ج11 - مكروهات صلاة الجماعة

المسألة الثانية عشرة

قد ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم جملة من المكروهات في الجماعة أيضا :

منها ـ ان يقف المأموم وحده في الصف إلا أن تمتلئ الصفوف فلا يجد موضعا يدخل فيه فإنه يقف وحده في صف بغير كراهة ، والحكم المذكور مجمع عليه كما نقله في المدارك وقبله العلامة ، ونقل عن ابن الجنيد انه منع من ذلك ، قال على ما نقل عنه في الذكرى : ان امكنه الدخول في الصف من غير أذية غيره لم يجز قيامه وحده.

ويدل على الحكم الأول ما رواه الشيخ عن السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام (1) قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا تكونن في العيكل. قلت وما العيكل؟ قال أن تصلى خلف الصفوف وحدك ، فان لم يمكن الدخول في الصف قام حذاء الإمام أجزأه فإن هو عاند الصف فسد عليه صلاته».

وروى في كتاب دعائم الإسلام عن على عليه‌السلام (2) قال : «قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يا على لا تقومن في العيكل. قلت وما العيكل يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ قال ان تصلى خلف الصفوف وحدك».

ثم قال في الكتاب المذكور (3) : يعنى ـ والله العالم ـ إذا كان ذلك وهو

__________________

(1) الوسائل الباب 58 من صلاة الجماعة.

(2) مستدرك الوسائل الباب 46 من صلاة الجماعة.

(3) ج 1 ص 188 واللفظ فيه هكذا : «يعنى ـ والله أعلم ـ إذا وجد موضعا في ما


يجد موضعا في الصفوف فاما إذا لم يجد فلا شي‌ء عليه ان يصلى خلف الصفوف وحده ، لأنا روينا عن ابى عبد الله جعفر بن محمد عليهما‌السلام (1) «انه سئل عن رجل دخل مع قوم في جماعة فقام وحده ليس معه في الصف غيره والصف الذي بين يديه متضايق؟ قال إذا كان كذلك وصلى وحده فهو معهم. وقال : قم في الصف ما استطعت فإذا ضاق المكان فتقدم أو تأخر فلا بأس». وعن على عليه‌السلام (2) انه قال : «إذا جاء الرجل ولم يستطع أن يدخل الصف فليقم حذاء الإمام فإن ذلك يجزئه ولا يعاند الصف». انتهى.

قال شيخنا المجلسي (قدس‌سره) في كتاب البحار : أقول لم أر «العيكل» بهذا المعنى في كتب اللغة ، قال في القاموس : اعتكل اعتزل وكمنبر مخيط الراعي. وفي بعض النسخ بالثاء المثلثة وهو ايضا كذلك ليس له معنى مناسب ، ولا يبعد ان يكون الفسكل بالفاء والسين المهملة وهو بالضم والكسر الفرس الذي يجي‌ء في الحلبة آخر الخيل ، ورجل فسكل كزبرج رذل ، وكزنبور وبرذون متأخر تابع ، ذكره الفيروزآبادي. وقال في النهاية : فيه «ان أسماء بنت عميس قالت لعلى عليه‌السلام ان ثلاثة أنت آخرهم لأخيار. فقال على عليه‌السلام لأولادها فسكلتني أمكم» أى أخرتنى وجعلتني كالفسكل وهو الفرس الذي يجي‌ء في آخر خيل السباق ، وكانت قد تزوجت قبله بجعفر ثم بأبي بكر. انتهى كلام شيخنا المشار اليه.

وقال في كتاب مجمع البحرين بعد أن نقل الحديث بهذا اللفظ قال : وفي نسخة «الفسكل» ثم فسره بما ذكره في النهاية ، وفيه تأييد لما ذكره شيخنا المشار اليه من التحريف في هذه اللفظة.

ومن الأخبار الدالة على الحكم المذكور ايضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن الفضيل بن يسار عن ابى عبد الله عليه‌السلام (3) قال : «اتموا الصفوف إذا وجدتم خللا

__________________

بين يديه من الصفوف فاما إذا لم يجد فلا شي‌ء عليه ان صلى وحده خلف الصفوف.».

(1 و 2) مستدرك الوسائل الباب 45 من صلاة الجماعة.

(3) الوسائل الباب 70 من صلاة الجماعة.


ولا يضرك أن تتأخر إذا وجدت ضيقا في الصف وتمشي منحرفا حتى تتم الصف».

كذا استدل به بعضهم وفي الدلالة غموض ، فان مورد الخبر انما هو سد الخلل والفرج التي تكون في الصف خصوصا في ما إذا كان مكانه ضيقا.

وأما ما يدل على الحكم الثاني فمنه ـ ما رواه في الكافي والتهذيب في الموثق عن سعيد الأعرج (1) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يأتي الصلاة فلا يجد في الصف مقاما أيقوم وحده حتى يفرغ من صلاته؟ قال نعم لا بأس يقوم بحذاء الامام».

وما رواه في التهذيب في الصحيح عن سعيد الأعرج (2) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يدخل المسجد ليصلي مع الامام فيجد الصف متضايقا بأهله فيقوم وحده حتى يفرغ الامام من الصلاة أيجوز ذلك له؟ فقال نعم لا بأس به».

وعن ابى الصباح (3) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يقوم في الصف وحده؟ فقال لا بأس إنما يبدو واحد بعد واحد».

وما رواه في الفقيه (4) قال : «سأل موسى بن بكر أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يقوم. الحديث» إلا انه قال : «انما يبدو الصف واحدا بعد واحد».

واما ما تقدم نقله عن ابن الجنيد من منع ذلك فقيل انه احتج برواية السكوني المذكورة ، وبما روى من طريق العامة (5) «ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أبصر رجلا خلف الصفوف وحده فأمره أن يعيد الصلاة». وأجيب عن دليليه بعد التنزل عن ضعف السند بأنهما محمولان على الكراهة جمعا بين الأدلة.

بقي هنا شي‌ء لم أر من نبه عليه ولا تنبيه له وهو انه لا يخفى ان الظاهر من قوله عليه‌السلام في جملة من هذه الأخبار «يقوم بحذاء الامام» حال امتلاء الصفوف

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 57 من صلاة الجماعة.

(5) في تيسير الوصول ج 2 ص 255 الفصل الخامس في أحكام المأموم عن وابصة ابن معبد «رأى رسول الله «ص» رجلا يصلى خلف الصف وحده فأمره بإعادة الصلاة».


هو انه يقوم وحده في الصف الأخير الذي ليس فيه إلا هو ويكون موقفه محاذيا لموقف الامام. وهذا المعنى قد سمعته من بعض مشايخنا في صغر سني وأظنه الوالد الماجد العلامة (أجزل الله تعالى إكرامه).

وهذا هو المفهوم من رواية سعيد الأعرج المذكورة ، لأن السائل سأله «أيقوم وحده» يعنى خارجا عن الصفوف فيقف في صف وحده فقال : «نعم لا بأس يقوم بحذاء الإمام» فإن قوله عليه‌السلام «نعم» صريح في موافقة السائل في وقوفه وحده ظهر الصفوف لكن أمره ان يكون محاذيا للإمام من خلفه.

ونحو هذه الرواية قول الرضا عليه‌السلام في كتاب الفقه (1) «فان دخلت المسجد ووجدت الصف الأول تاما فلا بأس أن تقف في الصف الثاني وحدك أو حيث شئت ، وأفضل ذلك قرب الإمام». فإن المراد انه يكون محاذيا للإمام في موقفه من خلفه ومسامتا له فإنه أقرب المواقف اليه. وعلى هذا ينبغي أن يحمل إطلاق رواية السكوني.

إلا ان الصدوق عطر الله مرقده) في الفقيه (2) قال : وسألت محمد بن الحسن عن موقف من يدخل بعد من دخل ووقف عن يمين الامام لتضايق الصفوف فقال لا أدرى. وذكر انه لا يعرف في ذلك أثرا في الحديث. انتهى.

وربما أشعر ظاهر هذا الكلام بحمل قولهم عليهم‌السلام في تلك الأخبار «قام بحذاء الإمام» أو «يقوم بحذاء الامام» على القيام بجنبه كما في اتحاد المأموم دون ما قلناه.

ولعل الأقرب حمل كلامه على امتلاء الصفوف على وجه لا يوجد في ذلك المكان موقف للمصلي ، ويؤيده قول محمد بن الحسن «انه لا يعرف في ذلك أثرا في الحديث» ولو حمل على ما ذكرناه من وجود مكان في الصف الأخير فإن الأخبار

__________________

(1) ص 14.

(2) لم نقف على هذه العبارة في الفقيه في مظانها.


دلت على انه يقوم في ذلك الصف كما يدل عليه قوله في رواية أبي الصباح المتقدمة «إنما يبدو واحد بعد واحد» وفي رواية الفقيه «انما يبدو الصف واحدا بعد واحد»

إلا انا لم نقف على ما يدل على القيام بجنب الامام حال تضايق الصفوف كما ذكره ، وليس في الأخبار الواردة في المقام سوى هذا اللفظ اعنى قوله : «يقوم بحذاء الامام» والظاهر انه فهم منه هذا المعنى الذي ذكره ، وهو وان أوهمه ظاهر اللفظ في بادئ النظر إلا ان الظاهر منه انما هو ما ذكرناه ، وهو الذي فهمه الأصحاب أيضا حيث انهم صرحوا بأنه يكره للمأموم القيام وحده في صف إلا ان لا يجد موضعا في الصفوف فيجوز قيامه وحده من غير كراهة.

لكن ظاهر كلامه في المنتهى الموافقة لما ذكره الصدوق ، حيث قال : لو دخل المسجد ولم يجد مدخلا في الصف وقف وحده عن يمين الإمام مؤتما لرواية سعيد الأعرج (1) وبه قال الشافعي في أحد القولين (2). الى آخره. وهو كما ترى ظاهر في انه فهم من المحاذاة في الرواية المذكورة ونحوها انما هو القيام بجنب الامام.

وظني بعده لما عرفت من ما شرحناه ، ويؤيد ذلك الأخبار الدالة على انه متى كان المأموم أكثر من واحد فان حكمهم التأخر والقيام بحذاء الامام مخصوص بالمأموم المنفرد. إلا انه لا يخلو من شوب المناقشة بتخصيص هذه الصورة لعموم الحكم المذكور.

وبالجملة فالحكم لا يخلو من شوب الإشكال لما عرفت من الإبهام في ذلك اللفظ والإجمال وان كان الأقرب ما ذكرناه كما شرحناه. والله العالم.

ومنها ـ التنفل بعد قوله «قد قامت الصلاة» على المشهور ونقل عن الشيخ

__________________

(1) ص 182.

(2) في نيل الأوطار ج 3 ص 198 باب ما جاء في صلاة الرجل فذا «وقد اختلف في من لم يجد فرجة ولا سعة في الصف ما الذي يفعل؟ فحكى عن نصه في البويطى انه يقف منفردا ولا يجذب الى نفسه أحدا. الى ان قال : وقال أكثر أصحاب الشافعي وبه قالت الهادوية انه يجذب الى نفسه واحدا» ونحو ذلك في المجموع للنووي ج 4 ص 297.


في النهاية وابن حمزة أنهما منعا ذلك ، قال في الذكرى : وقد يحمل على ما لو كانت الجماعة واجبة وكان ذلك يؤدى الى فواتها.

والأظهر الأول لما رواه الشيخ والصدوق في الصحيح عن عمر بن يزيد (1) «أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرواية التي يروون انه لا ينبغي أن يتطوع في وقت فريضة ما حد هذا الوقت؟ قال إذا أخذ المقيم في الإقامة. فقال له ان الناس يختلفون في الإقامة؟ قال المقيم الذي تصلى معه».

وأنت خبير بان ظاهر الخبر ان الوقت المذكور لكراهة النافلة هو شروع المقيم في الإقامة التي هي عبارة عن الفصول السبعة عشرة ، وعبارات الأصحاب تضمنت التحديد بقول «قد قامت الصلاة» ولا يخفى ما بينهما من المغايرة.

ثم ان ظاهر الخبر وكلام الأصحاب ان الكراهة إنما هي في ابتداء النافلة متى دخل الوقت المذكور أما لو دخل وهو مشتغل بها فالظاهر انه يتمها بغير كراهة في ذلك.

وروى الحميري في كتاب قرب الاسناد عن محمد بن عيسى والحسن بن ظريف وعلى بن إسماعيل كلهم عن حماد بن عيسى (2) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول قال ابى خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لصلاة الصبح وبلال يقيم وإذا عبد الله بن القشب يصلى ركعتي الفجر فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يا ابن القشب أتصلى الصبح أربعا؟ قال ذلك له مرتين أو ثلاثا».

وروى فيه عن عبد الله بن الحسن عن جده على بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام (3) قال : «سألته عن رجل ترك ركعتي الفجر حتى دخل المسجد والامام قد قام في صلاته كيف يصنع؟ قال يدخل في صلاة القوم ويدع الركعتين فإذا ارتفع النهار قضاهما».

__________________

(1) الوسائل الباب 44 من الأذان والإقامة و 35 من مواقيت الصلاة.

(2 و 3) الوسائل الباب 44 من الأذان والإقامة.


قال شيخنا المجلسي عطر الله مرقده) في كتاب البحار : الخبر ان يدلان على المنع من التنفل بعد الشروع في الإقامة وبعد إتمامها.

أقول : من المحتمل قريبا عندي ان المنع من ذلك انما هو من حيث أن وقت صلاة ركعتي الفجر ـ كما قدمنا تحقيقه في موضعه من الأوقات ـ إنما هو قبل الفجر الثاني وانه لا يجوز تأخيرهما الى بعد الفجر لغير تقية وان كان خلاف المشهور بين أصحابنا كما أثبتنا ذلك بالأخبار المتقدمة ثمة ، ولعله الى ذلك يشير قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الخبر الأول «أتصلى الصبح أربعا؟» بمعنى ان الوقت في النافلة قد خرج واختص بالفريضة وهي ركعتان فصلاتها فيه موجب لكون الفريضة في هذا الوقت أربعا.

ومنها ـ أن يخص نفسه بالدعاء لما رواه الشيخ في التهذيب مسندا والصدوق في الفقيه مرسلا (1) «ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال من صلى بقوم فاختص نفسه بالدعاء دونهم فقد خانهم».

والظاهر تخصيص الحكم المذكور بالدعاء الذي يخترعه الامام من نفسه أما لو أراد الدعاء ببعض الأدعية المروية عنهم عليهم‌السلام فالظاهر الإتيان به على الكيفية الواردة تحصيلا لفضيلة الإتيان به على الوجه المنقول. والله العالم.

المطلب الثاني في الامام

وفيه مسائل :

الأولى ـ يشترط فيه البلوغ والعقل والايمان وطهارة المولد والذكورة ان أم مثله والسلامة من الجذام والبرص والحد الشرعي والعدالة ، وهذه الشروط قد تقدم البحث عنها وما يتعلق بها من الخلاف وذكر الأدلة وتحقيق الحال بما يزيل عنها نقاب الإشكال في الفصل الأول في صلاة الجمعة من الباب الثالث فلا حاجة الى الإعادة هنا.

__________________

(1) الوسائل الباب 71 من صلاة الجماعة. ولفظ «دونهم» في الفقيه.


وانما يبقى الكلام هنا في إمامة المرأة ، وقد عرفت اشتراط الذكورة في الإمام إذا أم ذكرانا أو ذكرانا واناثا ، وهو مما لا خلاف فيه وانما الخلاف في إمامة المرأة بمثلها في الفريضة ، اما النافلة التي تجوز الجماعة فيها فالظاهر منهم الاتفاق على جواز إمامتها وانما محل الخلاف الفرائض ، فالمشهور هو الجواز بل قال في التذكرة انه قول علمائنا أجمع ، وذهب السيد المرتضى الى المنع وهو المنقول عن الجعفي وابن الجنيد ، ونفى عنه البأس في المختلف واليه مال في المدارك.

ومنشأ الخلاف المذكور اختلاف الأخبار في المقام ، فالواجب أولا نقل الأخبار المشار إليها ثم الكلام في المسألة بما وفق الله سبحانه لفهمه منها :

فمنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن على بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام (1) قال : «سألته عن المرأة تؤم النساء ما حد رفع صوتها بالقراءة والتكبير؟ قال قدر ما تسمع».

وعن سماعة بن مهران في الموثق (2) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة تؤم النساء؟ فقال لا بأس به». وعن عبد الله بن بكير في الموثق ـ وهو ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه ـ عن بعض أصحابنا عن ابى عبد الله عليه‌السلام (3) «انه سئل عن المرأة تؤم النساء؟ قال نعم تقوم وسطا بينهن ولا تتقدمهن».

وعن على بن يقطين بإسناد فيه محمد بن عيسى اليقطيني ـ وفيه كلام ـ عن ابى الحسن الماضي عليه‌السلام (4) قال : «سألته عن المرأة تؤم النساء ما حد رفع صوتها بالقراءة والتكبير؟ فقال بقدر ما تسمع».

وروى في كتاب قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن على بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام (5) قال : «سألته عن المرأة تؤم النساء ما حد رفع صوتها بالقراءة؟ قال قدر ما تسمع. قال : وسألته عن النساء هل عليهن الجهر بالقراءة

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 20 من صلاة الجماعة.

(4 و 5) الوسائل الباب 31 من القراءة في الصلاة.


في الفريضة؟ قال لا إلا أن تكون امرأة تؤم النساء فتجهر بقدر ما تسمع قراءتها».

وهذه الأخبار كلها دالة على الجواز وظاهرها ان ذلك في الفريضة.

ومنها ـ ما رواه الصدوق والشيخ في الصحيح عن هشام بن سالم (1) «انه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة هل تؤم النساء؟ قال تؤمهن في النافلة فأما في المكتوبة فلا ولا تتقدمهن ولكن تقوم وسطهن».

وما رواه ثقة الإسلام والشيخ عن سليمان بن خالد في الصحيح (2) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة تؤم النساء؟ فقال إذا كن جميعا أمتهن في النافلة فأما المكتوبة فلا ولا تتقدمهن ولكن تقوم وسطا منهن».

وما رواه الصدوق عن زرارة في الصحيح عن ابى جعفر عليه‌السلام (3) قال : «قلت له المرأة تؤم النساء؟ قال لا إلا على الميت إذا لم يكن أحد أولى منها تقوم وسطهن معهن في الصف فتكبر ويكبرن».

وما رواه الشيخ عن الحلبي في القوى عن ابى عبد الله عليه‌السلام (4) قال «تؤم المرأة النساء في الصلاة وتقوم وسطا منهن ويقمن عن يمينها وشمالها ، تؤمهن في النافلة ولا تؤمهن في المكتوبة».

إذا عرفت ذلك فاعلم ان المحقق في المعتبر قد أجاب عن روايتي سليمان بن خالد والحلبي بأنهما نادرتان لا عمل عليهما. واعتراضه في المدارك بأنه غير جيد لوجود القائل بمضمونهما وموافقتهما لصحيحة هشام المتقدمة مع أن الصدوق أوردها في كتابه ، ومقتضى كلامه في أول كتابه الإفتاء بمضمونها. والشهيد في الذكرى جمع بين الروايات بحمل اخبار المنع على نفى الاستحباب المؤكد لا مطلق الاستحباب. ولا يخفى ما فيه من البعد. وقال الفاضل الخراساني في الذخيرة : والأقرب في الجمع بين الأخبار أن يقال إمامتهن في الفرائض جائزة ولكن الأفضل تركها. وصاحب المدارك حيث كان يدور مدار الأسانيد ويتهافت عليها

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 20 من صلاة الجماعة.


جمد على الروايات الأخيرة وطعن في روايتي سماعة وابن بكير بضعف السند واختار ما ذهب اليه المرتضى وابن الجنيد من جواز إمامتهن في النوافل دون الفرائض ثم قال : ويشهد لهذا القول ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام. ثم أورد الرواية المتقدمة الدالة على ان المرأة لا تؤم إلا على الميت

أقول : والذي يخطر بالبال العليل ان ما اشتملت عليه الروايات الأخيرة من التفصيل بين النافلة والمكتوبة فيجوز في الأولى دون الثانية فالمراد بالنافلة والمكتوبة انما هو الجماعة المستحبة والجماعة الواجبة فيكون كل من النافلة والمكتوبة صفة للجماعة لا للصلاة كما فهموه ، وحينئذ فالمراد بالجماعة النافلة اى المستحبة كالصلاة اليومية لاستحباب الجماعة فيها ، والمراد بالجماعة الواجبة كالجمعة والعيدين فإنه لا يجوز إمامة المرأة فيها اتفاقا نصا وفتوى ، وعلى هذا تجتمع الأخبار وتكون الأخبار الأخيرة راجعة إلى الأخبار الأولة الدالة على القول المشهور. والاستدلال بهذه الأخبار على ما ادعوه مبنى على جعل كل من النافلة والمكتوبة صفة للصلاة وهو غير متعين بل كما يجوز الحمل على ذلك يجوز الحمل على جعلها صفة للجماعة أى الجماعة المستحبة والجماعة الواجبة. ولا ينافي ذلك إطلاق المكتوبة فان المكتوبة بمعنى المفروضة الواجبة كما في قوله عزوجل «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ» (1) أى فرض ، وقوله : «كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ» (2) أى فرض ، وقوله «إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً» (3) فان الكتاب هنا مصدر بمعنى المفعول أى مكتوبا يعنى مفروضا. وبالجملة فإن المكتوبة بمعنى المفروضة وهي كما يمكن جعلها صفة للصلاة يمكن أن تكون صفة للجماعة.

والذي يرجح ما قلناه من الحمل المذكور وجوه : (أحدها) ـ ان فيه جمعا بين أخبار المسألة لاتفاقها واجتماعها على ما قلناه من جواز إمامة المرأة في الصلاة اليومية

__________________

(1) سورة البقرة الآية 79.

(2) سورة البقرة الآية 176.

(3) سورة النساء الآية 104.


والجمع بين الأخبار على وجه لا يطرح منها شي‌ء أولى من اطراح بعضها كما هو اللازم من ما ذهب اليه المانع من جواز إمامتها في اليومية. ولا ينافي ما قلناه من الأخبار المتقدمة إلا صحيحة زرارة وسيأتي ان شاء الله تعالى وجه الجواب عنها.

و (ثانيها) ـ انه قد روى الصدوق في الفقيه (1) قال : قال الحسن بن زياد الصيقل «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام كيف تصلى النساء على الجنائز إذا لم يكن معهن رجل؟ قال يقمن جميعا في صف واحد ولا تتقدمهن امرأة. قيل ففي صلاة مكتوبة أيؤم بعضهن بعضا؟ قال نعم». وهو كما ترى صريح في إمامتهن في الصلاة اليومية ، والرواية كما ترى من مرويات الفقيه التي اعترف كما تقدم في كلامه انها تكون من ما يفتي به ويعمل عليه (2) ويعضد هذه الرواية صحيحة على بن جعفر المتقدمة ورواية على بن يقطين. وهو قد اعترف بذلك في صحيحة على بن جعفر حيث انه ـ بعد أن طعن في روايتي سماعة وعبد الله بن بكير ـ قال : نعم يمكن الاستدلال عليه بما رواه الشيخ في الصحيح عن على بن جعفر. ثم ساق الخبر كما قدمناه. ولا يخفى انه مع العمل بهذه الأخبار الأخيرة بناء على حمل المكتوبة فيها على الصلاة المكتوبة كما يدعونه فان اللازم طرح تلك الأخبار الدالة على الجواز رأسا مع ما عرفت من كثرتها وصحة بعضها واعتضادها بالشهرة بين الأصحاب بل دعوى الإجماع ، والجمع بين الخبرين مهما أمكن أولى من طرح أحدهما رأسا.

وثالثها ـ ان المستفاد من الأخبار ـ كما قدمنا تحقيقه في المسألة الأولى من المطلب الأول ـ هو تحريم الجماعة في النافلة مطلقا إلا ما استثنى كما عليه اتفاق الأصحاب (رضوان الله عليهم وان كان ظاهر كلام السيد المذكور ثمة اختيار الجواز إلا انا قد أوضحنا بطلانه وهدمنا بنيانه ، وحينئذ فمتى حملت هذه الأخبار على ما يدعونه من جواز إمامة المرأة في النافلة دون الفريضة لزم مخالفتها لتلك الأخبار الكثيرة

__________________

(1) الوسائل الباب 25 من صلاة الجنازة.

(2) تقدم منه «قدس‌سره» ج 9 ص 115 خروجه عن هذه القاعدة في مواضع عديدة.


المعتضدة باتفاق الأصحاب الدالة على تحريم الجماعة في النافلة ومخالفتها لهذه الأخبار الدالة هنا على جواز إمامة المرأة في اليومية ، مع ما عرفت من شهرة القول بها بين الأصحاب بل ادعى عليه الإجماع ، ومتى حملنا هذه الاخبار على المعنى الذي ذكرناه فلا تعارض ولا إشكال في البين وبه يزول التنافر والاختلاف من الجانبين وتكون هذه الأخبار الثلاثة التي أوردها موافقة للمشهور في المسألتين ، وعلى تقدير ما ذكره تكون معارضة كما عرفت باخبار الطرفين مع كون عمل الأصحاب كما عرفت انما هو على تلك الأخبار في الموضعين. ومن أجل ذلك نسب في المعتبر روايتي سليمان بن خالد والحلبي إلى الشذوذ والندرة كما عرفت ، وبمثله صرح العلامة في المنتهى ايضا. وهو جيد إلا ان ما حملناها عليه أجود لأن فيه أعمالا للدليلين بحسب الإمكان من غير طرح شي‌ء في البين.

ورابعها ـ انه متى حملت النافلة هنا على صلاة النافلة كما يدعونه فلا يخلو إما أن يراد بها النافلة التي استثنيت من تحريم الجماعة في النافلة وهو صلاة الاستسقاء والعيدين كما زعموه وانه يجوز إمامة المرأة في هاتين الصلاتين كما يفهم من كلام شيخنا الشهيد الثاني في الروض من الاتفاق عليه ، أو يراد بها مطلق النافلة راتبة أو غير راتبة كما يفهم من صاحب المدارك الميل اليه. والأول أبعد بعيد من اخبار الصلاتين المذكورتين ، مضافا الى ما عرفت من عدم ثبوت ذلك في صلاة العيدين. والثاني من ما يلزم منه تفضيل النساء على الرجال حيث انه يسوغ لهن من الإمامة في الجماعة ما لا يجوز مثله للرجال مع ان المعهود من الشرع خلافه لنقصانهن في جميع الموارد.

وكيف كان كما قيل في أرخاه العنان فإنه وان لم يكن ما ذكرناه في هذه الأخبار من المعنى المذكور متعينا أو مترجحا لما أوضحناه فلا أقل من أن يكون مساويا لما ذكروه وهو كاف في دفع الاستدلال.

واما صحيحة زرارة التي نقلها عن الفقيه فالأظهر حملها على التقية وكذا كل ما دل على المنع من امامة المرأة ، لأن جل العامة على المنع من إمامتها لكن كراهة


عند بعض وتحريما عند آخرين في الفريضة دون النافلة كما هو قول المرتضى ، والقول بالجواز في الفريضة كما هو المشهور عندنا قول الشافعي خاصة واحمد في إحدى الروايتين كما نقله في المنتهى ، واما القول بالكراهة فنقله عن عائشة وأم سلمة وعطاء والثوري والأوزاعي وإسحاق وابى ثور واحمد في الرواية الأخرى وابى حنيفة ومالك ، قال وحكى عن نافع وعمر بن عبد العزيز ، واما القول بالتفصيل كما ذهب اليه المرتضى (قدس‌سره) فنقله عن الشعبي والنخعي وقتادة (1) ومن ذلك يظهر لك ان جل العامة على القول بالمنع من إمامتها وان كان كراهة عند بعض وتحريما عند آخرين ، وهو وجه وجيه في الجمع بين أخبار المسألة.

وأنت إذا تأملت بعين الحق والإنصاف وجدت انه لا سبب للاضطراب في هذه الأخبار ونحوها والاختلاف إلا التقية التي عمت بها البلية وصارت أعظم سبب في الاختلاف في الأحكام الشرعية ، وشهرة الحكم في الصدر الأول بالجواز من أظهر المرجحات لكون ذلك مذهبهم (صلوات الله عليهم) كما تقدمت الإشارة إليه في غير موضع. والله العالم.

__________________

(1) لا يخفى ان عبارة المنتهى ج 1 ص 368 لا ظهور لها في نقل الكراهة عن عائشة ومن بعدها وانما ظاهرها نقل الكراهة عن أحمد في روايته الأخرى وابى حنيفة ومالك ونافع وعمر بن عبد العزيز ، وهذه عبارته : يجوز ان تؤم المرأة النساء في الفرض والنفل الذي فيه تسن الجماعة ، ذهب إليه أكثر علمائنا وهو مستحب عندنا وبه قال الشافعي واحمد في إحدى الروايتين وروى عن عائشة. الى ان قال : وقال أحمد في الرواية الأخرى أنه مكررة وان فعلن اجزأهن وهو قول أبي حنيفة. إلى آخر ما نقل في الكتاب. وعلى طبق ما استظهرناه من العبارة جاء النقل في المجموع للنووي الشافعي ج 4 ص 199 والمحلى ج 3 ص 128 فإن الكراهة لم تنفل فيهما عن عائشة ومن بعدها الى ابى ثور. ولمعرفة مذهب الشافعي واحمد زيادة على ذلك يرجع الى الأم ج 1 ص 145 والإنصاف ج 2 ص 212 ، ونقل في الفقه على المذاهب الأربعة ج 1 ص 305 عن المالكية انه لا يصح ان تكون المرأة اماما لرجال أو نساء لا في فرض ولا في نفل. وكذا نقل في المجموع والمحلى عن مالك المنع مطلقا.


المسألة الثانية ـ من الشرائط في الإمامة الذكورة والقيام والقراءة والإتقان ان أم مثله ، وتفصيل هذه الجملة يقع في مواضع :

الأول ـ انه لا يؤم القاعد القائم وانما يؤم مثله ، وهو قول علمائنا أجمع على ما حكاه العلامة في التذكرة.

وعليه يدل ما رواه الصدوق في الفقيه مرسلا (1) قال : «قال أبو جعفر عليه‌السلام ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صلى بأصحابه جالسا فلما فرغ قال : لا يؤمن أحدكم بعدي جالسا. قال وقال : الصادق عليه‌السلام كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقع عن فرس فشج شقه الأيمن فصلى بهم جالسا في غرفة أم إبراهيم».

ومن غفلات صاحب الوسائل انه تفرد بالقول بالكراهة : فقال في كتاب الوسائل : باب كراهة إمامة الجالس القيام وجواز العكس (2) ثم أورد الرواية الأولى ، مع إجماع الأصحاب كما عرفت على التحريم وصراحة الخبر المذكور في ذلك من غير معارض يوجب تأويله.

واستدل جملة من الأصحاب على الحكم المذكور بما رواه الشيخ عن السكوني عن ابى عبد الله عن أبيه عليهما‌السلام (3) قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام لا يؤم المقيد المطلقين ولا صاحب الفالج الأصحاء».

قالوا : وكذا الكلام في جميع المراتب لا يؤم الناقص الكامل فلا يجوز اقتداء الجالس بالمضطجع.

والاستدلال بهذه الرواية بناء على ما ذيلوها به مبنى على كون العلة في منعه صلى‌الله‌عليه‌وآله من امامة الجالس القائم انما هو من حيث نقصان صلاة الجالس عن صلاة القائم ولا يخفى ان هذه العلة إنما هي مستنبطة إذ لا إشعار في النص بها وإلا لاقتضى ذلك عدم جواز امامة المتيمم بالمتوضئ والمسافر بالحاضر.

والظاهر انه الى ما ذكرناه يشير كلام الفاضل الخراساني في الذخيرة بعد نقل

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 25 من صلاة الجماعة.

(3) الوسائل الباب 22 من صلاة الجماعة. ويرويه الشيخ عن الكليني.


ما نقلناه عنهم بقوله : هكذا اشتهر بين الأصحاب.

وبالجملة فإن الدليل على الحكم المذكور انما هو الرواية الاولى ، واما إمامة الناقص الكامل بقول مطلق جوازا وتحريما فلم أقف فيه على نص. وأما بالنسبة إلى جزئيات هذه الكلية فهو يدور مدار النصوص وجودا وعدما جوازا وتحريما.

قالوا : وأطلق الشيخ في الخلاف جواز إمامة العاري بالمكتسي. وقال العلامة في التذكرة : ان اقتدى بالعاري مكتس عاجز عن الركوع والسجود جاز لمساواته له في الأفعال. قال في المدارك : وهو يتم إذا قلنا ان المانع من الاقتداء بالعاري عجزه عن الأركان واما إذا علل بنقصه من حيث الستر فلا. انتهى. وفيه إشارة الى ما قدمناه ذكره عنهم.

والحق في المسألة المذكورة أن المأموم في هذه الصورة ان كان فرضه شرعا الصلاة جالسا كامامه فلا بأس بائتمامه ، لان فرض الامام وفرضه الجلوس فيدخلان تحت الأخبار الدالة على جواز امامة الجالس بالجالس من ذوي الاعذار. ولا يضر هنا نقص صلاة الإمام من حيث كونه عاريا والمأموم مكتس إذ لا دليل على هذه العلة كما عرفت ، وان كان فرضه الإتيان بالأركان من قيام وقعود وركوع وسجود فالظاهر المنع لخبر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله.

الثاني ـ المشهور انه لا يجوز امامة اللاحن في قراءته ولا المبدل حرفا بغيره بالمتقن سواء كان اللحن مغيرا للمعنى كضم تاء «أنعمت» أم لا كفتح دال «الحمد» تمكن من الإصلاح أو لم يتمكن ، وأطلق الشيخ كراهة إمامة من يلحق في قراءته ، قال في المبسوط يكره امامة من يلحن في قراءته سواء كان في الحمد أو غيرها أحال المعنى أو لم يحل إذا لم يحسن إصلاح لسانه ، فان كان يحسن وتعمد اللحن فإنه تبطل صلاته وصلاة من خلفه إذا علموا بذلك. وظاهر ابن إدريس اختصاص المنع بما يحيل المعنى حيث قال : لا يجوز امامة اللحنة الذي يغير بلحنه معاني القرآن.

وقال العلامة في المختلف : الوجه عندي انه لا يصح أن يكون إماما ، اما إذا


تعمد فلأن صلاته باطلة لأنه لم يقرأ القرآن كما انزل ، وأما إذا لم يتمكن فلأنه بالنسبة إلى الأعراب كالأخرس فكما لا تصح إمامة الأخرس لا تصح امامة من لا يتمكن من الإعراب. ثم قال : احتج بان صلاته صحيحة فجاز أن يكون اماما. والجواب المنع من الملازمة كالأخرس. انتهى. وعلى هذا جرى كلام الأكثر كما عرفت.

وكذا الكلام بالنسبة إلى المبدل حرفا بغيره كالألثغ بالثاء المثلثة وهو الذي يبدل حرفا بغيره ، وربما خص بمن يبدل الراء لاما ، والأرت وهو الذي يجعل اللام تاء ، وفي حكمه الأليغ بالياء المثناة التحتانية وهو الذي لا يبين الكلام ولا يأتي بالحروف على الصحة ، وكذا التمتام والفأفاء وهو من لا يحسن تأدية التاء والفاء إلا بترديدهما مرتين فصاعدا ، وقيل من لا يحسن تأدية التاء والفاء أو يبدلهما بغيرهما.

وهؤلاء كلهم ما عدا التمتام والفأفاء لا تصح إمامتهم عند الأصحاب إلا بأمثالهم أما الفردان المذكوران فقد صرح غير واحد منهم بجواز إمامتهما مطلقا ، قالوا لان هذه الزيادة الحاصلة من الترديد زيادة غير مخرجة عن صحة القراءة وكرهه بعض الأصحاب ، قال المحقق في المعتبر : اما التمتام والفأفاء فالائتمام بهما جائز لأنه يكرر الحرف ولا يسقطه. ومقتضى كلامه ان التمتام هو الذي لا يتيسر له النطق بالتاء إلا بعد ترديدها مرتين فصاعدا. وبهذا التفسير والحكم صرح العلامة في التذكرة والمنتهى لكنه حكم في التذكرة بكر لعة إمامته لمكان هذه الزيادة. وقال في المنتهى : ولو كان له لثغة خفيفة تمنع من تخليص الحرف ولكن لا يبدله بغيره أمكن أن يقال بجواز إمامته بالقارئ. ونحوه قال في التذكرة ولكنه جزم بالجواز. وقال في الذكرى : اما من به لثغة تمنع من تخليص الحرف ولا تبلغ به تبديله بغيره فجائز إمامته للقارئ وان كان القارئ أفضل لأن ذلك يعد قرآنا. قال في المدارك : ويشكل بان من لم يخلص الحرف لم يكن آتيا بالقراءة على الوجه المعتبر فلا تكون


قراءته كافية عن قراءة المأموم كالمبدل.

قيل : وهل يجب على اللاحن والمبدل للحرف بغيره مع العجز عن الإصلاح الائتمام بالمتقن ان تمكن منه؟ وجهان من توقف الواجب على ذلك فيكون واجبا ، ومن أصالة البراءة ، وإطلاق قوله عليه‌السلام (1) في صحيحة زرارة والفضيل «وليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلها».

والمسألة بجميع شقوقها لا تخلو من توقف وتأمل لعدم النصوص الواضحة في المقام.

الثالث ـ انه لا خلاف في انه لا يجوز أن تؤم المرأة الرجل ، نقل ذلك غير واحد من الأصحاب ، واستدلوا عليه بما روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (2) قال : «لا تؤم المرأة رجلا». وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله (3) قال : «أخروهن من حيث أخرهن الله». قالوا ويؤيده ان المرأة مأمورة بالستر والحياء والإمامة للرجال تقتضي خلافه.

وأنت خبير بما في هذا الاستدلال ، اما الخبران فالظاهر انهما ليسا من طريقنا إذ لم أقف عليهما في أخبارنا. وأما التعليل الأخير فعليل.

والأظهر في الاستدلال على ذلك انما هو ما قدمناه في المقدمة السادسة في المكان من الأخبار الدالة على عدم جواز محاذاة المرأة للرجل ولا تقدمها عليه ، مضافا الى أن العبادات مبنية على التوقيف ولم يرد عن صاحب الشريعة فعل ذلك

__________________

(1) الوسائل الباب 1 من صلاة الجماعة.

(2) سنن البيهقي ج 3 ص 90.

(3) المغني ج 2 ص 243 ، وفي البحر الرائق ج 1 ص 354 نسب الحديث الى ابن مسعود والحنفية يذكرونه مرفوعا وابن همام منع رفعه بل هو موقوف على ابن مسعود. وفي المقاصد الحسنة للسخاوي ص 28 رقم 41 «من الغلط نسبته للصحيحين ولدلائل النبوة للبيهقي ولمسند رزين ولكن في مصنف عبد الرزاق ومن طريقه الطبراني من قول ابن مسعود.» وفي موضوعات ملا على القارئ ص 19 : في الهداية حديث مشهور وقال ابن همام لا يثبت رفعه فضلا عن شهرته ، والصحيح انه موقوف على ابن مسعود.


ولا الأمر به. ولكن لما كان المشهور بين متأخري أصحابنا هو كراهة المحاذاة والتقدم دون التحريم التجأوا الى الاستدلال هنا بهذه الأدلة المذكورة.

ثم انه كما لا يجوز أن تؤم الرجل لا يجوز أن تؤم الخنثى ايضا لاحتمال الذكورية ولا خنثى بمثله لاحتمال الأنوثية في الامام والذكورية في المأموم فلا تحصل المماثلة.

ونقل في الذكرى عن ابن حمزة انه جوز ذلك لتكافؤ الاحتمالين فيهما والأصل الصحة. قال : وجوابه ان من صور الإمكان تخالفهما في الذكورة والأنوثة كما قلناه والأصل وجوب القراءة على المصلى إلا بعد العلم بالسقط.

هذا. وروى في كتاب دعائم الإسلام (1) عن على عليه‌السلام قال : «لا تؤم المرأة الرجال ولا تؤم الخنثى الرجال ولا الأخرس المتكلمين ولا المسافر المقيمين». وروى في موضع آخر عنه عليه‌السلام ايضا (2) قال : «لا تؤم المرأة الرجال وتصلى بالنساء ولا تتقدمهن ، تقوم وسطا منهن ويصلين بصلاتها». والله العالم.

المسألة الثالثة ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم بان صاحب الامارة والمسجد والمنزل أحق وأولى بالإمامة في هذه الموارد الثلاثة ، والمراد بصاحب الامارة من كانت امارته شرعية بمعنى انه منصوب من قبل المعصوم عليه‌السلام فإنهم عليهم‌السلام في وقت تمكنهم وسلطتهم كانوا يعينون أمراء للبلدان للأمر والنهى والحكم بين الرعية والجمعة والجماعة ونحو ذلك. والمراد بصاحب المسجد يعني الإمام الراتب فيه ، وصاحب المنزل ساكنه وان لم يكن ملكا له. قالوا : وكذا الهاشمي أولى من غيره ممن لم يكن كذلك. وصرح بعضهم بأن إمام الأصل مع حضوره أولى من الجميع.

وتفصيل هذه الجملة يقع في مواضع (أحدها) ـ ما ذكروه ـ من أولوية هؤلاء الثلاثة الأول على غيرهم عدا الإمام الأعظم وان كان ذلك الغير أفضل منهم ـ

__________________

(1) ج 1 ص 183 طبع مصر.

(2) مستدرك الوسائل الباب 18 من صلاة الجماعة.


من ما لا خلاف فيه عندهم ، وقد صرح بذلك العلامة في جملة من كتبه ، وقال في المنتهى انه لا يعرف فيه خلافا.

واستدلوا عليه بالنسبة الى صاحب الامارة والمنزل بما سيأتي ان شاء الله تعالى في رواية ابى عبيدة (1) من قوله عليه‌السلام : «ولا يتقدمن أحدكم الرجل في منزله ولا صاحب سلطان في سلطانه».

وأما بالنسبة الى امام المسجد الراتب فعللوه بان المسجد يجرى مجرى منزله ، ولان تقدم غير الراتب عليه يورث وحشة وتنافرا فيكون مرجوحا.

أقول : والأظهر الاستدلال عليه بما ذكره الرضا عليه‌السلام في كتاب الفقه الرضوي ، والظاهر انه هو المستند لما صرح به المتقدمون من هذا الحكم كما عرفت في غير موضع إلا انه لما لم يصل ذلك الى المتأخرين عللوه بما عرفت.

حيث قال عليه‌السلام في موضع من الكتاب (2) «ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال صاحب الفراش أحق بفراشه وصاحب المسجد أحق بمسجده» وقال في باب صلاة الجماعة «اعلم ان أولى الناس بالتقدم في الجماعة أقرؤهم. الى أن قال : وصاحب المسجد أولى بمسجده».

وقال في كتاب دعائم الإسلام (3) «وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال : يؤمكم أكثركم نورا ـ والنور القرآن ـ وكل أهل مسجد أحق بالصلاة في مسجدهم إلا أن يكون أمير حضر فإنه أحق بالإمامة من أهل المسجد». وعن جعفر بن محمد عليهما‌السلام (4) انه قال : «يؤم القوم أقدمهم هجرة. الى أن قال : وصاحب المسجد أحق بمسجده».

ولو اجتمع صاحب الامارة مع صاحب الراتبة أو صاحب المنزل فقد قطع

__________________

(1) الوسائل الباب 28 من صلاة الجماعة.

(2) ص 11 و 14.

(3 و 4) مستدرك الوسائل الباب 25 من صلاة الجماعة.


الشهيد الثاني بكونه أولى منهما ، ولا يخلو من توقف.

بقي الإشكال في انه قد تقدم في روايتي معاوية بن شريح والحناط المتقدمتين في آخر المسألة الحادية عشرة من مسائل المطلب الأول (1) «انه إذا قال المؤذن «قد قامت الصلاة» يقوم القوم على أرجلهم ويقدموا بعضهم ولا ينتظروا الامام حتى يجي‌ء» ومن الظاهر أن ذلك هو في المسجد وحينئذ فلو كان امام المسجد أحق لم يسارعوا الى تقديم غيره. اللهم إلا ان يقال ان أحقيته انما هي مع الحضور لا مع الغيبة. وفيه ما لا يخفى فان حقه لا يفوت بمثل هذه المسارعة.

ويؤيد ما قلناه ما صرح به شيخنا الشهيد في الذكرى حيث قال : ولو تأخر الإمام الراتب استحب مراسلته ليحضر أو يستنيب ، ولو بعد منزله وخافوا فوت وقت الفضيلة قدموا من يختارونه. الى أن قال : ولو حضر بعد صلاتهم استحب إعادتها معه لما فيه من اتفاق القلوب مع تحصيل الاجتماع مرتين. انتهى. وبنحو ذلك صرح غيره ايضا.

وما ذكره أخيرا من استحباب الإعادة معه بعد حضوره مبنى على ما قدمناه نقله عنه من استحباب ترامى الجماعة. وفيه ما مر.

على ان الخبرين المذكورين غير خاليين ايضا من الإشكال وان لم يتنبه له أحد من علمائنا الأبدال ، وذلك فان الظاهر من الأخبار وكلام الأصحاب ان الأذان والإقامة في الجماعة انما هما من وظائف صلاة الامام ومتعلقاتها ولا تعلق لصلاة المأمومين بشي‌ء منهما ، غاية الأمر انه قد يقوم بهما الامام كلا أو بعضا وقد يقوم بهما بعض المأمومين كلا أو بعضها ، وحينئذ فما لم يكن الامام حاضرا فلمن يؤذن هذا المؤذن ويقيم المقيم.

وأشكل من ذلك أن في رواية معاوية بن شريح بعد ذكر ما تقدم «قلت فان كان الامام هو المؤذن؟ قال وان كان فلا ينتظرونه ويقدموا بعضهم» وكيف

__________________

(1) ص 179.


يستقيم هذا وهو الذي قد أذن وأقام وعند قوله : «قد قامت الصلاة» قام الناس على أرجلهم فأين ذهب بعد ذلك حتى ينتظرونه أو لا ينتظرونه.

وبالجملة فجميع ما ذكرنا من وجوه هذه الإشكالات ظاهر لا ريب فيه ، والاعتماد على هذين الخبرين بعد ما عرفت من ثبوت حقيقة الإمام الراتب بالأخبار المتقدمة مضافا الى اتفاق الأصحاب مشكل غاية الإشكال. والله العالم.

وثانيها ـ ان ما ذكره بعضهم من أنه مع حضور إمام الأصل فإنه أولى بالإمامة من ما لا ريب فيه ولا شبهة تعتريه ، لانه صاحب الرئاسة العامة وهو ولي الأمور الأولى بالناس من أنفسهم. ولو منعه مانع فاستتاب فلا ريب أن نائبه هو الأولى لترجحه بتعيين الامام له فإنه لا يستنيب إلا الراجح أو المساوي ، ومع رجحانه فالأمر ظاهر ومع التساوي فالمرجح له التعيين ، فعلى الأول فيه مرجحان وعلى الثاني مرجح واحد.

وثالثها ـ لو أذن أحد الثلاثة المتقدم ذكرهم لغيره كان هو الأولى ، قال في المنتهى : لو اذن المستحق من هؤلاء في التقدم لغيره جاز وكان أولى من غيره إذا اجتمع الشرائط ، ولا نعرف فيه خلافا لأنه حق له فله نقله الى من شاء.

قال في الذخيرة : وقد جزم الشهيدان بانتفاء كراهة تقدم الغير معللا بأن أولويتهم ليست مستندة الى فضيلة ذاتية بل إلى سياسة أدبية. واستشكل ذلك بأنه اجتهاد في مقابلة النص.

أقول : من المحتمل قريبا ان الأولوية التي دل عليها النص المشار اليه انما هي عبارة عن أحقيته بالصلاة والتقدم من غيره بالنسبة إلى نفسه فلو أراد غيره التقدم عليه كان على خلاف ما ورد به النص لا ان ذلك بالنسبة إلى نائبه ، والظاهر ان بناء كلام الشهيدين على هذا وبه يعلم سقوط ما اعترض به عليهما من انه اجتهاد في مقابل النص ، إذ لا دلالة في النص على أزيد من ما ذكرناه.

قال في الذكرى : وهل الأفضل لهم الإذن للأكمل منهم أو الأفضل لهم


مباشرة الإمامة؟ لم أقف فيه على نص ، وظاهر الأدلة يدل على ان الأفضل لهم المباشرة ، فحينئذ لو أذنوا فالأفضل للمأذون له رد الاذن ليستقر الحق على أصله. انتهى.

أقول : ما ذكره (قدس‌سره) من ان ظاهر الأدلة يدل على ان الأفضل لهم المباشرة دون الاذن لا يخلو من شوب النظر ، فان الخطاب هنا انما توجه الى من عداهم بأن الأولى أن لا يتقدموهم في هذه المواضع الثلاثة ويراعوا حقهم فيها ويحترموهم ويوقروهم ، وهذا لا ينافي أفضلية إذنهم لمن كان أعلم وافقه وأفضل واتقى وأورع عملا بالآيات والأحاديث الآتية الدالة على أولوية صاحب هذه الصفات وحينئذ فالأفضل للناس هو إرجاع أمر الإمامة لهم ، وبهذا يحصل امتثال ما دل عليه الخبر المشار إليه فإن تعظيمهم واحترامهم يحصل بمجرد هذا. والأفضل لهم ان يأذنوا لمن كان بالصفات المذكورة عملا بالآيات والأخبار المشار إليها فلا منافاة.

ورابعها ـ قال الشيخ في المبسوط : إذا حضر رجل من بنى هاشم كان أولى بالتقديم إذا كان ممن يحسن القرآن.

وقال في الذكرى بعد نقل ذلك عنه : والظاهر انه أراد به على غير الأمير وصاحب المنزل والمسجد مع انه جعل الأشرف بعد الأفقه الذي هو بعد الاقرأ والظاهر انه الأشرف نسبا ، وتبعه ابن البراج في تقديم الهاشمي وقال بعده : ولا يتقدمن أحد على أميره ولا على من هو في منزله أو مسجده ، وجعل أبو الصلاح بعد الأفقه القرشي ، وابن زهرة جعل الهاشمي بعد الأفقه ، وفي النهاية لم يذكر الشرف وكذا المرتضى وابن الجنيد وعلى بن بابويه وابنه وسلار وابن إدريس والشيخ نجيب الدين يحيى بن سعيد وابن عمه في المعتبر ، وذكر ذلك في الشرائع وأطلق وكذا الفاضل في المختلف وقال انه المشهور يعنى تقديم الهاشمي ، ونحن لم نره مذكورا في الأخبار إلا ما روى مرسلا أو مسندا بطريق غير معلوم من قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (1) «قدموا قريشا

__________________

(1) الجامع الصغير ج 2 ص 85 ويرجع الى التعليقة 2 ص 395 ج 10.


ولا تقدموها». وهو على تقدير تسليمه غير صريح في المدعى ، نعم هو مشهور في التقديم في صلاة الجنازة كما سبق من غير رواية تدل عليه. نعم فيه إكرام لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذ تقديمه لأجله نوع إكرام ، وإكرام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وتبجيله من ما لا خفاء في أولويته. انتهى كلامه في الذكرى.

وما ذكره من عدم الوقوف على نص في الهاشمي في هذا المقام جيد واما في صلاة الجنازة فقد قدمنا (1) وجود النص بذلك في كتاب الفقه الرضوي وأوضحنا ان كلام على بن بابويه الذي تبعه الأصحاب في المقام مأخوذ من عبارة الكتاب المذكور. والله العالم.

المسألة الرابعة ـ قد ذكر جملة من الأصحاب : منهم ـ السيد السند في المدارك انه إذا تشاح الأئمة في الإمامة فاما أن يكره المأمومون إمامة بعضهم واما أن يختاروا امامة واحد بأسرهم واما أن يختلفوا في الاختيار :

فان كرهه جميعهم لم يؤمهم لقوله عليه‌السلام (2) «ثلاثة لا يقبل الله لهم صلاة أحدهم من تقدم قوما وهم له كارهون». وان اختار الجميع واحدا فهو أولى لما فيه من اجتماع القلوب وحصول الإقبال بالمطلوب.

وان اختلفوا فقد أطلق الأكثر المصير الى الترجيح بالمرجحات الآتية ، وقال في التذكرة : انه يقدم اختيار الأكثر فإن تساووا طلب الترجيح. قال في الذكرى : وفي ذلك تصريح بان ليس للمأمومين أن يقتسموا الأئمة ويصلى كل قوم خلف من يختارونه لما فيه من الاختلاف المثير للإحن. هكذا ذكروا (رضوان الله عليهم.)

واستندوا في الترجيح في مقام الاختلاف الى ما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن ابى عبيدة (3) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن القوم من أصحابنا يجتمعون

__________________

(1) ج 10 ص 396 عن الفقه الرضوي ص 19.

(2) الوسائل الباب 27 من صلاة الجماعة. وفيه «أم قوما».

(3) الوسائل الباب 28 من صلاة الجماعة.


فتحضر الصلاة فيقول بعضهم لبعض تقدم يا فلان؟ فقال ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال يتقدم القوم أقرأهم للقرآن فان كانوا في القراءة سواء فأقدمهم هجرة فان كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سنا فان كانوا في السن سواء فليؤمهم أعلمهم بالسنة وأفقههم في الدين. ولا يتقدمن أحدكم الرجل في منزله ولا صاحب سلطان في سلطانه».

أقول : وعندي في ما ذكروه (رضوان الله عليهم من التفصيل في هذا المقام نظر لا يخفى على من تأمل من ذوي الأفهام ، فإن ما ذكروه من هذا التفصيل ـ باتفاق المأمومين واختلافهم وانه مع تشاح الأئمة في الإمامة يؤخذ باتفاق المأمومين ونحو ذلك من ما هو مذكور ـ لا أعرف له وجها ولا عليه دليلا إلا مجرد اعتبارات تخريجية لا تصلح مستندا للأحكام الشرعية ، والنص المذكور الذي هو المستند في هذا المقام قد دل على ان الأحق بهذا المقام والأولى بأن يكون الامام هو من كان أقرأ. إلى آخر ما تضمنه الخبر من المراتب ، ولا تعلق لذلك باتفاق المأمومين ولا باختلافهم ولا رضاهم ولا كراهتهم ولا تشاح الأئمة ولا عدمه ، فلو فرض وجود أئمة متعددين وحصول المشاحة بينهم فلا وجه للترجيح بينهم بالاتفاق على من لم يكن على الصفة المذكورة في الخبر لان فيه ردا للنص المذكور. وأولى بالعدم الترجيح باختيار الأكثر. ولا معنى لتشاح الأئمة مع كون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قد قرر لهم ودلهم على ان صاحب هذا المقام هو من كان متصفا بتلك الصفة ، بل الأولى لهم ان كانوا على الطريقة القويمة ومن العاملين بالسنة المستقيمة هو تقديم من كان كذلك عملا بما رسمه لهم ، وإلا فقد خالفوا الوظائف الشرعية ورجع تشاحهم الى التكالب على الرئاسة الدنيوية إلا ان يدعى كل واحد منهم انه المتصف بذلك دون غيره وهو خارج عن ما نحن فيه. واما مسألة كراهة المأمومين الإمام فلا تعلق لها بهذا المقام. وبالجملة فكلامهم هنا لا أعرف له مزيد فائدة.

بقي الكلام هنا في مواضع (الأول) ـ في ما دل عليه الخبر المذكور من هذه المراتب المذكورة.


والذي وقفت عليه زيادة على الخبر المذكور ما صرح به الرضا عليه‌السلام في كتاب الفقه حيث قال (1) : وان اولى الناس بالتقديم في الجماعة أقرأهم للقرآن وان كانوا في القرآن سواء فافقههم وان كانوا في الفقه سواء فاقربهم هجرة وان كانوا في الهجرة سواء فأسنهم فإن كانوا في السن سواء فأصبحهم وجها. وصاحب المسجد أولى بمسجده. انتهى.

وروى في كتاب دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام (2) قال : «يؤم القوم أقدمهم هجرة فان استووا فاقرأهم فان استووا فأفقههم فإن استووا فأكبرهم سنا».

إذا عرفت ذلك فاعلم ان المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم هو تقديم الاقرأ على الأفقه كما دلت عليه هذه الأخبار ، وذهب جملة من الأصحاب : منهم ـ العلامة في المختلف الى العكس ، وعليه جملة من أفاضل متأخري المتأخرين كالسيد السند في المدارك والفاضل الخراساني في الذخيرة والمحدث الكاشاني والمحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي وغيرهم ، وهو الحق الحقيق بالإتباع وان كان قليل الاتباع للأدلة العقلية والنقلية كتابا وسنة كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى.

قال في المختلف : لنا ـ ان الأفقه أشرف واعلم بأركان الصلاة وإمكان تدارك السهو ومراتبه وكيفية الصلاة فيكون أولى بالتقديم ، قال الله تعالى «قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ» (3).

وما رواه العرزمي عن أبيه رفع الحديث إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (4) قال : «من أم قوما وفيهم من هو أعلم منه لم يزل أمرهم إلى سفال الى يوم القيامة».

__________________

(1) ص 14.

(2) مستدرك الوسائل الباب 25 من صلاة الجماعة. وفي آخره هكذا «وصاحب المسجد أحق بمسجده» كما تقدم ص 198.

(3) سورة الزمر الآية 12.

(4) الوسائل الباب 26 من صلاة الجماعة.


ولانه يستحب تقديم أهل الفضل واولى النهي في الصفوف بقرب الامام لينبهوه على الغلط والسهو ولمزية شرفهم على غيرهم. ثم نقل رواية جابر بذلك عن الباقر عليه‌السلام (1) ثم نقل رواية ابى عبيدة (2) وتأولها بتأويل لا يخلو من البعد.

أقول : ومن ما يدل على ما اخترناه ما لا خلاف فيه بين الإمامية من قبح تقديم المفضول على الفاضل.

ونقل في الذكرى عن ابن ابى عقيل انه قال : ولا يؤم المفضول الفاضل ولا الأعرابي المهاجر ولا الجاهل العالم. ثم قال في الذكرى : وقول ابن ابى عقيل بمنع امامة المفضول بالفاضل ومنع امامة الجاهل بالعالم ان أراد به الكراهة فحسن وان أراد به التحريم أمكن استناده الى أن ذلك يقبح عقلا ، وهو الذي اعتمد عليه محقق الأصوليين في الإمامة الكبرى ، ولقول الله تعالى «أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ» (3) وللخبرين المتقدمين في كلام ابن بابويه. انتهى. وظاهره احتمال التحريم في المسألة احتمالا قويا لمطابقة الدليل العقلي للدليل النقلي كتابا وسنة.

وتقريب الاستدلال بالآية المذكورة انها خرجت مخرج الإنكار على من يحكم بخلاف ذلك الذي هو مقتضى بديهة العقول السليمة كما يشير اليه قوله تعالى : «فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ» (4).

واما الأخبار الواردة بذلك فمنها ما رواه في الفقيه مرسلا (5) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله امام القوم وافدهم فقدموا أفضلكم». قال : «وقال على عليه‌السلام (6) ان

__________________

(1) ص 159 و 160.

(2) ص 202.

(3 و 4) سورة يونس الآية 36.

(5) الوسائل الباب 26 من صلاة الجماعة.

(6) الوسائل الباب 26 من صلاة الجماعة. وليس فيه ولا في الفقيه ج 1 ص 247 ولا في الوافي باب (صفة إمام الجماعة ومن لا ينبغي إمامته) نسبة الحديث الى على (ع) بل ظاهر الجميع النسبة إلى النبي «ص».


سركم أن تزكوا صلاتكم فقدموا خياركم».

ورواه في كتاب العلل مسندا عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ان سركم. الحديث مثله.

وروى في الفقيه ومثله الشيخ في كتاب الاخبار مرسلا في الأول ومسندا في الثاني (2) قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من أم قوما وفيهم من هو أعلم منه. الحديث. كما تقدم في كلام صاحب المختلف.

وروى في كتاب قرب الاسناد في الموثق عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (3) قال : «ان أئمتكم وفدكم الى الله فانظروا من توفدون في دينكم وصلاتكم».

وفي حسنة زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام (4) قال : «قلت أصلي خلف الأعمى؟ قال نعم إذا كان له من يسدده وكان أفضلهم». وفيها أيضا (5) «الصلاة خلف العبد؟ قال لا بأس به إذا كان فقيها ولم يكن هناك أفقه منه».

وفي موثقة سماعة (6) قال : «سألته عن المملوك يؤم الناس؟ فقال لا إلا ان يكون هو أفقههم وأعلمهم».

وروى الشهيد في الذكرى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (7) قال : «من صلى خلف عالم

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 26 من صلاة الجماعة.

(4) الوسائل الباب 21 من صلاة الجماعة.

(5 و 6) الوسائل الباب 16 من صلاة الجماعة.

(7) الوسائل الباب 26 من صلاة الجماعة عن الذكرى. وفي البحر الرائق ج 1 ص 349 لو صلى خلف فاسق أو مبتدع ينال فضل الجماعة لكن لا ينال كما ينال خلف تقى ورع لقوله (ص) «من صلى خلف عالم تقى فكأنما صلى خلف نبي». قال ابن أمير الحاج لم يجده المخرجون. وفي موضوعات ملا على القارئ ص 82 حديث «من صلى خلف تقى فكأنما صلى خلف نبي» لا أصل له. وفي المقاصد الحسنة للسخاوى ص 304 حرف القاف عند قوله : «قدموا خياركم» قال : ما وقع في الهداية للحنيفة بلفظ «من صلى خلف عالم تقى فكأنما صلى خلف نبي» لم أقف عليه بهذا اللفظ.


فكأنما صلى خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وروى الصدوق في كتاب إكمال الدين بسنده فيه عن ابى الحسن الليثي عن الصادق عن آبائه عليهم‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (1) قال : «ان أئمتكم قادتكم الى الله فانظروا بمن تقتدون في دينكم وصلاتكم».

وتؤيده الأخبار العامة مثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (2) : «ان العلماء ورثة الأنبياء». وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (3) «علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل». وما دل من الاخبار على فضل العلماء على من سواهم (4) وقوله عزوجل «إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ» (5) واحتجاج الله عزوجل على الملائكة في تفضيله آدم وجعله خليفة بكونه أعلم منهم (6) وأمثال ذلك كما لا يخفى على الناقد البصير ولا ينبئك مثل خيبر.

وظاهر إيراد الصدوق هذه الأخبار التي قدمنا نقلها عنه في باب الجماعة هو القول بمضمونها بمقتضى قاعدته في صدر كتابه حيث انه لم ينقل رواية ابى عبيدة المذكورة ، إلا انه نقل عن أبيه في رسالته اليه قبل إيراد هذه الأخبار انه قال : اعلم يا بنى ان أولى الناس بالتقدم في جماعة أقرؤهم للقرآن فان كانوا في القراءة سواء فأفقههم فإن كانوا في الفقه سواء فأقدمهم هجرة فان كانوا في الهجرة سواء فأسنهم فإن كانوا في السن سواء فأصبحهم وجها. وصاحب المسجد أولى بمسجده. انتهى. وهذه عين عبارة كتاب الفقه التي قدمناها.

والذي يقرب عندي ان هذه الأخبار الدالة على تقديم الاقرأ إنما خرجت

__________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 23 من صلاة الجماعة.

(2 و 4) أصول الكافي كتاب فضل العلم ، وفي الوسائل الباب 8 من صفات القاضي.

(3) البحار ج 1 ص 76 وكفاية الطالب للكنجى ص 239. وفي المقاصد الحسنة للسخاوى ص 286 أنكره شيخنا ـ يعنى ابن حجر العسقلاني ـ وقبله الدميري والزركشي وقال بعضهم لا يعرف في كتاب معتبر.

(5) سورة البقرة الآية 248.

(6) سورة البقرة الآية 28 إلى 32.


مخرج التقية فإنه قول جمهور العامة (1) وبه تكاثرت أخبارهم.

ومنها ـ ما رووه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (2) «يؤمكم اقرأكم لكتاب الله». وفي خبر آخر (3) «يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله فان كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فان كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا».

وما رووه عن عمرو بن أبي سلمة (4) قال كنت غلاما حافظا قد حفظت

__________________

(1) في نيل الأوطار ج 3 ص 133 باب (من أحق بالإمامة) قال : حديث «يؤم القوم أقرأهم» فيه حجة لمن قال يقدم في الإمامة الاقرأ على الأفقه ، واليه ذهب الأحنف بن قيس وابن سيرين والثوري وأبو حنيفة واحمد وبعض أصحابهما ، وقال الشافعي ومالك وأصحابهما والهادوية الأفقه مقدم على الأقرأ ، وقال الشافعي المخاطب الذين كانوا في عصره (ص) كان أقرأهم أفقههم فإنهم كانوا يسلمون كبارا ويتفقهون قبل أن يقرأوا فلا يوجد قارئ إلا وهو متفقة. وقال النووي وابن سيد الناس : قوله في الحديث «فان كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة» دليل على تقديم الاقرأ مطلقا. وفي عمدة القارئ ج 2 ص 732 قال طائفة الأفقه مقدم على الاقرأ وبه قال أبو حنيفة ومالك والجمهور ، وقال أبو يوسف واحمد وإسحاق الأقرأ مقدم وهو قول ابن سيرين وبعض الشافعية ، وقال أصحابنا ـ الحنفية ـ أولى الناس بالإمامة أعلمهم بالسنة أي الفقه إذا كان يحسن من القراءة ما تجوز به الصلاة وهو قول الجمهور واليه ذهب عطاء والأوزاعي والشافعي ومالك ، وقال أبو يوسف اقرأ الناس أولى بالإمامة يعنى أعلمهم بالقراءة وكيفية أداء حروفها وما يتعلق بها ، وهو أحد الوجوه عند الشافعية.

(2) كنز العمال ج 4 ص 125.

(3) كنز العمال ج 4 ص 126.

(4) في أسد الغابة ج 4 ص 110 في ترجمة عمرو الجرمي قال أممت قومي وانا غلام ابن ست أو سبع سنين. وفي حديث عنه : كنت في الوفد الذين وفدوا على رسول الله (ص) فقال (ص) : «يؤمكم اقرأكم» وكنت أقرأهم. وفي حديث آخر عنه : وفدوا على رسول الله (ص) وأرادوا أن ينصرفوا قالوا يا رسول الله (ص) من يؤمنا؟ قال «أكثركم جمعا للقرآن» أو «أخذا القرآن» فلم يكن أحد من القوم وجمع ما جمعت فقدموني وانا غلام وعلى شملة فما شهدت مجمعا من جرم إلا كنت امامهم وكنت أصلي على جنائزهم ..


قرآنا كثيرا فانطلق ابى وافدا الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في نفر من قومه فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله «يؤمكم اقرأكم لكتاب الله» فقدموني فكنت أصلي بهم وانا ابن سبع سنين أو ثمان».

وربما أجيب عن خبر ابى عبيدة بأن المراد بالأقرإ فيه الأفقه ، لأن المتعارف كان في زمانه صلى‌الله‌عليه‌وآله انهم إذا تعلموا القرآن تعلموا أحكامه ، قال ابن مسعود (1) «كنا لا نتجاوز عشر آيات حتى نعرف أمرها ونهيها» وإطلاق القارئ على العالم بأحكام الشريعة غير عزيز في الصدر الأول.

واعترض عليه بان جعل الأعلم مرتبة بعد الاقرأ صريح في انفكاك القراءة عن العلم بالسنة ، وتعلم أحكام القرآن غير كاف في الفقه إذ معظمه يثبت بالسنة ، وبان فيه عدولا عن ظاهر اللفظ. وهو جيد.

وظني ان الوجه في الجواب عن الخبر المذكور وأمثاله انما هو ما ذكرته من الحمل على التقية فإنها هي السبب التام في اختلاف الأحكام الشرعية وان كانت هذه القاعدة غير معمول عليها بين أصحابنا (رضوان الله عليهم كما قدمنا ذكره في غير مقام

الثاني ـ قد خسر جماعة من الأصحاب الاقرأ بمعنى الأجود قراءة وإتقانا للحروف وأشد إخراجا لها من مخارجها. وزاد بعضهم على الأمور المذكورة الأعرف بالأصول والقواعد المقررة بين القراء. وقيل ان المراد أكثر قرآنا. ونسبه في البيان إلى الرواية.

أقول : ولعله أشار بذلك الى ما روى (2) من «ان الأعمى يؤم القوم إذا رضوا به وكان أكثرهم قراءة». وفي صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام (3) «أنه

__________________

(1) في سنن البيهقي ج 3 ص 119 عن عبد الله : كنا إذا تعلمنا من النبي «ص» عشر آيات من القرآن لم نتعلم من العشر التي نزلت بعدها حتى نعلم ما فيه. قيل لشريك من العمل؟ قال نعم ...

(2) الوسائل الباب 21 من صلاة الجماعة. وفيه ايضا «وأفقههم».

(3) الوسائل الباب 16 من صلاة الجماعة.


سئل عن العبد يؤم القوم إذا رضوا به وكان أكثرهم قرآنا؟ قال لا بأس».

ثم انه على تقدير هذا المعنى فهل المراد يعني أكثرهم قراءة للقرآن ـ وتؤيده الرواية الأولى من هاتين الروايتين ـ أو أكثرهم حفظا للقرآن وتؤيده رواية عمرو بن أبي سلمة العامية؟ وقيل الأجود بحسب طلاقة اللسان وحسن الصوت وجودة المنطق.

الثالث ـ جعل الشيخ الأفقه بعد الاقرأ وقبل غيره وهو اختيار ابن بابويه في رسالته كما تقدم ، وذهب بعضهم الى تقديم الاقرأ ثم الأقدم هجرة ثم الأسن ثم الأفقه كما هو مورد رواية ابى عبيدة ، وبعضهم الى تقديم الأقدم هجرة بعد الاقرأ ثم الأفقه ، وقدم الشيخ في المبسوط بعد الأفقه الأشرف ثم الأقدم هجرة ثم الأسن ، وقدم السيد المرتضى الأسن بعد الأفقه ولم يذكر الهجرة.

ولا اعرف لهم في هذا الاختلاف وجها يرجع اليه ولا مستندا يعتمد عليه إلا أن يكون مجرد اعتبارات يعتبرها كل منهم في ما ذهب اليه كما هو شأنهم في كثير من الأحكام ، وإلا فليس في المسألة من الأخبار المتداولة في كلامهم والمتناقلة على رؤوس أقلامهم إلا خبر ابى عبيدة ، نعم خبر كتاب الفقه الذي جرى عليه على بن الحسين بن بابويه قد اشتمل على تقديم الاقرأ أولا ثم الأفقه ثم الأقرب هجرة ثم الأسن ثم الأصبح وجها.

وكيف كان فقد عرفت كلامهم في معنى الاقرأ ، وأما الهجرة فالمراد بها السبق من دار الحرب الى دار الإسلام ، وقال العلامة في التذكرة المراد سبق الإسلام أو من كان أسبق هجرة من دار الحرب الى دار الإسلام أو يكون من أولاد من تقدمت هجرته. ونقل في الذكرى عن الشيخ نجيب الدين يحيى بن سعيد ان المراد التقدم في العلم قبل الآخر. وقال في الذكرى : وربما جعلت الهجرة في زماننا سكنى الأمصار لأنها تقابل البادية مسكن الأعراب لأن أهل الأمصار أقرب الى تحصيل شرائط الإمامة والكمال فيها. انتهى.

أقول : لا يخفى ان المراد من خبر ابى عبيدة انما هو المعنى الأول وهو


الأسبق هجرة من دار الحرب الى دار الإسلام فإن هذا هو معنى الهجرة في وقته صلى‌الله‌عليه‌وآله والخبر مروي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله.

بقي الكلام في الترجيح بهذه المرتبة في ما عدا زمانه صلى‌الله‌عليه‌وآله والأظهر انه لا يمكن الترجيح بها بل يجب اطراحها من البين لعدم دليل على شي‌ء من هذه المعاني التي ذكروها ، وبناء الأحكام الشرعية على مثل هذه التخريجات والتقريبات لا يخلو من مجازفة.

نعم روى الصدوق (قدس‌سره) في كتاب معاني الأخبار (1) مرسلا عن الصادق عليه‌السلام قال : «من ولد في الإسلام فهو عربي ومن دخل فيه بعد ما كبر فهو مهاجر ومن سبى وعتق فهو مولى». وفيه اشعار بالمعنى الأول الذي ذكره في التذكرة فيمكن حينئذ الترجيح بهذه المرتبة باعتبار هذا المعنى.

واما الأسن فالمتبادر منه الأكبر بحسب السن ، وفي الذكرى وغيره ان المراد علو السن في الإسلام ، وكذا نقل عن الشيخ في المبسوط ، وهو اعتبار حسن إلا انه خلاف المتبادر من ظاهر اللفظ.

وأما الأصبح وجها فذكره الصدوقان والشيخان وجماعة ، وقال المرتضى وابن إدريس : وقد روى (2) إذا تساووا فأصبحهم وجها. وقال المحقق في المعتبر : لا أرى لهذا أثرا في الأولوية ولا وجها في شرف الرجال. وعلله في المختلف بان في حسن الوجه دلالة على عناية الله به.

__________________

(1) هذا مؤلف من حديثين ذكرهما في معاني الأخبار باب نوادر المعاني ص 405 من الطبع الحديث عن ابى جعفر «ع» «من ولد في الإسلام فهو عربي ومن دخل فيه طوعا أفضل ممن دخل فيه كرها ، والمولى هو الذي يؤخذ أسيرا من أرضه ويسلم». وقال أبو جعفر «ع» في حديث آخر «من دخل في الإسلام طوعا فهو مهاجر» ...

(2) في سنن البيهقي ج 3 ص 121 باب (من قال يؤمهم أحسنهم وجها) عن النبي «ص» قال : «إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أقرأهم لكتاب الله فان كانوا في القراءة سواء فأكبرهم سنا فان كانوا في السن سواء فأحسنهم وجها» ...


أقول : قد عرفت ان كتاب الفقه الرضوي صرح بذلك ، والصدوقان إنما أخذا هذا الحكم من الكتاب لأن عبارة على بن الحسين المتقدمة في الرسالة عين عبارة الكتاب من أولها إلى آخرها ومنها هذا الموضع ، وهذا من جملة المواضع التي قدمنا الإشارة إليها بأنه كثيرا ما يذكر القدماء حكما من الأحكام الشرعية ولا يصل دليله إلى المتأخرين فيعترضونهم بعدم الدليل وهو في هذا الكتاب ، وما نحن فيه من هذا الباب.

والظاهر انه الى هذا الخبر أشار الصدوق في كتاب العلل حيث قال ـ بعد نقل خبر ابى عبيدة فيه (1) المتضمن لأنه إذا كانوا في السن سواء فليؤمهم أعلمهم بالسنة ـ وفي حديث آخر : وان كانوا في السن سواء فأصبحهم وجها. انتهى.

والظاهر ايضا انه الى هذه الرواية المرسلة هنا في العلل أشار المرتضى وابن إدريس في ما قدمنا نقله عنهما وقولهما : وقد روى إذا تساووا فأصبحهم وجها.

ومن ما يعضد ما ذكره العلامة في المختلف من أن في حسن الوجه دلالة على عناية الله تعالى بذلك الشخص ما في حديث إبراهيم أبي إسحاق الليثي الوارد في طينة المؤمن وطينة الناصب المروي في العلل (2) وغيره حيث قال عليه‌السلام بعد ذكر الطينتين وهما الطيبة والخبيثة المذكورتان في صدر الخبر : ثم عمد إلى بقية ذلك الطين فمزجه بطينتكم ولو ترك طينتهم على حالها لم تمزج بطينتكم ما عملوا ابدا عملا صالحا ولا أدوا أمانة الى أحد ولا شهدوا الشهادتين ولا صاموا ولا صلوا ولا زكوا ولا حجوا ولا شبهوكم في الصور ايضا ، يا إبراهيم ليس شي‌ء أعظم على المؤمن من أن يرى صورة حسنة في عدو من أعداء الله عزوجل والمؤمن لا يعلم ان تلك الصورة من طين المؤمن ومزاجه. انتهى.

__________________

(1) ص 202.

(2) هو آخر حديث في العلل وبه الختام.


ويشير الى ذليك ما ورد (1) من «ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله طلب من الله سبحانه ان ينزل عليه جبرئيل متى أرسل إليه في صورة دحية الكلبي وكان من أجمل الناس صورة». وبذلك يظهر لك ما في كلام المحقق من الغفلة.

ثم انه لا يخفى أن التقديم في هذه المراتب تقديم فضل واستحباب لا حتم وإيجاب كما صرح به غير واحد : منهم ـ العلامة في التذكرة ، قال : وهذا كله تقديم استحباب لا تقديم اشتراط وإيجاب فلو قدم المفضول جاز ولا نعلم فيه خلافا. انتهى

المسألة الخامسة ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم في الاستنابة في الأثناء لو عرض للإمام عارض يمنع من إتمام الصلاة فإنه يستنيب من يتم بهم الصلاة وإلا استناب المأمومون ، وكذا يستنيب لو كان مقصرا والمأموم متما.

والذي وقفت عليه من الاخبار في المقام عدة أخبار : الأول ـ ما رواه المشايخ الثلاثة عطر الله مراقدهم في الصحيح عن الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (2) «في رجل أم قوما فصلى بهم ركعة ثم مات؟ قال يقدمون رجلا آخر ويعتدون.

__________________

(1) لم بذكر ذلك في طبقات ابن سعد ج 4 ص 249 وسير اعلام النبلاء ج 2 ص 396 والإصابة ج 1 ص 473 وأسد الغابة ج 2 ص 130 والاستيعاب في ترجمته وتهذيب تاريخ الشام ج 5 ص 218 وتهذيب التهذيب ج 3 ص 206 ومجمع الزوائد ج 9 ص 378 وكنز العمال ج 6 ص 173 نعم في جميعها كان دحية جميلا ربما نزل جبرئيل بصورته. وفي تهذيب تاريخ الشام ج 5 ص 220 عن عائشة قالت : رأيت رسول الله (ص) واضعا يده على عرف فرس دحية فسألته عن ذلك قال «ص» ذاك جبرئيل وهو يقرئك السلام فقالت وعليه‌السلام ورحمة الله وبركاته. هذا أصل الحديث ثم أخذ الشعبي والزهري وانس وأمثالهم يتحدثون عن نزول جبرئيل بصورة دحية تركيزا لهذا الحديث. وبالنظر الى ما في تاريخ ابن عساكر من الرواية عن ابن عباس ان دحية أسلم في زمن ابى بكر تفسد جميع تلك الأحاديث.

(2) الوسائل الباب 43 من صلاة الجماعة.


بالركعة ويطرحون الميت خلفهم ويغتسل من مسه».

الثاني ـ ما رواه في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار (1) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يأتي المسجد وهم في الصلاة وقد سبقه الإمام بركعة أو أكثر فيعتل الإمام فيأخذ بيده ويكون أدنى القوم اليه فيقدمه؟ فقال يتم صلاة القوم ثم يجلس حتى إذا فرغوا من التشهد أومأ إليهم بيده عن اليمين والشمال وكان الذي أومأ إليهم بيده التسليم وانقضاء صلاتهم وأتم هو ما كان فاته أو بقي عليه».

الثالث ـ ما رواه في الفقيه مرسلا (2) قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام ما كان من امام تقدم في الصلاة وهو جنب ناسيا وأحدث حدثا أو رعافا أو أذى في بطنه فليجعل ثوبه على أنفه ثم لينصرف وليأخذ بيد رجل فليصل مكانه ثم ليتوضأ وليتم ما سبقه به من الصلاة ، فإن كان جنبا فليغتسل وليصل الصلاة كلها».

الرابع ـ ما رواه في الكافي والتهذيب عن سلمة أبي حفص عن ابى عبد الله عليه‌السلام (3) «ان عليا عليه‌السلام كان يقول لا يقطع الصلاة الرعاف ولا القي‌ء ولا الدم فمن وجد أذى فليأخذ بيد رجل من القوم من الصف فليقدمه يعني إذا كان اماما».

الخامس ـ ما رواه في التهذيب عن طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام (4) قال : «سألته عن رجل أم قوما فاصابه رعاف بعد ما صلى ركعة أو ركعتين فقدم رجلا ممن قد فاته ركعة أو ركعتان : قال يتم بهم الصلاة ثم يقدم رجلا فيسلم بهم ويقوم هو فيتم بقية صلاته».

السادس ـ ما رواه في التهذيب عن معاوية بن شريح (5) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إذا أحدث الامام وهو في الصلاة لم ينبغ أن يقدم إلا من شهد الإقامة».

__________________

(1 و 4) الوسائل الباب 40 من صلاة الجماعة.

(2) الوسائل الباب 72 من صلاة الجماعة.

(3) الوسائل الباب 2 من قواطع الصلاة. وفي التهذيب ج 1 ص 228 «عن ابى حفص».

(5) الوسائل الباب 41 من صلاة الجماعة.


السابع ـ ما رواه عن سليمان بن خالد في الصحيح (1) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يؤم القوم فيحدث ويقدم رجلا قد سبق بركعة كيف يصنع؟ فقال لا يقدم رجلا قد سبق بركعة ولكن يأخذ بيد غيره فيقدمه».

الثامن ـ ما رواه في الفقيه عن معاوية بن ميسرة عن الصادق عليه‌السلام (2) انه قال : «لا ينبغي للإمام إذا أحدث أن يقدم إلا من أدرك الإقامة. فإن قدم مسبوقا بركعة فان عبد الله بن سنان روى عنه عليه‌السلام انه قال إذا أتم صلاته بهم فليومئ إليهم يمينا وشمالا فلينصرفوا ثم ليكمل هو ما فاته من صلاته».

التاسع ـ ما رواه في الفقيه ايضا عن جميل بن دراج في الصحيح عنه عليه‌السلام (3) «في رجل أم قوما على غير وضوء فانصرف وقدم رجلا ولم يدر المقدم ما صلى الامام قبله؟ قال يذكره من خلفه».

العاشر ـ ما رواه في الكافي والتهذيب عن زرارة (4) قال : «سألت أحدهما عليهما‌السلام عن إمام أم قوما فذكر انه لم يكن على وضوء فانصرف وأخذ بيد رجل وادخله وقدمه ولم يعلم الذي قدم ما صلى القوم؟ قال يصلى بهم فإن أخطأ سبح القوم به وبنى على صلاة الذي كان قبله».

الحادي عشر ـ ما رواه في الكافي والفقيه عن زرارة في الصحيح (5) قال : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام رجل دخل مع قوم في صلاتهم وهو لا ينويها صلاة فأحدث امامهم فأخذ بيد ذلك الرجل فقدمه فصلى بهم أتجزئهم صلاتهم بصلاته وهو لا ينويها صلاة؟ فقال لا ينبغي للرجل ان يدخل مع قوم في صلاتهم وهو لا ينويها صلاة بل ينبغي له أن ينويها صلاة فإن كان قد صلى فان له صلاة أخرى وإلا فلا يدخل

__________________

(1) الوسائل الباب 41 من صلاة الجماعة.

(2) الفقيه ج 1 ص 262 وفي الوسائل الباب 41 من صلاة الجماعة.

(3 و 4) الوسائل الباب 40 من صلاة الجماعة.

(5) الوسائل الباب 39 من صلاة الجماعة.


معهم ، قد تجزئ عن القوم صلاتهم وان لم ينوها».

الثاني عشر ـ ما رواه في التهذيب في الصحيح (1) قال : «سأل على بن جعفر أخاه موسى بن جعفر عليه‌السلام عن إمام أحدث فانصرف ولم يقدم أحدا ما حال القوم؟ قال لا صلاة لهم إلا بإمام فليتقدم بعضهم فليتم بهم ما بقي منها وقد تمت صلاتهم».

الثالث عشر ـ ما رواه في الصحيح عن زرارة عن أحدهما (عليهما‌السلام (2) قال : «سألته عن رجل صلى بقوم ركعتين ثم أخبرهم انه ليس على وضوء؟ قال يتم القوم صلاتهم فإنه ليس على الامام ضمان».

الرابع عشر ـ ما رواه في الفقيه والتهذيب في الموثق عن ابى العباس البقباق عن ابى عبد الله عليه‌السلام (3) قال : «لا يؤم الحضري المسافر ولا المسافر الحضري فإذا ابتلى بشي‌ء من ذلك فأم قوما حاضرين فإذا أتم الركعتين سلم ثم أخذ بيد بعضهم فقدمه فأمهم. الحديث».

الخامس عشر ـ ما رواه في كتاب الاحتجاج من سؤالات الحميري للناحية المقدسة (4) قال : «كتب الحميري إلى القائم عليه‌السلام انه روى عن العالم عليه‌السلام انه سئل عن امام قوم صلى بهم بعض صلاتهم وحدثت حادثة كيف يعمل من خلفه؟ فقال عليه‌السلام يؤخر ويتقدم بعضهم ويتم صلاتهم ويغتسل من مسه؟ التوقيع ليس على من نحاه إلا غسل اليد وإذا لم يحدث ما يقطع الصلاة تمم صلاته مع القوم. الحديث».

إذا عرفت ذلك فاعلم ان الكلام في هذه الأخبار يقع في مواضع : (أحدها) ـ المفهوم من هذه الأخبار ان مواضع الاستنابة من الامام أو المأمومين في صور : (الأولى) ـ موت الامام كما في الخبر الأول والخبر الخامس عشر

__________________

(1) الوسائل الباب 72 من صلاة الجماعة.

(2) الوسائل الباب 46 من صلاة الجماعة.

(3) الوسائل الباب 18 من صلاة الجماعة.

(4) الوسائل الباب 3 من غسل المس.


(الثانية) ـ في صورة دخوله في الصلاة على غير طهارة نسيانا كما تضمنه الخبر الثالث والتاسع والعاشر والثالث عشر (الثالثة) ـ في صورة ما لو أحدث الإمام في الصلاة ، وعليه يدل الخبر الثاني والثالث والرابع بحمل الأذى فيه وهو الوجع في البطن على ما لا يتحمل الصبر عليه أو الكناية عن خروج الحدث ، والسادس والسابع والثامن والحادي عشر والثاني عشر. (الرابعة) ـ ما لو اصابه الرعاف ولم يمكن غسله إلا بالمنافي ، وعليه يدل الخبر الخامس. (الخامسة) ـ في ما لو كان الامام مسافرا كما يدل عليه الخبر الرابع عشر ، فهذه المواضع الخمسة مورد النصوص في الاستنابة.

والأصحاب قد ذكروا الإغماء مضافا الى الموت ونقلوا الإجماع عليه ، قال في المدارك ـ بعد قول المصنف : وإذا مات الإمام أو أغمي عليه استنيب من يتم بهم الصلاة ـ قد أجمع الأصحاب على ان الامام إذا مات أو أغمي عليه يستحب للمأمومين استنابة من يتم بهم الصلاة كما نقله جماعة : منهم ـ العلامة في التذكرة ، وتدل عليه روايات. ثم أورد الخبر الأول خاصة ومورده كما عرفت انما هو الموت.

والظاهر انهم بنوا على ان الإغماء في تلك الحال في حكم الموت ، بل ظاهر كلام جملة منهم عروض المانع للإمام بقول مطلق. وهو جيد من حيث الاعتبار إلا انه بالنسبة الى عدم النص عليه لا يخلو من شوب الإشكال.

وثانيها ـ قال في المدارك بعد الاستدلال بالخبر الثاني عشر : ومقتضى الرواية وجوب الاستنابة إلا ان العلامة (قدس‌سره) في التذكرة نقل إجماع علمائنا على انتفاء الوجوب ، وعلى هذا فيمكن حمل الرواية على ان المنفي فيها الكمال والفضيلة لا الصحة. والمسألة محل تردد. انتهى.

أقول : الظاهر أنه غفل عن صحيحة زرارة وهي الخبر الثالث عشر فإنه ظاهر في جواز الانفراد مضافا الى دعوى الإجماع في المقام ، وحينئذ فيجب حمل صحيحة على بن جعفر على تأكد الاستحباب كما يقوله الأصحاب. وظاهر جملة من الأصحاب


أيضا عدم الوقوف على الصحيحة المذكورة كالعلامة في المنتهى والفاضل الخراساني في الذخيرة ، فإنهم إنما استندوا ـ في تأويل صحيحة على بن جعفر بحملها على الفضيلة والاستحباب ـ الى ما صرحوا به من جواز انفراد المأموم عن الامام مع وجوده فمع عدمه أولى. وسيأتي ما في هذا الدليل عند ذكر المسألة المذكورة. والأظهر انما هو الاستدلال بصحيحة زرارة المذكورة فإنها ظاهرة في جواز الإتمام منفردين.

وثالثها ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم بأنه يكره أن يستناب المسبوق سواء كانت الاستنابة من الامام أو المأمومين ، ووجه الكراهة الجمع بين ما دل على الجواز كالخبر الثاني وعجز الخبر الثامن ، وما دل على المنع كالخبر السادس والسابع وصدر الخبر الثامن.

وقد صرح الأصحاب هنا بجواز استنابة من لم يكن من المأمومين ، قال العلامة في المنتهى : لو استناب من جاء بعد حدث الامام فالوجه الجواز بناء على الأصل ولأنه جاز استنابة التابع فغيره أولى. انتهى.

أقول : لا يخفى ما في هذا التعليل العليل وكأنه غفلوا عن الأخبار الواردة من هذا القبيل وهي الرواية التاسعة والعاشرة ، فإن ظاهر الخبرين المذكورين ما ذكرناه فان قوله «أخذ بيد رجل وأدخله وقدمه» يدل على أنه ليس من المأمومين وانما أدخله الامام بعد اعتلاله ولهذا انه لم يعلم ما صلى القوم ، وظاهره أنه يصلى من حيث قطع الامام كما يدل عليه قوله في الخبر العاشر «وبنى على صلاة الذي كان قبله» وانه انما يصلى بهم ذلك القدر الناقص خاصة. وهو حكم غريب لم يوجد له في الأحكام نظير ، فان هذه الصلاة بالنسبة الى هذا الداخل انما هي عبارة عن مجرد الأذكار وان اشتملت على ركوع وسجود وإلا فإنها ليست بصلاة حقيقية ، إذ المفهوم من الخبرين المذكورين أنه يدخل معهم من حيث اعتل الامام ويخرج معهم من غير أن يزيد شيئا على صلاتهم وانما يؤمهم في ما بقي عليهم كائنا ما كان ولو ركعة واحدة ، ومن هذا حصل الاستغراب. واحتمال حمل الخبرين المذكورين على استنابة


بعض المأمومين من المسبوقين ـ كما يفهم من نظمهم هذين الخبرين أو أحدهما مع أحاديث المسبوق كما جرى عليه في المدارك ومثله صاحب الوسائل ـ بعيد بل غير مستقيم ، لأن المسبوق الداخل في الصلاة قبل اعتلال الامام عالم بما صلوا وان دخوله في أي ركعة لانه صلى بصلاتهم ومع عدم علمه فالواجب عليه الإتيان بالترتيب الواجب عليه شرعا ، فلا معنى لقوله «فإن أخطأ سبح القوم به» ولا لقوله «بنى على صلاة الذي كان قبله» ولا معنى ايضا لقوله «وأخذ بيد رجل وأدخله» فإن هذا كله إنما يبتنى على رجل خارج من الصلاة لم يدخله الإمام إلا بعد اعتلاله وهو صريح عبارة العلامة المتقدمة ، فهو إنما يبتدئ الصلاة من حيث قطع الأول فلو فرضنا ان الأول انصرف عن ركعتين أتم هذا الداخل بالمأمومين الركعتين الأخيرتين خاصة وهكذا. قال في المنتهى ايضا : لو استخلف من لا يدرى كم صلى فالوجه انه يبنى على اليقين فان وافق الحق وإلا سبح القوم به فيرجع إليهم. ثم نقل أقوالا عديدة من العامة ، ثم احتج برواية زرارة المتقدمة. وبالجملة فالحكم المذكور في غاية الغرابة ولم أقف على من أفصح عن الكلام فيه ولا تنبيه لما ذكرناه. والله العالم

ورابعها ـ الظاهر أنه لا فرق بين اعتلال الامام وخروجه أن يقدم هو أو المأمومون من يتم بهم أو يتقدم شخص من المأمومين ممن له أهلية الإمامة من غير استخلاف أو يأتم كل طائفة بإمام أو يأتم بعض وينفرد بعض.

قال في المنتهى : لو قدم بعض الطوائف اماما وصلى الآخرون منفردين جاز لأن لهم الانفراد مع وجود الامام فمع العدم أولى.

أقول : فيه انه مبنى على مسألة انفراد المأموم من غير عذر كما تقدمت الإشارة إليه في كلامه وسيأتي ما فيه ان شاء الله تعالى.

والأظهر الاستدلال على ذلك بما ذكرناه من صحيحة زرارة وهي الخبر الثالث عشر الظاهر في جواز صلاتهم فرادى بعد اعتلال الامام مع الأخبار الدالة على جواز الاستنابة بل استحبابها ، فإذا كان الأمران جائزين للجميع جاز ذلك


بالنسبة إلى البعض في جميع ما ذكرنا من الصور.

وخامسها ـ قد دل الخبر الثاني الوارد في استنابة المسبوق وكذا عجز الخبر الثامن على انه بعد تمام صلاة المأمومين يومئ إليهم بيده عن اليمين والشمال عوض التسليم بهم ثم يتم ما فاته ، ودل الخبر الخامس على انه يقدم رجلا منهم يسلم بهم ثم يقوم هو ويتم ما بقي عليه. والجمع بين الأخبار يقتضي التخيير بين الأمرين.

وقال العلامة في المنتهى : ولو انتظروا حتى يفرغ ويسلم بهم لم استبعد جوازه وقد ثبت جواز ذلك في صلاة الخوف. انتهى.

أقول : ثبوت ذلك في صلاة الخوف لا يستلزم جوازه هنا سيما بعد ورود النص بالحكم في هذه الصلاة بالخصوص كما عرفت. والله العالم.

وسادسها ـ ان الخبر الرابع عشر قد دل على انه بعد تمام صلاة الإمام يقدم من يتم بالمأمومين صلاتهم ، والظاهر أنه لا فرق بين أن يقدم الإمام أو يقدموا لأنفسهم من يختارونه من المأمومين.

وهل يجرى هذا الحكم في المسبوقين بان يأتم بعضهم ببعض بعد انقضاء صلاة الامام وقيامهم لما بقي عليهم من الصلاة؟ اشكال ، قال في المدارك : ومتى اقتدى الحاضر بالمسافر في الصلاة المقصورة وجب على المأموم إتمام صلاته بعد تسليم الامام منفردا أو مقتديا بمن صاحبه في الاقتداء كما في صورة الاستخلاف مع عروض المبطل ، وربما ظهر من كلام العلامة في التحرير التوقف في جواز الاقتداء على هذا الوجه ، حيث قال : ولو سبق الامام اثنين ففي ائتمام أحدهما بصاحبه بعد تسليم الإمام إشكال. وكيف كان فالظاهر مساواته لحالة الاستخلاف. انتهى.

أقول : ينبغي أن يعلم ان هنا صورتين : (إحداهما) أن يقتدى جماعة من الحاضرين بمسافر ، ولا ريب أنه متى أتم المسافر صلاته فإنه يجب على المأمومين الإتيان بما بقي من صلاتهم ، وهل يجوز أن يأتم بعضهم ببعض في تلك البقية أم لا؟


و (الثانية) انه لو سبق الامام اثنين فصاعدا بمعنى انهم لم يدركوا الإمام إلا بعد فوات ركعة أو ركعتين من صلاته فبعد تسليم الامام وقيامهم لما بقي عليهم هل يأتم بعضهم ببعض أم لا؟ وهذه الصورة الثانية هي مراد العلامة من هذا الكلام والصورة الأولى هي المفروضة في كلامه «قدس‌سره» وكلام السيد هنا لا يخلو من إجمال فيحتمل انه حمل كلام العلامة هنا على ما فرضه أولا من صورة اقتداء الحاضرين بالمسافر كما يشير اليه قوله بالتوقف في جواز الاقتداء على هذا الوجه يعنى الوجه المتقدم في كلامه أو ما هو أعم من الصورتين المفروضتين وان كلام العلامة شامل لاقتداء الحاضرين بالمسافر.

وكيف كان فالظاهر ان المسألتين متغايرتان والنص قد دل بالنسبة إلى ائتمام الحاضرين بالمسافر انه بعد تمام صلاة الإمام يقدم بعض المأمومين ، فجواز الائتمام هنا من ما لا اشكال فيه سواء قدمه الامام لما عرفت من الخبر الرابع عشر أو المأمومين لعين ما تقدم في صورة موت الامام كالخبر الأول ، وفي صورة ما لو أحدث وانصرف ولم يقدم أحدا كما في الخبر الثاني عشر ، فإن الإمامة لما كانت جائزة ومشروعة لا يفرق بين الآتي بها والمتصدي لها من الامام أو المأمومين أو تقدم بعضهم واقتداء الباقي من غير تعيين أحد ، أما بالنسبة إلى المسبوقين بعد إتمام الإمام صلاته فلم يرد هنا نص على الاستخلاف من الامام أو المأمومين.

وقوله : «وكيف كان فالظاهر مساواته لحال الاستخلاف» ان أراد به بالنسبة إلى ائتمام الحاضرين بالمسافر فقد عرفت انه لا إشكال فيه ، وان أراد بالنسبة إلى الصورة الأخرى وهي الظاهرة من كلام العلامة فلا أعرف لهذه الظاهرة وجها يعتمد عليه ، فان العبادات عندنا مبنية على التوقيف كما وكيفا وفرادى وجماعة ، والنصوص الواردة بالاستخلاف المستلزم لنقل النية من المأمومية إلى الإمامة ومن الائتمام بإمام الى الائتمام بآخر مخصوصة بالصور الخمس التي قدمناها وليس هذا منها ، وإلحاق ما سوى ذلك به قياس لا يوفق أصول المذهب وان


كان بعض الأصحاب قد عدوا ذلك الى صور خالية من النصوص ، والظاهر انه لما ذكرناه استشكل العلامة في صورة المسبوقية وهو في محله.

وبالجملة فإن العدول في الصلاة من نية إلى أخرى ـ مع ما يترتب على ذلك من تغاير الأحكام كما هو المعلوم من أحكام الإمامة والمأمومية ـ أمر على خلاف الأصل المستفاد من قواعد الشرع. فالواجب الاقتصار فيه على موارد الرخص ، وقد عرفت اختصاص ذلك بالصور الخمس المتقدمة وإلا فههنا صور عديدة قد قدمنا الكلام فيها مستوفى في بحث نية الوضوء من كتاب الطهارة :

منها ـ ان يعدل من الائتمام بإمام في أثناء الصلاة الى الائتمام بآخر لو حضرت جماعة أخرى في ذلك المكان ، وقد نقل القول بالجواز هنا عن العلامة في التذكرة وتبعه المحدث الكاشاني في المفاتيح.

ومنها ـ ما لو صلى مأموما ثم عدل في أثناء الصلاة إلى نية الإمامة ببعض المأمومين أو غيرهم بعد نقل نيته الى الانفراد أو عدمه.

ومنها ـ أن ينقل الامام نيته في الأثناء الى الائتمام ببعض المأمومين وذلك المأموم ينقل نيته إلى الإمامة.

الى غير ذلك من الصور التي يمكن فرضها ، وقد تقدم الكلام فيها ونحوها في الموضع المشار اليه ، والأظهر الأشهر العدم لما عرفت من الخروج عن مواضع النصوص. والله العالم.

المسألة السادسة ـ قد ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم) كراهة الإمامة في جملة من المواضع : منها ـ المسبوق وقد تقدم الكلام فيه في سابق هذه المسألة.

ومنها ـ المجذوم والأبرص والمحدود والأعرابي ، وقد تقدم الكلام في هؤلاء الأربعة في بحث صلاة الجمعة.

ومنها ـ الأغلف وقد أطلق جملة من الأصحاب كراهة إمامة الأغلف ، ومنع منه جماعة منهم كالشيخ والمرتضى.


وقال في المدارك ـ بعد أن ذكر المصنف الأغلف في من يكره إمامته ـ ما صورته : الحكم بكراهة إمامة الأغلف مشكل على إطلاقه لان من أخل بالختان مع التمكن منه يكون فاسقا فلا تصح إمامته ، وأطلق الأكثر المنع من إمامته وهو مشكل ايضا.

وقال المحقق في المعتبر : والوجه ان المنع مشروط بالفسوق وهو التفريط في الاختتان مع التمكن لا مع العجز ، وبالجملة ليس الغلفة مانعة باعتبارها ما لم ينضم إليها الفسوق بالإهمال ونطالب المانعين بالعلة ، فإن احتجوا ـ بما رواه أبو الجوزاء عن الحسين بن علوان عن عمرو بن خالد عن زيد بن على عن آبائه عن على (عليهم‌السلام) (1) قال : «الأغلف لا يؤم القوم وان كان أقرأهم لأنه ضيع من السنة أعظمها ولا تقبل له شهادة ولا يصلى عليه إلا أن يكون منع ذلك خوفا على نفسه». فالجواب من وجهين : (أحدهما) ـ الطعن في سند الرواية فإنهم بأجمعهم زيدية مجهولو الحال و (الثاني) ـ أن نسلم الخبر ونقول بموجبه ، فإنه تضمن ما يدل على إهمال الاختتان مع وجوبه فلا يكون المنع متعلقا على الغلفة ، فإن ادعى مدع الإجماع فذاك يلزم من علمه ونحن لا نعلم ما ادعاه. انتهى. وهو جيد.

ثم ان الظاهر انه مع قدرته على الاختتان والإخلال به لا يقتضي ذلك بطلان صلاته بل غايته الإثم لعدم توجه النهي إلى شي‌ء من العبادة وانما هو أمر خارج إلا عند من يقول باقتضاء الأمر بالشي‌ء النهي عن ضده الخاص ، وهو قول مرغوب عنه لعدم الدليل عليه بل الدليل على خلافه واضح السبيل. إلا ان شيخنا الشهيد الثاني في الروض صرح بأنه لا تصح صلاته بدون الاختتان وان كان منفردا ، ولا اعرف له وجها ولا سيما ان مذهب في تلك المسألة الأصولية هو عدم استلزام الأمر بالشي‌ء النهي عن ضده الخاص.

ومن ما يدل على النهى عن امامة الأغلف زيادة على الخبر المذكور ما نقله

__________________

(1) الوسائل الباب 13 من صلاة الجماعة.


في البحار (1) عن كتاب جعفر بن محمد بن شريح عن عبد الله بن طلحة النهدي عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : «لا يؤم الناس المحدود وولد الزنا والأغلف والأعرابي والمجنون والأبرص والعبد».

وما رواه الصدوق في الخصال بسنده فيه عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (2) قال : «ستة لا ينبغي أن يؤموا الناس : ولد الزنا والمرتد والأعرابي بعد الهجرة وشارب الخمر والمحدود والأغلف». ورواه جعفر بن محمد بن قولويه في كتابه بإسناده إلى الأصبغ مثله (3).

وروى في المقنع مرسلا (4) قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام الأغلف لا يؤم القوم. الحديث. كما تقدم في حديث الزيدية.

ومنها ـ امامة من يكرهه المأمومون وقد ورد بذلك جملة من الأخبار : منها ـ ما رواه الصدوق في الفقيه مرسلا (5) قال : «قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثمانية لا يقبل الله لهم صلاة : العبد الآبق حتى يرجع الى مولاه والناشر عن زوجها وهو عليها ساخط ومانع الزكاة وامام قوم صلى بهم وهم له كارهون. الحديث».

وروى في الكتاب المذكور بسنده عن شعيب بن واقد عن الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه (عليهم‌السلام) (6) في حديث المناهي قال : «ونهى أن يؤم الرجل قوما إلا بإذنهم. وقال من أم قوما بإذنهم وهم به راضون فاقتصد بهم في حضوره وأحسن صلاته بقيامه وقراءته وركوعه وسجوده وقعوده فله مثل أجر القوم ولا ينقص من أجرهم شي‌ء».

__________________

(1) ج 18 الصلاة ص 627.

(2 و 3) الوسائل الباب 14 من صلاة الجماعة.

(4) الوسائل الباب 13 من صلاة الجماعة.

(5 و 6) الوسائل الباب 27 من صلاة الجماعة.


وروى في كتاب الخصال بسنده عن عبد الملك بن عمير عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) قال : أربعة لا تقبل لهم صلاة : الإمام الجائر ، والرجل يؤم القوم وهم له كارهون ، والعبد الآبق من مولاه من غير ضرورة ، والمرأة تخرج من بيتها بغير إذن زوجها».

وروى الشيخ بسنده عن زكريا صاحب السابري عن ابى عبد الله عليه‌السلام (2) قال : «ثلاثة في الجنة على المسك الأذفر : مؤذن أذن احتسابا ، وامام أم قوما وهم به راضون ، ومملوك يطيع الله ويطيع مواليه».

وروى في الأمالي بسنده فيه عن عبد الله بن ابى يعفور عن ابى عبد الله عليه‌السلام (3) قال : «ثلاثة لا تقبل لهم صلاة : عبد آبق من مواليه حتى يرجع إليهم فيضع يده في أيديهم ، ورجل أم قوما وهم كارهون ، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط». ورواه الكليني في كتاب النكاح (4).

وروى جملة من الأصحاب عن على عليه‌السلام (5) انه قال لرجل أم قوما وهم له كارهون : «انك لخروط». قال في الروض : انه بفتح الخاء المعجمة والراء المهملة والگواو والطاء المهملة وهو الذي يتهور في الأمور ويركب رأس كل ما يريد بالجهل وقلة المعرفة بالأمور.

قال العلامة في التذكرة : الأقرب انه ان كان ذا دين يكرهه القوم لذلك لم تكره إمامته والإثم على من كرهه وإلا كرهت. وظاهر هذا الكلام حمل الأخبار المذكورة على من لم يكن من أهل الإمامة ويحمل الناس على الائتمام به ، وحينئذ فهذه الكراهة ترجع الى التحريم إلا مع التقية.

وقال في المنتهى : لا تكره امامة من يكرهه المأمون أو أكثرهم إذا كان

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 27 من صلاة الجماعة.

(4) ج 2 ص 60 وفي الوسائل الباب 80 من مقدمات النكاح.

(5) الفائق للزمخشري ونهاية ابن الأثير ولسان العرب وتاج العروس مادة «خرط».


بشرائط الإمامة خلافا فالبعض الجمهور (1) لنا قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (2) : «يؤمكم أقرأكم» وذلك عام ، ولا اعتبار بكراهة المأمومين له إذ الإثم انما يتعلق بمن يكرهه لا به. انتهى. وهو جيد يرجع الى ما تقدم.

أقول : ويمكن ـ ولعله الأقرب ـ ان المراد بالأخبار المذكورة ان المأمومين ليس لهم مزيد اعتقاد فيه ويرجحون غيره عليه ويريدون الائتمام بغيره وهو يحملهم مع ذلك على الائتمام به ويمنعهم من غيره ، وحينئذ فالكراهة في محلها وان صحت الصلاة خلفه. والله العالم.

ومنها ـ المتيمم بالمتوضئين ، والحكم بذلك مشهور بين الأصحاب بل قال العلامة في المنتهى : انا لا نعرف فيه خلافا إلا ما حكى عن محمد بن الحسن الشيباني من المنع من ذلك (3).

واستدل الشيخ على الحكم المذكور في كتابي الأخبار بما رواه عن عباد بن صهيب (4) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول «لا يصلى المتيمم بقوم متوضئين».

وعن السكوني عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (5) قال : «لا يؤم صاحب التيمم المتوضئين ولا يؤم صاحب الفالج الأصحاء».

وانما حملتا على الكراهة لما رواه الشيخ وابن بابويه في الصحيح عن جميل بن دراج (6) «انه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن امام قوم أجنب وليس معه من الماء ما يكفيه للغسل ومعهم ماء يتوضأون به أيتوضأ بعضهم ويؤمهم؟ قال لا ولكن يتيمم الإمام

__________________

(1) في المهذب ج 1 ص 98 : يكره ان يصلى الرجل بقوم وأكثرهم له كارهون ، وان كان الذي يكره أقل فلا كراهة. وبه قال ابن قدامة في المغني ج 1 ص 363 وقال أحمد إذا كرهه واحد أو اثنان فلا بأس.

(2) ص 208.

(3) في البحر الرائق ج 1 ص 363 ذهب محمد الى فساد اقتداء المتوضئ بالمتيمم وذهبا (أبو حنيفة وأبو يوسف) إلى الصحة.

(4 و 5) الوسائل الباب 17 من صلاة الجماعة.

(6) الوسائل الباب 17 من صلاة الجماعة. واللفظ للفقيه ج 1 ص 250.


ويؤمهم فان الله (عزوجل) جعل الأرض طهورا كما جعل الماء طهورا».

وما رواه الشيخ عن عبد الله بن بكير في الموثق (1) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أجنب ثم تيمم فأمنا ونحن طهور؟ فقال لا بأس به».

وعن عبد الله بن المغيرة في الحسن عن عبد الله بن بكير عن ابى عبد الله عليه‌السلام (2) قال : «قلت له رجل أم قوما وهو جنب وقد تيمم وهم على طهور : فقال لا بأس».

وعن أبي أسامة عن ابى عبد الله عليه‌السلام (3) «في الرجل يجنب وليس معه ماء وهو امام القوم؟ قال يتيمم ويؤمهم».

والأقرب عندي في الجمع بين هذه الأخبار حمل الأخبار الأولة على التقية لاتفاق المخالفين إلا الشاذ النادر على الحكم المذكور (4) كما عرفت من كلام العلامة وان وافقهم أصحابنا (رضوان الله عليهم) في ذلك وجعلوه وجه جمع بين هذه الأخبار إلا أن الأخبار المجوزة لا إشارة فيها الى ذلك فضلا عن التصريح به ، ويعضده ان رواة الخبرين الأولين من العامة. والى ما ذكرناه من العمل بهذه الأخبار الأخيرة يميل كلام صاحب المدارك بناء على قاعدته ، حيث نقل صحيحة جميل في المسألة ورد الخبرين الأولين بضعف الاسناد ورجح العمل بالصحيحة المذكورة لضعف المعارض لها ولم ينقل شيئا من الروايات التي أردفناها به. وبالجملة فالأظهر عندي ما ذكرته. والله العالم.

ومنها ـ العبد وقد وقع الخلاف في إمامته ، فقال في المبسوط والنهاية : لا يجوز أن يؤم الأحرار ويجوز أن يؤم مواليه إذا كان أقرأهم. وقال ابن بابويه في المقنع : ولا يؤم العبد إلا أهله لرواية السكوني (5). وأطلق ابن حمزة ان العبد لا يؤم الحر ،

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 17 من صلاة الجماعة.

(4) في المهذب ج 1 ص 97 يجوز للمتوضئ أن يصلى خلف المتيمم لانه اتى عن طهارة يبدل. وفي المغني ج 2 ص 225 يصح ائتمام المتوضئ بالمتيمم لا اعلم فيه خلافا لان عمرو ابن العاص صلى بأصحابه متيمما وبلغ النبي (ص) فلم ينكره.

(5) ص 228.


وجوز إمامته مطلقا ابن الجنيد وابن إدريس ، وأطلق الشيخ في الخلاف جواز إمامته قال : وفي بعض رواياتنا لا يؤم إلا مولاه. وقال أبو الصلاح يكره.

ويدل على جواز إمامته جملة من الأخبار : منها ـ ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام (1) قال : «قلت له الصلاة خلف العبد فقال لا بأس به إذا كان فقيها ولم يكن هناك أفقه منه. الحديث».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (2) «انه سئل عن العبد يؤم القوم إذا رضوا به وكان أكثرهم قرآنا؟ قال لا بأس به». ورواه أيضا في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى عبد الله عليه‌السلام وذكر مثله (3).

وعن سماعة في الموثق (4) قال : «سألته عن المملوك يؤم الناس فقال لا إلا أن يكون هو أفقههم وأعلمهم».

وما رواه الحميري في كتاب قرب الاسناد عن السندي بن محمد عن أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن على (عليهم‌السلام) (5) قال : «لا بأس أن يؤم المملوك إذا كان قارئا».

وهذه الأخبار كما ترى كلها ظاهرة في الجواز إذا كان من أهل الإمامة.

إلا انه روى الشيخ عن النوفلي عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن على (عليهم‌السلام) (6) قال «لا يؤم العبد إلا أهله».

وجمع الشيخ بينه وبين الأخبار المتقدمة بحمل هذا الخبر على الاستحباب وتبعه في ذلك جملة من الأصحاب كما هي قاعدتهم في سائر الأبواب.

وأنت خبير بان ظاهر تلك الأخبار على تعددها مؤذن بجواز الإمامة متى كان قارئا أو فقيها من غير إشعار بكراهة بالكلية ، وحملها على خلاف ظاهرها بمجرد هذا الخبر مع ضعفه وعدم نهوضه بالمعارضة مشكل ، ولعل طرحه وإرجاعه إلى قائله هو الأولى ان لم يكن خرج مخرج التقية. ومن ذلك يظهر لك

__________________

(1) الوسائل الباب 16 من صلاة الجماعة.

(2) الوسائل الباب 16 من صلاة الجماعة.

(3) الوسائل الباب 16 من صلاة الجماعة.

(4) الوسائل الباب 16 من صلاة الجماعة.

(5) الوسائل الباب 16 من صلاة الجماعة.

(6) الوسائل الباب 16 من صلاة الجماعة.


عدم المستند لما ذكروه من الأقوال المتقدمة فإن هذه أخبار المسألة التي وصلت إلينا. والله العالم.

ومنها ـ المقيد بالمطلقين وصاحب الفالج بالأصحاء ، والظاهر ان امامة المقيد بالمطلقين ترجع إلى امامة القاعد بالقائمين ، وقد عرفت آنفا ان الحكم في ذلك هو التحريم ، وحينئذ فلا وجه لعده هنا في المكروهات كما ذكره بعضهم إلا ان يكون المقيد يستطيع الصلاة قائما وهو خلاف الظاهر وكذا صاحب الفالج ، وبالجملة فإنه متى استلزم نقصان صلاة الإمام بترك شي‌ء من واجباتها فظاهرهم المنع من الاقتداء كما صرحوا به في غير موضع وإلا فالكراهة.

ومن الاخبار الواردة هنا ما رواه في الكافي عن السكوني عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام لا يؤم المقيد المطلقين ولا صاحب الفالج الأصحاء ولا صاحب التيمم المتوضئين. الحديث». ورواه الصدوق مرسلا (2).

وعن السكوني عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (3) قال «لا يؤم صاحب الفالج الأصحاء».

وعن صاعد بن مسلم عن الشعبي (4) قال قال على عليه‌السلام في حديث : «لا يؤم المقيد المطلقين».

قال شيخنا المجلسي في البحار : وظاهر كلام بعض الأصحاب عدم جواز امامة المقيد المطلقين وصاحب الفالج الأصحاء ، والمشهور الكراهة إلا مع عدم تمكنهما من الإتيان بأفعال الصلاة. انتهى.

ومنها ـ امامة المسافر بالحاضر وبالعكس ، وقد تقدم الكلام في ذلك في المسألة العاشرة من المطلب المتقدم.

__________________

(1) الوسائل الباب 22 من صلاة الجماعة.

(2) الوسائل الباب 22 من صلاة الجماعة إلى قوله «الأصحاء».

(3) الوسائل الباب 22 من صلاة الجماعة. والرواية للشيخ في التهذيب ج 1 ص 302.

(4) الوسائل الباب 22 من صلاة الجماعة. وفي النسخ «محمد بن مسلم» وقد صححناه.


المطلب الثالث في الأحكام

وفيه مسائل الأولى ـ الأشهر الأظهر أنه لو تبين بعد الصلاة ان الامام كافر أو فاسق أو على غير طهارة لم تبطل صلاة من ائتم به ، ونقل عن المرتضى وابن الجنيد أنهما أوجبا الإعادة على المأموم ، كذا نقله عنهما في المدارك ومثله الفاضل الخراساني في الذخيرة. وظاهره يؤذن بأن المرتضى خالف في كل من المسائل الثلاث اعنى فسق الامام وكفره وحدثه ، والظاهر انه ليس كذلك فان ظاهر العلامة في المنتهى والمختلف ان خلاف السيد انما هو في مسألتي الكفر والفسق دون الحدث ، أما في المنتهى فإنه قال : لو صلى خلف من ظاهره العدالة فبان فاسقا لم يعد وبه قال الشيخ وقال السيد المرتضى يعيد. ثم قال : الثاني ـ لو صلى خلف جنب أو محدث عالما أعاد بغير خلاف ولو كان جاهلا لم يعد ، قال السيد المرتضى يلزم الإمام الإعادة دون المأموم. قال : وقد روى ان المأمومين ان علموا في الوقت لزمهم الإعادة. وأما مسألة الحدث فلم يتعرض لذكرها في الكتاب ، وهو مؤذن بأنها ليست محل خلاف. وحكى الصدوق في الفقيه عن جماعة من مشايخه انه سمعهم يقولون ليس عليهم إعادة شي‌ء من ما جهر فيه وعليهم اعادة ما صلى بهم من ما لم يجهر فيه ، قال : والحديث المفصل يحكم على المجمل.

ويدل على القول المشهور جملة من الاخبار : منها ـ ما رواه ثقة الإسلام والشيخ عن ابن ابى عمير في الصحيح أو الحسن عن بعض أصحابنا عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) «في قوم خرجوا من خراسان أو بعض الجبال وكان يؤمهم رجل فلما صاروا إلى الكوفة علموا أنه يهودي؟ قال لا يعيدون».

وقال الصدوق في الفقيه : وفي كتاب زياد بن مروان القندي وفي نوادر محمد

__________________

(1) الوسائل الباب 37 من صلاة الجماعة. والشيخ يرويه عن الكليني.


ابن ابى عمير ان الصادق عليه‌السلام (1) قال : «في رجل صلى بقوم من حين خرجوا من خراسان حتى قدموا مكة فإذا هو يهودي أو نصراني؟ قال ليس عليهم اعادة».

ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه‌السلام (2) قال : «سألته عن الرجل يؤم القوم وهو على غير طهر فلا يعلم حتى تنقضي صلاته فقال يعيد ولا يعيد من خلفه وان أعلمهم انه على غير طهر».

وعن زرارة في الصحيح عن ابى جعفر عليه‌السلام (3) قال : سألته عن قوم صلى بهم امامهم وهو غير طاهر أتجوز صلاتهم أم يعيدونها؟ فقال لا اعادة عليهم تمت صلاتهم وعليه هو الإعادة ، وليس عليه ان يعلمهم هذا عنه موضوع».

وعن عبد الله بن بكير في الموثق به (4) قال : سأل حمزة بن حمران أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أمنا في السفر وهو جنب وقد علم ونحن نعلم؟ قال لا بأس».

وعن عبد الله بن ابى يعفور بسند لا يبعد أن يكون موثقا (5) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل أم قوما وهو على غير وضوء؟ فقال ليس عليهم اعادة وعليه هو أن يعيد».

وعن الحلبي في الصحيح عن ابى عبد الله عليه‌السلام (6) انه قال : «في رجل يصلى بالقوم ثم يعلم انه صلى بهم الى غير القبلة؟ قال ليس عليهم اعادة».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (7) قال : «من صلى بقوم وهو جنب أو على غير وضوء فعليه الإعادة وليس عليهم أن يعيدوا ، وليس عليه أن يعلمهم ولو كان ذلك عليه لهلك. قال قلت كيف كان يصنع بمن قد خرج الى خراسان وكيف كان يصنع بمن لا يعرف؟ قال هذا عنه موضوع».

وبإسناده عن جميل بن دراج عن زرارة عن أحدهما (عليهما‌السلام) (8)

__________________

(1) الوسائل الباب 37 من صلاة الجماعة.

(2 و 3 و 4 و 5 و 7 و 8) الوسائل الباب 36 من صلاة الجماعة.

(6) الوسائل الباب 38 من صلاة الجماعة.


قال : «سألته عن رجل صلى بقوم ركعتين ثم أخبرهم انه ليس على وضوء؟ قال يتم القوم صلاتهم فإنه ليس على الامام ضمان».

وما رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم (1) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أم قوما وهو على غير طهر فأعلمهم بعد ما صلوا؟ فقال يعيد هو ولا يعيدون».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن وهب (2) قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أيضمن الإمام صلاة الفريضة فإن هؤلاء يزعمون انه يضمن؟ فقال لا يضمن أي شي‌ء يضمن؟ إلا أن يصلى بهم جنبا أو على غير طهر».

وأما ما رواه الشيخ عن عبد الرحمن العرزمي عن أبيه عن ابى عبد الله عليه‌السلام (3) ـ قال «صلى على عليه‌السلام بالناس على غير طهر وكانت الظهر ثم دخل فخرج مناديه ان أمير المؤمنين عليه‌السلام صلى على غير طهر فأعيدوا وليبلغ الشاهد الغائب» ـ.

فأجاب عنه الشيخ في التهذيبين بان هذا خبر شاذ مخالف للاخبار كلها وما هذا حكمه لا يجوز العمل به ، على ان فيه ما يبطله وهو ان أمير المؤمنين عليه‌السلام أدى فريضة على غير طهر ساهيا غير ذاكر ، وقد آمننا من ذلك دلالة عصمته عليه‌السلام انتهى. وهو جيد.

أقول : ومن الأخبار الدالة على ما دل عليه هذا الخبر من وجوب الإعادة على المأمومين ما نقله في كتاب البحار (4) عن نوادر الراوندي بسنده فيه عن موسى بن إسماعيل عن أبيه عن جده موسى بن جعفر عن آبائه عن على عليهم‌السلام قال : «من صلى بالناس وهو جنب أعاد هو وأعاد الناس».

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 36 من صلاة الجماعة.

(4) ج 18 الصلاة ص 625. وفيه «أعاد هو والناس صلاتهم».


وما رواه في كتاب دعائم الإسلام عن على (صلوات الله عليه) (1) قال : «صلى عمر بالناس صلاة الفجر فلما قضى الصلاة أقبل عليهم فقال يا أيها الناس ان عمر صلى بكم الغداة وهو جنب. فقال له الناس فما ذا ترى؟ فقال على الإعادة ولا اعادة عليكم. فقال له على عليه‌السلام بل عليك الإعادة وعليهم ان القوم بإمامهم يركعون ويسجدون فإذا فسدت صلاة الإمام فسدت صلاة المأمومين».

قال شيخنا في البحار بعد نقل خبر الراوندي : وهذا الخبر يمكن حمله على علمهم بكونه جنبا أو على الاستحباب أو على التقية لأنه مذهب الشعبي وابن سيرين وأصحاب الرأي من العامة (2) وان كان أكثرهم معنا.

أقول : وأظهر هذه الاحتمالات هو الثالث لان مذهب أبي حنيفة وأصحابه المعبر عنهم بأصحاب الرأي كان له قوة في وقته فحمل ما وافقه على التقية غير بعيد ، والتقية هنا من الكاظم عليه‌السلام في نقل ذلك ، وعلى ذلك يحمل ايضا حديث كتاب الدعائم. وبالجملة فإنه لما ثبت اتفاق الطائفة على الحكم المذكور وتكاثر الأخبار الصريحة الصحيحة به كما عرفت من ما تلوناه فلا مندوحة من تأويل هذين الخبرين الضعيفين أو طرحهما بالكلية.

ونقل ان السيد المرتضى احتج ـ على ما نقل عنه ـ بأنها صلاة تبين فسادها لاختلال بعض شرائطها فيجب إعادتها ، وبأنها صلاة منهي عنها فتكون فاسدة.

وفيه (أولا) ـ ان هذا الاحتجاج في مقابلة النصوص المتكاثرة كما عرفت غير مسموع. و (ثانيا) ـ ان تبين الفساد مسلم بالنسبة الى الإمام أما بالنسبة إلى المأمومين فهو محل المنع ، لأنه مأمورون بالاقتداء بمن ظاهره الاتصاف بشرط الإمامة أعم من أن يكون ذلك الظاهر مطابقا للواقع أولا ، ومقتضى الأمر الاجزاء والإعادة تحتاج الى دليل. وكذا قوله «انها صلاة منهي عنها» مسلم بالنسبة الى الامام وأما المأموم

__________________

(1) مستدرك الوسائل الباب 32 من صلاة الجماعة.

(2) المغني ج 2 ص 99.


فلا بل هي مأمور بها لما عرفت.

وأما ما نقله الصدوق عن بعض مشايخه فلم يصل إلينا ما يدل على ما ذكروه من التفصيل ، والظاهر انه لم يصل إليه أيضا وإلا لأفتى بما قالوه ولم يكتف بمجرد نقل ذلك عنهم.

هذا. ولو ظهر ذلك في الأثناء فإنهم يعدلون الى الانفراد بناء على القول المشهور من عدم وجوب الإعادة ، واما على القول بوجوب الإعادة فقيل بأنه يستأنف هنا. قيل ويحتمل الاستئناف على القولين ان قلنا بتحريم المفارقة في أثناء الصلاة ، قال في الذكرى : ولو صلى بهم بعض الصلاة ثم علموا حينئذ أتم القوم في رواية جميل وفي رواية حماد عن الحلبي (1) «يستقبلون صلاتهم».

أقول : الظاهر هو القول بالعدول الى الانفراد لما عرفت من الأخبار المتكاثرة المتعاضدة الدلالة على صحة الصلاة كملا بعد العلم فكذا بعضها بطريق أولى ، ولصحيحة زرارة المتقدمة وهي الثانية من روايتيه المتقدمتين.

واما ما نقله هنا في الذكرى من رواية حماد عن الحلبي الدالة على الاستقبال فلم أقف عليها في ما حضرني من كتب الأخبار ولا سيما ما جمع الكتب الأربعة وغيرها من الوسائل والبحار. والله العالم.

المسألة الثانية ـ قد تقدم في باب صلاة الجمعة الكلام في ما به تدرك الركعة وتحتسب من إدراك الإمام راكعا أو انه لا بد من إدراك تكبير الركوع ، وقد تقدم تحقيق القول في ذلك ونقل الأخبار المتعلقة بالمسألة.

بقي الكلام هنا بناء على القول المشهور ثمة من إدراك الركعة بالدخول معه حال ركوعه ، فلو دخل المأموم وخاف بالالتحاق بالصف رفع الإمام رأسه من الركوع فإنه يكبر مكانه ويمشي في ركوعه حتى يلتحق بالصف ، ولو سجد الإمام

__________________

(1) سيأتي منه (قدس‌سره) بعد أسطر التصريح بعدم الوقوف عليها.


قبل التحاقه جاز له السجود في موضعه ثم الالتحاق بالصف إذا قام ، قال في المنتهى : ذهب إليه علماؤنا.

أقول : ويدل على الحكم الأول ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام (1) انه سئل عن الرجل يدخل المسجد فيخاف ان تفوته الركعة؟ فقال يركع قبل أن يبلغ القوم ويمشى وهو راكع حتى يبلغهم».

قال الصدوق في الفقيه (2) : وروى انه يمشى في الصلاة يجر رجليه ولا يتخطى. وعلى الثاني ما رواه عن عبد الرحمن بن ابى عبد الله في الصحيح عن ابى عبد الله عليه‌السلام (3) قال : «إذا دخلت المسجد والامام راكع فظننت انك ان مشيت اليه رفع رأسه قبل أن تدركه فكبر واركع فإذا رفع رأسه فاسجد مكانك فإذا قام فالحق بالصف وان جلس فاجلس مكانك فإذا قام فالحق بالصف».

وعن معاوية بن عمار في الصحيح (4) قال : «رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام يوما وقد دخل المسجد الحرام لصلاة العصر فلما كان دون الصفوف ركعوا فركع وحده وسجد السجدتين ثم قام فمضى حتى لحق الصفوف».

أقول : وفي ذكر هذا الخبر في عداد أخبار هذه المسألة كما ذكره الأصحاب نظر لان الظاهر ان ائتمامه عليه‌السلام انما كان بمخالف ، وقد عرفت أن الصلاة معهم انما هو على جهة الانفراد ، فهو عليه‌السلام كان منفردا والكلام في المأموم الحقيقي ، بقي جواز مشيه عليه‌السلام حال الصلاة حتى لحق بالصف وهو محمول على التقية (5).

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 46 من صلاة الجماعة.

(4) الوسائل الباب 46 من صلاة الجماعة. والراوي معاوية بن وهب.

(5) في بداية المجتهد ج 1 ص 137 المسألة الخامسة من الفصل الثالث : ذهب مالك وكثير من العلماء الى ان الداخل وراء الإمام إذا خاف فوات الركعة له ان يركع دون الصف ثم يدب راكعا ، وكره ذلك الشافعي ، وفرق أبو حنيفة بين الواحد فيكره وبين الجماعة فيجوز لهم. وفي المغني ج 2 ص 234 : ممن رخص في ركوع الرجل ثم يدب راكعا حتى يدخل في الصف زيد بن ثابت وفعله ابن مسعود وزيد بن وهب وأبو بكر بن عبد الرحمن


أقول : ومن اخبار المسألة ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (1) قال : «قلت له الرجل يتأخر وهو في الصلاة؟ قال لا. قلت فيتقدم؟ قال نعم ماشيا إلى القبلة».

ورواه الكليني مثله (2). وروى الشيخ عن إسحاق بن عمار (3) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ادخل المسجد وقد ركع الامام فاركع بركوعه وانا وحدي واسجد فإذا رفعت رأسي أي شي‌ء أصنع؟ فقال قم فاذهب إليهم فإن كانوا قياما فقم معهم وان كانوا جلوسا فاجلس معهم». ورواه الصدوق بإسناده عن إسحاق بن عمار مثله (4).

وقيد شيخنا الشهيد الثاني المشي حال الصلاة بغير حالة الذكر الواجب ، والظاهر ان منشأه المحافظة على وجوب الطمأنينة في موضعها ، إلا ان ظاهر النصوص الإطلاق ولعله يخص هذا الإطلاق بما دلت عليه أدلة وجوب الطمأنينة. والأقرب تخصيص أدلة وجوب الطمأنينة بهذه الأخبار فإنها أظهر في الدلالة سيما مع عدم ما يدل على ما يدعونه من وجوب الطمأنينة من النصوص.

وقال العلامة في المنتهى : ولو فعل ذلك من غير ضرورة وخوف فوت فالظاهر الجواز خلافا لبعض العامة (5) لأن للمأموم أن يصلى في الصف منفردا وان يتقدم بين يديه وحينئذ يثبت المطلوب. انتهى.

قال في الذخيرة بعد نقله : ويدل عليه ما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم في الصحيح (6) قال : قلت له : الرجل يتأخر وهو في الصلاة. الخبر كما ذكرناه. أقول : ان هنا مسألتين : إحداهما التقدم من صف الى آخر والتأخر أما لسد

__________________

وعروة وسعيد بن جبير وابن جريح وجوزه الزهري والأوزاعي ومالك والشافعي إذا كان قريبا من الصف.

(1 و 2 و 3 و 4 و 6) الوسائل الباب 46 من صلاة الجماعة.

(5) لم أقف على نفس الفرع ويمكن ان يستفاد من ما في المجموع للنووي ج 4 ص 298 حيث انه بعد حكاية الخلاف في صلاة المنفرد خلف الصف نقل ان المشهور عن احمد وإسحاق صحة إحرامه وان دخل في الصف قبل الركوع صحت قدوته.


خلل الصفوف أو لضيق مكان المصلى أو لإتمام الصف ، ومن الظاهر انه ليس هنا ما يمنع من ذلك إلا من حيث الإخلال بالطمأنينة لو انتقل في وقت تجب فيه الطمأنينة ، فالأولى والأظهر هو جواز الانتقال كما دلت عليه الأخبار لكن في وقت لا يلزم الإخلال بالطمأنينة التي هي أحد واجبات الصلاة وفيه جمع بين الأدلة

الثانية ـ ما لو دخل المصلى المسجد وبينه وبين الصفوف مسافة تزيد على ما لا يتخطى الذي هو كما عرفت من ما يبطل القدوة ، فإن الأخبار هنا دلت على انه متى خاف فوت الركعة برفع الإمام رأسه قبل وصولة إلى الصفوف والالتحاق بها فإنه يكبر مكانه ويركع ، وتصير هذه المسافة والبعد المبطلان للقدوة في غير هذه الصورة مغتفرين في هذه الصورة بالنص لضرورة إدراك الركعة ، وقد رخص له في الخبر أن يمشى في حال ركوعه ويلتحق بالصف ، وفيه دليل على اغتفار وجوب الطمأنينة وانها لا تبطل الصلاة بتركها في هذه الصورة ، وهكذا لو سجد الامام قبل التحاقه فإنه يسجد معه ولو جلس للتشهد جلس ايضا معه وان كانت تلك المسافة المبطلة في غير هذه الصورة موجودة لأنها صارت مغتفرة بهذه النصوص.

وبذلك يظهر لك ما في كلام المنتهى وان وافقه عليه في الذخيرة من عدم الاستقامة من انه لو فعل ذلك من غير ضرورة وخوف فوت الركعة جاز قياسا على التقدم والتأخير في الصفوف وهي كما عرفت مسألة أخرى ، وكيف يجوز ما ذكروه حال الاختيار والمفروض حصول البعد بين المأموم والصفوف بالقدر الممنوع منه في غير هذه الصورة ، اللهم إلا ان يبنى كلامه على عدم حصول البعد الموجب للإخلال بالقدوة الذي ناطوه بالعرف.

وبالجملة فإن كلامه هنا على ما حققناه آنفا في مسألة البعد وتحديده غير وجيه ولا تام. وقياسه مسألة تكبير الداخل للجماعة قبل الالتحاق بالصفوف على مسألة الانتقال من صف الى آخر قياس مع الفارق كما عرفت. والله العالم.

المسألة الثالثة ـ المعروف من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم انه لا يجوز


للمأموم مفارقة الإمام لغير عذر إلا أن ينوي الانفراد.

واستدل على الأول وهو عدم جواز المفارقة لغير عذر بالتأسي وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (1) : «انما جعل الإمام إماما ليؤتم به».

وفيه ما عرفت مرارا من أن التأسي لا يكون دليلا في وجوب أو تحريم إلا مع معلومية وجهه وإلا فهو أعم من ذلك والأمر هنا كذلك. وأما الحديث المذكور فقد تقدم الكلام في انه غير ثابت من طرقنا بل الظاهر انه من روايات القوم كما صرح به بعض أصحابنا ، مع ما في دلالته من المناقشة.

والاولى الاستدلال على ذلك بما ذكره بعض محققي متأخري المتأخرين من أن الصلاة عبادة مترتبة على التوقيف عن صاحب الشرع وليس هنا ما يدل على شرعيتها على هذا الوجه.

واما المفارقة مع العذر فلا ريب في جوازها كما في المسبوق الذي يجلس للتشهد حال قيام الامام ويتشهد ثم يلتحق به ، وكذا من تخلف عنه بركن أو أكثر لعذر من سهو أو ضيق مكان كما تقدم ، فإنه يأتي بما سبقه به ويلتحق به ولا يضر تأخره عنه لمكان العذر.

وأما جواز الانفراد بنيته قبل فراغ الامام فهو المشهور في كلامهم بل نقل العلامة في النهاية الإجماع عليه. وقال الشيخ في المبسوط : من فارق الامام لغير عذر بطلت صلاته وان فارقه لعذر وتمم صحت صلاته. وهو ظاهر في عدم جواز نية الانفراد.

واحتج الأولون بوجوه : منها ـ ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله صلى بطائفة يوم ذات الرقاع ركعة ثم خرجت من صلاته وأتمت منفردة (2) ومنها ـ ان الجماعة ليست واجبة ابتداء فكذا استدامة. ومنها ـ ان الغرض من الائتمام تحصيل الفضيلة فيكون

__________________

(1) ارجع الى التعليقة 3 ص 134 وليس فيه كلمة «اماما».

(2) سنن ابى داود ج 2 ص 12 صلاة الخوف.


تركه لها مفوتا لها دون الصحة.

ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن على بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام (1) قال : «سألته عن الرجل يكون خلف امام فيطول في التشهد فيأخذه البول أو يخاف على شي‌ء أن يفوت أو يعرض له وجع كيف يصنع؟ قال : يسلم وينصرف ويدع الامام».

ومنها ـ الأخبار الدالة على جواز التسليم قبل الامام ، مضافا الى اتفاق الأصحاب على ذلك حتى من القائلين بوجوب التسليم :

كما رواه الشيخ في الصحيح عن ابى المعزا عن ابى عبد الله عليه‌السلام (2) «في الرجل يصلى خلف امام فيسلم قبل الامام؟ فقال ليس بذلك بأس».

وعن الحلبي في الصحيح عن ابى عبد الله عليه‌السلام (3) «في الرجل يكون خلف الامام فيطيل الامام التشهد؟ فقال يسلم من خلفه ويمضى في حاجته ان أحب».

وأنت خبير بما في هذه الوجوه من إمكان تطرق المناقشات إليها : أما الأول فهو ظاهر في أن المفارقة انما كانت لعذر وقد عرفت انه ليس بمحل خلاف ولا اشكال. وأما الثاني فإنه لا يلزم من عدم وجوب الجماعة ابتداء عدم وجوبها استدامة. وإلحاق أحدهما بالآخر قياس لا يوافق أصول المذهب. واما الثالث فإن نية الائتمام كما تفيد الفضيلة كذا تفيد الصحة على هذا الوجه ، ومن الجائز أن يكون ترك الائتمام ابتداء مفوتا للفضيلة وفي الأثناء مفوتا للصحة ، وبالجملة فإنه مع الاستمرار على نية الائتمام مقطوع بالصحة بلا إشكال ومع نية الانفراد وحصول المفارقة لا قطع على الصحة ، فإفادتها الصحة من ما لا شك ولا إشكال فيه. واما الرابع فهو يرجع الى الأول لأن الرواية المذكورة ظاهرة في العذر ، وقد عرفت انه من ما لا خلاف فيه ولا اشكال. واما الخامس فنقول بموجبه ونمنع التعدي عن موضع النص وهو أخص من المدعى فلا يفيد دلالة على المطلوب.

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 64 من صلاة الجماعة.


وكيف كان فالمسألة لا تخلو من الإشكال والاحتياط فيها واجب على كل حال ، وهو في ما ذهب اليه الشيخ كما هو الأقرب في هذا المجال.

هذا كله في الجماعة المستحبة أما الواجبة فلا يجوز الانفراد فيها قطعا من غير خلاف.

ثم انه على تقدير القول المشهور من جواز نية الانفراد فقد فرعوا على ذلك فروعا عديدة :

منها ـ عدوله بعد نية الانفراد الى الائتمام بإمام آخر في أثناء الصلاة ، وقد تقدم الكلام في ذلك مستوفى في بحث نية الوضوء من كتاب الطهارة ومرة الإشارة إليه قريبا ايضا.

وينبغي أن يعلم انه متى جوزنا للمأموم الانفراد فإنه يجب عليه إتمام صلاته منفردا ، فان حصلت المفارقة قبل القراءة قرأ لنفسه وان كان بعد تمامها ركع لنفسه ومضى في صلاته ، وانما الكلام في ما لو كان في أثنائها فالظاهر على تقدير القول المذكور انه يقرأ من موضع القطع والمفارقة ، وأوجب الشهيد الثاني الابتداء من أول السورة التي حصل القطع في أثنائها ، واستوجه الشهيد في الذكرى الاستئناف مطلقا لأنه في محل القراءة وقد نوى الانفراد. والحكم محل إشكال إلا انك قد عرفت ان أصل القول المتفرع عليه هذا الحكم خال من الاستدلال. والله العالم.

المسألة الرابعة ـ إذا فاته مع الإمام شي‌ء صلى ما يدركه وجعله أول صلاته وأتم ما بقي عليه ، وعليه الأصحاب كافة كما نقله الفاضلان في المعتبر والمنتهى.

ويدل على الحكم المذكور جملة من الأخبار : منها ـ ما رواه الصدوق في الصحيح عن الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) انه قال «إذا فاتك شي‌ء مع الامام فاجعل أول صلاتك ما استقبلت منها ولا تجعل أول صلاتك آخرها».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام (2) قال :

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 47 من صلاة الجماعة.


«إذا أدرك الرجل بعض الصلاة وفاته بعض خلف امام يحتسب بالصلاة خلفه جعل أول ما أدرك أول صلاته : ان أدرك من الظهر أو من العصر أو من العشاء ركعتين وفاتته ركعتان قرأ في كل ركعة من ما أدرك خلف الإمام في نفسه بأم الكتاب وسورة ، فان لم يدرك السورة تامة أجزأته أم الكتاب ، فإذا سلم الامام قام فصلى ركعتين لا يقرأ فيهما ، لأن الصلاة انما يقرأ فيها في الأولتين في كل ركعة بأم الكتاب وسورة وفي الأخيرتين لا يقرأ فيهما انما هو تسبيح وتكبير وتهليل ودعاء ليس فيهما قراءة ، وان أدرك ركعة قرأ فيها خلف الإمام فإذا سلم الامام قام فقرأ بأم الكتاب وسورة ثم قعد فتشهد ثم قام فصلى ركعتين ليس فيهما قراءة».

وفي الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (1) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يدرك الركعة الثانية من الصلاة مع الامام وهي له الأولى كيف يصنع إذا جلس الامام؟ قال يتجافى ولا يتمكن من القعود فإذا كانت الثالثة للإمام وهي له الثانية فليلبث قليلا إذا قام الامام بقدر ما يتشهد ثم يلحق الامام. قال : وسألته عن الرجل الذي يدرك الركعتين الأخيرتين من الصلاة كيف يصنع بالقراءة؟ فقال اقرأ فيهما فإنهما لك الأولتان ولا تجعل أول صلاتك آخرها».

الى غير ذلك من الأخبار الآتية ان شاء الله تعالى في المقام.

قال في المدارك بعد إيراد صحيحتي زرارة وعبد الرحمن المذكورتين ما لفظه : ومقتضى الروايتين ان المأموم يقرأ خلف الإمام إذا أدركه في الركعتين الأخيرتين وكلام أكثر الأصحاب خال من التعرض لذلك ، وقال العلامة (قدس‌سره) في المنتهى : الأقرب عندي أن القراءة مستحبة ، ونقل عن بعض فقهائنا الوجوب لئلا تخلو الصلاة عن قراءة إذ هو مخير في التسبيح في الأخيرتين. وليس بشي‌ء ، فإن احتج بحديث زرارة وعبد الرحمن حملنا الأمر فيهما على الندب لما ثبت من عدم وجوب القراءة على المأموم. هذا كلامه (قدس‌سره) ولا يخلو من نظر لأن

__________________

(1) الوسائل الباب 47 من صلاة الجماعة. والشيخ يرويه عن الكليني.


ما تضمن سقوط القراءة بإطلاقه لا ينافي هذين الخبرين المفصلين لوجوب حمل الإطلاق عليهما وان كان ما ذكره من الحمل لا يخلو من قرب ، لأن النهي في الرواية الأولى عن القراءة في الأخيرتين للكراهة قطعا ، وكذا الأمر بالتجافي وعدم التمكن من العقود في الرواية الثانية محمول على الاستحباب ، ومع اشتمال الرواية على استعمال الأمر في الندب والنهى في الكراهة يضعف الاستدلال بما وقع فيها من الأوامر على الوجوب أو النواهي على التحريم. مع ان مقتضى الرواية الأولى كون الأمر بالقراءة في النفس وهو لا يدل صريحا على وجوب التلفظ بها. وكيف كان فالروايتان قاصرتان عن إثبات الوجوب. انتهى.

وتبعه في هذه المقالة جمع ممن تأخر عنه كما هي عادتهم غالبا ومنهم الفاضل الخراساني متمسكا زيادة على ذلك بما صرح به في غير موضع من ما قدمنا نقله عنه من أن الأوامر والنواهي في أخبارنا لا تدل على الوجوب والتحريم. وفيه ما سيظهر لك ان شاء الله تعالى.

والتحقيق عندي في المقام بما لم يسبق اليه سابق من علمائنا الأعلام (أعلى الله تعالى مقامهم في دار المقام) هو أن يقال لا يخفى أن عبائر جملة من المتقدمين وجل المتأخرين في هذه المسألة مجملة وان كان الظاهر منها بعد التأمل هو الوجوب ، حيث ان بعضهم صرح بأنه يقرأ وبعضهم عبر بلفظ الرواية وهو انه يجعل ما أدرك مع الإمام أول صلاته ، ثم ربما أردف ذلك بعضهم بذكر الصحيحتين المذكورتين.

ولم أقف على من صرح بوجوب القراءة من المتقدمين إلا على كلام المرتضى (قدس‌سره) حيث نقل عنه في المختلف انه قال : لو فاتته ركعتان من الظهر أو العصر أو العشاء وجب أن يقرأ في الأخيرتين بالفاتحة في نفسه فإذا سلم الامام قام فصلى الركعتين الأخيرتين مسبحا فيهما. انتهى.

وهو إيضاح صريح كلام الشيخ ابى الصلاح في كتابه الكافي حيث قال : وإذا سبق بركعة فاولته ثانية الإمام فإذا نهض الإمام إلى الثالثة وهي له ثانية فليقرأ لنفسه


الحمد وسورة ، وإذا سبق بركعتين صارت أخيرتا الإمام له أولتين فليقرأ لنفسه فيهما كقراءة المنفرد ويجلس بجلوسه ، وان سبقه بثلاث ركعات فرابعة الامام له اولة فليقرأ لنفسه فيها. انتهى.

والظاهر ان أول من صرح بالاستحباب في هذه المسألة هو العلامة في المنتهى والمختلف وتبعه المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد والسيد في المدارك لما ذكره من الوجوه المذكورة في كلامه.

وعندي في ما ذكروه نظر وليكن محط الكلام وبيان ما فيه من النظر الظاهر لمن تدبر أخبار أهل الذكر (عليهم‌السلام) على كلام السيد المشار اليه حيث انه من ما استوفى البحث في المقام بما فيه من نقض وإبرام :

فنقول : ان ما ذكره منظور فيه من وجوه : الأول ـ ان ما ذكره ـ من انه باشتمال الرواية على بعض الأوامر والنواهي المستحبة والمكروهة يلزم منه انسحاب الحكم إلى جملة ما فيها من الأوامر والنواهي ـ فإنه ممنوع لما صرحوا به في الأصول من أن الأصل في الأمر الوجوب وفي النهي التحريم ، وبه تمسك السيد المذكور في جملة من المواضع في كتابه ، وقد عرفت من ما قدمناه في مقدمات الكتاب دلالة الآيات والروايات على ذلك ايضا ، وحينئذ فالواجب الوقوف على ذلك حتى يقوم دليل على الخروج عنه والحمل على المعنى المجازي ، وخروج بعض الأوامر والنواهي في تلك الرواية مخرج الاستحباب لدليل من خارج يدل على ذلك لا يقتضي انسحابه في ما لا دليل عليه. وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر لمن نظر بعين الإنصاف وجنح اليه

الثاني ـ انه لو سلم ذلك بالنسبة إلى صحيحة زرارة لو لم يكن لها معاضد يمنع ذلك لكنه غير مسلم بالنسبة إلى صحيحة عبد الرحمن ، لأن الأمر بالقراءة فيها وقع معللا منهيا عن خلافه وهو من ما يؤكد الوجوب كما لا يخفى. وأيضا فالأمر بالقراءة فيها واقع في سؤال منفصل على حدة غير السؤال المشتمل على الأمر بالتجافي» ومن الجائز بل الواقع اشتمال الرواية على اسئلة متعددة عن أحكام متباينة بل هو شائع


ذائع في الأخبار فالانسحاب فيها من ما لا وجه له بالكلية ، ويلزم على ما ذكره انجرار هذا الحكم وانسحابه الى قوله : «فليلبث قليلا إذا قام الامام بقدر ما يتشهد» فينبغي بمقتضى ما ذكره أن يحمل اللبث هنا الذي هو عبارة عن الجلوس للتشهد في هذا المقام على الاستحباب مع ان هذه الرواية هي مستند الأصحاب في وجوب لتشهد على المسبوق. على انه ما ذكره من كون الأمر بالتجافي وعدم التمكن محمولا على الاستحباب محل كلام ، فان بعض الأصحاب ذهب الى وجوبه استنادا الى هذه الرواية والى ما رواه في كتاب معاني الأخبار عن الصادق عليه‌السلام (1) قال : «إذا أجلسك الإمام في موضع يجب أن تقوم فيه فتجاف». ونقل القول بالوجوب شيخنا الشهيد في الذكرى عن ابن بابويه.

الثالث ـ ان ما طعن به على صحيحة زرارة ـ من كون الأمر بالقراءة فيها في النفس وهو لا يدل على الوجوب ـ كلام ظاهري فإن هذه العبارة من ما شاع في الأخبار التعبير بها في مقام الكناية عن الإخفات والمبالغة فيه ، حيث انه يكره للمأموم هنا أن يسمع الإمام شيئا من ما يقوم كما دلت عليه الأخبار.

ومثل ذلك ما ورد في الاقتداء بالمخالف مع وجوب القراءة خلفه اتفاقا من قوله عليه‌السلام (2) : «يجزئك إذا كنت معهم من القراءة مثل حديث النفس».

وأبلغ منه ما روى من التعبير عن الإخفات بالصمت الذي هو حقيقة عدم الكلام بالكلية كما في صحيحة على بن يقطين (3) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الامام أيقرأ فيهما بالحمد. الخبر». فان المراد بهما الركعتان من الصلاة الإخفاتية.

وفي صحيحة على بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام (4) قال : «سألته عن الرجل

__________________

(1) الوسائل الباب 6 من السجود.

(2) الوسائل الباب 33 من صلاة الجماعة.

(3) الوسائل الباب 31 من صلاة الجماعة.

(4) الوسائل الباب 52 من القراءة في الصلاة.


يصلح له ان يقرأ في صلاته ويحرك لسانه بالقراءة في لهواته من غير أن يسمع نفسه؟ قال : لا بأس ان لا يحرك لسانه يتوهم توهما». وحمله الشيخ على الصلاة خلف من لا يقتدى به.

وفي كتاب قرب الاسناد عن أخيه عليه‌السلام (1) «انه سأله عن الرجل يقرأ في صلاته هل يجزئه أن لا يحرك لسانه وأن يتوهم توهما؟ قال لا بأس». هذا مع الاتفاق على وجوب القراءة.

وبالجملة فإن باب المجاز واسع والتعبير بهذه العبارة عن المعنى الذي ذكرناه شائع ، وعليه يحمل ما تقدم في عبارة السيد (قدس‌سره) وبذلك يظهر لك ان ما نسبه من القصور الى الروايتين لا أثر له عند التأمل ولا عين.

الرابع ـ ان الأخبار المتعلقة بهذه المسألة كلها متطابقة الدلالة متعاضدة المقالة على وجوب القراءة في المقام ما بين صريح وظاهر لجملة ذوي الأفهام ، ومنها الصحيحتان المتقدمتان فإنهما بما أوضحناه وكشفنا عنه نقاب الإبهام صريحتان واضحتان ، ومنها ما تقدم في كلامه من صحيحة الحلبي.

وما رواه في التهذيب عن طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن على (عليهم‌السلام) (2) قال : «يجعل الرجل ما أدرك مع الإمام أول صلاته. قال جعفر عليه‌السلام وليس نقول كما يقول الحمقى».

وعن احمد بن النضر عن رجل عن ابى جعفر ـ ورواه في الفقيه مرسلا عنه ـ عليه‌السلام (3) قال : «قال لي أي شي‌ء يقول هؤلاء في الرجل إذا فاتته مع الامام ركعتان؟ قلت يقولون يقرأ في الركعتين بالحمد وسورة. فقال هذا يقلب صلاته فيجعل أولها آخرها. قلت : فكيف يصنع؟ قال يقرأ فاتحة الكتاب في كل ركعة».

والتقريب في هذه الروايات ومثله ما وقع في صحيحة عبد الرحمن من قوله

__________________

(1) الوسائل الباب 52 من القراءة في الصلاة.

(2 و 3) الوسائل الباب 47 من صلاة الجماعة.


عليه‌السلام «اقرأ فيهما فإنهما لك الأولتان ولا تجعل أول صلاتك آخرها». هو انه قد ذهب بعض العامة ـ ونسبه في المعتبر الى ابى حنيفة واتباعه ـ الى أن ما يدركه المأموم يجعله آخر صلاته إذا كان مسبوقا محتجا بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (1) «ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا» فان لفظ القضاء يدل على ان ما ينفرد به المصلى بعد تسليم الامام هو ما فاته مع الامام وهو أول صلاته ، فعندهم انه يلزم في ما أدركه ما يلزم في الأخيرتين من القراءة أو التسبيح أو السكوت وما انفرد به يثبت فيه ما يثبت في الأولتين من الحمد والسورة ، وهذه الروايات قد وردت في مقام الرد على هذا المذهب والنهى عنه وتضمنت ان ذلك قلب للصلاة كما صرحت به رواية أحمد بن النضر وصحيحة الحلبي (2) حيث قال : عليه‌السلام «فاجعل أول صلاتك ما استقبلت منها ولا تجعل أول صلاتك آخرها». وحينئذ فعدم القلب انما هو بإرجاع كل إلى مقره من جعل الحمد والسورة في أول ما يدركه المأموم والتخيير المتقدم انما هو في ما ينفرد به. وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر لا سترة عليه.

ومنها ـ ما رواه الشيخ عن عبد الرحمن بن ابى عبد الله البصري عن ابى عبد الله عليه‌السلام (3) قال : «إذا سبقك الإمام بركعة فأدركت القراءة الأخيرة قرأت في الثالثة من صلاته وهي ثنتان لك ، فان لم تدرك معه إلا ركعة واحدة قرأت فيها وفي التي تليها. الحديث».

__________________

(1) في بدائع الصنائع للكاساني الحنفي ج 1 ص 218 قال محمد : يؤمر من أدرك القوم ركوعا أن يأتي وعليه السكينة والوقار ولا يعجل في الصلاة حتى يصل الى الصف فما أدرك مع الامام صلى بالسكينة والوقار وما فاته قضى ، وأصله قول النبي (ص) «إذا أتيتم الصلاة فأتوها وأنتم تمشون ولا تأتوها وأنتم تسعون عليكم بالسكينة والوقار ، وما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا». وفي المهذب ج 1 ص 94 فإن أدرك معه الأخيرة كان ذلك أول صلاته لما روى عن على (ع) انه قال «ما أدركت فهو أول صلاتك» ...

(2) ص 240.

(3) الوسائل الباب 47 من صلاة الجماعة.


وعن عمار بن موسى في الموثق عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «سألته عن الرجل يدرك الامام وهو يصلى اربع ركعات وقد صلى الامام ركعتين؟ قال يفتتح الصلاة ويدخل معه ويقرأ خلفه في الركعتين».

وقال عليه‌السلام في كتاب الفقه الرضوي (2) «فإن سبقت بركعة أو ركعتين فاقرأ في الركعتين الأولتين من صلاتك بالحمد وسورة فان لم تلحق السورة أجزأك الحمد».

وقال أيضا في موضع آخر (3) «وإذا فاتك مع الإمام الركعة الأولى التي فيها القراءة فأنصت للإمام في الثانية التي أدركت ثم اقرأ أنت في الثالثة للإمام وهي لك ثنتان».

وروى في كتاب دعائم الإسلام عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (4) انه قال : «إذا سبق أحدكم الإمام بشي‌ء من الصلاة فليجعل ما يدرك مع الإمام أول صلاته وليقرأ في ما بينه وبين نفسه ان أمهله الإمام فان لم يمكنه قرأ في ما يقضى ، وإذا دخل مع الإمام في صلاة العشاء الآخرة وقد سبقه بركعة وأدرك القراءة في الثانية فقام الإمام في الثالثة قرأ المسبوق في نفسه كما كان يقرأ في الثانية واعتد بها لنفسه انها الثانية». وروى فيه عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) نحوه (5).

وروى فيه عن ابى جعفر محمد بن على (عليهما‌السلام) (6) انه قال : «إذا أدركت الامام وقد صلى ركعتين فاجعل ما أدركت معه أول صلاتك فاقرأ لنفسك بفاتحة الكتاب وسورة أن أمهلك الإمام أو ما أدركت أن تقرأ واجعلها أول صلاتك».

فهذه جملة ما وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة ، وكلها كما قدمنا ذكره قد اشتملت على الأمر بالقراءة ، وبه يظهر لك ما في كلام الجماعة المتقدمين من البناء في المسألة على مجرد الظن والتخمين. والحق فيها بحمد الله سبحانه واضح

__________________

(1) الوسائل الباب 29 من صلاة الجمعة.

(2) ص 14.

(3) ص 10 وفيه «أجزأك الحمد وحده».

(4 و 5 و 6) مستدرك الوسائل الباب 38 من صلاة الجماعة.


ومنارة لمن أعطى التأمل حقه لائح. والله العالم.

فروع

الأول ـ قد عرفت من ما قدمنا من الأخبار وجوب القراءة على المسبوق في أولتيه ، فلو اتفق ان الوقت ضاق عن القراءة كملا على وجه يدرك الإمام في الركوع فهل يقرأ وان فاته ادراك الركوع فيقرأ ويلحقه في السجود أو يترك القراءة ويتابعه في الركوع؟ إشكال ينشأ من وجوب القراءة كما عرفت ومن وجوب المتابعة وانفساخ القدوة بالإخلال بها في ركن كما تقدم بيانه في فروع المسألة التاسعة من المطلب الأول ، وطريق الاحتياط في المقام مطلوب فينبغي للمكلف قبل دخوله وتكبيره أن يتأمل وينظر فإن أمكنه الدخول والقراءة ولو بالحمد وحدها قبل رفع الإمام رأسه من الركوع كبر ودخل معه وان عرف ضيق الوقت عن ذلك صبر حتى يركع الامام فيدخل معه إذ لا قراءة في هذه الحال ، ومع فرض دخوله واتفاق الأمر كما ذكرنا من الإشكال فالأولى له قطع القراءة ومتابعة الإمام في الركوع قبل الرفع ثم الإعادة من رأس وان كان المفهوم من ظواهر جملة من الأخبار تقديم المتابعة وقطع القراءة كما تقدم إيضاحه في الموضع المشار اليه إلا ان الاحتياط بالإعادة من رأس أولى.

الثاني ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان التخيير بين قراءة الحمد والتسبيح ثابت للمسبوق في الركعتين الأخيرتين وان إختار الامام التسبيح في الركعتين الأخيرتين ولم يقرأ ، ويظهر من المنتهى كون ذلك اتفاقيا حيث قال : الذي عليه علماؤنا انه يقرأ في الركعتين اللتين فاتتاه بأم الكتاب خاصة أو يسبح لأنهما آخر صلاته.

ونقل عن بعض الأصحاب القول بوجوب القراءة هنا في ركعة لئلا تخلو الصلاة عن قراءة ، والأظهر الاستدلال على ذلك برواية أحمد بن النضر المتقدمة (1)

__________________

(1) ص 245.


حيث انه بعد أن منع من قراءة الحمد والسورة في الأخيرتين لاستلزامه قلب الصلاة أمر بقراءة فاتحة الكتاب في كل ركعة.

ومن ذلك ايضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن وهب (1) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يدرك آخر صلاة الامام وهي أول صلاة الرجل فلا يمهله حتى يقرأ فيقضي القراءة في آخر صلاته؟ قال نعم». فان المراد من هذا الخبر كما ذكره في الاستبصار انه يأتي بالقراءة في الأخيرتين التي هي أحد فردي التخيير حيث انه فاتته القراءة في الأولتين ، والتعبير بالقضاء وقع مجازا أو بمعنى الفعل كقوله عزوجل «فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ» (2).

وبذلك يظهر ان ما استدل به للقول المشهور ـ من عموم أدلة التسبيح الشاملة لموضع البحث ـ مدخول بأنه يمكن تخصيص العموم المذكور بهذه الرواية كما انه خصص أيضا بأخبار ناسي القراءة في الأولتين وان عليه القراءة في الأخيرتين كما هو أحد القولين حسبما تقدم تحقيق البحث في ذلك في الفصل الثامن من الباب الأول (3) في الصلوات اليومية ، فإنا قد رجحنا ثمة وجوب القراءة بالأخبار الدالة على ذلك وان كان خلاف المشهور فليرجع اليه من أحب تحقيق الحال.

الثالث ـ لو دخل المأموم مع الإمام في الركعة الثانية وقنت الإمام فإنه يستحب للمأموم القنوت معه وان لم يكن موضع قنوت بالنسبة اليه.

ويدل عليه ما رواه الشيخ عن عبد الرحمن بن ابى عبد الله في الموثق عن ابى عبد الله عليه‌السلام (4) «في الرجل يدخل في الركعة الأخيرة من الغداة مع الامام فقنت الإمام أيقنت معه؟ فقال نعم».

وكذا ينبغي المتابعة له في التشهد وان لم يكن موضع تشهد للمأموم ، ويدل عليه

__________________

(1) الوسائل الباب 47 من صلاة الجماعة.

(2) سورة الجمعة الآية 10.

(3) الصحيح «الثاني».

(4) الوسائل الباب 17 من القنوت.


ما رواه الشيخ في الموثق عن الحسين بن المختار وداود بن الحصين (1) قال «سئل عن رجل فاتته ركعة من المغرب مع الامام وأدرك الثنتين فهي الأولى له والثانية للقوم يتشهد فيها؟ قال نعم. قلت والثانية أيضا؟ قال نعم. قلت كلهن؟ قال نعم فإنما هو بركة».

وعن إسحاق بن يزيد (2) قال «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك يسبقني الإمام بركعة فتكون لي واحدة وله ثنتان أفأتشهد كلما قعدت؟ قال نعم فإنما التشهد بركة».

وبذلك يظهر ان ما نقله في الذكرى عن ابى الصلاح ـ من انه يجلس مستوقرا ولا يتشهد ، قال : وتبعه ابن زهرة وابن حمزة ـ غفلة عن ملاحظة هذه الأخبار وعدم الوقوف عليها.

قيل : ومنه يعلم انه قد يوجد خمس تشهدات في الرباعية وأربعة في الثلاثية وثلاثة في الثنائية. والظاهر انه سهو من القلم أو من القائل بل أربعة في الرباعية وثلاثة في الثلاثية واثنان في الثنائية.

الرابع ـ قيل : الأولى القيام إلى إدراك الفائت بعد تسليم الامام ويجوز قبله بعد التشهد على القول باستحباب التسليم ، واما على القول بوجوبه فلا يبعد ايضا ذلك بل يجوز المفارقة بعد رفع الرأس من السجدة أيضا قبل التشهد بناء على القول بعدم وجوب المتابعة في الأقوال ، وعلى تقدير الجواز هل تجب نية الانفراد؟ فيه وجهان ولعل الأقرب العدم. انتهى.

أقول : لا يحضرني الآن خبر في هذه المسألة إلا ما سيأتي قريبا في موثقة عمار (3) من قوله عليه‌السلام «فإذا سلم الامام قام الرجل فأتم صلاته». وهي كما ترى ظاهرة في كون القيام بعد التسليم ، وباب الاحتمال في المسألة واسع. والله العالم.

المسألة الخامسة ـ لا يخفى ان للمأموم بالنظر الى دخوله مع الإمام في الصلاة

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 66 من صلاة الجماعة.

(3) ص 254.


أحوالا أحدها ـ ان يدركه قبل الركوع ، ولا خلاف في إدراكه الركعة والاعتداد بها ، وعليه تدل الأخبار الكثيرة كما تقدم في صلاة الجمعة.

الثانية ـ أن يدركه حال الركوع والأشهر الأظهر إدراك الركعة والاعتداد بها ، وقد تقدم تحقيق القول في ذلك في فصل صلاة الجمعة وفي المسألة الثانية من هذا المطلب ، فيكبر تكبيرة للافتتاح واخرى للركوع وان خالف فوت الركوع أجزأته تكبيرة الافتتاح ، قال في المنتهى : ولو خاف الفوات أجزأته تكبيرة الافتتاح عن تكبيرة الركوع إجماعا.

أقول : وقد تقدم ما يدل على ذلك من الأخبار في الفصل الثاني في تكبيرة الإحرام من فصول الباب الثاني في الصلوات اليومية وقد تقدم ما يتعلق من البحث بذلك

الثالثة ـ أن يدركه بعد رفع رأسه من الركوع ، ولا خلاف في فوات الركعة بذلك وعدم احتسابها ، وكذلك الظاهر انه لا خلاف أيضا في استحباب التكبير والدخول معه ومتابعة الإمام في السجدتين ، وانما الخلاف في وجوب استئناف النية وتكبيرة الإحرام بعد القيام من السجود أو الاعتداد بما فعله أولا ، فالشيخ على الثاني مستندا الى ان زيادة الركن مغتفرة في متابعة الامام ، والأكثر على الأول لأن زيادة السجدتين تبطل الصلاة ، ويظهر من العلامة في المختلف التوقف في هذا الحكم من أصله للنهى عن الدخول في الركعة عند فوات تكبيرها.

الرابعة ـ ان يدركه وقد سجد سجدة واحدة ، قالوا وحكمه كالسابق.

الخامسة ـ أن يدركه بعد رفع رأسه من السجدة الأخيرة ، وقد قطع المحقق وغيره بأنه يكبر ويجلس معه ويتخير بين الإتيان بالتشهد وعدمه استنادا إلى رواية عمار الآتية ، وقال في الذكرى : الحالة الخامسة ـ أن يدركه بعد السجود فيكبر ويجلس معه جلسة الاستراحة أو جلسة التشهد الأول أو التشهد الأخير ، وتجزئ هذه التكبيرة قطعا فان كان قد بقي شي‌ء من صلاة الإمام بنى عليه وإلا نهض بعد تسليم الامام وأتم صلاته. ثم نقل روايتي عمار المتقابلتين في الجلوس بعد التكبيرة وقد جمع بينهما بجواز الأمرين.


أقول : وتحقيق الكلام في المقام بما لا يحوم حوله ان شاء الله تعالى نقض ولا إبرام ان المستفاد من اخبار المسألة هو ثبوت التعبد بالدخول مع الإمام في هذه الصور الثلاث الأخيرة وانما البحث والإشكال ومحل الخلاف في وجوب تجديد النية وتكبيرة الإحرام وعدمه.

وها انا أذكر الأخبار التي وقفت عليها في هذه المسألة مذيلا لكل منها بما رزقني الله سبحانه فهمه منها مستمدا منه تعالى الهداية والتوفيق الى الصواب والعصمة من زلل الإقدام في هذه الأبواب :

فأقول : من الأخبار المذكورة رواية المعلى بن خنيس عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «إذا سبقك الإمام بركعة فأدركته وقد رفع رأسه فاسجد معه ولا تعتد بها».

وظاهرها كما عرفت هو جواز الدخول واستحبابه وحصول فضيلة الجماعة بذلك لكنها مجملة بالنسبة الى الاستئناف وعدمه بل ربما ظهر منها ان المراد انما هو مجرد المتابعة في السجود لا انه ينوي ويكبر بحيث يدخل في الصلاة ، ولعل في قوله «ولا تعتد بها» ما يشير الى ذلك بمعنى انك لا تعد ذلك دخولا في الصلاة وان احتمل ايضا أن يكون المعنى انك لا تعتد بها بحيث تجعلها ركعة تامة بمجرد ادراك السجود ، وحينئذ فيحمل قوله «فأدركته» يعنى كبرت معه ودخلت في الصلاة. وكيف كان فإنها بهذا الإجمال وتعدد الاحتمال تسقط عن درجة الاستدلال ومنها ـ

موثقة عمار (2) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أدرك الامام وهو جالس بعد الركعتين؟ قال يفتتح الصلاة ولا يقعد مع الامام حتى يقوم».

وظاهر هذه الرواية انه يكبر تكبيرة الإحرام المعبر عنه بالافتتاح ويدخل في الصلاة مع الامام حال جلوسه في التشهد ولكن لا يجلس معه بعد التكبير والدخول بل يبقى قائما الى أن يقوم الامام. وهذه الرواية خارجة عن محل البحث لان المفروض ان المأموم لم يأت بشي‌ء زائد من ركن أو واجب ومنشأ الإشكال

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 49 من صلاة الجماعة.


انما هو من ذلك ، وحينئذ فالرواية خارجة من البين لعدم الدلالة على شي‌ء من القولين

ومنها ـ رواية معاوية بن شريح عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «إذا جاء الرجل مبادرا والامام راكع أجزأته تكبيرة واحدة لدخوله في الصلاة والركوع ، ومن أدرك الامام وهو ساجد كبر وسجد معه ولم يعتد بها ، ومن أدرك الامام وهو في الركعة الأخيرة فقد أدرك فضل الجماعة ، ومن أدركه وقد رفع رأسه من السجدة الأخيرة وهو في التشهد فقد أدرك الجماعة وليس عليه أذان ولا اقامة ، ومن أدركه وقد سلم فعليه الأذان والإقامة».

أقول : يمكن أن يستدل للشيخ بهذا الخبر بان يقال لا يخفى أن الظاهر من قوله «ومن أدركه» أي نوى وكبر معه ودخل في الصلاة ، وقد دلت على ان من دخل معه وهو ساجد سجد معه ولم يعتد بها واستمر معه في الصلاة ومن دخل معه بعد رفع رأسه من السجدة الأخيرة فإنه يمضى في صلاته بعد تسليم الامام ، ولو كان ما يدعونه من وجوب إعادة النية والتكبير حقا لوجب ذكره في الكلام إذ المقام مقام البيان وليس فليس. وبعين ذلك يمكن أن يقال في رواية المعلى المتقدمة فإنها دلت على الدخول معه بعد النية والتكبير المعبر عنهما بقوله «فأدركته» لأن هذا هو ظاهر معنى هذا اللفظ كما عرفت ، ولم يتعرض في الخبر لإعادة النية وتكبير الإحرام ومقام البيان يقتضيه لو كان واجبا. وبالجملة فإنه حيث كان ظاهر اللفظ المذكور اعنى قوله «ومن أدركه» هو ما ذكرنا من الكناية عن الدخول معه بعد النية وتكبير الإحرام فإنه لا مناص من صحة ما رتبناه عليه من توجيه الاستدلال به للشيخ (قدس‌سره) ونحوه رواية المعلى بالتقريب المذكور ، ولا معنى لحمل هذا اللفظ على معنى الوصول الى الامام في تلك الحال وان لم يكبر ويدخل معه لانه معنى متهافت لا يقبله الذوق السليم ولا الفهم القويم. إلا ان الشيخ قد روى هذه الرواية (2) إلى قوله «أجزأته تكبيرة واحدة لدخوله في الصلاة والركوع». خاصة

__________________

(1) الوسائل الباب 49 من صلاة الجماعة.

(2) الوسائل الباب 4 من تكبيرة الإحرام.


وما نقلناه بهذه الكيفية انما هو من رواية صاحب الفقيه (1) واحتمل في الوافي (2) ان تكون هذه الزيادة من كلام صاحب الفقيه ، وحينئذ فيسقط الاستدلال بما دلت عليه هذه الزيادة ، وصاحب الوسائل قد نقل الجميع (3) بناء على انه من الرواية ولعله الأظهر.

ومنها ـ رواية عبد الرحمن بن ابى عبد الله البصري عن ابى عبد الله عليه‌السلام (4) وفيها قال : «إذا وجدت الامام ساجدا فاثبت مكانك حتى يرفع رأسه وان كان قاعدا قعدت وان كان قائما قمت».

أقول : ظاهر هذه الرواية الدخول معه في الصلاة وانه متى كان الدخول وهو ساجد لم يتابعه في السجود مع دلالة رواية المعلى المتقدمة على السجود معه متى دخل معه بعد رفع رأسه من الركوع. ويشكل الجمع بينهما في ذلك إذ لا فرق بينهما إلا ان هذا الخبر دل على دخوله حال السجود وخبر المعلى دل على دخوله قبل السجود ، وهذا الا يصلح للفرق وجواز السجود في ما إذا دخل قبل وعدم الجواز في ما إذا دخل حال السجود. اللهم إلا ان يقال ان رواية المعلى قد دلت على انه لا يعتد بذلك السجود وحينئذ يكون وجوده كعدمه ، وظاهرها انه لا ضرورة في الإتيان به كما هو مذهب الشيخ ، وحينئذ يكون وجه الجمع بينهما التخيير بين الإتيان بالسجود وعدمه.

ومنها ـ موثقة عمار الساباطي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (5) «في الرجل يدرك الامام وهو قاعد يتشهد وليس خلفه إلا رجل واحد عن يمينه؟ قال لا يتقدم الامام ولا يتأخر الرجل ولكن يقعد الذي يدخل معه خلف الإمام فإذا سلم الامام قام الرجل فأتم صلاته».

أقول : ظاهر الخبر انه بدخوله في هذه الحال يدرك فضيلة الجماعة وان لم

__________________

(1) ج 1 ص 265.

(2) باب الرجل يدرك الإمام في أثناء الصلاة أو بعد انقضاء الاولى.

(3 و 4 و 5) الوسائل الباب 49 من صلاة الجماعة.


يدرك من الصلاة شيئا ولم يكن حكمه حكم المأموم حقيقة ، ولهذا منع من تقدم الامام وتأخر الرجل الذي الى جنبه لان هذا الداخل ليس مأموما حقيقيا يوجب تعدد المصلى خلف الامام الموجب لتقدم الامام وتأخر المأمومين خلفه كما تقدم.

وكيف كان فظاهر الخبر الدلالة على مذهب الشيخ ، لان قوله : «فإذا سلم الامام قام الرجل فأتم صلاته» ظاهر في الدلالة على الاعتداد بالتكبير الأول وان كان قد زاد واجبا وهو التشهد ، ومن ثم ان جمعا ممن خالف الشيخ في الصورة الثالثة والرابعة وافقه هنا كالمحقق والعلامة وغيرهما للموثقة المذكورة كما قدمنا ذكره وصاحب المدارك انما طعن في الرواية المذكورة من حيث السند دون الدلالة ، إلا انه لا يخفى ان موثقة عمار المتقدمة دالة على النهى عن القعود مع الإمام في مثل هذه الصورة ، إلا ان يقال بالفرق بين التشهد الأول والثاني فيقال بالمتابعة في الثاني كما دلت عليه هذه الموثقة دون الأول كما دلت عليه الموثقة المتقدمة.

ومنها ـ ما رواه الصدوق في الفقيه (1) عن عبد الله بن المغيرة قال «كان منصور بن حازم يقول إذا أتيت الامام وهو جالس قد صلى ركعتين فكبر ثم اجلس فإذا قمت فكبر». وهو ظاهر الدلالة على القول المشهور.

والرواية وان كانت غير مسندة الى إمام إلا ان الظاهر من حال القائل المذكور لكونه من أجل ثقات الأصحاب انه لا يقوله إلا عن ثبت وسماع من الامام ويؤيده إيراد الصدوق لها في كتابه.

وحينئذ فتبقى المسألة في قالب الإشكال ، ولعل نهيه عليه‌السلام في موثقة عمار الأولى عن الجلوس والتشهد مع الإمام في هذه الصورة انما هو لأجل البقاء على التكبير الأول وعدم الاحتياج إلى إعادة التكبير ثانيا كما في هذه الرواية ، على أن في الإبطال بالتشهد مع الإمام إشكالا لدلالة الأخبار المتقدمة قريبا على استحباب

__________________

(1) ج 1 ص 26.


متابعة المأموم للإمام في التشهد وان لم يكن موضع تشهد للمأموم فليكن هنا من قبيل ذلك.

وبالجملة فإن هذه الأخبار قد تصادمت وتقابلت في هذه الزيادات التي بعد تكبير الإحرام نفيا وإثباتا كالسجود الذي تقابلت فيه رواية المعلى إثباتا ورواية البصري نفيا ، والتشهد الذي قد تقابلت فيه موثقة عمار الأولى نفيا وموثقته الثانية وكذا رواية عبد الله بن المغيرة إثباتا ، وظاهر الروايات المثبتة في كل من الموضعين موافق لكلام الشيخ وظاهر الروايات النافية في كليهما موافقة للمشهور وحمل أحد الطرفين على الآخر وان أمكن كما أشرنا إليه آنفا إلا انه لا يخرج المسألة عن قالب الإشكال ومجال الاحتمال ، والاحتياط عندي أن لا يدخل المأموم في حال من هذه الأحوال.

ومنها ـ صحيحة محمد بن مسلم (1) قال : «قلت له متى يكون يدرك الصلاة مع الامام؟ قال إذا أدرك الامام وهو في السجدة الأخيرة من صلاته».

قال في المدارك : ويستفاد من هذه الرواية عدم جواز الدخول مع الامام بعد رفع رأسه من السجدة الأخيرة ، لأن الظاهر ان السؤال انما وقع عن غاية ما تدرك به الجماعة وقد ناطه عليه‌السلام بإدراك السجدة الأخيرة ، وليس في الرواية دلالة على حكم المتابعة إذا لحقه في السجود ، والظاهر ان الاقتصار على الجلوس أولى. انتهى

أقول : لا يخفى ان هذه الدلالة إنما هي بالمفهوم الضعيف المعارض بمناطيق جملة من الأخبار ، إذ غاية ما تدل عليه الرواية انه إذا أدرك الامام وهو في السجدة الأخيرة فقد أدرك الصلاة معه ومفهومه عدم إدراك الصلاة بعد ذلك ، وقد عرفت دلالة موثقة عمار الثانية على إدراك فضيلة الجماعة بالدخول معه في التشهد الأخير ، وأصرح منها رواية معاوية بن شريح المتقدمة وقوله فيها «ومن أدركه وقد رفع رأسه من السجدة الأخيرة وهو في التشهد فقد أدرك الجماعة» ونحو ذلك إطلاق

__________________

(1) الوسائل الباب 49 من صلاة الجماعة.


رواية عبد الرحمن بن ابى عبد الله البصري (1) وحينئذ فوجه الجمع بين هذه الأخبار حمل الصحيحة المذكورة على أعلى المرتبتين ، وذلك فإنه بعد فوات الدخول في الركعة الأخيرة لعدم ادراك ركوعها فهنا مراتب في إدراك فضيلة الجماعة : أولها إدراكه قبل السجود ثانيها إدراكه في السجدة الثانية ثالثها إدراكه في التشهد ، والصحيحة المذكورة لا دلالة فيها على انحصار إدراك الفضيلة في هذه الحال دون ما بعدها إلا بالمفهوم وهو من ما يجب إطراحه في مقابلة المنطوق. ولكن العذر له ظاهر حيث انه يدور مدار الأسانيد صحة وضعفا ، وهذه الرواية صحيحة السند عنده وتلك الأخبار ضعيفة باصطلاحه ، فالغني مناطيق تلك الأخبار في مقابلة هذا المفهوم الضعيف وهو تعسف محض. واما قوله ـ وليس في الرواية دلالة على حكم المتابعة إذا لحقه في السجود. الى آخره ـ ففيه ان قضية الدخول مع الإمام في الصلاة كيف كان وحيث كان هو المتابعة في جميع ما يأتي به في ذلك المكان إلا ان يستثني من ذلك شي‌ء بخصوصه ، ولا يحتاج بعد ذلك الى التصريح بالمتابعة في كل فعل حتى انه يحتاج هنا الى ذلك ويكون عدم ذكر المتابعة في السجود دليلا على عدمها. وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر لمن تأمل في أخبار الجماعة الواردة في المسبوق وغيره أدرك ما يوجب انعقاد الجماعة أم لا كما لا يخفى. والله العالم.

المسألة السادسة ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو دخل الامام والمأموم في النافلة قطعها وان كان في الفريضة أتمها نافلة ودخل مع الامام ، ولو كان إمام الأصل قطع الفريضة ، ولو كان الامام مخالفا لم يقطع فرضه ولم ينقله الى النقل بل يدخل معه.

وتوضيح هذه الجملة يقع في مواضع الأول ـ لو كان في نافلة فدخل الامام قالوا فإنه يقطعها إن خشي بإتمامها الفوات وإلا أتمها. قالوا وإنما يقطعها تحصيلا للعبادة التي هي أهم في نظر الشارع فإن الجماعة في نظر الشارع أهم من النافلة ، وأما لو لم

__________________

(1) ص 254.


يخش الفوات فإنه يتمها جمعا بين الوظيفتين وتحصيلا للفضيلتين. والظاهر ان المراد بالفوات يعنى فوات الركعة ، واحتمال فوات الصلاة كما بعيد.

ولم أقف في هذا المقام على نص إلا على ما ذكره الرضا عليه‌السلام في كتاب الفقه (1) حيث قال : «وان كنت في صلاة نافلة وأقيمت الصلاة فاقطعها وصل الفريضة مع الامام».

والأصحاب (رضوان الله عليهم) لم ينقلوا مستندا لما ذكروه في هذا الموضع سوى ما عرفت من التعليل الاعتباري الذي نقلناه عنهم.

ويمكن أيضا أن يستدل على ذلك بما تقدم في المسألة الثانية عشرة من المطلب الأول (2) من صحيحة عمر بن يزيد الدالة على السؤال عن الرواية التي يروون انه لا ينبغي أن يتطوع في وقت فريضة ما حد هذا الوقت؟ قال إذا أخذ المقيم في الإقامة. الحديث. والأصحاب قد استدلوا به على كراهة النافلة بعد قوله «قد قامت الصلاة» ويمكن الاستدلال به هنا بتقريب ان الخبر قد دل على انه إذا أخذ المقيم في الإقامة فلا ينبغي التطوع ، وهو أعم من أن يبتدئ بالتطوع بعد أخذ المقيم في الإقامة أو يحصل الأخذ في الإقامة بعد دخوله في النافلة ، فالمراد من النهى عن التطوع في هذا الوقت ابتداء واستدامة.

الثاني ـ ما لو كان في فريضة فإنه ينقل نيته الى النفل ويتمها ركعتين على المشهور وكلام العلامة في التذكرة يؤذن بدعوى الإجماع عليه.

ويدل عليه ما رواه في الكافي عن سليمان بن خالد في الصحيح (3) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل دخل المسجد فافتتح الصلاة فبينما هو قائم يصلى إذ أذن المؤذن وأقام الصلاة؟ قال فليصل ركعتين ثم ليستأنف الصلاة مع الامام ولتكن الركعتان تطوعا».

وعن سماعة في الموثق (4) قال : «سألته عن رجل كان يصلى فخرج الامام

__________________

(1) ص 14.

(2) ص 185.

(3 و 4) الوسائل الباب 56 من صلاة الجماعة.


وقد صلى الرجل ركعة من صلاة فريضة؟ فقال ان كان اماما عدلا فليصل اخرى وينصرف ويجعلهما تطوعا وليدخل مع الإمام في صلاته كما هو ، وان لم يكن امام عدل فليبن على صلاته كما هو ويصلى ركعة أخرى معه يجلس قدر ما يقول : «أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم ليتم صلاته معه على ما استطاع ، فإن التقية واسعة ليس شي‌ء من التقية إلا وصاحبها مأجور عليها ان شاء الله تعالى».

وقال في كتاب الفقه الرضوي (1) «وان كنت في فريضتك وأقيمت الصلاة فلا تقطعها واجعلها نافلة وسلم في ركعتين ثم صل مع الإمام إلا أن يكون الامام ممن لا يقتدى به فلا تقطع صلاتك ولا تجعلها نافلة ولكن اخط الى الصف وصل معه ، وإذا صليت أربع ركعات وقام الإمام إلى رابعته فقم معه وتشهد من قيام وسلم من قيام».

ونقل عن ابن إدريس المنع من النقل لأنه في قوة الإبطال. ولا يخفى ما فيه بعد ما عرفت.

ونقل عن ظاهر الشيخ في المبسوط انه جوز قطع الفريضة من غير احتياج الى النقل إذا خاف الفوت مع النقل. وقواه الشهيد في الذكرى استدراكا لفضل الجماعة الذي هو أعظم من فضل الأذان ، ولان العدول الى النفل قطع للفريضة أو مستلزم لجوازه. واستحسنه جملة ممن تأخر عنه : منهم ـ السيد في المدارك. وهو كذلك.

وهل المراد بدخول الإمام في الصلاة الذي ينقل لأجله المأموم صلاته الى النفل هو الاشتغال بشي‌ء من واجباتها على ما قاله جماعة أو عند إقامة الصلاة كما ذكره آخرون؟ ظاهر الأخبار الثاني.

ثم ان ظاهر الأخبار المذكورة انه ينوي العدول عن الفريضة التي كان فيها

__________________

(1) ص 14.


الى النفل ويضيف إليها ركعة أخرى لو كان قد صلى ركعة منها ولو كان قد صلى ركعتين منها عدل بما صلاة إلى النفل وتشهد وسلم ، وانما الإشكال في ما لو صلى أزيد من ركعتين حيث انه لا يفهم من النصوص المذكورة الحكم في ذلك إذ الظاهر منها إنما هو ما عدا الصورة المفروضة ، وحينئذ فهل يستمر لتحريم قطع الفريضة وخروج هذه الصورة عن مورد النصوص ، أو أنه يعدل الى النفل للاشتراك في العلة وهي تحصيل فضيلة الجماعة ، أو يهدم الركعة ويسلم أو يقطعها استدراكا لفضيلة الجماعة وعدم دليل على تحريم قطع الفريضة بحيث يشمل محل البحث؟ أوجه استقرب العلامة في التذكرة والنهاية منها الأول والظاهر انه الأحوط.

الثالث ـ لو كان الداخل إمام الأصل قالوا انه يقطع الفريضة ويدخل معه ، قاله الشيخ وتبعه جمع من الأصحاب ، وعللوه بان له المزية الموجبة لشدة الاهتمام بمتابعته واللحوق به. وتردد فيه الفاضلان من حيث كمال المزية كما ذكروا ، ومن عموم النهى عن قطع الصلاة. وفي المختلف جزم بعدم قطع الصلاة لقوله تعالى : «وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ» (1) وخبري سليمان بن خالد وسماعة المتقدمين (2) والتحقيق ان الأخبار المتقدمة التي هي العمدة في هذه المسألة عامة لإمام الأصل وغيره والفرق بمجرد هذا الاعتبار الذي ذكروه لا وجه له.

الرابع ـ ما لو كان الداخل اماما مخالفا وهو في الفريضة فقد صرحوا بأنه لا ينقل الفريضة إلى النفل ولا يقطعها بل يدخل معه ، والظاهر انه لا خلاف في ذلك انما الخلاف في ما لو ألجأه الإمام إلى القيام في موضع التشهد فهل يتشهد جالسا ثم يقوم أو يقوم معه ويتشهد قائما؟ ظاهر الشيخ وجماعة الأول وظاهر الشيخ على بن بابويه الثاني.

قال الشيخ (قدس‌سره) : لو كان الامام ممن لا يقتدى به وقد سبقه المأموم لم يجز له قطع الفريضة بل يدخل معه في صلاته ويتم هو في نفسه فإذا فرغ سلم

__________________

(1) سورة محمد الآية 36.

(2) ص 258.


وتابعه نفلا ، فان وافق حال تشهده حال قيام الأول فليقتصر في تشهده على الشهادتين والصلاة على النبي وآله صلى‌الله‌عليه‌وآله ويسلم إيماء ويقوم مع الامام. وعلى هذا تدل موثقة سماعة المتقدمة.

وقال الشيخ على بن بابويه : فإذا صليت أربع ركعات وقام الإمام إلى رابعته فقم معه وتشهد من قيام وسلم من قيام. وعلى هذا القول يدل كلامه عليه‌السلام في كتاب الفقه الرضوي ، بل الظاهر ان الشيخ المزبور إنما أخذ عبارته من الكتاب المذكور كما لا يخفى على من تأمل العبارتين لتطابقهما لفظا وكذلك ما قبل هذه العبارة ، فإن العلامة في المختلف في موضع آخر نقلها عن الشيخ المذكور بعين عبارة الكتاب ، وهو من قبيل ما عرفت في غير موضع من ما تقدم وستعرف أمثاله من أخذ الشيخ المزبور عبارات الكتاب المشار اليه والإفتاء بها.

وكيف كان فطريق الجمع بين الكلامين ـ وهو يرجع الى الجمع بين الخبرين المذكورين ـ هو ما ذكره في المختلف من انه ان تمكن المأموم من تخفيف الشهادتين والتسليم والإتيان بهما جالسا وجب وإلا قام مع الامام وتشهد وسلم قائما لضرورة التقية فإنها تبيح ذلك وأمثاله. والله العالم.

المسألة السابعة ـ قال شيخنا العلامة أبو الحسن الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني (طيب الله مرقده) في رسالته التي في الصلاة : وفي جواز الاقتداء بمن علم نجاسة ثوبه أو بدنه نظر. واستوجه المحقق الشيخ على المنع وبعض المتأخرين الجواز ولا يخلو من قوة. انتهى. ولم ينبه على وجه القوة التي اختارها في حواشي رسالته كما جرى عليه غالبا في حواشيه.

وقال تلميذه المحدث الصالح شيخنا الشيخ عبد الله بن صالح (قدس‌سره) في شرحه على الرسالة المذكورة بعد قوله «نظر» وبيان وجه النظر ما لفظه : ينشأ من أن الامام غافل فتكون صلاته صحيحة فيكون الاقتداء به صحيحا ، ومن ان طهارة الثوب والبدن واجب في الصلاة مع العلم وصلاة المأموم متحدة بصلاة الإمام


فتكون كأنها في ثوبه أو بدنه. ثم قال (قدس‌سره) بعد قول المصنف ـ واستوجه الشيخ على المنع ـ ما لفظه : لما مر. ثم قال بعد قوله : «ولا يخلو من قوة» ما لفظه : لما مر وعدم صلاحية المعارض للمعارضة وان كان الاحتياط لا يخفى. انتهى.

أقول : لا يخفى ما في كلام شيخنا الشارح المذكور وما ذكره من التعليل العليل الظاهر القصور كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى غاية الظهور.

ومن ما يناسب هذا المقام ويدخل في سلك هذا النظام ما وقفت عليه من مسألة مذيلة بالجواب لبعض الأعلام حيث قال السائل ما هذه صورته : لو رأى المأموم في أثناء الصلاة في ثوب الإمام نجاسة غير معفو عنها فهل يجوز له الاقتداء في تلك الحال أم لا؟ وهل يجب عليه إعلامه أم لا؟ ولو لم يجز له الاقتداء فهل يبنى بعد نية الانفراد على ما مضى أم يعيد من رأس؟ فكتب المسؤول ما صورته : الجواب الأولى عدم الائتمام ويجب الاعلام ويجب الانفراد في الأثناء ويبنى على قراءة الإمام. انتهى.

أقول وبالله سبحانه التوفيق لإدراك كل مأمول ونيل كل مسؤول : أما ما ذكره هذا المجيب من وجوب الاعلام في هذه الصورة فقد صرح به العلامة (أجزل الله تعالى إكرامه) في أجوبة مسائل السيد السعيد منها بن سنان المدني (طاب ثراه) مستندا الى كونه من باب الأمر بالمعروف.

ولا يخفى ما فيه (اما أولا) ـ فلان الأصل عدمه وأدلة الأمر بالمعروف لا تشمله لعدم توجه الخطاب الى الجاهل والغافل والناسي كما ذكروه فلا معروف ولا منكر بالنسبة إليهما.

وثانيا ـ دلالة الأخبار على خلافه فإن جملة ما وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بجزئيات هذه المسألة ترد ما ذكروه وتبطل ما حروره :

ومنها ـ صحيحة عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) «ان الباقر عليه‌السلام اغتسل وبقيت لمعة في جسده لم يصبها الماء فقيل له فقال ما كان عليك لو سكت؟».

__________________

(1) الوسائل الباب 41 من الجنابة و 47 من النجاسات.


ورواية محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام (1) قال : «سألته عن الرجل يرى في ثوب أخيه دما وهو يصلى؟ فقال لا يؤذنه حتى ينصرف». وهي صريحة في المطلوب خالية عن جهات العيوب.

ورواية عبد الله بن بكير المروية في كتاب قرب الاسناد (2) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أعار رجلا ثوبا فصلى فيه وهو لا يصلى فيه؟ فقال لا يعلمه.

قلت فإن أعلمه؟ قال يعيد».

والمستفاد من هذه الأخبار كراهية الأخبار فضلا عن جوازه فكيف الوجوب وله مؤيدات كثيرة من الأخبار.

إذا عرفت ذلك فنقول بالنسبة إلى أصل المسألة وما وقع فيها من القولين بجواز الاقتداء والمنع ان الظاهر ان القول بالمنع هنا مبنى على مسألة أخرى وهي ان من صلى في النجاسة جاهلا بها فهل تكون صلاته والحال هذه صحيحة أم لا؟ المشهور الثاني وان كان غير معاقب ولا مؤاخذ من حيث الجهل ، وهو يرجع الى أن تكون صحيحة ظاهرا باطلة واقعا ، والظاهر انه على هذا القول يتجه المنع من الائتمام بمن كان بدنه أو ثوبه نجسا والانفراد في الأثناء كما ذكره المجيب المتقدم لتبين بطلان الصلاة عند المأموم وان كانت صحيحة ظاهرا عند الامام لمكان جهله ، وحينئذ فيتجه عدم جواز الاقتداء ووجوب الانفراد في الأثناء.

إلا ان الظاهر عندي في هذه المسألة إنما هو القول الأول (أما أولا) ـ فلما تقدم تحقيقه في كتاب الطهارة من أن الحكم بالطهارة والنجاسة والحل والحرمة ونحوها ليس منوطا بالواقع ونفس الأمر وانما ترتب على نظر المكلف وعلمه وعدم علمه ، فالطاهر شرعا هو ما لا يعلم المكلف بملاقاة النجاسة له وان لاقته واقعا لا ما لم تلاقه النجاسة واقعا ، ويقابله النجس وهو ما علم المكلف بملاقاة النجاسة له لا ما لاقته النجاسة وان لم يعلم بها ، وحينئذ فإذا صلى

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 47 من النجاسات.


المكلف في ثوب لم يعلم ملاقاة النجاسة له ومثله في بدنه فقد امتثل ما أمره الشارع به ويلزم منه كون صلاته صحيحة موجبة للثواب بغير شك ولا ارتياب.

و (اما ثانيا) ـ فلما أسلفنا من الأخبار الدالة على المنع من الاخبار بالنجاسة وان كان في أثناء الصلاة ، ولو كان الأمر كما يدعونه من كون وصف النجاسة والطهارة ونحوهما انما هو باعتبار الواقع ونفس الأمر وان تلبس المصلي بالنجاسة جاهلا موجب لبطلان صلاته واقعا فكيف يحسن من الامام عليه‌السلام المنع من الإيذان بها والاخبار في الصلاة كما تضمنته رواية محمد بن مسلم أو قبلها كما في رواية ابن بكير؟ وهل هو بناء على ما ذكروه إلا من باب التقرير له على تلك الصلاة الباطلة والمعاونة على الباطل ، ولا ريب في بطلانه.

و (اما ثالثا) ـ فإنه يلزم على ما ذكروه عدم الجزم بصحة شي‌ء من العبادات إلا نادرا لشيوع تطرق النجاسات سيما من النساء والأطفال ومن لا يحترز عن النجاسة وسريان ذلك في عامة الناس ، وقد اعترف بذلك شيخنا الشهيد الثاني في شرح الألفية وألزم به القول المشهور.

وبما ذكرنا يظهر لك ان الأظهر في أصل المسألة هو القول بجواز الاقتداء وان علم بالنجاسة في بدن الإمام أو ثوبه وعدم وجوب الانفراد. ومن أراد تحقيق المسألة زيادة على ما ذكرناه فليرجع الى كتابنا الدرر النجفية من الملتقطات اليوسفية. والله العالم.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *