ج18 - أحكام الأرضين واليتامى

المسألة السادسة

في أحكام الأرضين

وهي ـ على ما ذكره الأصحاب ، رضوان الله عليهم ، وصرحت به الاخبار عنهم ـ عليهم‌السلام ـ : على أربعة أقسام :

الأول ـ المفتوحة عنوة.

الثاني ـ أرض أسلم عليها أهلها طوعا.

الثالث ـ ارض الصلح.

الرابع ـ أرض الأنفال.

فالبحث هنا يقع في مقامات أربعة :

الأول : الأرض المفتوحة عنوة ، اى بالقهر والغلبة والسيف.

وحكمها ـ على ما صرح به غير واحد من الأصحاب ، وبه صرح أيضا أخبار الباب ـ انها للمسلمين قاطبة ، من وجد ومن سيوجد الى يوم القيامة ، ليس للغانمين منها الا كغيرهم من المسلمين.

الا ان جملة من الأصحاب صرحوا بأن ذلك بعد إخراج خمسها لذوي الخمس.

وربما خصه بعضهم بزمان وجود الامام عليه‌السلام ، قال : واما في الغيبة ففي الاخبار


ما يدل على انه لا خمس فيها.

قال في المنتهى : الأرضون أربعة أقسام ، أحدها : ما يملك بالاستغنام ويؤخذ قهرا بالسيف. فإنها تكون للمسلمين قاطبة ، فلا تختص بها المقاتلة ، بل يشاركهم غير المقاتلة من المسلمين. وكما لا يختصون بها كذلك لا يفضلون ، بل هي للمسلمين قاطبة. وذهب إليه علماؤنا اجمع.

وقال في المبسوط ـ بعد كلام في المقام ، وذكر مكة وارض السواد ونحوهما ـ : والذي يقتضيه المذهب ، ان هذه الأراضي وغيرها من البلاد التي فتحت عنوة ، يكون خمسها لأهل الخمس ، وأربعة أخماسها يكون للمسلمين قاطبة ، الغانمون وغير الغانمين في ذلك سواء.

«ويكون للإمام النظر فيها وتقبيلها وتضمينها بما شاء ، ويأخذ ارتفاعها ويصرفه في مصالح المسلمين وما ينوبهم من سد الثغور ومعونة المجاهدين وبناء القناطر وغير ذلك من المصالح ، وليس للغانمين في هذه الأرض خصوصا شي‌ء ، بل هم والمسلمون فيه سواء.

«ولا يصح بيع شي‌ء من هذه الأرضين ولا هبته ولا معاوضته ولا تمليكه ولا وقفه ولا رهنه ولا إجارته ولا إرثه ، ولا يصح ان تبنى دورا ومنازل ومساجد وسقايات ولا غير ذلك من أنواع التصرفات التي تتبع الملك ، ومتى فعل شي‌ء من ذلك كان التصرف باطلا وهو باق على الأصل.

«وعلى الرواية التي رواها أصحابنا «ان كل عسكر أو فرقة غزت بغير اذن الامام فغنمت تكون الغنيمة للإمام خاصة» هذه الأرضون وغيرها مما فتحت بعد الرسول الا ما فتح في أيام أمير المؤمنين عليه‌السلام ان صح شي‌ء من ذلك ، يكون للإمام خاصة ، ويكون من جملة الأنفال التي له خاصة لا يشركه فيها غيره انتهى.

أقول : والذي وقفت عليه من الاخبار في هذا المقام : ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد الحلبي ، قال : سئل الصادق عليه‌السلام عن السواد ما منزلته؟ فقال : هو لجميع


المسلمين ، لمن هو اليوم ولمن يدخل في الإسلام بعد اليوم ، ولمن لم يخلق بعد ، فقلت : الشراء من الدهاقين؟ قال : لا يصلح الا ان يشترى منهم على ان يصيرها للمسلمين ، فإذا شاء ولى الأمر أن يأخذها أخذها. قلت : فإن أخذها منه قال : يرد عليه رأس ماله ، وله ما أكل من غلتها بما عمل (1).

وعن محمد بن شريح ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن شراء الأرض من ارض الخراج فكرهه ، وقال : إنما أرض الخراج للمسلمين. فقالوا له : فإنه يشتريها الرجل وعليه خراجها. فقال : لا بأس ، الا ان يستحيي من عيب ذلك (2).

وما رواه في التهذيب والفقيه عن ابى الربيع الشامي ، عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال لا تشتر من ارض السواد شيئا الا من كانت له ذمة ، فإنما هو في‌ء للمسلمين (3).

وما رواه في التهذيب عن صفوان في الصحيح ، قال : حدثني أبو بردة بن رجاء قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : كيف ترى في شراء ارض الخراج؟ قال : ومن يبيع ذلك ، وهي أرض المسلمين. قال : قلت : يبيعها الذي هي في يده. قال : ويصنع بخراج المسلمين ما ذا؟ ثم قال : لا بأس ان يشترى حقه منها ويحول حق المسلمين عليه ، ولعله يكون أقوى عليها واملى بخراجهم منه (4).

وما رواه الشيخ في الموثق عن حريز عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : رفع الى أمير المؤمنين عليه‌السلام رجل مسلم اشترى أرضا من أراضي الخراج. فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : له ما لنا وعليه ما علينا ، مسلما كان أو كافرا ، له ما لأهل الله وعليه ما عليهم (5).

__________________

(1) الوسائل ج 12 ص 274 حديث : 4.

(2) الوسائل ج 12 ص 275 حديث : 9.

(3) الوسائل ج 12 ص 274 حديث : 5.

(4) الوسائل ج 11 ص 118 حديث : 1 باب : 71.

(5) الوسائل ج 11 ص 119 حديث : 6.


وما رواه في الكافي عن صفوان بن يحيى واحمد بن محمد بن ابى نصر جميعا ، قالا : ذكرنا له الكوفة وما وضع عليها من الخراج ، وما سار فيها أهل بيته. فقال : من أسلم طوعا تركت أرضه في يده وأخذ منه العشر ، مما سقى بالسماء والأنهار ، ونصف العشر مما كان بالرشا ، فيما عمروه منها. وما لم يعمروه منها أخذه الإمام فقبله ممن يعمره ، وكان للمسلمين. وعلى المتقبلين في حصصهم العشر ونصف العشر. وليس في أقل من خمسة أوسق شي‌ء من الزكاة. وما أخذ بالسيف ، فذلك الى الامام يقبله بالذي يرى ، كما صنع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بخيبر ، قبل سوادها وبياضها ، يعني أرضها ونخلها. والناس يقولون : لا تصلح قبالة الأرض والنخل ، وقد قبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خيبر. قال : وعلى المتقبلين سوى قبالة الأرض العشر ونصف العشر في حصصهم. ثم قال : ان أهل الطائف أسلموا وجعلوا عليهم العشر ونصف العشر. وان مكة دخلها رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ عنوة ، وكانوا أسراء في يده فأعتقهم ، وقال : اذهبوا فأنتم الطلقاء (1).

وما رواه الشيخ في الصحيح عن احمد بن محمد بن ابى نصر ، قال : ذكرت لأبي الحسن الرضا ـ عليه‌السلام ـ الخراج وما سار به أهل بيته. فقال : العشر ونصف العشر على من أسلم طوعا ، تركت أرضه في يده وأخذ منه العشر ونصف العشر فيما عمر منها. وما لم يعمر منها أخذه الوالي فقبله ممن يعمره ، وكان للمسلمين وليس فيما كان أقل من خمسة أو ساق شي‌ء. وما أخذ بالسيف فذلك الى الامام يقبله بالذي يرى ، كما صنع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بخيبر ، قبل أرضها ونخلها ، والناس يقولون : لا تصلح قبالة الأرض والنخل ، إذا كان البياض أكثر من السواد. وقد قبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خيبر وعليهم في حصصهم العشر ونصف العشر (2).

وفي مرسلة حماد بن عيسى الطويلة عن العبد الصالح ابى الحسن الأول عليه‌السلام

__________________

(1) الوسائل ج 11 ص 120 حديث : 1 باب : 72 من أبواب جهاد العدو.

(2) الوسائل ج 11 ص 120 حديث : 2.


والأرضون التي أخذت عنوة بخيل أو ركاب فهي موقوفة متروكة في أيدي من يعمرها ويحييها ، ويقوم عليها على ما صالحهم الوالي على قدر طاقتهم ، من حق الخراج : النصف أو الثلث أو الثلثين على قدر ما يكون لهم صلاحا ولا يضرهم. ثم ذكر إخراج العشر ونصف العشر من الخارج (1).

* * *

وتنقيح البحث في المقام يقع في موارد :

الأول : ظاهر عبارة المبسوط المتقدمة هو : المنع من التصرف في هذه الأراضي بجميع وجوه التصرفات ، مطلقا في حضور الامام وغيبته. ونحوه صرح في المنتهى. وهو ظاهر عبارات أكثر الأصحاب في هذا الباب.

وظاهر كلام الدروس : التخصيص بحال حضور الامام. قال ـ رحمه‌الله ـ ولا يجوز التصرف في المفتوح عنوة ، بإذن الإمام عليه‌السلام سواء كان بالوقف أو البيع أو غيرهما. نعم في حال الغيبة ينفد ذلك وأطلق في المبسوط : ان التصرف فيها لا ينفد. انتهى.

والى ذلك يميل كلام المحقق الثاني في شرح القواعد ، فإنه ـ بعد ذكر عبارة المصنف الدالة بإطلاقها على ما ذكره في المبسوط ـ قال ، ما صورته : هذا في حال ظهور الامام عليه‌السلام اما في حال الغيبة فينفذ ذلك كله ، كما صرح به في الدروس وصرح به غيره. انتهى.

واعترض ذلك المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد بأن هذه الأراضي ملك للغير ، والبيع والوقف موقوفان على كونها ملكا للبائع والواقف. قال : بل تحصل الشبهة في جواز هذه حال الحضور ، لبعد حصول الاذن بذلك منه عليه‌السلام الا ان يقتضي المصالح العامة ذلك ، بان يجعل قطعة منها مسجدا لهم ، أو حصل الاحتياج الى ثمنها. انتهى.

__________________

(1) الوسائل ج 11 ص 84 ـ 85 حديث : 1 باب : 41.


وظاهر كلام جملة من الأصحاب ، ومنهم ابن إدريس ، ان جواز التصرف بالبيع ونحوه انما هو فيما يملكه البائع من الآثار التي في تلك الأرض.

قال ابن إدريس ـ بعد نقله القول بالمنع من التصرف ، ما صورته ـ : ان قيل : نراكم تبيعون وتشترون وتقفون ارض العراق وقد أخذت عنوة! قلنا : انا نبيع ونقف تصرفنا فيها وتحجيرنا وبنياننا ، فاما نفس الأرض فلا يجوز ذلك فيها.

وبذلك ايضا صرح في المسالك ، فقال ـ بعد قول المصنف «ولا يصح بيعها ولا وقفها» ـ : انه لا يصح شي‌ء من ذلك في رقبتها مستقلة ، اما فعل ذلك لها تبعا لآثار التصرف ، من بناء وغرس وزرع ونحوها ، فجائز على الأقوى. فإذا باعها بايع مع شي‌ء من هذه الآثار دخلت في البيع على سبيل التبع ، وكذا الوقف وغيره ، ويستمر ذلك ما دام شي‌ء من الآثار باقيا ، فإذا ذهبت اجمع انقطع حق المشترى والموقوف عليه وغيرهما عنها. هكذا ذكره جمع من المتأخرين وعليه العمل. انتهى.

أقول : وتحقيق الكلام في المقام ان يقال : لا ريب ان هذه البلاد المفتوحة عنوة ، منها ما هو عامر وقت الفتح ، ومنها ما هو بائر. والأشهر الأظهر ان الحكم مخصوص بالعامر ، دون القسم الأخر فإنه للإمام ، نظرا الى عموم الأخبار الدالة على اختصاص موات الأرضين به ـ عليه‌السلام ـ وانها من جملة الأنفال كما تقدم تحقيقه في كتاب الخمس.

* * *

بقي الكلام في أنها وقت الفتح كانت تلك الاملاك ، من دور ونخيل وبساتين ، في أيدي ملاك لها يومئذ؟.

وظاهر الاخبار وكلام الأصحاب الدال على ان ما كان عامرا وقت الفتح فهو للمسلمين كافة ، شامل للأرض وما فيها من تلك الآثار يومئذ ، وان مرجع ذلك الى الامام ـ عليه‌السلام ـ يقبله ويصرف حاصله في مصالح المسلمين. وحينئذ فليس لأولئك الملاك قبل الفتح التصرف إلا بإذن الإمام عليه‌السلام والاستيجار منه عليه‌السلام


فقول ابن إدريس ومن تبعه : انا نبيع املاكنا وآثارنا وبنياننا ، انما يتم لو كان الذي للمسلمين وقت الفتح انما هو رقبة الأرض العامرة خاصة ، واما الأملاك فإنها على هذا ملك لمن في يده ، وهو خلاف الظاهر من الاخبار ومن كلامهم ، كما عرفت.

وبالجملة ، فإني لا اعرف لكلامهم وجه استقامة ، الا ان يخص ملك المسلمين وقت الفتح برقبة الأرض دون ما فيها. وفيه : ما عرفت. أو انه يجدد أحد بعد الفتح بناء أو غرسا أو نحو ذلك فالبيع والشراء أو الوقف ونحوها انما هو فيما كان كذلك وهذا ايضا غير مستقيم ، لان هذه الأرض حينئذ انما هي من البائرة وقت الفتح التي قد عرفت انها من الأنفال وهي خارجة عن محل البحث.

نعم يمكن ان يقال : ان هذه الاملاك والأراضي بعد الفتح إذا تقبلها أحد من الامام وعمرها وبنى فيها وغرس وزرع وتصرف بهذه التصرفات ونحوها ، مع دفعه كل سنة وجه القبالة له عليه‌السلام أو نائبه ، فإنه يجوز البيع والشراء والوقف في تلك الاملاك المحدثة ، مع القيام بما عليها من وجه القبالة ، دون رقبة الأرض.

والى ذلك يشير خبر بردة بن رجاء المتقدم ، ورواية محمد بن شريح المتقدمة أيضا ، ونحوهما غيرهما ، وظاهر هذه الاخبار وقوع البيع والشراء في هذه الأراضي في وقتهم ـ عليهم‌السلام ـ وان لم يكن بإذنهم. ومنه يظهر قوة ما ذهب اليه ابن إدريس ومن تبعه. الا ان هذا لا يجري في بناء المساجد.

الا ان يقال : انها من المصالح العامة للمسلمين التي هي أحد مصارف هذه الأراضي ، فيجوز بناؤها لذلك ، واما وقف أرضها على المسجدية ، كما هو ظاهر كلام الأصحاب في بحث المساجد ، فلا يتصور هنا. لأن الأراضي غير مملوكة للواقف وهو شرط صحة الوقف ، إلا انك قد عرفت في بحث المساجد من كتاب الصلاة : انه لا دليل على ما ذكروه من اشتراط الوقفية في أرض المسجد ، فلا اشكال.

وعلى ما حققناه فيجب تقييد كلام الشيخ واتباعه بالمنع من التصرف في


الأرض المفتوحة عنوة ، بما ذكره ابن إدريس ومن تبعه من تخصيص ذلك برقبة الأرض والاملاك الموجودة فيها حال الفتح ، دون ما يحدث فيها من العمارات والزراعات والغرس ونحو ذلك من المتقبلين لها كما ذكرناه ، ويخص ايضا كلام ابن إدريس بذلك ، فان ظاهر إطلاق كلامه شمول ما ذكره للعمارات الموجودة يوم الفتح. وقد عرفت انها للمسلمين قاطبة ، فلا يجرى فيها ما ذكره. بل يجب تخصيصه بما ذكرناه.

* * *

والتحقيق عندي في هذا المقام ، على ما ادى اليه فهمي القاصر من اخبارهم ـ عليهم‌السلام ـ وان كان خلاف ما عليه علماؤنا الأعلام ، هو : انه مع وجود الامام عليه‌السلام أو نائبه وتمكنهما من القيام بالأحكام الشرعية ، فالمرجع إليهما في ذلك ولا يجوز التصرف بشي‌ء من أنواع التصرفات إلا بإذن أحدهما.

واما مع عدم ذلك فظاهر كلمة الأصحاب : الرجوع الى الجائر المتولي لأخذ الخراج من تلك الأراضي ، كما تقدم ذكره في مسألة حل الخراج ، فان ظاهرهم : وجوب الرجوع اليه وعدم جواز التصرف إلا باذنه ، وان أمكن الرجوع الى النائب في الاستيذان. وعندي فيه نظر ، لعدم الدليل عليه ، بل وجود الدليل على خلافه كما ستعرف إنشاء الله تعالى.

واحتمال التصرف فيها للشيعة مطلقا ، والحال هذه ، لا يخلو من قوة. لأنها وان كانت منوطة بنظر الامام عليه‌السلام كما هو مدلول خبري أحمد بن محمد بن ابى نصر المتقدمتين ، وكذا رواية حماد بن عيسى ، مع وجوده وتمكنه ، الا انه مع عدم ذلك لا يبعد سقوط الحكم وجواز التصرف ، وليس الرجوع الى حاكم الجور ـ بعد تعذر الرجوع اليه ـ ع ـ كما عليه ظاهر الأصحاب ـ بأولى من الرجوع الى المسلمين يتصرفون كيف شاؤا وأرادوا ، لا سيما مع استلزام ما ذكروه المعاونة على الإثم والعدوان ، وتقوية الباطل وتشييد معالمه ، للنهى عنه كتابا وسنة.


وغاية ما يدل عليه الاخبار التي استندوا إليها فيما ذكروه من الأحكام ، هو : انه إذا استولى الجائر على تلك الأراضي جاز الأخذ منه والشراء ونحو ذلك ، ولا دلالة في شي‌ء منها على المنع من التصرف إلا بإذنه كما ادعوه

ويدل على ما ذكرناه ـ أولا ـ الأخبار الدالة على ان الأرض كلها لهم عليهم‌السلام وان شيعتهم في سعة ورخصة من التصرف فيها في زمن عدم تمكنهم.

فمن ذلك صحيحة أبي خالد الكابلي ، عن ابى جعفر ـ عليه‌السلام ـ قال : وجدنا في كتاب على ـ عليه‌السلام ـ «إِنَّ الْأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ» (1) انا وأهل بيتي الذين أورثنا الله الأرض ، ونحن المتقون ، والأرض كلها لنا ، فمن أحيى أرضا من المسلمين فليعمرها وليؤد خراجها الى الامام من أهل بيتي ، وله ما أكل منها.

فان تركها وأخربها فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها وأحياها ، فهو أحق بها من الذي تركها ، يؤدى خراجها الى الامام من أهل بيتي ، وله ما أكل منها حتى يظهر القائم من أهل بيتي بالسيف ، فيحويها ويمنعها ويخرجهم منها ، لما حواها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومنعها ، الا ما كان في أيدي شيعتنا ، فإنه يقاطعهم على ما في أيديهم ويترك الأرض في أيديهم (2).

وفي صحيحة عمر بن يزيد المتضمنة لحمل مسمع بن عبد الملك الى الصادق عليه‌السلام مالا من الخمس ورده عليه‌السلام له عليه وإباحته له ، ما صورته : يا أبا سيار ، ان الأرض كلها لنا ، فما اخرج الله منها من شي‌ء فهو لنا ـ الى ان قال ـ : يا أبا سيار قد طيبناه لك وحللناك منه. فضم إليك مالك ، وكل ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم محللون ومحلل لهم ذلك الى ان يقوم قائمنا فنجبيهم طسق ما كان في أيدي سواهم ، فان كسبهم من الأرض حرام عليهم حتى يقوم قائمنا فيأخذ الأرض من أيديهم ويخرجهم

__________________

(1) سورة الأعراف : 128.

(2) الوسائل ج 17 ص 329 حديث : 2.


منها صغرة (1).

وقد تقدمت جملة من الاخبار الدالة على ان الأرض كلها لهم ـ عليهم‌السلام ـ في كتاب الخمس.

لا يقال : انه يجب تخصيص هذه الاخبار بالأراضي الموات لمعلومية ملك الناس لما في أيديهم ، وبيعه وشراؤه وتوارثه ونحو ذلك.

لأنا نقول : لا منافاة بين ما دلت عليه هذه الاخبار من كونها كملا لهم ـ عليهم‌السلام ـ وبين ما ذكره ، لان تملكهم على حسب ملك الله ، فإنه هو المالك الحقيقي ، وملكهم متفرع على ملكه سبحانه ، كما يشير اليه بعض الاخبار المتقدمة في الموضع المشار اليه ، من قول ابى جعفر ـ عليه‌السلام ـ ، قال : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ : خلق الله آدم وأقطعه الدنيا قطيعة ، فما كان لادم فهو لرسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وما كان لرسول الله فهو للأئمة من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله (2).

والى ذلك يشير حكمهم ـ عليهم‌السلام ـ بأن ما في أيدي مخالفيهم من الأراضي غصب محرم عليهم التصرف فيه (3).

بل ورد في بعض الاخبار تحريم مشيهم على الأرض (4) ، حيث انها لهم ـ عليهم‌السلام ـ وانه بعد خروج القائم ـ عجل الله فرجه الشريف ـ يخرجهم من الأرض ويجعلها دونهم ، وان ما في أيدي الشيعة الان من الاملاك قد احلوهم به ، فتصرفهم وتملكهم انما هو من حيث التحليل لهم ، وانه بعد خروج قائمهم يأخذ الطسق منهم ويقرهم على ما في أيديهم ولا يخرجها من أيديهم ، وحينئذ فلا منافاة

__________________

(1) الوسائل ج 6 ص 382 حديث : 12.

(2) الكافي ج 1 ص 409 حديث : 7.

(3) تقدم من ذلك في صحيحة عمر بن يزيد عن الوسائل ج 17 ص 329 حديث : 2.

(4) راجع : الكافي ج 1 ص 407 والوسائل ج 6 ص 379 فما بعد.


بحمد الله سبحانه.

ومما ذكرناه ثبت جواز تصرفهم في هذه الأراضي التي هي محل البحث لدخولها تحت عموم هذه الاخبار ، ويخص ما ورد من التوقف على اذن الامام بزمان وجوده وبسط يده ، أو وجود نائبه كذلك ، جمعا بين الأدلة.

وثانيا : الأخبار التي قدمناها ، مثل موثقة حريز ، (1) ورواية محمد بن شريح ، (2) ورواية أبي بردة بن رجاء (3) ونحوها رواية إسماعيل بن الفضل الهاشمي عن الصادق عليه‌السلام في حديث ، قال : وسألته عن رجل اشترى أرضا من ارض الخراج فبنى بها أو لم يبن ، غير ان أناسا من أهل الذمة نزلوها ، له ان يأخذ منهم اجرة البيوت ، إذا أدوا جزية رؤسهم؟ قال : يشارطهم. فما أخذه بعد الشرط فهو حلال (4).

فان ظاهر هذه الاخبار ـ كما ترى باعتبار ضم بعضها الى بعض ـ هو : جواز البيع والشراء من تلك الأراضي مع قيام المشترى بما عليها من الخراج ، وان لم يكن البيع بإذنهم ـ عليهم‌السلام.

وحمل ذلك على كون البيع أولا وبالذات انما تعلق بملك البائع وآثاره التي في تلك الأرض ، وبيع الأرض انما وقع ثانيا وبالعرض ، كما تقدم نقله عن جملة من الأصحاب ، لا إشعار في تلك الاخبار به ، كما لا يخفى على من راجعها وتأملها.

واما قوله ـ في رواية أبي بردة ـ : «لا بأس ان يشترى حقه» فيمكن حمله على ـ

__________________

(1) الوسائل ج 11 ص 119 حديث : 6.

(2) الوسائل ج 12 ص 275 حديث : 9.

(3) الوسائل ج 11 ص 118 حديث : 1.

(4) الوسائل ج 12 ص 275 حديث : 10.


الحق الذي هو بمعنى أولوية التصرف فيها (1) حيث سبق إليها وملكها بذلك.

ويحمل ظاهر المنع ـ الذي أشعرت به تلك الاخبار من حيث كونها فيئا للمسلمين ـ على الشراء على وجه يتملكه بذلك ، من غير وجوب دفع حق المسلمين منها ، وهو خراج الأرض المذكورة ، كما ينادى به سياقها.

وعلى ذلك يحمل إطلاق رواية أبي الربيع الشامي (2).

واما ما تضمنه صحيح الحلبي (3) من «جواز الشراء من الدهاقين وانه ان شاء ولى الأمر ان يأخذها».

فهو محمول على وجود الامام عليه‌السلام وتمكنه.

ويعضد ذلك ، الأخبار الدالة على ان لهم من الحق منها ما هو أزيد من ذلك ، وانهم بعد خروج صاحب الأمر يزادون ، كما في صحيحة عبد الله بن سنان عن أبيه ، قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ان لي أرض خراج ، وقد ضقت بها ذرعا. قال : فسكت هنيئة ، ثم قال : ان قائمنا لو قد قام كان نصيبك في الأرض أكثر منها ، ولو قد قام قائمنا كان الأستان أمثل من قطائعهم (4) :.

__________________

(1) أقول : ومما يعضد ذلك ويوضحه : ما في رواية محمد بن مسلم وعمر ابن حنظلة عن ابى عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن ذلك ، فقال : لا بأس بشرائها ، فإنها إذا كانت بمنزلتها في أيديهم ، تؤدي عنها كما يؤدون عنها. (الوسائل ج 11 ص 119 حديث : 3) ، فإنها كما ترى ظاهرة الدلالة في ان الجواز والمنع دائران مدار قيام المشترى بخراجها ودفعه للإمام عليه‌السلام وعدمه. فالبيع فيها جائز وان كانت ليست ملكا حقيقيا كسائر الاملاك التي لا يتعلق بها طسق ولا خراج. والنهى انما هو من حيث شرائها لتكون ملكا له لا يدفع خراجها ولا أجرتها. وبالجملة فالأمر ظاهر لمن نظر في هذه الاخبار. منه قدس‌سره.

(2) الوسائل ج 12 ص 274 حديث : 5.

(3) الوسائل ج 12 ص 274 حديث : 4.

(4) الكافي ج 5 ص 283 حديث : 5. والأستان ـ بضم الهمزة : مجموعة قرى كانت قرب بغداد.


وعن أبي إبراهيم بن ابى زياد في الموثق قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الشراء من أرض الجزية ، قال : فقال : اشترها ، فان لك من الحق ما هو أكثر من ذلك (1).

وعن زرارة في الصحيح عن ابى عبد الله ـ عليه‌السلام ـ انه قال : إذا كان ذلك كنتم الى ان تزادوا أقرب منكم الى ان تنقصوا (2).

المورد الثاني ، قال في المبسوط : ظاهر المذهب ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتح مكة عنوة بالسيف ثم أمنهم بعد ذلك. وانما لم يقسم الأرضين والدور ، لأنها لجميع المسلمين ، كما نقوله في كل ما يفتح عنوة ، إذا لم يمكن نقله الى بلاد الإسلام ، فإنه يكون للمسلمين قاطبة ، وقد من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على رجال من المشركين فأطلقهم. وعندنا : ان للإمام عليه‌السلام ان يفعل ذلك وكذلك أموالهم من عليهم لما رآه من المصلحة. واما السواد فهي الأرض المغزوة من الفرس التي فتحها عمر ، وهي سواد العراق. فلما فتحت بعث عمار بن ياسر أميرا ، وابن مسعود قاضيا وواليا على بيت المال ، وعثمان بن حنيف ماسحا ، الى ان قال : وكذلك أمير المؤمنين عليه‌السلام لما افضى إليه الأمر أمضى ذلك ، لانه لم يمكنه ان يخالف ويحكم بما يجب عنده. والذي يقتضيه المذهب : ان هذه الأراضي وغيرها. الى آخر ما قدمنا نقله عنه في صدر المسألة.

أقول : ظاهر كلام الشيخ في هذا المقام يؤذن بعدم ثبوت كون ارض السواد عنده من المفتوحة عنوة ، حيث ان الذي فتحها ليس بإمام حق ، وان اجراء أمير المؤمنين عليه‌السلام في زمان خلافته عليها حكم الأرض المفتوحة عنوة ، انما هو من حيث عدم

__________________

(1) الوسائل ج 11 ص 119 حديث : 4.

(2) رواه في الوسائل عن حريز. ولكن التهذيب رواها عن حريز عن زرارة. راجع الوسائل ج 11 ص 119 حديث : 5.


تمكنه من اقامة الحكم الشرعي فيها ، كما في كثير من الأحكام ، فان مقتضى الحكم فيها حيث انها فتحت بغير اذنه ان تكون من الأنفال ، لكن رعاية التقية أوجبت له العمل فيها بما جرى عليه الولاة المتقدمون.

وعندي فيه نظر ، وان تلقاه بعض متأخري مشايخنا المحققين عنه بالقبول ، وذلك فان الظاهر من بعض الاخبار : ان أكثر الفتوحات التي صدرت من عمر كان برأي الامام واذنه عليه‌السلام فروى الصدوق في الخصال في باب السبعة ، في بيان ما امتحن الله تعالى أوصياء الأنبياء ـ عليهم‌السلام ـ عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في حديث طويل مع اليهودي ـ قال عليه‌السلام ـ : في أثنائه : واما الرابعة يا أخا اليهودي ، فان القائم بعد صاحبه كان يشاورني في موارد الأمور ومصادرها فيصدرها عن امرى ويناظرني في غوامضها فيمضيها عن رأيي ، الحديث (1).

ويعضد ذلك حكم الأئمة ـ عليهم‌السلام ـ بأن أرض السواد مما فتح عنوة كما تقدم في صحيحة الحلبي (2) ورواية أبي الربيع الشامي (3) ورواية أحمد بن محمد بن ابى نصر (4).

فان الجميع ظاهر في انها من الأراضي الخراجية التي يجب إجراء أحكام الأراضي الخراجية عليها ، ولو كان ما يدعيه الشيخ ومن تبعه حقا ، لما كان لهذه الاخبار معنى.

وظاهر الأصحاب : القول بها من غير خلاف يعرف ، الا ما يظهر من كلام المبسوط. والظاهر انه نشأ عن غفلة عن ملاحظة الأخبار المذكورة.

ويزيد ذلك تأييدا ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى

__________________

(1) الخصال باب السبعة ج 2 ص 374.

(2) الوسائل ج 12 ص 274 حديث : 4.

(3) الوسائل ج 12 ص 274 حديث : 5.

(4) الوسائل ج 11 ص 120 حديث : 2.


جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن سيرة الإمام في الأرض التي فتحت بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : ان أمير المؤمنين قد سار في أهل العراق سيرة هي إمام لسائر الأرضين (1) الحديث.

ويعضد ذلك قبول سلمان ولاية المدائن ، وعمار امارة العساكر ، كما تقدم في كلام الشيخ.

وبذلك يظهر ما في كلام المحقق الأردبيلي في هذا المقام ، حيث انه يظهر منه المناقشة في كون ارض العراق فتحت عنوة ، مستندا الى وقوع الخلاف بين العلماء في ذلك ، حيث نقل العلامة في التذكرة ان بعض الشافعية قال : انها فتحت صلحا. قال : وهو محكي عن أبي حنيفة. وقال بعضهم : اشتبه الأمر على ، ولا أدرى فتح عنوة أو صلحا.

ثم قال المحقق المذكور : على انه قد اشترط ـ في المشهور عندنا وكاد يكون إجماعا ـ في المفتوحة عنوة كون الفتح بإذن الإمام عليه‌السلام ، والعلم بذلك في شي‌ء من الأراضي غير معلوم ، لان العراق المشهورة بذلك فتحت في زمان الثاني ، وما تحقق كونه بإذن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، بل الظاهر عدمه ، لعدم اختياره ، وما ثبت كون مولانا الحسن عليه‌السلام معهم. ثم نقل كلام الشيخ وقوله : وعلى رواية رواها أصحابنا. الى آخره ، كما قدمناه.

ثم قال : وهذه كالصريحة في نفى كون العراق مفتوحة عنوة ، بل في عدم كونها مفتوحة بالمعنى الذي تقدم. انتهى ملخصا.

وليت شعري كأنه لم يراجع الأخبار التي أشرنا إليها ، مما هو صريح الدلالة واضح المقالة في إجرائهم ـ عليهم‌السلام ـ حكم المفتوحة عنوة على تلك الأراضي.

واما قوله : وما تحقق كون الفتح بإذن أمير المؤمنين عليه‌السلام. الى آخره.

__________________

(1) الوسائل ج 11 ص 117 حديث : 2.


ففيه : ان الظاهر انما هو رضاه عليه‌السلام به ان لم نقل انه باذنه. وذلك لانه عليه‌السلام صاحب الأمر بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فهو يحب ظهور الإسلام وقوته ، وان لم يكن على يده ، فان الغرض من أصل البعثة ومن النيابة فيها انما خمود منار الكفر وظهور صيت الإسلام. فهو عليه‌السلام وان لم يكن متمكنا من الأمر والنهى وتنفيذ الجيوش ، الا ان غرضه الأصلي ومطلبه الكلى حاصل بذلك. فكيف يكرهه ولا يرضاه؟! وهذا بحمد الله سبحانه وجه وجيه ، لمن أخذ بالإنصاف وارتضاه ، ويخرج ما قدمنا شاهدا لمن عرف الحق ووعاه.

ويؤيد ذلك ـ ايضا ـ ما ورد في أخبارنا ، وكذا في اخبار العامة : ان الله يؤيد هذا الذين أو يعزه بالظالم (1) ـ. هذا حاصل الخبر حيث لا يحضرني الان نفسه.

* * *

ونقل بعض فضلائنا عن بعض كتب التواريخ قال : وكأنه من الكتب المعتبرة في هذا الفن ، أن الحيرة وهي من قرى العراق تقرب الكوفة فتحت صلحا ، وان نيسابور من بلاد خراسان فتحت صلحا ، وقيل : عنوة. وبلخ وهرات منها ، وقوشج م. ه. معرفة

__________________

(1) جاء في وسائل الشيعة ج 4 ص 1170 باب أنه يكره ان يقال : «اللهم اجعلني ممن تنتصر به لدينك» الا ان يقيده بما يزيل الاحتمال. من أبواب الدعاء من كتاب الصلاة. عن يونس بن يعقوب عن ابى عبد الله عليه‌السلام انه كتب اليه بعض أصحابه يسأله أن يدعو الله ان يجعله ممن ينتصر به لدينه ، فأجابه عليه‌السلام وكتب في أسفل كتابه : «يرحمك الله ، انما ينتصر الله لدينه بشر خلقه».

وورد في البخاري في كتاب الجهاد الحديث رقم : 182. وفي كتاب المغازي الحديث رقم : 38. وفي مسلم في كتاب الايمان الحديث رقم 178. وفي سنن ابن ماجة في كتاب الفتن الحديث رقم : 35. وفي مسند احمد بن حنبل ج 2 ص 309 : «ان الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر». وهكذا في ج 5 ص 45 فراجع.

 

م. ه. معرفة


والتوابع فتحت صلحا. وبعض آخر فتح صلحا وبعض عنوة. وبالجملة فإن بلاد خراسان مختلفة في كيفية الفتح.

واما بلاد الشام ونواحيها فحكى ان حلب وحمى وحمص وطرابلس فتحت صلحا وان دمشق فتحت بالدخول من بعض الأبواب غفلة ، بعد ان كانوا طلبوا الصلح. وان أهل طبرستان صالحوا أهل الإسلام. وان أذربيجان فتحت صلحا. وان أهل أصفهان عقدوا أمانا. والري فتحت عنوة. انتهى.

وحكى العلامة في المنتهى عن الشافعي : ان مكة فتحت صلحا بأمان قدمه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهم قبل دخوله. قال : وهو منقول عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ومجاهد.

ثم انه ـ رحمه‌الله ـ نسب الى الظاهر من المذهب : انها فتحت بالسيف ثم أمنهم بعد ذلك. ونقله عن مالك وابى حنيفة والأوزاعي.

وقد ذكر في المنتهى ان حد سواد العراق في العرض ، من منقطع الجبال بحلوان الى طرف القادسية المتصل بعذيب من ارض العرب. ومن تخوم الموصل طولا الى ساحل البحر ببلاد عبادان من شرقي دجلة ، فأما الغربي الذي يليه البصرة فإنما هي إسلامي مثل شط عثمان ابن ابى العاص وما والاها كانت سباخا ومواتا فأحياها عثمان ابن ابى العاص.

أقول : والذي يظهر لي من الاخبار هو فتح مكة والعراق عنوة ، وان كان قد من على أهل مكة كما تقدم في كلام الشيخ بأموالهم. واما غير هذين الموضعين المذكورين فهو محل الاشتباه ، لعدم النص الوارد في شي‌ء من ذلك. والاعتماد في الأحكام الشرعية على مجرد كلام المؤرخين محل اشكال والله العالم.

* * *

المورد الثالث : قد عرفت فيما تقدم ، ان موات الأرض المفتوحة عنوة وقت الفتح انما هو للإمام عليه‌السلام من جملة الأنفال. وان كان ظاهر بعض العبارات


كون الأرض المفتوحة عنوة للمسلمين كافة من غير تقييد بالعامرة ، الا ان كلام الأكثر قد اشتمل على التقييد بالعامرة. وهو الظاهر ، نظرا إلى إطلاق الاخبار الدالة على ان موات الأرض من جملة الأنفال ، أعم من ان تكون الأرض من المفتوحة عنوة أم لا.

ومن هنا ينقدح إشكال في هذا المقام ، وذلك لان ما يكون معمورا من الأراضي لا يعلم انه كان معمورا وقت الفتح حتى يجب العمل فيه بحكم المفتوحة عنوة ، من كونه للمسلمين وما يترتب على ذلك من أحكام الخراج. إذ يجوز ان يكون في ذلك الوقت مواتا ، وانما أحيا بعد ذلك ، وقد عرفت : ان موات الأرض لهم ـ عليهم‌السلام ـ وانهم قد أحلوا شيعتهم بالتصرف فيها ، فتكون للمحيين ، لا يتعلق بها خراج بالكلية.

واما ما صار اليه بعض أصحابنا من الاستدلال على ان المعمور الان كان معمورا وقت الفتح بضرب الخراج الان ، ولو من الجائر وأخذه المقاسمة من ارتفاعها ، عملا بأن الأصل في تصرفات المسلمين الصحة. فإنه لا يخفى ما فيه ، فان بناء الأحكام الشرعية على مثل هذه التعليلات الواهية لا يخلو عن مجازفة كما عرفت في غير مقام مما تقدم ، لا سيما مع ما نشاهده الان ونعلمه علما قطعيا لا يختلجه الريب من تعدى الحكام وظلم الرعية ، وأخذهم الزيادات على الحقوق الموظفة عرفية كانت أو شرعية ، فكيف يمكن الاستدلال بمجرد ضربهم الخراج الان على أرض معمورة انها كانت كذلك أيام الفتح ، نعم لو كان الإمام إمام عدل لتم البحث.

وبالجملة فإن التمسك بأصالة العدم أقوى دليل في المقام حتى يقوم ما يوجب الخروج عنه كما هو القاعدة بينهم في جملة الأحكام.

واما التمسك هنا بان الأصل في تصرفات المسلم الصحة فالظاهر ضعفه.

أما أولا ، فلما عرفت من معلومية الظلم والجور من هؤلاء الذين ادعى حمل


تصرفاتهم على الصحة ، وعدم وقوفهم عند الحدود الشرعية والرسوم المحمدية.

واما ثانيا ، فلان الظاهر ان المستند في هذا الأصل انما هي الأخبار الدالة على حسن الظن بالمؤمن (1) مثل خبر «احمل أخاك المؤمن على سبعين محملا من الخير». الحديث ونحوه ، ومن الظاهر انه لا سبيل الى دخول هؤلاء الفجرة الفساق ، الذين قد اشتهروا بفسقهم وكفرهم على الإطلاق ، بالخروج عن القول بإمامة امام الافاق على انا لا نسلم دخولهم في المسلمين الا على سبيل التجوز بمنتحل الإسلام ، كما عليه الخوارج وأمثالهم في هذا المقام ، وقد تقدم في كتاب الطهارة تفصيل هذا الإجمال وتوضيحه بما لا يداخله النزاع ولا الجدال ، والا فانا لا نعرف لهذه الأصالة معنى ، إذ لم يرد بمضمونها خبر على الخصوص ، وانما مستندها ما أشرنا إليه من النصوص ، والحال فيها ما عرفت من عدم دخول أولئك اللصوص.

وعلى هذا فيزول جملة الإشكال في هذا المقام ، ويجب الحكم بتملك كل من في يده شي‌ء من تلك الأراضي ، من غير ان يجب عليه دفع ما يدعونه من الخراج ، وان ما يؤخذ منه الان من الخراج ظلم وعدوان في أمثال هذه الأزمان ، واما ما يتعلق بإحياء الموات من الأحكام التي ذكرها الأصحاب ـ رضى الله عنهم ـ في المقام ووردت بها الاخبار عنهم ـ عليهم‌السلام ـ فسيأتي إنشاء الله تعالى في كتاب احياء الموات.

* * *

المورد الرابع : قد تقدم في عبارة المبسوط وجوب إخراج الخمس من هذه الأراضي المفتوحة عنوة ، كغيرها من الغنائم المنقولة. وبذلك صرح من تأخر عنه من أصحابنا من غير خلاف يعرف ، الا ان المسألة عندي لا تخلو من شوب الاشكال ، وقد تقدم تحقيق الكلام في ذلك في كتاب الخمس ، فليرجع اليه من أحب الوقوف عليه.

__________________

(1) ورد في الكافي ج 2 ص 362 : «ضع أمر أخيك على أحسنه.» كتاب الايمان والكفر. باب التهمة وسوء الظن.


المقام الثاني

في الأرض التي أسلم عليها أهلها طوعا

والظاهر : انه لا خلاف بين الأصحاب في أن أرضهم لهم ، يتصرفون فيها تصرف الملاك في ملاكهم ، إذا عمروها. وانما عليهم فيها الزكاة خاصة.

انما الخلاف فيما إذا تركوا عمارتها وبقيت خرابا فالمنقول عن الشيخ وابى الصلاح : ان الامام عليه‌السلام يقبلها ممن يعمرها ، ويعطى صاحبها طسقها ويعطى المتقبل حصته ، وما يبقى فهو لمصالح المسلمين ، يجعل في بيت مالهم.

وقال ابن حمزة : إذا تركوا عمارتها صارت للمسلمين ، وأمرها للإمام ـ عليه‌السلام.

وقال ابن البراج : وإذا تركوا عمارتها حتى صارت خرابا كانت حينئذ لجميع المسلمين ، يقبلها الامام عليه‌السلام ممن يقوم بعمارتها بحسب ما يراه ، من نصف أو ثلث أو ربع.

وقال ابن إدريس : الأولى ترك ما قاله الشيخ ، فإنه مخالف للأصول والأدلة العقلية والسمعية ، فإن ملك الإنسان لا يجوز لأحد أخذه ولا التصرف فيه بغير اذنه


واختياره ، فلا يرجع عن الأدلة باخباره الآحاد.

أقول : والذي وقفت عليه من الاخبار في ذلك ما تقدم قريبا ، من رواية صفوان واحمد بن محمد بن ابى نصر جميعا (1) وصحيحة أحمد بن محمد بن ابى نصر (2) الدالتين على ان ما لم يعمروه من تلك الأراضي يأخذه الإمام عليه‌السلام فيقبله ممن يعمره ، ويكون للمسلمين.

وهما ظاهرتا الدلالة في قول ابن البراج وابن حمزة.

وما ذكره الشيخ من انه يعطى صاحبها طسقها ، لا اشعار فيهما به ، فضلا عن الدلالة عليه.

وقال في المختلف ـ بعد نقل ما قدمناه من الأقوال ـ : والأقرب ما اختاره الشيخ. لنا : انه أنفع للمسلمين وأعود عليهم ، وكان سائغا ، فأي عقل يمنع من الانتفاع بأرض يترك أهلها عمارتها ، وإيصال أربابها حق الأرض ، مع ان الروايات متظافرة بذلك. ثم ذكر رواية صفوان واحمد بن محمد بن ابى نصر وصحيحة أحمد بن محمد ابن ابى نصر.

ثم انه احتج لابن حمزة وابن البراج ، بما رواه معاوية بن وهب في الصحيح قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : أيما رجل أتى خربة فاستخرجها ، وكرى أنهارها وعمرها ، فان عليه فيها الصدقة ، وان كانت ارض لرجل قبله فغاب عنها وتركها فأخربها ثم جاء بعد يطلبها ، فإن الأرض لله ولمن عمرها (3). ثم أجاب عن الرواية

__________________

(1) الوسائل ج 11 ص 120 حديث : 1 باب : 72.

(2) الوسائل ج 11 ص 120 حديث : 2 باب : 72.

(3) الكافي ج 5 ص 279 حديث : 2 والرواية كانت ملحونة في المتن جدا ، كما في غالب ما ينقله المؤلف ـ رحمه‌الله ـ فصححناها على نسخ المصادر الصحيحة.

 

م. ه. معرفة.

 


بالحمل على ارض الخراج.

أقول : لا يخفى ما في كلامه ـ رحمه‌الله ـ في هذا المقام.

اما أولا ، فلان ما ذكره من التعليل العقلي عليه عليل لا يبرد الغليل ولا يهدى الى سبيل. فان كلام ابن إدريس ـ هنا لولا الروايتين المذكورتين ـ قوى متين ، إذ لا ريب في قبح التصرف في ملك الغير بغير رضاه ، كما دلت عليه الآية والرواية (1) وهذا هو الذي أشار إليه ابن إدريس بالدليل العقلي هنا.

واما ترتب الانتفاع للمسلمين فلا يصح لان يكون وجها في حل التصرف بغير رضا صاحبها ، والا لجاز غصب أموال الناس وصرفها في مصالح المسلمين ، وهذا لا يقول به أحد.

وبالجملة فإنه مع قطع النظر عن الخبرين المذكورين ، فقول ابن إدريس جيد متين.

واما ثانيا ، فلان الخبرين ـ كما عرفت ـ انما يدلان على قول ابن حمزة وابن البراج ، لا على قول الشيخ كما زعمه.

واما ثالثا ، فلان ما أورده من صحيحة معاوية بن وهب ، (2) لا دلالة لها على القول المذكور بوجه ، كما لا يخفى.

والظاهر من صدر الخبر المذكور انما هو : الحمل على أرض الأنفال ، وهي الأرض الخربة من اى صنف كانت من أصناف الأراضي ، فإن المحيي لها أحق

__________________

(1) والآية هي : قوله تعالى «لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ ، إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ» سورة النساء : 29 والرواية هي : قوله ـ ع ـ : «لا يحل دم امرء مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفسه». راجع : الوسائل ج 3 ص 424 حديث : 6090.

(2) قد تكرر من المصنف قوله : «معاوية بن عمار» هنا وفيما سبق ، ولكنا صححناه بما في المتن في كلا الموضعين ، وفق نسخة المصدر الصحيحة.


بالتصرف فيها.

واما قوله «وان كانت أرضا لرجل قبله» فيحتمل حمله على الأرض الخراجية ، بعد زوال آثار تصرف المالك الأول ، فإنها كما تقدم في كلام شيخنا الشهيد الثاني ، تخرج عن ملك الأول ، لزوال آثار ملكه ، وتعود إلى أصلها ، من كونها للمسلمين قاطبة.

وعلى ما قدمناه يجوز التصرف فيها لمن سبق إليها.

ويحتمل الحمل ـ ايضا ـ على أرض الأنفال التي أحلوا ـ عليهم‌السلام ـ للشيعة التصرف فيها زمان الغيبة ، فإنه بعد زوال آثار تصرف المالك الأول ترجع الى حالها الأصلي ، وهو ملك الامام عليه‌السلام.

ونحوها في ذلك ما تقدم في صحيحة أبي خالد الكابلي ، من قوله عليه‌السلام «فان تركها أو أخرجها وأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها فهو أحق بها من الذي تركها» الحديث (1). ونحوهما صحيحة عمر بن يزيد (2).

وظاهر هذه الاخبار : انقطاع حق الأول منها ، وانها تكون ملكا صرفا للمحيي الثاني ، وهو أحد القولين في المسألة.

وقيل بالعدم ، ويدل عليه صحيحة سليمان بن خالد. قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يأتي الأرض الخربة فيستخرجها ويجري أنهارها ويعمرها ويزرعها ما ذا عليه؟ قال : عليه الصدقة. قلت : فان كان يعرف صاحبها. قال : فليؤد إليه حقه (3).

والأقرب عندي في الجمع بين هذه الرواية وبين الروايات المتقدمة ، هو حمل الروايات المتقدمة على ما إذا ملكها الأول بالاحياء ، فإنه يزول ملكه بعد زوال آثاره ،

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 279 حديث : 5.

(2) الوسائل ج 6 ص 382 حديث : 12.

(3) الوسائل ج 17 ص 329 حديث : 3.


وترجع الى حالها الأول ، كما تقدم. وتحمل هذه الرواية على ما إذا ملكها الأول بغير الأحياء ، من شراء أو إرث ونحوهما ، فإنه لا يزول ملكه عنها ، وان صارت خربة.

والقائلون بالقول الثاني من القولين المذكورين اختلفوا ، فبعض قال بأنه لا يجوز إحياؤها ولا التصرف فيها مطلقا ، الا بإذن الأول. وذهب جماعة إلى جواز إحيائها وكون الثاني أحق بها ، لكن لا يملكها بذلك ، بل عليه ان يؤدى طسقها إلى الأول أو وراثه. ولم يفرقوا في ذلك بين ما يدخل في ملكه بالإحياء أو غيره من الأسباب الموجبة للملك ، إذا صار مواتا. ونقل عن الدروس : انه ذهب الى وجوب استيذان المحيي من المالك الأول ، فإن امتنع فالحاكم. فان تعذر الأمر ان جاز الأحياء ، وعلى المحيي طسقها للمالك.

وضعف هذه الأقوال ظاهر ، بضعف القول الذي تفرعت عليه. لدلالة الأخبار التي قدمناها على خلافه ، وصحيحة سليمان بن خالد التي هي مستند هذا القول ، لا صراحة فيها على ما ادعوه ، لإمكان حملها على ما قدمناه ، وبه تجتمع مع الاخبار الأخر ، والله العالم بحقائق أحكامه.

* * *


المقام الثالث

في أرض الصلح

وهي التي صولح أهلها على ان تكون الأرض لهم ، وانهم يقرون على دينهم ، ولكن عليهم الجزية ، اما على رؤسهم أو على أرضهم ، حسب ما يراه الامام ـ عليه‌السلام.

وجعلها على الأرض ، بأن يصالحهم على ثلث الحاصل أو ربعه أو نصفه مثلا ، وهذه الأرض ملك لهم يتصرفون فيها بما شاؤا من بيع وغيره ، وعليهم الجزية المقررة.

ويملكها المسلم بوجه مملك كالبيع ونحوه ، ولا ينتقل ما على الأرض لو كانت الجزية عليها الى المسلم. لان المسلم لا جزية عليه ، بل ترجع إلى البائع الذمي.

ولو أسلم صاحب الأرض سقطت الجزية عنه ، لما عرفت من ان المسلم لا جزية عليه ، وكانت أرضه له لا يتعلق بها جزية ، كما في سائر المسلمين.

ولو وقع الصلح بان تكون الأرض للمسلمين خاصة ويكون للكفار السكنى خاصة ، كان حكم هذه الأرض حكم المفتوحة عنوة ، معمورها ـ حال الفتح ـ


للمسلمين ومواتها عليه‌السلام حسبما تقدم الكلام فيه مفصلا.

ومما وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بهذه الأرض : ما رواه في الكافي والفقيه عن زرارة في الصحيح ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما حد الجزية على أهل الكتاب؟ وهل عليهم في ذلك شي‌ء موظف ، لا ينبغي ان يجوز الى غيره؟ فقال : ذلك الى الامام عليه‌السلام يأخذ من كل انسان منهم ما شاء على قدر ماله وما يطيق. انما هم قوم فدوا أنفسهم من ان يستعبدوا أو يقتلوا ، فالجزية تأخذ منهم على قدر ما يطيقون له ان يأخذهم به حتى يسلموا ، فان الله عزوجل قال «حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ» وكيف يكون صاغرا ولا يكترث بما يؤخذ منه حتى يجد ذلا (1) لما أخذ منه فيألم لذلك فيسلم.

قال : وقال محمد بن مسلم : قلت للصادق عليه‌السلام أرأيت ما يأخذ هؤلاء من الخمس من أرض الجزية ، ويأخذون من الدهاقين جزية رؤوسهم اما عليهم في ذلك شي‌ء موظف؟ فقال : كان عليهم ما أجازوا على أنفسهم ، وليس للإمام أكثر من الجزية ، ان شاء الامام وضع ذلك على رؤسهم ، وليس على أموالهم شي‌ء ، وان شاء فعلى أموالهم. وليس على رؤسهم شي‌ء. فقلت : فهذا الخمس؟ فقال : انما هذا شي‌ء كان صالحهم عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (2).

وما رواه في الفقيه عن مصعب بن يزيد الأنصاري قال استعملني أمير المؤمنين عليه‌السلام على أربعة رساتيق المدائن : البهقياذات ، ونهر سير ، ونهر جوير ، ونهر الملك ، وأمرني أن أضع على كل جريب زرع غليظ درهما ونصفا. وعلى كل جريب زرع وسط درهما ، وعلى كل جريب زرع رقيق ثلثي درهم. وعلى كل جريب كرم عشرة دراهم. وعلى كل جريب نخل عشرة دراهم. وعلى كل جريب البساتين ،

__________________

(1) في نسخة الوسائل ج 11 ص 113 حديث 1 من باب 68 «حتى لا يجد ذلا». ولكن نسخة الكافي موافقة للمتن.

(2) الوسائل ج 11 ص 114 ، حديث : 2.


التي تجمع النخل والشجر ، عشرة دراهم. وأمرني بأن ألقي كل نخل شاذ عن القرى ، لمارة الطريق وأبناء السبيل ، ولا آخذ منه شيئا. وأمرني أن أضع على الدهاقين الذين يركبون البرازين ويتختمون بالذهب ، على كل رجل منهم ثمانية وأربعين درهما ، وعلى أوساطهم والتجار منهم ، على كل رجل أربعة وعشرين درهما ، وعلى سفلتهم وفقرائهم ، على كل انسان منهم اثنى عشر درهما ، على كل انسان منهم. قال فجبيتها ثمانية عشر ألف ألف درهم في سنة (1).

أقول : «نهر سبر» ضبطه ابن إدريس بالباء الموحدة والسين المهملة. وحمل هذا الخبر في التهذيب على ما رآه أمير المؤمنين عليه‌السلام مصلحة في ذلك الوقت بحسب حالهم ، فلا ينافي عدم التوظيف في الجزية.

وما رواه في التهذيب عن ابى بصير وإسحاق بن عمار جميعا ، عن ابى عبد الله ـ عليه‌السلام ـ قال : ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعطى أناسا من أهل نجران الذمة على سبعين بردا (2).

وما رواه في الكافي عن حريز عن محمد بن مسلم ، قال : سألته عن أهل الذمة ما ذا عليهم مما يحقنون به دمائهم وأموالهم؟ قال : الخراج. فإن أخذ من رؤسهم الجزية فلا سبيل على أراضيهم ، وان أخذ من أراضيهم فلا سبيل على رؤوسهم. (3). الى غير ذلك من الاخبار الواردة من هذا القبيل.

* * *

__________________

(1) الوسائل ج 11 ص 115 حديث : 5.

(2) التهذيب ج 6 ص 172 حديث : 12 ـ 334.

(3) الوسائل ج 11 ص 115 حديث : 3.


المقام الرابع

في أرض الأنفال

وقد تقدم الكلام فيها في كتاب الخمس ، ونقل جملة من أخبارها ، الا ان من جملة اخبارها ، مما لم يتقدم ذكره : ما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة ، قال : سألته عن الأنفال ، فقال : كل أرض خربة أو شي‌ء كان للملوك فهو خالص للإمام ليس للناس فيه سهم. قال ومنها البحرين لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب (1).

أقول : ظاهر هذا الخبر : ان البحرين مما أسلمت للمسلمين طوعا من غير قتال ، وانها من الأنفال حينئذ ، وبذلك صرح في الروضة في كتاب الخمس ، الا انه في كتاب احياء الموات ، عدها مع المدينة المشرفة وأطراف اليمن فيما أسلم عليه اهله طوعا ، وحكم بأن أرضها لهم (2) لذلك. ولا يخفى ما فيه من المناقضة لكلامه في كتاب الخمس.

__________________

(1) الوسائل ج 6 ص 367 حديث : 8 والتهذيب ج 4 ص 133 حديث : 7 ـ 373.

(2) اى ملكا لأصحاب الأراضي الذين أسلموا طوعا.


المسألة السابعة

في أحكام اليتامى وأموالهم

وتحقيق الكلام في هذا المقام يقع في مناهج أربعة :

(الأول) : في ولي اليتيم.

المفهوم من كلام الأصحاب : ان الولاية على الصغير للأب ثم الجد له وان علا على الترتيب ، الأقرب فالأقرب للميت ، فان عدم الجميع فالوصي من جهة الأب ، ثم الوصي من جهة الجد على الترتيب المتقدم ، ثم مع عدم جميع هؤلاء فالحاكم الشرعي.

وممن صرح بذلك شيخنا في المسالك ، حيث قال ـ بعد نقل قول المصنف «ولو مات انسان ولا وصى له كان للحاكم النظر في تركته» ـ ما صورته : الأمور المفتقرة في الولاية ، اما ان تكون أطفالا أو وصايا أو حقوقا أو ديونا ، فان كان الأول فالولاية فيهم لأبيه ثم جده ثم لمن يليه من الأجداد ، على ترتيب الولاية ، للأقرب منهم الى الميت فالأقرب ، فإن عدم الجميع فوصى الأب ثم وصى الجد وهكذا ، فان عدم الجميع فالحاكم. والولاية في الباقي غير الأطفال للوصي ثم الحاكم. الى آخر كلامه رحمه‌الله.


ونقل في الدروس عن ابن الجنيد : ان للام الرشيدة الولاية بعد الأب ، ثم رده بأنه شاذ.

أقول : وكان الواجب ان يعد في ذلك ، الولاية بعد الحاكم لعدول المؤمنين ، كما صرح به جملة من الأصحاب (1) من انه مع تعذر الحاكم فلعدول المؤمنين تولى بعض الحسبيات ، المنوطة بنظر الحاكم الشرعي.

وعليه تدل الأخبار المذكورة أيضا :

ومنها : ما رواه في التهذيب في الصحيح عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، قال : مات رجل من أصحابنا ولم يوص ، فرفع أمره الى قاضي الكوفة ، فصير عبد الحميد القيم بماله ، وكان الرجل خلف ورثة صغارا ومتاعا وجواري ، فباع عبد الحميد المتاع ، فلما أراد بيع الجواري ضعف قلبه في بيعهن ، إذ لم يكن الميت صير اليه وصيته ، وكان قيامه بهذا بأمر القاضي ، لأنهن فروج. قال : فذكرت ذلك لأبي جعفر عليه‌السلام فقلت : يموت الرجل من أصحابنا ولم يوص الى أحد ، ويخلف جواري ، فيقيم القاضي منا رجلا لبيعهن ، أو قال يقوم بذلك رجل منا ، فيضعف قلبه لأنهن فروج ، فما ترى في ذلك القيم؟ قال : فقال : إذا كان القيم به مثلك أو مثل عبد الحميد فلا بأس (2).

وروى في الكافي والفقيه في الصحيح من الثاني ، عن ابن رئاب ، قال : سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام عن رجل بيني وبينه قرابة ، مات وترك أولادا صغارا ، وترك مماليك غلمانا وجواري ، ولم يوص. فما ترى فيمن يشترى منهم الجارية ، يتخذها

__________________

(1) المشهور بين الأصحاب : انه مع تعذر الحاكم ، أو وجوده ولكن في غير البلد مع حصول المشقة الشديدة في الرجوع إليه ، فإنه يجوز لعدول المؤمنين تولى بعض الحسبيات ونقل عن ابن إدريس المنع ، وهو محجوج بالأخبار التي ذكرناها في الأصل.

 

منه قدس‌سره.

 (2) الوسائل ج 12 ص 270 حديث : 2.


أم ولد ، وما ترى في بيعهم؟ فقال : إذا كان لهم ولى يقوم بأمرهم ، باع عليهم ونظر لهم كان مأجورا فيهم ، قلت : فما ترى فيمن يشترى منهم الجارية فيتخذها أم ولد؟ قال لا بأس بذلك إذا باع عليهم القيم لهم الناظر فيما يصلحهم ، فليس لهم ان يرجعوا عما صنع القيم لهم الناظر فيما يصلحهم (1).

أقول : وهذا الخبر وان كان مجملا ، الا ان الظاهر منه بعد التأمل : ان المراد بالولي فيه انما هو أحد عدول المؤمنين ، لأن انتفاء الوصي ظاهر من الخبر ، وانتفاء الحاكم الشرعي الذي هو أحد الأولياء أيضا ظاهر ، إذ ليس في وقته ـ عليه‌السلام ـ حاكم شرعي ـ أصالة ـ سواه. واحتمال الجد بعيد من سياق الخبر. وبالجملة فإن الحكم المذكور مما لا ريب فيه.

ثم ان الأصحاب ـ بناء على ما قدمنا نقله عنهم ، من ان الولاية على الصغار مخصوصة بالأب والجد له وان علا ، دون غيرهما من الوصي والحاكم ـ فرعوا على ذلك ما لو أوصت الأم لطفلها بمال ، أو أحد أقاربه ، وعين عليه وصيا ليصرفه في مصالح الطفل ، فإن للأب أو الجد انتزاعه من ذلك الوصي ، لثبوت ولايتهما عليه شرعا ، فلا تنفذ وصية الموصى بالولاية لغيرهما.

قال في الدروس : ولا ولاية للأم على الأطفال. فلو نصبت عليهم وليا لغى. ولو أوصت لهم بمال ونصبت عليه قيما لهم صح في المال خاصة. ثم نقل قول ابن الجنيد الذي قدمنا نقله عنه.

وبنحو ذلك صرح في المسالك ، فقال ـ أيضا في شرح قول المصنف «لو اوصى بالنظر في مال ولده الى أجنبي وله أب لم يصح ، وكانت الولاية إلى جد اليتيم ـ ما صورته : قد عرفت من المسألة السابقة ان الولاية للجد وان علا على الولد مقدمة على ولاية وصي الأب ، فإذا نصب الأب وصيا على ولده المولى عليه مع وجود جدة للأب لم يصح ، لأن ولاية الجد ثابتة له بأصل الشرع ، فليس للأب نقلها عنه ، ولا إثبات

__________________

(1) الوسائل ج 13 ص 474 حديث : 1.


شريك معه. الى آخر كلامه رحمه‌الله.

والظاهر : ان الحكم المذكور مما لا خلاف فيه الا ما تقدم نقله عن ابن الجنيد ، وضعف أقواله غالبا معلوم من قواعده.

* * *

(المنهج الثاني) : في الاتجار بمال الصغير والعمل به.

ولا تخلو الحال في ذلك ، اما بأن يكون الاتجار لليتيم من الولي ، أو الاتجار للولي نفسه بمال اليتيم ، أو يكون المتصرف غير ولي شرعي.

قال في النهاية : ومتى اتجر الإنسان بمال اليتيم ، نظرا لهم وشفقة عليهم ، فربح كان الربح لهم ، وان خسر كان عليهم ، ويستحب له ان يخرج من جملته الزكاة. ومتى اتجر به لنفسه ، وكان متمكنا في الحال من ضمان ذلك المال وغرامته ، ان حدث به حادث ، جاز ذلك وكان المال قرضا عليه ، فان ربح كان له ، وان خسر كان عليه ، وتلزمه في حصته الزكاة ، كما يلزمه لو كان المال له ، ندبا واستحبابا. ومتى اتجر لنفسه بما لهم وليس بمتمكن في الحال من مثله وضمانه ، كان ضامنا للمال. فان ربح كان للأيتام ، وان خسر كان عليه دونهم. انتهى.

وقال ابن إدريس : ومتى اتجر الإنسان المتولي لمال اليتيم ، نظرا لهم وشفقة لهم فربح كان الربح لهم ، وان خسر كان عليهم. وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته : ويستحب ان يخرج من جملته الزكاة. والذي يقوى عندي : انه لا يخرج ذلك ، لانه لا دلالة عليه من كتاب ولا سنة مقطوع بها ، ولا إجماع. ولانه لا يجوز التصرف الا فيما فيه مصلحة لهم ، وهذا لا مصلحة لهم فيه ، من دفع عقاب ولا تحصيل ثواب ، لان الأيتام لا يستحقون ثوابا ولا عقابا ، لكونهم غير مخاطبين بالشرعيات. وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته : ومتى اتجر به لنفسه ـ ثم نقل العبارة كما قدمناها ـ ثم قال : قال ابن إدريس : هذا غير واضح ولا مستقيم ، ولا يجوز له ان يستقرض منه شيئا من ذلك سواء كان متمكنا في الحال من ضمانه وغرامته أو لم يكن ، لأنه أمين


والأمين لا يجوز له ان يتصرف لنفسه في أمانته بغير خلاف منا ـ معشر الإمامية ـ ولا يجوز له ان يتجر فيه لنفسه على حال من الأحوال ، وانما أورده شيخنا إيرادا لا اعتقادا ، من جهة أخبار الآحاد ، كما ورد أمثاله في هذا الكتاب ، وهو غير عامل عليه. قال في الكتاب المشار اليه : ومتى اتجر لنفسه بمالهم ـ الى آخر ما قدمناه ـ ثم قال : وقد قلنا : انه لا يجوز له ان يتجر لنفسه في ذلك المال بحال من الأحوال. انتهى ما ذكره ابن إدريس ملخصا.

أقول : اما اتجار الولي لليتيم نظرا له وشفقة عليه ، فالظاهر : انه لا خلاف في كون الحكم فيه ما ذكره الشيخ ، من ان الربح لليتيم والنقصان له ، الا ان الاخبار في هذه الصورة لا تخلو من تدافع ، وكذا بقية الاخبار في المسألة لا تخلو من الاشكال كما سيظهر لك إنشاء الله تعالى.

واما لو اقترضه الولي مع كونه مليا ، فإنه يكون الربح له وهو ضامن لمال اليتيم.

ومنع ابن إدريس هنا من اقتراض الولي ، مردود بالاخبار الاتية في المقام إنشاء الله تعالى. وكذا منعه من الزكاة في الصورة الأولى ، مردود بالاخبار ، كما تقدم تحقيقه في كتاب الزكاة.

واما لو كان التصرف مع عدم استكمال الشرطين المتقدمين ، فظاهر الاخبار وكلام جملة من الأصحاب : ان الربح في هذه الصورة لليتيم وهو على إطلاقه لا يخلو من اشكال ، كما سيأتي بيانه إنشاء الله تعالى في المقام.

* * *

والواجب أولا : نقل ما وصل إلينا من الاخبار المتعلقة بهذه المسألة ، ثم بيان ما هو المستفاد منها بتوفيق الله سبحانه.

فمنها ـ مما تدل على جواز الاقتراض من مال اليتيم ، ردا على ابن إدريس : ـ ما رواه في الكافي عن منصور بن حازم. عن ابى عبد الله عليه‌السلام في رجل ولى مال


يتيم ، أيستقرض منه؟ قال : ان على بن الحسين عليه‌السلام كان يستقرض من مال أيتام كانوا في حجره (1) ورواه الصدوق في الصحيح ايضا عن منصور بن حازم عن ابى عبد الله عليه‌السلام مثله وزاد : «فلا بأس بذلك» (2).

وعن احمد بن محمد بن ابى نصر قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يكون في يده مال لأيتام فيحتاج اليه ، فيمد يده فيأخذه ، وهو ينوي أن يرده إليهم ، فقال : لا ، ولكن ينبغي له ان لا يأكل إلا بقصد ولا يسرف. فان كان من نيته : ان لا يرد عليهم فهو بالمنزل الذي قال الله عزوجل (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً) (3).

وروى العياشي في تفسيره مثله ، وزاد : قال : قلت له : كم ادنى ما يكون من مال اليتيم إذا هو أكله ، وهو لا ينوي رده ، حتى يكون يأكل في بطنه نارا؟ قال : قليله وكثيره واحد ، إذا كان من نفسه ونيته ان لا يرده إليهم (4).

__________________

(1) الوسائل ج 12 ص 192 حديث : 1 أقول : ومما يؤيد هذا الخبر : ما رواه ابن إدريس ، في مستطرفات السرائر ، نقلا عن كتاب جامع البزنطي ، قال : سألته عن رجل كانت عنده وديعة لرجل ، فاحتاج إليها ، هل يصلح له ان يأخذ منها ـ وهو مجمع على ان يردها ـ بغير اذن صاحبها؟ قال : ان كان عنده وفاء فلا بأس بأن يأخذ ويرده. (الوسائل ج 13 ص 233 حديث : 2) وابن إدريس بعد ان أورد هذا الخبر رده ، وقال : لا يلتفت اليه. قال : لأن الإجماع منعقد على تحريم التصرف في الوديعة بغير اذن ملاكها ، فلا يرجع عما يقتضيه العلم الى ما يقتضيه الظن. وبعد هذا فأخبار الآحاد لا يجوز العمل بها على كل حال في الشرعيات ، على ما بيناه. انتهى. وهو جيد على أصله غير الأصيل.

 

منه قدس‌سره.

(2) هذه الزيادة موجودة في رواية الكافي أيضا ج 5 ص 131 حديث : 5.

(3) الوسائل ج 12 ص 192 حديث : 2.

(4) تفسير العياشي ج 1 ص 224 حديث : 42.


* * *

ومنها ـ مما يتعلق بأصل المسألة ـ : ما رواه في الكافي والتهذيب عن أسباط ابن سالم ، قال : قلت للصادق عليه‌السلام : كان لي أخ هلك ، واوصى الى أخ أكبر مني ، وأدخلني معه في الوصية وترك ابنا له صغيرا ، وله مال ، أفيضرب به أخي ، فما كان من فضل سلمه الى اليتيم ، وضمن له ماله؟ فقال : ان كان لأخيك مال يحيط بمال اليتيم ان تلف فلا بأس به ، وان لم يكن له مال فلا يعرض لمال اليتيم (1).

وما رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم ، عن ابى عبد الله عليه‌السلام في مال اليتيم ، قال : العامل به ضامن ، ولليتيم الربح ، إذا لم يكن للعامل به مال. وقال : ان عطب أداه (2).

وعن ربعي في الصحيح عن الصادق عليه‌السلام قال : في رجل عنده مال اليتيم فقال : ان كان محتاجا وليس له مال ، فلا يمس ماله. وان هو اتجر به فالربح لليتيم ، وهو ضامن (3).

وعن أسباط بن سالم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام فقلت : أخي أمرني أن أسألك عن مال يتيم في حجره يتجر به. فقال : ان كان لأخيك مال يحيط بمال اليتيم ان تلف أو اصابه شي‌ء غرمه ، والا فلا يتعرض لمال اليتيم (4).

وما رواه في التهذيب ، قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يكون في يده مال لأخ له يتيم وهو وصيه ، أيصلح له ان يعمل به؟ قال نعم ، كما يعمل بمال غيره والربح بينهما. قال : قلت : فهل عليه ضمان؟ قال : لا ، إذا كان ناظر له (5).

__________________

(1) الوسائل ج 12 ص 190 حديث : 1 باب : 75 من أبواب ما يكتسب به.

(2) الوسائل ج 12 ص 191 حديث : 2.

(3) الوسائل ج 12 ص 191 حديث : 3.

(4) الوسائل ج 12 ص 191 حديث : 4.

(5) الوسائل ج 6 ص 58 حديث : 6 ر 11595.


وعن منصور الصيقل ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن مال اليتيم يعمل به ، قال : فقال : إذا كان عندك مال وضمنته ، فلك الربح وأنت ضامن للمال ، وان كان لا مال لك وعملت به فالربح للغلام ، وأنت ضامن للمال (1).

وما رواه العياشي في تفسيره عن زرارة ومحمد بن مسلم ، عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : مال اليتيم ، ان عمل به من وضع على يديه ضمنه ، ولليتيم ربحه ، قالا : فقلنا له : قوله «وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ»؟ قال : انما ذلك إذا حبس نفسه عليهم في أموالهم ، فلم يتخذ لنفسه فليأكل بالمعروف من مالهم (2).

وما رواه في الكافي عن سعيد السمان ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : ليس في مال اليتيم زكاة الا ان يتجر به فان اتجر به فالربح لليتيم ، وان وضع فعلى الذي يتجر به (3).

وما رواه في الفقيه عن زرارة وبكير ، في الصحيح عن ابى جعفر عليه‌السلام قال : ليس في الجوهر وأشباهه زكاة وان كثر ، وليس في نقر الفضة زكاة ، ولا على مال اليتيم زكاة ، الا ان يتجر به ، فان اتجر به ففيه الزكاة ، والربح لليتيم وعلى التاجر ضمان المال (4).

وما رواه في التهذيب عن بكر بن حبيب ، قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : رجل دفع اليه مال يتيم مضاربة ، فقال : ان كان ربح فلليتيم ، وان كان وضيعة فالذي أعطى

__________________

(1) الوسائل ج 6 ص 58 حديث : 7.

(2) تفسير العياشي ج 1 ص 224 حديث : 43 والمصنف نقل الحديث عن الوسائل ملحونا فأصلحناه على نسخة التفسير.

(3) الوسائل ج 6 ص 57 حديث : 2. قوله : «وان وضع» اى خسر المال.

(4) من لا يحضره الفقيه ج 2 ص 9 حديث : 2.


ضامن (1).

وفي الفقه الرضوي : وروى ان من اتجر بمال اليتيم فربح كان لليتيم ، والخسران على التاجر ، ومن حول مال اليتيم أو اقترض شيئا منه كان ضامنا لجميعه ، وكان عليه زكاته دون اليتيم ـ الى ان قال ـ وروى ان لرئيس القبيلة وهو فقيهها وعالمها : ان يتصرف لليتيم في ماله بما يراه حظا وصلاحا ، وليس عليه خسران ، ولا له ربح ، والربح والخسران لليتيم وعليه. انتهى.

هذا ما حضرني من الاخبار في هذا المقام ، والذي يدل منها على ما قدمنا نقله عن الشيخ ومن تبعه ، من انه متى اتجر الولي لليتيم نظرا له ، فان الربح لليتيم والنقيصة عليه : رواية أبي الربيع المذكورة (2) ورواية الفقه الرضوي.

الا ان ظاهر رواية أسباط بن سالم الاولى (3) المنافاة لذلك ، حيث ان ظاهرها :

ان المتجر ولى اليتيم ، مع انه شرط عليه‌السلام في صحة تصرفه وتجارته لليتيم «الملاء» المؤذن ذلك بضمانه النقصان.

ويؤيد الخبر الأول ظاهر اتفاق كلمة الأصحاب على الحكم المذكور ، فانى لم أقف على مخالف فيه ، وحينئذ فلا بد من ارتكاب التأويل في الخبر الثاني ، وان بعد ، بحمله على ما إذا لم يكن وليا للطفل ، وان كان وصيا على ما عداه من الأموال والتصرفات.

والذي يدل على ما ذكره الأصحاب ، من أنه متى كان وليا مليا فإنه يجوز له الاقتراض من مال الطفل ، والاتجار لنفسه ، وان الربح له والنقيصة عليه ، فاما على

__________________

(1) الوسائل ج 13 ص 189 ـ 190 حديث 1 باب : 10.

(2) وهي التي رواها المصنف عن التهذيب من غير ان يذكر الراوي عن الامام ـ ع ـ قال : سئل أبو عبد الله ـ ع ـ عن الرجل يكون في يده. الوسائل ج 6 ص 58 حديث : 6.

(3) تقدمت في ص 328 عن الوسائل ج 12 ص 190 حديث : 1 باب : 75.


الاقتراض فما تقدم من صحيحة منصور بن حازم (1). واما على باقي الأحكام فرواية منصور الصيقل (2) حيث صرحت بأنه إذا كان عنده مال وضمنه فله الربح. وهي وان كانت مطلقة بالنسبة إلى كونه وليا ، الا انه يجب حملها على ذلك ، لما سيأتي بيانه إنشاء الله تعالى ، من انه متى لم يكن وليا ، فإنه غاصب وتصرفه باطل ، فلا يكون مستحقا للربح.

ويدل ذلك ايضا مفهوم صحيحة ربعي (3) ورواية أسباط بن سالم الثانية (4) وهما ايضا ، وان كانتا مطلقتين بالنسبة إلى كونه وليا ، الا انه يجب حملهما على ذلك لما ذكرناه.

ويعضده : انه هو الأغلب ، إذ لا خلاف بين الأصحاب في تحريم التصرف في مال اليتيم الا بالشرطين المتقدمتين.

نعم استثنى جملة من المتأخرين الأب والجد من شرط الملائة ، فجوزوا لهما التصرف وان كانا غير مليين. واستشكله في المسالك. والظاهر : ان ما ذكره الأصحاب أقرب ، لا سيما مع الضمان كما هو المفروض ، لما تقدم في المسألة الرابعة ، من الاخبار الكثيرة الدالة على حل مال الولد للوالد. وبالجملة ، فالظاهر : ان الحكم في هاتين الصورتين مما لا اشكال فيه.

والذي يدل على ما ذكروه ، من انه متى اتجر في مال اليتيم بدون الشرطين المتقدمتين ، فان الربح لليتيم ، والمتصرف ضامن ، فاما بالنسبة إلى الضمان ، فلان تصرفه غير شرعي ، وهو يوجب الضمان البتة.

واما بالنسبة إلى كون الربح لليتيم ، فأكثر الأخبار المتقدمة ، مثل صحيحة

__________________

(1) تقدمت في ص 326 عن الوسائل ج 12 ص 192 حديث : 1.

(2) تقدمت في ص 329 عن الوسائل ج 6 ص 58 حديث : 7.

(3) تقدم في ص 328 عن الوسائل ج 12 ص 191 حديث : 3.

(4) تقدمت في ص 328 عن الوسائل ج 12 ص 191 حديث : 4.


محمد بن مسلم (1) وصحيحة ربعي (2) وعجز رواية منصور الصيقل (3) ونحوها غيرها مما ذكر ايضا ، وقد اشترك الجميع في الدلالة على أنه متى لم يكن له مال واتجر به ، فإنه ضامن ، والربح لليتيم ، كما ذكرناه ، أعم من ان يكون وليا أو غير ولى ، اتجر للطفل أو لنفسه ، وقع الشراء بعين المال أو في الذمة.

إلا ان في هذا المقام اشكالا ، قد نبه عليه جملة من علمائنا الأعلام.

منهم : صاحب المدارك ، قال ـ عليه الرحمة ـ في كتاب الزكاة : أما ان ربح المال يكون لليتيم ، فلان الشراء وقع بعين ماله كما هو المفروض ، فيملك المبيع ويتبعه الربح ، لكن يجب تقييده بما إذا كان المشترى وليا أو اجازه الولي ، وكان للطفل غبطة في ذلك ، والا وقع الشراء باطلا ، بل لا يبعد توقف الشراء على الإجازة في صورة شراء الولي أيضا ، لأن الشراء لم يقع بقصد الطفل ابتداء ، فإنما أوقعه المتصرف لنفسه ، فلا ينصرف الى الطفل بدون الإجازة ، ومع ذلك كله فيمكن المناقشة في صحة مثل هذا العقد ، وان قلنا بصحة الفضولي مع الإجازة ابتداء ، لانه لم يقع للطفل ابتداء من غير من اليه النظر في ماله ، وانما أوقعه المتصرف في مال الطفل لنفسه على وجه منهي عنه. انتهى.

وحاصله : ان ما ذكرناه من مقتضى إطلاق الاخبار المذكورة ، مناف لجملة من القواعد المقررة بين كافة الأصحاب :

منها : أنه لو لم يكن وليا واتجر بعين مال الطفل لنفسه ، فالظاهر أنها تجارة باطلة ، أو موقوفة على الإجازة من الولي أو الطفل بعد بلوغه ، ان قلنا بصحة عقد الفضولي ، وعلى تقدير البطلان أو عدم الإجازة فلا ربح لأحد ، بل يجب رد ما أخذ على صاحبه ورد مال اليتيم الى محله مع ان ظاهر الاخبار المتقدمة : صحة البيع ،

__________________

(1) تقدمت في ص 328 عن الوسائل ج 12 ص 191 حديث : 2.

(2) تقدمت في ص 328 عن الوسائل ج 12 ص 191 حديث : 3.

(3) تقدمت في ص 329 عن الوسائل ج 6 ص 58 حديث : 7.


وان الربح لليتيم.

ومنها : أنه لو اتجر في الذمة لنفسه ، فان مقتضى القواعد صحة البيع والشراء ، وكون الربح له ، وان كان تصرفه في مال اليتيم بدفعه عما في الذمة ، فلا تبرأ ذمته عما عليه من الثمن ، بل يجب دفع الثمن من غيره ، ورد مال اليتيم الى محله. مع ان مقتضى إطلاق الاخبار المذكورة : صحة العقد ، وكون الربح لليتيم ايضا.

ومنها : أنه لو لم يكن وليا واتجر للطفل ، فان الظاهر : ان هذه الصورة كالأولى ، في الوقوف على الإجازة أو البطلان ، بناء على القول بصحة عقد الفضولي. مع ان ظاهر إطلاق النصوص المذكورة : الصحة ، وان الربح لليتيم.

ومن هنا يظهر وجه الإشكال في العمل بظاهر الأخبار المذكورة ، الا أن الأظهر العمل بما دلت عليها ، لتكاثرها وتعددها ، مع ظهورها في ذلك ، وعدم إمكان تقييدها بما تقتضيه القواعد المشار إليها ، كما سمعتها من كلام صاحب المدارك.

فاللازم حينئذ اما طرحها. وفيه من الشناعة ما لا يخفى. واما العمل بها ، ويكون هذا الحكم مستثنى من تلك القواعد المذكورة.

ويشير الى ما ذكرناه : ظاهر اتفاق كلمة الأصحاب على الحكم المذكور ، من انه متى وقع الاتجار في مال الطفل بدون الشرطين المتقدمين فان الربح لليتيم ، والعامل ضامن من غير تفصيل وتقييد ، حسبما دل عليه إطلاق الاخبار المذكورة.

وهذه المناقشة حصلت من متأخري المتأخرين ، كالسيد في المدارك ، وقبله المحقق الأردبيلي ، ومن تأخر عنهما.

وبالجملة فالمسألة لذلك محل اشكال ، وان كان العمل بإطلاق الأخبار المذكورة ، وفاقا لظاهر الأصحاب ، لا يخلو من قوة ، والله أعلم.

* * *


(المنهج الثالث) : فيما يحل لقيم مال اليتيم.

وقد اختلف الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ في ذلك على أقوال :

(أحدها) : أجرة مثل عمله. وبه صرح في الشرائع ، وعلله في المسالك ، قال : لأنها عوض عمله ، وعمله محترم فلا يضيع عليه ، وحفظه بأجرة مثله.

وقال في مجمع البيان : والظاهر من روايات أصحابنا : ان له اجرة المثل ، سواء كان قدر كفايته أو لم يكن.

أقول : وفي ظهوره من الروايات كما ادعاه نظر ، كما سيظهر.

(وثانيها) : ان يأخذ قدر كفايته لقوله عزوجل «وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ» (1) والمعروف : مالا إسراف فيه ولا تقتير.

ونقل في المجمع هذا القول عن عطاء بن ابى رباح وقتادة وجماعة. قال : ولم يوجبوا اجرة المثل بما كانت أكثر من قدر الحاجة.

واستظهر هذا القول بعض مشايخنا المعاصرين ، قال : وهذا هو الظاهر من الاخبار ، ولكن ليس على إطلاقه المتناول للغنى وقلة المال وعدم الاشتغال عن أمور نفسه ، فإطلاقه مشكل. انتهى.

أقول : وسيأتي ـ إنشاء الله تعالى ـ توضيح ما ذكره.

(وثالثها) : أقل الأمرين من الأجرة والكفاية ، واحتج له بوجهين :

أحدهما : ان الكفاية ان كانت أقل من الأجرة ، فلان ـ مع حصولها ـ يكون غنيا ، ومن كان غنيا وجب عليه الاستعفاف عن بقية الأجرة ، وان كانت اجرة المثل أقل ، فإنما يستحق عوض عمله ، فلا يحل له أخذ ما زاد عليه.

وثانيهما : ان العمل لو كان لمكلف يستحق عليه الأجرة ، لم يستحق أزيد من اجرة مثله ، فكيف يستحق الأزيد مع كون المستحق عليه يتيما.

وفيه بحث يأتي ذكره ـ إنشاء الله تعالى ـ بعد نقل روايات المسألة ، وتحقيق

__________________

(1) سورة النساء : 6.


ما هو الحق الظاهر منها.

(ورابعها) : استحقاق اجرة المثل مع فقره ، وعلل بأنه يمكن حمل الأكل بالمعروف عليه ، لان أجرة المثل ان كانت أقل من المعروف بين الناس فالإنسان لا يأخذ عوض عمله من غير زيادة عن عوضه المعروف وهو اجرة مثله ومثل هذا يسمى أكلا بالمعروف ، والزيادة عليه أكل بغير المعروف ، هذا إذا كان فقيرا ، اما لو كان غنيا فالأقوى وجوب استعفافه مطلقا ، عملا بظاهر الآية.

(وخامسها) : جواز أخذ أقل الأمرين ، من اجرة مثله وكفايته ، مع فقره.

قال في المسالك : ولو تحقق للكفاية معنى مضبوط ، كان هذا القول أجود الأقوال. ومثبتو أحد الأمرين من غير تقييد بالفقر ، حملوا الأمر بالاستعفاف على الاستحباب ، وادعوا ان لفظ الاستعفاف مشعر به ، وله وجه. انتهى.

* * *

أقول : والواجب ـ أولا ـ بسط الروايات الواردة عنهم ـ عليهم‌السلام ـ والتنبيه على ما يمكن استنباطه من الأحكام منها.

فمنها : ما رواه في الكافي والتهذيب عن سماعة في الموثق ، عن الصادق عليه‌السلام في قوله الله تعالى «وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ» فقال : من كان يلي شيئا لليتامى وهو محتاج ليس له ما يقيمه ، وهو يتقاضى أموالهم ويقوم في ضيعتهم فليأكل بقدر ولا يسرف. وان كانت ضيعتم لا تشغله عما يعالج لنفسه فلا يرز أن من أموالهم شيئا (1).

وما رواه في التهذيب عن ابن سنان في الصحيح ، قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام وانا حاضر عن القيم لليتامى ، في الشراء لهم والبيع فيما يصلحهم ، إله أن يأكل من أموالهم؟ فقال : لا بأس ان يأكل من أموالهم بالمعروف ، كما قال الله عزوجل

__________________

(1) الوسائل ج 12 ص 185 ـ 186 حديث : 4.


في كتابه «وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ ، فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ. وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا. وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ» قال : المعروف هو القوت. وانما عنى الوصي لهم والقيم في أموالهم ما يصلحهم (1).

وما رواه الشيخان المتقدمان عن عبد الله بن سنان في الصحيح ، عن ابى عبد الله عليه‌السلام في قول الله «فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ» قال : المعروف هو القوت ، وانما عنى الوصي والقيم في أموالهم ما يصلحهم (2).

وعن حنان بن سدير في الموثق ، قال : قال الصادق عليه‌السلام سألني عيسى بن موسى عن القيم للأيتام في الإبل ، ما يحل له منها فقلت : إذا لاط حوضها ، وطلب ضالتها وهنأ جرباها فله أن يصيب من لبنها من غير نهك لضرع ، ولا فساد لنسل (3).

وعن ابى الصباح الكناني عن ابى عبد الله عليه‌السلام في قوله عزوجل «وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ» (4) فقال : ذلك رجل يحبس نفسه عن المعيشة ، فلا بأس أن يأكل بالمعروف ، إذا كان يصلح لهم أموالهم ، فإن كان المال قليلا فلا يأكل منه شيئا. قال : قلت : أرأيت قول الله عزوجل «(وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ) (5)»؟

قال : تخرج من أموالهم قدر ما يكفيهم ، وتخرج من مالك قدر ما يكفيك ، ثم تنفقه ، قلت ، أرأيت ان كانوا يتامى صغارا وكبارا ، وبعضهم أعلى كسوة من بعض ، وبعضهم أكل من بعض ، وما لهم جميعا. فقال : اما الكسوة فعلى كل انسان ثمن كسوته ، واما الطعام فاجعلوه جميعا ، فان الصغير يوشك أن يأكل مثل الكبير (6).

__________________

(1) البرهان ج 1 ص 344 حديث : 8.

(2) التهذيب ج 6 ص 340 حديث : 71.

(3) التهذيب ج 6 ص 340 حديث : 72 ، لاط حوضها اى : طينها ، وهنأ جرباها : إذا طلاه بالهناء اى القطران ، وهو ما يتخذ من حمل شجرة العرعر. والنهك : استيفاء ما في الضرع من اللبن.

(4) سورة النساء : 6.

(5) سورة البقرة : 220.

(6) التهذيب ج 6 ص 341 حديث : 73.


وما رواه الشيخ في الصحيح عن هشام بن الحكم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عمن تولى مال اليتيم ، ماله ان يأكل منه؟ فقال : ينظر الى ما كان غيره يقوم به من الأجر لهم ، فليأكل بقدر ذلك (1).

وما رواه الثقة الجليل محمد بن مسعود العياشي في تفسيره ، عن محمد بن مسلم ، قال : سألته عن رجل بيده ماشية لابن أخ يتيم (2) في حجره. أيخلط أمرها بأمر ماشيته؟ فقال : ان كان يليط حياضها ، ويقوم على هنأتها ، ويرد شاردها ، فليشرب من ألبانها ، غير مجهد للحلاب ولا مضر بالولد. ثم قال : ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف» (3).

وروى هذه الرواية في مجمع البيان الى قوله «ولا مضرة بالولد» (4) ورواه الزمخشري في الكشاف ، عن ابن عباس (5).

وما رواه العياشي في تفسيره عن أبي أسامة عن ابى عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى «فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ» فقال : ذلك رجل يحبس نفسه على أموال اليتامى ، فيقوم لهم فيها ، ويقوم لهم عليها ، فقد شغل نفسه عن طلب المعيشة ، فلا بأس ان يأكل بالمعروف ، إذا كان يصلح أموالهم ، وان كان المال قليلا فلا يأكل منه شيئا (6).

وما رواه في الكتاب المذكور (7) عن سماعة عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن قوله «وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ» فقال : بلى

__________________

(1) التهذيب ج 6 ص 343 حديث : 81.

(2) لفظة «يتيم» ليست في نسخة المصدر المطبوعة.

(3) تفسير العياشي ج 1 ص 221 حديث : 28.

(4) مجمع البيان ج 3 ص 9.

(5) الكشاف ج 1 ص 475 باختلاف يسير.

(6) تفسير العياشي ج 1 ص 221 حديث 29.

(7) وهو تفسير العياشي.


من كان. الحديث كما تقدم عن الكافي ، الا انه قال : «ليس له شي‌ء» عوض قوله ثمة «وليس له ما يقيمه» (1).

وما رواه العياشي في تفسيره ـ ايضا ـ عن إسحاق بن عمار عن ابى بصير ، عن ابى عبد الله عليه‌السلام في قول الله «وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ» فقال : هذا رجل يحبس نفسه لليتيم على حرث أو ماشية ، ويشغل فيها نفسه. فليأكل منه بالمعروف ، وليس ذلك له في الدنانير والدراهم التي عنده موضوعة (2).

وما رواه فيه ايضا عن زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام قال : سألته عن قول الله «وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ» قال : ذلك إذا حبس نفسه في أموالهم ، فلا يحترث لنفسه ، فليأكل بالمعروف من مالهم (3).

وما رواه فيه ايضا عن رفاعة ، عن ابى عبد الله عليه‌السلام في قوله «فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ» قال : كان ابى يقول : انها منسوخة (4).

وقال في مجمع البيان في تفسيره : قوله «وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ» ، معناه ، ومن كان فقيرا فليأخذ من مال اليتيم قدر الحاجة والكفاية ، على جهة القرض ، ثم يرد عليه ما أخذ إذا وجد. عن سعيد بن جبير ومجاهد وابى العالية والزهري وعبيدة السلماني ، وهو مروي عن الباقر عليه‌السلام. وقيل : معناه يأخذ ما يسد به جوعته و

__________________

(1) تفسير العياشي ج 1 ص 221 ـ 222 حديث : 30 وفرق آخر قوله «بلى من كان». ولم تكن «بلى» في حديث الكافي : كما لم يذكرها المصنف ، ولكنا أثبتناها وفق المصدر الأصل.

(2) المصدر حديث : 31.

(3) العياشي ج 1 ص 232 حديث : 32. وفي نسخة الوسائل ج 12 ص 187 حديث : 10 «فلا يحترف».

(4) العياشي ج 1 ص 222 حديث : 33.


يستر عورته ، لا على جهة القرض. عن عطاء بن ابى رباح وقتادة وجماعة ، ولم يوجبوا اجرة المثل ، لأنها ربما كانت أكثر من قدر الحاجة. والظاهر من روايات أصحابنا : ان له اجرة المثل ، سواء كان قدر كفايته أو لم يكن. انتهى (1).

أقول : وبالله سبحانه التوفيق ، المستفاد من هذه الاخبار المذكورة ـ بعد ضم بعضها الى بعض ، عدا الرواية الأخيرة من روايات العياشي ـ : أنه يشترط في صحة أكل الولي من مال اليتيم شروط :

(أحدها) : فقره ، فمتى كان غنيا فليس له ان يأكل منه شيئا.

وعلى ذلك دل ظاهر الكتاب بحمل الأمر بالاستعفاف ـ في الآية ـ على الوجوب. فاما الحمل على الاستحباب ـ كما تقدم نقله عن المسالك ، وظاهره الميل اليه ـ فلا اعرف له وجها ، الا مجرد الاجتهاد في مقابلة النصوص ، لأن الأصل تحريم أكل مال الغير ، خرج منه في هذا الموضع بالآية والروايات المرخصة للولي إذا كان فقيرا ، مع اتفاقهم على ان أوامر القرآن للوجوب ، الا ما خرج بدليل ، والحال انه لا معارض هنا ، بل المؤيد المؤكد موجود من الاخبار ، والآية الدالة على اشتراط الفقر.

و (ثانيها) : اشتغاله بإصلاح أموالهم بحيث يمنعه ذلك عن الاشتغال لأمر نفسه فلو لم يكن قائما بها أو كان كذلك ، ولكن لا يشغله عن تحصيل المعاش لنفسه وعياله ، فإنه لا يجوز له ان يأكل منه شيئا.

وبهذا الشرط صرحت الروايات المتقدمة عن تفسير العياشي ، وبه وبالذي قبله صرحت موثقة سماعة المنقولة من الكافي في صدر الاخبار.

و (ثالثها) : سعة مال اليتيم ، فلو كان قليلا لم يجز له الأكل منه ، والآية الشريفة وان كانت بالنسبة الى هذا الشرط مطلقة ، الا ان الاخبار قد صرحت به كرواية أبي الصباح ، ورواية أبي سلمة المنقولة من تفسير العياشي.

__________________

(1) مجمع البيان ج 3 ص 9 ـ 10.


والظاهر ان الوجه فيه هو انه متى كان قليلا فإنه لا يشغله عن تحصيل المعيشة لنفسه ولا موجب لحبس نفسه على إصلاح أموالهم.

و (رابعها) : كون الأكل مقدار الكفاية من غير إسراف ، لقوله عزوجل «بِالْمَعْرُوفِ» والمعروف : مالا إسراف فيه ولا تقتير ، وهو الحد الوسط.

والى هذا الشرط يشير قوله ـ في صحيحة عبد الله ابن سنان ـ : «المعروف هو القوت» وقوله ـ في موثقة سماعة ـ : «فليأكل بقدر ولا يسرف».

ومن هنا يعلم صحة القول الثاني من الأقوال المتقدمة باعتبار هذا الشرط ، وان كان بالنظر الى إطلاقه غير صحيح ، لما عرفت من اشتراط الأكل بالشروط التي ذكرناها ، وكذا غيره من الأقوال المتقدمة ان أخذت على إطلاقها ، كما هو ظاهر قولهم بها ونقل الناقلين لها.

وحينئذ يكون ما اخترناه هنا (1) قولا سادسا.

اما القول باعتبار اجرة المثل ـ كما هو أول الأقوال المتقدمة ـ فأنكره بعض مشايخنا المعاصرين (2) بعد اختياره القول الثاني ، لعدم وجود الدليل عليه ، وادعى انه ليس في الاخبار تقييد اجرة المثل ، وانما هو تخريج محض واستنباط صرف ، وهو في مقابلة النص غير معتبر. قال : وهذا كاف في رد هذا القول. انتهى.

أقول : يمكن ان يستدل على هذا القول بقوله عليه‌السلام في صحيحة هشام بن الحكم «ينظر الى ما كان غيره يقوم به من الأجر فليأكل بقدر ذلك» فإنه ـ كما ترى ـ ظاهر في الرجوع الى أجرة المثل ، وحينئذ فيكون هذا الخبر مستند القول المذكور.

__________________

(1) وهو القول الثاني مقيدا بالشروط الأربعة المذكورة.

(2) هو شيخنا المحدث الصالح الشيخ عبد الله بن صالح البحراني قدس‌سره في أجوبة مسائل سئل عنها. منه قدس‌سره.


نعم يبقى الكلام في الجمع بين هذا الخبر وبين ما دل على الكفاية.

والظاهر : هو حمل هذا الخبر على تلك الأخبار الدالة على الكفاية ، لاعتضاد تلك الاخبار بظاهر الآية الشريفة ، حيث دلت على الأكل بالمعروف ، وهو كما عرفت مالا إسراف فيه ولا تقتير ، وهو الحد الوسط. وبذلك يظهر ان ما أطال بها أصحابنا فيما قدمناه من أقوالهم ، من القول بأقل الأمرين ، بناء على الجمع بذلك بين الدليلين ، من الاحتمالات والتخريجات لا ضرورة تلجئ اليه بل الأظهر الجمع بما ذكرناه ، وحينئذ تجتمع الاخبار على القول بالكفاية حسبما يأتي تحقيقه إنشاء الله تعالى.

ثم لا يخفى ان ظاهر الاخبار المتقدمة ـ بعد التأمل فيها يعين التحقيق ـ : ان المراد بالكفاية هو ما كان له ولعياله الواجبي النفقة.

أما ـ أولا ـ فلان الآية والاخبار ـ كما عرفت ـ قد دلا على اشتراط الفقر في جواز الأخذ ، ومنعا من الأخذ حال الغنى ، ومن الظاهر المعلوم : انه لو اقتصر في الكفاية على نفقته خاصة مع وجود الواجبي النفقة عليه ، فإنه لا يخرج بذلك عن الفقر ، ولا يدخل في الغنى ، للاتفاق نصا وفتوى على ان الغنى انما يحصل بملك مؤنة السنة لنفسه وعياله الواجبي النفقة قوة وفعلا والا فهو فقير.

وبالجملة فإن شرط الفقر الموجب لجواز الأخذ موجود ، والغنى المانع من الأخذ مفقود ، وحينئذ فلا معنى لتخصيص الكفاية به خاصة دون عياله المذكورين.

واما ـ ثانيا ـ فلان الاخبار قد دلت على اشتراط حبس نفسه على إصلاح أموالهم في جواز الأخذ ، وحينئذ فاللازم من تخصيص الأخذ بما يكفيه خاصة ضياع عياله الواجبي النفقة ، مع انه يجب عليه الإنفاق عليهم.

وبذلك يظهر جواز أخذه الكفاية له ولعياله المذكورين ، ولا يختص بالأكل ،


وان كان ظاهر صحيحتي عبد الله بن سنان ذلك ، بل يتعدى الحكم إلى الكسوة (1) أيضا ، لأن المفروض انه حبس نفسه على أموالهم ليس له مكسب سوى ذلك ، وحينئذ يحمل القوت في الخبرين المذكورين على التمثيل ، لانه الضروري اللابدى (2).

قال في المسالك : ان الأكل بالمعروف يحتاج الى تنقيح ، فإن أريد به الأكل المتعارف ـ كما يظهر من الآية والرواية وجعل مختصا بالولي ـ لا يتعدى الى عياله ، فلا منافاة بين الفقر وحصول الكفاية منه بهذا الاعتبار ، لان حصول القوت يحتاج معه إلى بقية مؤنة السنة من نفقة وكسوة ومسكن وغيرها ، حتى يتحقق ارتفاع الفقر ، ان لم نشترط حصول ذلك في بقية عياله الواجبي النفقة ، وحينئذ فقولهم ـ في الاستدلال بثبوت أقل الأمرين «انه مع حصول الكفاية يكون غنيا فيجب عليه الاستعفاف عن بقية الأجرة» ـ غير صحيح. وان أريد به مطلق التصرف كما هو المراد من قوله «وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً» ـ «وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ» ـ «إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً» وغير ذلك ، فقيد المعروف من ذلك غير واضح المراد ، ليعتبر

__________________

(1) أقول : وعلى هذا فالمراد بالأكل في قوله تعالى «فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ» مطلق التصرف كما وقع مثله في جملة من الآيات ، كقوله تعالى «إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً» وقوله «وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا» وقوله «وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ» وحينئذ فالمراد والله سبحانه اعلم : انه يتصرف في أموالهم ويأخذ ما يحتاج اليه من نفقة وكسوة ونحو ذلك له ولعياله بالمعروف ، من غير إفراط ولا تفريط بإسراف أو تقتير : منه قدس‌سره.

(2) والا فاللازم من التخصيص بالقوت كما هو ظاهر الخبرين ، مع فرض حبس نفسه عن تحصيل المعاش حصول الضرر عليه ، ان أوجبنا عليه القيام بإصلاح أموالهم ، كما هو ظاهر. أو الإضرار بالأيتام ان لم نوجب عليه ذلك ، فيجوز له السعى فيما له ولعياله من الكسوة ونحوها وترك أموالهم معطلة خرابا ، وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر لا سترة عليه ـ منه قدس‌سره.


صحة أقل الأمرين ، لأن التصرف على الوجه المعروف يختلف باختلاف الأشخاص والحاجة ، وربما ادى ذلك الى الإضرار بمال اليتيم. الى آخر كلامه.

ومما قدمنا من التحقيق في المقام قد انكشف غشاوة الإبهام عما استشكل هنا وكذا غيره من الاعلام. هذا.

واما ما ذكره الشيخ الطبرسي فيما قدمنا نقله منه ، من الرواية عن مولانا الباقر عليه‌السلام «ان الأكل انما هو على جهة القرض» فلم يصل إلينا. ويمكن ان يكون ذلك إشارة إلى رواية رفاعة المنقولة من تفسير العياشي ، الدالة على ان هذه الآية منسوخة ، فإنه متى ثبت النسخ تعين عدم جواز الأكل إلا قرضا ، إلا انك قد عرفت تكاثر الاخبار واستفاضتها بخلاف ما دلت عليه هذه الرواية ، مضافا الى ظاهر الآية ايضا ، لدلالتها على جواز الأكل كما عرفت ، فلا عمل عليها وهي مرجئة إلى قائلها.

واما قوله «والظاهر من رواياتنا. الى آخر كلامه. فقد عرفت انه خلاف الظاهر ، بل الظاهر منها بمعونة ظاهر الآية الشريفة انما هو الكفاية على الوجه الذي قدمنا تحقيقه.

(المنهج الرابع) قد استفاضت الاخبار بتحريم أكل مال اليتيم ظلما وعدوانا. ويعضدها القرآن العزيز ، حيث قال ـ عز من قائل ـ «إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً» (1) اى ما يجر الى النار والسعير.

ومن الاخبار في ذلك : ما رواه في الكافي عن سماعة في الموثق ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : وعد الله عزوجل في أكل مال اليتيم بعقوبتين ، إحداهما : عقوبة الآخرة : النار ، واما عقوبة الدنيا فقوله عزوجل «وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ» (2) يعنى ليخش أن اخلفه في ذريته ان يصنع بهم كما صنع

__________________

(1) سورة النساء : 10.

(2) سورة النساء : 9.


بهؤلاء اليتامى (1).

وعن عجلان بن صالح ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن أكل أموال اليتامى ، فقال : هو كما قال الله ـ عزوجل ـ «إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً» ثم قال ـ من غير أن أسأله ـ : من عال يتيما حتى ينقطع يتمه أو يستغنى بنفسه ، أوجب الله ـ عزوجل ـ له الجنة ، كما أوجب النار لمن أكل مال اليتيم (2).

وروى في الكافي والتهذيب عن عبد الله بن يحيى الكاهلي ، قال : قيل لأبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : انا ندخل على أخ لنا في بيت أيتام ومعهم خادم لهم ، فنقعد على بساطهم ، ونشرب من مائهم ويخدمنا خادمهم ، وربما أطعمنا فيه الطعام من عند صاحبنا ، وفيه من طعامهم. ما ترى في ذلك؟ فقال : ان كان في دخولكم عليهم منفعة لهم فلا بأس ، وان كان فيه ضرر فلا. وقال عليه‌السلام «بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ» فأنتم لا يخفى عليكم ، وقد قال الله ـ عزوجل ـ «وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ» (3).

وروى في الكافي عن على بن المغيرة ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ان لي ابنة أخ يتيمة فربما اهدى لها شي‌ء ، فآكل منه ثم أطعمها بعد ذلك شيئا من مالي ، فأقول. يا رب هذا بذا ، فقال : لا بأس (4).

وروى في التهذيب عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن الصادق عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يكون للرجل عنده المال ، اما بيع واما قرض ، فيموت ولم يقضه إياه ، فيترك أيتاما صغارا فيبقى لهم عليه لا يقضيهم ، أيكون ممن يأكل أموال اليتامى

__________________

(1) الوسائل ج 12 ص 181 حديث : 2.

(2) الوسائل ج 12 ص 180 حديث : 1.

(3) الوسائل ج 12 ص 183 حديث : 1.

(4) الوسائل ج 12 ص 184 حديث : 2.


ظلما؟ قال : لا ، إذا كان نوى ان يؤدى إليهم (1).

وعن سماعة في الموثق قال : سألت الصادق عليه‌السلام عن قول الله عزوجل «وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ» فقال : يعنى اليتامى ، إذا كان الرجل يلي الأيتام في حجره ، فليخرج من ماله على قدر ما يحتاج اليه على قدر ما يخرجه لكل انسان منهم ، فيخالطهم ويأكلون جميعا ، ولا يزرأن من أموالهم شيئا ، انما هي النار (2).

وقد تقدم نحو هذا الخبر في جواب ابى الصباح الكناني (3).

وروى العياشي في تفسيره عن على عليه‌السلام عن الصادق عليه‌السلام قال : سألته عن قول الله في اليتامى «وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ» قال : يكون لهم التمر واللبن ، ويكون لك مثله على قدر ما يكفيك ويكفيهم ، ولا يخفى على الله المفسد من المصلح (4).

وعن عبد الرحمن بن الحجاج عن ابى الحسن موسى عليه‌السلام قال : قلت له : يكون لليتيم عندي الشي‌ء وهو في حجري أنفق عليه منه ، وربما أصيب مما يكون له من الطعام ، وما يكون مني إليه أكثر. قال : لا بأس بذلك (5).

وروى على بن إبراهيم في تفسيره عن أبيه عن صفوان عن ابن مسكان ، عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : لما نزلت «إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً» اخرج كل من كان عنده يتيم ، وسألوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في إخراجهم ، فأنزل الله تعالى «وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ». قال : وقال الصادق عليه‌السلام

__________________

(1) الوسائل ج 12 ص 194 حديث : 3.

(2) الوسائل ج 12 ص 188 حديث : 2.

(3) الوسائل ج 12 ص 188 حديث : 1.

(4) الوسائل ج 12 ص 189 حديث : 3.

(5) الوسائل ج 12 ص 189 حديث : 4.


لا بأس ان تخلط طعامك بطعامهم ، فان الصغير يوشك ان يأكل مثل الكبير ، واما الكسوة وغيرها فيجب على كل رأس صغير وكبير ما يحتاج إليه (1).

أقول : ويستفاد من هذه الاخبار الشريفة جملة من الأحكام المنيفة : ـ (منها) : ان أكل أموال اليتامى ظلما ـ كما دلت عليه الآية ـ انما هو في صورة ما لو لم ينو رده ، كما يظهر من رواية عبد الرحمن بن الحجاج المذكورة ، ونحوها ما تقدم في المنهج الثاني من رواية أحمد بن ابى نصر.

وربما أشعر ذلك بجواز التصرف في مال اليتيم ، ولو من غير الولي إذا كان ينوي الرد (2) مع ان ظاهر كلام الأصحاب : التحريم حيث خصوا جواز الاقتراض

__________________

(1) الوسائل ج 12 ص 189 حديث : 5 و 6.

(2) أقول : ومما يعضد ذلك ما رواه في الكافي ج 5 ص 132 حديث : 7 في الصحيح أو الحسن عن عبد الرحمن بن الحجاج عن ابى الحسن عليه‌السلام في الرجل يكون عند بعض أهل بيته مال لأيتام فيدفعه إليه فيأخذ منه دراهم يحتاج إليها ولا يعلم الذي كان عنده المال للأيتام أنه أخذ من أموالهم شيئا ، ثم تيسر بعد ذلك. أى ذلك خير له ، أيعطيه الذي كان في يده أم يدفعه الى اليتيم وقد بلغ؟ وهل يجزيه ان يدفعه الى صاحبه على وجه الصلة ولا يعلمه انه أخذ له مالا؟ فقال : يجزيه أى ذلك فعل ، إذا أوصله الى صاحبه. فان هذا من السرائر ، إذا كان من نيته ، ان شاء رده الى اليتيم ان كان قد بلغ على اى وجه شاء ، وان لم يعلمه ان كان قبض له شيئا. وان شاء رده الى الذي كان في يده المال. وقال : ان كان صاحب المال غائبا فليدفعه إلى الذي كان المال في يده.

والتقريب ـ في الخبر المذكور ـ : ان الامام عليه‌السلام لم ينكر على السائل المذكور في أخذه وتصرفه في مال اليتيم ، مع صراحة الخبر في أنه ليس بولي ، بل أقرّه على ما فعله ، حيث كان من نيته الأداء ، كما يشير اليه قوله «فان هذا من السرائر إذا كان من نيته. الى آخره».

 

منه قدس‌سره.

 


بالولاية والملائة ، وحكموا بكون غيره عاصيا غاصبا.

ويمكن الجمع بأن عدم دخول هذا التصرف في مدلول الآية لا يستلزم الحل له ، بل غاية ذلك انه لا يكون عقوبته عقوبة الناوي ، وهو الذي يأكل في بطنه نارا وسيصلى سعيرا. وان كان ذلك محرما ومستوجبا للعقاب في الجملة.

وأنت خبير بأن روايات جواز الاقتراض من مال اليتيم التي تقدمت ، ليست نصا فيما ذكره الأصحاب من الاشتراط ، بل ربما ظهر منها الجواز مطلقا ، الا ان الأحوط الوقوف على ما ذكروه حسما لمادة الشبهة.

(ومنها) : ان التصرف في أموالهم يتوقف على نوع مصلحة لهم في ذلك ، مثل الجلوس على فرشهم والشرب من مائهم واستخدام خادمهم ونحو ذلك ، كما يظهر من رواية الكاهلي المتقدمة ، بأن يكون التصرف بأحد هذه الأنواع ممن يصل إليهم نفعه بأي وجوه المنافع فيكون هذا بهذا.

ولو لم يكن كذلك فهو مجرد مفسدة وضرر عليهم وداخل تحت قوله تعالى «وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ» ويشير الى هذا رواية على بن المغيرة ، ورواية عبد الرحمن ابن الحجاج المنقولة عن العياشي.

(ومنها) : جواز خلط طعام الأكل معهم بطعام الأيتام مع تساوى الغذاء والأكل جميعا ، معللا بأنه ربما كان الصغير يأكل مثل الكبير ، اما لو علمنا يقينا ان الصغير لا يأكل ذلك المقدار فإشكال ، من ظواهر الأخبار المذكورة ، ومن أصالة التحريم. والاحتياط لا يخفى.

(ومنها) : جواز أكل شي‌ء من مالهم إذا كان اليتيم يأكل عوضه أو أكثر. الى غير ذلك من الفوائد التي يمكن استنباطها منها. والحمد لله رب العالمين.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *