ج6 - أعداد الفرائض والنوافل
المقدمة الثانية
روى ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الفضيل بن يسار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «الفريضة والنافلة احدى وخمسون ركعة : منها ركعتان بعد العتمة جالسا تعدان بركعة وهو قائم ، الفريضة منها سبع عشرة ركعة والنافلة أربع وثلاثون ركعة».
وبهذا الاسناد عن الفضيل والبقباق وبكير (2) قالوا : «سمعنا
أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول كان
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يصلي من
التطوع مثلي الفريضة ويصوم من التطوع مثلي الفريضة».
وروى في الكافي والتهذيب عن ابن ابي عمير (3) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن أفضل ما
جرت به السنة من الصلاة قال تمام الخمسين».
وروى في الكافي والتهذيب عن حنان (4) قال : «سأل
عمرو بن حريث أبا عبد الله (عليهالسلام) وانا جالس
فقال له جعلت فداك أخبرني عن صلاة رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قال كان
النبي يصلي ثماني ركعات الزوال وأربعا الاولى وثماني بعدها وأربعا العصر وثلاثا
المغرب وأربعا بعد المغرب والعشاء الآخرة أربعا وثماني صلاة الليل وثلاثا الوتر
وركعتي الفجر وصلاة الغداة ركعتين. قلت جعلت فداك فان كنت أقوى على أكثر من هذا
يعذبني الله على كثرة الصلاة؟ فقال لا ولكن يعذب على ترك السنة».
وروى في الفقيه عن الصيقل عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (5) قال : «اني
لأمقت الرجل يأتيني فيسألني عن عمل رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فيقول أزيد
كأنه يرى ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قصر في شيء
، وانى لأمقت الرجل قد قرأ
__________________
(1 و 2 و 3 و 4) رواه في الوسائل في الباب 13 من أعداد
الفرائض.
(5) ج 1 ص 303.
القرآن ثم يستيقظ من الليل فلا يقوم
حتى إذا كان عند الصبح قام يبادر بصلاته».
بيان : الظاهر ان مقت الأول لما يفهم من كلامه من انه
بزيادته في الصلاة على ما كان يأتي به (صلىاللهعليهوآله) كأنه يريد ان
يفوقه ويعلو عليه بالزيادة وهو ان لم يكن كفرا فهو جهل محض لأن العبرة ليس بكثرة
الصلاة بل بالإقبال عليها الذي هو روح العبادة والإتيان بها على أكمل وجوهها ، ومن
ذا الذي يروم بلوغه في المقام الأول؟ وكذا في المقام الثاني حتى انه روى (1) «انه كان يقوم
في الصلاة على أطراف أصابعه حتى تورمت قدماه اجهادا لنفسه في العبادة حتى عاتبه
الله تعالى على ذلك رأفة به فقال : طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى» (2). «وكان يقسم
الليل انصافا فيقوم في صلاة الليل بطوال السور وكان إذا ركع يقال لا يدرى متى يرفع
وإذا سجد يقال لا يدرى متى يرفع» (3). ونحو ذلك. والظاهر ان مقت الثاني
لمزيد الكسل عن صلاة الليل إذا كان ممن يقرأ القرآن ويحفظ سورة وتلاوتها ينتبه في
وقت صلاة الليل فلا يقوم إليها حتى إذا فجأه الصبح قام مبادرا بها يصليها بعجل
وقلة توجه وإقبال أو يزاحم بها الفريضة في وقتها.
وروى في الكافي والتهذيب في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (4) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) هل قبل
العشاء الآخرة وبعدها شيء؟ قال لا غير اني أصلي بعدها ركعتين ولست أحسبهما من
صلاة الليل». بيان : الظاهر ان الاستفهام عن توظيف شيء من النوافل قبل أو بعد مثل
سائر النوافل الموظفة فأجاب ب «لا» وذلك لان العلة كما سيأتي بيانه في المقام ان
شاء الله تعالى ان هاتين الركعتين انما زيدتا على الموظف في اليوم والليلة لإحدى
جهتين يأتي ذكرهما ان شاء الله ، وفي قوله : «ولست أحسبهما من صلاة الليل» رد على
ما ذهب إليه العامة من جواز تقديم الوتر الموظف آخر الليل في أوله
__________________
(1) تفسير البرهان ج 2 ص 670.
(2) سورة طه ، الآية 1 و 2.
(3) الوسائل في الباب 53 من أبواب المواقيت.
(4) رواه في الوسائل في الباب 27 من أعداد الفرائض.
فإن استيقظوا آخر الليل اعادوه وصلوا
وترين في ليلة (1).
وروى الشيخ في التهذيب في الحسن عن عبد الله بن سنان (2) قال : «سمعت
أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول لا تصل
أقل من اربع وأربعين ركعة. قال ورأيته يصلي بعد العتمة أربع ركعات». بيان : قال في
الوافي أما الأربع ركعات فلعلها كانت غير الرواتب أو قضاء لها. انتهى.
وروى الشيخان المذكوران في الكتابين عن احمد بن محمد بن
ابى نصر (3) قال : «قلت
لأبي الحسن (عليهالسلام) ان أصحابنا
يختلفون في صلاة التطوع : بعضهم يصلي أربعا وأربعين وبعضهم يصلي خمسين فأخبرني
بالذي تعمل به أنت كيف هو حتى اعمل بمثله؟ فقال أصلي واحدة وخمسين ركعة ثم قال
أمسك ـ وعقد بيده ـ الزوال ثمانية وأربعا بعد الظهر وأربعا قبل العصر وركعتين بعد
المغرب وركعتين قبل العشاء الآخرة وركعتين بعد العشاء من قعود تعدان بركعة من قيام
وثمان صلاة الليل والوتر ثلاثا وركعتي الفجر والفرائض سبع عشرة فذلك احدى وخمسون
ركعة».
وروى في الكافي في الصحيح عن حماد بن عثمان (4) قال : «سألته
عن التطوع بالنهار فذكر انه يصلي ثماني ركعات قبل الظهر وثماني بعدها».
وعن الحارث بن المغيرة في الصحيح (5) قال : «قال
أبو عبد الله (عليهالسلام)
__________________
(1) في المغني ج 2 ص 163 «من أوتر من الليل ثم قام للتهجد
فالمستحب ان يصلى مثنى مثنى ولا ينقض وتره» وفي ص 164 قال : «سئل أحمد عن من أوتر
يصلى بعدها مثنى مثنى قال نعم ولكن يكون الوتر بعد ضجعة ، وفي الفقه على المذاهب
الأربعة ج 1 ص 292 «عند المالكية إذا قدم الوتر عقب صلاة العشاء ثم استيقظ آخر
الليل وتنفل كره له ان يعيد الوتر».
(2) رواه في الوسائل في الباب 14 من أعداد الفرائض.
(3 و 4) رواه في الوسائل في الباب 13 من أعداد الفرائض.
(5) رواه في الوسائل في الباب 24 من أعداد الفرائض.
أربع ركعات بعد المغرب لا تدعهن في
حضر ولا سفر». ونحوه في خبر آخر عنه (عليهالسلام) ايضا (1) وزاد فيه «وان
طلبتك الخيل».
وروى الشيخ في التهذيب عن زرارة (2) قال : «سمعت
أبا جعفر (عليهالسلام) يقول كان
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لا يصلي من
النهار شيئا حتى تزول الشمس فإذا زالت قدر نصف إصبع صلى ثماني ركعات فإذا فاء الفيء
ذراعا صلى الظهر ثم صلى بعد الظهر ركعتين ويصلي قبل وقت العصر ركعتين فإذا فاء
الفيء ذراعين صلى العصر وصلى المغرب حين تغيب الشمس فإذا غاب الشفق دخل وقت
العشاء وأخر وقت المغرب إياب الشفق فإذا آب الشفق دخل وقت العشاء وآخر وقت العشاء
ثلث الليل ، وكان لا يصلي بعد العشاء حتى ينتصف الليل ثم يصلي ثلاث عشرة ركعة منها
الوتر ومنها ركعتا الفجر قبل الغداة فإذا طلع الفجر وأضاء صلى الغداة».
وروى في الفقيه مرسلا (3) قال : «قال
أبو جعفر (عليهالسلام) كان رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) لا يصلي من
النهار شيئا حتى تزول الشمس فإذا زالت صلى ثماني ركعات وهي صلاة الأوابين تفتح في
تلك الساعة أبواب السماء ويستجاب الدعاء وتهب الريح وينظر الله الى خلقه فإذا فاء
الفيء ذراعا صلى الظهر أربعا وصلى بعد الظهر ركعتين ثم صلى ركعتين أخراوين ثم صلى
العصر أربعا إذا فاء الفيء ذراعا ثم لا يصلي بعد العصر شيئا حتى تؤوب الشمس فإذا
آبت وهو ان تغيب صلى المغرب ثلاثا وبعد المغرب أربعا ثم لا يصلي شيئا حتى يسقط
الشفق فإذا سقط الشفق صلى العشاء ثم أوى رسول الله (صلىاللهعليهوآله) الى فراشه
ولم يصل شيئا حتى يزول نصف الليل فإذا زال نصف الليل صلى ثماني ركعات وأوتر في
الربع الأخير من الليل بثلاث ركعات
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 24 من أعداد الفرائض.
(2) رواه في الوسائل في الباب 10 من أبواب المواقيت.
(3) رواه في الوسائل في الباب 14 من أعداد الفرائض.
فقرأ فيهن فاتحة الكتاب وقل هو الله
أحد ويفصل بين الثلاث بتسليمة ويتكلم ويأمر بالحاجة ولا يخرج من مصلاه حتى يصلي
الثالثة التي يوتر فيها ويقنت فيها قبل الركوع ثم يسلم ويصلي ركعتي الفجر قبل
الفجر وعنده وبعيده ثم يصلي ركعتي الصبح وهو الفجر إذا اعترض الفجر وأضاء حسنا ،
فهذه صلاة رسول الله (صلىاللهعليهوآله) التي قبضه
الله عزوجل عليها».
وروى في التهذيب عن يحيى بن حبيب (1) قال : «سألت
الرضا (عليهالسلام) عن أفضل ما
يتقرب به العباد الى الله تعالى من الصلاة؟ قال ست وأربعون ركعة فرائضه ونوافله
قلت : هذه رواية زرارة؟ قال أو ترى أحدا كان اصدع بالحق منه؟».
وعن ابى بصير (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن التطوع
بالليل والنهار فقال الذي يستحب ان لا يقصر عنه ثمان ركعات عند زوال الشمس وبعد
الظهر ركعتان وقبل العصر ركعتان وبعد المغرب ركعتان وقبل العتمة ركعتان ومن السحر
ثمان ركعات ثم يوتر والوتر ثلاث ركعات مفصولة ثم ركعتان قبل صلاة الفجر ، وأحب
صلاة الليل إليهم آخر الليل». بيان : من المحتمل قريبا ان يكون قوله في آخر الخبر «وأحب
صلاة الليل إليهم» من كلام ابي بصير والمراد بضمير «إليهم» الأئمة (عليهمالسلام) ويحتمل ان
يكون من قول الامام (عليهالسلام) ويكون الضمير
راجعا الى الآمرين بها وهم الرسول والأئمة (صلوات الله عليهم).
وروى الشيخ في الموثق عن زرارة (3) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) ما جرت به
السنة في الصلاة؟ قال ثمان ركعات الزوال وركعتان بعد الظهر وركعتان قبل العصر
وركعتان بعد المغرب وثلاث عشرة ركعة من آخر الليل منها الوتر وركعتا الفجر. قلت
فهذا جميع ما جرت به السنة؟ قال نعم. فقال أبو الخطاب أفرأيت ان قوي فزاد؟ قال
فجلس وكان متكئا قال ان قويت فصلها كما كانت تصلى وكما ليست في ساعة
__________________
(1 و 2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 14 من أعداد الفرائض.
من النهار فليست في ساعة من الليل ان
الله عزوجل يقول : وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ» (1). بيان : هذا
الخبر مؤيد لما قدمناه في بيان مقت الصادق (عليهالسلام) لمن سأل عن
عمل رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فيقول أزيد ،
وحاصل كلامه (عليهالسلام) ان هذا العدد
وان قل في النظر إلا انه صعب من حيث أخذ الإقبال والخشوع فيه وتفريقه في الساعات
المذكورة والمداومة عليه ونحو ذلك مما تقدم.
وروى الشيخ في الصحيح عن زرارة (2) قال : «قلت
لأبي جعفر (عليهالسلام) انى رجل تاجر
اختلف واتجر فكيف لي بالزوال والمحافظة على صلاة الزوال وكم أصلي؟ قال تصلي ثماني
ركعات إذا زالت الشمس وركعتين بعد الظهر وركعتين قبل العصر فهذه اثنتا عشرة ركعة ،
وتصلي بعد المغرب ركعتين وبعد ما ينتصف الليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر ومنها
ركعتا الفجر وذلك سبع وعشرون ركعة سوى الفريضة ، وانما هذا كله تطوع وليس بمفروض ،
ان تارك الفريضة كافر وان تارك هذه ليس بكافر ولكنها معصية لأنه يستحب إذا عمل
الرجل عملا من الخير ان يدوم عليه».
وروى في الكافي عن الفضل بن أبي قرة رفعه عن ابى عبد
الله (عليهالسلام) (3) قال : «سئل عن
الخمسين والواحدة ركعة فقال ان ساعات النهار اثنتا عشرة ساعة وساعات الليل اثنتا
عشرة ساعة ومن طلوع الفجر الى طلوع الشمس ساعة غير ساعات الليل والنهار ومن غروب
الشمس الى غروب الشفق غسق فلكل ساعة ركعتان وللغسق ركعة».
وروى الشيخ في التهذيب عن الحجال عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (4) «انه كان يصلي
ركعتين بعد العشاء يقرأ فيهما بمائة آية ولا يحتسب بهما وركعتين وهو جالس
__________________
(1) سورة طه ، الآية 130.
(2) رواه في الوسائل في الباب 14 من أعداد الفرائض.
(3) رواه في الوسائل في الباب 13 من أعداد الفرائض.
(4) رواه في الوسائل في الباب 44 من أبواب المواقيت.
يقرأ فيهما بقل هو الله أحد وقل يا
ايها الكافرون فان استيقظ من الليل صلى صلاة الليل وأوتر وان لم يستيقظ حتى يطلع
الفجر صلى ركعة فصارت شفعا واحتسب بالركعتين اللتين صلاهما بعد العشاء وترا». وفي
بعض نسخ الحديث «صلى ركعتين فصارت شفعا» وفي بعضها «فصارت سبعا» والظاهر ان الأخير
تصحيف.
وقال (عليهالسلام) في كتاب
الفقه الرضوي (1) «اعلم يرحمك
الله ان الفريضة والنافلة في اليوم والليلة احدى وخمسون ركعة ، الفرض منها سبع
عشرة ركعة فريضة وأربعة وثلاثون ركعة سنة : الظهر اربع ركعات والعصر اربع ركعات
والمغرب ثلاث ركعات والعشاء الآخرة أربع ركعات والغداة ركعتان فهذه فريضة الحضر ،
وصلاة السفر الفريضة إحدى عشرة ركعة : الظهر ركعتان والعصر ركعتان والمغرب ثلاث
ركعات والعشاء الآخرة ركعتان والغداة ركعتان ، والنوافل في الحضر مثلا الفريضة لأن
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قال فرض علي
ربي سبع عشرة ركعة ففرضت على نفسي وأهل بيتي وشيعتي بإزاء كل ركعة ركعتين ليتم
بذلك الفرائض ما يلحقه من التقصير والثلم : منها ـ ثمان ركعات قبل زوال الشمس وهي
صلاة الأوابين وثمان بعد الظهر وهي صلاة الخاشعين واربع ركعات بين المغرب والعشاء
الآخرة وهي صلاة الذاكرين وركعتان عند صلاة العشاء الآخرة من جلوس تحسب بركعة من
قيام وهي صلاة الشاكرين وثمان ركعات صلاة الليل وهي صلاة الخائفين وثلاث ركعات
الوتر وهي صلاة الراغبين وركعتان بعد الفجر وهي صلاة الحامدين ، والنوافل في السفر
اربع ركعات بعد المغرب وركعتان بعد العشاء الآخرة من جلوس وثلاث عشرة ركعة صلاة
الليل مع ركعتي الفجر ، وان لم يقدر بالليل قضاها بالنهار أو من قابله في وقت صلاة
الليل أو من أول الليل».
أقول : في هذه الاخبار الجليلة عدة طرائف نبيلة وجملة
لطائف جميلة :
(الاولى) ـ اختلفت هذه الاخبار في عدد النافلة الموظفة
في اليوم والليلة ،
__________________
(1) ص 6.
فمنها ما دل على انها اربع وثلاثون
وهذا هو المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) بل نقل الشيخ فيه الإجماع ، ومنها
ما دل على انها ثلاث وثلاثون بإسقاط الوتيرة بعد العشاء ، ومنها ما دل على انها
تسع وعشرون بإسقاط أربع قبل العصر مضافة إلى الوتيرة ، ومنها ما دل على انها سبع
وعشرون بإسقاط ركعتين من نافلة المغرب زيادة على ما ذكر ، والوجه في الجمع بينها
في ذلك ـ كما ذكره جملة من أصحابنا ـ ان يحمل الفرد الأقل على ما كان أوكد
استحبابا إذ الأمر بالأقل لا يوجب نفي استحباب الأكثر ، نعم ربما أوهم صحيح زرارة
المتقدم ـ لقوله فيه «أخبرني عما جرت به السنة في الصلاة». فأجابه بأن جميع ما جرت
به السنة ما عده وهو سبع وعشرون ـ خلاف ذلك فان الظاهر نفى السنة والتوظيف عما عدا
السبع والعشرين ، والشيخ (قدسسره) قد حمل
الرواية المذكورة على انه سوغ ذلك لزرارة لعذر كان فيه. ولا يخلو من بعد بل الأظهر
الحمل على السنة المؤكدة التي لا مرتبة بعدها في النقصان ، ويشير الى ذلك رواية
ابن ابي عمير (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن أفضل ما
جرت به السنة من الصلاة؟ فقال تمام الخمسين». والتقريب فيها ان النوافل منها بعد
إخراج الفرائض ثلاث وثلاثون بإسقاط الوتيرة لأنها ليست من الرواتب وانما زيدت
عليها ليتم بها عدد النوافل بان يكون بإزاء كل ركعة من الفريضة ركعتان من النافلة
، فهذه هي المرتبة العليا في الفضل وان جاز النقصان فيها من حيث التوظيف منتهيا
الى السبع والعشرين التي هي السنة المؤكدة لا مرتبة دونها.
بقي الإشكال هنا في موضعين : (الأول) ان أكثر الأخبار دل
على انه (صلىاللهعليهوآله) لم يكن يصلي
الوتيرة التي بعد العشاء وانه كان بعد صلاة العشاء يأوي إلى فراشه الى نصف الليل.
وأظهر منها ما رواه الصدوق في كتاب العلل عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) في حديث في
الوتيرة «قال فقلت هل صلى رسول الله
__________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 13 من أعداد الفرائض.
(2) رواه في الوسائل في الباب 21 من أعداد الفرائض.
(صلىاللهعليهوآله) هاتين
الركعتين؟ قال لا. قلت ولم؟ قال لان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كان يأتيه
الوحي وكان يعلم انه هل يموت في هذه الليلة أم لا وغيره لا يعلم فمن أجل ذلك لم
يصلهما وأمر بهما». مع ان رواية الفضيل والبقباق وبكير وهي الثانية من الروايات
المتقدمة دلت على انه (صلىاللهعليهوآله) يصلي من
التطوع مثلي الفريضة وهذا لا يكون إلا بضم الوتيرة حتى تتم المماثلة وان يكون
بإزاء كل ركعة من الفريضة ركعتان من النافلة. واما ما أجاب به في الوافي ـ من حمل
أخبار انه كان بعد صلاة العشاء يأوي إلى فراشه على ان المراد بالعشاء نافلتها ـ ففيه
انه وان تم له في هذه الاخبار مع بعده إلا انه لا يتم في خبر العلل الذي ذكرناه.
وما أجاب به في الوسائل أيضا ـ من الجمع بينها بأنه كان يصليها تارة ويترك تارة ـ في
غاية البعد ولا سيما من خبر العلل كما لا يخفى.
(الثاني) ما تضمنه خبر زرارة في وصف صلاة رسول الله (صلىاللهعليهوآله) من الاقتصار
على تسع وعشرين بترك الوتيرة واربع ركعات من الثمان التي بعد الظهر وكذلك مرسلة
الفقيه التي بعدها ودلالة المرسلة المذكورة على انه هذه صلاته التي قبض عليها ، مع
ان جملة الأخبار الواردة في وصف صلاته انما اختلفت في الوتيرة خاصة فأكثرها دال
على عدمها واما ما عداها فلا ومنها الرواية الثانية من الروايات التي قدمناها
والرابعة وهي رواية حنان ورواية كتاب الفقه الرضوي. فإنها قد اشتركت في الدلالة
على صلاة ثمان بعد الظهر كما استفاضت به الاخبار. وحمل الخبرين الدالين على السقوط
على كون ذلك في آخر عمره كما احتمله البعض لا يخلو من الإشكال لأنه ان كان عن نسخ
فكيف استفاضت الاخبار عنهم (عليهمالسلام) بفعلها وان
كان عن ضعف وعلة بالنسبة إليه (صلىاللهعليهوآله) فبعده أظهر
من ان ينكر.
(الطريفة الثانية) ـ ما دل عليه قوله (عليهالسلام) في آخر خبر
حنان «ولكن يعذب على ترك السنة». ربما أشكل بحسب ظاهره حيث ان المستحب مما يجوز
تركه شرعا
فكيف يترتب على تركه العذاب؟ ولهذا
قال المحدث الكاشاني ذيل هذا الخبر : يعني ان السنة في الصلاة ذلك فمن زاد عليه
وجعل الزائد سنة فقد أبدع وترك سنة النبي (صلىاللهعليهوآله) وبدلها بسنته
التي ابدعها فيعذبه الله على ذلك لا على كثرة الصلاة من غير ان يجعلها بدعة مرسومة
ويعتقدها سنة قائمة لما ورد من ان الصلاة خير موضوع فمن شاء استكثر ومن شاء استقل (1). انتهى.
أقول : لا يخفى انه قد ورد في الأخبار ما هو ظاهر
التأييد لما دل عليه ظاهر هذا الخبر مثل قوله (عليهالسلام) «معصية» في
صحيحة زرارة المذكورة في المقام من الدلالة على كون ذلك معصية وان كان مستحبا ومتى
ثبت كونه معصية حسن ترتب العذاب عليه ، ويؤيد ذلك استفاضة الاخبار بان تارك صلاة
الجماعة من غير علة مستحق لان يحرق عليه بيته (2) مع ان صلاة الجماعة ليست بواجبة ،
وكذلك ما ورد من انه لو أصر أهل مصر على ترك الأذان لقاتلهم الامام (3).
نعم يبقى الإشكال في انه قد ورد أيضا في جملة من الاخبار
ان العبد إذا لقي الله عزوجل بصلاة الفريضة
لم يسأله عما سواها ، ومن تلك الاخبار حديث عائذ الأحمسي المروي بعدة أسانيد ومتون
مختلفة : منها ـ ما رواه في الكافي (4) في الصحيح أو الحسن عن جميل بن دراج
عن عائذ الأحمسي قال : «دخلت على ابي عبد الله (عليهالسلام) وانا أريد أن
أسأله عن صلاة الليل فقلت السلام عليك يا ابن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فقال وعليك
السلام اي والله انا لولده وما نحن بذوي قرابته ، ثلاث مرات
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 42 من أحكام المساجد وفي
المستدرك في الباب 10 و 12 من أعداد الفرائض.
(2) رواه في الوسائل في الباب 2 من صلاة الجماعة.
(3) لم نعثر عليه في مظانه نعم ورد ذلك بنحو الفتوى في كلام
بعض كما في البحر الرائق ج 1 ص 255.
(4) الفروع ج 1 ص 137 وفي الوسائل في الباب 17 من أعداد
الفرائض.
قالها ثم قال من غير ان أسأله إذا
لقيت الله بالخمس المفروضات لم يسألك عما سوى ذلك». وروى في الفقيه مرسلا عن معمر
بن يحيى (1) قال : «سمعت
أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول إذا جئت
بالخمس الصلوات لم تسأل عن صلاة وإذا جئت بصوم شهر رمضان لم تسأل عن صوم». وبهذا
المضمون أخبار عديدة قد تضمن بعضها ايضا عدم السؤال عن الصدقة إذا أدى الزكاة
الواجبة.
أقول : ووجه الجمع بين هذه الاخبار والاخبار المتقدمة
محتمل بأحد وجهين :
(الأول) حمل عدم السؤال في هذه الاخبار على الإتيان
بالفرائض كاملة صحيحة مقبولة لا تحتاج الى تكميل حيث ان النوافل انما وضعت لتكميل
الفرائض كما عرفت فيما تقدم وحينئذ فإذا اتى بها على الوجه المذكور لم يحتج الى
النوافل ولم يسأل عنها.
(الثاني) ـ ان يحمل الترك الموجب للعذاب والمؤاخذة في
الاخبار الأولة على ترك يكون على جهة الاستخفاف بالدين والتهاون بكلام سيد
المرسلين (صلىاللهعليهوآله) وعدم
المبالاة بكمالات الشرع المبين وبذلك لا يبعد ترتب العقاب على ذلك كما يشير الى
ذلك قوله (عليهالسلام) في بعض تلك
الاخبار في تارك النافلة (2) «لقي الله
مستخفا متهاونا مضيعا لسنة رسول الله (صلىاللهعليهوآله)».
(الثالثة) ـ قال الصدوق (قدسسره) : أفضل هذه
الرواتب ركعتا الفجر ثم ركعة الوتر ثم ركعتا الزوال ثم نافلة المغرب ثم تمام صلاة
الليل ثم تمام نوافل النهار. قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه : ولم نقف له على
دليل يعتد به. أقول : ستعرف دليله ان شاء الله تعالى في المقام. ونقل عن ابن ابي
عقيل لما عد النوافل وثماني عشرة ركعة بالليل منها نافلة المغرب والعشاء ثم قال
بعضها أوكد من بعض وأوكدها الصلوات التي تكون بالليل لا رخصة في تركها في سفر ولا
حضر. وقال في المعتبر ركعتا الفجر أفضل من الوتر ثم
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 2 من أعداد الفرائض.
(2) رواه في الوسائل في الباب 18 من أعداد الفرائض.
نافلة المغرب ثم صلاة الليل ، وذكر
روايات تدل على فضل هذه الصلوات. وقال في الذكرى بعد نقلها ـ ونعم ما قال ـ هذه
المتمسكات غايتها الفضيلة اما الأفضلية فلا دلالة فيها عليها. انتهى. ومنه يظهر
ايضا ما في كلام صاحب المدارك هنا حيث انه قال أفضل الرواتب صلاة الليل لكثرة ما
ورد فيها من الثواب ولقول النبي (صلىاللهعليهوآله) في وصيته
لعلي (عليهالسلام) (1) «وعليك بصلاة
الليل ، ثلاثا». رواه معاوية بن عمار في الصحيح عن الصادق (عليهالسلام) ثم صلاة
الزوال لقوله (صلىاللهعليهوآله) في الوصية (2) بعد ذلك «وعليك
بصلاة الزوال ، ثلاثا». ثم نافلة المغرب لقوله (عليهالسلام) في رواية
الحارث بن المغيرة (3) «أربع ركعات لا
تدعهن في حضر ولا في سفر». ثم ركعتا الفجر.
أقول : لم أقف لهذه الأقوال على مستند من الاخبار زيادة
على ما عرفت سوى ما ذكره في الفقيه فإنه مأخوذ من كتاب الفقه الرضوي على ما عرفت
سابقا وستعرف قال (عليهالسلام) في الكتاب
المذكور (4) «واعلم ان أفضل
النوافل ركعتا الفجر وبعدها ركعة الوتر وبعدها ركعتا الزوال وبعدها نوافل المغرب
وبعدها صلاة الليل وبعدها نوافل النهار». انتهى. وبه يظهر لك مستند الصدوق (قدسسره) فيما ذكره
إلا ان الكتاب لم يصل الى نظر المتأخرين فكثيرا ما يعترضون عليه وعلى أبيه في مثل
ذلك مما مستنده مثل هذا الكتاب كما تقدم في غير موضع ويأتي أمثاله ان شاء الله
تعالى
(الرابعة) ـ قد صرح جملة من الأصحاب : منهم ـ المحقق في
المعتبر وتبعهم المحدث الصالح الشيخ عبد الله بن صالح البحراني والمحقق الفاضل
الشيخ احمد بن إسماعيل الجزائري المجاور في النجف الأشرف حيا وميتا بان في الوتر
التي هي عبارة عن الركعات الثلاث المشهورة في كلام الأصحاب بركعتي الشفع ومفردة
الوتر قنوتات ثلاثة أحدها في ركعتي
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 25 من أعداد الفرائض.
(2) رواه في الوسائل في الباب 28 من أعداد الفرائض.
(3) المروية في الوسائل في الباب 24 من أعداد الفرائض.
(4) ص 13.
الشفع والثاني في مفردة الوتر قبل
الركوع والثالث فيها ايضا بعد الركوع. والمستفاد من الاخبار المستفيضة الصحيحة
الصريحة انه ليس فيها إلا قنوت واحد في الركعة التي سموها مفردة الوتر قبل الركوع.
واستدلوا على استحباب القنوت في ركعتي الشفع بإطلاق الأخبار الدالة على ان القنوت
في كل ركعتين من الفريضة والنافلة في الركعة الثانية (1) وفي بعضها
أيضا بزيادة قبل الركوع وستأتي ان شاء الله في باب القنوت. أقول : ويدل على ذلك
خصوص ما رواه في كتاب عيون الاخبار عن رجاء بن ابي الضحاك الذي حمل الرضا (عليهالسلام) الى خراسان
في حديث وصف صلاته (عليهالسلام) (2) قال : «فيصلي
ركعتي الشفع يقرأ في كل ركعة منهما الحمد وقل هو الله أحد ثلاث مرات ويقنت في
الثانية. الحديث».
وصرح شيخنا البهائي (قدسسره) في حواشي
كتاب مفتاح الفلاح بان القنوت في الوتر التي هي عبارة عن الثلاث انما هو في
الثالثة وان الأوليين المسماتين بركعتي الشفع لا قنوت فيهما ، واستدل على ذلك بصحيحة
عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «القنوت
في المغرب في الركعة الثانية وفي العشاء والغداة مثل ذلك وفي الوتر في الركعة
الثالثة». ثم قال (قدسسره) وهذه الفائدة
لم يتنبه عليها علماؤنا ، انتهى. وظاهر كلامه شهرة القول باستحباب القنوت في ركعتي
الشفع حتى انه لم يحصل فيه مخالف قبله ، وهو كذلك إلا انه قد سبقه الى ما ذكره
السيد السند (قدسسره) في المدارك
والظاهر انه لم يقف عليه حيث قال في أول كتاب الصلاة في الفوائد التي قدمها :
الثامنة ـ يستحب القنوت في الوتر في الركعة الثالثة. انتهى. وقد ذكر في الفائدة
السابعة الركعتين الأوليين من الوتر وذكر القراءة فيهما ولم يتعرض للقنوت ثم ذكره
في الثامنة التي بعدها كما نقلناه وهو ظاهر في تخصيصه القنوت بالثالثة من الثلاث ،
وجرى على منواله الفاضل الخراساني في الذخيرة ، وهو الأظهر
__________________
(1 و 3) الوسائل الباب 3 من القنوت.
(2) الوسائل الباب 13 من أعداد الفرائض.
عندي وعليه اعمل.
ولشيخنا المعاصر الفاضل الشيخ أحمد الجزائري المتقدم
ذكره (طاب ثراه) هنا كلام قد انتصر فيه للقول المشهور وطعن فيما خالفه بالقصور لا
بأس بنقله وبيان ما فيه مما يكشف عن ضعف باطنه وخافية ، قال في جواب من سأله عن
صلاة الشفع هل فيها قنوت أم لا؟ فأجاب باستحباب القنوت فيها واستدل بنحو ما قدمناه
دليلا للقول المشهور ، الى ان قال : واما صحيحة عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : القنوت
ثم ساق الرواية كما قدمنا ، ثم قال وقد تراءى لبعض الفضلاء عدم الاستحباب ولعله من
جهة ما ورد من صحة إطلاق الوتر على الثلاث وتعريف المبتدأ باللام يشعر باختصاص
القنوت في المواضع الأربعة وقد ذكر انه في الركعة الثالثة فيدل على ان الثانية ليس
فيها قنوت. وهذا باطل ورأى فاسد بالإجماع ودلالة الاخبار على استحباب القنوت فيما
عدا الأربعة المذكورة من الفرائض والنوافل كما هو واضح بلا شك ولا شبهة فتعين
المصير الى حملها على تأكد الاستحباب في الأربعة المذكورة لا نفيه عما سواها ، مع
انه يمكن ان يكون التنصيص على الثالثة لأنه فرد خفي لأنها مفردة مفصولة وقد اشتهر
ان القنوت انما يكون في كل ركعتين لا انه لا يستحب في ثانية الشفع ، أو لجواز
حملها على ما إذا صلى الوتر موصولة ولو على ضرب من التقية كما ورد في بعض الاخبار
فلا تنافي استحبابه في الشفع عند صلاتها مفصولة. انتهى كلامه زيد مقامه.
وهو محل نظر من وجوه : (الأول) قوله : «ولعله من جهة ما
ورد من صحة إطلاق الوتر على الثلاث» فإنه يؤذن بندور هذا الإطلاق وانه مجاز لا
حقيقة وان الوتر حقيقة انما يطلق على هذه المفردة وان الإطلاق الشائع في الأخبار
وأعصار الأئمة الأبرار (صلوات الله عليهم) انما هو التعبير بركعتي الشفع ومفردة
الوتر كما عبر به كثير من الأصحاب ، وهو غلط محض بل الأمر بالعكس كما لا يخفى على
الممارس للاخبار والمتلجلج في تيار تلك البحار فإن الذي استفاضت به الاخبار هو
إطلاق الوتر على الثلاث ولم
يوجد فيها ما يخالف ذلك سوى رواية
رجاء بن ابي الضحاك المتقدمة (1) وبه صرح السيد
السند في المدارك ايضا فقال : ان المستفاد من الروايات الصحيحة المستفيضة ان الوتر
اسم للركعات الثلاث لا الركعة الواحدة الواقعة بعد الشفع كما يوجد في عبارات
المتأخرين. انتهى وهو كذلك فإن جملة من الاخبار الواردة في أحكام صلاة الوتر وانها
مفصولة أو موصولة وما يقرأ فيها ونحو ذلك قد اشتملت على إطلاقها على الثلاث وقد
حضرني منها ما يقرب من ثلاثة عشر حديثا : منها ـ الأحاديث المتقدمة في المقام ولو
لا انها تأتي ان شاء الله تعالى في محلها لسردناها في هذا المقام ، ولم أقف على
خلاف ذلك إلا في الرواية المذكورة وهي لشذوذها وضعفها لا تبلغ قوة في معارضة خبر
واحد من هذه الاخبار.
و (ثانيها) ـ قوله : وتعريف المبتدإ إلى آخر ما يتعلق به
، فان فيه ان الاستدلال بالخبر المذكور على كون القنوت في ثالثة الوتر لا الثانية
لا توقف له على هذا الكلام حتى انه يسجل عليه بأنه كلام باطل ورأى فاسد بالإجماع
ودلالة الاخبار ونحو ذلك مما أطال به. فإن أحدا لم يدع من الرواية المذكورة اختصاص
القنوت بهذه المواضع الأربعة فلا وجه للتطويل به بالكلية ، بل وجه الاستدلال انما
هو ما سلمه ووافق عليه من دلالة هذه الاخبار على استحباب القنوت وتأكده في هذه
الفرائض الثلاث والنافلة ، فإن مقتضاه انه هو الموظف شرعا في هذه المواضع المذكورة
في الخبر ومتى ثبت توظيفه في هذه المواضع من الفرائض المذكورة والنافلة فغيره
يحتاج الى دليل ، فكما انه لا دليل على غير الثانية من الفرائض كذلك لا دليل على
غير الثالثة من الوتر إلا ما يتراءى من إطلاق الاخبار المشار إليها آنفا ورواية
عيون الأخبار ، فاما إطلاق الاخبار فيقيد بهذه الرواية لأنها
__________________
(1) لا يخفى ما في هذا الكلام من الدلالة على عدم الاطلاع على
القواعد الأصولية فإن غاية ما يستفاد من الاخبار وان كانت شائعة هو إطلاقه عليها
وهو لا يستلزم كونه حقيقة فيها فإن الإطلاق أعم من الحقيقة سيما مع وجود أمارات
الحقيقة من التبادر وغيره في خلافها. السيد على (قدسسره).
ظاهرة في تخصيص القنوت في الوتر
بالثالثة. ومما يؤكد ذلك بأوضح تأكيد ويؤيده بأظهر تأييد بناء على ما عرفت من ان
الوتر في الأخبار الدالة على ان ذلك في عرفهم (عليهمالسلام) عبارة عن
الثلاث جملة وافرة من الاخبار الدالة على انه يدعو في قنوت الوتر بكذا ويستغفر كذا
وكذا مرة ويستحب فيه كذا ويدعو بعد رفع رأسه منه بكذا وكان أمير المؤمنين (عليهالسلام) يدعو في قنوت
الوتر بكذا وكان علي بن الحسين (عليهالسلام) يدعو في قنوت
الوتر بكذا وأمثال ذلك ، فإنه متى كان الوتر اسما للثلاث كما ذكرنا انه المستفاد
من الاخبار فلو كان فيها قنوتان كما يدعيه الخصم لم يحسن هذا الإطلاق في جملة هذه
الاخبار ولكان ينبغي ان يقيد ولو في بعضها بالقنوت الثاني. واما رواية كتاب العيون
فهي ضعيفة قاصرة عن معارضة هذه الصحيحة المؤيدة بهذه الأخبار المشار إليها. على ان
التحقيق ان يقال ـ وهو الأقرب من الخبر المذكور واليه يشير كلام المعترض إلا انه
لم يأته من وجهه ـ ان المراد انما هو الاخبار عن ان القنوت موضعه الركعة الثانية
من هذه الفرائض والثالثة من الوتر فيصير قوله : «في الركعة الثانية» هو الخبر عن
المبتدأ وكذا قوله «في الركعة الثالثة» بالنسبة إلى الوتر وقوله «في المغرب» ظرف
لغو وكذا في ما عطف عليه ، فيصير الخبر دالا على حصر القنوت في ثانية الفرائض
المذكورة وثالثة الوتر وهو حصر إضافي بالنسبة الى غير هذه الركعات بمعنى ان القنوت
في الثانية لا الاولى ولا الثالثة وكذا في الوتر في الثالثة لا في الاولى ولا في
الثانية لأن الحصر حقيقي على الوجه الذي ذكره ليتم ما سجل به وأكثر من التشنيع
فإنه مبني على جعل خبر المبتدأ قوله «في المغرب» وهكذا في باقي الأفراد المذكورة
وان يكون حصرا حقيقيا فإنه باطل كما أشرنا إليه آنفا وبينا صحة الاستدلال على ذلك
التقدير وما ذكرناه من هذا الوجه أظهر في الاستدلال بالخبر المذكور لانه من حيث
الحصر يتضمن النفي لغير هذه المواضع المذكورة.
و (ثالثها) ـ قوله : مع انه يمكن ان يكون التنصيص على
الثالثة. إلخ ، فإن
فيه انه مع الإغماض عما فيه من التكلف
والبعد يتم لو انحصر الدليل في هذه الرواية وقد عرفت مما قدمنا انه ظاهر جملة من
الاخبار بل هو مشتهر فيها غاية الاشتهار ، وما عداه فهو فيها على العكس من
الاستتار وان اشتهر في كلام علمائنا الأبرار إلا انه من قبيل رب مشهور لا أصل له
ورب متأصل غير مشهور. وأبعد من ذلك حمله ايضا الخبر على ما إذا صلى الوتر موصولة
ولو على ضرب من التقية فإنه بمحل من التكلف البعيد والتمحل الشديد ، وما أدرى ما
الحامل على هذه التكلفات المتعسفة والتمحلات المتصلفة مع ظهور الخبر في المراد؟
وغفلة الأصحاب عن الحكم المذكور وعدم تنبههم له وحكمهم بخلافه لا يوجب ذلك ، فكم
لهم من غفلة عن الأحكام المودعة في الاخبار كما لا يخفى على من جاس خلال الديار.
والظاهر ان منشأ الشبهة في المقام هو دلالة الاخبار على
فصل الركعتين الأوليين من الوتر وجواز وقوع المبطلات قبل الثالثة فجعلوهما بهذا
التقريب صلاة منفصلة يحكم عليهما بما يحكم على سائر النوافل ، ولهذا استدلوا على
استحباب القنوت فيهما بما دل على القنوت في كل ركعتين من النوافل ، والمفهوم من
الاخبار ان الثلاث صلاة واحدة مسماة بالوتر كما سميت الفرائض كل باسم مثل الظهر
والعصر ونحوهما ، غاية الأمر ان الشارع جوز الفصل فيها والإنسان مخير بين الفصل
والوصل كما هو مقتضى الجمع بين أخبار المسألة ومتى ثبت كونها صلاة واحدة فليس فيها
إلا قنوت واحد كسائر الصلوات وان جعل محله في الثالثة منها. هذا.
واما ما ذكروه من القنوت الثالث الذي بعد الرفع من
الركوع فالذي دل عليه الخبر الوارد بذلك انما هو استحباب الدعاء بعد رفع الرأس من
الركوع الثالث بهذا الدعاء الموظف كما رواه في الكافي (1) بسنده قال : «كان
أبو الحسن (عليهالسلام) إذا رفع رأسه
في آخر ركعة من الوتر قال : هذا مقام من حسناته نعمة منك وسيئاته بعمله
__________________
(1) الفروع ج 1 ص 325 الطبع الحديث.
الدعاء الى آخره». فإن أرادوا أنه
يطلق على الدعاء كذلك انه قنوت فلا مشاحة في الاصطلاح وان أرادوا أنه قنوت شرعي
يستحب فيه ما يستحب في القنوت من رفع اليدين قبال الوجه فالخبر المذكور لا دلالة
له عليه وليس غيره في الباب ، مع ان المستفاد من الاخبار المتكاثرة ان قنوت الوتر
انما هو قبل الركوع عموما في كثير منها وخصوصا في صحيحة معاوية بن عمار (1) «انه سأل أبا
عبد الله (عليهالسلام) عن القنوت في
الوتر؟ قال قبل الركوع. قال فان نسيت اقنت إذا رفعت رأسي؟ قال لا». وفي هذا الخبر
أيضا إشارة الى ما قدمنا البحث فيه من عدم القنوت في الركعتين الأوليين بتقريب ما
قدمناه من ان الوتر اسم للركعات الثلاث حيث انه انما أمر فيها بقنوت واحد قبل
الركوع ، ولا جائز ان يحمل على القنوت في الركعتين الأوليين لكونه خلاف الإجماع
نصا وفتوى فإن القائل به يجعله ثانيا لا انه يخصه به. وبالجملة فإني لا اعرف لهذا
القنوت الثالث وجها إلا الحمل على التجوز في تسمية الدعاء قنوتا وفيه ما لا يخفى.
والله العالم.
(الخامسة) ـ قد اشتهر في كلام الأصحاب استحباب الدعاء
لأربعين من إخوانه في قنوت الوتر ، قال في المدارك بعد الكلام في استحباب
الاستغفار في قنوت الوتر سبعين مرة : ويستحب الدعاء فيه لإخوانه المؤمنين بأسمائهم
وأقلهم أربعون ، فروى الكليني في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «دعاء
المرأ لأخيه بظهر الغيب يدر الرزق ويدفع المكروه». وفي الحسن عن هشام بن سالم عن
ابي عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «من قدم
أربعين من المؤمنين ثم دعا استجيب له». أقول : لا ريب في استحباب الدعاء للإخوان
وكذا الأربعين من الاخوان كما ورد في عدة أخبار زيادة على ما ذكره إلا انها لا
تقييد فيها بوقت
__________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 18 من أبواب القنوت.
(2) رواه في الوسائل في الباب 41 من أبواب الدعاء.
(3) رواه في الوسائل في الباب 45 من أبواب الدعاء.
مخصوص من صلاة أو غيرها ، واما
الروايات الواردة في قنوت الوتر على تعددها وكثرتها فلم ينهض شيء منها على
استحباب الدعاء للأربعين بل ولا الاخوان بقول مطلق ولعل من ذكر ذلك من أصحابنا نظر
الى كون هذا الوقت من أفضل الأوقات وانه مظنة للإجابة فذكر هذا الحكم فيه وإلا فلا
اعرف لذكره في خصوص الموضع وجها مع خلو الأخبار عنه ، وكيف كان فالعمل بذلك بقصد
ما ذكرناه لا بأس به. واما ما نقل عن بعض مشايخنا المعاصرين من المبالغة في الدعاء
للأربعين في هذا القنوت حتى انه يأتي به بعد الفراغ من الركعة لو أخل به فالظاهر
انه وهم من الناقل لما عرفت.
(السادسة) ـ لا خلاف بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) في
سقوط نافلة الظهرين في السفر وعليه تدل الاخبار : منها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح
عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «الصلاة
في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شيء إلا المغرب». وعن حذيفة بن منصور في
الصحيح عن ابي جعفر وابي عبد الله (عليهماالسلام) (2) انهما قالا «الصلاة
في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شيء». وعن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «الصلاة
في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شيء إلا المغرب فان بعدها اربع ركعات لا
تدعهن في حضر ولا سفر». وعن أبي يحيى الحناط (4) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن صلاة
النافلة بالنهار في السفر؟ فقال يا بني لو صلحت النافلة في السفر تمت الفريضة».
وانما الخلاف في ركعتي الوتيرة فالمشهور بين الأصحاب
سقوطها ايضا ونقل ابن إدريس فيه الإجماع ونقل عن الشيخ في النهاية انه قال يجوز
فعلها ، قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه : وربما كان مستنده ما رواه ابن بابويه عن
الفضل بن شاذان عن الرضا (عليهالسلام) (5) انه قال : «انما
صارت العشاء مقصورة وليس تترك ركعتاها لأنها
__________________
(1 و 2 و 3 و 4) رواه في الوسائل في الباب 21 من أعداد
الفرائض.
(5) رواه في الوسائل في الباب 29 من أعداد الفرائض.
زيادة في الخمسين تطوعا ليتم بها بدل
كل ركعة من الفريضة ركعتين من التطوع». وقواه في الذكرى قال : لانه خاص ومعلل وما
تقدم خال منهما إلا ان ينعقد الإجماع على خلافه. وهو جيد لو صح السند لكن في
الطريق عبد الواحد بن عبدوس وعلي بن محمد القتيبي ولم يثبت توثيقهما فالتمسك
بعمومات الأخبار المستفيضة الدالة على السقوط اولى. انتهى كلامه زيد مقامه.
أقول : الأظهر عندي هو القول بما صرح به في النهاية من
بقاء استحبابها في السفر كما في الحضر لعدة من الاخبار زيادة على الخبر المذكور :
منها ـ ما رواه الصدوق في كتاب العلل والأحكام بسنده عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فلا يبيتن إلا
بوتر. قال قلت تعني الركعتين بعد العشاء الآخرة؟ قال نعم فإنهما تعدان بركعة فمن
صلاها ثم حدث به حدث الموت مات على وتر وان لم يحدث به حدث الموت صلى الوتر في آخر
الليل». وروى في الكتاب المذكور عن زرارة بن أعين في الصحيح (2) قال : «قال
أبو جعفر (عليهالسلام) من كان يؤمن
بالله واليوم الآخر فلا يبيتن إلا بوتر». وروى هذه الرواية أيضا الشيخ في التهذيب
في الصحيح عن زرارة عنه (عليهالسلام) (3) وروي في كتاب
العلل ايضا بسند ليس في رجاله من ربما يتوقف فيه إلا محمد بن عيسى المشترك بين
العبيدي والأشعري عن حمران عن ابي جعفر (عليهالسلام) (4) قال : «قال
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لا يبيتن
الرجل وعليه وتر». وروى في الكافي في الصحيح أو الحسن بإبراهيم بن هاشم في باب
التفويض الى رسول الله والأئمة (صلوات الله عليهم) عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (5) في حديث طويل
قال فيه «الفريضة والنافلة احدى وخمسون ركعة منها ركعتان بعد العتمة تعدان بركعة
مكان الوتر».
__________________
(1 و 2 و 3 و 4) رواه في الوسائل في الباب 29 من أعداد
الفرائض.
(5) رواه في الوسائل في الباب 13 من أعداد الفرائض.
والتقريب في هذه الاخبار انها قد دلت بأظهر تأكيد وأصح
تشديد على الحث على الإتيان بهاتين الركعتين حتى نسب التارك لهما الى عدم الايمان
بالله واليوم الآخر ، ولفظ الوتر في أكثر هذه الاخبار لا يخلو من إجمال إلا أن
رواية أبي بصير وهي الأولى قد أوضحت وصرحت بكون المراد بهما الوتيرة التي بعد صلاة
العشاء الآخرة ، وإطلاقها المؤيد بما ذكرنا من هذا التأكيد الذي ليس عليه مزيد
ظاهر في شمول الحضر والسفر فإنها قد تضمنت انه لا يتبين إلا على وتر أعم من ان
يكون في سفر أو حضر ، ويؤكده أيضا حديث ابي بصير والحديث الأخير الدالان على ان
العلة فيها انها تقوم مكان الوتر التي تستحب في آخر الليل لو مات في ليلته ولا يخفى
ان استحباب الوتر ثابت سفرا وحضرا ، وأظهر من جميع ما ذكر عبارة الفقه الرضوي
المتقدمة وقوله فيها «والنوافل في السفر اربع ركعات ، الى ان قال وركعتان بعد
العشاء الآخرة من جلوس. الحديث» وبالجملة فالأخبار المذكورة ظاهرة في الاستحباب
مطلقا أتم الظهور لا يعتريها نقص ولا قصور.
وبذلك يظهر ما في كلام السيد السند ، وفيه زيادة على ما
عرفت بالنسبة إلى طعنه في الرواية التي نقلها في المقام انه قال ـ في كتاب الصوم
في مسألة الإفطار على محرم وبيان الخلاف في وجوب كفارة واحدة أو ثلاث بعد ان نقل
الرواية التي استدل بها الصدوق على الثلاث عن عبد الواحد بن عبدوس النيسابوري عن
علي بن محمد بن قتيبة ونقل عن العلامة في المختلف ان عبد الواحد بن عبدوس لا
يحضرني الآن حاله فان كان ثقة فالرواية صحيحة يتعين العمل بها ـ ما صورته : أقول
عبد الواحد بن عبدوس وان لم يوثق صريحا لكنه من مشايخ الصدوق (قدسسره) المعتبرين
الذين أخذ عنهم الحديث فلا يبعد الاعتماد على روايته لكن في طريق هذه الرواية علي
بن محمد بن قتيبة وهو غير موثق بل ولا ممدوح مدحا يعتد به. انتهى.
أقول : ما ذكره في عبد الواحد بن عبدوس من الاعتماد على
حديثه حيث انه من مشايخ الإجازة هو المشهور بين أصحاب هذا الاصطلاح ، فإنهم صرحوا
بان مشايخ
الإجازة يعد حديثهم في الصحيح وان لم
ينقل توثيقهم في كتب الرجال لان اعتماد المشايخ المتقدمين على النقل عنهم وأخذ
الاخبار منهم والتلمذ عليهم يزيد على قولهم في كتب الرجال «فلان ثقة» وقد ناقض
كلامه هنا بالطعن في عبد الواحد المذكور فقال انه لم يثبت توثيقه. واما ما ذكره في
علي بن محمد بن قتيبة فإن الكلام فيه ليس كذلك فان المفهوم من الكشي في كتاب
الرجال انه من مشايخه الذين أكثر النقل عنهم ، ولهذا كتب بعض مشايخنا المعاصرين
على كلام السيد في هذا المقام ما صورته : صحح العلامة في الخلاصة في ترجمة يونس بن
عبد الرحمن طريقين فيهما علي بن محمد بن قتيبة وأكثر الكشي الرواية عنه في كتابه
المشهور في الرجال ، فلا يبعد الاعتماد على حديثه لانه من مشايخه المعتبرين الذين
أخذ الحديث عنهم ، والفرق بينه وبين عبد الواحد بن عبدوس تحكم لا يخفى ، وسؤال
الفرق متجه بل هذا اولى بالاعتماد لإيراد العلامة له في القسم الأول من الخلاصة
وتصحيحه حديثه في ترجمة يونس فتأمل وأنصف. انتهى. أقول : ويؤيد ما ذكره شيخنا
المذكور ان العلامة في المختلف بعد ذكره حديث الإفطار على محرم لم يذكره التوقف في
صحة الحديث إلا من حيث عبد الواحد بن عبدوس وقال انه كان ثقة والحديث صحيح. وهو
يدل على توثيقه لعلي بن محمد بن قتيبة حيث انه مذكور معه في السند كما لا يخفى.
تنبيه
قد وقع لجملة من الاعلام في هذا المقام أوهام ناشئة عن
عدم الوقوف على ما نقلناه من اخبارهم (عليهمالسلام) : منهم ـ المحقق
الشيخ حسن في كتاب المنتقى وابنه الفاضل الشيخ محمد في شرحه على الفقيه ، ولا بأس
بذكر كلامهما وبيان ما فيه لتطلع على ما في الزوايا من الخبايا :
فاما المحقق المذكور فإنه قال في كتاب المنتقى ـ بعد نقل
صحيحة زرارة المتقدمة برواية الشيخ لها في التهذيب ـ ما صورته : قلت هذا الخبر
محمول على المبالغة في كراهة
ترك الوتر في كل ليلة ، وفهم منه بعض
الأصحاب إرادة التقديم في أول الليل كما قد ورد في جملة من الاخبار ـ وستأتي في
بابها ـ فحمله على الضرورة ، وفيه تكلف ظاهر مع عدم الحاجة إليه فإن المبيت بغير
وتر صالح لإرادة أخلاء الليل من الوتر ولو مجازا فان بابه واسع ، والقرينة على
ارادة هذا المعنى من الكلام واضحة وان استبعد ذلك بالنظر الى ظاهر اللفظ ، فالوجه
حينئذ حمله على التقية كما احتمله بعض الأصحاب. انتهى.
أقول : ظاهر كلامهم يعطي انهم حملوا الوتر في الخبر المذكور
على الوتر المضاف إلى صلاة الليل ، ولما كان وقته آخر الليل وهذا الخبر يدل بظاهره
على تقديمه أول الليل اضطروا إلى تأويله واضطربوا في التفصي عن ذلك ، فبين من حمل
تقديمه في أول الليل على الضرورة بالنظر الى ما ورد من جواز تقديم صلاة الليل لذوي
الاعذار ، وبين من حمله على التقية ، وبين من حمله ـ كما اختاره المحقق المذكور ـ على
ان المراد الإتيان به في جزء من الليل وان كان في آخره وان معنى المبيت عليه ان لا
ينقضي الليل إلا وفيه وتر. والكل كما عرفت تكلف ناشىء عن عدم الوقوف على رواية
أبي بصير الكاشفة عن هذا الإجمال.
واما الفاضل الشيخ محمد ابن المحقق المذكور فإنه قال في
شرح قول الصدوق في الفقيه (1) «واما الركعتان
بعد العشاء الآخرة من جلوس فإنهما تعدان بركعة فإن أصاب الرجل حدث قبل ان يدرك آخر
الليل ويصلى الوتر يكون قد مات على الوتر وإذا أدرك آخر الليل صلى الوتر بعد صلاة
الليل ، وقال النبي (صلىاللهعليهوآله) : من كان
يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبيتن إلا بوتر» فكتب الفاضل المذكور على صدر العبارة
: كأن المصنف أراد بيان معنى الحديث الوارد بعد هذا الكلام وهو قول النبي (صلىاللهعليهوآله) «مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فلا يبيتن إلا
بوتر» وحاصل كلامه ظاهر غير انه بعيد المناسبة لسياق الحديث كما لا يخفى على
المتأمل ، ويخطر بالبال ان يكون المراد
__________________
(1) ج 1 ص 128.
بقوله «فلا يبيتن إلا بوتر» صلاة
العشاء لأنها الخامسة وهي وتر بالنسبة إلى العدد وقد ورد في روايات كثيرة تسمية
العشاء بالوتر. انتهى.
أقول : لا يخفى عليك ما فيه من النظر الظاهر والقصور بعد
مما عرفت مما ذكرناه وأظهرناه غاية الظهور ، وكأن منشأ الاستبعاد عنده في حمل
الوتر في الحديث النبوي ـ على قائله وآله أفضل الصلاة والسلام ـ على الركعتين بعد
العشاء المذكورتين في كلام المصنف هو دلالة الخبر بحسب ظاهره على كفر تاركه
فاستبعد انطباق الخبر على الركعتين المذكورتين وتمحل لحمله على صلاة العشاء ولم
يتفطن (قدسسره) الى ان هذه
العبارة وأمثالها كثيرا ما يذكرونها (عليهمالسلام) في المستحبات
لمزيد التأكيد عليها كما ورد (1) من انه «لا
يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر ان تدع عانتها زيادة على عشرين يوما». وورد
لعن من بات على سطح غير محجر (2). ومن سافر
وحده (3). ومن بات في
بيت وحده (4). ونحو ذلك ،
وأعجب من ذلك دعواه كثرة الروايات بتسمية العشاء وترا فانا لم نقف بعد التتبع على
إشارة الى ذلك في رواية واحدة فضلا عن وجود الروايات الكثيرة ولم ينقله ناقل غيره.
والله العالم.
(السابعة) ـ المفهوم من كلام جملة من الأصحاب (رضوان
الله عليهم) ترك النافلة لعذر ومنه الهم والغم ، واستدلوا على ذلك برواية علي بن
أسباط عن عدة من أصحابنا (5) «ان أبا الحسن
موسى (عليهالسلام) كان إذا اهتم
ترك النافلة». وعن معمر بن خلاد عن ابي الحسن الرضا (عليهالسلام) (6) «ان أبا الحسن (عليهالسلام) كان إذا
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 86 من آداب الحمام.
(2) البحار ج 16 باب (أنواع النوم) ولكن لم نعثر على اللعن فيه
وانما هو بلفظ النهى والكراهة وانه برئت منه الذمة.
(3 و 4) رواه في الوسائل في الباب 30 من آداب السفر.
(5 و 6) رواه في الوسائل في الباب 16 من أعداد الفرائض.
اغتم ترك الخمسين». قال في التهذيب :
يريد به تمام الخمسين لأن الفرائض لا يجوز تركها على حال.
واعترضهم في المدارك بان في الروايتين قصورا من حيث
السند ، قال والاولى ان لا تترك النافلة بحال للحث الأكيد عليها في النصوص
المعتمدة وقول ابي جعفر الصادق (عليهالسلام) (1) «وان تارك هذا
ليس بكافر ـ يعني النافلة ـ ولكنها معصية لأنه يستحب إذا عمل الرجل عملا من الخير
ان يدوم عليه». وقول الصادق (عليهالسلام) في صحيحة ابن
سنان الواردة في من فاته شيء من النوافل (2) «ان كان شغله
في طلب معيشة لا بد منها أو حاجة لأخ مؤمن فلا شيء عليه وان كان شغله لدنيا
يتشاغل بها عن الصلاة فعليه القضاء وإلا لقي الله عزوجل مستخفا
متهاونا مضيعا لسنة رسول الله (صلىاللهعليهوآله)».
أقول : فيه (أولا) ان ما طعن به في الخبرين المذكورين
فهو لا يقوم حجة على المتقدمين كما سلف بيانه في غير موضع.
و (ثانيا) ـ انه مما يؤيد هذين الخبرين ايضا ما رواه ثقة
الإسلام في الكافي بسنده عن أحدهما (عليهماالسلام) (3) قال : «قال
النبي (صلىاللهعليهوآله) ان للقلوب
إقبالا وإدبارا فإذا أقبلت فتنفلوا وإذا أدبرت فعليكم بالفريضة». ومثله عن أمير
المؤمنين (عليهالسلام) في كتاب نهج
البلاغة (4) قال : «ان
للقلوب إقبالا وإدبارا فإذا أقبلت فاحملوها على النوافل وان أدبرت فاقتصروا بها
على الفرائض». ولا ريب أن الهم والغم موجبان لادبارها.
و (ثالثا) ـ ان ما ذكره من الخبرين معارض بما تكاثر في
الاخبار من ان «من لقي الله عزوجل بالفرائض
الخمس لم يسأله عما سواهن». وقد تقدم الكلام في
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 14 من أعداد الفرائض.
(2) التهذيب ج 1 ص 136 وفي الوسائل في الباب 18 من أعداد
الفرائض.
(3 و 4) رواه في الوسائل في الباب 16 من أعداد الفرائض.
ذلك قريبا وذكرنا وجه الجمع بين
الاخبار بأحد وجهين ، ونزيد هنا وجها ثالثا ولعله الأقرب وهو حمل اخبار جواز ترك
النافلة على ظاهرها وحمل اخبار الذم وجعلها معصية يستحق عليها العذاب على مجرد
التأكيد ، فإنه لا يخفى على من أحاط خبرا بأخبارهم (عليهمالسلام) انهم كثيرا
ما يؤكدون في المستحبات على وجه يكاد يلحقها بالواجبات وفي النهي عن المكروهات بما
يكاد يدخلها في حيز المحرمات ، ويؤيد هذا التوجيه سوق الصلاة في قرن الصوم الواجب
والزكاة الواجبة في تلك الأخبار الدالة على الجواز مع ان تارك الصوم المستحب
والزكاة المستحبة بأي نحو كان لا يكون مؤاخذا فإنه لم يرد فيهما ما يدل على ان
تركهما معصية أو يكون موجبا لاستحقاق العقاب وحينئذ فذكر ذلك في الصلاة دونهما
محمول على مجرد التأكيد والحث على النوافل. والله العالم.
(الثامنة) ـ ما تضمنته مرفوعة الفضل بن أبي قرة من تقسيم
الإحدى وخمسين ركعة على الساعات المذكورة في الخبر قد روى الصدوق في كتاب العلل عن
ابي هاشم الخادم (1) قال : «قلت
لأبي الحسن الماضي (عليهالسلام) لم جعلت صلاة
الفريضة والنافلة خمسين ركعة لا يزاد فيها ولا ينقص منها؟ قال لان ساعات الليل
اثنتا عشرة ساعة وما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس ساعة وساعات النهار اثنتا عشرة
ساعة فجعل لكل ساعة ركعتين وما بين سقوط الشمس الى سقوط الشفق غسق فجعل للغسق ركعة».
وهذا الخبر وان تضمن السؤال عن الخمسين إلا ان الجواب ـ كما ترى ـ يشتمل على احدى
وخمسين فيشبه ان يكون قد وقع فيه سهو بإسقاط «احدى» من السؤال من المصنف أو أحد
الرواة ، ويحتمل ان السؤال انما كان كذلك فأجاب بما ذكر وفيه تنبيه للسائل على انه
كان الاولى ان يسأل عن احدى وخمسين ، إلا ان الصدوق في الخصال قد روى هذا الخبر
بغير قوله «فجعل للغسق ركعة» وحينئذ فيكون الجواب موافقا للسؤال ، إلا انه يبقى
الاختلاف بين هذا الخبر على هذه الرواية وبين مرفوعة الفضل المتقدمة ،
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 13 من أعداد الفرائض.
والصدوق في الفقيه عبر بمضمون هذه
الرواية التي ذكرها في الخصال فقال «وانما صارت خمسين ركعة لأن ساعات الليل اثنتا
عشرة ساعة وساعات النهار اثنتا عشرة ساعة وما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس ساعة»
قال شيخنا المجلسي (طاب ثراه) ـ في كتاب بحار الأنوار بعد نقل خبر ابي هاشم الخادم
من كتابي العلل والخصال ـ ما صورته : بيان ـ هذا اصطلاح شرعي للساعات وهي مختلفة
باختلاف الاصطلاحات فمنها مستوية ومنها معوجة والركعة التي جعلت للغسق لعلها ركعتا
الوتيرة فإنهما تعدان بركعة. انتهى.
أقول : وفي هذين الخبرين اشكال لم أر من تنبه له في هذا
المجال وهو انهما يشعران بان ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس ليس من ساعات الليل
ولا من ساعات النهار والإجماع نصا وفتوى إلا ما يظهر من هذين الخبرين على ان هذه
الساعة من ساعات النهار ولهذا ان صلاة الفجر من صلاة النهار فتوى ورواية.
وقد ورد نظير هذين الخبرين فيما رواه جملة من أصحابنا :
منهم ـ السيد الزاهد العابد المجاهد رضي الدين بن طاوس في كتاب الأمان من إخطار
الاسفار والأزمان (1) في حديث
الامام الباقر (عليهالسلام) مع قسيس
النصارى حيث قال له القسيس «أخبرني عن ساعة ليست من ساعات الليل ولا من ساعات
النهار فقال (عليهالسلام) هي ما بين
طلوع الفجر الى طلوع الشمس يهدأ فيها المبتلى ويرقد فيها الساهر ويفيق فيها المغمى
عليه جعلها الله في الدنيا رغبة للراغبين وفي الآخرة للعاملين لها دليلا واضحا
وحجابا مانعا على الجاحدين المتكبرين التاركين لها. الحديث».
وشيخنا البهائي (قدسسره) قد أجاب عن
هذا الخبر في صدر كتاب مفتاح الفلاح بعد ذكر نحو ما ذكرناه من اتفاق الأصحاب (رضي
الله عليهم) على عد هذه الساعة من النهار بأنه يمكن التفصي عن الاشكال فيها بأنه
لعل الامام (عليهالسلام) أجاب السائل
على ما يوافق عرفه واعتقاده حيث انه سأله عن مسائل لم تكن معروفة
__________________
(1) ص 56.
إلا بين أكابر علمائهم وهذه المسألة
من جملتها. وأنت خبير بان جوابه هذا انما ينطبق على هذا الخبر خاصة ، وكأنه غفل عن
الخبرين المتقدمين أو لم يطلع عليهما في البين فالإشكال فيهما باق على حاله.
وقال المحقق الفيلسوف العماد مير محمد باقر الداماد (طيب
الله تعالى مرقده) في هذا المقام : واما إخراج ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس من
الليل والنهار واعتبار زمانه على حياله ساعة فقد ورد به بعض الاخبار عنهم (عليهمالسلام) ومن ذلك ما
رواه جماعة من مشيخة علمائنا عن مولانا الصادق (عليهالسلام) «ان مطران
النصراني سأل أباه الباقر (عليهالسلام) عن مسائل
عديدة عويصة : منها ـ الساعة التي ليست من ساعات الليل ولا من ساعات النهار آية
ساعة هي؟ فقال هي الساعة التي بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس». فاستشكل ذلك من
باعه في تتبع العلوم وتعرف المذاهب قاصر زاعما ان هذا أمر لم ينعقد عليه اصطلاح
ولم يذهب اليه ذاهب أصلا ، الى ان قال أليس هذا الاصطلاح منقولا في كتب أعاظم
علماء الهيئة من حكماء الهند وأ ليس الأستاذ أبو ريحان البيروني في القانون
المسعودي ذكر ان براهمة الهند ذهبوا الى ان ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس وكذلك
ما بين غروب الشمس وغروب الشفق غير داخل في شيء من الليل والنهار وان ذلك بمنزلة
الفصل المشترك بينهما ، وأورد ذلك الفاضل البيرجندي في شرح الزيج الجديد وفي شرح
التذكرة. ثم ان ما في أكثر رواياتنا عن أئمتنا المعصومين (عليهمالسلام) وما عليه
العمل عند أصحابنا (رضوان الله عليهم) إجماعا هو ان زمان ما بين طلوع الفجر الى
طلوع الشمس من النهار ومعدود من ساعاته ، وكذلك زمان غروب الشمس الى ذهاب الحمرة
من جانب المشرق فان ذلك امارة غروبها في أفق المغرب ، والنهار الشرعي في باب
الصلاة والصوم وفي سائر الأبواب من طلوع الفجر المستطير الى ذهاب الحمرة المشرقية
، وهذا هو المعتبر والمعول عليه عند أساطين الإلهيين والرياضيين من حكماء اليونان
، الى ان قال واما أصحاب الأحكام من المنجمين فالنهار
عندهم محدود في طرفي المبدأ والمنتهى
بطلوع مركز الشمس من أفق المشرق وغروبه في أفق المغرب ، وزمان ظهور جرم الشمس الى
طلوع مركزها محسوب عندهم من الليل وزمان غروب المركز الى اختفاء الجرم ايضا كذلك
فليعرف. انتهى.
أقول : أنت خبير بأن غاية ما افاده كلامه هو ثبوت الاصطلاح
بذلك ردا على من أنكر القول به وانه لم يذهب اليه ذاهب. واما الجواب عن الخبرين
المذكورين وكذا خبر النصراني فلم يتعرض له. ويقرب عندي ـ والله سبحانه وأولياؤه
اعلم ـ ان هذه الساعة وان كانت من النهار كما عرفت إلا انها لما كانت أشرف ساعاته
كما يستفاد من كلام الباقر (عليهالسلام) في جواب
النصراني ويدل عليه الأمر بالتعقيب والاشتغال بالدعاء فيها وكراهة النوم فيها
كراهة مؤكدة ونحو ذلك جعلت مفصولة مستقلة وأفردت بالذكر على حدة تنويها بشأنها
وعلو رتبتها على غيرها من الساعات. والله العالم.
(التاسعة) ـ المشهور بين الأصحاب ان نافلة الظهر ثمان
ركعات قبلها ونافلة العصر ثمان ركعات قبلها ، وقال ابن الجنيد تصلى قبل الظهر ثمان
ركعات وثمان ركعات بعدها منها ركعتان نافلة العصر. ومقتضاه ان الزائد على الركعتين
ليس للعصر ، قيل وربما كان مستنده رواية سليمان بن خالد عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «صلاة
النافلة ثمان ركعات حين تزول الشمس قبل الظهر وست ركعات بعد الظهر وركعتان قبل
العصر». وهي لا تعطي كون الست للظهر مع انه قد تقدم في رواية البزنطي (2) انه يصلي
أربعا بعد الظهر وأربعا قبل العصر ، وبالجملة فالمفهوم من كلامه اضافة هذه النوافل
التي قبل الظهر إليها وكذا التي قبل العصر الى العصر والتي بعد المغرب الى المغرب
والاخبار لا تنهض بذلك إلا ان كان بنوع اشارة وإلا فلا ظهور لها فيه وان قرنت
بالقبلية لها والبعدية ، ويؤيده ان الشارع قد حد لها وقتا معينا من القدم والقدمين
والذراع والذراعين ونحوهما كما سيأتي ان شاء الله تعالى. وحينئذ فالأولى في نيتها
الاقتصار على ملاحظة الامتثال بها خاصة
__________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 13 من أعداد الفرائض.
(2) ص 29.
من دون إضافتها إلى الفرائض.
قيل : وتظهر فائدة الخلاف في اعتبار إيقاع الست قبل
القدمين أو المثل ان جعلناها للظهر ، وفي ما إذا نذر نافلة العصر فان الواجب
الثمان على المشهور وركعتان على قول ابن الجنيد. قال في المدارك ويمكن المناقشة في
الموضعين (اما الأول) فبان مقتضى النصوص اعتبار إيقاع الثمان التي قبل الظهر قبل
القدمين أو المثل والثمان التي بعدها قبل الأربعة أو المثلين سواء جعلنا الست منها
للظهر أم للعصر. و (اما الثاني) فلان النذر يتبع قصد الناذر فان قصد الثماني أو
الركعتين وجب وان قصد ما وظفه الشارع للعصر أمكن التوقف في صحة هذا النذر لعدم
ثبوت الاختصاص كما بيناه. انتهى. وهو جيد إلا انه ينقدح عليه مناقشة أخرى وهي ان
ظاهر قوله «مقتضى النصوص اعتبار إيقاع الثمان التي قبل الظهر قبل القدمين أو
المثل. إلخ» يدل على وجود روايات تدل على كون المثل وقتا لنافلة الظهر والمثلين
وقتا لنافلة العصر ، وليس كذلك وان قيل به بل ربما كان هو المشهور فانا لم نقف في
الاخبار على ما يدل عليه ، وبذلك اعترف هو أيضا في رده لكلام المحقق فيما ذكره في
شرح قوله في الشرائع «وقت النوافل اليومية للظهر. إلخ» حيث ذكر الرواية التي
استدلوا بها على اعتبار المثل وطعن فيها بعدم الدلالة على ذلك وان المراد من
القامة فيها قامة الإنسان. وليس غيرها في الباب كما سيأتي تحقيقها ان شاء الله
تعالى في موضعه فكيف يسند المثل هنا الى النصوص وهي عارية عن ذلك على العموم
والخصوص؟ والله العالم.
(العاشرة) ـ قد صرح جملة من الأصحاب بكراهة الكلام بين
المغرب ونافلتها لرواية أبي العلاء الخفاف عن جعفر بن محمد (عليهماالسلام) (1) قال : «من صلى
المغرب ثم عقب ولم يتكلم حتى يصلي ركعتين كتبتا له في عليين فان صلى اربع ركعات
كتبت له حجة مبرورة». واستدل على ذلك في المدارك ايضا بما رواه الشيخ
__________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 30 من أبواب التعقيب.
عن ابي الفوارس (1) قال : «نهاني
أبو عبد الله (عليهالسلام) ان أتكلم بين
الأربع ركعات التي بعد المغرب». قال : وكراهة الكلام بين الأربع يقتضي كراهة
الكلام بينها وبين المغرب بطريق أولى. أقول : وأنت خبير بأنه لا وجه لهذه الأولوية
في المقام إذ من الجائز اختصاص الكراهة بالكلام بين الأربع وان جاز الكلام بينها
وبين المغرب بان تجعل الأربع مرتبطة بعضها ببعض كأنها صلاة واحدة ، وهذا الحكم لم
يذكره الأصحاب مع ان الرواية المذكورة صريحة فيه وان كان في الأولى أيضا نوع اشارة
اليه فإن قوله (عليهالسلام) «فان صلى
أربعا» داخل تحت حيز «ثم عقب ولم يتكلم» يعني ان صلى ركعتين مع عدم الفصل بالكلام
كان له كذا وان صلى أربعا كان له كذا.
وظاهر رواية الخفاف استحباب تقديم التعقيب على صلاة
النافلة ، ونقل عن الشيخ المفيد في المقنعة ان الاولى القيام إلى نافلة المغرب عند
الفراغ منها قبل التعقيب وتأخيره الى ان يفرغ من النافلة ، واحتج له في التهذيب
بهذه الرواية وهي كما عرفت بالدلالة على خلافه أشبه. وقال السيد السند في المدارك
ـ بعد ان نقل عن الشيخ المفيد في المقنعة والشيخ في التهذيب ما قدمناه ـ ما صورته
: وقال الشهيد في الذكرى الأفضل المبادرة بها ـ يعني نافلة المغرب ـ قبل كل شيء
سوى التسبيح ونقل عن المفيد مثله. واستدل عليه بان النبي (صلىاللهعليهوآله) فعلها كذلك
فإنه لما بشر بالحسن (عليهالسلام) صلى ركعتين
بعد المغرب شكرا فلما بشر بالحسين (عليهالسلام) صلى ركعتين
ولم يعقب حتى فرغ منها (2). ومقتضى هذه
الرواية أولوية فعلها قبل التسبيح أيضا إلا انها مجهولة السند ومعارضة بالأخبار
الصحيحة المتضمنة للأمر بتسبيح الزهراء (عليهاالسلام) قبل ان يثني
المصلي رجليه من صلاة الفريضة (3) انتهى أقول : ظاهر قوله «واستدل عليه»
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 30 من أبواب التعقيب.
(2) رواه في الوسائل في الباب 24 من أعداد الفرائض.
(3) رواها في الوسائل في الباب 7 من أبواب التعقيب.
ان المستدل هو الشهيد وليس كذلك بل
ظاهر الذكرى ان المستدل انما هو الشيخ المفيد (قدسسره) واختيار
الذكرى الذي نقله عنه مؤخر عن هذا النقل والاستدلال ، وذلك فإنه في الذكرى صرح
أولا بأن وقت نافلة المغرب بعدها حتى يذهب الشفق المغربي قاله الشيخ (قدسسره) في النهاية
ثم نقل احتجاج المعتبر على ذلك ، الى ان قال وقال المفيد تفعل بعد التسبيح وقبل
التعقيب كما فعلها النبي (صلىاللهعليهوآله) لما بشر
بالحسن (عليهالسلام) فإنه صلى
ركعتين شكرا فلما بشر بالحسين (عليهالسلام) صلى ركعتين
ولم يعقب حتى فرغ منهما ، وابن الجنيد لا يستحب الكلام ولا عمل شيء بينها وبين
المغرب ، وبالجملة التوقيت بما ذكره الشيخ (قدسسره) لم نقف عليه
، الى ان قال ولو قيل بامتداد وقتها بوقت المغرب أمكن لأنها تابعة لها وان كان
الأفضل المبادرة بها قبل كل شيء سوى التسبيح. انتهى. وبذلك يظهر ما في نقل السيد (قدسسره) من الإجمال
الموجب للوقوع في الاشكال.
ثم انه لا يخفى ان الرواية الواردة في تعليل النوافل
بولادة الحسنين (عليهماالسلام) لا اشعار
فيها بهذه الزيادة التي ذكرها وهي قوله : «ولم يعقب حتى فرغ منها» وبدونها لا يتم
ما ذكره ، وهذه صورة الخبر على ما نقل في كتب الأخبار برواية الصدوق والشيخ عنه (1) ونقله في
الذكرى ايضا متقدما على هذا الموضع «وسئل الصادق (عليهالسلام) لم صارت
المغرب ثلاث ركعات وأربعا بعدها ليس فيها تقصير في حضر ولا سفر؟ فقال ان الله
تبارك وتعالى انزل على نبيه كل صلاة ركعتين فأضاف إليها رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لكل صلاة
ركعتين في الحضر وقصر فيها في السفر إلا المغرب والغداة فلما صلى المغرب بلغه مولد
فاطمة (عليهاالسلام) فأضاف إليها
ركعة شكرا لله عزوجل فلما ان ولد
الحسن (عليهالسلام) أضاف إليها
ركعتين شكرا لله عزوجل فلما ان ولد
الحسين (عليهالسلام) أضاف إليها
ركعتين شكرا لله عزوجل فقال «لِلذَّكَرِ مِثْلُ
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 24 من أعداد الفرائض.
حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» (1) فتركها على حالها في الحضر والسفر». هذا
صورة ما روى من الخبر وليس فيه اشعار فضلا عن الدلالة على كون النافلة متقدمة على
التعقيب أو متأخرة عنه إذ غايته الدلالة على صلاة هذه الركعات بعد المغرب.
واما ما أجاب به في المدارك بناء على ثبوت هذه الزيادة
فهو محل نظر ايضا (اما أولا) فلان الطعن فيها بضعف السند لا يقوم حجة على
المتقدمين كما عرفت ، مع انه انما استند في حكمه بكراهة الكلام بين المغرب
ونافلتها الى خبر ضعيف ايضا ولم يطعن فيه بالضعف ولكنهم لا قاعدة لهم يقفون عليها
كما عرفت في غير موضع مما تقدم و (اما ثانيا) فانا لم نقف في شيء من الاخبار على
ان الرسول (صلىاللهعليهوآله) كان يسبح بعد
الصلاة هذا التسبيح الذي علمه فاطمة (عليهاالسلام) واشتهر
بتسبيحها وترادفت النصوص بفضله واستحبابه بعد الصلاة ، وبالجملة فغاية ما يفهم من
الاخبار انه بعد أمره لفاطمة (عليهاالسلام) بذلك شاع
استحبابه واما انه (صلىاللهعليهوآله) فعله فغير
معلوم من الاخبار ، نعم ما ذكره جيد بالنسبة إلى غيره لاستفاضة الاخبار بما ذكره
من استحبابه قبل ان يثني المصلي رجليه من جلوسه للتشهد.
(الحادية عشرة) ـ قال في المنتهى : سجود الشكر في المغرب
ينبغي ان يكون بعد نافلتها لما رواه الشيخ عن حفص الجوهري (2) قال : «صلى
بنا أبو الحسن (عليهالسلام) صلاة المغرب
فسجد سجدة الشكر بعد السابعة فقلت له كان آباؤك يسجدون بعد الثالثة فقال ما كان
أحد من آبائي يسجد إلا بعد السابعة».
قال في المدارك بعد نقل ذلك : وفي السند ضعف مع انه روى
جهم بن ابي جهم (3) قال : «رأيت
أبا الحسن موسى بن جعفر (عليهالسلام) وقد سجد بعد
الثلاث الركعات من المغرب فقلت له جعلت فداك رأيتك سجدت بعد الثلاث فقال ورأيتني؟
فقلت نعم. قال
__________________
(1) سورة النساء ، الآية 12.
(2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 31 من أبواب التعقيب.
فلا تدعها فان الدعاء فيها مستجاب». والظاهر
ان المراد به سجدة الشكر والكل حسن ان شاء الله تعالى. انتهى.
وظاهر كلامه أخيرا هو التخيير بين الأمرين ، وبذلك صرح
في الذكرى ايضا فقال : في موضع سجدتي الشكر بعد المغرب روايتان يجوز العمل بهما
إحداهما رواية حفص الجوهري والثانية رواية جهم.
أقول : لا يخفى ان القول بالتخيير هنا لا يخلو من
الاشكال حيث ان ظاهر كل من الخبرين يدفع الآخر فان ظاهر الأول استحباب السجود بعد
السابعة وانه هو الموظف خاصة لفعله (عليهالسلام) ذلك ولإنكاره
على الراوي بأنه لم يسجد أحد من آبائي إلا بعد السابعة ، والمراد بابي الحسن هنا
هو الهادي (عليهالسلام) كما صرح به
في التهذيب وظاهر الخبر الثاني ـ حيث رآه سجد بعد الثالثة وقوله (عليهالسلام) : فلا تدعها
فان الدعاء فيها مستجاب ـ هو كون ذلك هو السنة الموظفة فكيف يتم القول بالتخيير
فيهما كما ذكروه؟
والأظهر عندي وفاقا للمحدث الكاشاني في الوافي هو حمل
الرواية الأولى على التقية كما يشعر به قول الكاظم (عليهالسلام) «ورأيتني»
وكأنه يستخفي بذلك ، ويؤيده ما ورد في توقيعات صاحب الأمر (عجل الله نصره وظهوره)
من انها بعد الفريضة أفضل ، روى الطبرسي في الاحتجاج عن محمد بن عبد الله بن جعفر
الحميري عن صاحب الزمان (عليهالسلام) (1) «انه كتب إليه
يسأله عن سجدة الشكر بعد الفريضة فإن بعض أصحابنا ذكر أنها بدعة فهل يجوز ان
يسجدها الرجل بعد الفريضة فإن جاز ففي صلاة المغرب هي بعد الفريضة أو بعد الأربع
ركعات النافلة؟ فأجاب (عليهالسلام) سجدة الشكر
من الزم السنن وأوجبها. ولم يقل ان هذه السجدة بدعة إلا من أراد ان يحدث في دين
الله بدعة. واما الخبر المروي فيها بعد صلاة المغرب والاختلاف في
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 31 من أبواب التعقيب.
انها بعد الثلاث أو بعد الأربع فإن
فضل الدعاء والتسبيح بعد الفرائض على الدعاء بعد النوافل كفضل الفرائض على النوافل
والسجدة دعاء وتسبيح فالأفضل ان يكون بعد الفرض وان جعلت بعد النوافل ايضا جاز»
انتهى.
وجمع بعض الأصحاب بين الخبرين بحمل الأول الدال على انها
بعد السبع على الجواز والثاني على الأفضل ويدل عليه خبر التوقيع المذكور ، والظاهر
انه لم يطلع عليه وليته كان حيا فاهديه اليه ، إلا انك قد عرفت ان الخبر الأول لا
يخلو من منافرة لذلك حيث انه (عليهالسلام) مع فعله ذلك أنكر
ان أحدا من آبائه لم يسجد إلا بعد السبع ولا يبعد ملاحظة التقية في التجويز بعد
السبع في التوقيع المذكور. والله هو العالم.
(الثانية عشرة) ـ ذكر جمع من الأصحاب ان الجلوس في
الركعتين اللتين بعد العشاء أفضل من القيام لورود جملة من النصوص بالجلوس فيهما ،
ومنها صحيحة الفضيل بن يسار أو حسنته وهي الرواية الاولى من الروايات المتقدمة صدر
المقدمة (1) ورواية أحمد
بن محمد بن ابي نصر ورواية كتاب الفقه الرضوي ، وروى الصدوق في كتاب العلل بسنده
عن ابي عبد الله القزويني (2) قال : «قلت
لأبي جعفر (عليهالسلام) لأي علة تصلى
الركعتان بعد العشاء الآخرة من قعود؟ فقال لان الله فرض سبع عشرة ركعة فأضاف إليها
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) مثليها فصارت
احدى وخمسين ركعة فتعد هاتان الركعتان من جلوس بركعة». وعن المفضل عن ابي عبد الله
(عليهالسلام) (3) قال : «قلت
أصلي العشاء الآخرة فإذا صليت صليت ركعتين وانا جالس فقال اما أنهما واحدة ولو متّ
متّ على وتر». وروى الكشي في كتاب الرجال عن هشام المشرقي عن الرضا (عليهالسلام) (4) قال : «ان أهل
البصرة سألوني فقالوا يونس يقول من السنة ان يصلي الإنسان ركعتين وهو جالس فقلت
صدق يونس».
إلا انه قد روى الشيخ في الموثق عن سليمان بن خالد عن
ابي عبد الله (عليه
__________________
(1) ص 27.
(2 و 3 و 4) رواه في الوسائل في الباب 29 من أعداد الفرائض.
السلام) في حديث (1) قال : «وركعتان
بعد العشاء الآخرة يقرأ فيهما مائة آية قائما أو قاعدا والقيام أفضل ولا تعدهما من
الخمسين». وهو صريح في أفضلية القيام ، ويقرب منه ما رواه الشيخ في الصحيح عن
الحارث بن المغيرة النصري (2) قال : «سمعت
أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول صلاة
النهار ، الى ان قال وركعتان بعد العشاء الآخرة كان ابي يصليهما وهو قاعد وانا
أصليهما وانا قائم. الحديث». والتقريب فيه مواظبته (عليهالسلام) على القيام
فيهما وحمل صلاة أبيه (عليهالسلام) وهو قاعد على
كونه ثقيل البدن يشق عليه القيام كما ورد عنه (عليهالسلام) في خبر حنان
بن سدير عن أبيه (3) قال : «قلت
لأبي جعفر (عليهالسلام) أتصلي
النوافل وأنت قاعد؟ قال ما أصليها إلا وانا قاعد منذ حملت هذا اللحم وبلغت هذا
السن». وبذلك يظهر ما في الحكم بأفضلية الجلوس كما قدمنا نقله عن جملة من الأصحاب
والجمع بين أخبار المسألة لا يخلو من اشكال ، واما ما
ذكره في الذكرى ـ في الجمع بين الاخبار بجوازها من قعود ومن قيام ـ ففيه ان محل
البحث وتصادم الاخبار في الأفضل لا في أصل الجواز. ورجح في المدارك العمل بالخبرين
الأولين وطعن في سند الخبرين الأخيرين. وهو متجه بناء على نقله صحيح ابن المغيرة
عن الكافي فإن سنده فيه ضعيف واما في التهذيب فهو صحيح لانه رواه فيه عن احمد بن
محمد بن عيسى عن علي بن حديد عن علي بن النعمان عن الحارث النصري. ويمكن ترجيح
الأخبار الأولة بأوفقية البدلية لأن الركعتين من جلوس تعدان بركعة قائما بخلاف
صلاتهما قائما فإنه ربما حصلت الزيادة على العدد ، ويؤيد ذلك ما رواه في العلل عن
ابي عبد الله القزويني إلا انه يتوقف على وجود محمل للخبرين المذكورين ولا يحضرني
الآن محمل يحملان عليه. والله العالم.
(الثالثة عشرة) ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم)
جواز الجلوس في النافلة اختيارا بل قال في المعتبر وهو اطباق العلماء. وقال في
المنتهى انه لا يعرف
__________________
(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 13 من أعداد الفرائض.
(3) رواه في الوسائل في الباب 4 من أبواب القيام.
فيه خلافا. ونقل الشهيد (قدسسره) في الذكرى عن
ابن إدريس انه منع من جواز النافلة جالسا مع الاختيار إلا الوتيرة ونسب الجواز الى
الشيخ (قدسسره) في النهاية
والى رواية شاذة ، قال واعترض على نفسه بجواز النافلة على الراحلة مختارا سفرا
وحضرا وأجاب بان ذلك خرج بالإجماع ، ثم قال في الذكرى قلت دعوى الشذوذ هنا مع
الاشتهار عجيبة والمجوزون للنافلة على الراحلة هم المجوزون لفعلها جالسا وذكر
النهاية هنا والشيخ يشعر بالخصوصية مع انه قال في المبسوط يجوز ان يصلي النوافل
جالسا مع القدرة على القيام وقد روى انه يصلي بدل كل ركعة ركعتين وروى انه ركعة
بركعة ، وهما جميعا جائزان. وقد ذكره ايضا المفيد (قدسسره) فإنه قال
وكذلك من أتعبه القيام في النوافل كلها وأحب ان يصليها جالسا للترفه فليفعل ذلك
وليجعل كل ركعتين ركعة. انتهى ما ذكره في الذكرى. وهو جيد.
ومن الاخبار ما رواه في الكافي والفقيه عن ابي بصير عن
ابي جعفر (عليهالسلام) (1) قال : «قلت له
انا نتحدث نقول من صلى وهو جالس من غير علة كانت صلاته ركعتين بركعة وسجدتين بسجدة؟
فقال ليس هو هكذا هي تامة لكم». وروى الشيخ في التهذيب والصدوق في الفقيه عن
معاوية بن ميسرة (2) «أنه سمع أبا
عبد الله (عليهالسلام) يقول أو سئل أيصلي
الرجل وهو جالس متربعا أو مبسوط الرجلين فقال لا بأس». وروى في الكافي عن معاوية
بن ميسرة (3) «أن سنانا سأل
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يمد
احدى رجليه بين يديه وهو جالس قال لا بأس ولا أراه إلا قال في المعتل والمريض». قال
في الكافي (4) وفي حديث آخر «يصلي
متربعا ومادا رجليه كل ذلك واسع». وفي التهذيب عن محمد بن سهل عن أبيه وفي الفقيه
عن أبيه (5)
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 5 من أبواب القيام.
(2 و 3 و 4) رواه في الوسائل في الباب 11 من أبواب القيام.
(5) رواه في الوسائل في الباب 4 من أبواب القيام.
«انه سأل أبا الحسن الأول (عليهالسلام) عن الرجل
يصلي النافلة قاعدا وليست به علة في سفر أو حضر قال لا بأس به». وروى في الكافي في
الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) (1) قال : «قلت
الرجل يصلي وهو قاعد فيقرأ السورة فإذا أراد ان يختمها قام فركع بآخرها ، قال
صلاته صلاة القائم». وفي الصحيح عن حماد عن ابي الحسن (عليهالسلام) (2) قال : «سألته
عن الرجل يصلي وهو جالس فقال إذا أردت ان تصلي وأنت جالس وتكتب لك صلاة القائم
فاقرأ وأنت جالس فإذا كنت في آخر السورة فقم فأتمها واركع فتلك تحسب لك بصلاة
القائم». وروى في الفقيه عن حماد بن عثمان (3) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) قد يشتد علي
القيام في الصلاة؟ فقال إذا أردت أن تدرك صلاة القائم فاقرأ وأنت جالس فإذا بقي من
السورة آيتان فقم وأتم ما بقي واركع واسجد فذلك صلاة القائم». وروى في التهذيب عن
محمد بن مسلم (4) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل يكسل
أو يضعف فيصلي التطوع جالسا؟ قال يضعف ركعتين بركعة». وعن الصيقل (5) قال : «قال لي
أبو عبد الله (عليهالسلام) إذا صلى
الرجل جالسا وهو يستطيع القيام فليضعف».
أقول : قد اتفقت هذه الاخبار في رد ما ذكره ابن إدريس من
منع جواز النافلة جالسا مع الاختيار ونسبة الرواية الدالة على ذلك الى الشذوذ.
بقي الكلام في ان الروايتين الأخيرتين قد دلتا على
استحباب التضعيف متى صلى جالسا وعلى ذلك حملهما الشيخ ومن تبعه من الأصحاب وبه صرح
الشيخ المفيد فيما قدمناه من عبارته المنقولة عنه في الذكرى. وأنت خبير بأن رواية
أبي بصير قد تضمنت بعد الاخبار عما دلت عليه هاتان الروايتان من نقصان الصلاة من
جلوس الموجب في تحصيل إتمامها إلى التضعيف ان الصلاة من جلوس تامة لكم يعني ثوابها
تام لا يحتاج
__________________
(1 و 2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 9 من أبواب القيام.
(4 و 5) رواه في الوسائل في الباب 5 من أبواب القيام.
الى التضعيف ، وهو بظاهره مدافع لما
دل عليه الخبران المذكوران ، ولم أقف على من تعرض لوجه الجواب عن ذلك مع ظهور
التدافع كما عرفت ، ولا يحضرني الآن وجه للجواب عن ذلك الا بان يحمل تمامها على
القيام فيها في آخر السورة ثم الركوع عن قيام كما دل عليه صحاح حماد وزرارة لما
دلت عليه من انه من صلاها على هذا الوجه حسب له ثواب صلاة القائم واما لو صلاها لا
كذلك فإن الأفضل التضعيف.
وقال في المدارك : وفي جواز الاضطجاع والاستلقاء مع
القدرة على القيام قولان أظهرهما العدم لتوقف العبادة على النقل وعدم ثبوت التعبد
به. وقيل بالجواز لأن الكيفية تابعة للأصل فلا تجب كالأصل. وضعفه ظاهر لان الوجوب
هنا بمعنى الشرط كالطهارة في النافلة وترتيب الأفعال فيها. انتهى. وهو جيد. والله
العالم.
(الرابعة عشرة) ـ قد صرح جملة من الأصحاب بأن الأفضل في
الصلاة جالسا ان يكون متربعا ، قال في المنتهى واما استحباب التربيع في حال الجلوس
فهو قول علمائنا والشافعي ومالك والثوري واحمد وإسحاق وروى عن ابن عمر وابن سيرين
ومجاهد وسعيد بن جبير خلافا لأبي حنيفة (1) ثم قال : لنا ما رواه الجمهور عن أنس
(2) «انه صلى
متربعا فلما ركع ثنى رجليه». ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ عن حمران بن أعين عن
أحدهما (عليهماالسلام) (3) قال : «كان
ابي إذا صلى جالسا تربع فإذا ركع ثنى رجليه». انتهى
ولم يفسر التربيع الذي ذكره ولم يبين كيفيته ولم أقف على
من بين كيفيته إلا على كلام لشيخنا الشهيد الثاني (قدسسره) في الروضة في
الفصل الرابع في بيان مستحبات الصلاة حيث قال بعد قول المصنف : «وتربع المصلى
قاعدا» ما لفظه : لعجز أو لكونها نافلة بأن يجلس على ألييه وينصب ساقيه ووركيه كما
تجلس المرأة للتشهد. انتهى ولم أقف في شيء من الاخبار على ما يدل على هذه الكيفية
في صلاة القاعد نعم فيها كما
__________________
(1 و 2) المغني ج 2 ص 142.
(3) رواه في الوسائل في الباب 11 من أبواب القيام.
عرفت من رواية حمران استحباب التربع
ولكن لم تبين كيفيته.
وفي المقام اشكال لم أر من تنبه له ولا نبه عليه وهو ان
معنى رواية حمران المذكورة استحباب التربع في الصلاة من جلوس وقد عرفت دعوى
العلامة اتفاق علمائنا وأكثر العامة على ذلك ، مع ان هنا جملة من الاخبار قد وردت
بكراهة ذلك وإطلاقها شامل للصلاة وغيرها ، ومنها ما رواه في الكافي عن ابي بصير عن
ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «قال
أمير المؤمنين (عليهالسلام) إذا جلس
أحدكم على الطعام فليجلس جلسة العبد ولا يضع احدى رجليه على الأخرى ولا يتربع
فإنها جلسة يبغضها الله تعالى ويبغض صاحبها». وفي بعض الاخبار (2) «كان رسول الله
(صلىاللهعليهوآله) يجلس ثلاثا :
القرفصاء وعلى ركبتيه وكان يثنى رجلا واحدة ويبسط عليها الأخرى ، ولم ير متربعا قط».
وظاهر هذين الخبرين ـ كما ترى ـ عموم الكراهة في جميع الحالات من صلاة وغيرها ،
إلا انه قد ورد بإزاء هذين الخبرين ايضا ما يدل على الجواز كما رواه في الكافي في
الصحيح أو الحسن عن الحلبي ابن أبي شعبة (3) «أنه رأى أبا
عبد الله (عليهالسلام) متربعا.
الحديث». وروى الصدوق عن حماد بن عثمان عن عمر بن أذينة عن ابي سعيد (4) «انه رأى أبا
عبد الله (عليهالسلام) يأكل متربعا».
قال الشيخ الفاضل الزاهد العابد الشيخ فخر الدين بن طريح
النجفي (قدسسره) في كتاب مجمع
البحرين بعد نقل الحديث النبوي «ولم ير متربعا قط» : التربع عبارة عن ان يقعد على
وركيه ويمد ركبته اليمنى الى جانب يمينه وقدمه الى جانب شماله واليسرى بالعكس ، ثم
قال قاله في المجمع ، ثم حمل خبر أكل الصادق (عليهالسلام) متربعا على
الضرورة أو بيان الجواز ، وحينئذ فإن كان التربع عبارة عن هيئة واحدة ـ كما هو
ظاهر الشيخ فخر الدين حيث حمل حديث الصادق (عليهالسلام) على الضرورة
__________________
(1 و 4) رواه في الوسائل في الباب 9 من آداب المائدة.
(2) الوسائل الباب 74 من أحكام العشرة.
(3) الوسائل الباب 6 من آداب المائدة.
أو الجواز ، ومثله الشيخ محمد بن
الحسن الحر العاملي في كتاب الوسائل حيث ان ظاهر كلامه بعد حكمه بكراهة التربع حمل
الحديث المذكور على بيان الجواز ـ أشكل الحكم في الجميع بين هذه الاخبار فإن
الاستحباب والكراهة حكمان متقابلان لا يتصف بهما أمر واحد ، واحتمال الاستحباب
والكراهة بالنظر الى حالتي الصلاة والأكل فيستحب في حال الصلاة ويكره في الجلوس
للأكل يدفعه عموم أخبار الكراهة من قوله : «لم ير متربعا قط» وقوله «إنها جلسة
يبغضها الله تعالى ويبغض صاحبها» وان كان له كيفيات متعددة ـ كما يظهر من عبارة
القاموس حيث قال : «وتربع في جلوسه خلاف جثى وأفعى» وظاهره صدق التربع على جميع
هيئات الجلوس إلا الجلوس جائيا ومقعيا ـ زال الإشكال ، إلا اني لم أقف على دليل
واضح من الاخبار لبيان هيئة من هيئاته. نعم روى الكشي (1) في ترجمة جعفر
بن عيسى في حديث عن ابي الحسن (عليهالسلام) قال فيه : «وكان
جالسا الى جنب رجل وهو متربع رجلا على رجل». ويمكن ان يحمل خبر ابي بصير المتقدم
وقوله فيه : «ولا يضع احدى رجليه على الأخرى ولا يتربع» على ان التربع هو وضع احدى
الرجلين على الأخرى كما دل عليه خبر الكشي فيكون قوله «ولا يتربع» عطفا تفسيريا
وهو الأوفق بقوله «فإنها جلسة يبغضها الله تعالى» بان يكون وضع احدى الرجلين على
الأخرى هو التربع الذي يبغضه الله تعالى ، والكلام في جلوسه (عليهالسلام) متربعا يحمل
على ما حملت عليه الاخبار المتقدمة من الضرورة أو بيان الجواز أو تعدد الهيئات.
وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الإشكال إلا ان المقام مقام استحباب أو كراهة.
إذا عرفت ذلك فاعلم انه قد ذكر جمع من الأصحاب (رضوان الله
عليهم) في كيفية ركوع القاعد حالتين (إحداهما) ان ينحني بحيث يصير بالنسبة إلى
القاعد المنتصب كالراكع القائم بالنسبة إلى القائم. و (ثانيتهما) أن ينحني بحيث
تحاذي جبهته موضع سجوده
__________________
(1) ص 310.
وأدناه أن ينحني بحيث تصل جهته الى
قدام ركبتيه ، وأكمل ركوع القائم أن يستوي ظهره وعنقه وهو يستلزم محاذاة الجبهة
موضع السجود. والظاهر ان كلا منهما محصل ليقين البراءة لكن المنقول عن الشهيد (قدسسره) في بعض كتبه
انه أوجب رفع الفخذين من الأرض استنادا إلى انه واجب حال القيام والأصل بقاؤه.
واعترض عليه بان ذلك غير مقصود حال القيام بل انما جعل تبعا للهيئة الواجبة في تلك
الحالة وهي منتفية ههنا وانه ينتقض بإلصاق البطن فإنه يحصل في حال القعود أكثر مما
يحصل في حال القيام ولم يحكم باعتبار التجافي. والله العالم.
(الخامسة عشرة) ـ قد تكاثرت الاخبار باستحباب صلاة
ركعتين بين المغرب والعشاء وتسمى ركعتي الغفيلة وركعتي الغفلة وركعتي ساعة الغفلة
، ومن ذلك ما رواه الشيخ في كتاب المصباح عن هشام بن سالم عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «من صلى
بين العشاءين ركعتين يقرأ في الأولى الحمد وقوله تعالى «وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً ... الى وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ» (2) وفي الثانية
الحمد وقوله تعالى «وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ ... الى آخر الآية»
(3) فإذا فرغ من
القراءة رفع يديه وقال : اللهم إني أسألك بمفاتح الغيب التي لا يعلمها إلا أنت ان
تصلي على محمد وآل محمد وان تفعل بي كذا وكذا ، ويقول اللهم أنت ولي نعمتي والقادر
على طلبتي تعلم حاجتي فأسألك بمحمد وآله (عليهمالسلام) لما قضيتها
لي ، وسأل الله حاجته أعطاه الله تعالى ما سأل». ورواه السيد الزاهد العابد رضي
الدين بن طاوس في كتاب فلاح السائل بإسناده عن هشام بن سالم مثله (4) وزاد «فإن
النبي (صلىاللهعليهوآله) قال لا
تتركوا ركعتي الغفلة وهما ما بين العشاءين». ومنها ما رواه الصدوق في الفقيه مرسلا
(5) قال : قال
رسول الله (صلى الله
__________________
(1 و 5) رواه في الوسائل في الباب 20 من الصلوات المندوبة.
(2) سورة الأنبياء ، الآية 87.
(3) سورة الانعام ، الآية 59.
(4) البحار ج 18 ص 544.
عليه وآله) وفي كتاب العلل مسندا في
الموثق عن سماعة عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهماالسلام) (1) قال : «قال
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) تنفلوا في
ساعة الغفلة ولو بركعتين خفيفتين فإنهما تورثان دار الكرامة» قال : وفي خبر آخر «دار
السلام وهي الجنة». وساعة الغفلة ما بين المغرب والعشاء الآخرة. وروى الشيخ في
التهذيب بسنده عن وهب أو السكوني عن جعفر عن أبيه (عليهماالسلام) (2) قال : «قال
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) تنفلوا.
الحديث الى قوله دار الكرامة» ثم زاد «قيل يا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وما ساعة
الغفلة؟ قال ما بين المغرب والعشاء». وروى هذه الرواية أيضا ابن طاوس في كتاب فلاح
السائل (3) وزاد «قيل يا
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وما معنى
خفيفتين؟ قال تقرأ فيهما الحمد وحدها. قيل يا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فمتى أصليها؟
قال ما بين المغرب والعشاء». وروى الصدوق في الفقيه عن الباقر (عليهالسلام) (4) «ان إبليس إنما
يبث جنوده جنود الليل من حين تغيب الشمس. الى مغيب الشفق ويبث جنود النهار من حين
طلوع الفجر الى طلوع الشمس وذكر ان النبي (صلىاللهعليهوآله) كان يقول :
أكثروا ذكر الله تعالى في هاتين الساعتين وتعوذوا بالله عزوجل من شر إبليس
وجنوده وعوذوا صغاركم في هاتين الساعتين فإنهما ساعتا غفلة».
أقول : وفي المقام فوائد (الأولى) ـ ظاهر الاخبار
المذكورة ان محل الصلاة المذكورة بين صلاتي المغرب والعشاء متى صليتا في وقت
فضيلتهما ، وظاهر شيخنا البهائي في كتاب مفتاح الفلاح ان وقتهما من غروب الشمس الى
غروب الشفق المغربي ، قال في الكتاب المذكور ـ بعد ذكر حديث السكوني أو وهب
المنقول برواية الشيخ في
__________________
(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 20 من الصلوات المندوبة.
(3) البحار ج 18 ص 545.
(4) رواه في الوسائل في الباب 36 من أبواب التعقيب.
التهذيب وقوله فيه «ما بين المغرب
والعشاء» ما لفظه : ولا يخفى ان المراد ما بين وقت المغرب ووقت العشاء اعني ما بين
غروب الشمس إلى غيبوبة الشفق كما يرشدك اليه الحديث السابق لا ما بين الصلاتين ،
وقد ورد في الأحاديث الصحيحة ان أول وقت العشاء غيبوبة الشفق (1). ومن هذا
يستفاد ان وقت أداء ركعتي الغفيلة ما بين الغروب وذهاب الشفق فان خرج صارت قضاء.
انتهى. أقول : أشار بالحديث السابق الى ما نقلناه أخيرا من حديث بث إبليس جنوده من
حين تغيب الشمس الى مغيب الشفق. وأنت خبير بأن غاية ما يدل عليه الخبر المذكور ان
ابتداء البث من ذلك الوقت ولا دلالة فيه على كون الصلاة من ذلك الوقت ، ومجرد كون
هذه الصلاة تصلى في ساعة الغفلة لا يستلزم جواز تقديمها على الفريضة سيما مع
استفاضة النصوص بالمنع من النافلة بعد دخول وقت الفريضة كما سيأتي ان شاء الله
تعالى في محلها ، على انها بين الفرضين واقعة في الساعة المذكورة متى صلى الفرضين
في وقت فضيلتهما ، ورواية هشام بن سالم صريحة في كونها بين الفرضين وكذا المرسلة
المنقولة في كتاب فلاح السائل عن النبي (صلىاللهعليهوآله) ونحوهما
المرسلة الثانية. وبالجملة فالظاهر من الاخبار ان وقتها انما هو بين الصلاتين وان
كانت ساعة الغفلة ممتدة من غروب الشمس ، ولعل السر في تخصيصها بما ذكرناه من حيث
الاخبار المانعة من التطوع بعد دخول وقت الفريضة.
(الثانية) ـ المفهوم من الاخبار اختصاص القضاء بالرواتب
اليومية بعد فوات أوقاتها ، وصريح شيخنا المتقدم ان هاتين الركعتين تقضيان بعد
فوات وقتهما ، ولم أقف له على دليل بل ولا قائل سواه (قدسسره) ولعل منشأ ما
ذهب اليه من حيث التوقيت إلا ان مجرد ذلك لا يوجب القضاء فإنه كما يتوقف الإتيان
بها في ذلك الوقت على دليل كذلك يتوقف القضاء على الدليل على الأشهر الأظهر ،
ومجرد فوات الأداء لا يستلزم القضاء كما عليه المحققون من أصحابنا (رضوان الله
عليهم).
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 23 من المواقيت.
(الثالثة) ـ ذهب بعض مشايخنا المعاصرين ـ على ما نقل عنه
ـ إلى انه يكفي في أداء هذه الوظيفة الإتيان بنافلتي المغرب. ولعله نظر الى الأمر
بالتنفل في ساعة الغفلة بقول مطلق ، وهو وان أمكن احتماله إلا ان ورود الخبر
بتعيين صلاة معينة بقراءة خاصة وكيفية تفارق بها كيفية نافلتي المغرب الموظفة يعطي
تقييد ذلك الإطلاق بهذه الصلاة الخاصة الزائدة على نافلتي المغرب ، ولا ريب ان
الاحتياط في تحصيل هذه الوظيفة انما يتم بما ذكرنا ، وهو ظاهر الأصحاب أيضا حيث
انهم ذكروا في هذا المقام هذه الصلاة المخصوصة زيادة على نافلتي المغرب.
(الرابعة) ـ ما ورد في الرواية المنقولة من كتاب فلاح
السائل من تفسير الخفيفتين بالاقتصار على الحمد وحدها مع ما عرفت من رواية هشام بن
سالم من استحباب قراءة الآيتين المذكورتين لعله محمول على ضيق الوقت أو الاستعجال
لحاجة ونحو ذلك ، وظاهر شيخنا الشهيد في الذكرى ان هاتين الركعتين في هذه الرواية
غير ركعتي الغفيلة المذكورة في رواية هشام بن سالم حيث قال : يستحب ركعتان ساعة
الغفلة وقد رواهما الشيخ ، ثم نقل الرواية المشتملة على الركعتين الخفيفتين ثم قال
ويستحب ايضا بين المغرب والعشاء ركعتان يقرأ في الأولى بعد الحمد : وذا النون إذ
ذهب مغاضبا. إلخ ، الى ان قال فان الله تعالى يعطيه ما يشاء. والظاهر عندي ان
الركعتين المذكورتين في الروايتين انما هما صلاة واحدة وان اختلفت العبارتان كما
ذكرنا.
(الخامسة) ـ نقل الشيخ الطبرسي في كتاب مجمع البيان عن
ابن عباس في تفسير قوله سبحانه حكاية عن موسى على نبينا وآله وعليهالسلام «وَدَخَلَ
الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها» (1) ان دخوله كان فيما بين المغرب
والعشاء. انتهى. وفيه إشارة الى ما دلت عليه هذه الاخبار ان ثبت النقل المذكور.
(السادسة) ـ قوله في الدعاء المذكور في القنوت «لما
قضيتها لي» يجوز
__________________
(1) سورة القصص ، الآية 15.
قراءته بالتشديد والتخفيف فعلى تقدير
التشديد يكون «لما» بمعنى «إلا» يعني «إلا قضيتها لي» وعلى تقدير التخفيف تجعل «ما»
زائدة للتأكيد واللام فيها جواب القسم والتقدير «لتقضيها لي» كذا في كتاب مجمع
البيان.
(تذنيب) من المستحب في هذه الساعة أيضا صلاة ركعتين يقرأ
في الأولى بعد الحمد سورة الزلزلة ثلاث عشرة مرة وفي الثانية بعد الحمد التوحيد
خمس عشرة مرة. روى الشيخ (طاب ثراه) في كتاب المصباح عن الصادق عن آبائه عن رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) (1) قال : «أوصيكم
بركعتين بين العشاءين يقرأ في الأولى الحمد وإذا زلزلت ثلاث عشرة مرة وفي الثانية
الحمد وقل هو الله أحد خمس عشرة مرة فإنه من فعل ذلك كل شهر كان من الموقنين ، فان
فعل ذلك في كل سنة كان من المحسنين ، فان فعل ذلك في كل جمعة كان من المخلصين ،
فان فعل ذلك كل ليلة زاحمني في الجنة ولم يحص ثوابه إلا الله تعالى».
(السادسة عشرة) ـ ما تضمنه خبر الحجال ـ من صلاة الصادق (عليهالسلام) الركعتين بعد
العشاء يقرأ فيهما بمائة آية ثم ركعتين من جلوس وانه متى لم يدرك صلاة الليل
والوتر في آخره أضاف إليها ركعة كما في بعض الاخبار أو ركعتين كما في الرواية الأخرى
واحتسب بها مع ما قدمه وترا (2) ـ لا يخلو من
الاشكال.
قال شيخنا الشهيد في الذكرى ـ بعد نقل الخبر المذكور
بالرواية المشتملة على لفظ الركعة ـ ما صورته : وفيه إيماء إلى جواز تقديم الشفع
في أول الليل وهو خلاف المشهور ، نعم في خبر زرارة عنه (عليهالسلام) (3) «مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فلا يبيتن حتى
يوتر». وهذا يمكن حمله على الضرورة ، وفي المصباح يستحب ان يصلي بعد ركعتي الوتيرة
ركعتين من قيام ، وأنكرهما ابن إدريس استسلافا لان الوتيرة
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 17 من الصلوات المندوبة.
(2) ص 32.
(3) رواه في الوسائل في الباب 29 من أعداد الفرائض.
خاتمة النوافل كما صرح به الشيخان في
المقنعة والنهاية حتى في نافلة شهر رمضان وهو مشهور بين الأصحاب ، والذي في رواية
زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) (1) «وليكن آخر
صلاتك وتر ليلتك». ولكنه في سياق الوتر لا الوتيرة. ونسب ابن إدريس الرواية
بالركعتين الى الشذوذ ، وفي المختلف لا مشاحة في التقديم والتأخير لصلاحية الوقت
للنافلة.
أقول : ما ذكره من ان في الخبر إيماء إلى جواز تقديم
الشفع وانه خلاف المشهور صحيح ولكنه بهذا التقريب يجب حمله على التقية ، لأن
المنقول عن العامة أنهم يستحبون تقديم الوتر في أول الليل فان انتبهوا في آخر
الليل صلوا صلاة الليل وأوتروا فصلوا وترين في ليلة وإلا احتسبوا بما قدموه (2) والاخبار قد
نفت عليهم فعل وترين في ليلة واحدة إلا ان يكون أحدهما قضاء (3) ومما يشير الى
ذلك ما في صحيحة الحلبي (4) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) هل قبل
العشاء الآخرة وبعدها شيء؟ قال لا غير اني أصلي بعدها ركعتين ولست أحسبهما من
صلاة الليل». قال في الوافي : فيه رد على العامة فإنهم أبدعوا وترا بعد صلاة
العشاء يحسبونه من صلاة الليل إذا لم يستيقظوا آخر الليل فان استيقظوا أعادوها
فيصلون وترين في ليلة. انتهى. واما ما ذكره ـ من دلالة خبر زرارة على ذلك ايضا حتى
انه تأوله بحمله على الضرورة ـ فقد تقدم الكلام فيه منقحا وبينا ان المراد بالوتر
هنا انما هي الوتيرة التي تستحب بعد العشاء فلا إشكال في الخبر المذكور. واما ما
نقله عن ابن إدريس ـ من إنكاره لما ذكره الشيخ ونسبة الرواية إلى الشذوذ ـ ففيه ان
ما دل على الصلاة بعد الوتيرة ليس منحصرا في رواية الشيخ المذكورة بل هو مدلول
الخبر الذي هو محل البحث وصحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة في صدر المقدمة (5) إلا ان ظاهر
__________________
(1 و 3) رواها في الوسائل في الباب 42 من الصلوات المندوبة.
(2) راجع التعليقة 1 ص 29.
(4) المروية في الوسائل في الباب 27 من أعداد الفرائض.
(5) ص 29.
قوله (عليهالسلام) في صحيحة
زرارة أو حسنته المشار إليها في كلامه «وليكن آخر صلاتك وتر ليلتك» هو ان خاتم
صلاة تلك الليلة الوتيرة ، واستبعاد إطلاق الوتر على الوتيرة كما يفهم من كلامه
مدفوع بما تقدم في الفائدة السادسة من الاخبار الدالة على صحة هذا الإطلاق وان كان
سياق الخبر انما هو في الوتر الذي في آخر الليل والكلام في قضائه إلا انه لا
منافاة في ذلك ، وبالجملة فالكلام في المسألة غير خال من شوب الاشكال لما عرفت.
وقال المحدث الكاشاني في الوافي ذيل الخبر المشار اليه :
لعل المراد انه صلى ركعة فصارت مع اللتين صلاهما جالسا شفعا فتصيران نافلة الفجر
فقوله «واحتسب بالركعتين» بيان لعدهما واحدة لتصيرا مع هذه شفعا ، وفي بعض النسخ «صلى
ركعتين» فيكون المراد فصارت صلاته هذه شفعا وهي مع اللتين صلاهما جالسا تحتسب
بصلاة الوتر لأنهما تعدان بواحدة وربما يوجد «سبعا» مكان «شفعا» وكأنه تصحيف
انتهى. ولا يخلو من اضطراب وتناقض.
والذي يقرب عندي في معنى الخبر المذكور ان الركعتين
اللتين صلاهما (عليهالسلام) بعد العشاء
بلا فصل وقرأ فيهما مائة آية هما ركعتا الوتيرة بقرينة قراءة مائة آية التي قد ورد
في غير هذا الخبر استحبابها فيها وقرينة قوله «ولا يحتسب بهما» يعني من صلاة الليل
كما تقدم ذكره ، واما الركعتان من جلوس اللتان بعدهما فان الغرض منهما انه متى لم
يستيقظ حتى يطلع الفجر فإنه يضيف إليهما ركعة من قيام كما في إحدى الروايتين أو
ركعتين يعني من جلوس كما في الرواية الأخرى ويحتسب بذلك عن صلاة الفجر ، واما قوله
«واحتسب بالركعتين» فهو راجع الى الوتيرة بقرينة قوله «اللتين صلاهما بعد العشاء»
فإنهما اللتان يحتسب بهما عن الوتر لما عرفت من ان من جملة التعليلات في الوتيرة
هو قيامها مقام الوتر في آخر الليل لو مات ولم يوتر ، ومورد ذلك الخبر وان كان
الموت إلا ان ظاهر هذا الخبر فوات الوقت ايضا ، وكيف كان فالحكمان المذكوران
لا يخلوان من غرابة ولعل ذلك من جملة
الرخص الواردة في الشريعة.
ومما يؤيد هذا الخبر باعتبار دلالته على الزيادة على
الوتيرة بعد العشاء الآخرة ما تقدم في حسنة عبد الله بن سنان (1) قال : «سمعت
أبا عبد الله (عليهالسلام) الى ان قال
ورأيته يصلي بعد العتمة أربع ركعات». وقد تقدم النقل عن صاحب الوافي أنه حملها على
غير الرواتب أو انها قضاء لها والظاهر حملها على ما دل عليه هذا الخبر ، وكذلك
الخبر الذي نقله في الذكرى عن الشيخ في المصباح إلا ان خبر المصباح تضمن الركعتين
من قيام والخبر الذي نحن فيه من جلوس وخبر ابن سنان مجمل.
(السابعة عشرة) ـ روى الصدوق (قدسسره) في من لا
يحضره الفقيه في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) انه قال : «من
قال في آخر سجدة من النافلة بعد المغرب ليلة الجمعة ـ وان قال كل ليلة فهو أفضل ـ :
اللهم إني أسألك بوجهك الكريم واسمك العظيم ان تصلي على محمد وآل محمد وان تغفر لي
ذنبي العظيم ـ سبع مرات انصرف وقد غفر له». وظاهر الشهيد في الذكرى ان محل هذا
الدعاء السجدة الواقعة بعد السبع حيث قال بعد ذكر الخلاف في موضع سجدتي الشكر بعد
المغرب وذكر روايتي حفص الجوهري وجهم المتقدمتين في الفائدة الحادية عشرة : ويستحب
ان يقال في السجدة بعد السبع ليلة الجمعة : اللهم إني أسألك ، وساق الدعاء الى
آخره ، وهو وهم منه (قدسسره) لما عرفت من
الرواية المذكورة التي هي المستند في هذا الحكم.
(الثامنة عشرة) ـ المعروف من مذهب الأصحاب ـ وبه صرح
جملة منهم ـ ان كل النوافل يسلم فيها على الركعتين إلا مفردة الوتر وصلاة الأعرابي
بل نقل عن الشيخ في الخلاف وابن إدريس دعوى الإجماع عليه.
قال في الذكرى : ومنع في المبسوط من الزيادة على ركعتين
اقتصارا على ما نقل
__________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 14 من أعداد الفرائض.
(2) رواه في الوسائل في الباب 46 من صلاة الجمعة.
عن النبي (صلىاللهعليهوآله) وأهل بيته ،
وقال في الخلاف ان فعل خالف السنة واحتج بإجماعنا وبما رواه ابن عمر (1) «ان رجلا سأل
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) عن صلاة
الليل فقال صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما
قد صلى». ثم نقل عن ابن عمر عنه (صلىاللهعليهوآله) (2) قال : «صلاة
الليل والنهار مثنى مثنى». ثم قال فدل على ان ما زاد على مثنى لا يجوز. وظاهر
كلامه في الكتابين عدم شرعيته وانعقاده. وهل يجوز الركعة الواحدة في غير الوتر؟
منع منه في الخلاف والمعتبر اقتصارا على المتفق عليه من فعل النبي (صلىاللهعليهوآله) ولرواية ابن
مسعود عن النبي (صلىاللهعليهوآله) (3) «انه نهى عن
البتراء يعني الركعة الواحدة». وقد ذكر الشيخ في المصباح (4) عن زيد بن
ثابت صلاة الأعرابي عند ارتفاع نهار الجمعة عشر ركعات يقرأ في الركعتين الأوليين
الحمد مرة والفلق سبعا وفي الثانية بعد الحمد الناس سبعا ويسلم ويقرأ آية الكرسي
سبعا ثم يصلي ثمان ركعات بتسليمتين يقرأ في كل ركعة الحمد مرة والنصر مرة والإخلاص
خمسا وعشرين مرة ثم يدعو بالمرسوم ، ولم يذكر سندها ولا وقفت لها على سند من طريق
الأصحاب قال ابن إدريس قد روى رواية في صلاة الأعرابي فإن صحت لا تعدى لأن الإجماع
على ركعتين بتسليمة. انتهى ما ذكره في الذكرى.
أقول : الأظهر في الاستدلال على الحكم المذكور هو ما
أشاروا إليه مما ملخصه ان العبادات توقيفية متلقاة من صاحب الشرع والذي ثبت وصح
عنه ان كل ركعتين بتسليمة خرج منها ركعة الوتر بالنصوص المستفيضة ، ويزيده تأكيدا ما
رواه عبد الله بن
__________________
(1) كما في صحيح مسلم ج 1 ص 280 وسنن البيهقي ج 2 ص 486.
(2) كما في سنن البيهقي ج 2 ص 487.
(3) نقل الشوكانى في نيل الأوطار ج 3 ص 28 عن الحنفية الإيتار
بثلاث واستدلوا عليه ب ما رواه محمد بن كعب القرظي «ان النبي (ص) نهى عن البتيراء».
(4) ص 222.
جعفر الحميري في كتاب قرب الاسناد عن
عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهماالسلام) (1) قال : «سألته
عن الرجل يصلي النافلة أيصلح له ان يصلي اربع ركعات لا يسلم بينهن؟ قال لا إلا ان
يسلم بين كل ركعتين». وما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا عن كتاب حريز
بن عبد الله عن ابي بصير (2) قال : «قال
أبو جعفر (عليهالسلام) في حديث :
وافصل بين كل ركعتين من نوافلك بالتسليم». واما صلاة الأعرابي فلم يثبت طريقها من
روايات الأصحاب كما اعترف به شيخنا المذكور وغيره والخبر الوارد بها عامي لا يمكن
تخصيص الاخبار به. والله العالم.
(التاسعة عشرة) ـ اتفق أصحابنا (رضوان الله عليهم) على
ان صلاة الضحى بدعة. قال الشيخ في الخلاف صلاة الضحى بدعة لا يجوز فعلها وخالف
جميع الفقهاء في ذلك فقالوا انها سنة (3) ثم قال دليلنا إجماع الفرقة ثم نقل
بعض الروايات الدالة على ذلك من طرقهم. وقال العلامة في المنتهى صلاة الضحى بدعة
عند علمائنا خلافا للجمهور فإنهم أطبقوا على استحبابها.
__________________
(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 15 من أعداد الفرائض.
(3) في نيل الأوطار للشوكانى ج 3 ص 53 ان ابن القيم جمع
الأقوال في صلاة الضحى فبلغت إلى ستة «الأول» أنها سنة «الثاني» لا تشرع إلا بسبب
فإن النبي (ص) صلاها يوم الفتح بسبب الفتح والأمراء يسمونها صلاة الفتح «الثالث»
انها لا تستحب «الرابع» يستحب فعلها تارة وتركها اخرى «الخامس» يستحب المحافظة
عليها في البيوت «السادس» أنها بدعة. وفي زاد المعاد لابن القيم على هامش شرح
الزرقانى على المواهب ج 1 ص 343 عن أبي هريرة انه لم ير النبي (ص) صلى صلاة الضحى
إلا يوما واحدا. وعن عبد الرحمن بن أبي بكرة ان أبا بكر رأى ناسا يصلون الضحى فقال
انكم تصلون صلاة ما صلاها رسول الله (ص) ولا عامة أصحابه. وعن مجاهد انه وعروة بن
الزبير دخل المسجد وابن عمر فيه والناس يصلون الضحى فسألناه عنها فقال بدعة ونعمت
البدعة. وفي الموطأ لمالك ج 1 ص 167 عن عائشة قالت : ما رأيت رسول الله (ص) يصلى
سبحة الضحى قط. وفي شرح السيوطي عليه ما يؤيده وكذا في صحيح البخاري أبواب التطوع.
واستدل في المنتهى على ذلك بما رواه
الشيخ في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم والفضيل (1) قالوا : «سألناهما
(عليهماالسلام) عن الصلاة في
رمضان نافلة بالليل جماعة فقالا ان النبي (صلىاللهعليهوآله) قام على
منبره فحمد الله واثنى عليه ثم قال ايها الناس ان الصلاة بالليل في شهر رمضان
النافلة في جماعة بدعة وصلاة الضحى بدعة ألا فلا تجمعوا ليلا في شهر رمضان لصلاة
الليل ولا تصلوا صلاة الضحى فان ذلك معصية ألا وان كل بدعة ضلالة وكل ضلالة سبيلها
الى النار ، ثم نزل وهو يقول قليل في سنة خير من كثير في بدعة».
أقول : ويدل على ذلك ايضا ما رواه الصدوق في الصحيح عن
زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) (2) قال : «ما صلى
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) الضحى قط.
قال فقلت له ألم تخبرني انه كان يصلي في صدر النهار اربع ركعات؟ فقال بلى انه كان
يجعلها من الثمان التي بعد الظهر». أقول سيأتي الكلام ان شاء الله تعالى في تقديم
نافلة الزوال في صدر النهار ، والمراد بقوله «بعد الظهر» يعني بعد وقت الظهر وهو
الزوال لا الصلاة.
وعن بكير بن أعين عن ابي جعفر (عليهالسلام) (3) قال : «ما صلى
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) الضحى قط». وعن
عبد الواحد بن المختار الأنصاري عن ابي جعفر (عليهالسلام) (4) قال : «سألته
عن صلاة الضحى قال أول من صلاها قومك انهم كانوا من الغافلين فيصلونها ولم يصلها
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وقال ان عليا
(عليهالسلام) مر على رجل
وهو يصليها فقال ما هذه الصلاة؟ قال أدعها يا أمير المؤمنين؟ فقال علي (عليهالسلام) أكون أنهى
عبدا إذا صلى». وروى الصدوق في كتاب عيون الاخبار في حديث رجاء بن ابي الضحاك الذي
صحب الرضا (عليهالسلام) من المدينة
إلى خراسان (5) قال : «ما
رأيته صلى الضحى في سفر ولا حضر». وروى في الكافي
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 10 من أبواب نافلة شهر رمضان.
(2 و 3 و 4 و 5) رواه في الوسائل في الباب 31 من أعداد
الفرائض.
في الصحيح عن سيف بن عميرة رفعه (1) قال : «مر
أمير المؤمنين (عليهالسلام) برجل يصلي
الضحى في مسجد الكوفة فغمز جنبه بالدرة وقال نحرت صلاة الأوابين تحرك الله. قال
فأتركها؟ قال فقال : «أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا
صَلّى» (2) فقال أبو عبد
الله (عليهالسلام) وكفى بإنكار
علي (عليهالسلام) نهيا».
واما ما رواه في الكافي عن معاوية بن وهب ـ (3) قال : «لما
كان يوم فتح مكة ضربت على رسول الله (صلىاللهعليهوآله) خيمة سوداء
من شعر بالأبطح ثم أفاض عليه الماء من جفنة يرى فيها اثر العجين ثم تحرى القبلة
ضحى فركع ثماني ركعات لم يركعها رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قبل ذلك ولا
بعد». ـ فحمله في الوافي على ما دل عليه صحيح زرارة المتقدم من كون ذلك من نافلة
الظهر التي يجوز تقديمها صدر النهار. وفيه انه (صلىاللهعليهوآله) كان مسافرا
فرضه التقصير فكيف يصلي نوافل الظهر؟ والأظهر عندي حمل هذه الصلاة على الشكر لله
سبحانه في التوفيق للفتح كما يشير اليه قوله «لم يركعها قبل ذلك ولا بعد».
واما ما رواه في كتاب البحار (4) عن كتاب
الاختصاص في الموثق عن يونس ابن يعقوب ـ قال : «دخل عيسى بن عبد الله القمي على
ابي عبد الله (عليهالسلام) فلما انصرف
قال لخادمه ادعه فانصرف اليه فأوصاه بأشياء ثم قال يا عيسى بن عبد الله ان الله
تعالى يقول «وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ» (5) وانك منا أهل البيت فإذا كانت الشمس
من ههنا بمقدارها من ههنا من العصر فصل ست ركعات ، قال ثم ودعه وقبل ما بين عيني
عيسى وانصرف ، قال يونس بن يعقوب فما تركت الست ركعات منذ سمعت أبا عبد الله
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 31 من أعداد الفرائض.
(2) سورة العلق ، الآية 10.
(3) رواه في الوسائل في الباب 37 من أبواب المواقيت.
(4) ج 18 الصلاة ص 83.
(5) سورة طه ، الآية 132.
(عليهالسلام) يقول ذلك
لعيسى بن عبد الله». ـ فالظاهر حمله على التقية أو الاتقاء على الرجل المذكور لئلا
يتضرر بترك ذلك. وعلى ذلك يحمل قول أمير المؤمنين (عليهالسلام) «أَرَأَيْتَ
الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلّى» (1) فإنه (عليهالسلام) غير متمكن
حسب الواقع من زجرهم عن بدع الثلاثة المتقدمين وربما احتجوا عليه بالآية المذكورة
، ويشير الى ما ذكرنا قول ابي عبد الله (عليهالسلام) في مرفوعة
سيف بن عميرة «وكفى بإنكار علي (عليهالسلام) نهيا». فإنه
ظاهر في ان إنشاده (عليهالسلام) الآية ليس
للتجويز وانما هو لما ذكرناه ، وبالجملة فإن غمزه (عليهالسلام) للرجل بالدرة
ودعاءه بان ينحره الله تعالى يعني يذبحه ظاهر في التحريم ولكنه لما كان الرجل
جاهلا غيبا أو معاندا شقيا راجع في السؤال مرة ثانية فلم ير (عليهالسلام) المصلحة في
إظهار ذلك له زيادة على ما قدمه. والمراد بصلاة الأوابين هي نافلة الزوال كما تقدم
نقله عن عبارة الفقه الرضوي ، ونحرها عبارة عن اختزال هذه الصلاة منها وقطعها
فكأنهم نحروها ، وصلاة الضحى عند العامة أقلها ركعتان وأكثرها ثمان ركعات وفعلها
وقت اشتداد الحر كذا ذكره في المنتهى.
(فان قيل) انه لا ريب في استحباب الصلاة وانها خير موضوع
من شاء استقل ومن شاء استكثر (2) ويؤيده قوله
سبحانه «أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى ... الآية» فكيف
صارت هذه الصلاة بدعة؟
(قلنا) ـ لا ريب في ان الصلاة خير موضوع الا انه متى
اعتقد المكلف في ذلك أمرا زائدا على ما دلت عليه هذه الدلالة من عدد مخصوص وزمان
مخصوص أو كيفية خاصة ونحو ذلك مما لم يقم عليه دليل في الشريعة فإنه يكون محرما
وتكون عبادته بدعة ، والبدعية ليست من حيث الصلاة وانما هي من حيث هذا التوظيف
الذي أعتقده في هذا الوقت والعدد والكيفية من غير ان يرد عليه دليل فمن أجل ذلك
ترادفت الاخبار بالإنكار عليهم في
__________________
(1) سورة العلق ، الآية 10.
(2) راجع التعليقة 1 ص 36.
ذلك والتصريح بكونها بدعة وضلالة.
(العشرون) ـ قد ورد في جملة من الاخبار تعيين ما يستحب
قراءته في النوافل اليومية :
روى ثقة الإسلام في الصحيح أو الحسن عن معاذ بن مسلم عن
ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «لا تدع
أن تقرأ بقل هو الله أحد وقل يا ايها الكافرون في سبع مواطن : في الركعتين قبل
الفجر وركعتي الزوال وركعتين بعد المغرب وركعتين من أول صلاة الليل وركعتي الإحرام
والفجر إذا أصبحت بها وركعتي الطواف». ورواه في الفقيه مرسلا مقطوعا (2) قال في الكافي
ونحوه في التهذيب (3) : وفي رواية
اخرى «انه يبدأ في هذا كله بقل هو الله أحد وفي الركعة الثانية بقل يا ايها
الكافرون إلا في الركعتين قبل الفجر فإنه يبدأ بقل يا ايها الكافرون ثم يقرأ في
الركعة الثانية بقل هو الله أحد».
وعن صفوان الجمال (4) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول صلاة
الأوابين الخمسون كلها بقل هو الله أحد». بيان : قد تقدم في كلامه (عليهالسلام) في كتاب
الفقه الرضوي ان صلاة الأوابين هي نافلة الزوال وبه صرح في الفقيه وبذلك صرحت ايضا
مرفوعة سيف بن عميرة المتقدمة قريبا وقوله فيها «نحرت صلاة الأوابين تحرك الله»
ومثله في رواية محمد بن مسلم (5) «وانما أخرت
الظهر ذراعا من عند الزوال من أجل صلاة الأوابين». وظاهر هذا الخبر يدل على ان
صلاة الأوابين مجموع الخمسين نوافلها وفرائضها وهو غريب لم يسمع به في غيره من
الأخبار ولا في كلام الأصحاب ، قيل
__________________
(1 و 3) رواه في الوسائل في الباب 15 من أبواب القراءة في
الصلاة.
(2) ج 1 ص 314.
(4) رواه في الوسائل في الباب 7 من أبواب القراءة في الصلاة.
(5) رواه في الوسائل في الباب 36 من أبواب المواقيت.
ولعل المراد بالأوابين الذين يصلون
الخمسين فان من يصلي الزوال يبعد ان لا يصلي البواقي. والمراد بالحديث اما استحباب
قراءة هذه السورة في كل ركعة من الخمسين أو في كل صلاة منها ولو في إحدى الركعتين
، ولعل الثاني أقرب لئلا ينافي توظيف جملة من السور في الفرائض والنوافل.
وروى في الكافي عن ابي هارون المكفوف (1) قال : «سأل رجل
أبا عبد الله (عليهالسلام) وانا حاضر كم
اقرأ في الزوال؟ فقال ثمانين آية فخرج الرجل فقال يا أبا هارون هل رأيت شيخنا أعجب
من هذا سألني عن شيء فأخبرته ولم يسألني عن تفسيره؟ هذا الذي يزعم أهل العراق انه
عاقلهم ، يا أبا هارون ان الحمد سبع آيات وقل هو الله أحد ثلاث آيات فهذه عشر آيات
والزوال ثماني ركعات فهذه ثمانون آية». بيان : في هذا الخبر دلالة على انه يجب
الرجوع إليهم (عليهمالسلام) في مجملات
الاخبار ومتشابهاتها ولا يجوز الاعتماد في فهم معانيها على ما يتسارع الى الفهم بل
يجب مع عدم إمكان السؤال والفحص والوقوف على جادة الاحتياط.
وروى الشيخ في التهذيب عن محسن الميثمي عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «يقرأ
في صلاة الزوال في الركعة الأولى الحمد وقل هو الله أحد وفي الركعة الثانية الحمد
وقل يا ايها الكافرون وفي الركعة الثالثة الحمد وقل هو الله أحد وآية الكرسي وفي
الركعة الرابعة الحمد وقل هو الله أحد وآخر البقرة «آمَنَ
الرَّسُولُ ... الى آخرها» وفي الركعة الخامسة الحمد
وقل هو الله أحد والخمس آيات من آل عمران «إِنَّ
فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إلى قوله إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ» (3) وفي الركعة
السادسة الحمد وقل هو الله أحد وثلاث آيات السخرة «إِنَّ
رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ إلى قوله إِنَّ
__________________
(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 13 من أبواب القراءة في
الصلاة.
(3) الآية 187 الى 192.
رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ
الْمُحْسِنِينَ» (1) وفي الركعة السابعة الحمد وقل هو
الله أحد والآيات من سورة الانعام «وَجَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ الى قوله وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ» (2) وفي الركعة الثامنة الحمد وقل هو
الله أحد وآخر سورة الحشر من قوله «لَوْ
أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ إلى آخرها»
فإذا فرغت قلت : اللهم مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك ولا تزغ قلبي بعد
إذ هديتني وهب لي من لدنك رحمة انك أنت الوهاب ، سبع مرات ثم تقرأ أستجير بالله من
النار سبع مرات».
وعن عبد الخالق عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (3) «انه كان يقرأ
في الركعتين بعد العتمة بالواقعة وقل هو الله أحد». ورواه بطريق آخر في الصحيح عن
ابن ابي عمير (4) قال : «كان
أبو عبد الله (عليهالسلام) يقرأ. الحديث».
وروى الصدوق في كتاب المجالس عن أبيه عن الحسن بن أحمد
المالكي عن منصور بن العباس عن محمد بن ابي عمير عن هشام بن سالم عن زيد الشحام عن
ابي عبد الله (عليهالسلام) (5) قال : «من قرأ
في الركعتين الأوليين من صلاة الليل ستين مرة قل هو الله أحد في كل ركعة ثلاثين
مرة انفتل وليس بينه وبين الله عزوجل ذنب». وروى في
التهذيب مرسلا (6) قال : «روى ان
من قرأ في الركعتين الأوليين من صلاة الليل في كل ركعة منهما الحمد مرة وقل هو
الله أحد ثلاثين مرة انفتل وليس بينه وبين الله ذنب إلا غفر له». وكذا نقله في
الفقيه (7) بلفظ «وروى».
وروى الشيخ في المصباح مرسلا (8) قال : «روى
انه يقرأ في الركعة الأولى
__________________
(1) الأعراف ، الآية 52 الى 54.
(2) الآية 100 إلى 103.
(3 و 4) رواه في الوسائل في الباب 45 من أبواب القراءة في
الصلاة.
(5 و 6 و 7) رواه في الوسائل في الباب 54 من أبواب القراءة في
الصلاة.
(8) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب القراءة في الصلاة.
من نافلة المغرب سورة الجحد وفي
الثانية سورة الإخلاص وفي ما عداه ما اختار». قال : «وروى ان أبا الحسن العسكري (عليهالسلام) كان يقرأ في
الركعة الثالثة الحمد وأول الحديد الى قوله وَهُوَ
عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ وفي الرابعة الحمد وآخر الحشر».
وروى في الكافي عن ابن سنان (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الوتر ما
يقرأ فيهن جميعا؟ قال ب قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ... قلت في ثلاثتهن؟
قال نعم». وقال في الفقيه (2) : «وروى ان من
قرأ في الوتر بالمعوذتين وقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ قيل له أبشر يا
عبد الله فقد قبل الله وترك». وروى في التهذيب في الصحيح عن يعقوب بن يقطين (3) قال : «سألت
العبد الصالح (عليهالسلام) عن القراءة
في الوتر وقلت ان بعضا روى قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ في الثلاث
وبعضا روى المعوذتين وفي الثالثة قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ؟ فقال اعمل
بالمعوذتين وقل هو الله أحد». وعن الحارث بن المغيرة في الصحيح عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «كان
ابي يقول قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ تعدل ثلث
القرآن وكان يحب ان يجمعها في الوتر ليكون القرآن كله».
وروى الشيخ في الصحيح عن ابن سنان عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (5) قال : «اقرأ
في ركعتي الفجر أي سورتين أحببت ، وقال اما انا فأحب ان اقرأ فيهما ب قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ وقُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ». وعن يعقوب
بن سالم البزاز (6) قال : «قال
أبو عبد الله (عليهالسلام) صلهما بعد
الفجر واقرأ فيهما في الأولى قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ وفي الثانية قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ».
بيان : توضيح الكلام في ما يستفاد من هذه الاخبار يقع في
مواضع :
(الأول) ـ في حكم صلاة الزوال وقد دلت رواية معاذ بن
مسلم مع المرسلة التي بعدها على حكم الركعتين الأوليين منها وان السنة فيها ان
يقرأ في الركعة الأولى
__________________
(1 و 2 و 3 و 4) رواه في الوسائل في الباب 56 من أبواب القراءة
في الصلاة.
(5 و 6) رواه في الوسائل في الباب 16 من أبواب القراءة في
الصلاة.
بالتوحيد والثانية بالجحد ، ودلت
رواية أبي هارون المكفوف على التوحيد في الجميع ودلت رواية الميثمي بالنسبة إلى
الأوليين على ما دلت عليه رواية معاذ بن مسلم مع المرسلة المذكورة بعدها وبالنسبة
إلى الباقي منها على زيادة الآيات المذكورة على التوحيد ، ولا منافاة فإن رواية
أبي هارون محمولة على الجواز والروايتين الأخريين على الفضل والاستحباب ، ويؤيده
أيضا قوله (عليهالسلام) في كتاب
الفقه الرضوي (1) بعد ذكر صلاة
الليل : «واقرأ في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد وفي الثانية بقل
يا ايها الكافرون وكذلك في ركعتي الزوال وفي الباقي ما أحببت».
(الثاني) ـ في حكم نافلة المغرب وقد دلت رواية معاذ بن
مسلم مع المرسلة المذكورة التي على أثرها على التوحيد في الركعة الاولى والجحد في
الثانية والمرسلة التي ذكرها الشيخ في المصباح على العكس والمرسلة التي نقلها عن
العسكري (عليهالسلام) على الآيتين
بعد الحمد في الركعتين الأخيرتين ، والأقرب في الركعتين الأوليين هو الأول والظاهر
ترجيحه بعمل الأصحاب على الرواية المذكورة في جميع ما تضمنته مضافا الى أنها مسندة
صحيحة أو حسنة نقلها الأكثر منهم وضعف ما عارضها بالإرسال وقلة الناقل لها. وذكر
شيخنا البهائي في كتاب مفتاح الفلاح انه يقرأ في الأوليين بعد الحمد التوحيد ثلاثا
في الاولى والقدر في الثانية ، قال : وان شئت قرأت في الأولى الجحد وفي الثانية
التوحيد. والأول لم أقف له على مستند والثاني مستنده المرسلة المشار إليها
(الثالث) ـ في حكم الوتيرة وقد عرفت دلالة الروايتين
المتقدمتين على قراءة الواقعة فيهما مع التوحيد ، وفي بعض الاخبار المتقدمة يقرأ
فيهما مائة آية ويمكن حمله على الروايتين المذكورتين.
(الرابع) ـ حكم الركعتين الأوليين من صلاة الليل وقد
اختلف في ذلك كلام أصحابنا ، فنقل شيخنا في الذكرى عن الرسالة والنهاية انه يقرأ
في أوليي صلاة
__________________
(1) ص 13.
الليل في الأولى التوحيد وفي الثانية
الجحد ، قال وفي موضع آخر منهما قدم الجحد وروى العكس وكذا في المبسوط ، ونقل في
الكتاب المذكور عن الشيخ المفيد وابن البراج في أولاهما ثلاثون مرة التوحيد وفي
الثانية ثلاثون مرة الجحد ، وابن إدريس في كل ركعة منهما بعد الحمد ثلاثون مرة
التوحيد ، قال وقد روى ان في الثانية الجحد والأول أظهر ، قال في الذكرى بعد نقل
ما ذكرناه : قلت الكل حسن والبحث في الأفضلية وينبغي للمتهجد ان يعمل بجميع
الأقوال في مختلف الأحوال. انتهى.
أقول : قد عرفت ان الذي وردت به الاخبار في المقام هو
سورة التوحيد والجحد مرة مرة بتقديم التوحيد كما في المرسلة المتقدم نقلها عن
الكافي والتهذيب ذيل رواية معاذ بن مسلم وعبارة كتاب الفقه الرضوي ، أو سورة
التوحيد ثلاثين مرة في كل من الركعتين كما تقدم في رواية كتاب المجالس ومرسلة
الشيخ والصدوق ، واما القول بالثلاثين في الجحد في الركعة الثانية ـ كما نقله عن
الشيخ المفيد أو مرة مع التوحيد ثلاثين مرة في الأولى كما ذكره شيخنا البهائي في
كتاب مفتاح الفلاح فلم نقف له على دليل ، قال الصدوق في الفقيه في باب صلاة الليل
: ثم صل ركعتين تقرأ في الأولى الحمد وقل هو الله أحد وفي الثانية الحمد وقل يا
ايها الكافرون وتقرأ في الست ركعات ما أحببت ان شئت طولت وان شئت قصرت ، وروى ان
من قرأ في الركعتين الأوليين ثم ، ساق المرسلة المتقدم نقلها عن الشيخ وعنه ،
وحينئذ فالتعارض واقع بين هاتين الروايتين في المقام ، وظاهر كلامه في الذكرى حمل
رواية الثلاثين على سعة الوقت ورواية التوحيد والجحد على ضيقه كما يشير اليه قوله
مختلف الأحوال. وهو جيد.
(الخامس) ـ في حكم الوتر وفيها روايات : الاولى التوحيد
في الثلاث. والثانية المعوذتين في الأوليين والتوحيد في الثالثة وقد تقدم في
الاخبار. والثالثة ما رواه في التهذيب عن ابي الجارود عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «سمعته
يقول كان علي (عليه
__________________
(1) رواه في الوافي في باب (ما يقرأ في النوافل).
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 56 من أبواب القراءة في الصلاة.
(2) ص 13.