ج25 - سنن الولادة والحضانة
المقام الثاني
قالوا : والواجب استبداد النساء بالمرأة عند الولادة دون
الرجال إلا مع عدم النساء ، وأما الزوج فلا بأس به وإن وجد النساء ، وعلل وجوب
استبداد النساء بها بأن مثل ذلك يوجب سماع صوتها غالبا والاطلاع على ما يحرم
عليهم.
وفيه ما تقدم في غير موضع من عدم ثبوت تحريم سماع صوت الأجنبية بل قيام الدليل على جوازه ، نعم التعليل الثاني لا بأس به إن لزم ذلك ، والظاهر. جواز ذلك للرجال المحارم إلا أن يستلزم المباشرة لما لا يجوز لهم المباشرة ونظر ما لا يجوز نظره ، ومع الضرورة لتعذر النساء بالكلية يسقط البحث لأن الضرورات تبيح المحظورات كما يستفاد من جملة من الروايات ، وكما صرحوا به من إباحة ذلك للطبيب في وقت الحاجة ولو إلى العورة ، وهذا الوجوب في جميع المراتب كفائي يجب على كل من بلغه حالها من النساء إلى أن يحصل من يقوم به فيسقط عن الباقين ، وهكذا في الرجال حيث تلجئ الضرورة إليهم.
وأما السنن التي أشرنا إليها (فمنها) إخراج من في البيت
من النساء وقت الولادة ، وهو حكم غريب لم أقف في كلام الأصحاب ، وقد رواه في
الكافي والفقيه (1) عن جابر عن أبي
جعفر عليهالسلام قال : «كان
علي بن الحسين عليهالسلام إذا حضرت
ولادة المرأة قال : أخرجوا من في البيت من النساء لا يكون أول ناظر إلى عورة».
قال في الوافي (2) : يعني لا يكون أول من ينظر إليه
امرأة ويقع نظرها إلى عورته منه ، فإنهن ينظرن أولا إلى عورته ليعلم أنه ذكر أو
أنثى ، بل ينبغي أن يقع عليه أولا نظر رجل وأن ينظر منه إلى غير عورة.
(ومنها) الأذان في اذن المولود اليمنى والإقامة في
اليسرى ، روى في الكافي (3) عن أبي يحيى
الرازي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إذا
ولد لكم المولود أي شيء تصنعون به؟ قلت : لا أدري ما نصنع به ، قال : فخذ عدسة من
جاوشير فذيفه بماء ثم قطر في أنفه في المنخر الأيمن قطرتين وفي الأيسر قطرة واحدة
، وأذن في اذنه
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 17 ح 1 ، الفقيه ج 3 ص 365 ح 28 وفيه «لا
تكون المرأة أول ناظر الى عورته» ، التهذيب ج 7 ص 436 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 119 ب
18 ح 1.
(2) الوافي ج 3 ص 200 ب 211 من أبواب النكاح.
(3) الكافي ج 6 ص 23 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 436 ح 2 وفيهما «فدفه»
، الوسائل ج 15 ص 137 ب 35 ح 2.
اليمنى وأقم في اليسرى تفعل به ذلك
قبل قطع سرته ، فإنه لا يصرع أبدا ولا تصيبه أم الصبيان». قوله «فخذ عدسة» أي
مقدار عدسة.
وعن حفص الكناسي (1) عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «مروا
القابلة أو بعض من يليه أن تقيم الصلاة في اذنه اليمنى».
وعن السكوني (2) عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قال
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : من ولد له
مولود فليؤذن في اذنه اليمنى بأذان الصلاة وليقم في اليسرى فإنه عصمة من الشيطان
الرجيم».
وروى في الفقيه (3) مرسلا قال : «قال الصادق عليهالسلام : المولود إذا
ولد يؤذن في اذنه اليمنى ويقام في اليسرى». والظاهر حمل رواية حفص على الرخصة.
(ومنها) تحنيكه بماء الفرات وتربة الحسين عليهالسلام قالوا : فإن لم
يوجد ماء الفرات فبماء قراح ، ولو لم يوجد إلا ماء ملح جعل فيه شيء من التمر أو
العسل.
والذي وقفت عليه من الأخبار هنا ما رواه في الكافي (4) عن يونس عن
بعض أصحابه عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «يحنك
المولود بماء الفرات ويقام في اذنه».
قال : وفي رواية أخرى (5) «حنكوا أولادكم
بماء الفرات وتربة الحسين عليهالسلام وإن لم يكن
فبماء السماء».
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 23 ح 2 ، الوسائل ج 15 ص 137 ب 35 ح 3.
(2) الكافي ج 6 ص 24 ح 6 ، التهذيب ج 7 ص 437 ح 6 ، الوسائل ج
15 ص 136 ب 35 ح 1.
(3) الفقيه ج 1 ص 195 ح 49 ، الوسائل ج 4 ص 672 ح 2.
(4) الكافي ج 6 ص 24 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 436 ح 3 ، الوسائل ج
15 ص 138 ح 2.
(5) الكافي ج 6 ص 24 ح 4 ، التهذيب ج 7 ص 436 ح 4 ، الوسائل ج
15 ص 138 ح 3.
وعن أبي بصير (1) عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قال
أمير المؤمنين عليهالسلام : حنكوا
أولادكم بالتمر ، هكذا فعل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بالحسن
والحسين عليهماالسلام».
وروى في كتاب عيون أخبار الرضا (2) بسنده فيه عن
أم الرضا عليهالسلام «تقول في حديث
: لما وضعت ابني عليا دخل على أبوه موسى بن جعفر عليهالسلام فناولته إياه
في خرقة بيضاء فأذن في اذنه اليمنى وأقام في اليسرى ودعا بماء الفرات فحنكه به ثم
رده إلى فقال : خذيه فإنه بقية الله في أرضه».
وفي كتاب الفقه الرضوي (3) كما سيأتي نقل
كلامه التحنيك بالعسل وهو مستند الأصحاب فيما قدمنا نقله عنهم. لكن الظاهر أنهم
أخذوا ذلك من كلام الصدوقين اللذين من عادتهما الإفتاء بعبارات هذا الكتاب كما
عرفته.
وروى في الفقيه (4) عن الرضا عليهالسلام عن آبائه عن
علي بن الحسين عليهمالسلام عن أسماء بنت
عميس عن فاطمة عليهاالسلام «قالت : لما
حملت بالحسين عليهالسلام وولدته جاء
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : يا
أسماء هلمي ابني ، فدفعته إليه في خرقة صفراء فرمى بها النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وأذن في اذنه
اليمنى وأقام في اذنه اليسرى».
أقول : التحنيك إدخال ذلك إلى حنكه وهو أعلى داخل الفم ،
وأنت خبير بأن أكثر الأخبار اشتمل على استحباب الأذان في الاذن اليمنى والإقامة في
الاذن اليسرى وبعضها اشتمل على الإقامة في الاذن اليمنى خاصة ، والظاهر أنه محمول
على الرخصة ، وإن كان الأفضل الأول.
ثم إن المستفاد من هذه الأخبار هو استحباب التحنيك بماء
الفرات ، وهو
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 24 ح 5 ، التهذيب ج 7 ص 436 ح 5 وفيه «أبى
بصير قال :
قال
أمير المؤمنين» ، الوسائل ج 15 ص 137 ح 1.
(2) عيون أخبار الرضا ج 1 ص 16 ح 2 ط النجف الأشرف ، الوسائل ج
15 ص 138 ح 4.
(3) فقه الرضا ص 239.
(4) عيون أخبار الرضا ج 2 ص 24 ح 5 ط النجف الأشرف ، الوسائل ج
15 ص 138 ح 5.
النهر المشهور ، ومع عدمه فبماء المطر
، والأصحاب ذكروا أنه مع عدمه فبماء عذب ، ومع تعذره بأن كان مالحا يوضع فيه التمر
أو العسل ، ولم أقف فيه على نص ، والذي يقتضيه الجمع بين هذه الأخبار أنه يحنك
بماء الفرات وإلا فبماء المطر يوضع فيه شيء من التربة وشيء من حلاوة التمر أو
العسل فيحصل العمل بالجميع.
(ومنها) غسل المولود ، وقد تقدم الكلام فيه في كتاب
الطهارة (1).
(ومنها) أن يسميه بأحد الأسماء المستحسنة وأفضلها ما
يتضمن العبودية لله ويليها في الفضل أسماء الأنبياء والأئمة ، كذا ذكره جملة من
الأصحاب ، منهم المحقق والعلامة.
أقول : ما ذكره من الأفضل ما تضمن العبودية لله ويليها
في الفضل أسماء الأنبياء والأئمة عليهمالسلام لم نقف عليه
فيما وصل إلينا من نصوص المسألة.
ومنها ما رواه في الكافي (2) عن ثعلبة بن
ميمون عن رجل قد سماه عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «أصدق
الأسماء ما سمي بالعبودية وأفضلها أسماء الأنبياء».
وعن موسى بن بكر (3) عن أبي الحسن الأول عليهالسلام قال : «أول ما
يبر الرجل ولده أن يسميه باسم حسن ، فليحسن أحدكم اسم ولده».
وعن عبد الله بن الحسين (4) بن زيد بن علي
بن الحسين عن أبيه عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قال
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : استحسنوا
أسماءكم فإنكم تدعون بها يوم القيامة ، قم يا فلان بن فلان إلى نورك ، قم يا فلان
بن فلان لا نور لك».
__________________
(1) ج 4 ص 189.
(2) الكافي ج 6 ص 18 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 438 ح 11 مع زيادة ،
الوسائل ج 15 ص 124 ح 1.
(3) الكافي ج 6 ص 18 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 437 ح 9 ، الوسائل ج
15 ص 122 ب 22 ح 1.
(4) الكافي ج 6 ص 19 ح 10 ، الوسائل ج 15 ص 122 ب 22 ح 2.
وعن أحمد (1) عن بعض أصحابنا عمن ذكره عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «لا
يولد لنا ولد إلا سميناه محمدا ، فإذا مضى سبعة أيام فإن شئنا غيرنا وإن شئنا
تركنا».
وعن فلان بن حميد (2) «أنه سأل أبا
عبد الله عليهالسلام وشاوره في اسم
ولده ، فقال : سمه بأسماء من العبودية ، فقال : أي الأسماء هو؟ فقال : عبد الرحمن».
وعن عاصم الكوزي (3) عن أبي عبد الله عليهالسلام «أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : من ولد
له أربعة أولاد لم يسم أحدهم باسمي فقد جفاني».
وعن سليمان بن جعفر الجعفري (4) قال : «سمعت
أبا الحسن عليهالسلام يقول : لا
يدخل الفقر بيتا فيه اسم محمد أو أحمد أو علي أو الحسن أو الحسين أو جعفر أو طالب
أو عبد الله أو فاطمة من النساء».
ويستفاد من بعض الأخبار استحباب التسمية قبل الولادة
وإلا فبعد الولادة حتى السقط ، فروى في الكافي (5) عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام عن أبيه عن
جده عليهمالسلام قال : «قال
أمير المؤمنين عليهالسلام : سموا
أولادكم قبل أن يولدوا ، فإن لم تدروا أذكر أم أنثى فسموهم بالأسماء التي تكون
للذكر والأنثى ، فإن أسقاطكم إذا لقوكم في القيامة ولم تسموهم يقول السقط لأبيه
ألا سميتني وقد سمى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم محسنا قبل أن
يولد».
وروى الحميري في كتاب قرب الاسناد (6) عن السندي بن
محمد عن أبي البختري
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 18 ح 4 ، التهذيب ج 7 ص 437 ح 10 ، الوسائل ج
15 ص 125 ب 24 ح 1.
(2) الكافي ج 6 ص 18 ح 5 ، الوسائل ج 15 ص 125 ب 23 ح 2.
(3) الكافي ج 6 ص 19 ح 6 ، الوسائل ج 15 ص 126 ح 2.
(4) الكافي ج 6 ص 19 ح 8 ، التهذيب ج 7 ص 438 ح 12 ، الوسائل ج
15 ص 128 ب 26 ح 1.
(5) الكافي ج 6 ص 18 ح 2 ، الوسائل ج 15 ص 121 ح 1.
(6) قرب الاسناد ص 74 ، الوسائل ج 15 ص 122 ب 21 ح 2.
عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قال
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : سموا
أسقاطكم فإن الناس إذا دعوا يوم القيامة بأسمائهم تعلق الأسقاط بآبائهم فيقولون لم
لم تسمونا؟ فقالوا : يا رسول الله هذا من عرفنا أنه ذكر سميناه باسم الذكور ومن
عرفناه أنها أنثى سميناها باسم الإناث ، أرأيت من لم يستبن خلقه كيف نسميه؟ قال :
بالأسماء المشتركة مثل زائدة وطلحة وعنبسة وحمزة.
أقول : الظاهر أن المراد منه ما اقتران بتاء التأنيث من
أسماء الرجال فإنه صالح لكل منهما ، والمستفاد من أكثر الأخبار كما سيأتي إن شاء
الله تعالى في أخبار سنن اليوم السابع اختصاص استحباب التسمية باليوم السابع ،
وأكثر ما ذكرنا من الأخبار هنا مطلق لا منافاة فيه.
وإنما الإشكال في الخبرين الأخيرين ، والظاهر عندي في
الجمع بين هذه الأخبار هو حمل استحباب التسمية قبل الولادة على التسمية بمحمد وأنه
يستمر على هذه التسمية إلى اليوم السابع ، فإن شاء استمر وإن شاء غير كما دل عليه
الخبر المرسل المتقدم.
وأما السقط فإنه بعد ولادته سقطا يسميه بعد الولادة
للعلة المذكورة في الخبر ، ويكون هذا مستثنى من أخبار المسألة ، ثم في اليوم
السابع يستحب له التسمية بما شاء كما دلت عليه تلك الأخبار إن أراد التغيير عن اسم
محمد الذي قلنا أنه يستحب تسميته به قبل الولادة.
(ومنها) تكنيته ، إلا أن منها ما يستحب ومنها ما يكره ،
والكنية ـ بضم الكاف ـ من الأعلام ما صدر بأب أو أم ، ومن الأخبار الدالة على ذلك
ما رواه
في الكافي (1) عن معمر بن خثيم عن أبي جعفر عليهالسلام في حديث قال
فيه : قال : «إنا لنكني أولادنا في صغرهم مخالفة النبز أن يلحق بهم».
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 19 ح 11 ، التهذيب ج 7 ص 438 ح 14 ، الوسائل
ج 15 ص 129 ب 27 ح 1.
أقول : فيه إشارة إلى قوله تعالى «وَلا
تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ» (1) والمراد
بالنبز اللقب السوء.
وروى في الكافي (2) عن السكوني عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «من
السنة والبر أن يكنى الرجل باسم ابنه».
وعن السكوني (3) عن أبي عبد الله عليهالسلام «أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم نهى عن أربع
كنى عن أبي عيسى وعن أبي الحكم وعن أبي مالك وعن أبي القاسم إذا كان الاسم محمدا».
وعن زرارة (4) قال : «سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول : إن
رجلا كان يعشي علي ابن الحسين عليهالسلام كان يكنى أبا
مرة ، وكان إذا استأذن عليه يقول : أبو مرة بالباب ، فقال له علي بن الحسين عليهماالسلام : يا هذا إذا
جئت بابنا فلا تقولن أبو مرة.
(ومنها) أن لا يسمى ببعض الأسماء كما رواه في الكافي (5) عن حماد بن
عثمان عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قال :
إن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم دعا بصحيفة
حين حضره الموت يريد أن ينهى عن أسماء يسمى بها فقبض ولم يسمها ، منها : الحكم
وحكيم وخالد ومالك وذكر أنها ستة أو سبعة مما لا يجوز أن يسمى بها».
وعن محمد بن مسلم (6) عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «إن
أبغض الأسماء إلى الله حارث ومالك وخالد».
__________________
(1) سورة الحجرات ـ آية 11.
(2) الكافي ج 2 ص 162 ح 16 ، الوسائل ج 15 ص 129 ب 27 ح 2.
(3) الكافي ج 6 ص 21 ح 15 ، التهذيب ج 7 ص 439 ح 16 ، الوسائل
ج 15 ص 131 ب 29 ح 2.
(4) الكافي ج 6 ص 21 ح 17 ، الوسائل ج 15 ص 131 ب 29 ح 1.
(5) الكافي ج 6 ص 20 ح 14 ، التهذيب ج 7 ص 439 ح 15 وفيه «حماد
عن الحلبي» الوسائل ج 15 ص 130 ح 1.
(6) الكافي ج 6 ص 21 ح 16 ، التهذيب ج 7 ص 439 ح 17 ، الوسائل
ج 15 ص 130 ح 2.
وعن صفوان (1) رفعه عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهماالسلام قال : «هذا
محمد قد أذن لهم في التسمية به ، فمن أذن لهم في «ياسين» يعني التسمية به ، وهو
اسم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم».
وروى الصدوق في الخصال (2) عن جابر عن
أبي جعفر عليهالسلام قال : «قال
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ألا إن خير
الأسماء عبد الله وعبد الرحمن وحارثة وهمام ، وشر الأسماء ضرار ومرة وحرب وظالم». قال
في المسالك (3) ـ بعد أن ذكر
المصنف أن من جملة الأسماء المنهي عن التسمية به ضرارا ـ ما صورته : وليس في
الأخبار تصريح بالنهي عن ضرار بخصوصه ، ولكنه من الأسماء المنكرة ، وهو غفلة منه
عن الاطلاع على هذا الخبر حيث إنه ليس في الكتب الأربعة.
وروى الكشي في كتاب الرجال (4) عن علي بن
عنبسة قال : «قال أبو عبد الله لعبد الله بن أعين : كيف سميت ابنك ضريسا؟ قال :
كيف سماك أبوك جعفرا؟ قال :
إن جعفرا نهر في الجنة ، وضريس اسم شيطان».
(ومنها) سنن اليوم السابع من ولادته ، وهي ما رواه في
الكافي (5) عن أبي بصير
عن أبي عبد الله عليهالسلام «في المولود
قال : يسمى في اليوم السابع ويعق عنه ويحلق رأسه ويتصدق بوزن شعره فضة ، ويبعث إلى
القابلة بالرجل مع الورك ويطعم منه ويتصدق».
وعن أبي بصير (6) عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إذا
ولد لك غلام أو جارية فعق
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 20 ح 13 ، الوسائل ج 15 ص 130 ح 3.
(2) الخصال ص 250 ح 118 ، الوسائل ج 15 ص 131 ح 5.
(3) مسالك الافهام ج 1 ص 578.
(4) الكشي ص 117 ، الوسائل ج 15 ص 131 ح 6.
(5) الكافي ج 6 ص 29 ح 10 ، الوسائل ج 15 ص 149 ح 1.
(6) الكافي ج 6 ص 28 ح 7 ، الوسائل ج 15 ص 151 ح 7.
عنه يوم السابع شاة أو جزورا وكل
منهما وأطعم وسم واحلق رأسه يوم السابع وتصدق بوزن شعره ذهبا أو فضة وأعط القابلة
طائقا من ذلك ، فأي ذلك فعلت فقد أجزأك».
أقول : الظاهر أن المراد بقوله «أي ذلك» بالنسبة إلى ما
خير فيه من الشاة أو الجزور والفضة أو الذهب.
وعن أبي الصباح الكناني (1) قال : «سألت
أبا عبد الله عليهالسلام عن الصبي
المولود متى يذبح عنه ويحلق رأسه ويتصدق بوزن شعره ويسمى؟ قال : كل ذلك في يوم
السابع».
وعن عمار بن موسى (2) في الموثق عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته
عن العقيقة عن المولود وكيف هي؟ قال : إذا أتى للمولود سبعة أيام سمي بالاسم الذي
سماه الله ، ثم يحلق رأسه ويتصدق بوزن شعره ذهبا أو فضة ، ويذبح عنه كبش ، وإن لم
يوجد كبش أجزأه ما يجزي في الأضحية ، وإلا فحمل أعظم ما يكون من حملان السنة ،
ويعطي القابلة ربعها ، وإن لم تكن قابلة فلأمه ، تعطيها من شاءت وتطعم منه عشرة من
المسلمين ، فإن زادوا فهو أفضل وتأكل منه ، والعقيقة لازمة إن كان غنيا أو فقيرا إذا
أيسر فعل ، وإن لم يعق عنه حتى ضحي عنه فقد أجزأته الأضحية ، وقال : إن كانت
القابلة يهودية لا تأكل من ذبيحة المسلمين أعطيت قيمة ربع الكبش». ، وفي الفقيه «فإن
زاد فهو أفضل» وليس فيه «وتأكل منه» وفي نسخ التهذيب «ولا تأكل منه».
وقال في كتاب الفقيه الرضوي (3) «فإذا ولد فأذن
في اذنه الأيمن وأقم
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 28 ح 8 ، الوسائل ج 15 ص 150 ح 3.
(2) الكافي ج 6 ص 28 ح 9 ، التهذيب ج 7 ص 443 ح 35 ، الوسائل ج
15 ص 150 ح 4.
(3) فقه الرضا ص 239 مع اختلاف يسير.
في اذنه الأيسر وحنكه بماء الفرات إن
قدرت عليه أو بالعسل ساعة يولد ، وسمه بأحسن الاسم ، وكنه بأحسن الكنى ، ولا يكنى
بأبي عيسى ولا بأبي الحكم ولا بأبي الحارث ولا بأبي القاسم إذا كان الاسم محمدا ،
وسمه اليوم السابع ، واختنه ، واثقب اذنه واحلق رأسه ، وزن شعره بعد ما تحلقه بفضة
أو بالذهب وتصدق بها وعق عنه كل ذلك يوم السابع». ثم ذكر أحكام العقيقة كما سننقله
كملا في موضعه إن شاء الله تعالى.
وظاهر بعض الأخبار أنه لو لم يحلق في اليوم السابع سقط
الاستحباب ، رواه الكليني (1) في الصحيح عن
علي بن جعفر عن أخيه موسى عليهالسلام قال : «سألته
عن مولود يحلق رأسه بعد يوم السابع ، فقال : إذا مضى سبعة أيام فليس عليه حلق».
(ومنها) حلق الرأس كملا فلا يترك له قنازع فإنه مكروه
كما تكاثرت به الأخبار ، فروى في الكافي (2) عن السكوني عن أبي عبد الله عليهالسلام : قال : «قال
أمير المؤمنين عليهالسلام : لا تحلقوا
الصبيان القزع ، والقزع أن يحلق موضعا ويدع موضعا».
قال في الوافي (3) : وفي بعض النسخ «لا تخلفوا الصبيان»
ـ بالخاء المعجمة والفاء ـ والنسخة الأولى تكون على حذف مضاف ، أي لا تحلقوا
الصبيان حلق القزع ، والقزع ـ بالتحريك ـ قطع من السحاب واحدها قزعة سمي حلق بعض
رأس الصبي وترك بعضه في مواضع متعددة القزع تشبيها بقطع السحاب المتفرقة ، ويقال :
القنازع أيضا كما في بعض الأخبار الآتية إن شاء الله ، وواحدتها قنزعة بضم القاف
والزاي وفتحهما وكسرهما.
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 38 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 446 ح 50 مع اختلاف
يسير ، الوسائل ج 15 ص 169 ب 60 ح 1.
(2) الكافي ج 6 ص 40 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 447 ح 54 ، الوسائل ج
15 ص 173 ب 66 ح 1 مع اختلاف يسير.
(3) الوافي ج 3 ص 206 ب 218.
وروى في الكافي (1) عن السكوني عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «اتي
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بصبي يدعو له
وله قنازع فأبى أن يدعو له ، وأمر أن يحلق رأسه».
وربما نافى ما ورد في الكراهة في هذين الخبرين ما روي من
ثبوت القنازع للحسن والحسين عليهماالسلام كما رواه في
الكافي (2) عن الحسين بن
خالد قال : «سألت أبا الحسن الرضا عليهالسلام عن التهنئة
بالولد متى؟ قال : إنه لما ولد الحسن بن علي عليهالسلام هبط جبرئيل
بالتهنئة على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في اليوم
السابع وأمره أن يسميه ويكنيه ويحلق رأسه ويعق عنه ويثقب اذنه ، وكذلك كان حين ولد
الحسين عليهالسلام أتاه في اليوم
السابع فأمره بمثل ذلك ، قال : وكان لهما ذؤابتان في القرن الأيسر وكان الثقب في
الاذن اليمنى في شحمة الاذن ، وفي اليسرى في أعلى الأذن ، فالقرط في اليمنى والشنف
في اليسرى» ـ. قال في الكافي (3) : ـ «وقد روي
أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ترك لهما
ذؤابتين في وسط الرأس وهو أصح من القرن».
وقد ذكر بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين للجمع
بين هذا الخبر وما قبله وجوها لا تخلو من التكلف والبعد ، والأقرب أن يقال في ذلك
إن الأخبار الدالة على الكراهة مخصوصة بما إذا كان ما يترك بغير حلق في مواضع
متفرقة ، لا في موضع واحد ، ويؤيده أن ظاهر كلام أهل اللغة تخصيص اسم القنازع بما
إذا كان كذلك ، وما ذكر في خبر الحسن والحسين عليهماالسلام إنما هو في
موضع واحد.
قال في النهاية الأثيرية (4) في الحديث أنه
نهى عن القنازع وهو أن
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 40 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 447 ح 55 ، الوسائل ج
15 ص 174 ح 2.
(2) الكافي ج 6 ص 33 ح 6 ، الوسائل ج 15 ص 159 ح 2.
(3) الكافي ج 6 ص 34 ذيل ح 6 ، الوسائل ج 15 ص 174 ح 5.
(4) النهاية لابن الأثير ج 4 ص 112.
يؤخذ بعض الشعر ويترك منه مواضع
متفرقة لا يؤخذ كالقزع.
وقال في القاموس (1) : وأما نهي النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عن القنازع
فهو أن يؤخذ الشعر ويترك منه مواضع.
إلا أنه ربما أشكل ذلك بما رواه في الكافي (2) عن القداح عن
أبي عبد الله عليهالسلام «أنه كان يكره
القزع في رؤوس الصبيان ، وذكر أنه القزع أن يحلق الرأس إلا قليلا ويترك وسط الرأس
يسمى القزعة».
وفي بعض النسخ حذف قوله «ويترك» وبذلك يظهر بقاء المسألة
في زاوية الإشكال إلا أن يقال باختصاص ذلك بهما عليهماالسلام.
(ومنها) ثقب الاذن ، واستحبابه متفق عليه بين الأصحاب
ويدل عليه جملة من الأخبار منها ما تقدم في حديث الحسن والحسين عليهماالسلام (3) وما تقدم من
كلامه عليهالسلام في كتاب الفقه
(4) وما رواه في
الكافي (5) عن مسعدة بن
صدقة عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إن ثقب
اذن الغلام من السنة ، وختانه لسبعة أيام من السنة».
وعن عبد الله بن سنان (6) في الصحيح عن
أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إن ثقب
اذن الغلام من السنة وختان الغلام من السنة».
وما رواه الصدوق (7) عن السكوني قال : «قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا فاطمة
اثقبي أذني الحسن والحسين عليهماالسلام خلافا لليهود».
ونقل عن بعض العامة تحريمه لما
__________________
(1) القاموس المحيط ج 3 ص 75.
(2) الكافي ج 6 ص 40 ح 2 ، الوسائل ج 15 ص 174 ح 3.
(3) الكافي ج 6 ص 33 ح 6 ، الوسائل ج 15 ص 159 ح 2.
(4) فقه الرضا ص 239.
(5) الكافي ج 6 ص 35 ذيل ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 159 ح 1.
(6) الكافي ج 6 ص 36 ح 5 ، الوسائل ج 15 ص 160 ح 3 وليس فيهما «ان».
(7) الفقيه ج 3 ص 316 ح 22 ، الوسائل ج 15 ص 160 ح 4.
فيه من تأليم الولد وإنه أذى لم يؤذن
فيه.
وفيه أن الاذن قد ظهر من هذه الأخبار ، واستمرت عليه
سيرة الناس في سائر الأعصار والأمصار ، قال في المسالك (1) ـ بعد
الاستدلال برواية الحسين ابن خالد ونقل كلام هذا البعض من العامة ـ ما لفظه : فإن
صح حديثنا أو جبرته الشهرة فهو الاذن ، وإلا فما قال موجه.
وفيه أن صحيحة عبد الله بن سنان قد صرحت به ، ولكنه لم
يقف عليها ، وإلا لذكرها ولم يتعرض لهذا الكلام.
بقي الكلام في أن ظاهر إطلاق كلام الأصحاب حصول السنة
بثقب اذن واحدة ، وهو ظاهر إطلاق رواية مسعدة بن صدقة وصحيحة عبد الله بن سنان
وصريح روايتي الحسين بن خالد والسكوني الواردتين في الحسنين عليهماالسلام حصول ذلك في
الأذنين ، والظاهر حمل إطلاق ما عداهما عليهما فيكون السنة في ثقب الأذنين ، ولم
أقف على من تعرض لذلك من الأصحاب.
(ومنها) الختان ، وعده الأصحاب من مستحبات اليوم السابع
أيضا ، وقد تقدم ما يدل عليه.
ويدل عليه أيضا ما رواه في الكافي (2) عن السكوني عن
أبي عبد الله عليهالسلام قال : «اختنوا
أولادكم لسبعة أيام فإنه أطهر وأسرع لنبات اللحم وإن الأرض لتكره بول الأغلف». ونحوه
ما تقدم في حديث مسعدة بن صدقة.
وعن السكوني (3) عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قال
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : طهروا
__________________
(1) مسالك الافهام ج 1 ص 578.
(2) الكافي ج 6 ص 34 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 444 ح 41 ، الوسائل ج
15 ص 161 ج 5 وما في المصادر «عن مسعدة بن صدقة» وهناك رواية عن السكوني قريبة
منها بالمعنى نقلها : الكافي ج 6 ص 35 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 445 ح 42 ، الوسائل ج
15 ص 161 ح 4.
(3) الكافي ج 6 ص 35 ح 2 ، الوسائل ج 15 ص 361 ح 4.
أولادكم يوم السابع فإنه أطيب وأطهر
وأسرع لنبات اللحم ، وإن الأرض تنجس من بول الأغلف أربعين صباحا».
وعن عبد الله بن جعفر (1) في الصحيح «أنه
كتب إلى أبي محمد علي بن الحسن عليهالسلام أنه روى عن
الصادقين أن اختنوا أولادكم يوم السابع يطهروا ، وأن الأرض تضج إلى الله من بول
الأغلف ، وليس جعلت فداك لحجامي بلدنا حذق بذلك ، ولا يختنونه يوم السابع وعندنا
حجام اليهود ، فهل يجوز لليهود أن يختنوا أولاد المسلمين أم لا؟ فوقع عليهالسلام : السنة يوم
السابع فلا تخالفوا السنن إن شاء الله».
وعن علي بن يقطين (2) في الصحيح قال : «سألت أبا الحسن عليهالسلام عن ختان الصبي
لسبعة أيام من السنة هو أو يؤخر ، وأيهما أفضل؟ قال : لسبعة أيام من السنة وإن أخر
فلا بأس».
وعن المغيرة (3) عمن ذكره عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «المولود
يعق عنه ويختن لسبعة أيام».
إذا تقرر ذلك فاعلم أن تمام تحقيق الكلام في هذا المقام
يقع في مواضع :
الأول : لا خلاف بين علماء الإسلام ، كما ادعاه جملة من
الأعلام في أنه يجب الاختتان بعد البلوغ ، وإنما الخلاف فيما قبله ، فذهب الأكثر
إلى أنه كغيره من التكاليف التي لا تجب إلا بالبلوغ ، والأصل براءة ذمة الولي من
هذا التكليف ، ونقل عن العلامة في التحرير أنه قال : ولا يجوز تأخيره إلى البلوغ.
قال السيد السند في شرح النافع : وربما كان مستنده
الروايات المتضمنة لأمر الولي بذلك ، وهو ضعيف للتصريح في صحيحة علي بن يقطين بأنه
لا بأس
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 35 ح 3 ، الوسائل ج 15 ص 160 ح 1.
(2) الكافي ج 6 ص 36 ح 7 ، التهذيب ج 7 ص 445 ح 44 ، الوسائل ج
15 ص 165 ح 1.
(3) الكافي ج 6 ص 36 ح 9 ، الوسائل ج 15 ص 165 ح 2.
بالتأخير ، انتهى.
وفيه أن الظاهر من الصحيحة المذكورة إنما هو أنه لا بأس
بالتأخير عن السابع ، بمعنى أنه لا يتحتم له فعله وجوبا أو استحبابا في اليوم
السابع بل يجوز التأخير عنه ، والقائل بالوجوب إنما أراد به الوجوب الموسع إلى ما
قبل البلوغ فيتضيق حينئذ ، وعلى هذا فلا تكون الرواية منافية لتلك الأخبار التي
استند إليها ذلك القائل بالوجوب ، وليس المراد أنه لا بأس بالتأخير إلى البلوغ
ليتم ما ذكره. نعم يمكن الاستدلال على الاستحباب بالأخبار الدالة على أنه من السنن.
مثل ما رواه في الكافي (1) عن عبد الله
بن سنان في الصحيح عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «ختان
الغلام من السنة وخفض الجواري ليس من السنة».
وما تقدم في رواية مسعدة بن صدقة (2) من قوله عليهالسلام «ثقب اذن
الغلام من السنة ، وختانه لسبعة أيام من السنة».
فجعله في قرن ثقب الاذن ظاهر في كونه مثله في الاستحباب
، إلا أن باب المناقشة غير مسدود ، وظاهر المحقق في الشرائع (3) الميل إلى هذا
القول أيضا حيث قال : وأما الختان فمستحب يوم السابع ، ولو أخر جاز ، ولو بلغ ولم
يختن وجب أن يختن نفسه ، والختان واجب وخفض الجواري مستحب.
قال في المسالك (4) ـ بعد أن ذكر أنه هل أول وقت وجوبه
قبل التكليف بحيث إذا بلغ الصبي يكون قد اختتن قبله ولو بقليل ، أم لا يجب إلا بعد
البلوغ كغيره من التكليفات المتعلقة بالمكلف ـ ما صورته : يظهر من عبارة المصنف
الأول ، لإطلاق حكمه عليه بالوجوب ولا ينافيه حكمه باستحبابه يوم السابع ، لأن
الوجوب على هذا القول موسع من حين الولادة إلى أن يقرب التكليف ، وعلى
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 37 ح 2 ، الوسائل ج 15 ص 167 ح 2.
(2) الكافي ج 6 ص 35 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 159 ح 1.
(3) شرائع الإسلام ص 175.
(4) مسالك الافهام ج 1 ص 578.
هذا فيكون فعله يوم السابع أفضل أفراد
الواجب ، ولأجل ذلك أطلق عليه الاستحباب كما يقال : يستحب صلاة الفريضة في أول
وقتها ، وعلى هذا فيكون الوجوب متعلقا بالولي فإن لم يفعل إلى أن بلغ الصبي أثم ،
وتعلق الوجوب حينئذ بالصبي ، وبهذا القول صرح في التحرير ، انتهى.
أقول : ما ذكره جيد ، إلا أنه لا يتحتم حمل العبارة
المذكورة عليه بحيث لا يمكن احتمال غيره ، إذ من الجائز أن يكون قوله «والختان
واجب» وهو الذي أشار إليه بقوله «لإطلاق حكمه عليه بالوجوب» إنما هو بالنسبة إلى
ما بعد البلوغ ، فإنه لما ذكر أولا أن الختان مستحب يوم السابع ولو أخر جاز ، وعلم
منه استحباب الختان بعد الولادة وأن الفضل في اليوم السابع ذكر حكم الختان بعد
البلوغ بقوله «ولو بلغ ولم يختن وجب عليه أن يختن نفسه» وقوله «والختان واجب» يعني
بعد البلوغ.
وبالجملة فإن هذه الجملة متعلقة بما قبلها مما يدل على
وجوبه بعد البلوغ ولا ارتباط لها بصدر العبارة الدالة على استحبابه بعد الولادة.
وكيف كان فالظاهر هو القول المشهور ، فإن التمسك بالأصل أقوى متمسك حتى يقوم دليل
واضح على الخروج عنه ، والأمر في الروايات المتقدمة غير ظاهر في الوجوب سيما بالنظر
إلى تلك التعليلات التي اشتملت عليها تلك الأخبار ، فإنها بالحمل على الاستحباب
أنسب كما وقع نحوه في غير هذه المسألة.
قال في المسالك (1) ـ في تعليل قول المشهور ـ : ووجه
الثاني أن الختان شرط في صحة الصلاة ونحوها من العبادات ، فلا يجب إلا مع وجوب
المشروط ، ولو سلم أنه واجب لنفسه فمتعلقه المكلف والأصل براءة ذمة الولي من فعله
، والأمر قبل البلوغ محمول على الاستحباب ، انتهى.
أقول : أما ما ذكره من أن الختان شرط في صحة الصلاة فلا
يحضرني دليل يدل عليه ولا نص يوجب المصير إليه ، واستدل بعضهم على ذلك بنجاسة
الجلدة
__________________
(1) مسالك الافهام ج 1 ص 578.
الساترة فإنها لوجوب قطعها في حكم
الميتة ، وضعفه أظهر من أن يخفى. نعم ما ذكره بعد ذلك جيد كما أشرنا إليه.
الثاني : لا خلاف بين
الأصحاب في استحباب ذلك في النساء ، وليس بواجب إجماعا ، ويعبر عنه بالخفض بالنسبة
إلى النساء والختان بالنسبة إلى الرجال.
فروى في الكافي (1) عن عبد الله بن سنان في الصحيح قال :
«ختان الغلام من السنة وخفض الجواري ليس من السنة».
وعن السكوني (2) عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «خفض
النساء مكرمة ، ليست من السنة ولا شيئا واجبا ، وأي شيء أفضل من المكرمة».
قال بعض مشايخنا : مكرمة أي موجبة لحسنها وكرامتها عند
زوجها ، والمعنى ليست من السنن بل من التطوعات. أقول : ويؤيده ما يأتي إن شاء الله
تعالى في حديث أم حبيب.
وعن عبد الله بن سنان (3) عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «الختان
سنة في الرجال ومكرمة في النساء».
وعن أبي بصير (4) قال : «سألت أبا جعفر عليهالسلام عن الجارية
تسبى من أرض الشرك فتسلم فتطلب لها من يخفضها ، فلا تقدر على امرأة؟ فقال : إنما
السنة في الختان على الرجال ، وليس على النساء».
وروى الفقيه (5) عن غياث بن إبراهيم عن جعفر بن محمد
عن أبيه عليهماالسلام قال : «
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 37 ح 2 ، الوسائل ج 15 ص 167 ح 2 وفيه «وخفض
الجارية».
(2) الكافي ج 6 ص 37 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 445 ح 46 وفيه «خفض
الجواري» ، الوسائل ج 15 ص 167 ح 3 وما في المصادر «عن مسعدة بن صدقة».
(3) الكافي ج 6 ص 37 ح 4 ، التهذيب ج 7 ص 445 ح 47 ، الوسائل ج
15 ص 168 ح 1.
(4) الكافي ج 6 ص 37 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 446 ح 48 وفيه «وليست»
، الوسائل ج 15 ص 166 ب 56 ح 1.
(5) الفقيه ج 3 ص 314 ح 16 ، الوسائل ج 15 ص 163 ح 8.
قال علي عليهالسلام : لا بأس أن
لا تختن المرأة ، فأما الرجل فلا بد منه».
وروى الشيخ في التهذيب (1) عن وهب عن
جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليهمالسلام قال : «لا
تخفض الجارية حتى تبلغ سبع سنين». وفي هذا الخبر دلالة على أن وقت الخفض في النساء
بلوغ السبع وفي الذكور اليوم السابع.
وروى محمد بن مسلم (2) في الصحيح عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «لما
هاجرت النساء إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم هاجرت فيهن
امرأة يقال لها أم حبيب ، وكانت خافضة تخفض الجواري ، فلما رآها رسول الله صلىاللهعليهوآله قال لها : يا
أم حبيب العمل الذي كان في يدك هو في يدك اليوم؟ قالت : نعم يا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلا أن يكون
حراما فتنهاني عنه ، فقال : لا ، بل حلال فادني مني حتى أعلمك ، قالت : فدنوت منه
فقال : يا أم حبيب إذا أنت فعلت فلا تهتكي ـ أي لا تستأصلي ـ فإنه أشرق للوجه
وأحظى عند الزوج» الحديث.
وبالجملة فالحكم للذكر والأنثى معلوم كما عرفت ، وإنما
يبقى الكلام في الخنثى ، قال في المسالك (3) : وأما الخنثى فإن الحق بأحدهما لحقه
حكمه ، وإن أشكل أمره ففي وجوبه في حقه وتوقف صحة صلاته عليه وجهان : من الشك في
ذكوريته التي هي مناط الوجوب ، معتضدا بأصالة البراءة ، ولاشتماله على تأليم من لا
يعلم وجوبه عليه ، ومن انحصار أمره فيهما ، فلا يحصل اليقين بصحة العبادة بدونه ،
ولأنه مأخوذ بمراعاة الجانبين حيث يمكن ، ولدخوله في عموم قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم «الختان من
الفطرة الحنفية». وقولهم عليهمالسلام (4) «اختنوا
أولادكم
__________________
(1) التهذيب ج 6 ص 360 ح 154 ، الوسائل ج 12 ص 93 ح 3.
(2) الكافي ج 6 ص 38 ح 6 ، التهذيب ج 7 ص 446 ح 49 ، الوسائل ج
6 ص 360 ح 156 وج 12 ص 92 ح 1 وفيه اختلاف يسير.
(3) مسالك الافهام ج 1 ص 579.
(4) الكافي ج 6 ص 35 ح 3 ، الفقيه ج 3 ص 314 ح 17 ، الوسائل ج 15
ص 160 ح 1.
يوم السابع يطهروا». لأن لفظ الأولاد
يشمل الجميع خرج منه الإناث بدليل من خارج فيبقى الباقي ، ولا ريب أن هذا أولى ،
انتهى.
أقول : أما التعليل بتوقف صحة الصلاة عليه فعليل ، لما
عرفت من عدم قيام دليل عليه ، وإن اشتهر ذلك بينهم.
وأما التمسك بإطلاق هذه الأخبار ففيه أن إطلاق الأخبار
إنما ينصرف إلى الافراد المتكررة المتعارفة ، فإنها هي التي ينصرف إليها الإطلاق
دون الفروض النادرة التي ربما لا توجد إلا فرضا ، ومع تسليم شموله لها فإنه يجب
تخصيصه بما دل من الأخبار على اختصاص ذلك بالذكر من الأولاد دون الإناث ، والخنثى
ليست بذكر ، وبالجملة فالظاهر إنما هو الوجه الأول من كلامه.
الثالث : قد عرفت أنه
قد ادعى الإجماع من علمائنا الأعلام على وجوب الختان على البالغ ، ولا أعرف لهم
دليلا واضحا ولا معتمدا صريحا غير هذا الإجماع المدعى ، مع أن أكثر النصوص مصرح
بالاستحباب ، وها أنا أتلو عليك ما وقفت عليه من الأخبار في هذا الباب.
فمنها ما رواه في الكافي (1) في الصحيح أو
الحسن عن هشام بن سالم عن عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «من
الحنيفية الختان».
وما رواه في الكافي والتهذيب (2) عن أبي بصير
عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «من سنن
المرسلين الاستنجاء والختان».
وقد تقدم قريبا في رواية عبد الله بن سنان (3) «أن الختان سنة
في الرجال ومكرمة في النساء».
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 36 ح 8 ، الوسائل ج 15 ص 161 ح 3.
(2) الكافي ج 6 ص 36 ح 6 ، التهذيب ج 7 ص 445 ح 43 ، الوسائل ج
15 ص 161 ح 2.
(3) الكافي ج 6 ص 37 ح 4 ، الوسائل ج 15 ص 168 ح 1.
وفي رواية أبي بصير (1) «إنما السنة في
الختان على الرجال وليس على النساء».
وفي تفسير العياشي (2) عن زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «ما
أبقت السنة شيئا حتى أن منها قص الشارب والأظفار والأخذ من الشارب والختان».
وعن طلحة بن زيد (3) عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عن
علي عليهمالسلام قال : «قال
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إن الله عزوجل بعث خليله
بالحنيفية وأمره بأخذ الشارب وقص الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة والختان».
ولا يخفى أن عد الختان في قرن هذه الأشياء المتفق على
استحبابها قرينة ظاهرة في الاستحباب.
وروى في الكافي (4) عن السكوني عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قال
أمير المؤمنين عليهالسلام : إذا أسلم
الرجل اختتن ولو بلغ ثمانين سنة».
وروى في كتاب عيون أخبار الرضا (5) بإسناده عن
الفضل بن شاذان عن الرضا عليهالسلام «أنه كتب إلى
المأمون : والختان سنة واجبة للرجال ومكرمة للنساء».
وهذان الخبران أقصى ما ربما يتوهم منه الدلالة على
الوجوب ، وقيام الحمل على تأكد الاستحباب أقرب قريب. وبالجملة فإنه لا دليل في
الأخبار يعتمد عليه ، وإنما العمدة هو الإجماع المدعى.
الرابع : ويستحب
الدعاء وقت ختن الصبي بما رواه في الفقيه (6) عن مرازم بن حكيم
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 37 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 166 ب 56 ح 1.
(2) تفسير العياشي ج 1 ص 61 ح 104 ، الوسائل ج 15 ص 163 ح 10.
(3) تفسير العياشي ج 1 ص 388 ح 145 ، الوسائل ج 15 ص 163 ح 11.
(4) الكافي ج 6 ص 37 ح 10 ، التهذيب ج 7 ص 445 ح 45 ، الوسائل
ج 15 ص 166 ب 55 ح 1.
(5) عيون أخبار الرضا ج 2 ص 123 ط النجف الأشرف ، الوسائل ج 15
ص 163 ح 9.
(6) الفقيه ج 3 ص 315 ح 18 ، الوسائل ج 15 ص 169 ب 59 ح 1.
عن أبي عبد الله عليهالسلام «في الصبي إذا
ختن قال : يقول : اللهم هذه سنتك وسنة نبيك صلواتك عليه وآله واتباع منا لك ولنبيك
بمشيتك وبإرادتك وقضائك لأمر أردته وقضاء حتمته وأمر أنفذته فأذقته حر الحديد في
ختانه وحجامته لأمر أنت أعرف به مني ، اللهم فطهره من الذنوب وزد في عمره وادفع
الآفات عن بدنه والأوجاع عن جسمه ، وزده من الغنى وادفع عنه الفقر فإنك تعلم ولا
نعلم» قال أبو عبد الله عليهالسلام : أي رجل لم
يقلها عند ختان ولده فليقلها عليه من قبل أن يحتلم ، فإن قالها كفى حر الحديد من
قتل أو غيره».
(ومنها) العقيقة ، وقد تقدم ذكرها في سنن يوم السابع إلا
أنها لكثرة ما يتعلق بها من الأحكام حسن إفرادها بالذكر ، وأصل العقيقة على ما
يفهم من كلام أهل اللغة الشعر الذي يخرج به المولود آدميا كان أو غيره من بطن أمه
، ويقال : بمعنى الشق.
قال في المصباح المنير (1) : عق عن ولده
عقا من باب قتل ، والاسم العقيقة وهي الشاة التي تذبح يوم الأسبوع ، ويقال للشعر
الذي يولد عليه المولود من آدمي وغيره عقيقة ، وعق بالكسر ، يقال : أصل العق الشق
، يقال : عق ثوبه كما يقال : شق ثوبه ، بمعناه ، ومنه يقال : عن الولد أباه عقوقا
ـ من باب قعد ـ إذا عصاه وترك الإحسان إليه. انتهى ، ومثله كلام غيره ، وكأن الشعر
الذي يولد عليه المولود سمي بالعقيقة ، لأنه يحلق عنه ثم قيل للذبيحة التي تذبح
لأنه يشق حلقومها.
قال الهروي في كتاب الغريبين : والعق في الأصل الشق
والقطع ، وسمي الشعر الذي يخرج على المولود من بطن امه وهو عليه عقيقة لأنها إن
كانت على إنسي حلقت وإن كانت على بهيمة نسلتها ، وقيل للذبيحة عقيقة لأنها يشق
حلقومها ، ثم قيل للشعر الذي ينبت بعد ذلك الشعر عقيقة على جهة الاستعارة ، انتهى.
__________________
(1) المصباح المنير ص 577 وفيه اختلاف يسير.
وكيف كان فتحقيق الكلام فيها يقع في مواضع :
الأول : اختلف
الأصحاب في وجوبها واستحبابها ، والمشهور الثاني وإلى الأول ذهب المرتضى وابن
الجنيد ادعى إليه في الانتصار إجماع الإمامية ويظهر من المحدث الكاشاني في الوافي
الميل إليه حيث قال : باب العقيقة ووجوبها ، ثم أورد جملة من الأخبار الظاهرة في
ذلك.
ومنها ما رواه في الكافي والفقيه (1) عن علي بن أبي
حمزة عن العبد الصالح عليهالسلام قال : «العقيقة
واجبة إذا ولد للرجل فإن أحب أن يسميه من يومه فعل».
وما رواه في الكافي (2) عن علي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «العقيقة
واجبة».
وعن أبي خديجة (3) عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «كل
مولود مرتهن بالعقيقة».
وما رواه في الفقيه (4) مرسلا قال : وفي رواية أبي خديجة عن
أبي عبد الله عليهالسلام قال : «كل
إنسان مرتهن بالفطرة ، وكل مولود مرتهن بالعقيقة». قال في الوافي ـ بعد ذكر هذين
الخبرين ـ : يعني أن زكاة الفطرة والعقيقة حقان واجبان في عنق الإنسان والمولود ،
وهما مقيدان بهما لا ينفكان عنهما إلا بالأداء».
وما رواه في الكافي (5) في الموثق عن عمار الساباطي عن أبي
عبد الله عليهالسلام قال : «كل
مولود مرتهن بعقيقته».
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 24 ح 1 ، الفقيه ج 3 ص 312 ح 4 ، التهذيب ج 7
ص 440 ح 23 ، الوسائل ج 15 ص 144 ح 5.
(2) الكافي ج 6 ص 25 ح 7 ، التهذيب ج 7 ص 441 ح 25 ، الوسائل ج
15 ص 144 ح 3.
(3) الكافي ج 6 ص 24 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 441 ح 26 ، الوسائل ج
15 ص 144 ح 6.
(4) الفقيه ج 3 ص 312 ح 2 ، الوسائل ج 15 ص 144 ح 2.
(5) الكافي ج 6 ص 25 ح 4 ، الوسائل ج 15 ص 144 ح 7.
وعن أبي بصير (1) في الموثق أو الصحيح عن أبي عبد الله
عليهالسلام قال : «سألته
عن العقيقة أواجبة هي؟ قال : نعم واجبة».
وما رواه في الكافي عن عبد الله بن سنان وفي الفقيه (2) عن عمر بن
يزيد في الصحيح قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : إني والله
ما أدري كان أبي عق عني أم لا ، قال : فأمرني أبو عبد الله عليهالسلام فعققت عن نفسي
وأنا شيخ. وقال عمر : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : كل
امرئ مرتهن بعقيقته ، والعقيقة أوجب من الأضحية».
وذهب الشيخ ومن تأخر عنه إلى الاستحباب ، وغاية ما استدل
به العلامة في المختلف (3) بعد اختياره
الاستحباب هو أصالة البراءة ، ثم أورد دليلا للمرتضى روايتي علي بن أبي حمزة وأبي
بصير ، وأجاب بأن المراد شدة الاستحباب.
وأنت خبير بما فيه ، واعترضه في المسالك (4) في استدلاله
للمرتضى بهاتين الروايتين بأن السيد لا يستند في مذهبه إلى الأخبار الصحيحة إذا
كانت من طريق الآحاد ، وكيف يحتج برواية ابن أبي حمزة وهو مصرح بكفره وكفر أضرابه
من الفرق ، وإنما أوجبها لما توهمه من إجماع الإمامية عليه كما أشار إليه في
الانتصار ، وجعل الإجماع مستنده في أكثر المسائل ، وإن كان في تحقق الإجماع نظر ،
إلا أنه رأى ذلك حسبما اتفق عليه. انتهى ، وهو جيد يعلم منه التساهل في دعاويهم
الإجماع ، ولم يذكر في المسالك دليلا على الاستحباب ، وإنما قال ـ بعد إيراد رواية
أبي بصير ورواية علي بن أبي حمزة ورواية أبي المعزا المصرحة بالوجوب ـ : وهذه
الأخبار مع قطع النظر عن سندها محمولة على تأكد الاستحباب
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 25 ح 5 ، الوسائل ج 15 ص 144 ح 4.
(2) الكافي ج 6 ص 25 ح 2 ، الفقيه ج 3 ص 312 ح 3 و 1 ، التهذيب
ج 7 ص 441 ح 27 ، الوسائل ج 15 ص 145 ب 39 ح 1 وص 143 ب 38 ح 1.
(3) مختلف الشيعة ص 576 و 577.
(4) مسالك الافهام ج 1 ص 579.
أو ثبوته لأنه معنى الوجوب لغة. ويؤيد
الثاني قول الصادق عليهالسلام في رواية عمر
بن يزيد «والعقيقة أوجب من الأضحية».
وفيه أن الحمل على خلاف الظاهر يتوقف على وجود المعارض
وهو لم يذكر ما يعارضها ، وأما الطعن بضعف السند فهو ليس بمرضي ولا معتمد ، وأما
رواية عمر بن يزيد فهي ظاهرة فيما ذكره ، وقال السيد السند في شرح النافع : وأما
الروايات المتضمنة للوجوب فكلها ضعيفة السند ، ومع ذلك إنما يتم الاستدلال بها إذا
ثبت كون الوجوب حقيقة شرعية أو عرفية في اصطلاحهم في المعنى المتعارف الآن عند
الفقهاء وهو غير معلوم.
أقول : والتحقيق أن المسألة لا تخلو من شوب الاشكال لما
عرفت مما قدمناه من الأخبار الظاهرة في الوجوب.
وأما الطعن فيها بضعف السند فقد عرفت أنه عند من لا يرى
العمل بهذا الاصطلاح غير مرضي ولا معتمد ، إلا أن مما يعارض ذلك ويدافعه أولا ما
قدمناه تحقيقه في غير موضع من أن الوجوب في الأخبار من الألفاظ المتشابهة
لاستعماله فيها في معان عديدة :
(أحدها) هذا المعنى المصطلح عليه الآن بين الفقهاء ،
وهذا هو الذي أشار إليه السيد السند ـ رحمة الله عليه.
و (ثانيا) عد العقيقة في قرن تلك الأمور المتفق على
استحبابها في الأخبار التي تقدمت في سنن اليوم السابع فإنه مما يثمر الظن الغالب
بكونها مثلها.
و (ثالثا) ما عرفت من رواية عمر بن يزيد التي هي صحيحة برواية الصدوق حيث جعل العقيقة أوجب من الأضحية التي هي مستحبة اتفاقا ، فالظاهر أن الوجوب إنما هو بمعنى الثبوت أو تأكد الاستحباب اللذين هما أحد معاني هذا اللفظ ، فإنه هو الذي يجري فيه التفضيل بمعنى أشد ثبوتا أو آكد استحبابا.
ونحو ذلك ما ورد في موثقة سماعة (1) قال : «سألته
عن رجل لم يعق عن ولده حتى كبر وكان غلاما شابا أو رجلا قد بلغ ، قال : إذا ضحي
عنه أو ضحى الولد عن نفسه فقد أجزأه عن العقيقة».
وموثقة عمار الساباطي (2) عن أبي عبد
الله عليهالسلام وفيها «وإن لم
يعق عنه حتى ضحى فقد أجزأه الأضحية». والتقريب فيها أنها لو كانت واجبة كغيرها من
الواجبات فإنه لا يعقل إجزاء الأضحية المستحبة اتفاقا عنها إذ لا نظير له في
الأحكام الشرعية. ومقتضى الوجوب تعلق الخطاب بها حتى يأتي بها ، وقيام غيرها مما
لا يخاطب به حتما يحتاج إلى دليل ، فإن ثبت له نظير في الأحكام فذلك ، وإلا فلا.
هذا ، وأما ما رواه في الكافي (3) عن ذريح عن
أبي عبد الله عليهالسلام «في العقيقة
قال : إذا جاز سبعة أيام فلا عقيقة له». مما يدل على سقوطها بعد السبعة فهو معارض
بالأخبار المستفيضة الدالة على الإتيان بها مطلقا ، سيما أخبار الوجوب وأنه مرتهن
بها ، وحمله بعض المحدثين على نفي العقيقة الكاملة ، من قبيل من لم يصل في جماعة
فلا صلاة له ، أو على الرخصة ، والأول أقرب.
الثاني : قد ذكر جملة
من الأصحاب أنه يستحب مساواة العقيقة للمولود ،
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 39 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 447 ح 53 ، الوسائل ج
15 ص 173 ح 1.
(2) الكافي ج 6 ص 28 ح 9 ، التهذيب ج 7 ص 443 ح 35 ، الوسائل ج
15 ص 150 ح 4.
(3) الكافي ج 6 ص 38 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 446 ح 51 ، الوسائل ج
15 ص 170 ح 2.
بأن يعق عن الذكر ذكرا وعن الأنثى
أنثى. أقول : أكثر الأخبار الواردة ظاهرة في مساواة الغلام للجارية في العقيقة.
ومنها ما رواه في الكافي (1) عن منصور بن
حازم في الصحيح عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «العقيقة
في الغلام والجارية سواء».
وعن سماعة (2) في الموثق قال : «سألته عن العقيقة
فقال : في الذكر والأنثى سواء».
وعن أبي بصير (3) عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «عقيقة
الغلام والجارية كبش».
وعن عبد الله بن مسكان (4) عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «سألته
عن العقيقة فقال : عقيقة الجارية والغلام كبش كبش».
وروى الحميري في كتاب قرب الاسناد (5) عن عبد الله
بن الحسن عن علي ابن جعفر عن أخيه قال : «سألته عن العقيقة عن الغلام والجارية
سواء؟ قال : كبش كبش».
وعن محمد بن عبد الحميد (6) عن يونس بن
يعقوب قال : «سألت أبا الحسن موسى عليهالسلام عن العقيقة
الجارية والغلام فيها سواء؟ قال : نعم».
وأما ما يدل على ما ذكروه من استحباب مساواة العقيقة
للمولود فهو ما رواه في الفقيه (7) عن محمد بن زياد عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته
عن العقيقة؟ فقال : شاة أو بقرة أو بدنة ، ثم يسمى ويحلق رأس المولود يوم السابع
ويتصدق
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 26 ح 2 ، الوسائل ج 15 ص 147 ب 42 ح 1.
(2) الكافي ج 6 ص 26 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 147 ب 42 ح 2.
(3) الكافي ج 6 ص 26 ح 4 ، الوسائل ج 15 ص 147 ب 42 ح 3.
(4) الكافي ج 6 ص 26 ح 3 ، الوسائل ج 15 ص 147 ب 42 ح 4.
(5 و 6) قرب الاسناد ص 122 و 129، الوسائل ج 15 ص 148 ب 42 ح 5
و 6.
(7) الفقيه ج 3 ص 313 ح 6 ، الوسائل ج 15 ص 148 ح 7 وفيهما (محمد
بن مارد).
بوزن شعره ذهبا أو فضة ، فإن كان ذكر
عق عنه ذكرا ، وإن كان أنثى عق عنها أنثى».
وقال الرضا عليهالسلام في كتاب الفقه
الرضوي (1) : وإذا أردت
أن تعق عنه فليكن عن الذكر ذكرا وعن الأنثى أنثى.
قال الصدوق ـ رحمة الله عليه ـ في الفقيه (2) : ويجوز أن
يعق عن الذكر بأنثى وعن الأنثى بذكر ، وقد روي أن يعق عن الذكر بأنثيين وعن الأنثى
بواحدة. وما استعمل في ذلك فهو جائز.
وظاهره في المسالك (3) عدم الوقوف على دليل الحكم المذكور ،
حيث إنه بعد ذكر عبارة المصنف الدالة على الحكم المذكور قال : استحباب مساواتها
للولد في الذكورية والأنوثية ، رواه الكليني مرسلا عن الباقر عليهالسلام (4) قال : «إذا
كان يوم السابع وقد ولد لأحدكم غلام أو جارية فليعق عنه كبشا عن الذكر ذكرا وعن
الأنثى مثل ذلك». وروى أخبار كثيرة على أجزاء الذكر والأنثى مطلقا ، ثم أورد صحيحة
منصور بن حازم إلى أن قال : مع أن الرواية الأولى ليست صريحة في اعتبار المساواة ،
بل الظاهر من قوله «والأنثى مثل ذلك» أن المستحب كونها ذكرا في الذكر والأنثى ،
فيكون موافقا لغيره من الأخبار الدالة على التسوية بينهما ، انتهى.
واقتفاه سبطه في شرح النافع أيضا قال : وذكر جمع من
الأصحاب منهم المصنف في الشرائع أنه يستحب أن يعق عن الذكر ذكرا وعن الأنثى أنثى
ورواه الكليني مرسلا عن أبي جعفر عليهالسلام ثم أورد
الرواية التي أوردها جده ثم قال : وهي ضعيفة السند قاصرة المتن.
__________________
(1) فقه الرضا ص 239 ، المستدرك ج 2 ص 620 ب 31 ح 2.
(2) الفقيه ج 3 ص 313 ذيل ح 7 وصدر ح 8.
(3) مسالك الافهام ج 1 ص 579.
(4) الكافي ج 6 ص 27 ح 4 ، الوسائل ج 15 ص 151 ح 11.
والعجب أن الرواية مذكورة في الفقيه فكيف غفلا عنها حتى
تمسكا بهذه الرواية ، والحق أن هذه المرسلة محتملة لكل من المعنيين المذكورين ،
فهي متشابهة لا يمكن الاعتماد عليها في شيء منهما.
الثالث : قد صرحوا
بأنه لو عجز عنها في الحاضر توقع المكنة ولا يجزي التصدق بثمنها ، ويدل عليه ما
رواه الكليني (1) في الحسن عن
محمد بن مسلم قال : «ولد لأبي جعفر عليهالسلام غلام فأمر زيد
بن علي أن يشتري له جزورين للعقيقة ، وكان زمن غلاء ، فاشترى له واحدة وعسرت عليه
الأخرى ، فقال لأبي جعفر عليهالسلام : قد عسرت علي
الأخرى فنتصدق بثمنها؟ فقال : لا ، اطلبها حتى تقدر عليها فإن الله عزوجل يحب إهراق
الدماء وإطعام الطعام».
وعن ابن بكير (2) في الموثق قال : «كنت عند أبي عبد
الله عليهالسلام فجاءه رسول عمه
عبد الله بن علي فقال له : يقول عمك : إنا طلبنا العقيقة فلم نجدها فما ترى نتصدق
بثمنها؟ فقال : لا ، إن الله يحب إطعام الطعام وإراقة الدماء».
الرابع : قد ذكروا أنه
يستحب فيها شروط الأضحية من كونها سليمة من العيوب سمينة ، ولم أقف في الأخبار على
ما يدل عليه ، بل الظاهر منها خلافه ، وهو الظاهر من الكليني أيضا حيث إنه عنون
الباب فقال : باب أن العقيقة ليست بمنزلة الأضحية ، ثم ذكر فيه ما رواه في الصحيح
عن عبد الرحمن بن الحجاج عن منهال القماط (3) قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : إن أصحابنا
يطلبون العقيقة إذا كان إبان تقدم الأعراب فيجدون الفحولة ، وإذا كان غير ذلك
الإبان لم توجد فيعز عليهم ، فقال : إنما هي شاة لحم ليست بمنزلة الأضحية يجزي
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 25 ح 8 وفيه «غلامان جميعا» ، الوسائل ج 15 ص
146 ب 40 ح 2 وفيه «غلامان».
(2) الكافي ج 6 ص 25 ح 6 ، الوسائل ج 15 ص 145 ح 1.
(3) الكافي ج 6 ص 29 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 153 ح 1.
فيها كل شيء».
وروى أيضا عن مرازم (1) عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «العقيقة
ليست بمنزلة الهدي ، خيرها أسمنها». وحاصله أنه لا يشترط فيها ما يشترط في الهدي
وإن كان الأفضل فيها الأسمن.
الخامس : يكره أكل
الوالدين منها بل جملة العيال ، ويتأكد في الأم ، فروي في الكافي (2) عن أبي خديجة
عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «لا
يأكل هو ولا أحد من عياله من العقيقة ، وقال : وللقابلة الثلث من العقيقة ، فإن
كانت القابلة أم الرجل أو في عياله فليس لها منها شيء ، وتجعل أعضاء ثم يطبخها
ويقسمها ، ولا يعطيها إلا لأهل الولاية ، وقال : يأكل من العقيقة كل أحد إلا الأم».
وعن الكاهلي (3) في الحسن عن أبي عبد الله عليهالسلام «في العقيقة ،
قال : لا تطعم الام منها شيئا».
وعن ابن مسكان (4) عمن ذكره عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «لا
تأكل المرأة من عقيقة ولدها» الحديث.
وفي كتاب الفقه الرضوي (5) «ولا يأكل منه
الأبوان ، وإن أكلت منه الام فلا ترضعه». وبهذه العبارة أعني قوله «وإن أكلت منه
الام لم ترضعه» عبر في الفقيه (6) فقال : والأبوان لا يأكلان من العقيقة
وليس ذلك بمحرم عليهما ، وإن أكلت منه الام لم ترضعه» ولم أقف على من صرح بذلك من
الأصحاب غيره ،
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 30 ح 2 ، الوسائل ج 15 ص 154 ح 2.
(2) الكافي ج 6 ص 32 ح 2 ، الوسائل ج 15 ص 156 ح 1.
(3) الكافي ج 6 ص 32 ح 3 ، الوسائل ج 15 ص 156 ح 2.
(4) الكافي ج 6 ص 32 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 157 ح 3.
(5) فقه الرضا ص 239 ، مستدرك الوسائل ج 2 ص 621 ب 34 ح 1.
(6) الفقيه ج 3 ص 313 ح 8.
ولا على خبر يتضمن ذلك غير ما في
الكتاب المذكور.
ومما يدل على حمل النهي على الكراهة ما ورد من جواز أكل
الأب منها كما رواه في الكافي (1) عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام «في المولود
يسمى في اليوم السابع ويعق عنه ـ إلى أن قال : ـ ويبعث إلى القابلة بالرجل مع
الورك ويطعم منه ويتصدق».
وعن أبي بصير (2) عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إذا
ولد لك غلام أو جارية فعق عنه يوم السابع شاة أو جزورا وكل منها وأطعم» الحديث.
ومما يدل على جواز أكل العيال ما رواه في الكافي (3) عن يحيى بن
أبي العلاء عن أبي عبد الله عليهالسلام في حديث عقيقة
الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم عن الحسن
والحسين عليهماالسلام قال : «وعق
عنهما شاة شاة ، وبعثوا برجل شاة إلى القابلة ، ونظروا ما غيره ، فأكلوا منه
وأهدوا إلى الجيران ، وحلقت فاطمة عليهاالسلام رؤوسهما
وتصدقت بوزن شعرهما فضة». والمراد أنهم نظروا في غير ما بعثوا به إلى القابلة
فأكلوا منه وأهدوا فكأن «ما» هنا وقعت زائدة أو استفهامية.
ثم إن ما دل عليه خبر أبي خديجة من أن العقيقة تجعل
أعضاء يعني لا يكسر لها عظم مما صرح به الأصحاب أيضا وحكموا بكراهته ، وعليه دل
الخبر المذكور.
ونحوه ما رواه في الكافي (4) عن عبد الله
بن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام في حديث قال :
«واقطع العقيقة جداول (5) واطبخها وادع
عليها رهطا من المسلمين».
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 29 ح 10 ، الوسائل ج 15 ص 149 ب 44 ح 1
وفيهما «قال : يسمى».
(2) الكافي ج 6 ص 28 ح 7 ، الوسائل ج 15 ص 151 ح 7.
(3) الكافي ج 6 ص 33 ح 5 ، الوسائل ج 15 ص 158 ح 4.
(4) الكافي ج 6 ص 27 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 151 ب 44 ح 8.
(5) أقول : ما اشتمل عليه الخبر من لفظ «جداول» لا يخلو من
اشكال ، فإن جداول جمع جدول وهو النهر الصغير ولا مناسبة فيه للمقام ، والظاهر
انما هو جدول جمع جدل وهو العضو. قال في القاموس : والجدل ويكسر كل عضو وكل عظم
معرق لا يكسر ولا يخلط به غيره ، انتهى. (منه ـ قدسسره ـ).
إلا أنه قد روى في الفقيه (1) مرسلا قال : «قال
عمار الساباطي : وسئل عن العقيقة إذا ذبحت هل يكسر عظمها؟ قال : نعم يكسر عظمها
ويقطع لحمها وتصنع بها بعد الذبح ما شئت». والظاهر أن هذا الخبر خرج مخرج التنبيه
على الجواز فلا ينافي الكراهة.
السادس : من المستحبات
طبخها وإطعامها المؤمنين. قال في كتاب الفقه الرضوي (2) «وتفرق لحمها
على قوم مؤمنين محتاجين ، وإن أعددته طعاما ودعوت عليه قوما من إخوانك فهو أحب إلي
، وكلما أكثرت فهو أفضل ، وحده عشرة أنفس وما زاد ، وأفضل ما تطبخ به ماء وملح». انتهى.
وفي كتاب الفقيه (3) «وروي أن أفضل
ما تطبخ به ماء وملح». والظاهر أنه إشارة إلى ما ذكره عليهالسلام هنا.
وفي موثقة عمار (4) «ويطعم منه
عشرة من المسلمين فإن زادوا فهو أفضل وتأكل منه». وفي الخبر ما يدل على الرخصة
للأب في الأكل ، وقد تقدم مثله.
وفي التهذيب (5) «ولا تأكل منه».
وهو على حسب ما دل عليه غيره من كراهة الأكل للأب أيضا. وقد تقدم في رواية عبد
الله بن سنان «واطبخها وادع عليها رهطا من المسلمين». وفي رواية أبي خديجة
المتقدمة «ثم يطبخها ويقسمها
__________________
(1) الفقيه ج 3 ص 314 ح 12 ، الوسائل ج 15 ص 152 ح 17.
(2) فقه الرضا ص 239 وفيه تقديم وتأخير ، مستدرك الوسائل ج 2 ص
621 ب 34 ح 1.
(3) الفقيه ج 3 ص 313 ح 11 ، الوسائل ج 15 ص 152 ح 16 وفيهما «ما
يطبخ».
(4) الكافي ج 6 ص 28 ضمن ح 9 ، الوسائل ج 15 ص 150 ضمن ح 4.
(5) التهذيب ج 7 ص 443 ضمن ح 35.
ولا يعطيها إلا لأهل الولاية». وفي
حديث يحيى بن أبي العلاء المتقدمة أيضا «فأكلوا وأهدوا إلى الجيران». وظاهره إهداء
اللحم من غير طبخ. وفي حديث حفص الكناسي المروي في الكافي (1) عن أبي عبد
الله عليهالسلام «ويدعى نفر من
المسلمين فيأكلون ويدعون للغلام».
وقال في الفقيه (2) «وإن شاء قسمها
أعضاء كما هي ، وإن شاء طبخها وقسم معها خبزا ومرقا ولا يعطيها إلا لأهل الولاية».
أقول : وقد تلخص من ذلك جواز الجمع إلا أن الأفضل الطبخ
في منزله وأن يضيف إلى اللحم شيئا من خبز أو أرز أو بعض الحبوب وأن يدعو لها
المؤمنين في منزله ، وأن أقل من يدعوه عشرة لا أقل.
السابع : لا ريب في
استحباب إعطاء القابلة جزء من العقيقة إذا لم تكن من العيال كما صرحت به رواية أبي
خديجة المتقدمة لأن العيال لا يأكلون منها كما تقدم.
بقي الكلام في تعيين ما تعطى ، والروايات في ذلك لا تخلو
من اختلاف ، ففي رواية أبي خديجة المتقدمة ثلث العقيقة. وقد تقدم أيضا في حديث
يحيى ابن أبي العلاء في عقيقة الحسنين عليهماالسلام «وبعثوا برجل
شاة إلى القابلة». وفي رواية أبي بصير المتقدمة أيضا «ويبعث إلى القابلة بالرجل مع
الورك». وفي روايته الثانية مما حذفناه منها «وأعط القابلة طائفا من ذلك» (3). وهو إما
بالفاء بعد
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 28 ضمن ح 5 وص 29 ضمن ح 12 ، الوسائل ج 15 ص
152 ضمن ح 12.
(2) الفقيه ج 3 ص 313 ضمن ح 8.
(3) أقول : قد ورد في حديث العامة مثل ذلك ووجهوه بالوجهين ،
قال في النهاية : وفي حديث عمران بن حصين «أن غلاما أبق له فقال : لأقطعن منه
طابقا ان قدرت عليه» أى عضوا ، وجمعه طوابق ـ ثم قال في الطاء مع الياء المثناة
والفاء أخيرا بعد ذكره في الحديث المذكور طائفا ـ هكذا جاء في الرواية «أي بعض
أطرافه والطائفة : القطعة من الشيء ، وروى بالباء والقاف وقد تقدم» انتهى. (منه ـ
قدسسره ـ).
الياء المهموزة ، أو بالباء الموحدة
ثم القاف كما ذكره في النهاية (1) وهو عبارة عن العضو أو القطعة.
وفي موثقة عمار (2) عن أبي عبد الله عليهالسلام «ويعطي القابلة
ربعها وإن لم تكن قابلة فلأمه تعطيه من شاءت ـ إلى أن قال : ـ وإن كانت القابلة
يهودية لا تأكل من ذبيحة المسلمين أعطيت قيمة ربع الكبش». وفي رواية حفص الكناسي (3) «واهدى إلى
القابلة الرجل مع الورك». ونحوها موثقة سماعة (4) وحسنة الكاهلي (5) وأكثر هذه
الأخبار على الرجل والورك ، والظاهر أن العمل بكل من هذه الأخبار حسن ، وأما ما اشتمل
عليه موثقة عمار من أنه مع عدم القابلة فلأمه تعطيه من شاءت فهو مما صرح به
الأصحاب أيضا.
قال في المسالك (6) : والمراد أن الأب يعطيها حصة
القابلة إن كان هو الذابح للعقيقة وتصدق به ، لأنه يكره أن تأكل منها ، وفي قوله عليهالسلام «تعطيها من
شاءت» إشارة إلى أن صدقتها به لا يختص بالفقراء بل تتأدى السنة بصدقتها على الغني
والفقير ، انتهى.
الثامن : قد ذكروا أنه
لو لم يعق الأب عنه عق عن نفسه بعد البلوغ ، وتدل عليه الأخبار المتقدمة المصرحة
بوجوبها وأنه مرتهن بها ، فيبقى تحت عهدة الأمر حتى يحصل الامتثال ، وقد تقدم في
الموضع الأول في موثقة سماعة (7) أن الرجل
__________________
(1) النهاية لابن الأثير ج 3 ص 153 «طيف» وص 114 «طبق».
(2) الكافي ج 6 ص 28 ضمن ح 9 ، الوسائل ج 15 ص 150 ضمن ح 4.
(3) الكافي ج 6 ص 28 ضمن ح 5 وص 29 ضمن ح 12 ، الوسائل ج 15 ص
152 ضمن ح 12.
(4) الكافي ج 6 ص 28 ح 6 ، الوسائل ج 15 ص 150 ح 6.
(5) الكافي ج 6 ص 29 ح 11 ، الوسائل ج 15 ص 150 ح 5.
(6) مسالك الافهام ج 1 ص 579.
(7) الكافي ج 6 ص 39 ح 3 ، الوسائل ج 15 ص 173 ح 1.
إذا لم يعق عن ولده وقد كبر أنه إذا
ضحي عنه أو ضحى الولد عن نفسه فقد أجزأ عن العقيقة ، ومفهومه أنه لو لم يضح عن
نفسه ولا ضحى عنه أبوه فالخطاب باق.
ويؤيده ما ورد من أنه مع الشك في أن أباه هل عق عنه أم
لا؟ فإنه يستحب له أن يعق عن نفسه كما تقدم في صحيحة عمر بن يزيد (1) بطريق الفقيه
المذكورة في الموضع الأول. وقد صرحوا أيضا بأنه لو مات الصبي في اليوم السابع فإن
مات قبل الزوال سقطت وإن مات بعده لم يسقط.
وعلى ذلك تدل ما رواه في الكافي والفقيه (2) عن إدريس بن
عبد الله قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن مولود يولد
فيموت يوم السابع هل يعق عنه؟ قال : إن كان مات قبل الظهر لم يعق عنه ، وإن مات بعد
الظهر عق عنه».
التاسع : فيما يستحب
أن يقال وقت الذبح ، فروى في الكافي (3) عن الكرخي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «تقول
على العقيقة إذا عققت : بسم الله وبالله اللهم عقيقة عن فلان لحمها بلحمه ودمها
بدمه وعظمها بعظمه ، اللهم اجعله وقاء لآل محمد صلى الله عليه وعليهم».
وعن يونس (4) عن بعض أصحابه عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «إذا
اذبحت فقل : بسم الله وبالله والحمد لله والله أكبر إيمانا بالله وثناء على رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم والعصمة لأمره
والشكر لرزقه والمعرفة بفضله علينا أهل البيت ، فإن كان ذكرا فقل : اللهم إنك وهبت
لنا ذكرا وأنت أعلم بما وهبت ، ومنك ما أعطيت وكل ما صنعنا ، فتقبله على سنتك وسنة
نبيك ورسولك صلىاللهعليهوآلهوسلم واخسأ عنا
الشيطان الرجيم ، لك سفكت الدماء لا شريك لك والحمد لله رب العالمين». قوله «بفضله
علينا أهل البيت» المراد
__________________
(1) الفقيه ج 3 ص 312 ح 3 ، الوسائل ج 15 ص 145 ب 39 ح 1.
(2) الكافي ج 6 ص 39 ح 1 ، الفقيه ج 3 ص 314 ح 13 ، الوسائل ج
15 ص 170 ح 1.
(3 و 4) الكافي ج 6 ص 30 ح 1 و 2، الوسائل ج 15 ص 154 ح 1 وص
155 ح 4.
به أهل بيت نفسه كما نبه عليه بعض
المحدثين.
وعن سهل (1) عن بعض أصحابه رفعه عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «نقول
على العقيقة» وذكر مثله وزاد فيه «اللهم لحمها بلحمه ودمها بدمه وعظمها بعظمه
وشعرها بشعره وجلدها بجلده ، اللهم اجعله وقاء لفلان بن فلان».
وروى في الكافي والفقيه (2) عن عمار
الساباطي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إذا
أردت أن تذبح العقيقة قلت (يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ ، إِنِّي
وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً) مسلما (وَما
أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ، (إِنَّ
صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ
لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ) وأنا من
المسلمين ، اللهم منك ولك بسم الله وبالله والله أكبر اللهم صل على محمد وآل محمد
، وتقبل من فلان بن فلان ، وتسمي المولود باسمه ثم تذبح».
وروى في الكافي (3) بسنده عن محمد بن زياد عن أبي عبد
الله عليهالسلام ، وفي الفقيه (4) عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «يقال
عند العقيقة : اللهم منك ولك ما وهبت وأنت أعطيت ، اللهم فتقبل منا على سنة نبيك صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ونستعيذ
بالله من الشيطان الرجيم ، وتسمي وتذبح ، وتقول : لك سفكت الدماء لا شريك لك
والحمد لله رب العالمين ، اللهم اخسأ الشيطان الرجيم».
وروى في الكافي (5) عن الكاهلي في الحسن عن أبي عبد الله
عليهالسلام «قال في
العقيقة : إذا ذبحت تقول (وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ
حَنِيفاً) مسلما (وَما
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 31 ح 3 ، الوسائل ج 15 ص 155 ح 5.
(2) الكافي ج 6 ص 31 ح 4 ، الفقيه ج 3 ص 314 ح 14 ، الوسائل ج
15 ص 154 ب 46 ح 2.
(3) الكافي ج 6 ص 31 ح 5 ، الوسائل ج 15 ص 155 ح 3 وفيهما «محمد
بن مارد».
(4) الفقيه ج 3 ص 314 ح 15 وفيه «اخسأ عنا» ، الوسائل ج 15 ص
155 ح 3.
(5) الكافي ج 6 ص 31 ح 6 ، الوسائل ج 15 ص 156 ح 6.
أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ، (إِنَّ
صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ
لَهُ) ، اللهم منك
ولك ، اللهم هذا عن فلان بن فلان».
وقال الرضا عليهالسلام في كتاب الفقه
الرضوي (1) «فإن أردت ذبحه
فقل : بسم الله وبالله منك وبك ولك وإليك عقيقة فلان بن فلان على ملتك ودينك وسنة
نبيك محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، باسم الله
وبالله والحمد لله والله أكبر إيمانا بالله وثناء على رسول الله ، والعصمة بأمره والشكر
لرزقه والمعرفة لفضله علينا أهل البيت ، فإن كان ذكرا فقل : اللهم أنت وهبت لنا
ذكرا وأنت أعلم بما وهبت ومنك ما أعطيت ولك ما صنعنا ، فتقبله منا على سنتك وسنة
نبيك صلىاللهعليهوآلهوسلم فاحتبس عنا
الشيطان الرجيم ، ولك سفكت الدماء ولوجهك القربات لا شريك له».
تكملة في الرضاع
والكلام فيها يقع في موردين الأول في الرضاع نفسه ،
والكلام فيه يقع في مواضع :
الأول : قالوا : إن
أفضل ما يرضع به الصبي لبن أمه لأنه أوفق بمزاجه وأنسب بطبعه ، وهو غذاؤه في بطن
امه.
أقول : ويدل عليه ما رواه الكافي (2) عن طلحة بن
زيد عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قال
أمير المؤمنين عليهالسلام : ما من لبن
يرضع به الصبي أعظم بركة عليه من لبن أمه».
الثاني : المعروف من
كلام الأصحاب أنه لا يجب على الأم إرضاع الولد. واستدل عليه مضافا إلى الأصل بقوله
عزوجل «فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ... وَإِنْ
تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى» (3) ولو كان
الرضاع واجبا عليها
__________________
(1) فقه الرضا ص 239 ، مستدرك الوسائل ج 2 ص 621 ب 33 ح 1
وفيهما «فاخنس ـ فاخسأ خ ل ـ» وكذلك «سكب» بدل «سفكت».
(2) الكافي ج 6 ص 40 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 175 ح 2.
(3) سورة الطلاق ـ آية 6.
لما حسن أن يقال «فَإِنْ
أَرْضَعْنَ لَكُمْ» إلا أنه يشكل ذلك بأن مورد الآية كما
ينادي به سياق الكلام إنما هو المطلقة البائن ، وعدم الوجوب هنا مما لا خلاف فيه.
قال في كتاب مجمع البيان (1) «فَإِنْ
أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ» أي وإن أرضعن
الولد لأجلكم بعد البينونة فاعطوهن أجر الرضاع يعني اجرة المثل. انتهى ، وهذا
الكلام في الآية الثانية ، فإن السياق كله إنما هو في المطلقة ، وحينئذ فاستدلال
أصحابنا بهاتين في المقام لا يخلو من نظر ، إذ محل البحث إنما هو الزوجة.
والأظهر الاستدلال على ذلك بما رواه في الكافي (2) عن سليمان بن
داود المنقري قال : «سئل أبو عبد الله عليهالسلام عن الرضاع ،
قال : لا تجبر المرأة على إرضاع الولد وتجبر أم الولد». وهو صريح في المراد.
الثالث : يجب تقييد
الحكم المذكور كما نبه عليه غير واحد من الأصحاب بأن ذلك مشروط بوجود الأب وقدرته
على دفع الأجرة ، أو عدم تبرعها ، أو وجود مال للولد ووجود مرضعة سواها ، وإلا وجب
ذلك عليها كما يجب عليها الإنفاق عليه إذا كان الأب معسرا أو مفقودا.
الرابع : إطلاق كلام أكثر الأصحاب يقتضي عدم الفرق بين
اللبأ ، وهو أول ما يحلب بعد الولادة وغيره عملا بإطلاق الدليل ، وأوجب جماعة منهم
العلامة في القواعد والشهيد إرضاعها اللبأ ، محتجين بأن الولد لا يعيش بدونه ،
ورده جمع ممن تأخر عنهما بأنه ممنوع بالوجدان.
__________________
(1) مجمع البيان ج 10 ص 309.
(2) الكافي ج 6 ص 40 ح 4 ، التهذيب ج 8 ص 107 ح 11 ، الوسائل ج
15 ص 175 ب 68 ح 1.
قال في المسالك (1) : ولعلهم أرادوا الغالب ، أو أنه لا
يقوى ولا يشتد بنيته إلا به ، ثم إنه على القول بالوجوب هل تستحق الأم اجرة عليه
من الأب أو من الولد إن كان له مال أم لا؟ قولان : والأول مذهب الأكثر مستندين إلى
إطلاق قوله تعالى «فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ» وبالثاني قطع
المقداد في كنز العرفان محتجا بأنه واجب ، ولا يجوز أخذ الأجرة على الواجب.
قال في المسالك (2) : وكليته ممنوعة ، فإن مالك الطعام
يلزمه بذله للمضطر ، ولكن بالعوض باعتراف هذا القائل ، وإن كان فيه خلاف أيضا ،
انتهى.
وتوضيحه أن الممتنع هو أخذ الأجرة على نفس العمل الذي
يجب عليه القيام به ، مثل تغسيل الموتى ودفنهم ونحو ذلك لا أخذ عوض ما يجب بذله
كدفع المال إلى المضطر ، واللبأ من قبيل الثاني لا الأول.
وأنت خبير بأن قضية الوجوب سقوط الأجرة إلا أن يقوم دليل
على خلاف ذلك ، والآية المذكورة ليست من محل البحث في شيء ، فإن المدعى وجوب
الإرضاع عليها ، والآية المذكورة قد عرفت أن موردها المطلقة البائنة وعدم الوجوب
عليها ظاهر ، وما ذكروه من بذل الطعام للمضطر إن وجد ما يدل على ما ادعوه من
الأخبار فلا إشكال ، وإلا فللمناقشة فيما ذكروه مجال ، ولا يحضرني الآن شيء من
الأخبار المتعلقة بهذه المسألة.
الخامس : لا خلاف ولا
إشكال في جواز استئجار الأب الأم للرضاع إذا كانت مطلقة بائنة ، لأن منافعها
مملوكة لها ولا تعلق للأب بها ، إنما الخلاف فيما لو كانت زوجة ، فالمشهور بين
الأصحاب الجواز مستندين إلى عموم قوله «فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ
أُجُورَهُنَّ».
وفيه ما عرفت من أن مورد هذه الآية إنما هي المطلقة ،
فهي دليل للأول من هذين الحكمين لا للثاني. نعم يدل على ذلك أصالة الجواز لأنك قد
عرفت
__________________
(1 و 2) مسالك الافهام ج 1 ص 580.
بالخبر المتقدم أن الإرضاع غير واجب
عليها ، فكما يجوز استئجارها لا رضاع غيره فكذا لا رضاعه ، ومنع الشيخ في المبسوط (1) من استيجار
الزوج بها ، وكذا منع من استئجارها لخدمته وخدمة غيره وإرضاع ولد غيره ، مستندا
إلى أن زوجها قد ملك الاستمتاع بها في كل وقت إلا ما استثنى من أوقات الصلاة
والصيام ، فما عقدت عليه من المنافع لا يقدر على إيفائه ، وإذا لم تقدر على إيفائه
كان العقد باطلا ، كما لو آجر نفسه شهرا ثم آجرها ذلك الشهر بغير المستأجر.
وأجيب بمنع ملك الزوج لجميع منافعها وإنما ملك الاستمتاع
ولا يلزم من استحقاقه في جميع الأوقات ملك غيره من المنافع ، وما ذكره الشيخ قول
لبعض العامة ولا ريب في ضعفه.
السادس : لا يخفى أنه على تقدير القول المشهور من جواز
استئجارها لإرضاع ولدها ، فإن تعلقت الإجارة بها نفسها لم يكن لها إرضاع غيره ،
فإن فعلت فلا اجرة لها ، وإن تعلقت بها وبغيرها بأن كان الاستئجار على تحصيل
الرضاع كيف اتفق بها أو بغيرها جاز ، ومع عدم تعيين أحد الأمرين بأن أطلق إشكال ،
ولا يبعد إلحاقه بالقسم الأول ، لأنه الذي ينصرف إليه ظاهر الإطلاق ، والمشهور على
ما ذكره في المسالك (2) جواز إرضاعها
له بنفسها وغيرها ، قال : لأنها حينئذ أجير مطلق ، ومن شأنه جواز تحصيل المنفعة
بنفسه وغيره. انتهى ، والأقرب الأول وهو اختيار سبطه في شرح النافع.
السابع : ينبغي أن يعلم أن الأجرة من مال الولد إن كان
له مال وإلا فعلى الأب ، وظاهر بعض العبارات أنه مع حياة الأب فالأجرة على الأب ،
ومع موته فالأجرة من مال المرتضع ، وهو على إطلاقه غير جيد (3) بل الوجه هو
__________________
(1) المبسوط ج 6 ص 36.
(2) مسالك الافهام ج 1 ص 580.
(3) لانه مع حياة الأب ووجود مال للولد ، فالولد غنى لا يستحق
على الأب نفقة فلا يجب على الأب شيء وهو ظاهر. (منه ـ قدسسره ـ).
وروى في الكافي والتهذيب (1) عن ابن أبي
يعفور في الصحيح عن أبي عبد الله عليهالسلام «أن أمير
المؤمنين عليهالسلام قضى في رجل
توفى وترك صبيا فاسترضع له أن أجر رضاع الصبي مما يرث من أبيه وامه».
ورواه الشيخ (2) بطريق آخر وزاد فيه «من حظه مما ورث
من أبيه». وروى في التهذيب (3) عن ابن أبي
عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قضى
علي عليهالسلام في صبي مولود
مات أبوه أن رضاعه من حظه مما ورث من أبيه».
وروى في الكافي (4) عن عبد الله بن سنان في الصحيح عن
أبي عبد الله عليهالسلام «في رجل مات
وترك امرأته ومعها منه ولد فألقته على خادم لها فأرضعته ، ثم جاءت تطلب رضاع
الغلام من الوصي ، فقال : لها أجر مثلها وليس للوصي أن يخرجه من حجرها حتى يدرك
ويدفع إليه ماله».
وفي هذه الأخبار دلالة على عدم وجوب الرضاع على الام كما
تقدم ، وجواز استئجارها للرضاع كما هو المشهور ، وظاهر صحيحة عبد الله بن سنان
استحقاقها الأجرة وإن أرضعته بغيرها ، ومقتضى كلامهم حمله على كون الاستئجار وقع
كذلك أو كونه مطلقا إلا أن الخبر لا يخلو من الإجمال.
الثامن : قد صرحوا بأن الأم أحق برضاعه إذا تبرعت أو
قنعت بما يطلب غيرها ، ولو طلبت زيادة على ما يرضى به غيرها فللأب انتزاعه منها ،
ويدل على
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 41 ح 5 ، التهذيب ج 7 ص 447 ح 56 ، الوسائل ج
15 ص 179 ح 2.
(2) التهذيب ج 8 ص 106 ح 8 ، الوسائل ج 15 ص 179 ح 3.
(3) التهذيب ج 9 ص 244 ح 39.
(4) الكافي ج 6 ص 41 ح 7 ، الوسائل ج 15 ص 178 ب 71 ح 1 وفيهما
«امرأة».
الحكم الأول أعني أحقيتها بالرضاع إذا
تبرعت أو قنعت بما يطلب غيرها قوله سبحانه «فَإِنْ
أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ» (1) فإن الآية شاملة لهاتين الصورتين.
ورواية أبي بصير (2) عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سمعته
يقول : المطلقة الحبلى ينفق عليها حتى تضع حملها ، وهي أحق بولدها أن ترضعه بما
تقبله امرأة أخرى ، يقول الله تعالى «لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا
مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ» (3). لا يضار الصبي ولا تضار به في رضاعه
، وليس لها أن تأخذ في رضاعه فوق حولين كاملين ، فإن أراد الفصال عن تراض منهما
كان حسنا ، والفصال هو الفطام».
وعلى الحكم الثاني وهو انتزاعه منها لو طلبت الزيادة
قوله تعالى «وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى» (4).
ويدل على الحكمين معا ما رواه الشيخ (5) عن أبي الصباح
الكناني عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إذا
طلق الرجل المرأة وهي حبلى أنفق عليها حتى تضع حملها وإذا وضعته أعطاها أجرها ولا
يضارها إلا أن يجد من هو أرخص منها أجرا فإن هي رضيت بذلك الأجر فهي أحق بابنها
حتى تفطمه».
وعن أبي العباس (6) عن أبي عبد الله عليهالسلام «أنه قال : فإن
قالت المرأة لزوجها الذي طلقها : أنا أرضع ابني بمثل ما تجد من يرضعه فهي أحق به».
وهذه الرواية دليل على الصورة الثانية من الحكم الأول.
وحكى الشيخ في الخلاف قولا بأن الأم أحق بالولد متى طلبت
اجرة المثل
__________________
(1) سورة الطلاق ـ آية 6.
(2) الفقيه ج 3 ص 329 ح 2 ، الوسائل ج 15 ص 178 ب 70 ح 7
وفيهما «لا يضار بالصبي ولا يضار بأمه».
(3) سورة البقرة ـ آية 233.
(4) سورة الطلاق ـ آية 6.
(5) التهذيب ج 8 ص 106 ح 9 ، الوسائل ج 15 ص 191 ح 2.
(6) التهذيب ج 8 ص 105 ح 2 ، الوسائل ج 15 ص 191 ح 3.
وإن وجد الأب من يأخذ أقل أو يتبرع ،
تمسكا بإطلاق الآية المتقدمة والأخبار المذكورة ترده كما عرفت.
التاسع
: لا خلاف ولا إشكال في أن للمولى إجبار أمته على الرضاع
لأنها مع جميع منافعها ملك له سواء في ذلك منافع الاستمتاع وغيرها ، بخلاف الزوجة
حيث اختص الاستحقاق بمنافع الاستمتاع ولا فرق في ذلك بين أم الولد وغيرها ، وقد
تقدم في الموضع الثاني قوله عليهالسلام في رواية
المنقري (1) «وتجبر أم
الولد». وذكر أم الولد لا يقتضي نفي ذلك عن غيرها.
العاشر : ظاهر بعض
الأخبار استحباب الإرضاع من الثديين معا ، وهذا الحكم لم يتعرض له أحد من الأصحاب
فيما أعلم ، ويدل عليه ما رواه في الكافي (2) عن محمد بن العباس بن الوليد عن أبيه
عن امة أم إسحاق بنت سليمان «قالت : نظر إلى أبو عبد الله عليهالسلام وأنا أرضع أحد
ابني محمدا أو إسحاق ، فقال ، يا أم إسحاق لا ترضعيه من ثدي واحد وأرضعيه من
كليهما ، يكون أحدهما طعاما والآخر شرابا» ، ورواه في الفقيه (3) مرسلا قال : «نظر
الصادق عليهالسلام إلى أم إسحاق
وهي ترضع أحد ابنيها» الحديث.
قال في الوافي (4) : لما كان في الجديد لذة كان اللبن
الجديد مما يسيغ القديم كما أن الشراب يسيغ الطعام ، فصح بهذا الاعتبار أن يكون
أحدهما بمنزلة الطعام والآخر بمنزلة الشراب ، انتهى.
وروى في الفقيه (5) بإسناده عن محمد بن علي الكوفي عن
إسماعيل بن مهران عن مرازم عن جابر بن يزيد عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : «قال
رسول الله
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 41 ح 4 ، الوسائل ج 15 ص 175 ب 68 ح 1.
(2) الكافي ج 6 ص 40 ح 2 ، الوسائل ج 15 ص 176 ب 69 ح 1.
(3) الفقيه ج 3 ص 305 ح 4.
(4) الوافي ج 3 ص 207 ب 220.
(5) الفقيه ج 4 ص 296 ح 77 ، الوسائل ج 15 ص 176 ب 69 ح 2.
صلىاللهعليهوآلهوسلم : إذا وقع
الولد في بطن امه ـ إلى أن قال : ـ وجعل الله تعالى رزقه في ثدي امه أحدهما شرابه
وفي الآخر طعامه» الخبر.
الحادي عشر : قال في الشرائع (1) : لو ادعى
الأب وجود متبرعة وأنكرت الأم فالقول قول الأب ، لأنه قد يدفع عن نفسه وجوب
الأجرة. على تردد. قال في المسالك (2) : منشأ التردد من كون الام منكرة لما
يدعيه من وجود المتبرعة ، والأصل عدمه ، فيكون القول قولها لأنه المدعي ، ولأن
الحق ثابت لها وهو يدعي إسقاطه بوجود المتبرعة ، والأصل عدم سقوطه إلى أن يثبت ،
ومما ذكره المصنف من أن الأم تدعي شغل ذمة الأب بالأجرة وهو ينفي ذلك عن نفسه ،
والأصل براءة ذمته منها ، ولأنه يعسر عليه إقامة البينة على ما يقوله فيصدق بيمينه
وهو قول الشيخ في المبسوط وهو الأشهر ، انتهى.
أقول : الظاهر أن الأنسب بقواعدهم والأقرب إلى ضوابطهم هو
ما قرره الشارح أولا ، فإن مقتضى صورة النزاع التي فرضوها هو أن الأب ادعى وجود
متبرعة والام أنكرت ، فالأب هو المدعي والام هي المنكرة ، فيجب العمل بمقتضى
القاعدة المنصوصة فيهما كما في كل مدع ومنكر ، وقضية ذلك أن القول قول الام
بيمينها ، وأما جعل الام مدعية ـ لأنها تدعي شغل ذمة الأب بالأجرة ، وهو منكر لأنه
ينفي بذلك عن نفسه ـ وليس هو صورة الدعوى التي فرضوها ، وإنما ذلك من لوازمها على
أنه لا معنى لدعوى الام شغل ذمة الأب بالأجرة قبل الرضاع ، لأن هذا النزاع إنما
وقع في أول الأمر قبل دفع الولد إليها ، وقبل تعيين الأجرة بأمره ، ومرجعه إنما هو
إلى دعوى شغل الذمة لو أرضعت بعد دفع الولد إليها.
وبالجملة فإن عد الام مدعية والأب منكرا بهذا التقريب
الذي ذكروه
__________________
(1) شرائع الإسلام ص 566 الطبعة الثالثة سنة 1403 ه ، وفيه «لانه
يدفع».
(2) مسالك الافهام ج 1 ص 581.
ـ مع كون صورة النزاع الذي فرضوه إنما
هو على الوجه الذي عرفت ـ لا يخلو من غموض وإشكال.
المورد الثاني : في مدته ،
والكلام فيه أيضا يقع في مواضع :
الأول : لا خلاف نصا وفتوى في أن مدة الرضاع المحدودة
شرعا وإن جاز النقيصة عنها والزيادة عليها حولان كاملان.
ويدل على ذلك قوله تعالى «وَالْوالِداتُ
يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ
الرَّضاعَةَ» (1) وما سيأتي من
الأخبار المذكورة في المقام إن شاء الله تعالى.
الثاني : قد صرح الأصحاب بجواز الاقتصار على أحد وعشرين
شهرا لا أقل لظاهر قوله تعالى «وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ
شَهْراً»
(2) فإذا حملت به
تسعة أشهر كما هو الغالب كان الباقي للرضاع أحدا وعشرين شهرا.
ويدل على ذلك أيضا جملة من الأخبار منها ما رواه في
التهذيب (3) عن عبد الوهاب
بن الصباح قال : «قال أبو عبد الله عليهالسلام : الفرض في
الرضاع أحد وعشرون شهرا ، فما نقص عن أحد وعشرين شهرا فقد نقص المرضع ، فإن أراد
أن يتم الرضاعة له فحولين كاملين».
وما رواه في الكافي (4) عن سماعة عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «الرضاع
أحد وعشرون شهرا فما نقص فهو جور على الصبي».
وظاهر الخبرين تحريم ما نقص عن أحد وعشرين كما هو ظاهر
الأصحاب أيضا لحكمه في الأول بأن الأحد وعشرين هو الفرض ، وفي الثاني بأن ما نقص
منه جور وظلم للصبي.
__________________
(1) سورة البقرة ـ آية 233.
(2) سورة الأحقاف ـ آية 15.
(3) التهذيب ج 8 ص 106 ح 7 ، الوسائل ج 15 ص 177 ح 2.
(4) الكافي ج 6 ص 40 ح 3 ، الوسائل ج 15 ص 177 ح 5 وفيهما «واحد
وعشرون».
واستشكل ذلك في شرح النافع فقال : ولو قيل بجوازه إذا
اقتضت مصلحة الولد ذلك وتراضى عليه الأبوان لم يكن بعيدا ، قال : ويدل عليه ما
رواه الشيخ (1) في الصحيح عن
الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «ليس
للمرأة أن تأخذ في رضاع ولدها أكثر من حولين كاملين ، فإن أرادا الفصال قبل ذلك عن
تراض منهما فهو حسن».
أقول : الظاهر أن الوجه في الجمع بين هذا الخبر والخبرين
الأولين هو تخصيص النقصان في هذا الخبر بما لا يبلغ النقصان عن ذلك الحد ، فإن
الخبرين الأولين ظاهران بل صريحان في تحريم النقص عن ذلك المقدار.
بقي هنا شيء يجب التنبيه عليه وهو : أنه قد تقدم في
المسألة الاولى من المقام الأول الاستدلال بهذه الآية ، أعني قوله «وَحَمْلُهُ
وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً» على أن أقل
الحمل ستة أشهر ، وأقصى الفصال عامان ، وهنا قد استدلوا بها على أن أقصى الفصال
أحد وعشرون شهرا ، وأن يشكل أيضا ذلك على تقدير القول بأن أقصى الحمل سنة ، والقول
بأن أقصاه عشرة أشهر ، وجواز أن تضعه لسبعة أشهر ، وفي جميع هذه الصور لا يتم أن
الفصال أحد وعشرون شهرا ، ولهذا نقل عن ابن عباس أن من ولد لستة أشهر ففصاله في
عامين ، ومن ولد لسبعة فمدة رضاعه ثلاثة وعشرون شهرا ، ومن ولد لتسعة هو أحد
وعشرون.
قال في المسالك (2) : وهو قول موجه جامع بين الآيات.
أقول : والأظهر عندي عدم الرجوع في الاستدلال في هذه
المسألة إلى الآية المذكورة بل الاعتماد على الأخبار التي ذكرناها ، والمستفاد من
النصوص الواردة في تفسير هذه الآية أن نزولها كان في الحسين عليهالسلام كما ينادي به
سياق الكلام في الآية قبل هذا الموضع وبعده ، ولا بأس بذكر خبر من تلك الأخبار.
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 105 ح 4 ، الوسائل ج 15 ص 177 ب 70 ح 1.
(2) مسالك الافهام ج 1 ص 580.
وهو ما رواه في الكافي (1) بسنده إلى أبي
خديجة عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «لما
حملت فاطمة عليهاالسلام بالحسين عليهالسلام جاء جبرئيل
إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : إن
فاطمة ستلد غلاما تقتله أمتك من بعدك فلما حملت فاطمة الحسين عليهالسلام كرهت حمله ،
وحين وضعت كرهت وضعه ، ثم قال أبو عبد الله عليهالسلام : لم تر في
الدنيا أم تلد غلاما تكرهه ، ولكنها كرهت لما علمت أنه سيقتل ، قال : وفيه نزلت
هذه الآية «وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ
أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً» (2). ونحوه غيره ، وعلى هذا فمحل
الاستدلال بالآية إنما هو ما قدمناه في المسألة الاولى من المقام الأول من هذا
المقصد ، وجميع ما ذكره من الإشكالات والاحتمالات في الآية باعتبار الاستدلال بها
في هذا المقام فهو نفخ في غير ضرام.
الثالث : قد ذكروا أنه يجوز الزيادة على الحولين شهرا
وشهرين لا أكثر ، وقيل : إنه مروي ، وقد اعترف السيد السند في شرح النافع بأنه لم
يقف على الرواية ، وهو كذلك ، فإنا بعد الفحص والتتبع لم نقف عليها في شيء من كتب
الأخبار.
نعم قد روى الكليني (3) وابن بابويه في الصحيح عن سعد بن سعد
الأشعري عن أبي الحسن الرضا عليهالسلام قال : «سألته
عن الصبي هل يرتضع أكثر من سنتين؟ فقال : عامين ، قلت : فإن زاد على سنتين هل على
أبويه من ذلك شيء؟ قال : لا».
وظاهر هذه الرواية جواز الزيادة على الحولين مطلقا ، وهم
لا يقولون به ، والأمر بالحولين في الآية والأخبار لا يقتضي المنع عما زاد.
الرابع : قد صرحوا بأن ما يجوز لها إرضاعه من الشهر
والشهرين لا تستحق
__________________
(1) أصول الكافي ج 1 ص 464 ح 3.
(2) سورة الأحقاف ـ آية 15.
(3) الكافي ج 6 ص 41 ح 8 ، الفقيه ج 3 ص 305 ح 2 ، التهذيب ج 8
ص 107 ح 12 ، الوسائل ج 15 ص 177 ح 4 ، وما في المصادر «يرضع».
عليه اجرة ، واستشكله على إطلاقه في
المسالك (1) بأنه إنما يتم
على تقدير عدم حاجة الولد إليه ، أما لو احتاج إليه لمرض ونحوه بحيث لا يمكن غذاؤه
فيها بغير اللبن كان اللبن حينئذ بمنزلة النفقة الضرورية ، فعدم استحقاق الام عليه
اجرة مطلقا لا يخلو من نظر ، إلا أن عمل الأصحاب ورواياتهم على ذلك ، فلا مجال
لخلافه.
أقول : من الروايات التي استند إليها الأصحاب فيما ذكروه
ما تقدم في صحيحة الحلبي (2) من قوله عليهالسلام «ليس للمرأة أن
يأخذ في رضاع ولدها أكثر من حولين كاملين».
وما رواه في الكافي (3) عن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن أبي
عبد الله عليهالسلام في حديث «أنه
نهى أن يضار الصبي أو تضار أمه في رضاعه ، وليس لها أن تأخذ في رضاعه فوق حولين
كاملين ، فإن أرادا فصالا عن تراض منهما قبل ذلك كان حسنا ، والفصال هو الفطام».
وقد تقدم في رواية أبي بصير (4) المذكورة في
الموضع الثامن من المورد الأول نحو ذلك.
وأنت خبير بأنه وإن كان ظاهر هذه الأخبار هو عدم جواز
أخذ الأجرة على هذه المدة الزائدة ، إلا أنه يجب تخصيصها بصورة عدم الضرورة للرضاع
كما هو الغالب ، والأخبار إنما خرجت بناء على ذلك ، ويؤيده قوله في تلك الأخبار
بعد هذه الكلام «فإن أرادا فصالا عن تراض قبل ذلك كان حسنا» فإن الكلام من أوله
إلى آخره مبني على صحة الولد وسلامته ، وإلا فالمستفاد من الأخبار
__________________
(1) مسالك الافهام ج 1 ص 581.
(2) التهذيب ج 8 ص 105 ح 4 ، الوسائل ج 15 ص 176 ب 7 ح 1.
(3) الكافي ج 6 ص 41 ح 6 ، الوسائل ج 15 ص 177 ح 3.
(4) الفقيه ج 3 ص 329 ح 2 ، الوسائل ج 15 ص 178 ح 7.
أن الضرورات تبيح المحظورات ، وحينئذ
فيجب عليها رضاعه في تلك المدة لمكان الضرورة ، ويجب على الأب الأجرة حسبما قرره ـ
رحمهالله ـ أولا.
وأما ما ذكره ـ رحمة الله عليه ـ من أن عمل الأصحاب ورواياتهم على ذلك فلا مجال لخلافه ، ففيه أن غاية ما يفهم من كلامهم ومن الأخبار المذكورة هو إطلاق القول بالمنع من أخذ الأجرة على هذه المدة ، وليس في شيء منهما ما يدل صريحا أو ظاهرا على أن الأمر كذلك في صورة الاضطرار إلى الرضاع هذه المدة ، فالجميع قابل للتقييد بما ذكرناه ، فلا منافاة كما توهم ، وإلى ما ذكرناه يميل كلام سبطه في شرح النافع حيث قال : ولو اضطر الولد إلى الرضاع بعد الحولين لمرض ونحوه فالأقرب وجوب أجرتها على الأب لأن ذلك بمنزلة النفقة الضرورية. انتهى وهو جيد.
المقام الثالث
والظاهر أن أصلها من حضن الطائر بيضه ، أي ضمه تحت جناحه ، قال في كتاب المصباح
المنير (1) بعد ذكر
المعنى المذكور : والحضانة ـ بالفتح والكسر ـ اسم منه. وقال في المسالك : هي ـ بفتح
الحاء ـ ولاية على الطفل والمجنون لفائدة تربيته ، وما يتعلق بها من مصلحته من
حفظه وجعله في سريره ورفعه وكحله ورهنه وغسل خرقه وثيابه وتنظيفه ونحو ذلك وهي
بالأنثى أليق منها بالرجل ، لمزيد شفقتها وخلقها المعد لذلك بالأصل ، انتهى.
والواجب أولا نقل ما وصل إلينا من أخبار المسألة ، وكلام
الأصحاب في المقام ، والكلام في ذلك بما يسر الله تعالى فهمه بتوفيقه وببركة أهل
الذكر عليهمالسلام.
فمن الأخبار ما رواه في الكافي (2) عن أبي العباس
البقباق قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : الرجل أحق
بولده أم المرأة؟ فقال : لا بل الرجل ، قال : فإن قالت المرأة لزوجها الذي طلقها
أنا أرضع ابني بمثل ما تجد من ترضعه فهي أحق به».
__________________
(1) المصباح المنير ج 1 ص 193.
(2) الكافي ج 6 ص 44 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 191 ح 3 وليس فيهما «قال»
الثانية.
وفي معنى هذه الرواية روايات تقدمت في الموضع الثامن من
المورد الأول من التكملة في الرضاع.
وفي الصحيح أو الحسن عن الحلبي (1) عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «الحلبي
المطلقة ينفق عليها حتى تضع حملها ، وهي أحق بولدها حتى ترضعها بما تقبله امرأة اخرى
، إن الله عزوجل يقول «لا
تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ» (2) الحديث.
وما رواه في الكافي والتهذيب (3) عن المنقري
عمن ذكره قال : «سئل أبو عبد الله عليهالسلام عن الرجل يطلق
امرأته وبينهما ولد أيهما أحق بالولد؟ قال : المرأة أحق بالولد ما لم تتزوج».
ورواه في الفقيه (4) عن المنقري عن حفص بن غياث أو غيره
قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام» الحديث.
وما رواه في الفقيه (5) عن عبد الله بن جعفر في الصحيح عن
أيوب بن نوح قال : «كتب إليه بعض أصحابه أنه كانت لي امرأة ولي منها ولد فخليت سبيلها
فكتب عليهالسلام : المرأة أحق
بالولد إلى أن يبلغ سبع سنين إلا أن تشاء المرأة».
وما رواه المشايخ الثلاثة (6) عن داود بن
الحصين عن أبي عبد الله عليهالسلام في قوله تعالى
«وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ» قال : ما دام
الولد في الرضاع فهو بين الأبوين
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 103 ح 3 ، الوسائل ج 15 ص 192 ح 5.
(2) سورة البقرة ـ آية 233.
(3) الكافي ج 6 ص 45 ح 3 ، التهذيب ج 8 ص 105 ح 3 ، الوسائل ج
15 ص 191 ح 4.
(4) الفقيه ج 3 ص 275 ح 2 وفيه اختلاف يسير.
(5) الفقيه ج 3 ص 275 ح 4 ، الوسائل ج 15 ص 192 ح 6.
(6) الكافي ج 6 ص 45 ح 4 ، الفقيه ج 3 ص 274 ب 127 ح 1 ،
التهذيب ج 8 ص 104 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 190 ب 81 ح 1.
بالسوية ، فإذا فطم فالأب أحق به من
الأم ، فإذا مات الأب فالأم أحق به من العصبة ، فإن وجد الأب من يرضعه بأربعة
دراهم وقالت الام : لا أرضعه إلا بخمسة دراهم فإن له أن ينزعه منها إلا أن ذلك خير
له وأرفق به أن يذره مع أمه».
وما رواه في الكافي والتهذيب (1) عن داود الرقي
قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن امرأة حرة
نكحت عبدا فأولدها أولادا ، ثم إنه طلقها فلم تقم مع ولدها وتزوجت ، فلما بلغ العبد
أنها تزوجت أراد أن يأخذ ولده منها ، وقال : أنا أحق بهم منك إذا تزوجت ، فقال :
ليس للعبد أن يأخذ منها ولدها ، وإن تزوجت حتى يعتق هي أحق بولدها منه ما دام
مملوكا ، فإذا أعتق فهو أحق بهم منها».
وما رواه الصدوق (2) في الصحيح عن الحسن بن محبوب عن أبي
أيوب عن الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «أيما
امرأة حرة تزوجت عبدا فولدت منه أولادا فهي أحق بولدها منه وهم أحرار ، فإذا أعتق
الرجل فهو أحق بولده منها لموضع الأب».
وما رواه في الكافي (3) في الموثق عن جميل وابن بكير جميعا «في
الولد من الحر والمملوكة ، قال : يذهب إلى الحر منها».
وروى ابن الشيخ في أماليه (4) عن أبيه عن
أبي الصلت عن ابن عقدة عن عبد الله ابن علي عن الرضا عن آبائه عن علي عليهمالسلام «أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قضى بابنة
حمزة لخالتها ، وقال : الخالة والدة».
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 45 ح 5 ، التهذيب ج 8 ص 107 ح 10 ، الوسائل ج
15 ص 181 ب 73 ح 2 وفيها اختلاف يسير.
(2) الفقيه ج 3 ص 275 ح 3 ، الوسائل ج 15 ص 181 ح 1.
(3) الكافي ج 5 ص 492 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 182 ب 73 ح 3.
(4) أمالي ابن الشيخ ص 218 ح 5 ، الوسائل ج 15 ص 182 ب 73 ح 4.
وروى ابن إدريس في مستطرفات السرائر (1) من كتاب مسائل
الرجال ومكاتباتهم من مولانا أبي الحسن علي بن محمد عليهالسلام برواية
الجوهري والحميري عن أيوب بن نوح قال : «كتب إليه ـ يعني بشار بن بشير ـ : جعلت
فداك رجل تزوج امرأة فولدت منه ثم فارقها ، متى يجب له أن يأخذ ولده؟ فكتب : إذا
صار له سبع سنين ، فإن أخذه فله ، وإن تركه فله».
هذا ما حضرني من أخبار المسألة ، والكلام في هذا المقام
بما يحيط بأطراف النقض والإبرام يقع في مسائل :
الأولى : في الحضانة وقت الرضاع وبعده ، (أما) الأول فقد
صرح جملة من الأصحاب بأن الأم أحق بالولد مدة الرضاع قال في المسالك : ولا خلاف
فيه إذا كانت متبرعة أو رضيت بما تأخذ غيرها من الأجرة.
أقول : ويدل على ما ذكره جملة من هذه الروايات المنقولة
هنا ، وما تقدم في الموضع الثامن من المورد الأول من التكملة ، إلا أن ابن فهد في
المهذب ادعى الإجماع أيضا على اشتراك الحضانة بين الأبوين مدة الرضاع ، قال : وقع
الإجماع على اشتراك الحضانة بين الأبوين مدة الحولين ، وعلى سقوطها بعد البلوغ ،
انتهى.
ويدل على ما قاله رواية داود بن الحصين (2) وقوله عليهالسلام فيها «ما دام
الولد في الرضاع فهو بين الأبوين بالسوية». إلا أنها تضعف عن معارضة تلك الأخبار
الدالة على القول الأول سندا وعددا. وبالجملة فإنه لا إشكال بعد دلالة هذه الأخبار
على أحقية الأم به مدة الرضاع إذا تبرعت أو رضيت بما رضي به غيرها.
وإنما الإشكال فيما إذا سقط حقها من الرضاعة واسترضع
الأب غيرها بأن لم تتبرع ولم ترض بما رضي به غيرها ، فإنه قد تقدم في رواية داود
بن الحصين أن للأب أن ينزعه منها ، وحينئذ فإذا زال حقها من الرضاع فهل يزول
__________________
(1) السرائر ص 479 ، الوسائل ج 15 ص 192 ح 7.
(2) الوسائل ج 15 ص 190 ب 81 ح 1.
أيضا حقها من الحضانة أم يبقى؟ قولان
: وبالأول صرح المحقق في الشرائع وإلى الثاني ذهب ابن إدريس فقال : لا يسقط حقها
من الحضانة ، لأنهما حقان متغايران ، فلا يلزم من سقوط أحدهما سقوط الآخر ، وهو
قوي من حيث الاعتبار ، إلا أن ظاهر قوله عليهالسلام في رواية داود
بن الحصين أن للأب أن ينزعه منهما إن لم ترض بما رضي به غيرها يرد ما ذكره ،
ويؤيده أيضا مفهوم رواية أبي الصباح الكناني (1) ورواية أبي العباس (2) ، وإلى القول
بما ذهب إليه المحقق مال السيد السند في شرح النافع لما ذكرناه ، وأيده بما يلزم
من الحرج في تردد المرضعة إلى الأم في كل وقت يحتاج الولد إلى الرضاع والعسر
المنفيين بالآية والرواية وظاهر جده في المسالك والروضة الميل إلى ما ذهب إليه ابن
إدريس استضعافا لرواية داود بن الحصين ، وإمكان حملها على أن المراد نزعه من جهة
الرضاع لا مطلقا ، قال : والضرر بذلك لا يبلغ حدا لإسقاط الحق الثابت ، وحينئذ
فتأتي المرضعة وترضعه عندها مع الإمكان ، فإن تعذر حمل الصبي إلى المرضعة وقت
الإرضاع خاصة ، فإن تعذر جميع ذلك اتجه سقوط حقها من الحضانة للحرج والضرر.
أقول : والأقرب هو ما ذهب إليه المحقق ـ رحمة الله عليه
ـ لظاهر الروايات المذكورة ، وإن كان ما ذهب إليه ابن إدريس لا يخلو من قوة من حيث
الاعتبار.
هذا بالنسبة إلى مدة الحولين ، (وأما) بعدهما فقيل : إن
الأب أحق بالذكر والام أحق بالأنثى حتى تبلغ سبع سنين ، وهو قول الشيخ في النهاية
وابن إدريس وابن البراج وابن حمزة والمحقق.
وقيل : إن الأم أحق بالذكر مدة الحولين ، وبالأنثى إلى
تسع سنين وهو قول الشيخ المفيد (3) وتلميذه سلار وقيل : إن الأم أحق
بالولد ما لم تتزوج ،
__________________
(1 و 2) الوسائل ج 15 ص 191 ب 81 ح 2 و 3.
(3) قال في المقنعة : وإذا فصل الصبي من الرضاع كان الأب أحق
بكفالته من الام ، والام أحق بكفالة البنت حتى تبلغ تسع سنين الا أن تتزوج ، فان
تزوجت كان الأب أحق بكفالة البنت حينئذ ، انتهى. (منه ـ قدسسره ـ).
ذهب إليه الصدوق في كتاب المقنع وقيل
: إن الأم أحق بالبنت ما لم تتزوج ، وبالصبي إلى سبع سنين ، إختاره ابن الجنيد
والشيخ في الخلاف محتجا بإجماع الفرقة وأخبارهم ، وأنكر ابن إدريس في سرائره هذا
القول وبالغ في رده فقال : ما ذكره شيخنا في مسائل خلافه قول بعض المخالفين ، وما
اخترناه هو الصحيح ، لأنه لا خلاف أن الأب أحق بالولد في جميع الأحوال ، وهو
المولى عليه والقيم بأمره ، فأخرجناه بالإجماع الحولين في الذكر ، وفي الأنثى
السبع سنين ، فمن ادعى أكثر من ذلك يحتاج إلى دليل قاطع ، وهو مذهب شيخنا في
نهايته ، والعجب قوله في آخر المسألة «دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم» وهو مما يضحك
به الثكلى ، من أجمع منهم معه؟ وأي خبر لهم في ذلك؟ بل أخبارنا بخلافه واردة ،
وإجماعنا بضد ما قاله ـ رحمهالله ـ ورد العلامة
في المختلف على ابن إدريس وبالغ في تهجينه والإزراء عليه بجرأته على الشيخ.
أقول : لا ريب أن كلام ابن إدريس جيد لكن الأولى
الاقتصار على بيان المسألة من غير تعرض للإزراء بالشيخ ـ رحمة الله عليه.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن ما تضمنه القول الأول من أن الأب
أحق بالذكر ظاهر من الأخبار المتقدمة الدالة على اختصاص الام به مدة الحولين ، فإن
مفهومها أنه بعد الحولين تصير الحضانة للأب ، وأما ما تضمنه من أن الأم أحق
بالأنثى حتى تبلغ سبع سنين فلم نقف له على نص صريح ، وليس في الأخبار المتقدمة وهي
أخبار المسألة كملا ـ مما يتضمن السبع إلا صحيحة أيوب بن روح وروايته المنقولة من
مستطرفات السرائر ، وظاهرهما العموم لكل من الذكر والأنثى ، وأن الأم أحق بهما في
هذه المدة ، وإلى العمل بهذه الصحيحة على عمومها مال السيد السند في شرح النافع ،
والشيخ ومن تأخر عنه حملوها على البنت جمعا بينها وبين ما دل على أن الذكر بعد
الحولين تصير حضانته إلى الأب ، وحينئذ فيصير الخبر باعتبار ذلك دليلا لما ذكره في
النهاية.
وأما القول الثاني فالوجه في حكم الذكر ظاهر مما عرفت.
وأما الأنثى وأنها في حضانة الأم إلى تسع سنين فلم نقف على خبر يدل عليه ، وقد
اعترف بذلك من تقدمنا أيضا ، ولعل شيخنا المفيد ـ رحمة الله عليه ـ وصل إليه خبر
بما ذكره وإن لم يصل إلينا.
وأما القول الثالث ـ وهو مذهب الصدوق ـ فيدل عليه رواية
المنقري (1) المتقدمة ،
ورواية حفص بن غياث (2) والشيخ ـ رحمهالله ـ قد حمل الرواية
تارة على ما إذا كانت تكفله بما يكفله غيرها ، قال : ويحتمل أن يكون المراد بالولد
هنا الأنثى ويحتمل أن يكون المراد به ما لم يفطم.
وأما القول الرابع فقد عرفت ما فيه من كلام ابن إدريس ،
والأقرب عندي في الجمع بين أخبار المسألة هو أن يقال : إنه بعد الطلاق إن وقع
التشاجر والنزاع بين الأبوين في الحضانة فالظاهر أن الأب أحق به إلا في مدة
الحولين إذا رضيت بما يرضى به غيرها ، أو تبرعت ، فإنها تصير حينئذ أحق ، وإلى ما
ذكرنا من أحقية الأب يشير قوله عليهالسلام في رواية
البقباق (3) بعد أن سأله :
الرجل أحق بولده أم المرأة؟ فقال : بل الرجل ، وإن لم يكن هناك تنازع بينهما فالأم
أحق به إلى السبع ما لم تتزوج ، وعلى ذلك يحمل ما دل على السبع على عمومه ، ويؤيده
ما ورد في جملة من الأخبار الدالة على ما ينبغي أن يفعل بالولد في مبدأ نشوه
وتربيته.
ففي خبر يونس (4) عن رجل عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «دع
ابنك يلعب سبع سنين وألزمه نفسك سبعا ، فإن أفلح وإلا فإنه لا خير فيه».
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 40 ح 4 ، الوسائل ج 15 ص 175 ب 68 ح 1.
(2) الفقيه ج 3 ص 275 ح 2.
(3) الكافي ج 6 ص 44 ح 1 ، التهذيب ج 8 ص 105 ح 2 ، الوسائل ج
15 ص 191 ح 3.
(4) الكافي ج 6 ص 46 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 193 ح 1.
وفي الفقيه (1) عن أمير المؤمنين عليهالسلام قال : «يربى
الصبي سبعا ، ويؤدب سبعا ويستخدم سبعا».
وفي رواية يونس بن يعقوب (2) عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «أمهل
صبيك حتى يأتي له ست سنين ، ثم ضمه إليك سبع سنين ، فأدبه بأدبك» الحديث.
وفي رواية ابن أسباط (3) عن عمه عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إن
الغلام يلعب سبع سنين ، ويعلم الكتاب سبع سنين ، ويتعلم الحلال والحرام سبع سنين».
فإنه لا يخفى أن السبع التي هي مدة التربية واللعب إنما
يكون عند الأم لأنها هي المربية له ، وإليه يشير قوله «ثم ضمه إليك وألزمه نفسك»
يعني بعد تلك السبع ، وهو ظاهر في أن الأب إنما يضمه إلى نفسه وتصير الحضانة له
بعد تلك السبع التي مضت للولد عند امه ، ولا فرق في ذلك بين الذكر والأنثى.
المسألة الثانية : قد صرح
الأصحاب بأن حضانة الأم حيث تثبت لها الحضانة مشروطة بشروط :
الأول : أن تكون
مسلمة إذا كان الولد مسلما كولد المسلم المحكوم بالإسلام لإسلام أبيه ، وعلل بأن
الحضانة ولاية ، ولا ولاية للكافر على المسلم ، للآية (4) وبأنها تفتنه
عن دينه لأنه ينشأ على ما يألفه منها.
قالوا : ولو كان الولد كافرا تبعا لأبويه فحضانته على ما
فصل إن ترافعوا إلينا.
الثاني : أن تكون حرة ، فلا حضانة لها لو كانت أمة لأن
منافعها مملوكة
__________________
(1) الفقيه ج 3 ص 319 ح 5 ، الوسائل ج 15 ص 195 ح 5.
(2) الكافي ج 6 ص 46 ح 2 ، التهذيب ج 8 ص 111 ح 28 ، الوسائل ج
15 ص 193 ح 2.
(3) الكافي ج 6 ص 47 ح 3 ، التهذيب ج 8 ص 111 ح 29 ، الوسائل ج
15 ص 194 ح 1 وليس في المصادر «ان».
(4) سورة النساء ـ آية 141.
أقول : ويؤيده بل يدل عليه ما تقدم من رواية داود الرقي (1) وصحيحة الفضيل
بن يسار (2) ومقطوعة جميل
وابن بكير (3) والتقريب فيها
أنه رتب الولاية في الحضانة على الحرية فمنع الأب من الحضانة ما دام رقا ، وأنما
يجوز له بعد الحرية مع ما عرفت آنفا من أن الحضانة للأب إلا في مدة الرضاع
الثالث : أن تكون عاقلة ، فلا حضانة للمجنون لأن المجنون
يحتاج إلى من يحضنه ، فكيف يحضن غيره ، قالوا : ولا فرق بين أن يكون الجنون مطبقا
أو أدوارا ، إلا أن يقع نادرا من غير أن تطول مدته فلا يبطل الحق ، وفي إلحاق
المرض المزمن الذي لا يجرى زواله كالسل والفالج بحيث يشغل الألم عن كفالته وتدبير
أمره وجهان : من اشتراكهما في المعنى المانع من مباشرة الحفظ ، وأصالة عدم سقوط
الولاية مع إمكان تحصيلها بالاستنابة ، ولعل هذا أرجح.
قيل (4) ولو كان المرض مما يعدي كالجذام
والبرص فالأظهر سقوط حضانتها بذلك تحرزا من تعدي الضرر إلى الولد ، وهو مبني على
الخبر الوارد عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم (5) «فر من المجذوم
فرارك من الأسد». ويحتمل بناء على خبر (6) «لا عدوى ولا
طيرة». وخبر من ذا الذي أعدى الأول عدم سقوط الولاية ، والشهيد في قواعده ذكر
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 45 ح 5 ، التهذيب ج 8 ص 107 ح 10 ، الوسائل ج
15 ص 181 ب 73 ح 2.
(2) الفقيه ج 3 ص 275 ح 3 ، الوسائل ج 15 ص 181 ح 1.
(3) الكافي ج 5 ص 492 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 335 ح 5 ، الوسائل ج
14 ص 529 ح 4.
(4) القائل السيد السند في شرح النافع (منه ـ قدسسره ـ).
(5) الفقيه ج 3 ص 258 ح 4 ، الوسائل ج 8 ص 431 ح 2.
(6) الوسائل ج 8 ص 370 ب 28 ح 1.
الرابع : أن تكون فارغة من حقوق الزوج ، فلو تزوجت سقط
حقها من الحضانة.
أقول : ويدل على هذا الشرط ما تقدم في حديثي المنقري
وحفص بن غياث الدالين على أن المرأة أحق بالولد ما لم تتزوج ، ونقل الشهيد الثاني
في الروضة الإجماع على هذا الشرط وإطلاق النص ، وكلام الأصحاب يقتضي أنه لا فرق في
سقوط حقها بالتزويج بين دخول الزوج وعدمه ، ويحتمل اختصاص السقوط بحال الدخول لأنه
الذي يحصل فيه الاشتغال بحقوق الزوج المانعة لها من الكفالة.
بقي الكلام في أنه لو طلقت الام فهل تعود إليها الولاية
لزوال المانع وهو التزويج؟ أم لا لخروجها بالنكاح عن الاستحقاق فلا تعود إلا بدليل؟
قولان : أولهما للشيخ ، والثاني لابن إدريس ، والشيخ إنما استدل هنا بأخبار العامة
، فاحتج بما رواه أبو هريرة (1) «أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : الأم
أحق بحضانة ابنها ما لم تتزوج». قال : حد حقها بالتزويج ، فإذا زال التزويج فالحق
باق على ما كان.
وعن عبد الله بن عمر (2) «أن امرأة قالت
: يا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إن ابني هذا
كان بطني له وعاء ، وثديي له سقاء وحجري له حواء ، وأن أباه طلقني وأراد أن ينزعه
مني ، فقال لها النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : أنت أحق به
ما لم تنكحي».
احتج ابن إدريس بأن الحق خرج عنها بالنكاح وعوده يحتاج
إلى دليل ، والرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم جعل غاية
الاستحقاق للحضانة التي تستحقها الام تزويجها ، وهذه قد تزوجت. فخرج الحق منها.
والعجب من الشيخ في استناده إلى هذه الأخبار العامية ،
مع روايته للأخبار التي من طرق أهل البيت عليهمالسلام في كتب
الحديث.
قال العلامة في المختلف بعد نقل القولين المذكورين :
والوجه ما قاله
__________________
(1) سنن أحمد ج 2 ص 203 وفيه «عن عمرو بن العاص» مع اختلاف
يسير.
(2) سنن ابن داود ج 2 ص 283 ح 2276.
الشيخ لأن الحضانة جعلت إرفاقا بالصبي
، فإذا تزوجت الام خرجت باشتغالها بزوجها وحقوقه عن الحضانة للطفل ، فلهذا سقطت ،
فإذا طلقت زال المانع فيبقى المقتضي سليما عن المعارض فيثبت حكمه ، وظاهر السيد
السند في شرح النافع الميل إلى هذا القول أيضا حيث جعله الأقرب ، والظاهر أنه كذلك
، ثم إنه بناء على العود بالطلاق فظاهر كلام السيد المشار إليه أنه إنما يعود
بمجرد الطلاق إذا كان الطلاق بائنا ، ولو كان رجعيا فبعد العدة.
وفيه أنه من الممكن ترتب الحكم على مجرد الطلاق في
الرجعي أيضا بناء على أنها لا يجب عليها بعد الطلاق شيء من حقوق الزوجية التي بها
حكموا بزوال حضانتها بالتزويج ، وحينئذ فتكون فارغة لكفالة الصبي والقيام بأحواله.
الخامس : أن تكون أمينة ، فلا حضانة لمن لا أمانة لها ،
قال في شرح النافع : وهذا الشرط لم يعتبره المصنف ، وقد اعتبره الشيخ في المبسوط
وجماعة منهم الشهيد في القواعد ، ولا بأس به لأن من لا أمانة لها ربما خانت في حفظ
الولد ، ولأن في التكليف بتسليم الولد إلى غير المأمونة عسرا وحرجا فكان منفيا.
أقول : لا يخفى ما في هذه التعليلات العليلة ، فإن
الخروج عما ثبت شرعا لها من حق الحضانة بمثل هذه التعليلات لا يخلو من مجازفة ،
على أنه من المعلوم الذي جبلت عليه الطباع حنو المرأة على ولدها وحرصها على القيام
به واللطف به في جميع أحواله وحرصها على ما يصلحه وينفعه ، كل ذلك جبلة وطبيعة
وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر لا مرية فيه ، وكيف مع هذا يتم ما ذكره من قوله «وربما
خانت في حفظ الولد».
وبالجملة فإن كلامه ـ رحمهالله ـ عندي هنا غير موجه ، على أنه لو تم ما ذكروه من هذه التخريجات لجرى ذلك في الأب أيضا وهو معلوم البطلان ، ولعل ترك هذا الشرط هو الأظهر ، فإن الام لمزيد شفقتها وحنوها على ولدها طبيعة وجبلة يمنع مما توهمه علة لهذا الشرط.
السادس : أن تكون مقيمة ، فلو انتقلت إلى محل تقصر فيه
الصلاة سقط حقها من الحضانة عند الشيخ في المبسوط ، ثم نقل عن قوم أنه إن كان
المنتقل هو الأب فالأم أحق به ، وإن انتقلت الأم فإن كان انتقالها من قرية إلى بلد
فهي أحق به ، وإن كان من بلد إلى قرية فالأب أحق به ، لأن في السواد يقل تعليمه
وتخرجه ، وقال ـ بعد نقل ذلك ـ : إنه قوي ، وحكى الشهيد في قواعده قولا بأن الأب
لو سافر جاز له استصحاب الولد وسقطت حضانة الأم.
أقول : الظاهر أن جميع هذه التفريعات والتعليلات كلها من
كلام العامة ، كما عرفت في غير موضع من الكتب السابقة ، جرى عليها الشيخ في
المبسوط وتبعه غيره.
ولا يخفى ما في بناء الأحكام الشرعية عليها من المجازفة
في أحكامه سبحانه المبنية على النصوص الواضحة من الكتاب والسنة ، كما استفاضت به
أخبارهم عليهمالسلام.
المسألة الثالثة : قد صرحوا
بأنه لو مات الأب وقد صارت الحضانة له بأن كان الولد أكبر من سنتين والبنت أكبر من
سبع ـ بناء على ما ذكروه مما تقدم نقله عنهم ـ فإن الحضانة تنتقل إلى الأم دون
الوصي المنصوب من قبل الأب وغيره ، وكذا تكون الأم أحق لو كان الأب مملوكا أو
كافرا وإن تزوجت ، إلا أن يعتق المملوك ويسلم الكافر.
أقول : أما الحكم الأول فلم أقف له على دليل في النصوص
وهم أيضا لم يذكروا له دليلا ، وإن كان من الأدلة الاعتبارية الجارية في كلامهم ،
والمقطوع به في النصوص هو أن الحضانة لها في مدة الرضاع كما تقدم ، وأن الأب لا
يزاحمها فيها ، فلو مات في هذه الحال فالام باقية على ولايتها ، وليس للوصي
معارضتها لأنها إذا كانت في هذه الحال أولى من الأب على تقدير وجوده فهي أولى من
وصيه بطريق الأولى مع موته.
وكذا في السبع في البنت على ما يدعونه مما تقدم في كلامهم لعين ما ذكر ، وأما بعد هذه المدة فيما إذا صارت الولاية للأب لو مات الأب فلا أعرف دليلا على رجوع الولاية لها ، وأنها حق الوصي ، إلا أن ظاهر كلامهم الاتفاق على أنها للأم ، وفرعوا عليه أيضا عدم الفرق بين كون الام متزوجة أم لا ، وبهذا التعميم صرح العلامة في الإرشاد فقال : ولو مات الأب لم تسقط به يعني التزويج ، واستحقت الحضانة إلى وقت التزويج.
وأما الحكم الثاني ، فإما بالنسبة إلى كون الأب مملوكا
فقد تقدم ما يدل عليه من الأخبار مثل رواية داود الرقي (1) وصحيحة الفضيل
بن يسار (2) ومقطوعة جميل
وابن بكير (3) ، وفي الأولى
دلالة على الأولوية وإن تزوجت كما ذكروه ، وأما بالنسبة إلى كونه كافرا فاستدلوا
عليه بمفهوم الأولوية من المملوك فإنه متى كانت الأم أولى من الأب المملوك فبطريق
الأولى تكون أولى من الكافر ، لأنه أبعد من الولاية.
المسألة الرابعة : قد اختلف
الأصحاب في حكم الحضانة مع فقد الأبوين اختلافا زائدا لعدم النصوص الواردة في هذا
المقام غير رواية ابن الشيخ الطوسي في أماليه الواردة في ابنة حمزة ، والأكثر في
هذه المسألة على تعدي الحكم إلى باقي الأقارب ، وترتيبهم على ترتيب الإرث تمسكا
بظاهر قوله تعالى «وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ
اللهِ»
(4) فإن الأولوية
تشمل الإرث والحضانة وغيرهما ، ولأن الولد يفتقر إلى التربية والحضانة ، فلا بد من
أن يكون له من يقوم بذلك ، والقريب أولى من البعيد ، وعلى هذا فمع فقد الأبوين
ينظر في الموجود من الأقارب ، ويقدر لو كان وارثا ، ويحكم له بحق الحضانة ، ثم إن
اتحد اختص ،
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 45 ح 5 ، الوسائل ج 15 ص 181 ب 73 ح 2.
(2) الفقيه ج 3 ص 275 ح 3 ، الوسائل ج 15 ص 181 ح 1.
(3) الكافي ج 5 ص 492 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 182 ب 73 ح 3.
(4) سورة الأنفال ـ آية 75.
وإن تعدد أقرع بينهم لما في اشتراكهم
من الإضرار بالولد.
قال في المسالك : وهذا القول هو المعتمد. وقيل : إنه مع
فقد الأبوين تكون الحضانة لأب الأب مقدما على غيره من الاخوة والأجداد ، وإن
شاركوه في الإرث ، وهذا هو الذي قطع به المحقق والعلامة في غير المختلف وجماعة
منهم الشيخ في موضع من المبسوط وابن إدريس كما سيأتي في نقل كلامه. وقيل :
إنه مع فقد الأبوين ينتقل الحكم إلى الأجداد ، ويقدمون
على الاخوة وإن شاركوهم في الميراث ، ولا يفرق بين الجد للأب وغيره ، ومع فقدهم
ينتقل إلى باقي مراتب الإرث ، وهذا القول مذهب العلامة في الإرشاد ، وأجمل حكم
الأجداد ، ولم يفصل الحكم في الأجداد مع التعدد والعلو ، ومن يتقرب منهم بالأب أو
الأم. وقيل : إنه مع موت الأب تقوم امه مقامه في ذلك ، فإن لم يكن له أم وكان له
أب قام مقامه في ذلك ، فإن لم يكن له أب ولا أم كانت الأم التي هي الجدة أحق به من
البعد ، وهذا القول مذهب الشيخ المفيد في المقنعة. وقيل : إن من مات من الأبوين
كان الباقي أحق به من قرابة الميت إلا أن يكون المستحق له غير رشيد ، فيكون من قرب
إليه أولى به ، فإن تساوت القربات قامت القربات مقام من هي له قرابة في ولايته ـ إلى
أن قال : ـ والام أولى ما لم تتزوج ثم قرابتها أحق به من قرابة الأب لحكم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (1) بابنة حمزة
لخالتها دون أمير المؤمنين عليهالسلام وجعفر ، وقد
طالبا بها لأنها ابنة عمهما جميعا ، وقال أمير المؤمنين عليهالسلام : عندي ابنة
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهي أحق بها ،
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ادفعوها إلى
خالتها ، فإن الخالة أم. وهذا القول لابن الجنيد ، وفي المسألة أقوال أخر غير ما
ذكرناه.
أقول : والمسألة لعدم النص لا تخلو من الإشكال إلا أن
الظاهر أن ما ذكره ابن إدريس (2) هنا هو الأقرب
إلى جادة الاعتدال حيث قال ـ بعد أن نقل عن
__________________
(1) الوسائل ج 15 ص 182 ب 73 ح 4.
(2) السرائر لابن إدريس ص 319.
الشيخ في الخلاف كلاما طويلا يتضمن
تعدية ولاية الحضانة إلى باقي الوراث وتقديم بعضهم على بعض ـ ما صورته : ما ذكره
الشيخ في الخلاف من تخريجات المخالفين ومعظم قول الشافعي ، وبناهم على القول
بالعصبة ، وذلك عندنا باطل ، ولا حضانة عندنا إلا للام نفسها والأب ، فأما غيرهما
فليس لأحد عليه ولاية سوى الجد من قبل الأب خاصة.
قال في شرح النافع : ويظهر من المصنف في الشرائع الميل إلى هذا القول ، ولا يخفى وجاهته ، وإنما قلنا بثبوت الولاية للجد من قبل الأب لأن له ولاية المال والنكاح ، فيكون له ولاية التربية بطريق أولى ، وإنما كانت الأم أولى منه بالنص ، فمع عدمها وعدم من هو أولى منه تثبت الولاية ، وعلى هذا فلو فقد الأبوان والجد فإن كان للولد مال استأجر الحاكم له من يربيه من ماله ، فإن لم يكن له مال كان حكم تربيته حكم الإنفاق عليه ، فيجب على المؤمنين كفاية. انتهى وهو جيد ، ولهم هنا تفريعات على ما ذكروه من الأقوال أعرضنا عن التطويل بنقلها لما عرفت في الأصل المبني عليه في المقام من كونه في معرض التزلزل والانهدام.