ج3 - أحكام الإحتضار
الفصل السادس
وما يستتبعه من أحكام الاحتضار والدفن
ونحوهما ، والكلام فيه يقع في مقاصد (الأول) ـ في الاحتضار ، ولا بأس بتقديم بعض
الأخبار المناسبة للمقام والمتعلقة بهذه الأحكام :
فعن الصادق (عليهالسلام) (1) قال : «ان
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) رفع رأسه الى
السماء فتبسم فسئل عن ذلك فقال : نعم عجبت لملكين هبطا من السماء إلى الأرض
يلتمسان عبدا مؤمنا صالحا في مصلى كان يصلى فيه ليكتبا له عمله في يومه وليلته فلم
يجداه في مصلاه ، فعرجا الى السماء فقالا ربنا عبدك فلان المؤمن التمسناه في مصلاه
لنكتب له عمله ليومه وليلته فلم نصبه فوجدناه في حبالك ، فقال الله (عزوجل) اكتبا
لعبدي مثل ما كان يعمل في صحته من الخير في يومه وليلته ما دام في حبالي فان علي
ان اكتب له أجر ما كان يعمله إذا حبسته عنه». وعن الباقر (عليهالسلام) (2) قال : «قال
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ان المؤمن
إذا غلبه ضعف الكبر أمر الله تعالى الملك ان يكتب له في حاله تلك مثل ما كان يعمل
وهو شاب نشيط صحيح ، ومثل ذلك إذا مرض وكل الله تعالى به ملكا يكتب له في سقمه ما
كان يعمله من الخير في صحته حتى يرفعه الله ويقبضه ، وكذلك الكافر إذا اشتغل بسقم
في جسده كتب الله له ما كان يعمل من الشر في صحته».
أقول : لعل الوجه في ذلك ان المؤمن لما كان من نيته
المداومة على تلك الأعمال
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب الاحتضار.
(2) رواه في الكافي ج 1 ص 32 وروى في الوسائل قطعة منه في
الباب 1 من أبواب الاحتضار.
الصالحة فمتى حيل بينه وبينها بالمرض
أو الكبر فان الله سبحانه يكتب له ثواب ذلك من حيث نيته ، والكافر ايضا لما كان في
نيته المداومة على تلك الأعمال القبيحة كتب له ، وهو السر في الحديث الوارد بان
كلا من أهل الجنة والنار انما خلدوا فيها بالنيات.
وعن الباقر (عليهالسلام) (1) : «سهر ليلة
من مرض أفضل من عبادة سنة». وعن الصادق (عليهالسلام) (2) قال : «الحمى
رائد الموت وهو سجن الله تعالى في الأرض وهو حظ المؤمن من النار». وبهذا المضمون
جملة من الأخبار. وعن الباقر (عليهالسلام) (3) : «حمى ليلة
تعدل عبادة سنة وحمى ليلتين تعدل عبادة سنتين وحمى ثلاث ليال تعدل عبادة سبعين
سنة. قال قلت : فان لم يبلغ سبعين سنة؟ قال فلأبيه وامه. قال قلت : فان لم يبلغا؟
قال : فلقرابته. قال قلت : فان لم يبلغ قرابته؟ قال : فلجيرانه». وعن الرضا (عليهالسلام) (4) قال : «المرض
للمؤمن تطهير ورحمة وللكافر تعذيب ونقمة ، وان المرض لا يزال بالمؤمن حتى ما يكون
عليه ذنب». وعن جعفر بن محمد عن آبائه في وصية النبي (صلىاللهعليهوآله) لعلي (عليهالسلام) (5) قال : «يا علي
أنين المؤمن تسبيح وصياحه تهليل ونومه على فراشه عبادة وتقلبه من جنب الى جنب جهاد
في سبيل الله تعالى ، فإن عوفي مشى في الناس وما عليه ذنب». وعن الباقر (عليهالسلام) (6) قال : «إذا
أحب الله تعالى عبدا نظر اليه فإذا نظر إليه أتحفه بواحدة من ثلاث : اما صداع واما
حمى واما رمد». وعن علي بن الحسين (عليهماالسلام) (7) قال : «حمى
ليلة كفارة سنة وذلك لان ألمها يبقى في الجسد سنة». وعن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) (8) «انه تبسم فقيل
له تبسمت يا رسول الله؟ فقال عجبت للمؤمن وجزعه من السقم ولو يعلم ما له في السقم
من الثواب لأحب ان لا يزال سقيما حتى يلقى ربه عزوجل». وعن أبي
إبراهيم (عليهالسلام) (9) قال : «قال
رسول الله (صلىاللهعليهوآله)
__________________
(1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6 و 7 و 8 و 9) رواه في الوسائل في الباب
1 من أبواب الاحتضار.
للمريض اربع خصال : يرفع عنه القلم
ويأمر الله تعالى الملك فيكتب له كل فضل كان يعمله في صحته ويتبع مرضه كل عضو في
جسده فيستخرج ذنوبه منه فان مات مات مغفورا له وان عاش عاش مغفورا له». وعن جعفر
بن محمد عن آبائه عن علي (عليهمالسلام) (1) «انه عاد سلمان
الفارسي فقال له : يا سلمان ما من أحد من شيعتنا يصيبه وجع إلا بذنب قد سبق منه
وذلك الوجع تطهير له. فقال له سلمان : فليس لنا في شيء من ذلك أجر خلا التطهير؟
قال علي (عليهالسلام) : يا سلمان
لكم الأجر بالصبر عليه والتضرع الى الله تعالى والدعاء له بهما تكتب لكم الحسنات
وترفع لكم الدرجات ، فاما الوجع خاصة فهو تطهير وكفارة». وعن الباقر (عليهالسلام) (2) قال : «كان
الناس يعتبطون اعتباطا فلما كان زمان إبراهيم (عليهالسلام) قال : يا رب
اجعل للموت علة يؤجر بها الميت ويسلي بها عن المصاب ، قال : فانزل الله تعالى
الموم وهو البرسام ثم انزل بعده الداء».
أقول : الاعتباط بالمهملتين أولا وآخرا : نزول الموت
بغير علة. والموم بضم الميم والبرسام : علة معروفة يهذى فيها ، يقال : برسم الرجل
فهو مبرسم ، والداء سائر أنواع المرض
وعن ابي عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «أكثر
من يموت من موالينا بالبطن الذريع». أقول : البطن محركة : داء البطن ، يقال بطن
الرجل على صيغة المجهول : اشتكى بطنه ، والذريع : السريع الكثير ، وهو عبارة عن
كثرة الإسهال وسرعته بسبب انطلاق البطن. وعن الصادق (عليهالسلام) «ان أعداءنا
يموتون بالطاعون وأنتم تموتون بعلة البطون ألا انها علامة فيكم يا معشر الشيعة». وعن
الصادق (عليهالسلام) «ما من داء
إلا وهو شارع الى الجسد ينتظر متى يؤمر به فيأخذه». قال في الكافي وفي رواية أخرى «إلا
الحمى فإنها ترد ورودا». وعن الصادق (عليهالسلام) قال :
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب الاحتضار.
(2) رواه في الكافي ج 1 ص 31.
(3) رواه في الكافي ج 1 ص 31 عن الرضا «عليهالسلام».
«قال موسى يا رب من اين الداء؟ قال :
منى. قال فالشفاء؟ قال مني. قال : فما يصنع عبادك بالمعالج؟ قال : تطيب أنفسهم
فيومئذ سمي المعالج بالطبيب».
أقول : لا يخفى ما في هذا الحديث من الإشكال ، إذ لا
يظهر هنا وجه مناسبة بين المشتق والمشتق منه ، فإن أحدهما من «طيب» بالياء المثناة
والآخر من «طبب» بالبائين الموحدتين ، ولعل قوله (عليهالسلام) : «تطيب
أنفسهم» انما هو بالبائين لا بالياء ، فان الطب كما يكون للبدن يكون للنفس ايضا
كما قال في القاموس : «الطب مثلث الطاء : علاج الجسم والنفس» فالاشتقاق متجه ، وما
في النسخ من الكتابة بالياء المثناة من تحت في اللفظ المشار اليه فالظاهر انه غلط
من النساخ.
وعن الصادق (عليهالسلام) (1) قال : «قال
الله تعالى : أيما عبد ابتليته ببلية فكتم ذلك عواده ثلاثا أبدلته لحما خيرا من
لحمه ودما خيرا من دمه وبشرا خيرا من بشره ، فإن أبقيته أبقيته ولا ذنب له وان مات
مات إلى رحمتي». وزاد في خبر آخر مثله «قال قلت : جعلت فداك وكيف يبدله؟ قال يبدله
لحما ودما وشعرا وبشرا لم يذنب فيها». وعن الصادق (عليهالسلام) (2) قال : «من مرض
ليله فقبلها بقبولها كتب الله له عبادة ستين سنة. قلت ما معنى قبولها؟ قال لا يشكو
ما اصابه فيها الى أحد». وعن الصادق (عليهالسلام) (3) وقد سئل عن حد
الشكاية للمريض قال : «ان الرجل يقول حممت اليوم وسهرت البارحة وقد صدق وليس هذا
شكاية ، وانما الشكوى ان يقول لقد ابتليت بما لم يبتل به أحد ويقول لقد أصابني ما
لم يصب أحدا ، وليس الشكوى ان يقول سهرت البارحة وحممت اليوم ونحو هذا». وعن
الصادق (عليهالسلام) (4) قال : «ينبغي
للمريض منكم أن يؤذن
__________________
(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب الاحتضار.
(3) رواه في الوسائل في الباب 5 من أبواب الاحتضار.
(4) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب الاحتضار.
إخوانه بمرضه فيعودونه فيؤجر فيهم ويؤجرون
فيه قال فقيل له نعم هم يؤجرون فيه بممشاهم اليه فكيف يؤجر هو فيهم؟ قال فقال
باكتسابه لهم الحسنات فيؤجر فيهم ، فيكتب له بذلك عشر حسنات ويرفع له عشر درجات
ويمحى بها عنه عشر سيئات». وعن ابي الحسن (عليهالسلام) (1) قال : «إذا
مرض أحدكم فليأذن للناس يدخلون عليه فإنه ليس من أحد إلا وله دعوة مستجابة». وعن
الصادق (عليهالسلام) (2) «ما من أحد
يحضره الموت إلا وكل به إبليس من شياطينه من يأمره بالكفر ويشككه في دينه حتى تخرج
نفسه فمن كان مؤمنا لم يقدر عليه ، فإذا حضرتم موتاكم فلقنوهم شهادة ان لا إله إلا
الله وان محمدا رسول الله حتى يموتوا». وعنه (عليهالسلام) في حديث (3) «ان ملك الموت
يتصفح الناس في كل يوم خمس مرات عند مواقيت الصلاة فإن كان ممن يواظب عليها عند
مواقيتها لقنه شهادة ان لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله ونحى عنه ملك الموت
إبليس». وعن الصادق (عليهالسلام) (4) قال : «لا
عيادة في وجع العين ولا تكون عيادة في أقل من ثلاثة أيام فإذا وجبت فيوم ويوم لا
فإذا طالت العلة ترك المريض وعياله». وعن بعض موالي جعفر بن محمد (عليهالسلام) (5) قال : «مرض
بعض مواليه فخرجنا اليه نعوده ونحن عدة من موالي جعفر فاستقبلنا جعفر (عليهالسلام) في بعض
الطريق فقال لنا اين تريدون؟ فقلنا نريد فلانا نعوده. فقال لنا : قفوا فوقفنا فقال
: مع أحدكم تفاحة أو سفر جلة أو أترجة أو لعقة من طيب أو قطعة من عود بخور؟ فقلنا
ما معنا شيء من هذا. فقال أما تعلمون ان المريض يستريح الى كل ما ادخل عليه؟». وعن
الصادق
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 9 من أبواب الاحتضار.
(1 و 3) رواه في الوسائل في الباب 36 من أبواب الاحتضار.
(4) رواه في الوسائل في الباب 13 من أبواب الاحتضار.
(5) رواه في الوسائل في الباب 17 من أبواب الاحتضار.
(عليهالسلام) (1) قال : «تمام
العيادة للمريض ان تضع يدك على ذراعه وتعجل القيام من عنده فإن عيادة النوكى أشد
على المريض من وجعه». أقول : النوك بالضم : الحمق ، ورجل أنوك والجمع نوكى كقتلى. وعن
الصادق (عليهالسلام) (2) قال : «ان
أمير المؤمنين (عليهالسلام) قال. ان من
أعظم العواد اجرا عند الله لمن إذا عاد أخاه خفف الجلوس إلا ان يكون المريض يحب
ذلك ويريده ويسأله ذلك.». وعن الصادق (عليهالسلام) (3) قال : «إذا
أدخل أحدكم على أخيه عائدا له فليسأله يدعو له فان دعاءه مثل دعاء الملائكة». وعن
الباقر (عليهالسلام) (4) قال : «من عاد
مريضا في الله لم يسأل المريض للعائد شيئا إلا استجاب الله له». وعن الصادق (عليهالسلام) (5) قال : «عودوا
مرضاكم وسلوهم الدعاء فإنه يعدل دعاء الملائكة». وعن الباقر (عليهالسلام) (6) قال : «أيما
مؤمن عاد مؤمنا خاض الرحمة خوضا ، فإذا جلس غمرته الرحمة. فإذا انصرف وكل الله
تعالى به سبعين الف ملك يستغفرون له ويسترحمون عليه ويقولون طبت وطابت لك الجنة
إلى تلك الساعة من غد ، وكان له يا أبا حمزة خريف في الجنة. قلت ما الخريف جعلت
فداك؟ قال زاوية في الجنة يسير الراكب فيها أربعين عاما». والأحاديث في استحباب
العيادة وزيادة فضلها أكثر من ان يأتي عليها هذا المقام.
وعن ابي عبيدة الحذاء (7) قال : «قلت
لأبي جعفر (عليهالسلام) : حدثني بما
انتفع به فقال : يا أبا عبيدة أكثر ذكر الموت فإنه لم يكثر انسان ذكر الموت إلا
زهد في الدنيا». وعن ابي بصير (8) قال : «شكوت الى ابي عبد الله (عليهالسلام) الوسواس فقال
: يا أبا محمد اذكر تقطع أوصالك في قبرك ورجوع أحبائك عنك إذا دفنوك في
__________________
(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 15 من أبواب الاحتضار.
(3 و 4 و 5) رواه في الوسائل في الباب 12 من أبواب الاحتضار.
(6) رواه في الوسائل في الباب 10 من أبواب الاحتضار.
(7 و 8) رواه في الوسائل في الباب 23 من أبواب الاحتضار.
حفرتك وخروج بنات الماء من منخريك
وأكل الدود لحمك فان ذلك يسلي عنك ما أنت فيه. قال أبو بصير فوالله ما ذكرته إلا
سلى عني ما انا فيه من هم الدنيا». وعن الباقر (عليهالسلام) (1) قال : «قال
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) : الموت
الموت ألا ولا بد من الموت ، الى ان قال وقال : إذا استحقت ولاية الله والسعادة
جاء الأجل بين العينين وذهب الأمل وراء الظهر ، وإذا استحقت ولاية الشيطان
والشقاوة جاء الأمل بين العينين وذهب الأجل وراء الظهر. قال وسئل رسول الله (صلىاللهعليهوآله) أي المؤمنين
أكيس؟ فقال أكثرهم ذكرا للموت وأشدهم له استعدادا».
وعن أبي حمزة عن بعض الأئمة (عليهمالسلام) (2) قال : «ان
الله تبارك وتعالى يقول يا ابن آدم تطولت عليك بثلاث : سترت عليك ما لو يعلم به
أهلك ما وأروك ، وأوسعت عليك فاستقرضت منك فلم تقدم خيرا ، وجعلت لك نظرة عند موتك
في ثلثك فلم تقدم خيرا». وعن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهماالسلام) (3) قال : «قال
علي (عليهالسلام) : من اوصى
فلم يجحف ولم يضار كان كمن تصدق به في حياته. قال وقال (عليهالسلام) : ستة يلحقن
المؤمن بعد وفاته : ولد يستغفر له ومصحف يخلفه وغرس يغرسه وبئر يحفرها وصدقة
يجريها وسنة يؤخذ بها من بعده». وعن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهماالسلام) (4) «ان النبي سئل
عن رجل يدعى الى وليمة والى جنازة فأيهما أفضل وأيهما يجيب؟ قال يجيب الجنازة
فإنها تذكر الآخرة ، وليدع الوليمة فإنها تذكر الدنيا». وعن الصادق (عليهالسلام) (5) قال : «الوصية
حق على كل مسلم». وعن زيد الشحام (6) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الوصية
فقال هي حق على كل مسلم».
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 23 من أبواب الاحتضار.
(2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 30 من أبواب الاحتضار.
(4) رواه في الوسائل في الباب 34 من أبواب الاحتضار.
(5 و 6) رواه في الوسائل في الباب 1 من كتاب الوصايا.
قال بعض مشايخنا (عطر الله مراقدهم) : قوله : «الوصية حق»
اي لازم وجوبا إذا كانت ذمته مشغولة ولم يظن الوصول الى صاحب الحق إلا بها ،
واستحبابا مؤكدا في غيره من الخيرات والمبرات.
وقال بعض مشايخنا المحدثين : «الوصية العهد ، يقال أوصاه
ووصاه توصية : عهد اليه ، والوصية التي هي حق على كل مسلم ان يعهد الى أحد إخوانه
أن يتصرف في بعض ماله بعد موته تصرفا ينفعه في آخرته ، فان كان عليه حق لله سبحانه
أو لبعض عباده قضاه منه ، وان كان له أولاد صغار قام عليهم وحفظ عليهم أموالهم ،
أو كان في ورثته مجنون أو معتوه أو سفيه فكذلك نظرا لهم وصيانة لأموالهم وتخفيفا
على المؤمنين مؤنتهم وان يفرض شيئا من ماله لأصدقائه وأقرباؤه ممن لا يرث ان فضل
عن غنى الورثة وكان ذلك الصديق أو القريب به أحرى الى غير ذلك مما يجري هذا المجرى
، وان يشهد جماعة من المؤمنين على ايمانه وتفصيل عقائده الحقة ويعهد إليهم ان
يشهدوا له بها عند ربه يوم يلقاه ، ولا يشترط في الوصية ان تكون عند حضور الموت بل
ورد انه لا ينبغي ان لا يبيت الإنسان إلا ووصيته تحت رأسه» انتهى كلامه زيد
إكرامه.
وعن الصادق (عليهالسلام) (1) «قال له رجل
اني خرجت إلى مكة فصحبني رجل وكان زميلي فلما ان كان في بعض الطريق مرض وثقل ثقلا
شديدا فكنت أقوم عليه ثم أفاق حتى لم يكن عندي به بأس فلما ان كان في اليوم الذي
مات فيه أفاق فمات في ذلك اليوم. فقال الصادق (عليهالسلام) ما من ميت
تحضره الوفاة إلا رد الله تعالى عليه من سمعه وبصره وعقله للوصية أخذ الوصية أو
ترك وهي الراحة التي يقال لها راحة الموت ، فهي حق على كل مسلم».
وعن الصادق (عليهالسلام) (2) قال : «قال
رسول الله (ص) من لم يحسن وصيته
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 4 من كتاب الوصايا.
(2) رواه في الوسائل في الباب 3 من كتاب الوصايا.
عند الموت كان نقصا في مروته وعقله.
قيل يا رسول الله وكيف يوصي الميت؟ قال إذا حضرته الوفاة واجتمع الناس اليه قال (اللهُمَّ
فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) الرحمن الرحيم
، اللهم إني أعهد إليك في دار الدنيا اني اشهد ان لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك
وان محمدا عبدك ورسولك وان الجنة حق والنار حق وان البعث حق والحساب حق والقدر حق
والميزان حق وان الدين كما وصفت وان الإسلام كما شرعت وان القول كما حدثت وان
القرآن كما أنزلت وانك أنت الله الحق المبين ، جزى الله محمدا عنا خير الجزاء وحيا
الله محمدا وآله بالسلم ، اللهم يا عدتي عند كربتي ويا صاحبي عند شدتي ويا وليي
عند نعمتي ، إلهي وإله آبائي لا تكلني الى نفسي طرفة عين أبدا فإنك إن تكلني الى
نفسي طرفة عين كنت أقرب من الشر وأبعد من الخير ، وآنس في القبر وحشتي واجعل لي
عهدا يوم ألقاك منشورا. ثم يوصي بحاجته ، وتصديق هذه الوصية في القرآن في السورة
التي يذكر فيها مريم في قوله تعالى : «لا
يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً» (1) فهذا عهد
الميت ، والوصية حق على كل مسلم وحق عليه ان يحفظ هذه الوصية ويعلمها ، وقال أمير
المؤمنين (عليهالسلام) علمنيها رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) وقال رسول
الله علمنيها جبرئيل».
إذا عرفت ذلك فالكلام في هذا المقصد يقع في مواضع (الأول)
ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه يجب حال الاحتضار ـ وهو وقت نزع
الروح من البدن ، وسمى به لأن الملائكة تحضره أو لحضور اهله عنده أو لحضور
المؤمنين لتجهيزه ـ توجيهه إلى القبلة بأن يلقى على ظهره ويجعل باطن قدميه إلى القبلة
بحيث لو جلس كان مستقبلا ، وعن الخلاف القول بالاستحباب ، قال في المعتبر : «وهو
مذهب الجمهور خلا سعيد بن المسيب فإنه أنكره» والى هذا القول ذهب المحقق في
المعتبر وصاحب المدارك وصاحب الذخيرة ، قال شيخنا الشهيد الثاني بعد ذكر الحكم
المذكور : «ومستنده من الاخبار
__________________
(1) سورة مريم. الآية 87.
السليمة سندا ومتنا ما رواه محمد بن
يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن ابي عمير عن هشام بن سالم عن سليمان بن
خالد (1) قال : «سمعت
أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول : إذا
مات لأحدكم ميت فسجوه تجاه القبلة ، وكذلك إذا غسل يحفر له موضع المغتسل تجاه
القبلة فيكون مستقبلا بباطن قدميه ووجهه إلى القبلة». واما غيره من الاخبار التي
استدل بها على الوجوب فلا يخلو من شيء اما في السند أو في الدلالة» واعترضه سبطه
في المدارك فقال بعد نقل ذلك : «هذا كلامه ، ويمكن المناقشة في هذه الرواية من حيث
السند بإبراهيم بن هاشم حيث لم ينص علماؤنا على توثيقه وبان راويها وهو سليمان بن
خالد في توثيقه كلام ، ومن حيث المتن بان المتبادر منها ان التسجية تجاه القبلة
انما يكون بعد الموت لا قبله ، ومن ثم ذهب جمع من الأصحاب : منهم ـ المصنف في المعتبر
الى الاستحباب استضعافا لأدلة الوجوب وهو متجه» انتهى.
أقول : لا يخفى ان هذه المناقشة من المناقشات الواهية
وان كان قد تقدمه فيها شيخه المحقق الأردبيلي :
(اما أولا) ـ فمن حيث طعنه في إبراهيم بن هاشم بعدم
التوثيق وكذا طعنه في سليمان بن خالد ورده الرواية بذلك ، فإنه قد قبل رواية
إبراهيم في غير موضع من شرحه وعدها من قسم الحسن مصرحا بأنها لا تقصر عن الصحيح ،
بل نظمها في الصحيح أيضا في مواضع وان طعن فيها أيضا في مواضع أخر مثل هذا الموضع
، كل ذلك يدور مدار احتياجه لها تارة وعدمه اخرى ، وهذا من جملة المواضع التي
اضطرب فيها كلامه ، ومن ذلك ما ذكره في كتاب الصوم في مسألة رؤية الهلال قبل
الزوال حيث قال : «والمسألة قوية الإشكال لأن الروايتين المتضمنتين لاعتبار ذلك
معتبرتا الاسناد ، والاولى منهما لا تقصر عن مرتبة الصحيح لان دخولها في مرتبة
الحسن بإبراهيم بن هاشم» انتهى على ان حديث إبراهيم بن هاشم مما عده في الصحيح
جملة من محققي متأخري المتأخرين
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 35 من أبواب الاحتضار.
كالشيخ البهائي ووالده والمولى محمد
باقر المجلسي ووالده وغيرهم ، وهو الحق الحقيق بالاتباع ، إذ لا يخفى ان ما ذكره
علماء الرجال في حقه من انه أول من نشر حديث الكوفيين بقم من أعلى مراتب التوثيق ،
لما علم من تصلب أهل قم في قبول الروايات والطعن بمجرد الشبهة في جملة من الثقات
وزيادة احتياطهم في ذلك ، فأخذهم عن هذا الفاضل وسماعهم عنه الحديث واعتمادهم عليه
لا يقصر عن قولهم ثقة بقول مطلق ان لم يزد على ذلك ، وبالجملة فأهل هذا الاصطلاح
مجمعون على قبول روايته ولا راد لها بالكلية إلا من مثل السيد (رحمهالله) في مقام حب
المناقشة ، وبالجملة فإنه ليس له في هذا الباب ضابطة ولا يقف على رابطة. واما
سليمان بن خالد فإنه قد نظم حديثه في الصحيح في مواضع عديدة من كتابه : منها ـ في
بحث غسل الجنابة في مسألة خروج البلل المشتبه بعد الغسل ، ومنها ـ في بحث القنوت
في قنوت الجمعة ، ومنها ـ في نوافل يوم الجمعة وفي مبحث الوقت في آخر وقت صلاة
الليل وانه الفجر الثاني وفي مواضع من الجلد الثاني في مواضع تنيف على عشرين موضعا
، ولا أعلم أحدا من أصحاب هذا الاصطلاح ينقل حديثه إلا ويعده في الصحيح.
و (اما ثانيا) ـ فما ناقش به في متن الرواية المذكورة
بما ذكره فهو وان كان بحسب ما يترائى إلا انه قد وقع تجوز في العبارة ، وهو مجاز
شائع كما في قوله سبحانه «إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ ...» (1) أي إذا أردتم «فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ» (2) ونحو ذلك ،
والمراد هنا من قوله (عليهالسلام) : «إذا مات
لأحدكم ميت» يعني إذا أشرف على الموت واحتضر لا وقوع الموت بالفعل ، وإلا للزم
وجوب توجيه الميت إلى القبلة حيث ما وضع ما لم يدفن ولا أظنه يلتزمه ، وكذا القول
في قوله في الخبر المذكور «إذا غسل» أي إذا أريد غسله نظير الآيتين المذكورتين ،
وبما ذكرنا صرح ايضا شيخنا البهائي في الحبل المتين فقال : «وأنت خبير بأن إطلاق
الميت على المشرف على الموت شائع في الاستعمال كثير في الاخبار كما في الحديث
الثاني والثامن والتاسع والعاشر» انتهى.
__________________
(1) سورة المائدة الآية 8.
(2) سورة النحل الآية 10.
و (اما ثالثا) ـ فإنه إذا كانت الرواية باعتبار المعنى
الذي صار اليه لا دلالة فيها على وجوب توجيه المحتضر إلى القبلة كما هو القول
المشهور لان موردها انما هو بعد الموت ، وغيرها من الروايات الواردة في المقام كما
ستمر بك ان شاء الله تعالى كلها من هذا القبيل ، فالاستحباب الذي صاروا إليه بأي
دليل اعتمدوا فيه عليه؟ إذ لا ريب ان الاستحباب حكم شرعي يتوقف على الدليل ، وعلى
هذا فينعكس الاشكال فيما ذهبوا اليه لقولهم باستحباب توجيه المحتضر إلى القبلة من
غير دليل ، إذ ليس إلا هذه الروايات ومعناها ـ كما زعمه ـ انما هو التوجيه بعد
الموت ، فأي دليل دل على استحباب التوجيه حال الاحتضار؟ ما هذه إلا مجازفات واهية
، وصاحب الذخيرة هنا انما التجأ في الحمل على الاستحباب الى قاعدته التي قدمنا
الكلام فيها من عدم دلالة الأوامر في أخبارنا على الوجوب ، فالتجأ إلى الاستحباب
تفاديا من طرح الاخبار ، وقد عرفت ما فيه.
ثم ان من روايات المسألة ما رواه الصدوق في الفقيه مرسلا
وفي العلل مسندا عن الصادق عن أمير المؤمنين (عليهماالسلام) (1) قال : «دخل
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) على رجل من
ولد عبد المطلب وهو في السوق وقد وجه الى غير القبلة ، فقال وجهوه إلى القبلة
فإنكم إذا فعلتم ذلك أقبلت عليه الملائكة. الحديث». وهو صريح ـ كما ترى ـ في كون
التوجيه إلى القبلة في حال الاحتضار. وطعن فيه في المعتبر بأنه قضية في واقعة
معينة فلا تدل على العموم ، وان التعليل في الرواية كالقرينة الدالة على الفضيلة.
وأنت خبير بما فيه من الوهن والقصور إذ لو قام مثل هذا الكلام لانسد به باب
الاستدلال في جميع الأحكام ، إذ لا حكم وارد في خبر من الأخبار إلا ومورده قضية
مخصوصة فلو قصر الحكم على مورده لانسد باب الاستدلال ، فإنه إذا سأل سائل الامام
اني صليت وفي ثوبي نجاسة نسيتها فقال أعد صلاتك ، فلقائل أن يقول في هذا الخبر كما
ذكره هنا مع انه لا خلاف بين الأصحاب في الاستدلال به على جزئيات الأحكام
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 35 من أبواب الاحتضار.
والنجاسات مما هو نظير هذه الواقعة ،
وأضعف من ذلك استناده إلى دلالة التعليل على الاستحباب. واما طعنه في المعتبر في
اخبار المسألة أيضا بضعف الاسناد فقد تقدم الكلام فيه وبيان منافاته لما قرره في
صدر كتابه. وبالجملة فإن مناقشاتهم في هذه المسألة مما لا يلتفت إليها ولا يعول
عليها.
ومنها ـ ما رواه في الكافي في الحسن بإبراهيم بن هاشم
على المشهور والصحيح عندي إلى إبراهيم الشعيري وغير واحد عن الصادق (عليهالسلام) (1) : «في توجيه
الميت؟ قال : تستقبل بوجهه القبلة وتجعل قدميه مما يلي القبلة».
وعن معاوية بن عمار (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الميت
فقال : استقبل بباطن قدميه القبلة».
وما رواه الشيخ في الصحيح عن ذريح المحاربي عن الصادق (عليهالسلام) (3) في حديث قال :
«إذا وجهت الميت للقبلة فاستقبل بوجهه القبلة لا تجعله معترضا كما يجعل الناس ،
فإني رأيت أصحابنا يفعلون ذلك وقد كان أبو بصير يأمر بالاعتراض.». والظاهر ان قوله
: «وقد كان أبو بصير» من كلام الراوي ، ويحتمل ان يكون من كلام الامام (عليهالسلام) ولعل أمر أبي
بصير بذلك انما كان من حيث التقية (4).
وهل يبقى لمتأمل منصف بعد الوقوف على هذه الأخبار
السالمة عن المعارض
__________________
(1 و 2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 35 من أبواب الاحتضار.
(4) في البحر الرائق لابن نجيم الحنفي ج 2 ص 170 «وبوجه إلى
القبلة على يمينه للسنة المنقولة واختار مشايخنا بما وراء النهر الاستلقاء على
ظهره وقدماه إلى القبلة لأنه أيسر لخروج الروح» وفي المهذب للشيرازي الشافعي ج 1 ص
126 «يستحب ان يضجع على جنبه الأيمن مستقبل القبلة» وفي نيل الأوطار للشوكانى ج 4
ص 18 «واختلف في صفة التوجيه إلى القبلة فقال الهادي والناصر والشافعي في أحد
قوليه انه يوجه مستلقيا ليستقبلها بكل وجه ، وقال المؤيد وأبو حنيفة والامام يحيى
والشافعي في أحد قوليه انه يوجه على جنبه الأيمن».
توقف في الحكم بالوجوب.
وفي المقام فوائد (الأولى) ـ لا يخفى انه على تقدير
القول بالوجوب فهل يسقط بالموت أم يجب دوام الاستقبال بالميت مهما أمكن؟ اشكال ،
قال في الذكرى : «ظاهر الأخبار سقوط الاستقبال بموته وان الواجب ان يموت إلى
القبلة ، وفي بعضها احتمال دوام الاستقبال ، ونبه عليه ذكره حال الغسل ووجوبه حال
الصلاة والدفن وان اختلفت الهيئة عندنا» وقال المحقق الأردبيلي : «والظاهر إبقاؤه
على تلك الحالة حتى ينقل الى المغتسل ويراعى هناك ايضا كذلك لا انه يكون حين خروج
الروح فقط لان ظاهر الاخبار بعد الموت».
أقول : مبنى كلام الشهيد على ما قدمناه من حمل الميت في
الأخبار على المشرف على الموت ، حيث انه قائل بوجوب الاستقبال بالميت حال الاحتضار
، وبذلك يظهر ما في كلام صاحب المدارك حيث قال بعد نقل ذلك عنه : «ولم أقف على ما
ذكره من الاخبار المتضمنة للسقوط» انتهى. وفيه ما عرفت من انه متى حملت الأخبار
على المشرف على الموت وخصت به فظاهرها السقوط بعد الموت ، ومبنى كلام المحقق
المذكور على حمل الأخبار المذكورة على ظاهرها من كون الاستقبال بعد الموت حيث انه
ممن اختار عدم الوجوب ، وشيخنا المشار اليه انما صار الى احتمال الدوام من حيث
اخبار الغسل والصلاة والدفن كما ذكره. والأقرب بناء على تأويل تلك الاخبار بما
ذكرناه هو اختصاص الوجوب بحال الاحتضار ، إذ هو مقتضى الدليل خاصة والتعدي عنه
يحتاج الى الدليل ، وورود الاستقبال في اخبار الغسل والصلاة والدفن لا يقتضي الحكم
به فيما بينها وما قبلها.
(الثانية) ـ لو اشتبهت القبلة فالظاهر سقوط وجوب
الاستقبال لعدم إمكان توجيهه في حالة واحدة إلى الجهات الأربع ، واحتمل في الذكرى
ذلك. أقول : هذا الكلام مبني على القول المشهور من ان فاقد القبلة يصلى الى أربع
جهات ، واما على ما هو
المختار في المسألة من انه يصلي الى
اي جهة شاء فيكون هنا كذلك ايضا. واما ما احتمله في الذكرى بناء على المشهور
فالظاهر بعده.
(الثالثة) ـ الظاهر انه لا فرق في هذا الحكم بين الصغير
والكبير للعموم ، قالوا : والظاهر اختصاص الحكم بوجوب الاستقبال بمن يعتقد وجوبه ،
فلا يجب توجيه المخالف إلزاما له بمذهبه كما يغسل غسله ويقتصر في الصلاة عليه على
اربع تكبيرات. أقول : هذا التفريع انما يتجه على تقدير الحكم بإسلام المخالف ووجوب
تغسيله والصلاة عليه ودفنه كما هو المشهور بين متأخري أصحابنا ، واما على ما هو
الحق من كفره وعدم جواز تغسيله ولا الصلاة عليه ولا دفنه كما سيظهر لك ان شاء الله
تعالى في المباحث الآتية فلا وجه له. والله العالم.
(الموضع الثاني) ـ المشهور بين الأصحاب بل ادعى عليه
الإجماع جمع منهم ان جميع أحكام الميت من توجيهه إلى القبلة وتكفينه وتغسيله
وتحنيطه وحفر قبره واجبة كفائية على من علم بموته من المسلمين ، قالوا : والمراد
من الواجب الكفائي هنا مخاطبة كل من علم بموته من المكلفين ممن يمكنه مباشرة ذلك
الفعل به استقلالا أو منضما الى غيره حتى يعلم تلبس من فيه الكفاية به فيسقط حينئذ
عنه سقوطا مراعى باستمرار الفاعل عليه حتى يفرغ.
وهل يبقى الوجوب على من علم الى ان يعلم وقوع الفعل شرعا
أو يكتفى بظن قيام الغير به؟ قولان : صرح بالثاني العلامة وجماعة ، قالوا لان
العلم بان الغير يفعل كذا في المستقبل ممتنع ولا تكليف به والممكن تحصيل الظن ،
ولاستبعاد وجوب حضور أهل البلد الكبير عند الميت حتى يدفن ، وفرعوا عليه انه لو ظن
قوم قيام غيرهم به سقط عنهم ولو ظنوا عدمه وجب عليهم. وبالأول صرح شيخنا الشهيد
الثاني في الروض وسبطه في المدارك وأجاب في الروض عن الدليل المتقدم بأنه يشكل بان
الظن انما يقوم مقام العلم مع النص عليه بخصوصه أو دليل قاطع ، وما ذكره لا تتم به
الدلالة لأن تحصيل العلم بفعل الغير في المستقبل
ممكن بالمشاهدة ونحوها من الأمور
المثمرة له والاستبعاد غير مسموع ، وباستلزامه سقوط الواجب عند عدم العلم بقيام
الغير به ، وبان الوجوب معلوم والمسقط مظنون والمعلوم لا يسقط بالمظنون.
أقول : والظاهر بناء على ثبوت ما ذكروه من الوجوب كفاية
هو القول الأول لما ذكره شيخنا المشار إليه فإنه الأوفق بالقواعد الشرعية ، إلا
اني لا اعرف لهذا القول ـ وان اشتهر بينهم بل ادعي عليه الإجماع ـ دليلا يعتمد
عليه ولا حديثا يرجع فيه اليه ، ولم يصرح أحد منهم بدليل في المقام حتى من متأخري
المتأخرين الذين عادتهم المناقشة في الأحكام وطلب الأدلة فيها عنهم (عليهمالسلام) وكأن الحكم
مسلم الثبوت بينهم. مع ان الذي يظهر لي من الاخبار ان توجه الخطاب بجميع هذه
الأحكام ونحوها من التلقين ونحوها كما ستقف عليها ان شاء الله تعالى في مواضعها ،
واخبار توجيه الميت إلى القبلة وان لم يصرح فيها بالولي إلا ان الخطاب فيها توجه
الى أهل الميت دون كافة المسلمين فيمكن حمل إطلاقها على ما دلت عليه تلك الاخبار.
ولا أعرف للأصحاب مستندا فيما صاروا اليه من الوجوب الكفائي إلا ما يظهر من دعوى
الاتفاق حيث لم ينقل فيه خلاف ولم يناقش فيه مناقش ، ومما يؤكد ما ذكرنا ما صرح به
في الروض في مسألة ما يستحب ان يعمل بالميت حال الاحتضار حيث قال : «واعلم ان الاستحباب
في هذا الموضع كفائي فلا يختص بالولي وان كان الأمر فيه آكد ، وفي بعض الاخبار
وروايات الأصحاب ما يدل على اختصاصه بذلك» ثم نقل في حاشية الكتاب عن العلامة في
النهاية انه قال : والأقوى انه إذا تيقن الولي نزول الموت بالمريض ان يوجهه إلى
القبلة. الى آخره ، ثم حكى حديثا يظهر منه ذلك. انتهى. ولا يخفى ما في الخروج عن
مقتضى الأخبار الدالة على الاختصاص ـ كما اعترف به ـ من غير دليل من المجازفة ،
ولا ريب ان الواجب هو العمل بمقتضى الدليل من الاخبار المشار إليها. نعم لو أخل
الولي بذلك ولم يكن ثمة
حاكم شرعي يجبره على القيام بذلك أو
لم يكن ثمة للميت ولي انتقل الحكم الى المسلمين بالأدلة العامة ، كما تشير اليه
اخبار العراة الذين رأوا ميتا قد قذفه البحر عريانا ولم يكن عندهم ما يكفنونه به
وانهم أمروا بدفنه والصلاة عليه (1).
وربما يقال ان الوجوب كفاية شامل للولي وغيره وان كان
الولي أو من يأمره اولى بذلك فتكون هذه الأولوية أولوية استحباب وفضل ، كما يفهم
من عبارة المحقق في الشرائع في مسألة التغسيل وقوله : انه فرض على الكفاية واولى
الناس به أولاهم بميراثه. وبه صرح في المنتهى حيث قال : «ويستحب ان يتولى تغسيله
اولى الناس به. الى آخره» إلا ان فيه (أولا) ـ ان ذلك فرع ثبوت الوجوب الكفائي وقد
عرفت انه لا مستند له من الأخبار بل ظاهرها خلافه. و (ثانيا) ـ ان ظاهر كلامهم في
مسألة الصلاة على الميت اناطة الحكم بالولي أو من يأمره ولا يجوز التقدم في الصلاة
بغير اذنه ، ومن الظاهر انه لا فرق بين الصلاة وغيرها بالنسبة الى ما يفهم من
الأخبار ، إذا الخطابات فيها في جميع هذه المواضع على نهج واحد وان كان الأصحاب
انما ذكروا ذلك في مسألة الصلاة. والله العالم.
(الموضع الثالث) ـ في آداب الاحتضار ، ومنها ـ تلقينه
الشهادتين والإقرار بالأئمة الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين) وكلمات الفرج.
ويدل على ذلك جملة من الأخبار : منها ـ ما رواه في
الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن الصادق (عليهالسلام) (2) قال : «إذا
حضرت الميت قبل ان يموت فلقنه شهادة ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له وان محمدا
عبده ورسوله».
وعن محمد بن مسلم في الصحيح أو الحسن عن الباقر (عليهالسلام) عند الموت
وحفص بن البختري عن الصادق (عليهالسلام) (3) قال : «انكم
تلقنون موتاكم لا إله إلا الله
__________________
(1) رواها في الوسائل في الباب 36 من أبواب صلاة الجنازة.
(2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 36 من أبواب الاحتضار.
ونحن نلقن موتانا محمد رسول الله».
ومنها ـ ما رواه في الكافي في الصحيح عن زرارة عن الباقر
(عليهالسلام) (1) قال : «إذا
أدركت الرجل عند النزع فلقنه كلمات الفرج : لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله
إلا الله العلي العظيم سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن
وما بينهن ورب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين. قال : وقال أبو جعفر (عليهالسلام): لو أدركت
عكرمة عند الموت لنفعته ، فقيل لأبي عبد الله (عليهالسلام) بما ذا كان
ينفعه؟ قال يلقنه ما أنتم عليه».
وعن ابي بصير عن الباقر (عليهالسلام) (2) قال : «كنا
عنده وعنده حمران إذ دخل عليه مولى له فقال له : جعلت فداك هذا عكرمة في الموت ،
وكان يرى رأي الخوارج وكان منقطعا الى ابي جعفر (عليهالسلام) فقال لنا أبو
جعفر انظروني حتى أرجع إليكم فقلنا نعم ، فما لبث ان رجع فقال اما إني لو أدركت
عكرمة قبل ان تقع النفس موقعها لعلمته كلمات ينتفع بها ولكني أدركته وقد وقعت
النفس موقعها. قلت : جعلت فداك وما ذاك الكلام؟ قال : هو والله ما أنتم عليه
فلقنوا موتاكم عند الموت : شهادة ان لا إله إلا الله والولاية».
وعن ابي خديجة عن الصادق (عليهالسلام) (3) قال : «ما من
أحد يحضره الموت إلا وكل به إبليس من شياطينه من يأمره بالكفر ويشككه في دينه حتى
تخرج نفسه ، فمن كان مؤمنا لم يقدر عليه فإذا حضرتم موتاكم فلقنوهم شهادة ان لا
إله إلا الله وان محمدا رسول الله حتى يموتوا».
قال في الكافي وفي رواية أخرى (4) قال : «فلقنه
كلمات الفرج والشهادتين
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 38 من أبواب الاحتضار.
(2 و 4) رواه في الوسائل في الباب 37 من أبواب الاحتضار.
(3) رواه في الوسائل في الباب 36 من أبواب الاحتضار.
وتسمى له الإقرار بالأئمة (عليهمالسلام) واحدا بعد
واحد حتى ينقطع عنه الكلام».
وعن ابي بكر الحضرمي (1) قال : «مرض رجل من أهل بيتي فأتيته
عائدا له فقلت له يا ابن أخي ان لك عندي نصيحة أتقبلها؟ فقال نعم. فقلت له قل اشهد
ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، فشهد بذلك ، فقلت له قل وان محمدا رسول الله
، فشهد بذلك ، فقلت ان هذا لا تنتفع به إلا ان يكون منك على يقين ، فذكر انه منه
على يقين فقلت له قل اشهد ان عليا وصيه وهو الخليفة من بعده والامام المفترض
الطاعة من بعده فشهد بذلك ، فقلت له انك لا تنتفع به حتى يكون منك على يقين ، فذكر
انه منه على يقين ، ثم سميت له الأئمة (عليهمالسلام) واحدا بعد
واحد فأقر بذلك وذكر انه على يقين ، فلم يلبث الرجل ان توفي فجزع عليه اهله جزعا
شديدا. قال فغبت عنهم ثم أتيتهم بعد ذلك فرأيت عزاء حسنا فقلت كيف تجدونكم كيف
عزاؤك أيتها المرأة؟ قالت والله لقد أصبنا بمصيبة عظيمة بوفاة فلان (رحمهالله) وكان مما سخا
بنفسي لرؤيا رأيتها الليلة فقلت وما تلك الرؤيا؟ قالت : رأيت فلانا ـ تعني الميت ـ
حيا سليما فقلت فلان قال : نعم فقلت أما كنت ميتا؟ فقال بلى ولكن نجوت بكلمات
لقننيها أبو بكر ولو لا ذلك لكدت أهلك». وعن ابي بكر الحضرمي (2) قال : «قال
أبو عبد الله (عليهالسلام) : لو ان عابد
وثن وصف ما يصفونه عند خروج نفسه ما طعمت النار من جسده شيئا أبدا».
وعن القداح عن الصادق (عليهالسلام) (3) قال : «كان
أمير المؤمنين (عليهالسلام) إذا حضر أحدا
من أهل بيته الموت قال له : قل لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله
العلي العظيم سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما بينهما ورب
العرش العظيم والحمد لله رب العالمين. فإذا قالها المريض قال اذهب فليس عليك بأس».
__________________
(1) رواه في التهذيب ج 1 ص 81 والكافي ج 1 ص 34.
(2) رواه في الوسائل في الباب 37 من أبواب الاحتضار.
(3) رواه في الوسائل في الباب 38 من أبواب الاحتضار.
وعن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن الصادق (عليهالسلام) (1) «ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) دخل على رجل
من بني هاشم وهو يقضي فقال له : رسول الله قل لا إله إلا الله العلي العظيم لا إله
إلا الله الحليم الكريم سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما بينهن
ورب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين. فقالها فقال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) الحمد لله
الذي استنقذه من النار».
ورواه الصدوق في الفقيه مرسلا (2) قال : «قال
الصادق (عليهالسلام) ان رسول الله
(صلىاللهعليهوآله) دخل على رجل
من بني هاشم وهو في النزع فقال له : قل لا إله إلا الله العلي العظيم سبحان الله
رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم وسلام
على المرسلين والحمد لله رب العالمين. فقالها. الى أخر ما تقدم في رواية الكافي». ثم
قال الصدوق : «وهذه هي كلمات الفرج».
وعن أبي سلمة عن الصادق (عليهالسلام) (3) قال : «حضر
رجلا الموت فقيل يا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ان فلانا قد
حضره الموت فنهض رسول الله ومعه أناس من أصحابه حتى أتاه وهو مغمى عليه قال فقال
يا ملك الموت كف عن الرجل حتى اسأله ، فأفاق الرجل فقال له النبي (صلىاللهعليهوآله) ما رأيت؟ قال
رأيت بياضا كثيرا وسوادا كثيرا. قال فأيهما كان أقرب إليك؟ فقال السواد. فقال
النبي (صلىاللهعليهوآله) قل : اللهم
اغفر لي الكثير من معاصيك واقبل مني اليسير من طاعتك ، فقاله ثم أغمي عليه ، فقال
يا ملك الموت خفف عنه حتى اسأله ، فأفاق الرجل فقال ما رأيت؟ قال رأيت بياضا كثيرا
وسوادا كثيرا. قال : فأيهما كان أقرب إليك؟ فقال البياض ، فقال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) غفر الله
لصاحبكم. قال فقال أبو عبد الله : إذا
__________________
(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 38 من أبواب الاحتضار.
(3) رواه في الوسائل في الباب 39 من أبواب الاحتضار.
حضرتم ميتا فقولوا له هذا الكلام
ليقوله».
أقول : ويستفاد من مجموع هذه الاخبار فوائد (الاولى) ـ ان
من جملة ما يستحب عند الاحتضار زيادة على ما قدمناه تلقين هذا الدعاء المذكور في
الخبر الأخير والظاهر ان المراد بالبياض والسواد في الخبر المشار إليه هي الأعمال
الصالحة والأعمال السيئة ، وان قرب السواد اليه كناية عن إرادة مؤاخذته بتلك
الأعمال السيئة وحيلولتها بينه وبين ذلك البياض الذي هو كناية عن الأعمال الصالحة
ومن يقول ذلك الدعاء غفر له وقرب منه البياض الذي هو اعماله الصالحة وتباعد عنه
ذلك السواد. وفي خبر آخر رواه في الكافي (1) أيضا عن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) زيادة على
هذا الدعاء ونقصان منه ، وصورته : «ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قال له : قل
لا إله إلا الله فقال لا إله إلا الله. فقال قل : يا من يقبل اليسير ويعفو عن
الكثير اقبل مني اليسير واعف عني الكثير انك أنت العفو الغفور فقالها فقال له : ما
ذا ترى؟ فقال : أرى أسودين قد دخلا علي فقال أعدها فأعادها فقال ما ترى؟ قال قد
تباعدا عني ودخل أبيضان وخرج الأسودان فما أراهما ودنا الأبيضان مني الآن يأخذان
بنفسي فمات من ساعته». والتقريب فيه قريب مما تقدم ، فان جميع ما يراه في تلك
النشأة من حسن وقبيح فإنه من ثمرة أعماله الحسنة والقبيحة وربما كان متجسما من كل
منهما.
(الثانية) ـ اختلفت الأخبار في كلمات الفرج زيادة
ونقصانا وتقديما وتأخيرا ومنها هنا صحيحة زرارة المتقدمة (2) ورواية القداح
ومرسلة الفقيه (3) ولا يخفى ما
بينها من الاختلاف ، ومنها أيضا رواية أبي بصير الواردة في قنوت يوم الجمعة عن
الصادق (عليهالسلام) (4) قال : «القنوت
يوم الجمعة في الركعة الأولى بعد القراءة تقول في القنوت : لا إله إلا الله الحليم
الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم لا إله إلا الله رب السماوات السبع
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 39 من أبواب الاحتضار عن الفقيه.
(2) ص 361.
(3) ص 362 و 363.
(4) المروية في الوسائل في الباب 7 من أبواب القنوت.
ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن
وما تحتهن ورب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين. الحديث». قال في المدارك : «وذكر
المفيد وجمع من الأصحاب انه يقول قبل التحميد : «وَسَلامٌ
عَلَى الْمُرْسَلِينَ» وسئل عنه المصنف في الفتاوى فجوزه
لانه بلفظ القرآن ، ولا ريب في الجواز لكن جعله في أثناء كلمات الفرج مع خروجه
عنها ليس بجيد» انتهى. أقول : فيه ان ما رواه في الفقيه مرسلا (1) عن الصادق (عليهالسلام) مع قوله بعد
ذكر الرواية : «وهذه هي كلمات الفرج». ظاهر في دخول «وَسَلامٌ
عَلَى الْمُرْسَلِينَ» كما هو المنقول عن المفيد ومن تبعه
، ومثله ايضا ما ذكره في الفقه الرضوي حيث قال (عليهالسلام) في هذا
المقام (2) : «ويستحب
تلقين كلمات الفرج وهي لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي
العظيم سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب
العرش العظيم وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين». واما جواب المحقق كما
نقله فهو ايضا ناشىء عن عدم الوقوف على الرواية. لكن العجب هنا من صاحبي الوافي
والوسائل انهما في نقلهما حديث الفقيه لم يذكرا فيه هذه الزيادة ، ولعل ما عندهما
من نسخ الكتاب كان عاريا عن ذلك إلا انها موجودة فيما عندنا من نسخ الكتاب ، وعلى
ذلك ايضا نبه الشيخ محمد ابن الشيخ حسن في شرحه على الكتاب. وهو يدل على وجودها في
كتابه حتى انه رجح ثبوتها بعد ان نقل صحيحة زرارة خالية منها فقال : «ولعل الصدوق
أثبت في النقل وأبعد من السهو» والى ذلك ايضا يشير كلام المولى محمد تقي المجلسي
في شرحه على الكتاب. وكيف كان فلا يخفى ان الأخبار المذكورة مختلفة في تأدية هذه
الكلمات التي هي كلمات الفرج ولا وجه للجمع بينها الا العمل بكل منها ويرجع الى
التخيير في ذلك.
(الثالثة) ـ ان ما تضمنته صحيحة محمد بن مسلم وحفص بن
البختري (3) من قولهما (عليهماالسلام): «انكم
تلقنون موتاكم. إلخ». لا يخلو من اشكال وتعدد وجوه الاحتمال
__________________
(1) ص 363.
(2) ص 17.
(3) ص 360.
قيل : ولعل خطابهما (عليهماالسلام) مع أهل مكة
ونحوهم الذين يكتفون بتلقين كلمة التوحيد ، وفي الوافي بعد نقل الخبر المذكور : «وذلك
لأنهم مستغنون عن تلقين التوحيد لانه خمر بطينتهم لا ينفكون عنه» انتهى أقول : فيه
ان ظاهر كلامه تخصيص ذلك بالأئمة بمعنى ان المراد بموتانا يعني من الأئمة وهو بعيد
غاية البعد فإنهم (عليهمالسلام) حال موتهم لا
يحتاجون الى تلقين كلمة التوحيد ولا غيرها ، ولهذا لم يرد في شيء من اخبار موت
النبي (صلىاللهعليهوآله) ولا أحد من
الأئمة (عليهمالسلام) تعرض
لتلقينهم ، وخطاب الأمر بالتلقين انما توجه لغيرهم بان يلقن بأسمائهم مضافا الى
كلمتي الشهادة ، وأيضا فإن الأمر بالتلقين انما هو لدفع وساوس الشياطين الذين
يعرضون لابن آدم عند الموت كما تقدم في الاخبار والشياطين لا تسلط لهم عليهم ،
وايضا كما ان طينتهم معجونة بالتوحيد فهي بالرسالة أشد لأنهم من مواليد عنصرها
وأغصان شجرها. وان أراد ما عداهم من بني هاشم ففيه ان ظاهر خبري القداح والحلبي (1) الدالين على
تلقين رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وأمير
المؤمنين (عليهالسلام) لمن حضراه من
بني هاشم كلمات الفرج يرد ما ذكره. وبالجملة فإن كلامه عندي غير موجه وان تبعه فيه
غيره ايضا. والأظهر عندي في معنى الخبر المذكور ان معنى قوله : «تلقنون موتاكم
كلمة التوحيد» يعني خاصة من غير إردافها بكلمة الرسالة ، وكأنه إشارة الى ما يقوله
العامة يومئذ من الاقتصار على تلك الكلمة ، ومراده ان ذلك هو المعمول في بلادكم
واما نحن يعني معشر الأئمة (عليهمالسلام) فإنا نأمر
شيعتنا وموالينا ونفعل بمن حضرناه منهم تلقين الرسالة زيادة على كلمة التوحيد لا
ان المراد تلقين الرسالة خاصة ، ويحتمل ان يكون خطابهما (عليهماالسلام) انما هو لبعض
المخالفين لا الراويين المتقدمين وان نقلا ذلك مجملا ، وأمثال ذلك غير عزيز في
الاخبار.
(الرابعة) ـ ظاهر الاخبار المذكورة متابعة المريض للملقن
فيما يقول وهو
__________________
(1) ص 362 و 363.
الغرض المترتب على التلقين. ولو كان
المريض قد اعتقل لسانه عن النطق فالظاهر بقاء الاستحباب لانه وان لم يتيسر له
النطق الا انه يفهم الكلام فيجريه على باله وينتفع به في دفع ما يصوره له الشيطان
في تلك الحال من الموعودات الكاذبة والإضلال عن دين الإسلام.
(الخامسة) ـ يستفاد من بعض الاخبار المتقدمة استحباب
تكرار ذلك عليه حتى يموت ، وهو الأحوط والاولى وان كان يكفي الإتيان بذلك مرة
واحدة كما يدل عليه بعضها ايضا.
و (منها) ـ ان تغمض عيناه ويطبق فوه وتمد يداه الى جنبيه
، ذكر ذلك الأصحاب ، اما الأول والثاني فعلل بان لا يقبح منظره ، ويدل عليه ما
رواه الشيخ في الموثق عن زرارة (1) قال : «ثقل ابن لجعفر وأبو جعفر جالس
في ناحية فكان إذا دنا منه انسان قال لا تمسه فإنه إنما يزداد ضعفا وأضعف ما يكون
في هذه الحال ومن مسه في هذه الحال أعان عليه ، فلما قضى الغلام أمر به فغمض وشد
لحياه. الحديث». وعن ابي كهمس (2) قال : «حضرت موت إسماعيل وأبو عبد
الله جالس عنده فلما حضره الموت شد لحييه وغمضه وغطى عليه الملحفة». واما الثالث
فعلل بأنه أطوع للغسل وأسهل للادراج في أكفانه ، قال في المعتبر : «ولا اعرف فيه
نقلا عن أئمتنا (عليهمالسلام)» ثم علله بما
تقدم. ويستفاد من خبر ابي كهمس استحباب تغطيته بعد الموت بثوب ، وبه صرح بعض
الأصحاب أيضا.
و (منها) ـ متى اشتد به النزع النقل الى مصلاه الذي كان
يصلي عليه أو فيه لما رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن
الصادق (عليهالسلام) (3) قال : «إذا
عسر على الميت موته ونزعه قرب الى مصلاه الذي كان يصلي فيه أو عليه».
__________________
(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 44 من أبواب الاحتضار.
(3) رواه في الوسائل في الباب 40 من أبواب الاحتضار. وليس في
الكافي والتهذيب (أو عليه).
وعن زرارة في الصحيح أو الحسن (1) قال : «إذا
اشتد النزع عليه فضعه في مصلاه الذي كان يصلي فيه أو عليه». وعن ذريح (2) قال : «سمعت
أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول قال علي
بن الحسين (عليهماالسلام) ان أبا سعيد
الخدري كان من أصحاب رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وكان مستقيما
فنزع ثلاثة أيام فغسله اهله ثم حمل الى مصلاه فمات فيه». وعن ليث المرادي عن
الصادق (عليهالسلام) (3) قال : «ان أبا
سعيد الخدري قد رزقه الله تعالى هذا الرأي وانه اشتد نزعه فقال احملوني إلى مصلاي
فحملوه فلم يلبث ان هلك». أقول : المراد بقوله «مستقيما» في سابق هذا الخبر هو ما
أشير إليه في هذا الخبر من ان الله تعالى رزقه هذا الرأي وهو القول بإمامة أمير
المؤمنين (عليهالسلام) وانه لم يكن
مع الصحابة الذين ارتدوا على أدبارهم ، ولعل المراد بتغسيله في الخبر المذكور هو
تنظيفه وتطهيره من النجاسات. وفي الفقه الرضوي (4) «وإذا اشتد
عليه نزع روحه فحوله الى المصلى الذي كان يصلي فيه أو عليه وإياك ان تمسه ، وان
وجدته يحرك يديه أو رجليه أو رأسه فلا تمنعه من ذلك كما يفعله جهال الناس». وروى
الحسين بن بسطام واخوه عبد الله في كتاب طب الأئمة بسند معتبر عن حريز (5) قال : «كنا
عند ابي عبد الله (عليهالسلام) فقال له رجل
ان أخي منذ ثلاثة أيام في النزع وقد اشتد عليه الأمر فادع له. فقال : اللهم سهل
عليه سكرات الموت ثم امره وقال حولوا فراشه الى مصلاه الذي كان يصلي فيه فإنه يخفف
عليه ان كان في أجله تأخير ، وان كانت منيته قد حضرت فإنه يسهل عليه ان شاء الله
تعالى». وظاهر الخبرين الأولين (6) مع عبارة الفقه التخيير بين المكان
الذي يصلي فيه والمصلى الذي كان يصلي عليه ، وظاهر الأكثر التعبير بالمكان الذي
يصلي فيه خاصة ، وعن ابن حمزة انه جمع بينهما ، وظاهر الأكثر أيضا استحباب ذلك
مطلقا ، والاخبار مقيدة بما إذا اشتد عليه النزع.
__________________
(1 و 2 و 3 و 5) رواه في الوسائل في الباب 40 من أبواب
الاحتضار.
(4) ص 17.
(6) راجع التعليقة 3 ص 367.
و (منها) ـ قراءة «الصافات» ويدل عليه ما رواه في الكافي
عن سليمان الجعفري (1) قال : «رأيت
أبا الحسن الأول (عليهالسلام) يقول لابنه
القاسم قم يا بني فاقرأ عند رأس أخيك «وَالصَّافّاتِ
صَفًّا» حتى تستتمها فقرأ فلما بلغ «أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا» (2) قضى الفتى ،
فلما سجي وخرجوا اقبل عليه يعقوب بن جعفر فقال له كنا نعهد الميت إذا نزل به الموت
يقرأ عنده «يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ» فصرت تأمرنا
ب «الصافات» فقال يا بني لم تقرأ عند مكروب من موت قط إلا عجل الله تعالى راحته». وذكر
في الوسائل استحباب قراءة «يس والصافات» وأورد هذا الخبر ، وفي دلالته على ما
ادعاه نظر فإن غاية ما يدل عليه اخبار الرجل بأنهم كانوا يقرأون سورة «يس» والامام
(عليهالسلام) لم يقرره على
ذلك ، وانما ذكر التعليل المذكور لسورة «الصافات» وليس فيه انه (عليهالسلام) كان يأمر
بسورة «يس» حتى يكون حجة فيما ادعاه. وفي الفقه الرضوي (3) «إذا حضر أحدكم
الوفاة فاحضروا عنده القرآن وذكر الله تعالى والصلاة على رسول الله (صلىاللهعليهوآله)». وظاهره
استحباب قراءة القرآن عنده قبل خروج الروح وبعده ، وبذلك صرح جملة من الأصحاب ،
قال في الذكرى : «ويستحب قراءة القرآن بعد خروج روحه كما يستحب قبله استدفاعا عنه».
و (منها) ـ كراهة مسه ، وقد تقدم في موثقة زرارة عن
الباقر (عليهالسلام) وفي عبارة
الفقه الرضوي (4) ما يدل على
ذلك ايضا.
و (منها) ـ انه يستحب للميت ان يحسن ظنه بالله سبحانه
ولا يقنط من رحمته ، روى الصدوق في العيون عن الحسن بن علي العسكري عن آبائه (عليهمالسلام) (5) قال : «سأل
أبو عبد الله (عليهالسلام) عن بعض أهل
مجلسه فقيل عليل فقصده عائدا وجلس عند رأسه
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 41 من أبواب الاحتضار.
(2) سورة الصافات. الآية 11.
(3) ص 20.
(4) ص 367 و 368.
(5) رواه في الوسائل في الباب 31 من أبواب الاحتضار.
فوجده دنفا فقال له أحسن ظنك بالله.
فقال اما ظني بالله فحسن. الحديث». وروى الشيخ في المجالس بسنده عن انس (1) قال : «قال
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لا يموتن
أحدكم حتى يحسن ظنه بالله عزوجل فان حسن الظن
بالله ثمن الجنة». وقال في كتاب عدة الداعي (2) «روى عنهم : (عليهمالسلام) انه ينبغي في
حالة المرض خصوصا مرض الموت ان يزيد الرجاء على الخوف». قال شيخنا الشهيد في
الذكرى : «ويستحب حسن الظن بالله في كل وقت وآكده عند الموت ، ويستحب لمن حضره
امره بحسن الظن وطمعه في رحمة الله تعالى».
و (منها) ـ انه يكره حضور الجنب والحائض عنده ، لما رواه
في الكافي عن علي بن أبي حمزة (3) قال : «قلت لأبي الحسن (عليهالسلام) المرأة تقعد
عند رأس المريض في حد الموت وهي حائض؟ فقال لا بأس ان تمرضه فإذا خافوا عليه وقرب
ذلك فلتنح عنه وعن قربه فإن الملائكة تتأذى بذلك». وعن يونس بن يعقوب عن الصادق (عليهالسلام) (4) قال : «لا
تحضر الحائض الميت ولا الجنب عند التلقين ولا بأس ان يليا غسله». والظاهر ان
المراد بالتلقين حال الاحتضار فهو كناية عن الاحتضار ، ويحتمل العموم وروى في
الخصال (5) بسنده عن جابر
الجعفي عن ابي جعفر (عليهالسلام) قال : «لا
يجوز للمرأة الحائض والجنب الحضور عند تلقين الميت لأن الملائكة تتأذى بهما ولا
يجوز لهما إدخال الميت قبره». أقول : ما دل عليه هذا الخبر من كراهية إدخال الجنب
والحائض الميت قبره مما لم أقف عليه في كلام الأصحاب بل ظاهر كلامهم الجواز من غير
كراهة ، ومثله أيضا في الفقه الرضوي حيث قال (عليهالسلام) (6) : «ولا تحضر
الحائض ولا الجنب عند التلقين فإن الملائكة تتأذى بهذا ولا بأس بأن يليا غسله
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 31 من أبواب الاحتضار.
(2) رواه في مستدرك الوسائل في الباب 22 من أبواب الاحتضار.
(3 و 4) رواه في الوسائل في الباب 43 من أبواب الاحتضار.
(5) ج 2 ص 143.
(6) ص 17.
ويصليا عليه ولا ينزلا قبره فان حضرا
ولم يجدا من ذلك بدا فليخرجا إذا قرب خروج نفسه». والحكم بكراهة حضورهما وقت
الاحتضار مما لا خلاف فيه بين الأصحاب كما يفهم من كلام المعتبر ، والظاهر اختصاص
الكراهة بحال الاحتضار الى ان يتحقق الموت ، وهل تزول الكراهة بانقطاع الدم قبل
الغسل أو بالتيمم بدل الغسل؟ اشكال
و (منها) ـ ان لا يترك وحده ، لما رواه في الكافي عن ابي
خديجة عن الصادق (عليهالسلام) (1) قال : «ليس من
ميت يموت ويترك وحده إلا لعب الشيطان في جوفه». وروى الصدوق مرسلا (2) قال : «قال
الصادق (عليهالسلام): ولا تدعن
ميتك وحده فان الشيطان يعبث في جوفه». وقال في كتاب العلل : «قال ابي في رسالته
الي لا يترك الميت وحده فان الشيطان يعبث في جوفه» أقول : وهذه العبارة في الفقه
الرضوي أيضا (3) قال في البحار
: «لا يبعد ان يكون المراد به حال الاحتضار فالمراد بعبث الشيطان وسوسته وإضلاله
والأصحاب حملوه على ظاهره» أقول : لا بعد في حمله على ظاهره كما نقل عن بعض
الأموات انه ترك وحده ليلا الى الصباح فوجدوه قد خسف بعض أعضائه.
و (منها) ـ ما ذكره الشيخان وجملة من الأصحاب من استحباب
الإسراج عنده ان مات ليلا ، واستدل عليه الشيخ بما رواه الكليني عن عثمان بن عيسى
عن عدة من أصحابنا (4) قال : «لما
قبض أبو جعفر (عليهالسلام) أمر أبو عبد
الله (عليهالسلام) بالسراج في
البيت الذي كان يسكنه حتى قبض أبو عبد الله ثم أمر أبو الحسن (عليهالسلام) بمثل ذلك في
بيت ابي عبد الله حتى اخرج به الى العراق ثم لا ادري ما كان». ورواه الصدوق مرسلا
مثله (5).
واعترضه المحقق الشيخ علي بان ما دل عليه الحديث غير
المدعى ، ثم قال : «الا ان اشتهار الحكم بينهم كاف في ثبوته للتسامح في أدلة السنن»
قال في المدارك بعد
__________________
(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 42 من أبواب الاحتضار.
(3) ص 17.
(4 و 5) رواه في الوسائل في الباب 45 من أبواب الاحتضار.
نقله : «وقد يقال ان ما تضمنه الحديث
يندرج فيه المدعى أو يقال ان استحباب ذلك يقتضي استحباب الإسراج عند الميت بطريق
أولى فالدلالة واضحة ، لكن السند ضعيف جدا» انتهى.
أقول : أنت خبير بان كلا من الكلامين لا يخلو من نظر ،
اما كلام المحقق المذكور وما ذكره بعد الطعن في دلالة الخبر من ان اشتهار الحكم
كاف في ثبوته للتسامح في أدلة السنن فهو لا يخلو من المجازفة والخروج عن نهج السنن
، وذلك فان الاستحباب حكم شرعي يتوقف ثبوته على الدليل الواضح الشرعي وإلا كان
قولا على الله سبحانه بغير علم كما دلت عليه الآيات القرآنية وعضدتها السنة
النبوية ، وبلوغ التسامح الى هذا المقدار أمر خارج عن النهج الواضح المنار. واما
كلام السيد المذكور ففيه ان ظاهر الخبر ان الإسراج الذي أمر به الصادق (عليهالسلام) انما هو في
البيت الذي كان يسكنه الباقر (عليهالسلام) وليس فيه
دلالة على انه الذي مات فيه فلعله مات في خارجه ، وبالجملة فإنه أعم من موضع الموت
والعام لا دلالة له على الخاص ، والظاهر ان هذا هو الذي أراده المحقق المشار اليه
، وحينئذ فما ذكره في المدارك ـ من قوله : «ان ما تضمنه الحديث يندرج فيه المدعى»
بناء على ان مراد المحقق المذكور انما هو دلالة النص على دوام الإسراج والمدعى
الإسراج عند الميت بعد الموت ليلا ـ ليس محله فإنه لو كان الأمر كما توهمه لصح ما
اعترض به عليه واتجه ما فرعه على ذلك من الأولوية وان الدلالة واضحة ولكن الأمر
ليس كما توهمه كما عرفت ، وبذلك يظهر سقوط ما ذكره وصحة ما ذكره المحقق المشار
اليه. ويمكن ان يكون ذكر من تقدم للإسراج عنده انما هو من حيث استحباب قراءة
القرآن عنده بعد الموت كما يشير اليه بعض الأخبار. وبالجملة فالحكم المذكور لا
اعرف له مستندا واضحا. والله العالم.
و (منها) ـ ما نقل عن الشيخ المفيد (قدسسره) من انه يكره
ان يجعل على بطنه حديد ، قال الشيخ في التهذيب : «سمعناه مذاكرة من الشيوخ» وفي الخلاف
احتج عليه بالإجماع الفرقة. وذكر
العلامة وجمع ممن تأخر عنه أيضا كراهية وضع شيء على بطنه غير الحديد. وعن ابن
الجنيد خلافه وهو ان يوضع على بطنه شيء. ورده في الروض بأن الإجماع على خلافه.
(الموضع الرابع) ـ الظاهر انه لا خلاف نصا وفتوى في
استحباب تعجيل تجهيزه إلا مع الاشتباه.
فاما ما يدل على الحكم الأول مضافا الى الاتفاق فجملة من
الأخبار : منها ـ ما رواه في الكافي عن جابر عن الباقر (عليهالسلام) (1) قال : «قال
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يا معشر
الناس لا ألفين رجلا مات له ميت ليلا فانتظر به الصبح ولا رجلا مات له ميت نهارا
فانتظر به الليل ، لا تنتظروا بموتاكم طلوع الشمس ولا غروبها عجلوا بهم الى
مضاجعهم يرحمكم الله تعالى. قال الناس وأنت يا رسول الله يرحمك الله». رواه الصدوق
مرسلا (2) قال : قال
رسول الله (صلىاللهعليهوآله). مثله. وعن
السكوني عن الصادق (عليهالسلام) (3) قال : «قال
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) إذا مات
الميت أول النهار فلا يقيل إلا في قبره». وما رواه الشيخ عن جابر (4) قال : «قلت
لأبي جعفر (عليهالسلام) إذا حضرت
الصلاة على الجنازة في وقت مكتوبة فبأيهما ابدأ؟ فقال عجل بالميت الى قبره إلا ان
تخاف فوت وقت الفريضة. ولا تنتظر بالصلاة على الجنازة طلوع الشمس ولا غروبها». وعن
عيص عن الصادق عن أبيه (عليهماالسلام) (5) انه قال : «إذا
مات الميت فخذ في جهازه وعجله. الحديث». وروى الصدوق مرسلا (6) قال : «قال
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كرامة الميت
تعجيله».
واما الحكم الثاني فإنه ينتظر به حتى يتحقق موته فان في
دفنه قبل ذلك اعانة على قتله ، كما يدل عليه ما رواه في الكافي عن علي بن أبي حمزة
(7) قال : «أصاب
بمكة سنة
__________________
(1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6) رواه في الوسائل في الباب 47 من أبواب
الاحتضار.
(7) رواه في الوسائل في الباب 48 من أبواب الاحتضار.
من السنين صواعق كثيرة مات من ذلك خلق
كثير فدخلت على ابي إبراهيم (عليهالسلام) فقال مبتدئا
من غير ان أسأله : ينبغي للغريق والمصعوق ان يتربص به ثلاثة أيام لا يدفن إلا ان
يجيء منه ريح تدل على موته. قلت جعلت فداك كأنك تخبرني انه قد دفن ناس كثير احياء؟
فقال نعم يا علي قد دفن ناس كثير احياء ما ماتوا إلا في قبورهم». وقال العلامة في
النهاية : «شاهدت واحدا في لسانه وقفة فسألته عن سببها فقال مرضت مرضا شديدا
واشتبه الموت فغسلت ودفنت في أزج ، ولنا عادة إذا مات شخص فتح عنه باب الأزج بعد
ثلاثة أيام أو ليلتين اما زوجته أو امه أو أخته أو ابنته فتنوح عنده ساعة ثم تطبق
عليه هكذا يومين أو ثلاثة ، ففتح علي فعطست فجاءت أمي بأصحابي وأخذوني من الأزج
وذلك منذ سبعة عشرة سنة».
ومما يدل على وجوب التأخير حتى يتحقق الموت ما رواه في
الكافي في الصحيح عن هشام بن الحكم عن ابي الحسن (عليهالسلام) (1) «في المصعوق
والغريق؟ قال ينتظر به ثلاثة أيام إلا ان يتغير قبل ذلك». وعن إسحاق بن عمار عن
الصادق (عليهالسلام) (2) قال : «سألته
عن الغريق أيغسل؟ قال نعم ويستبرأ. قلت وكيف يستبرأ؟ قال يترك ثلاثة أيام من قبل
ان يدفن إلا ان يتغير قبل فيغسل ويدفن ، وكذلك ايضا صاحب الصاعقة فإنه ربما ظنوا
انه مات ولم يمت». وعن عمار الساباطي في الموثق عن الصادق (عليهالسلام) (3) قال : «الغريق
يحبس حتى يتغير ويعلم انه قد مات ثم يغسل ويكفن قال : وسئل عن المصعوق فقال إذا صعق
حبس يومين ثم يغسل ويكفن». وعن إسماعيل ابن عبد الخالق ابن أخي شهاب بن عبد ربه
قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) (4) خمسة ينتظر
بهم إلا ان يتغيروا : الغريق والصعيق والمبطون والمهدوم والمدخن» ورواه في الفقيه
مرسلا مقطوعا وزاد «ثلاثة أيام» بعد قوله : «ينتظر بهم».
وظاهر هذه الاخبار جعل غاية التأخير ثلاثة أيام أو يومين
إلا ان يتغير قبل
__________________
(1 و 2 و 3 و 4) رواه في الوسائل في الباب 48 من أبواب
الاحتضار.
ذلك ، والأصحاب قد جعلوا نهاية
التأخير حصول العلم بالموت بالأمارات التي ذكروها من انخساف صدغيه وميل انفه
وامتداد جلدة وجهه وانخلاع كفه من ذراعه واسترخاء قدميه وتقلص أنثييه إلى فوق مع
تدلي الجلدة ، قيل : ومنه زوال النور عن بياض العين وسوادها وذهاب النفس وزوال
النبض. ومن الظاهر حصول المنافاة بين ما ذكروه وما دلت عليه الأخبار المذكورة لأنه
متى علم الموت بهذه الأمور المذكورة فلا معنى للتأخير ثلاثة أيام إلا ان يتغير قبل
ذلك ، اللهم إلا ان يكون ما ذكره الأصحاب ليس كليا فيجوز تخلفه في بعض الأموات فلا
بد من التأخير المدة المذكورة أو حصول التغير قبلها أو يراد بالتغير في الاخبار
التغير عن حالة الحياة بحصول هذه الأسباب كلا أو بعضا لا التغير باعتبار حدوث
الرائحة ولعله الأقرب في الجمع بين كلامهم وبين الأخبار المذكورة. ولم اطلع على من
تعرض لوجه الاشكال فيما ذكرناه فضلا عن الجواب عنه. ونقل في الذكرى عن جالينوس ان
أسباب الاشتباه الإغماء أو وجع القلب أو إفراط الرعب أو الغم أو الفرح أو الأدوية
المخدرة فيستبرأ بنبض عروق بين الأنثيين أو عرق يلي الجالب والذكر بعد الغمز
الشديد أو عرق في باطن الألية أو تحت اللسان أو في بطن المنخر ومنع الدفن قبل يوم
وليلة إلى ثلاث أقول : وظاهر كلام هذا الحكيم ايضا لا يخلو من منافاة لما ذكره
الأصحاب من العلامات لو كانت كلية وإلا لذكرها أو شيئا منها وانما ذكر لاستعلام
الموت حال الاشتباه أشياء أخر كما عرفت. والله العالم.
نكت
قال الصدوق في المقنع (1) : «إذا قضى
فقل (إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) اللهم اكتبه
عندك في المحسنين وارفع درجته في أعلى عليين واخلف على عقبه في الغابرين ونحتسبه
عندك يا رب العالمين». وقال في الفقيه (2) : «وإذا
قضى نحبه يجب ان يقول إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ
__________________
(1 و 2) رواه في مستدرك الوسائل في الباب 39 من أبواب
الاحتضار.
__________________
(1) رواه في مستدرك الوسائل في الباب 29 و 39 من أبواب
الاحتضار.
(2) سورة الأعراف. الآية 54.