ج3 - غسل الإستحاضة

الفصل الثالث

في غسل الاستحاضة

قيل وهي في الأصل استفعال من الحيض يقال استحيضت المرأة بالبناء للمفعول فهي تستحاض لا تستحيض إذا استمر بها الدم بعد أيامها فهي مستحاضة ، ذكره الجوهري وهو يعطي ان بناء المعلوم غير مسموع ، ثم استعمل في دم فاسد يخرج من عرق في أدنى الرحم يسمى العاذل ، وتعريفه يعلم مما قدمناه في تعريف الحيض ، فهو في الأغلب دم اصفر بارد رقيق يخرج بفتور ، وانما قيدناه بالأغلب لأنه قد يكون بهذه الصفات حيضا وقد يكون بصفة الحيض استحاضة ، ومنه ايضا ما نقص عن الثلاثة التي هي أقل الحيض ما لم يكن دم قرح ولا عذرة وما زاد على العادة بعد الاستظهار والأصحاب عبروا هنا بما زاد عن أيام العادة مع تجاوز العشرة ، وقد تقدم ما فيه ، ومنه ما تراه قبل بلوغ التسع وان لم يوجب الأحكام في الحال لكن عند البلوغ يجب عليها الغسل والوضوء كما تقدم في بحث الوضوء من انه قد يتخلف المسبب عن السبب لفقد شرطه ، ومنه ما يكون بعد بلوغ سن اليأس.

وكيف كان فالبحث هنا يقع في مقامات (الأول) ـ لا يخفى ان المستحاضة اما ان يثقب دمها الكرسف أولا وعلى الأول فاما ان يسيل أو لا ، فان لم يثقب الكرسف فهي قليلة وان ثقب ولم يسل عنه فهي متوسطة وان سال فهي كثيرة ، فههنا أقسام ثلاثة :

(الأول) ما لم يثقب الكرسف ، والمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه يجب عليها عند كل صلاة تغيير القطنة والوضوء ، وعن ابن ابي عقيل انه لا غسل عليها ولا وضوء ، وعن ابن الجنيد ان عليها في اليوم والليلة غسلا واحدا ، قال ابن ابي عقيل على ما نقله في المختلف : «يجب عليها الغسل عند ظهور دمها على الكرسف لكل صلاتين غسل ، تجمع بين الظهر والعصر بغسل وبين المغرب والعشاء بغسل وتفرد الصبح بغسل ، واما ان لم يظهر الدم على الكرسف فلا غسل عليها ولا وضوء» وقال ابن الجنيد : «المستحاضة التي يثقب دمها الكرسف تغتسل لكل صلاتين آخر وقت الاولى وأول وقت الثانية منهما وتصليهما ، وتفعل للفجر مفردا كذلك ، والتي لا يثقب دمها الكرسف تغتسل في اليوم والليلة مرة واحدة ما لم يثقب» وظاهر هاتين العبارتين ان المستحاضة منحصر في فردين خاصة فادرجا المتوسطة في الكبرى ، واما الصغرى فابن ابي عقيل نفى عنها الغسل والوضوء وابن الجنيد أوجب عليها غسلا واحدا في اليوم والليلة.

حجة المشهور فيما ذكروه ، اما بالنسبة إلى تغيير القطنة فعلل بعدم العفو عن هذا


الدم في الصلاة قليله وكثيره ، قال في المنتهى : «ولا خلاف عندنا في وجوب الأبدال» وهو مؤذن بدعوى الإجماع عليه ولعله الحجة عندهم وإلا فعدم العفو عن هذا الدم قليله وكثيره كما ادعوه لم يقم عليه دليل وانما هو إلحاق من الشيخ بدم الحيض كما سيأتي بيانه في موضعه ان شاء الله تعالى ، مع انه قد ورد العفو عما لا تتم الصلاة فيه وبه قال الأصحاب وهذا من جملته ، واما بالنسبة إلى الوضوء لكل صلاة فما رواه الشيخ في الموثق عن زرارة عن الباقر (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن الطامث تقعد بعدد أيامها كيف تصنع؟ قال : تستظهر بيوم أو يومين ثم هي مستحاضة فلتغتسل وتستوثق من نفسها وتصلى كل صلاة بوضوء ما لم يثقب الدم. الحديث». ووصف هذه الرواية في المدارك بالصحة وهو سهو فإن الراوي عن زرارة فيها ابن بكير وهو ربما رد حديثه في غير موضع من شرحه. وفي صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) «... وان كان الدم لا يثقب الكرسف توضأت ودخلت المسجد وصلت كل صلاة بوضوء.». وفي صحيحة الصحاف (3) «... وان كان الدم فيما بينها وبين المغرب لا يسيل من خلف الكرسف فلتتوضأ ولتصل عند وقت كل صلاة.». وفي الفقه الرضوي (4) «فان لم يثقب الدم القطن صلت صلاتها كل صلاة بوضوء. الحديث». وسيأتي تمامه ان شاء الله تعالى.

وعن ابن أبي عقيل انه احتج بصحيحة ابن سنان عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (5) قال : المستحاضة تغتسل عند صلاة الظهر وتصلي الظهر والعصر ثم تغتسل عند المغرب فتصلي المغرب والعشاء ثم تغتسل عند الصبح فتصلي الفجر.». قال : وترك الوضوء يدل على عدم الوجوب وهذه الرواية قد احتج بها له في المختلف ، والظاهر انه تكلفها له حيث لم يقف له على دليل وإلا فإن هذه الرواية لا تعلق لها بالمسألة أصلا ، إذ غاية ما تدل

__________________

(1 و 2 و 3 و 5) المروية في الوسائل في الباب 1 من أبواب الاستحاضة.

(4) ص 22.


عليه عدم وجوب الوضوء مع الأغسال الثلاثة الواجبة في الكبرى وهو بمعزل عما نحن فيه

وعن ابن الجنيد انه احتج بموثقة سماعة (1) قال قال : «المستحاضة إذا ثقب الدم الكرسف اغتسلت لكل صلاتين غسلا وللفجر غسلا ، وان لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل لكل يوم مرة والوضوء لكل صلاة.». وأجاب عنه في المختلف بأنه محمول على نفوذ الدم الكرسف واليه أشار بقوله : «وان لم يجز الدم الكرسف» يعني إذا نفذ الى ظاهره ولم يتجاوز. وهو جيد وسيأتي مزيد تحقيق له ان شاء الله تعالى.

واما ما ذكره في الذخيرة من حمل الخبر المذكور على الاستحباب فهو بعيد عن جادة الصواب كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى في الباب ، واما ما ادعى انه مؤيد للاستحباب حيث قال ـ : ومما يؤيد ذلك ما رواه الشيخ عن إسماعيل الجعفي في القوى عن الباقر (عليه‌السلام) (2) قال : «المستحاضة تقعد أيام قرئها ثم تحتاط بيوم أو يومين فإن هي رأت طهرا اغتسلت ، وان هي لم تر طهرا اغتسلت واحتشت فلا تزال تصلي بذلك الغسل حتى يظهر الدم على الكرسف فإذا ظهر أعادت الغسل وأعادت الكرسف». ـ ففيه ان الرواية المذكورة وان كانت مجملة بالنسبة إلى الوضوء لكل صلاة لكنها يجب حملها على الاخبار المتقدمة والغسل المذكور في صدرها «إن رأت الطهر أو لم تره» انما هو غسل الحيض لانقطاعه بعد الاستظهار وجد الدم أو انقطع فكأنه قال تغتسل للانقطاع على كلا التقديرين ، ولعل منشأ توهمه من قوله (عليه‌السلام) : «فلا تزال تصلى بذلك الغسل» وباب المجاز أوسع من ان ينكر. وربما أشعرت هذه الرواية بما هو المشهور من تغيير القطنة إلا انك قد عرفت قيام الدليل الصحيح الصريح على العفو عن نجاسة ما لا تتم الصلاة فيه ، واستثناء دم الاستحاضة مما لم يقم عليه دليل فينبغي حمل هذه الرواية ونحوها على الاستحباب

(القسم الثاني) ـ أن يثقبه ولا يسيل عنه ، والمشهور انه يجب عليها مع ذلك تغيير الخرقة والغسل لصلاة الغداة ، أما تغيير الخرقة فلما تقدم في تغيير القطنة وقد

__________________

(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب الاستحاضة.


عرفت ما فيه ، واما الغسل لصلاة الغداة فهو المشهور. وقد تقدم عن ابن ابي عقيل وابن الجنيد انهما ساويا بين هذا القسم والقسم الثالث في وجوب الأغسال الثلاثة ، وبه جزم في المعتبر فقال : «والذي ظهر لي انه ان ظهر الدم على الكرسف وجب ثلاثة أغسال وان لم يظهر لم يكن عليها غسل وكان عليها الوضوء لكل صلاة» وتبعه العلامة في المنتهى كما هي عادته غالبا حيث انه في الأكثر يحذو حذو المعتبر وان زاد عليه في البحث والاستدلال والى هذا القول ايضا مال في المدارك ، ونقله عن شيخه المعاصر والمراد به المحقق الأردبيلي (رحمه‌الله) كما أشار إليه بذلك في غير موضع ، وتبعهم في ذلك الفاضل الخراساني في الذخيرة والمحقق الشيخ حسن والشيخ البهائي وغيرهم.

قال في المدارك في الاستدلال على ذلك : «لنا ما رواه الشيخ في الصحيح ، ثم نقل صحيحة معاوية بن عمار وصحيحة عبد الله بن سنان وصحيحة صفوان بن يحيى الآتيات في القسم الثالث ، قال : وهي مطلقة في وجوب الأغسال الثلاثة خرج منها من لم يثقب دمها الكرسف بالنصوص المتقدمة فيبقى الباقي مندرجا في الإطلاق ، ثم قال : احتج المفصلون بصحيحة الحسين بن نعيم الصحاف عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (1) حيث قال فيها : «ثم لتنظر فان كان الدم فيما بينها وبين المغرب لا يسيل من خلف الكرسف فلتتوضأ ولتصل عند وقت كل صلاة ما لم تطرح الكرسف ، فان طرحت الكرسف عنها فسال الدم وجب عليها الغسل ، وان طرحت الكرسف ولم يسل الدم فلتتوضأ ولتصل ولا غسل عليها ، قال وان كان الدم إذا أمسكت الكرسف يسيل من خلف الكرسف صبيبا لا يرقأ فإن عليها ان تغتسل في كل يوم وليلة ثلاث مرات». وصحيحة زرارة (2) قال : «قلت له النفساء متى تصلي؟ قال تقعد قدر حيضها وتستظهر بيومين فان انقطع الدم والا اغتسلت واحتشت واستثفرت وصلت ، فان جاز الدم الكرسف تعصبت واغتسلت ثم صلت الغداة بغسل والظهر والعصر بغسل والمغرب والعشاء بغسل ،

__________________

(1 و 2) المروية في الوسائل في الباب 1 من أبواب الاستحاضة.


وان لم يجز الدم الكرسف صلت بغسل واحد.». والجواب عن الرواية الاولى ان موضع الدلالة فيها قوله (عليه‌السلام) : «فان طرحت الكرسف عنها فسال الدم وجب عليها الغسل» وهو غير محل النزاع فان موضع الخلاف ما إذا لم يحصل السيلان ، مع انه لا إشعار في الخبر بكون الغسل للفجر فحمله على ذلك تحكم ، ولا يبعد حمله على الجنس ويكون تتمة الخبر كالمبين له. وعن الرواية الثانية انها قاصرة من حيث السند بالإضمار ، ومن حيث المتن فإنها لا تدل على ما ذكروه نصا ، فان الغسل لا يتعين كونه لصلاة الفجر بل ولا للاستحاضة لجواز ان يكون المراد به غسل النفاس ، فيمكن الاستدلال بها على المساواة بين القسمين» انتهى كلامه.

أقول : لا يخفى ان صحيحة الصحاف التي ذكرها لا تخلو من الإجمال في هذا المجال ، وغاية ما يستفاد منها انه مع وضع الكرسف فان كان الدم لا يسيل من خلف الكرسف فعليها الوضوء خاصة وان سال من خلفه فان عليها اغسالا ثلاثة ، وهذا التفصيل بحسب الظاهر لا ينطبق على شي‌ء من القولين ، لأن المتوسطة عندهم هي التي يظهر دمها على الكرسف ولا يسيل عنه ، فهي لا تدخل في ذات الأغسال الثلاثة لأنها مخصوصة بمن يسيل دمها عن الكرسف صبيبا ، ولا في الاولى ـ وان احتملها لفظ العبارة ـ لأنه جعل حكمها الوضوء خاصة والفتوى في المتوسطة على وجوب الغسل متحدا أو متعددا على القولين المذكورين. فاما التفصيل الآخر في الرواية بالسيلان وعدمه بعد طرح الكرسف عنها فلا يصلح للاستدلال ولا يدخل في هذا المجال ، لان التقسيم إلى الأقسام الثلاثة مرتب على وضع الكرسف وانه هل يثقبه الدم أم لا ومع ثقبه هل يسيل عنه أم لا؟ فسيلان الدم مع عدم وضع الكرسف خارج عن موضع المسألة ، وكما يحتمل في هذا الغسل هنا الاتحاد كما ادعاه من استدل بالرواية على ما ذكره السيد (رحمه‌الله) هنا يحتمل الجنس ايضا فيكون المراد به الأغسال الثلاثة ويكون الكلام في آخر الرواية من قبيل التفصيل بعد الإجمال. واما طعنه في صحيحة زرارة بالإضمار فهو مناف لما صرح به في غير موضع من شرحه هذا بأن الإضمار


غير مناف ولا مضر بصحة الرواية ولا سيما إذا كان المضمر مثل زرارة ممن لا يعتمد في أحكام دينه على غير الامام (عليه‌السلام) ولكنه (قدس‌سره) كما أشرنا إليه في غير موضع ليس له قاعدة يقف عليها فان احتاج الى العمل بالرواية اعتذر عن جميع ما ربما يتطرق إليها من القدح وان لم توافق ما ذهب اليه قدح فيها بما منع القدح به في غير ذلك المقام. واما طعنه في متنها بأنه لا يدل على ما ذكروه نصا ففيه إشعار بأنه يدل عليه ظاهرا وهو كاف في الاستدلال ، إذ لا يشترط في الدلالة خصوص النص بل يكفي ما هو الظاهر المتبادر الى الفهم. واما ما ذكره ـ من ان الغسل لا يتعين كونه لصلاة الفجر ولا للاستحاضة لجواز ان يكون المراد به غسل النفاس ـ فإنه مردود بأن الأول منهما وان كان متجها بالنظر الى ظاهر اللفظ إلا انه سيظهر لك الجواب عنه في المقام. واما الثاني فإنه بعيد غاية البعد بل ربما يقطع بفساده ، والظاهر ان أول من أجاب بهذا الجواب السيد السند وتبعه جمع من محققي متأخري المتأخرين كالمحقق الشيخ حسن في المنتقى والشيخ البهائي في الحبل المتين والفاضل الخراساني في الذخيرة وغيرهم ، وبيان بعده بل فساده ان سياق الخبر يدل بظاهره على انه مع عدم انقطاع الدم بعد قعودها بقدر حيضها واستظهارها بيومين فإنها تعمل عمل المستحاضة ، ثم فصل الكلام في الاستحاضة بين تجاوز الدم الكرسف فتغتسل الأغسال الثلاثة وعدم التجاوز فتغتسل غسلا واحدا ، غاية الأمر انه ربما يقال ان عدم تجاوز الدم الكرسف شامل لصورتي القليلة والمتوسطة ، والجواب عنه انه قد قام الدليل في القليلة انه لا غسل عليها فيختص بالمتوسطة.

بقي الكلام في عدم تعين ذلك الغسل للصبح ، والجواب عنه انه وان أجمل هذا الحكم في هذه الرواية ونحوها مما سيأتي في المقام إلا انه قد وقع التصريح به في الفقه الرضوي ، ومنه أخذ الشيخ علي بن الحسين بن بابويه ذلك في رسالته الى ابنه كما نقله في الفقيه ، وقد أشرنا في غير موضع الى ان جملة من الأحكام التي ذهب إليها المتقدمون ولم تصل أدلتها إلى المتأخرين حتى اعترضوا عليهم بعدم وجود الدليل قد وحدت أدلتها


في هذا الكتاب ، وهو دليل على شهرته سابقا بينهم ولا سيما الشيخ علي بن الحسين بن بابويه المذكور ، فان رسالته المذكورة كلها أو جلها إلا القليل عين عبارة الكتاب المشار اليه كما ستقف عليه ان شاء الله تعالى في المباحث الآتية ، حيث قال (عليه‌السلام) (1) في الكتاب المذكور : «وان رأت الدم أكثر من عشرة أيام فلتقعد عن الصلاة عشرة ثم تغتسل يوم حادي عشر وتحتشي ، فان لم يثقب الدم القطن صلت صلاتها كل صلاة بوضوء ، وان ثقب الدم الكرسف ولم يسل صلت صلاة الليل والغداة بغسل واحد وسائر الصلوات بوضوء ، وان ثقب الدم الكرسف وسال صلت صلاة الليل والغداة بغسل والظهر والعصر بغسل وتؤخر الظهر قليلا وتعجل العصر وتصلي المغرب والعشاء الآخرة بغسل واحد وتؤخر المغرب قليلا وتعجل العشاء الآخرة».

ثم انه مما يؤيد صحيحة زرارة المذكورة في الدلالة على الأقسام الثلاثة المشهورة ما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة (2) قال قال : «المستحاضة إذا ثقب الدم الكرسف اغتسلت لكل صلاتين وللفجر غسلا ، وان لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل كل يوم مرة والوضوء لكل صلاة ، وان أراد زوجها ان يأتيها فحين تغتسل ، هذا ان كان دمها عبيطا وان كانت صفرة فعليها الوضوء». والمعنى فيها انه ان ثقب الدم الكرسف اي سال عنه بقرينة الأمر بالأغسال الثلاثة ، وقوله : «وان لم يجز الدم الكرسف» بمعنى أنه ثقبه ولم يسل عنه بقرينة المقابلة ، وقوله : «وان كانت صفرة» كناية عن عدم ثقب الدم وهي القليلة ، وكنى عنها بالصفرة لقلتها وضعف الدم وعدم نفوذه ، فتكون الرواية منطبقة على الأقسام الثلاثة.

ونحوه ما رواه في الكافي في الموثق عن سماعة أيضا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «غسل الجنابة واجب وغسل الحائض إذا طهرت واجب وغسل المستحاضة واجب ،

__________________

(1) ص 21.

(2) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب الاستحاضة.

(3) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب الجنابة.


إذا احتشت الكرسف فجاز الدم الكرسف فعليها الغسل لكل صلاتين وللفجر غسل ، وان لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل كل يوم مرة والوضوء لكل صلاة. الحديث». والتقريب فيه انه قد اشتمل على قسمي المستحاضة الكبرى والمتوسطة ولم يذكر الصغرى.

بقي الكلام في عدم اشتمالها على كون هذا الغسل للصبح فيجب تقييدهما بكلامه في الفقه الرضوي المعتضد بعمل أولئك الفضلاء المتقدمين الذين هم أساطين الدين بعد الأئمة الطاهرين ، وبذلك يتجه الجواب ـ عما احتج به السيد السند لذلك القول من إطلاق تلك الصحاح المشار إليها ـ بأنه يمكن تقييد إطلاقها بهذه الاخبار كما اعترف بتقييد بعضها باخبار الصغرى ، لان هذه الاخبار بمعونة ما ذكرناه قد اشتملت على التفصيل بين السيلان عن الكرسف ومجرد الظهور عليه من غير سيلان ، وانه في الصورة الأولى تجب الأغسال الثلاثة وفي الثانية يجب غسل واحد ، فيجب تقييد اخبارهم بهذه الاخبار وتكون اخبارهم مخصوصة بالكبرى. والله العالم.

(القسم الثالث) ـ ان يثقبه ويسيل عنه ، والظاهر انه لا خلاف هنا في وجوب الأغسال الثلاثة ، قال في المنتهى : «وهو مذهب علمائنا اجمع» إنما الخلاف في انه هل يجب الوضوء مع هذه الأغسال ويتعدد بتعدد الصلاة أم لا يجب بالكلية أم يجب وضوء واحد مع الغسل؟ أقوال : فذهب جمع من متقدمي الأصحاب : منهم ـ الشيخ في النهاية والمبسوط والمرتضى وابنا بابويه وابن الجنيد الى الثاني ، وعن ابن إدريس الأول واليه ذهب عامة المتأخرين على ما نقله في المدارك ، وعن المفيد الثالث ، وهو انها تصلي بوضوئها وغسلها الظهر والعصر على الاجتماع ثم تفعل ذلك في المغرب والعشاء وتفعل مثل ذلك لصلاة الليل والغداة ، واختاره المحقق في المعتبر.

والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بهذا القسم روايات : منها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (1) قال : «المستحاضة تنظر أيامها فلا تصلي

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب الاستحاضة.


فيها ولا يقربها بعلها فإذا جازت أيامها ورأت الدم يثقب الكرسف اغتسلت للظهر والعصر تؤخر هذه وتعجل هذه وللمغرب والعشاء غسلا تؤخر هذه وتعجل هذه وتغتسل للصبح وتحتشي وتستثفر ، الى ان قال : وان كان الدم لا يثقب الكرسف توضأت ودخلت المسجد وصلت كل صلاة بوضوء وهذه يأتيها بعلها إلا في أيام حيضها». وهذه الرواية وان كان ظاهرها ترتب الأغسال الثلاثة على مجرد ثقب الدم الكرسف الذي هو أعم من السيلان وعدمه إلا انها مخصوصة بما قدمناه من الروايات الظاهرة في انه مع عدم السيلان فليس إلا غسل واحد ، وحينئذ فتحمل هذه الرواية على السيلان كما لا يخفى

وما رواه الكليني في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «المستحاضة تغتسل عند صلاة الظهر فتصلي الظهر والعصر ثم تغتسل عند المغرب فتصلي المغرب والعشاء ثم تغتسل عند الصبح فتصلي الفجر ، ولا بأس ان يأتيها بعلها إذا شاء إلا أيام حيضها فيعتزلها بعلها ، قال وقال : لم تفعله امرأة قط احتسابا إلا عوفيت من ذلك». وهذه الرواية وان كانت مطلقة شاملة بإطلاقها لأقسام المستحاضة الثلاثة إلا انه يجب تقييدها باخبار القسمين المتقدمين.

ومنها ـ ما رواه في الكافي أيضا في الصحيح عن صفوان بن يحيى عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (2) قال : «قلت له : جعلت فداك إذا مكثت المرأة عشرة أيام ترى الدم ثم طهرت فمكثت ثلاثة أيام ظاهرة ثم رأت الدم بعد ذلك أتمسك عن الصلاة؟ قال لا هذه مستحاضة تغتسل وتستدخل قطنة بعد قطنة وتجمع بين صلاتين بغسل ويأتيها زوجها ان أراد». وهي أيضا مطلقة يجب تقييد إطلاقها بما ذكرناه في سابقتها.

وما رواه الشيخ في الموثق عن فضيل وزرارة عن أحدهما (عليهما‌السلام) (3) قال : «المستحاضة تكف عن الصلاة أيام أقرائها وتحتاط بيوم أو اثنين ثم تغتسل كل يوم وليلة ثلاث مرات وتحتشي لصلاة الغداة وتغتسل وتجمع بين الظهر والعصر بغسل

__________________

(1 و 2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب الاستحاضة.


وتجمع بين المغرب والعشاء بغسل فإذا حلت لها الصلاة حل لزوجها ان يغشاها».

ومنها ـ صحيحة الصحاف وقد تقدمت في القسم الثاني (1) وكلامه (عليه‌السلام) في الفقه الرضوي وقد تقدم (2) وهو أصرح الاخبار في بيان الأقسام الثلاثة وحكم كل منها فينبغي ان يحمل عليه إطلاق ما عداه من اخبار الأقسام الثلاثة وإجماله.

ومنها ـ صحيحة أبي المغراء وموثقة إسحاق بن عمار وقد تقدمتا في مسألة اجتماع الحيض مع الحبل (3) ورواية يونس الطويلة المتقدمة (4) المشهورة برواية السنن ، الى غير ذلك من الاخبار.

وكلها ـ كما ترى ـ ظاهرة في عدم الوضوء متحدا أو متعددا ، إذ المقام مقام البيان فلو كان واجبا لوقع ذكره ولو في بعضها ليحمل عليه الباقي وليس فليس. وغاية ما احتج به من قال بوجوبه لكل صلاة عموم قوله تعالى : «... إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا ... الآية» (5) وفيه (أولا) ـ ما عرفت آنفا (6) من دلالة النص المعتضد بدعوى الإجماع من الشيخ والعلامة على التخصيص بالقيام من حدث النوم. و (ثانيا) ـ انه من المعلوم تقييد ذلك بالمحدثين ولم يثبت كون الدم الخارج بعد الغسل على هذا الوجه حدثا لأن الأحكام الشرعية مبنية على التوقيف. وقد بالغ المحقق في المعتبر في رد هذا القول والتشنيع على قائله فقال : «وظن غالط من المتأخرين انه يجب على هذه مع الأغسال وضوء مع كل صلاة ، ولم يذهب الى ذلك أحد من طائفتنا ، ويمكن ان يكون غلطه لما ذكره الشيخ في المبسوط والخلاف ان المستحاضة لا تجمع بين فرضين بوضوء فظن انسحابه على مواضعها وليس على ما ظن بل ذلك مختص بالموضع الذي يقتصر فيه على الوضوء» واما ما ذكره المفيد والمحقق فالظاهر ان مرجعه الى وجوب الوضوء مع الغسل حيثما كان إلا غسل الجنابة ، وبذلك صرح في المعتبر بعد ان اختار فيه مذهب المفيد والزم به الشيخ أبا جعفر

__________________

(1) ص 280.

(2) ص 283.

(3) ص 181.

(4) ص 182.

(5) سورة المائدة. الآية 7.

(6) ص 125.


هنا حيث ان عنده ان كل غسل لا بد فيه من الوضوء إلا غسل الجنابة ، قال : «وإذا كان المراد بغسل الاستحاضة الطهارة لم يحصل المراد به إلا مع الوضوء ، اما علم الهدى فلا يلزمه ذلك لان الغسل عنده يكفي عن الوضوء» أقول : يمكن الجواب عما الزم به الشيخ بتخصيص خبر ابن ابي عمير (1) الذي هو معتمدهم في إيجاب الوضوء مع كل غسل عدا غسل الجنابة بهذه الأخبار الظاهرة في عدم الوضوء في هذه الصورة ، وقد تقدم تحقيق البحث في ذلك مستوفى في غسل الجنابة (2) وان الحق عدم وجوب الوضوء مع الأغسال كائنة ما كانت.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن تنقيح البحث في المقام يتوقف على بيان أمور :

(الأول) ـ صرح شيخنا الشهيد الثاني في الروض ـ ونحوه غيره ـ بان وجوب الأغسال الثلاثة في هذه الحالة انما هو مع استمرار الدم سائلا إلى وقت العشاءين فلو طرأت القلة بعد الصبح فغسل واحد أو بعد الظهرين فغسلان خاصة. وهو حسن فإنه الظاهر من الاخبار وان كان في فهمه من بعضها نوع غموض ، وأصرح الروايات في بيان أحكام الاستحاضة بأقسامها الثلاثة عبارة الفقه الرضوي (3) والظاهر من التقسيم فيها إلى الأقسام الثلاثة من عدم ثقب الدم أو ثقبه ولم يسل أو ثقبه وسيلانه هو كون استمرار كل من هذه الحالات في الأوقات الثلاثة كما لا يخفى ، وعليها يحمل غيرها.

(الثاني) ـ انه قد صرح غير واحد منهم بان اعتبار الجمع بين الصلاتين انما هو لأجل الاكتفاء بغسل واحد وإلا فلو فرقت وأفردت كل صلاة بغسل جاز بل استحب كما نقله في المدارك عن المنتهى ، قيل : وفي بعض الروايات الموثقة أنها تغتسل عند وقت كل صلاة ، وهو مؤيد لذلك بان يحمل على عدم الجمع ، ويمكن حمله على الأوقات الثلاثة ، والأول أقرب ، وفي رواية يونس الطويلة (4) «ان فاطمة بنت ابى حبيش كانت تغتسل في كل صلاة». انتهى. أقول : لا يخفى ان الأمر بالاغتسال وقت كل صلاة لا يستلزم

__________________

(1) ص 119.

(2) ص 120.

(3) ص 283.

(4) ص 182.


الإتيان بصلاة واحدة خاصة ، وقد أوضح هذا الإجمال في صحيحة عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «المستحاضة تغتسل عند صلاة الظهر فتصلي الظهر والعصر ثم تغتسل عند المغرب فتصلي المغرب والعشاء».

(الثالث) قد صرح جملة من الأصحاب بأنه يشترط معاقبة الصلاة للغسل بان تقع بعده بلا فصل ، قالوا : ولا يقدح في ذلك الاشتغال بعده بالستر وتحصيل القبلة والأذان والإقامة لأنها مقدمات للصلاة ، واستثنى العلامة في النهاية والشهيد في الدروس انتظار الجماعة ، وربما منع ذلك لعدم الضرورة. أقول : لا ريب انه الأحوط وان كان في فهمه من الاخبار نظر.

واختلفوا في اعتبار معاقبة الصلاة للوضوء في الصغرى على قولين ، قال في المختلف : «قال الشيخ إذا توضأت المستحاضة في أول الوقت ثم صلت آخر الوقت لم تجزها تلك الصلاة. وهو اختيار ابن إدريس. وعندي فيه نظر أقربه الجواز ، لنا ـ العموم الدال على تجويز فعل الطهارة في أول الوقت والعموم الدال على توسعة الوقت» ثم نقل عن الشيخ انه احتج بأن الأخبار تدل على انه يجب عليها تجديد الوضوء عند كل صلاة وذلك يقتضي أن يتعقبه فعل الصلاة ، ولأنها مع مقارنة الصلاة تخرج عن العهدة بيقين ومع التأخير لا تخرج عن العهدة إلا بالدليل وهو منتف. ثم أجاب عن الأول بالمنع من دلالة الاخبار على ما ادعاه فان بعضها ورد بقوله : «فلتتوضأ ولتصل عند وقت كل صلاة». ولا دلالة في ذلك على ما ادعاه ، وفي بعضها «وصلت كل صلاة بوضوء». ولا دلالة فيه ايضا ، وفي بعضها «الوضوء لكل صلاة». ولا شي‌ء من هذه الاخبار دال على ما ذكره الشيخ. وعن الثاني ان الدليل على خروجها عن العهدة قائم وهو الامتثال. انتهى. أقول : اما ما أجاب به عن الأول فحسن فإن الأخبار المذكورة لا دلالة فيها على ما ادعاه الشيخ. واما ما أجاب به عن الثاني فهو لا يخرج عن المصادرة ، فإن مقتضى كلام الشيخ انه لا يحصل الامتثال

__________________

(1) المروية في الوسائل في الباب 1 من أبواب الاستحاضة.


الموجب للخروج عن العهدة إلا بالمقارنة فكيف يدعي ان الدليل على الخروج عن العهدة الامتثال؟ وربما أيد مذهب الشيخ هنا بان العفو عن حدثها المستمر الواقع في الصلاة أو بينها وبين الطهارة انما وقع للضرورة فيقتصر فيها على ما تقتضيه مما لا يمكن الانفكاك عنه ، واعتبار الجمع بين الفرضين بغسل ايضا يدل عليه. وبالجملة فالمسألة لفقد النص لا تخلو من الاشكال ، والاحتياط فيها بما ذكره الشيخ مطلوب على كل حال.

(الرابع) ـ هل الاعتبار في كمية الدم وقلته وكثرته بوقت الصلاة لأنه وقت الخطاب بالطهارة فلا اثر لما قبله ، أو انه كغيره من الأحداث متى حصل كفى في وجوب موجبه لأنه حدث فيمنع سواء كان حصوله في وقت الصلاة أم في غيره؟ قولان ، اختار أولهما في الدروس وثانيهما في البيان ورجحه في الروض ونقله عن ظاهر العلامة ، وفي الذكرى نسب القول الأول إلى لفظ «قيل» بعد ان ذكر فيها ان ظاهر خبر الصحاف يشعر به ، واستدل على القول الثاني بإطلاق الروايات المتضمنة لكون الاستحاضة موجبة للوضوء أو الغسل ، وبقوله (عليه‌السلام) في خبر الصحاف (1) : «فلتغتسل وتصلي الظهرين ثم لتنظر فان كان الدم لا يسيل فيما بينها وبين المغرب فلتتوضأ ولا غسل عليها وان كان إذا أمسكت يسيل من خلفه صبيبا فعليها الغسل». واستند في الدروس ايضا الى خبر الصحاف كما في الذكرى فقال : «والاعتبار في كميته بأوقات الصلاة في ظاهر خبر الصحاف» وفيه ما عرفت من ظهور دلالة الخبر المذكور في القول الآخر. واما ما استندوا اليه ـ من ان وقت الصلاة هو وقت الخطاب بالطهارة فلا اثر لما قبله ـ ففيه ان الحدث مانع سواء كان في الوقت أم لا والا لم تجب الطهارة من غيره من الأحداث إذا طرأ قبل الوقت ، ومن ذلك يظهر قوة القول الثاني. ويتفرع على الخلاف المذكور ما لو كثر قبل الوقت ثم طرأت القلة ، فعلى القول الأول لا غسل عليها ما لم توجد في الوقت متصلة أو طارئة ، وعلى الثاني يجب الغسل للكثرة المتقدمة. ولو طرأت الكثرة

__________________

(1) المروي في الوسائل في الباب 1 من أبواب الاستحاضة.


بعد صلاة الظهرين فلا غسل لهما ، واما بالنسبة إلى العشاءين فيراعى استمرار الكثرة إلى وقتهما على الأول وعلى الثاني يجب الغسل لهما وان لم يستمر. وهل يتوقف صوم اليوم الحاضر على هذا الغسل الطارئ سببه بعد الظهرين؟ الظاهر العدم على كل من القولين اما على الأول فلانه لا يوجب الغسل إلا بعد وجوده في وقت العشاءين وقد انقضى الصوم ، واما على الثاني فلانه وان حكم بكونه حدثا في الجملة لكنهم حكموا بصحة الصوم مع إتيانها بالأغسال ، والغسل لهذا الحدث انما هو في الليلة المستقبلة فلا يتوقف عليه صحة صوم اليوم الماضي ، واختار في الذكرى وجوبه هنا للصوم في سياق التفريع على ان الاعتبار في كميته بأوقات الصلاة ، وتوقف العلامة في التذكرة.

(الخامس) ـ ظاهر الاخبار المتقدمة ان المدار في ثبوت الكثرة الموجبة للأغسال الثلاثة هو ثقب الدم الكرسف وخروجه منه أعم من ان يكون يخرج من الخرقة التي يشد بها الكرسف أم لا ، وهو ايضا ظاهر كلام أكثر الأصحاب ، وظاهر عبارة المفيد في المقنعة انه لا بد من خروجه من الخرقة وسيلانه منها ، وجعل المتوسطة هي التي يثقب دمها الكرسف ويرشح على الخرق ولكن لا يسيل منها ، وهذه هي الكثيرة عند الأصحاب ، ولم أر في الاخبار ما يدل عليه ، إذ الذي جعل فيها مناطا للكثيرة والمتوسطة هو ثقب الكرسف وعدمه من غير تعرض للخرقة ، ونقل شيخنا المجلسي في بعض حواشيه عن المحقق الشيخ علي في بعض حواشيه انه ذهب الى ما ذكره الشيخ المفيد (رحمه‌الله) وفيه ما عرفت.

(السادس) ـ صرح غير واحد من الأصحاب بأنه لو أرادت ذات الدم المتوسط أو الكثير التهجد في الليل قدمت الغسل على الفجر واكتفت به ، قال في الذخيرة بعد نقل الحكم المذكور : «ولا اعلم فيه خلافا بينهم ولم اطلع على نص دال عليه» أقول : قد عرفت ان كلامه (عليه‌السلام) في الفقه الرضوي (1) دال عليه ولكنه لم

__________________

(1) ص 283.


يصل اليه ، والظاهر انه هو المستند لمن ذكر هذا الحكم من المتقدمين ولا سيما الصدوقين كما عرفت وستعرف ان شاء الله تعالى. قال في الروض : «وينبغي الاقتصار في التقديم على ما يحصل به الغرض ليلا فلو زادت على ذلك هل يجب إعادته؟ يحتمل لما مر في الجمع بين الصلاتين به ، وعدمه للإذن في التقديم من غير تقييد» أقول : لا يخفى ضعف الوجه الثاني من وجهي الاحتمال المذكور ، وذلك (أولا) ـ لما تقدم من تصريحهم بوجوب معاقبة الصلاة للغسل وهو المشار إليه في كلامه «لما مر. إلخ» و (ثانيا) ـ انه ليس في الخبر الذي هو المستند في الحكم المذكور لفظ التقديم حتى يمكن الاستناد إلى إطلاقه وانما وقع هذا اللفظ في عبارات الأصحاب. والذي في كلامه (عليه‌السلام) في الفقه الرضوي (1) انما هو «ان ثقب الدم الكرسف ولم يسل صلت صلاة الليل والغداة بغسل». وبنحو ذلك عبر في ذات الأغسال الثلاثة كما تقدم نقل كلامه (عليه‌السلام) وظاهره انما هو معاقبة الصلاة للغسل كما تقدم.

(المقام الثاني) ـ صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنها إذا فعلت ما هو الواجب عليها في الأقسام الثلاثة فإنها تكون بحكم الطاهر وتستبيح ما تستبيحه الطاهر من الأمور المشروطة بالطهارة ، فتصح صلاتها وصومها ودخولها المساجد ومس القرآن ونحو ذلك ، الا انه قد وقع الخلاف في جواز إتيانها قبل الغسل ونحوه. فقيل بالجواز على كراهية ، واختاره المحقق في المعتبر ، وتبعه جملة من المتأخرين : منهم ـ السيد في المدارك والفاضل الخراساني في الذخيرة وغيرهما ، وقيل بتوقف ذلك على الغسل خاصة ، وقيل بتوقفه على الوضوء ايضا ، وقيل بتوقفه على جميع ما تتوقف عليه الصلاة ، ونسبه في الذكرى الى ظاهر الأصحاب ، ونقل عن المفيد القول بتوقفه ايضا على نزع الخرق وغسل الفرج ، والظاهر عندي هو القول المشهور من توقفه على ما تتوقف عليه الصلاة وانه تابع لها فمتى حلت لها الصلاة حل لزوجها ان يأتيها وإلا فلا ، وحيث ان أول من تصدى لنصرة مذهب المحقق في هذه

__________________

(1) ص 22.


المسألة السيد في المدارك فلا بأس بنقل كلامه وبيان ما في نقضه وإبرامه ، قال ـ بعد ذكر اشتراط إتيانها بما يجب عليها من الغسل والوضوء وتغيير القطنة والخرقة في كونها بحكم الطاهر ـ ما صورته : «وفي جواز إتيانها قبله أقوال ، أظهرها الجواز مطلقا وهو خيرة المصنف في المعتبر ، لعموم قوله تعالى : «فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ» (1) وقوله (عليه‌السلام) في صحيحة ابن سنان (2) : «ولا بأس ان يأتيها بعلها متى شاء إلا في أيام حيضها». وفي صحيحة صفوان بن يحيى (3) : «ويأتيها زوجها إذا أراد». وقيل بتوقفه على الغسل خاصة ، لقوله (عليه‌السلام) في رواية عبد الملك بن أعين في المستحاضة (4) : «ولا يغشاها حتى يأمرها بالغسل». وفي السند ضعف وفي المتن إجمال لاحتمال ان يكون الغسل المأمور به غسل الحيض. وقيل باشتراط الوضوء ايضا لقوله (عليه‌السلام) في رواية زرارة وفضيل (5) : «فإذا حلت لها الصلاة حل لزوجها ان يغشاها». وهي مع ضعف سندها وخلوها من ذكر الوضوء لا تدل على المطلوب ، بل ربما دلت على نقيضه إذ الظاهر ان المراد من حل الصلاة الخروج من الحيض كما يقال لا تحل الصلاة في الدار المغصوبة فإذا خرج حلت ، فان معناه زوال المانع الغصبي وان افتقر بعد الخروج منها إلى الطهارة وغيرها من الشرائط» انتهى. واقتفاه في هذا التقرير جملة ممن تأخر عنه : منهم ـ الفاضل الخراساني في الذخيرة وغيره.

أقول : والظاهر من الاخبار لمن تأمل فيها بعين الفكر والاعتبار هو تبعية حل الوطء لحل الصلاة كما دلت عليه رواية زرارة وفضيل المذكورة وغيرها ، وها أنا أوضح لك الحال بتوفيق الملك المتعال بما تنقطع به مادة الإشكال.

فأقول : أما رواية زرارة وفضيل المشار إليها فهي ما روياه عن أحدهما (عليهما

__________________

(1) سورة البقرة. الآية 221.

(2 و 3 و 5) المروية في الوسائل في الباب 1 من أبواب الاستحاضة.

(4) المروية في الوسائل في الباب 3 من أبواب الاستحاضة.


السلام) (1) قال : «المستحاضة تكف عن الصلاة أيام أقرائها وتحتاط بيوم أو اثنين ثم تغتسل كل يوم وليلة ثلاث مرات وتحتشي لصلاة الغداة وتغتسل وتجمع بين الظهر والعصر بغسل وتجمع بين المغرب والعشاء بغسل ، فإذا حلت لها الصلاة حل لزوجها ان يغشاها». وما طعن به عليها من ضعف السند فهو غير مسموع عندنا ولا معتمد لما عرفت في مقدمات الكتاب ، وكذا عند غيرنا من قدماء الأصحاب الذين لا اثر لهذا الاصطلاح عندهم ، على ان الدلالة على ما ندعيه غير منحصرة في هذه الرواية بل هو مدلول أخبار عديدة. واما طعنه في متنها من حملها على ما ذكره من ان المراد من حل الصلاة يعني الخروج من الحيض فهو مبني على رجوع قوله في آخر الرواية : «فإذا حلت لها الصلاة. إلخ» الى ما ذكره في صدر الرواية من قوله : «تكف عن الصلاة أيام أقرائها» وهو تعسف ظاهر كما لا يخفى على الخبير الماهر ، فان هذا الكلام انما هو مرتبط بحكم المستحاضة المذكور بعد حكم الحائض كما سيظهر لك من الاخبار الآتية ان شاء الله تعالى ، والتقريب فيها انه بعد ذكر الحيض وأيام الاستظهار بين انها تحتاج في الإتيان بالصلاة الى هذه الأغسال وان الصلاة تتوقف عليها ثم بين انه متى حلت لها الصلاة بذلك حل لزوجها ان يغشاها.

وأظهر منها في إفادة هذا المعنى صحيحة عبد الرحمن بن ابي عبد الله (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المستحاضة أيطأها زوجها وهل تطوف بالبيت؟ قال تقعد قرءها الذي كانت تحيض فيه فان كان قرؤها مستقيما فلتأخذ به وان كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين ولتغتسل وتستدخل كرسفا فان ظهر على الكرسف فلتغتسل ثم تضع كرسفا آخر ثم تصلي فإذا كان الدم سائلا فلتؤخر الصلاة الى الصلاة ثم تصلي صلاتين بغسل واحد ، وكل شي‌ء استحلت به الصلاة فليأتها زوجها ولتطف بالبيت». وهي مع صحة سندها صريحة في المراد عارية عن وصمة الإيراد ، وهي

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب الاستحاضة.

(2) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب الاستحاضة.


ـ كما ترى ـ مثل الرواية الأولى قد اشتملت أولا على حكم الحيض ثم الاستظهار ثم حكم المستحاضة وانها تصلي بعد الإتيان بالأغسال الثلاثة ، ثم ذكر ان كل شي‌ء استحلت به الصلاة وكان مبيحا لها فهو مبيح لإتيان زوجها وطوافها.

ومن الأخبار في المسألة أيضا ما رواه المحقق في المعتبر من كتاب المشيخة للحسن بن محبوب في الصحيح (1) قال : روى الحسن بن محبوب في كتاب المشيخة عن أبي أيوب عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) «في الحائض إذا رأت دما بعد أيامها التي كانت ترى الدم فيها فلتقعد عن الصلاة يوما أو يومين ثم تمسك قطنة فان صبغ القطنة دم لا ينقطع فلتجمع بين كل صلاتين بغسل ويصيب منها زوجها ان أحب وحلت لها الصلاة».

وما رواه في قرب الاسناد عن محمد بن خالد الطيالسي عن إسماعيل بن عبد الخالق (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المستحاضة كيف تصنع؟ قال إذا مضى وقت طهرها الذي كانت تطهر فيه فلتؤخر الظهر الى آخر وقتها ثم تغتسل ثم تصلي الظهر والعصر فان كان المغرب فلتؤخرها إلى آخر وقتها ثم تغتسل ثم تصلي المغرب والعشاء فإذا كان صلاة الفجر فلتغتسل بعد طلوع الفجر ثم تصلي ركعتين قبل الغداة ثم تصلي الغداة. قلت يواقعها زوجها؟ قال إذا طال بها ذلك فلتغتسل ولتتوضأ ثم يواقعها ان أراد». والظاهر ان المراد بالوضوء المعنى اللغوي وهو غسل الفرج.

ومنها ـ ما رواه سماعة في الموثق (3) قال : «المستحاضة إذا ثقب الدم الكرسف اغتسلت لكل صلاتين وللفجر غسلا ، وان لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل كل يوم مرة والوضوء لكل صلاة ، وان أراد زوجها ان يأتيها فحين تغتسل. الحديث». وقد تقدم بيان معناه.

ومنها ـ ما رواه صفوان بن يحيى في الصحيح عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (4)

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب الاستحاضة.


قال : «قلت له جعلت فداك إذا مكثت المرأة عشرة أيام ترى الدم ثم طهرت فمكثت ثلاثة أيام طاهرة ثم رأت الدم بعد ذلك أتمسك عن الصلاة؟ قال لا هذه مستحاضة تغتسل وتستدخل قطنة وتجمع بين صلاتين بغسل ويأتيها زوجها ان أراد».

ومنها ـ ما في الفقه الرضوي حيث قال (عليه‌السلام) (1) بعد ذكر المستحاضة : «والوقت الذي يجوز فيه نكاح المستحاضة وقت الغسل وبعد ان تغتسل وتتنظف لان غسلها يقوم مقام الطهر للحائض».

فهذه جملة من الاخبار واضحة الدلالة ظاهرة المقالة في ان جماع المستحاضة انما هو بعد الغسل وانه تابع لحل الصلاة ، وحينئذ فما استندوا اليه من إطلاق الآية والاخبار المتقدمة فهو مخصص بما ذكرنا من الاخبار الواضحة عملا بالقاعدة المقررة المسلمة بينهم ، والعمل بإطلاق الآية والأخبار موجب لطرح هذه الأخبار ، واما الجمع بحملها على الاستحباب ـ كما هو قاعدتهم في غير باب ـ فقد عرفت ما فيه في غير موضع من الكتاب من أنه (أولا) ـ لا دليل عليه. و (ثانيا) ـ بأنه مجاز موقوف على القرينة واختلاف الأخبار ليس من قرائن المجاز ، ويؤيد ما ذهبنا إليه أنه الأوفق بالاحتياط الذي هو أحد المرجحات الشرعية في مقام اختلاف الأخبار كما صرحت به رواية زرارة الواردة في طرق الترجيح والله العالم.

(المقام الثالث) ـ للظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب في ان المستحاضة متى أخلت بشي‌ء من الأفعال الواجبة عليها من وضوء أو غسل كما تضمنته الأخبار المتقدمة فإنه لا تصح صلاتها ولا يباح لها ما يباح للطاهر ، ولو أخلت بالأغسال في المتوسطة أو الكبرى فإنه لا يصح صومها ، وقد تقدم في الاخبار المتقدمة ما يدل على الحكم الأول واما الحكم الثاني فاستدلوا عليه بما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن مهزيار (2) قال : «كتبت إليه : امرأة طهرت من حيضها أو من دم نفاسها في أول يوم من شهر رمضان ثم استحاضت

__________________

(1) ص 21.

(2) رواه في الوسائل في الباب 41 من أبواب الحيض.


فصلت وصامت شهر رمضان كله من غير ان تعمل ما تعمله المستحاضة من الغسل لكل صلاتين ، فهل يجوز صومها وصلاتها أم لا؟ فكتب تقضي صومها ولا تقضي صلاتها لان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يأمر فاطمة والمؤمنات من نسائه بذلك». ورواه الكليني في الصحيح ايضا نحوه (1) ورواه الصدوق في الفقيه بطرق ثلاث فيها الصحيح مثله (2).

وهذا الخبر من مشكلات الاخبار ومعضلات الآثار وذلك من وجهين : (أحدهما) ـ ما يشعر به من ان فاطمة (عليها‌السلام) كانت ترى الدم مع ما تكاثرت به الاخبار من انها لم تر حمرة قط لا حيضا ولا استحاضة (3). و (ثانيهما) ـ ما اشتمل عليه من الحكم بعدم قضاء الصلاة مع الحكم بقضاء الصوم مع ان العكس كان أقرب وبالانطباق على الأصول انسب ، إذ الصلاة مشروطة بالطهارة بخلاف الصوم فإنه ربما اتفق مع الحدث

__________________

(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 41 من أبواب الحيض.

(3) في الفقيه ج 1 ص 50 «وقال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : ان فاطمة (ع) ليست كأحد منكن انها لا ترى دما في حيض ولا نفاس كالحورية». وفي أصول الكافي ج 1 ص 458 بسنده عن ابى الحسن (ع) «ان فاطمة «ع» صديقة شهيدة وان بنات الأنبياء لا يطمئن». وفي كشف الغمة للاربلى ص 139 عن على عن رسول الله «ص» قال : «مريم بتول وفاطمة بتول والبتول التي لم تر حمرة قط اى لم تحض فان الحيض مكروه في بنات الأنبياء». ونحوه في العلل ص 71 ، وفي كنز العمال ج 6 ص 219 عن ابن عباس «قال رسول الله «ص» : ابنتي فاطمة «ع» حوراء آدمية لم تحض ولم تطمث». وفي مجمع الزوائد للهيثمى ج 9 ص 202 «قال رسول الله «ص» لعائشة يا حميراء فاطمة ليست كنساء الآدميين ولا تعتل كما يعتلون». وفي اللئالي المصنوعة للسيوطي ج 1 ص 205 عن أم سليم زوجة أبي طلحة الأنصاري قالت : «لم تر فاطمة بنت رسول الله «ص» دما قط في حيض ولا نفاس». وفي ص 208 منه عن ابن عباس عنه «ص» «فاطمة حوراء آدمية لم تحض ولم تطمث». ولم يتعقبه السيوطي. وفي الذخائر العقبى للمحب الطبري ص 26 عن ابن عباس مثله وفي تاريخ القرمانى ص 87 «لم تحض فاطمة بنت رسول الله «ص» لأنها خلقت من تفاحة الجنة» ..


في الجملة ، ويظهر من الشيخ في المبسوط التوقف في هذا الحكم حيث أسنده إلى رواية الأصحاب ، وهو في محله لما عرفت وجل الأصحاب (رضوان الله عليهم) قد عملوا بالخبر في الحكم الأول وتركوا الحكم الثاني ، وربما ظهر من رواية الصدوق له في الفقيه من غير تعرض للطعن في متنه العمل بمضمونه ، وكذا الشيخ كما يفهم من تأويله الآتي.

والاشكال الأول انما يتوجه على رواية الشيخ والكليني للخبر المذكور كما قدمناه واما الصدوق في الفقيه فإنه رواه هكذا : «لان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يأمر المؤمنات من نسائه بذلك». وكذلك في العلل رواه كما في الفقيه. وربما أجيب ـ على تقدير صحة هذه الزيادة ـ بأنه كان يأمر فاطمة ان تأمر المؤمنات بذلك ، ويعضده ما في صحيحة زرارة (1) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن قضاء الحائض الصلاة ثم تقضي الصوم؟ فقال ليس عليها ان تقضي الصلاة وعليها ان تقضي صوم شهر رمضان. ثم اقبل علي فقال ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يأمر بذلك فاطمة وكانت تأمر بذلك المؤمنات». واحتمل بعضهم ان المراد بفاطمة هنا بنت ابي حبيش المتقدمة في حديث السنن (2) فإنها كانت مشهورة بكثرة الاستحاضة والسؤال عن مسائلها في ذلك الزمان كما يفهم من الحديث المشار اليه ويكون ذكر الصلاة والسلام بعد لفظ فاطمة في الخبر المذكور ناشئا من توهم بعض الرواة ونقلة الخبر انها فاطمة الزهراء (عليها‌السلام).

واما الإشكال الثاني فقد أجيب عنه بوجوه : (الأول) ـ ما ذكره الشيخ في التهذيب حيث قال : «لم يأمرها بقضاء الصلاة إذا لم تعلم ان عليها لكل صلاتين غسلا ولا تعلم ما يلزم المستحاضة ، فاما مع العلم بذلك والترك له على العمد يلزمها القضاء» واعترضه في المدارك بأنه ان بقي الفرق بين الصوم والصلاة فالإشكال بحاله وان حكم بالمساواة بينهما ونزل قضاء الصوم على حالة العلم وعدم قضاء الصلاة على حالة الجهل فتعسف ظاهر.

(الثاني) ـ ما أجاب به المولى الأردبيلي من ان المراد لا يجب عليها قضاء

__________________

(1) المروية في الوسائل في الباب 41 من أبواب الحيض.

(2) ص 182.


جميع الصلوات لان منها ما كان واقعا في الحيض. ورده في الحبل المتين بأنه مع بعده محل كلام فإن الصلاة في قول السائل : «هل يجوز صومها وصلاتها» المراد بها الصلاة التي أتت بها في شهر رمضان وهو الزمان الذي استحاضت فيه كما يدل عليه قوله : «طهرت من حيضها أو نفاسها من أول شهر رمضان» وليس الكلام في الصلاة التي قعدت عنها أيام حيضها قبل دخول شهر رمضان ، واما تعليق الجار في قوله : «من أول شهر رمضان» بالحيض أو النفاس فمع انه بعيد عن ظاهر الكلام بمراحل لا يجدي نفعا. انتهى. وهو جيد

(الثالث) ـ ما ذكره في المنتقى قال : «والذي يختلج في خاطري ان الجواب الواقع في الحديث غير متعلق بالسؤال المذكور والانتقال الى ذلك من وجهين : (أحدهما) ـ قوله فيه : «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يأمر فاطمة. إلخ» فإن هذه العبارة إنما تستعمل فيما يكثر وقوعه ويتكرر ، وكيف يعقل كون تركهن ما تعمله المستحاضة في شهر رمضان جهلا كما ذكره الشيخ أو مطلقا مما يكثر وقوعه؟ و (ثانيهما) ـ ان هذه العبارة بعينها مضت في حديث من اخبار الحيض في كتاب الطهارة مرادا بها قضاء الحائض للصوم دون الصلاة وبينا وجه تأويلها على ما يروى في أخبارنا من ان فاطمة (عليها‌السلام) لم تكن تطمث ، ولا يخفى أن للعبارة بذلك الحكم مناسبة ظاهرة تشهد بذلك السليقة لكثرة وقوع الحيض وتكرره والرجوع إليه في حكمه ، وبالجملة فارتباطها بذلك الحكم ومنافرتها لقضية الاستحاضة مما لا يرتاب فيه أهل الذوق السليم ، وليس بالمستبعد ان يبلغ الوهم الى وضع الجواب مع غير سؤاله ، فإن من شأن الكتابة في الغالب ان تجمع الأسئلة المتعددة فإذا لم ينعم الناقل نظره فيها يقع له نحو هذا الوهم» وهو جيد إلا ان فتح هذا الباب في الاخبار مشكل.

(الرابع) ـ ما أفاده الأمين الأسترآبادي حيث قال : «السائل سأل عن حكم المستحاضة التي صامت وصلت في شهر رمضان ولم تعمل أعمال المستحاضة والامام ذكر حكم الحائض وعدل عن جواب السؤال من باب التقية ، لأن الاستحاضة من باب الحدث


الأصغر عند العامة فلا توجب غسلا عندهم (1) واما ما افاده الشيخ فلم يظهر له وجه ، بل أقول : لو كان الجهل عذرا لكان عذرا في الصوم ايضا ، مع ان سياق كلامهم (عليهم‌السلام) الوارد في حكم الأحداث يقتضي ان لا يكون فرق بين الجاهل بحكمها ولا بين العالم به» انتهى. وهو لا يخلو من قرب.

(الخامس) ـ ما نقل عن بعض الأفاضل حيث قال : «خطر لي احتمال لعله قريب لمن تأمله بنظر صائب ، وهو انه لما كان السؤال مكاتبة وقع (عليه‌السلام) تحت قول السائل «فصلت» «تقضي صلاتها» وتحت قوله «صامت» «تقضي صومها

__________________

(1) في فتح الباري شرح البخاري لابن حجر الشافعي ج 1 ص 281 «ثم صار حكم دم الاستحاضة حكم الحدث فتتوضأ لكل صلاة لكنها لا تصلى بذلك الوضوء أكثر من فريضة واحدة مؤداة أو مقتضية لظاهر قوله (ص): «ثم تتوضأ لكل صلاة». وبهذا قال الجمهور ، الى ان قال : وعند المالكية يستحب لها الوضوء لكل صلاة ولا يجب الا بحدث آخر ، وقال احمد وإسحاق ان اغتسلت لكل فرض فهو أحوط» وفي نيل الأوطار للشوكانى ج 1 ص 210 باب غسل المستحاضة لكل صلاة «بعد ان استحاضت زينب بنت جحش قال لها النبي (ص) «اغتسلي لكل صلاة». ذهب الإمامية إلى وجوب الاغتسال عليها لكل صلاة ، وروى عن ابن عمر وابن الزبير وعطاء بن ابى رباح وروى عن على «ع» وابن عباس ، وعن عائشة انها قالت تغتسل كل يوم غسلا واحدا ، وعن ابن المسيب والحسن قالا تغتسل من صلاة الظهر إلى صلاة الظهر ، وذهب الجمهور إلى انه لا يجب عليها الاغتسال لشي‌ء من الصلوات ولا لوقت من الأوقات إلا مرة واحدة وقت انقطاع حيضها ، قال النووي وبهذا قال جمهور العلماء من السلف والخلف» وفي المغني لابن قدامة ج 1 ص 366 «اختلف أهل العلم في المستحاضة فقال بعضهم يجب عليها الغسل لكل صلاة ، الى ان قال وقال بعضهم تغتسل كل يوم غسلا ، وقال بعضهم تجمع بين كل صلاتي جمع بغسل واحد وتغتسل للصبح ، وقال بعضهم تغتسل مرة لانقضاء حيضها وتتوضأ لكل صلاة وانه يجزئها ذلك وبه قال عطاء والنخعي وأكثر أهل العلم ويروى عن عروة وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي ، وقال عكرمة وربيعة ومالك انما عليها الغسل عند انقضاء حيضها وليس عليها للاستحاضة وضوء».


ولاء» اي متواليا ، والقول بالتوالي ولو على وجه الاستحباب (1) ودليله كذلك فهذا من جملته ، وذلك كما هو متعارف في التوقيع من الكتابة تحت كل مسألة ما يكون جوابا لها حتى انه قد يكتفى بنحو «لا» و «نعم» بين السطور ، أو انه (عليه‌السلام) كتب ذلك تحت قوله : «هل يجوز صومها وصلاتها» وهذا أنسب بكتابة التوقيع وبالترتيب من غير تقديم وتأخير ، والراوي نقل ما كتبه (عليه‌السلام) ولم يكن فيه واو يعطف «تقضي صلاتها» أو انه كان «تقضي صومها ولا وتقضي صلاتها» بواو العطف من غير إثبات همزة فتوهمت زيادة الهمزة التي التبست الواو بها ، أو انه «ولا تقضي صلاتها» على معنى النهي فتركت الواو لذلك ، وإذا كان التوقيع تحت كل مسألة كان ترك الهمزة أو المد في خطه (عليه‌السلام) وجهه ظاهرا لو كان ، فان قوله : «تقضي صومها ولاء» مع انفصاله لا يحتاج فيه الى ذلك ، فليفهم ، ووجه توجيه الواو احتمال ان يكون (عليه‌السلام) جمع في التوقيع بالعطف أو ان الراوي ذكر كلامه وعطف الثاني على الأول» انتهى. أقول : لا يخفى ان ما ذكره هذا الفاضل لا يخلو من قرب لو اقتصر في الجواب على ما ذكره من هذين اللفظين ، واما بالنظر الى التعليل المذكور في الخبر فلا يخلو من بعد لانه من تتمة الجواب ، وإردافه باللفظين المذكورين بين السطور بعيد وفصله عنهما أبعد.

(السادس) ـ ما ذكره بعضهم من الحمل على الاستفهام الإنكاري. ولا يخفى بعده سيما في المكاتبة ، مضافا الى التعليل المذكور في الخبر.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان الظاهر من كلام جملة من الأصحاب فساد الصوم بالإخلال بشي‌ء من الأغسال ، وقيد ذلك جمع من المتأخرين بالأغسال النهارية وحكموا بعدم توقف صحة الصوم على غسل الليلة المستقبلة لسبق تمامه ، وترددوا في التوقف على غسل الليلة الماضية ، قال في الروض : «وهل يشترط في اليوم الحاضر غسل ليلته الماضية؟ وجهان ، والحق انها ان قدمت غسل الفجر ليلا أجزأ عن غسل العشاءين بالنسبة إلى الصوم

__________________

(1) هكذا وردت العبارة فيما عثرنا عليه من النسخ والظاهر سقوط خبر المبتدأ.


وان أخرته الى الفجر بطل الصوم هنا وان لم نبطله لو لم يكن غيره» انتهى. وظاهره التفصيل بالاشتراط إن أخرت غسل الفجر الى طلوع الفجر وعدمه ان قدمته على طلوع الفجر فإنه يجزئ عنه لوقوعه ليلا ، ولو لم يكن عليها إلا غسل الفجر خاصة دون غسل العشاءين فإنه لا يبطل صومها وان أخرته إلى طلوع الفجر. وفي استفادة هذه التفاصيل من النص اشكال ، والمستفاد من النصوص المتقدمة هو ان هذه الأغسال انما هي للصلاة ليلا كانت أو نهارا ومقتضى ذلك وجوبها في أوقات تلك الصلوات ، غاية الأمر ان صحيحة ابن مهزيار دلت على انه بالإخلال بها كملا يجب عليها قضاء الصوم ، وحينئذ فكما ان المعتبر منها للصلاة ما كان بعد الوقت فليكن للصوم ايضا كذلك ، ومنه يظهر ان الأظهر عدم وجوب تقديم غسل الفجر عليه للصوم ، واحتمل في الروض وجوب تقديمه هنا ، قال : «لانه حدث مانع من الصوم فيجب تقديم غسله عليه كالجنابة والحيض المنقطع ، ولان جعل الصوم غاية لوجوب غسل الاستحاضة مع الغمس يدل عليه» وفي كل من الأمرين المذكورين منع ظاهر ، إذ لم يقم دليل على كونه حدثا مانعا من الصوم كما ادعاه بل هو أول المسألة ، ولم يرد ما يدل على ان الصوم غاية لوجوب غسل الاستحاضة مع الغمس كما ادعاه وان وقع في كلامهم ، إذ ليس في وجوب توقف الصوم على الأغسال المذكورة غير صحيحة ابن مهزيار المتقدمة (1) وهي خالية من ذلك. ثم نقل في الروض عن الشهيد هنا وجوب التقديم وعن العلامة في النهاية التوقف في المسألة ، وهما ضعيفان بما ذكرنا.

وتنقيح البحث في المقام يتوقف على رسم مسائل (الأولى) ـ نقل جملة من الأصحاب عن الشيخ في المبسوط انه حكم بان انقطاع دم الاستحاضة موجب للوضوء ، وظاهره انه أعم من ان يكون انقطاعه للبرء أو لا ، ونقل عن بعض الأصحاب انه قيده بالانقطاع للبرء ، وبذلك صرح العلامة في التحرير ، وقال في الذكرى : «والأصل فيه ان انقطاع الدم يظهر معه حكم الحدث أو ان الصلاة أبيحت مع الدم للضرورة وقد زالت ،

__________________

(1) ص 295.


وعلى التقديرين تنتقض الطهارة الاولى» ويرد عليه ان دم الاستحاضة يوجب الغسل تارة والوضوء أخرى فإيجاب الوضوء خاصة تحكم ، والأظهر على هذا ان يقال ان الانقطاع للبرء يوجب ما أوجبه الدم قبل الانقطاع من الوضوء أو الغسل لا الوضوء خاصة كما قالوه وتوضيحه ان الموجب في الحقيقة هو الدم السابق على الانقطاع لا نفس الانقطاع لانه ليس بحدث ودم الاستحاضة في حد ذاته حدث يوجب الغسل أو الوضوء ، فمع الانقطاع للبرء بعد الطهارة سابقا يظهر حكم الحدث إذ الموجب هو خروج الدم وقد حصل بعد الطهارة فيترتب عليه حكمه ، والطهارة السابقة أباحت الصلاة بالنسبة الى ما سبق قبلها من الدم ، ولا يلزم من صحة الصلاة مع الدم بعد الطهارة الاولى عدم تأثيره في الحدث ، وظاهر المدارك الميل الى ما ذكرنا حيث انه بعد نقل قول الشيخ قال : «وقيده بعض الأصحاب بكونه انقطع للبرء اي الشفاء ، وهو حسن لكن لا يخفى ان الموجب له في الحقيقة هو الدم السابق على الانقطاع لا نفس الانقطاع ، وان دم الاستحاضة يوجب الوضوء تارة والغسل أخرى ، فإسناد الإيجاب إلى الانقطاع والاقتصار على الوضوء خاصة لا يستقيم» انتهى. وظاهر المعتبر الميل الى عدم بطلان الطهارة الأولى بالانقطاع فان الانقطاع ليس بحدث. ولو قيل : النصوص مختصة بصورة الاستمرار قلنا فحينئذ إثبات كون الدم المنقطع يوجب الوضوء يحتاج الى دليل يدل على كونه حدثا وليس هنا ما يصلح لذلك. وجوابه يعرف بما قدمناه فان ظاهر النصوص يدل على كونه حدثا ، واغتفار حدثيته بعد الطهارة وقبل الصلاة من حيث الضرورة لا يستلزم الانسحاب فيما لا ضرورة تلجئ اليه وهو حال الانقطاع للبرء. وبالجملة فالمسألة لخلوها من النصوص لا تخلو من شوب الاشكال ، قال في الذكرى : «وهذه المسألة لم نظفر فيها بنص من قبل أهل البيت (عليهم‌السلام) ولكن ما افتى به الشيخ هو قول العامة بناء منهم على ان حدث الاستحاضة يوجب الوضوء لا غير فإذا انقطع بقي على ما كان عليه ، ولما كان الأصحاب يوجبون به الغسل فليكن مستمرا» انتهى. ومرجعه الى ان دم الاستحاضة حدث كغيره من الأحداث فيجب ان يترتب عليه


مسببه غسلا كان أو وضوء ، والخلاف المتقدم في اعتبار الكثرة بأوقات الصلاة أو مطلقا جار هنا أيضا.

(الثانية) ـ قال في المبسوط : «إذا توضأت المستحاضة وقامت إلى الصلاة فانقطع الدم قبل الدخول وجب عليها الوضوء ثانيا ، لان دم الاستحاضة حدث فإذا انقطع وجب منه الوضوء ، فإذا انقطع بعد تكبيرة الإحرام ودخولها في الصلاة مضت في صلاتها ولم يجب عليها استئناف الصلاة لأنه لا دليل عليه» واعترضه ابن إدريس بأنه ان كان انقطاع دمها حدثا وجب عليها قطع الصلاة واستئناف الوضوء ، قال : «وانما هذا كلام الشافعي أورده الشيخ لأن الشافعي يستصحب الحال ، وعندنا ان استصحاب الحال غير صحيح ، وما استصحب فيه الحال فبدليل وهو الإجماع على المتيمم إذا دخل في الصلاة ووجد الماء فانا لا نوجب عليه الاستئناف بالإجماع لا بالاستصحاب» انتهى. ومال في المختلف الى مذهب الشيخ قال : «والحق ما قاله الشيخ ، اما وجوب الاستئناف قبل الدخول فلان طهارتها غير رافعة للحدث على ما قلناه وانما تفيد استباحة الدخول مع وجود الحدث ، فإذا انقطع الدم وجب عليها نية رفع الحدث لأن الطهارة الأولى كانت ناقصة فلذا أوجبنا عليها اعادة الوضوء. واما عدمه مع الدخول فلأنها دخلت في صلاة مشروعة فيجب عليها إكمالها ، لقوله تعالى : ولا تبطلوا أعمالكم (1)» انتهى.

أقول : لا يخفى ان ما علل به الشيخ وجوب الوضوء ثانيا في الصورة الأولى غير ما علل به العلامة ذلك ، وكلام ابن إدريس متجه بناء على تعليل الشيخ فان مرجع كلام الشيخ الى ان انقطاع الدم موجب للوضوء ، وحينئذ فيرد عليه ان الفرق بين الدخول في الصلاة وعدمه غير جيد إذ الوجه المقتضى لوجوب الاستئناف في الصورة الأولى موجود في الصورة الثانية ، والحدث كما يمنع من ابتداء الدخول في الصلاة يمنع من استدامتها ، والتمسك بالاستصحاب ضعيف كما تقدم بيانه في مقدمات الكتاب ، واما على تقدير كلام العلامة فإن مرجعه

__________________

(1) سورة محمد الآية 34.


إلى الفرق بين الرفع والاستباحة وعدمه والمشهور الأول ، فإنهم قد فرقوا بينهما بأن نية الاستباحة عبارة عن رفع المنع ونية رفع الحدث عبارة عن رفع المانع ، وحينئذ فدائم الحدث كالمستحاضة والسلس والمبطون والمتيمم يقتصر على نية الاستباحة لأن حدثه دائم غير ان الشارع قد أباح له الدخول في الصلاة بالطهارة ولا ينوي رفع الحدث لاستمراره منه ، وعليه يتجه كلامه في الصورة الأولى ، الا ان التحقيق العدم لان الحدث عندنا عبارة عن الحالة المانعة من الدخول في العبادة المشروطة بالطهارة ، وحينئذ فمتى سوغ الشارع للمكلف الدخول فيها بأحد أنواع الطهارة فقد علم زوال تلك الحالة وهو معنى الرفع ، غاية الأمر ان زوالها قد يكون إلى غاية كما في المتيمم ودائم الحدث وقد يكون مطلقا كما في غيرهما ، ولهذا لا يوجب تخصيص كل قسم باسم بحيث لا ينصرف الى غيره ، وبذلك يظهر ضعف ما بنى عليه في المختلف في كل من الصورتين وان الأظهر عدم الفرق بين الصورتين المذكورتين ، ويرجع الكلام هنا الى ما تقدم في المسألة الأولى فكل من قال بالبطلان ثم قال به هنا ومن قال بالصحة قال بها هنا. واما ما ذهب اليه الشيخ من الفرق والتفصيل فقد عرفت ضعفه.

ويظهر من المعتبر هنا الميل الى عدم وجوب الاستئناف مطلقا لان خروج دمها بعد الطهارة معفو عنه فلم يكن مؤثرا في نقضها والانقطاع ليس بحدث ، قال في المدارك بعد نقل كلامه : «وهو متجه» والشهيد في الذكرى بعد ان نقل كلام المحقق قال : «قلت لا أظن ان أحدا قال بالعفو عن هذا الدم الخارج بعد الطهارة مع تعقب الانقطاع ، انما العفو عنه مع قيد الاستمرار فلا يتم الاعتراض» واعترضه في المدارك بأنه مدفوع بعموم الاذن لها في الصلاة بعد الوضوء المقتضى للعفو عما يخرج منها من الدم بعد ذلك مطلقا. أقول : لا يخفى ان اختياره هنا لما ذهب اليه المحقق مناف لما قدمنا نقله عنه في المسألة الاولى من استحسانه لما نقله عن ذلك البعض الذي قيد الانقطاع بالبرء كما لا يخفى على من راجعه ، على ان


ما ادعاه هنا من عموم الاذن لها في الصلاة لا يخلو من المناقشة بل ربما كان الظاهر من سياق الاخبار المشار إليها عدمه.

(الثالثة) ـ الظاهر من كلام غير واحد من الأصحاب ـ ومنهم الشهيد في الذكرى ـ انه لو كان انقطاع الدم بعد الطهارة انقطاع فترة لا برء ـ اما لاعتيادها ذلك أو لاخبار خبير عارف فإنه لا يؤثر في نقض الطهارة لأنه بعوده كالمستمر الموجود دائما ، وإطلاق كلام الشيخ المتقدم كما أشرنا إليه آنفا يقتضي حصول النقض به مطلقا وعن العلامة انه اعتبر قصور زمان الفترة عن الطهارة والصلاة فلو طالت بقدرهما وجبت الإعادة لتمكنها من طهارة كاملة ، فلو لم تعدها وصلت فاتفق عوده قبل الفراغ على خلاف العادة وجب عليها إعادة الصلاة لدخولها فيها مع الشك في الطهارة. قال في الروض : «ومثله ما لو شكت في الانقطاع هل هو للبرء أم لا أو هل يطول زمانه بمقدار الطهارة والصلاة أم لا؟ فيجب إعادة الطهارة لأصالة عدم العود ، لكن لو عاد قبل إمكان فعل طهارة والصلاة فالوضوء بحاله لعدم وجود الانقطاع المانع من الصلاة مع الحدث».

(الرابعة) ـ صرح الأصحاب بأنه يجب على المستحاضة الاستظهار في منع الدم من التعدي بقدر الإمكان ، وعليه تدل جملة من الاخبار : منها ـ قوله (عليه‌السلام) في صحيحة معاوية بن عمار (1) : «... وتحتشي وتستثفر وتحشى (2) وتضم فخذيها في

__________________

(1) المروية في الوسائل في الباب 1 من أبواب الاستحاضة.

(2) قال في الوافي بعد ذكر الرواية : «بيان : تحشى مضبوط في بعض النسخ المعتمد عليها بالحاء المهملة والشين المعجمة المشددة وفسر بربط خرقة محشوة بالقطن ـ يقال لها المحشي ـ على عجيزتها للتحفظ من تعدى الدم حال القعود ، وفي الصحاح المحشي العظامة تعظم بها المرأة عجيزتها. وفي بعض النسخ تحتبى بالتاء المثناة من فوق والباء الموحدة من الاحتباء وهو جمع الساقين والفخذين الى الظهر بعمامة ونحوها ليكون ذلك موجبا لزيادة تحفظها من تعدى الدم. وفي بعض النسخ ولا تحني بزيادة «لا» وبالنون وحذف حرف المضارعة أي لا تختضب بالحناء. ونقل عن العلامة الحلي أنها بالياءين التحتانيتين أولاهما مشددة ـ


المسجد وسائر جسدها خارج.». وقوله (عليه‌السلام) في صحيحة الحلبي (1) : «... ثم تغتسل وتستدخل قطنة وتستذفر بثوب ثم تصلي حتى يخرج الدم من وراء الثوب.». وفي موثقة زرارة (2) : «... ثم هي مستحاضة فلتغتسل وتستوثق من نفسها وتصلي كل صلاة بوضوء. الحديث». وفي حديث يونس (3) المشتمل على السنن الثلاث «وأمرها ان تغتسل وتستثفر بثوب وتصلي». وفي موضع آخر منه «وتلجمي». الى غير ذلك من الاخبار. والاستثفار بالسين المهملة ثم التاء المثناة من فوق ثم الثاء المثلثة وفي آخره راء مصدر قولك : استثفر الرجل بثوبه إذا رد طرفيه بين رجليه الى حجزته بضم الحاء والجيم الساكنة ، أو من استثفر الكلب بذنبه : جعله بين فخذيه ، أو من ثفر الدابة بالثاء المثلثة الذي يجعل تحت ذنبها ، ومنه الحديث «الاستثفار ان تجعل مثل ثفر الدابة (4) وفي المغرب «استثفر المصارع إزاره وبإزاره إذا اتزر به ثم رد طرفيه بين رجليه فغرزهما في حجزته» وقد ذكر في الروض ان المراد به هنا التلجم بان تشد على وسطها خرقة كالتكة وتأخذ خرقة أخرى وتعقد أحد طرفيها بالأولى من قدام وتدخلها بين فخذيها وتعقد الطرف

__________________

أي لا تصلى تحية المسجد. والأول أقرب الى الصواب والواو في قوله (عليه‌السلام) : «وسائر جسدها خارج» وأو الحال يعنى انها لا تدخل المسجد ولكنها تجلس قريبا من المسجد بحيث يكون سجودها فيه ضامة فخذيها حين تدخل رأسها للسجود ، الى ان قال : وكأن المراد بالمسجد محل صلاتها الذي كانت تصلى فيه وانما لا تدخله احتراما له» أقول : وفي بعض التعاليق على الكافي احتمال ان يكون «ولا تحني» أي لا تحني ظهرها كثيرا مخافة ان يسيل الدم.

(1 و 2) المروية في الوسائل في الباب 1 من أبواب الاستحاضة.

(3) ص 182.

(4) هذه الجملة وردت في ذيل صحيحة الحلبي المروية في الوسائل في الباب 1 من أبواب الاستحاضة وقبلها تفسير الاستذفار. وقال المحدث الكاشاني : «وكأن تفسير اللفظتين من كلام صاحب الكافي» الا ان في مجمع البحرين بعد بيان معنى الاستثفار قال : «ومنه الحديث والاستثفار.».


الآخر من خلفها بالأولى ، كل ذلك بعد غسل الفرج وحشوه قطنا قبل الوضوء ، وبنحو منه فسر ابن الأثير الاستثفار الواقع في حديث المستحاضة.

وكذا يجب الاستظهار على السلس والمبطون لرواية حريز عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «إذا كان الرجل يقطر منه البول والدم إذا كان حين الصلاة اتخذ كيسا وجعل فيه قطنا ثم علقه عليه وادخل ذكره فيه ثم صلى : يجمع بين الصلاتين الظهر والعصر بأذان وإقامتين. الحديث». وعلل ايضا باشتراك الجميع في النجاسة فيجب الاحتراز منها بقدر الإمكان ، قال في الروض : «فلو خرج الدم أو البول بعد الاستظهار والطهارة أعيدت بعد الاستظهار ان كان لتقصير منه وإلا فلا للحرج ، ويمتد الاستظهار الى فراغ الصلاة ، قال : ولو كانت صائمة فالظاهر وجوبه جميع النهار ، لأن تأثير الخارج في الغسل وتوقف الصوم عليه يشعر بوجوب التحفظ كذلك وبه قطع المصنف» أقول : اما ما ذكره من الحكم الأول فجيد ، واما الثاني فمحل اشكال وان كان هو الأحوط. أما الجرح السائل فلا يجب شده بل تجوز الصلاة وان كان سائلا كما دلت عليه الاخبار الكثيرة (2) مضافا الى اتفاق الأصحاب ، قالوا : ويفرق السلس والمبطون والمستحاضة بعدم وجوب تغيير الشداد في الأولين ووجوبه في الثالث لاختصاص الاستحاضة بالنقل والتعدي قياس. وقد تقدم ما فيه ، ولعله وصل إليهم من الاخبار ما يدل على التغيير لكل صلاة وإلا فالأخبار الواصلة إلينا خالية من ذلك ، مضافا الى ما دل على العفو عن نجاسة ما لا تتم الصلاة فيه (3) كما تقدم بيانه. والله العالم.

__________________

(1) المروية في الوسائل في الباب 19 من أبواب نواقض الوضوء.

(2) المروية في الوسائل في الباب 22 من أبواب النجاسات.

(3) المروية في الوسائل في الباب 31 من أبواب النجاسات.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *