ج1 - المقدمة الأولى

المقدمة الأولى

غير خفي ـ على ذوي العقول من أهل الايمان وطالبي الحق من ذوي الأذهان ـ ما بلي به هذا الدين من أولئك المردة المعاندين بعد موت سيد المرسلين ، وغصب الخلافة من وصيه أمير المؤمنين ، وتواثب أولئك الكفرة عليه ، وقصدهم بأنواع الأذى والضرر اليه ، وتزايد الأمر شدة بعد موته صلوات الله عليه ، وما بلغ اليه حال الأئمة صلوات الله عليهم من الجلوس في زاوية التقية ، والإغضاء على كل محنة وبلية. وحث الشيعة على استشعار شعار التقية ، والتدين بما عليه تلك الفرقة الغوية ، حتى كورت شمس الدين النيرة ، وخسفت كواكبه المقمرة ، فلم يعلم من أحكام الدين على اليقين إلا القليل ، لامتزاج اخباره باخبار التقية ، كما قد اعترف بذلك ثقة الإسلام وعلم الاعلام (محمد بن يعقوب الكليني نور الله تعالى مرقده) في جامعه الكافي ، حتى انه (قدس‌سره) تخطأ العمل بالترجيحات المروية عند تعارض الاخبار ، والتجأ إلى مجرد الرد والتسليم للأئمة الأبرار. فصاروا صلوات الله عليهم ـ محافظة على أنفسهم وشيعتهم ـ يخالفون بين الأحكام وان لم يحضرهم أحد من أولئك الأنام ، فتراهم يجيبون في المسألة الواحدة بأجوبة متعددة وان لم يكن بها قائل من المخالفين ، كما هو ظاهر لمن تتبع قصصهم واخبارهم وتحدى (1) سيرهم وآثارهم.

وحيث ان أصحابنا رضوان الله عليهم خصوا الحمل على التقية بوجود قائل من العامة. وهو خلاف ما أدى اليه الفهم الكليل والفكر العليل من اخبارهم صلوات الله عليهم ، رأينا أن نبسط الكلام بنقل جملة من الأخبار الدالة على ذلك ، لئلا يحملنا الناظر على مخالفة الأصحاب من غير دليل. وينسبنا الى الضلال والتضليل.

فمن ذلك ما رواه في الكافي (2) في الموثق عن زرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام قال : (سألته عن مسألة فأجابني ، ثم جاءه رجل فسأله عنها فأجابه بخلاف ما أجابني ، ثم جاء رجل آخر فأجابه بخلاف ما أجابني وأجاب صاحبي ، فلما خرج الرجلان قلت :

__________________

(1) (حدي الشي‌ء وتحداه) تحدية وتحديا : تعمده. أقرب الموارد.

(2) في باب اختلاف الحديث.


يا ابن رسول الله رجلان من أهل العراق من شيعتكم قدما يسألان ، فأجبت كل واحد منهما بغير ما أجبت به صاحبه؟ فقال : يا زرارة ان هذا خير لنا وأبقى لكم. ولو اجتمعتم على أمر واحد لصدقكم الناس علينا ولكان أقل لبقائنا وبقائكم. قال : ثم قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : شيعتكم لو حملتموهم على الأسنة أو على النار لمضوا وهم يخرجون من عندكم مختلفين ، قال : فأجابني بمثل جواب أبيه).

فانظر إلى صراحة هذا الخبر في اختلاف أجوبته عليه‌السلام في مسألة واحدة في مجلس واحد وتعجب زرارة ، ولو كان الاختلاف إنما وقع لموافقة العامة لكفى جواب واحد بما هم عليه ، ولما تعجب زرارة من ذلك ، لعلمه بفتواهم عليهم‌السلام أحيانا بما يوافق العامة تقية ، ولعل السر في ذلك أن الشيعة إذا خرجوا عنهم مختلفين كل ينقل عن امامه خلاف ما ينقله الآخر ، سخف مذهبهم في نظر العامة ، وكذبوهم في نقلهم ، ونسبوهم الى الجهل وعدم الدين ، وهانوا في نظرهم ، بخلاف ما إذا اتفقت كلمتهم وتعاضدت مقالتهم ، فإنهم يصدقونهم ويشتد بغضهم لهم ولإمامهم ومذهبهم ، ويصير ذلك سببا لثوران العداوة ، والى ذلك يشير قوله عليه‌السلام : (ولو اجتمعتم على أمر واحد لصدقكم الناس علينا. إلخ).

ومن ذلك ايضا ما رواه الشيخ في التهذيب (1) في الصحيح ـ على الظاهر ـ عن سالم أبي خديجة عن أبي عبد الله (ع) قال : (سأله إنسان وأنا حاضر فقال : ربما دخلت المسجد وبعض أصحابنا يصلي العصر ، وبعضهم يصلي الظهر؟ فقال : أنا أمرتهم بهذا ، لو صلوا على وقت واحد لعرفوا فأخذ برقابهم). وهو أيضا صريح في المطلوب ، إذ لا يخفى أنه لا تطرق للحمل هنا على موافقة العامة ، لاتفاقهم على التفريق بين وقتي الظهر والعصر ومواظبتهم على ذلك.

__________________

(1) في باب المواقيت.


وما رواه الشيخ في كتاب العدة (1) مرسلا عن الصادق عليه‌السلام : انه (سئل عن اختلاف أصحابنا في المواقيت؟ فقال : انا خالفت بينهم).

وما رواه في الاحتجاج (2) بسنده فيه عن حريز عن ابي عبد الله (ع) قال : (قلت له : انه ليس شي‌ء أشد علي من اختلاف أصحابنا. قال ذلك من قبلي).

وما رواه في كتاب معاني الاخبار (3) عن الخزاز عمن حدثه عن ابي الحسن (ع) قال : (اختلاف أصحابي لكم رحمة وقال (ع) : إذا كان ذلك جمعتكم على أمر واحد). وسئل عن اختلاف أصحابنا فقال عليه‌السلام : (انا فعلت ذلك بكم ولو اجتمعتم على أمر واحد لأخذ برقابكم).

وما رواه في الكافي (4) بسنده فيه عن موسى بن أشيم قال : (كنت عند ابي عبد الله عليه‌السلام فسأله رجل عن آية من كتاب الله عزوجل فأخبره بها ثم دخل عليه داخل فسأله عن تلك الآية فأخبره بخلاف ما أخبر به الأول ، فدخلني من ذلك ما شاء الله ، الى أن قال : فبينما أنا كذلك إذ دخل عليه آخر فسأله عن تلك الآية فأخبره بخلاف ما أخبرني وأخبر صاحبي ، فسكنت نفسي وعلمت ان ذلك منه تقية. قال : ثم التفت إلي فقال : يا ابن أشيم ان الله عزوجل فوض الى سليمان بن داود فقال (هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ). وفوض الى نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(1) في مبحث الخبر الواحد.

(2) هذا الحديث مذكور في العلل باب 131 (العلة التي من أجلها حرم الله الكبائر) ولم ينقله المجلسي في البحار إلا عن العلل.

(3) هذا الحديث مذكور في العلل في الباب المتقدم ولم ينقله المجلسي في البحار إلا عن العلل.

(4) في باب التفويض الى رسول الله (ص) والى الأئمة (ع) في أمر الدين.


فقال : (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا). فما فوض الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقد فوضه إلينا).

ولعلك بمعونة ذلك تعلم ان الترجيح بين الاخبار بالتقية ـ بعد العرض على الكتاب العزيز ـ أقوى المرجحات. فان جل الاختلاف الواقع في أخبارنا بل كله عند التأمل والتحقيق إنما نشأ من التقية (1) ومن هنا دخلت الشبهة على جمهور متأخري أصحابنا رضوان الله عليهم ، فظنوا ان هذا الاختلاف إنما نشأ من دس أخبار الكذب في أخبارنا ، فوضعوا هذا الاصطلاح ليميزوا به صحيحها عن سقيمها وغثها من سمينها ، وقوى الشبهة فيما ذهبوا إليه شيئان : (أحدهما) رواية مخالف المذهب وظاهر الفسق والمشهور بالكذب من فطحي وواقفي وزيدي وعامي وكذاب وغال ونحوهم. و (ثانيهما) ما ورد عنهم عليهم‌السلام من ان لكل رجل منا رجلا يكذب عليه وأمثاله مما يدل على دس بعض الأخبار الكاذبة في أحاديثهم عليهم‌السلام ، ولم يتفطنوا نور الله ضرائحهم الى ان هذه الأحاديث التي بأيدينا إنما وصلت إلينا بعد أن سهرت

__________________

(1) أقول : وقد وفق الله تعالى الى الوقوف على كلام للمحدث الأمين الأسترآبادي (قدس‌سره) يطابق ما سنح لنا في هذه المقالة ، حيث قال في تعليقاته على كتاب المدارك في بحث البئر في بيان السبب في اختلاف اخبار النزح ما لفظه : واما الروايات المختلفة المتضمنة للنزح ففي سبب اختلافها احتمالات ، وذلك لتضمن كثير من الروايات انه من أنواع التقية صدور أجوبة مختلفة عنهم عليهم‌السلام في مسألة واحدة لئلا يثبت عليهم قول واحد ، ولنص كثير منها ان خصوصيات كثير من الأحكام مفوضة إليهم عليهم‌السلام كما كانت مفوضة إليه (ص) ، ليعلم المسلم لأمرهم من غيره ، الى آخر كلامه خصه الله بمزيد إكرامه. وانى سابقا كان يكثر تعجبي من عدم اهتداء أحد سيما من المحدثين الى ما ذكرنا ، حتى وفق الله سبحانه للوقوف على هذا الكلام ، وما ذكره (قدس‌سره) من خروج بعض الاختلافات عنهم (ع) من باب التفويض يدل عليه من الاخبار المذكورة هنا خبر موسى بن أشيم (منه رحمه‌الله).


العيون في تصحيحها وذابت الأبدان في تنقيحها ، وقطعوا في تحصيلها من معادنها البلدان ، وهجروا في تنقيتها الأولاد والنسوان ، كما لا يخفى على من تتبع السير والأخبار ، وطالع الكتب المدونة في تلك الآثار ، فان المستفاد منها ـ على وجه لا يزاحمه الريب ولا يداخله القدح والعيب ـ انه كان دأب قدماء أصحابنا المعاصرين لهم (عليهم‌السلام) الى وقت المحمدين الثلاثة في مدة تزيد على ثلثمائة سنة ضبط الأحاديث وتدوينها في مجالس الأئمة ، والمسارعة إلى إثبات ما يسمعونه خوفا من تطرق السهو والنسيان ، وعرض ذلك عليهم ، وقد صنفوا تلك الأصول الأربعمائة المنقولة كلها من اجوبتهم (عليهم‌السلام) وانهم ما كانوا يستحلون رواية ما لم يجزموا بصحته ، وقد روي أنه عرض على الصادق (ع) كتاب عبيد الله بن علي الحلبي فاستحسنه وصححه ، وعلى العسكري (ع) كتاب يونس بن عبد الرحمن وكتاب الفضل بن شاذان فاثنى عليهما ، وكانوا (عليهم‌السلام) يوقفون شيعتهم على أحوال أولئك الكذابين ، ويأمرونهم بمجانبتهم ، وعرض ما يرد من جهتهم على الكتاب العزيز والسنة النبوية وترك ما خالفهما.

فروى الثقة الجليل أبو عمرو الكشي في كتاب الرجال (1) بإسناده عن محمد ابن عيسى بن عبيد عن يونس بن عبد الرحمن : ان بعض أصحابنا سأله وأنا حاضر فقال : يا أبا محمد ما أشدك في الحديث وأكثر إنكارك لما يرويه أصحابنا ، فما الذي يحملك على رد الحديث (2)؟ فقال : حدثني هشام بن الحكم انه سمع أبا عبد الله (ع) يقول : «لا تقبلوا علينا حديثا إلا ما وافق القرآن والسنة أو تجدون معه شاهدا من أحاديثنا المتقدمة ، فإن المغيرة بن سعيد (لعنه الله) دس في كتب (3) أبي أحاديث لم يحدث بها أبي ، فاتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا وسنة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله». قال يونس : وافيت العراق فوجدت بها قطعة من أصحاب أبي جعفر ووجدت أصحاب

__________________

(1) في أحوال المغيرة بن سعيد.

(2) كذا فيما وقفنا عليه من النسخ المطبوعة والمخطوطة ، وفي رجال الكشي (رد الأحاديث).

(3) كذا فيما وقفنا عليه من النسخ المطبوعة والمخطوطة ، وفي رجال الكشي (كتب أصحاب أبي).


أبي عبد الله (ع) متوافرين ، فسمعت منهم ، وأخذت كتبهم وعرضتها من بعد على ابي الحسن الرضا (ع) ، فأنكر منها أحاديث كثيرة ان تكون من أحاديث أبي عبد الله ، وقال : «ان أبا الخطاب كذب على ابي عبد الله (ع) لعن الله أبا الخطاب وكذلك أصحاب أبي الخطاب يدسون هذه الأحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب ابي عبد الله (ع) ، فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن ، فإنا إن تحدثنا حدثنا بموافقة القرآن وموافقة السنة ، انا عن الله وعن رسوله نحدث ولا نقول قال فلان وفلان فيتناقض كلامنا ، ان كلام آخرنا مثل كلام أولنا. وكلام أولنا مصداق لكلام آخرنا ، فإذا أتاكم من يحدثكم بخلاف ذلك فردوه عليه وقولوا أنت أعلم وما جئت به ، فان لكلامنا حقيقة وعليه نورا ، فما لا حقيقة له ولا عليه نور فذلك قول الشيطان».

أقول : فانظر ـ أيدك الله تعالى ـ الى ما دل عليه هذا الحديث من توقف يونس في الأحاديث واحتياطه فيها. وهذا شأن غيره ايضا كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى ، وأمرهم (عليهم‌السلام) بعرض ما يأتي من الأخبار من غير المؤتمن على الكتاب والسنة تحرزا من تلك الأحاديث المكذوبة ، فهل يجوز في العقول السليمة والطباع المستقيمة ان مثل هؤلاء الثقات العدول إذا سمعوا من أئمتهم مثل هذا الكلام ان يستحلوا بعد ذلك نقل ما لا يثقون بصحته ولا يعتمدون على حقيقته. بل من المقطوع والمعلوم عادة من أمثالهم انهم لا يذكرون ولا يروون في مصنفاتهم إلا ما اتضح لهم فيه الحال وانه في الصدق والاشتهار كالشمس في رابعة النهار كما سمعت من حال يونس ، وهذا كان دأبهم (عليهم‌السلام) في الهداية لشيعتهم. يوقفونهم على جميع ما وقع وما عسى أن يقع في الشريعة من تغيير وتبديل ، لأنهم (صلوات الله عليهم) حفاظ الشريعة وحملتها وضباطها وحرستها. ولهم نواب فيها من ثقات أصحابهم وخواص رواتهم ، يوحون إليهم أسرار الأحكام ، ويوقفونهم على غوامض كل حلال وحرام ، كما قد روي ذلك بأسانيد عديدة ، على ان المفهوم من جملة من تلك الأخبار ان تلك الأحاديث المكذوبة


كلها كانت من أحاديث الكفر والزندقة والاخبار بالغرائب.

فمن ذلك ما رواه في الكتاب المتقدم (1) عن يونس عن هشام بن الحكم : انه سمع أبا عبد الله (ع) يقول : «كان المغيرة بن سعيد يتعمد الكذب على ابي ويأخذ كتب أصحابه ، وكان أصحابه المستترون بأصحاب ابي يأخذون الكتب من أصحاب أبي فيدفعونها إلى المغيرة ، فكان يدس فيها كتب الكفر والزندقة ويسندها الى ابي (عليه‌السلام) ، ثم يدفعها إلى أصحابه ويأمرهم أن يبثوها في الشيعة. فكل ما كان في كتب أصحاب ابي (عليه‌السلام) من الغلو فذاك مما دسه المغيرة بن سعيد في كتبهم».

وبإسناده عن حماد عن حريز قال ـ يعني أبا عبد الله (ع) ـ : ان أهل الكوفة لم يزل فيهم كذاب ، اما المغيرة بن سعيد فإنه يكذب على ابي ـ يعني أبا جعفر (عليه‌السلام) ـ قال : حدثه ان نساء آل محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا حضن قضين الصلاة. وكذب والله ما كان من ذلك شي‌ء ولا حدثه. واما أبو الخطاب فكذب علي وقال : اني أمرته هو وأصحابه ان لا يصلي المغرب حتى يروا الكواكب.» الحديث.

على ان مقتضى الحكمة الربانية وشفقة الأئمة (صلوات الله عليهم) على من في أصلاب الرجال من شيعتهم تمنع من ان يتركوهم هملا يمشون على غير طريق واضح ولا منار لائح ، فلا يميزون لهم الغث من السمين. ولا يهدونهم إلى جادة الحق المبين. ولا يوقفونهم على ما يقع في الشريعة من تغيير وتبديل. وما يحدثه الكذابون المفترون من البدع والتضليل ، كلا ثم كلا ، بل اوضحوا الدين المبين نهاية الإيضاح. وصفوه من شوب كل كدر ، حتى أسفر كضوء الصباح. الا ترى الى ما ورد عنهم من حثهم شيعتهم على الكتابة لما يسمعونه منهم. وأمرهم بحفظ الكتب لمن يأتي بعدهم. كما

__________________

(1) في أحوال المغيرة بن سعيد وكذا الخبر الآتي.


ورد في جملة من الأخبار التي رواها ثقة الإسلام في جامعه الكافي وغيره في غيره. والى تحذيرهم الشيعة عن مداخلة كل من أظهر البدع وأمرهم بمجانبتهم ، وتعريفهم لهم بأعيانهم ، كما عرفت فيما تلونا من الاخبار.

ومن ذلك ايضا ما خرج عن الأئمة المتأخرين (صلوات الله عليهم أجمعين) في لعن جماعة ممن كانوا كذلك ، كفارس بن حاتم القزويني ، والحسن بن محمد بن بابا ، ومحمد بن نصير النميري ، وابي طاهر محمد بن علي بن بلال ، واحمد بن هلال ، والحسين بن منصور الحلاج. وابن ابي العزاقر ، وابي دلف ، وجمع كثير ممن يتسمى بالشيعة. ويظهر المقالات الشنيعة من الغلو والإباحات والتناسخ ونحوها ، وقد خرجت في لعنهم التوقيعات عنهم (عليهم‌السلام) في جميع الأماكن والبراءة منهم. وقد ذكر الشيخ (قدس‌سره) في كتاب الغيبة جمعا من هؤلاء ، وأورد الكشي اخبارا فيما أحدثوا. وما خرج فيهم من التوقيعات لذلك ، من أحب الوقوف عليها فليرجع اليه. وقد شدد أصحاب الأئمة (عليهم‌السلام) الأمر في ذلك ، حتى ربما تجاوزوا المقام. حتى انهم كانوا يجانبون الرجل بمجرد التهمة بذلك ، كما وقع لأحمد بن محمد ابن عيسى مع احمد بن محمد بن خالد البرقي من إخراجه من برقة قم لما طعن عليه القميون ، ثم اعاده إليها لما ظهر له براءته. ومشى في جنازته حافيا إظهارا لنزاهته مما رمي به ، وكما أخرج سهل بن زياد الأدمي. وأظهر البراءة منه ومنع الناس من السماع عنه ، وكما استثنى محمد بن الحسن بن الوليد جملة من الرواة ، منهم جماعة ممن روى عنهم محمد بن احمد بن يحيى الأشعري وغيرهم ، وقد عدوا جماعة من الرواة في الضعفاء. ونسبوهم الى الكذب والافتراء. ومنهم من خرجت التوقيعات فيه عنهم (عليهم‌السلام) ومنهم من اطلعوا على حاله الموجب لضعفه ، ومنهم محمد بن علي الصيرفي أبو سمينة. ومحمد بن سنان. ويونس بن ظبيان. ويزيد الصائغ وغيرهم ، وذلك ظاهر لمن تصفح كتب


الرجال واطلع على ما فيها من الأحوال. ومن الظاهر البين الظهور انه مع شهرة الأمر في هؤلاء المعدودين وأمثالهم ، فإنه لا يعتمد أحد ممن اطلع على أحوالهم على رواياتهم ، ولا يدونونها في أصولهم إلا مع اقترانها بما يوجب صحتها ويعلن بثبوتها (1) كما صرح

__________________

(1) ومن ذلك ما ذكره (قده) في كتاب الغيبة ، حيث نقل حديثا في الغيبة عن أحمد ابن زياد ، ثم قال : قال مصنف هذا الكتاب (رضى الله عنه) : لم أسمع هذا الحديث إلا من احمد بن زياد (رضى الله عنه) بعد انصرافه من حج بيت الله الحرام ، وكان رجلا ثقة دينا فاضلا (رحمة الله ورضوانه عليه) انتهى.

(ومنه) ايضا ما ذكره في الكتاب المذكور بعد نقل حديث عن علي بن عبد الله الوراق ، حيث قال : قال مصنف هذا الكتاب (رضى الله عنه) : لم أسمع هذا الحديث إلا من علي بن عبد الله الوراق ، ووجدته بخطه مثبتا فسألته عنه فرواه لي عن سعد بن عبد الله عن احمد بن إسحاق كما ذكرته. انتهى.

(ومنه) ما ذكره في معاني الاخبار في باب معنى ما جاء في لعن الذهب والفضة ، حيث قال : قال مصنف هذا الكتاب : هذا حديث لم أسمعه إلا من الحسن بن حمزة العلوي (رضى الله عنه) ولم اروه عن شيخنا محمد بن الحسن بن الوليد ، ولكنه صحيح عندي إلى آخر كلامه (ولا يخفى) على الفطن اللبيب والمنصف الأريب ان تخصيصه هذه الاخبار ونحوها مما ذكره يدل دلالة واضحة على ان ما لم يذكر فيه شيئا من ذلك كله مقطوع مجزوم على صحته كما لا يخفى.

ومنه ما ذكره (قدس‌سره) في كتاب من لا يحضره الفقيه في باب ما يجب على من أفطر أو جامع في شهر رمضان ، حيث روى عن المفضل بن عمر عن ابى عبد الله (ع) في رجل أتى امرأته وهي صائمة وهو صائم. فقال : ان كان أكرهها فعليه كفارتان ، وان كانت طاوعته فعليه كفارة. الحديث. ثم قال (قدس‌سره) قال مصنف هذا الكتاب : لم أجد ذلك في شي‌ء من الأصول وانما تفرد بروايته علي بن إبراهيم بن هاشم. وفيه كما ترى دلالة واضحة على ان جميع ما يرويه في هذا المقام وغيره انما هو من الأصول المقطوع على صحتها عنده ، كما صرح به في أول الفقيه ، وانه إذا نقل ما ليس كذلك نبه على ان الراوي له ثقة معتمد ، فكيف بعد أمثال هذا الكلام الذي لا يليق بأمثاله من أولئك الأعلام خلط الغث بالسمين حتى يحتاج الى ما ذكروه من هذا الاصطلاح العديم الاصطلاح (منه رحمه‌الله).


به شيخنا البهائي في كتاب مشرق الشمسين ، وقد نقل الصدوق (قدس‌سره) في كتاب عيون أخبار الرضا حديثا في سنده (محمد بن عبد الله المسمعي) ، ثم قال بعد تمام الحديث ما هذا لفظه : قال مصنف هذا الكتاب : كان شيخنا (محمد بن الحسن ابن الوليد) سي‌ء الرأي في (محمد بن عبد الله المسمعي) راوي هذا الحديث ، وانما أخرجت هذا الخبر في هذا الكتاب لانه كان في كتاب الرحمة وقد قرأته عليه فلم ينكره ورواه لي ، انتهى.

أقول : وكتاب الرحمة لسعد بن عبد الله. فانظر إلى شدة احتياطهم وتورعهم في عدم نقل ما لا يثقون به إلا مع انضمام القرائن الموجبة لصحته وثبوته.

وبالجملة : فالخوض في كتب الرجال ـ والنظر في مصنفات المتقدمين والاطلاع على سيرتهم وطريقتهم ـ يفيد الجزم بما قلنا ، واما من أخذ بظاهر المشهور من غير تدبر لما هو ثمة مذكور فهو فيما ذهب اليه معذور. وكل ميسر لما خلق له ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *