، وعلى القول بأنها للحامل تجب
على الزوج.
و (منها) إذا تزوج عبد بأمة فأبانها حاملا فعلى القول
بأن النفقة للحمل تكون على سيد الولد منفردا أو مشتركا دون الأب لأنه عبد والعبد
لا تجب عليه نفقة أقاربه : وعلى القول بأنها للحامل فإن النفقة على العبد في كسبه
أو على سيده.
و (منها) ما لو تزوج عبد بحرة وشرط مولى العبد رقية
الولد ، فإن جعلنا النفقة للحمل فهي على المولى ، وإن جعلناها للحامل فهي في ذمة
المولى أو كسب العبد على الخلاف في ذلك.
وعلى هذه الفروع اقتصر الشيخ والمحقق ، وزاد المتأخرون
أن (منها) ما لو لم ينفق عليها حتى مضت مدة أو مجموع العدة ، فمن قال بوجوبها
للحمل فإنه لا يوجب قضاءها لأن نفقة الأقارب لا تقضى ، ومن قال أنها لها أوجب
القضاء لأن نفقة الزوجة مما يقضى كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
قال في المسالك : وأورد على هذا بأن القضاء إنما هو للزوج
لكونها معاوضة ، والزوجية هنا منتفية قطعا ، وأجيب بأن الوجوب لها على حد الوجوب
للزوجة وفيه منع. ويمكن الجواب بأن النفقة حق مالي والأصل فيه وجوب القضاء ، خرج
القريب من ذلك بدليل خارج ، لأنها معونة لسد الخلة فيبقى الباقي على الأصل ،
انتهى.
أقول : لا يخفى ما في هذا الجواب من تطرق المناقشة إليه
، فإن مرجع كلام المورد إلى أنه ليس كل نفقة يجب قضاؤها ، فإن نفقة الأقارب لا يجب
قضاؤها ونفقة الزوجة التي قام الدليل على وجوب قضائها إنما هي التي وجبت من حيث
الزوجية لأنها في مقابلة التمكين كما تقدم ، فهي معاوضة كما ذكره ومن ثم إن الناشز
ومن أخلت بالتمكين لا نفقة لهما ، وما عدا ذلك فالأصل براءة الذمة من النفقة أو
قضائها ، وبذلك يظهر لك ما في قوله «إن النفقة حق مالي والأصل فيه وجوب القضاء»
فإنه مغالطة ، إذ الخصم يمنع الكبرى على الإطلاق.
وبالجملة فإنه لما كان المعلوم من الأدلة أن وجوب نفقة
الزوجة إنما هو من قبيل المعاوضة ، فهي لا تكون إلا من حيث الزوجية ، ووجوب القضاء
إنما يفرع على ذلك ، والزوجية مفقودة في محل البحث ، كما هو المفروض ، فالقول
بوجوب القضاء في محل البحث خلف ظاهر ، والأصل الذي ادعاه من وجوب القضاء معارض بأن
الأصل براءة الذمة.
و (منها) ما لو كانت ناشزا حال الطلاق ، أو نشزت بعده ،
فعلى القول بأن النفقة لها تسقط لما علم من أن المطلقة حيث يجب نفقتها كالزوجة
تسقط نفقتها حيث تسقط ، وتجب حيث تجب ، وعلى القول بأنها للحمل لا تسقط.
أقول : ويعتريني في هذا المقام إشكال حيث إن ظاهر كلامهم
وقولهم هنا النفقة للحامل ليس المراد به أنها تستحق النفقة أصالة كما في استحقاقها
لو كانت زوجة أو مطلقة رجعية ، وإنما المراد استحقاقها لا لأجل الحمل وبقائه وحفظه
إلى أن تلده ، وحينئذ فالنشوز لا يؤثر في منع النفقة ، وهم متفقون على أن البائن لا
تستحق نفقة وهذه بائن ، وإنما استحقاقها من أجل الحمل ، ولهذا قيل : بأن النفقة
إنما هي للحمل دونها. وبالجملة فالظاهر أن النشوز سيما بعد الطلاق البائن لا يؤثر
في منع النفقة على القول بأن النفقة لها.
و (منها) ما لو ارتدت بعد الطلاق فيسقط نفقتها على الأول
دون الثاني. إلى
غير ذلك من المواضع التي من أراد
الوقوف عليها فليرجع إلى المسالك وغيره من المطولات.
الرابع : ما ذكره من الحامل المتوفى عنها زوجها ،
والخلاف في هذه المسألة مشهور بين الأصحاب لاختلاف أخبارها ، فذهب الشيخ في
النهاية والأكثر ومنهم الصدوق في المقنع وابن الجنيد وأبو الصلاح وابن البراج وابن
حمزة إلى وجوب الإنفاق عليها من مال الولد ، وذهب جمع منهم ابن إدريس والمحقق
والعلامة وسائر المتأخرين إلى العدم ، وهو المنقول عن الشيخ المفيد كما سيأتي ذكره
إن شاء الله تعالى ، ونقله في المختلف عن ابن أبي عقيل حيث قال : وقال ابن أبي
عقيل : لا نفقة للمتوفى عنها زوجها سواء كانت حبلى أو غير حبلى ، واختاره في
المسالك.
والذي وصل إلى من الأخبار في هذا المقام منه ما رواه ثقة
الإسلام (1) في الصحيح أو
الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام «أنه قال في
الحبلى المتوفى عنها زوجها : أنها لا نفقة لها».
وعن أبي الصباح الكناني (2) في الحسن عن
أبي عبد الله عليهالسلام «في المرأة
الحامل المتوفى عنها زوجها هل لها نفقة؟ قال : لا».
وعن زرارة (3) عن أبي عبد الله عليهالسلام «في المرأة
المتوفى عنها زوجها هل لها نفقة؟ فقال : لا».
وما رواه في التهذيب (4) عن زيد أبي أسامة قال : «سألت أبا
عبد الله عليهالسلام
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 114 ح 3 ، التهذيب ج 8 ص 151 ح 121 ، الوسائل
ج 15 ص 234 ب 9 ح 1.
(2) الكافي ج 6 ص 115 ح 8 ، التهذيب ج 8 ص 150 ح 120 ، الوسائل
ج 15 ص 234 ب 9 ح 2.
(3) الكافي ج 6 ص 115 ح 9 ، التهذيب ج 8 ص 151 ح 122 ، الوسائل
ج 15 ص 234 ب 9 ح 3.
(4) التهذيب ج 8 ص 151 ح 123 ، الوسائل ج 15 ص 235 ح 7.
عن الحبلى المتوفى عنها زوجها هل لها
نفقة؟ فقال : لا».
وعن محمد بن مسلم (1) في الصحيح عن أحدهما عليهماالسلام قال : «سألته
عن المتوفى عنها زوجها إلها نفقة؟ قال : لا».
وما رواه في الكافي والفقيه (2) عن محمد بن
الفضيل عن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «المرأة
الحبلى المتوفى عنها زوجها ينفق عليها من مال ولدها الذي في بطنها».
قال في شرح النافع بعد ذكر هذه الرواية : وجمع من
الأصحاب وصفوها بالصحة ، وهو منظور فيه ، فإن في طريقها محمد بن الفضيل وهو مشترك
بين الثقة والضعيف ، ولعلهم اطلعوا على قرائن أفادت أنه ثقة ، ونحوه قال في
المسالك.
أقول : بل الظاهر أن وصفها بالصحة إنما وقع سهوا من
المتقدم ، فتبعه عليه من تأخر عنه لعدم المراجعة إلى السند ، وأمثاله كثيرة كما لا
يخفى على المتتبع.
وما رواه في الكافي (3) عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما
عليهماالسلام قال : «المتوفى
عنها زوجها ينفق عليها من ماله».
وما رواه في الفقيه (4) عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليهمالسلام قال : «نفقة
الحامل المتوفى عنها زوجها من جميع المال حتى تضع». وأكثر هذه الأخبار قد دل على
أنه لا نفقة لها كما ذهب إليه ابن إدريس ومن تأخر عنه.
والشيخ قد حملها على أنه لا نفقة لها يعني من مال الميت
وإن كان لها النفقة
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 152 ح 126 ، الوسائل ج 15 ص 235 ح 6.
(2) الكافي ج 6 ص 115 ح 10 ، الفقيه ج 3 ص 330 ح 3 ، التهذيب ج
8 ص 152 ح 125 ، الوسائل ج 15 ص 236 ب 10 ح 1.
(3) الكافي ج 6 ص 120 ح 4 ، التهذيب ج 8 ص 151 ح 124 ، الوسائل
ج 15 ص 235 ح 4.
(4) الفقيه ج 3 ص 330 ح 4 ، التهذيب ج 8 ص 152 ح 127 ، الوسائل
ج 15 ص 236 ب 10 ح 2.
من مال الولد ، قال في شرح النافع بعد
نقل ذلك عنه : ولا بأس بهذا الجمع لو تكافأت الروايات في السند والدلالة ، لكنه
محل نظر.
وفيه أن صحيحة محمد بن مسلم الاولى قد صرحت ـ بعد نفي
النفقة أو النهي عنها ـ بأنه ينفق عليها من مالها ، وبذلك يظهر أنه لا يتم هذا
الجمع ، فنفي البأس عنه إنما نشأ عن الغفلة عن ملاحظة الصحيحة المذكورة ، فإنها
صريحة في أنه إنما ينفق عليها من مالها لا من مال الميت ، ولا مال الولد ، ونقل عن
الشيخ المفيد في كتاب التمهيد أنه أنكر الحكم بالإنفاق عليها من مال الحمل تمام
الإنكار ، فقال : إن الولد إنما يكون له مال عند خروجه إلى الأرض حيا ، فأما وهو
جنين لا يعرف له موت من حياة فلا ميراث له ولا مال على الاتفاق ، فكيف ينفق على
الحبلى من مال من لا مال له لو لا السهو في الرواية أو الإدخال فيها. انتهى ، كذا
نقله عنه ابن إدريس لتأييد ما ذهب إليه.
وقال العلامة في المختلف : والتحقيق أن نقول : إن جعلنا
النفقة للحمل فالحق ما قاله الشيخ ، وإن جعلناها للحامل فالحق ما قاله المفيد.
واعترضه السيد السند في شرح النافع فقال : ما ذكره بعيد
عن التحقيق ، إذ ليس في الروايات المتضمنة لهذا الحكم (1) دلالة على أن
النفقة للحمل بوجه ، وإنما المستفاد منها أن ينفق على الحامل من نصيب الحمل ، فإن
وجب العمل بها تعين المصير إلى هذا الحكم مطلقا ، وإن ترجح ردها ـ إما لقصورها من
حيث السند أو الدلالة أو لما ذكره المفيد من أن الحمل لا مال له ـ وجب نفي هذا
الحكم رأسا كما ذكره المفيد وابن إدريس ، أما التفصيل فلا وجه له ، انتهى.
أقول : الظاهر أن مراد العلامة من هذا الكلام هو الجمع
بين أخبار المسألة بحمل ما دل على وجوب الإنفاق عليها من مال ولدها الذي في بطنها
، على أن هذه النفقة للولد لا للحامل ، وحمل ما دل على أنه لا نفقة بالكلية كما
دلت عليه
__________________
(1) أي الأمر بالإنفاق (منه ـ قدسسره ـ).
أكثر الأخبار على النفقة للحامل ،
ومرجعه إلى أنها تستحق النفقة للولد ، ولا تستحقها لنفسها ، وحينئذ فقول السيد «أن
المستفاد من الأخبار أن ينفق على الحامل من نصيب الحمل ، فإن وجب العمل. إلخ»
مردود بأنه وإن استفيد ما ذكره من هذا الخبر إلا أن الأخبار الأخر ظاهرة في أنه لا
نفقة مطلقا والواجب الجمع بين الجميع بوجه يرفع الاختلاف من البين ، فكيف يتم قوله
إنه إن عمل بهذه الرواية كان كذا ، وإن وجب ردها كان كذا ، فإن فيه إنا نريد العمل
بالرواية المذكورة على وجه تجتمع به مع الروايات الأخر وهو يحصل بالتفريع على تلك
المسألة.
قوله «ليس في الروايات المتضمنة لهذا الحكم دلالة على أن
النفقة للحمل بوجه» مسلم لكن ارتكاب التأويل لا يتوقف على ذلك كما لا يخفى فإن
التأويل ليس إلا الحكم بخلاف الظاهر ، والرواية وإن لم تكن متضمنة لذلك ولا دلالة
عليه إلا أنه يمكن حملها على ذلك.
وبالجملة فالظاهر أن ما ذكره ـ رحمهالله ـ لا يخلو من
شوب المناقشة بحسب فهمي القاصر ، وبعض مشايخنا المحدثين (1) من متأخري
المتأخرين احتمل في الجمع بين روايات المسألة بحمل ما دل على وجوب الإنفاق من نصيب
الولد على ما إذا كانت محتاجة لأنه تجب نفقتها عليه ، وحمل ما دل على عدم الإنفاق
على ما إذا لم تكن محتاجة ، وهو لا يخلو من قرب.
وكيف كان فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال ، وإن كان ما
ذهب إليه المتأخرون أقرب ، لتكاثر الأخبار به ، وعدم نهوض رواية أبي الصباح التي
استند إليها المتقدمون بالمعارضة ، إلا أن شهرة الفتوى بها بين المتقدمين ـ سيما
الصدوق فإنه قال في الفقيه «والذي نفتي به رواية الكناني» ـ مما يوجب مزيد اعتبار
لها.
بقي الكلام في الروايات الباقية ومنها صحيحة محمد بن مسلم
الثانية ، وقوله فيها «ينفق عليها من ماله» والشيخ قد استدل بهذه الرواية على ما
ذهب إليه من
__________________
(1) هو شيخنا المجلسي ـ قدسسره ـ في حواشيه على كتب الاخبار. (منه ـ قدسسره ـ).
وجوب الإنفاق من مال الولد ، مدعيا أن
الضمير في قوله «من ماله» يعود إلى الولد ، قال في الاستبصار : قوله عليهالسلام «ينفق عليها من
ماله» محمول على أنه ينفق عليها من مال الولد إذا كانت حاملا ، والولد وإن لم يجر
له ذكر جاز لنا أن نقدره لقيام الدليل كما فعلناه في مواضع كثيرة من القرآن وغيره.
انتهى ، ولا يخفى ما فيه من البعد ، فإن تقدير الولد فرع الدلالة عليه في الخبر
بوجه ، والخبر لا دلالة فيه على محل البحث وهي الحامل ، وإنما مورده المتوفى عنها
زوجها وهذا الخبر أورده في الكافي في باب الرجل يطلق امرأته ثم يموت قبل أن تنقضي
عدتها ، وهو يشعر بأنه حمل الخبر على المطلقة قبل الوفاة وإن لم تكن حاملا.
وكيف كان فالخبر مع كونه بحسب ظاهره لا يخلو من الاشكال
ليس من أخبار المسألة التي يمكن الاعتماد إليها في الاستدلال ، وحمله بعض المحدثين
من متأخري المتأخرين أنه يستحب للورثة ذلك.
ومنها رواية السكوني المتضمنة لأن نفقة الحامل المتوفى
عنها زوجها من جميع المال (1) والشيخ حمله
في التهذيبين تارة على الاستحباب مع رضاء الورثة ، واخرى على نصيب الولد قبل
القسمة لعدم تميزه بعد لتوقفه بعد على العلم بكونه ذكرا أو أنثى ، ولعل الثاني
أقرب ، وأقرب منه الحمل على التقية ، لمخالفة الخبر لفتوى الطائفة وأخبارهم مضافا
إلى أن الرواية من العامة.
المسألة الثالثة : الظاهر أن
الرجوع في قدر النفقة إلى العرف والعادة ، وكذا في الاخدام وعدمه ، وتفصيل الكلام
في المقام أنه ينبغي أن يعلم أنه لما كانت الأوامر بالنفقة في الكتاب والسنة مطلقة
مثل قوله عزوجل
__________________
(1) أقول : وفي معنى رواية السكوني المذكورة ما رواه الراوندي
عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهمالسلام قال : قال على عليهالسلام : الحامل المتوفى عنها زوجها نفقتها من
جميع مال الزوج حتى تضع. (منه ـ قدسسره ـ) مستدرك الوسائل ج 2 ص 636 ب 5 ح 2.
«وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ
وَكِسْوَتُهُنَّ» (1) وقوله «فَلْيُنْفِقْ
مِمّا آتاهُ اللهُ» (2)
وقولهم عليهمالسلام فيما تقدم من
الأخبار (3) «يشبعها ويقيم
ظهرها ويطعمها ما يقيم صلبها». ونحو ذلك كان المرجع فيها إلى العرف والعادة فيما
جزم له الأصحاب ، لأنه الحكم في ذلك حيث لا يرد له تقدير من الشارع.
وهكذا الكلام في الكسوة فإنه قد تقدم في الأخبار أن
الواجب عليه الكسوة وفي بعض ما يستر العورة ونحو ذلك ، والأصحاب قد صرحوا بأنها
ترجع فيما تحتاج إليه ـ من الطعام وجنسه من البر والشعير والتمر والزبيب والذرة
وغيرها ، والإدام الذي تأتدم به من السمن والزيت والشيرج واللحم واللبن وغيره ،
والكسوة من القميص والسراويل والمقنعة والجبة وغيرها وجنسها من الحرير والقطن
والكتان ، والإسكان في دار وبيت لا يقين بحالها ، والإخدام إذا كانت من ذوي الحشمة
والمناصب المقتضية لذلك ، وآلة الادهان التي تدهن به شعرها وترجله من شيرج أو زيت
مطلق أو مطيب بالورد أو البنفسج أو غيرهما مما يعتاد لأمثالها والمشط وما تغسل به
الرأس من السدر والطين والصابون على حسب عادة البلد ونحو ذلك مما يحتاج إليه ـ إلى
عادة أمثالها من أهل بلدها ، وإن اختلفت العادة رجع إلى الأغلب ، ومع التساوي فما
يليق منه بحاله.
أقول : والذي حضرني من الأخبار المتعلقة مضافا إلى
الأخبار المتقدمة ما رواه الشيخ في الصحيح والكليني (4) بسنده فيه
إرسال عن شهاب بن عبد ربه قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام ما حق المرأة
على زوجها؟ قال : يسد جوعتها ويستر عورتها
__________________
(1) سورة البقرة ـ آية 233.
(2) سورة الطلاق ـ آية 7.
(3) الكافي ج 5 ص 511 ، الوسائل ج 15 ص 223 ب 1.
(4) الكافي ج 5 ص 511 ح 5 ، التهذيب ج 7 ص 457 ح 38 وفيهما
اختلاف يسير ، الوسائل ج 15 ص 226 ب 2 ح 1.
ولا يقبح لها وجها ، فإذا فعل ذلك فقد
أدى والله إليها حقها ، قلت : فالدهن؟ قال : غبا يوم ولا يوم لا ، قلت : فاللحم؟
قال : في كل ثلاثة أيام فيكون في الشهر عشر مرات لا أكثر من ذلك في كل ستة أشهر ،
ويكسوها في كل سنة أربعة أثواب ثوبين للشتاء وثوبين للصيف ، ولا ينبغي أن يقفر
بيته من ثلاثة أشياء : دهن الرأس والخل والزيت ويقوتهن بالمد ، فإني أقوت به نفسي
، وليقدر لكل إنسان منهم قوته فإن شاء أكله وإن شاء وهبه وإن شاء تصدق به ، ولا
تكون فاكهة عامة إلا أطعم عياله منها ، ولا يدع أن يكون للعيد عندهم فضلا في
الطعام أن ينيلهم من ذلك شيئا لا ينيلهم في سائر الأيام».
أقول : ما اشتمل عليه الخبر من التقدير بالمد في النفقة
لم يقف على قائل به إلا الشيخ ـ رحمة الله عليه ـ في الخلاف ، وفي المبسوط فصل
فجعل على الموسر مدين كل يوم وعلى المتوسط مدا ونصفا وعلى المعسر مدا.
أقول : أما التقدير بالمد كما ذكره في الخلاف فقد عرفت
مستنده ، وأما التفصيل الذي ذكره في المبسوط فلم نقف له على مستند في الأخبار إلا
أن يكون نوع من الاعتبار.
وقال في المسالك ـ بعد نقل ذلك عن الشيخ ـ : والأصل في
هذا التقدير أن المد قدره الشارع في الكفارات قوتا للمسلمين فاعتبرت النفقة به ،
لأن كل واحد منهما مال يجب بالشرع لأجل القوت ، ويستقر في الذمة ، وربما أوجب
الشارع في بعض الكفارات لكل مسكين مدين ، فجمع في القول الثاني بين الأمرين فجعل
المدين على الموسر ، والمد على المعسر وجعل المتوسط بينهما ، فألزمه بمد ونصف ،
والأقوى ما اختاره المصنف من عدم التقدير ، والرجوع إلى قدر الكفاية وسد الخلة وهي
الحاجة وهو اختيار ابن إدريس وسائر المتأخرين لأن التقدير رجوع إلى تخمين وضرب من
القياس لا يطابق أصول مذهبنا ، انتهى.
والظاهر أن شيخنا المذكور غفل عن الخبر الذي نقلناه ،
وإنما التجأ
في توجيه كلام الشيخ إلى الحمل على الكفارة
، وقد عرفت ورود النص به.
نعم ما ذكره في المبسوط خال من النص ، والإيراد عليه
إنما هو بالنسبة إلى ما ذكره في المبسوط خاصة ، إلا أنه يمكن حمل الخبر المذكور
على أن ذلك كان عادتهم في تلك الأوقات كما يستفاد من جملة من الروايات بالنسبة إلى
الكفارات والصدقات كما في حديث ضيعة الصادق عليهالسلام المسماة بعين
زياد.
وأما قوله في الخبر «والصبغ في كل ستة أشهر» فالظاهر أن
المراد به مثل الحناء والوسمة والثياب المصبوغة ، وأما ما اشتمل عليه من أن اللحم
في كل ثلاثة أيام ، فلا أعلم به قائلا على هذا الإطلاق ، والمنقول عن الشيخ أنه
اعتبر اللحم في كل أسبوع مرة محتجا بأنه المعروف قال : ويكون يوم الجمعة.
وعن ابن الجنيد أنه أوجب اللحم على المتوسط في كل ثلاثة
أيام.
وكيف كان فالعمل على ما دل عليه الخبر من كونه في كل
ثلاثة أيام متوسطا أو غيره ، والظاهر أن المراد بالدهن الذي حكم بكونه غبا هو دهن
البدن ، فإنه في الصدر الأول متعارف ليبوسة أهوية تلك البلدان.
ثم إن الظاهر من كلام العلامة في المختلف أنه لم يقف
أيضا على الخبر المذكور كما لا يخفى على من راجعه ، ونحوه ابن إدريس في رده على
الشيخ في ما ادعاه من الدليل على هذه المسألة بإجماع الفرقة وأخبارهم ، وأنكر وجود
الأخبار بذلك ، والكل صادر عن غفلة عن النص المدعى ، ومع أنه صحيح السند صريح
الدلالة ، إلا أن الظاهر أن الوجه فيه ما ذكرناه.
تنبيهات
الأول : لا يخفى أن
في النساء من لا تخدم نفسها بحسب عادة أمثالها وأهل بلدها لشرفها وعلو منزلتها بل
لها من يخدمها ، فهذه يجب على الزوج أن يتخذ لها خادما بآية المعاشرة بالمعروف ،
ولا فرق عند الأصحاب بين كون الزوج معسرا
أو موسرا ، حرا أو عبدا ، لأن
الاعتبار بحال المرأة في بيت أبيها ، ويجب أن يكون الخادم امرأة أو صبيا أو محرما
لها ، وفي جواز مملوكها الخصي نظر ، ينشأ من جواز نظره إليها وعدمه ، وقد تقدم
الكلام فيه في بعض فوائد المقدمة ، وأما من تخدم نفسها بحسب العادة فلا تجب في
حقها ذلك إلا لمرض ونحوه ، فعلى الزوج حينئذ إقامة من يخدمها.
الثاني : قالوا : إذا
أخدمها بحرة أو أمة مستأجرة فليس عليه سوى الأجرة وإن أخدمها بجاريته كانت نفقتها
عليه من جهة الملك ، وإن كان يخدمها بكفاية مؤنة خادمها فهذا موضع نفقة الخادم ،
والقول في جنس طعامها وقدره كما هو في جنس طعام المخدومة ، ولو قال الزوج : أنا
أخدمها لإسقاط مؤنة الخدمة عن نفسه فله ، لأن ذلك حق عليه يجب عليه وفاؤه بنفسه أو
غيره ، هذا مما لا يستحيى منه كغسل الثوب واستسقاء الماء وكنس البيت وطبخ الطعام ،
أما ما يستحيى منه كالذي يرجع إلى خدمة نفسها من صب الماء على يدها وحملها إلى
الخلاء وغسل خرق الحيض والجماع ونحو ذلك فلها الامتناع من خدمته لأنها تحتشمه
وتستحيي منه فيضر بحالها ، وأطلق جماعة تخيره في الخدمة بنفسه مطلقا لأن الحق عليه
فالتخيير في جهاته إليه.
الثالث : قد عرفت أنه
يرجع في جنس المأكول والملبوس والإدام إلى عادة أمثالها من أهل البلد ، وكذا في
المسكن ، قالوا : ولها المطالبة بالتفرد بالمسكن عن مشارك غير الزوج ، والمراد من
المسكن ما يليق بها من دار وحجرة وبيت فالتي يليق بها الدار والحجرة لا يسكن معها
غيرها في دار واحدة بدون رضاها ، لكن لو كان في دار حجرة مفردة المرافق فله أن
يسكن ، وكذا لو أسكن واحدة في العلو وواحدة في السفل والمرافق متميزة ، ولا تجمع
بين الضرتين ، ولا بين المرأة وغيرها في بيت واحد مطلقا إلا بالرضا.
الرابع : قالوا : تختلف
الكسوة باختلاف الفصول والبلدان في الحر والبرد فيعتبر في الشتاء زيادة الحشو
بالقطن ونحوه ، ويرجع في جنسه من القطن
والكتان والحرير إلى عادة أمثالها ،
وكذا يجب في الصيف الثياب اللائقة بحالها من الكتان والحرير ونحوه مما يعتاد ،
ويعتبر مع ذلك ثياب التجمل زيادة على ثياب البدلة إذا كانت من أهل التجمل ، ولو
كانت البلاد باردة ولم يستغن بالثياب عن الوقود وجب لهن الحطب والفحم بقدر الحاجة
، ويجب أيضا مراعاة ما يفرش على الأرض من البساط والحصير والملحفة والنطع والمخدة
واللحاف بما يليق بحالها عادة بحسب الفصول ، وقد عد الفقهاء في هذا الباب أشياء
كثيرة بحسب ما اتفق اعتياده عندهم ، ومرجعه إلى ما يعتبر في العادة لأمثالها في
بلدها في كل وقت بما يناسبه.
المسألة الرابعة : وهي تتضمن
حكمين (أحدهما) لا خلاف بين الأصحاب في أن الزوجة تملك نفقة يومها مع التمكين ،
فلو منعها وانقضى اليوم أو الأيام وجب قضاؤها.
قال في المسالك : لما كان المقصود من النفقة القيام
بحاجتها وسد خلتها لكونها محبوسة لأجله فالواجب منها أن يدفع يوما فيوما ، إذ لا
وثوق باجتماع الشرائط في باقي الزمان ، والحاجة تندفع بهذا المقدار ، فيجب دفعها
في صبيحة كل يوم إذا طلع الفجر ولا يلزمها الصبر إلى الليل ليستقر الوجوب لتحقق
الحاجة لأنها تحتاج إلى الطحن والخبز والطبخ ، إذ الواجب عليه دفع الحب ونحوه
ومؤنة إصلاحه لا عين المأكول عملا بالعادة ، فلو لم يسلم إليها أول النهار لم تنله
عند الحاجة ، ولو منعها من النفقة وانقضى اليوم ممكنة استقرت ذلك اليوم في ذمته
لأن نفقة الزوجة اعتياض في مقابلة الاستمتاع ، فتصير بمنزلة الدين ، وكذا نفقة
الأيام المتعددة إذا مضت ولم ينفق عليها ، انتهى.
أقول : لا أعرف لما ذكره من هذا التفصيل نصا واضحا ولا
دليلا صالحا ، فإن الظاهر من الأخبار المتقدمة سيما صحيحة شهاب بن عبد ربه أن
الواجب شرعا إنما هو عين المأكول لا الحب وأمثاله مما يحتاج إلى علاج ومزاولة
واستناده ـ في الوجوب لما ذكره إلى
العادة ـ مردود ، بأن ذلك إنما هو من حيث المسامحة والتراضي وعدم المضايقة في
الحقوق الشرعية ، ألا ترى أن العادة قاضية بتكلف المرأة في خدمة البيت بما لا يجب
عليها شرعا من طبخ وخبز وغسل ثياب لنفسها وزوجها ونحو ذلك.
وبالجملة فإن الظاهر أن الحق الشرعي لها إنما هو شيء
يوكل بغير مؤنة ولا كلفة من خبز أو تمر أو نحوهما ، وهذا هو ينطبق عليه حديث المد
وهو الظاهر من تلك الأخبار المطلقة من قوله «يشبعها ويقيم صلبها» ونحو ذلك
والتكليف بما زاد مما ذكره هو وغيره ـ رحمهالله ـ محتاج إلى
دليل ولا دليل ، والتمسك بقضية العادة بين الناس قد عرفت أنه غير خال من وصمة الشك
والالتباس إلا أني أظن أن ما ذكرناه مما يكبر في صدور بعض الناظرين في المقام ممن
تألف متابعة الشهرة في الأحكام وكل ميسر لما خلق له.
نعم ما ذكره من قضاء النفقة لو أخر دفعها عن وقتها لا
ريب فيه لما ذكره ، ثم إنه قال في المسالك أيضا : ثم استحقاق الزوجة المئونة على
وجه التمليك لا الإمتاع ، لأن الانتفاع به لا يتم إلا مع ذهاب عينه ، وكذا حكم
كلما يستهلك من آلة التنظيف والدهن والصابون والطين ونحو ذلك ، فإذا دفعه إليها
ملكت نفقة اليوم وتخيرت بين التصرف فيه أو في بعضه واستفضال بعضه وجميعه والإنفاق
على نفسها من مالها كما تخير في جهات أموالها ، انتهى.
أقول : ويدل عليه قوله عليهالسلام
في صحيحة شهاب المتقدمة «ويقدر لكل إنسان منهم قوته فإن
شاء أكله وإن شاء وهبه وإن شاء تصدق به».
و (ثانيهما) قد اختلف الأصحاب في كون الكسوة تمليكا أو
إمتاعا ، وبالأول قال الشيخ في المبسوط ، والمحقق والعلامة في غير التحرير
والقواعد والثاني (1) خيرة العلامة
في القواعد وشيخنا الشهيد الثاني في الروضة والمسالك ،
__________________
(1) وعلى هذا القول فليس لها بيعها ولا التصرف فيها بغير اللبس
من أنواع التصرفات ،
وتردد العلامة في التحرير.
احتج من قال بالأول بقوله تعالى «وَعَلَى
الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ» والتقريب فيها
أنه عطفها على الرزق ، فيكون الواجب فيهما واحدا لاقتضاء العطف التسوية في الحكم
وهو في الرزق التمليك فيكون كذلك في الكسوة ، ولقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم «ولهن عليكم (رِزْقُهُنَّ
وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» فاللام للملك.
وتنظر فيه في المسالك قال : لمنع اقتضاء العطف التسوية
في جميع الأحكام وجميع الوجوه سلمنا ، لكن المعتبر الاشتراك في الحكم المذكور دون
صفته وكيفيته ، فإن قولنا : أكرم زيدا وعمرا يقتضي اشتراكهما في أصل الإكرام لا
التسوية فيه من كل وجه. والظاهر من الحكم هنا هو كون الرزق مستحقا عليه فيكون
الكسوة كذلك ، وأما كيفية الاستحقاق فأمر آخر خارج عن أصل الحكم ، ومن الجائز أن
يريد بقوله «وَكِسْوَتُهُنَّ» جعلهن مكتسئين
وهو يتم بالامتاع. وأما الخبر فمع قطع النظر عن إسناده يجوز أن تكون اللام
للاستحقاق لا الملك أو الاختصاص بل هو الأصل فيها ، كما حققه جماعة وهما يتحققان
بالإمتاع ، انتهى.
أقول : والمسألة عندي محل توقف وإشكال لعدم النص القاطع
لمادة القيل والقال ، والركون إلى هذه التعليلات المتعارضة في كلامهم والجارية على
رؤوس أقلامهم في تأسيس الأحكام الشرعية مجازفة محضة. ثم إنهم ذكروا بناء على
القولين المذكورين فروعا يظهر فيها فائدة الخلاف.
(منها) ما لو دفع إليها كسوة لمدة جرت العادة ببقائها
إليها فتلفت في يدها
__________________
ولا لبسها زيادة على المعتاد كيفية وكمية ، فإن فعلت فأبلتها
قبل المدة التي تبلى فيها عادة لم يجب عليه إبدالها بغيرها ، وكذا لو أبقتها زيادة
على المدة وله إبدالها بغيرها مطلقا وتحصيلها بالإعادة والاستيجار وغيرهما ، ولو
طلقها وماتت ونشزت استحق ما يجده منها مطلقا. وأيد هذا القول بأن الغاية من الكسوة
الستر وهو يحصل بالإمتاع كالسكنى وأصالة براءة الذمة من التمليك. (منه ـ قدسسره ـ).
قبل مضي المدة من غير تقصير ، فعلى
القول بالتمليك لا يجب عليه إبدالها لأنه قد وفى ما عليه فأشبه ما إذا ملكها
النفقة فتلفت في يدها. وعلى القول بالإمتاع يجب عليه إبدالها قالوا : ولو أتلفتها
بنفسها فلا إبدال على القولين لأنه على الإمتاع يلزمها ضمانها فكأنها لم تتلف ،
وأما على الملك فظاهر مما تقدم.
(ومنها) لو انقضت المدة والكسوة باقية لرفقها بها فعليه
كسوة أخرى على الأول وهو الذي حكم به في الشرائع لأن ملكها لها مترتب على المدة
المعتادة لها كما لو استفضلت من طعام يومها ، وعلى الثاني لا تلزمه حتى يبلى
عندها.
(ومنها) ما لو مات في أثناء المدة أو ماتت هي أو طلقها
والكسوة باقية في المدة التي تصلح لها فعلى القول بالإمتاع تسترد مطلقا. وعلى
القول بالتمليك قال في المسالك : يحتمل قويا ذلك. يعني الاسترداد مطلقا لأنه
أعطاها للمدة المستقبلة وهو غير واجبة كما لو أعطاها نفقة أيام ، وهو الذي جزم به
المصنف فيما يأتي وعدمه لأن تلك المدة بالنسبة إلى الكسوة كاليوم بالنسبة إلى
النفقة ، وسيأتي أن النفقة لا تسترد لو وقع ذلك في أثناء النهار.
(ومنها) إذا لم يكسها مدة صارت الكسوة دينا عليه على
الأول كالنفقة ، وعلى الإمتاع لا يصير دينا.
(ومنها) أنه يجوز له أخذ المدفوع إليها ويعطيها غيره على
القول بالامتناع وعلى القول بالتمليك لا يجوز ذلك إلا برضاها.
(ومنها) أنه لا يصح لها بيع المأخوذ ولا التصرف فيه بغير
اللبس إن قلنا بالإمتاع ، ويصح على القول بالتمليك ، إن لم يناف غرض الزوج من
التزين والتجمل.
(ومنها) جواز إعطائها الكسوة بالإعارة والإجارة على
تقدير القول بالتمليك دون القول بالإمتاع ، ولو تلف المستعار فضمانه على الزوج.
المسألة الخامسة : قد صرح بعض
الأصحاب بأنه إذا ادعت البائن أنها حامل صرفت إليها النفقة يوما فيوما ، فإن تبين
الحمل ، وإلا استعيدت. ومقتضى هذا الكلام وجوب النفقة بمجرد دعواها ، وإن لم يتبين
أو يظن صحة ذلك ، قيل :
ووجهه أن الحمل في ابتدائه لا يظهر
إلا لها ، فقبل قولها فيه كما يقبل في الحيض والعدة ، لأن الجميع من الأمور التي
يختص بها ولا يعلم إلا من قبلها ، وأيضا فإن في ذلك جمعا بين الحقين ، وحق الزوج
على تقدير عدم ظهور ذلك ينجبر بالرجوع عليها ، وفي التأخير إلى أن يتحقق إضرار لها
مع حاجتها إلى النفقة ، وعدم وجوب قضائها لو قلنا إن النفقة للحمل ، لأن نفقة
الأقارب لا تقضى.
ونقل عن الشيخ في المبسوط أنه علق وجوب الإنفاق على ظهور
الحمل ، وعن العلامة في التحرير أنه علقها على شهادة أربع من القوابل ، وهو ظاهر
اختياره في المسالك قال : لأن وجوب الإنفاق على الزوجة انقطع بالطلاق البائن ،
ووجوبه عليها مشروط بالحمل ، والأصل عدمه إلى أن يتحقق ، وحكم الزوجة به في
الابتداء ظني ، والظن قد يكذب ، ولأنه تعالى قال «وَإِنْ
كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ» (1) شرط في الإنفاق عليهن كونهن أولات
حمل ، وهذا الوصف لا يتحقق بمجرد الدعوى ، انتهى.
أقول : والمسألة لما عرفت من تقابل هذه التعليلات في
المقام وعدم النص الواضع عنهم عليهمالسلام محل توقف
وإشكال ، وما ذكره في المسالك جيد ، إلا أنه يمكن تخصيصه بما تقدم أولا من
التعليلات ، ثم إنه على تقدير وجوب الإنفاق عليها بمجرد دعواها هل تطالب بكفيل
لجواز ظهور خلاف ما ادعته؟ قال في المسالك : فيه وجهان منشأهما أنها استولت على
مال الغير بسبب لم يثبت في نفس الأمر ، وإنما حكم به الشارع لتعذر إثبات موجبها
قطعا ، فلو أخرت إلى الوضع لزم الإضرار بها كما قررناه ، فيجمع بين الحقين بالدفع
إليها بكفيل ، ومن حيث عدم ثبوت استحقاق الرجوع عليها الآن ، والأول لا يخلو من
قوة ، انتهى.
المسألة السادسة : المشهور بين الأصحاب أنه لا نفقة
للبائن إلا المطلقة الحامل ، لأن أسباب النفقة منحصرة في الثلاثة المتقدم ذكرها
التي أحدها الزوجية ،
__________________
(1) سورة الطلاق ـ آية 6.
والبائن ليست زوجة فتزول السببية ،
خرج من ذلك بالنص والإجماع الحامل المطلقة ، فيبقى ما عداها على حكم الأصل.
وقيل بوجوب النفقة على البائن بغير الطلاق إذا كانت
حاملا ، نظرا إلى أن وجوب النفقة على المطلقة الحامل لأجل الحمل من حيث كونه ولدا
للمنفق لا لأجلها ، وهذه العلة موجودة في الحامل منه غير المطلقة ، وبذلك أفتى في
المبسوط حتى في الحامل من نكاح فاسد كنكاح الشغار مع الجهل محتجا بعموم الأخبار
الدالة على وجوب الإنفاق على الحامل.
قال في المسالك : ويضعف الأول بأنه مبني على العمل
بالقياس ، وإلا فالآية صريحة في الحامل المطلقة ، ومع ذلك فكون النفقة للحمل غير
معلوم ، وإنما المعلوم أنها للحامل وإن كان ذلك بسببه.
وأما الأخبار التي ادعى الشيخ عمومها فذكرها في التهذيب
، وكلها مقيدة بالطلاق إلا رواية محمد بن قيس (1) عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «الحامل
أجلها أن تضع حملها وعليه نفقتها بالمعروف حتى تضع حملها».
فهذه شاملة بإطلاقها لغير المطلقة ، لكنها ضعيفة السند
بمحمد بن قيس فإنه مشترك بين الثقة وغيره ، ويمكن حملها على المطلقة حيث يستقل
بنفسها.
نعم لو ثبت أنها للحمل اتجه ذلك ، والذي دلت عليه النصوص
وجوبها للمطلقة الحامل فيقتصر عليها لكونه على خلاف الأصل ، انتهى.
أقول : مرجع الكلام في هذا المقام إلى الخلاف المتقدم في
أن النفقة هل هي للحامل أو الحمل؟ وقد قدمنا في تلك المسألة أن ظاهره في المسالك
هو التوقف حيث اقتصر على نقل القولين وأدلتهما ، ولم يتعرض لترجيح شيء منهما
وظاهره هنا ترجيح كونها للحامل. والذي يقرب عندي الرجوع في ذلك إلى
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 103 ح 1 ، التهذيب ج 8 ص 133 ح 62 ، الوسائل
ج 15 ص 231 ح 3.
الأخبار ، فإن المستفاد من أكثرها هو
كون موردها المطلقة كما هو ظاهر الآية وليس فيها ما ربما ينافي ذلك إلا إطلاق
صحيحة محمد بن قيس وهو محمول على ما دل عليه غيرها من التقييد بالمطلقة لأنه هو
الفرد الشائع المتكثر ، وقضيته الجمع بين الأخبار ذلك.
وأما طعنه في الصحيحة المذكورة باشتراك محمد بن قيس فقد
تكرر منه في هذا الكتاب في غير موضع وقد نبهنا على أنه غلط محض كما اعترف به سبطه
أيضا في شرح النافع.
المطلب الثاني ، في نفقة الأقارب : والكلام في
هذا المطلب يقع في مواضع :
الأول : المفهوم من كلام الأصحاب أن نفقة الإنسان على
نفسه مقدمة على غيره من زوجة أو غيرها من الآباء والأولاد بل على جميع الحقوق من
الديون وغيرها ولا إشكال فيه ، ونفقة الزوجة مقدمة على نفقة الأقارب ، قال السيد
السند في شرح النافع : إن هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب وظاهرهم أنه موضع
وفاق واستدلوا على ذلك بأن نفقة الزوجة وجبت على وجه المعاوضة في مقابل الاستمتاع
بخلاف نفقة القريب ، فإنها إنما وجبت لمجرد المواساة ، وما كان وجوبه على وجه
المعاوضة أقوى مما وجب على وجه المواساة ، ولهذا لم تسقط نفقة الزوجة بغنائها ولا
بمضي زمان بخلاف نفقة القريب.
أقول : المفهوم من الأخبار وجوب النفقة للجميع ، وقضية
الاشتراك في الوجوب تساوي الجميع في ذلك من غير تقديم لبعض على بعض ، ومجرد قوة النفقة
على الزوجة وأنها أقوى بهذه الوجوه المذكورة لا تصلح لتأسيس حكم شرعي عليه كما
عرفت في غير موضع مما تقدم.
والذي حضرني من الأخبار هنا ما رواه الكليني (1) في الصحيح أو
الحسن عن
__________________
(1) الكافي ج 4 ص 13 ح 1 وفيه «من الذي احتن» ، التهذيب ج 6 ص
293 ح 19 ، الوسائل ج 15 ص 237 ح 3.
حريز عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قلت :
من الذي أجبر عليه وتلزمني نفقته؟ فقال : الوالدان والولد والزوجة».
وروى الشيخ في التهذيب والصدوق في الفقيه (1) في الصحيح عن
محمد الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام مثله.
وما رواه في الكافي (2) عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قلت :
من يلزم الرجل من قرابته ممن ينفق عليه؟ قال : الوالدان والولد والزوجة». وزاد في
الفقيه «والوارث الصغير ، يعني الأخ وابن الأخ ونحوه» والظاهر أن التفسير من
الراوي كما جزم به في الوافي ، ويحتمل أن يكون من كلام الصدوق.
وعن جميل (3) في الصحيح عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهماالسلام قال : «لا
يجبر الرجل إلا على نفقة الأبوين والولد ، قلت لجميل : والمرأة؟ قال : روى بعض
أصحابنا وهو عنبسة بن مصعب وسورة بن كليب عن أحدهما عليهماالسلام أنه إذا كساها
ما يواري عورتها وأطعمها ما يقيم صلبها أقامت معه وإلا طلقها ، قال : قلت لجميل : فهل
يجبر على نفقة الأخت؟ قال : إن أجبر على نفقة الأخت لكان ذلك خلاف الرواية».
والمراد من الخبر المذكور أنه يجبر على نفقة الوالدين
والوالد ، وأما المرأة فإنه يخير بين الإنفاق عليها وبين طلاقها ، وأما ما ذكر
بالنسبة إلى الأخت فالمراد أنه لو قيل بوجوب النفقة عليها لكان ذلك خلاف ظاهر
النصوص حيث إن ظاهرها مشعر بالحصر في العمودين والزوجة.
وهذه الأخبار كما ترى ظاهرة فيما ذكرناه من اشتراك
الجميع في الوجوب ، فترجيح بعضها على بعض بالتقديم يحتاج إلى دليل من النصوص ،
والمسألة لا تخلو
__________________
(1) الفقيه ج 3 ص 59 ح 1 ، التهذيب ج 6 ص 293 ح 20 ، الوسائل ج
15 ص 237 ح 6.
(2) الكافي ج 4 ص 13 ح 3 ، الوسائل ج 15 ص 237 ح 5.
(3) الكافي ج 5 ص 512 ح 8 ، التهذيب ج 6 ص 294 ح 22 و 23 ،
الوسائل ج 15 ص 224 ح 4.
من الإشكال ، لأن الخروج عما ظاهرهم
الاتفاق عليه مشكل ومتابعتهم من غير دليل أشكل.
الثاني : لا خلاف ولا
إشكال في وجوب النفقة على الأبوين وإن ارتفعا ، والأولاد وإن سفلوا ، ولم يظهر من
أحد من الأصحاب خلاف في ذلك إلا ما يتراءى من تردد المحقق في الشرائع والنافع ، ثم
جزم بعد ذلك بالحكم المذكور ووافق القول المشهور.
قال السيد السند في شرح النافع : أجمع العلماء كافة على
وجوب النفقة على الأبوين والأولاد ـ إلى أن قال : ـ وهل يتعدى الوجوب إلى من علا
من الآباء والأمهات أو سفل من الأولاد؟ المشهور بين الأصحاب ذلك ، بل لم أقف فيه
على مخالف صريح أو تردد سوى المصنف ، وكأن منشأ التردد من الشك في صدق الآباء
والأمهات والأولاد على من علا أو سفل منهم بطريق الحقيقة ، وهو في محله ، وإن كان
الأقرب وجوب النفقة على الجميع. انتهى ، وبنحو ذلك صرح جده في المسالك أيضا.
أقول : وقد تقدم تحقيق القول في هذه المسألة ـ أعني
إطلاق الأب على من علا والابن على من سفل ـ في مواضع ، ولا سيما في كتاب الخمس.
وأوضحنا بالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة أن الإطلاق المذكور حقيقة في الموضعين
بما لا يعتريه للناظر المنصف شك في البين ، ولا يخفى أن جزم هؤلاء السابقين ثمة من
صدق الإطلاق حقيقة بوجوب الإنفاق (1) في هذه المسألة على من علا من الآباء
وسفل من الأبناء لا يخلو من مدافعة ومناقضة لأن الوجوب مترتب على الصدق حقيقة وهم
لا يقولون به ، والفرق بين هذا الموضع وتلك المواضع المتقدمة غير ظاهر ، بل صريح كلامهم
هنا هو صحة ما ذكرنا (2) ولكن لا أعرف
لهم وجه عذر في
__________________
(1) كأن في العبارة سقط ونحن صححناها.
(2) من ترتب الحكم بالعموم على الدخول تحت الإطلاق المذكور
حقيقة. (منه ـ قدسسره ـ).
الخروج عما حكموا به ثمة إلا ما ربما
يدعى من الإجماع هنا على العموم ، وظاهره في المسالك أن تردد المصنف إنما هو لذلك
حيث قال : إنا لا نعلم مخالفا من أصحابنا في دخولهم هنا ، وإنما تردد المصنف لضعف
الدليل ، ومن أصوله ـ رحمة الله عليه ـ أنه لا يعتد بحجية الإجماع بهذا المعنى كما
نبه عليه في مقدمة المعتبر ، وهو الحق الذي لا يحيد عنه المنصف ، انتهى.
أقول : قد أجاد بما أفاد ولكنه قد خالف نفسه في ذلك في
غير موضع كما لا يخفى على من مارس كلامه وتتبع كتابه ، وكيف كان فالحكم على ما
اخترناه بحمد الله سبحانه واضح لا شك فيه ، ولا ريب يعتريه ، وأما ما عدا من ذكرنا
من الأقارب فقد صرح الأصحاب بأنه لا تجب النفقة عليهم بل يستحب ، ولا سيما إذا كان
وارثا ونقل العلامة في القواعد قولا بوجوب النفقة على الوارث ، وأسند شراحه هذا
القول إلى الشيخ ، مع أنه على ما نقل عنه في المبسوط قطع باختصاصها بالعمودين ،
وأسند وجوبها للوارث إلى الرواية وحملها على الاستحباب وأنكر جملة ممن تأخر عنه
الوقوف على هذه الرواية.
أقول : يمكن أن تكون الرواية المذكورة هي ما رواه الشيخ
في التهذيب (1) عن غياث عن
أبي عبد الله عليهالسلام قال : «اتي
أمير المؤمنين عليهالسلام بيتيم فقال :
خذوا بنفقته أقرب الناس إليه من العشيرة كما يأكل ميراثه».
ويؤكدها ما تقدم في آخر صحيحة محمد الحلبي (2) برواية صاحب
الفقيه ، والشيخ في الاستبصار حملها على الاستحباب ، أو على ما إذا لم يكن وارث
غيره إن مات كل واحد منهما ورث صاحبه ولم يكن هناك من هو أولى منه ، وبهذا التقريب
__________________
(1) الكافي ج 4 ص 13 ح 2 ، التهذيب ج 6 ص 293 ح 21 ، الوسائل ج
15 ص 237 ح 4.
(2) الفقيه ج 3 ص 59 ح 1 ، الاستبصار ج 3 ص 44 ح 4 ، الوسائل ج
15 ص 247 ح 6.
الذي ذكره ـ رحمة الله عليه ـ يتم
الاستدلال ، وإلا في التوقف على سواها في هذا المجال ، وإلى القول بما تضمنته صحيحة
الحلبي من وجوب الإنفاق على الوارث الصغير يميل كلام السيد السند في شرح النافع
حيث إنه بعد أنه أنكر الوقوف على الرواية التي ادعاها في المبسوط قال : نعم مقتضى
صحيحة الحلبي وجوب النفقة على الوارث الصغير ، والعمل بها متجه لصحتها ووضوح
دلالتها ، انتهى.
ومما يدل على استحباب النفقة على من عدا من ذكر ما رواه
الصدوق في الخصال (1) بسنده عن
زكريا المؤمن رفعه إلى أبي عبد الله عليهالسلام «قال : من عال
ابنتين أو أختين أو عمتين أو خالتين حجبتاه من النار بإذن الله».
وفي تفسير الإمام العسكري عليهالسلام (2) في قوله تعالى
«وَمِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ» (3) قال : من الزكاة والصدقات والحقوق
اللازمات ـ إلى أن قال : ـ وذوي الأرحام القريبات والآباء والأمهات ، وكالنفقات
المستحبة على من لم يكن فرضا عليهم النفقة وسائر القربات ـ الحديث.
الثالث : المفهوم من
كلام الأصحاب هو أن نفقة الولد إنما تجب على أبيه دون أمه لقوله تعالى «فَإِنْ
أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ» (4) فأوجب أجرة الرضاع على الأب فكذا
غيرها من النفقات.
أقول : ويؤيده أيضا عدم وجوب الإرضاع عليها ، بل لها
الامتناع وأنها كغيرها من الأجانب المستأجرات ، ولو كانت النفقة عليها واجبة كالأب
لما صح ذلك.
وبالجملة فالتمسك بأصالة براءة ذمتها من ذلك أقوى مستمسك
حتى يقوم الدليل على الخروج عنه ، وقد صرحوا أيضا بأن النفقة الواجبة على الأب لو
مات
__________________
(1) الخصال ج 1 ص 37 ح 14 ، الوسائل ج 15 ص 238 ح 1.
(2) تفسير الإمام العسكري ص 35 ، الوسائل ج 15 ص 238 ح 2.
(3) سورة البقرة ـ آية 3.
(4) سورة الطلاق ـ آية 6.
الأب أو كان فقيرا فإنها تنتقل إلى
آبائه الأقرب فالأقرب ، واستندوا في ذلك إلى أن أب الأب أب فيدخل تحت ما دل على
وجوب النفقة على الأب.
وأورد عليه في شرح النافع بأن هذا الاستدلال لو تم
لاقتضى مساواة الجد وإن علا للأب ، لا تقدم الأب كما هو المدعي ـ ثم قال : ـ إلا
أن ظاهر الأصحاب الاتفاق على الحكم المذكور ولعله الحجة.
أقول : وفيه تأييد ظاهر لما اخترناه في المسألة من صدق
الأب حقيقة على الجد وإن علا ، ونحوه الابن وإن سفل ، والركون إلى حجية الإجماع
هنا قد تقدم قريبا ما فيه.
ثم إنهم قالوا : إنه مع عدم الآباء والأجداد أو فقرهم
تجب النفقة على الام ، ومع عدمها أو فقرها فعلى آباء الام وأمهاتها وإن علوا مقدما
في الوجوب الأقرب فالأقرب. كذا نص عليه الشيخ في المبسوط ، وكثير من المتأخرين لم
يتعرضوا لحكم الآباء والأمهات من قبل الأم.
أقول : لم أقف في النصوص على ما يتضمن هذا الحكم ، أعني
حكم الام وآبائها وأمهاتها ، والظاهر أن ذلك من تخريجات الشيخ ـ رحمة الله عليه.
ومما يتفرع على القرب والتساوي كما ذكروه أمور : (الأول)
أنه لو كان الأب والام معسرين ولا يجد الولد سوى نفقة أحدهما فالظاهر أنهما يكونان
فيه بالتساوي لتساوي رتبتهما وعدم الترجيح ، وكذا لو كان له أب معسر وابن كذلك
ذكرا كان أو أنثى ، أما لو كان له أب معسر وجد كذلك وعجز عن نفقتهما جميعا فإنه
يقدم نفقة الأب لأنه الأقرب ، وكذا لو كان له جد وجد أب أو ابن وابن ابن.
(الثاني) لو كان له ولدان ولم يقدر إلا على نفقة أحدهما
وله أب موسر ، وجب على الأب نفقة الآخر ، فإن اختلفا في قدر النفقة وكان مال الأب
يسع أحدهما بعينه كالأقل نفقة اختص به ووجبت نفقة الآخر على جده ، وإن تساويا
في النفقة واتفقا على الشركة أو على
أن يختص كل واحد منهما بواحد فذاك ، وإلا رجعا إلى القرعة.
(الثالث) لو كان للمعسر أب وابن موسران كانت النفقة
عليهما بالسوية لتساويهما في المرتبة ، أما لو كان له أب وجد فالنفقة على أبيه دون
جده ، وكذا القول فيما لو كان له أب وابن ابن فإن النفقة على الأب لأنه الأقرب.
(الرابع) لو كان فقيرا وله أم وابن موسران قيل ـ في
تساويهما في وجوب الإنفاق أو تقدم الولد على الام ـ وجهان : منشأهما اتحاد المرتبة
، وكون الولد مقدما على الجد المقدم عليها ، فيكون أولى بالتقدم أقول : يمكن أن
يقال بترجيح تقديم الولد في وجوب الإنفاق ، لأنه المستفاد من النصوص المتقدمة ،
وأما الأم فلم يقم دليل على وجوب الإنفاق عليها على الولد كما عرفت ، غاية الأمر
أنهم ذكروا أنه مع فقد من يجب عليه من الأب وإن علا والابن وإن سفل فإنه يجب على
الام ثم آبائها وأمهاتها الأقرب فالأقرب ، والولد هنا موجود.
الموضع الرابع : أنه يشترط
في المنفق عليه الفقر والعجز عن الاكتساب ، فلو لم يكن كذلك لم يجب الإنفاق عليه ،
وربما قيل باشتراط الفقر خاصة وأنه لا يشترط عدم القدرة على الاكتساب لحصول الحاجة
بالفعل ، وهو مردود بأن النفقة معونة على سد الخلة ، والمكتسب قادر فهو كالغني ،
ومن ثم منع من الزكاة ومن الكفارات المشروطة بالفقر.
نعم يعتبر في الكسب كونها لائقا بحاله عادة ، فلا يكلف
من كان شريف القدر والعالم الكنس والدباغة ونحوهما ، ولو أمكن المرأة الكسب
بالتزويج بمن يليق بها تزويجه عادة فهي قادرة بالقوة ، وهل يشترط عدم تمكن القريب
من أخذ نفقته من الزكاة ونحوها من الحقوق؟ احتمالان ، قال في شرح النافع : أظهرهما
العدم ، تمسكا بالإطلاق.
الخامس : أنه يجب
الإنفاق على القريب المبغض وإن كان فاسقا أو كافرا لعموم الآية وسائر الأدلة مما
تقدم وغيره كقوله عزوجل «وَصاحِبْهُما
فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً» (1) وموردها
الكافران ، والفاسقان بطريق أولى ، ومن المصاحبة بالمعروف الإنفاق عليهما.
قالوا : ولا يقدح كونهما غير وارثين لعدم الملازمة
بينهما ، وبذلك صرح الأصحاب وأكثر العلماء من غيرهم ، قال الشيخ في المبسوط : كل
سبب يجب به الإنفاق من زوجية ونسب وملك يمين فإنا نوجبها مع اختلاف الدين ، كما
توجبها مع اتفاقه لأن وجوبها بالقرابة ، وتفارق الميراث لأنه يستحق بالقرابة في
الموالاة ، واختلاف الدين يقطع الموالاة.
وأغرب المحقق الشيخ فخر الدين في شرحه على ما نقل عنه في
المسالك حيث جعل المانع من الإرث كالرق والكفر والقتل مانعا من وجوب الإنفاق ، قال
: وربما نقل عنه أن ذلك إجماعي ، والأمر بخلافه ، لتصريح الأصحاب بنحو ما قلناه ،
ولم نقف على مخالف لهم فيه. انتهى ، وأشار بقوله «بنحو ما قلناه» إلى ما قدمه أولا
من نحو ما ذكرناه في صدر الكلام.
السادس : المشهور أنه
لا يجب إعفاف من تجب نفقته ، والمراد بالإعفاف أن يصيره ذا عفة إما بتزويجه أو
يعطيه مهرا يتزوج به أو يملكه جارية أو يعطيه ثمن جارية صالحة له ، ونقل عن بعض
الأصحاب القول بالوجوب للأب وإن علا ، لأن ذلك من أهم المصاحبة بالمعروف المأمور
بها في الآية ، ولأنه من وجوه حاجاته المهمة ، فيجب على الابن القيام به كالنفقة
والكسوة ، والمشهور الاستحباب وهو الأظهر.
وتؤيده الأخبار الدالة على أنه لا يجوز له التصرف في
جارية ابنه إلا أن
__________________
(1) سورة لقمان ـ آية 15.
يقومها على نفسه ، ولو كان ذلك واجبا
على الابن لجاز له التصرف فيها مطلقا كما في غيرها من النفقة الواجبة ، فإنه مع
إخلال الابن بها يجوز له أخذها ، ويقبل قوله في الحاجة إلى النكاح والرغبة فيه على
ما صرح به الأصحاب.
قالوا : ونفقة الزوجة تابعة للاعفاف ، فإن وجب وجبت ،
وإلا استحبت ، وكذا القول في نفقة زوجة الأب التي تزوجها بغير واسطة الابن ، وأوجب
الشيخ في المبسوط نفقة زوجته وإن لم يجب إعفافه ، قال : لأنها من جملة مؤنته
وضروراته ، كنفقة خادمه حيث يحتاج إليه.
قال في المختلف : لا يجب على الولد الغني الإنفاق على
زوجة والده المعسر ، ولا على الوالد وجوب الإنفاق على زوجة ولده المعسر لأصالة
البراءة ، وأوجب الشيخ في المبسوط النفقة فيها (1) لأنها من مؤنة والده.
أقول : لا أعرف له دليلا غير ما ذكر من هذا الدليل
الاعتباري الذي لا يخفى ضعفه مع ما عرفت من عدم الدليل في أصل المسألة (2).
السابع : قالوا : لو دافع
من وجبت عليه النفقة أجبره الحاكم ، فإن امتنع حبسه ، وقيل : يتخير بين حبسه
وتأديبه لينفق بنفسه ، وبين أن يدفع من ماله قدر النفقة إن كان له مال ظاهر ، وإن
توقف على بيع شيء من عقاره وماله جاز ، لأن حق النفقة واجب فكان كالدين ، ولو كان
من تجب عليه النفقة غائبا تولى الحاكم الإنفاق من ماله كالحاضر الممتنع. قيل :
وللحاكم أن يأذن له في الاستدانة والإنفاق ثم الرجوع عليه بعد حضوره.
قال في المسالك : ولو لم يقدر على الوصول إلى الحاكم ففي
جواز استقلاله بالاستقراض عليه أو البيع من ماله مع امتناعه أو غيبته وجهان ، أجودهما
الجواز ،
__________________
(1) هكذا في الأصل والصحيح «النفقة عليها».
(2) وهو وجوب الإعفاف. (منه ـ قدسسره ـ).
لأن ذلك من ضروب المقاصة حيث يقع أخذ
القريب في الوقت والزوجة مطلقا ، انتهى.
المطلب الثالث ، في نفقة المملوك : وهو إما أن
يكون من الأناسي أو غيره من سائر الحيوانات ، فالكلام هنا في موضعين :
الأول ـ في المملوك الأناسي وفيه مسألتان :
الاولى : لا خلاف نصا وفتوى في وجوب النفقة عليه إذا لم
يكن له مال.
روى ثقة الإسلام (1) في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج
عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «خمسة
لا يعطون من الزكاة شيئا الأب والام والولد والمرأة والمملوك ، وذلك أنهم عياله
لازمون له».
وعن جميل بن دراج (2) في الصحيح أو الحسن قال : «لا يجبر
الرجل إلا على نفقة الأبوين والولد» الحديث.
وروى الصدوق في العلل (3) في الصحيح عن
عبد الله بن الصلت عن عدة من أصحابنا يرفعونه إلى أبي عبد الله عليهالسلام «أنه قال :
خمسة لا يعطون من الزكاة الولد والوالدان والمرأة والمملوك ، لأنه يجبر على النفقة
عليهم». إلى غير ذلك من الأخبار.
وقد نقل غير واحد من أصحابنا أنه لا خلاف بين علماء
الإسلام في الحكم المذكور ولا فرق في المملوك بين الصغير والكبير ، والصحيح
والأعمى ، والمدبر والمرهون والمستأجر وغيرها ، وكذا لا فرق بين الكسوب وغيره ،
لكن متى كان كسوبا يخير المولى بين الإنفاق عليه من ماله وأخذ كسبه وبين الإنفاق
عليه من كسبه ،
__________________
(1) الكافي ج 3 ص 552 ح 5 ، التهذيب ج 4 ص 56 ح 7 ، الوسائل ج
6 ص 165 ب 13 ح 1.
(2) الكافي ج 5 ص 512 ح 8 ، التهذيب ج 6 ص 294 ح 23 ، الوسائل
ج 15 ص 224 ح 4.
(3) علل الشرائع ص 371 ب 94 ح 1 ط النجف الأشرف ، الوسائل ج 6
ص 166 ب 13 ح 4.
والمرجع إلى واحد لأن الكسب أحد أموال
السيد ، ولهذا لو قصر كسبه وجب الإتمام على السيد ، ولو تعدد المالك وزعت النفقة
على الجميع بحسب الملك ، ويرجع في قدر النفقة إلى عادة مماليك أمثال المولى من أهل
بلاده لأنها غير متعددة شرعا على المشهور ، فيجب الرجوع فيها إلى العادة كما قلنا
، فيعتبر قدر ما يكفيه من طعام وكسوة ، ويرجع في الكيفية إلى ما تقدم من عادة
أمثال مماليك الموالي من أهل بلاده ، ولو كان السيد ممن يتنعم في الطعام والإدام
والكسوة استحب له التوسعة على مملوكه كذلك.
وروي عنه (1) صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «إخوانكم
حولكم جعلهم الله تحت أيديكم ، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل ، ويلبسه
مما يلبس».
قال في المسالك بعد نقله : أنه محمول على الاستحباب ، أو
على أن الخطاب للعرب الذين مطاعمهم وملابسهم متقاربة ، أو على أنه جواب سائل علم
حاله ، فأجاب على ما اقتضاه الحال كما وقع في كثير من أجوبته صلىاللهعليهوآلهوسلم.
أقول : الظاهر أن الخبر المذكور عامي لعدم وجوده في كتب
أخبارنا كما لا يخفى على من راجعها ، فلا ضرورة إلى ارتكاب هذه التكلفات في تأويله
، ولو امتنع السيد عن الإنفاق عليه خيره الحاكم بين بيعه وبين الإنفاق عليه وجبره
على أحدهما إن لم يكن له مال.
المسألة الثانية : قالوا : يجوز مخارجة المملوك على شيء
فما فضل يكون له ، فإن كفاه لنفقته وإلا أتمه المولى ، والمراد بالخارجة ضرب خراج
معلوم على المملوك يؤديه كل يوم أو كل سنة أو مدة مما يكسبه ، وما فضل عن ذلك الذي
ضربه عليه فإنه يكون للعبد ، وهل للسيد إجبار العبد على ذلك؟ قولان ، اختار في
المسالك الثاني ، ومثله سبطه السيد السند في شرح النافع ، وعلله بأنه يملك
استخدامه المعتاد لا تحصيل ذلك القدر المطلوب منه بالكسب.
__________________
(1) صحيح البخاري ج 1 ص 11 ب 22 من الايمان.
واختار العلامة في التحرير جواز إجباره على ذلك إذا لم
يتجاوز بذلك المجهود لأنه يملك منافعه ، فله نقلها إلى غيره بالعوض على كره منه
والمخارجة مثله. قالوا : وإذا وفي وزاد ما يكتسبه فالزيادة مبرة من السيد إلى عبده
وتوسيع عليه.
أقول : هذا مبني على ما هو المشهور بينهم من عدم جواز
ملك العبد ، وفيه ما ستعرفه ـ إن شاء الله ـ في المقام ، وقد تقدم أيضا تحقيق ذلك
في كتاب البيع. والذي وقفت عليه هنا من الأخبار الدالة على مشروعية المخارجة ما رواه
الصدوق في الفقيه (1) عن الحسن بن
محبوب عن عمر بن يزيد في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل أراد
أن يعتق مملوكا له وقد كان مولاه يأخذ منه ضريبة فرضها عليه في كل سنة ورضي بذلك
المولى ، فأصاب المملوك في تجارته مالا سوى ما كان يعطي مولاه من الضريبة ، قال :
فقال : إذا أدى إلى سيده ما كان فرض عليه ، فما اكتسب بعد الفريضة فهو للمملوك. ثم
قال أبو عبد الله عليهالسلام : أليس قد فرض
الله تعالى على العباد فرائض ، فإذا أدوها لم يسألهم عما سواها ، قلت : فللمملوك
أن يتصدق مما اكتسب ويعتق بعد الفريضة التي كان يؤديها إلى سيده؟ قال : نعم وأجر
ذلك له ، قلت : فإن أعتق مملوكا مما كان اكتسب سوى الفريضة لمن يكن ولاء المعتق؟
فقال : يذهب فيتولى من أحب إذا ضمن جريرته ، وعقله كان مولاه وورثه ، قلت : أليس
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : الولاء لمن
أعتق؟ فقال : هذا سائبة لا يكون ولاؤه لعبد مثله ، قلت. فإن ضمن العبد الذي أعتقه
جريرته وحدثه يلزمه ذلك ويكون مولاه ويرثه؟ فقال : لا يجوز ذلك ، لا يرث عبد حرا».
وفي هذا الخبر فوائد عديدة قد ذكرنا وسنذكر ـ إن شاء
الله ـ كلا منها
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 190 ح 1 ، الفقيه ج 3 ص 74 ح 6 ، التهذيب ج 8
ص 224 ح 40 وفيها اختلاف يسير مع ما نقله ـ قدسسره.
في موضعه ، ومن أظهرها دلالة على ملك
العبد لفاضل الضريبة ، كما اخترناه مما قدمنا تحقيقه في كتاب البيع (1) وهو أحد
القولين في المسألة.
ولو قلنا بأنه لا يملك كما هو القول الآخر كان الأمر كما
قدمنا نقله عنهم من أن فاضل الضريبة مبرة من السيد إلى عبده إلا أن النص المذكور
على خلافه.
الموضع الثاني : في نفقة
البهائم المملوكة ، مأكولة كانت أو غير مأكولة ولا خلاف في وجوب نفقتها كما نقله
غير واحد من الأصحاب ، وعلى ذلك تدل الأخبار.
ومنها ما رواه في الكافي (2) عن السكوني عن
أبي عبد الله عليهالسلام» قال : للدابة
على صاحبها ستة حقوق ، لا يحملها فوق طاقتها ، ولا يتخذ ظهرها مجلسا يتحدث عليها ،
ويبدأ بعلفها إذا نزل ، ولا يسمها ، ولا يضربها في وجهها فإنها تسبح ، ويعرض عليها
الماء إذا مر به».
وروى في الفقيه (3) عن السكوني بإسناده قال : «قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : للدابة على
صاحبها خصال ، يبدأ بعلفها إذا نزل ، ويعرض عليها الماء إذا مر به ، ولا يضرب
وجهها فإنها تسبح بحمد ربها ، ولا يقف على ظهرها إلا في سبيل الله ، ولا يحملها
فوق طاقتها ، ولا يكلفها من المشي إلا ما تطيق». إلى غير ذلك من الأخبار.
ويقوم مقام علفها وسقيها تخليتها في المرعى لترعى فيه ،
ويجزي بعلفه كما هو المتعارف في جميع البلدان ، ولو لم يجزها فعلى المالك الإتمام
، ولو امتنع المالك أجبره الحاكم على بيعها أو علفها أو ذبحها لو كانت مأكولة
اللحم ، أو للانتفاع بإهابها ، وإذا لم ينتفع بها بالذبح اجبر على أحد الأمرين.
فوائد:
الأولى : قالوا : لا يجوز تكليف الدابة ما لا تطيقه من
تثقيل الحمل وإدامة
__________________
(1) ج 19 ص 395.
(2) الكافي ج 6 ص 537 ح 1 ، الوسائل ج 8 ص 351 ب 9 ح 6.
(3) الفقيه ج 2 ص 187 ح 1 ، الوسائل ج 8 ص 350 ب 9 ح 1.
الثانية : قالوا : يجوز غصب العلف لإبقائها إذا لم يوجد
غيره ولم يبذله المالك بالعوض ، كما يجوز غصبه كذلك لحفظ نفس الإنسان ، وإن كان
يلزمه المثل أو القيمة.
الثالثة : قالوا : لا يجوز الحلب إذا كان يضر بالبهيمة
لقلة العلف وإن لم يضر ولدها ، وتركه إذا لم يكن في الحلب إضرار بها لما فيه من
تضييع المال والإضرار بالبهيمة. قيل : ويحتمل الوجوب ، ويستحب أن لا يستقصي في
الحلب.
الرابعة : قالوا : ينبغي أن يبقى للنحل شيء من العسل في
الكوارة ، ولو احتاجت إليه كوقت الشتاء وجب إبقاء ما يكفيها عادة ، ويستحب أن يبقى
أكثر من الكفاءة إلا أن يضر بها.
الخامسة : قد صرحوا بأنه حيث إن ديدان القز إنما تعيش
بالتوت ، فعلى مالكها القيام بكفايتها منه وحفظها من التلف ، فإن عن الورق ولم
يعتن بها باع الحاكم من ماله واشترى لها منه ما يكفيها. قال في شرح النافع بعد نقل
ذلك عن جده في المسالك : وهو كذلك ، وإذا جاء وقتها بتخفيف جوزها في الشمس وإن
هلكت تحصيلا للغرض المطلوب منها. قال في شرح النافع : وعليه عمل الناس كافة عصرا
بعد عصر من غير نكير فكان إجماعا ، ويدل عليه قوله تعالى «هُوَ
الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً» (1) أي لأجل انتفاعكم به في دنياكم
ودينكم.
السادسة : ما كان من المال ما لا روح له كالعقار ،
فالمفهوم من كلام الأصحاب أنه لا يجب عمارته ولا زراعة الأرض ، لكنه يكره تركه إذا
أدى إلى الخراب. قال في المسالك : وفي وجوب سقي الزرع والشجرة وحرثه مع الإمكان
قولان ، أشهرهما العدم.
__________________
(1) سورة البقرة ـ آية 29.
ولنقطع الكلام حامدين للملك العلام على جزيل نعمائه
الجسام ، وجميل أياديه العظام ، التي من أهمها الفوز بسعادة الاختتام ، مصلين على
نبيه محمد وآله مصابيح الظلام ، وأركان الإسلام ، وكعبة الاعتصام ، وبدور التمام ،
سائلين منه عزوجل الأمداد
بالتوفيق ، الذي هو خير صاحب ورفيق ، إلى الفوز بإتمام الكتب الباقية ، وأن ينيم
عني عيون العوائق ، ويجعلني في درعه الحصينة الواقية ، وأن يعصمني من زلل الأقدام
، وزيغ الأفهام ، وطغيان الأقلام ، في نعمه منه سبحانه وعافيته ، إنه أكرم مقصود
ومسؤول ، وأجود مرجو ومأمول ، وقد اتفق الفراغ من هذا المجلد وهو المجلد التاسع (1) من كتاب «الحدائق
الناضرة في أحكام العترة الطاهرة» ويتلوه المجلد العاشر (2) في كتاب
الطلاق وما يتبعه من الكتب في اليوم الثاني من شهر جمادى الثانية أحد شهور السنة
الخامسة والثمانين بعد المائة والألف من الهجرة النبوية في الأرض المقدسة كربلاء
المعلى بيد العبد يوسف بن أحمد ابن إبراهيم البحراني جزاه الله تعالى بإحسانه
وجوده وامتنانه ، آمين آمين آمين.
__________________