ج4 - أحكام التعزية
المقصد الخامس
والعزاء ممدودا : الصبر ،
والتعزية تفعلة من العزاء ، وعزيته تعزية قلت له أحسن الله تعالى عزاءك اي رزقك
الصبر الجميل ، والمراد بها طلب التسلي عن المصيبة بإسناد الأمر إلى قضاء الله
وقدره وذكر ما وعد الله تعالى على ذلك من الأجر والثواب ، وأقل مراتبها ان يراه
صاحب المصيبة لما رواه في الفقيه مرسلا (1) قال : وقال (عليهالسلام) : «كفاك من
التعزية أن يراك صاحب المصيبة».
والبحث في هذا المقصد يقع في مقامات : (الأول) ـ قد
استفاضت الاخبار باستحباب التعزية ، فروى في الكافي عن وهب بن وهب عن الصادق (عليهالسلام) (2) قال : «قال
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) من عزى مصابا
كان له مثل اجره من غير ان ينتقص من أجر المصاب شيء». وعن ابي الجارود عن ابي
جعفر (عليهالسلام) (3) قال : «كان
فيما ناجى به موسى ربه قال يا رب ما لمن عزى الثكلى؟ قال أظله في ظلي يوم لا ظل إلا
ظلي». وعن علي بن عيسى بن عبد الله العمري عن أبيه عن جده عن أبيه (4) قال : «قال
أمير المؤمنين (عليهالسلام) من عزى
الثكلى اظله الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله». وعن إسماعيل الجزري عن الصادق (عليهالسلام) (5) قال : «قال
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) من عزى حزينا
كسي في الموقف حلة يحبى بها». وعن السكوني عن الصادق عن آبائه (عليهمالسلام) (6) قال : «قال
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) من عزى حزينا
كسي في الموقف حلة يحبر بها». وروى هذين
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 48 من أبواب الدفن.
(2 و 3 و 4 و 5 و 6) رواه في الوسائل في الباب 46 من أبواب
الدفن.
الخبرين الأخيرين الصدوق في الفقيه (1) مرسلين قال : «قال
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) الى آخرهما».
وروى الصدوق في المجالس والعيون بسنده عن محمد بن علي عن أبيه الرضا عن موسى بن
جعفر (عليهمالسلام) (2) قال : «رأى
الصادق (عليهالسلام) رجلا قد اشتد
جزعه على ولده فقال يا هذا جزعت للمصيبة الصغرى وغفلت عن المصيبة الكبرى لو كنت
لما صار اليه ولدك مستعدا لما اشتد عليه جزعك فمصابك بتركك الاستعداد له أعظم من
مصابك بولدك». وروى المشايخ الثلاثة في أصولهم والصدوق في ثواب الأعمال عن رفاعة
بن موسى النخاس عن الصادق (عليهالسلام) (3) «انه عزى رجلا
بابن له فقال له الله خير لابنك منك وثواب الله خير لك منه فلما بلغه جزعه عليه
عاد اليه فقال له قد مات رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فما لك به
أسوة؟ فقال انه كان مراهقا فقال ان امامه ثلاث خصال : شهادة ان لا إله إلا الله
ورحمة الله وشفاعة رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فلن تفوته
واحدة منهن ان شاء الله تعالى» قال شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) في البحار :
قوله (عليهالسلام) : «الله خير
لابنك منك». أقول : لما كان الغالب ان الحزن على الأولاد يكون لتوهم أمرين باطلين
: (أحدهما) انه على تقدير وجود الولد يصل النفع من الوالد اليه وان هذه النشأة خير
له من النشأة الأخرى والحياة خير له من الموت فأزال (عليهالسلام) وهمه بان
الله سبحانه ورحمته خير لابنك منك ومما تتوهمه من نفع توصله اليه على تقدير الحياة
والموت مع رحمة الله خير من الحياة. و (ثانيهما) ـ توقع النفع منه مع حياته أو
الاستئناس به فأبطل (عليهالسلام) ذلك بان ما
عوضك الله تعالى من الثواب على فقده خير لك من كل نفع توهمته أو قدرته في حياته.
قوله : «فعاد اليه» يفهم منه استحباب المعاودة وتكرار التعزية
__________________
(1) ج 1 ص 110 وفي الوسائل في الباب 46 من أبواب الدفن.
(2) رواه في مستدرك الوسائل في الباب 68 من أبواب الدفن.
(3) رواه في الوسائل في الباب 49 من أبواب الدفن.
مع بقاء الجزع. قوله : «انه كان
مراهقا» في بعض النسخ كما في الكافي «مرهقا» فهو على بناء المجهول من باب التفعيل
أو من الأفعال ، قال في النهاية : الرهق : السفه وغشيان المحارم وفيه فلان مرهق اي
متهم بسوء وسفه. وفي القاموس الرهق محركة : السفه والنوك والخفة وركوب الشر والظلم
وغشيان المحارم ، والمرهق كمكرم : من أدرك ، وكمعظم : الموصوف بالرهق أو من يظن به
السوء. انتهى. والمراد ان حزني ليس بسبب فقده بل بسبب انه كان يغشى المحارم. انتهى
ملخصا. وروى في الكافي عن علي بن مهزيار (1) قال : «كتب أبو جعفر (عليهالسلام) الى رجل ذكرت
مصيبتك بعلي ابنك وذكرت انه كان أحب ولدك إليك وكذلك الله انما يأخذ من الولد
وغيره ازكى ما عند اهله ليعظم به أجر المصاب بالمصيبة فأعظم الله تعالى أجرك وأحسن
عزاءك وربط على قلبك انه قدير وعجل الله تعالى عليك بالخلف وأرجو ان يكون الله
تعالى قد فعل ان شاء الله تعالى». وروى في الفقيه مرسلا (2) قال : «اتى
أبو عبد الله (عليهالسلام) قوما قد
أصيبوا بمصيبة فقال : جبر الله وهنكم وأحسن عزاءكم ورحم متوفا كم ثم انصرف».
وفي المقام فوائد (الأولى) ـ قد عرفت معنى التعزية فيما
تقدم وهي جائزة قبل الدفن وبعده لما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن هشام بن
الحكم (3) قال : «رأيت
موسى بن جعفر (عليهالسلام) يعزى قبل
الدفن وبعده». ويحتمل انه (عليهالسلام) جمع بين
الأمرين في مصيبة واحدة. والأفضل كونها بعد الدفن كما هو المشهور لما رواه ثقة
الإسلام في الصحيح عن ابن ابي عمير عن بعض أصحابه عن الصادق (عليهالسلام) (4) قال : «التعزية
لأهل المصيبة بعد ما يدفن». وعن احمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن بعض أصحابه عن
الصادق (عليهالسلام) (5) قال : «التعزية
__________________
(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 49 من أبواب الدفن.
(3) رواه في الوسائل في الباب 47 من أبواب الدفن.
(4 و 5) رواه في الوسائل في الباب 48 من أبواب الدفن.
الواجبة بعد الدفن». أقول : الوجوب
هنا اما بالمعنى اللغوي أو لتأكيد الاستحباب. وروى في الفقيه مرسلا (1) قال : «قال (عليهالسلام) التعزية
الواجبة بعد الدفن ، وقال كفاك من التعزية أن يراك صاحب المصيبة». وروى في الكافي
عن إسحاق بن عمار عن الصادق (عليهالسلام) (2) قال : «ليس
التعزية إلا عند القبر ثم ينصرفون لا يحدث في الميت حدث فيسمعون الصوت». قال في
الوافي في ذيل هذا الخبر : «يعني ان التعزية تحصل بالاجتماع الذي يقع عند القبر
فينبغي للناس بعد ما فرغوا من الدفن ان يعجلوا في الانصراف ولا يلبثوا هناك
للتعزية لئلا يحدث في الميت حدث في قبره من عذاب أو صيحة فيسمعوا الصوت ويفزعوا من
ذلك ويكرهوه» انتهى.
(الثانية) ـ هل لها حد معين أم لا؟ قال في المبسوط :
الجلوس للتعزية يومين أو ثلاثة أيام مكروه إجماعا. وأنكر هذا القول ابن إدريس فقال
بعد نقل كلام الشيخ المذكور : «قال محمد بن إدريس لم يذهب أحد من أصحابنا المصنفين
الى ذلك ولا وصفه في كتابه وانما هذا من فروع المخالفين وتخريجاتهم ، وأي كراهة في
جلوس الإنسان في داره للقاء إخوانه والدعاء لهم والتسليم عليهم واستجلاب الثواب
لهم في لقائه وعزائه» انتهى وانتصر في المعتبر للشيخ فقال بعد نقل ملخص كلام ابن
إدريس : «والجواب ان الاجتماع والتزاور من حيث هو مستحب اما لو جعل لهذا الوجه
واعتقد شرعيته فإنه يفتقر إلى الدلالة ، والشيخ استدل بالإجماع على كراهيته إذ لم
ينقل عن أحد من الصحابة والأئمة (عليهمالسلام) الجلوس لذلك
فاتخاذه مخالفة لسنة السلف لكن لا يبلغ ان يكون حراما» انتهى. وظاهر شيخنا الشهيد
في الذكرى الانتصار لابن إدريس حيث قال : ولا حد لزمانها عملا بالعموم نعم لو أدت
التعزية إلى تجديد حزن قد نسي كان تركها اولى ، ويمكن القول بثلاثة أيام لنقل
الصدوق عن الباقر (عليهالسلام) (3)
__________________
(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 48 من أبواب الدفن.
(3) رواه في الوسائل في الباب 67 من أبواب الدفن.
«يصنع للميت مأتم ثلاثة أيام من يوم
مات». ونقل عن الصادق (عليهالسلام) (1) «ان النبي (صلىاللهعليهوآله) أمر فاطمة (عليهاالسلام) ان تأتي
أسماء بنت عميس ونساؤها وان تصنع لهم طعاما ثلاثة أيام فجرت بذلك السنة». قال وقال
الصادق (عليهالسلام) (2) «ليس لأحد ان
يحد أكثر من ثلاثة أيام إلا المرأة على زوجها حتى تقضي عدتها». قال (3) : «واوصى أبو
جعفر (عليهالسلام) بثمانمائة
درهم لمأتمه وكان يرى ذلك من السنة لأن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) أمر باتخاذ
الطعام لآل جعفر». وفي كل هذا إيماء الى ذلك. والشيخ أبو الصلاح قال : من السنة
تعزية أهله ثلاثة أيام وحمل الطعام إليهم. ثم نقل كلام الشيخ في المبسوط وملخص
كلام ابن إدريس عليه وكلام المعتبر على ابن إدريس ، ثم قال في الرد على كلام
المعتبر : قلت الأخبار المذكورة مشعرة به فلا معنى لاعتراضه حجة التزاور وشهادة
الإثبات مقدمة ، إلا ان يقال لا يلزم من عمل المأتم الجلوس للتعزية بل هو مقصور
على الاهتمام بأمور أهل الميت لاشتغالهم بحزنهم ، لكن اللغة والعرف بخلافه ، قال
الجوهري : «المأتم : النساء يجتمعن قال وعند العامة المصيبة» وقال غيره «المأتم :
المناحة» وهما مشعران بالاجتماع. انتهى ما ذكره في الذكرى في هذا المقام. وهو جيد.
والى هذا القول مال جملة من متأخري المتأخرين بل الظاهر انه هو المشهور.
(الثالثة) ـ قال في المنتهى : «ويستحب التعزية لجميع أهل
المصيبة كبيرهم وصغيرهم ذكرهم وأنثاهم عملا بالعموم ، وينبغي ان يخص أهل العلم
والفضل والخير والمنظور إليهم من بينهم يميز به ليتأسى به غيره والضعيف عن تحمل
المصيبة لحاجته إليها ، ولا ينبغي ان يعزى النساء الأجانب خصوصا الشواب بل تعزيهم
نساء مثلهم» انتهى.
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 67 من أبواب الدفن.
(2) رواه في الوسائل في الباب 82 من أبواب الدفن.
(3) رواه في الوسائل في الباب 68 من أبواب الدفن.
أقول : وفي الفقه الرضوي (1) قال : «وعز
وليه فإنه روى عن الصادق (عليهالسلام) انه قال : من
عزى أخاه المؤمن كسي في الموقف حلة ، الى ان قال (عليهالسلام) وان كان
المعزى يتيما فامسح يدك على رأسه فقد روي ان النبي (صلىاللهعليهوآله) قال من مسح
يده على رأس يتيم ترحما له كتب الله له بكل شعرة مرت عليها يده حسنة. وان وجدته
باكيا فسكته بلطف ورفق فاني اروي عن العالم (عليهالسلام) انه قال إذا
بكى اليتيم اهتز له العرش فيقول الله تبارك وتعالى من ذا الذي أبكى عبدي الذي
سلبته أبويه في صغره وعزتي وجلالي وارتفاعي في مكاني لا يسكته عبد مؤمن إلا وجبت
له الجنة».
(الرابعة) ـ الأفضل في التعزية ما هو المأثور عن أهل
العصمة (عليهمالسلام) مما تقدم في
رواية رفاعة بن موسى ورواية علي بن مهزيار ومرسلة الفقيه (2) وروى شيخنا
الشهيد الثاني في كتاب مسكن الفؤاد عن ابي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عن أبيه
عن جده (عليهمالسلام) (3) قال : «لما
توفي رسول الله (صلىاللهعليهوآله) جاء جبرئيل
والنبي مسجى وفي البيت علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهمالسلام) فقال السلام
عليكم يا أهل بيت الرحمة «كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ
وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ... الآية» (4) ألا ان في
الله عزوجل عزاء من كل
مصيبة وخلفا من كل هالك ودركا لما فات فبالله عزوجل فثقوا وإياه
فارجوا فان المصاب من حرم الثواب وهذا آخر وطئي من الدنيا». وعن جابر بن عبد الله (رضياللهعنه) (5) قال : «لما
توفي رسول الله (صلىاللهعليهوآله) عزتهم
الملائكة يسمعون الحس ولا يرون الشخص فقالوا السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله
وبركاته ان في الله عزاء من كل مصيبة وخلفا عن كل فائت فبالله فثقوا وإياه فارجوا
وانما المحروم من حرم الثواب والسلام
__________________
(1) ص 18.
(2) ص 155 و 156.
(3 و 5) رواه في البحار ج 18 ص 213.
(4) سورة آل عمران. الآية 182.
عليكم ورحمة الله وبركاته». وروى
الخبر الأول في الكافي عن الحسين بن المختار عنه (عليهالسلام) (1) والخبر الثاني
عن زيد الشحام عنه (عليهالسلام) (2).
(المقام الثاني) ـ لا خلاف بين أصحابنا (رضوان الله
عليهم) في استحباب الإطعام عن أصحاب المصيبة ثلاثة أيام ، وعلى ذلك دلت جملة من
الاخبار : منها ـ ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن هشام بن سالم عن الصادق
(عليهالسلام) (3) قال : «لما
قتل جعفر بن ابي طالب أمر رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فاطمة ان
تتخذ طعاما لأسماء بنت عميس ثلاثة أيام وتأتيها ونساؤها وتقيم عندها ثلاثة أيام
فجرت بذلك السنة ان يصنع لأهل المصيبة طعام ثلاثا». ورواه الصدوق مرسلا (4) الى قوله «فجرت
بذلك السنة». وفي الصحيح أو الحسن عن زرارة عن الباقر (عليهالسلام) (5) قال : «يصنع
لأهل الميت مأتم ثلاثة أيام من يوم مات». ورواه البرقي في المحاسن في الصحيح عن
زرارة عن الباقر (عليهالسلام) (6) وفي متنه قال
: «يصنع للميت الطعام للمأتم ثلاثة أيام بيوم مات فيه». وعن ابي بصير عن الصادق (عليهالسلام) (7) قال : «ينبغي
لجيران صاحب المصيبة أن يطعموا الطعام عنه ثلاثة أيام». ورواه الصدوق بإسناده عن
ابي بصير مثله (8)
وروى البرقي في المحاسن في الصحيح عن مرازم (9) قال : «سمعت
أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول لما قتل
جعفر بن ابي طالب دخل رسول الله (صلىاللهعليهوآله) على أسماء
بنت عميس ، الى ان قال فقال اجعلوا لأهل جعفر طعاما فجرت السنة إلى اليوم». وعن
العباس بن موسى بن جعفر عن أبيه (عليهالسلام) (10) «انه سأله عن
المأتم فقال ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قال ابعثوا
الى أهل جعفر طعاما فجرت السنة إلى اليوم». وعن عمر بن علي بن الحسين (عليهالسلام) (11) قال :
__________________
(1 و 2) ج 1 ص 60.
(3 و 4 و 5 و 6 و 7 و 8 و 9 و 10 و 11) رواه في الوسائل في
الباب 67 من أبواب الدفن.
«لما قتل الحسين (عليهالسلام) لبس نساء بني
هاشم السواد والمسوح وكن لا يشتكين من حر ولا برد وكان علي بن الحسين (عليهماالسلام) يعمل لهن
الطعام للمأتم». أقول : الظاهر ان ذلك بعد رجوعه (عليهالسلام) الى المدينة.
وفي الكافي في الصحيح أو الحسن عن حريز أو غيره (1) قال : اوصى
أبو جعفر (عليهالسلام) والفقيه
مرسلا قال : «اوصى أبو جعفر بثمانمائة درهم لمأتمه وكان يرى ذلك من السنة لأن رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) قال اتخذوا
لآل جعفر طعاما فقد شغلوا». قال في الذكرى : «لو اوصى الميت بذلك نفذت وصيته لانه
نوع من البر ويلحقه ثوابه بعد موته ولكن لو فوض الى غير اهله لكان انسب لاشتغالهم
بمصابهم عن ذلك» أقول : يمكن ان يكون (عليهالسلام) في وصيته
بهذا المبلغ قد وكل مؤنته إلى غيرهم لئلا يزاحم اشتغالهم.
فروع
(الأول) ـ يكره الأكل من طعام أهل المصيبة لما رواه
الصدوق في الفقيه مرسلا (2) قال : «وقال
الصادق (عليهالسلام) الأكل عند
أهل المصيبة من عمل أهل الجاهلية والسنة البعث إليهم بالطعام كما أمر به النبي (صلىاللهعليهوآله) في آل جعفر
بن ابي طالب لما جاء نعيه». وقيده بعضهم بما كان من عندهم لا ما يهدى إليهم من
الأقرباء والجيران على السنة المذكورة. وهو حسن.
(الثاني) ـ قال في المنتهى : «لا يستحب لأهل الميت ان
يصنعوا طعاما ويجمعوا الناس عليه لأنهم مشغولون بمصابهم ، ولأن في ذلك تشبها بأهل
الجاهلية على ما قال الصادق (عليهالسلام)» أقول : أشار
بما قاله الصادق (عليهالسلام) الى ما تقدم
من مرسلة الفقيه.
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 68 من أبواب الدفن.
(2) رواه في الوسائل في الباب 67 من أبواب الدفن.
(الثالث) ـ قال في الكتاب المذكور ايضا : «لو دعت الحاجة
الى ذلك جاز كما لو حضرهم أهل القرى والأماكن البعيدة واحتاجوا الى المبيت عندهم
فإنه ينبغي ضيافتهم» وهو جيد.
(الرابع) ـ الظاهر من الاخبار وكلام الأصحاب ان الأمر
بالإطعام في الثلاثة يتوجه لجيران الميت وأقرباؤه ، والظاهر تقييده بما إذا لم يوص
الميت بما يصرف لذلك من ماله وإلا سقط الحكم المذكور ، إلا انه ينبغي للوصي ـ كما
تقدمت الإشارة اليه ـ ان يفوض ذلك الى غير أهل المصيبة لاشتغالهم بالحزن وبالناس
القادمين عليهم عن ذلك.
(المقام الثالث) ـ الظاهر انه لا خلاف نصا وفتوى في جواز
البكاء على الميت قبل الدفن وبعده ، ويدل على ذلك الأخبار المستفيضة ، ومنها ـ ما
رواه الصدوق في الخصال والمجالس بسنديه فيهما الى محمد بن سهل البحراني يرفعه الى
الصادق (عليهالسلام) (1) قال : «البكاءون
خمسة : آدم ويعقوب ويوسف وفاطمة بنت رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وعلي بن
الحسين ، اما آدم فبكى على الجنة حتى صار في خديه أمثال الأودية ، واما يعقوب فبكى
على يوسف حتى ذهب بصره وحتى قيل له : «...
تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ» (2) واما يوسف
فبكى على يعقوب حتى تأذى به أهل السجن فقالوا اما ان تبكي الليل وتسكت بالنهار
واما ان تبكي النهار وتسكت بالليل فصالحهم على واحد منهما ، واما فاطمة فبكت على
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) حتى تأذى بها
أهل المدينة فقالوا لها قد آذيتنا بكثرة بكائك ، وكانت تخرج الى المقابر مقابر
الشهداء فتبكي حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف ، واما علي بن الحسين فبكى على الحسين
عشرين سنة أو أربعين سنة ما وضع بين يديه طعام إلا بكى حتى قاله له مولى له اني
أخاف عليك ان تكون من الهالكين. قال إنما أشكو بثي وحزني الى الله واعلم من الله
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 87 من أبواب الدفن.
(2) سورة يوسف. الآية 85.
ما لا تعلمون ، اني لم اذكر مصرع بني
فاطمة (عليهاالسلام) إلا خنقتني
لذلك عبرة». وروى في الكافي عن ابي بصير عن أحدهما (عليهماالسلام) (1) قال : «لما
ماتت رقية بنت رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قال رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) الحقي بسلفنا
الصالح عثمان بن مظعون وأصحابه ، قال وفاطمة (عليهاالسلام) على شفير
القبر تنحدر دموعها في القبر. الحديث». وعن محمد بن منصور الصيقل عن أبيه (2) قال : «شكوت
الى ابي عبد الله (عليهالسلام) وجدا وجدته
على ابن لي هلك حتى خفت على عقلي فقال إذا أصابك من هذا شيء فأفض من دموعك فإنه
يسكن عنك». وعن ابن القداح عن الصادق (عليهالسلام) (3) في حديث قال :
«لما مات إبراهيم بن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) هملت عين
رسول الله بالدموع ثم قال النبي (صلىاللهعليهوآله) تدمع العين
ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب وانا بك يا إبراهيم لمحزونون.». وروى الصدوق في
الفقيه مرسلا (4) قال : «قال
الصادق (عليهالسلام) لما مات
إبراهيم بن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قال رسول
الله حزنا عليك يا إبراهيم وانا لصابرون ، يحزن القلب وتدمع العين ولا نقول ما
يسخط الرب. قال وقال (عليهالسلام) من خاف على
نفسه من وجد بمصيبة فليفض من دموعه فإنه يسكن عنه. قال وقال ان النبي (صلىاللهعليهوآله) حين جاءته
وفاة جعفر بن ابي طالب وزيد بن حارثة كان إذا دخل بيته كثر بكاؤه عليهما جدا ويقول
كانا يحدثاني ويؤنساني فذهبا جميعا». وفي التهذيب بسنده الى محمد بن الحسن الواسطي
عن الصادق (عليهالسلام) (5) «ان إبراهيم
خليل الرحمن سأل ربه ان يرزقه ابنة تبكيه بعد موته». والاخبار في هذا الباب كثيرة
بل ورد بكاء الملائكة وبقاع الأرض على المؤمن كما رواه في الكافي في الصحيح أو
الحسن
__________________
(1 و 2 و 3 و 4) رواه في الوسائل في الباب 87 من أبواب الدفن.
(5) رواه في الوسائل في الباب 70 من أبواب الدفن.
عن علي بن رئاب (1) قال : «سمعت
أبا الحسن الأول (عليهالسلام) يقول إذا مات
المؤمن بكت عليه الملائكة وبقاع الأرض التي كان يعبد الله تعالى عليها وأبواب
السماء التي كان يصعد اعماله فيها. وثلم ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء لأن
المؤمنين حصون الإسلام كحصون سور المدينة لها». واما رواية الحسن بن الشيخ الطوسي
في أماليه عن معاوية بن وهب عن الصادق (عليهالسلام) (2) في حديث قال :
«كل الجزع والبكاء مكروه ما خلا الجزع والبكاء لقتل الحسين (عليهالسلام)». فالظاهر ان
المراد بالكراهة هنا عدم ترتب الثواب والأجر عليه مجازا لا الكراهة الموجبة للذم ،
وذلك فإنه ليس في شيء من افراد البكاء ما يوجب الثواب الجزيل والأجر الجميل مثل
البكاء عليه والبكاء على آبائه وأبنائه (عليهمالسلام) وقصارى
البكاء على غيرهم ان سبيله سبيل المباحات. واما ما روي من ان الميت يعذب ببكاء
اهله. فهو من روايات العامة ، قال شيخنا في الذكرى : الثالثة ـ لا يعذب الميت
بالبكاء عليه سواء كان بكاء مباحا أو محرما كالمشتمل على المحرم ، لقوله تعالى : «... وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ...» (3) وما في البخاري
ومسلم (4) في خبر عبد
الله بن عمر ـ «ان النبي (صلىاللهعليهوآله) قال ان الميت
ليعذب ببكاء اهله». ويروى (5) «ان حفصة بكت
على عمر فقال مهلا يا بنية ألم تعلمي ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قال ان الميت
يعذب ببكاء اهله عليه؟». ـ مأول ، قيل وأحسنه إن
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 88 من أبواب الدفن.
(2) رواه في الوسائل في الباب 87 من أبواب الدفن.
(3) سورة الانعام. الآية 164.
(4) في البخاري ج 1 ص 195 وفي صحيح مسلم ج 1 ص 342 و 344.
(5) رواه مسلم في صحيحة ج 1 ص 341 ، وروى ص 344 عن هشام بن
عروة عن أبيه «انه ذكر لعائشة قول ابن عمر : «ان الميت يعذب ببكاء اهله عليه»
فقالت رحم الله أبا عبد الرحمن سمع شيئا فلم يحفظ انما مرت على رسول الله «ص»
جنازة يهودي وهم يبكون عليه فقال أنتم تبكون وانه ليعذب».
الجاهلية ، ثم أطال في بيان أجوبة
ذكروها وقد أوضح فسادها ولا حاجة بنا الى التطويل بنقلها. وبالجملة فإنه لا اشكال
ولا خلاف عندنا في جواز البكاء كما صرح به الأصحاب
انما الخلاف نصا وفتوى في جواز النوح فالمشهور بين
الأصحاب جوازه ما لم يستلزم محرما من كذب أو صراخ عال أو لطم الوجوه وخمشها ونحو
ذلك ، وفي الذكرى عن المبسوط وابن حمزة التحريم وان الشيخ ادعى عليه الإجماع.
واما الاخبار فمنها ما دل على الجواز ومن ذلك ما رواه في
الكافي في الصحيح عن يونس بن يعقوب عن الصادق (عليهالسلام) (1) قال : «قال لي
أبي يا جعفر أوقف لي من مالي كذا وكذا لنوادب تندبني عشر سنين بمنى أيام منى». قال
في الذكرى بعد ذكر الخبر : والمراد بذلك تنبيه الناس على فضائله وإظهارها ليقتدى
بها ويعلم ما كان عليه أهل هذا البيت ليقتفى آثارهم لزوال التقية بعد الموت. ومنها
ـ ما رواه في الكافي والتهذيب عن الثمالي عن الباقر (عليهالسلام) (2) قال : «مات
الوليد بن المغيرة فقالت أم سلمة للنبي (صلىاللهعليهوآله) ان آل
المغيرة أقاموا مناحة فأذهب إليهم؟ فأذن لها فلبست ثيابها وتهيأت ، وكانت من حسنها
كأنها جان وكانت إذا قامت وأرخت شعرها جلل جسدها وعقدت طرفيه بخلخالها ، فندبت ابن
عمها بين يدي رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فقالت :
أنعى الوليد بن الوليد |
|
أبا الوليد فتى العشيرة |
حامي الحقيقة ماجدا |
|
يسمو الى طلب الوتيرة |
قد كان غيثا في السنين |
|
وجعفرا غدقا وميرة |
ما ذا على من شم تربة احمد |
|
ان لا يشم مدى الدهور غواليا |
صبت علي مصائب لو انها |
|
صبت على الأيام صرن لياليا |
ثم يؤتى فيقال له خفف عنك هذا الضيق بصلاة فلان أخيك عنك. قال فقلت له فأشرك بين رجلين في ركعتين؟ قال نعم ، فقال (عليهالسلام) ان الميت ليفرح بالترحم عليه والاستغفار له كما يفرح الحي بالهدية تهدى اليه». وفي الفقيه مرسلا (1) قال : «قال (عليهالسلام) يدخل على الميت في قبره الصلاة والصوم والحج والصدقة والبر والدعاء ويكتب أجره للذي يفعله وللميت». وفي التهذيب عن عمر بن يزيد (2) قال : «كان أبو عبد الله (عليهالسلام) يصلي عن ولده في كل ليلة ركعتين وعن والديه في كل يوم ركعتين. قلت له جعلت فداك كيف صار للولد الليل؟ قال لان الفراش للولد. قال وكان يقرأ فيهما انا أنزلناه في ليلة القدر وانا أعطيناك الكوثر». أقول : الظاهر ان المراد بالسنة التي سنها في حياته وعمل بها بعد موته بعض الأعمال الصالحة المستحبة المهجورة بين الناس فيفعلها هو ويقتدى به فيها بعد موته ، وذلك فإن أصل تسنين السنن وتشريعها انما هو للنبي والأئمة (صلوات الله عليهم) والمراد بالصلاة والصوم ونحوهما الذي يعمل له ما هو أعم من ان يأتي بذلك الفعل نيابة عنه أو انه يهديه له أو يهبه بعد ان يأتي به لا على طريقة النيابة ، وكل منهما مما دلت عليه الاخبار. والله العالم.
فما عاب عليها النبي (صلىاللهعليهوآله) ذلك ولا قال
شيئا». ومنها ـ ما رواه الشيخان المذكوران عن حنان بن سدير (3) قال : «كانت
امرأة معنا في الحي ولها جارية نائحة فجاءت الى ابي فقالت يا عم أنت تعلم أن
معيشتي من الله عزوجل ثم من
__________________
(1 و 2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 17 من أبواب ما يكتسب
به.
هذه الجارية النائحة وقد أحببت أن
تسأل أبا عبد الله (عليهالسلام) عن ذلك فان
كان حلالا وإلا بعتها وأكلت من ثمنها حتى يأتي الله تعالى بالفرج. فقال لها ابي
والله اني لأعظم أبا عبد الله ان أسأله عن هذه المسألة قال فلما قدمنا عليه أخبرته
أنا بذلك فقال (عليهالسلام) أتشارط؟ قلت
والله ما ادري تشارط أم لا. فقال قل لها لا تشارط وتقبل كل ما أعطيت». وما رواه في
الفقيه والتهذيب في الصحيح عن ابي بصير (1) قال «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) لا بأس بأجر
النائحة التي تنوح على الميت». وفي الفقيه مرسلا (2) قال : «وسئل (عليهالسلام) عن أجر
النائحة قال لا بأس به قد نيح على رسول الله (صلىاللهعليهوآله)». ثم قال روي
: «انه لا بأس بكسب النائحة إذا قالت صدقا». وفي خبر آخر «تستحله بضرب احدى يديها
على الأخرى» وروى في الكافي عن عذافر (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن كسب النائحة
فقال تستحله بضرب احدي يديها على الأخرى». قال بعض مشايخنا المحدثين بعد ذكر هذا
الخبر : لعل المراد انها تعمل أعمالا شاقة فيها تستحق الأجرة ، واشارة إلى انه لا
ينبغي ان تأخذ الأجرة على النياحة بل على ما يضم إليها من الأعمال. وقيل هو كناية
عن عدم اشتراط الأجرة. ولا يخفى ما فيه. انتهى. وروى في إكمال الدين بسند صحيح الى
الحسين بن زيد (4) قال : «ماتت
ابنة لأبي عبد الله (عليهالسلام) فناح عليها
سنة ثم مات له ولد آخر فناح عليه سنة ثم مات إسماعيل فجزع عليه جزعا شديدا فقطع
النوح ، فقيل لأبي عبد الله (عليهالسلام) أيناح في
دارك؟ فقال ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قال لما مات
حمزة لكن حمزة لا بواكي عليه». وروى الشهيد الثاني في مسكن الفؤاد (5) «ان فاطمة ناحت
على أبيها وانه أمر بالنوح على حمزة». وروى في الكافي بسنده عن
__________________
(1 و 3) رواه في الوسائل في الباب 17 من أبواب ما يكتسب به.
(2) ج 1 ص 116 وفي الوسائل في الباب 71 من أبواب الدفن و 17 من
أبواب ما يكتسب به.
(4 و 5) رواه في الوسائل في الباب 70 من أبواب الدفن.
خديجة بنت عمر بن علي بن الحسين بن
علي بن ابي طالب (عليهمالسلام) (1) في حديث طويل
: «انها قالت سمعت عمي محمد بن علي يقول انما تحتاج المرأة في المأتم إلى النوح
لتسيل دمعتها ولا ينبغي لها ان تقول هجرا فإذا جاء الليل فلا تؤذي الملائكة بالنوح».
وقال الصدوق في الفقيه (2) : «لما انصرف
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) من وقعة أحد
إلى المدينة سمع من كل دار قتل من أهلها قتيل نوحا ولم يسمع من دار عمه حمزة فقال (صلىاللهعليهوآله) لكن حمزة لا
بواكي عليه فآلى أهل المدينة ان لا ينوحوا على ميت ولا يبكوه حتى يبدأوا بحمزة
فينوحوا عليه ويبكوه فهم الى اليوم على ذلك». فهذه جملة من الاخبار ظاهرة في
الجواز.
واما ما يدل على القول الآخر فجملة من الاخبار ايضا :
منها ـ ما رواه في الكافي عن جابر (3) عن الباقر (عليهالسلام) قال : «قلت
له ما الجزع؟ فقال : أشد الجزع الصراخ بالويل والعويل ولطم الوجه والصدر وجز الشعر
من النواصي ، ومن اقام النواحة فقد ترك الصبر وأخذ في غير طريقة. الحديث». وقال
الصدوق (4) : من ألفاظ
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) الموجزة التي
لم يسبق إليها «النياحة من عمل الجاهلية». وروى في حديث المناهي المذكور في آخر
كتاب الفقيه عن الحسين بن زيد عن الصادق (عليهالسلام) (5) قال : «ونهى
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) عن الرنة عند
المصيبة ونهى عن النياحة والاستماع إليها». وروى في معاني الأخبار بسنده عن عمرو
بن ابي المقدام (6) قال : «سمعت
أبا الحسن وأبا جعفر (عليهماالسلام) يقول في قول
الله عزوجل «وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ» قال ان رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) قال : لفاطمة
إذا أنا مت فلا تخمشي علي وجها ولا ترخي علي شعرا ولا تنادي بالويل ولا
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 71 من أبواب الدفن.
(2) رواه في الوسائل في الباب 88 من أبواب الدفن.
(3 و 4 و 5 و 6) رواه في الوسائل في الباب 83 من أبواب الدفن.
تقيمن علي نائحة ، قال ثم قال هذا
المعروف الذي قال الله عزوجل : (وَلا
يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ)». وروى علي بن
جعفر في كتاب المسائل عن أخيه موسى (عليهالسلام) (1) قال : «سألته
عن النوح على الميت أيصلح؟ قال يكره». وفي الخصال بسنده عن عبد الله ابن الحسين بن
زيد عن أبيه عن جعفر بن محمد عن آبائه (عليهمالسلام) (2) قال : «قال
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) أربعة لا
تزال في أمتي إلى يوم القيامة : الفخر بالأحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء
بالنجوم والنياحة ، وان النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقوم يوم القيامة وعليها سربال
من قطران ودرع من حرب».
وظاهر كلام أكثر الأصحاب الاعراض عن هذه الأخبار
وتأويلها بل تأويل كلام الشيخ ايضا بالحمل على النوح المشتمل على شيء من المناهي
كما هو ظاهر سياق الحديث الأول ، قال في الذكرى بعد نقل القول بالتحريم عن الشيخ
وابن حمزة : والظاهر انهما أرادا النوح بالباطل أو المشتمل على المحرم كما قيده في
النهاية ، ثم نقل جملة من اخبار النهي ، وقال : وجوابه الحمل على ما ذكرناه جمعا
بين الاخبار ، ولأن نياحة الجاهلية كانت كذلك غالبا ، ولأن أخبارنا خاصة والخاص
مقدم. أقول : من المحتمل قريبا حمل الأخبار الأخيرة على التقية فإن القول بالتحريم
قد نقله في المعتبر عن كثير من أصحاب الحديث من الجمهور (3) ونقل جملة من
رواياتهم المطابقة لما روى عندنا ومنه تفسير آية «...
وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ...» (4) بالنوح ، قال
في المنتهى : النياحة بالباطل محرمة إجماعا اما بالحق فجائزة إجماعا. وروى الجمهور
عن فاطمة (عليهاالسلام) (5) انها قالت :
__________________
(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 17 من أبواب ما يكتسب به.
(3) كما في الفتاوى الفقهية لابن حجر ج 2 ص 18 وفي عمدة القارئ
للعيني ج 4 ص 94 وج 9 ص 209 وفي فتح الباري ج 8 ص 450.
(4) سورة الممتحنة. الآية 12.
(5) كما في المغني لابن قدامة ج 2 ص 547.
يا أبتاه من ربه ما أدناه يا أبتاه
الى جبرئيل أنعاه يا أبتاه أجاب ربا دعاه.
وعن علي (عليهالسلام) (1) ان فاطمة أخذت
قبضة من تراب قبر النبي (صلىاللهعليهوآله) فوضعتها على
عينها فقالت شعرا :
ومن طريق الخاصة ما رواه الصدوق ، ثم نقل بعضا من
الاخبار التي قدمناها في جواز النياحة. وقد صرح جملة من الأصحاب : منهم ـ صاحب
المنتهى والذكرى بجواز الوقف على النوح لخبر يونس بن يعقوب المتقدم ، قالوا ولانه
فعل مباح فجاز صرف المال اليه. وبالجملة فالظاهر هو القول بالجواز ما لم يستلزم
امرا آخر مما قدمنا ذكره.
(المقام الرابع) ـ في زيارة القبور ، وهي مستحبة إجماعا
نصا وفتوى إلا ان المحقق في المعتبر وجمعا ممن تأخر عنه خصوا ذلك بالرجال وكرهوه
للنساء ، وسيأتي ما فيه في المقام ان شاء الله تعالى ، روى الجمهور عن النبي (صلىاللهعليهوآله) (2) انه قال : «كنت
نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكر كم الموت». ومن طريق الخاصة ما رواه
الصدوق في الصحيح عن محمد بن مسلم (3) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) الموتى
نزورهم؟ قال نعم. قلت فيعلمون بنا إذا أتيناهم؟ قال اي والله انهم ليعلمون بكم
ويفرحون بكم ويستأنسون إليكم». وما رواه ثقة الإسلام في الصحيح أو الحسن عن جميل
ابن دراج عن الصادق (عليهالسلام) (4) «في زيارة
القبور قال : إنهم يأنسون بكم فإذا غبتم عنهم استوحشوا». وعن إسحاق بن عمار عن ابي
الحسن (عليهالسلام) (5) قال : «قلت له
المؤمن يعلم من يزور قبره؟ قال نعم لا يزال مستأنسا به ما زال عند
__________________
(1) كما في المغني لابن قدامة ج 2 ص 547.
(2) رواه أبو داود في السنن ج 3 ص 218 وابن ماجة في السنن ج 1
ص 476.
(3 و 4 و 5) رواه في الوسائل في الباب 54 من أبواب الدفن.
قبره فإذا قام وانصرف من قبره دخله من
انصرافه عن قبره وحشة». وعن مفضل بن عمر عن الصادق وعن محمد بن مسلم عن الصادق (عليهالسلام) (1) قال : «قال
أمير المؤمنين (عليهالسلام) زوروا موتاكم
فإنهم يفرحون بزيارتكم ، وليطلب أحدكم حاجته عند قبر أبيه وعند قبر امه بما يدعو
لهما». وما رواه الصدوق بإسناده عن صفوان بن يحيى (2) قال : «قلت
لأبي الحسن موسى (عليهالسلام) بلغني ان
المؤمن إذا أتاه الزائر أنس به فإذا انصرف عنه استوحش؟ فقال لا يستوحش». أقول :
يمكن الجمع بين هذا الخبر وما تقدمه بالفرق بين ما إذا كان الزائر من أهل الميت
وأقاربه وعدمه فتحمل الأخبار المتقدمة على الأول وهذا على الثاني.
ويتأكد ذلك يوم الاثنين وعشية الخميس وغداة السبت ، فروى
ثقة الإسلام في الصحيح أو الحسن عن هشام بن سالم عن الصادق (عليهالسلام) (3) قال : «سمعته
يقول عاشت فاطمة (عليهاالسلام) بعد أبيها
خمسة وسبعين يوما لم تر كاشرة ولا ضاحكة تأتي قبور الشهداء في كل جمعة مرتين
الاثنين والخميس فتقول : ههنا كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ههنا كان
المشركون». أقول : المراد بالجمعة الأسبوع كما هو أحد إطلاقاته في الاخبار. وما
رواه الشيخ عن يونس عن الصادق (عليهالسلام) (4) قال : «ان
فاطمة (عليهاالسلام) كانت تأتى
قبور الشهداء في كل غداة سبت فتأتي قبر حمزة وتترحم عليه وتستغفر له». قال في
الوافي بعد ذكر هذا الخبر : «لعل هذا كان في حياة أبيها (صلىاللهعليهوآله) وما تقدمه
بعد وفاته فلا تنافي» وهو جيد. وروى ابن قولويه في المزار عن صفوان الجمال (5) قال : «سمعت
أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول كان
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يخرج في ملأ
من الناس من أصحابه كل عشية خميس الى بقيع المدنيين فيقول السلام عليكم يا أهل
الديار (ثلاثا)
__________________
(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 54 من أبواب الدفن.
(3 و 4 و 5) رواه في الوسائل في الباب 55 من أبواب الدفن.
رحمكم الله (ثلاثا). الحديث».
ويستحب وضع الزائر يده على القبر مستقبل القبلة وقراءة
القدر سبعا والدعاء بالمأثور ، فروى في الكافي عن محمد بن احمد (1) قال : «كنت
يفيد فمشيت مع علي ابن بلال الى قبر محمد بن إسماعيل بن بزيع فقال لي علي بن بلال
قال لي صاحب هذا القبر عن الرضا (عليهالسلام) قال من اتى
قبر أخيه ثم وضع يده على القبر وقرأ إنا أنزلناه في ليلة القدر سبع مرات أمن يوم
الفزع الأكبر أو يوم الفزع». ورواه الكشي في كتاب الرجال نقلا من كتاب محمد بن
الحسين بن بندار بخطه (2) قال حدثني
محمد بن يحيى عن محمد بن احمد بن يحيى قال : «كنت يفيد ، وذكر نحوه الى ان قال : أخبرني
صاحب هذا القبر ـ يعني محمد بن إسماعيل بن بزيع ـ انه سمع أبا جعفر (عليهالسلام) يقول من زار
قبر أخيه المؤمن فجلس عند قبره واستقبل القبلة ووضع يده على القبر فقرأ إنا
أنزلناه في ليلة القدر سبع مرات أمن من الفزع الأكبر». ورواه النجاشي في كتاب الرجال
مثله (3) إلا ان فيه «انه
سمع أبا جعفر (عليهالسلام) يقول من زار
قبر أخيه المؤمن ووضع يده عليه وقرأ إنا أنزلناه. الحديث». وروى في التهذيب عن عبد
الرحمن بن ابي عبد الله البصري (4) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) كيف أضع يدي
على قبور المسلمين؟ فأشار بيده الى الأرض فوضعها عليها وهو مقابل القبلة». وروى
الصدوق مرسلا (5) قال : «قال
الرضا (عليهالسلام) ما من عبد
زار قبر مؤمن فقرأ عليه انا أنزلناه في ليلة القدر سبع مرات إلا غفر الله تعالى له
ولصاحب القبر». وقد تقدم في بحث الدفن نقلا عن الفقه الرضوي (6) قوله : «ثم ضع
يدك على القبر وأنت مستقبل القبلة وقل اللهم ارحم غربته. الدعاء كما تقدم الى ان
قال (عليهالسلام) ومتى ما زرت
قبره فادع له بهذا الدعاء وأنت مستقبل القبلة ويداك على القبر».
__________________
(1 و 2 و 3 و 5) رواه في الوسائل في الباب 57 من أبواب الدفن.
(4) رواه في الوسائل في الباب 33 من أبواب الدفن.
(6) ص 18.
وروى الصدوق في الصحيح عن محمد بن
مسلم (1) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) الموتى
نزورهم؟ فقال نعم.» وقد تقدم في صدر هذا المقام الى ان قال : «فأي شيء نقول إذا
أتيناهم؟ قال قل : اللهم جاف الأرض عن جنوبهم وصاعد إليك أرواحهم ولقهم منك رضوانا
واسكن إليهم من رحمتك ما تصل به وحدتهم وتؤنس به وحشتهم انك على كل شيء قدير». وفي
الكافي في الصحيح أو الحسن عن عبد الله بن سنان (2) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) كيف التسليم
على أهل القبور؟ فقال نعم تقول السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين أنتم
لنا فرط ونحن ان شاء الله بكم لاحقون». وعن منصور بن حازم في الصحيح (3) قال : «تقول :
السلام عليكم من ديار قوم مؤمنين وانا ان شاء الله تعالى بكم لاحقون». (وقال في
الفقيه (4) : «كان رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) إذا مر على
القبور قال السلام عليكم. الحديث». وفي الكافي والفقيه عن جراح المدائني (5) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) كيف التسليم
على أهل القبور؟ قال تقول : السلام على أهل الديار من المسلمين والمؤمنين رحم الله
المستقدمين. منا والمستأخرين وانا ان شاء الله تعالى بكم لا حقون». أقول : مورد
هذه الاخبار الأخيرة زيارة المقبرة والدعاء لمن فيها من المؤمنين والسلام عليهم
ومورد الأخبار الأولة زيارة قبر المؤمن وحده وقراءة السورة المذكورة والدعاء
المذكور عنده. وفي كتاب تنبيه الخاطر لو رام (6) قال : «قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) إذا قرأ
المؤمن آية الكرسي وجعل ثواب قراءته لأهل القبور جعل الله تعالى له من كل حرف ملكا
يسبح له الى يوم القيامة».
فروع : (الأول) ـ الظاهر من كلام المحقق في المعتبر
والعلامة في المنتهى
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 54 من أبواب الدفن.
(2 و 3 و 4 و 5) رواه في الوسائل في الباب 56 من أبواب الدفن.
(6) رواه في الوسائل في الباب 34 من أبواب الدفن.
تخصيص استحباب الزيارة بالرجال
وكراهتها للنساء ، قال في المعتبر : «واما الكراهة لهن فلان الستر والصيانة اولى
بهن» وفيه ما عرفت من الاخبار الدالة على زيارة فاطمة (عليهاالسلام) لقبور
الشهداء ، قال في الذكرى بعد نقل كلام المعتبر وتعليله الكراهة : «وهو حسن إلا مع
الأمن والصون لفعل فاطمة (عليهاالسلام)» وهو جيد ،
وحينئذ فالكراهة بالنسبة الى النساء انما هو باعتبار أمر آخر لا من حيث الزيارة
كما أطلقه في المعتبر ، إذ ليس مجرد الزيارة مستلزما لهتك الستر والصيانة والا
لاستلزم كراهة خروجهن من البيوت مطلقا ولا قائل به.
(الثاني) ـ المفهوم من خبر محمد بن أحمد الأول وكذا من
عبارة كتاب الفقه ان المستحب وضع اليدين معا ولا اعلم به قائلا ، وأكثر الروايات
انما هي بذكر اليد مفردة وهو الظاهر من عبارات الأصحاب كما لا يخفى على من راجعها
، والظاهر انها اليمين لأنها هي المعدة للسنن والمستحبات لشرفها كما بين في غير
موضع.
(الثالث) ـ المفهوم من الاخبار المتقدمة تأكد الاستحباب
في الأيام الثلاثة المتقدمة وان جازت في سائر الأيام ، وقال في المنتهى : ويستحب
تكرار ذلك في كل وقت ، ثم استدل بما رواه ابن بابويه عن إسحاق بن عمار (1) قال : «سألت
أبا الحسن الأول (عليهالسلام) عن المؤمن
يزور اهله؟ فقال نعم. فقال في كم؟ فقال على قدر فضائلهم : منهم من يزور في كل يوم.».
أقول : لا يخفى ان الخبر وان أوهم ما ذكره إلا ان تتمة الخبر صريحة في ان مورده
انما هي زيارة الأرواح لأهلها بعد الموت لا زيارة الأحياء للقبور ، وهذه تتمة
الخبر المذكور «ومنهم من يزور في كل يومين ومنهم من يزور في كل ثلاثة أيام ، قال
ثم رأيت في مجرى كلامه انه يقول : أدناهم منزلة يزور كل جمعة : قال قلت في أي ساعة؟
قال عند زوال الشمس أو قبيل ذلك». ورواه في الكافي (2) وزاد فيه : «قال
قلت في أي صورة؟ قال في صورة العصفور أو أصغر من ذلك». ثم
__________________
(1) الفقيه ج 1 ص 115.
(2) ج 1 ص 60.
اشترك الكتابان في قوله : «فيبعث الله
تعالى معه ملكا فيريه ما يسره ويستر عنه ما يكرهه فيرى ما يسره ويرجع الى قرة عين»
فالاستدلال به غفلة ظاهرة كما لا يخفى.
(الرابع) ـ قال في المنتهى : «ويستحب خلع النعال إذا دخل
المقابر ولو لم يفعله لم يكن مكروها لأن النبي (صلىاللهعليهوآله) روي عنه انه
قال : «إذا وضع الميت في قبره وتولى عنه أصحابه انه يسمع قرع نعالهم» (1). ولا ريب ان
خلع النعال أقرب الى الخشوع وأبعد من الخيلاء ، ولو كان هناك مانع من خلع النعلين
لم يستحب خلعهما» وقال في الذكرى : «لا يستحب لمن دخل المقبرة خلع نعليه للأصل وعدم
ثبت قالوا : «رأى النبي (صلىاللهعليهوآله) رجلا يمشي في
المقبرة وعليه نعلان فقال يا صاحب السبتيتين التي سبتيتيك فرمى بهما» (2). قلنا حكاية
حال فلعله لما في هذا النوع من الخيلاء لانه لباس أهل التنعم لا لأجل المقبرة»
أقول : الذي يلوح من هذا الكلام ان القائل بالاستحباب انما هو من العامة كما ينادي
به الاستدلال بهذا الخبر الذي لا اثر له في أصولنا فيما اعلم ، ولا يبعد ان
العلامة في المنتهى قد تبع القوم في ذلك ، وكيف كان فلم أقف على مستند لهذا الحكم
الذي ادعاه في المنتهى وكلام الذكرى هنا هو الأقوى.
(الخامس) ـ ظاهر أكثر الأخبار الأولة انه يستحب في زيارة
قبر المؤمن قراءة القدر سبع مرات خاصة ، وظاهر عبارة الفقه استحباب الدعاء المذكور
خاصة ، والجمع بين الاخبار بالتخيير ممكن والجمع بين السورة المذكورة والدعاء أفضل
:
(السادس) ـ يكره الضحك بين القبور لما رواه الصدوق في
المناهي المذكورة في آخر الكتاب عن النبي (صلىاللهعليهوآله) (3) قال : «ان
الله تعالى كره لأمتي
__________________
(1 و 2) رواه أبو داود في السنن ج 3 ص 217.
(3) رواه في الوسائل في الباب 63 من أبواب الدفن.
الضحك بين القبور والتطلع في الدور ،
قال : وقال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ان الله
تعالى كره لي ست خصال وكرهتهن للأوصياء من ولدي واتباعهم من بعدي : العبث في
الصلاة والرفث في الصوم والمن بعد الصدقة وإتيان المساجد جنبا والتطلع في الدور
والضحك بين القبور».
ونحوه روى في المجالس (1) ومثله في
الخصال (2) وفي بعضها
أربعا وعشرين خصلة وعد منها الضحك بين القبور والتطلع في الدور.
(السابع) ـ قال في المنتهى : «يكره المشي على القبور
قاله الشيخ» أقول : قد قدمنا الكلام في ذلك وبينا انا لم نقف له على دليل من
أخبارنا بل ظاهر بعضها خلافه.
(المقام الخامس) ـ قد استفاضت الاخبار باستحباب احتساب
موت الأولاد والصبر على ذلك وما فيه من الأجر في الآخرة ، ففي الكافي عن أبي
إسماعيل السراج عن الصادق (عليهالسلام) (3) قال : «ولد
يقدمه الرجل أفضل من سبعين ولدا يخلفهم بعده كلهم قد ركبوا الخيل وجاهدوا في سبيل
الله تعالى». وعن ابن مهزيار في الصحيح (4) قال : «كتب رجل الى ابي جعفر (عليهالسلام) يشكو اليه
مصابه بولده وشدة ما دخله فكتب اليه : أما علمت ان الله تعالى يختار من مال المؤمن
ومن ولده أنفسه ليأجره على ذلك؟». وعن جابر عن الباقر (عليهالسلام) (5) قال : «دخل
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) على خديجة
حيث مات القاسم ابنها وهي تبكي فقال لها ما يبكيك؟ فقالت درت دريرة فبكيت. فقال يا
خديجة أما ترضين إذا كان يوم القيامة ان تجيء الى باب الجنة وهو قائم فيأخذ بيدك
ويدخلك الجنة وينزلك أفضلها؟ وذلك لكل مؤمن ، ان الله عزوجل احكم وأكرم من
ان يسلب المؤمن ثمرة فؤاده ثم يعذبه بعدها ابدا». وعن ابي بصير (6) قال : «سمعت
أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول : ان
الله تعالى إذا أحب عبدا قبض أحب ولده اليه». وعن ابن بكير في الموثق عن الصادق
__________________
(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 63 من أبواب الدفن.
(3 و 4 و 5 و 6) رواه في الوسائل في الباب 72 من أبواب الدفن.
(عليهالسلام) (1) قال : «ثواب
المؤمن من ولده إذا مات الجنة صبر أو لم يصبر». ورواه الصدوق مرسلا (2) وعن السكوني عن
الصادق (عليهالسلام) (3) قال : «قال
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) إذا قبض ولد
المؤمن ـ والله تعالى اعلم بما قال العبد ـ قال الله تعالى لملائكته قبضتم ولد
فلان المؤمن؟ فيقولون نعم ربنا. فيقول ما ذا قال عبدي؟ قالوا حمدك واسترجع. فيقول
الله لملائكته أخذتم ثمرة قلبه وقرة عينه فحمدني واسترجع ابنوا له بيتا في الجنة
وسموه بيت الحمد». وعن جابر عن الباقر (عليهالسلام) (4) قال : «مات
طاهر ابن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فنهى رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) خديجة عن
البكاء فقالت بلى يا رسول الله ولكن درت علي دريرة فبكيت فقال أما ترضين ان تجديه
قائما على باب الجنة فإذا رآك أخذ بيدك فأدخلك الجنة أطهرها مكانا وأطيبها؟ فقالت
وان ذلك كذلك؟ قال الله أعز وأكرم من ان يسلب عبدا ثمرة قلبه فيصبر ويحتسب ويحمد
الله عزوجل ثم يعذبه». قولها
(رضياللهعنها) : «درت علي
دريرة» كناية عن سيلان الدموع. وبالإسناد عن جابر عن الباقر (عليهالسلام) (5) قال : «من قدم
من المسلمين ولدين يحتسبهما عند الله تعالى حجباه من النار باذن الله تعالى». وروى
الصدوق مرسلا (6) قال : «قال
الصادق (عليهالسلام) من قدم ولدا
كان خيرا له من سبعين يخلفهم بعده كلهم قد ركب الخيل وقاتل في سبيل الله تعالى». وروى
في ثواب الأعمال عن ميسر عن الصادق (عليهالسلام) (7) قال : «ولد
واحد يقدمه الرجل أفضل من سبعين ولدا يبقون بعده يدركون القائم (عليهالسلام)». وفي
المجالس بسنده عن انس بن مالك (8) قال : «توفي ولد لعثمان بن مظعون
فقال له رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ان للجنة
ثمانية أبواب وللنار سبعة أبواب أفلا يسرك ان لا تأتي بابا منها إلا وجدت ابنك الى
جنبك أخذ بحجزتك يشفع لك الى ربك؟
__________________
(1 و 2 و 4 و 5 و 6 و 7 و 8) رواه في الوسائل في الباب 72 من
أبواب الدفن.
(3) رواه في الوسائل في الباب 73 من أبواب الدفن.
فقال بلى. فقال المسلمون : ولنا يا
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) في فرطنا ما
لعثمان؟ قال نعم لمن صبر منكم واحتسب. الحديث».
أقول : ينبغي ان يعلم انه لا منافاة بين هذه الاخبار وما
دلت عليه من استحباب احتساب الولد والصبر على مصيبة فقده وبين ما تقدم من جواز
البكاء ، فان البكاء لا ينافي الصبر والتسليم لله عزوجل وانما هو رحمة
ورقة بشرية جبلية لا يملك الإنسان منعها كما تقدم ذكره في بعض الاخبار المتقدمة
والإشارة إليه في آخر ، واما منعه (صلىاللهعليهوآله) خديجة من
البكاء هنا فلعله لغرض اخبارها بالفائدة المذكورة في الخبر أو ان النهي عن إكثاره
، ويؤيد ما ذكرناه ما رواه في الكافي عن جابر عن الباقر (عليهالسلام) (1) في حديث قال :
«من صبر واسترجع وحمد الله عزوجل فقد رضي بما
صنع الله تعالى و (وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ) ، ومن لم يفعل
ذلك جرى عليه القضاء وهو ذميم وأحبط الله تعالى اجره». وبالجملة فإنه لما ثبت جواز
البكاء كما تقدم ووقع ذلك من النبي وفاطمة والأئمة من بعده (صلوات الله عليهم) فلا
بد من الجمع بينه وبين هذه الاخبار ولا وجه في الجمع إلا ما ذكرناه.
(المقام السادس) ـ قد تكاثرت الاخبار بما يلحق الميت بعد
موته من الثواب وتخفيف العقاب بما قدمه من بعض الأعمال وما يهدى اليه من الأهل
والاخوان ، قال في المنتهى : كل قربة تفعل ويجعل ثوابها للميت المؤمن فإنها تنفعه
، ولا خلاف في الدعاء والصدقة والاستغفار وأداء الواجب التي يدخلها النيابة ، قال
الله تعالى : «وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ
لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ ...» (2) وقال : «... وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِناتِ ...» (3) أقول : ومن الأخبار التي أشرنا إليها
ما
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 73 من أبواب الدفن.
(2) سورة الحشر. الآية 10.
(3) سورة محمد. الآية 16.
رواه في الكافي في الصحيح عن هشام بن
سالم عن الصادق (عليهالسلام) (1) قال : «ليس
يتبع الرجل بعد موته من الأجر إلا ثلاث خصال : صدقة أجراها في حياته فهي تجري بعد
موته ، وسنة هدى سنها فهي يعمل بها بعد موته ، وولد صالح يدعو له». وعن الحلبي في
الصحيح أو الحسن عن الصادق (عليهالسلام) (2) قال : «ليس
يتبع الرجل بعد موته من الأجر إلا ثلاث خصال : صدقة أجراها في حياته فهي تجري بعد
موته وصدقة مقبولة لا تورث ، أو سنة هدى يعمل بها بعد موته ، أو ولد صالح يدعو له».
قال المحدث الكاشاني في الوافي : «لعل المراد بالصدقة الجارية ما يعم نفعه عامة
الناس كبناء المساجد والرباطات واحداث الآبار والقنوات في الطرق ونحوها ، وبالصدقة
المقبولة التي لا تورث تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة على طائفة مخصوصة ، ولعل المراد
بقبولها ان لا يشترط فيها ما يخالف الشرع والمروة ، ولما اشتركتا في كونهما صدقة
جعلتا خصلة واحدة» انتهى. وعن معاوية بن عمار في الصحيح (3) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) ما يلحق
الرجل بعد موته؟ قال سنة يسنها يعمل بها بعد موته فيكون له مثل أجر من عمل بها من
غير ان ينقص من أجورهم شيء ، والصدقة الجارية تجري بعد موته ، والولد الطيب يدعو
لوالديه بعد موتهما ويحج ويتصدق ويعتق عنهما ويصلى ويصوم عنهما. فقلت أشركهما في
حجي؟ قال نعم». أقول : المراد بالحج المستحب كما صرح به غير هذا الخبر. وعن ابي
كهمس عن الصادق (عليهالسلام) (4) قال : «ستة
تلحق الميت بعد وفاته : ولد يستغفر له ومصحف يخلفه وغرس يغرسه وقليب يحفره وصدقة
يجريها وسنة يؤخذ بها من بعده». ورواه مرة أخرى مرسلا وفيه «وصدقة ماء يجريه». وروى
في الفقيه عن عمر بن يزيد (5) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) أيصلى عن
الميت؟ قال نعم حتى انه ليكون في ضيق فيوسع الله تعالى عليه ذلك الضيق
__________________
(1 و 2 و 3 و 4) رواه في الوسائل في الباب 87 من كتاب الوقوف.
(5) رواه في الوسائل في الباب 28 من أبواب الاحتضار.
__________________
(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 28 من أبواب الاحتضار.