ج23 - فوائد في النكاح

كتاب النكاح

وفيه مقدمة وفصول ، المقدمة ـ وفيها فوائد :

الاولى : في بدو النكاح وأصله روى الصدوق في الفقيه عن زرارة (1) في الصحيح قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن خلق حواء وقيل له : إن أناسا عندنا يقولون : إن الله عزوجل خلق حواء من ضلع آدم الأيسر الأقصى ، فقال : سبحان الله وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ، أيقول من يقول هذا : إن الله تبارك وتعالى لم يكن له من القدرة ما يخلق لآدم زوجة من غير ضلعه ، ويجعل للمتكلم من أهل التشنيع سبيلا إلى الكلام أن يقول : إن آدم كان ينكح بعضه بعضا إذا كانت من

__________________

(1) الفقيه ج 3 ص 239 ح 1 ، الوسائل ج 14 ص 2 ح 1.



ضلعه ، ما لهؤلاء! حكم الله بيننا وبينهم ، ثم قال عليه‌السلام : إن الله تبارك وتعالى لما خلق آدم عليه‌السلام من طين وأمر الملائكة فسجدوا له ألقي عليه السبات ، ثم ابتدع له حواء فجعلها في موضع النقرة التي بين وركيه ، وذلك لكي تكون المرأة تبعا للرجل ، فأقبلت تتحرك فانتبه لتحركها ، فلما انتبه نوديت أن تنحي عنه ، فلما نظر إليها نظر إلى خلق حسن ، يشبه صورته ، غير أنها أنثى ، فكلمها فكلمته بلغته ، فقال لها : من أنت؟ قالت : خلق خلقني الله كما ترى ، فقال آدم عليه‌السلام عند ذلك : يا رب ما هذا الخلق الحسن الذي قد آنسني قربه ، والنظر إليه؟ فقال الله تبارك وتعالى : يا آدم هذه أمتي حواء أفتحب أن تكون معك تؤنسك وتحدثك وتكون تبعا لأمرك؟ فقال : نعم يا رب ، ولك علي بذلك الحمد والشكر ما بقيت ، فقال له عزوجل : فاخطبها إلي فإنها أمتي ، وقد تصلح لك أيضا زوجة للشهوة ، وألقى الله عزوجل عليه الشهوة ، وقد علمه قبل ذلك المعرفة بكل شي‌ء فقال : يا رب فإني أخطبها إليك فما رضاك لذلك؟ فقال عزوجل : رضاي أن تعلمها معالم ديني ، فقال : ذلك لك يا رب علي إن شئت ذلك لي ، فقال عزوجل : وقد شئت ذلك ، وقد زوجتكها فضمها إليك ، فقال لها آدم عليه‌السلام : إلي فاقبلي فقالت له : بل أنت فأقبل إلي فأمر الله عزوجل آدم أن يقوم إليها ، ولو لا ذلك لكان النساء هن يذهبن إلى الرجال حتى يخطبن على أنفسهن فهذه قصة حواء صلوات الله عليها».

ثم قال في الفقيه بعد نقل الخبر المذكور وأما قول الله عزوجل (1) «يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً» فإنه روي «إنه عزوجل خلق من طينتها زوجها ، (وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً)».

__________________

(1) سورة النساء ـ آية 1.


والخبر الذي روي أن حواء خلقت من ضلع آدم الأيسر صحيح ، ومعناه من الطينة التي فضلت من ضلعه الأيسر ، فلذلك صارت أضلاع الرجل أنقص من أضلاع النساء بضلع».

ومنها ما رواه في الفقيه في الصحيح والشيخ في التهذيب في الضعيف عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في ميراث الخنثى ، يعد الأضلاع ، والحديث طويل ، قال فيه برواية الشيخ في التهذيب (1) «فقال الزوج : يا أمير المؤمنين امرأتي وابنة عمي ألحقتها بالرجال ممن أخذت هذه القضية ، قال : اني ورثتها من أبي آدم وأمي حواء خلقت من آدم ، وأضلاع الرجال أقل من أضلاع النساء بضلع».

وفي رواية الفقيه «فقال زوجها : يا أمير المؤمنين ابنة عمي وقد ولدت مني تلحقها بالرجال؟!! فقال : اني حكمت عليها بحكم الله ، إن الله تعالى خلق حواء من ضلع آدم الأيسر الأقصى ، وأضلاع الرجال تنقص ، وأضلاع النساء تمام».

وروي في الفقيه أيضا عن السكوني (2) عن جعفر بن محمد عن أبيه عليه‌السلام «أن علي بن أبي طالب عليه‌السلام كان يورث الخنثى فيعد أضلاعه ، فإن كانت أضلاعه أنقص من أضلاع النساء بضلع ، ورث ميراث الرجال ، لأن الرجل تنقص أضلاعه عن ضلع النساء بضلع ، لأن حواء خلقت من ضلع آدم عليه‌السلام القصوى اليسرى فنقص من أضلاعه ضلع واحد».

وما رواه العياشي في تفسيره (3) «عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : خلقت حواء من قصيرا جنب آدم ، والقصيرا هو الضلع الأصغر ، وأبدل الله مكانه لحما».

وفي رواية (4) «خلقت حواء من جنب آدم وهو راقد».

ومما يؤيد الخبر الأول ما رواه العياشي في تفسيره عن الباقر عليه‌السلام (5) «أنه

__________________

(1) الفقيه ج 4 ص 239 ح 4 ، التهذيب ج 9 ص 354 ح 5 ، الوسائل ج 17 ص 575 ح 3.

(2) الفقيه ج 4 ص 238 ح 2 ، الوسائل ج 17 ص 576 ح 4.

(3 و 4 و 5) تفسير العياشي ج 1 ص 215 ح 2 و 3 وص 216 ح 7 ، البحار ج 11 ص 116.


سئل من أي شي‌ء خلق الله حواء؟ فقال : أي شي‌ء يقولون هذا الخلق؟ قلت : يقولون ، إن الله خلقها من ضلع من أضلاع آدم فقال : كذبوا أكان الله يعجزه أن يخلقها من غير ضلعه؟ فقلت : جعلت فداك يا بن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من أي شي‌ء خلقها؟ فقال : أخبرني أبي عن آبائه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله تبارك وتعالى قبض قبضة من طين فخلطها بيمينه ـ وكلتا يديه يمين ـ فخلق منها آدم وفضلت فضلة من الطين فخلق منها حواء».

ومن الأخبار المنتظمة في سلك هذا النظام ما رواه في علل الشرائع بإسناده إلى عبد الله بن يزيد بن سلام (1) «أنه سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : فأخبرني عن آدم خلق من حواء أو خلقت حواء من آدم؟ قال : بل حواء خلقت من آدم ولو كان آدم خلق من حواء لكان الطلاق بيد النساء ، ولم يكن بيد الرجال.

قال : فمن كله خلقت أو من بعضه؟ قال : بل من بعضه ، ولو خلقت من كله لجاز القصاص في النساء ، كما يجوز في الرجال.

قال : فمن ظاهره أو باطنه؟ قال : بل من باطنه ، ولو خلقت من ظاهره لانكشفن النساء كما ينكشف الرجال ، فلذلك صارت النساء متسترات.

قال : فمن يمينه أو من شماله؟ قال : بل من شماله ، ولو خلقت من يمينه لكان للأنثى مثل حظ الذكر من الميراث ، فلذلك صار للأنثى سهم ، وللرجل سهمان ، وشهادة امرأتين مثل شهادة رجل واحد.

قال : فمن أين خلقت قال : من الطينة التي فضلت من ضلعه الأيسر ، قال : صدقت يا محمد». والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

وبإسناده إلى الحسن بن عبد الله (2) عن آبائه عن جده الحسن بن علي بن

__________________

(1) العلل ص 470 طبع النجف الأشرف سنة 1385 ح 31 من باب 222 النوادر البحار ج 11 ص 101.

(2) علل الشرائع ص 512 ب 286 ح 1.


أبي طالب عليهما‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث طويل يقول فيه عليه‌السلام «خلق الله عزوجل آدم من طين ومن فضلته وبقيته خلقت حواء».

أقول : والجمع بين هذه الأخبار محتمل بأحد وجهين.

أحدهما ـ حمل ما تدل على أنه خلقت من ضلعه على التقية ، لما عرفت من نسبة القول بذلك إلى العامة ، وتشديدهم في إنكاره ، ولا ينافي ذلك أخبار الخنثى ، لأن الحكم عليها بذكورية انما وقع من حيث كونها مثل الذكور في عدد الأضلاع ، فألحقت بهم ، وأما تعليل ذلك بما ذكر فإنما خرج مخرج التقية.

وثانيهما ـ أن المراد بخلقها من ضلعه الأيسر يعنى من طينة ضلعه الأيسر كما صرح به الخبر الأخير ، وأجمل في غيره من الأخبار بأنها خلقت من فضل طينته ، فمعنى قولهم أن حواء خلقت من آدم أو من ضلعه ليس على ما يتبادر في الظاهر كما فهمه العامة وقالوا به ، بل المراد إنما هو باعتبار الطينة ، وحينئذ فالتكذيب للعامة إنما هو فيما فهموه من الخبر وحملوه عليه ، وإلى هذا يأول كلام الصدوق في الفقيه المتقدم فإنه جعله وجه جمع بين الأخبار.

ومثل هذا الاختلاف في الأخبار قد وقع في تزويج آدم بناته من بنيه وعدمه ، فجملة من الأخبار دلت على الأول وجملة دلت على الثاني بأبلغ وجه في إنكار الأول كما تضمنه بعضها ، والجمع بينهما بحمل الأخبار الدالة على الأول على التقية كما هو قول المخالفين المنسوب إليهم وفي بعض الأخبار بالنسبة إلى كلا الأمرين أنه كان حلالا ثم حرم ، وهو ما رواه في كتاب الاحتجاج عن علي بن الحسين (1) عليه‌السلام في حديث طويل وربما جعل وجها للجمع بين الأخبار.

وفيه أن الأخبار إنما تصادمت وتعارضت في فعل آدم ونكاحه حواء مع كونها خلقت منه ، وتزويج بناته بأولاده وقد دلت أخبار المنع على إنكاره في

__________________

(1) الاحتجاج ج 2 ص 44 طبع النجف الأشرف.


كلا الموضعين أشد الإنكار ، فكيف يجعل هذا وجها في الجمع بينهما ، وهي ظاهرة في رده.

نعم حمل هذا الخبر على التقية كما حملنا عليه تلك الأخبار لا يخلو من البعد لأن المخالفين قائلون بوقوع ذلك من آدم من غير نسخ ولا تحريم بعد ذلك إلا أنه يمكن ايضا رجوعه إلى تلك الأخبار بنوع من الاعتبار ، بان يكون منشأ التقية فيها فعلة آدم وأن حكمهم بصحة فعله في كلا المقامين تقية ، أعم من أن يكون نسخ ذلك أو لم ينسخ ، والله العالم.

الثانية : قد استفاضت الأخبار بل ربما بلغت حد التواتر المعنوي بالحث على النكاح والترغيب فيه ، وعضدتها جملة من الآيات القرآنية.

قال الله عزوجل (1) «وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ ، وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ» ، وقال تعالى شأنه (2) «وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» إلى غير ذلك من الآيات.

وروى المشايخ الثلاثة نور الله تعالى مراقدهم ، عن القداح (3) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «ركعتان يصليهما متزوج أفضل من رجل عزب يقوم ليله ويصوم نهاره».

قال في غيره (4) «وروي أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أكثر أهل النار العزاب».

وروي في الكافي عن كليب الأسدي (5) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال رسول الله

__________________

(1) سورة النور ـ آية 32.

(2) سورة الروم ـ آية 21.

(3) الكافي ج 5 ص 329 ح 6 ، التهذيب ج 7 ص 239 ح 3 ، الفقيه ج 3 ص 242 ح 1147.

(4) الفقيه ج 3 ص 242 ح 1149.

(5) الكافي ج 5 ح 328 ح 2.

وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 7 ح 3 وص 8 ح 7 وص 5 ح 11.


صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من تزوج أحرز نصف دينه». قال : وفي حديث آخر «فليتق الله في النصف الآخر أو الباقي».

أقول : لعل المراد ـ والله سبحانه وقائله أعلم ـ أن الداعي إلى ارتكاب المحرم إما أن يكون من جهة الشهوة الحيوانية ، أو من جهة الضرورة البدنية بالمأكل والملبس ، والأول يندفع بالتزويج ، ويبقي الباقي وليتق الله سبحانه فيه بتحصيله من حله.

وروي في الكافي والفقيه (1) «عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن أراذل موتاكم العزاب».

وروي في الكافي في الحسن أو الصحيح عن عبد الله بن سنان (2) «عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : لما لقي يوسف أخاه قال : يا أخي كيف استطعت أن تتزوج النساء بعدي؟ فقال : إن أبي أمرني وقال : إذا استطعت أن تكون لك ذرية تثقل الأرض بالتسبيح فافعل».

وفي الفقيه عن عمرو بن شمر (3) «عن الباقر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما يمنع المؤمن أن يتخذ أهلا ، لعل الله أن يرزقه نسمة تثقل الأرض بلا إله إلا الله».

وروي في الفقيه في الصحيح عن ابن رئاب عن محمد بن مسلم (4) «عن أبي عبد الله عليه‌السلام» قال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم غدا في القيامة حتى أن السقط ليجي‌ء محبنطئا (5) على باب الجنة فيقال له : أدخل فيقول : لا حتى يدخل أبواي قبلي».

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 329 ح 3 ، الفقيه ج 3 ص 242 ح 3.

(2) الكافي ج 5 ص 329 ح 4.

(3 و 4) الفقيه ج 3 ص 241 ح 1.

وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 7 ح 3 وص 5 ح 9 وص 3 ح 3 و 2.

(5) المحبنطئ بالحاء المهملة ثم الباء الموحدة ثم النون ثم الطاء المهملة يهمز ولا يهمز هو الممتلئ غضبا وغيضا المستبطئ للشي‌ء ، وقيل : هو الممتنع امتناع طلب لا امتناع إباء (منه ـ رحمه‌الله ـ).


وروي في الكافي عن محمد بن مسلم (1) «عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : تزوجوا فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من أحب أن يتبع سنتي فإن من سنتي التزويج».

وروي في الكافي والتهذيب عن القداح (2) «عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : جاء رجل إلى أبي عبد الله عليه‌السلام فقال له : هل لك من زوجة؟ فقال لا فقال : أبو عبد الله عليه‌السلام : ما أحب أن الدنيا وما فيها لي وإني بت ليلة ليست لي زوجة».

ثم قال : ركعتان يصليهما متزوج أفضل من رجل عزب يقوم ليله ويصوم نهاره.

ثم أعطاه أبي سبعة دنانير وقال : تزوج بهذه ، ثم قال : قال أبي : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اتخذوا الأهل فإنه أرزق لكم».

إلى غير ذلك من الأخبار الجارية في هذا المضمار.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه لا خلاف بين أصحابنا (رضى الله عنهم) في استحبابه استحبابا مؤكدا لمن تاقت نفسه إليه ، بل ادعي على ذلك إجماع المسلمين إلا من شذوذ منهم ، حيث ذهب إلى الوجوب.

وإنما الخلاف فيمن لم تتق نفسه إليه ، فالمشهور الاستحباب أيضا لما تقدم من الآيات والروايات ، فإنها دالة بإطلاقها وعمومها على ذلك ، وهو الحق الحقيق بالاتباع ، فإن استحباب النكاح لا ينحصر في كسر الشهوة ، ليكون عدمها رافعا لاستحبابه ، بل قد عرفت من الأخبار المتقدمة أن له فوائد وغايات عديدة.

منها : كثرة النسل ، وما يترتب عليه من الفوائد المذكورة في الأخبار كمباهاته صلى‌الله‌عليه‌وآله بهم الأمم ، وشفاعة الطفل لأبويه ونحو ذلك.

__________________

(1 و 2) الكافي ج 5 ص 329 ح 5 و 6، التهذيب ج 7 ص 239 ح 3 ، الوسائل ج 14 ص 6 ح 14 وص 7 ح 4.


ومنها : الزيادة في الرزق كما دل عليه الخبر الأخير ، وفي معناه أخبار أخر أعرضنا عن التطويل بنقلها ، ومنها : مزيد الثواب في عباداته.

ونقل عن الشيخ في المبسوط أن من لا يشتهي النكاح يستحب له أن لا يتزوج مستدلا بقوله تعالى (1) عن يحيى «سَيِّداً وَحَصُوراً» حيث مدحه على كونه حصورا ، وهو الذي لا يشتهي النساء ، وقيل : الذي يمكنه أن يأتي ولا يفعله.

واستدل له أيضا بأن في النكاح تعريضا لتحمل الحقوق الزوجية والاشتغال عن كثير من المطالب الدينية ، وحصول الولد الصالح والزوجة الصالحة غير معلوم ، وبالذم المتبادر عن قوله تعالى (2) «زُيِّنَ لِلنّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ» خرج منه ما أجمع على رجحانه فيبقى الباقي.

وأجيب بأن مدح يحيى بذلك لعله مختص بشرعه ، فلا يلزمنا مثله ، ورد بأن المدح في كتابنا وهو شرعنا وهو مطلق ، فلا دلالة على اختصاصه بشرعه وعلى تقدير نقله عن شرعه ففي تعديته إلى شرعنا مع نقل القرآن له وعدم الإشارة إلى نسخه دليل إلى ثبوته ، وكون شرعنا ناسخا لما قبله من الشرائع يفيد نسخ المجموع من حيث هو مجموع ، وأما الأفراد فلا ، للقطع ببقاء كثير منها في شرعنا كأكل الطيبات ونكاح الحلائل وغير ذلك ، انتهى.

أقول : لا يخفى على من راجع الأخبار وجاس خلال الديار أن المعلوم منها هو استحباب النكاح مطلقا والتأكيد فيه كما قدمنا ذكره ، وأن ما كان في الأمم السابقة من الرهبانية والتبتل بترك النكاح وغيره منسوخ في شرعنا وأن ما دلت عليه الآية المزبورة من مدح يحيى بكونه حصورا لا يأتي النساء أو لا يشتهي غير محمول عليه في شرعنا.

فمن الأخبار الدالة على ما ذكرنا بأوضح دلالة زيادة على ما تقدم ما رواه

__________________

(1 و 2) سورة آل عمران ـ آية 39 و 14.


في الكافي (1) «عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : جاءت امرأة عثمان بن مظعون إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت : يا رسول الله إن عثمان يصوم النهار ويقوم الليل.

فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مغضبا يحمل نعليه حتى جاء إلى عثمان فوجده يصلي ، فانصرف عثمان حين رأي رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ فقال له : يا عثمان لم يرسلني الله تعالى بالرهبانية ، ولكن بعثني بالحنفية السهلة السمحة أصوم وأصلي وألمس أهلي ، فمن أحب فطرتي فليستن بسنتي ، ومن سنتي النكاح».

وروى في الكتاب المذكور (2) «عن أبي عبد الله عليه‌السلام إن ثلاث نسوة أتين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت إحداهن : إن زوجي لا يأكل اللحم ، وقالت أخرى : إن زوجي لا يشم الطيب ، وقالت اخرى : إن زوجي لا يقرب النساء ، فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجر ردائه حتى صعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : ما بال أقوام من أصحابي لا يأكلون اللحم ، ولا يشمون الطيب ، ولا يأتون النساء أما إني آكل اللحم وأشم الطيب وآتي النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني».

وروى فيه (3) بسنده «عنه عليه‌السلام قال : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم النساء أن يتبتلن ويعطلن أنفسهن عن الأزواج».

وروى فيه عن عبد الصمد بن بشير (4) قال : «دخلت امرأة على أبي عبد الله عليه‌السلام قالت : أصلحك الله إني امرأة متبتلة ، قال : وما التبتل عندك؟ قالت : لا أتزوج قال : ولم؟ قالت ألتمس بذلك الفضل ، فقال : انصرفي : فلو كان ذلك فضلا لكانت فاطمة عليها‌السلام أحق بذلك منك ، إنه ليس أحد يسبقها إلى الفضل».

وروى فيه بسنده (5) الى أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخل بيت أم سلمة فشم ريحا طيبة ، فقال : أتتكم الحولاء ، فقالت : هوذا هي تشكو زوجها

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5) الكافي ج 5 ص 494 ح 1 وص 496 ح 5 وص 509 ح 1 و 3 وص 496 ح 4 ، الوسائل ج 14 ص 74 الباب 48 ح 1 و 2 وص 117 الباب 84 ح 1 و 2 وص 75 ح 2.


فخرجت عليه الحولاء فقالت : بأبي أنت وأمي إن زوجي عني معرض ، فقال : زيديه قالت : ما أترك شيئا طيبا إلا أتطيب له به وهو عني معرض ، فقال : أما لو يدري ما له بإقباله عليك ، قالت : وما له بإقباله علي؟ فقال : أما إنه إذا أقبل اكتنفه ملكان فكان كالشاهر سيفه في سبيل الله ، فإذا هو جامع تحات عنه الذنوب كما يتحات ورق الشجر ، فإذا هو اغتسل انسلخ من الذنوب».

ونقل الشيخ محمد بن الحسن الحر في كتاب الوسائل عن المرتضى في رسالة المحكم والمتشابه نقلا عن تفسير النعماني (1) بإسناده «عن علي عليه‌السلام قال : إن جماعة من الصحابة كانوا حرموا على أنفسهم النساء ، والإفطار بالنهار ، والنوم بالليل ، فأخبرت أم سلمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فخرج إلى أصحابه فقال : أترغبون عن النساء إني آتي النساء وآكل بالنهار وأنام بالليل ، فمن رغب عن سنتي فليس مني ، فأنزل الله سبحانه (2) (لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)» الحديث.

وروى الثقة الجليل علي بن إبراهيم (3) القمي في تفسيره في تفسير قوله سبحانه «لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ» بسنده «عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : نزلت هذه الآية في أمير المؤمنين عليه‌السلام وبلال وعثمان بن مظعون ، فأما أمير المؤمنين عليه‌السلام فحلف أن لا ينام بالليل أبدا ، وأما بلال فحلف أن لا يفطر بالنهار أبدا ، وأما عثمان بن مظعون فإنه حلف أن لا ينكح أبدا ، فدخلت امرأته على عائشة وكانت امرأة جميلة فقالت عائشة : مالي أراك معطلة ، فقالت : ولمن أتزين؟ فوالله ما قاربني زوجي منذ كذا وكذا ، فإنه قد ترهب ولبس المسوح وتزهد في الدنيا ، فلما دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أخبرته عائشة بذلك ، فخرج فنادى : الصلاة جامعة ، فاجتمع الناس

__________________

(1) الوسائل ج 14 ص 8 ح 9.

(2) سورة المائدة ـ آية 87.

(3) تفسير على بن إبراهيم ج 1 ص 179.


فصعد المنبر ، فحمد الله وأثني عليه ، ثم قال : ما بال أقوام يحرمون علي أنفسهم الطيبات ألا إني أنام بالليل وأنكح وأفطر بالنهار ، فمن رغب عن سنتي فليس منى فقام هؤلاء فقالوا : يا رسول الله لقد حلفنا على ذلك فأنزل الله (1) (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ). إلى آخر الآية».

فانظر إلى هذه الأخبار وصراحتها في دفع ما توهمه ذلك القائل من الاستدلال بالآية المذكورة وضعف ما رد به الجواب المتقدم (2) ، فإنه لو كان ما ذكره (رحمه‌الله) حقا من استحباب ذلك في شرعنا كما كان في تلك الشريعة السابقة لما صدر عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله هذه الإنكارات العديدة في هذه الأخبار ، والنسبة إلى مخالفة سنته ، وإن ذلك من الرجال والنساء ، إنما هو من الرهبانية التي كانت سنة في الأمم السابقة ونسخت بسنته.

وأما باقي تعليلاته العليلة فهي في مقابلة ما ذكرنا من الأخبار أظهر في الضعف من أن يقابل بالإنكار.

ونزيده إيضاحا ، فنقول : إنه إذا ثبت من الشارع الحث على هذا الفعل والترغيب فيه ، وبيان ما فيه من الأجر والثواب والمنافع الدينية والدنيوية ، فهو من جملة المطالب الدينية المأمور بها ، بل هو من أفضلها وأشرفها لما عرفت من زجره

__________________

(1) سورة البقرة ـ آية 225.

(2) أقول : ومن ذلك ما رواه في كتاب مكارم الأخلاق ، عن الصادق عليه‌السلام قال : قيل لعيسى بن مريم : ما لك أن تتزوج؟ قال : ما أصنع بالتزويج؟ قالوا : يولد لك ، قال : وما أصنع بالأولاد ، ان عاشوا فتنوا ، وان ماتوا حزنوا. أقول : ومقتضى ما ذكره القائل المذكور ، ان ما روى في شرعنا يلزم أن يكون الحكم فيه كذلك عندنا ، فيلزم بمقتضى هذا الخبر مرجوحية التزويج في شرعنا والاخبار المستفيضة كما عرفت بخلافه ، وبالجملة فرواية ذلك أو ذكره في القرآن أعم من ذلك ، والعام لا دلالة فيه على الخاص ، والمرجع في تعيين الأمرين منه الى السنة والاخبار ، ففي مثل هذا الموضع يحمل كلامهم عليهم‌السلام على مجرد الحكاية وفي بعض المواضع يحمل على العمل بذلك في شرعنا ، كما أوضحنا ذلك في المباحث المتقدمة (منه ـ رحمه‌الله ـ).


صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما عدل عنه إلى العبادات ، وإنكاره عليهم أتم الإنكار ، فلو لا أنه أفضل لما حسن هذا الإنكار في العدول عنه إلى تلك العبادات.

وأما التمسك بآية (1) «زُيِّنَ لِلنّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ» الآية ، وحصول الذم فيها لهذه الأشياء ، ففيه أنه لا يخفى استفاضة الأخبار وتكاثرها بالأمر بجملة من هذه الأشياء كالنساء وحب الأولاد وطلبهم لما عرفت من أخبار مباهاته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأمم بكثرة أمته ، وتعليله ذلك بتثقيل الأرض بالتهليل ونحو ذلك ، وجمع المال من الحلال ، كما ورد أيضا.

وقد تقدمت الأخبار بذلك في مقدمات كتاب التجارة ، واستفاضت الروايات بالحث على التجارة ، كما تقدم أيضا ونحو ذلك.

ولا ريب أن الشهوة إنما هي من الله عزوجل ليس للعبد فيه اختيار.

قال أمين الإسلام الطبرسي (قدس‌سره) في كتاب مجمع البيان (2) : والشهوة من فعل الله عزوجل ليس للعبد فيه اختيار فلا يمكننا دفعها عن نفوسنا ، فلا يقدر عليها أحد من البشر وهي ضرورية فينا لأنا لا يمكننا دفعها عن نفوسنا ، انتهى.

وحينئذ فإذا ثبت ذلك علم أن الذم لا يترتب على هذه الأشياء من حيث هي ، ولا باعتبار قصد غاية راجحة شرعا منها كامتثال تلك الأوامر الشرعية ، واكتساب الولد ، وكسر الشهوة الحيوانية في النكاح ، وحب المال للتوصل به إلى الطاعات والقربات ، ونحو ذلك.

وإنما يترتب عليها باعتبار الاختصاص بالانهماك في الشهوة البهيمية ، وعدم قصد شي‌ء من الغايات الأخروية ، وعلى هذا لا دلالة في الآية على ما ادعاه ذلك المستدل.

__________________

(1) سورة آل عمران ـ آية 14.

(2) مجمع البيان ج 2 ص 416.


ثم إنهم قد اختلفوا أيضا في أنه على القول بأفضلية النكاح لمن تتق نفسه إليه هل هو أفضل من التخلي للعبادة ، أم التخلي للعبادة أفضل؟ قولان : والمفهوم من الأخبار المتقدمة هو الأول ، سيما الأخبار الأخيرة الواردة في ترهب عثمان ابن مظعون واختياره الصلاة على النكاح.

والأخبار الدالة على ذم العزاب ، والأخبار الدالة على أن ركعتين يصليهما متزوج خير من عزب يقوم ليله ويصوم نهاره ، فإنها دالة بعمومها أو إطلاقها على أفضلية النكاح ، تاقت نفسه أم لم تتق ، إذ لا تفصيل فيها.

احتج من قال بالقول الثاني بما يتضمن التزويج من القواطع والشواغل وتحمل الحقوق.

أقول : لا ريب أن هذا القول إنما يتجه على قواعد الصوفية ، المعرضين عن العمل بالأخبار المعصومية ، المبنية قواعد مذهبهم على مجرد الاختراعات الوهمية ، والخيالات الفكرية ، وإلا فلا يخفى أن القول بهذا القول موجب لرد تلك الأخبار المتكاثرة بمجرد هذه الخيالات الفاسدة.

والآمر بذلك عالم بما يترتب عليه من هذه الأمور المذكورة ، ومع ذلك حث وأكد عليه أتم الحث والتأكيد ، وليس إلا من حيث رجحانه وأفضليته ، وأن هذه الأشياء موجبة لزيادة الأجر فيه.

وفي بعض الأخبار (1) أن أصحاب عيسى على نبينا وآله وعليه‌السلام كانوا يمشون على الماء ، وأصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لم يكونوا كذلك ، فقال عليه‌السلام ، «إن هؤلاء ابتلوا بالمعاش» ، وحاصله أن هؤلاء كلفوا بتكاليف شاغلة لهم عن نيل تلك المرتبة ، ومن الظاهر ثبوت الأمر على هذه التكاليف ، وأن مرتبتهم في الفضل لا ينقص عن أولئك ، فأولئك لتجرد نفوسهم بالرهبانية التي كانوا عليها ، والسياحة والتخلي عن الدنيا بكليتها نالوا تلك المرتبة.

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 71 ح 3 ، الوسائل ج 12 ص 12 ح 10.


وهؤلاء لما كلفوا بخلاف ذلك كما عرفت من الأخبار المتقدمة كان لهم الأجر على امتثال ما كلفوا به ، وإن لم يتيسر لهم الإتيان بما فعله أولئك ، فكل له الفضل بامتثال ما كلف به وأتى به ، ولا دلالة في الخبر المذكور على رجحان مرتبة أولئك بما كانوا يأتون به من المشي على الماء ، وأنهم أفضل من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإنما تضمن العذر لهؤلاء بهذه التكليفات التي تكون عائقة من الإتيان بذلك ، ومرجعه الى ما ذكرناه من أنهم في الفضل والقرب منه سبحانه متحدون.

وإنما الاختلاف في الإتيان بذلك وعدمه من جهة التكاليف المقتضية لذلك وعدمه ، لا من جهة علو المرتبة في أحدهما دون الآخر.

تتمة :

اعلم أنهم قالوا : إن النكاح إنما يوصف بالاستحباب بالنظر إليه في حد ذاته يعني مع قطع النظر عن اللواحق المتعلقة به ، وإلا فإنه ينقسم إلى الأقسام الخمسة.

فقد يكون واجبا كما إذا خيف الوقوع في الزنا مع عدمه ، ولو أمكن التسري كان واجبا مخيرا ، وقد يكون حراما كما إذا أفضى الإتيان به إلى ترك واجب كالحج والزكاة ، وإذا استلزم الزيادة على الأربع ، ويكره عند عدم توقان النفس إليه مع عدم الطول ، على قول ، والزيادة على الواحدة ، عند الشيخ (قده).

وقد يستحب كنكاح القريبة ، على قول ، للجمع بين صلة الرحم وفضيلة النكاح ، واختاره الشهيد في قواعده ، وقيل : البعيدة ، لقوله (1) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «لا تنكحوا القرابة القريبة ، فإن الولد يخلق ضاويا». أي نحيفا وهو اختيار العلامة في التذكرة وعلل بنقصان الشهوة مع القرابة.

__________________

(1) النهاية الأثيرية ج 3 ص 106.


أقول : الظاهر أن الخبر المذكور عامي حيث لم ينقل في كتب أخبارنا وقد ذكره ابن الأثير في نهايته والظاهر أن القول المذكور للعامة تبعهم فيه العلامة في التذكرة ، واستدل عليه بما استدلوا به.

وأما المباح فهو ما عدا ذلك ، وابن حمزة فرض الإباحة أيضا لمن يشتهي النكاح ولا يقدر عليه أو بالعكس ، وجعله مستحبا لمن جمع الوجهين ، ومكروها لمن فقدهما.

أقول : لا يخفى أن الأحكام الشرعية يتوقف ثبوتها على الدليل الشرعي المنحصر عند بعض في الكتاب والسنة ، وعند بعض فيهما ، على زيادة الإجماع ودليل العقل ، وإثباتها بمجرد التخيلات العقلية ، والتعليلات الوهمية ، مما منعت عنه الأخبار المعصومية.

وسيأتي إن شاء الله تعالى في المباحث الآتية جملة من المواضع التي يحرم فيها النكاح ، ويكره بالأدلة الشرعية ، لكن ذلك من حيث المنكوحة ، لا من حيث النكاح.

الثالثة : لا إشكال ولا خلاف في أن لفظ النكاح قد يطلق ويراد به الوطي ، وقد يطلق ويراد به العقد خاصة في كل من عرفي الشرع واللغة ، وظاهر كلام الجوهري أن استعماله في الوطي أكثر ، حيث قال : النكاح الوطي ، وقد يقال :

العقد ، وإنما الكلام في أنه هل هو مشترك بينهما ، أو أنه حقيقة في أحدهما ومجاز في الآخر ، وعلى تقدير الثاني فهل هو حقيقة في الوطي ، مجاز في العقد أو بالعكس؟ إشكال.

ورجح الأول بالنظر إلى استعماله فيهما. والأصل في الاستعمال الحقيقة.

ورجح الثاني بأن المجاز خير من الاشتراك عند التعارض.

ورجح الأول من الثاني لثبوته لغة بكثرة ، كما يفهم من عبارة الصحاح ، فيكون حقيقة فيه ، والأصل عدم النقل.


ورجح الثاني بالتبادر وصحة السلب ، وهذا القول مختار السيد السند في شرح النافع ، حيث قال : والظاهر أنه حقيقة في العقد ، مجاز في الوطي ، للتبادر وصحة السلب في قولهم هذا سفاح ، وليس بنكاح ، ثم نقل القول بالعكس ، ورده بأن الأصل يخرج عنه بالدليل ، قال : وقد بيناه.

والقول بأنه حقيقة في الوطي مجاز في العقد ، منقول عن العلامة في المختلف ، مدعيا عليه الإجماع ، ونقل عن الشيخ أنه نص على أن النكاح في عرف الشرع حقيقة في العقد ، مجاز في الوطي ، وتبعه ابن إدريس ، وقال : إنه لا خلاف في ذلك.

قيل : إنه لم يرد في القرآن بمعنى الوطي ، إلا في قوله عزوجل (1) «حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ» لاشتراط الوطي في المحلل ، وتنظر فيه في المسالك بجواز إرادة العقد واستفادة الوطي من السنة.

ثم لا يمكن دلالته على إرادة الوطي لاحتمال الاشتراك أو كونه مجازا في الوطي والمجاز يفتقر في الحمل عليه إلى القرينة ، وهي منتفية هنا ، ومجرد اشتراط الوطي في المحلل شرعا لا يكفي في القرينة هنا.

أقول : لا يخفى أنه متى كان الحكم الشرعي في التحليل هو الوطي وأنه لا يحصل التحليل إلا به دون مجرد العقد ، فلا معنى لذكره سبحانه هنا النكاح بمعنى مجرد العقد أو الأعم ، والحال أنه قاصد به بيان ذلك الحكم ، ومن المعلوم أن سياق الآية إنما هو في بيان ذلك الحكم الشرعي وهو لا يحصل إلا بحمل النكاح على الوطي ، وبه يظهر أن ما ذكره (قدس‌سره) من النظر لا يخلو من نظر.

وبالجملة فإن المسألة المذكورة لا يترتب عليها كثير فائدة في المقام فلا وجه للتطويل بما وقع من النقض والإبرام.

__________________

(1) سورة البقرة ـ آية 230.


الرابعة : قد تكاثرت الأخبار بالأمر بحب النساء وأن النكاح يزيد في الرزق ، وهو مؤيد لما قدمناه في الفائدة الثانية.

فمن الأول : ما رواه في الكافي عن إسحاق بن عمار (1) في الموثق قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : من أخلاق الأنبياء حب النساء».

وما رواه في الكافي والفقيه عن عمر بن يزيد (2) «عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : ما أظن رجلا يزداد في الايمان خيرا إلا ازداد حبا للنساء». وروى مثله في الكافي بسند آخر (3) إلا أن فيه «يزداد في هذا الأمر». عوض لفظ «الايمان» ، والمراد بهذا الأمر التشيع ، والقول بالإمامة ، والأول يرجع إليه في الحقيقة.

وما رواه في الفقيه عن أبي العباس (4) قال : «سمعت الصادق عليه‌السلام يقول : إن العبد كلما ازداد للنساء حبا ازداد في الايمان فضلا».

وما رواه في الكافي والفقيه عن معمر بن خلاد (5) قال : «سمعت علي بن موسى الرضا عليه‌السلام يقول : ثلاث من سنن المرسلين. العطر وإحفاء الشعر وكثرة الطروقة».

وعن غير واحد (6) «عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : جعل قرة عيني في الصلاة ، ولذتي في النساء».

وعن جميل بن دراج (7) «عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ما تلذذ الناس في الدنيا والآخرة بلذة أكثر لهم لذة من النساء ، وهو قول الله عزوجل (8) «زُيِّنَ لِلنّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ» إلى آخر الآية ، ثم قال : وإن أهل الجنة

__________________

(1 و 2 و 3) الكافي ج 5 ص 320 ح 1 و 2 و 321 ح 5 ، وأخرجها في الفقيه ج 3 ص 242 ح 1151.

(4) الفقيه ج 3 ص 242 ح 1150.

(5) الكافي ج 5 ص 320 ح 3 ، الفقيه ج 3 ص 241 ح 2.

(6 و 7) الكافي ج 5 ص 321 ح 9. و 10.

وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 9 ح 2 و 1 و 3 وص 11 ح 10 وص 4 ح 7 وص 10 ح 5 و 8.

(8) سورة آل عمران ـ آية 14.


ما يتلذذون بشي‌ء من الجنة أشهى عندهم من النكاح لا طعام ولا شراب».

أقول : في هذا الخبر رد على بعض القاصرين الزاعمين أن تلذذ أهل الجنة بالنساء إنما هو بالتقبيل والمعانقة وأنه لا نكاح فيها.

ومما يرد قوله زيادة على الخبر المذكور وصفه عزوجل الحور العين بالبكارة في مقام المدح لهن ، ووعد المؤمنين بهن ، ولو لا أن المقصود جماعهم لما كان لهذا المدح معنى بالكلية.

ومن الثاني : ما رواه في الكافي عن هشام بن سالم (1) «عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : جاء رجل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فشكى إليه الحاجة ، فقال : تزوج ، فتزوج فوسع عليه».

وعن الوليد بن صبيح (2) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : من ترك التزويج مخافة الفقر فقد أساء الظن بالله عزوجل ، إن الله عزوجل يقول (إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ» ، إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

وجميع هذه الأخبار ظاهرة في استحباب التزويج والحث عليه لمن تاقت نفسه أو لم تتق ، بل ظاهر الأخبار الأولى ، أن من لم تتق نفسه للنساء ولم يحبهن فهو ناقص الايمان.

والتزويج حينئذ مستحب له ليحصل به تمام الايمان والفوز بعلو الشأن.

الفائدة الخامسة : فيما يحمد من صفات النساء الموجبة لحسنهن وجمالهن ، والأوصاف الموجبة لخيريتهن وشريتهن ، وأن لا يقتصر في التزويج على المال والجمال بل يكون همته الدين والولد ونحوهما مما سيأتي ذكره في الأخبار إن شاء الله تعالى.

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 330 ح 2.

(2) الفقيه ج 3 ص 243 ح 1153.

وهما في الوسائل ج 14 ص 25 ح 1 وص 24 ح 2.


فمن الأول : ما روي في الكافي عن مالك بن أشيم عن بعض رجاله (1) «عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ ورواه في الفقيه مرسلا ـ قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : تزوج سمراء عيناء عجزاء مربوعة ، وإن كرهتها فعلي مهرها» ، والسمراء المتوسطة بين البياض والسود ، والعيناء العظيم سواد عينها مع سعة عينها ، والعجزاء العظيمة العجز ، والمربوعة التي ليست طويلة ولا قصيرة.

وعن ابن المغيرة عن أبي الحسن عليه‌السلام (2) قال : «سمعته يقول : عليكم بذوات الأوراك فإنهن أنجب». والأوراك : جمع ورك بالفتح والكسر ككتف وهو ما فوق الفخذ.

وعن محمد بن عبد الله (3) قال : «قال لي الرضا عليه‌السلام : إذا نكحت فانكح عجزاء».

وروي في الفقيه مرسلا (4) قال : «كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أراد تزويج امرأة بعث من ينظر إليها ، ويقول للمبعوثة : شمي ليتها فإن طاب ليتها طاب عرفها ، وانظري إلى كعبها ، فإن درم كعبها عظم كعثبها». قال : في الفقيه : الليت : صفحة العنق ، والعرف : الريح الطيبة ، قال الله تعالى (5) «يُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ» ، أي طيبها لهم. قوله : درم كعبها أي كثر لحم كعبها ، ويقال امرأة درماء إذا كانت كثيرة لحم القدم ، والكعب والكعثب : الفرج.

وعن بكر بن صالح عن بعض أصحابه (6) «عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : من سعادة الرجل أن يكشف الثوب عن امرأة بيضاء».

__________________

(1 و 2 و 3) الكافي ج 5 ص 335 ح 2 وص 334 ح 1 وص 335 ح 3 والروية الأولي في الفقيه ج 3 ص 245 ح 1162.

(4) الكافي ج 5 ص 335 ح 4 ، الفقيه ج 3 ص 245 ح 1163.

(5) سورة محمد «ص» ـ آية 6.

(6) الكافي ج 5 ص 335 ح 7.

وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 35 ح 1 و 2 و 3 وص 36 الباب 19 والباب 20 ح 1.


وعن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «المرأة الجميلة تقطع البلغم والمرأة السوداء تهيج المرة السوداء» (1).

ومن الثاني : ما رواه في الكافي عن أبي حمزة (2) قال : «سمعت جابر بن عبد الله يقول : كنا عند النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) فقال : خير نساءكم الولود الودود ، العفيفة ، العزيزة في أهلها ، الذليلة مع بعلها ، المتبرجة مع زوجها ، الحصان على غيره ، التي تسمع قوله وتطيع أمره ، وإذا خلابها بذلت له ما يريد منها ، ولم تبذل (3) كتبذل الرجل ، ثم قال (4) ألا أخبركم بشرار نسائكم الذليلة في أهلها العزيزة مع بعلها ، العقيم الحقود التي لا تورع عن قبيح ، المتبرجة إذا غاب عنها بعلها ، الحصان معه إذا حضر ، لا تسمع قوله ، ولا تطيع أمره ، وإذا خلابها بعلها تمنعت عنه كما تمنع الصعبة عن ركوبها ، لا تقبل له عذرا ، ولا تغفر له ذنبا».

وعن أبي بصير (5) «عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) ، قال. إن خير نساءكم التي إذا خلت مع زوجها خلعت له درع الحياء ، وإذا خلت مع غيره لبست معه درع الحياء» ، وبهذا المضمون أخبار عديدة.

وروى المشايخ الثلاثة رضوان الله عليهم بأسانيدهم عن الكرخي (6) قال : «

__________________

(1 و 2) الكافي ج 5 ص 336 باب نادر ح 1 وص 324 ح 1، الوسائل ج 14 ص 37 ح 1 وص 14 ح 2.

(3) قال بعض مشايخنا في حواشيه على كتب الاخبار الظاهر بالتبذل ضد التضاون كما ذكره الجوهري ، والمعنى عدم التشبث بالرجل وترك الحياء رأسا وطلب الوطي كما هو شأن الرجل ، ويحتمل أن يكون من التبذل بمعنى ترك الزينة أي لا تترك الزينة ، كما أنه لا يستحب للرجل المبالغة فيها أو كما يفعله الرجال وان لم يكن مستحبا لهم (منه ـ رحمه‌الله ـ).

(4 و 5) الكافي ج 5 ص 325 ح 1 وص 324 ح 2.

(6) الكافي ج 5 ص 323 ح 3 ، الفقيه ج 3 ص 244 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 401 ح 10.

وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 18 ح 1 وص 14 ح 3 وص 13 الباب 6 ح 1.


قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) إن صاحبتي هلكت وكانت لي موافقة وقد هممت أن أتزوج فقال : انظر أين تضع نفسك ، ومن تشركه في مالك وتطلعه على دينك وسرك فإن كنت لا بد فاعلا فبكرا ، تنسب إلى الخير والصلاح ، وإلى حسن الخلق ، واعلم أنهن كما قال :

ألا إن النساء خلقن شتى
 

 

فمنهن الغنيمة والغرام
 

ومنهن الهلال إذا تجلى
 

 

لصاحبه ومنهن الظلام
 

فمن يظفر بصالحهن يسعد
 

 

ومن يغبن فليس له انتقام
 

وهن ثلاث فامرأة ولود ودود ، تعين زوجها على دهره لدنياه وآخرته ، ولا تعين الدهر عليه ، وامرأة عقيم لا ذات جمال ولا خلق ، ولا تعين زوجها على خير وامرأة صخابة ولاجة همازة تستقل الكثير ، ولا تقبل اليسير». الصخابة : بالصاد المهملة ثم الخاء المعجمة كثيرة الصياح والكلام ، والولاجة : ضبطها بعض المحدثين بالحاء المهملة ، وفسرها بالحمالة زوجها ما لا يطيق ، وضبطها بعض بالجيم قال : أي كثيرة الدخول في الأمور التي لا ينبغي لها الدخول فيها ، والهمازة : الغبا.

وروى في الكافي والفقيه (1) قال : «قام النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) خطيبا فقال : أيها الناس إياكم وخضراء الدمن ، قيل : يا رسول الله وما خضراء الدمن (2) قال : المرأة الحسناء في منبت السوء». قيل : الدمن : جمع الدمنة ، وهي ما تلبده الإبل والغنم بأبوالها وأبعارها في مرابضها ، فربما نبت فيها النبات الحسناء القصير.

إلى غير ذلك من الأخبار التي يضيق عن نقلها المقام.

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 332 ح 4 ، التهذيب ج 7 ص 403 ح 17 ، الفقيه ج 3 ص 248 ح 8 ، الوسائل ج 14 ص 19 ح 7.

(2) قال في المصباح ص 272 : الدمن : وزان جمل ما يتلبد من السرجين ، والدمنة موضعه. والجمع الدمن ، انتهى. (منه ـ رحمه‌الله ـ).


ومنها يستفاد أنه يستحب أن تكون المرأة كريمة حسب ما تضمنته هذه الأخبار والظاهر أن المراد بالحسناء في منبت السوء المنهي عنها في الخبر الأخير هي المرأة الحسناء الغير النجيبة بأن تكون متولدة من زنا ، أو يكون الزنا في آبائها أو أمهاتها ، فقد روي أن ولد الزنا لا ينجب إلى سبعة آباء ، ولهذا جعل الأصحاب (رضي‌الله‌عنهم) من المستحبات في الزوجة أن تكون كريمة الأصل وفسروا كرم الأصل بذلك.

قال في المسالك ـ بعد ذكر المصنف أن من المستحبات أن تكون المرأة كريمة الأصل ـ ما صورته : المراد بكرم الأصل أن لا يكون أصلها من الزنا ولا في آبائها وأمهاتها من هي كذلك ، انتهى. وربما فسر كرم الأصل بالإسلام والايمان ، بمعنى أن لا يكون أصلها من الآباء والأمهات على الكفر.

وفيه أن تزويج النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) بالمرأتين وكذا ابنة أبي سفيان يدفع ذلك.

ثم لا يخفى أنه على التفسير الأول فإنه يشكل أيضا بتزويجه بابنة الثاني ، فإنه لا خلاف نصا وفتوى في كونه ابن زنا وكذا حصول الزنا في آبائه أيضا ، اللهم إلا أن يخص (1) كلامه (عليه‌السلام) بالمرأة المتولدة من الزنا لا باعتبار آبائها ، فإنه بذلك يزول الاشكال كما لا يخفى.

ومن الثالث. ما رواه في الكافي عن إسحاق بن عمار (2) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : من تزوج امرأة يريد مالها ألجأه الله إلى ذلك المال».

وما رواه في الكافي والفقيه عن هشام بن الحكم (3) في الصحيح «عن أبي عبد الله

__________________

(1) أقول : ويؤيده ما ذكره الصدوق ـ رحمه‌الله ـ في معاني الأخبار حيث قال بعد ذكر الخبر : قال أبو عبيد : نراه أراد فساد النسب إذا خيف أن يكون لغير رشد ، انتهى. وظاهره الاختصاص بها بأن تكون مولدة من زنا (منه ـ رحمه‌الله ـ).

(2) الكافي ج 5 ص 333 ح 2. الوسائل ج 14 ص 30 ح 3.

(3) الكافي ج 5 ص 333 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 403 ح 18 ، الفقيه ج 3 ص 248 ح 1180 ، الوسائل ج 14 ص 30 ح 1.


(عليه‌السلام) قال : إذا تزوج الرجل المرأة لجمالها أو لمالها ، وكل إلى ذلك ، وإذا تزوجها لدينها رزقه الله الجمال والمال».

قال في الوافي في ذيل الخبر المذكور ، «وكل الى ذلك» : أي لم يوفقه لنيل حسنها ، والتمتع من مالها أو لم يحسنها في نظره ، ولم يمكنه من الانتفاع بمالها ، وفي الفقيه «لم يرزق ذلك» عوض «وكل إلى ذلك» واللفظان متقاربان.

أقول : لعل المراد والله سبحانه وقائله أعلم هو أنه إذا كان قصده من التزويج إنما هو المال فإن الله سبحانه يكله إليه كما في الخبر الثاني أو يلجأه إليه كما في الخبر الأول يعني يقطع عنه الرزق ويلجأه إلى ذلك المال ، فربما أكله حراما بغير إذن الزوجة ، ولا رضاها كما ورد في التعريض بالمال الحرام ، فإن أخذه العبد قاصه الله به من رزقه ، وحوسب به وعذب عليه ، وهذا هو الظاهر من لفظ الإلجاء لا ما ذكر.

وأما بالنسبة إلى الجمال فلعل المراد به كما في الخبر الثاني أنه لا يوفق لكون الزوجة ذات دين وتقى ونحو ذلك من الصفات المطلوبة شرعا ، بل يكله الله إلى ما طلبه وأراد من الجمال ويسلبه التوفيق في حصول الصفات الحميدة المطلوبة شرعا.

نعم ما ذكرناه بعيد في رواية الفقيه وقوله فيها «لم يرزق ذلك» والأصح هو ما في الكافي بقرينة الحديث الأول.

ويحتمل ـ ولعله الأقرب ـ أنه إذا أراد الرجل التزويج ، وكان همته في تحصيل زوجة ذات جمال أو مال ، فإنه يكله الله إلى إرادته ، بمعنى أنه لا يوفق لذلك.

وإن كان همته الدين وفق للجمال والمال ، وحينئذ فالمراد بقوله في الخبر الثاني «إذا تزوج» أي إذا أراد التزويج ، وقوله في الخبر الأول «من تزوج» يعني من


أراد ذلك ، والتجوز في مثله بما ذكرناه غير عزيز ، كقوله سبحانه (1) «إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ» و (2) «فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ» ، ونحو ذلك ، وهو معنى صحيح خال من التكلف كما لا يخفى.

وما رواه في التهذيب عن بريد العجلي (3) في الموثق «عن أبي جعفر (عليه‌السلام) قال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) من تزوج امرأة لا يتزوجها إلا لجمالها لم ير فيها ما يحب ، ومن تزوجها لمالها لا يتزوجها إلا له ، وكله الله إليه فعليكم بذات الدين».

والأقرب في هذا الخبر حمل صدره على المعنى الثاني الذي ذكرناه وعجزه على الأول.

وعن بريد (4) «عن أبي جعفر (عليه‌السلام) قال : حدثني جابر بن عبد الله أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) قال : من تزوج امرأة لمالها وكله الله إليه ، ومن تزوجها لجمالها رأى فيها ما يكره ، ومن تزوجها لدينها جمع الله له ذلك».

الفائدة السادسة ـ في جملة من مستحبات النكاح.

منها صلاة ركعتين والدعاء بعدها بالمأثور وهذه الصلاة عند إرادة التزويج وقصده قبل تعيين المرأة وخطبتها فروى ثقة الإسلام عطر الله مرقده ، عن أبي بصير (5) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) إذا تزوج أحدكم كيف يصنع؟ قلت : لا أدري ، قال : إذا هم بذلك فليصل ركعتين ويحمد الله ثم يقول : اللهم إني أريد أن أتزوج فقدر لي من النساء أعفهن فرجا وأحفظهن لي في نفسها ، وفي مالي وأوسعهن رزقا ، وأعظمهن بركة ، وقدر لي ولدا طيبا تجعله خلفا صالحا في حياتي وبعد موتي».

__________________

(1) سورة المائدة ـ آية 5.

(2) سورة النحل ـ آية 97.

(3 و 4 و 5) التهذيب ج 7 ص 399 ح 1 و 5 وص 407 ح 1، الوسائل ج 14 ص 31 ح 4 و 5 وص 79 ح 1.


ويستحب أيضا الدعاء بما رواهفي الكافي عن عبد الرحمن بن أعين (1) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : إذا أراد الرجل أن يتزوج المرأة فليقل : أقررت بالميثاق الذي أخذ الله ، إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان».

ومنها الوليمة : فروي في الكافي عن الوشاء (2) «عن أبي الحسن الرضا (عليه‌السلام) قال : سمعته يقول : إن النجاشي لما خطب لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) أم حبيبة بنت أبي سفيان فزوجه ، دعا بطعام وقال : إن من سنن المرسلين الإطعام عند التزويج.

وعن هشام بن سالم (3) في الصحيح أو الحسن «عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : إن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) حين تزوج ميمونة بنت الحارث أو لم عليها وأطعم الحيس».

أقول : الحيس كما ذكره أهل اللغة ـ بالمهملتين بينهما ياء مثناة من تحت ـ تمر يخلط بسمن وأقط فيعجن شديدا حتى يخرج نواه وربما جعل فيه السويق.

وعن السكوني (4) «عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) الوليمة أول يوم حق ، وبيومين مكرمة ، وثلاثة أيام رياء وسمعة».

وعن ابن فضال (5) رفعه عن أبي جعفر (عليه‌السلام) قال : الوليمة يوم ويومان مكرمة وثلاثة أيام رياء وسمعة».

وروي في التهذيب عن موسى بن بكر (6) «عن أبي الحسن الرضا (عليه‌السلام) أن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) قال : لا وليمة إلا في خمس في عرس ، أو خرس ، أو عذار ، أو وكار أو ركاز».

والعرس التزويج ، والخرس النفاس بالولد ، والعذار الختان والوكار الرجل يشترى الدار ، والركاز الرجل يقدم من مكة.

__________________

(1 و 2 و 3) الكافي ج 5 ص 501 ح 5 وص 367 ح 1 وص 368 ح 2.

(4 و 5) الكافي ج 5 ص 368 ح 4 و 3 ، والثاني في التهذيب ج 7 ص 408 ح 3 مع اختلاف يسير.

(6) التهذيب ج 7 ص 409 ح 6. الوسائل ج 14 ص 65 ح 5.

وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 81 ح 4 وص 64 ح 1 وص 65 ح 3 و 4 و 2 و 5.


قال في المسالك : الوليمة هي الطعام المتخذ للعرس سميت بذلك لاجتماع الزوجين ، فإن أصل الوليمة اجتماع الشي‌ء وتمامه ، ومنهم من أطلقها على كل طعام يتخذ في حادث سرور من أملاك وختان وغيرهما ، وسميت بها على ذلك ، لاجتماع الناس عليها ولكن استعمالها في المعنى الأول أشهر ، وعليه فإطلاقها على غيره يحتاج إلى قيد كباقي استعمال المجازات ، فيقال : وليمة الختان ، ووليمة البناء وغيرهما ، وحيث تطلق فهي محمولة على وليمة العرس ، انتهى.

أقول : المفهوم من كلام أهل اللغة أن الوليمة لا تخصيص ولا ترجيح لها بما يتخذ في العرس بل استعمالها في العرس كاستعمالها في غيره.

قال في كتاب المصباح المنير : الوليمة اسم لكل طعام لجمع ، وقال ابن فارس : هي طعام العرس ، وظاهره كما ترى أن المشهور في معنى الوليمة هذا المعنى الأول.

وقال في القاموس : والوليمة طعام العرس أو كل طعام يصنع لدعوة وغيرهما ، وظاهره الترديد بين المعنيين المذكورين من غير ترجيح.

ويؤيد ما قلناه أيضا رواية ابن بكر المتقدمة ، فإن الظاهر من حصر الوليمة في الخمس المذكورة إنما هو باعتبار الاستحباب بمعنى أنه لا يستحب الوليمة إلا في هذه المواضع الخمسة فصدق الوليمة على كل طعام يتخذ لجمع ثابت ، ولكن الاستحباب شرعا مخصوص بهذه المواضع ، وهو ظاهر فيما ذكره أهل اللغة من إطلاق الوليمة على كل طعام يتخذ لجمع ، كما ذكره في المصباح.

وبذلك يظهر لك ما في قوله «وحيث تطلق فهي محمولة على وليمة العرس» ، بل مقتضى ما ذكرنا أنه لا بد في انصراف هذا اللفظ إلى معنى من هذه المعاني من القرينة.

وقال في المسالك أيضا : ويقال للطعام المتخذ عند الولادة الخرس والخرسة وعند الختان العذرة والاعذار ، وعند إحداث البناء الوكيرة ، وعند قدوم الغائب


النقيعة ، وللذبح يوم سابع المولود العقيقة ، وعند حذاق الصبي الحذاق ، وهو بفتح أوله وكسره تعليم الصبي القرآن أو العلم.

أقول : والذي تضمنه حديث موسى ابن بكر المتقدم أن الخرس النفاس بالولد ، والعذار الختان ، والوكار الرجل يشتري الدار (1) ولعل الجمع بين ما ذكر في الرواية وما ذكره هنا هو أن الأصل ما ذكره في الرواية من إطلاق هذه الأسماء على هذه المسميات فيها ، وإن أطلق على الطعام المتخذ في كل منها تسمية له باسم سببه.

ثم إن الأصحاب قد ذكروا هنا أمورا وهو أنه لا تقدير للوليمة بل المعتبر مسماها ، وكلما كثرت كان أفضل.

أقول : لا يخفى أن ما ذكروه هو مقتضى إطلاق الأخبار المتقدمة ، فإنها أعم من القليل والكثير ، وقد تقدم في حديث هشام أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) أولم على ميمونة بالحيس.

وروي في كتاب مجمع البيان (2) عن أنس «أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) أولم على زينب بنت جحش بتمر وسويق وذبح شاة قال : وبعث إليه «أي أم سليم» بحيس في قعب ثور من حجارة فأمرني رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) أن أدعو الصحابة إلى الطعام فدعوتهم فجعل القوم

__________________

(1) قال في المصباح : والخرس وزان قفل طعام يصنع للولادة. وقال أيضا : وعذرت الغلام والجارية عذرا من باب ضرب ختنه وأعذرته بالألف لغة. وفي القاموس : والغلام ختنه كعذره ويعذره ، وللقوم عمل طعام الختان والضيف ، وهو ظاهر فيما ذكرنا من الإطلاق على كل من الأمرين ، والوكيرة بالراء المهملة. قال في المصباح : طعام البناء. وقال في القاموس : والوكيرة طعام يعمل لفراغ البنيان ، والذي في الخبر انما هو اشتراء الدار ، يعنى أن الطعام المسمى بهذا الاسم انما يعمل في شراء الدار وبنيانها ، وكلام أهل اللغة كما ترى بخلافه ، وقال في المصباح : والنقيعة طعام يتخذ للقادم من السفر ، وقد أطلقت النقيعة أيضا على ما يصنع عند الاملاك ، وأما ما في الخبر من أن الطعام للقادم من مكة يسمى الركاز فلم أقف عليه في كلام أهل اللغة ولا غيرهم والله العالم. (منه ـ رحمه‌الله ـ).

(2) مجمع البيان ج 4 ص 361 ط صيدا.


يجيئون ويأكلون ويخرجون ، قلت : يا نبي الله قد دعوت حتى ما أجد أحدا أدعوه ، فقال ارفعوا طعامكم» الحديث.

وهذه الرواية وإن كان الظاهر أنها عامية إلا أنها ظاهرة في الكثير.

ومن ذلك ما رواه في الكافي (1) «عن بعض أصحابهم (عليهم‌السلام) قال : أو لم أبو الحسن موسى (عليه‌السلام) وليمة عن بعض ولده ، فأطعم أهل المدينة ثلاثة أيام الفالوذجات في الجفان في المساجد والأزقة ، فعابه بعض أهل المدينة فبلغه ذلك ، فقال : ما أتى الله نبيا من الأنبياء شيئا إلا وقد أتي محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) مثله ، وزاده ما لم يؤتهم قال لسليمان : هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب ، وقال لمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) : ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا».

قالوا : وقتها يعني في العرس عند الزفاف ، وأقله مسماها ، وأكثره يوم أو يومان وتكره الزيادة.

أقول : أما ما ذكروه من أن وقتها عند الزفاف فإن فيه أن ظاهر خبر وليمة النجاشي عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) المتقدم أن الوليمة إنما كانت عند العقد ، حيث إنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) جعل النجاشي وكيلا عنه في تزويجه بها ، والدخول بها إنما وقع في المدينة.

وظاهر خبر وليمة زينب بنت جحش إنما هو بعد الدخول بها كما يدل عليه تتمة حديث أنس المتقدم ، حيث قال : بعد ذكر ما قدمناه «فرفعوا وخرج القوم ، وبقي ثلاثة نفر يتحدثون في البيت ، فأطالوا المكث فقام رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) وقمت معه لكي يخرجوا ، فمشى حتى بلغ حجرة عائشة ثم ظن أنهم قد خرجوا فرجع ورجعت معه فإذا هم جلوس في مكانهم فنزلت الآية «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ ، الآية».

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 281 ح 1 ، الوسائل ج 16 ص 549 ح 2.


وفي تفسير علي بن إبراهيم (1) بعد ذكر الآية قال : فإنه لما تزوج رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) بزينب بنت جحش وكان يحبها فأولم ودعا أصحابه فكان أصحابه إذا أكلوا يحبون أن يتحدثوا عند رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ، وكان يحب أن يخلو مع زينب فأنزل الله عزوجل (2) «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ» الآية ، وموضع الاستدلال في الآية قوله سبحانه (3) «فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ» الآية فأمرهم عزوجل بالخروج بعد الأكل وعدم الجلوس ، ليخلو (صلوات الله عليه) بزوجته ، وهو ظاهر في أنه بعد الدخول بها لا وقت الزفاف ، وأيضا فإن ظاهر الخبر الدال على كونها يوما أو يومين ظاهر في خلاف ما ذكروه فإنه محتمل في كون ذلك قبل الدخول وبعده.

وأما الحكم الثاني فقد عرفت الكلام فيه ، ودلالة الأخبار على كراهة ما زاد على اليومين.

بقي الإشكال من وجه آخر وهو أن ظاهر الخبرين المتقدمين أن الوليمة مطلقا مكروهة فيما زاد على اليومين ، وليس فيهما تقييد بالنكاح ولا غيره ، وظاهر خبر وليمة الكاظم (عليه‌السلام) «وأنه ثلاثة أيام» عدم الكراهة وهو أيضا مطلق.

ويمكن الجمع بحمل الأوليين على العرس ، والأخير على غيره ، وأما حمله على الجواز وإن كان مكروهاً لأنهم (عليهم‌السلام) كثيرا ما يفعلون المكروهات لبيان الجواز فلا يخلو من بعد.

ومنها ـ قالوا : ويستحب دعاء المؤمنين لأنهم أفضل وأولى بالمودة وأقرب إلى إجابة الدعاء ، ويستحب لهم الإجابة ، ولبعض العامة قول بالوجوب لخبر ينقلونه ، وإن لم يمكن التخصيص بالمؤمنين فلا بأس بإدخال غيرهم معهم لحصول

__________________

(1) تفسير على بن إبراهيم ج 2 ص 195 ط النجف الأشرف.

(2 و 3) سورة الأحزاب ـ آية 53.


الغرض بهم ، وأن يعم صاحب الدعوة بها الفقراء والأغنياء ، ولا سيما عشيرته وجيرانه وأهل حرفته فلو خص بها الأغنياء لم يرجح الإجابة».

ويستحب أن يخص المدعو بالدعوة أو مع جماعة معينين ، فأما لو دعا عاما ونادى ليحضر من يريد ونحو ذلك لم تجب الإجابة ولم يستحب لأن الامتناع والحال هذه لا يوجب الوحشة والتأذي الذين هما السبب في استحباب الإجابة.

ومنها الاشهاد والإعلان ، والمشهور بين الأصحاب استحباب الاشهاد في نكاح الدوام وأنه سنة مؤكدة ، وليس بشرط في صحة العقد ، وهو مذهب جمع من علماء العامة أيضا وذهب ابن أبي عقيل منا وجمع من العامة ، والظاهر أنه المشهور عندهم إلى أنه شرط في صحة التزويج فلا ينعقد بدونه.

ويدل على الأول أصالة العدم وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن زرارة (1) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يتزوج المرأة بغير شهود فقال :

لا بأس بتزويج البتة فيما بينه وبين الله إنما جعل الشهود في تزويج البتة من أجل الولد ولو لا ذلك لم يكن به بأس».

والمراد بالبتة يعني الدائم ، ويقال هذا اللفظ لكل أمر لا رجعة فيه ، وإنما خص (عليه‌السلام) ذلك بالدائم مع اشتراكه مع المنقطع في العلة المذكورة ، لأن محل الخلاف بين الشيعة والعامة ، إنما هو في الدائم ، والمنقطع باطل عند العامة ، وعند الشيعة ليس بمحل للوهم.

وما رواه في الكافي عن حفص بن البختري (2) ، في الصحيح «عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) في الرجل يتزوج بغير بينة؟ قال : لا بأس».

وعن هشام بن سالم (3) في الصحيح أو الحسن «عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال :

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 387 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 249 ح 1. الوسائل ج 14 ص 67 ح 3.

(2 و 3) الكافي ج 5 ص 387 ح 3 و 2.

وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 67 ح 4 و 1.


إنما جعلت البينات للنسب والمواريث». قال في الكافي وفي رواية أخرى «والحدود».

وعن محمد بن الفضيل (1) قال : «قال أبو الحسن موسى (عليه‌السلام) لأبي يوسف القاضي إن الله تعالى أمر في كتابه بالطلاق وذكر فيه الشاهدين ولم يرض بهما إلا عدلين ، وأمر في كتابه بالتزويج فأهمله بلا شهود ، فأثبتم شاهدين فيما أهمل ، وأبطلتم الشاهدين فيما أكد».

وما رواه الشيخ في التهذيب عن محمد بن مسلم (2) في الموثق «عن أبي جعفر (عليه‌السلام) قال : إنما جعلت البينة في النكاح من أجل المواريث».

وما رواه في الفقيه عن حنان بن سدير عن مسلم بن بشير (3) «عن أبي جعفر (عليه‌السلام) قال : «سألته عن رجل تزوج امرأة ولم يشهد فقال : أما فيما بينه وبين الله عزوجل فليس عليه شي‌ء ، ولكن إن أخذه سلطان جائر عاقبه».

وما رواه الشيخ في التهذيب في الموثق عن داود بن الحصين (4) «عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : سألته عن شهادة النساء في النكاح بلا رجل منهن إذا كانت المرأة منكرة فقال : لا بأس به (5) ، ثم قال لي : ما يقول في ذلك فقهاء كم؟ قلت : يقولون :

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 387 ح 4.

(2) التهذيب ج 7 ص 248 ح 1.

(3) الفقيه ج 3 ص 251 ح 5.

(4) التهذيب ج 6 ص 281 ح 179.

وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 67 ح 5 وص 68 ح 6 و 7 وج 18 ص 265 ح 35.

(5) أقول : لا يخفى ما في الجزء المذكور في صدر الخبر من الإشكال ، فإن السؤال المذكور في صدر الخبر انما هو عن ثبوت الحكم بشهادة النساء في النكاح في صورة ما لو أنكرت المرأة النكاح ، فأجاب (عليه‌السلام) بأنه يثبت النكاح بشهادتهن ، ثم سأل عليه‌السلام عن مذهب فقهاء العامة في ذلك فأخبره السائل بأنهم لا يجيزون شهادتهن في ذلك بل يشترطون العدلين ، والذي تضمنه إنكاره عليه‌السلام على العامة انما هو في عدم انعقاد النكاح ، حيث حكموا بأنه لا ينعقد إلا بشهادة عدلين لا في الإثبات ، وأحدهما غير الأخر فليتأمل (منه ـ رحمه‌الله ـ).


لا تجوز إلا شهادة رجلين عدلين فقال : كذبوا لعنهم الله ، هونوا واستخفوا بعزائم الله وفرائضه ، وشددوا وعظموا ما هون الله ، إن الله أمر في الطلاق بشهادة رجلين عدلين ، فأجازوا الطلاق بلا شاهد واحد ، والنكاح لم يجي‌ء عن الله في تحريمه ، فسن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) في ذلك الشاهدين تأديبا ونظرا لئلا ينكر الولد والميراث وقد ثبت عقدة النكاح ، ويستحل الفرج ولا أن يشهد» الحديث.

ويدل على القول الثاني ما رواه الشيخ عن مهلب الدلال (1) «أنه كتب إلى أبي الحسن (عليه‌السلام) إن امرأة كانت معي في الدار ، ثم إنها زوجتني نفسها ، وأشهدت الله وملائكته على ذلك ، ثم إن أباها زوجها من رجل آخر ، فما تقول فكتب : التزويج الدائم لا يكون إلا بولي وشاهدين ، ولا يكون تزويج متعة ببكر استر على نفسك واكتم رحمك الله».

ورد هذه الرواية جمع من الأصحاب منهم السيد السند (رحمه‌الله) في شرح النافع بضعف السند باشتماله على عدة من المجاهيل.

والأظهر عندي حملها على التقية لما دلت عليه الأخبار المتقدمة الدالة على أن القول بتوقف صحة العقد على الاشهاد مذهب العامة.

والعجب هنا من شيخنا الشهيد الثاني في المسالك حيث استدل للقول المشهور بقول الباقر (عليه‌السلام) والصادق (عليه‌السلام): «لا بأس بالتزويج بغير شهود فيما بينه وبين الله ، وإنما جعل الشهود في تزويج البتة من أجل الولد ومن أجل المواريث.

ثم استدل للقول الآخر من رواياتنا برواية المهلب الدلال ، وردها بضعف السند ، ثم قال : وبالجملة فليس في الباب حديث صحيح من الجانبين ، والاعتماد على الأصل حيث لا معارض.

فإن فيه أن الروايات الدالة على القول المشهور كما عرفت متكاثرة ،

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 255 ح 26 ، الوسائل ج 14 ص 459 ح 11.


ومنها التي أوردها ، وهي الرواية الاولى وحسنها على تقدير عدها في الحسن إنما هو بإبراهيم بن هاشم الذي لا راد لروايته ، وإن نظموها في سلك الحسن مع أن الصحيح هو نظمها في الصحيح كما هو عليه جماعة من متأخري المتأخرين ، ومثلها حسنة هشام بن سالم.

وأما رواية حفص بن البختري فهي صحيحة باصطلاحهم ، لأن سندها في الكافي هكذا علي بن إبراهيم عن أبيه ومحمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن ابن أبي عمير عن حفص بن البختري ، فقد اشتملت على سندين أحدهما حسن لا يقصر عن الصحيح ، والآخر صحيح مع تأيد ذلك بباقي الأخبار المذكورة وبه يظهر لك ضعف ما ذكره من اعتماده على الأصل ، ودعوى ضعف الأخبار من الطرفين فإنه ناش عن عدم الرجوع إلى الأخبار المذكورة وعدم خطورها بباله ومرورها بخياله.

وأما ما ذكروه من الإعلان زيادة على الاشهاد وهو إظهار العقد بمجمع من الناس ، فعلل بأنه أنقى للتهمة وأبعد من الخصومة.

واستدل عليه في المسالك ، ومثله سبطه في شرح النافع بما روي (1) «عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أنه كان يكره نكاح السر حتى يضرب بدف» ويقال : أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييكم نحييكم». والظاهر أن الخبر المذكور عامي لعدم وجوده في أخبارنا فيما أعلم.

ومنها الخطبة بالضم (2) أمام العقد وأكملها ـ كما اشتملت عليه خطبهم

__________________

(1) المستدرك ج 2 ص 539 ب 32 ح 3 وص 543 ب 34 ح 2.

(2) الخطبة ـ بضم الخاء ـ بمعنى الموعظة ، وهي المشتملة على الحمد والشهادتين والموعظة ، والخطبة ـ بكسر الخاء ـ وهو طلب المرأة للتزويج يقال : خطب المرأة إذا طلب أن يتزوجها فهو خاطب وخطاب مبالغة ، والاسم الخطبة بالكسر ، ويقال في المعنى الأول خطبت القوم خطبة بالضم من باب قتل وهي فعلة بمعنى مفعولة مثل نسخة بمعنى منسوخة وغرفة من الماء بمعنى مغروفة وجمعها خطب فهو خطيب والجمع الخطباء كذا في المصباح. (منه ـ رحمه‌الله ـ).


(عليهم‌السلام) المروية عنهم بعد ضم بعضها إلى بعض ـ ما اشتمل على حمد الله سبحانه والثناء عليه والشهادتين والصلاة على النبي وآله صلوات الله عليهم والوعظ من الوصية بتقوى الله عزوجل ، ثم العقد ، وبذلك صرح العلامة في التذكرة على ما نقل عنه ، وفي بعض الأخبار ما يدل على الاكتفاء بالحمد ، ووجه الاستحباب التأسي بالنبي والأئمة (عليهم‌السلام).

ومن الأخبار الواردة في المقام ما رواه في الكافي عن جابر (1) «عن أبي جعفر (عليه‌السلام) قال : زوج أمير المؤمنين (عليه‌السلام) ، امرأة من بني عبد المطلب كان يلي أمرها فقال : الحمد لله العزيز الجبار الحليم الغفار الواحد القهار الكبير المتعال سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ، ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار ، وأحمده وأستعينه وأومن به وأتوا كل عليه ، وكفى بالله وكيلا ، من يهدي الله فهو المهتد ولا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، ولن تجد من دونه وليا مرشدا ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شي‌ء قدير ، وأشهد أن محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) عبده ورسوله ، بعثه بكتابه حجة على عباده ، من أطاعه أطاع الله ، ومن عصاه عصى الله ، (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) كثيرا ، إمام الهدى والنبي المصطفى ، ثم إني أوصيكم بتقوى الله ، فإنها وصية الله في الماضين والغابرين ، ثم تزوج».

وعن معاوية بن حكيم (2) قال : خطب الرضا (عليه‌السلام) بهذه الخطبة «فقال : الحمد لله الذي حمد في الكتاب نفسه ، وافتتح بالحمد كتابه وجعل الحمد أول جزاء محل نعمته ، وآخر دعوى أهل جنته ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، شهادة أخلصها له ، وأدخرها عنده وصلى الله على محمد خاتم النبوة ، وخير البرية ، وعلى آله آل الرحمة ، وشجرة النعمة ، ومعدن الرسالة ، ومختلف

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 370 ح 2.

(2) الكافي ج 5 ص 373 ح 7 ، المستدرك ج 2 ص 543.


الملائكة ، والحمد لله الذي كان في علمه السابق ، وكتابه الناطق ، وبيانه السابق ، إن أحق الأسباب بالصلة والأثرة وأولى الأمور بالرغبة ، فيه سبب أوجب سببا ، وأمر أعقب غنى ، فقال جل وعز (1) (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً) ، وقال (2) (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ).

ولو لم يكن في المناكحة والمصاهرة آية محكمة ولا سنة متبعة ، ولا أثر مستفيض لكان فيما جعل الله من بر القريب ، وتقريب البعيد ، وتأليف القلوب ، وتشبيك الحقوق ، وتكثير العدد ، وتوفير الولد ، لنوائب الدهر ، وحوادث الأمور ، ما يرغب في دونه العاقل اللبيب ، ويسارع إليه الموفق المصيب ، ويحرص عليه الأديب الأريب ، فأولى الناس بالله من اتبع أمره وأنفذ حكمه وأمضى قضاءه ، ورجا جزاءه ، وفلان بن فلان من قد عرفتم حاله وجلاله دعاه رضا نفسه وأتاكم إيثارا لكم واختيارا لخطبة فلانة بنت فلان كريمتكم ، وبذل لها من الصداق كذا وكذا فتلقوه بالإجابة ، وأجيبوه بالرغبة واستخيروا الله في أموركم يعزم لكم على رشدكم إن شاء الله ، نسأل الله أن يلحم ما بينكم بالبر والتقوى ، ويؤلفه بالمحبة والهوى ، ويختمه بالموافقة والرضا إنه سميع الدعاء لطيف لما يشاء».

وعن عبد الله بن ميمون القداح (3) «عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) إن علي بن الحسين (عليهما‌السلام) كان يتزوج وهو يتعرق عرقا يأكل فما يزيد على أن يقول : الحمد لله وصلى الله على محمد وآله ، ويستغفر الله عزوجل ، وقد زوجناك على شرط الله ثم قال : علي بن الحسين (عليهما‌السلام) إذا حمد الله فقد خطب».

__________________

(1) سورة الفرقان ـ آية 54.

(2) سورة النور ـ آية 32.

(3) الكافي ج 5 ص 368 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 408 ح 2 ، الوسائل ج 14 ص 66 ح 2.


وعن عبيد بن زرارة (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن التزويج بغير خطبة فقال : أو ليس عامة ما يتزوج فتياننا ونحن نتعرق الطعام على الخوان نقول : يا فلان زوج فلانا فلانة ، فيقول : نعم وقد فعلت».

أقول : التعرق أكل اللحم الذي على العظم ، قال في كتاب المصباح المنير : عرقت العظم عرقا من باب قتل ، أكلت ما عليه من اللحم وما اشتمل عليه هذا الخبر من القول سؤالا وجوابا من جملة عقود النكاح ، كما سيأتي إيضاحه إن شاء الله تعالى.

قالوا : ويستحب خطبة اخرى أمام الخطبة «بالكسر» من المرأة أو وليها ، ويستحب للولي أيضا خطبة اخرى أمام الجواب.

أقول : قد روي ذلك (2) في تزويج النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) بخديجة (رضوان الله عليها)

ومنها أن لا يكون القمر في برج العقرب ، ولا يكون في محاق الشهر وليلة الأربعاء لما رواه الشيخ عن محمد بن حمران (3) عن أبيه «عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : من تزوج والقمر في العقرب لم ير الحسنى».

ورواه الصدوق عن محمد بن حمران (4) عن أبيه مثله ، ثم قال : «وقد روي أنه يكره التزويج في محاق الشهر».

وروي في كتاب عيون الأخبار عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنى (5) «عن علي بن محمد العسكري عن آبائه (عليهم‌السلام) في حديث قال : من تزوج والقمر في العقرب لم ير الحسنى ، ومن تزوج في محاق الشهر فليسلم لسقط الولد».

__________________

(1) الكافي ج 5 ح 368 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 408 ح 1.

(2) الكافي ج 5 ص 374 ح 9 ، المستدرك ج 2 ص 540 ح 3.

(3) التهذيب ج 7 ص 407 ح 2.

(4) الفقيه ج 3 ص 250 ح 1188.

(5) العيون ج 1 ص 288 طبع طهران ح 35.

وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 66 ح 1 وص 80 ب 54 ح 1 و 2 و 3.


والمراد بالتزويج المنهي عنه عند أكثر الأصحاب العقد بناء على أنه حقيقة في العقد ، وقد تقدم الكلام في ذلك ، والأحوط الاجتناب في كلا الأمرين من العقد والدخول ، لما تقدم من الاشكال فيما ذكروه.

وينبغي أن يعلم أن المحاق اسم لليالي الثلاثة من آخر الشهر إن كان الشهر تاما لأنه عبارة عن الليالي التي يمحق فيها ضوء القمر لطلوعه مع الشمس فتمحقه.

قال أهل اللغة : لليالي الشهر عشرة أسماء : غرر ، ثم نقل : ثم تسع ، ثم عشر ، ثم بيض ثم درع ، ثم ظلم ، ثم حنادس ، ثم دادى ، ثم محاق.

قال في المسالك : والمراد بالعقرب برجه ، لا المنازل الأربع المنسوبة إليه وهي الزبانا (1) والإكليل ، والقلب ، والشولة ، وذلك لأن القمر يحل في بروج الاثنى عشر في كل شهر مرة.

وجملة المنازل التي هذه الأربع ، بعضها ثمانية وعشرون مقسومة على البروج الاثنى عشر ، فيختص كل برج منها منزلتان وثلث وللعقرب من هذه الأربع ما لغيره ، والذي بينه أهل هذا اللسان للعقرب من المنازل ثلثا الإكليل والقلب وثلثا الشولة وذلك منزلتان وثلث ، فأما الزبانا وثلث الإكليل فهو من برج الميزان كما أن ثلث الشولة الأخير من برج القوس ، وإطلاق العقرب محمول على برجه ، لا على هذه المنازل الأربع ، فلا كراهة في منزلة الزبانا مطلقا.

وأما المنزلتان المشطرتان فإن أمكن ضبطها ، وإلا فينبغي اجتناب العقد والقمر بهما حذرا من الوقوع فيما كره منهما ، انتهى.

وروي في الكافي في الموثق عن عبيد بن زرارة وأبي العباس (2) قالا : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : ليس للرجل أن يدخل بامرأته ليلة الأربعاء». وينبغي أن يعلم أن

__________________

(1) الزبانا يضم الزاء المعجمة ثم الباء الموحدة ثم النون على وزن كسالى ، يقال لبرج العقرب. (منه ـ رحمه‌الله ـ).

(2) الكافي ج 5 ص 366 ح 3 ، الوسائل ج 14 ص 64 ب 39.


من المكروه أيضا التزويج في الأيام السبعة المشهورة في الشهر ، ونحوس الشهر ، ففي العشر الأولى الثالث والخامس ، وفي العشر الثانية الثالث عشر والسادس عشر ، وفي العشر الثالث ، الحادي والعشرون ، والرابع والعشرون ، والخامس والعشرون.

فقد دلت الأخبار على التحذير من العمل فيها بأي عمل كان ، ولزوم الإنسان بيته ، وعدم الحركة لشدة نحوستها ، كما رواه السيد رضي الدين علي بن طاوس في كتاب الدروع الواقية عن الصادق (عليه‌السلام). والطبرسي في كتاب مكارم الأخلاق (1) عنه (عليه‌السلام) ، ونحوه أيضا في كتاب زوائد الفوائد.

وأما اليوم الثالث ففي الدروع عنه (عليه‌السلام) يوم نحس مستمر فاتق فيه البيع والشراء وطلب الحوائج والمعاملة ، وفي المكارم عنه (عليه‌السلام) ردي لا يصلح لشي‌ء.

وفي الزوائد عنه (عليه‌السلام) يوم نحس قتل فيه قابيل هابيل. لا تسافر فيه ولا تعمل عملا ولا تلق أحدا.

أما اليوم الخامس ففي الدروع عنه (عليه‌السلام) أنه يوم نحس مستمر فلا تعمل فيه عملا ولا تخرج عن منزلك وفي المكارم عنه (عليه‌السلام) ردي نحس ، وفي الزوائد عنه (عليه‌السلام) هو يوم نحس وهو يوم نكد عسر لا خير فيه ، فاستعذ بالله من شره.

وأما الثالث عشر ففي الدروع يوم نحس فاتق فيه المنازعة والخصومة وكل أمر ، وفي رواية أخرى يوم نحس لا تطلب فيه حاجة ، وفي المكارم يوم نحس فاتقوا فيه جميع الأعمال وفي الزوائد يوم نحس وهو يوم مذموم في كل حال ، فاستعذ بالله من شره.

وأما السادس عشر ففي الدروع يوم نحس لا يصلح لشي‌ء سوى الأبنية ، ومن سافر فيه هلك ، وفي المكارم ردي مذموم لكل شي‌ء ، وفي الزوائد يوم نحسن ردي مذموم لا خير فيه فلا تسافر فيه ، ولا تطلب حاجة ، وتوق ما استطعت ، وتعوذ بالله من شره.

__________________

(1) المكارم ص 276 طبع النجف الأشرف.


وأما الحادي والعشرون ففي الدروع أنه يوم نحس ردي فلا تطلب فيه حاجة ، وفي المكارم يوم نحس مستمر ، وفي الزوائد يوم نحس مذموم فاحذره ، ولا تطلب فيه حاجة ، ولا تعمل عملا ، وأقعد في منزلك ، واستعذ بالله من شره.

وأما الرابع والعشرون ففي الدروع أنه يوم نحس ولد فيه فرعون فلا تطلب فيه أمرا من الأمور ، وفي المكارم يوم شؤم ، وفي الزوائد يوم نحس مستمر مكروه لكل حال وعمل فأحذره ولا تعمل فيه عملا ، ولا تلق أحدا واقعد في منزلك واستعذ بالله من شره.

وأما الخامس والعشرون ففي الدروع يوم نحس ردي فاحفظ نفسك فيه ولا تطلب فيه حاجة ، فإنه شديد البلاء ، وفي المكارم ردي مذموم تحذر فيه من كل شي‌ء ، وفي الزوائد يوم نحس مكره ثقيل نكد فلا تطلب فيه حاجة ولا تسافر فيه واقعد في منزلك واستعذ بالله من شره.

الفائدة السابعة : قد صرح جملة من الأصحاب (رضي‌الله‌عنهم) بأنه يجوز للرجل النظر إلى امرأة يريد تزويجها ، وإن لم يستأذنها ، ويختص الجواز بوجهها وكفيها ، وله أن يكرر النظر إليها ، وأن ينظرها قائمة وماشية ، قالوا : وروي جواز النظر إلى شعرها ومحاسنها وجسدها من فوق الثياب.

أقول : والذي وقفت عليه من الأخبار الواردة عن الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم منها : ما رواه في الكافي عن محمد بن مسلم (1) في الصحيح أو الحسن قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن الرجل يريد أن يتزوج المرأة ، أينظر إليها؟ قال : نعم ، إنما يشتريها بأغلى الثمن».

وعن هشام بن سالم وحماد بن عثمان وحفص بن البختري (2) في الصحيح أو الحسن «عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : لا بأس بأن ينظر إلى وجهها ومعاصمها إذا أراد أن يتزوجها» ، أقول : والمعصم كمنبر موضع السوار من اليد.

__________________

(1 و 2) الكافي ج 5 ص 365 ح 1 و 2، الوسائل ج 14 ص 30 ح 1 و 2.


وعن الحسن بن السري (1) في الصحيح قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : الرجل يريد أن يتزوج المرأة يتأملها وينظر إلى خلفها وإلى وجهها؟ قال : نعم ، لا بأس بأن ينظر الرجل إلى المرأة إذا أراد أن يتزوجها ينظر إلى خلفها وإلى وجهها».

وعن الحسن بن السري (2) «عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) أنه سأله عن الرجل ينظر إلى المرأة قبل أن يتزوجها؟ قال : نعم فلم يعطي ماله».

وعن عبد الله بن الفضل (3) عن أبيه عن رجل «عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : قلت له : أينظر الرجل إلى المرأة يريد تزويجها فينظر إلى شعرها ومحاسنها؟ قال : لا بأس بذلك إذا لم يكن متلذذا».

ومنها ما رواه في الفقيه والتهذيب عن عبد الله بن سنان (4) في الصحيح من الأول قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : الرجل يريد أن يتزوج المرأة فينظر إلى شعرها؟ فقال : نعم ، إنما يريد أن يشتريها بأغلى الثمن».

وما رواه في التهذيب عن غياث بن إبراهيم (5) «عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) في رجل ينظر الى محاسن امرأة يريد أن يتزوجها ، قال : لا بأس ، إنما هو مستام فإن تقيض أمر يكون».

، تقيض : أي يقدر ويسبب ، بمعنى أنه إن قدره الله تعالى فإنه يكون ، ورواه الحميري في قرب الاسناد ، وفيه «وإن يقض أمر يكن» ، وهو واضح.

وعن يونس بن يعقوب (6) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يريد أن يتزوج المرأة ، فأحب أن ينظر إليها ، قال : تحتجز ، ثم لتقعد ، وليدخل فلينظر ، قال : قلت : تقوم حتى ينظر إليها؟ قال : نعم ، قلت : فتمشي بين يديه؟ قال : ما أحب أن تفعل».

__________________

(1 و 2 و 3) الكافي ج 5 ص 365 ح 3 و 4 و 5.

(4) التهذيب ج 7 ص 435 ح 1 ، الفقيه ج 3 ص 260 ح 24.

(5 و 6) التهذيب ج 7 ص 435 ح 2 وص 448 ح 2. الوسائل ج 14 ص 60 ح 8.

وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 59 ح 3 و 4 و 5 والوسائل ج 14 ص 60 ح 7 و 8 و 10.


وما رواه الصدوق في العلل عن يونس بن يعقوب (1) في الموثق قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : الرجل يريد أن يتزوج المرأة ، يجوز له أن ينظر إليها؟ قال : نعم ، ويرقق له الثياب ، لأنه يريد أن يشتريها بأغلى الثمن».

أقول : والمفهوم من هذه الأخبار بعد ضم بعضها إلى بعض ، أنه يجوز النظر إلى الوجه والكفين ، ظاهرا وباطنا ، وإليه يشير تجويز النظر إلى معاصمها ، وهو كما عرفت موضع السوار من اليد ، فإن فيه زيادة تحديد الكفين ، الذين هما إلى مفصل الزند ، ولذا يجوز النظر إلى شعرها ومحاسنها. وفسرت بمواضع الزينة منها ، وهو أوسع دائرة من الوجه والكفين ، وربما قيل : بتخصيصها بهما ، والظاهر الأول.

قال في كتاب مجمع البحرين : ومحاسن المرأة : المواضع الحسنة من بدنها ، وقوله التي أمر الله بسترها.

وقال في القاموس : والمحاسن : المواضع الحسنة من البدن وهو ظاهر في المعنى الأول ، وظاهر موثقة يونس بن يعقوب ، وقوله «تحتجز» (2) بالزاي أخيرا أي تتزر بإزار أنه يجوز النظر إلى ما فوق الإزار من بدنها وهي عارية ، وهو أبلغ في النظر والمعرفة ، وفي رواية العلاء أنها تلبس ثوبا رقيقا يرى من تحته الجسد ، ويؤيدهما إطلاق النظر في صحيحة محمد بن مسلم أو حسنته.

وإذا عرفت ذلك فاعلم أن الكلام هنا يقع في مواضع : الأول : ظاهر كلام الأصحاب ، الاقتصار في النظر على الوجه والكفين ، ولهذا أنهم نسبوا جواز النظر إلى شعرها ومحاسنها إلى الرواية إيذانا بالتوقف فيه.

قال : في المسالك ، والذي يجوز النظر إليه اتفاقا هو الوجه والكفان ، من

__________________

(1) علل الشرائع ج 2 ب 260 ، الوسائل ج 14 ص 61 ح 11.

(2) قال في المصباح : واحتجز الرجل بإزاره شده في وسطه وحجزة الإزار ، معقده وحجزة السراويل ، مجمع شده ، والجمع حجز ، مثل غرفة وغرف (منه ـ رحمه‌الله ـ).


مفصل الزند ظهرا وبطنا ، لأن المقصود يحصل بذلك فيبقى ما عداه على العموم.

ثم نقل رواية عبد الله بن الفضل الدالة على جواز النظر الى الشعر والمحاسن ، ورواية عبد الله بن سنان الدالة على النظر إلى الشعر. ورواية غياث بن إبراهيم الدالة على المحاسن.

وردها بضعف الأسانيد ، وقال : إنها من حيث السند لا تصلح حجة في جواز ما دل الدليل على تحريمه.

وفيه : أولا : أن رواية عبد الله بن سنان ، وإن كانت ضعيفة برواية الشيخ ، إلا أنها صحيحة برواية الصدوق في الفقيه ، لأنه رواها عن عبد الله بن سنان وطريقه إليه في المشيخة صحيح ، كما لا يخفى على من راجعه.

وثانيا : إنا لا نراهم يقفون على هذا الاصطلاح دائما ، حتى يتجه طعنه هنا بذلك ولو اقتصروا في الأحكام الشرعية على القسم الصحيح ، الذي لا يعدونه ، لانسدت عليهم طرق إثبات الأحكام ، وانغلقت دونها أبواب معالم الحلال والحرام ، ولذا تراهم يرجعون إلى أمثال الأخبار ، ويغمضون العين عن هذا الاصطلاح ، أو يعتذرون بأعذار واهية ، لا يقبل الإصلاح ، كما تقدم الكلام في ذلك في جملة من مواضع كتب العبادات.

ولهذا أن ظاهر سبطه السيد السند في شرح النافع ، هو الميل إلى ما دلت عليه هذه الأخبار ، حيث قال بعد ذكر رواية عبد الله بن الفضل عن أبيه (1) : وهذه الرواية ضعيفة بالإرسال ، لكنها موافقة لمقتضى الأصل ، وتؤيد بالروايتين المتقدمتين ، فيتجه العمل بها ، وأشار بالروايتين المتقدمتين إلى حسنتي محمد بن المتقدمتين ، فيتجه العمل بها ، وأشار بالروايتين المتقدمتين إلى حسنتي محمد بن مسلم ، وهشام بن سالم ، ومن معه ، ثم قال : ويعضدها أيضا صحيحة الحسن بن السري : ثم أورد الرواية الثانية من الروايتين المتقدمتين ، ثم قال : ويدل على جواز النظر صريحا ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن عبد الله بن سنان ، ثم ساق

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 365 ح 5 ، الوسائل ج 14 ص 59 ح 5.


الرواية ، وأنت خبير بأن عده هنا رواية الحسن بن السري المذكورة في الصحيح لا يخلو من سهو ، فإن الصحيحة إنما هي الأولى منها ، وأما هذه فهي ضعيفة باصطلاحهم ، لأن سندها في الكافي الحسن بن محمد عن معلى بن محمد عن بعض أصحابنا عن أبان عن الحسن ، ثم إنه لا يخفى عليك أن ما ذكره السيد المذكور ، من العذر عن العمل برواية عبد الله بن الفضل جار على ما ذكرناه في كلامنا على جده (قدس الله روحهما) ، وبما ذكرنا يظهر قوة القول بجواز النظر إلى ما زاد على الوجه والكفين كما ذكروه ، سيما روايتي يونس بن يعقوب الدالة إحداهما على الاحتجاز ، والثانية على ترقيق الثياب المؤيدتين بإطلاق حسنة محمد بن مسلم أو صحيحته ، فالقول بجواز النظر مطلقا هو الظاهر من الأخبار المذكورة ، كما لا يخفى على المتأمل المنصف.

الثاني : أنه قد صرح شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ، ومثله في الروضة ، بأنه كما يجوز النظر للرجل ، كذا يجوز للمرأة قال : لاشتراكهما في المقصود ، وعندي فيه نظر ، لأن الأصل في الموضعين هو التحريم ، وجواز النظر للرجل قد دل الدليل على جوازه ، وعلل في الأخبار المذكورة بأنه في معنى المشتري للمرأة ، والمستام بها ، ومن شأن القاصد لشراء شي‌ء ، النظر إليه ليرتفع عنه الغبن والغرر وهذه العلة لا تجري في نظر المرأة للرجل كما لا يخفى ، فقياسها على الرجل قياس مع الفارق ، وحكم المنصوص وغيره غير مطابق ، كما لا يخفى على الممارس الحاذق.

وبالجملة فالأصل التحريم ، ولا يجوز الخروج عنه إلا بدليل واضح ، والاشتراك الذي ذكره ممنوع لما عرفت ، مع أنه مع تسليمه لا يصح لأن يكون دليلا شرعيا يخصص به الأصل المذكور.

الثالث : المفهوم من الأخبار وهو الذي صرح به الأصحاب ، هو جواز النظر ، وقال في المسالك : وربما قيل : باستحبابه نظرا إلى ظاهر الأمر الذي أقل مراتبه


ذلك ، ويمكن منع دلالته عليه لجواز إرادة الإباحة ، فإنها بعض مستعملاته. حيث لا يراد به الوجوب ، كقوله تعالى (1) «وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا» ، انتهى.

أقول : ما ادعاه (قدس‌سره) من وجود الأمر بالنظر في الأخبار ، لا أعرف له وجها ، فإن غاية ما اشتملت عليه بأجمعها هو السؤال عن النظر ، والجواب بنفي البأس ، وليس في شي‌ء منها على تعددها ما يدل على الأمر بالنظر (2) كما ادعاه ، ومقتضي ما اشتملت عليه مما ذكرناه. إنما هو الجواز كما ينادي به نفي البأس ، بمعنى أنه يباح له ذلك ، ولا يكون محرما.

الرابع : قال في المسالك : اعلم أنه سيأتي جواز النظر إلى وجه المرأة الأجنبية وكفيها في الجملة ، فالواجب الاقتصار هنا على هذا القدر ، بقي الفرق بينها وبين الأجنبية وهو من وجوه :

الأول : أن جوازه في الأجنبية موضع خلاف ، وهنا موضع وفاق.

الثاني : أنه في الأجنبية مشروط بعدم خوف الفتنة ، وهنا لا يشترط ، لأنه يريد التزويج ، اللهم إلا أن يخافها قبل وقوع العقد ، وفي التذكرة أطلق الجواز مع خوف الفتنة وبدونها ، معللا بأن الغرض إرادة النكاح ومقتضاه أن ذلك ، مناف للفتنة.

الثالث : أنه في الأجنبية مقصور على أول نظرة فلا يجوز التكرار وهنا يجوز.

الرابع : أنه في الأجنبية مكروه وهنا لا كراهة إن لم يكن مستحبا ، انتهى.

__________________

(1) سورة المائدة ـ آية 2.

(2) غير خفي أن رواية يونس بن يعقوب قد ورد فيها لفظ الأمر صريحا لانه قال في الجواب : تحتجز ، ثم لتقعد فليدخل فلينظر ، فكيف يقول رحمه‌الله ليس في شي‌ء منها ، على تعددها ما يدل على الأمر بالنظر ، لا يقال : ليس فيه أمر استحبابي ، وهذا ليس كذلك ، قلنا كونه للاستحباب هنا ، غير خفي على المنصف ويمكن أن يراد في الاخبار الصحيحة ، وهذه ليست كذلك وفيه بعد من العبارة. (منه ـ رحمه‌الله).


أقول : لا يخفى أنه حيث لحظ (قدس‌سره) هنا إشكالا فيما ذهبوا إليه ، من التخصيص بالوجه والكفين ، أراد التفصي في الخروج عنه ، ودفعه بهذه الوجوه التي ذكرها ، وهي لا تسمن ولا تغني من جوع ، كما لا يخفى على من له الإنصاف بأدنى رجوع.

وذلك فإن وجه الإشكال الذي ألجأه إلى هذا المقال هو أنه إذا ثبت شرعا ، أنه يجوز النظر إلى وجه الأجنبية وكفيها ، وإن لم يرد تزويجها ، فأي وجه للاقتصار عليهما في هذه المسألة ، وتعليل ذلك في الأخبار ، بأنه مستام ، وأنه بمنزلة المشتري لها.

وأنت خبير بأنه لا وجه للفرق بين المقامين إلا على ما اخترناه من جواز النظر مطلقا ، من غير تخصيص بما ادعوه من الوجه والكفين ، إذ مع التخصيص بهما فإنه لا وجه لهذه التعليلات المتكررة في الأخبار بأنه مستام ، وأنه يريد أن يشتريها ، وأنه يشتري بأغلى الثمن.

وأما الفروق التي ذكرها فإنه لا وجود لها في الأخبار ، وإنما هي من كلامهم ، ونحن إنما نتكلم بناء على ما دلت عليه الأخبار.

وأما الفرق الأول ـ الذي ذكره من أن جواز النظر للأجنبية موضع خلاف وهنا موضع وفاق ، ففيه أن الكلام ليس مبنيا على الخلاف هنا والوفاق ، وإنما هو مبني على دلالة الأخبار ، في الأجنبية على جواز النظر للوجه والكفين ، فإذا جاز ذلك بمقتضى هذه الأخبار ، فأي معنى لهذه التعليلات في هذه الأخبار المذكورة ، مع أنه جائز مطلقا.

وأما الفرق الثاني : ففيه أيضا أن رواية عبد الله بن الفضل قد قيد نفي البأس بما لم يكن متلذذا ، وبها يقيد إطلاق غيرها ، وحينئذ فيستوي الأمران ، واشتراط عدم خوف الفتنة ، وما نقله عن التذكرة ، فهو مردود بالخبر المذكور.


وأما الفرق الثالث ـ ففيه بعد الإغماض ، عن المناقشة فيما ادعاه ، من عدم جواز التكرار في الأجنبية ، والاقتصار على أول نظرة ، أن جواز التكرار هنا ، إنما وقع في كلامهم ، وأما الروايات فهي خالية منه ، وغاية ما تدل عليه ، جواز النظر بقول مطلق وهذه روايات المسألة كملا قد استوفينا ذكرها.

وأما الفرق الرابع ـ وهو أنه في الأجنبية مكروه فهو على إطلاقه ممنوع ، وسيأتيك تحقيق المسألة إن شاء الله تعالى في موضعها ، على ما يظهر لك منه حقيقة الحال ، وأما العلاوة التي ذكرها بكونه مستحبا فقد عرفت ما فيه.

وبالجملة فإنه لا مخرج من هذا الاشكال المذكور ، إلا على ما اخترناه من القول بجواز النظر مطلقا هنا ، وأما ما ذكروه من التخصيص في المقام فهو لازم لهم لزوم الطرق للحمام ، والله العالم.

الثالث : المشهور بين الأصحاب (رضي‌الله‌عنهم) بل صرح في المسالك بأنه موضع وفاق ، جواز النظر إلى الأمة ـ التي يريد شرائها ـ إلى وجهها ، وكفيها ، ومحاسنها ، وشعرها ، وإن لم يأذن له المولى صريحا ، قالوا : لأن عرضها للبيع قرينة للإذن في ذلك ، وإنما الخلاف فيما زاد على ذلك من باقي جسدها عدا العورة ، فقيل : بالجواز ، ونقل عن العلامة في التذكرة ، أنه قطع به مستندا إلى دعاء الحاجة إليه للتطلع إليها لئلا يكون بها عيب ، فيحتاج إلى الاطلاع عليه ، وقيده في الدروس بتحليل المولى ، ومعه يجوز إلى العورة أيضا.

والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة ، ما رواه الصدوق في الفقيه والشيخ في التهذيب عن أبي بصير (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يعترض الأمة ليشتريها ، قال : لا بأس بأن ينظر إلى محاسنها ، ويمسها ما لم ينظر إلى ما لا ينبغي النظر إليه».

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 75 ح 35 ، الوسائل ج 13 ص 48 ب 20 ح 1.


وما رواه في التهذيب عن حبيب بن معلى الخثعمي (1) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) إني اعترضت جواري بالمدينة ، فأمذيت ، فقال : أما لمن يريد الشراء فليس به بأس ، وأما لمن لا يريد أن يشتري فإني أكرهه».

وعن الحارث بن عمران الجعفري (2) «عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : لا أحب للرجل أن يقلب جارية ، إلا جارية يريد شراءها».

وما رواه الحميري في كتاب قرب الاسناد عن الحسين بن علوان (3) «عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم‌السلام) إنه كان إذا أراد أن يشترى الجارية يكشف عن ساقيها فينظر إليها».

قال في المسالك بعد ذكره رواية أبي بصير المذكورة : وظاهر الرواية جواز النظر إلى ما عدا العورة كما اختاره في التذكرة ، وإن لم يأذن المولى ، مع احتمال أن يريد بقوله ، ما لا ينبغي له النظر اليه ، ما هو أعم من العورة ، ولم يتعرض المصنف بجواز اللمس ، وفي الرواية تصريح بجوازه ، وهو حسن مع توقف الغرض عليه ، وإلا فتركه أحسن ، إلا مع التحليل ، والحكم هنا مختص بالمشتري ، فلا يجوز للأمة النظر إليه زيادة على ما يجوز للأجنبي ، بخلاف الزوجة ، والفرق أن الشراء لا اختيار لها فيه بخلاف التزويج ، انتهى.

أقول : انظر أيدك الله تعالى إلى عمله بالرواية المذكورة ، إذ لم يورد سواها مع ضعف سندها بأبي بصير ، فإنه يحيى بن القاسم ، بقرينة رواية علي بن أبي حمزة عنه ، مع ضعف علي المذكور وضعف الراوي عن علي ، وهو الجوهري ، فأغمض عن

__________________

(1 و 2) التهذيب ج 7 ص 236 ح 49 و 50.

(3) قرب الاسناد ص 49.

وهذه الروايات في الوسائل ج 13 ص 47 ب 20 ح 2 و 3 و 4.


ذلك كله ، واستند إليها (1) في المسألة ، ونسي مناقشاته التي صدر عنه في غير مقام ، ورده الأخبار بضعف الاسناد ومنه ما تقدم في هذه الفائدة ، مما أوضحنا ما فيه ، وكلامه هنا مؤيد ، لما أوردناه عليه ثم ، وكم مثله وأمثاله ، كما لا يخفى على المتتبع البصير ، والناقد الخبير.

وأما ما ذكره بقوله : والحكم هنا مختص بالمشتري الى آخره ، فلا أعرف له وجها وجيها ، لأن ظاهره جواز نظر الأمة إلى الأجنبي ، وأنه يجوز نظرها للمشتري حسبما يجوز لها في الأجنبي ، من غير زيادة على ذلك ، وإن جاز ذلك في الزوجة بالنسبة إلى من يريد التزويج بها ، وقد عرفت الكلام في الزوجة ، وأن ما حكم به من جواز نظرها لمن يريد التزويج بها ، لا دليل عليه ، بل الدليل الواضح في خلافه ، وكذلك الأمة ، فإني لم أقف على دليل يدل على جواز نظرها للأجانب من مستام : يريد شراءها أو غيره ، بل مقتضى عموم الأدلة هو التحريم ، وجواز نظر المشتري لها عند إرادة شرائها بالأخبار المذكورة ، لا يستلزم جواز نظرها له ، حتى أنه يتكلف للفرق بينها وبين الزوجة بما ذكره.

إذا عرفت ذلك ، فالظاهر من الأخبار المذكورة بعد ضم بعضها الى بعض ، هو ما استظهره (قدس‌سره) من رواية أبي بصير ، وهو جواز النظر ، إلى ما سوى العورة ، بحمل ما لا ينبغي النظر إليه ، على العورة خاصة ، ولا ينبغي هنا ، بمعنى التحريم ، كما هو شائع ذائع في الأخبار ، واحتمال حمله على سائر الجسد ، بعد تجويز النظر إلى المحاسن ، وتجويز المس بعيد جدا وهو الظاهر أيضا من رواية

__________________

(1) فإن قيل : لعل اعتماده في ذلك انما هو على الاتفاق على الحكم المذكور كما ذكره ، والإجماع عنده في بعض المواضع حجة شرعية ، وان خالفه في مواضع اخركما تقدم ، قلنا فيه ـ مع الإغماض عن المناقشة في حجية الإجماع ـ : انه قد اعتمد عليها ، واستدل بها ، على ما لا إجماع فيه وهو اللمس ، فإنه حكم بجوازه بها ، وان قيده بتوقف الغرض عليه ، وهو كاف في توجه الطعن اليه. (منه ـ رحمه‌الله ـ).


الخثعمي ورواية الجعفري ، فإن الظاهر أيضا من اعتراض الجواري ، وتقليبهن على وجه يترتب عليه الإمذاء ، بحصول الشهوة ، إنما يكون غالبا بمطالعة الجسد وملامسته ، وأصرح من ذلك رواية قرب الاسناد الدالة على كشف ساقيها لينظر إليه ، والله العالم.

الفائدة الثامنة : لا خلاف بين الأصحاب (رضى الله عنهم) في تحريم النظر إلى الأجنبية ، وهي من ليست بمحرم ولا زوجة ولا مملوكة ، فيما عدا وجهها وكفيها بل قال في المسالك : إنه موضع وفاق بين المسلمين ، ولا فرق في التحريم بين قصد التلذذ وعدمه ، ويدل على ذلك من الأخبار ، زيادة على الإجماع المذكور ، ما رواه في الكافي عن علي بن عقبة (1) عن أبيه «عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : النظر سهم من سهام إبليس مسموم ، وكم من نظرة أورثت حسرة طويلة».

ورواه الصدوق في كتاب عقاب الأعمال والبرقي في المحاسن (2) وروى في التهذيب عن أبي بريد العطار (3) عن بعض أصحابنا قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إياكم والنظر فإنه سهم من سهام إبليس ، وقال : لا بأس بالنظر إلى ما وضعت الثياب».

وفي هذا الخبر دلالة على جواز النظر من وراء الثياب الرقيقة التي تحكي الجسد.

وروى في الكافي عن ابن أبي نجران عمن ذكره (4) عن أبي عبد الله عليه‌السلام ويزيد بن حماد وغيره ، عن أبي جميلة «عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام قالا : ما من أحد إلا وهو يصيب حظا من الزنا ، فزنا العينين النظر ، وزنا الفم القبلة ، وزنا اليدين اللمس صدق الفرج ذلك أم كذب».

وروى في الكافي عن سعد الإسكاف (5) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : استقبل شاب ،

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 559 ح 12 ، الوسائل ج 14 ص 138 ح 1.

(2) المحاسن ج 1 ص 109 ح 101 طبع طهران ، عقاب الأعمال ص 314.

(3) التهذيب ج 7 ص 435 ح 3.

(4 و 5) الكافي ج 5 ص 559 ح 11 وص 521 ح 5 ، الوسائل ج 14 ص 138 ح 2 و 4.


من الأنصار امرأة بالمدينة ، وكان النساء يتقنعن خلف آذانهن ، فنظر إليها وهي مقبلة ، فلما جازت ، نظر إليها ، ودخل في زقاق ، قد سماه يبني فلان ، فجعل ينظر خلفها واعترض وجهه عظم في الحائط ، أو زجاجة ، فشق وجهه ، فلما مضت المرأة ، نظر فإذا الدماء تسيل على صدره وثوبه ، فقال : والله لآتين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولأخبرنه قال : فأتاه فلما رآه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال له : ما هذا؟ فأخبره فهبط جبرئيل عليه‌السلام ، بهذه الآية (1) (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ».

أقول : فيه دلالة على جواز التقنع يومئذ ، على الوجه المذكور ، وعدم وجوب ستر الاذن ، ونحوها ، وجواز النظر لذلك ، وأن تحريم النظر إما مطلقا أو بقصد التلذذ ، أو خوف الفتنة ، إنما نزل على أثر هذه الواقعة ، إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي لا ضرورة إلى ذكرها ، مع الاتفاق على الحكم المذكور.

وأما الوجه والكفان فإنه لا خلاف أيضا بينهم في تحريم النظر إليهما ، مع قصد التلذذ أو خوف الفتنة ، وأما مع عدم الأمرين المذكورين ، فقد اختلف الأصحاب في ذلك ، فقيل بالجواز مطلقا ، وإن كان على كراهية ، ونقل عن الشيخ (رحمه‌الله) ، لقوله تعالى (2) «وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّا ما ظَهَرَ مِنْها» وهو مفسر بالوجه والكفين ، وإن ذلك مما يعم به البلوى ، ولا طباق الناس في كل عصر ، على خروج النساء على وجه ، يحصل منه بدو ذلك ، من غير نكير.

أقول : ويدل على هذا القول ما رواه في الكافي عن مروك بن عبيد (3) عن بعض أصحابنا «عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت له : ما يحل للرجل أن يرى من المرأة إذا لم يكن محرما؟ قال : الوجه والكفان والقدمان» ، وهي صريحة في المراد ، وقد تضمنت زيادة القدمين ، مع أن ظاهر كلامهم ، تخصيص الاستثناء بالوجه

__________________

(1) سورة النور ـ آية 30 و 31.

(3) الكافي ج 5 ص 521 ح 2 ، الوسائل ج 14 ص 146 ح 2.


والكفين ، كما هو ظاهر المحقق في الشرائع ، والشارح في المسالك ، والسيد السند في شرح النافع ، حيث اقتصروا في الاستثناء على هذين الاثنين ، وظاهره عدم جواز النظر إلى القدمين ، والرواية كما ترى صريحة في استثنائه أيضا ويؤيده ما صرحوا به في كتاب الصلاة حيث إن المشهور بينهم ، أن بدن المرأة كله عورة ما خلا الوجه والكفين والقدمين ، فلم يوجبوا ستره في الصلاة ، وهو أظهر ظاهر في تجوزيهم النظر إلى هذه الثلاثة المذكورة.

ومن العجب أن السيد السند في شرح النافع ، نقل مرسلة مروك المذكورة ، عارية عن ذكر القدمين.

وما رواه في الكافي عن زرارة (1) «عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله تبارك وتعالى (2) «إِلّا ما ظَهَرَ مِنْها» قال : الزينة الظاهرة ، الكحل والخاتم» (3).

وعن أبي بصير (4) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن قول الله عزوجل «وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّا ما ظَهَرَ مِنْها» قال : الخاتم والمسكة وهي القلب».

أقول : والقلب : بالضم ، السوار.

وما رواه في الكافي عن الفضيل بن يسار (5) في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الذراعين من المرأة ، أهما من الزينة التي قال الله تبارك وتعالى «وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّا لِبُعُولَتِهِنَّ»؟ قال : نعم ، وما دون الخمار من الزينة ، وما دون السوارين». قوله عليه‌السلام : «وما دون الخمار» ، أي ما يستره الخمار ، من الرأس والرقبة ، فهو من

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 521 ح 3 ، الوسائل ج 14 ص 146 ح 3.

(2) سورة النور ـ آية 31.

(3) وفي هذا الخبر إشارة إلى الرد على بعض الفضلاء المعاصرين ، في بطلان الوضوء بالكحل في العينين ، فإنه أوجب إزالته في كل وضوء أو المنع من الاكتحال بالكلية وعلى هذا لم تحصل الزينة في جميع الأوقات ، وهو خلاف الاخبار. (منه ـ رحمه‌الله ـ).

(4 و 5) الكافي ج 5 ص 521 ح 4 وص 520 ح 1 ، الوسائل ج 14 ص 146 ح 4 وص 145 ح 1.


الزينة ، وما خرج عن الخمار من الوجه ، فليس منها ، «وما دون السوارين» يعنى من اليدين ، وهو ما عدا الكفين ، وكأن «دون» هنا في قوله «دون الخمار» بمعنى تحت الخمار ، ودون السوار بمعنى تحت السوار ، يعنى الجهة المقابلة للعلو ، فإن الكفين أسفل ، بالنسبة إلى ما فوق السوارين من اليدين.

وفي تفسير الثقة الجليل علي بن إبراهيم قال : وفي رواية أبي الجارود (1) عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى «وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّا ما ظَهَرَ مِنْها» فهي الثياب والكحل والخاتم وخضاب الكف والسوار» ، والزينة ثلاثة : زينة للناس ، وزينة للمحرم وزينة للزوج ، فأما زينة الناس ، فقد ذكرناه ، وأما زينة المحرم ، فموضع القلادة فما فوقها ، والدملج وما دونه ، والخلخال وما سفل منه ، وأما زينة الزوج فالجسد كله.

وفي هذه الأخبار دلالة ظاهرة على استثناء الوجه والكفين.

ومما يدل على الوجه بخصوصه ، ما رواه في الكافي عن جابر (2) «عن أبي جعفر عليه‌السلام عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يريد فاطمة عليها‌السلام وأنا معه فلما انتهينا إلى الباب ، وضع يده عليه فدفعه ، ثم قال : السلام عليكم ، فقالت فاطمة عليها‌السلام : السلام عليك يا رسول الله ، قال : أدخل؟ قالت : أدخل يا رسول الله ، قال أدخل أنا ومن معي فقالت : يا رسول الله ، ليس علي قناع فقال : يا فاطمة خذي فضل ملحفتك ، فقنعي به رأسك ، إلى أن قال : فدخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ودخلت فإذا وجه فاطمة عليها‌السلام أصفر كأنه بطن جرادة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما لي أرى وجهك أصفر ، قالت : يا رسول الله الجوع ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهم مشبع الجوعة ، ودافع الضيقة ، أشبع فاطمة ، بنت محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال جابر : فوالله لنظرت الدم ينحدر من قصاصها ، حتى صار وجهها أحمر ، فما جاعت بعد ذلك اليوم».

__________________

(1) تفسير على بن إبراهيم ج 2 ص 101 ، المستدرك ج 2 ص 555 ب 84 ح 3.

(2) الكافي ج 5 ص 528 ح 5 ، الوسائل ج 14 ص 158 ح 3.


وأنت خبير بأن ما قدمنا ذكره عن أصحاب هذا القول من الكراهة على تقدير الجواز لا إشارة فيه في هذه الأخبار ، فضلا عن الدلالة عليه ، والظاهر أنهم استندوا فيه إلى خوف الفتنة ، وهو أمر آخر كما لا يخفى.

وقيل : بالتحريم مطلقا ونقل عن العلامة في التذكرة ، لعموم قوله تعالى (1) «وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّا لِبُعُولَتِهِنَّ» الآية ، ولاتفاق المسلمين على منع النساء ، أن يخرجن مسافرات ، ولو حل النظر لنزلن منزلة الرجال ، ولأن النظر إليهن مظنة الفتنة وهي الشهوة ، فالأليق بمحاسن الشرع حسم الباب ، لأن «الخثعمية (2) أتت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في حجة الوداع تستفتيه ، وكان الفضل بن العباس رديف ، رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخذ ينظر إليها وتنظر إليه وصرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وجه الفضل عنها ، وقال : رجل شاب ، وامرأة شابة ، فخشيت أن يدخل بينهما الشيطان».

وأورد على هذه الأدلة ، أن النهى مختص بما عدا محل البحث ، لقوله عزوجل «إِلّا ما ظَهَرَ مِنْها» ، ودعوى اتفاق المسلمين عليه معارض بمثله ، كما تقدم في أدلة القول الأول ولو ثبت لم يلزم منه تحريم ، لجواز استناده إلى المروة والغيرة ، بل هو الأظهر ، أو على وجه الأفضلية ، وحديث الخثعمية بالدلالة على القول الأول أنسب ، وإليه أقرب ، لدلالته على جواز كشف الوجه يومئذ ، وعدم تحريم النظر ، وصرفه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجه الفضل بن العباس ، إنما وقع لأمر آخر ، كما علله به من خوف الفتنة ولا كلام فيه ، كما عرفت لا من حيث حرمة النظر ، ولو كان النظر محرما ، لنهي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أول الأمر ، لوجوب النهي عن المنكر.

أقول : أنت خبير ، بأنهم في هذا المقام لم يلموا بشي‌ء من الأخبار ، ولم يطلعوا عليها بالكلية ، وإلا فهي الأولى بالاعتبار والاستدلال في الإيراد والإصدار ومن تأمل فيما قدمناه من الأخبار ونحوها غيرها لم يختلجه شك في ضعف القول

__________________

(1) سورة النور ـ آية 30.

(2) المسالك ج 1 ص 436 ، المستدرك ج 2 554 مع اختلاف في التعبير.


المذكور ، وضعف ما بني عليه ، من التعليلات العليلة.

وقيل : بجواز النظر على كراهية مرة لا أزيد ، وهو اختيار المحقق ، والعلامة في أكثر كتبه.

ووجه الجواز ما تقدم في دليل القول الأول من الأدلة ، التي قدمنا نقلها عنهم ، والوجه في تحريم الزائد عن المرة ، أن المعاودة ودوام النظر ، مظنة الفتنة ، لأن شأنه أن يحدث عنه الميل القلبي ، ويترتب عليه الفتنة ، كما اتفق للفضل بن العباس.

وأنت خبير بما فيه ، أما أولا ـ فإنه قد تقدم ، أنه لا خلاف في التحريم في مقام الريبة ، وخوف الفتنة ، وإنما محل البحث مع عدم شي‌ء من ذلك ، فالتعلق بذلك ، خروج عن محل المسألة ، ومقام البحث ، وكون المعاودة ، مظنة للفتنة ، لا يوجب التحريم ، إلا مع حصول الفتنة بالفعل ، لا مجرد إمكان ترتب الفتنة وظنها إذ قد لا تحصل بالكلية.

وأما ثانيا ـ فإن ظاهر الأخبار التي قدمناها ، دالة على الجواز ، وهو جواز النظر مطلقا ، ولا سيما خبر نظر جابر بن عبد الله ، لوجه فاطمة صلوات الله عليها ، فهذا القول في الضعف كسابقه.

نعم هنا جملة من الأخبار ، دلت على الإباحة مرة ، وتحريم المعاودة ، بالنسبة إلى ما عدا هذه المواضع الثلاثة من سائر الجسد.

فروى الصدوق عن ابن عمير عن الكاهلي (1) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : النظرة بعد النظرة ، تزرع في القلب الشهوة ، وكفى بها لصاحبها فتنة».

وعن السكوني (2) «عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما‌السلام «قال : لا بأس ـ إلى أن قال : ـ وقال عليه‌السلام : أول نظرة لك ، والثانية عليك لا لك ، والثالث فيها الهلاك ،.

__________________

(1 و 2) الوسائل ج 14 ص 139 ح 6 و 7، الخصال ج 2 ص 632.


قال : «وقال الصادق عليه‌السلام (1) : من نظر إلى امرأة فرفع بصره إلى السماء ، أو غض بصره ، لم يرتد إليه بصره ، حتى يزوجه الله ، من الحور العين» ، قال : وفي خبر (2) «حتى يعقبه الله إيمانا ، يجد طعمه».

وروى في كتاب عيون الأخبار (3) عن الرضا عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام في حديث قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تتبع النظرة النظرة ، فليس لك يا علي ، إلا أول النظرة».

وفي حديث الأربعمائة المروي في كتاب الخصال (4) «عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : لكم أول نظرة إلى المرأة. فلا تتبعوها نظرة أخرى ، واحذروا الفتنة».

والظاهر أن المراد بالنظرة ، التي لا يترتب عليها عقاب ولا ذم ، هي ما حصلت له على جهة الاتفاق ، فلو أتبعها بنظرة ثانية ، ترتب عليه الذم والإثم ، والظاهر أن المراد بالنظرة الثانية ، هو الاستمرار على النظرة ، والمداومة بعد النظرة الأولى ، التي حصلت اتفاقا ، وكذا الثالثة ، وهي طول النظر ، زيادة على ذلك ، واحتمال صرفه بصره ، ثم عوده يمكن أيضا.

وهذه الأخبار ، وإن كانت مطلقة ، بالنسبة إلى الجسد وإلى تلك المواضع الثلاثة المتقدمة ، إلا أن تلك المواضع ، قد خرجت بالأخبار المتقدمة ، فوجب تخصيص إطلاق هذه الأخبار بها.

تنبيهات :

الأول : المشهور بين الأصحاب جواز النظر ، إلى نساء أهل الذمة وشعورهن ، وهو قول الشيخين في المقنعة والنهاية ، ما لم يكن ذلك على وجه التلذذ ، قال في النهاية : لا بأس بالنظر إلى نساء أهل الكتاب وشعورهن ، لأنهن بمنزلة الإماء ، إذا لم يكن النظر لريبة أو تلذذ ، وأما إذا كان كذلك. فلا يجوز النظر إليهن على حال

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل ج 14 ص 139 ح 9 وص 140 ح 10 و 11 وص 141 ح 15 ، الخصال ج 2 ص 632 ..


وقال في المقنعة : لا بأس بالنظر إلى نساء أهل الكتاب ، وشعورهن لأنهن بمنزلة الإماء ، ولا يجوز النظر إلى ذلك منهن لريبة.

وعلى هذا القول عمل الأصحاب ، ما عدا ابن إدريس ، وتبعه العلامة في المختلف ، وأما في باقي كتبه فهو موافق لمذهب الأصحاب

قال ابن إدريس : الذي يقوى في نفسي ترك هذه الرواية ، والعدول عنها ، والتمسك بقوله تعالى (1) «قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ» وقوله (2) «لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ» والشيخ أوردها في نهايته على جهة الإيراد لا الاعتقاد ، انتهى.

أقول : والذي وقفت عليه ، من الأخبار الواردة في هذا المقام ، ما رواه في الكافي عن السكوني (3) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا حرمة لنساء أهل الذمة أن ينظر إلى شعورهن وأيديهن».

وما رواه الحميري في كتاب قرب الاسناد عن أبي البختري (4) «عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام : قال لا بأس بالنظر إلى رؤوس النساء من أهل الذمة ، وقال : ينزل المسلمون علي أهل الذمة في أسفارهم وحاجاتهم ، ولا ينزل المسلم على المسلم إلا بإذنه».

ويعضده ما رواه ، في الكافي عن عباد بن صهيب (5) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لا بأس بالنظر إلى رؤوس نساء أهل التهامة ، والأعراب ، وأهل السواد والعلوج ، لأنهم إذا نهوا لا ينتهون ، قال : والمجنونة والمغلوبة على عقلها ، ولا

__________________

(1) سورة النور ـ آية 30.

(2) سورة الحجر ـ آية 88.

(3) الكافي ج 5 ص 524 ح 1.

(4) قرب الاسناد ص 62.

(5) الكافي ج 5 ص 524 ح 1.

وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 149 ح 1 و 2 وص 149 ب 113 ح 1.


بأس بالنظر إلى شعرها وجسدها ، ما لم يتعمد ذلك». ورواه في الفقيه إلا أنه قال : وأهل البوادي من أهل الذمة ، مكان أهل السواد والعلوج.

قوله عليه‌السلام «ما لم يتعمد ذلك» يعني على وجه التلذذ به ، والميل إليه ، وجملة من أصحابنا المتأخرين ، ومنهم صاحب المسالك وغيره ، قد جروا على القول المشهور ، واستدلوا بهذه الأخبار ، مع ما هي عليه من الضعف ، باصطلاحهم ، وغمضوا العين ، لانسداد طريق العذر عليهم ، وكل ذلك ناش من ضيق الخناق في هذا الاصطلاح ، الذي هو إلى الفساد ، أقرب منه إلى الإصلاح.

ثم إن الظاهر من رواية عباد بن صهيب ، هو تعليل الجواز ، بعدم امتثالهم النهي ، إذا نهوا عن ذلك ، والشيخان وتبعهما جملة من المتأخرين ، عللوا ذلك بأنهن بمنزلة الإماء.

ووجهه في المسالك حيث إن المصنف ممن علل بذلك ، قال : إنما كن بمنزلة الإماء ، لأن أهل الذمة في الأصل للمسلمين ، وإنما حرمهن التزام الرجال ، بشرائط الذمة ، فتبعهم النساء ، فكان تحريمهن عارضيا ، والإماء كذلك وإنما حرمهن ملك المسلمين لهن ، انتهى ، ولا يخفى ما فيه.

نعم ربما كان بناءهم في ذلك ، على ما رواه أبو بصير (1) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال «إن أهل الكتاب مماليك للإمام». وحينئذ فيكون نسائهم بمنزلة الإماء في الجملة.

وأما ما ذهب اليه ابن إدريس ، فهو جيد على أصله الغير الأصيل ، ومذهبه الذي خالف فيه العلماء ، جيلا بعد جيل ، والآية التي استند إليها مخصصة بالأخبار في هذا الموضع ، وغيره من المواضع المتقدمة ، كمسألة النظر إلى من يريد تزويجها أو شرائها ، ومسألة النظر إلى الوجه واليدين.

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 358 ح 11 ، وفي التهذيب عن زرارة برواية أخرى ج 7 ص 478 ح 126 ، الوسائل ج 14 ص 420 ب 8 ح 1 وج 15 ص 477 ح 1.


الثاني : لا خلاف في أنه يجوز نظر الرجل إلى مثله ، ما خلا العورة ، والمرأة إلى مثلها كذلك ، والرجل إلى محارمه ما عدا العورة كل ذلك مقيد بعدم التلذذ والريبة إلا في الزوجين.

قال في المسالك : ولا فرق في ذلك بين الحسن ، والقبيح ، للعموم ، ولا بين الأمرد وغيره عندنا ، وإلا لأمر الشارع الأمرد بالحجاب ، ثم لو خاف الفتنة بالنظر إليه أو تلذذ به ، فلا إشكال في التحريم كغيره.

وقد روي أن وفدا قدموا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وفيهم غلام حسن الوجه ، فأجلسه من ورائه ، وكان ذلك بمرءى من الحاضرين ، ولم يأمره بالاحتجاب عن الناس فدل على أنه لا يحرم ، وإجلاسه وراءه تنزها منه صلى‌الله‌عليه‌وآله وتعففا.

ومما يدل على وجوب ستر العورة ، في هذه المواضع فيما عدا الزوجين. ما رواه في الكافي عن أبي عمر والزبيري (1) عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث طويل قال فيه «فقال تبارك وتعالى (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) فنهاهم أن ينظروا إلى عوراتهم وأن ينظر المرء إلى فرج أخيه ، ويحفظ فرجه أن ينظر إليه ، وقال «وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ» من أن تنظر إحداهن إلى فرج أختها ، وتحفظ فرجها من أن ينظر إليها ، وقال : كل شي‌ء في القرآن من حفظ الفرج فهو من الزنا ، إلا في هذه الآية ، فإنها من النظر».

وينبغي أن يعلم أن المملوكة في حكم الزوجة ، مع جواز نكاحها ، فلو كانت مزوجة فالمعروف من كلامهم ، أنها كأمه الغير ، وكذا المكاتبة والمشتركة. ولو كانت مرهونة أو مؤجرة أو مستبرأة ، أو معتدة من وطي شبهة ، فالجواز أقوى كما اختاره في المسالك أيضا.

بقي الكلام في أن المشهور جواز نظر المرأة إلى مثلها ، مسلمة كانت الناظرة ، أو المنظورة أم كافرة ، ونقل عن الشيخ في أحد قوليه أن الذمية لا يجوز أن تنظر

__________________

(1) أصول الكافي ج 2 ص 36 في ضمن ح 1.


إلى المسلمة ، حتى الوجه والكفين ، لقوله تعالى (1) «وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّا لِبُعُولَتِهِنَّ إلى قوله. أَوْ نِسائِهِنَّ» والذمية ليست منهن ، ويأتي على قوله (قدس‌سره) أنه ليس للمسلمة أن تدخل مع الذمية الحمام.

قال : في المسالك والأشهر الجواز ، وأن المراد بنسائهن ، التي في خدمتهن ، من الحرائر والإماء ، فيشمل الكافرة ، ولا فرق بين من في خدمتها منهن وغيرها ، انتهى.

أقول : روى الصدوق في الفقيه ، عن حفص بن البختري في الصحيح ، والكليني في الكافي في الصحيح أو الحسن عن حفص (2) «عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : لا ينبغي للمرأة ، أن تنكشف بين يدي اليهودية والنصرانية ، فإنهن يصفن ذلك لأزواجهن» ، و «لا ينبغي» هنا بمعنى لا يجوز لأن النهي في الآية التحريم.

وقال في كتاب مجمع البيان (3) «أَوْ نِسائِهِنَّ» يعني النساء المؤمنات ، ولا يحل لها أن تتجرد ليهودية أو نصرانية أو مجوسية ، إلا إذا كانت أمة ، وهو معنى قوله «أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ» ، أي من الإماء عن ابن جريح ومجاهد ، والحسن وسعيد بن المسيب ، قالوا : ولا يحل للعبد أن ينظر إلى شعر مولاته ، انتهى.

وبذلك يظهر لك ، ما في المذهب المشهور من القصور ، وأن الحكم في المسألة هو ما ذكره الشيخ (رحمه‌الله عليه) للصحيحة المذكورة ، إلا أن الظاهر أنهم ، لم يقفوا عليها ، وإلا لأجابوا عنها.

الثالث : قد استثنى الأصحاب (رضي‌الله‌عنهم) من تحريم النظر المتقدم ذكره مواضع : منها ـ ما تقدم من إرادة التزويج بالمرأة وشراء الأمة.

__________________

(1) سورة النور ـ آية 31.

(2) الفقيه ج 3 ص 366 ح 31 ، الكافي ج 5 ص 519 ح 5 ، الوسائل ج 14 ص 133 ح 1.

(3) مجمع البيان ج 7 ص 138.


ومنها المعالجة ، وما يتوقف عليه ، من فصد وحجامة ، ومعرفة نبض العروق ونحو ذلك ، ويدل على ذلك ما رواه في الكافي عن الثمالي (1) في الصحيح «عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سألته عن المرأة المسلمة ، يصيبها البلاء في جسدها إما كسر أو جراح في مكان ، لا يصلح النظر إليه ، ويكون الرجل ، أرفق بعلاجه من النساء ، أيصلح له أن ينظر إليها ، إذا اضطرت إليه قال : إذا اضطرت إليه فليعالجها إن شاءت».

ويدل عليه عموم ما دل على أن ما من شي‌ء حرمة الله ، إلا وقد أباحه للضرورة ولا فرق في ذلك ، بين العورة وغيرها ، ولو أمكن الطبيب ، استنابة من لا يحرم نظره ومسه ، وجب مقدما على نظره ومسه.

ومنها الشهادة عليها تحملا أو أداء ، وللمعاملة ليعرفها ، إذا احتاج إليها ، ويدل على ذلك ، جملة من الأخبار.

منها ما رواه في الفقيه والتهذيب عن علي بن يقطين (2) «عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام قال : لا بأس بالشهادة على إقرار المرأة ، وليست بمسفرة ، إذا عرفت بعينها ، أو حضر من يعرفها ، فأما إن كانت لا تعرف بعينها ، ولا يحضر من يعرفها ، فلا يجوز للشهود ، أن يشهدوا عليها ، وعلى إقرارها ، دون أن تسفر ، وينظرون إليها.

وما رواه في التهذيب عن الصفار (3) قال : «كتبت إلى الفقيه عليه‌السلام في رجل ـ ورواه في الفقيه قال : كتب الصفار إلى أبي محمد الحسن بن علي عليه‌السلام ـ أراد أن يشهد على امرأة ليس لها بمحرم ، هل يجوز له أن يشهد عليها وهي من وراء الستر ، ويسمع كلامها ، إذا شهد عنده رجلان عدلان ، أنها فلانة بنت فلان التي تشهدك ، وهذا كلامها ، أو لا يجوز له الشهادة عليها حتى تبرزن وتثبتها بعينها؟ فوقع عليه‌السلام تتنقب وتظهر للشهود. قال في الفقيه : وهذا التوقيع عندي ، بخطه عليه‌السلام.

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 534 ح 1.

(2) الفقيه ج 3 ص 40 ح 131 ، التهذيب ج 6 ص 255 ح 70.

وهما في الوسائل ج 14 ص 172 ح 1 وج 18 ص 297 ح 1.

(3) الفقيه ج 3 ص 40 ح 132 ، التهذيب ج 6 ص 255 ح 71.


وحمل هذا الخبر في الاستبصار على الاحتياط ، أو أنها تتنقب ، وتظهر للشهود ، الذين يعرفونها أنها فلانة.

وربما أشعر هذان الخبران ، بعدم جواز كشف الوجه ، إلا من حيث ضرورة الإشهاد ، وهو خلاف ما دلت عليه الأخبار المتقدمة ، المتأيدة بعمل الأصحاب ، إلا أن يحملا على اختيار النساء يومئذ التستر ، وإن جاز لهن الاسفار.

ومنها أن تكون المنظورة صغيرة ، ليست مظنة الشهوة ، فإنه يجوز النظر إليها أو عجوزا مسنة ، تكون من جملة (1) «الْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً ، فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ» الآية.

ومنها أن يكون الناظر صغيرا غير مميز ، بالنسبة إلى نظر المرأة ، ومرجعه من لم يبلغ مبلغا ، بحيث يصلح لأن يحكى ما يرى وإليه يشير قوله سبحانه (2) «أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ».

وأما لو كان مميزا ، بحيث يترتب على نظره ، ثوران الشهوة أو التشوق ، فهو عند الأصحاب كالبالغ فيجب على الولي ، منعه من النظر ، وعلى المرأة الأجنبية ، الاستتار منه وإن كان مميزا الا على الوجه المذكور ، فقولان : للجواز ، لأن أمر من لم يبلغ الحلم ، بالاستيذان في تلك الأوقات الثلاثة ، التي هي مظنة التكشف والتبذل ، دون غيرها ، مشعر بالجواز ، فإن ظاهره أن جواز الدخول من غير استيذان في غير تلك الأوقات ، لا يكون إلا مع جواز النظر ، وإلا لو كان النظر محرما ، لأمر بالاستيذان ، ولم يجز له الدخول ، إلا بعده ، ليأخذوا الأهبة في التستر ، فإن المتبادر من الأمر له ، بالاستيذان إنما هو لأجل ذلك.

وللمنع ـ لعموم قوله تعالى «أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ» فيدخل غيره في النهي ، عن إبداء الزينة له ، قال : في المسالك : وهذا أقوى ، ثم

__________________

(1) سورة النور ـ آية 60 و 31.


قال : والأمر بالاستيذان في تلك الأوقات ، لا يقتضي جواز النظر ، كما لا يخفى ، انتهى.

وفيه ما عرفت ، من أن المتبادر من الاستيذان ، إنما هو لأخذ الأهبة في التستر ، ومن ثم أمر من لم يبلغ الحلم ، بالاستيذان في تلك الأوقات الثلاثة ، من حيث كونها مظنة التكشف كما عرفت.

وبالجملة فالمسألة بالنظر إلى ما ذكره محل إشكال وتوقف ، إلا أنه يمكن أن يرجح الجواز ، بأنه الأوفق بمقتضى الأصل ، حتى يقوم دليل التحريم.

وما رواه الصدوق في الفقيه ، عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر (1) «عن الرضا عليه‌السلام قال : يؤخذ الغلام بالصلاة ، وهو ابن سبع سنين ، ولا تغطي المرأة شعرها منه حتى يحتلم».

وروى الحميري في كتاب قرب الاسناد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر (2) «عن الرضا عليه‌السلام قال : لا تغطي المرأة رأسها ، من الغلام حتى يبلغ الحلم».

والتقريب فيهما تلازم جواز كشفها ، الرأس له ، وجواز نظره لها ، إذ لو حرم عليه النظر لها ، لحرم عليها. التكشف له ، والخبران مطلقان ، بالنسبة إلى من يحصل منه التلذذ وغيره ، ومع عدم تقييدهما بما ذكروه ، من استثناء النظر الذي يترتب عليه التلذذ فالدلالة على الفرد الآخر ، لا معارض لها ، وبه يظهر صحة القول بالجواز في المسألة.

الرابع : الظاهر أنه لا خلاف في تحريم نظر المرأة إلى الأجنبي أعمى كان أو مبصرا للآية المتقدمة ، وهو قوله عزوجل (3) «قُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ» الآية.

__________________

(1) الفقيه ج 3 ص 276 ح 3.

(2) قرب الاسناد ص 170.

وهما في الوسائل ج 14 ص 169 ح 3 وص 169 ح 4.

(3) سورة النور ـ آية 30.


وما رواه في الكافي عن أحمد (1) بن أبي عبد الله «عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : استأذن ابن أم مكتوم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعنده عائشة وحفصة فقال لهما : قوما فادخلا البيت فقالتا : إنه أعمى ، فقال : إن لم يركما فإنكما تريانه.

أقول : ورواية أحمد بن خالد البرقي عن الصادق عليه‌السلام لا يخلو عن إشكال ولعله قد سقط الواسطة من السند.

وما رواه الصدوق في كتاب عقاب الأعمال (2) قال : اشتد غضب الله عزوجل على امرأة ذات بعل ، ملأت عينها من غير زوجها أو غير ذي محرم منها ، فإنها إن فعلت ذلك أحبط الله كل عمل عملته» الحديث.

وروى الطبرسي في كتاب مكارم الأخلاق عن أم سلمة (3) «قالت كنت عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعنده ميمونة ، فأقبل ابن أم مكتوم ، وذلك بعد أن أمر بالحجاب فقال : احتجبا فقلنا : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أليس أعمى لا يبصرنا ، فقال : أفعمياوان أنتما ، ألستما تبصرانه».

الخامس : المشهور بين الأصحاب تحريم سماع صوت المرأة الأجنبية ، مبصرا كان السامع أو أعمى ، وإطلاق كلامهم شامل ، لما أوجب السماع ، التلذذ والفتنة أم لا ، ولا يخلو من إشكال ، لما علم من الأخبار المتكاثرة ، من كلام النساء مع الأئمة عليهم‌السلام ، وسؤالهن عن الأحكام ، بل غير ذلك أيضا ، وسيما كلام فاطمة عليها‌السلام مع الصحابة ، كسلمان وأبي ذر والمقداد ، وخروجها للمطالبة بميراثها في المسجد من أبي بكر ، وحضور جملة من الصحابة يومئذ ، وإتيانها بتلك الخطبة الطويلة (4) المتفق على نقلها ، بروايات الخاصة والعامة ، أشهر من أن ينكر ، مع أنها معصومة

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 534 ح 2.

(2) عقاب الأعمال ص 338.

(3) مكارم الأخلاق ص 233.

وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 171 ب 129 ح 1 و 2 وص 172 ح 4 ..

(4) الفقيه ج 3 ص 372 ح 10.


ومن المعلوم أن خروجها إنما يكون بإذن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وهذا كله ، مما يدفع ما ذكروه.

نعم لا بأس بتخصيص الحكم ، بما إذا أوجب التلذذ والفتنة ، وعليه يحمل ما أوهم خلاف ما ذكرناه.

ومنه ما رواه في الفقيه في حديث المناهي (1) «عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ونهى أن تتكلم المرأة عند غير زوجها وغير ذي محرم منها ، أكثر من خمس كلمات ، مما لا بد لها منه».

وروى في الخصال عن مسعدة بن صدقة (2) «عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أربع يمتن القلب ، الذنب على الذنب ، وكثرة مناقشة النساء يعنى محادثتهن ، ومماراة الأحمق يقول وتقول : ولا يؤل إلى خير الحديث» ، وهو ظاهر في الكراهة.

وبالجملة فإن من تتبع الأخبار ، واطلع على ما تضمنه مما ذكرناه ، فإنه لا يرتاب في الحكم بالجواز ، والله العالم.

الفائدة التاسعة : هل يجوز للخصي النظر إلى المرأة المالكة له ، وكذا إلى الأجنبية أم لا؟ قولان : وتفصيل الكلام في ذلك يقتضي بسطه في مقامين.

الأول : في نظر الخصي إلى مالكته ، وقد اختلف الأصحاب في ذلك ، قال : الشيخ في المبسوط إذا ملكت الامرأة فحلا أو خصيا ، فهل يكون محرما لها ، حتى يجوز له أن يخلو بها ويسافر معها؟ قيل : فيه وجهان :

أحدهما : وهو كالظاهر أنه يكون محرما ، لقوله تعالى (3) «وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ

__________________

(1) الفقيه ج 4 ص 3 ح المناهي.

(2) الخصال ص 228 ح 65.

وهما في الوسائل ج 14 ص 143 ح 2 و 3.

(3) سورة النور ـ آية 30.


إِلّا لِبُعُولَتِهِنَّ ـ إلى قوله ـ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ» فنهاهن عن إظهار زينتهن لأحد ، إلا لمن استثنى ، واستثنى ملك اليمين.

والثاني ـ وهو الأشبه بالمذهب أنه لا يكون محرما ، وهو الذي يقوى في نفسي ، وروى أصحابنا في تفسير الآية ، أن المراد به ، إلا ماء دون الذكر ان ، قال في المختلف ـ بعد نقل ذلك عنه ـ وهذا الكلام يدل على تردده ، ثم نقل عنه أنه قال في الخلاف : إذا ملكت الامرأة ، فحلا أو خصيا أو مجبوبا ، لا يكون محرما لها ، فلا يجوز أن يخلو بها ولا يسافر معها.

واستدل بإجماع الفرقة ، وطريقة الاحتياط ، قال : وأما الآية فقد روى أصحابنا ، أن المراد بها الإماء دون العبيد الذكران ، وهو اختيار ابن إدريس ، ثم قال في المختلف : والحق عندي أن الفحل ، لا يجوز النظر إلى مالكته ، أما الخصي ففيه احتمال ، أقربه الجواز على كراهية للآية ، والتخصيص بالإماء لا وجه له ، لاشتراك الإماء والحرائر في الحكم ، انتهى.

أقول : فيه أن ظاهره أن اختياره الجواز في الخصي ، إنما هو للآية ، لمنعه تخصيصها بالإماء ، والآية بناء على ذلك شاملة بإطلاقها ، للفحل والخصي ، فمنعه الجواز في الفحل ، لا يظهر له وجه ، إلا أن يدعى إجماعا على خروجه ، مع أن ظاهر عبارة الشيخ المتقدمة ، شمول الخلاف للفحل أيضا ، والقول بجواز نظره.

وممن صرح بعدم جواز نظر الخصي المحقق في الشرائع ، قال : لعموم المنع وملك اليمين المستثنى في الآية ، المراد به الإماء ، وهو موافق لما اختاره الشيخ في الخلاف وابن إدريس ، وهو المنقول عن العلامة في التذكرة أيضا ، واقتصر الشهيد في اللمعة ، على نقل الخلاف ، فقال : وفي جواز نظر المرأة إلى الخصي ، المملوك لها ، وبالعكس ، خلاف ، ولم يرجح شيئا.

والواجب نقل ما وصل إلينا ، من الأخبار المتعلقة بالمسألة ، والكلام بما يسر الله سبحانه بتوفيقه فهمه منها.


فمن ذلك ما رواه في الكافي ، في الموثق عن يونس بن عمار ويونس بن يعقوب (1) جميعا «عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : لا يحل للمرأة أن ينظر عبدها إلى شي‌ء من جسدها ، إلا شعرها ، غير متعمد لذلك».

قال الكليني : وفي رواية أخرى «لا بأس أن ينظر إلى شعرها ، إذا كان مأمونا».

وعن معاوية بن عمار (2) بسندين أحدهما صحيح والآخر حسن في قوة الصحيح ، قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : المملوك يرى شعر مولاته وساقها؟ قال : لا بأس».

وعن عبد الرحمن بن أبي عبد الله (3) في الصحيح والموثق ، بأبان بن عثمان قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المملوك يرى شعر مولاته؟ قال : لا بأس». وعن معاوية بن عمار (4) في الصحيح ، قال : «كنا عند أبي عبد الله عليه‌السلام نحوا من ثلاثين رجلا. إذ دخل أبي ، فرحب به أبو عبد الله عليه‌السلام وأجلسه إلى جنبه ، فأقبل إليه طويلا ، ثم قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إن لأبي معاوية حاجة ، فلو خففتم ، فقمنا جميعا ، فقال لي أبي : ارجع يا معاوية فرجعت ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : هذا ابنك قال : نعم وهو يزعم أن أهل المدينة يصنعون شيئا لا يحل لهم ، قال : وما هو؟

قلت : إن المرأة القرشية والهاشمية تركب وتضع يدها على رأس الأسود وذراعيها على عنقه ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : يا بني أما تقرأ القرآن؟ قلت : بلى ، قال : اقرأ هذه الآية (5) «لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ. حتى بلغ. وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ» ثم قال : يا بني ، لا بأس أن يرى المملوك الشعر والساق».

وما رواه الصدوق عن إسحاق بن عمار في الموثق (6) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أينظر المملوك إلى شعر مولاته؟ قال نعم وإلى ساقها».

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) الكافي ج 5 ص 531 ح 4 و 3 و 1 و 2، الوسائل ج 14 ص 164 ح 1 وص 165 ح 3 و 4 و 5.

(5) سورة الأحزاب ـ آية 55.

(6) الفقيه ج 3 ص 300 ح 16 ، الوسائل ج 14 ص 165 ح 6.


وما رواه الشيخ عن القاسم الصيقل (1) قال : «كتبت إليه أم علي تسأل عن كشف الرأس بين يدي الخادم؟ وقالت له ، إن شيعتك ، اختلفوا علي في ذلك ، فقال بعضهم : لا بأس ، وقال بعضهم : لا يحل ، فكتب عليه‌السلام : سألت عن كشف الرأس ، بين يدي الخادم ، لا تكشفي رأسك بين يديه ، فإن ذلك مكروه».

وما رواه في كتاب قرب الاسناد عن الحسين بن علوان (2) «عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام أنه كان يقول : لا ينظر العبد إلى شعر سيدته».

وروى الشيخ في المبسوط (3) وغيره «أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أتى فاطمة صلوات الله عليها بعبد وهبة لها ، وعلى فاطمة عليها‌السلام ثوب إذا قنعت رأسها ، لم يبلغ رجليها ، وإذا غطت به رجليها ، لم يبلغ رأسها ، فلما رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما تلقى قال : إنه ليس عليك بأس إنما هو أبوك وغلامك».

أقول : لم أقف على هذا الخبر في كتب أخبارنا ، ويقرب عندي أنه من أخبار العامة التي يستلقونها أصحابنا في كتبهم الفروعية.

وقد تقدم في عبارتي المبسوط والخلاف ، أنه روى أصحابنا أن المراد بما ملكت أيمانهن ، الإماء ، دون الذكران ، وفي كتاب مجمع البيان في تتمة الكلام المتقدم نقله عنه ، في التنبيه الثاني بعد نقل تفسير الآية بالإماء قال : وقيل معناه العبيد والإماء ، وروى ذلك عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

وأنت خبير بأنه لم يصل إلينا في الأخبار المتعلقة بتفسير الآية المذكورة إلا رواية معاوية بن عمار (4) في حكاية دخول أبيه على أبي عبد الله عليه‌السلام ، والظاهر

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 457 ح 36.

(2) قرب الاسناد ص 50.

وهما في الوسائل ج 14 ص 166 ح 7 و 8.

(3) المبسوط ج 4 ص 161 الطبع الجديد.

(4) الكافي ج 5 ص 531 ح 2 ، الوسائل ج 14 ص 165 ح 5.


أنها هي التي أشار إليها في كتاب مجمع البيان ، وإن لم تتضمن الإماء ، كما ذكره في المجمع ، إلا أنه مفهوم بطريق أولى.

وأنت خبير بأن أكثر أخبار المسألة وأصحها ظاهرة في الجواز من غير تقييد بالخصي الذي جعله أصحابنا محل الخلاف إيذانا بالاتفاق على تحريم نظر الفحل ، مع أن هذه الروايات التي ذكرناها وهي جميع روايات المسألة ، إنما تضمنت المملوك والعبد والخادم ، وهي عامة شاملة للفحل والخصي ، وليس فيها إشارة ـ فضلا عن التصريح ـ إلى التخصيص بالخصي ، وبذلك يعظم الإشكال في هذا المجال.

وجملة من أصحابنا قد حملوا الأخبار الدالة على الجواز على التقية ، وما يستأنس به لذلك صحيحة معاوية بن عمار الدالة على دخول أبيه على أبي عبد الله عليه‌السلام ، فإن أباه كان من كبار العامة ، (1) وأعاظمهم ، وتعظيم الامام عليه‌السلام له ـ كما تضمنه الخبر ـ إنما كان لذلك.

ومما يومي إلى التقية في الرواية ، إيماء ظاهرا أن عمارا نقل عن أبيه معاوية أن وضع المرأة يدها على رأس العبد وذراعها على عنقه ، لا يحل لهم.

وظاهر سياق كلامه عليه‌السلام تقرير عمار على ذلك ، ولم يرد عليه فيه ، وإنما جوز في آخر الخبر نظر الشعر والساق ، وجعل هذا هو معنى الآية ، وعدم تصريحه عليه‌السلام بالتحريم في الأول إنما كان تقية.

وبالجملة فإن غاية ما يدل عليه الخبر هو الجواز بالنسبة إلى الشعر والساق ، كما تضمنه غيره من الأخبار المذكورة ، وسيأتي نقل كلام الشيخ في المقام الآتي ، وحمله الأخبار على التقية ، فاعترض على ذلك في المسالك فقال بعد كلام في المقام :

__________________

(1) قال النجاشي في ترجمة معاوية بن عمار المذكور : كان وجها في أصحابنا متقدما ، كبير الشأن ، عظيم المحل ، ثقة ، وكان عمار ثقة في العامة ، وجها الى آخر ما ذكره. (منه ـ رحمه‌الله ـ).


وكونه للتقية غير جيد ، لأنها مسألة اجتهادية.

والمخالفون مختلفون فيها ، فمنهم من جوز له النظر وجعله محرما ، ومنهم من منعه مطلقا ، ومنهم من فصل فحرم نظره ، إلا أن يكبر ويهرم وتذهب شهوته ـ إلى أن قال ـ : وحينئذ فحمل هذا على التقية غير واضح ، ولا ينبغي التعلق بها ، إلا في المسائل التي اتفق عليها من خالفهم ، وإلا فلهم أسوة بمن وافق ، فينبغي التفطن لذلك في نظائر هذه المسألة ، فإنها كثيرة ، تراهم يحملون الحكم فيها على التقية مع اختلاف المخالفين فيها ، ومثل هذا لا يجوز العدول عن مدلول اللفظ بمجرد الاحتمال البعيد ، انتهى.

أقول : لا يخفى أن تخصيص الحمل على التقية باتفاق العامة على الحكم خلاف ما دلت عليه مقبولة عمر بن حنظلة (1) لقول السائل فيها بعد أمره عليه‌السلام بعرض الخبرين على مذهبهم : فإن وافقهما الخبران جميعا؟ قال : «ينظر إلى ما هم إليه أميل حكامهم وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالآخر». ولا ريب أن الخبرين هنا موافقان لهما ، فإن لكل منهما قائلا منهم ، وحينئذ فينبغي بمقتضى القاعدة المذكورة النظر إلى ما كان قضاتهم وسلاطينهم إليه أميل.

ومقتضى كلام الشيخ الآتي إن شاء الله في المقام الثاني ، أن القول بالجواز مذهب سلاطين الوقت ، وبموجب ذلك يترجح الحمل على التقية ، هذا.

ولا يخفى عليك أن المفهوم ، من كلام الأصحاب القائلين بالجواز ، هو جواز النظر مطلقا من غير تقييد بعضو مخصوص ، وظاهره جواز النظر إلى ما يجوز للمحارم نظره ، وهو ما عدا العورة.

والأخبار الدالة على الجواز لا دلالة فيها على أزيد من النظر إلى الشعر والساق ، مقيدا النظر إلى الشعور في بعضها بكونه مأمونا وفي آخر بعدم التعمد.

__________________

(1) الكافي ج 7 ص 412 ح 5 ، التهذيب ج 6 ص 301 ح 52 ، الوسائل ج 18 ص 75 ح 1.


وما أجمل في الرواية المرسلة في كتاب مجمع البيان يمكن حمله على المفصل ، وحينئذ فما يدعونه من جواز النظر مطلقا ، لا دليل عليه ، وهذا مما يوهن الاستدلال بها.

ثم إن المفهوم من رواية القاسم الصيقل وقوع الخلاف في المسألة ، في أيامهم عليهم‌السلام ، ويشير إليه حكم معاوية بن عمار في حكايته مع أبيه ، أنه كان يعيب على أهل المدينة بذلك ، ومن المعلوم من جلالة قدر الرجل المذكور أنه لا يحكم بذلك إلا بعد السماع منهم عليهم‌السلام.

ثم إنه يمكن ترجيح القول بالتحريم بالقاعدة التي ذكرها في التقية واعتمد عليها في غير موضع ، وهو أنه إذا ورد عنهم عليهم‌السلام خبران مختلفان ، أحدهما عن الامام السابق ، والآخر عن الامام اللاحق ، فإنه يؤخذ بالأخير ، فيكون العمل هنا على رواية القاسم الصيقل ، فإن الرواية هنا عن الهادي عليه‌السلام ، حيث إن الراوي المذكور من رجاله عليه‌السلام ، والروايات الأخر عن الصادق عليه‌السلام ، وقد عرضت عليه المرأة القولين ، فمنعها عن ذلك.

والمراد بالكراهة في كلامه ، التحريم بلا إشكال ، لأن محل الخلاف هو الحل والتحريم ، كما ينادي به صدر الخبر المذكور.

ومما يؤيد التحريم ، أنه الأوفق بالاحتياط في الدين ، وهو أحد المرجحات في مقام اختلاف الأخبار ، كما تضمنته رواية زرارة (1) الواردة في طريق الترجيح سيما مع دلالة الأخبار ، كما تقدم الإشارة إليه ، على ما هو أعم من الخصي والفحل ، وإن خصوا موضع الخلاف بالأول.

وبالجملة فالمسألة لما عرفت بمحل من الاشكال ، والاحتياط فيها مطلوب على كل حال ، والله العالم :

__________________

(1) مستدرك الوسائل ج 3 ص 185 ب 9 ح 2.


المقام الثاني : في نظر الخصي إلى غير مالكته من الأجانب ، وفيه أيضا قولان والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذا المقام ما رواه

في الكافي عن عبد الملك بن عتبة النخعي (1) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن أم الولد هل يصلح أن ينظر إليها خصي مولاها وهي تغتسل؟ قال : لا يحل ذلك».

وعن محمد بن إسحاق (2) قال : «سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام قلت : يكون للرجل الخصي ، يدخل على نسائه ، فيناولهن الوضوء ، فيرى شعورهن؟ قال لا».

وما رواه في الكافي والتهذيب عن محمد بن إسماعيل بن بزيع (3) في الصحيح : قال : «سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن قناع الحرائر من الخصيان ، فقال : كانوا يدخلون على بنات أبي الحسن عليه‌السلام ولا يتقنعن ـ وزاد في الكافي ـ قلت : فكانوا أحرارا؟ قال : لا ، قلت : فالأحرار يتقنع منهم؟ قال : لا». وهذا الخبر حمله الشيخ في التهذيبين ، على التقية ، قال : والعمل على الخبر الأول أولى وأحوط في الدين.

وفي حديث آخر (4) أنه لما سئل عن هذه المسألة قال «أمسك عن هذا ولم يجبه». فعلم بإمساكه عن الجواب أنه لضرب من التقية ، لم يقل ما عنده في ذلك ، لاستعمال سلاطين الوقت ذلك.

وما رواه الحميري (5) عن صالح بن عبد الله الخثعمي عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : «وكتبت إليه أسأله عن خصي لي ، في سن رجل مدرك ، يحل للمرأة أن يراها وتنكشف بين يديه؟ قال : فلم يجنبي فيها».

وما رواه الحسن بن الفضل الطبرسي (6) في كتاب مكارم الأخلاق قال : «قال

__________________

(1 و 2) الكافي ج 5 ص 532 ح 1 و 2.

(3) الكافي ج 5 ص 532 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 480 ح 134.

(4) التهذيب ج 7 ص 480 ح 135.

(5) قرب الاسناد ص 126.

(6) مكارم الأخلاق ص 232.

وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 166 ح 1 و 2 وص 167 ح 3 و 6 وص 168 ح 8 و 9.


عليه‌السلام : لا تجلس المرأة بين يدي الخصي مكشوفة الرأس».

ونقل أصحابنا (رضوان الله تعالى عليهم) عن ابن الجنيد (1) أنه قال في كتابه الأحمدي : روي عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما‌السلام «كراهية رؤية الخصيان الحرة من النساء حرا كان أو مملوكا».

وأنت خبير بأن أكثر هذه الأخبار ظاهرة في التحريم ، والمنافاة الظاهرة في صحيحة محمد بن إسماعيل المذكورة. والأظهر حملها على ما ذكره الشيخ من التقية ، ويومي إلى ذلك إعراضه عليه‌السلام في رواية الحميري عن الجواب ، وكذا الأمر بالإمساك في الرواية التي أشار إليها الشيخ في كلامه ، فإنه لا وجه لذلك سوى التقية.

وأما لفظ الكراهة في عبارة ابن الجنيد فمن الجائز حملها على التحريم ، فإن المتقدمين كثيرا ما يجرون على الأخبار في التعبير ، والكراهة بمعنى التحريم في الأخبار أكثر كثير ، والتخصيص بهذا المعنى المشهور ، اصطلاح حادث من الأصوليين ، وقد نبه على ذلك جملة من الأصحاب في حمل كلام الشيخ ونحوه من المتقدمين على ذلك ، ويعضده أنه الأحوط في الدين ، وبذلك يظهر أن ما يفهم من المسالك من الميل إلى الجواز في كلا المقامين ليس بجيد ، وإن تبعه في الكفاية على ذلك ، وما ذكره في المسالك من التعليلات معلول ، وليس في التعرض لذكره كثير فائدة.

قال في المسالك : واعلم أن إطلاق الخصي يشمل من قطع خصيتاه وإن بقي ذكره ، والأولى تخصيص محل الخلاف بمن قطع ذكره وخصيتاه معا ، كما قطع به في التذكرة ، أما الخصي الذي بقي ذكره ، والمجبوب الذي بقي أنثياه فكالفحل ، انتهى.

أقول : ظاهر كلامه أن الخصي يطلق على هذه الأنواع المذكورة في كلامه

__________________

(1) الوسائل ج 14 ص 168 ح 10.


والمفهوم من كلام أهل اللغة أن الخصي هو من سلت خصيتاه.

قال في كتاب المصباح المنير : وخصيت العبد ، أخصيته خصاء ـ بالمد والكسر ـ سللت خصيته ، فهو خصي فعيل ، بمعني مفعول ، ونحوه في كتاب مجمع البحرين.

وقال في القاموس : وخصاه خصاء سل خصيته ، فهو خصي ومخصي ، وقال في كتاب شمس العلوم : خصا الفحل خصاء ، إذا سل خصيته ، ومقتضى ذلك أن من قطع ذكره وبقي خصيتاه لا يسمى خصيا ، فيكون الحكم فيه ما ذكره من أنه كالفحل.

وأما المجبوب الذي قطع ذكره وبقيت أنثياه فهو الخصي ، كما عرفت من كلام أهل اللغة ، فحكمه بأنه كالفحل محل إشكال ، إلا أن يثبت ما ادعاه من التخصيص الذي نقله عن التذكرة ، بكونه مقطوع الذكر والأنثيين ، ولا أعرف له وجها ، ولا عليه دليلا ، فإن الروايات تضمنت الخصي بقول مطلق ، والخصي لغة هو ما عرفت ، وليس هنا معنى آخر شرعا ولا عرفا يوجب الاشتراك أو الخروج عن المعنى المذكور ، فليتأمل ، والله العالم.

العاشر : (1) قد دلت الآية على استثناء (2) «التّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ» من تحريم النظر إلى الأجنبية ، فيجوز لهم النظر حينئذ.

قال في كتاب مجمع البيان (3) : واختلف في معناه ، فقيل : التابع الذي يتبعك ليسأل من طعامك ، ولا حاجة له في النساء ، وهو الأبله المولى عليه ، عن ابن عباس وقتادة وسعيد بن جبير ، وهو المروي عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

وقيل : هو العنين الذي لا أرب له في النساء لعجزه ، عن عكرمة والشعبي.

__________________

(1) هكذا في الأصل ولم نعرف وجه عنوان العاشر هنا.

(2) سورة النور ـ آية 31.

(3) مجمع البيان ج 7 طبع صيدا ص 138.


وقيل : إنه الخصي المجبوب الذي لا رغبة له في النساء ، عن الشافعي ، ولم يسبق إلى هذا القول.

وقيل : إنه الشيخ الهرم لذهاب إربه ، عن يزيد بن أبي حبيب.

وقيل : هو العبد الصغير ، عن أبي حنيفة وأصحابه. انتهى.

أقول : والذي وقفت عليه في أخبارنا ، ما رواه في الكافي عن زرارة (1) في الصحيح قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عزوجل «أَوِ التّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ ـ إلى آخر الآية» قال : الأحمق الذي لا يأتي النساء».

قال في كتاب الوافي : الإربة : العقل وجودة الرأي.

أقول : لم أقف لهذا المعنى الذي ذكره على مستند ، من لغة أو غيرها ، والموجود في كلام أهل اللغة إنما هو تفسير الإربة بالحاجة ، وهو الذي فسر به في كتاب مجمع البيان.

قال الفيومي في كتاب المصباح المنير : الأرب بفتحتين ، والإربة بالكسر والماربة بفتح الراء وضمها : الحاجة ، والجمع : المآرب ، والأرب في الأصل مصدر من باب تعب ، يقال أرب الرجل إلى الشي‌ء ، إذا احتاج إليه ، فهو آرب على فاعل. انتهى.

وما رواه في الكافي عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عليه‌السلام (2) في الموثق قال : «سألته عن أولي الإربة من الرجال ، قال : هو الأحمق المولى عليه ، الذي لا يأتي النساء».

وما رواه في التهذيب عن زرارة (3) في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن اولي الإربة من الرجال قال : هو الأحمق الذي لا يأتي النساء».

أقول : قد اشتركت هذه الروايات في تفسير بالأحمق الذي لا يأتي النساء ،

__________________

(1 و 2) الكافي ج 5 ص 523 ح 1 و 2، الوسائل ج 14 ص 148 ح 1 و 2.

(3) التهذيب ج 7 ص 468 ح 81.


والحمق نقصان في العقل ، وهو يرجع إلى المعنى الأول الذي نقله في كتاب مجمع البيان عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

وإنما قيده بكونه مولى عليه ، لنقصان عقله ، ولكن لا بد من تقييده بمن ذكر في هذه الروايات بأنه لا يأتي النساء ، أي ليس له شهوة ، توجب إتيانه النساء ، وإلا فمجرد كونه ناقص العقل وأبلها مع حبه لإتيان النساء وتلذذه بذلك فإنه لا يكون داخلا في الفرد المستثنى ، والغالب فيمن لا يشتهي إتيان النساء ، إنما هو الخصي والعنين ، والمراد هنا ما هو أعم منهما ،

بقي الإشكال هنا في أن الخبر الأول من الأخبار التي نقلناها قد تضمن جعل الأحمق الذي لا يأتي النساء ، تفسيرا للتابعين غير اولي الإربة وهو الظاهر الذي بنى عليه الحكم المذكور.

والخبران الآخران قد تضمنا جعله تفسيرا لاولي الإربة ، وهو غير مستقيم على ظاهره ، لأنهما قد تضمنا السؤال عن اولي الإربة ، واولى الإربة كما عرفت يعني أصحاب الحاجة إلى النكاح ، والجواب قد وقع بأنه الأحمق الذي لا يأتي النساء وهذا إنما هو غير اولي الإربة ، لا اولي الإربة.

اللهمّ إلا أن يكون الجواب وقع تنبيها على أن الأولى هو السؤال عن غير اولي الإربة ، فإنه هو المحتاج إلى التفسير والبيان ، فأجيب بناء على ذلك ، ومثله في القرآن كثير (1).

ومنها ما رواه في الكافي عن عبد الله بن ميمون القداح عن أبي عبد الله عن أبيه

__________________

(1) ومنه قوله عزوجل «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنّاسِ» فإنهم سألوا عن السبب في اختلاف القمر في زيادة النور ونقصانه ، حيث قالوا : ما بال الهلال يبدو رقيقا مثل الخيط ثم يتزايد قليلا قليلا حتى ينجلي بمثل ويستوى ثم لا يزال ينقض من بعده كما بدء ، فأجيبوا بالغرض من هذا الاختلاف ، وهو ان الأهلة حسب ذلك الاختلاف معالم يوقت بها الناس أمورهم من المزارع والمتاجر والديون والصوم ونحو ذلك ، فقد سألوا عن السبب وأجيبوا بالغرض من ذلك ، فإنه هو الأنسب بالسؤال عنه ، ومن ذلك قوله تعالى


عن آبائه عليهم‌السلام قال : «كان بالمدينة رجلان يسمى أحدهما هيت (1) والآخر مانع ، فقالا لرجل ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسمع : إذا افتتحتم الطائف ، إن شاء الله ، فعليك بابنة غيلان الثقفية ، فإنها شموع نجلاء مبتلة هيفاء شنباء ، إذا جلست تثنت ، وإذا تكلمت غنت ، تقبل بأربع ، وتدبر بثمان ، بين رجليها مثل القدح ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا أريكما من اولي الإربة من الرجال فأمر بهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فغرب بهما إلى مكان يقال له : العريا ، وكانا يتسوقان في كل جمعة» (2).

قيل : والشموع كصبور : المرأة الكثيرة المزاح ، والنجلاء الواسعة العين ، ومبتلة بتقديم الباء الموحدة وتشديد التاء المثناة من فوق على وزن معظمة : الجميلة التامة الخلق ، المقطع حسنها على أعضائها ، والتي لم يركب بعض لحمها بعضا ، ولا يوصف به الرجل ، والهيف بالتحريك : صغر البطن والخاصرة ، والشنب محركة : عذوبة في الأسنان أو نقط بيض فيها ، والتتنن بالمثناتين الفوقانيتين والنونين : ترك الأصدقاء ومصاحبة غيرهم ، وقيل : هو بالباء الموحدة ثم النون ، والتبني : تباعد ما بين القدمين أو معناه صارت كأنها بنيان مرصوص من عظمها ، ولعل المراد بالأربع اليدان والرجلان وبالثمان هي مع الكتفين والأليتين ، وبالتشبيه بالقدح عظم فرجها ، وقيل : بل كانت في بطنها عكن أربع تقبل بها ، وتدبر بأطرافها التي في جنبيها لكل عكنة طرفان ، لأن العكنة تحيط بالطرفين والجنبين ،

__________________

«يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ» فإنهم سألوا عن بيان ما ينفقونه ، فأجيبوا ببيان المصارف ، تنبيها على أن المهم من السؤال انما هو ذلك منه رحمه‌الله.

(1) هيت ضبطه أهل الحديث بالمثناة التحتانية أولا ، والفوقانية ثانيا ، وقيل بل هو بالنون والباء الموحدة ، وكانا مخنثين بالمدينة.

أقول : والظاهر أنه لذلك حصل الظن بكونهما ليسا من ذوي الإربة ، فلما تبين أنهما ليسا كذلك نفوا من المدينة. (منه ـ رحمه‌الله ـ).

(2) الكافي ج 5 ص 523 ح 3 ، الوسائل ج 14 ص 148 ح 4.


حتى يلحق بالثنتين من مؤخر الامرأة ، كذا نقل عن كتاب مجمع الأمثال.

والظاهر أن المراد بقوله في آخر الخبر «وكانا يتسوقان في كل جمعة» أي يأتيان السوق ، والظاهر أن السوق العامة كانت في المدينة في يوم الجمعة كما هو في سائر البلدان ، من جعل سوق عامة يحضرها أهل القرايا والخارجون عن المصرفي ذلك اليوم بخصوصه.

الفائدة العاشرة : المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) كراهية الوطي في الدبر كراهة مؤكدة ، ونقل في المختلف عن ابن حمزة القول بالتحريم ، ونقل هذا القول في المسالك أيضا ، عن جماعة من علمائنا منهم القميون وابن حمزة.

والذي وقفت عليه من أخبار المسألة ، ما رواه في الكافي عن أبان (1) عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن إتيان النساء في أعجازهن؟ فقال : هي لعبتك لا تؤذها».

وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن علي بن الحكم (2) قال : «سمعت صفوان بن يحيى يقول : قلت للرضا عليه‌السلام : إن رجلا من مواليك أمرني أن أسألك عن مسألة هابك ، واستحى منك أن يسألك ، قال : وما هي؟ قلت الرجل يأتي امرأته في دبرها؟ قال : نعم ذلك له ، قلت له : فأنت تفعل ذلك؟ قال : إنا لا نفعل ذلك».

وما رواه في التهذيب عن ابن أبي يعفور (3) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يأتي المرأة في دبرها؟ قال : لا بأس إذا رضيت ، قلت : فأين قول الله عزوجل (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) قال : هذا في طلب الولد ، فاطلبوا الولد من حيث أمركم الله إن الله تعالى يقول (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ).

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 540 ح 1.

(2) الكافي ج 5 ص 540 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 415 ح 35.

(3) التهذيب ج 7 ص 414 ح 29.

وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 101 ح 4 وص 102 ح 1 وص 103 ح 2.


قال في الوافي بعد ذكر الخبر : إنما استشهد عليه‌السلام بالآية الأخيرة على أن المراد بالآية الأولى طلب الولد لمكان الحرث ، ولم يستشهد بها على حل الدبر ، فلا ينافي حديث معمر بن خلاد الآتي.

وعن موسى بن عبد الملك عن الحسين بن علي بن يقطين (1) ، وعن موسى بن عبد الملك (2) عن رجل قال : «سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن إتيان الرجل المرأة من خلفها ، فقال : أحلتها آية من كتاب الله عزوجل ، قول لوط (3) «هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ» وقد علم أنهم لا يريدون الفرج».

وعن معمر بن خلاد (4) في الصحيح قال : «قال أبو الحسن عليه‌السلام : أي شي‌ء يقولون في إتيان النساء في أعجازهن؟ قلت : إنه بلغني أن أهل المدينة لا يرون به بأسا ، فقال : إن اليهود كانت تقول : إذا أتى الرجل المرأة من خلفها خرج ولده أحول ، فأنزل الله تعالى (5) «نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ» من خلف أو قدام خلافا لقول اليهود ، ولم يعن في أدبارهن».

أقول : وهذه الرواية لا دلالة فيها على ما نحن فيه ، لا نفيا ولا إثباتا ، وروى هذه الرواية أيضا في التهذيب عن معمر بن خلاد (6) في الموثق عن الرضا عليه‌السلام مثله ، إلا أنه قال «أهل الكتاب» بدل أهل المدينة ، و «من قبل أو دبر» مكان «خلف أو قدام» ، وحينئذ ففيها دلالة على ما دلت عليه الأخبار المذكورة.

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 414 ح 31 ، الوسائل ج 14 ص 103 ح 3.

(2) أقول : ظاهر أن موسى المذكور رواه تارة عن الحسين بن على بن يقطين ، وتارة عن رجل ، ثم ان في الخبر ما يدل على أن ما يحكيه الأئمة عليهم‌السلام من الأحكام عن الأنبياء السابقين والأمم المتقدمة يجري حكمه في هذه الأمة أيضا ، الا أن يقوم دليل على الاختصاص ، وفيه رد على جماعة من أصحابنا الذين منعوا ذلك. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(3) سورة هود ـ آية 77.

(4) التهذيب ج 8 ص 415 ح 32 ، الوسائل ج 14 ص 100 ب 72 ح 1.

(5) سورة البقرة ـ آية 223.

(6) التهذيب ج 7 ص 460 ح 49.


وما رواه في التهذيب عن يونس بن عمار (1) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أو لأبي الحسن عليه‌السلام : إني ربما أتيت الجارية من خلفها ـ يعني في دبرها ـ ونذرت فجعلت على نفسي إن عدت إلى امرأة هكذا ، فعلي صدقة درهم ، وقد ثقل ذلك علي؟ قال : ليس عليك شي‌ء وذلك لك».

وفيه : دلالة على عدم انعقاد النذر على ترك المباح ، ومثله غيره.

وعن حماد بن عثمان (2) في الموثق قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام أو أخبرني من سأله عن الرجل يأتي المرأة في ذلك الموضع ، وفي البيت جماعة ، فقال لي ورفع صوته : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من كلف مملوكه ما لا يطيق فليبعه ، ثم نظر في وجوه أهل البيت ، ثم أصغى إلي فقال : لا بأس به».

وفيه إيماء إلى أن المنع من ذلك محمول على التقية وعن ابن أبي يعفور (3) في الموثق قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام».

ورواه عنه بسند آخر عن البرقي ، رفعه عن ابن أبي يعفور (4) قال : «سألته عن إتيان النساء في أعجازهن ، فقال : ليس به بأس ، وما أحب أن تفعله».

وعن حفص بن سوقة (5) عمن أخبره قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل يأتي أهله من خلفها ، قال : هو أحد المأتيين فيه الغسل».

وعن علي بن حكم عن رجل عن أبي عبد الله عليه‌السلام (6) قال : «إذا أتى الرجل المرأة في الدبر وهي صائمة لم ينقض صومها وليس عليها غسل». وفي الدلالة نوع مناقشة.

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6) التهذيب ج 7 ص 460 ح 50 وص 415 ح 33 و 34 وص 416 ح 38 وص 414 ح 30 وص 460 ح 51.

وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 104 ح 8 وص 103 ح 4 و 5 و 6 و 7 وص 104 ح 9.


وما روى العياشي في تفسيره عن عبد الرحمن بن الحجاج (1) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام وذكر عنده إتيان النساء في أدبارهن ، فقال : ما أعلم آية في القرآن أحلت ذلك إلا واحدة (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ)» الآية.

وعن ابن أبي يعفور (2) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن إتيان النساء في أعجازهن قال : لا بأس ، ثم تلا هذه الآية : نسائكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ، قال : حيث شاء».

وعن زرارة (3) «عن أبي جعفر عليه‌السلام في قول الله عزوجل (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ) ، قال : حيث شاء».

أقول : وهذا تفسير آخر للآية المذكورة ، وبه تدل على الجواز إلا أن المفهوم من كلام الثقة الجليل علي بن إبراهيم في تفسيره أن تفسير الآية بهذا المعنى إنما وقع من العامة ، حيث قال «نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ، فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ» أي متى شئتم ، وتأولت العامة في قوله «أَنّى شِئْتُمْ» أي حيث شئتم في القبل والدبر.

وقال الصادق عليه‌السلام «أَنّى شِئْتُمْ» أي متى شئتم في الفرج ، والدليل على قوله «في الفرج» قوله «نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ» والحرث الزرع ، والزرع الفرج في موضع الولد ـ انتهى.

ومقتضى هذا الكلام حمل الخبرين المذكورين على التقية ، وكيف كان فإنه لا يخفى أن هذه الأخبار كلها كما ترى مطابقة الدلالة ، متعاضدة المقالة على الجواز ، وإن كان على كراهة.

وأما ما استدل به للقول الآخر فما رواه في الفقيه مرسلا (4) قال : «قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : محاش نساء أمتي على رجال أمتي حرام». واقتصر الصدوق في كتابه على هذه

__________________

(1 و 2 و 3) تفسير العياشي ج 2 ص 22 ح 56 وج 1 ص 110 ح 330 وص 111 ح 331.

(4) الفقيه ج 3 ص 299 ح 3.

وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 104 ح 12 و 10 و 11 وص 101 ح 5.


الرواية ولم ينقل شيئا من تلك الأخبار العديدة ، فلهذا نسب له القول بما دلت عليه من التحريم.

وما رواه في التهذيب عن سدير (1) قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله محاش النساء على أمتي حرام».

قال في الوافي : والمحاش جمع محشة وهو الدبر ، وقال الأزهري : ويقال بالسين المهملة ، انتهى.

وقال الفيومي في كتاب المصباح المنير : والمحشة الدبر ، والمحش المخرج أي مخرج الغائط.

ومن هنا سمي الكنيف المحش لكونه بيت الغائط ، وإن كان في الأصل إنما هو اسم للبساتين ، حيث كانوا يقضون حوائجهم فيها ، ثم نقل إلى الكنيف ، لما اتخذوه عوضا عنها.

وما رواه العياشي في تفسيره عن أبي بصير (2) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يأتي أهله في دبرها؟ فكره ذلك ، وقال : إياكم ومحاش النساء ، وقال : إنما معنى ، نسائكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم : أي ساعة شئتم».

والتقريب فيه بحمل الكراهة على التحريم كما يدل عليه قوله «وإياكم» وعن زيد بن ثابت (3) قال : «سأل رجل أمير المؤمنين عليه‌السلام أتؤتى النساء في أدبارهن؟ فقال : سفلت ، سفل الله بك ، أما سمعت يقول الله : أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين».

إذا عرفت ذلك فاعلم أن الشيخ ومن تأخر عنه من الأصحاب حملوا هذه الأخبار على الكراهة أو التقية ، قال العلامة في المختلف ، بعد نقل خبر السدير

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 416 ح 36.

(2 و 3) تفسير العياشي ج 1 ص 111 ح 235 وج 2 ص 22 ح 55. الوسائل ج 14.

وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 101 ح 2 وص 102 ح 9 و 11.


المذكور : والجواب الحمل على شدة الكراهة ، جمعا بين الأدلة ، أو على التقية ، لأن أكثر العامة منعوه.

أقول : الظاهر عندي بعد الحمل على الكراهة ، لتصريح خبر سدير ومرسلة الفقيه بالتحريم وحديث زيد بن ثابت ، بأن ذلك ، الفاحشة التي ذكرها الله في قوله «أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ» وحينئذ فيتعين الحمل على التقية ، لأن ذلك هو الأوفق ، بالقواعد المنصوصة عن أهل العصمة صلوات الله عليهم في مقام اختلاف الأخبار.

وأكثر العامة ـ كما ذكره الأصحاب ـ على القول بالتحريم ، ولم يخالف من أئمتهم الأربعة إلا مالك حيث وافق الإمامية في القول بالجواز على كراهية

وبذلك يظهر أن ما ذكروه من الكراهة الشديدة ، مما لا وجه له متى حملت هذه الأخبار على التقية.

نعم الكراهة في الجملة مما لا إشكال فيها لقوله عليه‌السلام في رواية ابن يعفور المتقدمة بعد حكمه بالجواز «ما أحب أن يفعل» ، وقوله عليه‌السلام في مرسلة أبان التي هي أول الأخبار «هي لعبتك لا تؤذها».

وأما قول الرضا عليه‌السلام في صحيحة علي بن حكم «إنا لا نفعل ذلك» ، فالظاهر أن المراد منه إنما هو أنهم لشرف مقامهم وعلو منزلتهم لا يفعلون مثل ذلك ، كما في حديث المتعة ، لما قال له السائل : «فهل يسرك أن بناتك وأخواتك يتمتعن» فأعرض عليه‌السلام عنه حيث ذكر نساءه وبناته عليه‌السلام ، إذ لا دلالة فيه على كراهة المتعة.

ثم ما دلت عليه رواية زيد بن ثابت ، من استدلاله عليه‌السلام على التحريم ، بقوله عزوجل «أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ» ، فهو معارض بمرسلة موسى بن عبد الملك.

ورواية عبد الرحمن بن الحجاج المنقولة من تفسير العياشي ، الصريحة في التحليل بالآيتين المذكورتين فيهما ، ولا ريب أن المراد بالفاحشة في الآية إنما هو إتيان الذكران في الإدبار ، لا الإتيان في الإدبار مطلقا ، والتقية التي حملت عليها هذه الأخبار بالنسبة إلى ما روي عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بمعنى التقية في النقل.


وأما ما أطال به في المسالك في هذا المقام من المعارضات والمناقشات ، حتى أن الذي يظهر منه هو التوقف ، لعدم تصريحه باختيار شي‌ء من القولين ، ولا سيما مناقشته مناقشات في جملة من روايات الجواز ، وعدم الصحة في شي‌ء منها بهذا الاصطلاح المحدث ، فهو عندي تطويل بغير طائل ، والقول بالجواز أشهر وأظهر من أن ينكر ، وما عارضه لا دليل له ينهض بالمعارضة ، مع اقتضاء القاعدة الشرعية حمله على التقية ، والله العالم.

الفائدة الحادية عشر : المشهور بين الأصحاب (عطر الله مراقدهم) كراهة العزل عن الحرة إلا مع الاذن ، وهو مذهب الشيخ في النهاية وابن البراج وابن إدريس ، ونقل عن ابن حمزة أنه عده في المحرمات ، وهو الظاهر من كلام شيخنا المفيد حيث قال : وليس لأحد أن يعزل الماء عن زوجة له حرة إلا أن ترضى منه بذلك ، ونقل هذا القول في المسالك عن الشيخين وجماعة ، وظاهرهم الاتفاق على جواز العزل عن الأمة ، والمتمتع بها ، والحرة الدائمة مع الاذن ، والمراد بالعزل أنه يجامع المرأة فإذا نزل الماء أخرج ذكره وأفرغه خارج الفرج.

ويدل على القول المشهور ـ وهو المؤيد بالأخبار والمنصور ـ ما رواه في الكافي في الموثق عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله البصري (1) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن العزل قال : ذاك إلى الرجل».

وعن محمد بن مسلم (2) في الموثق عن أبى جعفر عليه‌السلام قال : «لا بأس بالعزل عن المرأة الحرة إن أحب صاحبها ، وإن كرهت ليس لها من الأمر شي‌ء».

وما رواه في الكافي والتهذيب عن محمد بن مسلم (3) في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن العزل فقال : ذاك إلى الرجل يصرفه حيث شاء».

ورواه في الكافي عن عبد الرحمن الحذاء (4) «عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : كان علي

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) الكافي ج 5 ص 504 ح 1 و 2 و 3 و 4، والرواية الثالثة في التهذيب ج 7 ص 417 ح 4.

وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 105 ح 2 و 4 و 1 و 3.


ابن الحسين عليهما‌السلام لم ير بالعزل بأسا ، فقرأ هذه الآية (1) (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ، وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) ، فكل شي‌ء أخذ الله منه الميثاق فهو خارج وإن كان على صخرة صماء».

وما رواه في التهذيب عن محمد بن مسلم (2) «أنه قال لأبي جعفر عليه‌السلام الرجل يكون تحته الحرة يعزل عنها؟ قال : ذلك إليه إن شاء عزل ، وإن شاء لم يعزل».

وعن محمد بن مسلم (3) في الصحيح عن أحدهما عليهما‌السلام «أنه سئل عن العزل فقال : أما الأمة فلا بأس ، وأما الحرة فإني أكره ذلك ، إلا أن يشترط عليها حين يتزوجها».

وعن محمد بن مسلم (4) في الصحيح عن أبي جعفر عليه‌السلام مثل ذلك ، وقال في حديثه «إلا أن ترضى أو يشترط ذلك عليها حين يتزوجها».

وعن يعقوب الجعفي (5) قال : «سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول : لا بأس بالعزل في ستة وجوه المرأة التي أيقنت أنها لا تلد ، والمسنة ، والمرأة السليطة ، والبذية ، والمرأة التي لا ترضع ولدها ، والأمة».

ورواه في عيون الأخبار ، وكذا في الخصال.

وما رواه الثقة الجليل سعد بن عبد الله في كتاب بصائر الدرجات عن أبي بصير (6) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قلت له : ما تقول في العزل؟ قال : كان علي عليه‌السلام لا يعزل وأما أنا فأعزل ، فقلت : هذا خلاف ، فقال : ما ضر داود إن خالفه سليمان ، والله يقول (: فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ)».

__________________

(1) سورة الأعراف ـ آية 72.

(2 و 3 و 4 و 5) التهذيب ج 7 ص 461 ح 56 وص 417 ح 43 و 44 وص 491 ح 180 ، الخصال ص 328 باب الستة.

وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 106 ح 5 و 1 و 2 وص 107 ح 4 ..

(6) الوسائل ج 14 ص 106 ح 6.


هذا ما حضرني من أخبار المسألة ، وأنت خبير بأنها على تعددها وكثرتها لا دلالة فيها ، ولو بالإشارة على التحريم المدعى.

نعم تدل على الكراهة كما ينادي به قوله عليه‌السلام في صحيحة محمد بن مسلم «وأما الحرة فإني أكره ذلك إلا أن يشترط» ، وإنما حملنا الكراهة هنا على المعنى المصطلح ، وإن كانت في الأخبار أعم من هذا المعنى ومن التحريم ، للجمع بينها وبين بقية أخبار المسألة الصريحة في الجواز ، وخصوص موثقة محمد بن مسلم المتقدمة «أن له ذلك وإن كرهت» ، ولم أقف للقول الآخر على دليل يعتمد عليه.

ونقل عنهم الاستدلال بما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (1) ، «أنه نهى أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها».

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : «في العزل أنه الداء الخفي». والمراد بالداء قتل الولد ، ولأن حكمة النكاح والاستيلاد لا يحصل غالبا مع العزل فيكون منافيا لغرض الشارع.

وأنت خبير بما في هذا الاستدلال من الوهن والاختلال ، ولو لم يعارضه معارض في هذا المجال.

أما الروايتان فالظاهر أنهما عاميتان لعدم وجودهما في كتب أخبارنا ، بما اعترف بذلك في المسالك.

وأما التعليل الآخر فهو مع قطع النظر عن معارضته بالأخبار المذكورة لا يصلح لتأسيس حكم شرعي كما عرفته في غير مقام مما تقدم ، على أن الغرض غير منحصر في الاستيلاد كما ادعاه ، وبذلك ظهر أن القول المشهور هو المعتمد المنصور.

إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنه لو عزل بدون الشرط والاذن فقيل : بأنه لا يجب

__________________

(1) كنوز الحقائق المطبوع بهامش الجامع الصغير ج 2 ص 137.


عليه للمرأة شي‌ء ، لأصالة البراءة خصوصا على القول بكراهة العزل ، ولأنه فعل سائغ فلا يتعقبه الضمان ، ولما دلت عليه الأخبار المتقدمة من أن ذلك «إلى الرجل يصرفه حيث شاء».

وقيل : بوجوب دية النطفة عشرة دنانير للمرأة ، وإن قلنا بالكراهة ، ذهب إليه جماعة منهم الشيخ والعلامة والشهيد والمحقق في الشرائع.

وقيل : بوجوب ذلك على تقدير التحريم دون الكراهة ، وهو اختيار المحقق في النافع ، وهو الأنسب بالقياس ، وإلا فالقول بالوجوب مع القول بجواز العزل ، مما لا يجتمعان ، لأنه متى جوز له الشارع العزل وأباحه له ، وإن كرهت المرأة كما عرفت ، فكيف يرتب عليه الدية ، على أن الرواية التي استندوا إليها هنا في وجوب الدية ، ليست من المسألة المذكورة في شي‌ء ، لأن موردها من أفرغ في حال الجماع فعزل لذلك ، فعلى المفرغ دية النطفة عشرة دنانير روي (1) ذلك صحيحا عن علي عليه‌السلام.

والفرغ الموجب للعزل كما تضمنته الرواية غير موجود هنا وبذلك يظهر أيضا أن حمل الدية على الاستحباب لا وجه له أيضا ، لأن الخبر المذكور كما عرفته خارج عن موضع البحث ، والله العالم.

الفائدة الثانية عشر : قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) ، بأنه لا يجوز ترك وطئ الزوجة أكثر من أربعة أشهر ، وكذا لا يجوز الدخول بها قبل إكمال تسع سنين هلالية ، ولو دخل بها والحال كذلك لم تحرم عليه مؤبدا إلا أن يفضيها ، وقيل : تحرم وإن لم يفضها.

وتحقيق الكلام في المقام يقع في موضعين :

الأول : في تحريم الوطي المدة المذكورة ، قال في المسالك : هذا الحكم موضع وفاق ، واستدلوا على ذلك مضافا إلى الاتفاق المذكور بما رواه في الفقيه

__________________

(1) الكافي ج 7 ص 343 ح 1 ، الوسائل ج 19 ص 237 ح 1.


والتهذيب في الحسن برواية الفقيه عن صفوان بن يحيى (1) عن الرضا «عليه‌السلام أنه سأله عن رجل تكون عنده المرأة الشابة ، فيمسك عنها الأشهر والسنة ، لا يقربها ، ليس يريد الإضرار بها ، يكون لهم مصيبة ، أيكون في ذلك آثما؟ قال : إذا تركها أربعة أشهر كان آثما بعد ذلك».

ورواه الشيخ بطريق آخر عن صفوان أيضا مثله وزاد «إلا أن يكون بإذنها». وطعن فيه في المسالك بضعف السند ، وهي مبني على روايته الخبر من التهذيب ، وإلا فهو في الفقيه حسن كما ذكره العلامة في الخلاصة.

وأنت خبير بأن مورد الخبر إنما هو الشابة ، والمدعى أعم من ذلك (2) فلا يقوم حجة على المدعى ، فلم يبق إلا التمسك بالإجماع المذكور ، وفيه ما لا يخفى ومن ثم ان المحدث الكاشاني والمحدث الحر العاملي قصرا الحكم على الشابة ، وقوفا على منطوق الخبر وهو الأظهر.

قالوا : والمعتبر من الوطي الواجب ما يحصل به مسماه ويجب به الغسل وأن يكون في القبل وإن لم ينزل ، ومن المحتمل قريبا تخصيصه بالجماع مع الإنزال ، فإنه هو الفرد الأغلب المتكرر ، والإطلاق إنما يحمل عليه ، كما هو القاعدة المسلمة بينهم ، وسياق الخبر أيضا مشعر به.

وفي شمول ذلك للدائمة والمتعة وجهان ، إختار أولهما شيخنا الشهيد الثاني

__________________

(1) الفقيه ج 3 ص 256 ب 123 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 412 ح 19 وص 419 ح 50 ، الوسائل ج 14 ص 100 ح 1.

(2) وأما ما ذكره في المفاتيح حيث قال : وذكر الشابة في السؤال وان لم يصلح للتخصيص ، الا أن عدم النص على العموم يقتضيه ، الا أن يكون للعموم إجماع ، ففيه أن الضمير في قوله عليه‌السلام «إذا تركها» لا مرجع له. الا الشابة المسؤول عنها ، وكذا جملة الضمائر المذكورة انما ترجع إلى الشابة المذكورة ، والجواب لم يقع مطلقا كما توهمه ، حتى أنه يعتذر عن عدم تقييد السؤال بما ذكره ، بل الجواب وقع عن خصوص الشابة كما لا يخفى. (منه ـ رحمة الله ـ).


في الروضة ، والثاني في المسالك ، وعلله بالوقوف على موضع اليقين ، واقتصارا على من ثبتت لها حقوق الزوجية.

الثاني : في الدخول بها قبل إكمال التسع ، ولا خلاف في تحريم الوطي قبل إكمال المدة المذكورة ، ولا خلاف أيضا في تحريمها مؤبدا مع الإفضاء إنما الخلاف في تحريمها مؤبدا ، قبل إكمال المدة المذكورة وإن لم يفضها ، فالمشهور العدم ، ونقل عن الشيخ القول بالتحريم.

والذي وقفت عليه من أخبار المسألة ما رواه الكليني عن أبي بصير (1) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «لا يدخل بالجارية حتى يأتي لها تسع سنين أو عشر سنين».

وعن الحلبي (2) في الصحيح قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إذا تزوج الرجل الجارية وهي صغيرة فلا يدخل بها حتى يأتي لها تسع سنين».

وما رواه المشايخ الثلاثة عن زرارة (3) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «لا يدخل بالجارية حتى يأتي لها تسع سنين أو عشر سنين».

قال بعض المحدثين : لعل المراد بالترديد ، لاختلافهن في كبر الجثة وصغرها ، وقوة البنية وضعفها. انتهى وهو جيد.

وروي في الكافي والفقيه عن حماد عن الحلبي (4) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «من وطء امرأته قبل تسع سنين فأصابها عيب فهو ضامن».

وما رواه في التهذيب عن طلحة بن زيد (5) «عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام قال : من تزوج بكرا فدخل بها في أقل من تسع سنين فعيبت ضمن».

وعن غياث بن إبراهيم (6) «عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام قال : لا توطي‌ء

__________________

(1 و 2 و 3) الكافي ج 5 ص 398 ح 1 و 2 و 3 ،وأخرج الثالث في التهذيب ج 7 ص 451 ح 14 وفي الفقيه ج 3 ص 261 ح 25.

(4) الفقيه ج 3 ص 261 ح 26 ، التهذيب ج 7 ص 410 ح 10. الوسائل ج 14 ص 71 ح 5.

(5 و 6) التهذيب ج 7 ص 410 ح 11 و 12. الوسائل ج 14 ص 71 ح 6.

وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 70 ح 4 و 1 و 2 وص 71 ح 5 و 6 و 7.


جارية لأقل من عشر سنين ، فإن فعل فعيبت فقد ضمن».

وعن حمران (1) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سئل عن رجل تزوج جارية بكرا لم تدرك فلما دخل بها افتضها فأفضاها؟ فقال : إن كان دخل بها حين دخل بها ولها تسع سنين فلا شي‌ء عليه ، وإن كانت لم تبلغ تسع سنين ، أو كان لها أقل من ذلك بقليل حين دخل بها فاقتضها فإنه قد أفسدها وعطلها على الأزواج ، فعلى الامام أن يغرمه ديتها ، وإن أمسكها ولم يطلقها حتى تموت فلا شي‌ء عليه».

وما رواه في الكافي عن حميد عن زكريا المؤمن (2) أو بينه وبينه رجل ولا أعلم إلا حدثني عن عمار السجستاني قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول لمولى له انطلق فقل للقاضي : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حد المرأة أن يدخل بها على زوجها ابنة تسع سنين».

وما رواه في الكافي عن العدة عن سهل عن يعقوب بن يزيد (3) عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا خطب الرجل المرأة فدخل بها قبل أن يبلغ سبع سنين فرق بينهما ، ولم تحل له ابدا».

وقد اتفقت هذه الأخبار على تحريم الدخول بها قبل التسع ، ودلت جملة منها على ضمانه لو عيبت بالدخول ، وهو مما لا خلاف فيه عندهم ، إلا أن ظاهره حمل العيب على الإفضاء وهو كذلك ، فإنه لا عيب هنا سواه غالبا.

والظاهر أن ما ذهب إليه الشيخ من القول بالتحريم المؤبد بالدخول ، وإن لم يحصل الإفضاء ، قد استند فيه إلى مرسلة يعقوب بن يزيد المذكورة ، وهي ظاهرة فيه كما لا يخفى.

__________________

(1) الفقيه ج 3 ص 272 ح 79.

(2 و 3) الكافي ج 5 ص 398 ح 4 وص 429 ح 12، التهذيب ج 7 ص 451 ح 15. الوسائل ج 14.

وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 71 ح 9 وص 70 ح 3 وص 381 ح 2 ..


قال في المسالك بعد ذكر المسألة (1) : فقد ذهب الشيخ إلى التحريم استنادا إلى روايات تدل بإطلاقها عليه ، وهي مع ضعف سندها محمولة على الإفضاء ، وقوفا على موضع الوفاق وتمسكا بصحة العقد. انتهى.

أقول : ظاهر كلامه أن هنا روايات أخر ندل على ما دلت عليه هذه الرواية من التحريم المؤبد بمجرد الدخول ، ولا أعرف له وجها ، فإن ما ذكرناه من الأخبار هو جميع ما ورد في المسألة ، وليس فيها مما يدل على التحريم المؤبد غير هذه الرواية ، مع ما عرفت من عمومها للإفضاء وعدمه ، لأنه رتب التحريم المؤبد على مجرد الدخول ، وما عداها من أخبار المسألة ، فغاية ما يدل عليه هو النهي عن الدخول ، وأنه مع فعله وحصول العيب فإنه يضمن ذلك ، وليس فيها تعرض للتحريم المؤبد بالكلية ، أفضي أو لم يفض.

ورواية حمران المتضمنة للإفضاء إنما تضمنت ذلك أيضا ، ولا تعرض فيها للتحريم المؤبد ، فما ادعوه من الاتفاق على التحريم المؤبد مع الافتضاض ليس له مستند في الأخبار ، إلا إطلاق مرسلة يعقوب بن يزيد المذكورة.

وبذلك يظهر لك ما في قوله أنها مع ضعف سندها محمولة على الإفضاء فإنه إنما يتم لو كان في الأخبار ما يدل على التحريم المؤبد مع الإفضاء ، وقد عرفت أنها خالية من ذلك ، وإن أراد بتلك الروايات التي زعمها مستندا للشيخ ، هي ما قدمناه من الروايات المتضمنة للضمان مع العيب ففيه ما عرفت من أنه ليس في شي‌ء من تلك الأخبار ما يدل على التحريم المؤبد الذي ادعاه الشيخ ، وبالجملة ، فإن كلامهم هنا لا يخلو من المجازفة والإجمال ، لعدم إعطاء التأمل حقه في روايات المسألة حسبما يقتضيه الحال ويزول به الاشكال.

ومنه يظهر أن ما ذهب اليه الشيخ من القول المذكور ، هو المؤيد المنصور وأن القول المشهور بمحل من القصور.

__________________

(1) وهي الخلاف في تحريمها بمجرد الوطي من غير إفضاء (منه ـ رحمه‌الله ـ).


وهل المراد بالإفضاء أن يصير بجماعة مسلك البول والحيض واحدا بإذهاب الحاجز بينهما ، أو مسلك الغائط والحيض واحدا ، إختار في المسالك الأول. ورد الثاني بأنه بعيد ، قال : لبعد ما بين المسلكين ، وقوة الحاجز بينهما ، فلا يتفق زواله بالجماع ، ولو فرض كان إفضاء.

وكلام أهل اللغة كالقاموس والمصباح هنا مجمل ، وفي كتاب مجمع البحرين هو جعل مسلكي البول والغائط واحدا ، والظاهر أنه الأقرب. والله العالم.

الفائدة الثالثة عشر : قد جرت عادة الفقهاء بذكر خصائصه صلى‌الله‌عليه‌وآله عن غيره في كتاب النكاح لأنها بالنسبة إليه أكثر ، وقد ذكر المحقق في الشرائع منها خمسة عشرة ، ستة في النكاح ، وتسعة في غيره ، وذكر العلامة في التذكرة ما يزيد على سبعين وأفرد بعضهم لها كتابا ضخما لكثرتها وزيادتها على ما ذكر.

ونحن نذكر خصائص القسم الأول مفصلا حيث إنه من مسائل الكتاب ، وخصائص الثاني مجملا ، فيرجع إلى كل فرد منها في محله.

فنقول : الأول من القسم الأول ، اختصاصه (ص) بجواز الزيادة على الأربع

في النكاح الدائم ، فأما عدم جواز الزيادة على الأربع في غيره ، فهو مما لا خلاف فيه ، وستأتي الاخبار به في موضعها.

وأما ما يدل على الرخصة له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الزيادة فإنه قد قبض عن تسع نسوة عائشة ، وحفصة ، وأم سلمة المخزومية ، وأم جيبة بنت أبي سفيان ، وميمونة بنت الحرث الهلالية ، وجويرية بنت الحارث الخزاعية ، وسودة بنت زمعة ، وصفية بنت حي بن أخطب الخيبرية ، وزينب بنت جحش ، وجميع من تزوج بهن خمسة عشرة ، وجمع بين احدى عشر ، ودخل بثلاث عشرة ، وفارق امرأتين في حياته ، إحداهما الكندية التي رأى بكشحها بياضا ، فقال : الحقي بأهلك والأخرى تعوذت منه بخديعة الأولين حسدا لها.


والذي وصل إلى من الأخبار المناسبة للمقام ما رواه الصدوق في الخصال (1) عن الصادق عليه‌السلام «تزوج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخمس عشرة امرأة ، ودخل بثلاث عشرة منهن وقبض من تسع فأما اللتان لم يدخل بهما فعمرة والشنباء وأما الثلاث عشرة اللواتي دخل بهن فأولهن خديجة بنت خويلد ، ثم سودة بنت زمعة ، ثم أم سلمة واسمها هند بنت أبي أمية ، ثم أم عبد الله ، ثم عائشة بنت أبي بكر ، ثم حفصة بنت عمر ، ثم زينب بنت خزيمة بن حارث أم المساكين ، ثم زينب بنت جحش ، ثم أم حبيبة زملة بنت أبي سفيان ، ثم ميمونة بنت الحارث ، ثم زينب بنت عميس ، ثم جويرية بنت الحارث ثم صفية بنت حي بن أخطب ، والتي وهبت نفسها للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله خولة بنت حكيم الأسلمي ، وكان له سريتان يقسم لهما مع أزواجه : مارية القبطية ، وريحانة الخندقية.

والتسع اللواتي قبض عنهن : عائشة ، وحفصة ، وأم سلمة ، وزينب بنت جحش ، وميمونة بنت الحارث ، وأم حبيبة بنت أبي سفيان ، وصفية ، وجويرية وسودة ، وأفضلهن خديجة بنت خويلد ، ثم أم سلمة ، ثم ميمونة».

وما رواه في الكافي عن الحلبي (2) في الصحيح عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن قول الله عزوجل (3) «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ» قلت : كم أحل له من النساء؟ قال : ما شاء من شي‌ء ، قلت : قوله (4) «لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ» فقال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن ينكح ما شاء من بنات عمه وبنات عماته وبنات خاله وبنات خالاته وأزواجه اللاتي هاجرن معه ، وأحل له أن ينكح من عرض المؤمنين بغير مهر ، وهي الهبة ، ولا تحل الهبة إلا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأما

__________________

(1) الخصال ج 2 ص 419 ح 13 الطبعة الجديدة ..

(2) الكافي ج 5 ص 387 ب 55 ح 1.

وهذه في الوسائل ج 14 ص 181 ح 11 وص 199 ح 6.

(3 و 4) سورة الأحزاب ـ آية 50 و 52.


لغير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلا يصلح نكاح إلا بمهر ، وذلك معنى قوله تعالى (1) «وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ» قلت : أرأيت قوله (2) «تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ» قال : من آوى فقد نكح ومن أرجى فلم ينكح ، قلت : قوله : «لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ» قال : إنما عنى به النساء اللاتي حرم عليه في هذه الآية (3) «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ ـ إلى آخر الآية» ولو كان الأمر كما يقولون كان قد أحل لكم ما لم يحل له ، إن أحدكم يستبدل كلما أراد ولكن ليس الأمر كما يقولون ، إن الله عزوجل أحل لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أراد من النساء إلا ما حرم عليه في هذه الآية التي في النساء».

وبهذا المضمون روايات مختلفة ، زيادة ونقصانا ، فروى في الكافي عن أبي بكر الحضرمي (4) عن أبي جعفر عليه‌السلام مثله بأدنى تفاوت إلا أنه ليس فيه حديث الإرجاء ، ورواه بطريق آخر عن أبي بصير (5) عن أبي عبد الله عليه‌السلام مثله إلا أنه ليس فيه حديث الإرجاء ولا الهبة ، وزاد أحاديث آل محمد عليهم‌السلام خلاف أحاديث الناس.

وروى في الكافي والتهذيب عن أبي بصير (6) عنه عليه‌السلام مثله من دون الزيادة المذكورة ، إلا أنه قال فيه : «أراكم وأنتم تزعمون لكم ما لا يحل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله». ولا يخفى على من تأمل سياق الآيات هنا ما في هذه الأخبار من الاشكال ، بل الداء العضال ، وأشكل وأعضل من ذلك ما ذكره الثقة الجليل علي بن إبراهيم في تفسيره حيث قال «لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ» من بعد ما حرم عليه في سورة النساء قوله «وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ» معطوف على قصة امرأة زيد «وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ» أي لا يحل لك امرأة رجل أن تتعرض لها حتى يطلقها وتزوجها أنت ، فلا تفعل هذا الفعل بعد هذا. انتهى.

__________________

(1 و 2) سورة الأحزاب ـ آية 50 و 51.

(3) سورة النساء ـ آية 23.

(4 و 5 و 6) الكافي ج 5 ص 389 ح 4 وص 391 ح 8 وص 388 ح 2.


ولا مسرح للفكر هنا ولا كلام غير غض الطرف ، ورد هذه الأخبار إلى قائلها عليه‌السلام ، ولهذا قال المحدث الكاشاني في كتاب الصافي ـ بعد ذكر نحو ما قلناه ـ : أقول : وهذه الأخبار كما ترى ، وكذا ما ذكره القمي رزقنا الله فهمها ، وقيل : هذه الآية منسوخة بقوله «تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ ، وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ» فإنه وإن تقدمها قراءة ، فهو مسبوق بها نزولا.

وما رواه في الكافي عن جميل ومحمد بن حمران (1) «قالا : سألنا أبا عبد الله عليه‌السلام كم أحل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من النساء؟ قال : ما شاء ، يقول بيده هكذا وهي له حلال ـ يعني يقبض يده ـ».

وروى في الكافي بسنده عن أبي بصير (2) وغيره في تسمية نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ونسبهن وصفتهن :» عائشة ، وحفصة ، وأم حبيب بنت أبي سفيان بن حرب ، وزينب بنت جحش ، وسودة بنت زمعة ، وميمونة بنت الحارث ، وصفية بنت حي بن أخطب ، وأم سلمة بنت أبي أمية ، وجويرية بنت الحارث.

وكانت عائشة من تيم ، وحفصة من عدي ، وأم سلمة من بني مخزوم ، وسودة من بني أسد بن عبد العزى ، وزينب بنت جحش من بني أسد وعدادها في بني أمية وأم حبيب بنت أبي سفيان من بني أمية ، وميمونة بنت الحارث من بني هلال ، وصفية بنت حي بن أخطب من بني إسرائيل ، ومات صلى‌الله‌عليه‌وآله عن تسع نساء ، وكان له سواهن التي وهبت نفسها للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وخديجة بنت خويلد أم ولده وزينب بنت أبي الجون التي خدعت والكندية».

وربما علل جواز تجاوز الأربع بالنسبة إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله بامتناع الجور عليه لعصمته ، ورد بأن ذلك منتقض بالإمام عليه‌السلام لعصمته عندنا ، وهل له الزيادة على التسع؟ قيل : لا ، لأن الأصل استواء النبي والأمة في الحكم ، إلا أنه ثبت جواز الزيادة

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 389 ح 3.

(2) الكافي ج 5 ص 390 ح 5 ، الوسائل ج 14 ص 181 ح 10.


إلى التسع بفعله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقيل : بالجواز مطلقا ، وهو اختياره في المسالك ، قال : والأولى الجواز مطلقا لما ثبت من العلة ، وما ثبت من أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله جمع بين إحدى عشرة.

أقول : ويدل على القول بالجواز مطلقا ما تقدم في صحيح الحلبي من قوله «قلت : كم أحل له من النساء؟ قال : ما شاء من شي‌ء». ومثلها رواية جميل ومحمد بن حمران المتقدمة.

الثاني من القسم الأول أيضا : العقد بلفظ الهبة لقوله تعالى «وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ» صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا يلزم بها مهر ابتداء ولا بالدخول كما هو قضية الهبة. قالوا : وكما يجوز وقوع الإيجاب منها بلفظ الهبة ـ كما هو مقتضى الآية ـ يجوز وقوع القبول منه كذلك ، لأن موردهما يعتبر أن يكون واحدا ، ونقل عن بعض العامة اشتراط لفظ النكاح من جهته صلى‌الله‌عليه‌وآله لظاهر قوله تعالى «يَسْتَنْكِحَها» ورد بأنه لا دلالة فيه ، لأن نكاحه بلفظ الهبة متحقق.

أقول : الأصل في هذا الحكم ما رواه في الكافي عن محمد بن قيس (1) في الصحيح أو الحسن عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «جاءت امرأة من الأنصار إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدخلت عليه وهو في منزل حفصة ، والمرأة متلبسة متمشطة ، فدخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقالت : يا رسول الله إن المرأة لا تخطب الزوج وأنا امرأة أيم لا زوج لي منذ دهر ولا لي ولد ، فهل لك من حاجة؟ فإن تك فقد وهبت نفسي لك إن قبلتني فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خيرا ودعا لها ، ثم قال يا أخت الأنصار جزاكم الله عن رسوله خيرا ، فقد نصرني رجالكم ، ورغب في نساؤكم فقالت لها حفصة : ما أقل حياءك وأجرأك وأنهمك على الرجال ، فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كفي عنها يا حفصة ، فإنها خير منك ، رغبت في رسول الله ، فلمتها وعيبتها ، ثم قال للمرأة :

انصرفي رحمك الله فقد أوجب الله لك الجنة لرغبتك في وتعرضك لمحبتي وسروري

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 568 ح 53 ، الوسائل ج 14 ص 200 ح 8.


وسيأتيك أمري ان شاء الله ، فأنزل الله تعالى (1) «وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ» قال : فأحل الله عزوجل هبة المرأة نفسها لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا يحل ذلك لغيره».

وأنت خبير بأن الظاهر أنه بعد نزول الآية على أثر هذه الواقعة ، نكح النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله المرأة ، ولا إيجاب هنا ولا قبول ، غير ما تقدم نقله عن المرأة من هبتها نفسها له ورضاه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك.

الثالث من القسم المذكور : وجوب تخييره النساء بين إرادته ومفارقته ، لقوله عزوجل (2) «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً ـ إلى قوله ـ أَجْراً عَظِيماً».

قال في المسالك : وهذا التخيير عند العامة القائلين بوقوع الطلاق بالكناية كناية عن الطلاق ، وبعضهم على أنه صريح فيه ، وعندنا ليس له حكم بنفسه ، بل ظاهر الآية أن من اختارت الحياة الدنيا وزينتها يطلقها لقوله تعالى «إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً» انتهى.

أقول : قال الثقة الجليل علي بن إبراهيم في تفسيره (3) : وأما قوله عزوجل «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها ـ إلى قوله ـ أَجْراً عَظِيماً» فإنه كان سبب نزولها أنه لما رجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غزوة خيبر وأصاب كنز آل أبي الحقيق ، قلن أزواجه : أعطنا ما أصبت ، فقال لهن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : قسمته بين المسلمين على ما أمر الله ، فغضبن من ذلك وقلن : لعلك ترى أنك إن طلقتنا أن لا نجد الأكفاء من قومنا يتزوجونا ، فأنف الله لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأمره أن يعتزلهن فاعتزلهن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مشربة أم إبراهيم تسعة وعشرين يوما ، حتى حضن وطهرن ، ثم أنزل الله هذه الآية وهي آية التخيير ، فقال

__________________

(1 و 2) سورة الأحزاب ـ آية 49 و 28.

(3) تفسير القمي ج 2 ص 192 ط النجف الأشرف.


«يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ ـ إلى قوله ـ أَجْراً عَظِيماً» فقامت أم سلمة وهي أول من قامت وقالت : قد اخترت الله ورسوله فقمن كلهن فعانقنه وقلن مثل ذلك إلى آخره».

وروى في الكافي عن عيص بن القاسم (1) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل خير امرأته فاختارت نفسها ، بانت منه؟ قال : لا إنما هذا شي‌ء كان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خاصة ، أمر بذلك ففعل ، ولو اخترن أنفسهن لطلقهن ، وهو قول الله عزوجل «قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً».

وعن محمد بن مسلم (2) في الموثق عن أبي جعفر عليه‌السلام «قال سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الخيار ، فقال : وما هو وما ذاك ، إنما ذلك شي‌ء كان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وعن محمد بن مسلم (3) في الموثق قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني سمعت أباك يقول : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خير نساءه فاخترن الله ورسوله ، فلم يمسكهن على طلاق (4) ولو اخترن أنفسهن لبن فقال : إن هذا حديث كان يرويه أبي عن عائشة وما للناس والخيار إنما هذا شي‌ء خص الله به رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله».

أقول : المفهوم من هذه الأخبار وغيرها مما سيأتي إن شاء الله ذكره في محله أن هذا التخيير ووجوب ما يترتب عليه من وجوب الطلاق لو اخترن أنفسهن وحصول البينونة بهذا الطلاق من دون جواز رجعته لو وقع مما خص به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ليس لغيره من الناس.

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 137 ح 3 ، الوسائل ج 15 ص 336 ح 4.

(2 و 3) الكافي ج 6 ص 136 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 336 ح 1 و 3.

(4) قوله : فلم يمسكهن على طلاق يعنى أنه لم يطلقهن ثم عقد عليهن عقدا آخر ، وانما أمسكهن بالعقد الأول. (منه ـ رحمه‌الله ـ).


بقي الكلام في أنه لو اخترن أنفسهن فهل تحصل البينونة بمجرد الاختيار ، أم لا بد من الطلاق؟ علماءنا على الثاني كما تقدم في كلام صاحب المسالك ، والعامة على الأول كما يشعر به كلام المتقدم (1) أيضا ، والأخبار مختلفة ، وسيأتي تحقيق الكلام في هذا المقام في كتاب الطلاق إن شاء الله تعالى مستوفى.

وفي رواية محمد بن مسلم الثانية إشارة إلى حمل الأخبار الدالة على البينونة بمجرد الاختيار على التقية.

الرابع : تحريم نكاح الإماء عليه بالعقد ، ولم أقف له على دليل في أخبارنا وإنما علل ذلك بتعليلات اعتبارية ، علل بأن نكاح الأمة مشروط بالخوف من العنت ، وهو صلى‌الله‌عليه‌وآله معصوم ، ومشروط بفقدان طول الحرة ، ونكاحه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مستغن عن المهر ابتداء وانتهاء ، وبأن من نكح أمة كان ولدها منه رقيقا عند جماعة ، ومنصبه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منزه عن ذلك ، وبأن كون الزوجة مملوكة للغير محكوما عليها لغير الزوج مرذول ، فلا يليق ذلك بمنصبه صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قيل : وفي كل واحدة من هذه العلل نظر ، لأن الأولى منقوضة بالإمام ، والثانية بإمكان فقد الطول بالنسبة إلى النفقة ، وإن انتفى المهر عنه ، وبالمنع من كون ولد الأمة رقيقا مطلقا ، لأنه عندنا يتبع أشرف الطرفين ، وبمنع رذالة التزويج بأمة الغير مطلقا ، وجوز بعض العامة نكاحه الأمة المسلمة بالعقد كما تحل بالملك لضعف المانع ، ولكن الأكثر على المنع.

أقول : الظاهر أن أصل القول المذكور إنما هو من العامة ، وتبعهم جملة من الأصحاب استحسانا لما ذكروه من التعليلات المذكورة كما عرفت في غير موضع من الكتب السابقة ، ونصوصنا خالية منه هذا.

وأما وطء الإماء بملك اليمين ـ مسلمة كانت الأمة أو كتابية ـ فهو مما

__________________

(1) حيث ذكر أن بعضهم يجعله كناية عن الطلاق ، وبعضهم يجعله طلاقا صريحا وعلى كل من الأمرين المذكورين ، فلا يتوقف على ذكر الطلاق بعده. (منه ـ رحمه‌الله ـ).


لا إشكال في جوازه بالنسبة إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله لقوله عزوجل «أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ» (1) «وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ» (2) وقد ملك صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم القبطية وكانت مسلمة ، وملك صفية وكانت مشركة فكانت عنده إلى أن أسلمت فأعتقها وتزوجها.

الخامس والسادس : تحريم الاستبدال بنسائه اللواتي كن عنده وقت نزول هذه الآية (3) «لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ» الآية ، وكذلك تحرم عليه الزيادة عليهن للآية ، قيل : كان ذلك مكافأة لهن على حسن صنيعهن معه ، حيث أمر بتخييرهن في فراقه ، والإقامة معه على الضيق الدنيوي ، فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة ، واستمر ذلك إلى أن نسخ بقوله تعالى السابقة عليها (4) «إِنّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ» الآية ، لتكون المنة له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بترك التزويج عليهن ، وقال بعض العامة أن التحريم لم ينسخ.

أقول : قد عرفت فيما تقدم من صدر هذا البحث ما في المقام من الإشكال ، فإن ما ذكر من التحريم في الموضعين المذكورين هو ظاهر سياق الآيات إلا أن أخبارنا قد شددت في إنكاره ، وعلى هذا فتزول هاتان الخصوصيتان من البين.

السابع : وهو ما ذكره العلامة في التذكرة أنه كان إذا رغب في نكاح امرأة فإن كانت خلية وجب عليها الإجابة ، وحرم على غيره خطبتها ، وإن كانت ذات زوج وجب عليه طلاقها لينكحها ، لقضية زينب امرأة زيد بن الحارثة التي حكاه الله تعالى في كتابه.

أقول : أما الثاني فهو ظاهر من جملة الأخبار التي وردت في تفسير الآيات بقضية زيد (5).

وأما الأول فلم أقف فيه على خبر بعد التتبع ، إلا أن فحوى الأخبار المشار إليها

__________________

(1) سورة النساء ـ آية 3.

(2 و 3 و 4) سورة الأحزاب ـ آية 50 و 52 و 50.

(5) مجمع البيان ج 8 ص 359.


يفيد ذلك ، فإنه إذا وجب على المزوجة أن يفارقها زوجها لأجله ، وجب عليها إجابته لو كانت خالية بطريق أولى ، فإن مقتضى وجوب مفارقة الزوج لها هو تحريمها على جميع الأزواج عداه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فتجب عليها إجابته لو كانت خالية من أول الأمر.

الثامن : تحريم زوجاته (ص) على غيره لقوله عزوجل (1) «وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً».

وللأخبار المتكاثرة.

ومنها : ما رواه في الكافي عن محمد بن مسلم (2) عن أحدهما عليهما‌السلام «أنه قال : لو لم تحرم على الناس أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لقول الله عزوجل (وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً) ، حر من على الحسن والحسين (عليهما‌السلام) لقول الله تعالى (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ)» الحديث.

وما رواه في الكتاب المذكور عن ابن أذينة (3) في الحسن قال : «حدثني سعيد بن أبي عروة عن قتادة عن الحسن البصري أن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) تزوج امرأة من بني عامر بن صعصعة يقال لها سني وكانت من أجمل أهل زمانها ، فلما نظرت إليها عائشة وحفصة قالتا : لتغلبنا هذه على رسول الله بجمالها ، فقالتا لها : لا يرى منك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حرصا ، فلما دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) تناولها بيده ، فقالت : أعوذ بالله ، فانقبضت يد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنها فطلقها وألحقها بأهلها وتزوج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله امرأة من كندة بنت أبي الجون ، فلما مات إبراهيم بن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ابن مارية القبطية قالت : لو كان نبيا ما مات ابنه ، فألحقها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأهلها قبل أن يدخل بها ، فلما قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وولى الناس أبو بكر

__________________

(1) سورة الأحزاب ـ آية 53.

(2 و 3) الكافي ج 5 ص 420 ح 1 وص 421 ح 3 ، الوسائل ج 14 ص 312 ح 1 و 4.


أتته العامرية والكندية ، وقد خطبتا ، فاجتمع أبو بكر وعمر فقالا لهما : إختارا إن شئتما الحجاب ، وإن شئتما الباه ، فاختارتا الباه ، وتزوجتا فجذم أحد الرجلين وجن الآخر ، وقال عمر بن أذينة : فحدثت بهذا الحديث زرارة والفضيل ، فرويا عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : ما نهى الله عزوجل عن شي‌ء إلا وقد عصي فيه حتى لقد نكحوا أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بعده ، وذكر هاتين : العامرية ، والكندية ، ثم قال أبو جعفر عليه‌السلام : لو سألتهم عن رجل تزوج امرأة فطلقها قبل أن يدخل بها أتحل لابنه؟ لقالوا : لا ، فرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله) أعظم حرمة من آبائهم».

وعن زرارة (1) عن أبي جعفر عليه‌السلام نحوه ، «وقال في حديثه : ولا هم يستحلون أن يتزوجوا أمهاتهم إن كانوا مؤمنين ، فإن أزواج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الحرمة مثل أمهاتهم».

إذا عرفت ذلك فاعلم أن الحكم اتفاقي بالنسبة إلى المدخول بها ، وقالوا : لم يمت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن زوجة في عصمته إلا مدخولا بها. وأما من لم يدخل بها كمن فارقها في حياته بفسخ أو طلاق ، كالتي وجد بكشحها بياضا والمستعيذة ، فإن فيها أقوالا.

والمشهور التحريم كالأولى ، لصدق نسبة زوجيتها إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد الفراق في الجملة ، فيدخل في عموم الآية والأخبار المذكورة.

وقيل : إنها لا تحرم مطلقا ، لأنه يصدق في حياته أن يقال : إنها ليست زوجته صلى‌الله‌عليه‌وآله الآن لا عراضه عنها ، وهذا القول مردود بالأخبار المذكورة.

وقيل : إنها إن كانت مدخولا بها حرمت ، وإلا فلا ، لما روي أن الأشعث بن قيس نكح المستعيذة في زمان عمر فهم برجمها ، فأخبر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فارقها قبل أن

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 421 ح 4.


يمسها فخلاها ولم ينكر عليه أحد من الصحابة.

أقول : وهو في الضعف كسابقه ، وهذه الرواية المذكورة ـ مع كونها عامية ـ معارضة بما تقدم عن الحسن البصري من إذن أبو بكر وعمر للمستعيذة في الباه ، فكيف يهم برجمها عمر كما في هذه الرواية ، وهو قد أذن لها في الباه بتلك الرواية.

ثم إن من أنكر على عمر في تغيير شرائع الإسلام غير مقام ، حتى ينكر عليه هنا ، وبذلك يظهر لك قوة القول الأول ، حسبما دلت عليه الأخبار المذكورة.

ثم إنه ينبغي أن يعلم أن تحريم أزواجه صلى‌الله‌عليه‌وآله على الأمة إنما هو للنهي الوارد في القرآن لا لتسميتهن بأمهات المؤمنين في قوله «وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ» ولا لتسميته صلى‌الله‌عليه‌وآله والدا ، لأن هذه التسمية إنما وقعت على وجه المجاز لا الحقيقة ، كناية عن تحريم نكاحهن ووجوب احترامهن ، ومن ثم لم يجز النظر إليهن ، ولو كن أمهات حقيقة لجاز ، مع أنه ليس كذلك ، ولأنه لا يقال لبناتهن أخوات المؤمنين ، لأنهن لا يحر من على المؤمنين ، ولقد زوج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا فاطمة عليهما‌السلام ، وعثمان البنتين الآخرين ، ولا يقال : لآبائهن وأمهاتهن أجداد المؤمنين وجداتهم أيضا.

هذا كله بالنسبة إلى القسم الأول وهو ما اختص به مما يتعلق بالنكاح.

وأما القسم الثاني وهو ما خرج عن النكاح فهي كثيرة ، ولنذكر منها ما وقفنا عليه في كلامهم :

الأول : وجوب السواك ، الثاني : وجوب الوتر ، الثالث : وجوب الأضحية.

واستدل عليه في المسالك قال : روي عنه (1) صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : ثلاث كتبت علي ولم تكتب عليكم ، السواك ، والوتر ، والأضحية.

وفي حديث آخر (2) «كتب علي الوتر ولم يكتب عليكم ، وكتب علي السواك ولم يكتب عليكم ، وكتبت علي الأضحية ولم تكتب عليكم».

__________________

(1 و 2) سنن البيهقي ج 7 ص 39 مع اختلاف يسير.


قال : وبعض العامة منع وجوب الثلاثة عليه ، مع ورود هذه الروايات من جانبهم ، وكنا أولى بذلك منه. انتهى.

وفيه إشارة إلى أن أصل هذا القول والاستدلال عليه بهذه الأخبار إنما هو من العامة ، فإن الأصحاب جروا على مقالتهم بذلك ، ولهذا اعترض على هذا المانع من الوجوب ، بأنا نحن أولى بمنع الوجوب ، حيث إنه لم يرد عليه دليل عندنا.

وفيه أنه بأي جهة يسوغ لكم متابعتهم في ذلك ، والحال هذه وإثبات الأحكام الشرعية متوقف على الأدلة الواضحة الجلية ، من آية قرآنية أو سنة نبوية.

الرابع : قيام الليل والتهجد فيه ، لقوله عزوجل (1) «وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ» وروى في التهذيب (2) «عن الصادق عليه‌السلام أنه سئل عن النوافل فقال : فريضة ، قال : ففزعنا وفزع الرجل ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : إنما أعني صلاة الليل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله».

الخامس : تحريم الصدقة الواجبة عليه ، وهي الزكاة المفروضة ، وقد تقدمت الأخبار الدالة على ذلك في كتاب الزكاة (3) فإن قيل : إن الأئمة عليهم‌السلام شركاء في ذلك فلا يتحقق الاختصاص ، قلنا : حيث كان تحريمها عليهم إنما هو بسببه صلى‌الله‌عليه‌وآله فالخاصية عائدة إليه.

السادس : تحريم خائنة الأعين عليه ، وهي الغمز بها بمعنى الإيماء بها إلى مباح من ضرب وقتل على خلاف ما تشعر به الحال.

وفي كتاب معاني الأخبار (4) «عن الصادق عليه‌السلام أنه سئل عن معناها ، فقال :

__________________

(1) سورة الإسراء ـ آية 79.

(2) التهذيب ج 2 ص 242 ح 28 ، الوسائل ج 3 ص 49 ح 6.

(3) ج 12 ص 215.

(4) معاني الأخبار ص 147 ح 1 طبع إيران سنة 1379.


ألم تر إلى الرجل ينظر إلى الشي‌ء وكأنه لا ينظر إليه ، فذلك خائنة الأعين.

وفي كتاب المجمع (1) في حديث ابن أبي سرج ، «فقال له عباد بن بشير : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إن عيني ما زالت في عينك انتظارا أن تومئ إلى فأقتله ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الأنبياء لا يكون لهم خائنة الأعين».

السابع : أنه أبيح له الوصال المحرم على أمته ، وهو عبارة عن الجمع بين الليل والنهار في الإمساك بالنية عن تروك الصوم ، أو تأخير عشائه إلى سحوره بالنية على الخلاف ، وقد تقدم في كتاب الصوم (2).

الثامن : أنه تنام يمينه ولا ينام قلبه ، «قال : تنام عيني ولا ينام قلبي» ، بمعنى بقاء التفحص والإحساس ، ولهذا لا ينقض وضوءه بالنوم ، وبذلك تحصل له خاصية أخرى أيضا.

التاسع : أنه كان يبصر وراءه كما يبصر أمامه ، وفي أخبار الأمر بإقامة الصفوف في الجماعة ما يدل عليه ، إلى غير ذلك مما يضيق المقام عن نشره ، بل نشر عشر عشره كما لا يخفى على من راجع الأخبار الدالة على ما خص به صلى‌الله‌عليه‌وآله في الدنيا والآخرة.

تذنيب :

ومن خواص فاطمة (س) بالنسبة إلى النكاح أيضا أمور.

الأول : أن تزويجها من الله عزوجل ، لما رواه في الكافي عن أبان بن تغلب (3) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنما أنا بشر مثلكم أتزوج فيكم وأزوجكم إلا فاطمة فإن تزويجها نزل من السماء».

ونحوها غيرها أيضا

الثاني : أنه لا كفو لها إلا أمير المؤمنين (ع) من آدم ومن دونه ، ويدل

__________________

(1) سنن البيهقي ج 7 ص 40.

(2) ج 13 ص 392.

(3) الكافي ج 5 ص 568 ح 54.


عليه ما رواه في التهذيب عن المفضل (1) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لو لا أن الله خلق أمير المؤمنين عليه‌السلام لم يكن لفاطمة سلام الله عليها كفو على ظهر الأرض من آدم فمن دونه».

الثالث : تحريم النساء على علي (ع) ما دامت فاطمة (س) حية ويدل عليه ما رواه في التهذيب عن أبي بصير (2) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «حرم الله النساء على علي عليه‌السلام ما دامت فاطمة عليها‌السلام حية ، قال : قلت : وكيف؟ قال : لأنها طاهر لا تحيض».

أقول : قد روت العامة أن عليا عليه‌السلام في حياتها عليها‌السلام خطب ابنة أبي جهل ، حتى أن الرسول أغاضه ذلك ، فخطب على المنبر بذلك وعاتبه.

وقد استقصينا الكلام معهم في هذا المقام في كتابنا سلاسل الحديد في تقييد ابن أبي الحديد ، وقد وافقنا الشارح المذكور على كذب الخبر المشار إليه ، وهذا الخبر أصرح صريح في رده وكذبه.

الرابع : عدم جواز الجمع بين ثنتين من بناتها في النكاح لما رواه الشيخ في التهذيب عن ابن أبي عمير (3) عن رجل من أصحابنا قال : «سمعته يقول : لا يحل لأحد أن يجمع بين ثنتين من ولد فاطمة سلام الله عليها ، إن ذلك يبلغها فيشق عليها ، قلت : يبلغها؟ قال : أي والله».

ورواه الصدوق في علل الشرائع (4) بسند صحيح ، هذه صورته : حدثنا محمد بن علي ماجيلويه عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبان بن عثمان عن عمار قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لا يحل لأحد أن يجمع بين ثنتين من ولد فاطمة (سلام الله عليها) إن ذلك يبلغها فيشق عليها ، قال : قلت : يبلغها؟ قال : أي والله».

__________________

(1 و 2) التهذيب ج 7 ص 470 ح 90 وص 475 ح 116.

(3) التهذيب ج 7 ص 463 ح 63 ، الوسائل ج 14 ص 387 ح 1.

(4) علل الشرائع باب 375 نوادر العلل ص 590 ح 38.


أقول : وهذه المسألة لم يجر لها ذكر في كلام أصحابنا متقدميهم ومتأخريهم وإنما اشتهر الكلام فيها في أعصارنا هذه ، من زمن الشيخ الحر العاملي ، حيث اختار القول بما دل عليه ظاهر الخبر من التحريم ، ونحوه جملة ممن تأخر عنه ، وأنكره جملة منهم.

ولنا في المسألة رسالة ، وعسى أن نحقق المسألة إن شاء الله في جملة مسائل هذا الكتاب في الموضع المناسب لذكرها ، والله العالم.

الفائدة الرابعة عشر : اختلف الفقهاء في أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هل كان يجب عليه القسم بين نسائه ، بمعنى أنه إذا بات عند واحدة منهن ليلة وجب عليه أن يبيت عند كل واحدة من الزوجات الباقيات كذلك أم لا يجب عليه ذلك؟ فقيل : بالأول ، وأن الحكم بالنسبة إليه كغيره ، لعموم الأدلة الدالة على وجوب القسم ، ولأنه قد علم من سيرته صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه كان يقسم بينهن حتى أنه في مرضه كان يطاف به عليهن ، وكان يقول : هذا قسمي فيما أملك وأنت أعلم بما لا أملك ، يعنى قلبه.

وقيل : بالثاني لقوله تعالى (1) «تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ».

والتقريب فيها أن الإرجاء بمعنى التأخير ، وعدم الإيواء الذي هو بمعنى ضمهن إليه ومضاجعتهن فقد خيره بين إرجائهن وعدم ضمهن إليه ومضاجعتهن وبين إيوائهن وضمهن إليه ومضاجعتهن ، وهو ظاهر في عدم وجوب القسمة عليه ولهذا نقل في كتاب مجمع البيان شيخنا أمين الإسلام الطبرسي أنه قيل : لما نزلت آية التخيير أشفقن أن يطلقهن ، فقلن : يا نبي الله اجعل لنا من مالك ونفسك ما شئت ، ودعنا على حالنا ، فنزلت الآية ، وكان ممن أرجى : سودة وصفية وجويرية وميمونة وأم حبيبة ، فكان يعتزلهن ما شاء ، وكان ممن آوى إليه عائشة

__________________

(1) سورة الأحزاب ـ آية 51.


وحفصة وأم سلمة وزينب ، فكان يقسم لهن على السواء لا يفضل بعضهن على بعض عن ابن رزين. انتهى.

وبالجملة فإن ظاهر الآية بالتقريب الذي ذكره هو عدم وجوب القسم عليه ، إلا أنه تعددت الرواية

عن الصادق عليه‌السلام (1) بأنه قال في تفسير هذه الآية : «من آوى فقد نكح ، ومن أرجى فلم ينكح».

وفي رواية أخرى : ومن أرجى فقد طلق ، وفي كتاب مجمع البيان (2) «قال أبو جعفر وأبو عبد الله عليهما‌السلام : من أرجى لم ينكح ، ومن آوى فقد نكح».

وأنت خبير بأن ظاهر هذا الكلام أن الإرجاء عبارة عن الطلاق وعدم النكاح بالكلية ، وأن الإيواء هو إبقاءها على نكاحها وإمساكها ، وعلى هذا فلا تعلق لذلك بالقسم ، كما يظهر من لفظ الآية.

ومن الظاهر أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يفارق أحدا منهن بعد نزول هذه الآية بأن طلقها ولم ينكحها ، وإن جعل له ذلك ، لأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قد مات عن التسع وهن أزواجه ، وحينئذ فإنه لم يحصل ذلك ، وإن رخص له فيه.

والمحقق في الشرائع طعن في دلالة الآية المذكورة على ما قلناه ، قال : لأن في الآية احتمالا يدفع دلالتها ، إذ يحتمل أن يكون المشية في الإرجاء متعلقة بالواهبات ، وحاصله أنه كما يحتمل أن يكون المشية في الإرجاء والإيواء متعلقة بجميع نسائه ، يحتمل أن يكون المشية والإرجاء متعلقة بالواهبات أنفسهن ، فلا دلالة لها على التخيير مطلقا.

وما ذهب إليه المحقق المذكور يكون قولا ثالثا : وهو التفصيل بين من تزوجهن بالعقد فتجب القسمة لهن ، ومن تزوجهن بالهبة فلا تجب.

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 387 في ضمن حديث 1.

(2) مجمع البيان ج 4 ص 367.


والشارح (قدس‌سره) في المسالك قد رد هذا القول فقال وأطال ونعم ما قال : وفي هذا عندي نظر لأن ضمير الجمع المؤنث في قوله «تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ» واللفظ العام في قوله «وَمَنِ ابْتَغَيْتَ» لا يصح عوده للواهبات ، لأنه لم يتقدم ذكر الهبة إلا لامرأة واحدة ، وهي قوله (1) «وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها» ، فوحد ضمير الواهبة في مواضع من الآية ثم عقبه بقوله «تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ» فلا يحسن عوده إلى الواهبات إذ لم يسبق لهن ذكر على وجه الجمع ، بل إلى جميع الأزواج المذكورات في هذه الآية وهي قوله تعالى (2) «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمّا أَفاءَ اللهُ عَلَيْكَ وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللّاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ» الآية ، ثم عقبها بقوله «تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ» الآية ، وهذا ظاهر في عود ضمير النسوة المخير فيهن إلى ما سبق من أزواجه جمع.

وأيضا فإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يتزوج بالهبة إلا امرأة مؤمنة واحدة على ما ذكره المفسرون والمحدثون ، وهو المناسب لسياق الآية فكيف يجعل ضمير الجمع عائدا إلى الواهبات ، وليس له منهن إلا واحدة.

ثم لو تنزلنا وسلمنا جواز عوده إلى الواهبات لما جاز حمله عليه بمجرد الاحتمال مع وجود اللفظ العام الشامل لجميعهن ، وأيضا فإن غاية الهبة أن تزويجه صلى‌الله‌عليه‌وآله يصح بلفظ الهبة من جانب المرأة ومن الطرفين على ما مر من الخلاف وذلك لا يخرج الواهبة من أن تكون زوجة فيلحقها ما يلحق غيرها من أزواجه ، لا أنها تصير بسبب الهبة بمنزلة الأمة ، وحينئذ فتخصيص الحكم بالواهبات لا وجه له أصلا.

__________________

(1 و 2) سورة الأحزاب ـ آية 49 و 50.


وقد نظر بعض العلماء في أحكام تزويجه ومخالفته لغيره نظرا مع ما فيه أقرب مما ذكره المصنف ، فبنى الحكم بوجوب القسمة وعدمها ، على أن النكاح في حقه هل هو كالتسري في حقنا أم لا؟ من حيث النظر إلى عدم انحصار أزواجه في عدد ، وانعقاد نكاحه بلفظ الهبة ، وبغير ولي ولا شهود ، وفي الإحرام ـ كما نقل ـ أنه نكح ميمونة محرما ، وهذا يدل على الأول فلا يجب عليه القسمة ، وإن كان نكاحه على حقيقته وجبت ، والحق الرجوع في مثل ذلك إلى النص ، وترك ما هو عين النزاع ، أو مصادرة على المطلوب.

والذي يستفاد من ظاهر الآية عدم وجوب القسمة عليه مطلقا ، وفعله له جاز كونه بطريق التفضل والإنصاف وجبر القلوب ، كما قال الله تعالى (1) «ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ» والله أعلم. انتهى كلامه ، وعلت في الخلد أقدامه.

وهو جيد نفيس ، إلا أن ما نقله عن بعض العلماء ، الظاهر كونه من علماء العامة ، كما يشعر به عدا النكاح بغير ولي ولا شهود من المخالفات ، وكيف كان فهو خيال ضعيف ، وإن اعتمد عليه في الدلالة لما صار إليه.

بقي الكلام في قوله : والذي يستفاد من ظاهر الآية عدم وجوب القسمة عليه مطلقا ، وظاهره ترجيح القول الثاني من الأقوال الثلاثة المتقدمة.

وفيه أنه جيد ، بناء على التقريب الذي قدمنا ذكره في معنى الآية المتضمنة للتخيير بين الإرجاء والإيواء ، إلا أن ظاهر الروايات التي قدمنا ذكرها إن الإرجاء والإيواء إنما هو بمعنى الطلاق ، وعدم النكاح بالكلية ، وإخراجها عن الزوجية ، والإمساك بالعقد السابق ، ونكاحها وجعلها زوجة كما كانت.

قال الثقة الجليل علي بن إبراهيم القمي في تفسيره (2) : ثم أنزل الله تعالى

__________________

(1) سورة الأحزاب ـ آية 51.

(2) تفسير القمي ج 2 ص 192.


هذه الآية ، وهي آية التخيير فقال «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ ـ إلى قوله ـ أَجْراً عَظِيماً» فقامت أم سلمة وهي أول من قامت وقالت قد اخترت الله ورسوله فقمن كلهن فعانقنه وقلن مثل ذلك ، فأنزل الله عزوجل «تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ» فقال الصادق عليه‌السلام : من آوى فقد نكح ، ومن أرجى فقد طلق. انتهى.

وهو ظاهر كما ترى في أنه بعد أن اختر أن الله ورسوله خيره فيهن ، بين طلاق من يريد منهن ونكاح من يريد ، وحينئذ فلا تعلق للآية بالقسم المدعى في المقام بالكلية ، وبذلك يبقى الحكم في قالب الاشكال ، وثبت بذلك القول الأول من هذه الأقوال ، لعدم ثبوت ما ادعي في دليله من العموم على وجه يتناوله صلى‌الله‌عليه‌وآله كما لا يخفى على من راجعها. والله العالم.

الفائدة الخامسة عشر : المشهور في كلام الأصحاب جواز أكل ما ينثر في الأعراس من مأكول ، وهل يجوز أخذه واستصحابه مأكولا كان أو غيره؟ قالوا : نعم بشرط إذن أربابه نطقا أو بشاهد الحال ، وهل يملك بمجرد الأخذ أم لا ، أقوال : وتفصيل هذا الإجمال على وجه يتضح منه الحال يقع في مواضع.

الأول : أنه لا ريب في جواز نثر المال في الأعراس من مأكول وغيره كالجوز واللوز والسكر والزبيب والتمر والدراهم والدنانير ونحوها ، لأصالة الجواز ، ولما في ذلك من حصول السرور المطلوب في هذه المواضع ، وهل يوصف مع ثبوت الجواز بالمعنى الأعم بشي‌ء من الأحكام الخمسة؟ الظاهر العدم.

أما الوجوب فلا ريب في انتفائه لعدم دليل عليه ، وأما الاستحباب فكذلك أيضا ، لأنه حكم شرعي يتوقف على وجود دليل عليه ، وإن أثبته بعض العامة وحكم آخرون منهم بالكراهة ، لأنه يؤخذ باختلاس وانتهاب ، وهو يؤدي إلى الوحشة والعداوة ، ولأنه قد يأخذه غير من يحب صاحبه ، وفي إثبات الكراهة التي هي حكم شرعي بمثل هذه التعليلات نظر.


وبالجملة فالثابت الجواز وأما غيره من الأحكام فيحتاج إلى دليل واضح.

الثاني : في الأكل ، قالوا : إنه يجوز الأكل من هذه المنثور عملا بشاهد الحال المستمر في سائر الأعصار ما لم تعلم الكراهة ، ولأنه نوع إباحة ، فأشبه إباحة الطعام للضيفان بوضعه بين أيديهم.

وظاهر هذا الكلام هو أن المستند في الجواز استمرار الناس في سائر الأعصار على الأكل من هذا الذي ينثر عليهم ونثرة عليهم بمنزلة وضع الطعام بين يدي الضيفان ، وفيه ما ستعرف إن شاء الله تعالى.

الثالث : في الأخذ ، وقد صرحوا (رضوان الله عليهم) بأنه لا يجوز أخذه واستصحابه من غير أن يؤكل في محله ، إلا بإذن أربابه صريحا أو بشاهد الحال وحينئذ فالمرجع في ذلك إلى شاهد الحال ، فإن دل على المنع من أخذه امتنع قالوا : وذلك بأن يوضع على خوان وشبهه بين يدي الآكلين ولا يرمى رميا عاما فإن ذلك قرينة على إرادة ضبطه ، وقصر الاذن على الأكل.

أقول : لا ريب أن هذا الفرض موجب للخروج عن محل البحث ، وذلك فإنه لا يفهم من النثار إلا ما رمي رميا عاما ، ونثر على الحاضرين ، وأنهم كانوا ينتهبونه لا ما وضع في آنية مخصوصة بين يدي الآكلين ، كوضع الطعام بين يدي الضعيف ، فإن هذا لا يسمى نثارا (1) ولا يتعلق به حكم النثار ، كما هو ظاهر.

قالوا : ولو اشتبه الأمران ، بمعنى أنه لم يعلم بشاهد الحال الاذن ولا عدمه ، فظاهر المحق في الشرائع المنع من أخذه ، لأنه قال : ولا يجوز أخذه إلا بإذن أربابه نطقا أو بشاهد الحال ، ومفهومه جعل الجواز مشروطا بالاذن ، ولو بشاهد الحال ، وهو هنا غير حاصل فلا يجوز ، واستحسنه الشارح في المسالك أيضا ، قال : لأصالة المنع من التصرف في مال الغير ، خرج منه ما إذا استفيد الاذن فيبقى

__________________

(1) ويدل على ما ذكرنا ما في المصباح قال : نثرته نثرا من باب قتل وذهب رميته متفرقا انتهى. (منه ـ رحمه‌الله ـ).


الباقي ، وظاهر العلامة في التذكرة على ما نقله عنه في المسالك هو جواز الأخذ ما لم تعلم الكراهة.

قال : وقد روي (1) أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حضر في أملاك فأتي بإطباق عليها جوز ولوز وتمر ، فنثرت فقبضنا أيدينا ، فقال : ما لكم لا تأخذون. قالوا : لأنك نهينا عن النهب (2) ، فقال : إنما نهيتكم عن نهب العساكر ، خذوا على اسم الله تعالى فجاذبنا وجاذبناه.

أقول : والظاهر أنه إلى هذا الخبر استند العلامة فيما ذهب إليه من الجواز في الصورة المذكورة ، وإن كان عاميا ، وهو ظاهر في جواز انتهاب النثار بمجرد نثرة ، وهذا هو الذي جرت العادة به بين الناس ، ولكن أصحابنا قيدوا الجواز بما ذكروه ، لعدم قيام دليل عندهم على الحل بمجرد ذلك.

الرابع : في تملكه بعد الأخذ قالوا : حيث يجوز أخذه بأحد الوجوه المجوزة ، فهل يملكه الآخذ بمجرد الأخذ أم لا؟

قيل : بالأول اعتبارا بالعادة الدالة على إعراض المالك عنه ، فأشبه التقاط المباحات ، ونقل هذا القول عن العلامة في التذكرة ، وبه صرح المحقق في الشرائع.

وقيل : بالثاني وأن الأخذ إنما يفيد مجرد الإباحة ، لأصالة بقاء ملك مالكه عليه إلى أن يحصل سبب يقتضي النقل ، وما وقع إنما يعلم منه إفادة الإباحة ، قال في المختلف ـ وهذا هو الأقوى ـ قال : والفرق بينه وبين مباح الأصل واضح ، لأن ذلك لا ملك لأحد عليه ، فإثبات اليد عليه مع نية التملك كاف في تملكه. بخلاف المملوك إذا أبيح بالإذن ، فإن ذلك لا يخرج عن الملك ، وإثبات اليد المأذون له فيه ليس من الأسباب الناقلة للملك شرعا ، فيتمسك بالاستصحاب

__________________

(1) سنن البيهقي ج 7 ص 288 مع اختلاف يسير.

(2) قال في المصباح : والنهبة بالضم وزان غرفة ، والنهباء بزيادة الألف التأنيث اسم للمنهوب انتهى. (منه ـ رحمه‌الله ـ).


إلى أن يعلم المزيل. انتهى وهو جيد ،

وأنت خبير بأن الأصحاب لم ينقلوا هنا شيئا من الروايات المتعلقة بهذه المسألة ، مع أن الروايات موجودة في كتب الأخبار المتداولة بينهم.

والذي حضرني من ذلك ما رواه في الكافي والتهذيب عن إسحاق بن عمار (1) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الاملاك يكون والعرس فينثر على القوم ، فقال حرام ولكن ما أعطوك منه فخذ» كذا في الكافي وفي التهذيب «ولكن كل ما أعطوك منه».

وما رواه في التهذيب عن وهب (2) عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام قال : «قال علي عليه‌السلام : لا بأس بنثر الجوز والسكر» ، وفي التهذيبين «أن جواز النثر لا ينافي عدم جواز أخذ المنثور ونهبه». فلا ينافي الخبر المتقدم.

وما رواه في الكافي والفقيه عن علي بن جعفر (3) في الصحيح عن أخيه أبي الحسن عليه‌السلام قال : «سألته عن النثار من السكر واللوز وأشباهه يحل أكله؟ قال : يكره أكل ما انتهب».

وفي رواية الصدوق : «يكره أكل كل ما ينتهب» ، ورواه علي بن جعفر في كتابه انه قال : «يكره أكل النهب».

أقول : والكراهية هنا بمعنى التحريم ، كما هو شائع ذائع في الأخبار ، ولما كانت العادة في النثار في الأعراس هو رميه ونثره في المجلس ، وأن من عادتهم أنهم كانوا ينتهبونه ، كما يشير إليه قوله في صحيحة على بن جعفر «يكره أكل ما انتهب» بعد السؤال عن النثار ، وهكذا يشير إليه الحديث النبوي المتقدم وقوله فيه

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 123 ح 8 ، التهذيب ج 6 ص 370 ح 192.

(2) التهذيب ج 6 ص 370 ح 194.

(3) الكافي ج 5 ص 123 ح 7 ، الفقيه ج 3 ص 97 ح 21.

وهذه الروايات في الوسائل ج 12 ص 122 ح 4 و 5 وص 121 ح 2.


«وجاذبنا وجاذبناه» خرجت هذه الأخبار بتحريم الأخذ ، لاستفاضة الأخبار بتحريم النهبة والأخذ على هذه الكيفية ، وأصحابنا (رضوان الله عليهم) لعدم الوقوف على هذه الاخبار واعتمادهم على ما رواه في كتب العامة في هذه المسألة استنكروا جعل المواضع منها لخروجه عن مقتضى القواعد الشرعية ، وقيدوها بقيود خارجة كما تقدمت الإشارة إليها.

ونحن نوضح ما في بعض كلامهم المتقدم ، فمن ذلك قولهم في الموضع الثاني بجواز الأكل عملا بشاهد الحال ـ إلى آخره ـ فإن فيه أن الأخبار كما ترى صريحة في تحريم ذلك إلا أن يعطى بخصوصه.

وأما دعوى شهادة الحال وأنها مستمرة في جميع الأعصار لجواز الأكل ما لم يعلم الكراهة.

ففيه : أولا : أن صريح رواية إسحاق بن عمار التحريم كما عرفت ، فهذه الدعوى في مقابلتهما غير مسموعة.

وثانيا : أنك قد عرفت أن العادة في النثار هو الأخذ والأكل على جهة النهبة ، وقد علم تحريم النهبة بالأدلة الصحيحة ، وحينئذ فإن أريد بهذه الدعوى هو الجواز ، وإن كان بطريق النهبة ، فضعفها أظهر من أن ينكر ، وإن أريد لا مع النهبة فهو خروج عن موضوع المسألة كما عرفت ، ومن ذلك قولهم في الموضع الثالث بجواز الأخذ بشاهد الحال ، فإن شاهد الحال الذي ذكروه موجب للخروج عن محل المسألة كما تقدم بيانه ، فالقول بالتحريم في المسألة هو الأقوى لما عرفت في الأكل ، فكذا في الأخذ ، وأما ما صار إليه العلامة مع اشتباه الحال من الجواز إلا أن تعلم الكراهة ، فهو ضعيف مردود بالأخبار التي ذكرناها ، وإن دل على ما ذكره الخبر العامي الذي أورده.

وأما ما ذكروه في الموضع الرابع من التملك بمجرد الأخذ حيث يجوز الأخذ


وعدمه ، فقد عرفت من الأخبار التي تلوناها أنه لا يجوز الأخذ إلا أن يعطي بخصوصه ، فإنه يجوز له ، وحينئذ فهل يملكه بمجرد ذلك أم لا؟ المشهور بينهم الثاني.

ومما فرعوا على ذلك ، جواز رجوع المالك فيه ما دامت عينه باقية في يد الآخذ على القول المشهور ، فلو أتلفه بالأكل أو البيع أو نحو ذلك ، زال ملك المالك عنه ، والذي اخترناه في بعض المباحث المتقدمة في جلد المعاملات هو الأول ، وأنه يملكه بمجرد الأخذ ، ومن ذلك الهدايا ونحوها.

ثم إنه بعد الوصول إلى هذا الموضع وقفت على خبر في كتاب البحار نقلا عن الأمالي (1) روى فيه عن الحسين بن أبي العلاء في الحسن عن الصادق عليه وعلى آبائه السلام قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام دخلت أم أيمن على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفي ملحفتها شي‌ء. فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما معك يا أم أيمن؟ فقالت : فلانة أملكوها ، فنثروا عليها ، فأخذت من نثارها ، ثم بكت أم أيمن وقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة زوجتها ولم تنثر عليها شيئا فقال رسول الله : يا أم أيمن لم تكذبين فإن الله عزوجل لما زوجت فاطمة عليا عليه‌السلام أمر أشجار الجنة أن تنثر عليهم من حليها وحللها ، وياقوتها ودرها وزمردها وإستبرقها فأخذوا منها ما لا يعلمون» الحديث.

وربما ظهر من هذا الخبر أن النثار سنة وتقريره (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أم أيمن على ما أخذته من النثار ظاهر في حله ، ويمكن على هذا أن يقال في الجمع بين هذا الخبر وبينما تقدم من الأخبار ، أنه إن أخذ النثار على جهة الانتهاب من غير أن يعلم بشاهد الحال والإباحة والاذن في أخذه فهو محرم ، كما دلت عليه الأخبار المتقدمة ، وإليه يشير قوله في صحيحة علي بن جعفر «يكره كل ما انتهب» ، وإن أخذ مع العلم بالاذن والإباحة في أخذه فهو حلال ، وعليه يحمل هذا الخبر ، فيكون فيه دليل على ما قدمنا نقله عن الأصحاب ، والله العالم.

__________________

(1) مستدرك الوسائل ج 2 ص 436 ب 30 ح 1 ، أمالي الصدوق في المجلس 48 ح 3.


الفائدة السادسة عشر : في جملة من حقوق الزوج على امرأته ، وحقوقها عليه روى في الكافي عن محمد بن مسلم (1) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : جاءت امرأة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت : يا رسول الله ما حق الزوج على المرأة؟ فقال لها : أن تطيعه ولا تعصيه ولا تصدق من بيته إلا بإذنه ، ولا تصوم تطوعا إلا بإذنه ، ولا تمنعه نفسها وإن كانت على ظهر قتب ، ولا تخرج من بيتها إلا بإذنه ، وإن خرجت بغير إذنه لعنتها ملائكة السموات وملائكة الأرض ، وملائكة الغضب ، وملائكة الرحمة ، حتى ترجع إلى بيتها ، فقالت : يا رسول الله من أعظم الناس حقا على الرجل؟ قال : والده قالت : فمن أعظم الناس حقا على المرأة؟ قال : زوجها ، قالت : فما لي عليه من الحق مثل ما له علي؟ قال : لا ، ولا من كل مائة واحدة ، فقالت : والذي بعثك بالحق لا يملك رقبتي رجل أبدا».

وعن عمر بن جبير العزرمي (2) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «جاءت امرأة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت : يا رسول الله ما حق الزوج على المرأة؟ فقال : أكثر من ذلك ، قالت : فخبرني عن شي‌ء منه ، فقال : ليس لها أن تصوم إلا بإذنه ـ يعني تطوعا ـ ، ولا تخرج من بيتها إلا بإذنه ، وعليها أن تتطيب بأطيب طيبها ، وتلبس بأحسن ثيابها ، وتزين بأحسن زينتها ، وتعرض نفسها عليه غدوة وعشية ، وأكثر من ذلك حقوقه عليها».

أقول : إطلاق هذين الخبرين من حيث المنع من الصوم إلا بإذنه ، شامل لما لو كان الزوج حاضرا أو غائبا ، ويحتمل التخصيص بالحضور ، نظرا إلى أن العلة في المنع إنما هو من حيث منافاته للنكاح متى أراده ، وهذه العلة منتفية بالغيبة ، والظاهر الأول عملا بالإطلاق.

__________________

(1 و 2) الكافي ج 5 ص 506 ح 1 وص 508 ح 7 ، الوسائل ج 14 ص 111 ح 1 وص 112 ح 2.


وعن أبي بصير (1) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «أتت امرأة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت : ما حق الزوج على المرأة فقال : أن تجيبه إلى حاجته وإن كانت على ظهر قتب ، ولا تعطي شيئا إلا بإذنه ، فإن فعلت فعليها الوزر ، وله الأجر ، ولا تبيت ليلة وهو عليها ساخط ، فقالت ، يا رسول الله وإن كان ظالما ، قال : نعم ، قالت : والذي بعثك بالحق لا تزوجت زوجا أبدا».

وعن سعد بن أبي عمر والجلاب (2) قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : أيما امرأة باتت وزوجها عليها ساخط في حق ، لم تقبل لها صلاته حتى يرضى عنها ، وأيما امرأة تطيبت لغير زوجها لم تقبل منها صلاة حتى تغتسل من طيبها كغسلها من جنابتها».

وعن عبد الله بن سنان (3) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إن رجلا من الأنصار على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خرج في بعض حوائجه فعهد إلى امرأته عهدا أن لا تخرج من بيتها حتى يقدم ، قال : وإن أباها مرض فبعثت المرأة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت : إن زوجي خرج وعهد إلى أن لا أخرج من بيتي حتى يقدم ، قالت : وإن أبي قد مرض ، فتأمرني أن أعوده ، فقال : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا اجلسي في بيتك وأطيعي زوجك ، قال : فثقل ، فأرسلت إليه ثانيا بذلك ، قالت : فتأمرني أن أعوده؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : اجلسي في بيتك وأطيعي زوجك ، قال فمات أبوها فبعثت إليه إن أبي قد مات فتأمرني أن أصلي عليه؟ فقال : لا اجلسي في بيتك وأطيعي زوجك ، قال : فدفن الرجل فبعث إليها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إن الله تعالى قد غفر لك ولأبيك بطاعتك لزوجك».

وعن جابر الجعفي (4) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم النحر إلى ظهر المدينة على جمل عاري الجسم ، فمر بالنساء فوقف عليهن ثم قال : يا معاشر

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) الكافي ج 5 ص 508 ح 8 وص 507 ح 2 وص 513 ح 1 وص 514 ح 3 ، الوسائل ج 14 ص 112 ح 3 وص 113 ح 1 وص 125 ح 1 وص 126 ح 3.


النساء تصدقن وأطعن أزواجكن ، فإن أكثر كن في النار ، فلما سمعن ذلك بكين ، ثم قامت إليه امرأة منهن فقالت : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في النار مع الكفار؟ والله ما نحن بكفار فنكون من أهل النار ، فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنكن كافرات بحق أزواجكن».

وعن أبي بصير (1) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : خطب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله النساء فقال : يا معاشر النساء تصدقن ولو من حليكن ولو بتمرة ولو بشق تمرة فإن أكثر كن حطب جهنم ، وإنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشيرة. فقالت امرأة من بني سليم لها عقل : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أليس نحن الأمهات الحاملات المرضعات؟ أليس منا البنات المقيمات والأخوات المشفقات؟ فرق لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : حاملات والوالدات مرضعات رحيمات ، لو لا ما يأتين إلى بعولتهن ، ما دخلت مصلية منهن النار».

وعن سليمان بن خالد (2) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إن قوما أتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا : يا رسول الله إنا رأينا أناسا يسجدون بعضهم لبعض ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد ، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها».

وعن أبي بصير (3) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للنساء : لا تطولن صلاتكن لتمنعن أزواجكن».

إلى غير ذلك من الأخبار الجارية على هذا المنوال ، وظاهرها وجوب تلك الحقوق المذكورة في الخبر الأول عليها وأنها تؤاخذ بتركها لتكرر الأمر بها متفرقة في الأخبار ، نعم مثل التطيب ولبس أحسن الثياب وإظهار الزينة ، الظاهر أنه من المستحبات المؤكدة عليها.

__________________

(1 و 2 و 3) الكافي ج 5 ص 513 ح 2 وص 507 ح 6 وص 508 ح 1. الوسائل ج 14 ص 125 ح 2 وص 115 ح 1 وص 117 ح 1.


وأما ما يتضمن حقوقها عليه ، فمن ذلك ما رواه في الكافي في الموثق عن إسحاق بن عمار (1) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما حق المرأة على زوجها الذي إذا فعله كان محسنا؟ «قال يشبعها ، ويكسوها ، وإن جهلت غفر لها».

ورواه في الفقيه عن إسحاق بن عمار (2) قال : «سأل إسحاق بن عمار أبا عبد الله عليه‌السلام عن حق المرأة على زوجها؟ قال : يشبع بطنها ويكسو جسدها وإن جهلت غفر لها».

أقول : الأولان واجبان ، والثالث مستحب ، ويفصح عنه ما ورد في الفقيه مرسلا (3) قال : «وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : كانت لأبي عليه‌السلام امرأة وكانت تؤذيه فكان يغفر لها».

وروى في الكافي عن عمرو بن جبير العزرمي (4) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «جاءت امرأة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسألته عن حق الزوج على المرأة فخبرها ، ثم قالت : فما حقها عليه؟ قال : يكسوها من العرى ويطعمها من الجوع وإن أذنبت غفر لها ، فقالت : فليس لها عليه شي‌ء غير هذا؟ قال : لا ، قالت : لا والله لا تزوجت أبدا ثم ولت ، فقال النبي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ارجعي فرجعت ، فقال لها : إن الله عزوجل يقول : (وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ)».

أقول : لا يخفى ما في عجز الخبر المذكور من الإشكال ، فإن هذه الآية إنما ذكرت في سياق ذكر القواعد من النساء ، وهو قوله (5) «وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ».

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 510 ح 1.

(2 و 3) الفقيه ج 3 ص 279 ح 2 و 4.

(4) الكافي ج 5 ص 511 ح 2.

وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 121 ح 1 وج 15 ص 223 ح 3 وج 14 ص 118 ح 3.

(5) سورة النور ـ آية 60.


وقد فسر الاستعفاف في الأخبار بلبس الجلابيب ، فظاهر هذا الخبر تفسيره بالتزويج ، وهو بمراحل من البعد عن سياق الآية.

وما رواه في الكافي عن روح بن عبد الرحيم (1) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : قول الله عزوجل (2) «وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّا آتاهُ اللهُ» قال : إذا أنفق عليها ما يقيم ظهرها مع كسوة ، وإلا فرق بينهما».

وما رواه في الفقيه عن عاصم بن حميد عن أبي بصير (3) في الصحيح قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : من كانت عنده امرأة فلم يكسها ما يوارى عورتها ويطعمها ما يقيم صلبها ، كان حقا على الإمام أن يفرق بينهما».

أقول : يجب حمله على ما إذا كان قادرا على النفقة متمكنا منها ، لما يدل عليه الخبر الآتي :

وروي في التهذيب عن السكوني (4) عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليهم‌السلام «إن امرأة استعدت على زوجها أنه لا ينفق عليها ، وكان زوجها معسرا ، فأبى علي عليه‌السلام أن يحبسه وقال إن مع العسر يسرا».

وروى في الكافي عن جميل (5) بن دراج (6) في الصحيح أو الحسن قال : «لا يجبر

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 512 ح 7 ، الوسائل ج 15 ص 224 ح 6.

(2) سورة الطلاق ـ آية 7.

(3) الفقيه ج 3 ص 279 ح 5 ، الوسائل ج 15 ص 223 ح 2.

(4) التهذيب ج 6 ص 299 ح 44 ، الوسائل ج 13 ص 148 ح 2.

(5) أقول : خبر جميل هذا قد رواه المشايخ الثلاثة في موضع آخر بأسانيد متعددة فيها الصحيح وغيره عن جميل عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما‌السلام أنه قال : لا يجبر الرجل الا على نفقة الأبوين والولد ، قال : قلت لجميل : فالمرأة؟ قال : روى أصحابنا «وفي الكافي وهو عنبسة بن مصعب وسورة بن كليب ، ثم اشترك الجميع عن أحدهما عليهما‌السلام أنه إذا كساها ما يوارى عورتها وأطعمها ما يقيم صلبها أقامت معه وإلا طلقها». الحديث (منه ـ قدس‌سره ـ).

(6) الكافي ج 5 ص 512 ح 8 ، التهذيب ج 6 ص 293 ح 22 ، رواه عن أحدهما عليهما‌السلام الوسائل ج 15 224 ح 4.


الرجل إلا على نفقة الأبوين والولد ، قال ابن أبي عمير : قلت لجميل : والمرأة؟ قال : قد روى عنبسة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إذا كساها ما يواري عورتها ويطعمها ما يقيم صلبها أقامت معه وإلا طلقها».

أقول : حاصل معنى الخبر أنه يجبر على نفقة العمودين ، وأما الزوجة فإنه يخير بين الأمرين ، إما القيام بها ، وإما طلاقها فيجبر على أحدهما فلو امتنع من الإنفاق بعد إلزام الحاكم بذلك جبره على الطلاق ، فإن طلق ، وإلا طلقها الحاكم كما يدل عليه قوله «كان حقا على الامام أن يفرق بينهما». ومثله قوله في الخبر الآخر «وإلا فرق بينهما».

وروى في الكافي عن سفيان بن عيينة (1) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : أنا أولى بكل مؤمن من نفسه ، وعلي عليه‌السلام أولى به من بعدي ، فقيل له : ما معنى ذلك؟ فقال : قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من ترك دينا أو ضياعا فعلي ، ومن ترك مالا فلورثته ، فالرجل ليست له على نفسه ولاية إذا لم يكن له مال ، وليس له على عياله أمر ولا نهي ، إذا لم يجر عليهم النفقة ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين عليه‌السلام ومن بعدهما ألزمهم هذا ، فمن هناك صاروا أولى بهم من أنفسهم ، وما كان سبب إسلام عامة اليهود إلا من بعد هذا القول من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنهم آمنوا على أنفسهم وعيالاتهم».

أقول : والضياع ـ بالفتح ـ العيال ، وهذا الخبر ظاهر في أنه متى لم ينفق على عياله ، فإنه لا يجب عليهم امتثال أمره ونهيه ، وظاهره شمول الحكم للقادر والعاجز ، كما يشير إليه قوله «فالرجل ليس له ولاية على نفسه إذا لم يكن له مال» بمعنى أنه لعدم إنفاقه على نفسه ، وإنما ينفق عليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو القائم مقامه ، وأنه لا ولاية له عليها ، لأن الولاية لولي النعمة وهو مشكل إلا أن يخص

__________________

(1) أصول الكافي ج 1 ص 406 ح 6 طبع طهران ، مستدرك الوسائل ج 2 ص 490 باب 9 ح 2 و 3.


الحكم بالعاجز عن الإنفاق على عياله ، وهو أيضا لا يخلو من إشكال ، ولا يحضرني الآن كلام لأحد من أصحابنا رضوان الله عليهم. والله العالم.

الفائدة السابعة عشر : في جملة من مستحبات الباه ومناهيه زيادة على ما تقدم ، فمن الأول استحباب صلاة ركعتين عند إرادة التزويج وقد تقدم الكلام في ذلك في الفائدة السادسة ، وكذا استحباب الوليمة والإشهاد والخطبة أمام العقد ، وقد تقدم ثمة.

وبقي هنا أشياء منها : استحباب صلاة ركعتين والدعاء بعدهما وقت الدخول بها.

روي في الكافي عن أبي بصير (1) قال : «سمعت رجلا وهو يقول لأبي جعفر عليه‌السلام جعلت فداك إني رجل قد أسننت ، وقد تزوجت امرأة بكرا صغيرة ولم أدخل بها ، وأنا أخاف إذا دخلت على فراشي أن تكرهني لخضابي وكبري ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : إذا دخلت عليك إن شاء الله فمرها قبل أن تصل إليك أن تكون متوضئة ، ثم أنت لا تصل إليها حتى تتوضأ وصل ركعتين ، ثم مجد الله وصل على محمد وآل محمد ثم ادع الله ومر من معها أن يؤمنوا على دعائك وقل : اللهم ارزقني إلفها وودها ورضاها وأرضني بها واجمع بيننا بأحسن اجتماع وآنس ائتلاف ، فإنك تحب الحلال وتكره الحرام ، ثم قال : واعلم أن الالف من الله والفرك (2) من الشيطان ليكره ما أحل الله عزوجل».

أقول : الفرك بغض أحد الزوجين الآخر.

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 500 ح 1 ، الوسائل ج 14 ص 81 ح 1.

(2) قال في القاموس : الفرك بالكسر وفتح الراء : البغضة عامة كالفروك والفركان بضمتين مشددة الكاف أو خاص ببغضه الزوجين. انتهى (منه ـ قدس‌سره ـ).


وعن أبي بصير (1) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا دخلت بأهلك فخذ بناصيتها واستقبل القبلة وقل : اللهم بأمانتك أخذتها وبكلماتك استحللتها (2) فإن قضيت لي منها ولدا فاجعله مباركا تقيا من شيعة آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا تجعل للشيطان فيه شركا ولا نصيبا».

وعن أبي بصير (3) قال : «قال لي أبو جعفر عليه‌السلام : إذا تزوج أحدكم كيف يصنع؟ قلت : لا أدري ، قال : إذا هم بذلك فليصل ركعتين» الحديث ، كما تقدم في الفائدة السادسة ، ثم قال عليه‌السلام : «فإذا دخلت إليه فليضع يده على ناصيتها وليقل اللهم على كتابك تزوجتها وفي أمانتك أخذتها وبكلماتك استحللت فرجها فإن قضيت لي في رحمها شيئا فاجعله مسلما سويا ، ولا تجعله شرك شيطان قال : قلت وكيف يكون شرك شيطان؟ قال : إن ذكر اسم الله تنحى الشيطان ، وإن فعل ولم يسم أدخل ذكره وكان العمل منهما جميعا ، والنطفة واحدة».

ورواه الشيخ في التهذيب عن أبي بصير (4) الحديث بأدنى تفاوت ، وفيه «قلت : فبأي شي‌ء يعرف هذا جعلت فداك؟ قال بحبنا وبغضنا».

وعن الميثمي (5) رفعه قال : «أتى رجل إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال له : إني تزوجت فادع الله لي ، فقال عليه‌السلام : قل : اللهم بكلماتك استحللتها ، وبأمانتك أخذتها ، اللهم اجعلها ولودا ودودا لا تفرك ، تأكل مما راح ، ولا تسأل عما سرح».

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 500 ح 2 ، الوسائل ج 14 ص 81 ح 2.

(2) قال الصدوق في معاني الأخبار بعد أن نقل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله «أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمات الله» : فأما الامانة فهي التي أخذ الله عزوجل على آدم حين زوجه حواء ، وأما الكلمات التي شرط الله عزوجل بها على آدم أن يعبده ولا يشرك به شيئا ولا يزني ولا يتخذ من دونه وليا. (منه ـ رحمه‌الله ـ).

(3) الكافي ج 5 ص 501 ح 3 ، الوسائل ج 14 ص 79 ح 1.

(4) التهذيب ج 7 ص 407 ح 1. الوسائل نفس المصدر السابق.

(5) الكافي ج 5 ص 501 ح 4 ، الوسائل ج 14 ص 81 ح 3.


قال في الوافي : كان المراد تأكل مما جاء وحصل عندها بالعشي كائنا ما كان ولا تسأل عما ذهب وغاب عنها وهذا قريب من معنى رواح الماشية وسراحها ، كما قال الله عزوجل (1) «حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ».

وقال بعض مشايخنا المحدثين : لعله كناية عن قناعتها بما يأتي به زوجها ، وعدم التفتيش عما أعطاه غيرها ، ويمكن أن يكون المراد حقيقة ، أي ترضى بلبن الأنعام بعد الرجوع من المرعى ، ولا تسأل عما كان في ضرعها عند السرح. انتهى.

أقول : والأقرب هو المعنى الأول من هذين المعنيين.

وعن أبي بصير (2) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : يا أبا محمد أي شي‌ء يقول الرجل منكم إذا دخلت عليه امرأته؟ قلت : جعلت فداك أيستطيع الرجل أن يقول شيئا؟ فقال : ألا أعلمك ما تقول؟ قلت : بلى ، قال : تقول : بكلمات الله استحللت فرجها وفي أمانة الله أخذتها ، اللهم إن قضيت لي في رحمها شيئا فاجعله بارا تقيا واجعله مسلما سويا ، ولا تجعل فيه شركا للشيطان ، قلت : وبأي شي‌ء يعرف ذلك (3) قال : أما تقرأ كتاب الله عزوجل ، ثم ابتدأ هو (4) ـ (وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ) ـ ثم قال : إن الشيطان ليجي‌ء حتى يقعد من المرأة كما يعقد الرجل منها ، ويحدث كما يحدث ، وينكح كما ينكح ، قلت بأي شي‌ء يعرف ذلك؟ قال : بحبنا وبغضنا ، فمن أحبنا كان نطفة العبد ، ومن أبعضنا كان نطفة الشيطان».

وعن أبي بصير (5) قال : «قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام يا أبا محمد إذا أتيت أهلك فأي

__________________

(1) سورة النحل ـ آية 6.

(2) الكافي ج 5 ص 502 ح 2 ، الوسائل ج 14 ص 96 ح 2.

(3) الظاهر أنه لا يخلو من غلط لان الظاهر أن السؤال انما هو عن الدليل على كون الولد يكون شرك شيطان فأجاب بالآية ، والسؤال عن العلامة وما تضمنه قوله في آخر الخبر بأنه يعرف بحبنا وبغضنا فهو معنى الصحيح الظاهر من الخبر بعده. (منه ـ رحمه‌الله ـ).

(4) سورة الإسراء ـ آية 64.

(5) الكافي ج 5 ص 503 ح 5 ، الوسائل ج 14 ص 97 ح 5.


شي‌ء تقول؟ قال : قلت : جعلت فداك وأطيق أن أقول شيئا؟ قال : بلى قل : «اللهم بكلماتك استحللت فرجها وبأمانتك أخذتها فإن قضيت في رحمها شيئا فاجعله تقيا زكيا ، ولا تجعل للشيطان فيه شركا ، قال : قلت : جعلت فداك ويكون فيه شرك للشيطان؟ قال : نعم ، أما تسمع قول الله عزوجل في كتابه (1) «وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ» وأن الشيطان يجي‌ء فيقعد كما يقعد الرجل ، وينزل كما ينزل الرجل ، قال : قلت بأي شي‌ء يعرف ذلك؟ قال : بحبنا وبغضنا».

وعن هشام بن سالم (2) في الصحيح «عن أبي عبد الله عليه‌السلام في النطفتين اللتين للآدمي والشيطان إذا اشتركا؟ فقال : أبو عبد الله عليه‌السلام ربما خلق من إحداهما ، وربما خلق منهما جميعا».

وعن البرقي (3) عن علي عن عمه قال : «كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام جالسا فذكر شرك الشيطان فعظمه حتى أفزعني ، قلت : جعلت فداك فما المخرج عن ذلك؟ قال : إذا أردت الجماع فقل : بسم الله الرحمن الرحيم الذي لا إله إلا هو بديع السموات والأرض ، اللهم إن قضيت مني في هذه الليلة خليفة ، فلا تجعل للشيطان فيه شركا ولا نصيبا ولا حظا ، واجعله مؤمنا مخلصا مصفى من الشيطان ورجزه ، جل ثنائك».

وعن الحلبي (4) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام في الرجل إذا أتى أهله فخشي أن يشاركه الشيطان ، قال : يقول : بسم الله ويتعوذ بالله من الشيطان».

أقول : وفي هذه الأخبار فوائد ينبغي التنبيه عليها والنظر إليها :

الاولى : لا يخفى أن ما دل عليه الخبر الأول من استحباب صلاة ركعتين

__________________

(1) سورة الإسراء ـ آية 64.

(2) الكافي ج 5 ص 503 ح 6.

(3) الكافي ج 5 ص 503 ح 4 ، الوسائل ج 14 ص 96 ح 4.

(4) الكافي ج 5 ص 502 ح 1 ، الوسائل ج 14 ص 96 ح 1.


للرجل وكذا للمرأة في وقت الدخول هو مستند الأصحاب فيما ذكروه من الاستحباب هنا كذلك ، وأنت خبير بأن مورد الخبر وصريحه إنما هو بالنسبة إلى المسن الذي قد تزوج امرأة صغيرة بكرا ، وخاف منها البغض له ، والنفور عنه فأمره الإمام عليه‌السلام بما تضمنه الخبر من الصلاة منهما معا والدعاء والتأمين حسبما عرفت ، والأصحاب قد صرحوا بالاستحباب مطلقا من غير النظر إلى هذه الخصوصيات التي اشتمل عليها الخبر ، وهو مشكل ، إذ الخبر يتضمن الصلاة في هذه الحال ، وغير هذا الخبر وخبر أبو بصير المتضمن لاستحباب صلاة الركعتين إذا هم بالتزويج ، إنما تضمن في وقت الدخول الدعاء خاصة كغيره ، كما تقدم ذكره هنا ، وجملة أخبار المسألة إنما تضمنت الدعاء خاصة ، ولا وجود للصلاة في شي‌ء منها على كثرتها وتعددها وما وجد فيه الصلاة فقد عرفت أنه مقيد بقيود زائدة على ما يدعونه ، فالحكم بالاستحباب مطلقا كما يدعونه لا يخلو من الاشكال؟ ولم أر من تنبه لما ذكرناه في هذه الحال.

الثانية : ما تضمنته هذه الأخبار من أنه إذا لم يسم الله عزوجل ويذكره وقت الجماع ، أدخل الشيطان ذكره معه وصار الولد إن اتفق شرك شيطان ، وأنه يعرف ذلك بحبهم عليهم‌السلام وبغضهم عليهم‌السلام لا يخلو من الإشكال ، لأن من الظاهر بل ربما يقطع به أن كثيرا من الشيعة ربما جامعوا عمدا أو سهوا أو جهلا ولم يذكروا اسم الله عزوجل ، بل الظاهر أن أكثر عامة الناس على ذلك ، مع أن أولادهم في التشيع والمحبة لأهل البيت عليهم‌السلام في الغاية والنهاية ، وإن اتفق لهم الفسق في شي‌ء من أعمالهم.

ويمكن أن يقال : في التفصي من هذا الإشكال : بأنه لا ريب أنه مع عدم التسمية فإن الشيطان يدخل ذكره ويمني مع ذلك الرجل ، إلا أن الرجل متى كان مؤمنا فإن الولد إنما يخلق من نطفة الرجل خاصة ، فلا يكون للشيطان فيه نصيب ، وإن كان مخالفا خلق الولد من النطفتين معا أو من نطفة الشيطان بخصوصه وبذلك يكون الولد مبغضا لهم عليهم‌السلام ، ويتفاوت البغض شدة وضعفا بالخلق من


النطفتين فيكون أضعف ، أو من نطفة خاصة فيكون أشد.

ويشير إلى ما ذكرنا من التفصيل في النطف صحيح هشام بن الحكم المتقدم ، ولعل الإجمال منهم عليهم‌السلام في هذه الأخبار أوجب ما ذكرناه من الاشكال ، لقصد الزجر والردع لشيعتهم عن التهاون بالتسمية والدعاء في هذه الحال.

الثالثة : الظاهر من اختلاف هذه الأدعية المذكورة طولا وقصرا وزيادة ونقصانا وتغاير ألفاظها هو الاكتفاء بما يصدق به الذكر والتسمية ، والدعاء بمعنى المذكور فيها وإن لم يكن بهذه الألفاظ ، ويشير إليه قوله في رواية الحلبي الأخيرة يقول : «بسم الله ويتعوذ من الشيطان» وجميع ما ذكر من الأذكار والأدعية في الأخبار محمول على الفضل والاستحباب.

ومن الأول أيضا المداعبة والملاعبة قبل الجماع ، فروى الصدوق مرسلا (1) قال : «قال الصادق عليه‌السلام : إن أحدكم ليأتي أهله فتخرج من تحته فلو أصابت زنجيا لتشبثت به ، فإذا أتى أحدكم فليكن بينهما ملاعبة ، فإنه أطيب للأمر».

وروى في الكافي عن القداح (2) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا جامع أحدكم فلا يأتيهن كما يأتي الطير ، ليمكث وليلبث» قال بعضهم : وليتلبث.

وعن السكوني (3) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا أراد أحدكم أن يأتي أهله فلا يعجلها».

وعن أبي بصير (4) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «ليس شي‌ء تحضره الملائكة إلا الرهان ، وملاعبة الرجل أهله».

وعن علي بن إسماعيل (5) رفعه قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كل لهو المؤمن باطل إلا في ثلاث : في تأديبه الفرس ، ورميه عن قوسه ، وملاعبته امرأته ، فإنهن حق».

__________________

(1) الفقيه ج 3 ص 364 ح 21.

(2 و 3 و 4 و 5) الكافي ج 5 ص 497 ح 2 وص 567 ح 48 عن مسمع وو ص 554 ح 1 وص 50 ح 13.

وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 82 ح 3 و 1 و 2 وص 83 ح 1 و 2.


وروى في كتاب قرب الاسناد عن أبي البختري (1) عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ثلاثة من الجفاء : أن يصحب الرجل فلا يسأله عن اسمه وكنيته ، وأن يدعى الرجل إلى طعام فلا يجيب ، وأن يجيب فلا يأكل ، ومواقعة الرجل أهله قبل المداعبة».

ومن الثاني : وهو ما يتعلق بالمناهي ما تقدم من النهي عن التزويج والقمر في برج العقرب وفي محاق الشهر وفي الأيام السبعة التي هي نحس كل شهر وليلة الأربعاء وقد تقدم ذكرها وذكر الأخبار الدالة على ذلك.

بقي هنا أشياء أخر وإن لم تختص بالتزويج ، بل موردها الجماع مطلقا ،

فمن ذلك : ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن إلى عبد الرحمن بن سالم (2) عن أبيه عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «قلت له : هل يكره الجماع في وقت من الأوقات وإن كان حلالا؟ قال : نعم ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس (3) ، ومن مغيب الشمس إلى مغيب الشفق ، وفي اليوم الذي تنكسف فيه الشمس ، وفي الليلة التي ينخسف فيها القمر ، وفي الليلة وفي اليوم اللذين يكون فيهما الريح السوداء والريح الحمراء والريح الصفراء ، واليوم والليلة اللذين يكون فيهما الزلزلة ، ولقد بات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عند بعض.

__________________

(1) قرب الاسناد ص 74.

(2) الكافي ج 5 ص 498 ح 1.

وهما في الوسائل ج 14 ص 83 ح 3 وص 88 ح 1.

(3) أقول : روى الصدوق في الفقيه عن عبد الله بن على الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : انى أكره الجنابة حين تصفر الشمس وحين تطلع وهي صفراء. أقول : وعلى هذا فينبغي أن يحمل الخبر المذكور في الأصل من قوله «ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس» أى طلوعها وزوال الصفرة عنها بمعنى الكامل ، وقوله «من مغيب الشمس» أي أخذها في المغيب بالاصفرار أولا حسبما دل عليه هذا الخبر. (منه ـ قدس‌سره ـ). عثرنا على هذه الرواية مرسلا فقط في الفقيه ج 1 ص 47 ح 5 ، وفي الوسائل ج 14 ص 99 ح 2 مسندا ، أما في الفقيه ج 3 ص 255 ح 4 كلمة «تكره» بدل «انى أكره» مرسلا أيضا.


أزواجه في ليلة انكسف فيها القمر ، فلم يكن منه في تلك الليلة ما كان يكون منه في غيرها حتى أصبح ، فقالت له : يا رسول الله ألبغض كان منك في هذه الليلة؟ قال : لا ، ولكن هذه الآية ظهرت في هذه الليلة فكرهت أن أتلذذ وألهو فيها ، وقد عيرها الله أقواما فقال عزوجل في كتابه (1) (إِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ فَذَرْهُمْ حَتّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ) ـ ثم قال أبو جعفر عليه‌السلام : وأيم الله لا يجامع أحد في هذه الأوقات التي نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عنها ، وقد انتهى إليه الخبر ، فيرزق ولدا فيرى في ولده ذلك ما يحب».

وعن سليمان بن جعفر الجعفري (2) عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام قال : «من أتى أهله في محاق الشهر فليسلم لسقط الولد».

أقول : ويستفاد من هذا الخبر أن الليلة الأخيرة يجتمع فيها كراهتان إحداهما من جهة المحاق كما تضمنه هذا الخبر ، والثانية من حيث كونها آخر الشهر كما في الأخبار الآتية ، فتأكد الكراهة فيها.

ومقتضى التعليل بسقط الولد ، أن المنع عن ذلك إنما هو في جماع يمكن حصول الولد منه ، فلو لم يكن كذلك كجماع الحامل واليائس احتمل قويا عدم الكراهة ، إلا أن يقال : إن علل الشرع ليست عللا حقيقية ، يدور المعلول معها وجودا وعدما ، وإنما هي معرفات ، فيكفي وجودها في بعض الأفراد ، وهذا هو الأقوى.

وعن محمد بن خالد البرقي (3) عن أبيه عمن ذكره عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام عن أبيه عن جده عليهم‌السلام قال : «كان فيما أوصى به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا قال : يا علي لا تجامع أهلك في أول ليلة من الهلال ، ولا في النصف ، ولا في آخر ليلة فإنه.

__________________

(1) سورة الطور ـ آية 45.

(2 و 3) الكافي ج 5 ص 499 ح 2 و 3 ، الوسائل ج 14 ص 90 ب 63 ح 1 وب 64 ح 1.


يتخوف على ولد من يفعل ذلك الخبل ، فقال علي عليه‌السلام : ولم ذلك يا رسول الله؟ فقال : إن الجن يكثرون غشيان نسائهم في أول ليلة من الهلال وليلة النصف وفي آخر ليلة ، أما رأيت المجنون يصرع في أول الشهر وفي وسطه وفي آخره».

وعن مسمع أبي سيار (1) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أكره لأمتي أن يغشى الرجل أهله في النصف من الشهر أو في غرة الهلال ، فإن مردة الشياطين والجن تغشي بني آدم فيجننون ويخبلون ، أما رأيتم المصاب يصرع في النصف من الشهر وعند غرة الهلال».

وروى الصدوق مرسلا (2) قال : «قال الصادق عليه‌السلام : لا تجامع في أول الشهر ولا في وسطه ولا في آخره ، فإنه من فعل ذلك فليسلم لسقط الولد ـ ثم قال : ـ أوشك أن يكون مجنونا ألا ترى أن المجنون أكثر ما يصرع في أول الشهر ووسطه وآخره».

والأخبار بهذا المضمون كثيرة إلا أن ما ذكره من النهي عن المجامعة ليلة الهلال ينبغي أن يستثني منه هلال شهر رمضان ، لما روي واشتهر بين الأصحاب من استحباب الجامعة في تلك الليلة ، فروى الصدوق مرسلا (3) قال : «قال عليه‌السلام : يستحب للرجل أن يأتي أهله أول ليلة من شهر رمضان لقول الله عزوجل (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ) ، والرفث : المجامعة».

وروى الشيخ في التهذيب عن محمد بن العيص (4) «أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام فقال : أجامع وأنا عريان؟ فقال : لا ولا مستقبل القبلة ولا مستدبرها» قال (5) و «قال علي عليه‌السلام : لا تجامع في السفينة».

وروى الصدوق في حديث المناهي المذكور في حديث المناهي المذكور في آخر كتاب الفقيه (6) عن

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 499 ح 5.

(2 و 3) الفقيه ج 3 ص 255 ح 3 وج 2 ص 112 ح 13. الوسائل ج 14 ص 91 ح 3.

(4) التهذيب ج 7 ص 412 ح 18 ، الفقيه ج 3 ص 255 ح 5. الوسائل ج 14 ص 84 ح 2.

(5 و 6) الفقيه ج 3 ص 255 ح 6 وج 4 ص 3 حديث المناهي. الوسائل ج 14 ص 84 ح 2.

وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 91 ح 2 و 3 و 4 وص 91 ح 4 وص 84 ح 2 ..


الحسين بن زيد عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم‌السلام قال : «نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يجامع الرجل أهله مستقبل القبلة ، وعلى ظهر طريق عامر ، فمن فعل ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين».

أقول : ما تضمنه الخبر من لعن فاعل ذلك محمول على تأكد الكراهة كما وقع مثله في الأخبار كثيرا فلا ضرورة إلى حمل الخبر على ما يستلزم محرما غير ما ذكر كما ارتكبه في الوسائل.

ومن ذلك جماع المحتلم قبل الغسل فروى الصدوق في الفقيه والشيخ مرسلا (1) وفي العلل مسندا «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يكره أن يغشى الرجل المرأة وقد احتلم حتى يغتسل من احتلامه الذي رأى ، فإن فعل فخرج الولد مجنونا فلا يلومن إلا نفسه».

والأصحاب ذكروا زوال الكراهة بالغسل أولا ، أو الوضوء ، والرواية إنما تضمنت الغسل خاصة.

ومنه جماع الحرة بين يدي الحرة ، أما الإماء فلا بأس ، لما رواه في كتاب طب الأئمة عن ذريح (2) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال الباقر عليه‌السلام : لا تجامع الحرة بين يدي الحرة ، فأما الإماء بين يدي الإماء فلا بأس».

أقول : بقي هنا فردان مجهولان غير معلوم حكمهما ، وهو جماع الحرة بين يدي الأمة ، وبالعكس.

ومنه جماع المختضب والمختضبة ، لما رواه في الكافي عن مسمع بن عبد الملك (3) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لا يجامع المختضب قلت : جعلت فداك لم لا

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 412 ح 18 ، الفقيه ج 3 ص 256 ح 7 ، الوسائل ج 14 ص 99 ح 1.

(2) الوسائل ج 14 ص 93 ب 66 ح 1.

(3) الكافي ج 5 ص 498 ح 8 ، التهذيب ج 7 ص 413 ح 26 وما فيه موافق للكافي ، الوسائل ج 14 ص 87 ح 1.


يجامع المختضب؟ قال : لأنه محتضر».

قال في الوافي : كأن المحتصر بالمهملتين من الحصر بمعنى القيد والحبس ، ويحتمل إعجام الضاد بمعنى محل حضور الملائكة والجن. انتهى.

أقول : ويحتمل بناء على الأول أنه بالخضاب ممنوع من الملاعبة والتقبيل المستحبين أمام الجماع ، ومن الغسل بعد الجماع.

وكيف كان فالظاهر أن الأقرب هو ما في التهذيب دون ما في الكافي كما نقلناه ، والذي فيه هكذا : «قلت : جعلت فداك يجامع المختضب؟ قال : لا» ولم يذكر التعليل بالكلية وهو أوضح ، وروى في كتاب طب الأئمة عن إسماعيل بن أبي زينب (1) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أنه قال لرجل من أوليائه : لا تجامع وأنت مختضب ، فإنك إن رزقت ولدا كان مخنثا».

ومنه أن يجامع وفي البيت من ينظره لما رواه في الكافي عن ابن أبي راشد (2) عن أبيه قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لا يجامع الرجل امرأته ولا جاريته وفي البيت صبي فإن ذلك مما يورث الزنا».

وعن عبد الله بن الحسين بن زيد (3) عن أبيه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : والذي نفسي بيده لو أن رجلا غشي امرأته وفي البيت صبي مستيقظ يراهما ويسمع كلامهما ونفسهما ما أفلح أبدا ، إذا كان غلاما كان زانيا ، أو جارية كانت زانية وكان علي بن الحسين عليه‌السلام إذا أراد أن يغشى أهله أغلق الباب وأرخى الستور وأخرج الخدم».

وروى في العلل عن حنان بن سدير (4) عن أبيه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «

__________________

(1) الوسائل ج 14 ص 88 ح 3.

(2) الكافي ج 5 ص 499 ح 1 والمذكور فيه هو ابن راشد ، التهذيب ج 7 ص 414 ح 27 ، الوسائل ج 14 ص 94 ح 1.

(3) الكافي ج 5 ص 500 ح 2 ، الوسائل ج 14 ص 94 ح 2.

(4) علل الشرائع ج 2 باب 267 ح 1 ، الوسائل ج 14 ص 95 ح 7.


سمعته يقول : لا يجامع الرجل امرأته ولا جاريته وفي البيت صبي ، فإن ذلك مما يورث الزنا».

وروى في كتاب طب الأئمة عن جابر (1) قال : «قال أبو جعفر عليه‌السلام : إياك والجماع حيث يراك صبي يحسن أن يصف حالك ، قلت : يا بن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كراهة الشنعة؟ قال : لا ، فإنك إن رزقت ولدا كان شهرة علما في الفسق والفجور».

وعن أبي بصير (2) عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : «إياك أن تجامع أهلك وصبي ينظر إليك ، فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يكره ذلك أشد كراهة».

قال في المسالك : أطلق المصنف الكراهة عند وجود من ينظر إليه ، وهو شامل للمميز وغيره ، وقيل : يختص ذلك بالمميز ، وهو حسن ، وتعليل الخبر يقتضي أن الخطر على الولد السامع بأن يكون زانيا ، وأن الضمير المستكن في «ما أفلح أبدا» يرجع إليه لا إلى المجامع.

ووجه الكراهة حينئذ التعرض لنقص الولد السامع ، فلو كان كبيرا دخل في العموم بل أولى وإن لم يتناوله اسم الغلام والجارية. انتهى.

أقول : القول بالاختصاص بالمميز منقول عن الشيخ علي ـ رحمه‌الله ـ وهو جيد لما عرفت من دلالة رواية كتاب طب الأئمة الأولى على ذلك لقوله «يحسن أن يصف حالك» إلا أنه قد نقل في كتاب البحار عن الراوندي في كتاب النوادر أنه روى فيه بإسناده (3) عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إياكم أن يجامع الرجل امرأته والصبي في المهد ينظر إليهما».

فإنه ظاهر كالصريح في الكراهة وإن كان غير مميز فإن المهد إنما يوضع فيه الرضيع ونحوه.

__________________

(1 و 2) الوسائل ج 14 ص 95 ح 8 و 9.

(3) المستدرك ج 2 ص 546 باب 50 ح 1.


ويمكن الجمع بين الأخبار بالكراهة بنظر الصبي مطلقا وإن تأكدت الكراهة بالنسبة إلى المميز ، وعلى ذلك يحمل الخبر المتقدم.

وأما الرواية التي أشار إليها وهي رواية عبد الله بن الحسين بن زيد عن أبيه فهي وإن أوهمت بظاهرها ما ذكره ، إلا أن الرواية الأولى من روايتي كتاب طب الأئمة صريحة في أنه المولود من ذلك الجماع.

وهذا هو الأنسب بالكراهة للمجامع ، بمعنى أن ضرر ذلك عائد إليه في ولده ، وإن احتيج في إرجاع الضمير إليه في قوله «ما أفلح» إلى نوع تكلف وتجوز ، حيث إنه بحسب الظاهر إنما ينساق إلى الصبي المذكور أولا.

وهذه الروايات موردها جماع الرجل امرأته وأهله ، فلا يدخل فيه الجارية التي تكون له.

ويدل عليه صريحا ما رواه في التهذيب عن ابن أبي يعفور (1) في الصحيح «عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن الرجل ينكح الجارية من جواريه ومعه في البيت من يرى ذلك ويسمع؟ قال : لا بأس».

ومنه الجماع عاريا فروى في الكافي عن موسى بن بكر (2) «عن أبى الحسن عليه‌السلام في الرجل يجامع فيقع عنه ثوبه ، قال : لا بأس».

وروى الشيخ بإسناده عن محمد بن العيص (3) «أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام فقال له : أجامع وأنا عريان؟ فقال : لا ولا مستقبل القبلة ولا مستدبرها».

وروى الصدوق في العلل عن حميد بن الحسين بن زيد العلوي (4) عن أبيه عن

__________________

(1) التهذيب ج 8 ص 208 ح 41 ، الوسائل ج 14 ص 584 ح 1.

(2) الكافي ج 5 ص 497 ح 3 ، الوسائل ج 14 ص 84 ح 1.

(3) التهذيب ج 7 ص 412 ح 18 ، الفقيه ج 3 ص 255 ح 5 ، الوسائل ج 14 ص 84 ح 2.

(4) علل الشرائع ج 2 ص 518 ط النجف الأشرف ، الوسائل ج 14 ص 84 ح 3.


جعفر بن محمد عن آبائه عليهم‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إذا تجامع الرجل والمرأة فلا يتعريان فعل الحمارين فإن الملائكة تخرج من بينهما إذا فعلا ذلك».

أقول : يمكن الجمع بين هذه الأخبار بحمل الخبر الأول على مورده وهو وقوع الثوب عنه حال الجماع ، فإنه لا يكره له الجماع عاريا ، والخبرين الأخيرين لمن قصد الجماع عاريا كما هو ظاهرهما فإنه يكره.

ومنه التزويج في ساعة حارة عند نصف النهار.

روى في الكافي عن ضريس عن عبد الملك (1) قال : «لما بلغ أبو جعفر عليه‌السلام أن رجلا تزوج في ساعة حارة عند نصف النهار ، فقال : أبو جعفر عليه‌السلام ما أراهما يتفقان فافترقا».

وعن زرارة (2) في الموثق عن أبي جعفر عليه‌السلام «أنه أراد أن يتزوج امرأة فكره ذلك أبوه ، قال : فمضيت فتزوجتها حتى إذا كان بعد ذلك زرتها فنظرت فلم أر ما يعجبني فقمت أنصرف فبادرتني القيمة معها إلى الباب لتغلقه علي ، فقال : لا تغلقيه ، لك الذي تريدين فلما رجعت إلى أبي أخبرته بالأمر كيف كان ، فقال : أما إنه ليس لها عليك إلا نصف المهر ، وقال : إنك تزوجتها في ساعة حارة».

أقول : الظاهر أن المراد بالتزويج هنا الدخول ، ويحتمل العقد أيضا على بعد ، وإنما بادرته القيمة لإغلاق الباب لأجل الحيلة على أخذ المهر كملا بالخلوة معها عندهم ، وسيأتي تحقيق المسألة في محلها إن شاء الله تعالى.

ومنه الجماع ومعه خاتم فيه ذكر الله أو شي‌ء من القرآن لما رواه علي بن جعفر في كتابه (3) عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يجامع ويدخل الكنيف وعليه خاتم فيه ذكر الله أو شي‌ء من القرآن أيصلح ذلك؟ قال : لا». فيه إشارة إلى كراهية استصحاب العود المشتملة على ذلك في تلك الحال أيضا.

__________________

(1 و 2) الكافي ج 5 ص 366 ح 1 و 2، الوسائل ج 14 ص 63 ح 1 و 2.

(3) الوسائل ج 14 ص 105 ح 1.


ومنه الكلام عند الجماع بغير ذكر الله عزوجل ، فروى في الكافي والتهذيب عن عبد الله بن سنان (1) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام اتقوا الكلام عند ملتقى الختانين ، فإنه يورث الخرس».

وفي حديث المناهي المذكور في آخر كتاب الفقيه (2) قال : «نهي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يكثر الكلام عند المجامعة ، وقال : يكون منه خرس الولد».

وبإسناده عن أبي سعيد الخدري (3) في وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام أنه قال : «يا علي لا تتكلم عند الجماع فإنه إذا قضي بينكما ولد لا يؤمن أن يكون أخرس».

وفي الخصال (4) عن علي عليه‌السلام في حديث الأربعمائة قال : «إذا أتى أحدكم زوجته فليقل الكلام ، فإن الكلام عند ذلك يورث الخرس».

أقول : الخبر الأول وإن كان مطلقا في النهي عن الكلام إلا أن ظاهر الثاني التقييد بالكثير ، فالقليل منه غير منهي عنه ، ويؤيده الخبر الرابع ، وظاهر الخبر الثالث تخصيص النهي بالرجل دون المرأة ، وكذا ظاهر الرابع والاحتياط لا يخفى.

ومنه النظر إلى فرج المرأة ، فإن المشهور الكراهية وعده ابن حمزة من المحرمات ، والذي وقفت عليه من الأخبار في ذلك :

ما رواه في الكافي عن أبي حمزة (5) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام أينظر الرجل إلى فرج امرأته وهو يجامعها قال : لا بأس». ورواه الشيخ مثله.

وروى عن سماعة (6) في الموثق قال : «سألته عن الرجل ينظر في فرج المرأة

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 498 ح 7 ، التهذيب ج 7 ص 413 ح 25.

(2 و 3) الفقيه ج 4 ص 258 وج 3 ص 358 وصايا النبي (ص).

(4) الخصال ص 637 آخر الحديث.

(5) الكافي ج 5 ص 497 ح 5 ، التهذيب ج 7 ص 413 ح 23.

(6) التهذيب ج 7 ص 414 ح 28.

وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 86 ح 1 وص 87 ح 2 و 3 و 4 وص 85 ح 2 و 3.


وهو يجامعها؟ قال : لا بأس به إلا أنه يورث العمى في الولد».

وبإسناده إلى أبي سعيد الخدري (1) في وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلى عليه‌السلام قال : ولا ينظرن أحد إلى فرج امرأته ، وليغض بصره عند الجماع ، فإن النظر إلى الفرج يورث العمى في الولد».

وفي وصية النبي (2) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام المذكورة في آخر كتاب الفقيه : «يا علي كره الله لأمتي العبث في الصلاة ـ إلى أن قال : ـ والنظر في فروج النساء لأنه يورث العمى».

وفي كتاب قرب الاسناد للحميري (3) عن السندي بن محمد عن أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام وان عباس «إنهما قالا : النظر إلى الفرج عند الجماع يورث العمى».

ولعل ابن حمزة استند فيما ذهب إليه من التحريم إلى رواية أبي سعيد الخدري المتضمنة للنهي عن النظر ، والأمر بغض البصر.

وقضية الجمع بين هذه الأخبار هو ما ذكره جل الأصحاب من الجواز على كراهية للعلة المذكورة فيها ، والمفهوم من كلامهم وبه صرح جملة منهم هو عموم الكراهة لحالة الجماع وغيرها.

وهذه الأخبار وهي أخبار المسألة كلها مقيدة بحالة الجماع ، وما أطلق منها وهي رواية واحدة يمكن حملها على ما قيد.

وربما ينساق إلى الناظر من ظاهر أكثر هذه الأخبار أن العمى للناظر يعنى

__________________

(1 و 2) الفقيه ج 3 ص 359 حديث المناهي وج 4 ص 258 وصايا النبي (ص).

(3) قرب الاسناد ص 66.

وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 85 ح 5 وص 86 ح 7 و 8.


بنظره إلى الفرج يحصل العمى (1) ، إلا أن ظاهر رواية الخدري أن المراد إنما هو عمى الولد ، بأنه لو وقع بينهما ولد فإنه يخرج أعمى.

ومنه الجماع في موضع لا يوجد فيه الماء من سفر ونحوه لما رواه في الكافي عن إسحاق بن عمار (2) في الموثق قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يكون أهله معه في سفر لا يجد الماء يأتي أهله؟ قال : ما أحب إلا أن يخاف على نفسه ، قلت : فطلب بذلك اللذة أو يكون شبقا إلى النساء ، فقال : إن الشبق يخاف على نفسه ، قال : قلت : طلب بذلك اللذة ، قال : هو حلال ، قلت : فإنه روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن أبا ذر سأله عن هذا ، فقال : ائت أهلك تؤجر ، فقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آتيهم وأوجر؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كما أنك إذا أتيت الحرام أزرت ، فكذلك إذا أتيت الحلال أوجرت ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : ألا ترى أنه إذا خاف على نفسه فأتى الحلال أوجر».

ومنه الجماع في الليلة التي يريد السفر فيها ، فروى في كتاب طب الأئمة (3) عن جابر الجعفي «عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه‌السلام «قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : كره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الجماع في الليلة التي يريد فيها الرجل سفرا ، وقال : إن رزق ولدا كان جوالة».

وعن الباقر محمد بن علي عليه‌السلام (4) أنه قال : «قال الحسين عليه‌السلام لأصحابه : اجتنبوا

__________________

(1) أقول : وبذلك ظهر لك ما في كلام صاحب المسالك حيث قال : وما ذكرناه في تفسير العمى في نظر الفرج بعمي الولد ، ذكره جماعة من الأصحاب ، ويحتمل قويا أن يريد عمى الناظر ، إذ ليس هناك ما يدل على ارادة الولد ، ولا هو مختص بحالته ، وهذا هو الذي رواه العامة في كتبهم ، وعليه يحسن عموم الكراهة للأوقات ، وفيه أن رواية أبي سعيد المذكورة قد صرحت بأن المراد انما هو الولد ، وروايات المسألة فورودها المنع من النظر حال الجماع خاصة ، وما أطلق هي رواية واحدة يحمل عليها ، وبذلك يظهر لك ما في قوله «ولا هو مختص بحالته» وحينئذ فما احتمله قويا ليس بذلك القريب. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(2) الكافي ج 5 ص 495 ح 3 ، الوسائل ج 14 ص 76 ح 1.

(3 و 4) الوسائل ج 14 ص 189 ح 2 و 3.


الغشيان في الليلة التي تريدون فيها السفر ، فإن من فعل ذلك ثم رزق ولدا كان جوالة».

أقول : لفظ جوالة لا يظهر الآن لي ضبطه ولا معناه ، والذي في الخبر الآتي أنه ينفق ماله في غير حق ، هذا وقد عد جملة من الأصحاب منهم المحقق في كتابه في جملة الأوقات المكروهة الزوال ، ولم يحضرني الآن ما يدل عليه من الأخبار.

وروى الشيخ في التهذيب عن أبي سعيد الخدري (1) قال : «أوصى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى علي بن أبي طالب عليه‌السلام فقال : يا علي إذا أدخلت العروس بيتك فاخلع خفيها حتى تجلس واغسل رجليها ، وصب الماء من باب دارك إلى أقصى دارك ، فإنك إن فعلت ذلك أخرج الله من دارك سبعين ألف لون من الفقر ، وأدخل فيه سبعين ألف لون من البركة ، وأنزل عليه سبعين ألف لون من الرحمة ، وترفرف على رأس العروس حتى تنال بركتها كل زاوية من بيتك ، وتأمن العروس من الجذام والجنون والبرص أن يصيبها ما دامت في تلك الدار ، وامنع العروس في أسبوعها من الألبان والخل والكزبرة والتفاح الحامض من هذه الأربعة الأشياء ، فقال علي عليه‌السلام : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولأي شي‌ء أمنعها هذه الأشياء الأربعة؟ قال : لأن الرحم يعقم ويبرد من هذه الأربعة الأشياء عن الولد ، والحصير في زاوية البيت خير من امرأة لا تلد ، فقال علي عليه‌السلام : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فما بال الخل يمنع منه؟ قال : إذا حاضت على الخل لم تطهر أبدا بتمام ، والكزبرة شي‌ء تشد الحيض في بطنها وتشدد عليها الولادة ، والتفاح الحامض يقطع حيضها فيصير داء عليها.

ثم قال : يا علي لا تجامع امرأتك في أول الشهر وفي وسطه وفي آخره ، فإن الجنون والجذام والخبل يسرع إليها وإلى ولدها.

__________________

(1) ما عثرنا عليها في التهذيب ولكن وجدناها في الفقيه ج 3 ص 358 ح 1 ، وفي الوسائل ج 14 ص 185 ب 147 ح 1.


يا علي لا تجامع امرأتك بعد الظهر ، فإنه إن قضي بينكما ولد يكون أحول والشيطان يفرح بالحول في الإنسان.

يا علي لا تتكلم عند الجماع ، فإنه إن قضي بينكما ولد لا يؤمن أن يكون أخرس ، ولا ينظر أحد إلى فرج امرأته ، وليغض بصره عند الجماع ، فإن النظر إلى الفرج يورث العمى في الولد.

يا علي لا تجامع امرأتك بشهوة امرأة غيرك ، فإنه يخشى إن قضي بينكما ولد أن يكون مخنثا أو مخبلا.

يا علي من كان جنبا في الفراش مع امرأته فلا يقرأ القرآن. فإني أخشى أن ينزل نار من السماء فتحرقهما.

يا علي لا تجامع امرأتك إلا ومعك خرقة ، ولأهلك خرقة ، ولا تمسحا بخرقة واحدة ، فتقع الشهوة على الشهوة ، فإن ذلك يعقب العداوة بينكما ، ثم يؤديكما إلى الفرقة والطلاق.

يا علي لا تجامع امرأتك من قيام ، فإن ذلك من فعل الحمير ، فإن قضي بينكما ولد كان بوالا في الفراش كالحمير البوالة في كل مكان.

يا علي لا تجامع امرأتك في ليلة الأضحى ، فإنه إن قضى بينكما ولد يكون له ست أصابع أو أربع أصابع.

يا علي لا تجامع امرأتك تحت شجرة مثمرة ، فإنه إن قضي بينكما ولد يكون جلادا أو قتالا أو عريفا.

يا علي لا تجامع امرأتك في وجه الشمس وتلؤلؤها إلا أن ترخي سترا يستركما ، فإنه إن قضي بينكما ولد لا يزال في بؤس وفقر حتى يموت.

يا علي لا تجامع امرأتك بين الأذان والإقامة ، فإنه إن قضي بينكما ولد يكون حريصا على إهراق الدماء.


يا علي إذا حملت امرأتك فلا تجامعها إلا وأنت على وضوء ، فإنه إن قضي بينكما ولد يكون أعمى القلب بخيل اليد.

يا على لا تجامع أهلك في النصف من شعبان ، فإنه إن قضي بينكما ولد يكون مشوما ذا شامة في وجهه.

يا علي لا تجامع امرأتك في آخر درجة منه ، يعني إذا بقي منه يومان ، فإنه إن قضي بينكما ولد يكون عشارا وعونا للظالمين ، ويكون هلاك فئام من الناس على يديه.

يا علي لا تجامع أهلك على سقوف البنيان ، فإنه إن قضي بينكما ولد يكون منافقا مرتابا مبدعا.

يا علي إذا خرجت في سفر لا تجامع أهلك تلك الليلة ، فإنه إن قضي بينكما ولد ينفق ماله في غير حق ، وقرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (1) (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ).

يا علي لا تجامع أهلك إذا خرجت إلى سفر مسيرة ثلاثة أيام ولياليهن ، فإنه إن قضي بينكما ولد يكون عونا لكل ظالم عليك.

وفي رواية الصدوق : الجماع ليلة الاثنين ، فإنه إن قضي بينكما ولد يكون حافظا لكتاب الله عزوجل ، راضيا بما قسم الله عزوجل له.

يا علي إن جامعت أهلك في ليلة الثلاثاء فقضي بينكما ولد فإنه يرزق الشهادة بعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رسول الله ، ولا يعذبه الله مع المشركين ، ويكون طيب النكهة والفم ، رحيم القلب ، سخي اليد ، طاهر اللسان من الغيبة والكذب والبهتان.

يا علي إن جامعت أهلك ليلة الخميس ، فقضي بينكما ولد فإنه يكون حاكما

__________________

(1) سورة الإسراء ـ آية 27.


من الحكام ، أو عالما من العلماء ، وإن جامعتها يوم الخميس عند زوال الشمس عند كبد السماء ، (1) فقضي بينكما ولد فإن الشيطان لا يقر به حتى يشيب ، ويكون فهما ، ويرزقه السلامة في الدين والدنيا.

يا علي إن جامعتها ليلة الجمعة ، وكان بينكما ولد ، فإنه يكون خطيبا قوالا مفوها ، وإن جامعتها يوم الجمعة بعد العصر ، فقضي بينكما ولد ، فإنه يكون معروفا مشهورا عالما ، وإن جامعتها ليلة الجمعة بعد العشاء الآخرة ، فإنه يرجى أن يكون من الأبدال ، إن شاء الله.

يا على لا تجامع أهلك في أول ساعة من الليل ، فإنه إن قضي بينكما ولد فإنه لا يؤمن أن يكون ساحرا مؤثرا للدنيا على الآخرة.

يا علي احفظ وصيتي هذه كما حفظتها عن جبرئيل».

أقول : هذا الخبر رواه الشيخ في التهذيب والصدوق في الفقيه عن أبي سعيد الخدري (2) ورواه الصدوق في العلل والأمالي مسندا عن الطالقاني عن الحسن بن علي العدوي عن يوسف بن يحيى الأصفهاني عن إسماعيل بن حاتم عن أحمد بن صالح بن

__________________

(1) قال السيد في شرح النافع : وأما كراهة الجماع عند الزوال فأطلقه المصنف وجماعة واستثنى بعضهم من ذلك يوم الخميس ، ولم أقف على مستنده ، نعم ورد كراهة التزويج في الساعات الحارة عند نصف النهار. انتهى.

أقول : الظاهر أنه أراد بعدم الوقوف على المستند بالنسبة إلى أصل الحكم من كراهة الجماع وقت الزوال كما أشرنا اليه واليه يشير قوله أخيرا ، نعم ورد كراهة التزويج في الساعات الحارة ، وان أراد بالنسبة الى ما استثنى بعضهم ، ففيه أنه قد ورد ذلك في حديث أبى سعيد الخدري المذكور في الأصل بقوله «وان جامعتها يوم الخميس عند زوال الشمس الى آخره». ويمكن أن يكون المستند في أصل الحكم قوله في حديث الخدري «لا تجامع امرأتك بعد الظهر ، فإنه ان قضى بينكما ولد يكون أحول» بأن يكون المراد بعد تحقق الظهر الذي هو عبارة عن الزوال. (منه ـ رحمه‌الله ـ).

(2) الفقيه ج 3 ص 358 ح 1 ، الاختصاص ص 132 ، علل الشرائع ج 2 ب 289 ح 5 ، أمالي الصدوق في المجلس 84 ح 1.


سعيد عن عمرو بن حفص عن إسحاق بن نجيح عن خصيب عن مجاهد عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الحديث.

ورواه الشيخ المفيد في كتاب الاختصاص على ما ذكره في البحار عن عمرو بن حفص وأبي بصير عن محمد بن الهيثم عن إسحاق بن نجيح الى آخر ما تقدم.

ولا يبعد أن يكون الخبر المذكور عاميا ، ولهذا أن بعض أصحابنا طعن فيه ، قال في المسالك ـ بعد الاستدلال ببعض ما تضمنه ـ ما لفظه : وعلى هذه الوصية تفوح رائحة الوضع ، وقد صرح به بعض النقاد. انتهى.

وقال المحدث الكاشاني في الوافي ـ بعد نقل الخبر وشرح بعض المواضع منه كما هي عادته ـ : ولا يخفى ما في هذه الوصايا وبعد مناسبتها ، لجلالة قدر المخاطب ، ولذلك قال بعض علمائنا : أنها مما يشم منها رائحة الوضع. انتهى.

والظاهر أنه أشار إلى ما قدمنا نقله عن صاحب المسالك ، وكان مراد صاحب المسالك من أنه تفوح منه رائحة الوضع هي ما ذكره المحدث المذكور هنا من عدم مناسبة هذا الخطاب لجلالة قدر المخاطب به.

وفيه : أن الظاهر أن الخطاب وإن وقع لعلي عليه‌السلام إلا أن المراد حقيقة إنما هو الأمة ، وقد وقع في القرآن في خطاب الله عزوجل لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما هو أعظم من ذلك ، ودلت الأخبار على أن المعنى بذلك الخطاب إنما هو الأمة ، وهو من باب إياك أعني واسمعي يا جارة كما صرحت به الأخبار بالنسبة إلى ما وقع في القرآن من الخطاب الغير المناسب لعلو قدره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما تضمنه هذا الخبر من ذلك القبيل.

ومما يؤيده أن جل ما اشتمل عليه هذا الخبر من الأحكام ، قد دلت عليه أخبارنا المروية عن الأئمة عليهم‌السلام كما عرفت مما قدمنا من الأخبار قبله ، ويعضده رواية هؤلاء المشايخ الأجلاء له في كتبهم ، ولا سيما الصدوق في الفقيه بناء على


ما ذكره من القاعدة في صدر كتابه ، ومن وراء جميع ذلك أنهم صرحوا بأن العمل بالأخبار الضعيفة في السنن إنما هو عمل في الحقيقة بالأخبار الصحيحة (1) الدالة على أن «من بلغه شي‌ء من الثواب على عمل فعمله ابتغاء ذلك الثواب كتب له وإن لم يكن كما بلغه» ، وما نحن فيه من ذلك ، والله العالم.

تنبيه :

قد اشتهر في كلام الأصحاب أن من جملة المكروهات : الخطبة على خطبة المؤمن بعد إجابة الأول ، بمعنى أنه لو خطب أحد امرأة وأجابه وليها ، أو هي إن لم يكن نكاحها بيد الولي ، فإنه يكره لغيره الخطبة لها.

وقد تتبعت ما حضرني من كتب الأخبار حق التتبع ، فلم أقف له على دليل ، بل نقل عن الشيخ القول بالتحريم لظاهر النهي.

قال المحدث الكاشاني في المفاتيح : ويكره الخطبة على خطبة المؤمن بعد الإجابة ، للنص ، ولما فيه من الإيذاء وإثارة الشحناء ، وحرمه الشيخ ، لظاهر النهي المؤيد بالنهي الوارد بالدخول في سومه ، وعلى التقديرين لو عقد صح لعدم المنافاة ، وبعد الرد جائز بلا كراهة. انتهى.

وشارح الكتاب المذكور إنما نقل هنا بعض نصوص العامة ، قال : كما رواه العامة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (2) «أنه قال : لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه».

وما رواه عنه (3) صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «لا يخطب أحد على خطبة أخيه» ، وما رواه عنه (4) صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «لا يخطب أحد على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك».

ثم قال : ولما في هذه الاقتحام من الإيذاء لأخيه المؤمن ووقوع العداوة

__________________

(1) الوسائل ج 1 ص 59 ب 18.

(2 و 3 و 4) كنوز الحقائق في هامش الجامع الصغير ج 2 ص 172 و 175 و 176.


والنزاع بينهما ، وقال الشيخ بتحريم ذلك ، لظاهر النهي المذكور في الخبرين ، ولأن التزويج نوع من السوم الذي في المبايعة لقوله عليه‌السلام في رواية غياث بن إبراهيم الواردة في جواز النظر إلى محاسن امرأة يريد أن يتزوجها «لا بأس إنما هو مستام» ـ وفي لفظ آخر ـ «إنما يريد أن يشتريها بأغلى الثمن» ، والدخول في سوم أخيه المؤمن منهي عنه. انتهى.

ولا يخفى ما فيه على الفطن النبيه ، فإنه لو صلح تأسيس الأحكام الشرعية على الأخبار العامية ، وأمثال هذه التعليلات الرسمية لأشكل الأمر أي إشكال.

وكيف كان فإنه لو أقدم ذلك الغير على الخطبة في موضع النهي وتزوجها صح نكاحه بلا خلاف ، إذ لا منافاة بين صحة العقد وتحريم الخطبة ، كما لو عقد في وقت يضيق فيه عن الصلاة ، خلافا لبعض العامة ، والله العالم.

الفائدة الثامنة عشر : في جملة من نوادر الأحكام الداخلة في هذا المقام ، روى الصدوق مرسلا (1) قال : «قال الصادق عليه‌السلام : ثلاثة يهدمن البدن ، وربما قتلن : دخول الحمام على البطنة ، والغشيان على الامتلاء ، ونكاح العجائز».

وروى البرقي في المحاسن (2) قال : «روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ثلاث يهزلهن البدن ، وربما قتلن ـ إلى أن قال ـ : ونكاح العجائز ، وقال : وزاد فيه أبو إسحاق النهاوندي : وغشيان النساء على الامتلاء».

ورواه الكليني عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن أبي عبد الله مثله.

أقول : فيه دلالة على كراهية جماع العجوز والجماع على الامتلاء.

وروى في الفقيه مرسلا (3) قال : «قال أبو الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام ثلاثة

__________________

(1) الفقيه ج 3 ص 361 ح 6.

(2) المحاسن كتاب المآكل ص 463 ح 425 ، الكافي ج 6 ص 314 ح 6.

(3) الفقيه ج 1 ص 75 ح 102.

وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 191 ب 152 ح 1 و 2 وج 17 ص 38 ح 4 وج 1 ص 414 ح 2.


من عرفهن لم يدعهن : جز الشعر ، وتشمير الثوب ، ونكاح الإماء».

أقول : فيه دلالة على لذة نكاح الإماء زيادة على الحرائر.

وروى الصدوق بإسناده عن إسماعيل بن مسلم (1) عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لامرأة سألته أن لي زوجا وبه علي غلظة وإني صنعت شيئا لأعطفه علي ، فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أف لك كدرت البحار وكدرت الطين ولعنتك الملائكة الأخيار وملائكة السموات والأرض ، قال : فصامت المرأة نهارها وقامت ليلها وحلقت رأسها ولبست المسوح ، فبلغ ذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : إن ذلك لا يقبل منها».

أقول : لا خلاف بين الأصحاب في تحريم ذلك بأن تفعل المرأة ما يوجب تقليب قلب زوجها من البغض إلى المحبة ونحو ذلك ، ولكن الخبر بحسب ظاهره غير خال من الإشكال.

أما أولا : فإن ما فعلته إنما كان من جهل والجاهل معذور كما دلت عليه الأخبار المستفيضة.

وثانيا : أنها بما فعلته من هذه الأمور قد حصلت لها التوبة النصوح ، فكيف لا تقبل توبتها ولا يقبل ذلك منها.

وفي الوافي حمل الخبر تفاريا عما ذكرناه على أن ما فعلته في عطفه عليها كان من قبيل السحر ، والساحر حده القتل ، ولذلك قال : «لا يقبل منها» يعني في الظاهر وإن كانت توبتها مقبولة فيما بينها وبين الله.

ولا يخفى بعده ، إلا أنه لا مندوحة عن الحمل عليه لما عرفت من مخالفة الخبر بحسب ظاهره لمقتضى الأصول الشرعية والقواعد المرعية.

__________________

(1) الفقيه ج 3 ص 282 ب 134 ح 1 ، الوسائل ج 14 ص 184 ح 1.


وروي في الكافي عن الحسن بن الجهم (1) قال : «رأيت أبا الحسن عليه‌السلام اختضب ، فقلت : جعلت فداك اختضبت؟ فقال : نعم إن التهيئة مما يزيد في عفة النساء ، ولقد ترك النساء العفة بترك أزواجهن التهيئة ، ثم قال : أيسرك أن تراها على ما تراك عليه إذا كنت على غير تهيئة؟ قلت : لا ، قال : فهو ذلك ، ثم قال : من أخلاق الأنبياء التنظيف وحلق الرأس وكثرة الطروقة ، ثم قال : كان لسليمان بن داود ألف امرأة ، في قصر واحد ثلاثمائة مهيرة وسبعمائة سرية ، وكان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بضع أربعين رجلا ، وكان عنده تسع نسوة ، وكان يطوف عليهن في كل يوم وليلة».

أقول : فيه استحباب التزين لمن عنده من النساء بالخضاب ونحوه ، واستحباب التطيب وحلق الشعر وكثرة الجماع مع القوة ، فلو كان مما يورث ضعف بدنه فلا.

وفي صحيح هشام بن سالم (2) المتضمن لإهداء الله الهريسة لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته قال : «فجلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم الصلاة والسلام ، فأكلوا واعطي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في المباضعة من تلك الأكلة قوة أربعين رجلا ، فكان إذا شاء غشي نساءه كلهن في ليلة واحدة».

وروى في الكافي عن هشام بن (3) الحكم عن أبي عبد الله عليه‌السلام أو أبي الحسن عليه‌السلام قال : «قيل له : إنا نزوج صبياننا وهم صغار ، قال : إذا زوجوا وهم صغار لم يكادوا أن يتألفوا».

أقول : فيه دلالة على كراهية تزويج الصبي الصغير قبل البلوغ ، والمراد بالتزويج هنا الدخول لا مجرد العقد.

وروى الشيخ في التهذيب عن السكوني (4) «عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام إن عليا عليه‌السلام

__________________

(1 و 2 و 3) الكافي ج 5 ص 567 ح 50 وص 565 ح 41 وص 398 ح 1 ، الوسائل ج 14 ص 183 ح 1 وص 180 ح 7 وص 72 ح 1.

(4) التهذيب ج 7 ص 375 ح 82 ، الوسائل ج 15 ص 53 ب 46 ح 1.


قال في المرأة تعطي الرجل مالا يتزوجها فتزوجها ، قال : المال هبة والفرج حلال».

أقول : فيه دلالة على أن مجرد العطية ، سواء كان لغرض يترتب عليها أم لا هبة صحيحة يملكها المدفوع إليه وإن لم يشتمل على القربة.

إلا أن يقال : إن هذا إنما هو من قبيل الهبة المعوضة ، فإنها إنما أعطته المال في مقابلة تزويجه بهذا ، وقد تزوجها ، فتكون الهبة لازمة.

وروى في الكافي عن علي بن جعفر (1) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يقبل قبل المرأة؟ قال : لا بأس».

وعن مسمع (2) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا نظر أحدكم إلى المرأة الحسناء فليأت أهله ، فإن الذي معها مثل الذي مع تلك ، فقام رجل فقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم فإن لم يكن له أهل فما يصنع؟ قال : فليرفع نظره إلى السماء وليراقبه وليسأله من فضله».

وروى الصدوق في كتاب الخصال بإسناده (3) عن علي عليه‌السلام في حديث الأربعمائة قال : «إذا رأى أحدكم المرأة تعجبه فليأت أهله ، فإن عند أهله مثل ما رأى ، فلا يجعلن للشيطان على قلبه سبيلا ليصرف بصره عنها ، فإن لم يكن له زوجة فليصل ركعتين ويحمد الله كثيرا ، ويصلي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم يسأل الله من فضله فإنه ينتج له من رأفته ما يغنيه».

وروي في كتاب نهج البلاغة (4) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام «أنه كان جالسا في أصحابه إذ مر بهم امرأة جميلة فرمقها القوم بأبصارهم فقال علي عليه‌السلام : إن أبصار هذه الفحول طوامح ، وإن ذلك سبب هبابها ، فإذا نظر أحدكم إلى امرأة تعجبه فليلامس

__________________

(1 و 2) الكافي ج 5 ص 497 ح 4 وص 494 ح 2، الوسائل ج 14 ص 77 ح 1 وص 73 ح 2. (3) الخصال ج 2 ص 637 ، الوسائل ج 14 ص 73 ح 3.

(4) نهج البلاغة الحكم رقم 420 ، الوسائل ج 14 ص 73 ح 4.


أهله فإنما هي امرأة كامرأته ـ الحديث».

وروى في الكافي عن حماد بن عثمان (1) قال : «رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله امرأة فأعجبته فدخل على أم سلمة وكان يومها ، فأصاب منها وخرج إلى الناس ورأسه يقطر ، فقال : أيها الناس إنما النظر من الشيطان ، فمن وجد من ذلك شيئا فليأت أهله».

أقول : في هذه الأخبار دلالة ظاهرة على ما تقدم من جواز كشف الوجه واليدين من المرأة الأجنبية ، وعدم وجوب سترها ، وإلا فلو كان النساء يومئذ مسترات مخمرات غير مسفرات لم يعلم حال الجميلة من القبيحة حتى يترتب عليه ما ذكر في هذه الأخبار ، قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «إنما النظر من الشيطان» يعنى حب النظر ومعاودته بعد حصول النظرة الأولى التي وقعت اتفاقا إذا ترتبت عليها اللذة والفتنة.

وأما قوله عليه‌السلام «فأعجبته» فإنه لا منافاة فيه لمقتضى مقامه صلى‌الله‌عليه‌وآله فإن استحسان الحسن واستقباح القبيح ، والرغبة في الأول والنظرة من الثاني أمر جبلي وخلق بشري كما لا يخفى.

وروى في الكافي عن عثمان (2) عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إن الله تعالى غيور يحب الغيرة ، ولغيرته حرم الفواحش ظاهرها وباطنها».

وروى في الكافي عن إسحاق بن جرير (3) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا أغير الرجل في أهله أو بعض مناكحه من مملوكه فلم يغر ولم يغير بعث الله إليه طائرا يقال له القفندر حتى يسقط على عارضة بابه ، ثم يمهله أربعين يوما ثم يهتف به :

إن الله تعالى غيور يحب كل غيور ، فإن هو غار وغير وأنكر ذلك فأنكره ، وإلا طار حتى يسقط على رأسه ، فيخفق بجناحيه على عينيه ، ثم يطير عنه فينزع الله عزوجل منه بعد ذلك روح الايمان ، وتسميه الملائكة الديوث».

__________________

(1 و 2 و 3) الكافي ج 5 ص 494 ح 1 وص 535 ح 1 وص 536 ح 3. الوسائل ج 14 ص 72 ح 1 وص 107 ح 2 وص 108 ح 4.


أقول : في الوافي الغيرة : الحمية والأنفة ، وقفندر : كسمندر يقال لقبيح المنظر ، وعارضة الباب : هي خشبة العليا التي يدور عليها الباب.

وروى في الفقيه مرسلا (1) قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وفي الكافي مسندا عن الحسن بن محبوب عن غير واحد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان أبي إبراهيم عليه‌السلام غيورا وأنا أغير منه ، وجدع الله أنف من لا يغار من المؤمنين والمسلمين».

وروى في الكافي عن غياث بن إبراهيم (2) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : يا أهل العراق نبئت أن نسائكم يدافعن الرجال في الطريق أما تستحيون».

قال في الكافي : وفي حديث آخر (3) إن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : «أما تستحيون ولا تغارون نسائكم يخرجن إلى الأسواق ويزاحمن العلوج».

أقول : في هذين الخبرين ما يدل على كراهة مزاحمة النساء للرجال في الزيارات سيما مع الكثرة والغلبة في أيام الفضائل ، ومثله في الأسواق أيضا ، وإن كان قليلا.

وروى في الكافي عن حماد بن عثمان (4) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خير نساء ركبن الرجال نساء قريش أحناهن على ولد ، وخيرهن لزوج». وعن الحرث الأعور (5) قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خير نسائكن نساء قريش ألطفهن بأزواجهن وأرحمهن بأولادهن المجون لزوجها ، الحصان على غيره ، قلنا : وما المجون؟ قال : التي لا تمنع».

__________________

(1) الفقيه ج 3 ص 281 ب 133 ح 1 ففيه أرغم ، الكافي ج 5 ص 536 ح 4.

(2 و 3 و 4 و 5) الكافي ج 5 ص 536 ح 6 وص 537 ذيل ح 6 وص 326 ح 1 و 2.

وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 109 ح 7 وص 174 ح 1 و 2 وص 20 ح 1 و 3.


وروى الشيخ في كتاب الأمالي (1) بسنده عن الرضا عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «كل نسب وصهر منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي».

وروى الصدوق في كتاب معاني الأخبار بسنده فيه عن زيد بن ثابت (2) قال : «قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا زيد تزوجت؟ قلت : لا ، قال : تزوج تستعف مع عفتك ، ولا تزوجن خمسا قلت : من هن؟ قال : لا تزوجن شهبرة ، ولا لهبرة ، ولا نهبرة ، ولا هيدرة ولا لفوتا ، قال زيد : قلت : ما عرفت مما قلت شيئا يا رسول الله قال : ألستم عربا؟ أما الشهبرة : فالزرقاء البذية ، وأما اللهبرة : فالطويلة المهزولة وأما النهبرة : فالقصيرة الدميمة ، وأما الهيدرة : فالعجوز المدبرة ، وأما اللفوت :

فذات الولد من غيرك».

وروى في الكافي عن أحمد بن محمد بن عيسى (3) عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «من سعادة المرء أن لا تطمث ابنته في بيته».

وعن بعض أصحابنا (4) قال الكليني : سقط عني إسناده ، قال : «إن الله عزوجل لم يترك شيئا مما يحتاج إليه إلا علمه نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله فكان من تعليمه إياه أنه صعد المنبر ذات يوم فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس إن جبرئيل أتاني عن اللطيف الخبير فقال : إن الأبكار بمنزلة الثمر على الشجر ، إذا أدرك ثمرها فلم تجتن أفسدته الشمس ونثرته الريح ، وكذلك الأبكار إذا أدركن ما يدرك النساء فليس لهن دواء إلا البعولة وإلا لم يؤمن عليهن الفساد ، لأنهن بشر ، قال : فقام إليه رجل فقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فمن نزوج؟ فقال : الأكفاء ، فقال : يا رسول الله ومن الأكفاء؟ فقال : المؤمنون بعضهم أكفاء بعض» ، وفي معناه

__________________

(1) الوسائل ج 14 ص 21 ح 5.

(2) معاني الأخبار ص 318 ح 1. الوسائل ج 14 ص 19 ح 8.

(3 و 4) الكافي ج 5 ص 336 ح 1 وص 337 ح 2.

وهذه الروايات في ، الوسائل ج 14 ص 39 ح 1 و 2.


أخبار أخر والجميع دال على استحباب تعجيل تزويج الأبكار.

وروى في الكافي عن عبد الله بن سنان (1) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «يكره للرجل إذا قدم من سفر أن يطرق أهله ليلا حتى يصبح».

أقول : فيه دلالة على كراهية دخول المسافر ليلا إلى أهله ، وبذلك صرح الأصحاب أيضا ، وإطلاق الخبر يقتضي عدم الفرق في الكراهة بين أن يعلمهم بذلك قبل الليل وعدمه ، وبذلك صرح في المسالك.

وقيل : تختص الكراهة بعدم الاعلام ، واختاره في الوسائل ، فقال : باب أنه يكره للمسافر أن يطرق أهله ليلا حتى يعلمهم ، ولا أعرف له وجها ، وقال في المسالك : المراد بالأهل من في داره أعم من الزوجة.

أقول : المراد من لفظ الأهل في الأخبار إنما هو الزوجة ، ويؤيد ذلك ما في كتاب المصباح المنير قال : وأهل الرجل يأهل أهولا إذا تزوج ، وتأهل كذلك فيطلق الأهل على الزوجة. انتهى.

وروى في الكافي عن محمد بن يحيى (2) رفعه قال : «جاء رجل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ليس عندي طول فأنكح النساء ، فإليك أشكو العزوبية فقال : وفر شعر جسدك ، وأدم الصيام ، ففعل فذهب ما به من الشبق».

وروى الصدوق بإسناده عن إسماعيل بن أبي زياد (3) عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام قال : «قال علي عليه‌السلام : ما كثر شعر رجل قط إلا قلت شهوته».

وروى في الكافي عن سدير (4) قال : «قال أبو جعفر عليه‌السلام : يا سدير بلغني عن

__________________

(1 و 2) الكافي ج 5 ص 499 ح 4 وص 564 ح 36.

(3) الفقيه ج 3 ص 303.

(4) الكافي ج 5 ص 569 ح 56 ، وفيه «قد أصبتها جعلت فداك».

وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 93 ب 65 ح 1 وص 178 ح 1 و 2 وص 184 ح 1.


نساء أهل الكوفة جمال وحسن تبعل ، فابتغ لي امرأة ذات جمال في موضع ، فقلت : قد أصبتها فلانة بنت فلان بن محمد بن الأشعث بن قيس فقال لي : يا سدير إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعن قوما فجرت اللعنة في أعقابهم إلى يوم القيامة ، وأنا أكره أن يصيب جسدي جسد أحد من أهل النار».

أقول : فيه دلالة على استحباب التزويج للجمال وحسن التبعل ، وفي غيره من الأخبار ما يدل عليه أيضا.

بقي الكلام في أن ما تضمنه الخبر من كراهية تزويج أحد من أهل النار ، وكراهية إصابة جسده جسده مشكل بالمرأتين المعروفتين تحته صلى‌الله‌عليه‌وآله فإنه عالم بأنهما من أهل النار ، وأظهر منهما امرأتا نوح ولوط على نبينا وآله وعليهما‌السلام.

وروى في الكافي عن السكوني (1) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا جلست المرأة مجلسا فقامت عنه فلا يجلس في مجلسها رجل حتى يبرد».

ورواه الصدوق (2) مرسلا إلا أنه قال : «فلا يجلس في مجلسها أحد حتى يبرد». إلى غير ذلك من الأخبار.

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 564 ح 38.

(2) الفقيه ج 3 ص 298 ح 3.

وهما في الوسائل ج 14 ص 174 ب 145.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *