ج20 - كتاب الدين - القرض

كتاب الدين

ولنقدم هنا جملة من الاخبار الواردة في الاستدانة فإن كتابنا هذا كتاب أحكام وأخبار كما لا يخفى على من تأمله بعين الفكر والاعتبار ، فروى سماعة (1) في الموثق قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل منا يكون عنده الشي‌ء يتبلغ به وعليه دين أيطعمه عياله حتى يأتي الله عزوجل بميسرة ، فيقضي دينه؟ أو يستقرض على ظهره في خبث الزمان وشدة المكاسب ، أو يقبل الصدقة؟ قال : يقضى بما عنده دينه ، ولا يأكل من أموال الناس الا وعنده ما يؤدى إليهم حقوقهم ، ان الله عزوجل يقول (2) «لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ» ولا يستقرض على ظهره الا وعنده وفاء ، ولو طاف على أبواب الناس فردوه باللقمة واللقمتين والتمرة والتمرتين ، الا ان يكون له ولي يقضى دينه من بعده ، ليس منا من يموت الا جعل الله له وليا يقوم في عدته ودينه فيقضى عدته ودينه».

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 95 التهذيب ج 8 ص 185 الوسائل الباب ـ 2 ـ من أبواب الديون.

(2) سورة النساء الآية 29.


وروى عبد الرحمن بن الحجاج (1) في الصحيح عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : «تعوذوا بالله من غلبة الدين ، وغلبة الرجال وبوار الأيم». أقول الأيم التي لا زوج لها وبوارها كسادها ، وفي التهذيب «نعوذ بالله».

وفي كتاب معاني الأخبار روى عن الكاهلي «انه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام أكان على عليه‌السلام يتعوذ من بوار الأيم؟ فقال : نعم ، وليس حيث تذهب انما كان يتعوذ من العاهات ، والعامة يقولون بوار الأيم وليس كما يقولون».

قيل : لعل المراد أن التعوذ منه انما هو البوار الذي يكون من جهة العاهة بها لا مطلق البوار ، وان كانت صحيحة ليس بها بأس.

وعن مسعدة بن صدقة (2) عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا وجع الا وجع العين ، ولا هم إلا هم الدين.

وبهذا الاسناد (3) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الدين ربقة الله عزوجل في الأرض ، فإذا أراد الله جل اسمه أن يذل عبدا وضعه في عنقه.

وعن عبد الله بن ميمون القداح (4) عن أبى عبد الله عليه‌السلام ، عن آبائه عن على عليهم‌السلام قال : «إياكم والدين فإنه مذلة بالنهار مهمة بالليل ، وقضاء في الدنيا وقضاء في الآخرة».

وروى ابن إدريس في مستطرفات السرائر من كتاب المشيخة لابن محبوب عن أبي أيوب عن سماعة (5) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ، عن الرجل منا يكون عنده الشي‌ء يتبلغ به وعليه دين ، أيطعمه عياله حتى يأتي الله بميسرة فيقضي دينه؟ أو يستقرض على ظهره في جدب الزمان وشدة المكاسب أو يقضي بما عنده دينه ويقبل

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 92 التهذيب ج 8 ص 183.

(2 و 3) الكافي ج 5 ص 101.

(4) الكافي ج 5 ص 95 التهذيب ج 8 ص 183.

(5) الوسائل الباب ـ 4 ـ من أبواب الدين.


الصدقة قال : يقضى بما عنده دينه ويقبل الصدقة ، وقال : لا يأكل أموال الناس الا وعنده ما يؤدى إليهم حقوقهم ، ان الله تعالى يقول (1) «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ» وقال ما أحب له أن يستقرض الا وعنده وفاء بذلك ، اما في عقده أو تجارة ، ولو طاف على أبواب الناس فردوه باللقمة واللقمتين ، الا أن يكون له ولي يقضى دينه عنه من بعده ، ثم قال : انه ليس منا من يموت الا جعل الله له وليا يقوم في دينه فيقضى عنه».

وعن حنان بن سدير (2) عن أبيه ، عن أبى جعفر عليه‌السلام قال : «كل ذنب يكفره القتل في سبيل الله الا الدين ، فإنه لا كفارة له الا أداؤه أو يقضي صاحبه ، أو يغفر الذي له الحق».

وعن معاوية بن وهب (3) في الصحيح قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : انه ذكر لنا أن رجلا من الأنصار مات وعليه ديناران دينا فلم يصل عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : صلوا على صاحبكم حتى ضمنها عنه بعض قرابته ، فقال : أبو عبد الله عليه‌السلام ذلك الحق ثم قال : ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله انما فعل ذلك ليتعظوا وليرد بعضهم على بعض ، ولئلا يستخفوا بالدين ، وقد مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليه دين ، وقتل أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وعليه دين ، ومات الحسن عليه‌السلام وعليه دين ، وقتل الحسين عليه‌السلام وعليه دين» (4).

__________________

(1) سورة النساء الآية ـ 27.

(2 ـ 3) الكافي ج 5 ص 94.

(4) وروى في كتاب قرب الاسناد عن الحسن بن طريف عن الحسين بن علوان «عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم‌السلام قال : لقد قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وان درعه لمرهونة عند يهودي من يهود المدينة بعشرين صاعا من شعير استلفها نفقة لعياله». وبالسند المذكور عن جعفر عن أبيه عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من طلب رزقا حلالا فأغفل فليستدن على الله وعلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله». منه رحمه‌الله.


وفي كتاب كشف المحجة لابن طاوس (1) قال : «رأيت في كتاب إبراهيم بن محمد الأشعري الثقة بإسناده عن أبى جعفر عليه‌السلام ، «قال : قبض على عليه‌السلام وعليه دين ثمان مأة ألف درهم ، فباع الحسن عليه‌السلام ضيعة له بخمسمأة ألف درهم ، وقضاها عنه وباع ضيعة له بثلاثمائة الف فقضاها عنه وذلك أنه لم يكن يرزأ من الخمس شيئا وكانت تنوبه نوائب».

قال : ورأيت في كتاب عبد الله بن بكير (2) بإسناده عن أبى جعفر عليه‌السلام «أن الحسين عليه‌السلام قتل وعليه دين ، وأن على بن الحسين عليهما‌السلام ، باع ضيعة له بثلاثمائة ألف فقضى دين الحسين عليه‌السلام وعدات كانت عليه».

وعن موسى بن بكر (3) قال : «قال لي أبو الحسن عليه‌السلام : من طلب هذا الرزق من حله ليعود به على نفسه وعياله كان كالمجاهد في سبيل الله عزوجل ، وان غلب عليه فليستدن على الله عزوجل وعلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما يقوت به عياله ، فان مات ولم يقضه كان على الإمام قضاؤه ، وان لم يقضه كان عليه وزره ، فان الله عزوجل «يقول (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ) الى قوله (وَالْغارِمِينَ) فهو فقير مسكين مغرم».

وعن العباس بن عيسى (4) قال : «ضاق على على بن الحسين عليهما‌السلام ضيقة فأتى مولى له فقال له : أقرضني عشرة آلاف درهم الى ميسرة ، فقال : لا لانه ليس عندي ، ولكني أريد وثيقة ، قال : فنتف له من ردائه هدبة ، فقال : هذه الوثيقة قال : فكان مولاه كره ذلك ، فغضب عليه‌السلام فقال : أنا أولى بالوفاء أم حاجب بن زرارة ، فقال : أنت أولى بذلك منه ، قال فكيف صار حاجب بن زرارة يرهن قوسا وهي خشبة على مأة حمالة ، وهو كافر فيفي وأنا لا أفي بهدية ردائي؟ قال : فأخذها الرجل منه وأعطاه الدراهم وجعل الهدبة في حق ، فسهل الله عزوجل له المال فحمله الى الرجل ، ثم قال : له أحضرت مالك فهات وثيقتي ،

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب ـ 2 ـ من أبواب الدين الرقم 11 ـ 12 ـ 2.

(4) الكافي ج 5 ص 96.


فقال له : جعلت فداك ضيعتها فقال : إذا لا تأخذ مالك منى ، ليس مثلي من يستخف بذمته ، فقال : فأخرج الرجل الحق فإذا فيه الهدبة ، فأعطاها على بن الحسين عليهما‌السلام الدراهم ، فأخذ الهدبة فرمى بها ثم انصرف».

وعن موسى بن بكر (1) قال : «ما أحصى ما سمعت أبا الحسن عليه‌السلام ينشد :». قيل : المراد موسى بن عمران وانما قلب محافظة على الوزن.

فان يك يا أميم على دين
 

 

فعمران بن موسى يستدين
 

وعن موسى بن بكر (2) قال : «من طلب الرزق من حله فغلب فليستقرض على الله عزوجل وعلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وعن أيوب بن عطية الحذاء (3) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : أنا أولى من كل مؤمن بنفسه ، ومن ترك مالا فللوارث ، ومن ترك دينا أو ضياعا فالى وعلى». والضياع بالفتح العيال.

وعن أبى موسى (4) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك يستقرض الرجل ويحج؟ قال : نعم ، قلت : يستقرض ويتزوج؟ قال : نعم انه ينتظر رزق الله غدوة وعشية».

أقول : الوجه في الجمع بين هذه الاخبار هو جواز الاستدانة على كراهة ، وروايتا سماعة المتقدمتان محمولتان على شدة الكراهة وتأكدها ، لما عرفت أولا من استدانة الأئمة عليهم‌السلام ، وثانيا بما دلت عليه رواية موسى بن بكر ورواية أبي موسى من أنه يستقرض على الله وأنه ينتظر رزق الله.

ويؤكده ما رواه الشيخ عن صفوان بن يحيى عن على بن إسماعيل عن رجل

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 95.

(2) الفقيه ج 3 ص 111.

(3) الوسائل الباب ـ 3 ـ من أبواب كتاب الفرائض والمواريث الى قم 14.

(4) الفقيه ج 3 ص 111.


من أهل الشام (1) «انه سأل أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن رجل عليه دين قد قدحه (2) وهو يخالط الناس ، وهو يؤتمن يسعه شراء الفضول من الطعام والشراب فهل يحل له أم لا وهل يحل له أن يتضلع من الطعام أم لا يحل له الا قدر ما يمسك به نفسه ويبلغه؟ قال لا بأس بما أكل».

والظاهر أنه تزول الكراهة مع الحاجة ، وعلى هذا يحمل استدانة الأئمة عليهم‌السلام كما يشير اليه خبر استدانة على بن الحسين عليهما‌السلام قال : في الدروس ولا كراهة مع الضرورة ، فقد مات رسول الله ـ عليه وعلى آله الصلوات والسلام ـ والحسنان وعليهم دين ، قال : ولو كان له مال بإزائه خفت الكراهة ، وكذا لو كان له ولى يقضيه وان لم يجب عليه قضاؤه ، فزالت مناقشة ابن إدريس (3) لأن عدم وجوب القضاء لا ينافي وقوع القضاء ، ثم نقل عن الحلبي أنه حرم الاستدانة على غير القادر على القضاء ، وكان مراده عدم القدرة على الأداء حالا ومؤجلا لعدم شي‌ء عنده.

ويرده ما تقدم من قوله عليهم‌السلام في ما تقدم «يستقرض على الله وعلى رسوله ، وأنه ينتظر رزق الله» وكذا ظواهر أخبار الجواز لإطلاقها في ذلك.

__________________

(1) التهذيب ج 6 ص 194.

(2) يقال قدحه الدين : أي أثقله ، ويتضلع : اى امتلى شبعا ، ويبلغه من البلغة بالضم وهي ما يكتفى به من العيش. منه رحمه‌الله.

(3) وصورة مناقشة ابن إدريس هو ان الشيخ ذكر في النهاية ان الاولى ان لا يستدين إلا إذا كان له ما يرجع اليه ، أو يكون له ولى يعلم انه ان مات قضى عنه ، فاعترضه ابن إدريس بأن هذا غير واضح لأن الولي لا يجب عليه قضاء دين من هو ولى له ، وخطأته العلامة في المختلف بان الشيخ لم يدع وجوب القضاء على الولي ، بل قال : إذا علم بأن له وليا يقضى عنه زالت الكراهة ، وهو الذي أشار إليه في الدروس. وأنت خبير بان الشيخ قد عول في ذلك على روايتي سماعة المذكورتين في الأصل. منه رحمه‌الله.


ثم انه حيث كان الدين عبارة عما يوجب شغل الذمة ، فالظاهر شمول الكراهة هنا للبيع سلفا ونسيئة ، بل ربما أمكن شموله للحال مع عدم إحضار النقد ، بل تأخيره إلى وقت آخر الا أن يخص الدين بالمؤجل ، كما قيل : ان الدين ما له أجل ، والقرض ما لا أجل له.

وحيث ان الدين الذي عنونا به الكتاب أعم من القرض ، فالكلام هنا يقع في مقصدين.

الأول في القرض

وثوابه جسيم وأجره عظيم ، ومنعه من الطالب المحتاج اليه ذميم ، فروى الصدوق في كتاب ثواب الأعمال عن محمد بن حباب القماط (1) عن شيخ كان عندنا قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لأن أقرض قرضا أحب الى من أن أتصدق بمثله ، وكان يقول : من أقرض قرضا وضرب له أجلا ولم يؤت به عند ذلك الأجل كان له من الثواب في كل يوم يتأخر عن ذلك الأجل مثل صدقة دينار واحد في كل يوم».

وعن الفضيل (2) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : ما من مسلم أقرض مسلما قرضا حسنا يريد به وجه الله الا حسب له اجره كحساب الصدقة حتى يرجع اليه».

وعن جابر (3) عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أقرض مؤمنا قرضا ينظر به ميسوره ، كان ماله في زكاة ، وكان هو في صلاة من الملائكة حتى يؤديه اليه».

وعن هيثم الصيرفي (4) وغيره عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : «القرض الواحد بثمانية عشر وان مات حسبه من الزكاة». وروى في كتاب الهداية (5) قال : «قال

__________________

(1 ـ 2 ـ 3 ـ 4) الوسائل الباب ـ 6 ـ من أبواب الدين والقرض.

(5) المستدرك ج 2 ص 398.


الصادق عليه‌السلام : مكتوب على باب الجنة الصدقة بعشرة ، والقرض بثمانية عشر». وانما صار القرض أفضل من الصدقة لأن المستقرض لا يستقرض الا من حاجة ، وقد يطلب الصدقة من غير الاحتياج إليها.

وروى في كتاب عقاب الأعمال في حديث (1) عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «من شكى إليه أخوه المسلم فلم يقرضه حرم الله عليه الجنة يوم يجزى المحسنين».

وروى الراوندي في نوادره (2) بإسناده عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الصدقة بعشرة ، والقرض بثمانية عشر ، وصلة الإخوان بعشرين ، وصلة الرحم بأربع وعشرين».

وروى في الأمالي في خبر المناهي (3) قال : «قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، من احتاج اليه أخوه المسلم في قرض وهو يقدر عليه ولم يفعل حرم الله عليه ريح الجنة».

وروى الشيخ وجملة ممن تأخر عنه في الكتب الفقهية منهم العلامة في جملة من كتبه أن القرض أفضل من الصدقة بمثله من الثواب ، والظاهر كما استظهره بعض مشايخنا المتأخرين أن الضمير في مثله متعلق بأفضل ، بمعنى أن فضل القرض أكثر من الصدقة في الثواب بقدر المثل ، اى أن ثواب القرض ضعف ثواب الصدقة ، وربما أشكل الجمع بينه وبين ما تقدم من أن الصدقة الواحدة بعشرة ، والقرض بثمانية عشرة ، حيث ان ظاهر الخبر أن درهم الصدقة بعشرة ، ودرهم القرض بعشرين ، وعند التأمل في ذلك لا إشكال ، لأن المفاضلة والمضاعفة انما هي في الثواب ، ولا ريب انه إذا تصدق بدرهم ، فإنه إنما يصير عشرة باعتبار ضم الدرهم المتصدق به حيث أنه لا يرجع ، والحاصل من الثواب الذي اكتسبه بالصدقة في الحقيقة مع قطع النظر عن ذلك الدرهم انما هو تسعة ، وعلى هذا فثواب القرض وهو ثمانية عشر ضعف التسعة ، لان المفاضلة والمضاعفة انما هي في الثواب المكتسب.

__________________

(1) الوسائل الباب ـ 6 ـ من أبواب الدين والقرض.

(2) الوسائل الباب ـ 11 من أبواب المعروف.

(3) الفقيه ج 4 ص 9.


ولك أن تقول ان درهم الصدقة لما لم يكن بعشرة الا من حيث عدم رجوع الدرهم فدرهم القرض ، لما كان يرجع بعينه ، ويرجع ما قابله من الثواب المخصوص بتلك العين ، يكون الباقي ثمانية عشر ، وعلى كل من التقديرين فالمضاعفة حاصلة.

ثم انه ينبغي أن يعلم أن تحقق أصل الثواب في القرض فضلا عن أفضليته على الصدقة انما يكون مع قصد القربة لله سبحانه ، كما في نظائره من الطاعات ، فلو قصد به الأغراض الدنيوية لم يترتب عليه ذلك.

ويدل عليه ما رواه الثقة الجليل على بن إبراهيم القمي في تفسيره بسنده فيه عن حفص (1) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : الربا رباءان أحدهما حلال ، والأخر حرام ، فأما الحلال فهو أن يقرض الرجل أخاه قرضا طمعا أن يزيده ، ويعوضه بأكثر مما يأخذه من غير شرط بينهما ، فإن أعطاه أكثر مما أخذه بلا شرط بينهما فهو مباح له ، وليس له عند الله ثواب فيما أقرضه ، وهو قوله «فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ» وأما الحرام فالرجل يقرض قرضا يشترط أن يرد أكثر مما أخذه فهذا هو الحرام».

وكيف كان فالكلام في هذا المقصد يقع في مواضع الأول ـ قد صرح الأصحاب رضوان الله عليهم ، بأن القرض عقد يتوقف على الإيجاب والقبول مثل سائر العقود ، الا أنه عقد جائز لا لازم ، مثل البيع ونحوه ، وهو ظاهر في تحقق الملك على المشهور من تملكه بالإيجاب والقبول والقبض (2)

وأما على القول بأنه لا يملك الا بالتصرف فمقتضى ذلك أنه قبل التصرف انما هو بمنزلة الإباحة ، وعلى هذا فينبغي أن لا يتوقف على العقد ، الا أن يقال : بأن الآثار

__________________

(1) الوسائل الباب ـ 18 ـ من أبواب الربا وفيه عن المنقري عن جعفر بن غياث.

(2) ومن أظهرها في وجوب الزكاة على المقترض بعد قبضه مال القرض ودخول الحول عليه عنده ، ولو كان اباحة لكان باقيا على ملك المقترض ، وكانت الزكاة عليه ، وبالجملة فإن ظاهر الاخبار يدل على حصول الملك بذلك لا على مجرد الإباحة ، ومن الظاهر ان حصول الملك يحتاج الى ناقل شرعي عما كان عليه سابقا فتأمل. منه رحمه‌الله.


المترتبة على التصرف في هذا الباب ـ المغايرة للتصرف على وجه الإباحة ـ تتوقف على ما يدل على جواز التصرف ، وليس الا العقد والقبض ، قالوا : وإيجابه أن يقول أقرضتك أو أسلفتك أو ملكتك وعليك عوضه ، أو خذه أو تصرف فيه أو انتفع به ونحو ذلك.

وبالجملة فإن صيغته لا تنحصر في لفظ كالعقود الجائزة ، بل كل لفظ دل عليه كفى ، الا ان أقرضتك صريح في معناه ، فلا يحتاج إلى ضميمة عليك رد عوضه ، ونحوه وغيره من الألفاظ يحتاج إليها ، فلو تركها وكان بلفظ التمليك أفاد الهبة ان لم يكن ثمة ما يدل على القرض من قرائن المقام ، ولم يعلم قصده ، لان اللفظ المذكور صريح في ذلك ، ولو كان بلفظ السلف كان فاسدا ، لأنه حقيقة في السلم ، ولم يوجد ما يصرف عنه كما هو المفروض ، ولم يجتمع شرائطه ، ولو كان بغيرهما من الألفاظ الدالة على الإباحة فهو على ما يقتضيه ظاهر اللفظ ، الا مع القصد إلى الهبة فيدخل فيها ، ولو اختلفا في القصد فالقول قول الموجب ، لأنه أبصر بما قاله.

ولو اختلفا في الهبة بأن ادعى القابض كونه هبة ، وادعى المعطى كونه قرضا فقد قطع في التذكرة بتقديم قول صاحب المال محتجا بأنه أعرف بلفظه ، وأن الأصل عصمة ماله وعدم التبرع ، ووجوب الرد على الأخذ لقوله (1) صلى‌الله‌عليه‌وآله «على اليد ما أخذت حتى تؤدى». ثم احتمل تقديم دعوى الهبة.

واستشكل في القواعد وأورد على ما احتج به في التذكرة بأن لفظ التمليك حقيقة في الهبة ، لأنه تمام مفهومه الشرعي ، وأما كونه بمعنى القرض فيفتقر إلى ضميمة أخرى ، لأنه معنى مجازي يتوقف الحمل عليه على القرينة ، والفرض انتفاؤها ، ولا خلاف ولا شبهة في أن دعوى خلاف الظاهر والحقيقة ـ في سائر العقود ـ لا يلتفت إليها ، والقصد وان كان معتبرا الا أن الظاهر في الألفاظ الصريحة اقترانها بالقصد ، وأنه لو أريد غيره لذكرت القرينة معه ، ومن هنا أجمعوا على أنه لو ادعى عدم القصد الى البيع ونحوه مع تصريحه بلفظه لم يلتفت اليه.

ومن ذلك يعلم أن أصالة العصمة قد انقطعت باللفظ الصريح الدال على الانتقال ،

__________________

(1) المستدرك ج 2 ص 504.


ومثله القول في الخبر فإنه مع وجود اللفظ الصريح في الدلالة على النقل عن الملك الرافع للضمان يخرج موضع النزاع من ذلك ، والكلام في القبول كما تقدم في الإيجاب من أنه لا ينحصر في لفظ ، بل كلما دل على الرضا بالإيجاب.

وهل يكفى القبول الفعلي ويترتب عليه ما يترتب على القولي من تمام الملك أو إنما يكفي بالنسبة إلى إباحة التصرف خاصة؟ قطع جمع من الأصحاب بالأول ، وتنظر فيه بعضهم ، واستظهر الثاني إذا عرفت ذلك فالذي يظهر عندي من تتبع الاخبار ان الأمر هنا كما قدمنا شرحه في كتاب التجارة (1) من سعة الدائرة في العقود ، والاكتفاء فيها بما دل على الرضا ، وعدم اشتراط شي‌ء زائد على ذلك.

والاكتفاء هنا بمجرد الطلب والإعطاء وأخذ ذلك بالألفاظ الدالة على ارادة القرض ، كما عرفت من حديث استقراض على بن الحسين عليهما‌السلام المتقدم ، فإنه ليس فيه بعد طلبه القرض من مولاه بقوله أقرضني والمحاورة بينهما في الوثيقة ، الا انه أعطاه المال بعد قبض الوثيقة ، فأخذ عليه‌السلام المال وانصرف ، وليس هنا صيغة ولا عقد زائد على ما ذكر في الخبر.

الثاني في حكم النفع المترتب على القرض ، والكلام في ذلك يقتضي بسطه في موارد أحدها : لا خلاف بين الأصحاب رضوان الله عليهم ، في تحريم اشتراط النفع في القرض ، بل نقل بعض محققي متأخرين المتأخرين إجماع المسلمين على ذلك ، وربما ظهر من بعض الاخبار تحريم حصول النفع ، وان كان لا بشرط ، والواجب نقل ما وصل إلينا من الاخبار في ذلك ، ثم الجمع بين مختلفاتها وتأليف متشتتاتها.

فمنهما ما رواه المشايخ الثلاثة (نور الله تعالى مراقدهم) عن محمد بن

__________________

(1) ج 18 ص 355.


مسلم (1) وغيره قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يستقرض من الرجل قرضا ويعطيه الرهن اما خادما واما آنية واما ثيابا فيحتاج إلى شي‌ء من منفعته ، فيستأذنه فيه فيأذن له ، قال : إذا طابت نفسه فلا بأس ، فقلت : ان من عندنا يرون أن كل قرض يجر منفعة فهو فاسد؟ قال : أو ليس خير القرض ما جر منفعة».

وما رواه في الكافي والتهذيب عن محمد بن عبده (2) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن القرض يجر المنفعة؟ قال : خير القرض الذي يجر المنفعة».

وما رواه في الكافي عن بشر بن مسلمة (3) وغير واحد عمن أخبره عن أبى جعفر عليه‌السلام قال : «خير القرض ما جر المنفعة» ورواه الشيخ في التهذيب عن بشر بن مسلمة عن أبى عبد الله عليه‌السلام «قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام» ، الحديث.

وما رواه الصدوق والشيخ عن إسحاق بن عمار (4) في الموثق قال : «قلت لأبي إبراهيم عليه‌السلام : الرجل يكون له عند الرجل المال قرضا فيطول مكثه عند الرجل ، لا يدخل على صاحبه منه منفعة ، فينيله الرجل الشي‌ء كراهة ان يأخذ ماله حيث لا يصيب منه منفعة أيحل ذلك له؟ قال : لا بأس إذا لم يكونا شرطاه».

وما رواه في الكافي عن إسحاق بن عمار (5) عن أبى الحسن عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يكون له مع الرجل مال قرضا فيعطيه الشي‌ء من ربحه مخافة أن يقطع ذلك عنه ، فيأخذ ماله من غير أن يكون شرط عليه قال : لا بأس».

وما رواه في التهذيب عن محمد بن قيس (6) في الصحيح عن أبى جعفر عليه‌السلام قال : «من أقرض رجلا ورقا فلا يشترط الا مثلها ، فإن جوزي بأجود منها فليقبل ولا يأخذ أحد منكم ركوب دابة أو عارية متاع يشترطه من أجل قرض ورقه».

وما رواه في التهذيب عن أبى بصير (7) في الموثق عن أبى جعفر عليه‌السلام ،

__________________

(1 ـ 2 ـ 3) الكافي ج 5 ص 255 التهذيب ج 6 ص 201.

(4) التهذيب ج 6 ص 205 الفقيه ج 3 ص 181.

(5) الكافي ج 5 ص 103.

(6 ـ 7) التهذيب ج 6 ص 203.


قال : «قلت له : الرجل يأتيه النبط بأحمالهم فيبيعها لهم بالأجر فيقولون : له أقرضنا دنانير فانا نجد من يبيع لنا غيرك ، ولكنا نخصك بأحمالنا من أجل أنك تقرضنا قال : لا بأس به ، انما يأخذ دنانير مثل دنانيره ، وليس بثوب ان لبسه كسر ثمنه ، ولا دابة ان ركبها كسرها وانما هو معروف يصنعه إليهم».

وما رواه في الفقيه وفي التهذيب عن جميل بن دراج (1) عن رجل عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : «قلت : أصلحك الله انا نخالط نفرا من أهل السواد فنقرضهم القرض ، ويصرفون إلينا غلاتهم فنبيعها لهم بأجر ، ولنا في ذلك منفعة؟ قال : فقال لا بأس ، ولا أعلمه ، الا وقال : لو لا ما يصرفون إلينا من غلاتهم لم نقرضهم ، فقال : لا بأس».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي (2) عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا أقرضت الدراهم ثم جائك بخير منها فلا بأس إذا لم يكن بينكما شرط».

وعن خالد بن الحجاج (3) قال : «سألته عن رجل كانت لي عليه مأة درهم عددا فقضاها مأة ورقا قال لا بأس ما لم يشترط ، قال : وقال : جاء الربا من قبل الشروط انما يفسده الشروط».

وعن الحلبي (4) في الحسن عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يستقرض الدراهم البيض عددا ثم يعطى وزنا وقد عرف أنها أثقل مما أخذ ويطيب نفسه ان يجعل له فضلها؟ فقال : لا بأس به إذا لم يكن فيه شرط ، ولو وهبها له كملا كان أصلح».

وعن أبى الربيع (5) قال : «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجل أقرض رجلا

__________________

(1) الفقيه ج 3 ص 180 التهذيب ج 6 ص 204.

(2) التهذيب ج 6 ص 201.

(3 ـ 4) التهذيب ج 7 ص 112.

(5) التهذيب ج 6 ص 200.


دراهم فرد عليه أجود منها بطيب نفسه ، وقد علم المستقرض والقارض انه انما أقرضه ليعطيه أجود منها قال : لا بأس إذا طابت نفس المستقرض».

وما رواه في التهذيب عن إسحاق بن عمار (1) في الموثق عن العبد الصالح عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يرهن الثوب أو العبد أو الحلي أو المتاع من متاع البيت ، فيقول صاحب الرهن للمرتهن : أنت في حل من لبس هذا الثوب فالبس الثوب وانتفع بالمتاع ، واستخدم الخادم؟ قال : هو له حلال إذا أحله وما أحب له أن يفعل».

وعن على بن محمد (2) قال : «كتبت اليه القرض يجر المنفعة هل يجوز أم لا؟ فكتب عليه‌السلام ، يجوز ذلك عن تراض منهما ان شاء الله».

وعن يعقوب بن شعيب (3) في الصحيح عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يسلم في بيع أو تمر عشرين دينارا ويقرض صاحب السلم عشرة دنانير أو عشرين دينارا؟ قال : لا يصلح إذا كان قرضا يجر شيئا ، فلا يصلح ، قال : وسألته عن الرجل يأتي حريفه وخليطه فيستقرضه الدنانير فيقرضه ، ولولا أن يخالطه ويحارفه ويصيب عليه لم يقرضه؟ فقال : ان كان معروفا بينهما فلا بأس ، وان كان انما يقرضه من أجل أنه يصيب عليه فلا يصلح».

وما رواه في الكافي عن غياث بن إبراهيم (4) عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : «ان رجلا أتى عليا عليه‌السلام فقال له : ان لي على رجل دينا فأهدى الى هدية قال : احسبه من دينك عليه».

وعن هذيل بن حيان أخي جعفر بن حيان الصيرفي (5) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : انى دفعت الى أخي جعفر مالا فهو يعطيني ما أنفقه وأحج به وأتصدق ، وقد سألت من قبلنا فذكروا أن ذلك فاسد لا يحل ، وأنا أحب أن انتهى الى قولك ،

__________________

(1 ـ 2 ـ 3) التهذيب ج 6 ص 200 و 204 و 205.

(4 ـ 5) الكافي ج 5 ص 103.


فقال لي : أكان يصلك قبل ان تدفع اليه مالك؟ قلت : نعم ، قال : خذ ما يعطيك فكل منه واشرب وحج وتصدق ، فإذا قدمت العراق فقل جعفر بن محمد أفتاني بهذا».

وما رواه الحميري في كتاب قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده على بن جعفر (1) عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل اعطى رجلا مأة درهم على أن يعطيه خمسة دراهم ، أو أقل أو أكثر قال : هذا الربا المحض».

هذا ما حضرني من اخبار المسألة وجلها كما ترى متفق الدلالة واضح المقالة على حل الانتفاع بما يحصل في القرض ، ويترتب عليه من المنافع الا مع الشرط.

واما ما دل عليه صحيح يعقوب بن شعيب مما ينافي ما ذكرناه فقد حمله الشيخ على الكراهة تارة ، وعلى الشرط اخرى ، والأقرب عندي حمله على التقية لما يفهم من الخبر الأول وخبر هذيل بن حيان ، فان ظاهرهما ان مذهب العامة تحريم القرض الذي يجر المنفعة مطلقا.

وقد رووا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله «ان كل قرض يجر المنفعة فهو حرام» (2). ولهذا تكاثرت الاخبار ردا عليهم ، بأن خير القرض ما جر المنفعة ، وانما منعت في صورة الشرط خاصة ، كما تقدم في الاخبار خصوصا رواية خالد بن الحجاج من قوله عليه‌السلام «جاء الربا من قبل الشروط ، انما يفسده الشروط».

واما ما دل عليه خبر غياث بن إبراهيم من حساب الهدية من الدين ، فحمله الشيخ على الهدية الغير المعتادة أو المشترطة جمعا بين الاخبار ، وحمله بعضهم على الاستحباب ، ولا بأس به ، ويشير الى ذلك قول عليه‌السلام في موثق إسحاق بن عمار «وما أحب له أن يفعل» بعد ان صرح بالجواز ، ولا منافاة في ذلك لباقي الأخبار ، فإن غاية ما يدل عليه الجواز ، وهو لا ينافي الكراهة.

__________________

(1) الوسائل الباب 19 ـ من أبواب الدين الرقم 8.

(2) المستدرك ـ ج 2 ص 492 الجامع الصغير ـ ج 2 ص 94 ط احمد حنفي لكن فيهما «فهو ربا».


وعلى هذا ينبغي ان يحمل مفهوم رواية هذيل بن حيان ، فان ظاهرها تخصيص جواز القول بما إذا كان يصله سابقا قبل دفع ماله اليه ، ومفهومه عدم الجواز لو كان بعد دفع المال ، وما ذاك الا من حيث ترتب النفع على دفع المال ، فيحمل حينئذ على الكراهة جمعا (1) ويشير الى ذلك ايضا قوله في آخر حسنة الحلبي المتقدمة «ولو وهبها له كان أصلح» فكأنما بالهبة تزول الكراهة ، وحينئذ فيمكن القول بالجواز على كراهة الا ان ظاهر قولهم عليهم‌السلام «خير القرض ما جر المنفعة». ربما نافى ذلك ، فإنه لا تثبت الخيرية مع الكراهة.

وبعدم الكراهة صرح ايضا شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ، فقال بعد قول المصنف «لو تبرع المقترض بزيادة في العين أو الصفة جاز» : لا فرق في الجواز بين كون ذلك من نيتهما أو عدمه ، ولا بين كونه معتادا أو عدمه بل لا يكره قبوله ، للأصل وإطلاق النصوص بذلك ، وقد روى ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (2) «اقترض بكرا فرد باذلا (3) رباعيا ، وقال : ان خير الناس أحسنهم قضاء». وروى مثله كثيرا عن الصادق عليه‌السلام انتهى.

__________________

(1) ويحتمل ايضا الحمل على التقية بل الظاهر انه الأقرب كما يشير اليه قوله في آخر الخبر إذا قدمت العراق فقل : جعفر بن محمد أفتاني بهذا ، فإنه حيث كانت هذا الفتوى موافقا لما عليه العامة من تحريم النفع أمر بإضاعتها وعدم كتمانها منه رحمه‌الله.

(2) أقول : هذا الخبر من طريق العامة كما ذكره بعض المحققين ، وصورة الخبر هكذا ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله اقترض قرضا من رجل بكرا فقدمت عليه بإبل الصدقة ، فأمر أبا رافع أن يقبض الرجل بكره فرجع أبو رافع فقال : لم أجد فيها الا جملا جبارا فقال أعطها إياه ، ان خير الناس أحسنهم قضاء». منه رحمه‌الله ـ سنن البيهقي ج 5 ص 351 وج 6 ص 21.

(3) الباذل الذي تم له ثمان سنين ثم يقال له باذل عام وباذل عامين وهكذا كل سنة. منه رحمه‌الله.


ويؤيده ما ذكره أيضا صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (1) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ، عن الرجل يستقرض من الرجل الدراهم فيرد عليه المثقال أو يستقرض المثقال فيرد عليه الدراهم؟ فقال : إذا لم يكن شرط فلا بأس ، وذلك هو الفضل كان أبى عليه‌السلام يستقرض الدراهم الفسولة فيدخل عليه الدراهم الجياد ، فيقول : يا بنى ردها على الذي استقرضتها منه فأقول : يا أبت ان دراهمه فسولة وهذه خير منها فيقول : يا بنى ان هذا هو الفضل فأعطه إياها».

أقول : الظاهر أن قوله عليه‌السلام ، «ان هذا هو الفضل» إشارة إلى قوله عزوجل (2) «وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ» ويمكن الجمع ـ بأن هذه الاخبار حيث أنك قد عرفت ظهور الكراهة من الاخبار التي أشرنا إليها ـ بأن يقال : لا منافاة بين استحباب إعطاء الفضل من المقترض وان كره على المقارض أخذه ، الا ان اجراء هذه الحمل في اخبار «خير القرض ما جر المنفعة» لا يخلو من تعسف وتكلف.

وثانيها الظاهر أن لا خلاف بين الأصحاب في بطلان القرض وعدم افادته الملك متى اشتمل على اشتراط النفع.

بل نقل في المسالك الإجماع على ذلك ، قال : ومستنده «ما روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (3) «أنه قال : كل قرض يجر منفعة فهو حرام». والمراد مع الشرط ، إذ لا خلاف في جواز التبرع. انتهى. وحينئذ فمع شرط الزيادة تصير الزيادة والإقراض والاقتراض حراما ، وكذا التصرف في المال المقترض مع العلم ، ويكون مضمونا كالمغصوب ، لان المفروض بطلان العقد بذلك ، فيترتب الأحكام المذكورة ، فلو قبضه كان مضمونا عليه ، كالبيع الفاسد للقاعدة المشهورة «من أن

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 254 التهذيب ج 7 ص 115 الفقيه ج 3 ص 181.

(2) سورة البقرة ، الاية 237.

(3) المستدرك ج 2 ص 492 الجامع الصغير ج 2 ص 94 ط احمد حنفي لكن فيهما «فهو ربا».


كل عقد يضمن بصحيحه ، يضمن بفاسده» ونقل عن ابن حمزة أنه ذهب الى كونه أمانة وهو ضعيف ، لما عرفت.

أقول : أما ما ذكروه من تحريم الشرط المذكور فهو مما لا اشكال فيه ، وما ذكروه من بطلان أصل العقد فان كان من حيث اشتماله على الشرط الفاسد ، وكل عقد كان كذلك فهو باطل ، فقد عرفت الخلاف في ذلك فيما تقدم ، الا ان الظاهر أنه ليس البطلان هنا عندهم مبنيا على ذلك ، ولهذا انما استند شيخنا المتقدم ذكره بعد دعوى الإجماع الى الخبر النبوي المذكور ، وهو صريح فيما ذكره ، الا أن الظاهر أن الخبر المذكور انما هو من طريق العامة ، فإني لم أقف عليه بعد التتبع في شي‌ء من كتب أخبارنا ، وأخبار المسألة المتقدمة على كثرتها وتعددها ليس فيها اشعار فضلا عن الدلالة الصريحة ببطلان أصل العقد ، بل الظاهر منها انما هو بطلان الشرط ، فان مفهوم نفى البأس مع عدم الشرط في كثير مما تقدم من الاخبار انما ـ توجه إلى الزيادة ، كما لا يخفى على المتأمل فيها.

فمنها موثقة إسحاق بن عمار (1) المشتملة على أنه ينيله الشي‌ء بعد الشي‌ء كراهة أن يأخذ ماله أيحل ذلك؟ «قال : لا بأس إذا لم يكونا شرطاه» وهو ظاهر في أن السؤال انما هو عن حل الزيادة ، فأجاب عليه‌السلام بالحل مع عدم الشرط ، ومفهومه أنه مع الشرط لا تحل ، وأما أصل العقد فلا تعرض في الخبر له بوجه.

وقس على ذلك غيره من الاخبار التي مثله في هذه العبارة مثل خبر إسحاق الثاني وحسنة الحلبي ونحو ذلك قوله عليه‌السلام في صحيحة محمد بن قيس : «ولا يأخذ أحدكم ركوب دابة أو عارية متاع يشترطه من أجل قرض ورقه». فإنه نهى عليه‌السلام عن أخذ الزيادة بالشرط.

وبالجملة فإن الأخبار المتقدم لا دلالة فيها ولو بنوع اشارة على بطلان العقد من أصله ، ولا أعرف لهم دليلا إلا الإجماع المدعى كما عرفت ، والمسألة لذلك محل

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 103.


أشكال (1).

وثالثها : لا يخفى أن الزيادة التي يحرم اشتراطها في القرض ـ ويجوز أخذها مع عدم الشرط ـ اما أن يكون عينية وهو ظاهر ، أو حكمية كدفع الجيد بدل الردى والصحيح بدل المكسور ، والكبير بدل الصغير ، ولا إشكال في صورة عدم الاشتراط في أن المقرض يملك الزيادة المذكورة ملكا مستقرا بقبضه ذلك ، لأنها تابعة للعين ، كان ذلك استيفاء لحقه.

وانما الإشكال في الزيادة العينية كما لو دفع اثنا عشر من عليه عشرة ، فهل يكون الحكم في هذه الزيادة كالزيادة الحكمية؟ بناء على أنها معاوضة عما في الذمة ، غايته كونه متفاضلا ، وهو مع عدم الشرط جائزا أو أنه يكون الزائد بمنزلة الهبة ـ فيترتب عليه أحكامها التي من جملتها الرجوع في العين ما دامت موجودة على بعض الوجوه ، نظرا الى أن الثابت في الذمة انما هو مقدار الحق ، فالزائد تبرع خالص ، وإحسان محض ، وعطية منفردة ـ اشكال.

قال في المسالك بعد ذكر نحو ذلك وبعد أن اعترف بأنه لم يقف فيه على شي‌ء ما صورته : ولعل الثاني أوجه ، خصوصا مع حصول الشك في انتقال الملك عن مالكه على وجه اللزوم انتهى وهو جيد.

ويؤيده أن غاية ما يفهم من الاخبار المتقدمة هو حل ذلك له ، وان كان على كراهية كما قدمنا ذكره ، وهو لا ينافي جواز الرجوع مع وجود العين ، وأما ما ذكره المحقق الأردبيلي (قدس‌سره) في هذا المقام ـ حيث قال ـ بعد نقل حسنة الحلبي المتقدمة الدالة على أن الرجل يستقرض الدراهم البيض عدد اثم يعطى وزنا الى آخره ـ : وفيها دلالة على أن الزيادة هبة مستأنفة يجرى فيها أحكامها ، ولا يحتاج إلى صيغة على حدة ، بل يكفي الإعطاء بطيب النفس عوضا ، فيجري فيه أحكام المعوضات ،

__________________

(1) وبموجب ما ذكرناه انه لو أقرضه بشرط شي‌ء من النفع عينيا أو حكميا فان القرض صحيح يملكه المقترض ، وأنما يحرم ما اشترطه من النفع خاصة ـ منه رحمه‌الله.


كما هو مقتضى الأصل والقواعد ، وقد تردد فيه في شرح الشرائع ، ثم رجح ما رجحناه ، وقال : ولم أقف ثم نقل باقي العبارة كما قدمناه.

ففيه أولا أنه لا يخفى أن كلام شيخنا الشهيد الثاني المتقدم انما هو في الزيادة العينية ، والذي تضمنه الخبر انما هو الزيادة الحكمية ، فإن الثقل الحاصل في الدرهم انما هو من قبيل الحكمية ، كما تقدم في دفع الكبير بدل الصغير ، وقد عرفت أنه لا إشكال في انتقالها وملك المقرض لها.

وثانيا أن عبارة الخبر «ولو وهبها له كان أصلح» ظاهرة في أن ما تضمنه السؤال والجواب أولا انما يعطى مجرد الإباحة التي قد بنينا سابقا على دخول الكراهة فيها ، وقد ذكرنا أن قوله «ولو وهبها» الى آخره إنما أريد به الإشارة إلى دفع الكراهة ، بأن يهبه الزيادة بصيغة شرعية ، ليخرج بذلك من الكراهة ، فظاهر الخبر انما هو ان الدفع انما كان على جهة الإباحة والعطية المطلقة ، وأن الامام عليه‌السلام ، استدرك ذلك بقوله «ولو دفع ذلك على وجه الهبة لكان أصلح».

وفيه إشارة الى أن الذي ذكر في الخبر أولا على غير الوجه الأصلح لا أن الرواية دلت على كون الزيادة هبة كما فهمه ، وفرع عليه ما ذكره ، فان توسط (لو) في المقام ظاهر في تغاير ما قبلها ، وما بعدها وأن ما بعدها ، فرض آخر ، بمعنى أن الأصلح أن يكون كذلك ، وما ذكرناه بحمد الله سبحانه ظاهر للناظر.

ورابعها : قد عرفت تحريم اشتراط النفع في القرض مطلقا عينيا كان أو حكميا ، وقال الشيخ في النهاية : وان أعطاه الغلة وأخذ منه الصحاح شرط ذلك أو لم يشترط لم يكن به بأس ، وقال أبو الصلاح يجوز القرض بشرط أن يعطيه عوض الغلة صحاحا ، وعوض المصوغ من الذهب عينا ، ومن الفضة ورقا ، وعوض نقد مخصوص من خالص الذهب والفضة العتيق من نقد غيره ، ويلزم ذلك مع الشرط ، ومع عدمه ليس له الا مثل ما أقرض الا أن يتبرع أحدهما.

وقال ابن حمزة يصح اشتراط الصحيح عن الغلة ، وكذا قال ابن البراج ، وظاهر كلام أكثر هؤلاء هو استثناء اشتراط أخذ الصحاح عن الغلة من القاعدة


المتقدمة ، وزاد أبو الصلاح على ذلك ما هو مذكور في عبارته.

وقال ابن إدريس لا يجوز أن يشترط رد الصحاح عوضا عن المكسرة ، وبه أفتى جملة من تأخر عنه ، وهو كذلك.

ونقل عن الشيخ ومن معه الاستناد فيما ذكروه الى ما رواه عن يعقوب بن شعيب (1) في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يقرض الرجل الدراهم الغلة ويأخذ منه الدراهم الطازجية (2) طيبة بها نفسه قال : لا بأس». وذكر ذلك عن علي عليه‌السلام.

ورده الأصحاب بأنه لا دلالة فيه على ما ادعاه ، إذ لم يذكر فيه الشرط ، وغايته أنه مطلق ، فيجب تقييده بعدم الشرط ، جمعا بينه وبين ما دل من الاخبار المتقدمة على تحريم الاشتراط ، ولا سيما صحيح محمد بن قيس (3) فإنه نص في المطلوب حيث قال فيه : «من أقرض رجلا ورقا فلا يشترط الا مثلها».

وظاهر المحقق الأردبيلي (رحمه‌الله عليه) هنا الميل الى ما ذكره الشيخ ومن تبعه ، وتعميم الحكم في المنفعة الحكمية لا بخصوص ما في عبارة النهاية ، بل نقل عن الشيخ والجماعة المذكورين العموم أيضا ، قال «قدس‌سره» : وأما اشتراط الزيادة وصفا مثل أن يشترط الصحيح عوضا عن المكسور فنقل عن الشيخ وجماعة جوازه ، ولأنه مثل اشتراط الجيد عوض الردى ، وللأصل ، وعدم ظهور دخوله تحت الربا ، وعدم دليل آخر من إجماع ونحوه ، وخبر العامة ليس بصحيح ، ومعارض بخبر محمد بن مسلم ثم ذكر جملة من الاخبار المتقدمة المطلقة في جواز

__________________

(1) التهذيب ج 6 ص 201.

(2) قال في المختلف ويريد بالطازجية الدراهم البيض الجيدة ، وهي بالطاء غير المعجمة والزاي والجيم انتهى وقال في المسالك : والمراد بالطازج الخالص وبالغلة غيره وقال في السرائر الطازجية : بالطاء غير المعجمة والزاء المعجمة والجيم : الدراهم البيض الجيد ، والغلة مكسرة الدراهم منه رحمه‌الله.

(3) التهذيب ج 6 ص 203.


أخذ نفع القرض ، الى أن قال : نعم يمكن حملها على ما إذا لم يشترط جمعا بين الأدلة.

ثم أورد جملة من الروايات الدالة على نفى البأس ما لم يشترط ، ثم ذكر صحيحة محمد بن قيس ، وقال : هذه صريحة في المنع والتحريم عن الزيادة الوصفية ، الى أن قال : فلو لا الحمل ، بل ولو لا هذه الرواية لكان قول الشيخ والجماعة قويا بما تقدم ، مع عدم نص صحيح في المنع في الوصف ، لأن الأخبار المتقدمة إنما دلت بالمفهوم على البأس مع الشرط ، وهو أعم من الكراهة والتحريم ، فكان الحمل على الكراهة أولى فتأمل.

وفيه أولا أن ما نقله عن الشيخ والجماعة من عموم الجواز في الزيادة الوصفية مطلقا لا أعرف له وجها ، وقد قدمنا لك عبائرهم ، وكيف لا والشيخ في النهاية مصرح في غير موضع بتحريم الزيادة وصفية أو عينية مع الشرط (1) وانما استثنى هذا الفرد الذي قدمنا نقله عنه ، وهو مدلول روايته التي نقل عنه الاستناد إليها.

وثانيا أنه قد تقدم في رواية خالد بن الحجاج «انما يفسده الشروط» وهو أعم من أن يكون الزيادة المشروطة عينية أو وصفية ، ولكن له الجواب هنا بأن الخبر غير صحيح ، كما يشير اليه قوله «مع عدم نص صحيح في المنع في الوصف».

وثالثا قوله «فكان الحمل على الكراهة أولى» فإن فيه أن الاولى انما هو العكس ، لان ثبوت البأس المدلول عليه بالمفهوم في تلك الاخبار وان كان أعم من الكراهة والتحريم كما ذكره ، الا أن صحيحة محمد بن قيس لما صرحت بالتحريم ـ كما اعترف به ـ فالمناسب حمل هذا الإطلاق في هذه الاخبار عليها ، وتقييده بها ، كما

__________________

(1) فمن ذلك قوله فإذا أقرض الإنسان مالا ، فرد عليه ما هو الأجود منه من غير شرط كان ذلك جائزا ، وان أقرض وزنا فرد عليه عددا أو أقرض عددا ورد عليه وزنا من غير شرط زاد أو نقص بطيبة نفسه منها لم يكن بذلك بأس ، ثم قال : «وان أعطاه الغلة» العبارة المتقدم نقلها عنه في الأصل ، وهو كما ترى ظاهر في تخصيص الجواز بهذه الصورة. منه رحمه‌الله.


والقاعدة المشهورة والله العالم.

وخامسها : قال المحقق الأردبيلي (قدس‌سره) بعد البحث في المسألة وتقديم جملة من الاخبار التي قدمناها : ثم ان ظاهر الاخبار المتقدمة وجوب أخذ الأجود ، ذكره في التذكرة ، وليس ببعيد ، وعدم الأخذ بعيد ، وتكليف المقترض بغير الأجود منفي بالأصل ، وبأنه فضل ماله وزيادة بلا مانع ، فيجب القبول ، ولدخوله تحت مثل المال. نعم يمكن المنع في الزيادة العينية ، وهنا أيضا لا ينبغي مع عدم المنة ، بل قد يكون المنة له لو قبل ، الى آخر كلامه (زيد في إكرامه).

وفيه نظر أما أولا فإن ما نقله عن التذكرة ونفى عنه البعد من ظهور الاخبار في وجوب أخذ الأجود ـ لا اعرف له وجها ، فإن غاية ما تدل عليه الاخبار المشار إليها هو نفى البأس عن أخذ الأجود ، كما تضمنته صحيحة الحلبي (1) ورواية خالد بن الحجاج ، (2) وحسنة الحلبي ، (3) ورواية أبي الربيع ، (4) وهو ان لم يدل على البأس ـ كما قيل ان نفى البأس ، يشير إلى البأس ـ لم يدل على الوجوب ، على أن الوجوب حكم شرعي يحتاج الى دليل صريح واضح.

وأما ثانيا فلما عرفت فيما تقدم في المورد الأول من أنه يكره للمقرض قبول الزيادة عينية أو وصفية ، فكيف يتم الوجوب عليه ، وقد أوضحنا ذلك من جملة من الاخبار ، وبذلك أيضا صرح الشيخ في النهاية حيث أنه ـ بعد أن عد جملة من المواضع التي يجوز قبول الزيادة فيها عينية أو وصفية مع عدم الشرط ، قال : «والاولى تجنب ذلك أجمع ، وهو مؤيد لما ذكرناه حيث فهم من الاخبار ما فهمناه.

وأما ثالثا فان ما ذكره من الوجوه التخريجية زاعما دلاتها على الوجوب حيث قال بعدها : فيجب القبول عجيب من مثله (قدس‌سره) فان مثل هذه العلل التخريجية لا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية ، إذ الأدلة عندنا منحصرة في الكتاب والسنة ، وعلى تقدير زيادتهم الإجماع ودليل العقل فلا إجماع في المقام ، ولا دليل عقليا ، لانحصار ذلك عندهم في الاستصحاب والبراءة الأصلية.

__________________

(1 ـ 2 ـ 3 ـ 4) التهذيب ج 6 ص 200.


على أن قوله وتكليف المقترض بغير الأجود منفي بالأصل ، معارض بأن مقتضى القواعد أن التكليف انما يقع بما استقر في الذمة ، وجواز الزائد على ذلك انما خرج هنا مخرج الرخصة ، فالأصل ان أريد به بمعنى القاعدة ، فالدليل مقلوب عليه ، كما عرفت ، وغير هذا المعنى لا وجه لاحتماله هنا ، وبالجملة فإن الكلام المذكور لا يخلو عن مجازفة وقصور والله العالم.

الموضع الثالث

المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أن القرض يملك بالقبض ، وكثير منهم لم يذكر خلافا في ذلك ، وقيل : بأنه يملك بالتصرف ، ونقل عن الشهيد (رحمة الله عليه) في بعض حواشيه أنه نسب هذا القول الى الشيخ ، وفي الدروس نسب القول المشهور الى الشيخ ، وحكى الأخر بلفظ قيل.

احتجوا للقول المشهور بأن التصرف فرع الملك وتابع له ، فيمتنع كونه شرطا فيه ، والا لزم الدور. وتوجيهه أن التصرف فيه لا يجوز حتى يصير ملكا ، لقبح التصرف في مال الغير ، فلو كان لا يصير ملكا حتى يتصرف فيه للزم توقف التصرف على الملك ، والملك على التصرف وهو دور.

ورد بمنع تبعية التصرف للملك ، وعدم تسليم قولكم أن التصرف لا يجوز حتى يصير ملكا ، فإنه يكفي في جواز التصرف اذن المالك ، كما في غيره من المأذونات ، ولا شك في حصول الإذن بالإيجاب والقبول ، فيكون ذلك سببا تاما في جواز التصرف ، وناقصا بالنسبة إلى إفادة الملك ، فإذا تصرف حصل تمام الملك ، كذا ذكره في المسالك.

وأورد عليه المحقق الأردبيلي (رحمه‌الله عليه) بأن الاذن انما حصل من المالك بأن يكون مالكا ويكون عليه العوض لا مطلقا ، كما في سائر المعاوضات فإنها على تقدير بطلانها لا يجوز التصرف بأن الإذن قد حصل ، ولانه يشكل جميع التصرفات ، لأن الوطي مثلا لا يمكن الا بالملك أو التحليل ، ومعلوم عدم الثاني ، فإذا لم يكن


الأول لم يجز ، وكذا البيع ونحوه ، فإنه لا يجوز لغير مالكه إلا بالوكالة ، أو فضولا ان جوز ، ومعلوم انتفاؤهما انتهى (1) وهو جيد.

ثم انه في المسالك ايضا قال ـ على أثر الكلام المتقدم : ثم انه ان كان التصرف غير ناقل للملك واكتفينا به ، فالأمر واضح ، وان كان ناقلا أفاد الملك الضمني قبل التصرف بلحظة يسيرة ، كما في العبد المأمور بعتقه عن الآمر غير المالك. ونقل في الدروس أن هذا القائل يجعل التصرف كاشفا عن الملك مطلقا ، وعلى هذا فلا اشكال من هذا الوجه بالنسبة إلى التصرف الناقل انتهى.

واعترضه أيضا المحقق المتقدم ذكره هنا فقال : على أثر الكلام المتقدم ـ ولا يجعل حصول الملك قبل التصرف بلحظة كما في العبد المأمور بعتقه للضرورة ، إذ لا ضرورة هنا ، مع أن فيه ما فيه ، لانه ليس بواضح ، ولا موجب له ، ولهذا ترك المحقق الثاني ذلك التأويل.

وفيه أيضا وقال : نقول : ان هذا العبد ملك للمأمور بالدليل الشرعي ، وبما نصرف فيه وموجبه ولا يضر ذلك انتهى.

ثم انه قال في المسالك ايضا : ويؤيد هذا القول أصالة بقاء الملك على أصله الى أن يثبت المزيل ، وان هذا العقد ليس تبرعا محضا ، إذ يجب فيه البدل ، وليس على طريق المعاوضات ، فيكون كالإباحة بشرط العوض ، ولا يتحقق الملك معه الا مع استقرار بدله ، وكالمعاطاة ، ومع ذلك كله فالعمل على المشهور ، بل لا يكاد يتحقق الخلاف انتهى.

__________________

(1) أقول : معنى كلامه (قدس‌سره) حيث أن عبارته لا يخلو من تعقيد أن الاذن انما حصل من المالك الذي هو المقرض بأن يكون القرض ملكا للمقترض ، وعليه عوضه ، فالإذن انما حصل بهذا النحو كما في سائر المعاوضات ، ولا ريب أن هذا القائل يدعى بطلان المعاوضة ما لم يتصرف المقترض في القرض ، وحينئذ فإذا كانت المعاوضة باطلة لا يمكن أن يقال بأنه يجوز التصرف بأصل الإذن بأنه قد حصل ، وإلا لزم مثله في غيره من المعاوضات الباطلة ، وهو معلوم البطلان منه رحمه‌الله.


وظاهر كلامه (قدس‌سره) هو ان الأقوى بحسب القواعد المقررة بينهم هو هذا القول ، لعدم تمامية الدليل الذي احتج به للقول المشهور بناء على ما قرره ، وتأيد هذا القول بما ذكره من هذه الأمور ، وأنه انما صار الى القول المشهور من حيث الشهرة ، بل عدم تحقق المخالف في ذلك.

أقول وعلى هذا النهج كلام غيره في هذا المقام من علمائنا الاعلام ، والعجب منهم (قدس الله أرواحهم ونور أشباحهم) في الركون الى هذه التعليلات. وما أكثروا فيها من التطويلات ، وأخبار أهل البيت عليهم‌السلام ظاهرة في القول المشهور أتم الظهور ، بل هي كالنور على الطور ومنها صحيحة زرارة (1) قال : «قلت لأبي جعفر (ع) : رجل دفع الى رجل مالا قرضا على من زكاته على المقرض أو على المقترض؟ قال : لا بل زكاتها ان كانت موضوعة عنده حولا على المقترض ، قال : قلت : فليس على المقرض زكاتها قال : لا يزكى المال من وجهين في عام واحد ، وليس على الدافع شي‌ء ، لأنه ليس في يده شي‌ء ، إنما المال في يد الآخذ ، فمن كان المال في يده زكاه ، قال : قلت : أفيزكى مال غيره من ماله؟ قال : انه ماله ما دام في يده ، وليس ذلك المال لأحد غيره ، ثم قال : يا زرارة أرأيت وضيعة ذلك المال أو ربحه لمن هو وعلى من هو؟ قلت : للمقترض ، قال : فله الفضل وعليه النقصان ، وله أن ينكح ويلبس منه ويأكل منه ، ولا ينبغي له أن يزكيه فإنه عليه جميعا».

فانظر إلى صراحة هذا الخبر المذكور في الدلالة على القول المشهر بأوضح دلالة ، لا يقترنها شائبة القصور ، ويؤيده غيره من الاخبار الدالة على وجوب الزكاة على المقترض ، وان لم تكن بهذه الصراحة.

وبذلك يظهر لك ان ما قدمنا نقله عنهم كله من قبيل التطويل بغير طائل ، والترديد الذي لا يرجع الى حاصل ، ولا سيما دعوى قوة هذا القول النادر ، وانما

__________________

(1) الكافي ج 3 ص 520 وليس في الكافي كلمة جميعا.


أطلنا الكلام بنقله لتحيط علما بالحال ، وأنه لا ينبغي الاقتصار على مراجعة كلامهم بدون الرجوع الى كتب الاخبار ، فكم لهم من غفلة مثل ما عرفت في هذا المضمار ، ولما في ذلك أيضا من مزيد الفائدة في تشحيذ الذهن بممارسة هذه التحقيقات ، وما يترتب عليها من الفوائد في أمثال هذه المقامات.

ثم انه بناء على ما ذكروه من الخلاف فرعوا عليه بأن يظهر فائدة الخلاف في مواضع ، منها جواز الرجوع في العين ما دامت باقية ، ووجوب قبولها لو ردها المقترض ، وفي النماء قبل التصرف ، وفي نفقته لو كان حيوانا ، وفي وقت انعتاقه لو كان ممن ينعتق على المقترض.

أقول : ومن أظهر ذلك أيضا الزكاة الا أنهم لم يذكروها ، ثم انه على تقدير القول المذكور فالمراد بالتصرف الذي يوجب الملك هل هو التلف للعين أو الناقل للملك ، أو مطلق التصرف وان لم يزل الملك ، أو كل تصرف يستدعي الملك؟ فلا يكفى الرهن احتمالات ، وحيث قد عرفت ضعف القول المذكور بما ذكرنا من الصحيحة الصريحة الدالة على القول المشهور ، فلا فائدة في التطويل بما يتعلق به زيادة على ما ذكرنا للفرض المتقدم ذكره.

الموضع الرابع

قد عرفت فيما نقدم أن من جملة ما جعلوه مظهرا للخلاف المتقدم هو جواز الرجوع في العين ما دامت باقية على القول الغير المشهور ، لأنها لم يخرج عن ملك المقرض ، وعدم الجواز بناء على المشهور ، حيث أن المستقرض ملكها بالعقد والقبض ، ولم يبق للمقرض إلا عوضها من القيمة أو المثل ، فليس له الرجوع فيها ، الا أنه يظهر من جملة منهم تفرع ذلك أيضا على القول المشهور من الملك بمجرد القبض ، فإن القائلين بهذا القول اختلفوا في ذلك ، فقال الشيخ في المبسوط والخلاف : يجوز للمقرض أن يرجع في عين القرض.


وقال ابن إدريس : ليس له ذلك الا برضا المقرض ، وهو مذهب العلامة والمحقق ومن تأخر عنهما ، واستدلوا عليه بأنه ملكه بالقرض والقبض ، فلا يتسلط المالك على أخذه منه لانتقال حقه الى المثل أو القيمة.

احتج الشيخ (رحمة الله عليه) بأنه كالهبة في جواز الرجوع فيها ، وأجيب بالمنع من المساواة بين المسألتين ، وتوضيحه أنه قد ثبت ملك المستقرض للعين بالقرض والقبض ، وأن اللازم للمقرض في الذمة إنما هو المثل أو القيمة ، وثبوت التخيير في الرجوع في الهبة بدليل خارج لا يستلزم انسحابه الى ما لا دليل فيه.

وعندي فيه إشكال ، فإن المفهوم من كلامهم وقواعدهم أن الفسخ موجب لرجوع كل شي‌ء إلى أصله ، لأن معناه إبطال أثر العقد السابق الذي رتبه الشارع عليه قبل العقد ، وهو هنا كونه ملكا للمقترض ، فإذا لم تخرج العين الموجودة بالفسخ عن ملك المقترض وأن الذي للمقرض انما هو المثل أو القيمة فهذا مقتضى العقد أولا ، فأي أثر لهذا الفسخ يترتب عليه.

وبما ذكرناه يشكل ما ذكره المتأخرون من ابن إدريس ومن تبعه من أن القرض عقد جائز يجوز فسخه من الطرفين ، ثم يدعون بعد الفسخ أنه ليس له الرجوع الى العين ، وانما يرجع بالمثل أو القيمة ، وكذا عدم وجوب قبوله مع رد المقترض له على مالكه ، مع أن هذا هو مقتضى أصل العقد كما عرفت ، فأي أثر ظهر هنا للفسخ.

وبما ذكرنا يظهر لك أيضا ما في كلام شيخنا الشهيد الثاني ـ في الاستدلال للقول المشهور ـ حيث قال : ويمكن الاحتجاج للمشهور بناء على الملك بالقبض بأن الأصل في ملك الإنسان ان لا يتسلط عليه غيره الا برضاه ، والثابت بالعقد والقبض للمقرض انما هو البدل ، فيستصحب الحكم الى أن يثبت المزيل ، ولأسند له يعتد به الا كون العقد جائزا يوجب فسخه ذلك.

وفيه منع ثبوت جوازه بالمعنى الذي يدعيه ، إذ لا دليل عليه ، وما أطلقوه من كونه جائزا لا يعنون ذلك ، لانه قد عبر به من ينكر هذا المعنى وهو الأكثر ، وانما


يريدون بجوازه تسلط المقرض على أخذ البدل إذا طالب به متى شاء ، وإذا أرادوا بالجواز هذا المعنى فلا مشاحة في الاصطلاح ، وان كان مغايرا لغيره من العقود الجائزة من هذا الوجه ، وحينئذ فلا اتفاق على جوازه بمعنى يثبت به المدعى ، إذ لا دليل صالحا على ثبوت الجواز له بذلك المعنى المشهور ، فيبقى للملك وما ثبت في الذمة حكمها الى ان ثبت خلافه وهذا هو الوجه انتهى (1).

وفيه أنك قد عرفت بما ذكرنا أن الاستصحاب ـ الذي أعتمده في بقاء الحكم الأول وهو الذي أشار إليه في آخر كلامه فيبقى للملك الى آخره ـ قد ارتفع وزال بالفسخ ، سواء فسر به الجواز أم لا والا لم يكن لهذا الفسخ أثر بالكلية ، والمعلوم من القواعد الشرعية خلافه.

__________________

(1) أقول : والتحقيق أن يقال ان قلنا بأن القرض من العقود الجائزة ـ كما هو المشهور بينهم ـ فإنه برجوع المالك في العين مع وجوده له أخذها ، لأنها وان كانت قد صارت ملكا للمقترض ، الا أنه ملك متزلزل مراعى بعدم مطالبة المالك بالعين ما دامت موجودة ، وحينئذ فيكون مثل الهبة على بعض الوجوه ، وكالبيع في زمن الخيار ، لان الفرض ان العقد جائز غير لازم ، وقضية جوازه ذلك.

وأما حكم الأكثر بجوازه مع المنع من الرجوع في العين ، وانما يرجع بالعوض الذي في الذمة ، فإنه يرد عليهم أن هذا مما يوجب كون العقد لازما لا جائزا ، وان قلنا بلزومه كما هو ظاهر الأدلة التي ذكرناها في الأصل ، فإنه برجوعه ليس له الا العوض الذي في الذمة ، لأن العين قد انتقلت منه بالعقد الى المقترض وخرجت عن ملكه ، فصار حقه العوض ، فلو طالبت فإنما حقه بالعوض.

وفسخه العقد على هذه الكيفية إنما يوجب العوض ، أما لو حصل التفاسخ من الطرفين والإقالة من الجانبين فالواجب دفع العين مع وجودها ، والا فالعوض ، لانه لا فرق بينه وبين سائر العقود اللازمة من بيع وغيره ، فكما أنه متى تفاسخ المتبايعان وحصلت الإقالة من عقد البيع فإنه يرجع كل عوض الى مالكه مع وجوده والا فعوضه من مثل أو قيمة ، فكذلك هنا والله العالم منه رحمه‌الله.


فالتحقيق أن كلامه (قدس‌سره) في هذا المقام يرجع الى القول باللزوم ، وان تستر عنه بما هو أوهن من بيت العنكبوت ، وذلك فان مظهر الجواز واللزوم هنا انما هو بالنسبة الى مال المقرض ، فان قلنا بكون عقد القرض من العقود الجائزة ، ترتب عليه صحة الرجوع مع وجود العين ، وان قلنا أنه من العقود اللازمة فليس له الا العوض المستقر في الذمة وان كانت العين موجودة.

وما تستر به من تسميته جائزا باعتبار استحقاق العوض الذي في الذمة فيرجع اليه كلام قشري ، فإن ذلك ثابت بأصل العقد ، سواء سمى جائزا أو لازما ، ومجرد التسمية بذلك من غير ثمرة ترتب عليها لا معنى له ، وبالجملة فإن المستفاد من الصحيحة المتقدمة في سابق هذا الموضع هو حصول الملك بالقبض ، ومقتضاه أن الثابت في الذمة انما هو العوض من قيمة أو مثل ، وأما أنه بعد رجوع المالك فيما دفعه مع وجود عينه هل له العين أو العوض؟ فلم أقف فيه على نص.

والموافق لقواعدهم من أن القرض عقد جائز ـ وأنه ينفسخ بالفسخ من الطرفين ، أو أحدهما ، وأن الفسخ يوجب رد كل شي‌ء إلى أصله ، لأنه يرجع الى إبطال العقد السابق ـ هو ما ذكره الشيخ من الرجوع الى العين مع وجودها ، والا فالعوض (1) الا أن أكثرهم كما عرفت على خلافه ، من أنه انما يرجع الى العوض وان كانت العين موجودة ، ولا مخرج من ذلك الا بالقول بأن العقد لازم ، وانه بالفسخ يرجع الى العوض الذي في الذمة ، كما نبه عليه شيخنا المشار اليه آنفا ، مع أنهم لا يقولون

__________________

(1) حيث قال في الاحتجاج للشيخ (رحمة الله عليه) ويمكن تعليله أيضا بالاتفاق على أن عقد القرض جائز ، ومن شأن العقد الجائر أن من اختار فسخه رجع الى عين ماله ، لا الى عوضه ، كالهبة والبيع بالخيار ، فلو جاز فسخ القرض من دون أخذ العين لأدى إلى لزومه ، ومقتضى فسخ العقد الجائز ان يرجع كل منهما الى عوصه مع بقائه ، والى بدله مع تلفه ، وخروج هذا العقد عن هذا الحكم مع جوازه لا وجه له ، وأما رجوعه بالعوض الذي ثبت في ذمة المقترض بالقبض فالحق فيه أنه انما يناسب لزوم المعاوضة لا جوازها ايضا انتهى منه رحمه‌الله.


باللزوم.

وكيف كان فإن المسألة لعدم النص مع تدافع كلامهم في المقام محل اشكال والله العالم.

الموضع الخامس : قد عرفت ان المشهور ان القرض من العقود الجائزة التي يجوز الرجوع فيها من الطرفين بل ادعى عليه الإجماع ، وعلى هذا فلو شرط التأجيل فيه لم يلزم ، وبذلك صرحوا أيضا ، وكذا كل شرط سائغ ، وان كان يستحب الوفاء بذلك ، وعللوا الأول بأن القرض تبرع ، والمتبرع به ينبغي له الخيار في تبرعه متى أراد الرجوع إليه في المجلس أو غيره ، الا أن يشترط التأجيل في عقد آخر لازم ، أما في نفس عقد القرض فلا ، لأنه جائز فلا يلزم ما شرط فيه ، حيث أن الشرط جزء من العقد يتبعه في لزومه وجوازه.

ويظهر من المحدث الكاشاني في المفاتيح القول بلزوم العقد المذكور ، ولزوم التأجيل متى اشترط في العقد ، وهو الظاهر من الأدلة الشرعية كما ستقف عليه.

والى ذلك أيضا يميل كلام المحقق الأردبيلي (رحمه‌الله) وظاهر الفاضل الخراساني الميل الى ذلك ايضا.

والذي وقفت عليه من الأدلة الشرعية في المقام مما يدخل في سلك هذا النظام قوله عزوجل (1) «إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ» وهي شاملة للسلم والنسية والقرض ، ونحوها من الديون ورواية الحسين بن سعيد (2) قال : «عن رجل أقرض رجلا دراهم إلى أجل مسمى ثم مات المستقرض أيحل مال القارض بعد موت المستقرض منه؟ أم لورثته من الأجل ما للمستقرض في حياته فقال : إذا مات فقد حل مال القارض».

__________________

(1) سورة البقرة الآية ـ 289.

(2) الوسائل الباب ـ 12 ـ من أبواب الدين الرقم ـ 2.


والتقريب فيها من وجهين أحدهما ـ تقريره عليه‌السلام للسائل في أن الأجل لازم في القرض مطلقا (1) بل ظاهره كون ذلك في عقد القرض ، وثانيهما ـ دلالته بمفهوم الشرط الذي هو حجة عند المحققين ، وعليه دلت الاخبار ايضا على صحة التأجيل

ورواية ثواب الأعمال المتقدمة في صدر المقصد (2) وقوله عليه‌السلام «من أقرض قرضا وضرب له أجلا» الحديث.

وما ذكره الرضا عليه‌السلام في كتاب الفقه الرضوي (3) حيث قال «وروى من أقرض قرضا ولم يرد عليه عند انقضاء الأجل كان له من الثواب في كل يوم صدقة دينار».

وهذان الخبران ـ كما ترى كالاية والخبر المتقدم ـ صريحان في صحة التأجيل في عقد القرض ، وارتكاب التأويل فيها بأن الأجل قد وقع في عقد آخر لازم لما يتجشمه من له أدنى فهم وروية بمعرفة سياق الكلام ، ومتى ثبت صحة الشرط ولزومه ثبت لزوم أصل العقد لاتفاقهم على أن لزوم الشرط تابع للزوم العقد ، وهم انما منعوا من لزوم التأجيل في عقد القرض بناء على اتفاقهم على جوازه ، وحملوا رواية الحسين بن سعيد على الاستحباب تفاريا من طرحها.

وفيه أن الحمل على الاستحباب فرع وجود المعارض ، وليس الا مجرد اتفاقهم المدعى في المقام مع تأيد الرواية المذكورة بما ذكرنا من عموم الآية وخبري ثواب الأعمال وكتاب الفقه وغيرهما مما ستعرف إنشاء الله تعالى.

قال المحدث الكاشاني (قدس‌سره) بعد نقل نحو ما قدمنا عنهم : «وفيه نظر» مع أنه ينفيه عمومات الوفاء بالعقود ، والتزام الشروط ، وخصوص (4) «من مات وقد أقرض إلى أجل يحل» ، وأيضا ينافيه قول الأكثر بعدم جواز الارتجاع

__________________

(1) قوله مطلقا اى سواء كان في عقد آخر لازم أو في نفس عقد القرض ـ منه رحمه‌الله.

(2) ص 109.

(3) المستدرك ج 2 ص 490.

(4) التهذيب ج 6 ص 190.


كما مر ، الا أن (1) يقال : المراد بالجواز تسلط المقرض على أخذ البدل متى شاء

وفيه أنه لا فرق بينه وبين اللازم حينئذ ، غير أنه لا يقع مؤجلا ، وفيه كما ترى ، مع أن قوله إلى أجل والحديث المذكور يناديان بخلافه ، مضافا الى العمومات فان كان إجماعا والا فالعمل على الظواهر انتهى.

وهو جيد وأيده المحقق الأردبيلي (عطر الله مرقده) ايضا بما دل على وجوب الوفاء بالوعد ، قال في شرح الإرشاد ـ بعد أن نقل عنهم الاستدلال على بطلان اشتراط التأجيل في العقد بالأصل مع عدم موجبه ، إذ القول ليس بموجب عندهم والإجماع : ـ ما ملخصه ولكن نفهم وجوب الوفاء بالوعد من العقل والنقل ، الا أن عدم العلم بالقول به يمنع عن ذلك ، والا كان القول به جيدا كما نقل عن بعض العامة (2) الى أن قال بعد نقل كلام لهم في البين : والظاهر أن دليله الإجماع ، والأصل مع عدم الموجب ، كما مر ، الا أن ما قلناه مما يدل على وجوب الوفاء بالوعد والعقد مثل «أَوْفُوا» «ولِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ» «والمسلمون عند شروطهم» وغير ذلك يدل على اللزوم ، ولو وجد القائل به لكان القول به جيد جدا ، وان لم يكن بعدم الخروج عن قولهم ايضا دليل واضح ، إذ الإجماع غير واضح

__________________

(1) إشارة الى ما تقدم عن اعتذار شيخنا الشهيد الثاني عن الأكثر تحمل الجواز على هذا المعنى ، وفيه ما ذكره مع ما سيأتي في البحث أيضا إنشاء الله تعالى منه ـ رحمه‌الله.

(2) نقل العلامة في التذكرة عن مالك أن القرض يثبت له الأجل ابتداء وانتهاء بأن يقرضه مؤجلا ويقرضه حالا ثم يؤجله ، ثم أجاب عن دليله بأن المؤمنين عند شروطهم لا يدل على الوجوب ، فتحمل على الاستحباب.

أقول : لا يخفى أنهم في غير موضع قد استدلوا على وجوب الوفاء بالشرط لهذا الخبر وأفتوا به ، وقد عرفت من الاخبار المذكورة في الأصل ، وظاهر الآية ما فيه الكفاية الدالة على المراد ، ولا سيما رواية الحسين بن سعيد ـ منه ـ رحمه‌الله.


ولا دليل غيره ، الا أنه يحتاج إلى جرأة انتهى ملخصا.

أقول : لا يخفى أن ما ذكره هنا وكرره من توقف القول ـ بعد وجود الدليل عليه على قائل بذلك من المتقدمين ـ ضعيف واه ، بل أوهن من بيت العنكبوت وأنه لأوهن البيوت ، إذ لا يخفى على الخائض في الفن والمتدبر لما وقع للأصحاب سيما المتأخرين من الاختلاف ، وكثرة الأقوال في المسائل الشرعية أنهم لم يجروا على هذه القاعدة التي ذكرها.

وتوضيح ذلك هو أنه لا يخفى أن أول من فتح هذا الباب من التفريع في الأحكام وكثرة الأقوال هو الشيخ والمرتضى (رضى الله عنهما) ، وقد نقل بعض الأصحاب انحصار الفتوى في زمن الشيخ وبرهة من الزمان بعده فيه (قدس‌سره) ولم يبق الا حاك عنه وناقل حتى انتهت النوبة الى ابن إدريس ، ففتح باب الطعن على الشيخ ، ثم انتشر الخلاف في المسائل الشرعية ، وتعددت الأقوال فيها على ما هي عليه الآن ، حتى أنك لا تجد حكما من الأحكام الا وقد تعددت فيه أقوالهم بل من الواحد منهم في كتبه الا الشاذ النادر منها ولو أنهم اتفقوا على كلام الشيخ والمرتضى اللذين هما أول من فتح هذا الباب لما اتسعت الدائرة الى هذا التعدد في الأقوال الموجودة الان ، فكيف استجاز هذا المحقق المنع من الفتوى بما قام عليه الدليل ، لعدم قائل به من المتقدمين ، مع أن من تقدمه من المتأخرين لم يلتزموا به ، ولم يقفوا عليه ،

ولله در شيخنا الشهيد الثاني (طيب الله مرقده) حيث قال في المسالك في مسئلة «ما لو أوصى له بأبيه فقبل الوصية» ، بعد الطعن في الإجماع ونعم ما قال : وبهذا يظهر جواز مخالفة الفقيه المتأخر لغيره من المتقدمين في كثير من المسائل. التي ادعوا فيه الإجماع ، إذا قام الدليل على ما يقتضي خلافهم ، وقد اتفق ذلك لهم كثيرا ، ولكن زلة المتقدم متسامحة بين الناس دون المتأخر انتهى وهو جيد رشيق كما لا يخفى على من نظر بعين التحقيق.


وبالجملة فإن مقتضى ما ذكرنا من الآية والاخبار والمؤيدات المذكورة هو صحة التأجيل في القرض ولزوم عقده ، وليس لها مقابل يمنع من العمل بها ، ويوجب ارتكاب التأويل فيها سوى مجرد دعويهم الاتفاق على الجواز ، وعدم صحة التأجيل حيث أنه لا يصح تأجيل الحال.

قال في الشرائع : «ولو شرط التأجيل في القرض لم يلزم ، وكذا لو أجل الحال لم يتأجل ، وفيه رواية مهجورة يحمل على الاستحباب» ، وأشار بها الى رواية الحسين بن سعيد المتقدمة.

وفيه زيادة على ما عرفت أن ثبوت الحلول له مع إطلاق العقد لا ينافي التأجيل مع اشتراطه ، فإن إطلاق عقد البيع يقتضي حلول الثمن الا أن يشترط تأجيله ، وبعين ذلك يقال في القرض ، فإنه عقد أوجب انتقال العين المقترضة إلى المقترض وثبوت عوضها في ذمته حالا ، ولا مانع من اشتراط تأجيله إذا حصل التراضي عليه ، وبالجملة ان مجرد كونه حالا لا ينافي التأجيل إذا اشترط.

ثم ان الذي يظهر من شيخنا الشهيد الثاني في المسالك هو لزوم العقد ، ولزوم شرط التأجيل ، حيث قال في شرح قول المصنف : «ولو شرط التأجيل في القرض» الى آخره : ويجي‌ء على ما قررناه من لزومه على ذلك الوجه احتمال لزوم هذا الشرط ، مضافا الى عموم قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (1) «المؤمنون عند شروطهم». وغير ذلك مما دل على لزوم ما شرط في العقد اللازم ، إذ ليس هذا العقد على حد العقود الجائزة ليقطع فيه بعدم لزوم الشرط ، ولا على حد اللازمة ليلحقه حكمها ، ويمكن على هذا أن يرجع الى عموم الأدلة الدالة على لزوم الالتزام بالشرط ، والوفاء بالعقود انتهى.

أقول : أشار بقوله ما قررناه الى ما قدمنا نقله عنه في سابق هذا الموضع من قوله «ويمكن الاحتجاج للمشهور» الى آخره وقد عرفت ما فيه ، وأنه يرجع

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 169.


في الحقيقة إلى القول بلزوم عقد القرض كما اخترناه ، وفاقا لمن ذكرناه ، وتسميته له جائزا باعتبار ما ذكره من الرجوع الى العوض الذي في الذمة كلام شعري لا ثمرة له لما عرفت آنفا.

ثم ان قوله «انه ليس على حد العقود الجائزة ولا اللازمة» لا أعرف له معنى بالنسبة إلى سلب اللزوم عنه ، أما سلب الجواز فقد عرفته مما قدمناه من الاخبار ، ومما ذكره أيضا ، وأما سلب اللزوم فلا أعرف له مستندا الا مجرد دعواهم ذلك ، والا فظواهر الأدلة التي قدمناها والمؤيدات التي ذكرناها كلها شاهدة باللزوم.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن المشهور أنه متى وقع اشتراط تأجيل القرض في عقد لازم فإنه يصح الشرط المذكور ، وانما منعوا من ذلك في عقد القرض من حيث أن عقد القرض من العقود الجائزة ، فلا يلزم الشرط ، لانه يتبع في اللزوم وعدمه ، العقد في لزومه وجوازه ، وحيث كان العقد عندهم غير لازم فكذا ما اشتمل عليه ، بخلاف العقد المتفق على لزومه ، كالبيع بأن يبيعه شيئا ويشترط في متن العقد تأجيل ما يستحقه عنده من القرض أو الدين ، وقيل : بالعدم ، بل ان اشتراطه في العقد اللازم يقلب اللازم جائزا.

قال في الدروس : ولو شرط تأجيله لم يلزم ، ولو شرط تأجيله في عقد لازم قال الفاضل : يلزم تبعا للازم ، ويشكل بأن الشرط في اللازم يجعله جائزا ، فكيف ينعكس ، وفي رواية الحسين بن سعيد «في من اقترض إلى أجل فمات يحل» وفيها اشعار بجواز التأجيل ، فيمكن حملها على الندب انتهى.

أقول : الحمل على الندب فرع وجود المعارض ، مع أنك عرفت تأيد الرواية المذكورة بالآية والروايتين المتقدمتين ، وغيرهما من المؤيدات المتقدمة الظاهر جميعه في جواز التأجيل ، فلا التفات الى ما ذكره ، والمراد من قولهم أن الشرط الجائز في العقد اللازم يقلب اللازم جائزا ، وجعلوا ذلك قاعدة كلية يعنى أن المشروط عليه لو أخل بالشرط تسلط الأخر على فسخ العقد المشروط فيه ، وفيه أن ذلك هو أحد القولين


في المسألة كما تقدم ذكره في المسألة الثانية من المقام الثاني في أحكام الخيار (1) من الفصل الثاني الخيار ، والذي اخترناه ثمة وبه صرح جملة من الأصحاب هو أنه يجب الوفاء بالشرط ، ويأثم بتركه ، ويجبر على الوفاء به لو امتنع ، ولو برفع الأمر إلى الحاكم الشرعي ، فإن تعذر تحصيل الشرط من جميع الوجوه تسلط على الفسخ ان شاء ، وهذا الأمر العارض للعقد لا ينافي لزومه في أصله ، وبذلك يحصل الجمع بين الحقين ، والأدلة التي في البين من الجانبين.

الموضع السادس : قد قرروا لما يصح إقراضه ضابطة ، وهي كلما يضبط وصفه وقدره ، فإنه يجوز إقراضه ، فيجوز إقراض الذهب والفضة وزنا ، والحنطة والشعير كيلا ووزنا فلو اقترض شيئا من ذلك من غير الاعتبار بما يعتبر به لم يفد الملك ، ولم يجز له التصرف فيه وان اعتبره بعد ذلك ، ولو تصرف فيه قبل الاعتبار ضمنه ، ولا طريق الى التخلص منه الا بالصلح ، لكونه مجهولا ، ويجوز اقتراض الخبز وزنا بلا اشكال ، وكذا يجوز عددا ولا يضر التفاوت اليسير المتسامح به عادة بين أفراده.

ويظهر من التذكرة أنه إجماعي عندنا ، ونحوه البيض والجوز ، وشرط في الدروس في قرض الخبز عددا عدم التفاوت ، والا اعتبر وزنا ، ولعله محمول على التفاوت الذي لا يتسامح به عادة وعرفا ، مع أنه قد روى الصدوق (عطر الله مرقده) في الفقيه عن الصباح بن سيابة (2) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ان عبد الله بن أبى يعفور أمرني أن أسألك قال : انا نستقرض الخبز من الجيران فنرد أصغر منه ، أو أكبر فقال عليه‌السلام : نحن نستقرض الجوز الستين والسبعين عددا فيه الصغيرة والكبيرة فلا بأس».

وروى الشيخ عن إسحاق بن عمار (3) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : استقرض

__________________

(1) ج 19 ص 66.

(2) الفقيه ج 3 ص 116.

(3) التهذيب ج 7 ص 162.


الرغيف من الجيران ونأخذ كبيرا ونعطي صغيرا أو نأخذ صغيرا ونعطي كبيرا؟ قال : لا بأس».

وعن غياث (1) عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام قال : «لا بأس باستقراض الخبز».

والروايتان الأولتان مصرحتان بالجواز مع التفاوت ، فيجب حمل كلامه (قدس‌سره) على التفاوت الزائد على المعتاد ، ثم ان الثابت في الذمة في المثلي هو المثل ، وفي القيمي هو القيمة.

وضابط الأول هو ما يتساوى أجزاؤه في القيمة والمنفعة وان تفاوتت بعض صفاته ، بمعنى أن قيمة نصفه تساوى قيمة النصف الأخر ، ويقوم مقامها في المنفعة ، وهكذا كل جزء بالنسبة إلى نظيره كالحبوب والادهان ، والظاهر أن ذلك بناء على الغالب ، والا فإن الحنطة مثلا قد يتفاوت أفرادها وأوصافها ، فإنا نرى بعض أفراد الحنطة ليس قيمته كقيمة غيره وهكذا الادهان.

وضابط الثاني هو ما يختلف أجزاؤه في القيمة والمنفعة كالحيوان ، فالمثلي يجب قبول مثله ، والظاهر أنه يجب قبول عين ماله بالطريق الأولى ، لأنه مخير في جهات القضاء بين العين والمثل ، وان كان الثابت في الذمة انما هو المثل ، ولو تعذر وجود المثل رجع الى القيمة ، وهل هي عبارة عن قيمته يوم القرض ، أو التعذر ، أو المطالبة؟ أوجه : اختار في المسالك منها الأخير ، قال : لانه وقت الانتقال إلى القيمة ، لأن الثابت في الذمة أنما هو المثل الى أن يطالب به.

أقول : الظاهر أنه ينبغي تقييد هذا القول باقتران المطالبة بالتسليم بمعنى أنه لما طالبه بالمثل وتعذر وسلم إليه القيمة في ذلك الوقت ، لانحصار الحق فيها ، والا فلو فرضنا أنه طالب ولم يسلم اليه ثم اتفق وجود المثل فالظاهر انحصار الحق فيه ، لا في القيمة ، والظاهر أن مراد هذا القائل ما ذكرناه.

ونقل في المختلف عن ابن إدريس أنه مع التعذر فالواجب القيمة يوم المطالبة

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 238.


ثم قال : والأجود يوم الدفع ، ثم احتج على ذلك بأن الثابت في الذمة المثل ، ولا يبرئ الا بالمعاوضة عليه انتهى. وفيه تأييد لما ذكرناه من أن مجرد المطالبة لا يوجب الانتقال إلى القيمة استصحابا لبقاء ما كان ثابتا قبلها الى وقت التسليم ، فإنه هو الذي يوجب الانتقال إلى القيمة كما عرفت.

وعلل الوجه الأول بسبق علم الله تعالى بتعذر المثل وقت الأداء ، فيكون الواجب حينئذ انما هو القيمة يومئذ. ورد بأنه لا منافاة بين وجوب المثل وقت القرض طردا للقاعدة الإجماعية ، والانتقال إلى القيمة عند المطالبة لتعذره.

أقول ويؤيده ان الأحكام الشرعية لا يناط بعلم الله سبحانه ، ولا بالواقع ونفس الأمر ، وانما تبتنى على الظاهر من حال المكلف ويسره وعسرة ، وقدرته وعدم قدرته وعلمه وجهله ، ونحو ذلك.

وعلل الوجه الثاني بأنه وقت الانتقال الى البدل الذي هو القيمة. ورد بأن التعذر بمجرده لا يوجب الانتقال إلى القيمة لعدم وجوب الدفع ، وحينئذ فيستصحب الواجب الى أن يجب دفعه بالمطالبة ، فحيث لم يوجد وقت المطالبة ينتقل إلى القيمة ، وأنت خبير بما في هذه التعليلات من عدم الصلاحية لتأسيس الأحكام الشرعية مع فرض سلامتها من المناقشات ، وان كان القول بالقيمة وقت المطالبة والتسليم أقرب الى الاعتبار ، وقد تقدم الكلام في نظير هذه المسئلة ، هذا بالنسبة إلى المثلي.

وأما القيمي فالكلام فيه في موضعين : أحدهما في بيان ما هو الواجب في عوضه وفيه أقوال : أحدها ـ وهو المشهور قيمته مطلقا ، لعدم تساوى أجزائه واختلاف صفاته ، فالقيمة فيه أعدل.

وثانيها ـ ما أشار إليه في الشرائع بعد ذكر القول الأول بقوله : «ولو قيل يثبت مثله أيضا كان حسنا» وظاهره عدم وجود القائل به ، وان كان ظاهر كلامه اختياره ، واعترف في المسالك بأنه لا قائل به من أصحابنا.

والمراد من هذا القول ضمانه بالمثل مطلقا ، لان المثل أقرب الى الحقيقة ،


وربما احتج عليه بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (1) «أخذ قصعة امرأة كسرت قصعة أخرى» (2). وحكم بضمان عائشة إناء حفصة وطعامها لما كسرته ، وذهب الطعام بمثلهما» قال في المسالك : والخبران عاميان ، ومع ذلك فهما حكاية حال لا تعم ، فلعل الغريم رضى بذلك ، وموردهما مطلق الضمان ، وعورضا بحكمه صلى‌الله‌عليه‌وآله بالقيمة في المعتق الشقص انتهى.

وثالثها المثل الصوري فيما يضبطه الوصف ، وهو ما يصح السلم فيه كالحيوان والثياب ، وضمان ما ليس كذلك بالقيمة كالجواهر والقسي ، اختاره العلامة في التذكرة محتجا على الأول بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (3) «اقترض بكرا ورد بازلا». وأنه استقرض بكرا وأمر برد مثله.

وأجيب بأن فيه على تقدير صحة السند ان مطلق الدفع أعم من الوجوب ، ولا شبهة في جواز ذلك مع التراضي كيف وقد زاده خيرا فيما دفع.

أقول ما ذكره من الخبرين المذكورين لا وجود له في أخبارنا ، بل الظاهر أن ذلك من طريق العامة ، وهم كثيرا ما يحتجون الى مثل هذه الاخبار في موضع الضرورة ، مع ردهم الأخبار المروية في الأصول المعتمدة ، بزعم أنها ضعيفة باصطلاحهم المحدث ، وصورة الرواية العامية على ما نقله بعض المحققين أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (4) «اقترض قرضا من رجل بكرا فقدمت عليه إبل الصدقة فأمر أبا رافع أن يقتضي الرجل بكره ، فرجع أبو رافع وقال : لم أجد فيها الا جملا جبارا رباعيا ، فقال : أعطه إياه ان خير الناس أحسنهم قضاء». ومما ذكرنا يظهر أن أظهر الأقوال هو الأول.

الموضع الثاني : أنه على اعتبار القيمة مطلقا كما هو الأول من الأقوال المتقدمة أو على بعض الوجوه كما تضمنه القول الثالث ، فهل المعتبر قيمته وقت القبض أو وقت القرض؟ قولان : اختار أولهما المحقق في الشرائع ، وثانيهما العلامة في القواعد.

__________________

(1 ـ 2) سنن البيهقي ج 6 ص 96.

(3 ـ 4) سنن البيهقي ج 6 ص 21.


وعلل الأول بأنه وقت الثبوت في الذمة ، بناء على ما هو المشهور من أن القرض يملك بالقبض ، وعلل الثاني في شرح القواعد بذلك ايضا.

ورد بأنه غير واضح ، إذ لا انتقال إليها قبل القبض ، ويمكن الجمع بين القولين بناء على ما هو الغالب من القبض بعد صيغة القرض من غير فاصل ، أو جعل القبض قبولا بناء على الاكتفاء بالقبول الفعلي كما هو الغالب ايضا ، فيحمل القرض في القول الثاني على القبض لعدم تخلفه عنه ، بناء على ما هو الغالب من كون القرض مستلزما للقبض.

والا فلو أريد به مجرد الصيغة وان تأخر القبض فبطلانه أظهر من أن يذكر ، لان الملك لا يترتب على مجرد الصيغة من دون قبض اتفاقا نصا وفتوى ، ومتى لم يحصل الملك لم يستقر القيمة في الذمة ، ويأتي على القول بأنه انما يملك بالتصرف الانتقال إلى القيمة وقت التصرف ، حيث ان الملك لا ينتقل الا به ، ولا اعتبار بالقيمة يوم المطالبة هنا قولا واحدا ، الا على القول بضمان المثل وتعذره ، فيعتبر يوم المطالبة على الوجه الذي قدمنا بيانه والله العالم.

تذنيبان

الأول : قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بجواز إقراض الجواري ، قال في المسالك لا خلاف فيه ، للأصل والضبط ، وجواز السلف فيهن فجاز قرضهن كالعبيد ، وخالف في ذلك بعض العامة مع اطباقهم على جواز اقتراض العبيد ، والجارية التي لا يحل وطؤها بنسب أو رضاع أو مصاهرة : انتهى. مع أن الشهيد في الدروس نقل عن الشيخ في الخلاف والمبسوط انه قال : لا نص لنا ولا فتيا في إقراض الجواري وقضية الأصل الجواز. انتهى.

والذي وقفت عليه في نسخة كتاب المبسوط وهي نسخة صحيحة ما هذه عبارته لا اعرف نصا لأصحابنا في جواز إقراض الجواري ولا في المنع ، والأصل جوازه ، وعموم الاخبار في جواز القرض يقتضي جوازه ، فلعل العبارة المنقولة


في الدروس صورة ما في الخلاف أو نقل بالمعنى.

وكيف كان فان كلامه (قدس‌سره) ظاهر في أن هذه الشهرة التي ادعى في المسالك انها إجماع انما هي من الشيخ ومن تأخر عنه ، واما ما ذكره في المبسوط من ان عموم الاخبار في جواز القرض يقتضي الجواز ، فلا يخلو من اشكال ، إذ غاية ما تدل عليه ترتب تلك الأحكام المذكورة فيها على القرض ، فلا بد أولا من معرفة ما يجوز قرضه وما لا يجوز ، ليحمل عليه ذلك الإطلاق ، وترتب تلك الأحكام ويقضى عنه.

وبالجملة فالمسألة لخلوها عن النص الواضح غير خالية عندي من الاشكال سيما مع ما ورد عنهم عليهم‌السلام في تأكيد الاحتياط في الفروج.

ثم ان مقتضى ما ذكروه من جواز اقتراض الجواري انه يملكها بالقبض ، كما هو المشهور ، فإنه يحل له وطئوها كما يباح له غيره من المنافع ، وعلى القول الأخر من توقف الملك على التصرف لا يحل ، ولو كان ممن ينعتق عليه ايضا بالملك انعتقت عليه بناء على ذلك.

ثم انه لو طالب المقرض بحقه بنى الكلام في ذلك على ما تقدم من الواجب في عوض القيمي هل هو القيمة مطلقا ، أو ضمان مثله ، أو التفصيل.

قال في المسالك : وأولى بالجواز لو رد العين ، لان الانتقال إلى القيمة انما وضع بدلا عن العين ، فإذا أمكنت ببذل المقترض كانت أقرب الى الحق من القيمة انتهى.

ولو حملت من المقترض امتنع ردها ، وتعينت القيمة أو المثل على الخلاف المتقدم ، ولو ظهر النقص فيها تعينت القيمة أيضا الا ان يتراضيا بالأرش.

الثاني ـ قال في الدروس لو ظهر في العين المقترضة عيب فله ردها ولا أرش ، وان أمسكها فعليه مثلها أو قيمتها معيبة ، وهل يجب اعلام المقترض الجاهل بالعيب؟ عندي فيه نظر ، من اختلاف الأغراض وحسم مادة النزاع ، ومن قضية الأصل.

نعم لو اختلفا في العيب حلف المقرض مع عدم البينة ، ولو تجدد عنده عيب آخر منع من الرد ، الا ان يرضى المقرض به مجانا بالأرش ، انتهى.


الموضع السابع : قال الشيخ في النهاية : من أقرض غيره الدراهم ثم سقطت تلك الدراهم وجازت غيرها لم يكن له عليه الا الدراهم التي أقرضها إياه أو سعرها بقيمة الوقت الذي أقرضها فيه ، وكذا قال ابن البراج ، وابن إدريس.

وقال الصدوق في المقنع : وان استقرضت من رجل دراهم ثم سقطت تلك الدراهم وتغيرت فلا يباع بها شي‌ء فلصاحب الدراهم ، الدراهم التي تجوز بين الناس.

وقال في كتاب من لا يحضره الفقيه : كان شيخنا محمد بن الحسن يروى حديثا «في أن له الدراهم التي تجوز بين الناس» ، عقيب رواية يونس عن الرضا (1) عليه‌السلام ، «أن له الدراهم الاولى» ثم قال الصدوق : والحديثان متفقان غير مختلفين فمتى كان للرجل على الرجل دراهم بنقد معروف فليس له الا ذلك النقد ، ومتى كان له على رجل دراهم بوزن معلوم بنقد غير معروف فإنما له الدراهم التي تجوز بين الناس.

وقال ابن الجنيد : من أعطى رجلا له عليه دنانير عروضا من فلوس ، وغيرها أو دراهم في وقت ثم تغيرت الأسعار حسب المعطى على الآخر سعر يوم أخذه ، لأن ذلك من ماله ، فان كان ما أعطاه قرضا فارتفعت الفلوس كان على المستقرض رد ما أخذه على من أقرضه لا برأس ماله ، ولا قيمته يوم القرض ولا يختار المستقرض الا أن يعطى ما ينفق بين الناس كما أخذ ما ينفق بين الناس.

وقال ابن إدريس في موضع آخر : من كان له على انسان دراهم أو دنانير أو غيرهما من السلع جاز له أن يأخذ مكان ماله من غير الجنس الذي له عليه بسعر الوقت ، فان كانت دراهم وتعامل الناس بغيرها ، وأسقط الاولى السلطان فليس له الا مثل دراهمه الاولى ، ولا يلزمه غيرها مما يتعامل الآن به الا بقيمتها من غير الجنس ، لانه لا يجوز بيع الجنس بالجنس متفاضلا.

__________________

(1) الفقيه ج 3 ص 118.


وقال العلامة في المختلف بعد نقل هذه الأقوال : والمعتمد أن نقول : لصاحب الدراهم من النقد الأول ، فإن تعذر فقيمته الآن من غير الجنس ، لنا انها من ذوات الأمثال وحكم المثل ما قلناه.

أقول : ومنشأ اختلاف هذه الأقوال اختلاف ظواهر الأخبار المتعلقة بهذه المسألة :

ومنها ما رواه الكليني والشيخ (نور الله مرقديهما) عن يونس (1) قال : «كتبت الى أبى الحسن الرضا عليه‌السلام ، ان لي على رجل ثلاثة آلاف درهم ، وكانت تلك الدراهم تنفق بين الناس تلك الأيام ، وليست تنفق اليوم ، فلي عليه تلك الدراهم بأعيانها أو ما ينفق اليوم بين الناس؟ فكتب عليه‌السلام لك أن تأخذ منه ما ينفق بين الناس ، كما أعطيته ما ينفق بين الناس».

وما رواه في التهذيب والفقيه عن يونس (2) قال : «كتبت الى ابى الحسن الرضا عليه‌السلام ، أنه كان لي على رجل دراهم وأن السلطان أسقط تلك الدراهم ، وجائت دراهم على تلك الدراهم الاولى ولها اليوم وضيعة ، فأي شي‌ء لي عليه؟ الاولى التي أسقطها السلطان أو الدراهم التي أجازها السلطان فكتب عليه‌السلام الدراهم الاولى».

وما رواه الشيخ في التهذيب عن صفوان (3) في الصحيح قال : «سأله معاوية بن سعيد عن رجل استقرض دراهم من رجل وسقطت تلك الدراهم أو تغيرت ولا يباع بها شي‌ء ، ألصاحب الدراهم الدراهم الأولى أو الجائزة التي تجوز بين الناس؟ قال : فقال : لصاحب الدراهم الدراهم الاولى».

والشيخ رحمه‌الله قد جمع بين هذه الاخبار بحمل ما ينفق بين الناس في الخبر الأول على معنى قيمة ما كان ينفق أولا وكذلك أول الدراهم الاولى في الخبرين الأخيرين بقيمة الدراهم الاولى دفعا للتنافي. قال : لانه يجوز ان تسقط الدراهم الأولة حتى لا يكاد يؤخذ ، فلا يلزم أخذها وهو لا ينتفع بها وانما له قيمة الدراهم الأولة وليس له المطالبة بالدراهم التي تكون في الحال : انتهى.

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 252 التهذيب ج 7 ص 116.

(2 ـ 3) التهذيب ج 7 ص 117 وأخرج الأول في الفقيه ج 3 ص 118.


ولا يخلو من بعد ، لعدم قرينة يونسه بهذا المضاف الذي قدره في الكلام ، بل السياق ظاهر في أن الجواب وقع على حسب السؤال المتعلق بعين كل من النقد الأول أو الثاني ، وان أجيب في الخبر الأول بالنقد الثاني ، وفي الأخيرين بالنقد الأول.

واما ما جمع به الصدوق فأبعد ، لعدم القرينة المونسة بهذا التفصيل في شي‌ء من اخبار المسألة ، مع انه يرد عليه لزوم الربا في صورة ما ان كان له عليه بوزن معلوم ونقد غير معروف ، فإنه حكم بأخذ الدراهم التي تجوز بين الناس. وربما أمكن التفاوت بالزيادة والنقصان بينها وبين ما في ذمته ، فإنه متى كان له في ذمته ألف درهم بوزن معلوم من تلك الدراهم الأولة وأخذ عوضها ألف درهم من هذه الأخيرة فربما حصل الزيادة والنقصان بين الاولى والثانية ، فيلزم الربا الا ان يحمل كلامه على أخذ الثانية وزنا ايضا ، لكنه خلاف ظاهر كلامه.

والموافق للقواعد ـ وهو ظاهر كلام من عدا الصدوق في المقنع والفقيه وابن الجنيد ـ هو انه ليس له الا الاولى ان وجدت ، والا فقيمتها ، لكن من غير ذلك الجنس أو منه مع التساوي حذرا من الربا ، لان ذلك حكم المثلي كما تقدم ، وتخرج الروايتان الأخيرتان شاهدا على ذلك ويبقى الكلام في الرواية الاولى وقد عرفت ما في جمع الشيخ والصدوق من البعد

والعلامة في المختلف بعد ان احتج بما قدمنا نقله احتج بالخبرين الأخيرين ثم نقل عن الصدوق الاحتجاج بالرواية الاولى وأجاب عنها بضعف السند وأطال في الطعن به ثم ذكر جواب الشيخ عنها بالحمل على أخذ ما ينفق بين الناس على جهة القيمة عن الدراهم الاولى.

وفيه ان قوله عليه‌السلام كما أعطيته ما ينفق بين الناس لا يخلو من المنافرة لذلك (1)

__________________

(1) فان ظاهره انما هو أنك أعطيته ما ينفق بين الناس ، فان لك أن تأخذ منه ما ينفق بين الناس ، بمعنى أن الاعتبار ليس بذات النقد من حيث هو ، وانما اعتباريته


وبعض محدثي متأخري المتأخرين (1) حمل الروايتين الأخيرتين على القرض ، كما صرح به في رواية صفوان ، قال : لئلا يحصل الربا ، وحمل الاولى على مهر الزوجة أو ثمن المبيع ، قال : لان المطلق ينصرف إلى الرائج (2).

وفيه أولا أن ظاهر الرواية الاولى أن ذلك كان قرضا ايضا ، حيث قال عليه‌السلام «كما أعطيته ما ينفق بين الناس» فحملها على ما ذكره من ثمن المبيع ومهر الزوجة خروج عن حاق لفظها وظاهر سياقها.

وثانيا بأن المبلغ الذي استقر في الذمة حال البيع انما هو رائج ذلك الوقت لأن الإطلاق ينصرف اليه كما تقدم بيانه ، فإذا سقط ولم يتعامل به وظهرت دراهم

__________________

من حيث رواجه ، والمعاملة بين الناس ، وبه يحصل الاشكال والمخالفة الظاهرة بين الروايتين الأخيرتين كما عرفت منه رحمه‌الله.

(1) هو المحدث المولى محمد تقي المجلسي في حواشيه على كتب الاخبار منه رحمه‌الله.

(2) أقول : قال شيخنا الشهيد (قدس‌سره) في الدروس : لو سقطت المعاملة بالدراهم المقترضة فليس على المقترض الا مثلها فان تعذر قيمتها من غير الجنس ـ حذرا من الربا ـ وقت الدفع لا وقت التعذر ولا وقت القرض خلافا للنهاية.

وقال ابن الجنيد والصدوق : عليه ما ينفق بين الناس ، والقولان مرويان ، الا أن الأول أشهر ، ولو سقطت المعاملة بعد الشراء فليس على المشترى إلا الاولى ، ولو تبايعا بعد السقوط وقبل العلم فالأولى.

نعم يتخير المغبون في فسخ البيع وإمضائه ، وهو مؤيد لما قلناه في الأصل بالنسبة إلى القرض ، والى ثمن المبيع ، ولم نقف عليه الا بعد ما جرى القلم بما أثبتناه في الأصل.

وأثبتناه في الحاشية لتأييده لما ذكرناه ، وما ذكره (قدس‌سره) في الرجوع الى القيمة ، وأنها قيمة وقت الدفع ، لا وقت العقد ، هو ظاهر عبارة العلامة المنقولة في الأصل أيضا ـ منه رحمه‌اللهآخر في المعاملة رجع حكمه الى حكم القرض ، ولم أقف لهم على كلام هنا في ثمن المبيع ومهر الزوجة لو كسرت سكة المعاملة الأولى ـ التي انصرف العقد إليها ، وظهرت سكة أخرى ـ في أن له الأولى أو الأخيرة؟ الا أن مقتضى قواعدهم هو ما ذكرناه ، من رجوعه بالأخرة إلى حكم القرض.

وبالجملة فإن العمل بمقتضى الخبرين الأخيرين هو الأوفق بالقواعد الشرعية ، ويبقى الكلام في الرواية الاولى ولا يبعد خروجها مخرج التقية التي في اختلاف الأحكام الشرعية أصل كل بلية ، فإن جميع ما ذكر من المحامل المتقدمة لا يخلو من تعسف وبعد عن ظواهر الأخبار المذكورة كما عرفت ، والاحتياط في المسألة يقتضي الرجوع الى الصلح من الطرفين ، وأحوط منه الإبراء بعد ذلك من الجانبين والله العالم بحقائق أحكامه.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *