ج16 - السعي والتقصير
البحث الثالث
والكلام في مقدماته وكيفيته وأحكامه يقتضي بسطه في مطالب
ثلاثة :
الأول ـ في المقدمات
وهي عشرة ، وكلها مندوبة منها الطهارة
، واستحبابها هو الأشهر الأظهر ، وأسنده في المنتهى الى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع
عليه ، بل قال : وهو قول عامة أهل العلم. ونقل عن ابن ابي عقيل انه قال : لا يجوز
الطواف والسعي بين الصفا والمروة إلا بطهارة.
ويدل على القول المشهور أصالة البراءة من ما لم يقم على
وجوبه دليل.
وما رواه الشيخ (قدسسره) في الصحيح عن
معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «لا بأس
ان تقضى المناسك كلها على غير وضوء إلا الطواف ، فان فيه صلاة ، والوضوء أفضل على
كل حال».
__________________
(2) التهذيب ج 5 ص 154 والاستبصار ج 2 ص 241 والفقيه ج 2 ص 250 والوسائل الباب 5 من الوضوء والباب 38 من الطواف والباب 15 من السعي.
وفي الصحيح عن رفاعة بن موسى (1) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام): أشهد شيئا
من المناسك وانا على غير وضوء؟ قال : نعم الا الطواف بالبيت ، فان فيه صلاة».
وعن زيد الشحام عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «سألته
عن الرجل يسعى بين الصفا والمروة على غير وضوء. فقال : لا بأس».
وفي الصحيح عن معاوية بن عمار (3) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن امرأة
طافت بالبيت ثم حاضت قبل ان تسعى. قال : تسعى. قال : وسالته عن امرأة طافت بين
الصفا والمروة فحاضت بينهما. قال : تتم سعيها».
وما رواه الصدوق (قدسسره) في الحسن عن
صفوان عن يحيى الأزرق (4) قال : «قلت
لأبي الحسن (عليهالسلام) : الرجل يسعى
بين الصفا والمروة ثلاثة أشواط أو أربعة ثم يبول ، أيتم سعيه بغير وضوء؟ قال : لا
بأس ، ولو أتم نسكه بوضوء كان أحب الي».
ويدل على ما ذهب اليه ابن ابي عقيل ما رواه الكليني (قدسسره) في الموثق عن
ابن فضال (5) قال : «قال
أبو الحسن (عليهالسلام): لا تطوف ولا
تسعى الا على وضوء».
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 15 من السعي.
(3) الوسائل الباب 89 من الطواف والباب 15 من السعي.
(4) الفقيه ج 2 ص 250 والكافي ج 4 ص 438 والتهذيب ج 5 ص 154
والوسائل الباب 15 من السعي.
(5) الكافي ج 4 ص 438 والتهذيب ج 5 ص 154 والوسائل الباب 15 من
السعي.
وعن الحلبي في الصحيح (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن المرأة
تطوف بين الصفا والمروة وهي حائض. قال : لا ان الله (عزوجل) يقول (إِنَّ
الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ)» (2).
وروى علي بن جعفر في كتابه عن أخيه (عليهالسلام) (3) قال : «سألته
عن الرجل يصلح أن يقتضي شيئا من المناسك وهو على غير وضوء قال : لا يصلح الا على
وضوء».
والجواب : الحمل على الاستحباب كما تضمنته جملة من
الاخبار المتقدمة.
ومنها ـ استلام الحجر ، والشرب من زمزم ، والصب على
الجسد من مائها من الدلو المقابل للحجر.
ويدل على هذه الجملة جملة من الاخبار : منها ـ صحيحة
معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «إذا
فرغت من الركعتين فات الحجر الأسود فقبله واستلمه أو أشر إليه ، فإنه لا بد من
ذلك. وقال : ان قدرت ان تشرب من ماء زمزم قبل ان تخرج الى الصفا فافعل. وتقول حين
تشرب : اللهم اجعله علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء وسقم. قال : وبلغنا ان
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قال حين نظر
الى زمزم : لولا أن أشق على أمتي لأخذت منه ذنوبا أو ذنوبين».
__________________
(1) الوسائل الباب 87 من الطواف والباب 15 من السعي. راجع
التعليقة في الوسائل الحديثة.
(2) سورة البقرة الآية 158.
(3) الوسائل الباب 15 من السعي.
(4) الوسائل الباب 2 من السعي.
قال في الوافي (1) : الذنوب بفتح المعجمة : الدلو
الملأى ماء ، والمراد بأخذها أما استعمالها جميعا في الشرب والصب أو استصحابها معه
الى بلده.
وعن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «إذا
فرغ الرجل من طوافه وصلى ركعتين ، فليأت زمزم وليستق منها ذنوبا أو ذنوبين ،
وليشرب منه ، وليصب على رأسه وظهره وبطنه ، ويقول : اللهم اجعله علما نافعا ورزقا
واسعا وشفاء من كل داء وسقم. ثم يعود الى الحجر الأسود».
وروى الشيخ (قدسسره) في الصحيح عن
ابن ابي عمير عن حفص بن البختري عن ابي الحسن (عليهالسلام) وابن ابي
عمير عن حماد عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «يستحب
ان تستقي من ماء زمزم دلوا أو دلوين فتشرب منه وتصب على رأسك وجسدك ، وليكن ذلك من
الدلو الذي بحذاء الحجر».
ومنها ـ الخروج الى الصفا من الباب المقابل للحجر على
سكينة ووقار. ويدل عليه ما رواه في الكافي (4) في الصحيح عن صفوان بن يحيى عن عبد
الحميد بن سعيد قال : «سألت أبا إبراهيم (عليهالسلام) عن باب الصفا
، قلت : ان أصحابنا قد اختلفوا فيه ، بعضهم يقول الذي يلي
__________________
(1) باب (استلام الحجر والشرب من زمزم).
(2) الكافي ج 4 ص 430 والتهذيب ج 5 ص 144 والوسائل الباب 2 من
السعي.
(3) التهذيب ج 5 ص 145 والوسائل الباب 2 من السعي.
(4) ج 4 ص 432 والوسائل الباب 3 من السعي.
السقاية ، وبعضهم يقول الذي يلي
الحجر. فقال : هو الذي يلي الحجر ، والذي يلي السقاية محدث صنعه داود أو فتحه داود».
ورواه الصدوق (قدسسره) بإسناده عن
صفوان (1).
وعن معاوية بن عمار في الصحيح عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) «ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) حين فرغ من
طوافه وركعتيه قال : ابدأوا بما بدأ الله (عزوجل) به من إتيان الصفا ، ان الله (عزوجل)
يقول (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ) (3) قال أبو عبد
الله (عليهالسلام): ثم اخرج الى
الصفا من الباب الذي خرج منه رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وهو الباب
الذي يقابل الحجر الأسود حتى تقطع الوادي وعليك السكينة والوقار. الحديث».
قال في المدارك : واعلم ان الباب الذي خرج منه رسول الله
(صلىاللهعليهوآله) قد صار الآن
في داخل المسجد باعتبار توسعته. لكن قال الشهيد (قدسسره) في الدروس :
انه معلم بأسطوانتين معروفتين فليخرج من بينهما. قال والظاهر استحباب الخروج من
الباب الموازي لهما. انتهى. ونحو ذلك قال في المسالك.
ومنها ـ استحباب الصعود على الصفا حتى يرى البيت ،
واستقبال الركن الذي فيه الحجر ، والدعاء بالمأثور ، والتكبير والتهليل والتحميد
والتسبيح
__________________
(1) الفقيه ج 2 ص 256 والتهذيب ج 5 ص 145 والوسائل الباب 3 من
السعي.
(2) الكافي ج 4 ص 431 والتهذيب ج 5 ص 145 و 146 والوسائل الباب
3 و 6 و 4 من السعي.
(3) سورة البقرة الآية 158.
مائة مائة ، والوقوف بقدر قراءة سورة
البقرة.
ويدل على ذلك ما رواه في الكافي في الصحيح عن معاوية بن
عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) في حديث قال :
«فاصعد على الصفا حتى تنظر الى البيت وتستقبل الركن الذي فيه الحجر الأسود ، فاحمد
الله (عزوجل) وأثن عليه ، ثم اذكر من الآية وبلائه وحسن ما صنع إليك ما قدرت على
ذكره ، ثم كبر الله (تعالى) سبعا واحمده سبعا ، وهلله سبعا ، وقل : لا إله إلا
الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيى ويميت ، وهو حي لا يموت وهو على
كل شيء قدير (ثلاث مرات) ، ثم صل على النبي (صلىاللهعليهوآله) وقل : الله
أكبر الحمد لله على ما هدانا ، والحمد لله على ما أولانا ، والحمد لله الحي القيوم
والحمد لله الحي الدائم (ثلاث مرات) ، وقل : اشهد ان لا إله إلا الله ، واشهد ان
محمدا عبده ورسوله ، لا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره المشركون (ثلاث
مرات) اللهم إني أسألك العفو والعافية واليقين في الدنيا والآخرة (ثلاث مرات)
اللهم (آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً
وَقِنا عَذابَ النّارِ) (ثلاث مرات) ثم
كبر الله مائة مرة ، وهلله مائة مرة ، واحمده مائة مرة ، وسبحه مائة مرة ، وتقول :
لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وغلب الأحزاب وحده ، فلن الملك وله
الحمد وحده وحده ، اللهم بارك لي في الموت وفي ما بعد الموت ، اللهم إني أعوذ بك
من ظلمة القبر ووحشته ، اللهم أظلني في ظل عرشك يوم لا ظل الا ظلك. وأكثر من ان
تستودع ربك دينك ونفسك وأهلك. ثم تقول : استودع الله
__________________
(1) الكافي ج 4 ص 431 والتهذيب ج 5 ص 145 و 146 والوسائل الباب
3 و 6 و 4 من السعي.
الرحمن الرحيم الذي لا تضيع ودائعه
ديني ونفسي وأهلي ، اللهم استعملني على كتابك وسنة نبيك (صلىاللهعليهوآله) وتوفني على
ملته وأعذني من الفتنة. ثم تكبر ثلاثا ثم تعيدها مرتين ثم تكبر واحدة ثم تعيدها ،
فان لم تستطع هذا فبعضه. وقال أبو عبد الله (عليهالسلام) : ان رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) كان يقف على
الصفا بقدر ما يقرأ سورة البقرة مترسلا».
قال في المدارك : والظاهر ان المراد بقوله : «فاصعد على
الصفا حتى تنظر الى البيت وتستقبل الركن الذي فيه الحجر الأسود فاحمد الله.» الأمر
بالصعود والنظر الى البيت واستقبال الركن لا الصعود الى ان يرى البيت لأن رؤية
البيت لا تتوقف على الصعود ، ولصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (1) قال : «سألت
أبا الحسن (عليهالسلام) عن النساء
يطفن على الإبل والدواب أيجزئهن ان يقفن تحت الصفا والمروة؟ فقال : نعم بحيث يرين
البيت». وبما ذكرناه افتى الشيخ في النهاية ، فقال : إذا صعد على الصفا نظر الى
البيت واستقبل الركن الذي فيه الحجر وحمد الله (تعالى). وذكر الشارح ان المستحب
الصعود على الصفا بحيث يرى البيت ، وان ذلك يحصل بالدرجة الرابعة. وهو غير واضح.
انتهى.
أقول : ويؤيد ما ذكره (قدسسره) من استحباب
رؤية البيت والنظر إليه مرفوعة علي بن النعمان الآتية :
وروى في الكافي (2) عن علي بن النعمان يرفعه قال : «كان
__________________
(1) الوسائل الباب 17 من السعي.
(2) ج 4 ص 432 والتهذيب ج 5 ص 147 والوسائل الباب 4 من السعي.
أمير المؤمنين (عليهالسلام) إذا صعد
الصفا استقبل الكعبة ثم رفع يديه ثم يقول : اللهم اغفر لي كل ذنب أذنبته قط ، فان
عدت فعد علي بالمغفرة فإنك أنت الغفور الرحيم ، اللهم افعل بي ما أنت أهله ، فإنك
ان تفعل بي ما أنت أهله ترحمني ، وان تعذبني فأنت غني عن عذابي وانا محتاج الى
رحمتك ، فيا من انا محتاج الى رحمته ارحمني ، اللهم لا تفعل بي ما أنا أهله فإنك
ان تفعل بي ما أنا أهله تعذبني ولن تظلمني ، أصبحت اتقي عدلك ولا أخاف جورك ، فيا
من هو عدل لا يجور ارحمني».
قال في الوافي (1) بعد نقل هذا الخبر : قال في القاموس
: قط تختص بالنفي ماضيا والعامة تقول : «لا افعله قط» وهو لحن ، وفي مواضع من
البخاري جاء بعد المثبت : منها ـ في صلاة الكسوف (2) «أطول صلاة
صليتها قط» وأثبته ابن مالك في الشواهد لغة ، قال : وهي من ما خفي على كثير من
النحاة أقول : فلأمير المؤمنين (عليهالسلام) أسوة بالنبي (صلىاللهعليهوآله) في استعمالها
بعد المثبت ، وهما أفصح الناس (صلوات الله عليهما) (3).
والظاهر انه لو لم يتمكن من الإطالة والإتيان بالموظف
اتى بما يتيسر له
__________________
(1) باب (الخروج الى الصفا والوقوف عليه).
(2) اللفظ في القاموس كما حكاه في الوافي ، وفي البخاري باب (الذكر
في الكسوف) ج 2 ص 46 و 47 هكذا : «خسفت الشمس فقام النبي (ص) فزعا يخشى ان تكون
الساعة فاتى المسجد فصلى بأطول قيام وركوع وسجود رأيته قط يفعله» وفي عبارة
القاموس الاستشهاد بما رواه أبو داود في السنن ـ ج 1 ص 41 مع حاشية عون المعبود ـ :
«توضأ ثلاثا قط».
(3) انتهى كلام صاحب الوافي.
ويدل على ذلك ما رواه في الكافي في الصحيح عن جميل (1) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) : هل من دعاء
موقت أقوله على الصفا والمروة؟ فقال : تقول إذا صعدت على الصفا : لا إله إلا الله
وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيى ويميت ، وهو على كل شيء قدير. ثلاث
مرات».
وعن محمد بن عمر بن يزيد عن بعض أصحابه (2) قال : «كنت
وراء ابي الحسن موسى (عليهالسلام) على الصفا أو
على المروة وهو لا يزيد على حرفين : اللهم إني أسألك حسن الظن بك على كل حال وصدق
النية في التوكل عليك».
وعن ابي الجارود عن ابي جعفر (عليهالسلام) (3) قال : «ليس
على الصفا شيء موقت».
وقد روى ان طول الوقوف على الصفا يوجب زيادة المال ،
رواه في الكافي عن الحسن بن علي بن الوليد رفعه عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «من
أراد ان يكثر ماله فليطل الوقوف على الصفا والمروة».
وروى في التهذيب عن حماد المنقري (5) قال : «قال لي
أبو عبد الله (عليهالسلام): ان أردت أن
يكثر مالك فأكثر الوقوف على الصفا».
__________________
(1) الكافي ج 4 ص 432 والوسائل الباب 5 من السعي.
(2) الكافي ج 4 ص 433 والتهذيب ج 5 ص 148 والوسائل الباب 5 من
السعي.
(3 و 4 و 5) الوسائل الباب 5 من السعي.
المطلب الثاني في الكيفية
وهي تشتمل على الواجب والمستحب ، فالواجب أربعة :
أحدها ـ النية ، والأمر فيها عندنا سهل. قالوا : ويجب ان
تكون مقارنة للحركة.
ولا يجب الصعود على الصفا إجماعا كما نقله في التذكرة ،
وفي المنتهى انه قول أكثر أهل العلم كافة (1) الا من شذ ممن لا يعتد به. والظاهر
انه أشار به الى بعض العامة. وعلله في التذكرة بأن السعي بين الصفا والمروة يتحقق
بدون ذلك ، بان يلصق عقبيه بالصفا فإذا عاد ألصق أصابعه بموضع العقب. ويدل على ما
ذكره صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمة (2) المتضمنة لطواف النساء على الدواب
وانه يجزئهن ان يقفن تحت الصفا والمروة.
وقال الشهيد (قدسسره) في الدروس :
ان الاحتياط الترقي إلى الدرج وتكفي الرابعة. قال في المدارك : ولا ريب في أولوية
ما ذكره خصوصا مع استحضار النية الى ان يتجاوز الدرج.
أقول : المفهوم من الاخبار ان الأمر أوسع من ذلك ، فإن
السعي على الإبل الذي دلت عليه الاخبار ، وان النبي (صلىاللهعليهوآله) كان يسعى على
ناقته (3) لا يتفق فيه
هذا التضييق من جعل عقبه ملصقة بالصفا في
__________________
(1) المغني ج 3 ص 404 طبع مطبعة المنار.
(2) ص 262.
(3) الوسائل الباب 81 من الطواف والباب 16 من السعي. واللفظ :
«طاف
على راحلته. وسعى عليها بين الصفا والمروة».
الابتداء وأصابعه يلصقها بالصفا موضع
العقب بعد العود فضلا عن ركوب الدرج ، بل يكفى فيه الأمر العرفي ، فإنه يصدق
بالقرب من الصفا والمروة وان كان بدون هذا الوجه الذي ذكروه. وقوله في المدارك : «خصوصا
مع استحضار النية الى ان يتجاوز الدرج» من ما ينبه على ان مرادهم بالنية انما هو
الحديث النفسي والتصوير الفكري كما تقدم تحقيقه ، وبينا انه ليس هو النية حقيقة.
وثانيها وثالثها ـ البدأة بالصفا والختم بالمروة ، وهو
قول كافة أهل العلم من الخاصة والعامة (1) والنصوص به مستفيضة (2) وستأتي جملة
منها في الباب ، ومنها ـ قوله (عليهالسلام) في موثقة
معاوية بن عمار (3) : «تبدأ
بالصفا وتختم بالمروة ثم قصر. الحديث». ومنها ـ صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة (4) المتضمنة ان
النبي (صلىاللهعليهوآله) قال حين فرغ
من طوافه وركعتيه : ابدأوا بما بدأ الله به من إتيان الصفا. الحديث.
ويدل على ذلك الأخبار الدالة على ان من بدأ بالمروة أعاد
عامدا كان أو ناسيا أو جاهلا (5) وما ذلك الا
لعدم إتيانه بالمأمور به على وجهه.
ومن الاخبار في ذلك ما رواه الشيخ (قدسسره) في الصحيح عن
__________________
(1) المغني ج 3 ص 406 طبع مطبعة المنار.
(2) الوسائل الباب 6 و 10 من السعي.
(3) الوسائل الباب 6 من السعي.
(4) ص 260.
(5) الوسائل الباب 10 من السعي.
معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «من بدأ
بالمروة قبل الصفا فليطرح ما سعى ويبدأ بالصفا قبل المروة».
وعن معاوية بن عمار في الصحيح عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) في حديث قال :
«وان بدأ بالمروة فليطرح ما سعى ويبدأ بالصفا».
وعن علي بن أبي حمزة (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل بدأ
بالمروة قبل الصفا. قال : يعيد ، الا ترى انه لو بدأ بشماله قبل يمينه في الوضوء.
أراد ان يعيد الوضوء».
وعن علي الصائغ (4) قال : «سئل أبو عبد الله (عليهالسلام) وانا حاضر عن
رجل بدأ بالمروة قبل الصفا. قال : يعيد ، الا ترى انه لو بدأ بشماله قبل يمينه كان
عليه ان يبدأ بيمينه ثم يعيد على شماله».
ورابعها ـ ان يسعى سبعا يحسب ذهابه شوطا وعوده آخر ، وهو
قول علمائنا اجمع كما ذكره في المنتهى ، بل قول كافة أهل العلم الا من شذ منهم كما
نقله في المنتهى.
وعليه تدل الأخبار ، ومنها ـ ما رواه الشيخ (قدسسره) في الصحيح عن
معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (5) انه قال :
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 10 من السعي.
(3) الوسائل الباب 10 من السعي. وفي التعليقة (2) في الكافي ج
4 ص 426 قوله : «أراد ان يعيد الوضوء» من كلام الراوي.
(4) الوسائل الباب 10 من السعي.
(5) الكافي ج 4 ص 434 و 435 والتهذيب ج 5 ص 148 والوسائل الباب
6 من السعي.
«وطف بينهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا
وتختم بالمروة».
وما رواه في الصحيح عن هشام بن سالم (1) قال : «سعيت
بين الصفا والمروة انا وعبيد الله بن راشد ، فقلت له : تحفظ علي. فجعل يعد ذاهبا
وجائيا شوطا واحدا فبلغ مثل ذلك ، فقلت له : كيف تعد؟ قال : ذاهبا وجائيا شوطا
واحدا. فأتممنا أربعة عشر شوطا ، فذكرنا ذلك لأبي عبد الله (عليهالسلام) فقال : قد
زادوا على ما عليهم ليس عليهم شيء».
ويجب في السعي الذهاب في الطريق المعهود ، فلو اقتحم
المسجد الحرام ثم خرج من باب آخر لم يجزئ. قال في الدروس : وكذا لو سلك سوق الليل
قالوا : ومن الواجبات ايضا استقبال المطلوب بوجهه ، فلو مشى القهقرى لم يجزئ لأنه
خلاف المعهود. وهو جيد.
وانها ها شيخنا الشهيد في الدروس إلى عشرة ، وهو الستة
المذكورة هنا ، والمقارنة لوقوفه على الصفا في أي جزء منه ، ووقوعه بعد الطواف ،
فلو وقع قبله بطل مطلقا الا طواف النساء وعند الضرورة ، وإكمال الشوط وهو من الصفا
إلى المروة ، فلو نقص من المسافة شيء بطل وان قل ، وعدم الزيادة على السبعة ، فلو
زاد عمدا بطل ، ولو كان ناسيا تخير بين القطع وإكمال أسبوعين ، والموالاة المعتبرة
في الطواف عند المفيد وسلار والحلبي ، وظاهر الأكثر والاخبار البناء مطلقا. وظاهر
كلامه عد البدأة بالصفا والختم بالمروة واحدا لا اثنين كما ذكرناه ، فلا يتوهم
المنافاة في ما نقلناه عنه.
واما ما يستحب فيه فأربعة ايضا أحدها ـ ان يكون ماشيا فلو
سعى راكبا جاز.
__________________
(1) الوسائل الباب 11 من السعي.
ويدل عليه صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمة قريبا (1) وما رواه ابن
بابويه في الصحيح عن معاوية بن عمار (2) قال : «قلت له : المرأة تسعى بين
الصفا والمروة على دابة أو على بعير؟ فقال : لا بأس بذلك قال : وسالته عن الرجل
يفعل ذلك. قال : لا بأس به ، والمشي أفضل».
وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابي
عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «سالته
عن السعي بين الصفا والمروة على الدابة. قال : نعم ، وعلى المحمل».
وعن حجاج الخشاب (4) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يسأل زرارة
فقال : اسعيت بين الصفا والمروة؟ فقال : نعم. قال : وضعفت؟ قال : لا والله لقد
قويت. قال : فان خشيت الضعف فاركب فإنه أقوى لك على الدعاء».
ويستفاد من هذا الخبر أفضلية الركوب مع الضعف بالمشي عن
الدعاء وان كان مكروها بدون ذلك ، كما تقدم في صحيحة معاوية بن عمار ، فلا منافاة
بين الخبرين.
وروى الصدوق (قدسسره) في الصحيح عن
محمد بن مسلم (5). قال : «سمعت
أبا جعفر (عليهالسلام) يقول : حدثني
ابي ان رسول الله
__________________
(1) ص 262.
(2) الفقيه ج 2 ص 257 والتهذيب ج 5 ص 155 والوسائل الباب 16 من
السعي.
(3) الوسائل الباب 16 من السعي.
(4 و 5) الوسائل الباب 16 من السعي.
(صلىاللهعليهوآله) طاف على
راحلته واستلم الحجر بمحجنه ، وسعى عليها بين الصفا والمروة».
وثانيها وثالثها ورابعها ـ المشي طرفيه ، والهرولة ما
بين المنارة وزقاق العطارين والدعاء حالته.
ويدل على ذلك ما رواه
الكليني (قدسسره) في الصحيح أو
الحسن عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «انحدر
من الصفا ماشيا إلى المروة وعليك السكينة والوقار حتى تأتي المنارة وهي طرف المسعى
، فاسع ملء فروجك ، وقل : بسم الله والله أكبر ، وصلى الله على محمد وأهل بيته ،
اللهم اغفر وارحم وتجاوز عن ما تعلم وأنت الأعز الأكرم. حتى تبلغ المنارة الأخرى ،
فإذا جاوزتها فقل : يا ذا المن والفضل والكرم والنعماء والجود والوقار حتى تأتي
المروة ، فاصعد عليها حتى يبدو لك البيت ، واصنع عليها كما صنعت على الصفا وطف
بينهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا وتختم بالمروة».
قوله (عليهالسلام) : «فاسع ملء
فروجك» جمع فرج وهو ما بين الرجلين ، يقال للفرس : ملأ فرجه وفروجه إذا عدا وأسرع
، ومنه سمى فرج الرجل والمرأة ، لأنه ما بين الرجلين.
وروى الشيخ (قده) في الموثق عن معاوية بن عمار عن ابي
عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «ثم
انحدر ماشيا وعليك السكينة والوقار حتى تأتي المنارة ـ وهي
__________________
(1) الكافي ج 4 ص 434 و 435 والوسائل الباب 6 من السعي.
(2) التهذيب ج 5 ص 148 والوسائل الباب 6 من السعي.
طرف المسعى ـ فاسع ملء فروجك ، وقل :
بسم الله والله أكبر ، وصلى الله على محمد وآله ، وقل : اللهم اغفر وارحم واعف عن
ما تعلم انك أنت الأعز الأكرم. حتى تبلغ المنارة الأخرى. قال : وكان المسعى أوسع
من ما هو اليوم ولكن الناس ضيقوه. ثم امش وعليك السكينة والوقار حتى تأتي المروة ،
فاصعد عليها حتى يبدو لك البيت فاصنع عليها كما صنعت على الصفا. ثم طف بينهما سبعة
أشواط تبدأ بالصفا وتختم بالمروة. ثم قص من رأسك. الحديث». وسيأتي تمامه
ان شاء الله تعالى.
وروى في الكافي والتهذيب في الموثق عن سماعة (1) قال : «سالته
عن السعي بين الصفا والمروة. قال : إذا انتهيت الى الدار التي على يمينك عند أول
الوادي فاسع حتى تنتهي إلى أول زقاق عن يمينك بعد ما تجاوز الوادي إلى المروة ،
فإذا انتهيت اليه فكف عن السعي وامش مشيا ، وإذا جئت من عند المروة فابدأ من عند
الزقاق الذي وصفت لك ، فإذا انتهيت الى الباب الذي من قبل الصفا بعد ما تجاوز الوادي
فاكفف عن السعي وامش مشيا وانما السعي على الرجال وليس على النساء سعي».
أقول : المراد بالسعي الهرولة وهو الإسراع في السير دون
العدو وهو المشار إليه في الخبرين المتقدمين بقوله : «فاسع ملء فروجك».
وروى في الكافي (2) عن غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه (عليهماالسلام)
__________________
(1) الكافي ج 4 ص 434 والتهذيب ج 5 ص 148 والوسائل الباب 6 من
السعي.
(2) الكافي ج 4 ص 434 والتهذيب ج 5 ص 149 والوسائل الباب 6 من
السعي. راجع التعاليق في التهذيب الطبع الحديث.
قال : «كان ابي يسعى بين الصفا
والمروة ما بين باب ابن عباد الى ان يرفع قدميه من المسيل لا يبلغ زقاق آل ابي
حسين».
وعن علي بن أسباط عن مولى لأبي عبد الله (عليهالسلام) من أهل
المدينة (1) قال : «رأيت
أبا الحسن (عليهالسلام) يبتدئ بالسعي
من دار القاضي المخزومي ويمضى كما هو الى زقاق العطارين».
فروع
الأول ـ قال الشيخ (قدسسره) : لو نسي
الرمل حال السعي حتى يجوز موضعه وذكر ، فليرجع القهقرى الى المكان الذي يرمل فيه.
أقول : ويدل عليه ما رواه الشيخ
والصدوق مرسلا عن ابي عبد الله وابي الحسن (عليهماالسلام) (2) انهما قالا : «من
سها عن السعي حتى يصير من السعي على بعضه أو كله ثم ذكر ، فلا يصرف وجهه منصرفا
ولكن يرجع القهقرى الى المكان الذي يجب فيه السعي».
ولو تركه اختيارا فلا شيء عليه ، ويدل عليه ما رواه في
الكافي عن سعيد الأعرج في الصحيح (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل ترك
شيئا من الرمل في سعيه بين الصفا والمروة. قال : لا شيء عليه».
__________________
(1) الوسائل الباب 6 من السعي.
(2) الفقيه ج 2 ص 308 والتهذيب ج 5 ص 453 والوسائل الباب 9 من
السعي.
(3) الوسائل الباب 9 من السعي.
الثاني ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه
يجوز الجلوس في أثناء السعي للراحة.
وعليه تدل صحيحة الحلبي (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل
يطوف بين الصفا والمروة أيستريح؟ قال : نعم ان شاء جلس على الصفا والمروة وبينهما
فيجلس».
وصحيحة علي بن رئاب (2) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) : الرجل يعيي
في الطواف ، إله أن يستريح؟ قال : نعم يستريح ثم يقوم فيبني على طوافه ، في فريضة
أو غيرها. ويفعل ذلك في سعيه وجميع مناسكه».
ونقل عن الحلبيين انهما منعا من الجلوس بين الصفا
والمروة إلا مع الإعياء والجهد.
ويدل على ما ذكراه ما رواه الصدوق في الصحيح عن عبد
الرحمن بن ابي عبد الله عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «لا
يجلس بين الصفا والمروة الا من جهد».
قال في المدارك ـ بعد ان استدل للقول المشهور بالروايتين
وأورد هذه الرواية دليلا لهما ـ ما لفظه : والجواب بالحمل على الكراهة جمعا بين
الأدلة. انتهى.
أقول : اما صحيحة علي بن رئاب المذكورة فإنها ان لم تدل
على ما ذكراه فلا تدل على خلافه ، لأن السؤال وقع فيها عن الرجل يعيي في الطواف
__________________
(1) الفروع ج 4 ص 437 والتهذيب ج 5 ص 156 والوسائل الباب 20 من
السعي.
(2) الوسائل الباب 46 من الطواف.
(3) الوسائل الباب 20 من السعي.
أو السعي ، وهذه هي الصورة التي جوزا
فيها الاستراحة. وأما صحيحة الحلبي فهي مطلقة يمكن تقييد إطلاقها بهاتين الصحيحتين
الظاهرتين في مذهبهما وبالجملة فمذهبهما لا يخلو من قوة ، لما عرفت. والاحتياط
يقتضي ترك الاستراحة إلا مع الإعياء والجهد. والله العالم.
الثالث ـ قال في المنتهى : ليس على النساء رمل ، ولا
صعود على الصفا ولا على المروة ، لأن في ذلك ضررا عليهن من حيث مزاحمة الرجال. ولأن
ترك ذلك كله استر لهن فكان اولى من فعله.
أقول : لا يخفى ما في هذه التعليلات العليلة من عدم
الصلوح لتأسيس الأحكام الشرعية ، ولا يخفى أن مزاحمة الرجال في الطواف أعظم
والأولى في الاستدلال على عدم استحباب الرمل لهن ما تقدم في موثقة سماعة من قوله (عليهالسلام): «وانما
السعي على الرجال وليس على النساء سعي». فإن السعي في الخبر المذكور كما عرفت
عبارة عن الرمل ، وفي رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (1) في حديث قال :
«ليس على النساء سعي بين الصفا والمروة ، يعني : الهرولة». وفي رواية فضالة بن
أيوب عن من حدثه عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (2) : «ان الله
وضع عن النساء أربعا. وعد منهن السعي بين الصفا والمروة».
وروى الصدوق (قدسسره) مرسلا (3) قال : «قال
الصادق (عليهالسلام)
__________________
(1) الوسائل الباب 18 من الطواف والباب 21 من السعي.
(2) الوسائل الباب 38 من الإحرام والباب 21 من السعي.
(3) الوسائل الباب 21 من السعي. راجع الحديث 5 من الباب 41 من
مقدمات الطواف وتعليقته في الوسائل الحديثة.
ليس على النساء أذان. الى ان قال :
ولا الهرولة بين الصفا والمروة». الى غير ذلك من الأخبار.
واما الصعود على الصفا فالأخبار الواردة به وان كان
موردها الرجال كسائر الأحكام الا انه لا يظهر منها الاختصاص بهم ليكون ذلك ساقطا
عن النساء.
الرابع ـ لو سعى راكبا استحب له ان يحرك دابته شيئا.
ويدل عليه صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «ليس
على الراكب سعى ولكن ليسرع شيئا».
(المطلب الثالث)
في الأحكام وفيه مسائل :
المسألة الأولى ـ السعي ركن فمن تركه عامدا بطل حجه ،
وهو مجمع عليه بين علمائنا كما حكاه في التذكرة والمنتهى. ويدل عليه جملة من
الاخبار :
فأما ما يدل على وجوبه وفرضه فهو ما رواه في الكافي (2) في الحسن عن
الحسن بن علي الصيرفي عن بعض أصحابنا قال : «سئل أبو عبد الله (عليهالسلام) عن السعي بين
الصفا والمروة فريضة أو سنة؟ فقال : فريضة. قلت : أو ليس إنما قال الله (عزوجل): (فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ
__________________
(1) الوسائل الباب 17 من السعي.
(2) ج 4 ص 435 والتهذيب ج 5 ص 149 والوسائل الباب 1 من السعي.
يَطَّوَّفَ بِهِما) (1) قال : كان ذلك
في عمرة القضاء ، ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) شرط عليهم ان
يرفعوا الأصنام عن الصفا والمروة ، فتشاغل رجل وترك السعي حتى انقضت الأيام وأعيدت
الأصنام فجاءوا اليه فقالوا : يا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ان فلانا لم
يسع بين الصفا والمروة وقد أعيدت الأصنام ، فأنزل الله (عزوجل) (فَلا
جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) (2) اي : وعليهما
الأصنام».
قال في الوافي (3) : بيان : يعني : شرط على المشركين ان
يرفعوا أصنامهم التي كانت على الصفا والمروة حتى تنقضي أيام المناسك ثم يعيدوها
فتشاغل رجل من المسلمين عن السعي ففاته السعي حتى انقضت الأيام وأعيدت الأصنام
فزعم المسلمون عدم جواز السعي حال كون الأصنام على الصفا والمروة.
وعن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (4) في حديث قال :
«السعي بين الصفا والمروة فريضة». وروى الصدوق (قدسسره) في الصحيح عن
زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (5) في حديث قصر
الصلاة «قال (عليهالسلام) : أو ليس قال
الله (عزوجل): (إِنَّ
الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ
فَلا جُناحَ عَلَيْهِ
__________________
(1 و 2) سورة البقرة الآية 158.
(3) باب (السعي بين الصفا والمروة).
(4) الوسائل الباب 1 من السعي.
(5) الفقيه ج 1 ص 278 و 279 والوسائل الباب 1 من السعي.
أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) (1) الا ترون ان
الطواف بهما واجب مفروض ، لأن الله (عزوجل) قد ذكره في كتابه وصنعه نبيه صلىاللهعليهوآله».
واما ما يدل على بطلان الحج بتركه عمدا فهو ما رواه ثقة
الإسلام في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (2) «في رجل ترك
السعي متعمدا؟ قال : عليه الحج من قابل».
وفي الصحيح ايضا عنه (3) قال : «قال أبو عبد الله : (عليهالسلام) من ترك السعي
متعمدا فعليه الحج من قابل».
وعنه أيضا في الصحيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (4) في حديث انه
قال «في رجل ترك السعي متعمدا؟ قال : لا حج له».
وإطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في الوجوب
والابطال بين كون السعي في الحج أو العمرة.
هذا في ما لو تركه عامدا ، اما لو كان ناسيا وجب عليه
الإتيان به بعد الذكر فان خرج عاد اليه وان تعذر استناب فيه.
اما وجوب الإتيان به بعد الذكر والعود اليه مع الإمكان
فظاهر ، لتوقف الامتثال والخروج عن عهدة الخطاب عليه.
ويدل عليه ايضا ما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن
معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (5) قال : «قلت :
فرجل نسي السعي بين الصفا والمروة؟ قال : يعيد السعي. قلت : فاته ذلك حتى خرج؟
__________________
(1) سورة البقرة الآية 158.
(2 و 3 و 4) الوسائل الباب 7 من السعي.
(5) الكافي ج 4 ص 484 والوسائل الباب 8 من السعي.
قال : يرجع فيعيد السعي ، ان هذا ليس
كرمي الجمار ان الرمي سنة والسعي بين الصفا والمروة فريضة».
ورواه الشيخ (قدسسره) في الصحيح عن
معاوية بن عمار ايضا (1) وزاد في آخره
: «وقال في رجل ترك السعي متعمدا؟ قال : لا حج له».
واما الاستنابة فيه فلما رواه الشيخ (قدسسره) في التهذيب
عن الشحام عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «سألته
عن رجل نسي أن يطوف بين الصفا والمروة حتى يرجع الى أهله. فقال : يطاف عنه». والرواية
وان كانت مطلقة الا ان طريق الجمع بينها وبين صحيحة معاوية المتقدمة حمل تلك على
إمكان الرجوع وهذه على تعذره.
ومثل هذه الرواية أيضا ما رواه الصدوق (قدسسره) في الصحيح عن
العلاء عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) (3) قال : «سالته
عن رجل نسي أن يطوف بين الصفا والمروة. قال : يطاف عنه».
المسألة الثانية ـ المعروف من مذهب الأصحاب (رضوان الله
عليهم) أنه لا يجوز في السعي الزيادة على السبعة متعمدا فلو زاد كذلك بطل طوافه.
ويدل عليه ما رواه الشيخ (قدسسره) في الصحيح عن
صفوان عن عبد الله بن محمد عن أبي الحسن (عليهالسلام) (4) قال : «الطواف
المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة فإذا زدت عليها فعليك الإعادة
__________________
(1) التهذيب ج 5 ص 150 والوسائل الباب 8 والباب 7 من السعي
الرقم 3.
(2) الوسائل الباب 8 من السعي.
(3) الوسائل الباب 8 من السعي عن الفقيه والتهذيب.
(4) الوسائل الباب 12 من السعي.
وكذا السعي».
وما رواه الشيخ (قدسسره) في الصحيح عن
معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «ان طاف
الرجل بين الصفا والمروة تسعة أشواط فليسع على واحد وليطرح ثمانية ، وان طاف بين
الصفا والمروة ثمانية أشواط فليطرحها وليستأنف السعي. الحديث».
أقول : وفقه هذا الحديث انه إذا طاف تسعة عامدا ـ كما هو
المفروض ـ فقد بطلت السبعة بالزيادة عليها شوطا ثامنا ، والشوط الثامن لا يمكن ان
يعتد به لبدء سعي جديد ، لأن ابتداءه يكون من المروة فيبطل ايضا ، واما التاسع فهو
لخروجه عن الأشواط الباطلة وكون مبدأه من الصفا يمكن ان يعتد به ويبنى عليه سعيا
جديدا ، ولهذا قال : «فليسع على واحد وليطرح ثمانية» ، وان طاف ثمانية خاصة فقد
عرفت الوجه في بطلان الجميع ، فلهذا أمر في آخر الخبر بان يطرحها ويستأنف. فالخبر
ـ كما ترى ـ ظاهر الدلالة في الإبطال بالزيادة على السبعة ، وهو صحيح السند.
وبذلك يظهر ما في كلام السيد السند (قدسسره) في المدارك ،
حيث انه لم يورد دليلا على الحكم المذكور إلا رواية عبد الله بن محمد المذكورة
واعترضها بأنها ضعيفة السند باشتراك الراوي بين الثقة وغيره. ويمكن دفعه (أولا)
بأن الراوي عنه وهو صفوان ممن اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه والسند الى
صفوان صحيح ، فيكون الحديث صحيحا وان ضعف المروي عنه. و (ثانيا) بان ضعفها مجبور
بعمل الأصحاب (رضوان الله عليهم) بها ، إذ لا مخالف في الحكم كما اعترف به في صدر
__________________
(1) الوسائل الباب 12 من السعي.
كلامه ، فقال بعد نقل عبارة المصنف
الدالة على الإبطال بالزيادة عمدا : هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب (رضوان
الله عليهم). هذا مع تسليم العمل بهذا الاصطلاح وقطع النظر عن الصحيحة التي
أوردناها ، والا فلا يبقى للتردد مجال في المقام.
هذا مع كون الزيادة عمدا اما لو كانت سهوا فقد ذكر
الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه يتخير بين إلغاء الزائد والاعتبار بالسبعة وبين
إكمال أسبوعين فيكون الثاني مستحبا.
اما الأول فيدل عليه ما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح
عن عبد الرحمن ابن الحجاج عن أبي إبراهيم (عليهالسلام) (1) «عن رجل سعى
بين الصفا والمروة ثمانية أشواط ، ما عليه؟ فقال : ان كان خطأ طرح واحدا واعتد
بسبعة». قال في الفقيه (2) : وفي رواية
محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : «يضيف
إليها ستة».
وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن جميل بن دراج (3) قال : «حججنا
ونحن صرورة فسعينا بين الصفا والمروة أربعة عشر شوطا ، فسألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن ذلك ،
فقال : لا بأس سبعة لك وسبعة تطرح».
__________________
(1) الكافي ج 4 ص 436 والفقيه ج 2 ص 257 والتهذيب ج 5 ص 152 و
472 والوسائل الباب 13 من السعي.
(2) ج 2 ص 257 والوسائل الباب 13 من السعي.
(3) الوسائل الباب 13 من السعي.
وعن معاوية بن عمار في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «من طاف
بين الصفا والمروة خمسة عشر شوطا طرح ثمانية واعتد بسبعة. وان بدأ بالمروة فليطرح
وليبدأ بالصفا».
ومثلهما صحيحة هشام بن سالم المتقدمة (2) في أول هذا
المطلب. واما الثاني فتدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) (3) قال : «ان في
كتاب علي (عليهالسلام) : إذا طاف
الرجل بالبيت ثمانية أشواط الفريضة فاستيقن ثمانية أضاف إليها ستا. وكذا إذا
استيقن انه سعى ثمانية أضاف إليها ستا».
أقول : والظاهر ان هذه الرواية هي التي أشار إليها في
الفقيه ، وظاهره ـ بناء على قاعدته المذكورة في صدر كتابه ـ القول بالتخيير كما هو
المذكور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) حيث لم يتعرض للطعن في إحدى
الروايتين.
الا ان صحيحة محمد بن مسلم المذكورة لا تخلو من اشكال (أما
أولا) فلأن السعي ليس مثل الطواف والصلاة عبادة برأسها تقع مستحبة وواجبة ليكون الثاني
نافلة ، فإنا لم نقف في غير هذا الخبر على ما يدل على وقوعه مستحبا ، قال في
المدارك : ولا يشرع استحباب السعي إلا هنا ، ولا يشرع ابتداء مطلقا. و (اما ثانيا)
فمع تسليم وقوعه مستحبا فان اللازم من الطواف ثمانية كون الابتداء بالثامن من
المروة فكيف يجوز ان يعتد به
__________________
(1) الوسائل الباب 13 و 10 من السعي.
(2) ص 268.
(3) الوسائل الباب 34 من الطواف والباب 13 من السعي.
ويبنى عليه سعيا مستأنفا ، مع اتفاق
الاخبار وكلمة الأصحاب على وجوب الابتداء في السعي من الصفا وانه لو بدأ من المروة
وجب عليه الإعادة عامدا كان أو ساهيا كما تقدم.
وبالجملة فالظاهر بناء على ما ذكرناه هو العمل بالأخبار
الأولة من طرح الزائد والاعتداد بالسبعة الأولة ، واما العمل بهذا الخبر فمشكل كما
عرفت والعجب من السيد السند (قدسسره) في المدارك
حيث لم يتنبه لذلك وجمد على موافقة الأصحاب (رضوان الله عليهم) في هذا الباب.
ثم ان الظاهر من رواية جميل ان الجاهل كالناسي في هذا
الحكم ، لظهورها في جهلهم بالحكم يومئذ.
تنبيهات
الأول ـ قالوا : لو تيقن عدد الأشواط وشك في ما به بدأ ،
فإن كان في المزدوج على الصفا فقد صح سعيه لأنه بدأ به ، وان كان على المروة أعاد
وينعكس الحكم بانعكاس الفرض. والمراد بانعكاس الفرض والحكم انه ان كان في الفرد
على الصفا أعاد لأنه يقتضي ابتداءه بالمروة ، وان كان على المروة صح سعيه لأنه
يقتضي ابتداءه بالصفا والظاهر ان الشك هنا انما هو باعتبار الدخول في أول الأمر
والا فبعد ظهور كون العدد زوجا وهو على الصفا يحصل العلم بالابتداء بالصفا. وكذا
في صورة العكس.
الثاني ـ قال في المنتهى : لو لم يحصر عدد طوافه اعاده ،
لأنه غير متيقن لعدد فلا يأمن الزيادة والنقصان. والمراد انه إذا شك على وجه لا
يحصل
له عدد يبنى عليه فلا ريب في وجوب
الإعادة.
ويدل على ذلك قوله في صحيحة سعيد بن يسار الآتية في
الباب ان شاء الله تعالى (1) قال : «وان لم
يكن حفظ انه سعى ستة فليعد فليبتدئ السعي حتى يكمل سبعة أشواط».
قيل : ويستثني من ذلك ما لو شك بين الإكمال والزيادة على
وجه لا ينافي البدأة بالصفا ـ كما لو شك بين السبعة والتسعة وهو على المروة ـ فإنه
لا يعيد لتحقق الإكمال ، وأصالة عدم الزيادة. ولو كان على الصفا أعاد
الثالث ـ قال في المنتهى : ويجب ان يطوف بينهما سبعة
أشواط ويلصق عقبه بالصفا ويبدأ به ان لم يصعد عليه ، ويمشي إلى المروة ويلصق
أصابعه بها ثم يبتدئ بها ويلصق عقبه بها ، ويرجع الى الصفا ويلصق أصابعه بها هكذا
سبعا ، فلو نقص ولو خطوة واحدة وجب عليه الإتيان بها ، فان رجع الى بلده وجب عليه
العود مع المكنة وإكمال السعي ، لأن الموالاة لا تجب فيه. ولا نعلم فيه خلافا.
ونحوه في التذكرة أيضا.
أقول : ما ذكره ـ من وجوب إلصاق العقب والأصابع في كل
شوط بكل من الصفا والمروة ـ لا ريب انه الأحوط ، وفهم الوجوب من الأدلة لا يخلو من
خفاء سيما مع جواز السعي على الإبل والدواب كما أشرنا إليه آنفا. وما ذكره من انه
لو نقص عن السبعة وجب عليه الإتمام فلا ريب فيه. ويدل عليه قوله (عليهالسلام) في صحيحة
سعيد بن يسار (2) المشار إليها
آنفا : «فان كان يحفظ انه قد سعى ستة أشواط فليعد وليتم
__________________
(1 و 2) التهذيب ج 5 ص 153 والوسائل الباب 14 من السعي.
شوطا». ونحوها رواية عبد الله بن
مسكان الآتية ان شاء الله تعالى (1) وفي صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد
الله (عليهالسلام) (2) : فان سعى
الرجل أقل من سبعة أشواط ثم رجع الى أهله ، فعليه ان يرجع فيسعى تمامه وليس عليه
شيء ، وان كان لم يعلم ما نقص فعليه ان يسعى سبعا».
واما ما ذكره من عدم وجوب الموالاة فيه فقد تقدم في كلام
الدروس ما يدل على قول الشيخ المفيد وسلار وأبي الصلاح بوجوب الموالاة فيه. وسيأتي
ما ينبه عليه ايضا ان شاء الله تعالى.
المسألة الثالثة ـ لو كان متمتعا بالعمرة وظن أنه أتم
سعيه فأحل وواقع النساء ثم ذكر ما نقص ، كان عليه إتمام ما نقص بلا خلاف ولا اشكال
وعليه بقرة. وكذا لو قلم أظفاره أو قص شعره ، والأصل في هذه المسألة
ما رواه الشيخ (قدسسره) في التهذيب
عن عبد الله بن مسكان (3) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل طاف
بين الصفا والمروة ستة أشواط وهو يظن أنها سبعة فذكر بعد ما أحل وواقع النساء انه
انما طاف ستة أشواط. فقال : عليه بقرة يذبحها ويطوف شوطا
__________________
(1 و 3) التهذيب ج 5 ص 153 والوسائل الباب 14 من السعي.
(2) التهذيب ج 5 ص 153 الرقم 503 والوافي باب (ترك السعي
والسهو فيه) ولم يروه في الوسائل في الباب 14 من السعي ولا في غيره والظاهر ان ذلك
لاعتبار كونه من كلام الشيخ على خلاف صاحب الوافي حيث اعتبره من تتمة الحديث الى
قوله : «فعليه ان يسعى سبعا».
آخر». ورواه الصدوق (قدسسره) مرسلا (1).
وعن سعيد بن يسار في الصحيح (2) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) : رجل متمتع
سعى بين الصفا والمروة ستة أشواط ثم رجع الى منزله وهو يرى انه قد فرغ منه ، وقلم
أظافيره وأحل ، ثم ذكر انه سعى ستة أشواط؟ فقال لي : يحفظ انه سعى ستة أشواط؟ فإن
كان يحفظ انه قد سعى ستة أشواط فليعد وليتم شوطا وليرق دما. فقلت : دم ما ذا؟ قال
: بقرة. قال : وان لم يكن حفظ انه سعى ستة ، فليعد فليبتدئ السعي حتى يكمل سبعة
أشواط ، ثم ليرق دم بقرة».
وفي كتاب الفقه الرضوي (3) : وان سعيت
ستة أشواط وقصرت ، ثم ذكرت بعد ذلك انك سعيت ستة أشواط ، فعليك ان تسعى شوطا آخر
وان جامعت أهلك وقصرت سعيت شوطا آخر وعليك دم بقرة.
وقال في المسالك بعد نقل رواية سعيد المذكورة : وفي
معناها رواية معاوية ابن عمار عنه (عليهالسلام) وزاد «قصر» (4) ولم أقف بعد
التتبع على رواية معاوية بن عمار بهذا المعنى (5) ولا نقلها ناقل غيره (قدسسره).
__________________
(1) الوسائل الباب 14 من السعي.
(2) التهذيب ج 5 ص 153 والوسائل الباب 14 من السعي.
(3) ص 28.
(4) هذا نهاية كلام صاحب المسالك.
(5) من المحتمل ان مراد صاحب المسالك برواية معاوية بن عمار هي
التي تقدمت في كلام المصنف وقدمنا انها محل الخلاف بين الوافي والوسائل في انها من
كلام الشيخ أو من تتمة الحديث ، مع اعتبار الباقي الذي لم يحكه في الوافي جزء من
الحديث ايضا لا من كلام الشيخ. راجع التهذيب ج 5 ص 153 الرقم 503.
وجملة من المتأخرين قد طعنوا في هذين
الخبرين المنقولين في كلامهم بمخالفة الأصول والقواعد المقررة من وجوه : أحدها ـ وجوب
الكفارة على الناسي ، وهو في غير الصيد مخالف لغيرهما من النصوص والفتاوى. وثانيها
ـ وجوب البقرة في تقليم الأظفار ، والواجب شاة في مجموعها. وثالثها ـ وجوب البقرة
بالجماع ، والواجب به مع العمد بدنة ، ولا شيء مع النسيان. ورابعها ـ مساواة
الجماع في الكفارة بقلم الأظفار ، والحال انهما مفترقان في الحكم في غير هذه
المسألة. ولأجل هذه المخالفات نقل عن بعض الأصحاب (رضوان الله عليهم) حمل الخبرين
على الاستحباب. وبعضهم فرق بين الظان والناسي ، فأسقط الكفارة عن الناسي وجعل مورد
هذه المسألة الظن كما صرح به في الرواية الأولى. وأكثر الأصحاب تلقوهما بالقبول
مطلقا ، وهو الحق الحقيق بالاتباع. فان رد الرواية سيما إذا كانت صحيحة السند بهذه
الأشياء مجرد استبعاد ، ولا سيما ما يدعونه من عدم الكفارة على الناسي فإنه على
إطلاقه محل المنع ، فان ذلك سيما في باب الحج انما ورد بالنسبة إلى الجاهل ولكنهم
ألحقوا الناسي به. والمفهوم من بعض اخبار وجوب الإعادة بالصلاة في النجاسة ناسيا
ان وجوب الإعادة عليه انما وقع عقوبة لتقصيره في نسيانه وعدم تذكره (1).
قال في المسالك بعد ذكر نحو ذلك : ويمكن توجيه هذه
الاخبار بان الناسي وان كان معذورا لكن هنا قد قصر حيث لم يلحظ النقص ، فان من قطع
السعي على ستة أشواط يكون قد ختم بالصفا ، وهو واضح الفساد
__________________
(1) الوسائل الباب 42 من النجاسات.
فلم يعذر بخلاف الناسي غيره فإنه
معذور. لكن يبقى ان المصنف فرض المسألة في من فعل ذلك قبل إتمام السعي من غير
تقييد بالستة ، فيشمل ما لو قطع السعي في المروة على خمسة وهو محل العذر. والمسألة
موضع اشكال وان كان ما اختاره المصنف من العمل بظاهر الروايات اولى. انتهى
قال في المدارك بعد نقل ذلك عن جده (قدسسره) : وما ذكره
من التوجيه جيد بالنسبة إلى الخبرين المتضمنين للحكمين ، إذ به يرتفع بعض
المخالفات. لكن قد عرفت ان الرواية الأولى ضعيفة ، والرواية الثانية انما تدل على
وجوب البقرة بالقلم قبل إكمال السعي إذا قطعه على ستة أشواط في عمرة التمتع ،
فيمكن القول بوجوبها أخذا بظاهر الأمر ، ويمكن حملها على الاستحباب كما اختاره
الشيخ في أحد قوليه وابن إدريس نظرا الى ما ذكر من المخالفة. والمسألة محل تردد.
انتهى.
أقول : ظاهر كلامه (قدسسره) في المدارك
تخصيص وجوب البقرة في صحيحة سعيد بالقيود المذكورة اقتصارا في ما خالف القواعد
المذكورة على موضع النص. وفيه ان آخر الرواية ـ وان كان لم ينقله ـ صريح أيضا في
وجوب البقرة في ما لو لم يحفظ سعيه وجامع والحال هذه. وهو يشعر بان وجوب هذه
الكفارة انما هو من حيث الإحلال قبل الإتيان بالسعي الواجب مطلقا ، كما هو المفروض
في صدر المسألة وبه صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) ايضا. وعلى هذا فلا خصوصية
لذكر الستة الا من حيث اتفاق وقوعها في السؤال.
واما ما نقله عن ابن إدريس من انه حمل هذين الخبرين على
الاستحباب فالذي وقفت عليه في كتاب السرائر لا يشعر بشيء من ذلك ، فإنه لم يتعرض
للخبرين المذكورين وانما قال ما هذا
لفظه : ومتى سعى الإنسان أقل من سبع مرات ناسيا وانصرف ثم ذكر انه نقص منه شيئا
رجع فتمم ما نقص منه ، وان لم يعلم كم نقص منه وجب عليه إعادة السعي ، وان كان قد
واقع اهله قبل إتمامه السعي وجب عليه دم بقرة. وكذلك ان قصر أو قلم أظفاره كان
عليه دم بقرة وإتمام ما نقص إذا فعل ذلك عامدا. انتهى. وظاهره تخصيص وجوب البقرة
في الصورة المذكورة بما إذا جامع أو قلم عامدا ، وليس فيه تعرض لذكر من فعل ذلك ظانا
الإتمام أو ساهيا كما هو محل المسألة. على ان كلامه (قدسسره) لا يخلو من
نظر ، فإنه ان استند في ما ذكره الى الروايتين المذكورتين فموردهما ـ كما عرفت ـ انما
هو من ظن الإتمام ، والمتبادر من العامد خلافه ، وليس غيرهما في الباب الا ما
قدمنا في مسألة جماع المحرم بعد الموقفين وقبل طواف النساء من النصوص الدالة على
وجوب البدنة في الصورة المذكورة (1) وفي بعضها بدنة أو بقرة أو شاة
باعتبار حال المكلف من سعته وفقره وتوسطه بينهما. ونحوها الأخبار الواردة في من
جامع بعد السعي وقبل التقصير (2) وستأتي في
البحث الآتي ان شاء الله تعالى. والقول بوجوب البقرة هنا من ما لا اعرف له وجها
ولا عليه دليلا. الا ان ابن فهد في المهذب نقل عن ابن إدريس في المسألة قولين مثل
الشيخ ، حيث قال بعد ذكر القول المشهور : هذا قول المفيد واحد قولي الشيخ والقول
الآخر للشيخ في باب الكفارات من النهاية من انه لا دم عليه للأصل ، ولابن إدريس
مثل القولين. أقول :
__________________
(1) الوسائل الباب 6 و 7 و 8 و 9 و 10 من كفارات الاستمتاع.
(2) الوسائل الباب 5 من كفارات الاستمتاع.
لعله في موضع آخر من سرائره أو في
غيره. وظاهره ان القول الثاني يوافق المشهور.
وبالجملة فالواجب العمل بالروايتين المذكورتين وعدم
الالتفات الى هذه الاستبعادات.
والى ما ذكرناه مال الشيخ ابن فهد في المهذب حيث قال ـ بعد
ذكر نحو ما ذكرناه من الإشكالات التي طعنوا بها على الروايات ـ ما صورته : والحق
ترك الاعتراض واتباع النقل عن أهل البيت (عليهمالسلام) لأن قوانين
الشرع لا يضبطها العقل. انتهى. وهو جيد. والله العالم.
المسألة الرابعة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله
عليهم) انه لو دخل عليه وقت الفريضة في السعي قطعه وصلى ثم بنى ، وكذا لو قطعه
لحاجة له أو لغيره. بل قال في التذكرة : لا اعرف فيه خلافا. وكذا في المنتهى. مع
انه في المختلف نقل عن الشيخ المفيد وسلار وابي الصلاح انهم جعلوا ذلك كالطواف في
اعتبار مجاوزة النصف. وهو مؤذن باشتراطهم الموالاة فيه.
والأصح القول المشهور ، للأخبار الدالة عليه ، ومنها ـ ما
رواه الشيخ والصدوق (قدسسرهما) في الصحيح عن
معاوية بن عمار (1) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) : الرجل يدخل
في السعي بين الصفا والمروة فيدخل وقت الصلاة ، أيخفف ، أو يقطع ويصلي ثم يعود ،
أو يثبت كما هو على حاله حتى يفرغ؟ قال : لا بل يصلي ثم يعود ، أو ليس
__________________
(1) الكافي ج 4 ص 438 والفقيه ج 2 ص 258 والتهذيب ج 5 ص 156
والوسائل الباب 18 من السعي.
عليهما مسجد؟».
وما رواه في الموثق عن الحسن بن علي بن فضال (1) قال : «سأل
محمد بن علي أبا الحسن (عليهالسلام) فقال له :
سعيت شوطا واحدا ثم طلع الفجر؟ فقال : صل ثم عد فأتم سعيك».
وعن محمد بن الفضيل (2) «انه سأل محمد
بن علي الرضا (عليهالسلام) فقال له : «سعيت
شوطا ثم طلع الفجر قال صل ثم عد فأتم سعيك.».
وعن صفوان في الصحيح عن يحيى بن عبد الرحمن الأزرق (3) قال : «سألت
أبا الحسن (عليهالسلام) عن الرجل
يدخل في السعي بين الصفا والمروة فيسعى ثلاثة أشواط أو أربعة ، ثم يلقاه الصديق له
فيدعوه إلى الحاجة أو الى الطعام. قال : ان أجابه فلا بأس».
وزاد في الفقيه (4) : «ولكن يقضى حق الله أحب الي من ان
يقضى حق صاحبه».
أقول : في هذه الزيادة إشكال لما تقدم في اخبار قطع
الطواف لحاجة أخيه المسلم (5) من الدلالة
الصريحة على أفضلية السعي في حاجة أخيه على الطواف. ويمكن الجمع بحمل تلك الأخبار
على حاجة يضر فوتها بالطواف وهذا الخبر على ما لا يفوت بالتأخير. واما الحمل على
ان أفضلية الإتمام
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 18 من السعي.
(3) الوسائل الباب 19 من السعي.
(4) ج 2 ص 258 والتهذيب ج 5 ص 472 و 473 والوسائل الباب 19 من
السعي.
(5) الوسائل الباب 41 و 42 من الطواف.
مخصوص بالسعي فبعيد ، لما علم من
الأخبار من فضل الطواف على السعي فإذا جاز القطع في الطواف فبالأولى في السعي.
قال في المدارك : ولم يتعرض الأكثر لجواز قطعه اختيارا
في غير هاتين الصورتين ، لكن مقتضى الإجماع المنقول على عدم وجوب الموالاة فيه
الجواز مطلقا ولا ريب ان الاحتياط يقتضي عدم قطعه في غير المواضع المنصوصة.
أقول : لا ريب ان العبادات توقيفية يجب الوقوف في
أحكامها زيادة ونقصانا وصحة وبطلانا على ما رسمه الشارع. وعدم الموالاة في السعي
إنما استفيدت من هذه الأخبار الواردة بجواز قطعه في هذه الموارد ، وهو لا يقتضي
جواز القطع مطلقا. على ان ما ذكروه من وجوب الموالاة في الطواف قد عرفت ما فيه وان
أكثر الأخبار المتقدمة ترده وتنافيه. وبالجملة فالواجب الوقوف على موارد النصوص
وما دلت عليه بالعموم والخصوص.
المسألة الخامسة ـ قد تقدم انه لو ذكر في أثناء السعي
نقصانا من طوافه فإنه يرجع ويتم طوافه ثم يبنى على ما سعى ويتم سعيه. والمشهور
عندهم التفصيل بتجاوز النصف في طوافه فيعمل كما ذكرناه أو قبله فيعيدهما معا.
اما لو ذكر في أثناء السعي انه لم يصل ركعتي الطواف قطع
السعي واتى بهما ثم أتم سعيه من حيث قطع.
ويدل على ذلك صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) (1) قال : «سألته
عن رجل يطوف بالبيت ثم ينسى ان يصلي الركعتين حتى يسعى بين الصفا والمروة خمسة
أشواط أو أقل من ذلك. قال : ينصرف
__________________
(1) التهذيب ج 5 ص 143 والوسائل الباب 77 من الطواف.
حتى يصلي الركعتين ثم يأتي مكانه الذي
كان فيه فيتم سعيه».
وصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (1) انه قال «في
رجل طاف طواف الفريضة ونسي الركعتين حتى طاف بين الصفا والمروة ثم ذكر. قال : يعلم
ذلك المكان ثم يعود فيصلي الركعتين ثم يعود الى مكانه».
وبإسناده عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليهالسلام) (2) «انه رخص له ان
يتم طوافه ثم يرجع فيركع خلف المقام».
قال الصدوق (3) (قدسسره): بأي الخبرين
أخذ جاز.
وروى الكليني (قدسسره) في الصحيح أو
الحسن عن حماد بن عيسى عن من ذكره عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (4) انه قال : «في
رجل طاف طواف الفريضة ونسي الركعتين حتى طاف بين الصفا والمروة. قال : يعلم ذلك
الموضع ثم يعود فيصلي الركعتين ثم يعود الى مكانه».
المسألة السادسة ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان
الله تعالى عليهم) في وجوب ترتب السعي على الطواف ، فلو قدمه عليه وجب إعادتهما
لوقوعهما على خلاف الترتيب الشرعي ، ويجب إرجاع كل منهما الى محله.
ويدل على ذلك الأخبار المتقدمة (5) في صدر البحث
الدالة على انه بعد الفراغ من الطواف وركعتيه يبادر الى الخروج الى الصفا والمروة.
واما ما يدل على الابطال مع الإخلال بالترتيب فمنه ما
رواه الشيخ (قده)
__________________
(1 و 2 و 3) الفقيه ج 2 ص 253 والوسائل الباب 77 من الطواف.
(4) الوسائل الباب 77 من الطواف.
(5) ص 260 و 261.
في الصحيح عن منصور بن حازم (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل بدأ
بالسعي بين الصفا والمروة. قال : يرجع فيطوف بالبيت ثم يستأنف السعي. قلت : ان ذلك
قد فاته؟ قال : عليه دم ، الا ترى انك إذا غسلت شمالك قبل يمينك كان عليك ان تعيد
على شمالك».
وما رواه في الكافي عن منصور بن حازم في الصحيح (2) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل طاف
بين الصفا والمروة قبل ان يطوف بالبيت. قال : يطوف بالبيت ثم يعود الى الصفا
والمروة فيطوف بينهما».
وعن إسحاق بن عمار في الموثق (3) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام): رجل طاف
بالكعبة. الى ان قال : قلت : فإنه بدأ بالصفا والمروة قبل ان يبدأ بالبيت؟ فقال
يأتي البيت فيطوف به ثم يستأنف طوافه بين الصفا والمروة. الحديث». وقد تقدم بتمامه
(4).
وكما لا يجوز تقديم السعي على الطواف كذلك لا يجوز تقديم
طواف النساء على السعي في الحج والعمرة المفردة.
ويدل عليه زيادة على الروايات الدالة على ترتيب المناسك
وان مرتبة طواف النساء التأخر عن السعي (5) خصوص ما رواه في الكافي (6) عن احمد بن
محمد عن من ذكره قال : «قلت لأبي الحسن (عليهالسلام):
__________________
(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 63 من الطواف.
(4) ص 213 و 223.
(5) الوسائل الباب 2 من أقسام الحج.
(6) الوسائل الباب 65 من الطواف.
جعلت فداك متمتع زار البيت فطاف طواف
الحج ثم طاف طواف النساء ثم سعى. قال : لا يكون السعي الا من قبل طواف النساء.
فقلت : أفعليه شيء؟ فقال : لا يكون السعي إلا قبل طواف النساء».
واما ما رواه المشايخ الثلاثة (نور الله تعالى مراقدهم)
في الموثق عن سماعة بن مهران عن أبي الحسن الماضي (عليهالسلام) ـ (1) قال : «سألته
عن رجل طاف طواف الحج وطواف النساء قبل ان يسعى بين الصفا والمروة قال : لا يضره
يطوف بين الصفا والمروة ، وقد فرغ من حجه».
فقد حمله الشيخ (قدسسره) على الناسي ،
ولهذا صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بان من قدم طواف النساء على السعي
ساهيا لم تجب عليه الإعادة. قال في المنتهى : ولا يجوز تقديم طواف النساء على
السعي فلو فعل ذلك متعمدا كان عليه اعادة طواف النساء ، وان كان ناسيا لم يكن عليه
شيء. ثم استدل بمرسلة أحمد بن محمد المذكورة ، ثم نقل موثقة سماعة ، ونقل جواب
الشيخ (قدسسره) عنهما بما
ذكرناه.
وبالجملة فالظاهر ان الحكم لا خلاف ولا اشكال فيه. والله
العالم.
المسألة السابعة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله
تعالى عليهم) انه لا يجوز تأخير السعي عن الطواف الى الغد. وقال المحقق (قدسسره) : يجوز
تأخيره إلى الغد ولا يجوز عن الغد.
والأظهر القول المشهور ، ويدل عليه ما رواه المشايخ
الثلاثة عن عبد الله ابن سنان عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «سألته
عن الرجل يقدم
__________________
(1) الوسائل الباب 65 من الطواف.
(2) الكافي ج 4 ص 421 والفقيه ج 2 ص 252 والتهذيب ج 5 ص 128 و
129 الوسائل الباب 60 من الطواف.
مكة حاجا وقد اشتد عليه الحر فيطوف
بالكعبة ويؤخر السعي الى ان يبرد. فقال : لا بأس به وربما فعلته» وزاد في التهذيب
قال : «وربما رأيته يؤخر السعي إلى الليل» وقال في من لا يحضره الفقيه : وفي حديث
آخر «يؤخره إلى الليل».
وما رواه الشيخ (قدسسره) في الصحيح عن
محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) (1) قال : «سألته
عن رجل طاف بالبيت فأعيا أيؤخر الطواف بين الصفا والمروة إلى غد؟ قال : لا».
وما رواه في الكافي عن العلاء بن رزين في الصحيح (2) قال : «سألته
عن رجل طاف بالبيت فأعيا ، أيؤخر الطواف بين الصفا والمروة إلى غد؟ قال : لا». ورواه
الصدوق (قدسسره) بإسناده عن
العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) مثله (3).
واما ما رواه الشيخ (قدسسره) في الصحيح عن
محمد بن مسلم (4) قال : «سألت
أحدهما (عليهماالسلام) عن رجل طاف
بالبيت فأعيا أيؤخر الطواف بين الصفا والمروة؟ قال : نعم». فيجب حمل إطلاقه على ما
تقدم في الأخبار من التأخير ساعة أو ساعتين أو للاستراحة إلى الليل.
واما ما ذهب اليه المحقق فلم نقف له على مستند. الا ان
شيخنا الشهيد (قدسسره) في الدروس
قال بعد نقل ذلك عن المحقق : وهو مروي. ولعل الرواية وصلت اليه ولم تصل إلينا.
__________________
(1) لم نقف على هذه الرواية في كتب الحديث في مظانها.
(2 و 3 و 4) الوسائل الباب 60 من الطواف.
البحث الرابع
في التقصير وفيه مسائل :
الأولى ـ لا خلاف في انه يجب على المعتمر المتمتع بعد
السعى التقصير وبه يحل من كل شيء إلا الصيد لكونه في الحرم ، فلو خرج من الحرم حل
له.
ومن ما يدل على ذلك ما رواه الشيخ (قدسسره) في الصحيح عن
معاوية بن عمار عن أبى عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «إذا
فرغت من سعيك وأنت متمتع ، فقصر من شعرك من جوانبه ولحيتك ، وخذ من شاربك ، وقلم
أظفارك ، وأبق منها لحجك ، فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شيء يحل منه المحرم
وأحرمت منه ، فطف بالبيت تطوعا ما شئت».
وما رواه في التهذيب في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن
أبي عبد الله (عليهالسلام) (2) : قال : «وسمعته
يقول : طواف المتمتع ان يطوف بالكعبة ، ويسعى بين الصفا والمروة ، ويقصر من شعره ،
فإذا فعل ذلك فقد أحل».
وعن عمر بن يزيد عن أبى عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «ثم ائت
منزلك فقصر من شعرك. وحل لك كل شيء».
__________________
(1) الكافي ج 4 ص 438 و 439 والتهذيب عن الكليني ج 5 ص 157
والوسائل الباب 1 من التقصير.
(2 و 3) التهذيب ج 5 ص 157 والوسائل الباب 1 من التقصير.
وما رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن إسماعيل (1) : قال «رأيت
أبا الحسن (عليهالسلام) أحل من عمرته
وأخذ من أطراف شعره كله على المشط ثم أشار الى شاربه فأخذ منه الحجام ، ثم أشار
الى أطراف لحيته. فأخذ منه ثم قام».
وروى في الكافي في الصحيح أو الحسن وفي من لا يحضره
الفقيه في الصحيح عن جميل بن دراج وحفص بن البختري وغيرهما عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (2) «في محرم يقصر
من بعض ولا يقصر من بعض؟ قال يجزئه».
وعن الحسين بن أسلم (3) قال : «لما أراد أبو جعفر ـ يعني :
ابن الرضا (عليهماالسلام) ـ ان يقصر من
شعره للعمرة أراد الحجام أن يأخذ من جوانب الرأس ، فقال له : ابدأ بالناصية. فبدأ
بها».
والمعروف من مذهب الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه يجزئ
مسمى التقصير.
قال في المنتهى : وادنى التقصير ان يقص شيئا من شعره ولو
كان يسيرا ، وأقله ثلاث شعرات لأن الامتثال يحصل به فيكون مجزئا. ولما رواه الشيخ (قدسسره) في الحسن عن
معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «سألته
عن متمتع قرض أظفاره وأخذ من
__________________
(1 و 3) الوسائل الباب 10 من التقصير.
(2) الوسائل الباب 3 من التقصير.
(4) الكافي ج 4 ص 439 والفقيه ج 2 ص 237 الرقم 6 والتهذيب ج 5
ص 158 والوسائل الباب 2 من التقصير.
شعره بمشقص. قال : لا بأس». هذا
اختيار علمائنا. ثم نقل اختلاف العامة (1).
وقال في الكتاب المذكور : لو قص الشعر بأي شيء كان
أجزأه. وكذا لو نتفه أو ازاله بالنورة ، لأن القصد الإزالة ، والأمر ورد مطلقا ،
فيجزئ كل ما يتناوله الإطلاق. ولو قص من أظفاره أجزأ ، لأنه نوع من التقصير
فيتناوله المطلق فيكون مجزئا. وكذا لو أخذ من شاربه أو حاجبيه أو لحيته أجزأه.
انتهى.
أقول : ومن ما يدل على ذلك وانه لا يتوقف على الآلة
المعهودة بل يكفى كيف اتفق ما تقدم في صحيحة جميل وحفص بن البختري.
وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (2) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) : جعلت فداك
اني لما قضيت نسكي للعمرة أتيت أهلي ولم اقصر؟ قال : عليك بدنة. قال : قلت : اني
لما أردت ذلك منها ولم تكن قصرت امتنعت ، فلما غلبتها قرضت بعض شعرها بأسنانها.
فقال : رحمها الله كانت أفقه منك عليك بدنة ، وليس عليها شيء».
ورواه الصدوق (قدسسره) بإسناده عن
حماد بن عثمان (3) قال : قال رجل
لأبي عبد الله (عليهالسلام). وذكر مثله.
وما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن أبي عمير عن بعض
أصحابنا عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «تقصر
المرأة من شعرها لعمرتها مقدار الأنملة». ورواه الكليني في الصحيح الى ابن أبي
عمير مثله (5).
__________________
(1) المغني ج 3 ص 393 طبع عام 1368.
(2 و 3 و 4 و 5) الوسائل الباب 3 من التقصير.
وما رواه الشيخ (قدسسره) عن محمد
الحلبي (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن امرأة
متمتعة عاجلها زوجها قبل ان تقصر فلما تخوفت ان يغلبها أهوت إلى قرونها فقرضت منها
بأسنانها وقرضت بأظافيرها هل عليها شيء؟ قال : لا ليس كل أحد يجد المقاريض».
ومن ذلك يعلم ان ما اشتمل عليه صحيح معاوية بن عمار
وصحيح محمد بن إسماعيل من الأخذ من تلك المواضع المتعددة فمحمول على الفضل والاستحباب.
وبذلك صرح أيضا الأصحاب (رضوان الله عليهم).
الثانية ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه
يلزم التقصير في العمرة ولا يجوز حلق الرأس ، ولو حلقه فعليه دم. ذهب اليه الشيخ
في النهاية والمبسوط وابن البراج وابن إدريس والمحقق والعلامة والشيخ الشهيد وغيرهم
، قال في الدروس : والأصح تحريمه ولو بعد التقصير.
وذهب الشيخ في الخلاف إلى انه يجوز الحلق ، والتقصير
أفضل ، قال في المختلف بعد نقل قول الخلاف : وكان يذهب إليه والدي (رحمهالله).
والأصح القول المشهور ، ويدل عليه ما رواه الشيخ (قدسسره) في الصحيح عن
معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (2) في حديث قال :
«وليس في المتعة إلا التقصير».
وعن أبي بصير (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن المتمتع
أراد ان يقصر فحلق رأسه. قال : عليه دم يهريقه ، فإذا كان يوم
__________________
(1) الوسائل الباب 3 من التقصير.
(2 و 3) الوسائل الباب 4 من التقصير.
النحر أمر الموسى على رأسه حين يريد
ان يحلق».
وروى الصدوق (قدسسره) في الصحيح عن
جميل بن دراج (1) «انه سأل أبا
عبد الله (عليهالسلام) عن متمتع حلق
رأسه بمكة قال ان كان جاهلا فليس عليه شيء ، وان تعمد ذلك في أول شهور الحج
بثلاثين يوما فليس عليه شيء ، وان تعمد بعد الثلاثين يوما التي يوفر فيها الشعر
للحج فان عليه دما يهريقه».
أقول : قوله : «وان تعمد بعد الثلاثين يوما» أي بعد دخول
الثلاثين يوما ، وهو عبارة عن دخول ذي القعدة ، وهو الذي يوفر فيه الشعر. وقد تقدم
الكلام في ذلك مع صاحب المدارك.
وبالجملة فإن ما ذهب إليه في الخلاف لا اعرف له وجها بعد
ورود الأمر بالتقصير وعدم ورود ما ينافيه ، والعبادات مبنية على التوقيف من الشارع
فالقول به من غير دليل ضعيف البتة.
وأضعف منه ما يظهر من العلامة في المنتهى حيث ان ظاهره
فيه اختيار القول بالتحريم ووجوب التقصير ، ومع ذلك صرح بأنه لو حلق اجزاء وسقط
الدم وكيف يجزئه ما لم يقم عليه دليل بل الدليل على خلافه واضح السبيل ، حيث ان
الشارع رتب على فعله الدم.
وأوجب الشهيد في الدروس ان يكون التقصير بمكة ، قال :
ولا يجب كونه على المروة للرواية الدالة على جوازه في غيرها (2) نعم يستحب
عليها
__________________
(1) الوسائل الباب 4 من التقصير.
(2) من المحتمل ان يريد بذلك رواية عمر بن يزيد المتقدمة ص 296
حيث قال فيها : «ثم ائت منزلك فقصر.».
وما ذكره (قدسسره) من الوجوب
والاستحباب في الموضعين المذكورين لم أقف له على مستند ، الا ان يكون الوجه في
الأول هو وجوب الكون عليه بمكة الى ان يأتي بالحج. الا انه على إطلاقه ممنوع كما
تقدم بيانه في محله. ولعله قد وصل اليه من الأدلة في أمثال ذلك ما لم يصل إلينا
ثم قال في الدروس ايضا : ولو حلق بعض رأسه أجزأ عن التقصير
، ولا تحريم فيه. ولو حلق الجميع احتمل الاجزاء لحصوله بالشروع. وعند التقصير يحل
له جميع ما يحل للمحل حتى الوقاع للنص (1) على جوازه قولا وفعلا.
أقول : ما ذكره (قدسسره) من الاحتمال
المذكور ليس ببعيد ، لكن ينبغي تقييده بما إذا نوى من أول الأمر التقصير خاصة ثم
بعد حصول التقصير وحصول الإحلال به حلق الباقي ، اما لو نوى حلق الجميع من أول
الأمر فالظاهر عدم الاجزاء ، لان المفهوم من الاخبار ان العبادات صحة وبطلانا
وزيادة ونقصانا تابعة للقصود والنيات ، والروايات قد وردت بان الحلق مقابل للتقصير
وأحدهما غير الآخر ، فإذا نوى الحلق من أول الأمر وحلق رأسه والحال ان فرضه شرعا
انما هو التقصير والحلق غير جائز له فمن المعلوم ان ما اتى به غير مجزئ بل موجب
للكفارة كما دلت عليه الاخبار المتقدمة. وحينئذ فما ذكره شيخنا المشار اليه لا يصح
على إطلاقه بل ينبغي التفصيل فيه. ونظيره ما تقدم بيانه من انه لو ان مسافرا فرضه
التقصير صلى تماما فان نوى القصر في أول دخوله في الصلاة وانما أتمها بعد مضي
صلاته المقصورة ، فإنه يأتي بناء على استحباب التسليم صحة
__________________
(1) تقدمت الروايات الدالة على ذلك ص 296.
صلاته لأن هذه الزيادة قد وقعت خارجة
عن الصلاة وان نوى الإتمام من أول الأمر بطلت صلاته. وعلى هذا الوجه تحمل الأخبار
الدالة على بطلان صلاة المسافر إذا صلى تماما الا مع الجهل (1).
الثالثة ـ لو جامع امرأته قبل التقصير عالما عامدا وجب
عليه جزور ان كان موسرا ، وبقرة ان كان متوسطا ، وشاة ان كان معسرا كذا صرح به في
المنتهى. ولو كان جاهلا فلا شيء عليه. وكذا الناسي في ظاهر كلام الأصحاب (رضوان
الله عليهم).
والذي وقفت عليه من اخبار هذه المسألة ما تقدم (2) في المسألة
الاولى من صحيحة الحلبي أو حسنته.
وما رواه في الكافي (3) في الصحيح أو الحسن عن الحلبي قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل طاف
بالبيت ثم بالصفا والمروة وقد تمتع ثم عجل فقبل امرأته قبل ان يقصر من رأسه. فقال
عليه دم يهريقه وان جامع فعليه جزور أو بقرة». ورواه في الفقيه والتهذيب مثله (4) بأدنى تفاوت.
وما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن معاوية بن عمار (5) قال :
__________________
(1) الوسائل الباب 17 من صلاة المسافر.
(2) ص 298.
(3) ج 4 ص 440 والوسائل الباب 13 من كفارات الاستمتاع.
(4) الفقيه ج 2 ص 237 والتهذيب ج 5 ص 160 و 161 والوسائل الباب
13 من كفارات الاستمتاع.
(5) الكافي ج 4 ص 440 و 441 والفقيه ج 2 ص 237 والتهذيب ج 5
«سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن متمتع وقع
على امرأته قبل ان يقصر. قال : ينحر جزورا وقد خفت ان يكون قد ثلم حجه» وزاد في
الكافي والفقيه : «ان كان عالما وان كان جاهلا فلا شيء عليه».
وما رواه الشيخ في الصحيح بالإسناد المتقدم عن معاوية بن
عمار (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن متمتع وقع
على امرأته قبل ان يقصر. قال : عليه دم شاة».
وما رواه الشيخ عن ابن مسكان عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «قلت :
متمتع وقع على امرأته قبل ان يقصر؟ قال : عليه دم شاة».
ولو واقعها بعد التقصير فلا شيء عليه ، لما تقدم (3) من الاخبار
الدالة على الإحلال بذلك.
ويدل عليه ايضا خصوص ما رواه الشيخ عن محمد بن ميمون (4) قال : قدم أبو
الحسن متمتعا ليلة عرفة فطاف وأحل واتى بعض جواريه ، ثم أهل بالحج وخرج».
والظاهر ان مستند ما ذكره الأصحاب من التفصيل المتقدم
ذكره نقلا عن المنتهى هو الجمع بين اخبار الجزور والبقرة والشاة بالحمل على الموسر
__________________
ص 161 والوسائل الباب 13 من كفارات الاستمتاع.
(1) لم نجد هذه الرواية في مظانها في كتب الحديث.
(2) التهذيب ج 5 ص 161 والوسائل الباب 13 من كفارات الاستمتاع.
(3) ص 296.
(4) الوسائل الباب 20 من أقسام الحج والباب 8 من التقصير. والشيخ
يرويه عن الكليني.
والمتوسط والمعسر وله نظائر عديدة في
أحكام الحج وقد وردت فيها الاخبار صريحة بهذا التفصيل. وقد دلت صحيحة الحلبي أو
حسنته المتقدمة على ان من قبل امرأته قبل ان يقصر فعليه دم يهريقه وبه قال الشيخ (قدسسره) على ما نقله
في المنتهى. ولا بأس به للخبر المذكور.
الرابعة ـ إذا طاف المتمتع وسعى ثم أحرم بالحج قبل ان
يقصر ، فان فعل ذلك عامدا فالمشهور انه تبطل عمرته ويصير الحج مفردا. وقيل ببطلان
الإحرام الثاني والبقاء على الإحرام الأول. وان كان ناسيا فالمشهور انه لا شيء
عليه. وقيل عليه دم وقد تقدم تحقيق المسألة ونقل الأخبار التي فيها مستوفى في
المقصد الثالث من مقاصد الباب الثاني (1) فلا ضرورة إلى الإعادة.
الخامسة ـ الأفضل لمن قصر من عمرة التمتع ان يتشبه بالمحرمين
في ترك لبس المخيط وكذا أهل مكة أيام الموسم.
ويدل عليه ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن حفص
بن البختري عن غير واحد عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «ينبغي
للمتمتع بالعمرة إلى الحج إذا أحل ان لا يلبس قميصا وليتشبه بالمحرمين». ورواه
الصدوق (قدسسره) مرسلا (3).
وعن معاوية بن عمار في الصحيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «لا
ينبغي لأهل مكة ان يلبسوا القميص وان يتشبهوا بالمحرمين شعثا غبرا. وقال : ينبغي
للسلطان أن يأخذهم بذلك».
__________________
(1) ج 15 ص 117.
(2 و 3 و 4) الوسائل الباب 7 من التقصير.
وروى الشيخ المفيد في المقنعة مرسلا (1) قال قال (عليهالسلام): «ينبغي
للمتمتع إذا أحل ان لا يلبس قميصا ويتشبه بالمحرمين. وكذا ينبغي لأهل مكة أيام
الحج».
ويكره الطواف بعد السعي حتى يقصر ، لما رواه الشيخ عن
معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «لا
يطوف المعتمر بالبيت بعد طواف الفريضة حتى يقصر».
السادسة ـ إذا أتم المتمتع أفعال عمرته وقصر فقد أحل ،
كما تقدمت (3) به الاخبار ،
وعليه أكثر الأصحاب ، سواء ساق الهدى معه أم لا. وذهب الشيخ في الخلاف وابن أبي
عقيل إلى انه متى سابق الهدى معه فإنه لا يحل حتى يبلغ الهدى محله ، لأنه قارن.
وقد تقدم البحث في المسألة مستوفى في المقدمة المشتملة على تقسيم الحج إلى الأقسام
الثلاثة (4) فليراجع.
السابعة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم)
ـ بل ادعى العلامة في المنتهى انه لا يعرف فيه خلافا ـ هو عدم وجوب طواف النساء في
عمرة التمتع.
ونقل الشهيد في الدروس عن بعض الأصحاب قولا بان في
المتمتع بها طواف النساء.
وهو مع جهل قائله مردود بالأخبار المستفيضة ومنها
الأخبار المتقدمة (5)
__________________
(1) الوسائل الباب 7 من التقصير.
(2) الوسائل الباب 9 من التقصير.
(3 و 5) ص 296.
(4) ج 14 ص 372.
الدالة على انه متى قصر حل له كل شيء.
ومنها زيادة على ذلك ما رواه في الكافي في الصحيح عن
الحلبي وصفوان عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال «على
المتمتع بالعمرة إلى الحج ثلاثة أطواف بالبيت وسعيان بين الصفا والمروة ، وعليه
إذا قدم مكة طواف بالبيت وركعتان عند مقام إبراهيم (عليهالسلام) وسعى بين
الصفا والمروة ، ثم يقصر وقد أحل هذا للعمرة. وعليه للحج طوافان وسعى بين الصفا
والمروة.».
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (2) «المتمتع عليه
ثلاثة أطواف بالبيت وطوافان بين الصفا والمروة. الحديث».
وما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة (3) قال «سألت أبا
جعفر (عليهالسلام) عن الذي يلي
المفرد للحج في الفضل. فقال المتعة. فقلت وما المتعة؟ فقال : يهل بالحج في أشهر
الحج ، فإذا طاف بالبيت وصلى ركعتين خلف المقام وسعى بين الصفا والمروة قصر وأحل.
الحديث».
وقد تقدم (4) الكلام على هذا الحديث ، وما دل عليه
من أفضلية حج الافراد على حج التمتع ، وانه خرج مخرج التقية.
نعم روى الشيخ عن سليمان بن حفص المروزي عن الفقيه (عليهالسلام) (5) قال : «إذا حج
الرجل فدخل مكة متمتعا ، فطاف بالبيت ، وصلى ركعتين
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 2 من أقسام الحج.
(3) الوسائل الباب 5 من أقسام الحج.
(4) ج 14 ص 397.
(5) الوسائل الباب 82 من الطواف.
خلف مقام إبراهيم (عليهالسلام) ، وسعى بين
الصفا والمروة وقصر ، فقد حل له كل شيء ما خلا النساء ، لان عليه لتحلة النساء
طوافا وصلاة».
وهو لضعف سنده قاصر عن معارضة الأخبار المستفيضة الصحيحة
الصريحة من ما قدمناه ، وحمله الشيخ على طواف الحج. وهو غير بعيد ، لأنه ليس الخبر
صريحا ولا ظاهرا في ان طوافه وسعيه كان للعمرة. والله العاچلم.
تتمة
تشتمل على فائدتين :
الأولى ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان من
دخل مكة بعمرة التمتع في أشهر الحج ، لم يجز له ان يجعلها مفردة ، ولا ان يخرج من
مكة حتى يأتي بالحج ، لأنها مرتبطة بالحج.
وقال ابن إدريس : لا يحرم ذلك بل يكره ، لأنه لا دليل
على حظر الخروج من مكة بعد الإحلال من مناسكها.
وهو مردود بالاخبار : منها قوله (صلىاللهعليهوآله) في صحيحة
معاوية بن عمار (1) «دخلت العمرة
في الحج هكذا. وشبك بين أصابعه». وإذا فعل عمرة التمتع فقد فعل بعض أفعال الحج
فيجب عليه الإتيان
__________________
(1) الوسائل الباب 2 من أقسام الحج الرقم (4) واللفظ هكذا : «ثم
شبك أصابعه بعضها الى بعض وقال : دخلت العمرة في الحج الى يوم القيامة» كما في
التهذيب ج 5 ص 455 والفروع ج 4 ص 246 بلا كلمة «بعضها الى بعض».
بالباقي ، لقوله (عزوجل) (وَأَتِمُّوا
الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ) (1).
وما رواه معاوية بن عمار (2) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) من اين افترق
المتمتع والمعتمر؟ فقال : ان المتمتع مرتبط بالحج والمعتمر إذا فرغ منها ذهب حيث
شاء».
وعن علي (3) قال : «سأله أبو بصير وانا حاضر عمن
أهل بالعمرة في أشهر الحج ، له ان يرجع؟ فقال : ليس في أشهر الحج عمرة يرجع فيها
إلى اهله ولكنه يحتبس بمكة حتى يقضى حجه ، لأنه إنما أحرم لذلك».
وهذا الخبر وان أوهم في بادي الرأي الحمل على العمرة
المفردة من حيث إطلاقه الا ان المفهوم من قوله «لأنه إنما أحرم لذلك» ان المراد
بالعمرة فيه انما هي عمرة التمتع ، وان أصل إحرامه انما هو للحج ، لما عرفت آنفا
من ارتباط العمرة بالحج ، فالإحرام بالعمرة المتمتع بها إحرام بالحج في الحقيقة ،
بمعنى لا يجوز الخروج حتى يأتي بالحج.
الى غير ذلك من الروايات المتقدمة (4) في المقدمات
الدالة على ان من تمتع بالعمرة إلى الحج فليس له الخروج حتى يأتي بالحج أو يرجع
قبل العشرة (5)
الثانية ـ قد صرح العلامة (قدسسره) في كتاب
المنتهى والتذكرة بأن
__________________
(1) سورة البقرة الآية 195.
(2 و 3) الوسائل الباب 7 من العمرة.
(4) ج 14 ص 362.
(5) هكذا في الخطية أيضا ، والظاهر انه تصحيف كلمة (الشهر) كما
يظهر بمراجعة المسألة في محلها المتقدم ج 14 ص 362 وسيأتي في المسألة الثالثة من
المطلب الثاني اختياره تحديد المسافة بين العمرتين بالشهر.
من أحرم بالعمرة المتمتع بها الى الحج
في غير أشهر الحج ، كانت صحيحة وان لم يجز التمتع بها ، بل تصير عمرة مفردة ، قال
في المنتهى : ولا ينعقد الإحرام بالعمرة المتمتع بها إلا في أشهر الحج ، فإن أحرم
بها في غيرها انعقد للعمرة المبتولة. ونحوه في التذكرة. ولم ينقل خلافا في ذلك الا
عن المخالفين (1) وربما أشعر
بذلك ايضا بعض عبارات غيره.
وهو ـ مع كونه لا دليل عليه ، وبناء العبادات على
التوقيف من الشارع ـ مردود بان ما نواه من التمتع باطل ، لعدم حصول شرطه الذي هو
وقوعه في أشهر الحج كما اعترف به ، والعمرة المفردة غير منوية ولا مقصودة. وبالجملة
فما ذهب اليه (قدسسره) لا اعرف له
وجها.
وأغرب من ذلك ما ذكره (قدسسره) ايضا من ان
من أحرم بالحج في غير أشهر الحج لم ينعقد إحرامه للحج وانعقد للعمرة.
واستدل على ذلك بما رواه ابن بابويه عن أبي جعفر الأحول عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (2) «في رجل فرض الحج في غير أشهر الحج؟ قال : يجعلها عمرة». والذي يقرب ان المراد من الرواية هو ان من فرض الحج في غير أشهر الحج ينبغي له ان ينوي العمرة ، لأن الحج لا يكون صحيحا على ذلك التقدير ، والاولى ان يقصد العمرة وينويها.