ج6 - أحكام المواقيت

المقصد الثالث

في الأحكام

وفيه أيضا مسائل (الأولى) [وجوب الصلاة في الأوقات المحدودة هل هو موسع أو مضيق؟] المشهور بين الأصحاب وجوب الصلاة في الأوقات المحدودة في الأخبار المتقدمة وجوبا موسعا من أول الوقت الى آخره لا يتضيق إلا بظن الوفاة ، ونقل في المنتهى عن الشيخ المفيد (قدس‌سره) انه قال : ان أخرها ثم اخترم في الوقت قبل ان يؤديها كان مضيعا لها وان بقي حتى يؤديها في آخر الوقت أو فيما بين الأول والآخر عفى عن ذنبه. قال في المنتهى وفيه تعريض بالتضيق ثم نقل عنه انه قال في موضع آخر : ان أخرها لغير عذر كان عاصيا ويسقط عقابه لو فعلها في بقية الوقت. ونقل في المختلف عن الشيخ انه قال الصلاة تجب في أول الوقت وجوبا موسعا والأفضل تقديمها في أول الوقت ، قال ومن أصحابنا من قال تجب بأول الوقت وجوبا موسعا والأفضل تقديمها في أول الوقت ، قال ومن أصحابنا من قال تجب بأول الوقت وجوبا موسعا والأفضل تقديمها في أول الوقت ، قال ومن أصحابنا من قال تجب بأول الوقت وجوبا مضيقا الا أنه متى لم يفعله لم يؤاخذ به عفوا من الله تعالى والأول أبين في المذهب. ثم نقل في المختلف ايضا عن الشيخ المفيد ما نقله عنه أولا


في المنتهى ثم قال وهو يشعر بالتضيق ، ثم نقل عن ابن ابي عقيل انه قال ان أخر الصحيح السليم الذي لا علة به من مرض ولا غيره ولا هو مصل سنة صلاته عامدا من غير عذر الى آخر الوقت فقد ضيع صلاته وبطل عمله وكان عندهم إذا صلاها في آخر وقتها قاضيا لا مؤديا للفرض في وقته. ثم نقل في المختلف عن الشيخ المفيد انه احتج بما رواه عبد الله بن سنان في الصحيح (1) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول لكل صلاة وقتان وأول الوقت أفضله وليس لأحد ان يجعل آخر الوقتين وقتا إلا من عذر». ثم قال : والجواب ان الحديث يدل على ان التقديم من باب الاولى لا انه واجب وجوبا مضيقا. انتهى.

أقول : لا يخفى انه قد تقدم منا ما هو التحقيق في المقام وبيان ما فيه من إبرام النقض ونقض الإبرام ، وقد ذكرنا ان ما نسبوه للشيخ المفيد من القول بالتضيق ليس في محله وانما كلامه (قدس‌سره) وقع على نهج الأخبار المستفيضة في المسألة من ان لكل صلاة وقتين وان الوقت الثاني انما هو لذوي الاعذار والاضطرار وان من أخر الصلاة اليه ولم يكن كذلك كان تحت المشيئة لا يجب على الله تعالى قبول عمله ان شاء عذبه وان شاء عفى عنه. وهو ظاهر في حصول العصيان بالتأخير وان وقعت الصلاة أداء. ونحوه كلام ابن ابي عقيل إلا انه بالغ في ذلك بنسبته إلى إبطال العمل وكونه قاضيا للفرض لا مؤديا. وبالجملة فإن ما ذكره شيخنا المفيد هو الذي تكاثرت به الأخبار المتقدمة كما أوضحناه بما لا مزيد عليه ، ومراده بأول الوقت يعني الوقت الأول من الوقتين اللذين دلت الأخبار عليهما بالنسبة الى كل صلاة.

(المسألة الثانية) ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في انه هل يجوز صلاة النافلة مبتدأة أو قضاء عن راتبة بعد دخول وقت الفريضة أم لا؟ جزم الشيخان بالمنع وبه صرح المحقق في المعتبر وأسنده إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه ،

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب المواقيت.


واختاره العلامة في جملة من كتبه ، وصرح شيخنا الشهيد الثاني في الروض بأنه المشهور بين المتأخرين. واختار شيخنا الشهيد في الذكرى الجواز وهو ظاهر الشهيد الثاني في الروض وتبعهما عليه جملة من متأخري المتأخرين : منهم ـ السيد السند في المدارك والمحدث الكاشاني في المفاتيح والفاضل الخراساني في الذخيرة وغيرهم. والمعتمد هو القول الأول.

ويدل عليه جملة من الأخبار : منها ـ صحيحة زرارة المتقدمة قريبا (1) وقوله (عليه‌السلام) فيها «أتريد ان تقايس؟ لو كان عليك من شهر رمضان أكنت تتطوع؟ إذا دخل عليك وقت الفريضة فابدأ بالفريضة».

وصحيحته الثانية عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (2) «انه سئل عن رجل صلى بغير طهور أو نسي صلوات لم يصلها أو نام عنها؟ فقال يقضيها إذا ذكرها ، الى ان قال (عليه‌السلام) ولا يتطوع بركعة حتى يقضي الفريضة كلها».

وصحيحة ثالثة له ايضا رواها في الذكرى وسيأتي نقلها كملا ان شاء الله في المسألة الآتية (3) وفيها «إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتى يبدأ بالمكتوبة».

وصحيحة رابعة له نقلها شيخنا الشهيد الثاني في الروض (4) والسيد السند في المدارك وشيخنا البهائي في كتاب الحبل المتين ولم أقف عليها بعد التتبع في كتاب الوافي الذي جمع فيه الكتب الأربعة ولا كتاب الوسائل الذي زاد فيه على ما في الكتب الأربعة ولكن كفى بالناقلين المذكورين حجة ، والظاهر ان من تأخر عن شيخنا الشهيد الثاني انما أخذها عنه ، وهي ما رواه زرارة في الصحيح قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) أصلي نافلة وعلى فريضة أو في وقت فريضة؟ قال لا انه لا تصلى نافلة في وقت فريضة أرأيت لو كان عليك من شهر رمضان أكان لك ان تتطوع حتى تقضيه؟ قال قلت لا.

__________________

(1) ص 243.

(2 و 3) الوسائل الباب 61 من المواقيت.

(4) ص 184 وفي الوافي في باب (كراهة التطوع في وقت الفريضة) عن الحبل المتين.


قال فكذلك الصلاة. قال فقايسني وما كان يقايسني».

ورواية زياد بن ابي عتاب عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «سمعته يقول إذا حضرت المكتوبة فابدأ بها فلا يضرك ان تترك ما قبلها من النافلة».

وحسنة نجية (2) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) تدركني الصلاة أو يدخل وقتها علي فأبدأ بالنافلة؟ قال : فقال أبو جعفر (عليه‌السلام) لا ولكن ابدأ بالمكتوبة واقض النافلة».

وما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر عن كتاب حريز بن عبد الله عن زرارة ـ والرواية كما ترى صحيحة ـ عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (3) قال : «لا تصل من النافلة شيئا في وقت الفريضة فإنه لا تقضى نافلة في وقت فريضة فإذا دخل وقت الفريضة فابدأ بالفريضة».

وما رواه الصدوق في كتاب الخصال بإسناده عن علي (عليه‌السلام) في حديث الأربعمائة (4) قال : «لا يصلي الرجل نافلة في وقت الفريضة إلا من عذر ولكن يقضي بعد ذلك إذا أمكنه القضاء قال الله تعالى «الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ» (5) الى ان قال لا يقضي النافلة في وقت الفريضة ابدأ بالفريضة ثم صل ما بدا لك».

ورواية أبي بكر الحضرمي عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) (6) قال : «إذا دخل وقت صلاة فريضة فلا تطوع».

ورواية أديم بن الحر (7) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول لا يتنفل الرجل إذا دخل وقت الفريضة. قال وقال إذا دخل وقت فريضة فابدأ بها».

وموثقة محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (8) قال : «قال لي رجل من أهل المدينة يا أبا جعفر ما لي لا أراك تتطوع بين الأذان والإقامة كما يصنع

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 6 و 7 و 8) الوسائل الباب 35 من المواقيت.

(5) سورة المعارج ، الآية 23.


الناس؟ فقلت انا إذا أردنا أن نتطوع كان تطوعنا في غير وقت فريضة فإذا دخلت الفريضة فلا تطوع».

هذا ما حضرني من الأخبار التي تصلي لأن تكون مستندا لهذا القول المذكور وهي ظاهرة الدلالة عليه تمام الظهور وجملة منها صحيح باصطلاحهم المشهور.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان السيد السند (قدس‌سره) في المدارك بعد ان نقل هذا القول قال : واستدلوا عليه برواية محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) قال : قال لي رجل من أهل المدينة. إلى آخر الخبر كما قدمناه ثم ذكر بعدها روايتي أبي بكر الحضرمي وأديم بن الحر المذكورتين ، ثم قال وفي الجميع قصور من حيث السند باشتمال سند الرواية الاولى والأخيرة على الطاطري وعبد الله بن جبلة وهما واقفيان وعدم ثبوت توثيق ابي بكر الحضرمي ، نعم روى زرارة في الصحيح ، ثم ساق صحيحته الرابعة التي نقلناها عن الروض وقال بعدها : ويمكن حمل هذه الروايات على الأفضلية كما تدل عليه حسنة محمد بن مسلم (1) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) إذا دخل وقت الفريضة أتنفل أو ابدأ بالفريضة؟ فقال ان الفضل ان تبدأ بالفريضة وانما أخرت الظهر ذراعا من عند الزوال من أجل صلاة الأوابين». وموثقة سماعة (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يأتي المسجد وقد صلى اهله أيبدأ بالمكتوبة أو يتطوع؟ فقال ان كان في وقت حسن فلا بأس بالتطوع قبل الفريضة وان خاف فوت الوقت من أجل ما مضى من الوقت فليبدأ بالفريضة وهو حق الله تعالى ثم ليتطوع بما شاء». ثم قال ويمكن الجمع بينها ايضا بتخصيص النهي الواقع عن التنفل بعد دخول وقت الفريضة بما إذا كان المقيم قد شرع في الإقامة كما تدل عليه صحيحة عمر بن يزيد (3) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرواية التي يروون انه لا ينبغي ان يتطوع في وقت

__________________

(1) الوسائل الباب 36 من المواقيت.

(2 و 3) الوسائل الباب 35 من المواقيت.


فريضة ما حد هذا الوقت؟ قال إذا أخذ المقيم في الإقامة. فقال له الناس يختلفون في الإقامة؟ قال المقيم الذي تصلي معه». انتهى.

واستدل في الذكرى لما اختاره من القول الثاني بموثقة سماعة المذكورة ، وما رواه في الكافي عن إسحاق بن عمار (1) قال : «قلت أصلي في وقت فريضة نافلة؟ قال نعم في أول الوقت إذا كنت مع امام تقتدي به فإذا كنت وحدك فابدأ بالمكتوبة». وعن محمد بن مسلم ، ثم ساق روايته المتقدمة الدالة على ان الفضل ان تبدأ بالفريضة ، ثم نقل عن المانعين انهم احتجوابرواية أبي بكر الحضرمي ورواية زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (2) «لا يتطوع بركعة حتى يقضي الفريضة كلها». وما روى عنهم (عليهم‌السلام) (3) «لا صلاة لمن عليه صلاة». ثم قال : والجواب لما تعارضت الروايات وجب الجمع بالحمل على الكراهة في هذا النهي وبنفي الصلاة الكاملة في الخبر الثاني ، وقد ذكر فيما تقدم التصريح بأن قاضي الفريضة يصلي امامها نافلة ركعتين وان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فعل ذلك ، قال الكليني والصدوق (قدس‌سرهما) : الله أنام النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن صلاة الصبح رحمة للأمة. انتهى.

وفي الروض استدل للقول المشهور بقول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) «لا صلاة لمن عليه صلاة». وبخبر زرارة الذي ذكره في الذكرى ، ثم استدل لما اختاره من الجواز برواية سماعة ورواية إسحاق بن عمار المتقدم ذكرهما عن الذكرى ورواية أبي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «سألته عن رجل نام عن الغداة حتى طلعت الشمس فقال يصلي ركعتين ثم يصلي الغداة». وعن عبد الله بن سنان عنه (عليه‌السلام) (5) «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) رقد فغلبته عيناه فلم يستيقظ حتى آذاه حر الشمس فركع ركعتين ثم صلى الصبح». ثم ذكر صحيحة زرارة التي قدمنا نقلها

__________________

(1) الوسائل الباب 35 من المواقيت.

(2 و 4 و 5) الوسائل الباب 61 من المواقيت.

(3) رواه في مستدرك الوسائل في الباب 46 من المواقيت عن النبي (ص).


عنه آنفا ، ثم حمل أخبار النهي على الكراهة جمعا.

أقول ـ وبالله الثقة ـ لا يخفى عليك بعد ما تلوناه من اخبار القول المشهور ما في كلامهم في المقام من القصور وذلك من وجوه :

(الأول) ـ انه من القواعد المتكررة في كلامهم والمتداولة على رؤوس أقلامهم انهم لا يجمعون بين الأخبار إلا مع التكافؤ في الأسانيد وإلا فتراهم يطرحون الضعيف ويعملون على الصحيح ، ومن قواعدهم ايضا انه مع حصول الترجيح في أحد الجانبين فإنهم يعملون بالراجح ويجعلون التأويل في جانب المرجوح ، ومقتضى هاتين القاعدتين هو العمل بما ذكرناه من الأخبار الدالة على القول المشهور لصحة كثير منها كما عرفت وكثرتها وصراحتها وضعف ما قابلها سندا وعددا ودلالة كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى ولكنهم (رضوان الله عليهم) لجمودهم على ما حضرهم من الأخبار وعدم التتبع لروايات المسألة كما هو حقه عكسوا القضية في الموضعين ، والعجب من صاحب المدارك انه يطعن على روايتي محمد بن مسلم وأديم بن الحر باشتمالها على الطاطري وعبد الله بن جبلة مع انهما ثقتان فحديثهما معدود في الموثق وان كان الموثق عنده من قسم الضعيف ثم يستدل بموثقة سماعة ويصفها بكونها موثقة مع ذكره تلك الروايتين بعنوان رواية فلان إيذانا بضعفهما وسؤال الفرق متجه ، مع ان رواية سماعة قد اشتمل طريقها على عثمان بن عيسى الذي قد علم من طريقته عد حديثه في الضعيف زيادة على سماعة ، فإن كان الخبر الموثق يصلح دليلا شرعيا فلا معنى لرده الخبرين المذكورين وإلا فلا معنى لتعلقه بخبر سماعة ، ولكن أصحاب هذا الاصطلاح لضيق الخناق ولا سيما السيد المذكور لا يقفون على قاعدة ولا ضابطة

(الوجه الثاني) ـ ما عرفت في غير مقام مما تقدم من ان ما اصطلحوا عليه في الجمع بين الأخبار بحمل النهي على الكراهة والأمر على الاستحباب قاعدة لم يرد بها نص ولا كتاب وان اتخذوها قاعدة كلية في جميع الأبواب ، وكيف لا وقد صرحوا في الأصول بأن النهي حقيقة في التحريم والأمر حقيقة في الوجوب ، فحمل كل منهما


على خلاف ذلك مجاز لا يصار اليه إلا مع القرينة واختلاف الأخبار ليس من قرائن المجاز ، وأيضا فإن الاستحباب حكم شرعي يتوقف على الدليل النص أو الظاهر في ذلك كغيره من الوجوب والتحريم وإلا لكان قولا على الله تعالى بغير دليل ، ومجرد وجود المعارض ليس بدليل على ذلك إذ يمكن ان يكون له معنى آخر لا ينافي التحريم والوجوب من التقية ونحوها أو معنى غير ما فهموه كما سيظهر لك في اخبار هذا المقام.

(الثالث) ـ ان الأخبار التي استندوا إليها في الدلالة لا ظهور لها فيما ذكروه ولا وضوح فيها لما اعتبروه.

وتحقيق الكلام في المقام بتوفيق الملك العلام وبركة أهل الذكر (عليهم الصلاة والسلام) وبه يرتفع التنافي بين الأخبار على وجه واضح المنار ان نقول يجب ان يعلم :

(أولا) ـ انه لا يخفى ان المستفاد من الأخبار التي قدمناها هو المنع من النافلة مطلقا وان كانت راتبة متى خرج وقتها الموظف لها شرعا ودخل وقت فريضتها ، وجل الروايات الواردة بهذا المعنى عند التأمل في مضامينها انما وردت بالنسبة إلى الراتبة وجواز مزاحمة الفريضة بها وعدمه وان استفيد من ظاهرها العموم ، وذلك فإن الراتبة في الظهرين لها جزء معلوم من وقت الفريضة بخروجه يمتنع أداؤها ويتحتم تقديم الفريضة وهو الذراع والذراعان أو القدمان والأربعة أقدام كما تقدم بيانه موضحا مشروحا ، وان الإشارة في بعض الروايات بوقت الفريضة الممنوع من التطوع فيه انما هو الى ما بعد ذلك الجزء الذي تختص به النافلة ، ومن ذلك يعلم ان المراد بالتطوع الممنوع منه في أمثال ذلك انما هو النافلة الراتبة وامتناع غيرها يكون بطريق اولى ، وجملة منها عامة دالة بعمومها على المنع من النافلة بعد دخول وقت الفريضة راتبة أو غيرها.

و (ثانيا) ـ انه لا يخفى ان إطلاق وقت الظهر على هذا الوقت المختزل منه قدر النافلة قد صار شائعا في الأخبار كما في موثقة سعيد الأعرج عن ابي عبد الله (عليه


السلام) (1) قال : «سألته عن وقت الظهر أهو إذا زالت الشمس؟ فقال بعد الزوال بقدم.». ونحوها موثقة إسماعيل بن عبد الخالق وغيرها من الروايات الكثيرة المتقدمة في القصد الأول وقد دلت الأخبار ايضا على ان هذا الوقت المختزل انما هو للنافلة كقول ابي جعفر (عليه‌السلام) في صحيحة زرارة (2) «أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟ قلت لم؟ قال لمكان الفريضة لك ان تتنفل من زوال الشمس الى ان يبلغ الفي‌ء ذراعا فإذا بلغ ذراعا بدأت بالفريضة وتركت النافلة». وفي معناها أخبار عديدة قد تقدمت. هذا بالنسبة إلى المتنفل واما من لا يتنفل فإن الأفضل له المبادرة بالفريضة في أول الزوال ولا يستحب له التأخير الى ذلك الوقت وعليه تدل الأخبار ايضا ، وحينئذ فالوقت بالنسبة إلى المتنفل غيره بالنسبة الى من لا يتنفل.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان استدلال صاحب المدارك على حمل روايات المنع على الأفضلية بصحيحة محمد بن مسلم مبني على انه فهم من قوله (عليه‌السلام) «الفضل ان تبدأ بالفريضة» جواز البدأة بالنافلة وان كان خلاف الأفضل بناء على ان قول السائل «إذا دخل وقت الفريضة. إلخ» هو أول الوقت الحقيقي. وليس الأمر كما فهمه (قدس‌سره) بل المراد بالوقت المسؤول عنه هنا والمفروض دخوله انما هو الوقت المعين للفريضة بعد مضي وقت النافلة كما أشرنا اليه ، وهذا الإطلاق كان شائعا كما يستفاد من الأخبار التي أشرنا إليها ، وحينئذ فمعنى الرواية ـ والله سبحانه وأولياؤه اعلم ـ ان السائل إنما سأل انه إذا دخل هذا الوقت المذكور فهل يجوز لي ان أتنفل أم لا؟ فقال (عليه‌السلام) الفضل ان تبدأ بالفريضة لأنه أول وقت فضيلتها والنافلة هنا لا فضل فيها لخروج وقتها ومتى كانت لا فضل فيها فلا يشرع الإتيان بها لأنها عبادة ، فإذا انتفى الفضل فيها دل على عدم صحتها نظير ما تقدم تحقيقه في مسألة الغسلة الثانية في

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 8 من المواقيت.


الوضوء من قولهم (عليهم‌السلام) (1) «ومن توضأ مرتين لا يؤجر». وقد نسبوا الى الصدوق القول بتحريم الثانية للخبر المذكور ، قالوا لان العبادات لا مباح فيها وهي اما واجبة أو مندوبة وكلاهما محصل للأجر ، صرح بذلك شيخنا الشهيد الثاني في كتاب روض الجنان ، نعم ربما يحتمل ما ذكره لو قال (عليه‌السلام) «الأفضل» بصيغة افعل التفصيل الدال على حصول فضل في الابتداء بالنافلة لكن العبارة ليست كذلك ، ويوضح ما قلناه قوله (عليه‌السلام) : «وانما أخرت الظهر ذراعا. إلخ» أي إنما أخرت الظهر الى هذا الوقت المسؤول عنه من أجل صلاة الأوابين فمتى خرج وقتها الموظف لها فلا تضايق بها الفريضة بل الفضل في البدأة بالفريضة. هذا معنى الخبر المذكور بما لا يتطرق اليه الوهن ولا القصور. والعجب منه (قدس‌سره) انه يتوهم ان النافلة المسؤول عنها في الخبر النافلة الغير الراتبة كما يعطيه سياق استدلاله وهو مطرح كلامه وخياله مع انه لا يلائم قوله (عليه‌السلام) في الرواية «وانما أخرت الظهر ذراعا. إلخ» كما لا يخفى وانما يتلائم الكلام أولا وآخرا على ما ذكرناه.

واما موثقة سماعة على الوجه الذي نقله في المدارك فهي المروية في الفقيه وهي مروية في الكافي والتهذيب ايضا (2) وفيها زيادة على ما نقله «الأمر موسع ان يصلى الإنسان في أول دخول وقت الفريضة النوافل إلا ان يخاف فوت الفريضة ، والفضل إذا صلى الإنسان وحده ان يبدأ بالفريضة إذا دخل وقتها ليكون فضل أول الوقت للفريضة وليس بمحظور عليه ان يصلي النوافل من أول الوقت الى قريب من آخر الوقت ، وحاصل معنى الرواية المذكورة بناء على ما ذكرناه ـ والله سبحانه وقائلها اعلم ـ ان الراوي سأله عن من يأتي المسجد وقد صلى أهله المكتوبة في أول وقتها وكأنه ليس بين مجيئه وصلاة أهل المسجد الا يسير فكأن بعض وقت النافلة كان باقيا فسأله عن التطوع بالراتبة أيتطوع بها في ذلك الوقت أم يبتدئ بالمكتوبة؟ إذ لا جائز ان يحمل التطوع هنا على غير

__________________

(1) الوسائل الباب 31 من الوضوء.

(2) الوسائل الباب 35 من المواقيت.


الراتبة لأنه إذا كانت الراتبة بزوال وقتها الموظف لها في تلك الأخبار لا يجوز مزاحمة الفريضة بها فلان يمتنع مزاحمة غيرها بطريق اولى ، وإمعان النظر في معنى الرواية وسياقها صريح في إرادة الراتبة خاصة ، فأجاب (عليه‌السلام) بأنه ان كان إتيانه في وقت حسن يعني يسع الراتبة ولو مخففة فلا بأس بالتطوع بها قبل الفريضة وان كان يخاف فوت الوقت اي وقت فضيلة الفريضة لو اشتغل بالنافلة لما مضى من الوقت فليبدأ بالفريضة في أول وقت فضيلتها ثم يتطوع بعدها بما شاء ، ويوضح ما قلناه الزيادة التي ذكرناها على ما نقله في المدارك برواية الشيخين من ان الأمر موسع له في النوافل من أول دخول الوقت المحدود لها في تلك الأخبار إلا ان يخاف فوت وقت الفريضة يعني فوت وقتها الذي لها بعد النافلة وهو أول وقت فضيلتها ، وملخصه انه ان اتى في وقت يمكن الإتيان بالنافلة ولو مخففة وإلا بدأ بالفريضة في وقت فضلها المحدود لها.

وقد وفق الله تعالى بعد ان خطر هذا المعنى بالبال للوقوف عليه في كلام شيخنا البهائي (قدس‌سره) في كتاب الحبل المتين حيث قال : وقوله (عليه‌السلام) في الحديث الرابع عشر «ان كان في وقت حسن» اي متسع يعطي بإطلاقه جواز مطلق النافلة في وقت الفريضة إلا ان يحمل التطوع على الرواتب ويكون في قول السائل «وقد صلى أهله الفريضة» نوع إيماء خفي الى ذلك فان «قد» تقرب الماضي من الحال كما قيل. انتهى. ثم كتب في الحاشية ما صورته : فيفهم منه انه لم يمض من وقت صلاتهم الى وقت مجي‌ء ذلك الرجل الأزمان يسير فالظاهر عدم خروج وقت الراتبة بمضي ذلك الزمان اليسير. انتهى. وهو من عجيب توارد الخواطر. وظاهر كلام شيخنا المذكور يعطى نوع تردد في حمل الرواية على المعنى الذي ذكرناه ، والحق انه لا معدل عنه ولا معنى للرواية غيره سيما بالنظر الى الزيادة التي ذكرها الشيخان المذكوران.

واما قوله (عليه‌السلام) في جملة الزيادة المشار إليها «والفضل إذا صلى الإنسان وحده. إلخ» فالظاهر ـ والله سبحانه وأولياؤه اعلم ـ ان المراد من هذا الكلام ان الإنسان


إذا صلى وحده ودخل عليه وقت الفريضة أي الوقت المعين لها بعد مضي وقت النافلة ـ لما أشرنا إليه سابقا من شيوع هذا الإطلاق في الأخبار ـ فليبدأ بالفريضة لخروج وقت النافلة وليكون قد صلى الفريضة في أول وقت فضيلتها ولا يحظر عليه صلاة النوافل في أول الوقت يعني وقتها المقرر لها. وفيه إشارة إلى انه إذا صلى مع إمام فإنه يجوز له مزاحمة وقت الفريضة بها لانتظار الجماعة فيكون هذا مستثنى كغيره مما يأتي التنبيه عليه. وعلى ذلك تحمل موثقة إسحاق بن عمار التي استدل بها الشهيدان في الذكرى والروض كما تقدم ذكره من قوله : «قلت أصلي في وقت فريضة نافلة؟ قال نعم في أول الوقت إذا كنت مع امام تقتدي به وإذا كنت وحدك فابدأ بالمكتوبة» فإنه لا يصح حمل الوقت هنا على ما زعماه من الوقت الحقيقي الذي هو أول الزوال لما استفاض من استحباب النافلة فيه للمنفرد وغيره فكيف يؤمر المنفرد هنا بترك النافلة فيه؟ بل المراد انما هو الوقت الذي بعد مضي وقت النافلة وانه يجوز مزاحمة النافلة للفريضة فيه لانتظار الجماعة. ويؤيده أيضا صحيحة عمر بن يزيد «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرواية التي يروون انه لا يتطوع في وقت فريضة ما حد هذا الوقت؟. الحديث كما تقدم». فان هذا الحديث ايضا محمول على من ينتظر الجماعة فرخص له في الإتيان بالراتبة بعد مضي وقتها ومزاحمة وقت الفريضة بها لأجل انتظار فضيلة الجماعة وإلا فالحد الحقيقي للنافلة انما هو الذراع والذراعان وانه بعد مضيهما فلا يتطوع ولكنه لما ساعت المزاحمة هنا جعل الحد الإقامة وان زاد على الحد المقرر.

وبما ذكرنا في معاني حسنة محمد بن مسلم وموثقة سماعة وموثقة إسحاق بن عمار يظهر لك انه لا منافاة فيها للأخبار السابقة التي استدللنا بها بل هي منطبقة عليها على أحسن وجوه الانطباق ومتفقة معها بأوضح معاني الاتفاق ، وان خلاف من خالف بناء على ما فهمه من هذه الروايات انما نشأ من عدم إعطاء النظر حقه في التأمل في معاني الأخبار.

واما ما استدل به في الروض ونحوه في الذكرى وان لم ننقله سابقا من روايات


صلاة الركعتين قبل الغداة لمن نام عن الغداة وحديث نوم النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فسيأتي الكلام عليها في المسألة الآتية ان شاء الله تعالى.

وبالجملة فإن ما تعلقوا به من الروايات التي ذكروها واعتمدوها دليلا على الجواز فقد عرفت انه لا دلالة فيها ولا منافاة لما ذكرناه.

نعم هنا روايات أخر لم يتعرضوا لنقلها ولم يلموا بها وكان الاولى لهم الاستدلال بها في المقام :

ومنها ـ صحيحة محمد بن مسلم (1) قال : «سألته عن الرجل تفوته صلاة النهار؟ قال يقضيها ان شاء بعد المغرب وان شاء بعد العشاء».

وحسنة الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) «انه سئل عن رجل فاتته صلاة النهار متى يقضيها؟ قال متى شاء ان شاء بعد المغرب وان شاء بعد العشاء».

ورواية أبي بصير (3) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) ان فاتك شي‌ء من تطوع النهار والليل فاقضه عند زوال الشمس وبعد الظهر عند العصر وبعد المغرب وبعد العتمة ومن آخر السحر».

ويؤيدها إطلاق جملة من الأخبار كرواية أبي بصير (4) قال : «ان قويت فاقض صلاة النهار بالليل». ورواية محمد بن يحيى بن حبيب (5) قال : «كتبت الى ابي الحسن الرضا (عليه‌السلام) تكون علي صلاة النافلة متى أقضيها؟ فكتب في أي ساعة شئت من ليل أو نهار». ورواية الحسين بن ابي العلاء عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (6) قال : «اقض صلاة النهار أي ساعة شئت من ليل أو نهار كل ذلك سواء». وصحيحة ابن ابي يعفور (7) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول صلاة النهار يجوز قضاؤها أي ساعة شئت من ليل أو نهار». وصحيحة حسان بن مهران (8) قال : «سألت

__________________

(1 و 2 و 5 و 6 و 7 و 8) الوسائل الباب 39 من المواقيت.

(3 و 4) المروية في الوسائل في الباب 57 من أبواب المواقيت.


أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن قضاء النوافل قال ما بين طلوع الشمس الى غروبها». ونحوها روايات عديدة بالنسبة إلى قضاء صلاة الليل وقضاء الوتر.

ويمكن ان يقال في الجمع بين هذه الأخبار وما قدمناه ان أكثر تلك الأخبار انما دل على المنع من مزاحمة الراتبة للفريضة بعد دخول وقت فضيلتها وان استفيد منه بطريق الأولوية المنع من المبتدأة ، وبعضها وان كان ظاهرا في العموم كصحاح زرارة الثلاث إلا انه يمكن ان يقال باستثناء النوافل المقتضية من ذلك بهذه الأخبار ، وتوضيح ذلك ان يقال انه لا نافلة بعد دخول وقت الفضيلة للفريضة مطلقا راتبة أو مبتدأة أو مقضية ، ونعني بوقت الفضيلة هو ما بعد الذراع والذراعين بالنسبة إلى الظهرين وأول الغروب بالنسبة إلى المغرب وبعد غياب الشفق بالنسبة إلى العشاء وأول الفجر الثاني بالنسبة إلى صلاة الفجر بناء على ما اخترناه فلا يصلى في هذه الأوقات نافلة مطلقا ، واما ما قبل هذه الأوقات مما اشتمل على وقت الفريضة فإنه يجوز القضاء فيه بهذه الأخبار دون النافلة المبتدأة عملا بعموم صحاح زرارة في منع النافلة المبتدأة ، وحينئذ فمعنى قضاء نوافل النهار بعد المغرب يعني قبل دخول وقت فضيلة العشاء ، ويؤيده ان المتبادر من البعدية هو البعدية القريبة ، وقوله في رواية أبي بصير «فاقضه عند زوال الشمس» يعني قبل زوال الشمس أو بعد الزوال قبل دخول وقت الفضيلة «وبعد الظهر عند العصر» يعني قبل دخول فضيلة العصر وعلى هذا يحمل إطلاق الأخبار المتقدمة. ويحتمل ايضا خروج الصريح من هذه الأخبار مخرج التقية لإشعار صحيحتي زرارة السابقتين المشتملتين على المقايسة بذلك إلا انه لا يحضرني الآن مذهب العامة في المسألة.

هذا ، وربما استند بعض المجوزين الى الاستدلال على ذلك بمواضع : منها ـ ما ورد من انه متى تلبس المصلي بركعة من نوافل الزوال فإنه يتمها وان خرج وقتها ، ومنها ـ من تلبس بأربع ركعات من صلاة الليل ثم طلع الفجر فإنه يزاحم بها الفريضة ، ومنها ـ ما ورد ايضا من جواز إيقاع صلاة الليل كملا بعد الفجر ابتداء بالنسبة الى من يعتادها ثم تغلبه


عيناه عنها في بعض الأوقات حتى يطلع الفجر فإنه يصليها مخففة كما تقدم جميع ذلك ، فان هذه المواضع كلها تدل على جواز إيقاع النافلة في وقت الفريضة.

والجواب عن ذلك (أولا) ان هذه المواضع خارجة عن محل النزاع فان مطرح البحث النوافل المبتدأة أو قضاء الراتبة والخصم لا يقول بان النوافل في هذه الأوقات تصلي قضاء فلا دليل له في ذلك. و (ثانيا) انا نقول ان جواز النافلة في هذه الصورة إنما خرج مخرج الرخصة وليست بأعظم رتبة من الفريضة ، والشارع قد جوز فيها ذلك وبه صرح الأصحاب فقالوا بان من أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت كله ورووا ذلك بهذا العنوان ووردت به الرواية في خصوص صلاة الصبح كما سيأتي ان شاء الله تعالى في محله ، وقد اتفقوا على انه لا قضاء عليه بعد ذلك مع الاتفاق نصا وفتوى على بطلان الصلاة في غير وقتها فليكن ما نحن فيه من قبيل ذلك.

ومن الرخص في النوافل ايضا ما تقدم من جواز تقديم صلاة الليل على الانتصاف للمسافر والشاب الذي تمنعه رطوبة دماغه عن الانتباه ، وتقديم نافلة الزوال لمن يشتغل عن أدائها وقضائها ، ومنها ـ تقديم غسل الجمعة لخائف عوز الماء. وإعطاء زكاة الفطرة قبل وقتها ، ونحو ذلك ، وهذه المواضع المعدودة من قبيل ذلك فلا منافاة فيها للأخبار الدالة على المنع من النافلة بعد دخول وقت الفريضة كما لا يخفى. والله العالم.

(المسألة الثالثة) ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في جواز النافلة لمن عليه قضاء فريضة ، فالأكثر منهم على المنع من ذلك وهو اختيار العلامة في المختلف وأكثر المتأخرين ، وقيل بالجواز ونقل عن الصدوق وابن الجنيد واليه ذهب الشهيدان والأظهر عندي هو القول المشهور.

لنا ـ ما سيأتي ان شاء الله تعالى في المقصد الآتي من قوله تعالى «وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي» (1) المفسر في الأخبار بذكر الصلاة الفائتة ، وما يأتي أيضا من الروايات الدالة

__________________

(1) سورة طه ، الآية 14.


على وجوب ترتب الحاضرة على الفائتة وانه يجب تأخير الحاضرة الى ان يتضيق وقتها وإذا وجب ذلك في الفريضة التي هي صاحبة الوقت ففي نافلتها بطريق اولى واولى منه في غير نافلتها.

ويدل على ذلك أيضا صحيحة زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) المتقدمة في صدر المسألة السابقة (1) حيث قال فيها «ولا يتطوع بركعة حتى يقضي الفريضة كلها».

وصحيحة يعقوب بن شعيب عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «سألته عن الرجل ينام عن الغداة حتى تبزغ الشمس أيصلي حين يستيقظ أو ينتظر حتى تنبسط الشمس؟ فقال يصلي حين يستيقظ. قلت يوتر أو يصلي الركعتين؟ قال بل يبدأ بالفريضة».

وصحيحة زرارة المتقدم نقلها في صدر المسألة السابقة (3) عن المشايخ المتقدم ذكرهم وقوله (عليه‌السلام) فيها «أصلي نافلة وعلي فريضة أو في وقت فريضة؟ قال لا انه لا تصلى نافلة في وقت فريضة. الحديث». ويؤكده قضية التنظير بقضاء شهر رمضان فإنه صريح في المنع.

واما ما تكلفه بعضهم في الجواب عن هذه الصحيحة ـ بالحمل على الأداء خاصة مستندا الى ان المتبادر من قوله «في وقت فريضة» ودخول وقت الفريضة وقت الأداء وان المراد بقوله (عليه‌السلام) «لو كان عليك من شهر رمضان» الأداء لا القضاء ـ ففيه من البعد عن حاق اللفظ وسياق الكلام ما لا يخفى على ذوي الألباب والافهام ومن له أدنى معرفة بأساليب الكلام ، لان قول السائل «علي فريضة أو في وقت فريضة» مرددا «بأو» صريح في مغايرة الأول للثاني وان الأول مراد به القضاء أو الأعم منه والثاني مراد به الأداء خاصة. واما جوابه (عليه‌السلام) بقوله «لا تصلى نافلة في وقت فريضة» وان كان ظاهرا في الأداء إلا ان قضية تطبيق الجواب على السؤال بناء على ما ذكرنا ارادة العموم في الجواب ، ويكون معنى الجواب حينئذ

__________________

(1 و 2) المروية في الوسائل في الباب 61 من أبواب المواقيت.

(3) ص 256.


انه لا تصلى نافلة في وقت وجوب فريضة ، والفائتة ـ كما سيأتي تحقيقه ان شاء الله تعالى في المقصد الآتي ـ وقتها ساعة ذكرها. واما التنظير بشهر رمضان وان المراد عدم جواز التطوع بالصوم لمن عليه قضاء شهر رمضان فهو الذي عليه اتفاق الأصحاب ومستندهم انما هو هذه الرواية كما سيأتي تحقيقه ان شاء الله تعالى في كتاب الصوم. وبالجملة فإن ارتكاب هذه الاحتمالات الغثة البعيدة والتمحلات الغير السديدة لو تم لانغلق باب الاستدلال إذ لا لفظ إلا وهو قابل للاحتمال ولا قول إلا وللقائل فيه مجال ، والنظر في الاستدلال انما يبنى على ما يتبادر الى الفهم من حاق الكلام ودل عليه السياق الذي به النظام.

استدل القائلون بالجواز بما رواه الشيخ عن ابي بصير في الموثق عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن رجل نام عن الغداة حتى طلعت الشمس؟ قال يصلي ركعتين ثم يصلي الغداة».

وما روى بطرق عديدة منها الصحيح وغيره من نومه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن صلاة الصبح حتى آذاه حر الشمس ثم استيقظ وركع ركعتي الفجر ثم صلى الصبح بعدهما ، ومن تلك الأخبار ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «سمعته يقول ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) رقد فغلبته عيناه فلم يستيقظ حتى آذاه حر الشمس ثم استيقظ فعاد نادية ساعة فركع ركعتين ثم صلى الصبح. الحديث».

وأجاب الشيخ عن الخبرين المذكورين في كتاب الاستبصار فقال بعد ذكرهما : فالوجه في هذين الخبرين ان نحملهما على من يريد ان يصلي بقوم وينتظر اجتماعهم جاز له ان يبدأ بركعتي النافلة كما فعل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) واما إذا كان وحده فلا يجوز له ذلك على حال. انتهى. وحاصل كلامه يرجع الى ان جواز ذلك رخصة لانتظار

__________________

(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 61 من المواقيت.


الجماعة. وقال المحدث الكاشاني في الوافي بعد ان نقل كلام الشيخ واستبعده : والاولى حمله على الرخصة. وليس بذلك البعيد.

وكيف كان فما استدلوا به أخص من المدعى فلا يقوم حجة إذ مدلول الخبرين ركعتا الفجر وصلاة الصبح والمدعى أعم من ذلك. واما ما يقال في أمثال هذه المقامات ـ من ان هذه الأخبار قد دلت على الجواز في هذا الموضع ويضم إليه انه لا قائل بالفرق فيتم في الجميع ـ فكلام ظاهري لا يعول عليه وتخريج شعري لا يلتفت اليه.

ومن روايات هذه المسألة ما رواه شيخنا الشهيد في الذكرى في الصحيح عن زرارة بنحو ابسط من الخبر المتقدم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (1) انه قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتى يبدأ بالمكتوبة. قال فقدمت الكوفة فأخبرت الحكم بن عتيبة وأصحابه فقبلوا ذلك مني فلما كان في القابل لقيت أبا جعفر (عليه‌السلام) فحدثني ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عرس في بعض أسفاره وقال من يكلؤنا؟ فقال بلال انا. فنام بلال وناموا حتى طلعت الشمس ، فقال يا بلال ما أرقدك فقال يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أخذ بنفسي ما أخذ بأنفاسكم. فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قوموا فتحولوا عن مكانكم الذي اخذتكم فيه الغفلة ، وقال يا بلال أذن فأذن فصلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ركعتي الفجر وأمر أصحابه فصلوا ركعتي الفجر ثم قام فصلى بهم الصبح ، ثم قال من نسي شيئا من الصلاة فليصلها إذا ذكرها فان الله عزوجل يقول «وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي» (2) قال زرارة فحملت الحديث الى الحكم وأصحابه فقالوا نقضت حديثك الأول فقدمت على ابي جعفر (عليه‌السلام) فأخبرته بما قال القوم فقال يا زرارة إلا أخبرتهم انه قد فات الوقتان جميعا وان ذلك كان قضاء من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله). وهذه الرواية لم نقف عليها إلا في كتاب الذكرى وكفى به ناقلا.

__________________

(1) الوسائل الباب 61 من المواقيت.

(2) سورة طه ، الآية 14.


قال شيخنا الشهيد (قدس‌سره) في الذكرى بعد ذكر الخبر المذكور : ان فيه فوائد : منها ـ استحباب ان يكون للقوم حافظ إذا ناموا صيانة لهم عن هجوم ما يخاف منه. ومنها ـ ما تقدم من ان الله أنام نبيه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لتعليم أمته ولئلا يعير بعض الأمة بذلك. ولم أقف على راد لهذا الخبر من حيث توهم القدح في العصمة به. ومنها ـ ان العبد ينبغي ان يتفأل بالمكان والزمان بحسب ما يصيبه فيهما من خير وغيره ولهذا تحول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من مكان الى آخر. ومنها ـ استحباب الأذان للفائتة كما يستحب للحاضرة وقد روى العامة عن أبي قتادة وجماعة من الصحابة في هذه الصورة «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أمر بلالا فاذن فصلى ركعتي الفجر ثم أمره فأقام فصلى صلاة الفجر» (1). ومنها ـ استحباب قضاء السنن. ومنها ـ جواز فعلها لمن عليه قضاء وان كان قد منع منه أكثر المتأخرين. ومنها ـ شرعية الجماعة في القضاء كالأداء. ومنها ـ وجوب قضاء الفائتة لفعله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ووجوب التأسي به وقوله «فليصلها». ومنها ـ ان وقت قضائها ذكرها. ومنها ـ ان المراد بالآية الكريمة ذلك. انتهى.

أقول : قد أهمل شيخنا (قدس‌سره) هنا شيئا هو أظهر الأشياء من الرواية اما غفلة أو لمنافاته لما اختاره في المسألة وهو المنع من صلاة النافلة إذا دخل وقت المكتوبة كما صرح به (عليه‌السلام) في صدر الخبر وأكده بالفرق بينه وبين القضاء.

واما قوله (قدس‌سره) : ومنها جواز فعلها ـ يعني السنن ـ لمن عليه قضاء» فهو ممنوع إذ أقصى ما دل عليه الخبر خصوص جواز ركعتي الفجر في هذه المادة وقضية الجمع بينه وبين ما قدمناه من الاخبار قصر هذا الخبر على مورده واستثناء هذا الموضع من المنع رخصة اما مطلقا كما ذكره المحدث الكاشاني أو لانتظار اجتماع الجماعة كما ذكره الشيخ (قدس‌سره) فلا دلالة فيه على الجواز مطلقا كما زعمه (قدس‌سره).

واما قوله : «وان كان قد منع منه أكثر المتأخرين» ـ مشيرا الى ان الخلاف

__________________

(1) سنن البيهقي ج 1 ص 404.


في ذلك انما هو من المتأخرين ـ ففيه ما سيأتيك من كلام الشيخ المفيد (قدس‌سره) من الدلالة على ان المنع هو الذي عليه عصابة الحق.

ثم العجب كل العجب من أصحابنا (رضوان الله عليهم) مع إجماعهم واتفاقهم على عدم جواز السهو على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) حتى انهم لم ينقلوا الخلاف في ذلك إلا عن ابن بابويه وشيخه ابن الوليد ، وقد طعنوا عليهما في ذلك وشنعوا عليهما أتم التشنيع حتى صنفوا في ذلك الرسائل وأكثروا من الدلائل ، ومنها رسالة الشيخ المفيد وربما نسبت الى السيد المرتضى وهي عندي وفيها ما يقضى منه العجب من القدح في ابن بابويه ، فكيف تلقوا هذه الاخبار بالقبول واعتمدوا على ما فيها من المنقول في مثل هذا الحكم المخالف لاعتقاداتهم؟ فمن كلامه في تلك الرسالة المشار إليها ما صورته : والخبر المروي أيضا في نوم النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن صلاة الصبح من جملة الخبر عن سهوه في الصلاة فإنه من اخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا ، ومن عمل عليه فعلى الظن معتمد في ذلك بدون اليقين ، وقد سلف قولنا في نظير ذلك ما يغني عن إعادته في هذا الباب ، مع انه يتضمن خلاف ما عليه عصابة الحق لأنهم لا يختلفون في ان من فاتته صلاة فريضة فعليه ان يقضيها في أي وقت ذكرها من ليل أو نهار ما لم يكن الوقت مضيقا لصلاة فريضة حاضرة ، فإذا حرم ان يؤدي فيه فريضة قد دخل وقتها ليقضى فرضا قد فاته كان حظر النوافل عليه قبل قضاء ما فاته من الفرض اولى ، هذا مع ان الاخبار عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال : لا صلاة لمن عليه صلاة» (1). يريد لا نافلة لمن عليه صلاة فريضة. انتهى. وهو جيد وجيه كما لا يخفى على الفطن النبيه.

وقال شيخنا البهائي (قدس‌سره) في كتاب الحبل المتين بعد نقله فيه صحيحتي ابن سنان وزرارة المذكورتين ما صورته : وربما يظن تطرق الضعف إليهما لتضمنهما ما يوهم القدح في العصمة لكن قال شيخنا في الذكرى انه لم يطلع على راد لهما من هذه

__________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 46 من المواقيت.


الجهة. وهو يعطي تجويز الأصحاب صدور ذلك وأمثاله من المعصوم. وللنظر فيه مجال واسع. انتهى.

أقول : قد عرفت صراحة كلام شيخنا المفيد (قدس‌سره) في رد الأخبار المذكورة فكيف يدعى انه لا راد لهما؟ وعدم اطلاعه عليه لا يدل على العدم.

وبالجملة فمقتضى عدم تجويز السهو عليه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كما هو ظاهر اتفاقهم رد هذه الاخبار ونحوها أو حملها على التقية ، كما يشير اليه ما نقله من رواية العامة الخبر المذكور عن أبي قتادة وجماعة من الصحابة ، إذ لا يخفى ما بين الحكمين من التدافع والتناقض ، لكنهم من حيث قولهم بهذا الحكم واختيارهم له يغمضون النظر عما في أدلته من تطرق القدح ويتسترون بالأعذار الواهية كما لا يخفى على من مارس كلامهم في الأحكام كما نبهنا عليه في غير مقام.

وبالجملة فالأظهر عندي هو القول المشهور لما في أدلته من الوضوح والظهور وما في مقابلها من الوهن في الدلالة والقصور ، لأنه مع تسليم صحة مضمونه وقبوله لا دلالة له على المدعى بتمامه فيجب قصره على مورده ولا منافاة. ويؤيد ما نذهب إليه ايضا انه الأوفق بالاحتياط الذي هو أحد المرجحات الشرعية أيضا.

وظاهر صاحب المدارك التوقف في هذه المسألة حيث اقتصر على نقل الأدلة من الطرفين ولم يرجح شيئا في البين. والظاهر ان السبب فيه صحة الأدلة من الجانبين وتعارض التأويل من كل من القائلين. والله العالم.

(المسألة الرابعة) ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في انه يستقر وجوب الصلاة بإدراك الوقت على صفة الكمال ومضي مقدار أدائها مخففة مع الشرائط ويجب القضاء لو أهمل والحال هذه اما لو لم يكن كذلك فلا قضاء على الأشهر الأظهر ، وانه متى أدرك الطهارة وركعة من آخر الوقت وجب الإتيان بها ، ولو أدرك الطهارة وخمس ركعات لزمه الفرضان.


وتفصيل هذه الجملة يقع في مواضع (الأول) ـ لا خلاف ولا إشكال في انه لو حصل أحد الأعذار المانعة من الصلاة كالجنون والحيض والإغماء ونحوها بعد مضي مقدار أداء الفريضة بشرائطها فإنه يجب عليه القضاء ، ويدل عليه عموم ما دل على وجوب القضاء ، واما لو لم يمض ذلك المقدار فإنه لا قضاء على الأشهر الأظهر ، قال الشيخ في الخلاف : إذا أدرك من الظهر دون اربع ثم جن أو أغمي عليه أو حاضت لم تلزمه الظهر لإجماع الفرقة فإنهم لا يختلفون في ان من لم يدرك من أول الوقت مقدار ما يؤدى الفرض فيه لم يلزمه إعادته. وظاهر الصدوق والمرتضى وابن الجنيد اعتبار إدراك الأكثر. وقد تقدم الكلام في هذه المسألة بكلا طرفيها منقحا في بحث الحيض من كتاب الطهارة.

(الثاني) ـ لو زال المانع وقد بقي من الوقت ما يسع الطهارة ونحوها من الشروط والصلاتين أو إحداهما فإنه يجب الأداء ومع التفريط القضاء. وقد مر الكلام ايضا منقحا في ذلك في الموضع المشار اليه.

وكذلك لو لم يدرك إلا ركعة مع الشروط فإنه يجب عليه الإتيان بها وان خرج الوقت.

وقد نقل في المدارك ان هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ونقل عن المنتهى انه لا خلاف فيه بين أهل العلم ، قال والأصل فيه ما روى عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (1) انه قال : «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة». وعنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (2) «من أدرك ركعة من العصر قبل ان تغرب الشمس فقد أدرك العصر». ومن طريق الأصحاب ما رواه الشيخ عن الأصبغ بن نباتة (3) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامة». وفي الموثق عن عمار الساباطي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (4) انه قال : «فان صلى ركعة من الغداة ثم طلعت الشمس فليتم الصلاة وقد جازت صلاته». ثم قال وهذه الروايات

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) رواه في الوسائل في الباب 30 من المواقيت.


وان ضعف سندها إلا ان عمل الطائفة عليها ولا معارض لها فينبغي العمل عليها. انتهى.

أقول : لا يخفى ان ما ذكره من روايتي الأصبغ وعمار اللتين هما من طريق الأصحاب وان عمل الطائفة عليهما انما موردهما صلاة الصبح خاصة والمدعى أعم من ذلك ، نعم الخبر الأول صريح في العموم لكن ظاهر كلامه انه من طرق العامة كما هو ظاهر الذكرى ايضا ، وحينئذ فيشكل الحكم بالعموم الا ان يقال ان العمدة في الاستدلال انما هو الإجماع كما هو ظاهر كلامه ونقله عن المنتهى. وفيه ما لا يخفى. وبالجملة فالمسألة غير خالية من شوب الاشكال لما عرفت.

ثم لا يخفى عليك ما في تستره عن العمل بهذين الخبرين باتفاق الأصحاب على العمل بهما ، فان فيه (أولا) ما عرفت من عدم الدلالة على المدعى بل هما أخص من ذلك. و (ثانيا) ـ انه منع من العمل بالخبر الضعيف في غير موضع وان كان ظاهر الأصحاب الاتفاق على العمل بمضمونه وربما حمله تفاديا من طرحه على الكراهة أو الاستحباب. و (ثالثا) ـ ان الخبر الضعيف بمقتضى هذا الاصطلاح ليس بدليل شرعي فوجوده كعدمه فالاعتماد عنده انما هو على الإجماع ، مع طعنه فيه في غير موضع بل ذكره في صدر كتابه انه صنف رسالة في إبطاله وان استسلقه في أمثال هذه المقامات. وبالجملة فإن هذه المناقضات إنما نشأت من ضيق الخناق في هذا الاصطلاح الذي هو الى الفساد أقرب منه الى الصلاح.

(الثالث) ـ المشهور بينهم ان الركعة عبارة عن الركوع والسجود ، وهل يتحقق برفع الرأس من السجدة الثانية أو بإتمام ذكر السجدة الثانية؟ قولان ، ونقل في المدارك عن الشهيد في الذكرى انه احتمل الاجزاء بالركوع للتسمية لغة وعرفا ولانه المعظم ، ثم رده بأنه بعيد. أقول : ما احتمله الشهيد (قدس‌سره) هنا هو ظاهر اختيار المحقق في المسائل البغدادية في مسألة الشك بين الأربع والخمس فيما إذا عرض الشك بعد الركوع وقبل السجود حيث ان الأشهر بين الأصحاب الحكم بالصحة في هذه الصورة


وانه يتم ويسجد سجدتي السهو لدخولها تحت نص المسألة ، وهذا الحكم منهم هنا يخالف ما ذكروه من ان الركعة عبارة عن الركوع والسجود ، فان مقتضى هذا الكلام الابطال لا الصحة حيث انه لم يأت بالركعة فلا يكون داخلا تحت النص المذكور فكيف يحكمون بالصحة في الصورة المذكورة؟ والمحقق المشار إليه في أجوبة المسائل المشار إليها تخلص من ذلك بحمل الركعة على مجرد الركوع ، ثم قال بعد حكمه بالصحة في المسألة المذكورة ما لفظه : لأن الركعة واحدة الركوع وعند إيقاع الركوع تسمى ركعة وليس تسميتها ركعة مشروطا بالإتيان بالسجدة لأن الركعة واحدة الركوع جنس كالسجدة والسجود والركبة والركوب. انتهى. وبذلك يظهر قوة ما احتمله الشهيد فإنه ليس لقولهم بالصحة في صورة الشك المتقدمة وجه إلا على هذا القول كما سيأتي تحقيقه في المسألة المذكورة وإلا فالصحة غير متجهة ، والمسألة لا تخلو من شوب الاشكال كما سيأتي التنبيه عليه ان شاء الله في الموضع المذكور ، وعلى هذا فلو خرج الوقت بعد الركوع وقبل السجود وجب الإتمام من غير قضاء على قول المحقق المذكور وسقط الفرض أداء وقضاء على القول المشهور

(الرابع) ـ اختلف الأصحاب في من أدرك ركعة من آخر الوقت هل يكون مؤديا للجميع أو قاضيا للجميع أو بالتوزيع؟ أقوال ثلاثة ، ونقل في الذكرى عن الشيخ انه نقل هذا الخلاف عن الأصحاب ، وظاهر المشهور بينهم هو الأول وهو اختيار الشيخ في الخلاف ومن تأخر عنه. وادعى عليه في الخلاف الإجماع حيث نقل عن الأصحاب انهم لا يختلفون في ان من أدرك ركعة من الصبح قبل طلوع الشمس يكون مؤديا في الوقت ، قال وروى عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (1) «من أدرك ركعة من الصبح قبل طلوع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك ركعة من العصر قبل ان تغرب الشمس فقد أدرك العصر». قال وكذلك روى عن أئمتنا (عليهم‌السلام) ونقل في المدارك القول بقضاء الجميع عن السيد المرتضى (رضي‌الله‌عنه) معللا له بان آخر الوقت يختص بالركعة الأخيرة فإذا وقعت فيه الاولى وقعت في غير وقتها ولا معنى

__________________

(1) المغني ج 1 ص 377 و 386.


لقضاء العبادة إلا ذلك. واما القول بالتوزيع فوجهه ظاهر بمعنى ان ما صادف الوقت ووقع فيه يكون أداء لوجود معنى الأداء فيه وما وقع بعد خروجه يكون قضاء لانه ليس القضاء إلا ما وقع بعد خروج وقته.

قالوا وثمرة الخلاف تظهر في النية. وقال في الذكرى انها تظهر أيضا في الترتب على الفائتة السابقة فعلى القضاء يترتب دون الأداء. واعترضه في المدارك بأنه ضعيف جدا ، قال إذ الإجماع منعقد على وجوب تقديم الصلاة التي أدرك من وقتها مقدار ركعة مع الشرائط على غيرها من الفوائت.

أقول : والتحقيق عندي انه لا ثمرة لهذا الخلاف ولا اثر يترتب على هذا الاختلاف ، إذ المستفاد من الاخبار هو صحة الصلاة على الوجه المذكور وعدم وجوب القضاء بعد ذلك واما كونها أداء أو قضاء أو موزعة فلا يظهر له اثر من تلك الاخبار ، وهذه الفائدة التي اتفقوا عليها انما يتم التفريع بها لو قام الدليل على وجوب نية الأداء في ما كان أداء والقضاء في ما كان قضاء ، والحال انه لا دليل على ذلك سوى مجرد اعتبارات ذكروها وخيالات سطروها لا تصلي لتأسيس الأحكام الشرعية كما تقدم تحقيقه في بحث نية الوضوء من كتاب الطهارة ، وبذلك اعترف السيد السند وغيره من أفاضل متأخري المتأخرين. وأضعف من ذلك ما ذكره في الذكرى لما ذكره السيد المذكور.

(الخامس) ـ قالوا : لو أدرك قبل الغروب أو قبل انتصاف الليل احدى الفريضتين لزمته واحدة خاصة لاستحالة التكليف بهما في وقت لا يسعهما. بقي الكلام في انه ان قلنا بالاشتراك في الوقت من أوله الى آخره كما تقدم نقله عن الصدوق فاللازمة منهما هي الأولى لتقدمها ووجوب الترتيب وان قلنا بالمشهور من الاختصاص فالواجب هي الثانية.

واما لو أدرك خمس ركعات في الموضعين فإنهم صرحوا من غير خلاف يعلم انه يلزمه الفرضان بناء على ما تقدم من ان من أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت كله


وحيث ان الركعة الاولى من الخمس المذكورة للفريضة الاولى وبها يصدق ادراك الوقت فإنها تزاحم الفريضة الثانية بثلاث ، وهكذا في الفريضة الثانية فإنه يبقى لها ركعة من الخمس وبها يحصل ادراك الوقت فيجب الإتيان بالفرض المذكور وان زاحم وقت الفريضة التي بعدها كما في العصر التي بعدها صلاة المغرب أو وقع خارج الوقت كما في فريضة العشاء.

والمسألة عندي لا تخلو من شوب الاشكال لعدم وجود نص في المقام وليس إلا البناء على ما تقدم من قولهم : ان من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت كله. وقد عرفت انه لا دليل عليه سوى رواية عامية والروايات الواردة من طرقنا مختصة بصلاة الصبح وليس إلا الإجماع المدعى في المقام كما تقدم. ويمكن القول باختصاص هذا الحكم بالصبح كما هو مورد النص ، ويؤكده انها ليس بعدها فريضة يحصل بها المشاركة في الوقت بخلاف غيرها من الفرائض سيما على المشهور من اختصاص الفريضة الأخيرة بمقدار أدائها من الوقت ، فإدراك ركعة من الفريضة الاولى في صورة ما إذا أدرك من الوقت خمسا مع كون ما بعد تلك الركعة وقتا مخصوصا بالثانية لا يجدي نفعا في وجوب الإتيان بها ، لان ما بعد تلك الركعة مختص بالثانية ومزاحمتها فيها تحتاج الى دليل وليس إلا الإجماع المذكور واختصاص الخبرين بصلاة الصبح. وبالجملة فالمسألة عندي لا تخلو من شوب الاشكال والاحتياط فيها لازم على كل حال.

ولو أدرك أربعا من آخر وقت العشاءين فظاهر الأكثر ان المغرب لا تزاحم العشاء فيه وان بقي منه ركعة للعشاء لدلالة النصوص على اختصاص هذا المقدار بالعشاء ، ونقل في الذكرى عن بعض الأصحاب تبعا لبعض العامة وجها بوجوب المغرب والعشاء بإدراك الأربع ، وذكر انه مخرج على ادراك الخمس من الظهرين ورده بما هو مذكور ثمة. والأظهر في رده ما ذكرنا من دلالة النصوص على اختصاص العشاء بهذا المقدار بخلاف ما لو أدرك خمسا فإنه قد أدرك ركعة من وقت المغرب فيجري فيها


ما تقدم من حديث «من أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت كله» ويزاحم بها العشاء مع ما عرفت من الإشكال في المقام.

(السادس) ـ قد عرفت ان النصوص المتقدمة إنما رتبت الحكم المذكور على إدراك ركعة ولكن ظاهر الأصحاب الاتفاق على تقييد ذلك بإدراك جميع الشرائط من الطهارة وغيرها ولا عبرة بتمكنه منها قبل الوقت لانه غير مخاطب بها حينئذ ، ولو اتفق حصول الشرائط قبل الوقت كفى في إدراك الصلاة ، وكذا لو حصل البعض كفى ادراك الباقي مع الصلاة.

(السابع) ـ قد أشرنا سابقا الى ان المعتبر أخف صلاة يقتصر فيها على الواجب وحينئذ فلو طول في صلاته ثم جن أو عرض الحيض أو نحو ذلك من الموانع وجب القضاء ان حصل من ذلك أخف صلاة يؤتى بها. ولو كان في أحد الأماكن الأربعة التي يتخير فيها بين القصر والإتمام فهل يكتفى بالقصر لانه لو قصر لاداها أو يتعلق الحكم بما قصده ونواه؟ وجهان جزم في الذكرى بالأول ولو قيل بالثاني لكان غير بعيد.

(الثامن) ـ قد عرفت مما تقدم أنه لا بد في وجوب الفريضة أداء أو قضاء بالنسبة إلى أول الوقت من إدراك الصلاة كملا بشروطها واما بالنسبة إلى الآخر فإنه يكفي إدراك ركعة خاصة ولا يكفي ذلك في الأول ، ووجه الفرق ظاهر لتمكن المكلف في آخر الوقت بعد إدراك الركعة من إتمام الصلاة من غير مانع بخلاف أول الوقت إذ لا سبيل الى ذلك ، كذا ذكروه ولا يخلو من خدش ، نعم ذلك يصلح وجها للنص الدال على الحكمين.

(التاسع) ـ قال في الذكرى : لا فرق بين الكافر وغيره من المعذورين لان الكافر لا يؤاخذ بما تركه في حال الكفر ، وتوهم بعض كون الكافر غير معذور هنا لمخاطبته بالإسلام المقدور فيجب القضاء متى أدرك الوقت ، وهو ضعيف لقوله تعالى


«قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ» (1) ولقول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله): «الإسلام يهدم ما قبله» (2). انتهى.

أقول : لا يخفى أن الأوفق بما ذهبوا اليه بل اتفقوا عليه من ان الكفار مكلفون بالإسلام ومخاطبون به وان الإسلام شرط في الصحة والقبول لا شرط في التكليف هو ما نقله عن البعض المذكور ، وكيف يكون الكفر عذرا شرعيا لهم كالجنون والحيض والحال انهم مخاطبون ومكلفون في حال الكفر؟ ألا ترى ان الحيض والجنون ونحوهما انما صارت أعذارا شرعية من حيث ارتفاع التكليف معها؟

واما الاستدلال بالآية والخبر المذكور فيمكن الجواب عنه بان المراد مغفرة ما كانوا عليه من الكفر وكذلك قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : «الإسلام يهدم ما قبله» يعني الأحكام المترتبة على الكفر بمعنى ان يكونوا طاهرين بعد ان كانوا نجسين ومحقوني الدم والمال بعد ان لم يكونوا كذلك ونحو ذلك من أحكام الإسلام. واما العبادات فالذي ثبت بالاخبار والأدلة التي قدمناها في بحث غسل الجنابة من كتاب الطهارة أنهم غير مكلفين بها وان الإسلام شرط في التكليف بها فلا يتوجه العقاب عليها والمؤاخذة بتركها لعدم التكليف بها بالكلية. وبالجملة فإن مقتضى قاعدتهم المذكورة هو وجوب القضاء كما لا يخفى.

(العاشر) ـ قال في الذكرى : حكم أثناء الوقت حكم أوله في ذلك فلو أفاق المجنون في أثناء الوقت ثم جن أو أغمي عليه في الوقت اعتبر في قدر الإفاقة إدراك جميع الشرائط والأركان ، وكذا لو كانت مجنونة فأفاقت ثم حاضت. انتهى. وبذلك صرح في المنتهى ايضا. وهو كذلك.

(الحادي عشر) ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه إذا بلغ الصبي المتطوع بالصلاة في أثنائها بما لا يبطل الطهارة كالسن والإنبات وكان الوقت باقيا

__________________

(1) سورة الأنفال ، الآية 39.

(2) أحكام القرآن لابن العربي ج 1 ص 350.


بحيث يسع ركعة فإنه يجب عليه الاستئناف ، ذهب اليه الشيخ في الخلاف وجملة ممن تأخر عنه ، قالوا لانه بعد البلوغ مخاطب بالصلاة والوقت باق فيجب عليه الإتيان بها وما فعله أولا لم يكن واجبا فلا يحصل به الامتثال. وذهب الشيخ في المبسوط إلى انه يتم وظاهره عدم وجوب الإعادة ، واستدل له في المختلف بأنها صلاة شرعية فلا يجوز ابطالها لقوله تعالى «وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ» (1) وإذا وجب إتمامها سقط بها الفرض لان امتثال الأمر يقتضي الاجزاء. وأجاب عنه في المدارك قال : والجواب بعد تسليم دلالة الآية على تحريم إبطال العمل ان الإبطال هنا لم يصدر من المكلف بل من حكم الشارع ، سلمنا وجوب الإتمام لكن لا نسلم سقوط الفرض بها والامتثال انما يقتضي الإجزاء بالنسبة الى الأمر الوارد بالإتمام لا بالنسبة إلى الأوامر الواردة بوجوب الصلاة. انتهى. أقول : ما ذكره في الجواب من ان الإبطال هنا من حكم الشارع لا اعرف له وجها فإنه لا نص في المسألة كما لا يخفى ، وإيجاب الشارع عليه الصلاة بعد البلوغ لا يستلزم إبطال هذه إذ يجوز ان يكتفى فيه بإتمامها كما ذهب إليه في المبسوط. وبالجملة فالمسألة لكونها عارية عن النص لا تخلو من الاشكال.

قال المحدث الأمين الأسترآبادي في تعليقاته على شرح المدارك : أقول : في المسألة احتمالات أخر : أحدها ـ صحة صلاته إذا دخل عليه وقت الوجوب في أثنائها. وثانيها ـ صحة صلاته إذا أدرك ركعة في وقت الوجوب. وثالثها ـ صحتها إذا أدرك الركعتين الأوليين أو إحداهما في وقت الوجوب. ولا يمكن ان يفتي بأحد الاحتمالات قبل ظهور نص يدل عليه ، نعم يتجه ان يقال قطعنا بشمول العمومات له وجعلنا كفاية ما يعمل وعدم كفايته فيجب العمل بالاحتياط حتى نعلم حكم الله بعينه. وهذه القاعدة من قسم القطعي من القواعد الأصولية ونطقت بها روايات كثيرة لا من القسم الظني من قواعدها المردودة عندي كما حققناه في الفوائد المدنية. انتهى. وهو جيد.

__________________

(1) سورة محمد ، الآية 35.


ولو بلغ في الوقت بعد فراغه من الصلاة وامكنه الطهارة وأداء ركعة فالظاهر ان حكمه كما لو بلغ في أثنائها وبه صرح في المدارك ايضا ، وقد صرح العلامة في المنتهى هنا بأنه يجب عليه الطهارة والصلاة ولا يجزئه ما فعله أولا. واستحسنه في المدارك ولا ريب انه الأحوط. والله العالم.

(المسألة الخامسة) ـ أجمع أهل العلم كافة على انه لا يجوز الصلاة قبل دخول وقتها ، قال في المعتبر وهو إجماع أهل العلم. وقال في المنتهى لا يجوز الصلاة قبل دخول وقتها وهو قول أهل العلم كافة إلا ما روى عن ابن عباس في مسافر صلى الظهر قبل الزوال يجزئه ، وبمثله قال الحسن والشعبي (1) لنا ـ الإجماع على ذلك وخلاف هؤلاء لا اعتداد به وقد انقرض ايضا فلا تعويل عليه. انتهى.

أقول : ويدل على ذلك ايضا ما رواه الشيخ في الموثق عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «من صلى في غير وقت فلا صلاة له».

وعن محمد بن الحسن العطار عن أبيه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال «لأن أصلي الظهر في وقت العصر أحب الي من ان أصلي قبل ان تزول الشمس فإني إذا صليت قبل ان تزول الشمس لم تحسب لي وإذا صليت في وقت العصر حسبت لي». وعن عبد الله ابن سليمان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) مثله (4).

وروى الصدوق في الفقيه مرسلا (5) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) لأن أصلي بعد ما مضى الوقت أحب الي من ان أصلي وانا في شك من الوقت وقبل الوقت».

وروى الشيخ في التهذيب عن سماعة في الموثق (6) قال : «قال لي أبو عبد الله (عليه‌السلام) إياك ان تصلي قبل ان تزول فإنك تصلي في وقت العصر خير لك من ان تصلي قبل ان تزول».

__________________

(1) المغني ج 1 ص 396.

(2 و 3 و 4 و 5 و 6) رواه في الوسائل في الباب 13 من المواقيت.


وعن زرارة في الصحيح عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (1) «في رجل صلى الغداة بليل غره من ذلك القمر ونام حتى طلعت الشمس فأخبر انه صلى بليل؟ قال يعيد صلاته».

وروى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) في حديث قال : «ليس لأحد ان يصلي صلاة إلا لوقتها وكذلك الزكاة ، الى ان قال : وكل فريضة إنما تؤدى إذا حلت».

وعن زرارة في الصحيح أو الحسن (3) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) أيزكى الرجل ماله إذا مضى ثلث السنة؟ قال لا أيصلى الاولى قبل الزوال؟».

وعن زرارة (4) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) وقت المغرب إذا غاب القرص فإن رأيته بعد ذلك وقد صليت أعدت الصلاة» وبالجملة فالحكم اتفاقي نصا وفتوى

واما ما رواه الشيخ ـ في الصحيح عن عبيد الله بن علي الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (5) قال : «إذا صليت في السفر شيئا من الصلوات في غير وقتها فلا يضرك». وروى الصدوق بإسناده عن الحلبي مثله (6) ـ فقد حمله الشيخ على خروج الوقت فيكون قضاء ، والأظهر الحمل على وقت الاختيار والتأخير عنه الى وقت الاضطرار وذوي الأعذار لما حققناه سابقا من ان السفر من جملة الأعذار المسوغة للتأخير إلى الوقت الثاني ، وقد تقدم شيوع إطلاق الوقت على الوقت الأول وتبادره من الأخبار بما لا يعتريه شبهة الإنكار ، فلا منافاة في هذا الخبر لما قدمناه من الأخبار.

إذا عرفت ذلك فاعلم انه لو صلى قبل الوقت فلا يخلو اما ان يكون عامدا أو جاهلا أو ناسيا أو ظانا ، فههنا مقامات أربعة :

(الأول) ـ ان يكون عامدا والأشهر الأظهر بطلان صلاته للنهي المتقدم في الأخبار السابقة المقتضي لذلك ، وقال الشيخ في النهاية : ومن صلى الفرض قبل دخول الوقت عامدا أو ناسيا ثم علم بعد ذلك وجب عليه إعادة الصلاة : فإن كان في الصلاة لم يفرغ

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6) رواه في الوسائل في الباب 13 من المواقيت.


منها بعد ثم دخل وقتها فقد أجزأت عنه ، ولا يجوز لأحد ان يدخل في الصلاة إلا بعد حصول العلم بدخول وقتها أو يغلب على ظنه ذلك. انتهى. ولا يخفى ما فيه من التدافع بين طرفي كلامه ، لأن قضية قوله «ولا يجوز لأحد ان يدخل في الصلاة إلا بعد حصول العلم بدخول وقتها. إلخ» بطلان صلاة العامد وان دخل عليه الوقت في أثنائها وهذا هو المطابق لعموم النهي المتقدم فإن النهي في تلك الأخبار أعم من ان يدخل عليه الوقت في أثنائها أم لا فكيف تجزئ عنه كما يدل عليه صدر كلامه؟ ولذا حمله في الذكرى على ان مراده بالمتعمد الظان لانه يسمى متعمدا للصلاة ، قال في المدارك : ولا بأس به جمعا بين الكلامين ، وحمله العلامة في المختلف على رجوع تفصيله إلى الناسي دون المتعمد. ولا بأس به ايضا صونا لكلامه (قدس‌سره) من التناقض.

(المقام الثاني) ـ ان يكون ناسيا والمراد به ناسي مراعاة الوقت ، وفي الذكرى جعله أعم منه وممن جرت منه الصلاة حال عدم خطور الوقت بالبال ، والظاهر انه لا خلاف في البطلان لو وقعت الصلاة كملا في خارج الوقت ، اما لو وقع بعضها في الوقت فقد اختلف الأصحاب فيه ، وظاهر عبارة النهاية المتقدمة الصحة ونقل في المختلف انه منصوص ابي الصلاح وظاهر كلام ابن البراج. وقال السيد المرتضى لا تصح صلاته ، وفي المختلف انه منصوص ابن ابي عقيل وظاهر كلام ابن الجنيد ، واليه ذهب العلامة ، وهو المشهور بين المتأخرين.

احتج العلامة في المختلف على ما ذهب اليه من البطلان برواية أبي بصير المتقدمة الدالة على ان من صلى في غير وقت فلا صلاة له ، ولانه فعل العبادة قبل حضور وقتها فلا تكون مجزئة عنه كما لو وقعت بأجمعها في غير الوقت ، ولان النسيان غير عذر في الفوات فلا يكون عذرا في التقديم ، ولانه ليس بعذر في الجميع فلا يكون عذرا في البعض. ثم نقل عن الشيخ انه احتج بأن الناسي معذور ومخاطب كالظان ، قال والجواب المنع من المقدمتين.


أقول : والظاهر عندي هو القول المشهور لظاهر رواية أبي بصير المذكورة وحملها على خصوص من اتى بالصلاة كملا في غير الوقت وان احتمل الا ان ظاهر الرواية العموم. والأظهر عندي في الاستدلال على ذلك انما هو معلومية التكليف بالضرورة من الدين ، وسقوطه بالصلاة على هذا الوجه يحتاج الى دليل.

واما لو اتفق وقوعها كملا في الوقت فظاهر شيخنا الشهيد في الذكرى البطلان قال في الكتاب المذكور : لو صادف الوقت صلاة الناسي أو الجاهل بدخول الوقت أو بالحكم ففي الإجزاء نظر ، من حيث عدم الدخول الشرعي ، ومن مطابقة العبادة ما في نفس الأمر. والأول أقوى. وفي البيان اختار الصحة لمطابقة العبادة ما في نفس الأمر. والظاهر هو الصحة لما يأتي في المقام الآتي ان شاء الله تعالى من التحقيق الرشيق وبذلك صرح السيد السند في المدارك كما سيأتي نقل عبارته في المقام المشار اليه.

قال الفاضل الخراساني في الذخيرة : ولو وقعت صلاة الناسي بتمامها في الوقت ففيه وجهان أقربهما الصحة ، لأنه اتى بالمأمور به فتكون مجزئة (لا يقال) : كان الواجب عليه مراعاة الوقت ولم تحصل فلم يأت بالمأمور به على وجهه (لأنا نقول) وجب عليه المراعاة من باب المقدمة حال ملاحظة وجوب الإتيان بها في الوقت ليتأتى منه الإتيان بها في الوقت على وجه الامتثال والإطاعة واما عند الذهول عن هذه المقدمة فله الإتيان بها في وقتها متقربا ممتثلا من دون ملاحظة الوقت ومراعاته فلا تكون المراعاة مقدمة للفعل مطلقا. انتهى.

أقول : والتحقيق مضافا الى ما سيأتي ان شاء الله تعالى ان التكليف بمراعاة الوقت انما هو لأجل ان تقع الصلاة في الوقت فالغرض الذاتي والمقصود الكلي هو وقوعها في الوقت فإذا حصل ذلك بأي وجهه اتفق فقد حصل مراد الشارع وان لزم الإخلال بالمراعاة إذ المراعاة ليست واجبا ذاتيا يترتب على تركه الإثم أو البطلان. وما ذكره في الذكرى من ان دخوله غير شرعي على إطلاقه ممنوع إذ الدخول على


ما ذكرنا شرعي لتبين كونه في الوقت الذي هو مراد الشارع. والى ما ذكرنا يرجع كلام الفاضل المذكور.

(المقام الثالث) ـ ان يكون جاهلا وقد تقدم في عبارة الذكرى ان المراد به جاهل دخول الوقت أو جاهل الحكم اي وجوب المراعاة ، والظاهر انه لا خلاف بينهم في بطلان صلاته لو وقعت كملا في خارج الوقت ، وانما الخلاف فيما إذا وقعت في الوقت كملا أو بعضا ، فالمشهور البطلان في الموضعين ، ونقل في المختلف عن ابي الصلاح صحة صلاته لو دخل عليه الوقت وهو فيها.

والظاهر هنا هو القول المشهور لما ذكرنا في المقام المتقدم بالنسبة الى ما وقع بعضها في الوقت ، واما مع مصادفتها الوقت كملا فقد تقدم في كلام الذكرى التصريح بالبطلان.

وقال السيد السند في المدارك : ولو صادف الوقت صلاة الناسي أو الجاهل بدخول الوقت ففي الإجزاء نظر ، من حيث عدم الدخول الشرعي ، ومن مطابقة العبادة ما في نفس الأمر وصدق الامتثال. والأصح الثاني وبه قطع شيخنا المحقق سلمه الله تعالى ، قال وكذا البحث في كل من اتى بما هو الواجب في نفس الأمر وان لم يكن عالما بحكمه ومثله القول في الاعتقادات الكلامية إذا طابقت نفس الأمر فإنها كافية وان لم تحصل بالأدلة المقررة كما صرح به سلطان المحققين نصير الملة والدين. انتهى كلامه أطال الله بقاءه وهو في غاية الجودة. انتهى كلام السيد السند (قدس‌سره) ومراده من قوله «شيخنا» هو المحقق الأردبيلي (قدس‌سره) في شرح الإرشاد.

وقال الفاضل الخراساني في الذخيرة بعد اختياره البطلان كما هو المشهور : ولو اتفقت صلاة الجاهل في الوقت فان قصدنا بالجاهل من علم وجوب رعاية الوقت وعرف المواقيت لكنه جاهل بالوقت لعدم مراعاته الوقت فالظاهر بطلان صلاته على القول باشتراط التقرب وقصد الامتثال في الطاعة لأنه لم يأت بها على وجه الامتثال والإطاعة. نعم ان قيل بعدم اشتراط ذلك في الصحة وسقوط التعبد لم يبعد القول بالصحة هنا. وان قصدنا


بالجاهل من علم وجوب رعاية الوقت لكنه غير عارف بالوقت ايضا فالظاهر البطلان ايضا على القول المذكور بالتقريب السابق. وان قصدنا به الجاهل بوجوب رعاية الوقت ففيه اشكال. ورجح بعض أفاضل المتأخرين الصحة لصدق الامتثال. وقال ايضا وبالجملة كل من فعل ما هو في نفس الأمر وان لم يعرف كونه كذلك ما لم يكن عالما بنهيه وقت الفعل حتى لو أخذ المسائل من غير اهله بل لو لم يأخذ من أحد وظنها كذلك فإنه يصح ما فعله ، وكذا في الاعتقادات وان لم يأخذها عن أدلتها فإنه يكفي ما أعتقده دليلا وأوصله الى المطلوب ولو كان تقليدا ، قال كذا يفهم من كلام منسوب الى المحقق نصير الملة والدين. قال وفي كلام الشارع اشارة اليه ، وذكر أشياء يطول الكلام بنقلها. وعندي ان ما ذكره منظور فيه مخالف للقواعد المقررة العدلية وليس المقام مقام تفصيله لكن أقول إجمالا ان أحد الجاهلين إذا صلى في الوقت والآخر في غير الوقت فلا يخلو اما ان يستحقا العقاب أو لا يستحقا أصلا أو يستحق أحدهما دون الآخر ، وعلى الأول ثبت المطلوب لان استحقاق العقاب انما يكون لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه ، وعلى الثاني يلزم خروج الواجب عن كونه واجبا ، ولو انفتح هذا الباب لجرى الكلام في كل واحد واحد من أفعال الصلاة ويفضي الأمر إلى ارتفاع جل التكاليف ، وهذا مفسدة واضحة لا يسوغ لأحد الاجتراء عليه ومعلوم فساده بالضرورة ، وعلى الثالث يلزم خلاف العدل لاستوائهما في الحركات الاختيارية الموجبة للمدح والذم وانما حصل مصادفة الوقت وعدمه بضرب من الاتفاق من غير ان يكون لأحد منهما فيه ضرب من التعمد أو السعي ، وتجويز مدخلية الاتفاق الخارج عن القدرة في استحقاق المدح والذم مما هدم بنيانه البرهان وعليه إطباق العدلية في كل زمان. واما الإشارات التي ذكرها فكل منها قابل للتأويل فيشكل الاعتماد عليها والتعويل وليس المقام مقام التفصيل هذا ظاهر التحقيق وان كان الاشكال فيه وفي نظائره ثابتا. انتهى كلام الفاضل المشار إليه

أقول ـ وبالله سبحانه التوفيق لبلوغ كل مأمول ـ لا يخفى ان ما تكلفه هذا


الفاضل في المقام من النقض والإبرام وزعم به إبطال ما ذكره المحقق الامام غير خال من الوهن الظاهر لمن أعطى التأمل حقه من ذوي الأفهام :

(أما أولا) ـ فإن من جملة الأخبار الدالة على ما ذكره شيخنا المحقق المتقدم ـ من الاكتفاء بمطابقة الحكم واقعا وان لم يكن عن علم ومعرفة ـ رواية عبد الصمد بن بشير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «جاء رجل يلبى حتى دخل المسجد الحرام وهو يلبي وعليه قميصه فوثب اليه الناس من أصحاب أبي حنيفة فقالوا شق قميصك وأخرجه من رجليك فان عليك بدنة وعليك الحج من قابل وحجك فاسد. فطلع أبو عبد الله (عليه‌السلام) فقام على باب المسجد فكبر واستقبل الكعبة فدنا الرجل من ابي عبد الله (عليه‌السلام) وهو ينتف شعره ويضرب وجهه فقال له أبو عبد الله (عليه‌السلام) اسكن يا عبد الله فلما كلمه وكان الرجل أعجميا فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) ما تقول؟ قال كنت رجلا أعمل بيدي فاجتمعت لي نفقة فجئت أحج ولم أسأل أحدا عن شي‌ء فأفتوني هؤلاء أن أشق قميصي وانزعه من قبل رجلي وان حجي فاسد وان علي بدنة. فقال له متى لبست قميصك أبعد ما لبيت أم قبل؟ قال قبل ان ألبي ، قال فأخرجه من رأسك فإنه ليس عليك بدنة وليس عليك الحج من قابل ، اي رجل ركب أمرا بجهالة فلا شي‌ء عليه ، طف بالبيت أسبوعا وصل ركعتين عند مقام إبراهيم واسع بين الصفا والمروة وقصر من شعرك فإذا كان يوم التروية فاغتسل وأهل بالحج واصنع كما يصنع الناس». والتقريب فيه انه مع تصريحه بمعذورية الجاهل بوجه كلي وقاعدة مطردة تضمن صحة ما فعله قبل لقاء الامام (عليه‌السلام) من الاغتسال والإحرام والتلبية ونحوها مع إخباره بأنه لم يسأل أحدا عن شي‌ء من الأحكام التي اتى بها ولهذا وقع فيما وقع فيه ، وامره (عليه‌السلام) ان يصنع كما يصنع الناس من واجب أو مستحب مع عدم المعرفة بشي‌ء من ذلك ، ويعضد ذلك أخبار معذورية الجاهل وصحة عباداته على التفصيل الذي

__________________

(1) المروية في الوسائل في الباب 45 من أبواب تروك الإحرام.


تقدم في مقدمات الكتاب من الجلد الأول.

و (اما ثانيا) ـ فان ما أطال به ـ من تقسيم الجاهل الى ما ذكره من الأقسام وتخصيص كلام المحقق الأردبيلي بالجاهل بوجوب رعاية الوقت ـ تطويل بغير طائل وترديد لا يرجع الى حاصل ، فإنه على القول بالبطلان فلا فرق في شي‌ء من هذه الأقسام وكذا على القول بالصحة الذي صرح به المحقق المذكور كما لا يخفى على من راجع كلامه فإنه بعد ان فصل أجمل بقوله : «وبالجملة كل من فعل ما هو في نفس الأمر. الى آخره» وهو ظاهر بل صريح في العموم وان أمكن إرجاع ما ذكره من الأقسام عدا الأخير إلى الخروج عن محل البحث.

و (اما ثالثا) ـ فانا نقول بعد اختيار الشق الثالث من ترديده الذي هو محل النزاع في المسألة : (أولا) انه متى قام الدليل من خارج على معذورية الجاهل وصحة عباداته إذا طابقت الواقع فهذا الاستبعاد العقلي غير مسموع وان اشتهر بينهم ترجيح الدليل العقلي على النقلي إلا ان ما نحن فيه ليس منه. و (ثانيا) ان المدح والذم على هذه الحركات الاختيارية ان كان من الله سبحانه فاستواؤهما فيه ممنوع إذ إيجاب الحركات للذم والمدح ليس لذاتها وانما هو لموافقة الأمر وعدمها تعمدا أو اتفاقا ، وحينئذ فمقتضى ما قلناه من قيام الدليل على صحة عبادة الجاهل إذا صادفت الوقت فإنه تصح عبادة من صادفت صلاته الوقت فتكون حركاته موجبة للمدح بخلاف من لم تصادف فإنها تكون موجبة للذم لعدم المصادفة الموجبة للصحة. و (ثالثا) ان الغرض من التكليف بالمراعاة كما تقدم آنفا واعترف هو به (قدس‌سره) الإتيان بما كلف به حسب الأمر ، ومن صادفت صلاته الوقت يصدق عليه انه اتى بالمأمور به وامتثال الأمر يقتضي الاجزاء ، وعين ما ذكره في الناسي مما تقدم نقله في المقام الثاني من قوله في جواب السؤال الذي أورده «لأنا نقول. الى آخره» جار فيما نحن فيه كما لا يخفى.

و (اما رابعا) فان ما ذكره منقوض بما وقع الاتفاق عليه نصا وفتوى من صحة


صلاة الجاهل بوجوب التقصير تماما مع كونها غير مطابقة للواقع ، فإذا كان الجهل عذرا مع عدم المطابقة فبالأولى ان يكون عذرا مع المطابقة. ومثله ما لو قصر بعد نية الإتمام الموجبة لتمام جاهلا فإنه وان كان المشهور الإعادة إلا ان صحيحة منصور بن حازم (1) تدل على انه لو تركه جاهلا فليس عليه الإعادة وبها قال بعض الأصحاب ، وعلى هذه الرواية يتجه ايضا ما قلناه من صحة عبادة الجاهل وان خالفت الواقع.

و (اما خامسا) ـ فإنه معارض ايضا بما صرح به الأصحاب ـ كما نقله عنهم شيخنا الشهيد الثاني في شرح الرسالة ـ من ان من صلى بالنجاسة جاهلا بها وان صحت صلاته ظاهرا إلا انها غير صحيحة ولا مقبولة واقعا لفقد شرطها واقعا ، فإنه يلزم بمقتضى ما ذكره ايضا خلاف العدل لاستواء حركات هذا المصلى مع حركات من اتفق كون صلاته في طاهر واقعا في المدح والذم فكيف تقبل إحداهما دون الأخرى؟ إذ كل منهما قد بنى على ظاهر الطهارة في نظره وانما حصلت الطهارة الواقعية في إحداهما بضرب من الاتفاق ، والفرض ان الاتفاق الخارج لا مدخل له. ومثل ذلك في من توضأ بماء نجس واقعا مع كونه طاهرا في الظاهر فان بطلان طهارته وعبادته دون من توضأ بماء طاهر ظاهرا وواقعا مع اشتراكهما فيما ذكر من الحركات والسكنات وكون الطهارة والنجاسة واقعا بنوع من الاتفاق خلاف العدل والأصحاب لا يقولون به.

و (اما سادسا) ـ فإنه لو كان الاتفاق الخارج لا مدخل له في الصحة في الأحكام الشرعية على الإطلاق كما زعمه لما أجزأ صوم آخر يوم من شعبان من أول يوم من شهر رمضان متى ظهر كونه منه بعد ذلك ، ولسقط القضاء عن من أفطر يوما من شهر رمضان لعدم الرؤية ثم ظهرت الرؤية في البلاد المتقاربة أو مطلقا على الخلاف في ذلك ، ولوجب الحد على من زنى بامرأة ثم ظهر كونها زوجته ، ولصح شراء من اشترى شيئا من يد أحد من المسلمين ثم ظهر كونه غصبا ، ولوجب القضاء والكفارة على من أفطر

__________________

(1) المروية في الوسائل في الباب 17 من صلاة المسافر.


يوم الثلاثين من شهر رمضان ثم ظهر كونه من شوال ، ولوجب القود أو الدية على من قتل شخصا عدوانا ثم ظهر كونه ممن له قتله قودا ، ولوجب العوض على من غصب مالا وتصرف فيه ثم ظهر كونه له ، الى غير ذلك من المواضع التي يقف عليها المتتبع ، واللوازم كلها باطلة اتفاقا (فان قيل) ان هذه الأحكام المعترض بها انما صير إليها لقيام الدليل عليها (قلنا) قيام الدليل عليها دليل على ان الاتفاق واقعا مما له دخل في المدح والذم والصحة والفساد كما هو المدعى ، ولا يخفى ان الأحكام الشرعية لا تنطبق على الأدلة العقلية بل قد توافقها تارة وتخالفها اخرى.

وبالجملة فإن ما تكلفه هذا الفاضل في المقام مما لا اعرف له وجه صحة كما كشفنا عنه نقاب الإبهام. والله العالم.

(المقام الرابع) ـ ان يكون ظانا والظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في انه لو دخل في الصلاة ظانا دخول الوقت ثم تبين فساد ظنه بوقوع الصلاة كملا قبل الوقت فإنه يجب عليه الإعادة ، ويدل عليه صحيحة زرارة المتقدمة (1) «في من صلى الغداة بليل غره من ذلك القمر ونام حتى طلعت الشمس فأخبر انه صلى بليل؟ قال يعيد صلاته». ورواية أبي بصير المتقدمة (2) الدالة ايضا على ان من صلى في غير وقت فلا صلاة له. وصحيحة زرارة (3) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) وقت المغرب إذا غاب القرص فإن رأيته بعد ذلك وقد صليت أعدت الصلاة ومضى صومك».

انما الخلاف في من دخل عليه الوقت في أثنائها ولو قبل التسليم ، فالمشهور الصحة لأنه متعبد بظنه خرج منه ما إذا لم يدرك من الوقت شيئا بالنص والإجماع المتقدمين وبقي الباقي ، ويدل عليه أيضا رواية إسماعيل بن رياح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (4)

__________________

(1) ص 284.

(2) ص 283.

(3) الوسائل الباب 16 من المواقيت.

(4) المروية في الوسائل في الباب 25 من المواقيت.


قال : «إذا صليت وأنت ترى أنك في وقت ولم يدخل الوقت فدخل الوقت وأنت في الصلاة فقد أجزأت عنك». ونقل عن السيد المرتضى وابن ابي عقيل وابن الجنيد البطلان كما لو وقعت بأسرها قبل الوقت ، واختاره العلامة في المختلف والسيد السند في المدارك ، وظاهر المحقق في المعتبر التوقف في المسألة حيث قال : ان ما اختاره الشيخ أوجه بتقدير تسلم صحة الرواية وما ذكره المرتضى أوجه بتقدير اطراحها. قال في المدارك بعد نقله عنه : هذا كلامه لكن الإطراح متعين لضعف السند. انتهى.

واحتج في المختلف على ما ذهب اليه من البطلان برواية أبي بصير المتقدمة ، وبأنه مأمور بإيقاع الصلاة في وقتها ولم يحصل الامتثال. قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه : وهو جيد ولا ينافيه توجه الأمر بالصلاة بحسب الظاهر لاختلاف الأمرين كما لا يخفى. انتهى.

ثم نقل في المختلف عن الشيخ انه احتج بما رواه إسماعيل بن رياح ثم ساق الرواية وبأنه مأمور بالدخول في الصلاة عند الظن إذ مع الاشتباه لا يصح التكليف بالعلم لاستحالة التكليف بما لا يطاق فيتحقق الاجزاء. ثم أجاب عن ذلك اما عن الرواية فبالمنع من صحة السند واما عن الثاني فبان الاجزاء انما يتحقق مع استمرار سببه وهو الظن فإذا ظهر كذبه انتفى ويبقى في عهدة الأمر كما لو فرغ من العبادة قبل الدخول.

ثم قال واعلم ان الرواية التي ذكرها الشيخ (قدس‌سره) في طريقها إسماعيل بن رياح ولا يحضرني الآن حاله فان كان ثقة فهي صحيحة وتعين العمل بمضمونها وإلا فلا. انتهى أقول : أنت خبير بان كلامهم في هذه المسألة صحة وبطلانا دائر مدار خبر إسماعيل المذكور قبولا وردا فمن قبله وعمل به اما لكونه ممن لا يرى العمل بهذا الاصطلاح أو يراه ولكن يجبر ضعف الخبر بالشهرة فإنه يحكم بالصحة ومن رده فإنه يحكم بالبطلان وحيث كان الخبر عندنا مقبولا لا وجه لرده لعدم عملنا على هذا الاصطلاح المحدث فالقول بالصحة ظاهر. واما ما احتج به في المختلف كما نقله عنه في المدارك ـ من قوله


ولأنه مأمور بإيقاع الصلاة في وقتها ولم يحصل الامتثال ـ ففيه وان استجوده السيد المذكور انه ان أريد بهذا الوقت الذي هو مأمور بإيقاع الصلاة فيه بمعنى الوقت الواقعي النفس الأمري كما هو ظاهر كلاميهما فهو ممنوع لان الشارع لم يجعل الواقع ونفس الأمر مناطا للأحكام الشرعية لا في هذا الموضع ولا في غيره ، وان أريد به ما هو وقت في نظر المكلف كما هو المناط في جميع التكاليف فهو صادق على ما نحن فيه كما هو المفروض غاية الأمر انه وقت ظني ، وسيأتي ان شاء الله تعالى في المسألة الاتية بيان قوة القول بالبناء على الظن مع الاشتباه ، وحينئذ فالتحقيق ان يقال انه مكلف بإيقاع الصلاة في وقتها المعلوم أو المظنون فمتى صلاها في أحدهما فقد امتثل وامتثال الأمر يقتضي الإجزاء ، غاية ما في الباب انه قام الدليل على البطلان أو وقعت كملا قبل الوقت وبقي الباقي على الصحة بمقتضى الأمر ودلالة الرواية المذكورة ، ويؤيده رواية الأصبغ بن نباتة وموثقة عمار المتقدمتان في من أدرك ركعة من الصبح قبل طلوع الشمس. واما ما ذكره في المدارك ـ بعد حكمه بكونه جيدا بقوله : «ولا ينافيه توجه الأمر بالصلاة بحسب الظاهر لاختلاف الأمرين» ـ فلا وجه له بعد ما عرفت لان الاختلاف بين الأمرين كما ادعاه انما يتم لو كان الوقت الذي ادعى انه مأمور بإيقاع الصلاة فيه هو الوقت الواقعي النفس الأمري وقد عرفت فساده ، ومتى أريد به الوقت الذي في نظر المكلف فهو يرجع الى ما ذكره ثانيا من الأمر بالصلاة بحسب الظاهر فلا اختلاف بين الأمرين كما لا يخفى. والله العالم.

(المسألة السادسة) ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان من كان له طريق الى العلم بالوقت فلا يجوز له الصلاة إلا بعد العلم بذلك فان لم يكن له طريق الى ذلك فهل يجوز له الاجتهاد في الوقت بمعنى التعويل على الأمارات المفيدة للظن أو يجب عليه الصبر حتى يتيقن الوقت؟ قولان المشهور الأول. فالكلام هنا يقع في موضعين

الأول) فيما إذا كان له طريق الى العلم وقد عرفت ان مذهب الأصحاب انه لا يجوز له الصلاة إلا بعد العلم ولا يجوز له التعويل


على الظن ، قال في المدارك بعد ذكر الحكم المذكور : وهو مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا. واستدل عليه في المنتهى بان العلم يؤمن معه الخطأ والظن لا يؤمن معه ذلك وترك ما يؤمن معه الخطأ قبيح عقلا. واعترضه في المدارك بأنه ضعيف جدا قال والعقل لا يقضي بقبح التعويل على الظن هنا بل لا يأباه لو قام عليه الدليل. والأجود الاستدلال عليه بانتفاء ما يدل على ثبوت التكليف مع الظن للتمكن من العلم ، ويؤيده عموم النهي عن اتباع الظن. انتهى.

أقول : لا يخفى ان الأحكام الشرعية كما قدمناه في غير موضع توقيفية لا مسرح للعقل فيها بوجه وانما هي منوطة بالنصوص والأدلة الواردة عن صاحب الشريعة وجودا وعدما وصحة وبطلانا ، ولكنهم (رضوان الله عليهم) حيث اشتهر بينهم ترجيح الأدلة العقلية على السمعية فتراهم في كل حكم يقدمون دليلا عقليا بزعمهم ثم يردفونه بالأدلة العقلية على السمعية فتراهم في كل حكم يقدمون دليلا عقليا بزعمهم ثم يردفونه بالأدلة السمعية وان كانت أدلتهم فيها ما هو أوهن من بيت العنكبوت وانه لا وهن البيوت. والتحقيق هو الرجوع الى الاخبار الواردة عن الأئمة (عليهم‌السلام) في هذا المقام وغيره.

ثم ان ما يظهر من كلام صاحب المدارك من عدم العلم بالمخالف المؤذن بدعوى الإجماع على المسألة المذكورة محل نظر فان ظاهر الشيخين في المقنعة والنهاية يشعر بالخلاف ، قال في المقنعة : من ظن ان الوقت قد دخل فصلى ثم علم بعد ذلك انه صلى قبله أعاد الصلاة إلا ان يكون الوقت دخل وهو في الصلاة لم يفرغ منها فيجزئه ذلك. وقال في النهاية ولا يجوز لأحد ان يدخل في الصلاة إلا بعد حصول العلم بدخول الوقت أو يغلب على ظنه ذلك. وهو ظاهر المبسوط ايضا ، والحمل على ان المراد بالظن في مقام عدم إمكان العلم وان أمكن إلا انه خلاف الظاهر من العبارتين المذكورتين. وبما ذكرنا من ظهور العبارتين المذكورتين في المخالفة للقول المشهور صرح الفاضل الخراساني أيضا في الذخيرة ويمكن الاستدلال على قول الشيخين بظاهر رواية إسماعيل بن رياح عن


ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) انه قال : «إذا صليت وأنت ترى أنك في وقت ولم يدخل الوقت فدخل الوقت وأنت في الصلاة فقد أجزأت عنك». وظاهر الأصحاب حمل هذه الرواية على صورة تعذر العلم حيث أوردوها في تلك المسألة وهي كما ترى مطلقة لا تقييد فيها بذلك لان قوله : «وأنت ترى ـ اي تظن ـ أنك في وقت» أعم من ان يكون العلم ممكنا أو غير ممكن ، على ان ما ذكروه من عدم جواز التعويل على الظن مع إمكان العلم لا يخلو من المناقشة ، فإن المستفاد من الأخبار المستفيضة الاعتماد على أذان المؤذنين وان كانوا من المخالفين ، ومن الظاهر ان غاية ما يفيد هو الظن وان تفاوت شدة وضعفا باعتبار المؤذنين وما هم عليه من زيادة الوثاقة والضبط في معرفة الأوقات وعدمه.

وها أنا أسوق من الأخبار الجارية في هذا المضمار ، فمنها ـ صحيحة ذريح المحاربي (2) قال : «قال لي أبو عبد الله (عليه‌السلام) صل الجمعة بأذان هؤلاء فإنهم أشد شي‌ء مواظبة على الوقت».

ورواية محمد بن خالد القسري (3) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) أخاف ان أصلي يوم الجمعة قبل ان تزول الشمس؟ قال انما ذاك على المؤذنين».

وروى العياشي في تفسيره عن سعيد الأعرج (4) قال : «دخلت على ابي عبد الله (عليه‌السلام) وهو مغضب وعنده أناس من أصحابنا وهو يقول تصلون قبل ان تزول الشمس؟ قال وهم سكوت ، قال قلت ما نصلي حتى يؤذن مؤذن مكة قال فلا بأس اما انه إذا أذن فقد زالت الشمس. الخبر». والخبر صحيح كما ترى بالاصطلاح القديم لكون الكتاب من الأصول المعتمدة.

وروى الحميري في كتاب قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي ابن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (5) قال : «سألته عن رجل صلى الفجر في

__________________

(1) المروية في الوسائل في الباب 25 من المواقيت.

(2 و 3 و 4 و 5) الوسائل الباب 3 من الأذان.


يوم غيم أو في بيت واذن المؤذن وقعد فأطال الجلوس حتى شك فلم يدر هل طلع الفجر أم لا فظن ان المؤذن لا يؤذن حتى يطلع الفجر؟ قال أجزأه أذانهم».

وروى الشيخ في التهذيب عن عيسى بن عبد الله الهاشمي عن أبيه عن جده عن علي (عليه‌السلام) (1) قال : «المؤذن مؤتمن والامام ضامن».

وروى الصدوق في الفقيه مرسلا (2) قال : «قال الصادق (عليه‌السلام) في المؤذنين إنهم الأمناء».

وروى فيه ايضا مرسلا (3) قال : «كان لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) مؤذنان أحدهما بلال والآخر ابن أم مكتوم وكان ابن أم مكتوم أعمى وكان يؤذن قبل الصبح وكان بلال يؤذن بعد الصبح فقال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان ابن أم مكتوم يؤذن بليل فإذا سمعتم أذانه فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان بلال».

وروى في الفقيه ايضا مرسلا (4) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) في حديث المؤذن له من كل من يصلي بصوته حسنة».

وبإسناده عن عبد الله بن علي عن بلال في حديث (5) قال : «سمعت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يقول المؤذنون أمناء المؤمنين على صلاتهم وصومهم ولحومهم ودمائهم. الحديث».

وروى الشيخ المفيد في المقنعة (6) قال : «روى عن الصادقين (عليهم‌السلام) انهم قالوا قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يغفر للمؤذن مد صوته وبصره ويصدقه ، الى ان قال وله من كل من يصلى بأذانه حسنة».

وروى الصدوق في كتاب عيون اخبار الرضا (عليه‌السلام) بسنده عن الفضل بن الربيع في حكاية حبس الكاظم (عليه‌السلام) عنده (7) «انه كان يعقب بعد الفجر الى

__________________

(1 و 2 و 4 و 5 و 6) الوسائل الباب 3 من الأذان.

(3) الوسائل الباب 8 من الأذان.

(7) الوسائل الباب 59 من المواقيت.


ان تطلع الشمس ثم يسجد سجدة فلا يزال ساجدا حتى تزول الشمس وقد وكل من يترصد له الزوال فلست ادري متى يقول له الغلام قد زالت الشمس إذ وثب فيبتدئ الصلاة من غير ان يحدث وضوء ، ثم ساق الكلام الى ان قال فلا يزال يصلي في جوف الليل حتى يطلع الفجر فلست ادري متى يقول الغلام ان الفجر قد طلع إذ وثب هو لصلاة الفجر. الحديث».

وهذه الاخبار كلها ـ كما ترى ـ ظاهرة الدلالة متعاضدة المقالة في جواز الاعتماد على المؤذنين وغيرهم كما يدل عليه الحديث الأخير ، ولا يخفى ان غاية ما يفيد هو الظن ، ويعضد هذه الاخبار رواية إسماعيل بن رياح المتقدمة».

إلا انه روى الشيخ عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (1) «في الرجل يسمع الأذان فيصلي الفجر ولا يدري أطلع الفجر أم لا غير انه يظن لمكان الأذان أنه طلع؟ قال لا يجزئه حتى يعلم انه طلع». وهي ظاهرة في عدم جواز التعويل على الأذان ، وبها استدل في المدارك على القول المشهور.

وأنت خبير بان ما قابلها من الاخبار المتقدمة أكثر عددا وأوضح سندا ، وحينئذ يتعين ارتكاب التأويل في هذه الرواية بأن تحمل على عدم الوثوق بالمؤذن أو على الفضل والاستحباب كما هي القاعدة المطردة عندهم في جميع الأبواب.

وظاهر المحقق في المعتبر الميل الى الاعتماد على أذان الثقة الذي يعرف منه الاستظهار لقول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (2) «المؤذنون أمناء». ولأن الأذان مشروع للاعلام بالوقت فلو لم يعول عليه لم تحصل الغاية من شرعيته.

واعترضه الشهيد وغيره بأنه يكفي في صدق الامانة تحققها بالنسبة إلى ذوي الاعذار وشرعية الأذان للإعلام لتقليدهم خاصة ولتنبيه المتمكن على الاعتبار.

__________________

(1) الوسائل الباب 58 من المواقيت عن الذكرى وكتاب على بن جعفر.

(2) رواه في الوسائل في الباب 3 من الأذان.


وفيه نظر : (أما أولا) فإنه تقييد لإطلاق الأخبار المتقدمة بغير دليل سوى مجرد دعواهم الاتفاق على اشتراط العلم.

و (اما ثانيا) فان الدليل غير منحصر فيما ذكره المحقق من التعليلين المذكورين ليتم ما قالوه بالجواب عنهما بل ظاهر صحيحة ذريح ورواية محمد بن خالد ونحوهما من الروايات المتقدمة هو العموم لذوي الاعذار وغيرهم وهو أظهر من ان يحتاج الى مزيد بيان وبذلك يظهر ما في جمود صاحب المدارك على كلام الشهيد هنا واعتضاده به وتردد الفاضل الخراساني في الذخيرة بعد نقله فإنه لا وجه له بعد ما عرفت من الاخبار التي قدمناها وظهورها في العموم ، ولكنهم لعدم إعطاء التتبع والتأمل حقهما في الاخبار جرى لهم ما جرى في أمثال هذا المضمار.

واما ما نقله ابن إدريس في مستطرفات السرائر ـ من كتاب نوادر البزنطي عن عبد الله بن عجلان (1) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) إذا كنت شاكا في الزوال فصل ركعتين فإذا استيقنت انها قد زالت بدأت بالفريضة». ـ فلا منافاة فيه لما ذكرناه إذ غاية ما يدل عليه هو عدم جواز الصلاة مع الشك في الوقت وجوازها مع اليقين ولا دلالة فيه على التخصيص به وعدم جواز الاعتماد على الظن الحاصل بالأذان ونحوه بل هو مطلق بالنسبة الى ذلك فيجب تقييده بما ذكرنا من الاخبار.

واما ما رواه المرتضى (رضي‌الله‌عنه) في رسالة المحكم والمتشابه ـ عن تفسير النعماني بإسناده عن إسماعيل بن جابر عن الصادق عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليهم‌السلام) في حديث طويل (2) قال : «ان الله إذا حجب عن عباده عين الشمس التي جعلها دليلا على أوقات الصلوات فموسع عليهم تأخير الصلاة ليتبين لهم الوقت بظهورها ويستيقنوا انها قد زالت». ـ فمورده صورة الاشتباه وسيأتي الكلام فيها ثمة.

واما ما في حديث علي بن مهزيار (3) ـ وقول ابي جعفر (عليه‌السلام) فيه

__________________

(1 و 2 و 3) رواه في الوسائل الباب 58 من المواقيت.


«الفجر هو الخيط الأبيض المعترض فلا تصل في سفر ولا حضر حتى تتبينه فان الله سبحانه لم يجعل خلقه في شبهة من هذا فقال : وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ» (1). ـ فان ظاهر سياق الخبر انه مع الاشتباه وعدم تبين الفجر الصادق من الكاذب لا يجوز له الصلاة حتى يتبين ذلك ، إلا ان تبينه كما يكون برؤيته بنفسه كذلك يكون بسماع الأذان كما ينادي به قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في مرسلة الفقيه «فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان بلال» (2). وهو ظاهر إطلاق باقي الاخبار ، وحاصل المعنى هو الرخصة في الأكل والشرب حتى يتبين الفجر بأحد الأمرين المذكورين.

وقال في المدارك ـ بعد اعتراضه على كلام المعتبر المتقدم بما قدمنا نقله عن الشهيد ـ ما صورته : نعم لو فرض افادته العلم بدخول الوقت كما قد يتفق كثيرا في أذان الثقة الضابط الذي يعلم منه الاستظهار في الوقت إذا لم يكن هناك مانع من العلم جاز التعويل عليه قطعا ويدل عليه صحيحة ذريح ، ثم أورد الصحيحة المذكورة وعقبها برواية محمد ابن خالد القسري.

أقول : لا يخفى ما فيه على الفطن النبيه (أما أولا) فإن ما ذكره من إفادة أذان الثقة الضابط للعلم ينافي ما ذكروه في الأصول بالنسبة إلى الأخبار المروية عن الأئمة الأطهار (عليهم‌السلام) بنقل الثقات العدول المجمع على فضلهم وورعهم وعدالتهم من ان غاية ما تفيده رواياتهم هو الظن دون العلم ، وهذه احدى المعارك العظام بين الأصوليين والأخباريين كما حقق في محله.

و (اما ثانيا) فان ما زعمه من دلالة الخبرين المذكورين على افادة العلم لا اعرف له وجها ، نعم يستفاد من الأول حصول الظن الراجح بأذانهم.

وبالجملة فالظاهر عندي من الاخبار الواردة في المقام هو ما ذهب اليه الشيخان

__________________

(1) سورة البقرة ، الآية 183.

(2) ص 297.


المتقدمان في المسألة من العمل على الظن. والله العالم.

(الموضع الثاني) ـ فيما لو لم يكن له طريق الى العلم لغيم ونحوه فهل يجب الصبر عليه حتى يتيقن الوقت أو يجوز له الاجتهاد والبناء على الظن؟ المشهور الثاني ، ونقل عن ابن الجنيد انه قال ليس للشاك يوم الغيم ولا غيره ان يصلي إلا عند تيقنه الوقت وصلاته في آخر الوقت مع اليقين خير من صلاته مع الشك.

والى هذا القول مال في المدارك ، قال (قدس‌سره) بعد ذكر القول المشهور ثم مذهب ابن الجنيد : احتج الأولون برواية سماعة (1) قال : «سألته عن الصلاة بالليل والنهار إذا لم ير الشمس ولا القمر ولا النجوم؟ قال اجتهد رأيك وتعمد القبلة جهدك». قيل وهذا يشمل الاجتهاد في الوقت والقبلة. ويمكن ان يستدل له ايضا بما رواه أبو الصباح الكناني (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل صام ثم ظن ان الشمس قد غابت وفي السماء علة فأفطر ثم ان السحاب انجلى فإذا الشمس لم تغب؟ فقال قد تم صومه ولا يقضيه». وإذا جاز التعويل على الظن في الإفطار جاز في الصلاة إذ لا قائل بالفرق. وصحيحة زرارة (3) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) وقت المغرب إذا غاب القرص فإن رأيته بعد ذلك وقد صليت أعدت الصلاة ومضى صومك وتكف عن الطعام ان كنت أصبت منه شيئا». وتقريب الاستدلال ما تقدم. ويمكن المناقشة في الروايتين الأوليين بضعف السند وفي الثالثة بقصور الدلالة لاحتمال ان يراد بمضي الصوم فساده. وبالجملة فالمسألة محل تردد وقول ابن الجنيد لا يخلو من قوة. انتهى.

أقول : لا يخفى ان ما ذكره من الاستدلال برواية سماعة مبني على حمل الاجتهاد على الوقت والظاهر بعده بل المراد انما هو الاجتهاد في القبلة فيكون العطف تفسيريا فلا تكون الرواية المذكورة من المسألة في شي‌ء. واما رواية الكناني وصحيحة زرارة

__________________

(1) المروية في الوسائل في الباب 6 من أبواب القبلة.

(2 و 3) الوسائل الباب 51 من ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك.


فهما ظاهرتا الدلالة على القول المشهور ، وما ردهما به من الطعن في غاية القصور لما صرح به هو نفسه (قدس‌سره) في كتاب الصوم في مسألة الإفطار للظلمة الموهمة حيث نقل ثمة انه لا خلاف بين علمائنا ظاهرا في جواز الإفطار عند ظن الغروب إذا لم يكن للظان طريق الى العلم وانما اختلفوا في وجوب القضاء وعدمه إذا انكشف فساد الظن ، ثم نقل القول بعدم الوجوب عن جمع من الأصحاب ونقل القول بالوجوب عن آخرين واختار الأول ، واستدل بصحيحة زرارة ورواية أبي الصباح الكناني المذكورتين وصحيحة أخرى لزرارة أيضا عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (1) «انه قال لرجل ظن ان الشمس قد غابت فأفطر ثم أبصر الشمس بعد ذلك فقال ليس عليه قضاء». ونقل أيضا رواية الشحام الدالة على ذلك. وأنت خبير بظهور دلالة هذه الروايات كملا على القول المشهور إذ الحكم في الصلاة والصوم واحد لابتنائهما على وقت واحد ، واما ما ذكره هنا ـ من التأويل في صحيحة زرارة بحمل قوله : «قد مضى صومك» على معنى فساده ـ فهو من التأويلات الغثة التي يقضى منها العجب من مثله فان هذه العبارة إنما يرمى بها في مقام الكناية عن الصحة أي مضى صومك على الصحة.

ومما يؤيد القول المشهور زيادة على ما ذكرنا موثقة عبد الله بن بكير عن أبيه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «قلت له اني صليت الظهر في يوم غيم فانجلت فوجدتني صليت حين زال النهار؟ قال فقال لا تعد ولا تعد». رواية إسماعيل بن رياح المتقدمة.

والروايات الدالة على الاعتماد على صياح الديك ، ومنها ما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح أو الحسن في كتابي الكليني والشيخ الى ابي عبد الله الفراء عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) «انه قال له رجل من أصحابنا انه ربما اشتبه علينا الوقت في يوم غيم؟ فقال تعرف هذه

__________________

(1) رواها في الوسائل في الباب 51 من ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك.

(2) الوسائل الباب 4 من المواقيت.

(3) الوسائل الباب 14 من المواقيت.


الطيور التي تكون عندكم بالعراق يقال لها الديوك؟ فقال نعم. قال إذا ارتفعت أصواتها وتجاوبت فقد زالت الشمس أو قال فصله». كذا في الكتابين المتقدمين وفي الفقيه (1) «فعند ذلك فصل».

وما رواه في الكافي والتهذيب عن الحسين بن المختار عن رجل عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «قلت له اني رجل مؤذن فإذا كان يوم الغيم لم اعرف الوقت؟ فقال إذا صاح الديك ثلاثة أصوات ولاء فقد زالت الشمس ودخل وقت الصلاة». ورواه المشايخ الثلاثة عن الحسين بن المختار عن الصادق (عليه‌السلام) مثله.

وقد ظهر لك بما ذكرناه قوة القول المشهور وانه لا يعتريه نقص ولا قصور وبذلك يظهر لك ضعف ما ذكره في المدارك ومثله الفاضل الخراساني في الذخيرة حيث انه تردد في المسألة.

ويمكن ان يستدل لابن الجنيد بما تقدم من رواية إسماعيل بن جابر المنقولة عن تفسير النعماني المذكورة في الموضع الأول الا ان ظاهرها لا يخلو من اشكال لدلالتها على التأخير حتى تطلع الشمس مع انها ربما لا تطلع في ذلك اليوم بالكلية ، ويمكن حملها على استحباب التأخير لتحقق الوقت ، وكيف كان فهي لا تبلغ حجة في مقابلة ما قدمناه من الاخبار سندا ولا عددا ولا دلالة فيتحتم تأويلها بما ذكرناه أو غيره.

هذا مع استمرار الاشتباه واما إذا انكشف فساد الظن المذكور فقد تقدم الكلام فيه مستوفى في المقام الرابع من المسألة المتقدمة. والله العالم.

(المسألة السابعة) ـ اتفق الأصحاب (رضوان الله عليهم) على كراهة النوافل في الأوقات الخمسة المشهورة في الجملة ، وهي عند طلوع الشمس حتى تذهب الحمرة وينتشر شعاعها ، وعند غروبها اي حال دنوها من الغروب واصفرارها حتى يكمل الغروب بذهاب الحمرة المشرقية ، وعند قيامها اي كونها في وسط النهار على دائرة

__________________

(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب المواقيت.


نصف النهار حتى يتحقق الزوال بأحد أسبابه المتقدمة إلا يوم الجمعة فإن ظاهرهم الاتفاق على استثنائه كما سيأتي ان شاء الله تعالى ، وبعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس ، وبعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس.

وانما اختلفت كلمتهم في تخصيص النوافل المذكورة بالمبتدأة أو عمومها للقضاء وذوات الأسباب أو أحدهما دون الآخر على أقوال ، والمشهور تخصيص الكراهة بالنوافل المبتدأة وهو المنقول عن الشيخ في المبسوط والاقتصاد واليه ذهب المتأخرون وحكم في النهاية بكراهة النوافل أداء وقضاء عند الطلوع والغروب ولم يفرق بين ذي السبب وغيره. وفصل في الخلاف فقال في ما نهى عنه لأجل الوقت وهي المتعلقة بالشمس لا فرق فيه بين الصلوات والبلاد والأيام إلا يوم الجمعة فإنه يصلى عند قيامها النوافل ، ثم قال وما نهى عنه لأجل الفعل وهي المتعلقة بالصلوات انما يكره ابتداء الصلاة فيه نافلة فأما كل صلاة لها سبب فإنه لا بأس به. وجزم المفيد (قدس‌سره) بكراهة النوافل المبتدأة وذات السبب عند الطلوع والغروب على ما نقله في المختلف ، وظاهره في المقنعة التحريم ، وقال ان من زار أحد المشاهد عند طلوع الشمس أو غروبها أخر الصلاة حتى تذهب حمرة الشمس عند طلوعها وصفرتها عند غروبها والى ما ذكره يرجع كلام الشيخ في النهاية. وعن ابن ابي عقيل لا نافلة بعد طلوع الشمس الى الزوال ولا بعد العصر حتى يغيب القرص إلا يوم الجمعة وقضاء فوائت السنن فان القضاء مطلق بعد طلوع الشمس الى الزوال وبعد العصر الى ان تغيب الشمس وقال ابن الجنيد ورد النهي عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن الابتداء بالصلاة عند طلوع الشمس وعند قيامها نصف النهار وعند غروبها وأباح الصلاة نصف النهار يوم الجمعة فقط. وقال السيد المرتضى ومما انفردت به الإمامية كراهة صلاة الضحى وان التنفل بالصلاة بعد طلوع الشمس الى وقت زوالها محرم إلا في يوم الجمعة خاصة. وقال في أجوبة المسائل الناصرية حيث قال الناصر لا بأس بقضاء الفرائض عند طلوع الشمس وعند استوائها وعند غروبها. قال وهذا عندنا صحيح وعندنا انه يجوز ان يصلى في الأوقات المنهي عن


الصلاة فيها كل صلاة لها سبب متقدم وانما لا يجوز ان يبتدأ فيها بالنوافل. وصريح كلامي المرتضى (رضي‌الله‌عنه) هو التحريم في المبتدأة وهو ظاهر كلام ابن ابي عقيل وابن الجنيد.

والأصل في هذا الاختلاف هو اختلاف الأخبار الواردة في المقام وها أنا املي عليك ما وقفت عليه من تلك الاخبار وأردفه بما وفقني الله تعالى لفهمه منها على وجه لا يعتريه ان شاء الله العثار ولا يحصل الصد عنه والنفار :

فمنها ـ ما رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (1) قال : «يصلى على الجنازة في كل ساعة انها ليست بصلاة ركوع ولا سجود وانما تكره الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها التي فيها الخشوع والركوع والسجود لأنها تغرب بين قرني شيطان وتطلع بين قرني شيطان».

وما رواه الشيخ في التهذيب في الموثق عن محمد الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس فان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال ان الشمس تطلع بين قرني الشيطان وتغرب بين قرني الشيطان. وقال لا صلاة بعد العصر حتى تصلى المغرب».

وعن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «لا صلاة بعد العصر حتى تصلى المغرب ولا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس».

وعن ابي الحسن علي بن بلال (4) قال : «كتبت إليه في قضاء النافلة من طلوع الفجر الى طلوع الشمس ومن بعد العصر الى ان تغيب الشمس؟ فكتب الي لا يجوز ذلك إلا للمقتضي فاما لغيره فلا». يعني لا يجوز الصلاة في هذين الوقتين إلا لمن يقضى نافلة أو فريضة.

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 20 من صلاة الجنازة.

(2 و 3 و 4) رواه في الوسائل في الباب 38 من المواقيت.


وعن عبد الله بن سنان في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «لا صلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة».

وعن محمد بن فرج (2) قال : «كتبت الى العبد الصالح (عليه‌السلام) اسأله عن مسائل فكتب الي : وصل بعد العصر من النوافل ما شئت وصل بعد الغداة من النوافل ما شئت».

وروى الصدوق في الفقيه عن الحسين بن زيد في حديث المناهي عن جعفر بن محمد عن آبائه (عليهم‌السلام) (3) قال : «ونهى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها وعند استوائها».

ورواه في المجالس ايضا (4) وقال : «وقد روى نهى عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها لان الشمس تطلع بين قرني الشيطان وتغرب بين قرني الشيطان».

وروى الصدوق في كتاب العلل بسند قوى عن سليمان بن جعفر الجعفري (5) قال : «سمعت الرضا (عليه‌السلام) يقول لا ينبغي لأحد ان يصلي إذا طلعت الشمس لأنها تطلع بقرني شيطان ، فإذا ارتفعت وصفت فارقها فيستحب الصلاة ذلك الوقت والقضاء وغير ذلك ، فإذا انتصف النهار قارنها فلا ينبغي لأحد ان يصلي في ذلك الوقت لأن أبواب السماء قد غلقت ، فإذا زالت الشمس وهبت الريح فارقها».

وروى ابن إدريس في مستطرفات السرائر عن جامع البزنطي عن علي بن سليمان عن محمد بن عبد الله بن زرارة عن محمد بن الفضيل البصري (6) قال : «قلت لأبي الحسن (عليه‌السلام) ان يونس كان يفتي الناس عن آبائك (عليهم‌السلام) انه لا بأس بالصلاة بعد طلوع الفجر الى طلوع الشمس وبعد العصر الى ان تغيب الشمس؟ فقال كذب لعنه الله على ابي أو قال على آبائي».

ونقل شيخنا في البحار (7) عن كتاب زيد النرسي عن علي بن مزيد قال :

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 8 من صلاة الجمعة.

(2 و 3 و 4 و 5 و 6) الوسائل الباب 38 من المواقيت.

(7) ج 18 الصلاة ص 82.


«سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول ان الشمس تطلع كل يوم بين قرني شيطان إلا صبيحة ليلة القدر».

وروى الطبرسي في كتاب الاحتجاج مرسلا عن محمد بن جعفر الأسدي والصدوق في كتاب إكمال الدين مسندا عن محمد بن أحمد السناني وعلي بن احمد بن محمد الدقاق والحسين بن إبراهيم المؤدب وعلي بن عبد الله الوراق (1) قالوا : «حدثنا أبو الحسين محمد بن جعفر الأسدي قال كان فيما ورد على الشيخ ابي جعفر محمد بن عثمان العمري في جواب مسائلي الى صاحب الدار ـ وفي الاحتجاج الى صاحب الزمان ـ :

اما ما سألت عنه من الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها فلان كان كما يقول الناس ان الشمس تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان فما أرغم أنف الشيطان بشي‌ء مثل الصلاة فصلها وأرغم أنف الشيطان».

إذا عرفت ذلك فالكلام في هذه الاخبار يقع في مواضع (الأول) لا يخفى ان بعض هذه الاخبار وان دل بإطلاقه على المنع من صلاة الفريضة في هذه الأوقات مثل صحيحة محمد بن مسلم وموثقة الحلبي ونحوهما من الأخبار الدالة على انه لا صلاة في هذه الأوقات إلا انه يجب تقييدها بما ورد من الاخبار الدالة على قضاء الفريضة وجوازه في هذه الأوقات :

كصحيحة زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (2) قال : «اربع صلوات يصليهن الرجل في كل ساعة : صلاة فاتتك فمتى ذكرتها أديتها وصلاة ركعتي الطواف الفريضة وصلاة الكسوف والصلاة على الميت ، هؤلاء تصليهن في الساعات كلها».

ورواية نعمان الرازي (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل فاته شي‌ء من الصلوات فذكر عند طلوع الشمس وعند غروبها قال فليصل حين ذكره».

ورواية أبي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «خمس صلوات

__________________

(1) الوسائل الباب 38 من المواقيت.

(2 و 3 و 4) الوسائل الباب 39 من المواقيت.


تصليهن في كل وقت : صلاة الكسوف والصلاة على الميت وصلاة الإحرام والصلاة التي تفوت وصلاة الطواف من الفجر الى طلوع الشمس وبعد العصر الى الليل».

وصحيحة معاوية بن عمار (1) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول خمس صلوات لا تترك على كل حال : إذا طفت بالبيت وإذا أردت أن تحرم وصلاة الكسوف وإذا نسيت فصل إذا ذكرت وصلاة الجنازة».

وما سيأتي ان شاء الله تعالى في المقصد الآتي من الاخبار الدالة على الفورية بالقضاء وان وقتها ساعة ذكرها.

(فان قيل) : ان النسبة بين هذه الاخبار وبين الاخبار الدالة على المنع العموم من وجه لان هذه الأخبار دلت على الجواز أعم من ان يكون على جهة الكراهة أو بدونها وتلك الاخبار دلت على المنع من الصلاة فريضة كانت أو غيرها من هذه المعدودات ، فما المرجح لما ذكرتموه من الجمع بتقييد تلك الأخبار بهذه واستثناء هذه الصلاة من الكراهة ولم لا يجوز العكس بإبقاء تلك الأخبار على ظاهرها من المنع وحمل الجواز في هذه الاخبار على الجواز المطلق الغير المنافي للكراهة؟

(قلنا) : وجه الترجيح لما ذكرنا من الجمع وجوه عديدة : منها كثرة هذه الاخبار وظهورها في الجواز من غير كراهة وتأيدها بالشهرة وعمل الأصحاب بذلك وتصريح رواية أبي بصير بالنسبة الى ما بعد الفجر وما بعد العصر.

إلا انه لا يخفى ايضا انه قد ورد في بعض الاخبار ما يدل على الكراهة في قضاء الفرائض في بعض هذه الأوقات ، مثل رواية أبي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «ان نام الرجل ولم يصل صلاة المغرب والعشاء الآخرة أو نسي فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصلهما وان خشي ان تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة ، وان استيقظ بعد الفجر فليبدأ فليصل الفجر ثم المغرب ثم العشاء الآخرة قبل طلوع الشمس

__________________

(1) الوسائل الباب 39 من المواقيت.

(2) الوسائل الباب 62 من المواقيت.


فان خاف ان تطلع الشمس فتفوته احدى الصلاتين فليصل المغرب ويدع العشاء الآخرة حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها ثم ليصلها». ونحوها رواية الحسن بن زياد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) الدالة على «ان الذاكر ظهرا منسية في أثناء العصر يعدل ولو ذكر مغربا في أثناء العشاء صلى المغرب بعدها ولا يعدل لان العصر ليس بعدها صلاة». وفي صحيحة ابن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) «فليصل الصبح ثم المغرب ثم العشاء قبل طلوع الشمس».

وهذه الاخبار قد حملها الشيخ على التقية وهو جيد لما قدمنا تحقيقه من ان رواية أبي بصير وصحيحة ابن سنان الدالتين على امتداد وقت العشاءين الى قبل الفجر انما خرجتا مخرج التقية في ذلك فكذا في هذا الحكم. وبالجملة فإن المستفاد من الاخبار المذكورة هو استثناء هذه الصلوات المذكورة كملا من عموم تلك الاخبار فلا كراهة فيها بالكلية.

(الثاني) ـ المستفاد من هذه الاخبار بعد ضم مطلقها الى مقيدها هو جواز قضاء النوافل في هذه الأوقات من غير كراهية ، لأن بعضها وان دل بإطلاقه على المنع إلا ان رواية علي بن بلال قد صرحت باستثناء القضاء ، وعليها يحمل أيضا إطلاق صحيحة عبد الله بن سنان الدالة على انه يصلى بعد العصر من النوافل ما شاء وبعد الغداة يعني قضاء وكذا رواية محمد بن فرج لما عرفت من دلالة الأخبار المذكورة على المنع من المبتدأة خصوصا وعموما.

ومما يدل على جواز القضاء في هذه الأوقات الأخبار المستفيضة كرواية محمد بن يحيى بن حبيب (3) قال : «كتبت الى ابي الحسن الرضا (عليه‌السلام) تكون علي الصلاة النافلة متى أقضيها؟ فكتب في أي ساعة شئت من ليل أو نهار».

__________________

(1) الوسائل الباب 63 من المواقيت.

(2) الوسائل الباب 62 من المواقيت.

(3) المروية في الوسائل في الباب 39 من أبواب المواقيت.


ورواية حسان بن مهران (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن قضاء النوافل قال ما بين طلوع الشمس الى غروبها».

وعن ابن ابي يعفور عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) «في قضاء صلاة الليل والوتر تفوت الرجل أيقضيها بعد صلاة الفجر وبعد صلاة العصر؟ قال لا بأس بذلك».

وعن جميل بن دراج (3) قال : «سألت أبا الحسن الأول (عليه‌السلام) عن قضاء صلاة الليل بعد الفجر الى طلوع الشمس؟ قال نعم وبعد العصر الى الليل فهو من سر آل محمد المخزون».

وفي الصحيح عن احمد بن النضر وعن احمد بن محمد بن ابي نصر البزنطي في بعض إسناديهما (4) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن القضاء قبل طلوع الشمس وبعد العصر فقال نعم فاقضه فإنه من سر آل محمد عليهم‌السلام».

وروى في الفقيه مرسلا (5) قال : «قال الصادق (عليه‌السلام) قضاء صلاة الليل بعد الغداة وبعد العصر من سر آل محمد المخزون».

وروى الشيخ عن سليمان بن هارون (6) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن قضاء الصلاة بعد العصر قال نعم انما هي النوافل فاقضها متى شئت».

وعن الحسين بن ابي العلاء عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (7) قال : «اقض صلاة النهار أي ساعة شئت من ليل أو نهار كل ذلك سواء».

وعن ابن ابي يعفور في الصحيح (8) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول صلاة النهار يجوز قضاؤها أي ساعة شئت من ليل أو نهار».

وبذلك يظهر ما في كلام الشيخين في المقنعة والنهاية من الحكم بكراهة قضاء النافلة في الأوقات الثلاثة وهي عند الطلوع والغروب والقيام ، فإنه ناشئ عن الغفلة

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 6 و 7 و 8) الوسائل الباب 39 من المواقيت.

(5) رواه في الوسائل في الباب 45 و 56 من المواقيت.


عن ملاحظة هذه الاخبار. وظاهر الاخبار الدالة على ان القضاء بعد الفجر وبعد العصر من سر آل محمد المخزون ربما أشعر بكون ما دل على المنع من القضاء في هذين الوقتين انما خرج مخرج التقية.

وكيف كان فإنه يبقى الاشكال فيما عدا القضاء من ذوات الأسباب فإن ظاهر القول المشهور الجواز من غير كراهية وروايات المسألة كما ترى لا تعرض فيها لشي‌ء من ذلك إلا ما دلت عليه الاخبار المتقدمة في الموضع الأول من ركعتي الطواف وصلاة الإحرام ويبقى ما عدا ذلك على الاشكال المذكور.

واما ما رواه في كتاب قرب الاسناد عن الحسن بن طريف وعلي بن إسماعيل ومحمد بن عيسى جميعا عن حماد بن عيسى (1) قال : «رأيت أبا الحسن موسى (عليه‌السلام) صلى الغداة فلما سلم الامام قام فدخل الطواف فطاف أسبوعين بعد الفجر قبل طلوع الشمس ثم خرج من باب بني شيبة ومضى ولم يصل». فيجب حمله على التقية كما ان قران الطوافين محمول عليها ايضا.

وظاهر شيخنا الشهيد في الذكرى الجمع بين الاخبار بتخصيص عموم هذه الروايات بروايات ذوات الأسباب ، قال والأقرب على القول بالكراهة استثناء ما له سبب لان شرعيته عامة وإذا تعارض العمومان وجب الجمع والحمل على غير ذوات الأسباب وجه جمع فان مثل قول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (2) «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين». يشمل جميع الأوقات وكذا كل ذي سبب فان النص عليه شامل. انتهى

وأنت خبير بأنه لقائل أن يقول كما يجوز ان يخصص عموم تلك الاخبار بهذه فلم لا يجوز العكس بإبقاء أخبار المنع على عمومها وتخصيص هذه الاخبار بها بان يقال انه

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 36 من الطواف.

(2) صحيح مسلم ج 1 ص 267 «إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل ان يجلس».


يؤتى بذوات الأسباب متى وجد السبب إلا في ما إذا كان في أحد هذه الأوقات؟ فلا بد لترجيح أحد الحملين على الآخر من مرجح.

ويمكن ان يرجح ما ذكره بتطرق التخصيص الى تلك الاخبار بما قدمناه من اخبار قضاء الفرائض وقضاء النوافل وما اشتملت عليه الاخبار المتقدمة في الموضع الأول من تلك الصلوات الخمس التي تصلى في كل وقت ، سيما مع ما ستعرف ان شاء الله تعالى من احتمال تطرق التقية الى هذه الاخبار كلا أو بعضا ، واعتضاد تلك الاخبار ايضا بعموم ما دل على مشروعية الصلاة ورجحانها في كل وقت.

(الثالث) ـ ظاهر الصدوق (قدس‌سره) في الفقيه التوقف في هذه المسألة حيث قال : وقد روى نهى عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها لان الشمس تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان. إلا انه روى لي جماعة من مشايخنا عن ابي الحسين محمد بن جعفر الأسدي ، ثم أورد الرواية كما قدمناه. وقال الشيخ في التهذيب بعد ان أورد الأخبار المتضمنة للكراهة : وقد روى رخصة في الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها ، ونقل الرواية بعينها.

وقال السيد السند في المدارك بعد نقل كلام الفقيه بتمامه : ولولا قطع الرواية ظاهرا لتعين المصير الى ما تضمنته وحمل أخبار النهي على التقية لموافقتها لمذهب العامة واخبارهم وقد أكثر الفقيه الجليل محمد بن محمد بن النعمان في كتابه المسمى ب «افعل لا تفعل» من التشنيع على العامة في روايتهم ذلك عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وقال انهم كثيرا ما يخبرون عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بتحريم شي‌ء وبعلة تحريمه وتلك العلة خطأ لا يجوز ان يتكلم بها النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ولا يحرم الله من قبلها شيئا ، فمن ذلك ما أجمعوا عليه من النهي عن الصلاة في وقتين عند طلوع الشمس حتى يلتئم طلوعها وعند غروبها ، فلو لا ان علة النهي انها تطلع وتغرب بين قرني الشيطان لكان ذلك جائزا ، فإذا كان آخر الحديث موصولا بأوله وآخره فاسد فسد الجميع. وهذا جهل من قائله والأنبياء لا تجهل


فلما بطلت هذه الرواية بفساد آخر الحديث ثبت ان التطوع جائز فيهما. انتهى.

أقول : ما ذكره من ان الرواية مقطوعة غفلة عن مراجعتها من كتاب إكمال الدين وإتمام النعمة إلا انه ربما لو اطلع على ذلك لطعن في ذلك بعدم توثيق المشايخ المذكورين في كتب الرجال. ولكن التحقيق كما ذكره شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) هو صحة الرواية ، حيث قال : والظاهر صحة الرواية لأن قول الصدوق «روى لي جماعة من مشايخنا» يدل على استفاضتها عنده ، والمشايخ الأربعة الذين ذكرهم في إكمال الدين وان لم يوثقوا في كتب الرجال لكنهم من مشايخ الصدوق ويروي عنهم كثيرا ويقول غالبا بعد ذكر كلامهم «رضي‌الله‌عنهم» واتفاق هذا العدد من المشايخ على النقل لا يقصر عن نقل واحد قال فيه بعض أصحاب الرجال «ثقة» ، فلا يبعد حمل أخبار النهي مطلقا على التقية أو الاتقاء لاشتهار الحكم بين المخالفين واتفاقهم على إضرار من صلى في هذه الأوقات. ثم نقل كلام الشيخ المفيد المتقدم في كلام السيد (قدس‌سرهما).

أقول : والقول بما صرحوا به (نور الله مراقدهم) من الحمل على التقية قريب في الباب لصحة هذا الخبر وصراحته إلا انه ربما أشكل ذلك لورود هذا اللفظ في جملة من الاخبار الخارجة عن أخبار المسألة مثل خبر النفر من اليهود الذين جاءوا الى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فسأله أعلمهم عن مسائل (1) وفيه في تعليل صلاة الفجر في الوقت المخصوص بها ما صورته «واما صلاة الفجر فان الشمس إذا طلعت تطلع على قرني الشيطان فأمرني ربي عزوجل ان أصلي قبل طلوع الشمس صلاة الغداة وقبل ان يسجد لها الكافر لتسجد أمتي لله عزوجل. الحديث». ونحوه ما رواه الصدوق في العلل (2) في ما أجاب به أمير المؤمنين (عليه‌السلام) عن مسائل اليهود قال : «ان الشمس تطلع بين قرني الشيطان». ونحوهما مما لا يخفى على المتتبع ، والظاهر انه لذلك قال شيخنا البهائي في كتاب

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 2 من أعداد الفرائض.

(2) البحار ج 18 الصلاة ص 82 عن الخصال.


الحبل المتين بعد نقل كلام الصدوق ودلالته على التوقف : والاولى عدم الخروج عما نطقت به الروايات المتكثرة وقال به جماهير الأصحاب. انتهى. وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال وان كان ما ذكرناه من الحمل على التقية أقرب قريب.

(الرابع) ـ ما دلت عليه الاخبار المتقدمة من تعليل الكراهة حال الطلوع والغروب بان الشمس تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان قد ورد مثله في اخبار العامة (1) وقد ذكروا في معناه وجوها :

قال في النهاية الأثيرية : فيه «الشمس تطلع بين قرني الشيطان» أي ناحيتي رأسه وجانبيه. وقيل القرن القوة أي حين تطلع يتحرك الشيطان ويتسلط فيكون كالمعين لها وقيل بين قرني اي أمتيه الأولين والآخرين. وكل هذا تمثيل لمن يسجد للشمس عند طلوعها فكأن الشيطان سول له ذلك فإذا سجد لها فكأن الشيطان مقترن بها.

وقال في القاموس : قرن الشيطان وقرناه أمته والمتبعون لرأيه أو قوته وانتشاره وتسلطه.

وقال الطيبي في شرح المشكاة : فيه وجوه : (أحدها) ـ انه ينتصب قائما في وجه الشمس عند طلوعها ليكون طلوعها بين قرنيه اي فوديه فيكون مستقبلا لمن يسجد للشمس فتصير عبادتهم له ، فنهوا عن الصلاة في ذلك الوقت مخالفة لعبدة الشيطان. و (ثانيها) ـ ان يراد بقرينة حزباه اللذان يبعثهما لإغواء الناس. و (ثالثها) ـ انه من باب التمثيل شبه الشيطان في ما يسول لعبدة الشمس ويدعوهم إلى معاندة الحق بذوات القرون التي تعالج الأشياء وتدافعها بقرونها. و (رابعها) ـ ان يراد بالقرن القوة من قولهم انا نقرن له اي نطيق ، ومعنى التثنية تضعيف القوة كما يقال «مالي بهذا الأمر يد ولا يدان» اي لا قدرة ولا طاقة. انتهى.

وقال شيخنا في الذكرى : قيل قرن الشيطان حزبه وهم عبدة الشمس يسجدون

__________________

(1) صحيح مسلم ج 1 ص 307.


لها في هذه الأوقات. وقال بعض العامة ان الشيطان يدني رأسه من الشمس في هذه الأوقات ليكون الساجد للشمس ساجدا له. انتهى.

أقول : والذي وقفت عليه في أخبارنا مما يتعلق بذلك ما رواه في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه رفعه (1) قال : «قال رجل لأبي عبد الله (عليه‌السلام) الحديث الذي روي عن ابي جعفر (عليه‌السلام) ان الشمس تطلع بين قرني الشيطان؟ قال نعم ان إبليس اتخذ عرشا بين السماء والأرض فإذا طلعت الشمس وسجد في ذلك الوقت الناس قال إبليس لشياطينه ان بني آدم يصلون لي». ونحوه ما تقدم من حديث النفر من اليهود مما يرجع الى التعليل بسجود الكفار لها فيه. وحاصل معنى الخبرين المذكورين يرجع الى التمثيل الذي ذكره في النهاية بأن المصلي في ذلك الوقت كأنه ساجد ويصلي للشيطان من حيث سجوده للشمس بتسويل الشيطان وإغوائه فطلوعها كذلك يقترن بالشيطان باعتبار تسويله وإضلاله.

(الخامس) ـ ظاهر قوله (عليه‌السلام) في رواية علي بن بلال (2) «لا يجوز ذلك إلا للمقتضي». مما يدل على ما صرح به المرتضى من التحريم ، وهو ايضا ظاهر قولهم «لا صلاة» وكذا نهى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فان ظواهر هذه الألفاظ هو التحريم وان تفاوتت في الدلالة على ذلك شدة وضعفا ، إلا ان كلام الأكثر كما عرفت هو الكراهة والشهيد في الذكرى حمل التحريم في كلام المرتضى على الرجوع الى صلاة الضحى لتقدمها في صدر الكلام ، وهو انما يتم له في العبارة الاولى من عبارتيه السالفتين واما عبارته في أجوبة المسائل الناصرية فلا لعدم ذكر صلاة الضحى فيها ولتصريحه فيها بالنوافل المبتدأة وانه لا يجوز ان يبتدأ بالنوافل في هذه الأوقات. وظاهر عبارة الشيخ المفيد ايضا هو التحريم حيث قال في المقنعة : «ولا يجوز ابتداء النوافل ولا قضاء شي‌ء منها عند طلوع الشمس ولا عند غروبها» بعد ان صرح أولا بأنه لا بأس ان يقضي الإنسان نوافله بعد

__________________

(1) الفروع ج 1 ص 80 والوسائل الباب 38 من المواقيت.

(2) ص 305.


صلاة الغداة الى ان تطلع الشمس وبعد صلاة العصر الى ان يتغير لونها. وفي المختلف نقل عنه عبارة أخرى ولعلها من غير المقنعة وعبر فيها بالكراهة ، والذي وجدته في المقنعة هو ما ذكرته. إلا ان الشيخ المفيد جعل التحريم في وقتي الطلوع والغروب لكل من النافلة المبتدأة والمقضية ، والسيد في كلامه الأول جعل التحريم في ما بعد طلوع الشمس الى وقت زوالها وأطلق في التنفل وفي الثاني صرح بالمبتدأة وان التحريم مخصوص بها وعمم في الأوقات كلها.

وكيف كان فظواهر الأخبار الدلالة على التحريم كما ذكرنا إلا انك قد عرفت تخصيص تلك الاخبار بما عدا القضاء بل ذي السبب مطلقا فيرجع التحريم إلى المبتدأة خاصة ، ولا اعرف لهم دليلا على الخروج عن ظواهرها من التحريم بدليل يوجب الخروج عن ظاهر ما دلت عليه مع قول جمع منهم به كما عرفت بذلك قال في الذكرى. ولعل استناد الأصحاب في الحكم بالكراهة وحمل الاخبار المشار إليها على ذلك هو قوله (عليه‌السلام) في صحيحة محمد بن مسلم «وانما تكره الصلاة عند طلوع الشمس. الى آخره» وقوله (عليه‌السلام) في رواية سليمان بن جعفر الجعفري المنقولة من العلل «لا ينبغي لأحد ان يصلي إذا طلعت الشمس. الى آخره» والظاهر انه الى ما ذكرنا أشار العلامة في المنتهى حيث قال : النهي الوارد ههنا للكراهة لان أخبارنا ناطقة بذلك خلافا لبعض الجمهور. وفيه ما عرفته في غير مقام مما تقدم من كثرة ورود هذين اللفظين في التحريم في أخبارهم (عليهم‌السلام) وقد حققنا فيما تقدم انهما من الألفاظ المتشابهة التي لا تحمل على أحد المعنيين إلا بالقرينة. وبالجملة فالحكم عندي غير خال من شوب الاشكال لما عرفت.

وقال في الذكرى : لو أوقع النافلة المكروهة في هذه الأوقات فالظاهر انعقادها ان لم نقل بالتحريم إذ الكراهة لا تنافي الصحة كالصلاة في الأمكنة المكروهة ، وتوقف فيه الفاضل من حيث النهي. قلنا ليس بنهي تحريم عندكم. وعليه يبنى نذر الصلاة في هذه الأوقات فعلى قولنا ينعقد وعلى المنع جزم الفاضل بعدم انعقاده لانه مرجوح. ولقائل


أن يقول بالصحة أيضا لأنه لا يقصر عن نافلة لها سبب وهو عنده جائز ، ولانه جوز إيقاع الصلاة المنذورة مطلقا في هذه الأوقات. انتهى.

أقول : يمكن ان يكون توقف الفاضل نظرا الى ظاهر النهي وانه حقيقة في التحريم وان كان خلاف المشهور بينهم وخلاف ما نسبه اليه بقوله : «ليس بنهي تحريم عندكم» فإن أقواله (قدس‌سره) في أكثر المسائل متعددة ، وعليه يحمل ايضا جزمه بعدم انعقاد النذر المذكور كما نقله عنه. وبالجملة فإن جميع ما ذكره من البطلان وعدم انعقاد النذر انما يتم مع الأخذ بظاهر النهي فلعل العلامة في هذا الموضع اختار خلاف ما صرح به هو وغيره مما عليه القول المشهور من الجواز على كراهية.

(السادس) ـ ظاهر الأصحاب الاتفاق على استثناء يوم الجمعة من المنع من النوافل عند قيام الشمس ، ونسبه في المنتهى الى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه ونقله ايضا عن جماعة من العامة (1) وقد تقدم (2) صحيح عبد الله بن سنان الدال على ذلك ، ومثله صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (3) قال : «سألته عن ركعتي الزوال يوم الجمعة قبل الأذان أو بعده؟ قال قبل الأذان».

(السابع) ـ أكثر الأخبار المتقدمة دلت على ان مقارنة الشيطان للشمس انما هو وقت الطلوع ووقت الغروب ، وظاهر رواية الجعفري المتقدم نقلها من كتاب العلل مقارنته لها أيضا في حال الانتصاف وان النهي عن الصلاة وقت قيامها في الاخبار انما هو لذلك.

ومن الاخبار الدالة على ذلك ايضا ما رواه في الذكرى قال : «روى عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان فإذا ارتفعت فارقها ثم إذا استوت قارنها فإذا زالت فارقها فإذا دنت للغروب قارنها فإذا غربت فارقها ، ونهى عن الصلاة في هذه الأوقات» والظاهر ان الخبر المذكور من طريق العامة (4) حيث انه

__________________

(1 و 4) المغني ج 2 ص 123.

(2) ص 306.

(3) الوسائل الباب 11 من صلاة الجمعة.


غير موجود في كتب أخبارنا.

وروى في الكافي عن الحسين بن مسلم (1) قال : «قلت لأبي الحسن الثاني (عليه‌السلام) أكون في السوق فاعرف الوقت ويضيق علي ان ادخل فأصلي؟ قال ان الشيطان يقارن الشمس في ثلاثة أحوال : إذا ذرت وإذا كبدت وإذا غربت ، فصل بعد الزوال فان الشيطان يريد ان يوقعك على حد يقطع بك دونه».

قال في الوافي : ذرت الشمس طلعت ، وكبدت وصلت الى كبد السماء اي وسطها ولعل مراد الراوي أن اشتغالي بأمر السوق يمنعني ان ادخل موضع صلاتي فأصلي في أول وقتها ، فأجابه (عليه‌السلام) بان وقت الغروب من الأوقات المكروهة للصلاة كوقتي الطلوع والقيام فاجتهد ان لا تؤخر صلاتك اليه. ويحتمل ان يكون مراده انى أعرف ان الوقت قد دخل الا انى لا استيقن به يقينا تسكن نفسي إليه حتى ادخل موضع صلاتي فأصلي ، ء أصلي على هذه الحال أم اصبر حتى يتحقق لي لزوال؟ فأجابه (عليه‌السلام) بان وقت وصول الشمس الى وسط السماء هو وقت مقارنة الشيطان لها كوقتي طلوعها وغروبها فلا ينبغي لك ان تصلي حتى يتحقق لك الزوال فان الشيطان يريد ان يوقعك على حد يقطع بك سبيل الحق دونه اي يحملك على الصلاة قبل دخول وقتها لكيلا تحسب لك تلك الصلاة. انتهى

أقول : الظاهر بعد ما ذكره أخيرا عن حاق سياق الخبر المذكور وان الأظهر هو الأول لكن بهذا التقريب وهو ان السائل سأل انه يدخل عليه الوقت في السوق ويعرفه ويحققه لكن تأخير الصلاة الى ان يفرغ ويمضي إلى منزله يوجب ضيق الوقت فهل الأفضل ان يصلي في السوق في أول الوقت أو يؤخر إلى ان يأتي المنزل وان ضاق الوقت؟ فأمره (عليه‌السلام) بالإتيان بها في أول الوقت. والغرض من سوق هذا الكلام الدال على مقارنة الشيطان للشمس في هذه الأوقات الثلاثة بيان إضلال الشيطان للناس في هذه الأوقات الثلاثة بزيادة على ما هو عليه في جميع الأوقات ، اما في وقت الطلوع

__________________

(1) الوسائل الباب 39 من المواقيت. وفي الكافي والوسائل (ابن أسلم) وفي الوافي كما هنا.


فلما تقدم ، واما وقت القيام ووقت الغروب فإنه حيث كان وقت الصلاة بعد هذين الوقتين بلا فصل فإنه يحضر هو وجنوده لاغوائهم وإضلالهم عنها بما امكنه فربما سول لك التأخير الى ان تدخل منزلك وموضع مصلاك ليقطع بك دون الزوال وفضيلته. والله العالم.

(الثامن) ـ ينبغي ان يعلم ان ما دل عليه موثق الحلبي المتقدم (1) ـ من النهي عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب ـ المراد به نفس فريضة الفجر وفريضة العصر لا وقتاهما ، وبه صرح الشيخ (قدس‌سره) في ما تقدم من عبارة الخلاف في تفصيله وفرقه بين ما كان الكراهة لأجل الوقت كالثلاثة التي ذكرها أو لأجل الفعل يعني فعل الصلاة في هذين الوقتين لا من حيث الزمان كالصلاة بعد صلاة الفجر وصلاة العصر ، وعلى هذا فلو صلى في هذا الوقت قبل الفريضة لم تتعلق به الكراهة وانما يرجع الى جواز النافلة في وقت الفريضة وان كان على كراهة كما هو أحد القولين وعدمه كما هو المختار ، فالكراهة حينئذ على تقدير القول بالجواز انما هي من جهة أخرى غير ما نحن فيه. والظاهر تعليق الحكم على صلاة المصلي نفسه لا على الصلاة في الجملة وان كان من غيره. ونقل في الذكرى عن بعض العامة انه جعل النهي معلقا على طلوع الفجر لما روى (2) «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال ليبلغ شاهدكم غائبكم لا تصلوا بعد الفجر إلا سجدتين». وبعموم قوله (عليه‌السلام) «لا صلاة بعد الفجر» (3). ثم أجاب عن ذلك بان الحديث الأول لم نستثبته واما الثاني فنقول بموجبه ويراد به صلاة الفجر توفيقا بينه وبين الاخبار. انتهى.

(التاسع) ـ لو صلى الصبح والعصر منفردا ثم أراد الإعادة جماعة لتحصيل فضيلتها فهل تتصف صلاته هذه بالكراهة بناء على المشهور أم لا؟ صرح في الذكرى

__________________

(1) ص 305.

(2) سنن ابى داود ج 2 ص 25 والمغني ج 2 ص 116.

(3) رواه في الوسائل في الباب 38 من أبواب المواقيت.


بالثاني وعلله بان لها سببا ، وبما روى (1) «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) صلى الصبح فلما انصرف رأي رجلين في زاوية المسجد فقال لم لم تصليا معنا؟ فقالا كنا قد صلينا في رحالنا. فقال إذا جئتما فصليا معنا وان كنتما قد صليتما في رحالكما لكنها لكما سبحة». انتهى.

أقول : اما ما علل به اختياره لعدم الكراهة من ان هذه النافلة ذات سبب فلا اعرف له وجها إذ الصلاة فرادى ليست علة لاستحباب الإعادة جماعة ولا تعلق لها بها ولا ربط بينهما بالكلية وانما العلة هو أمر الشارع بذلك في هذا المقام. الا ترى ان صلاة الزيارة لما كانت العلة فيها الزيارة بمعنى ان الشارع جعلها لأجلها وناطها بها وكذلك صلاة تحية المسجد ونحو ذلك صارت من ذلك ذات سبب. واما الخبر الذي أورده فالظاهر انه عامي حيث لم أقف عليه في كتب أخبارنا. وبالجملة فالظاهر بناء على القول بكراهة النافلة المبتدأة بعد هاتين الصلاتين هو كراهة هذه الصلاة ، وتخصيص اخبارها الدالة على مشروعيتها واستحبابها مطلقا بهذه الاخبار ممنوع.

(العاشر) ـ قال في الذكرى : لو عرض السبب في هذه الأوقات كأن أراد الإحرام أو دخل المسجد أو زار مشهدا لم تكره الصلاة لصيرورتها ذات سبب ولأن شرعية هذه الأمور عامة. ولو تطهر في هذه الأوقات جاز ان يصلي ركعتين ولا يكون ابتداء للحث على الصلاة عقيب الطهارة ، ولأن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) روى انه قال لبلال (2) : «حدثني بأرحى عمل عملته في الإسلام فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة قال ما عملت عملا أرجى عندي من انني لم أتطهّر طهورا في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي ان أصلي». وأقرّه النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) على ذلك. انتهى.

__________________

(1) سنن الترمذي على هامش شرحه لابن العربي ج 2 ص 18.

(2) كنز العمال ج 2 ص 167.


أقول : اما ما ذكره بالنسبة إلى ذوات الأسباب فقد تقدم الكلام فيه. واما ما ذكره ـ من ان من تطهر في هذه الأوقات وصلى فإنه لا يصدق على صلاته هذه انها نافلة مبتدأة ـ فلا يخفى ما فيه. واما ما استند اليه من الحث على الصلاة عقيب الطهارة ففيه انه كما ورد استحباب الصلاة بعد الطهارة (1) كذا ورد الحث على الصلاة أيضا بقول مطلق وانها خير موضوع من شاء استقل ومن شاء استكثر (2). وورد ان الرجل ليصلي الركعتين تطوعا يريد بهما وجه الله عزوجل فيدخله الله بهما الجنة (3). ونحو ذلك. وبالجملة فالحث على الصلاة والأمر بها لا ينافي الكراهة باعتبار عروض بعض أسبابها ، ألا ترى ان صلاة الفريضة مع ما هي عليه من الوجوب حتى صرحت الاخبار بكفر تاركها تعرض لها الكراهة باعتبار بعض الأمكنة والأزمنة والأحوال مثلا. واما ما ذكره من الخبر فهو خبر عامي خبيث وكذب بحت صريح لتضمنه دخول بلال الجنة قبل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وقد بينا ما فيه من المفاسد في مقدمات كتابنا سلاسل الحديد في تقييد ابن ابي الحديد ، فالاستدلال به من مثل شيخنا المشار اليه عجيب.

(الحادي عشر) ـ قال في الذكرى ايضا : ليس سجود التلاوة صلاة فلا يكره في هذه الأوقات ولا يكره التعرض لسبب وجوبه أو استحبابه ، وكذا سجود الشكر. اما سجود السهو ففي رواية عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (4) «لا يسجد سجدتي السهو حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها». وفيه إشعار بكراهة مطلق السجدات.

(الثاني عشر) ـ قال في الذكرى : لو ائتم المسافر بالحاضر في صلاة الظهر تخير في جمع الظهر والعصر أو الإتيان بالظهر في الركعتين الأوليين فيجعل الأخيرتين نافلة. ولو ائتم في العصر فالظاهر التخيير ايضا ، ويأتي على قول من عمم كراهة النافلة

__________________

(1) الوسائل الباب 11 من الوضوء.

(2) الوسائل الباب 42 من أحكام المساجد.

(3) رواه في الوسائل في الباب 12 من أعداد الفرائض.

(4) المروية في الوسائل في الباب 32 من الخلل في الصلاة.


ان يقدم في الأوليين النافلة ويجعل العصر في الأخيرتين ، وقد روى ذلك محمد بن النعمان عن الصادق (عليه‌السلام) (1) قال الشيخ : انما فعل ذلك لانه يكره الصلاة بعد العصر. انتهى أقول : ما ذكره من ان الظاهر التخيير وان الكراهة إنما تتجه على القول الذي ذكره ظاهر في ان النافلة عنده ليست من النوافل المبتدأة وانما هي من ذوات الأسباب كما تقدم منه في الموضعين المتقدمين. وفيه ما عرفت فإنه لا وجه لدخول هذه النافلة في ذوات الأسباب بل الكراهة فيها متجهة كما ذكره الشيخ (قدس‌سره) بناء على كونها مبتدأة.

بقي الكلام في ما دلت عليه اخبار هذه المسألة من التخيير متى ائتم المسافر بالحاضر بين ان يجعل الأوليين هي الفريضة والأخيرتين نافلة أو بالعكس وكذا صرح به الأصحاب مع تصريحهم بتحريم الجماعة في النافلة إلا ما استثنى ولم يذكروا هذا الموضع فيما استثنوه. ولا يحضرني الآن وجه الجواب عن هذا الاشكال. والله العالم.

(المسألة الثامنة) ـ لا ريب في استحباب قضاء الرواتب من النوافل في أي وقت كان ، وانما الخلاف في انه هل الأفضل تعجيل ما فات نهارا في الليل وكذا ما فات ليلا في النهار أو تأخيره إلى الليل فتقضي صلاة الليل في الليل والنهار في النهار؟ قولان :

ظاهر الأكثر الأول لعموم قوله عزوجل «وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ» (2) وقوله تعالى «وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً» (3) وقد ورد عنهم (عليهم‌السلام) في تفسير هذه الآية

ما رواه في التهذيب عن عنبسة العابد (4) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن قول الله عزوجل «وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً» (5) قال قضاء صلاة الليل بالنهار وصلاة النهار بالليل».

وروى في الفقيه مرسلا (6) قال : «قال الصادق (عليه‌السلام) كل ما فاتك بالليل

__________________

(1) الوسائل الباب 18 من صلاة الجماعة.

(2) سورة آل عمران ، الآية 127.

(3 و 5) سورة الفرقان ، الآية 63.

(4 و 6) الوسائل الباب 57 من المواقيت.


فاقضه بالنهار ، قال الله تعالى وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً».

وروى الشهيد في الذكرى (1) قال : «روى ابن أبي قرة بإسناده عن إسحاق ابن عمار قال لقيت أبا عبد الله (عليه‌السلام) بالقادسية عند قدومه على ابي العباس فاقبل حتى انتهينا الى طيزناباذ (2) فإذا نحن برجل على ساقيه يصلي وذلك ارتفاع النهار فوقف عليه أبو عبد الله (عليه‌السلام) وقال يا عبد الله اي شي‌ء تصلي؟ فقال صلاة الليل فاتتني أقضيها بالنهار. فقال يا معتب حط رحلك حتى نتغدى مع الذي يقضي صلاة الليل. فقلت جعلت فداك أتروي فيه شيئا؟ فقال حدثني ابي عن آبائه قال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان الله يباهي بالعبد يقضي صلاة الليل بالنهار يقول يا ملائكتي انظروا الى عبدي يقضي ما لم افترضه عليه أشهدكم اني قد غفرت له».

وروى الثقة الجليل علي بن إبراهيم القمي في تفسيره عن أبيه عن صالح بن عقبة عن جميل عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «قال رجل ربما فاتتني صلاة الليل الشهر والشهرين والثلاثة فأقضيها بالنهار؟ قال قرة عين لك والله (ثلاثا) ان الله يقول : «وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً ... الآية» (4) فهو قضاء صلاة النهار بالليل وقضاء صلاة الليل بالنهار وهو من سر آل محمد المكنون».

وروى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (5) قال : «ان علي بن الحسين (عليهما‌السلام) كان إذا فاته شي‌ء من الليل قضاه بالنهار وان فاته شي‌ء من اليوم قضاه من الغد أو في الجمعة أو في الشهر ، وكان إذا اجتمعت عليه الأشياء قضاها في شعبان حتى يكمل له عمل السنة كلها كاملة».

__________________

(1 و 3 و 5) رواه في الوسائل في الباب 57 من أبواب المواقيت.

(2) كذا في معجم البلدان ج 6 ص 79 وفي الوسائل وما وقفنا عليه من نسخ الذكرى المطبوعة والخطية «طرناباد».

(4) سورة الفرقان ، الآية 63.


ونقل عن الشيخ المفيد (قدس‌سره) في الأركان وابن الجنيد ان الأفضل قضاء صلاة النهار بالنهار وصلاة الليل بالليل ، واحتج لهما في المختلف بصحيحة معاوية بن عمار (1) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) اقض ما فاتك من صلاة النهار بالنهار وما فاتك من صلاة الليل بالليل». ثم أجاب عنها بجواز إرادة الإباحة من الأمر لخروجه عن حقيقته وهي الوجوب إجماعا ، قال وليس استعمالها مجازا في الندب اولى من استعمالها مجازا في الإباحة. واعترضه في المدارك بان الواجب عند تعذر الحقيقة المصير إلى أقرب المجازات والندب أقرب الى الحقيقة من الإباحة قطعا. انتهى. وهو جيد.

أقول : ويدل على ذلك أيضا صحيحة بريد بن معاوية العجلي عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (2) قال : «أفضل قضاء صلاة الليل في الساعة التي فاتتك آخر الليل ولا بأس ان تقضيها بالنهار وقبل ان تزول الشمس».

ورواية إسماعيل الجعفي (3) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) أفضل قضاء النوافل قضاء صلاة الليل بالليل وقضاء صلاة النهار بالنهار».

وروى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار (4) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) اقض ما فاتك من صلاة النهار بالنهار وما فاتك من صلاة الليل بالليل. قلت اقضي وترين في ليلة؟ قال نعم اقض وترا ابدا». والى هذا القول مال السيد السند في المدارك.

أقول : لا يخفى ظهور تعارض الأخبار المذكورة إلا ان الاخبار السابقة متأيدة بظاهر القرآن العزيز كما عرفت ، وبعض متأخري المتأخرين من المحدثين حمل هذه الروايات المتأخرة على التقية ولا يحضرني الآن مذهب العامة فإن ثبت كون مذهبهم ما دلت عليه الأخبار المذكورة تعين العمل بالأخبار الاولى وحمل الأخبار الأخيرة على التقية وإلا فالمسألة محل إشكال.

__________________

(1) الوسائل الباب 57 من المواقيت.

(2) الوسائل الباب 57 من المواقيت.

(3) الوسائل الباب 57 من المواقيت.

(4) الوسائل الباب 57 من المواقيت.


واما ما رواه الشيخ في الموثق عن عمار عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) ـ (1) قال : «سألته عن الرجل ينام عن الفجر حتى تطلع الشمس وهو في سفر كيف يصنع أيجوز له ان يقضي بالنهار؟ قال لا يقضي صلاة نافلة ولا فريضة بالنهار ولا يجوز له ولا يثبت له ولكن يؤخرها فيقضيها بالليل». ـ فقد أجاب عنه الشيخ (قدس‌سره) بان هذا خبر شاذ لا تعارض به الاخبار المطابقة لظاهر القرآن. وظاهر المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي في الوسائل العمل به وتخصيصه بالسفر ، قال ويمكن حمله على مرجوحية القضاء نهارا لكثرة الشواغل للبال وقلة التوجه والإقبال أو على الصلاة على الراحلة. ولا يخفى ما فيه. والحق انه لو كان الراوي غير عمار لحصل منه الاستغراب ولكنه من عمار المتكرر منه نقل الغرائب غير غريب. والله العالم.

(المسألة التاسعة) ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في استحباب المبادرة بالصلاة في أول وقتها لما استفاض من الاخبار الدالة على أفضلية أول الوقت :

ومنها ـ ما رواه في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار أو ابن وهب (2) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) لكل صلاة وقتان وأول الوقت أفضلهما».

وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن محمد بن مسلم (3) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول إذا دخل وقت الصلاة فتحت أبواب السماء لصعود الأعمال فما أحب ان يصعد عمل أول من عملي ولا يكتب في الصحيفة أحد أول مني».

وروى في الفقيه مرسلا (4) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا زالت الشمس فتحت أبواب السماء وأبواب الجنان واستجيب الدعاء فطوبى لمن رفع له عند ذلك عمل صالح».

وروى في الكافي في الصحيح عن زرارة (5) قال : «قال أبو جعفر (عليه

__________________

(1) الوسائل الباب 57 من المواقيت.

(2 و 3 و 5) الوسائل الباب 3 من المواقيت.

(4) رواه في الوسائل في الباب 12 من المواقيت.


السلام) اعلم ان أول الوقت أبدا أفضل فعجل الخير ما استطعت ، وأحب الأعمال الى الله تعالى ما داوم العبد عليه وان قل».

وعن زرارة في الصحيح (1) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) أصلحك الله وقت كل صلاة أول الوقت أفضل أو وسطه أو آخره؟ فقال أوله ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال ان الله تعالى يحب من الخير ما يعجل». الى غير ذلك من الاخبار الكثيرة وبالجملة فإن الحكم مما وقع الاتفاق عليه نصا وفتوى.

إلا انه قد استثنى منه مواضع : (الأول) تأخير المغرب والعشاء للمفيض من عرفات الى ان يأتي المزدلفة وان مضى ربع الليل ، ويدل على ذلك جملة من الاخبار قد تقدم بعضها ويأتي بعضها في كتاب الحج ان شاء الله تعالى ، ومنها

صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (2) قال : «لا تصل المغرب حتى تأتي جمعا وان ذهب ثلث الليل».

(الثاني) ـ صلاة العشاء فإنه يستحب تأخيرها الى ان يذهب الشفق المغربي وقد تقدم ما يدل عليه.

(الثالث) ـ المتنفل يؤخر الظهرين الى بعد النافلة أو الذراع والذراعين على الخلاف المتقدم ، وقد تقدم من الاخبار ما يدل عليه. وقيل في العصر تأخيرها إلى مضي المثل ايضا بناء على ما تقدم من ان فضيلتها بعد المثل الأول. وقد تقدم ما فيه.

(الرابع) ـ المستحاضة تؤخر الظهر والمغرب الى آخر وقت فضيلتهما لتجمع بينهما وبين العصر والعشاء ، وقد مر ما يدل عليه في فصل الاستحاضة.

(الخامس) تأخير صلاة المغرب الى ذهاب الحمرة المشرقية بناء على القول بدخول وقتها باستتار القرص عن عين الناظر جمعا بين أخبار المسألة. وقد عرفت ما فيه في ما قدمناه من تحقيق المسألة المذكورة.

__________________

(1) الوسائل الباب 3 من المواقيت.

(2) الوسائل الباب 5 من الوقوف بالمشعر.


(السادس) ـ المشتغل بقضاء الفرائض الفائتة يستحب له تأخير الأداء الى آخر الوقت على المشهور بين المتأخرين. وسيأتي تحقيق المسألة ان شاء الله تعالى في المقصد الآتي وبيان ان ذلك على جهة الوجوب كما هو المشهور بين المتقدمين لا الاستحباب

(السابع) ـ تأخير صلاة الصبح إذا طلع الفجر عليه وقد صلى أربعا من صلاة الليل حتى يكمل صلاة الليل. وعندي في عد هذا الموضع في هذا المقام نظر لان الظاهر من الاخبار كما قدمنا بيانه ان ذلك انما هو على جهة الرخصة لا انه الأفضل كما هو المراد في المقام وإلا لعد ايضا من صلى ركعة من نوافل الزوال قبل دخول وقت الفريضة المحدود بالقدمين ثم دخل عليه الوقت فإنه يزاحم بها الفريضة رخصة كما تقدم مع انهم لم يعدوه في هذا المقام.

(الثامن) ـ تأخير الصائم المغرب إذا نازعته نفسه للإفطار أو كان ثمة من ينتظره للإفطار. وسيأتي الكلام فيه في كتاب الصوم ان شاء الله تعالى وذكر الأخبار الواردة في المسألة.

(التاسع) ـ الظان دخول الوقت حيث لا طريق له الى العلم فإن الأفضل له التأخير حتى يتحقق الوقت ويحصل العلم به ، ويدل عليه ما تقدم من موثقة عبد الله بن بكير عن أبيه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «قلت له اني صليت الظهر في يوم غيم فانجلت فوجدتني صليت حين زال النهار؟ قال فقال لا تعد ولا تعد». فان نهيه عن العود مع نهيه عن الإعادة انما هو لما قلناه وان كانت صلاته صحيحة. واما الاستدلال لذلك بصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (2) «وقد سأله عن من صلى الصبح مع ظن طلوع الفجر قال لا يجزئه حتى يعلم انه طلع». فهو بمعزل عما نحن فيه.

(العاشر) ـ المدافع للخبثين فإن الأفضل التأخير حتى يخرجهما لصحيحة

__________________

(1) الوسائل الباب 4 من المواقيت.

(2) ص 298.


هشام بن الحكم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «لا صلاة لحاقن ولا لحاقب وهو بمنزلة من هو في ثيابه». والحاقن بالنون حابس البول والحاقب بالباء حابس الغائط ورواية الحضرمي عن أبيه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال لا تصل وأنت تجد شيئا من الأخبثين».

(الحادي عشر) ـ تأخير صلاة الليل الى الثلث الأخير من الليل. وقد تقدم من الاخبار ما يدل على ذلك في المسألة المذكورة.

(الثاني عشر) ـ تأخير ركعتي الفجر الى طلوع الفجر الأول. وقد تقدم ايضا ما يدل عليه وكذلك الوتر.

(الثالث عشر) ـ تأخير مريد الإحرام الفريضة الحاضرة حتى يصلي نافلة الإحرام ، هكذا ذكروه وهو مبني عندهم على الجمع في وقت الفريضة بين الفريضة وسنة الإحرام ، والمستفاد من الاخبار كما سيأتي تحقيقه ان شاء الله تعالى في كتاب الحج ان الإحرام إما دبر الفريضة ان اتفق ذلك في وقت الفريضة وإلا بعد سنة الإحرام ان لم يتفق ذلك واما الجمع بين الفريضة وسنة الإحرام كما ذكروه فلا وجود له في النصوص ، وحينئذ فلا وجه لعد هذا الموضع في جملة هذه الافراد.

(الرابع عشر) ـ تأخير من فرضه التيمم الصلاة الى آخر الوقت. أقول : وهو على إطلاقه غير متجه وانما يتجه على القول بجواز التيمم مع السعة كما دلت عليه جملة من الاخبار ويجعل التأخير أفضل جمعا بينها وبين ما دل على وجوب التأخير من الاخبار ايضا ، فيكون المستند فيه هو الجمع بين أخبار المسألة بناء على القول بذلك.

(الخامس عشر) ـ تأخير السلس والمبطون الظهر والمغرب للجمع ايضا كما تقدم في المستحاضة. وقد تقدم ما يدل عليه في المسائل الملحقة بالوضوء من كتاب الطهارة.

(السادس عشر) ـ تأخير أصحاب الأعذار كفاقد الساتر مثلا أو الطاهر

__________________

(1 و 2) المروية في الوسائل في الباب 8 من قواطع الصلاة.


منه أو فاقد الطهورين أو فاقد القبلة أو نحو ذلك فإنه يستحب لهم التأخير عند جمهور الأصحاب. ونقل في المختلف عن السيد المرتضى وسلار وجوب تأخير الصلاة الى آخر الوقت ، قال وهو اختيار ابن الجنيد ، ثم نقل عن الشيخ القول بالجواز في أول الوقت إلا للمتيمم. قال وهو الأقوى عندي ، ثم استدل على ذلك بأنه مخاطب بالصلاة عند أول الوقت فكان مجزئا لأنه امتثل ، ثم نقل عن القائلين بالوجوب انهم احتجوا بإمكان زوال الاعذار ، قال والجواب انه معارض باستحباب المبادرة والمحافظة على أداء العبادة لإمكان فواتها بالموت وغيره. انتهى. أقول : وحيث كانت المسألة غير منصوصة لا خصوصا ولا عموما فالحكم هنا باستحباب التأخير محل إشكال لأنه ليس إلا لما ذكروه من رجاء زوال العذر وهو معارض بما ذكره العلامة (قدس‌سره) من المحافظة على أداء العبادة ، لإمكان تطرق الفوات إليها بموت ونحوه.

(السابع عشر) ـ قضاء صلاة الليل في صورة جواز التقديم كما ذكره بعض الأصحاب ، والظاهر انه لا وجه لعد هذا الفرد في جملة هذه الافراد لان مبنى الكلام على استحباب تأخير الصلاة عن أول وقتها الموظف لها شرعا وقضاء صلاة الليل هنا انما كان أفضل بالنسبة إلى تقديمها على الانتصاف لا بالنسبة إلى وقتها المعين لها فلا يكون مما نحن فيه في شي‌ء وهو ظاهر. واما ما يفهم من كلام شيخنا الشهيد الثاني (قدس‌سره) في شرح النفلية حيث ان المصنف عد هذا الفرد في هذا المقام ـ من التعليل بأن أول وقت صلاة الليل مع هذه الاعذار هو أول الليل والقاضي يؤخرها عنه في الجملة وان كان يفعلها في خارج الوقت ـ فلا يخلو من تكلف وتمحل فإن غاية ما تدل عليه تلك الاخبار ـ كما تقدم تحقيقه ـ هو الرخصة في التقديم لمن يحصل له العذر عن الإتيان بها في وقتها الموظف ودلت على ان قضاءها أفضل من تقديمها بمعنى ان كلا الأمرين جائز وان كان القضاء أفضل ، وهذا لا يدل على كون أول الليل وقتا لها في هذه الصورة كما لا يخفى.

(الثامن عشر) ـ تأخير الوتيرة ليكون الختم بها إلا في نافلة شهر رمضان على


قول ، كذا عده جملة من الأصحاب في الباب. أقول : لعل الوجه في عد هذا الموضع في جملة هذه الافراد هو ان ظاهر الاخبار ان وقت الوتيرة بعد صلاة العشاء كما تقدم في الاخبار المتقدمة في المقدمة الثانية ، مع انه قد ورد ما يدل على استحباب تأخيرها والختم بها كما تقدم أيضا في صحيحة زرارة أو حسنته (1) من قوله (عليه‌السلام) «وليكن آخر صلاتك وتر ليلتك». وقد قدمنا ان المراد بالوتر هنا الوتيرة وان كان ظاهر كلام أصحابنا قد اضطرب فيه باعتبار حمله على الوتر الذي بعد صلاة الليل وهو غلط كما تقدم التنبيه عليه ، ولو حمل على ذلك للزم خلو هذا الحكم هنا من الدليل إذ لا رواية تدل على التأخير والختم بالوتيرة سوى الرواية المذكورة. ثم ان ما ذكره من استثناء نافلة شهر رمضان وهي الاثنتا عشرة والاثنتان والعشرون بمعنى ان الوتيرة لا تؤخر عنها قد نقله في شرح النفلية عن سلار في رسالته ، قال وبذلك وردت رواية محمد بن سليمان عن الرضا (عليه‌السلام) (2) وذكر في شرح النفلية ان هذه الزيادة كانت في نسخة الأصل بخط المصنف ثم كشطها وبقي رسمها ، قال وهي موجودة في كثير من النسخ ثم قال وانما حذفها لان المشهور بين الأصحاب كما نقله المصنف في الذكرى ان الوتيرة مؤخرة عن تلك الوظيفة ايضا لتكون خاتمة النوافل. وفي الذكرى الظاهر جواز الأمرين. انتهى.

(التاسع عشر) ـ تأخير المربية ذات الثوب الواحد الظهرين الى آخر الوقت لتغسل وبها وتصلي أربع صلوات في ثوب طاهر أو نجاسة خفيفة. وأنت خبير بأن الرواية الواردة في المسألة مطلقة في غسل الثوب وهذا التقييد انما وقع في كلامهم كما تقدم تحقيقه ، وإثبات الحكم بذلك لا يخلو من الاشكال.

(العشرون) ـ تأخير المسافر الذي دخل عليه الوقت في السفر الصلاة الى ان يدخل فيتم ، ويدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (3) «في

__________________

(1) الوسائل الباب 42 من الصلوات المندوبة.

(2) الوسائل الباب 7 من نافلة شهر رمضان.

(3) المروية في الوسائل في الباب 21 من صلاة المسافر.


الرجل يقدم من الغيبة فيدخل عليه وقت الصلاة؟ فقال ان كان لا يخاف ان يخرج الوقت قبل ان يدخل فليدخل وليتم وان كان يخاف ان يخرج الوقت قبل ان يدخل فليصل وليقصر». وفي المسألة بحث يأتي تحقيقه ان شاء الله تعالى في موضعه.

(الحادي والعشرون) ـ انتظار الإمام أو المأموم أو كثرة الجماعة. أقول : اما انتظار الامام فقد تقدم في بعض الاخبار ما يشير اليه ، واما انتظار المأموم أو كثرة الجماعة فلم أقف في الاخبار على ما يدل عليه بل ربما دل بعضها على عدمه بالنسبة إلى كثرة الجماعة كما تقدم (1) في حديث الرضا (عليه‌السلام) وتلقيه لبعض الطالبيين وان كان الشيخ (قدس‌سره) قد صرح بجواز ذلك في جوابه عن حديث نوم النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن صلاة الصبح وتقديمه ركعتي نافلة الفجر على الفريضة (2) أنه لانتظار الجماعة ، إلا انه بمجرده لا يصلح مستندا.

(الثاني والعشرون) ـ ما إذا كان التأخير مشتملا على الإتيان بالصلاة على وجهها من التوجه والإقبال وفراغ البال ، وقد تقدم (3) في روايات عمر بن يزيد الثلاث ما يدل عليه ، ففي بعضها عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) في المغرب «إذا كان ارفق بك وأمكن لك في صلاتك وكنت في حوائجك فلك أن تؤخرها إلى ربع الليل». وقد بينا سابقا ان هذا من جملة الاعذار المجوزة للتأخير إلى الوقت الثاني.

(الثالث والعشرون) ـ التأخير لقضاء حاجة مؤمن ، واليه يشير بعض الاخبار الواردة في قطع طواف الفريضة (4) إلا انه لا يخلو من اشكال لكون الطواف غير محدود بوقت.

(الرابع والعشرون) ـ تأخير صلاة الظهر في الحر لمن يصلي في المسجد وهو المعبر عنه بالإيراد ، لما رواه الصدوق في الصحيح عن معاوية بن وهب عن ابي عبد الله

__________________

(1) ص 142.

(2) ص 270.

(3) ص 179.

(4) رواه في الوسائل في الباب 42 من الطواف.


(عليه‌السلام) (1) قال : «كان المؤذن يأتي النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في الحر في صلاة الظهر فيقول له رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أبرد أبرد». وأقل مراتب الأمر الاستحباب

وروى الثقة الجليل محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي في كتاب الرجال والشيخ في الاختيار عن ابن بكير (2) قال : «دخل زرارة على ابي عبد الله (عليه‌السلام) فقال انكم قلتم لنا في الظهر والعصر على ذراع وذراعين ثم قلتم أبردوا بها في الصيف فكيف الإبراد بها؟ وفتح ألواحه ليكتب ما يقول فلم يجبه أبو عبد الله (عليه‌السلام) بشي‌ء فأطبق الواجه وقال انما علينا أن نسألكم وأنتم اعلم بما عليكم وخرج ودخل أبو بصير على ابي عبد الله (عليه‌السلام) فقال ان زرارة سألني عن شي‌ء فلم أجبه وقد ضقت من ذلك فاذهب أنت رسولي إليه فقل صل الظهر في الصيف إذا كان ظلك مثلك والعصر إذا كان مثليك. وكان زرارة هكذا يصلي في الصيف ولم أسمع أحدا من أصحابنا يفعل ذلك غيره وغير ابن بكير».

وروى الشيخ في التهذيب في الموثق عن عبد الله بن بكير عن زرارة (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن وقت صلاة الظهر في القيظ فلم يجبني فلما ان كان بعد ذلك قال لعمرو بن سعيد بن هلال ان زرارة سألني عن وقت الظهر في القيظ فلم أخبره فخرجت من ذلك فاقرأه مني السلام وقل له إذا كان ظلك مثلك فصل الظهر وإذا كان ظلك مثليك فصل العصر».

وهذان الخبران قد اشتملا على الإيراد في صلاتي الظهر والعصر والأصحاب خصوا الحكم بالظهر كما هو مورد الصحيحة المتقدمة ، وقيدوا ذلك ايضا بقيود : منها ـ كون الصلاة في جماعة وكونها في المسجد وفي البلاد الحارة وفي شدة الحر ، والأصل في هذه القيود ما قاله الشيخ (قدس‌سره) في المبسوط حيث قال : إذا كان الحر شديدا في بلاد حارة وأرادوا أن يصلوا جماعة في مسجد جاز ان يبردوا بصلاة الظهر

__________________

(1 و 2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 8 من المواقيت.


قليلا ولا يؤخروا الى آخر الوقت. انتهى. والنصوص كما ترى خالية من هذه القيود إلا ان قرائن الحال في الخبر الأول تشير الى بعض ما ذكروه. واما الخبران الأخيران فهما بالدلالة على العدم أشبه كما لا يخفى.

وقال العلامة في المنتهى لا نعلم خلافا بين أهل العلم في استحباب تعجيل الظهر في غير الحر ، قالت عائشة «ما رأيت أحدا أشد تعجيلا للظهر من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله» (1). واما في الحر فيستحب الإبراد بها ان كانت البلاد حارة وصليت في المسجد جماعة وبه قال الشافعي ، ثم نقل روايتي الخاصة والعامة ثم قال : ولانه موضع ضرورة فاستحب التأخير لزوالها ، اما لو لم يكن الحر شديدا أو كانت البلاد باردة أو صلى في بيته فالمستحب فيه التعجيل وهو مذهب الشافعي خلافا لأصحاب الرأي واحمد (2). انتهى.

وقال في الروض بعد نقل اعتبار المسجد وكون البلاد حارة عن الشيخ : والظاهر عدم اعتبارهما أخذا بالعموم.

وروى الصدوق في كتاب العلل (3) بسنده عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن الحر من فيح جهنم واشتكت النار الى ربها فاذن لها في نفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف ، وشدة ما تجدون من الحر من فيحها وما تجدون من البرد من زمهريرها».

قال الصدوق في الكتاب المذكور بعد نقل هذا الخبر : قوله «فأبردوا بالصلاة» اي عجلوا بها وهو مأخوذ من البريد ، وتصديق ذلك ما روى (4) «انه ما من صلاة يحضر وقتها الا نادى ملك قوموا الى نيرانكم التي أوقدتموها على ظهوركم فاطفؤها

__________________

(1 و 2) المغني ج 1 ص 389.

(3) ص 93 وفي الوسائل في الباب 8 من المواقيت.

(4) رواه في الوسائل في الباب 3 من المواقيت.


بصلاتكم». وقال في الفقيه بعد ذكر صحيحة معاوية بن وهب : قال مصنف هذا الكتاب يعنى عجل عجل وأخذ ذلك من البريد. وفي بعض نسخ الكتاب من التبريد.

أقول : في القاموس «أبرد : دخل في آخر النهار ، وأبرده : جاء به باردا ، والأبردان : الغداة والعشي» وقال في النهاية الأثيرية : في الحديث «أبردوا بالظهر فالإبراد انكسار الوهج والحر وهو من الإبراد : الدخول في البرد ، وقيل معناه صلوها في أول وقتها من برد النهار وهو اوله. وفي المغرب الباء للتعدية والمعنى ادخلوا صلاة الظهر في البرد اي صلوها إذا سكنت شدة الحر. انتهى.

وأنت خبير بان ما ذكره الصدوق (قدس‌سره) لا ينطبق على شي‌ء من هذه المعاني ، وقد قيل في توجيه كلامه ان مراده انه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أمر بتعجيل الأذان والإسراع فيه كفعل البريد في مشيه اما ليتخلص الناس من شدة الحر سريعا ويفرغوا من صلاتهم حثيثا واما لتعجيل راحة القلب وقرة العين كما كان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يقول «أرحنا يا بلال» (1). وكان يقول : «قرة عيني في الصلاة» (2). ولا يخفى ما فيه من التكلف. وظني ان ما فهمه أكثر الأصحاب من الحمل على التأخير لشدة الحر توسعة في التكليف ودفعا للحرج أقرب مما ذكره ويصير هذا من قبيل الرخص الواردة في الشريعة في غير موضع كما اتفقوا عليه في استثناء جملة من المواضع التي قدمناها ولعل الحامل للصدوق (قدس‌سره) في ارتكاب هذا التأويل البعيد وكذا من مال الى كلامه ووجهه بما قدمناه هو شهرة هذا الحكم عند العامة ، ولهذا ان بعض الأصحاب نقل عن الصدوق حمل صحيحة معاوية على التقية. وفيه ان كلام العامة أيضا مختلف في ذلك ، قال محيي السنة في شرح السنة (3) بعد نقل خبر أبي هريرة المتقدم نقل الصدوق له في العلل : اختلف أهل العلم في تأخير صلاة الظهر في شدة الحر فذهب ابن المبارك واحمد وإسحاق

__________________

(1) نهاية ابن الأثير في مادة (روح) وتيسير الوصول ج 2 ص 297.

(2) كنز العمال ج 4 ص 63.

(3) البحار ج 18 الصلاة ص 57.


الى تأخيرها والإبراد بها في الصيف وهو الأشبه بالاتباع ، وقال الشافعي تعجيلها أولى إلا ان يكون امام مسجد ينتابه الناس من بعد فإنه يبرد بها في الصيف ، فاما من صلى وحده أو جماعة في مسجد بفناء بيته لا يحضره إلا من بحضرته فإنه يعجلها لانه لا مشقة عليهم في تعجيلها. انتهى. ويمكن ان يكون نظرهم إلى استفاضة الأخبار بأفضلية الصلاة في أول الوقت ولعله الأظهر. وفيه انهم قد استثنوا من ذلك جملة هذه المواضع التي قدمناها ولم يختلفوا في ذلك فما بالهم اختلفوا في هذا الموضع بخصوصه؟ على ان اخباره صريحة ظاهرة في ذلك ولا معارض لها في البين سوى ما عرفت مما ارتكبوا تخصيصه بجملة المواضع المتقدمة ، مع ان جملة من تلك المواضع كما عرفت خال من الدليل كما نبهنا عليه

بقي الكلام في ان الأصحاب انما صرحوا باستحباب الإبراد بصلاة الظهر خاصة بالشروط التي ذكروها ، والظاهر كما قدمنا من خبري زرارة هو الإبراد في الظهر والعصر وهو مشكل إذ الخروج عن مقتضى الأخبار المستفيضة بمثل هذين الخبرين سيما مع عدم ذهاب أحد إليه لا يخلو من بعد ، بل ربما يكاد يشم من خبري زرارة رائحة التقية لأنهم (عليهم‌السلام) كثيرا ما يخصونه بأحكام ينفرد بها عن الشيعة اتقاء عليه مثل خبر الإهلال بالحج (1) وخبر النوافل (2) وإلا فاختصاص زرارة بالملازمة على ذلك وابن بكير دون جملة الشيعة الموجودين يومئذ كما صرح به حديث الكشي لا وجه له ظاهرا إلا ما قلناه. ولعل في سكوته (عليه‌السلام) عن جوابه والإرسال اليه باطنا بذلك ما يشير الى ما قلناه. واحتمل بعض الفضلاء في خبري زرارة حملهما على ان يكون ظل الزوال فيه حال الصيف خمسة أقدام مثلا فإذا صار مع الزيادة الحاصلة بعد الزوال مساويا للشاخص يكون قد زاد قدمين فيوافق الأخبار الأخر. وهو مع بعده لا يستقيم في العصر وكيف كان فالاحتياط في المحافظة على أول الوقت على اي نحو كان إلا مع مشقة تلزم من ذلك. والله العالم.

__________________

(1) الوسائل الباب 5 من أقسام الحج.

(2) الوسائل الباب 14 من أعداد الفرائض.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *