ج16 - الطواف وصلاته

الباب الثالث

في العمرة

وهي لغة : الزيارة ، وشرعا عبارة عن زيارة البيت لأداء المناسك المخصوصة عنده. وهي على قسمين : عمرة مبتولة ، وعمرة تمتع. وحيث كانت العمرة المتمتع بها الى الحج مقدمة على الحج ، وهي أول المناسك في مكة بعد الإحرام ، حسن عقد هذا الباب لها بعد ذكر الإحرام وتوابعه. وذكر المفردة بعدها في هذا الباب وقع استطرادا.

وحينئذ فالكلام في هذا الباب يقع في مطلبين الأول ـ في عمرة التمتع وما تتوقف عليه من الدخول إلى مكة ، وفيه بحوث :

الأول ـ قد عرفت في ما تقدم انه يستحب لمن أراد التمتع ان يوفر شعر رأسه ، وما يتعلق بذلك من الأبحاث ، والإحرام وأحكامه وكيفيته ، والغسل له ، والمواقيت ، وجميع ما يتعلق بذلك ويترتب عليه فلا وجه لإعادته ، وانما يبقى الكلام في دخول الحرم ومكة وآدابه :

يستحب عند دخول الحرم الغسل لدخوله ، ومضغ شي‌ء من الإذخر :

روى الشيخ في التهذيب (1) عن ابان بن تغلب قال : «كنت مع ابي عبد الله (عليه‌السلام) مزاملة في ما بين مكة والمدينة ، فلما انتهى الى الحرم نزل واغتسل وأخذ نعليه بيديه ثم دخل الحرم حافيا ، فصنعت مثل ما صنع ، فقال : يا ابان من صنع مثل ما رأيتني صنعت

__________________

(1) الوسائل الباب 1 من مقدمات الطواف. والشيخ يرويه عن الكليني.


تواضعا لله ، محا الله عنه مائة ألف سيئة ، وكتب له مائة ألف حسنة وبنى الله (عزوجل) له مائة ألف درجة ، وقضى له مائة ألف حاجة».

وروى ثقة الإسلام في الكافي عن ابي عبيدة الحذاء (1) قال : «زاملت أبا جعفر (عليه‌السلام) في ما بين مكة والمدينة ، فلما انتهى الى الحرم اغتسل وأخذ نعليه بيديه ثم مشى في الحرم ساعة».

وروى في الكافي في الصحيح عن ذريح (2) قال : «سألته عن الغسل في الحرم ، قبل دخوله أو بعد دخوله؟ قال : لا يضرك اي ذلك فعلت وان اغتسلت بمكة فلا بأس ، وان اغتسلت في بيتك حين تنزل بمكة فلا بأس». وهذا الخبر ظاهر في الرخصة في التقديم والتأخير.

وعن كلثوم بن عبد المؤمن الحراني عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «أمر الله (تعالى) إبراهيم (عليه‌السلام) ان يحج ويحج بإسماعيل معه ، فحجا على جمل احمر وجاء معهما جبرئيل ، فلما بلغا الحرم قال له جبرئيل : يا إبراهيم انزلا فاغتسلا قبل ان تدخلا الحرم ، فنزلا فاغتسلا. الحديث».

وفي الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «إذا انتهيت الى الحرم ـ ان شاء الله تعالى ـ فاغتسل حين تدخله ، وان تقدمت فاغتسل من بئر ميمون أو من فخ أو من منزلك بمكة».

قوله (عليه‌السلام) : «وان تقدمت» الظاهر ان معناه : وان تقدمت بالدخول على الغسل ، بمعنى أخرت الغسل عن الدخول.

__________________

(1 و 3) الوسائل الباب 1 من مقدمات الطواف.

(2 و 4) الوسائل الباب 2 من مقدمات الطواف.


وعن ابي بصير (1) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : إذا دخلت الحرم فتناول من الإذخر فامضغه. وكان يأمر أم فروة بذلك».

وعن معاوية بن عمار في الصحيح أو الحسن عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «إذا دخلت الحرم فخذ من الإذخر فامضغه».

قال صاحب الكافي (3) (عطر الله تعالى مرقده) : سألت بعض أصحابنا عن هذا ، فقال : يستحب ذلك ليطيب به الفم لتقبيل الحجر.

ويستحب ايضا لمن دخل مكة ان يدخلها من أعلاها ويخرج من أسفلها إذا كان قادما من المدينة ومريد الرجوع لها :

وفي الكافي عن يونس بن يعقوب في الموثق (4) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : من أين ادخل مكة وقد جئت من المدينة؟ فقال : ادخل من أعلى مكة ، وإذا خرجت تريد المدينة فاخرج من أسفل مكة».

ويستحب الغسل ايضا لدخول مكة اما من بئر ميمون أو من فخ ، وان يمشي حافيا على سكينة ووقار :

فروى الكليني في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (5) قال : «أمرنا أبو عبد الله (عليه‌السلام) ان نغتسل من فخ قبل ان ندخل مكة».

وفي الحسن عن ابان عن عجلان (6) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : إذا انتهيت إلى بئر ميمون أو بئر عبد الصمد ، فاغتسل ، واخلع نعليك ، وامش حافيا وعليك السكينة والوقار».

وفي الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 3 من مقدمات الطواف.

(4) الوسائل الباب 4 من مقدمات الطواف.

(5 و 6) الوسائل الباب 5 من مقدمات الطواف.


السلام) (1) انه قال : «من دخلها بسكينة غفر له ذنبه. قلت : كيف يدخلها بسكينة؟ قال : يدخلها غير متكبر ولا متجبر».

وعن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «لا يدخل مكة رجل بسكينة إلا غفر له. قلت : ما السكينة؟ قال : بتواضع».

وعن محمد الحلبي في الموثق عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «ان الله (عزوجل) يقول في كتابه : طهر (بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ). فينبغي للعبد ان لا يدخل مكة إلا وهو طاهر قد غسل عرقه والأذى وتطهر». ورواه في التهذيب (4).

والموجود في القرآن في سورة البقرة (5) «أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ» وفي سورة الحج (6) «وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ» وما ذكر في الخبر لا يوافق شيئا من الموضعين.

وروى ايضا استحباب دخولها بالثياب الخلقة ، ولعله للبعد عن حصول الكبر :

فروى في كتاب المحاسن في الصحيح عن هشام بن سالم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (7) قال : «انظروا إذا هبط الرجل منكم وادي مكة فالبسوا خلقان ثيابكم أو سمل ثيابكم ، فإنه لم يهبط وادي مكة أحد

__________________

(1 و 2 و 7) الوسائل الباب 7 من مقدمات الطواف.

(3) الكافي ج 4 ص 400 ، والوسائل الباب 5 من مقدمات الطواف.

(4) ج 5 ص 98 ، والوسائل الباب 5 من مقدمات الطواف. واللفظ «وطهرا.».

(5) الآية 119.

(6) الآية 27.


ليس في قلبه من الكبر إلا غفر له».

والظاهر من استحباب الغسل للدخول ان يكون دخولها بعد الغسل على وجه لا ينتقض بشي‌ء من النواقض ، والمروي الانتقاض بالنوم ، وألحق الشهيدان به باقي النواقض.

ويدل على الانتقاض بالنوم

صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (1) قال : «سألت أبا إبراهيم (عليه‌السلام) عن الرجل يغتسل لدخول مكة ثم ينام ، فيتوضأ قبل ان يدخل ، أيجزئه ذلك أو يعيد؟ قال :

لا يجزئه ، لانه إنما دخل بوضوء».

ورواية علي بن أبي حمزة عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (2) قال :

قال لي : «ان اغتسلت بمكة ثم نمت قبل ان تطوف فأعد غسلك».

ويشير الى ما ذكره الشهيدان رحمهما‌الله (تعالى) من إلحاق غير النوم من الأحداث به قوله (عليه‌السلام) في الرواية : «إنما دخل بوضوء».

قال في الدروس في باب طواف الزيارة : بل غسل النهار ليومه والليلة لليلته ما لم يحدث فيعيده. وإنكار ابن إدريس إعادته مع الحدث ضعيف. وجعله الأظهر عدم الإعادة غريب. انتهى.

أقول : ويدل على ما ذكره زيادة على ما ذكرناه

ما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمار عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (3) قال : «سألته عن غسل الزيارة ، يغتسل بالنهار ويزور بالليل بغسل واحد؟ قال :

يجزئه ان لم يحدث ، فإن أحدث ما يوجب وضوء فليعد غسله».

__________________

(1) الوسائل الباب 6 من مقدمات الطواف.

(2) الوسائل الباب 6 من مقدمات الطواف.

(3) الوسائل الباب 3 من زيارة البيت.


وروى في الكافي عن إسحاق بن عمار في الموثق عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (1) مثله إلا انه قال. «يغتسل الرجل بالليل. الى ان قال في آخر الخبر : فليعد غسله بالليل».

ويعضده ايضا ظاهر موثقة الحلبي المتقدمة وقوله فيها : «فينبغي للعبد ان لا يدخل مكة. الى آخره».

وقد تقدم الكلام أيضا في هذا المقام في باب الغسل للإحرام.

ودخول مكة واجب على التمتع لأجل الإتيان بعمرة التمتع ، ثم يحرم للحج من مكة. واما المفرد والقارن فلا يجب عليهما ، لان الطواف والسعي انما يجب عليهما بعد الموقفين ونزول منى وقضاء بعض المناسك بها ، إلا انه يجوز لهما بل يستحب ، ويبقيان على إحرامهما حتى يخرجا الى عرفات ، ولهما الطواف بالبيت استحبابا قبل خروجهما الى عرفات ، إلا أنهما يعقدان بالتلبية. وقد تقدم البحث في ذلك في مقدمات الباب الأول.

وقد تقدم في باب الإحرام انه يقطع التلبية بعمرة التمتع عند مشاهدة بيوت مكة ، وقد تقدمت الأخبار الدالة على ذلك.

وقد تقدم ايضا انه لا يجوز لأحد دخول مكة إلا محرما إلا ما استثنى وقد تقدم تحقيق القول فيه.

ويستحب ايضا الغسل لدخول المسجد الحرام وان يكون دخوله على سكينة ووقار وخضوع وخشوع :

روى ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار عن

__________________

(1) الوسائل الباب 3 من زيارة البيت.


ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «سمعته يقول : الغسل من الجنابة ، ويوم الجمعة. الى ان قال : ويوم تزور البيت ، وحين تدخل الكعبة».

وروى الشيخ عن سماعة في الموثق (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن غسل الجمعة. فقال : واجب في السفر والحضر. ثم عد (عليه‌السلام) جملة من الأغسال ، الى ان قال : وغسل المحرم واجب ، وغسل يوم عرفة واجب ، وغسل الزيارة واجب ، إلا من علة ، وغسل دخول البيت واجب ، وغسل دخول الحرم ، يستحب ان لا يدخله إلا بغسل».

أقول : والمستفاد من جملة ما ذكرناه من الاخبار انه يستحب هنا ثلاثة أغسال : أحدها لدخول الحرم ، والثاني لدخول مكة ، والثالث لدخول المسجد لزيارة البيت. وبذلك صرح الأصحاب أيضا.

ومنه يظهر لك ما في كلام صاحب المدارك في هذا المقام ، حيث قال ـ بعد نقل رواية أبان بن تغلب وصحيحة ذريح وحسنة معاوية بن عمار وحسنة الحلبي ورواية عجلان ـ ما لفظه : فهذه جملة ما وصل إلينا من الروايات في هذه المسألة ، ومقتضاها استحباب غسل واحد ، اما قبل دخول الحرم أو بعده ، من بئر ميمون الحضرمي الذي في الأبطح أو من فخ وهو على فرسخ من مكة للقادم من المدينة ، أو من المحل الذي ينزل فيه بمكة ، على سبيل التخيير. وغاية ما يستفاد منها ان إيقاع الغسل قبل دخول الحرم أفضل. فما ذكره المصنف وغيره ـ من استحباب غسل لدخول مكة وآخر لدخول المسجد ـ غير واضح. وأشكل منه حكم العلامة وجمع من المتأخرين باستحباب ثلاثة أغسال ،

__________________

(1) الوسائل الباب 1 من الأغسال المسنونة.

(2) الوسائل الباب 1 من الأغسال المسنونة.


بزيادة غسل آخر لدخول الحرم. وكذا الإشكال في قول المصنف : «فلو حصل عذر اغتسل بعد دخوله» إذ مقتضى الروايات التخيير بين الغسل قبل الدخول وبعده لا اعتبار العذر في تأخيره عن الدخول كما هو واضح. انتهى.

أقول : الظاهر ان منشأ الشبهة عنده (قدس‌سره) من صحيحة ذريح وحسنة معاوية بن عمار ، وإلا فلا ريب ان رواية أبان بن تغلب وكذا رواية ابي عبيدة ظاهرة الدلالة في استحباب الغسل لدخول الحرم ، وحسنة الحلبي ورواية عجلان ظاهرتا الدلالة أيضا في استحباب الغسل لدخول مكة وان كانت الأولى أظهر ، وصحيحة معاوية بن عمار الأخيرة وكذا موثقة سماعة ظاهرة الدلالة أيضا في استحباب الغسل لدخول المسجد ، وهو المعبر عنه بغسل الزيارة اي زيارة البيت ، كما صرح به في الرواية الأولى منهما. وقد اشتملت موثقة سماعة على عد غسل الزيارة على حدة وغسل دخول الحرم على حدة ، وأكده بقوله : «يستحب ان لا يدخله إلا بغسل». ومن ذلك قوله (عليه‌السلام) في رواية محمد ابن مسلم (1) في عد جملة من الأغسال : «وحين تدخل الحرم ، وإذا أردت دخول البيت». وقوله (عليه‌السلام) في صحيحة عبد الله بن سنان (2) في عد الأغسال أيضا : «وحين يحرم وعند دخول مكة والمدينة ودخول الكعبة ، وغسل الزيارة». وقوله (عليه‌السلام) في حسنة محمد بن مسلم (3) : «الغسل في سبعة عشر موطنا. وساق الكلام الى ان قال : وإذا دخلت الحرمين ، ويوم تحرم ، ويوم الزيارة ، ويوم تدخل البيت. الى آخره». فأي أدلة أصرح بالتعدد من هذه الروايات. وهذه الروايات بانضمام ما تقدم هي معتمد الأصحاب في ما ذكروه من

__________________

(1 و 2 و 3.) الوسائل الباب 1 من الأغسال المسنونة.


التعدد ، ولكنه (قدس‌سره) ظن انحصار الأدلة في تلك الاخبار ، كما يشعر به قوله بعد ذكر الروايات المشار إليها : فهذه جملة ما وصل إلينا من الروايات في هذه المسألة. والأصحاب (رضوان الله عليهم) بسبب وضوح الحكم بما ذكروه من هذه الروايات تأولوا صحيحة ذريح ورواية عجلان ـ حيث ان ظاهرهما المخالفة لما دلت عليه هذه الاخبار ـ بالعذر كما ذكره المحقق ، أو الرخصة كما ذكره بعضهم ايضا. وهو جيد كما ذكرناه.

بقي الكلام في انه لو لم يحدث بين الأغسال فالظاهر الاكتفاء بغسل واحد ، فان الغرض من الغسل في هذه المواضع دخوله لها على طهارة بالغسل ، وهو حاصل بما ذكرناه.

البحث الثاني ـ في الطواف ، وهو ركن يبطل الحج بتركه عمدا ، ويجب قضاؤه لو تركه سهوا.

وله مقدمات وكيفية وأحكام ، فالكلام فيه يقع في مقامات ثلاثة :

الأول ـ في مقدماته ، وفيها الواجب والمستحب ، ونشير الى كل من افرادهما حين ذكره.

فمنها الطهارة ، وقد نقل إجماع علمائنا كافة على وجوب الطهارة واشتراطها في الطواف الواجب ، نقله العلامة في المنتهى.

وعليه تدل جملة من الاخبار : منها : ما رواه الشيخ والصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «لا بأس ان تقضى المناسك كلها على غير وضوء إلا الطواف ، فان فيه

__________________

(1) الوسائل الباب 5 من الوضوء ، والباب 38 من الطواف ، والباب 15 من السعي.


صلاة. والوضوء أفضل».

وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن رجل طاف بالبيت وهو جنب فذكر وهو في الطواف. قال : يقطع طوافه ولا يعتد بشي‌ء من ما طاف» وزاد في الكافي «وسألته عن رجل طاف ثم ذكر انه على غير وضوء. قال : يقطع طوافه ولا يعتد به».

وما رواه في الكافي عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (2) قال : «سألته عن الرجل يطوف على غير وضوء ، أيعتد بذلك الطواف؟ قال : لا».

وعن أبي حمزة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (3) «انه سئل أينسك المناسك وهو على غير وضوء؟ فقال : نعم ، إلا الطواف بالبيت ، فان فيه صلاة».

وما رواه في التهذيب في الصحيح عن رفاعة (4) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : أشهد شيئا من المناسك وانا على غير وضوء؟ قال : نعم ، إلا الطواف بالبيت ، فان فيه صلاة».

وما رواه في الكافي ومن لا يحضره الفقيه عن محمد بن مسلم في الصحيح (5) قال : «سألت أحدهما (عليهما‌السلام) عن رجل طاف طواف الفريضة وهو على غير طهور. قال : يتوضأ ويعيد طوافه ،

__________________

(1) الكافي ج 4 ص 420 ، والتهذيب ج 5 ص 117 و 470 ، والوسائل الباب 38 من الطواف.

(2 و 3 و 5) الوسائل الباب 38 من الطواف.

(4) الوسائل الباب 15 من السعي.


وان كان تطوعا توضأ وصلى ركعتين».

ويستفاد من هذه الرواية صحة الطواف المستحب بغير وضوء. وهو أحد القولين في المسألة وأظهرهما.

ويدل عليه أيضا موثقة عبيد بن زرارة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «قلت له : رجل طاف على غير وضوء؟ فقال : ان كان تطوعا فليتوضأ وليصل».

وموثقته الأخرى عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «قلت له : اني أطوف طواف النافلة وانا على غير وضوء؟ فقال : توضأ وصل وان كنت متعمدا».

وصحيحة حريز عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) «في رجل طاف تطوعا وصلى ركعتين وهو على غير وضوء؟ فقال : يعيد الركعتين ولا يعيد الطواف».

وروى في الفقيه عن عبيد بن زرارة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «لا بأس بأن يطوف الرجل النافلة على غير وضوء ثم يتوضأ ويصلي ، فان طاف متعمدا على غير وضوء فليتوضأ وليصل. ومن طاف تطوعا وصلى ركعتين على غير وضوء فليعد الركعتين ولا يعد الطواف».

ونقل في المختلف عن ابي الصلاح انه قال : لا يصح طواف فرض ولا نفل لمحدث. ونقل عنه في المختلف انه احتج بقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (5) : «الطواف بالبيت صلاة». وموثقة أبي حمزة المتقدمة.

__________________

(1 و 2) التهذيب ج 5 ص 117 ، والوسائل الباب 38 من الطواف.

(3 و 4) التهذيب ج 5 ص 117 ، والوسائل الباب 38 من الطواف.

(4) الوسائل الباب 38 من الطواف.

(5) سنن البيهقي ج 5 ص 87 ، وكنز العمال ج 3 ص 10.


أقول : ومثل هذه الرواية في الدلالة على ما ادعاه رواية زرارة المتقدمة.

والجواب عن الرواية الأولى بعدم ثبوتها ، لأنا لم نقف عليها في شي‌ء من كتب الاخبار وان تناقلوها بهذا اللفظ في كتب الفروع من غير سند ، وما هذا شأنه فلا اعتماد عليه. ومع تسليمه فالتشبيه لا يقتضي المساواة من كل وجه. وعن الروايتين انه يجب تقييد إطلاقهما بما ذكرناه من الاخبار ، كما هو القاعدة المعول عليها.

وهل يستباح بالتيمم مع عدم الماء أم لا؟ قال في المدارك : المعروف من مذهب الأصحاب استباحة الطواف بالطهارة الترابية كما يستباح بالمائية. ويدل عليه عموم قوله (عليه‌السلام) في صحيحة جميل (1) : «ان الله (تعالى) جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا». وفي صحيحة محمد بن مسلم (2) : «هو بمنزلة الماء». وذهب فخر المحققين الى ان التيمم لا يبيح للجنب الدخول في المسجدين ولا اللبث في ما عداهما من المساجد. ومقتضاه عدم استباحة الطواف به ايضا. وهو ضعيف. وقد تقدم الكلام في ذلك في كتاب الطهارة. انتهى. وهو جيد. إلا انه مناف لما قدمه في كتاب الطهارة ، لقوله ثمة في مسألة التيمم للخروج من المسجدين ، حيث قال : فانا لم نقف على ما يقتضي اشتراط عدم الماء في جواز التيمم لغير الصلاة.

ومنها إزالة النجاسة عن الثوب والبدن ، وهو واجب على الأشهر وبه صرح الشيخ (رحمه‌الله تعالى) فقال : لا يجوز ان يطوف وفي

__________________

(1) الوسائل الباب 1 من الماء المطلق ، والباب 23 و 24 من التيمم.

(2) الوسائل الباب 20 و 23 من التيمم ، والراوي هو حماد بن عثمان.


ثوبه شي‌ء من النجاسة. وبه قال ابن زهرة وابن إدريس والمحقق والعلامة وغيرهم.

وظاهر كلامهم انه لا فرق بين كون النجاسة من ما يعفى عنها أم لا ، بل صرح الشيخ بذلك على ما نقله في المختلف ، فقال : لا فرق بين الدم وغيره ، سواء كان الدم دون الدرهم أو أزيد. وبهذا التعميم صرح ابن إدريس أيضا. وهو ظاهر المحقق في الشرائع والعلامة في المنتهى. وقال ابن الجنيد : لو طاف في ثوب إحرامه وقد اصابه دم لا تحل له الصلاة فيه كره ذلك له ، ويجزئه إذا نزعه عند صلاته. وجعل ابن حمزة الطواف في الثوب النجس مكروها ، وكذا إذا أصاب بدنه نجاسة. ونقل في المدارك عن بعض الأصحاب انه ذهب الى العفو هنا عن ما يعفى عنه في الصلاة.

ويدل على القول المشهور ما رواه الشيخ عن يونس بن يعقوب (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل يرى في ثوبه الدم وهو في الطواف. قال : ينظر الموضع الذي رأى فيه الدم فيعرفه ثم يخرج فيغسله ثم يعود فيتم طوافه».

وما رواه الصدوق في الفقيه (2) في الموثق عن يونس بن يعقوب ايضا قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : رأيت في ثوبي شيئا من دم وانا أطرف. قال : فاعرف الموضع ثم اخرج فاغسله ثم عد فابن على طوافك».

إلا ان بإزائهما صحيحة البزنطي عن بعض أصحابه عن ابي عبد الله

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 126 ، والوسائل الباب 52 من الطواف.

(2) ج 2 ص 246 ، والوسائل الباب 52 من الطواف.


(عليه‌السلام) (1) قال : «قلت له : رجل في ثوبه دم من ما لا تجوز الصلاة في مثله فطاف في ثوبه؟ فقال : أجزأه الطواف فيه ثم ينزعه ويصلي في ثوب طاهر».

قال في المدارك ـ بعد ذكر رواية يونس بن يعقوب والطعن فيها بضعف السند ثم ذكر مرسلة البزنطي ـ ما لفظه : ولا يضر إرسالها ، لأنها مطابقة لمقتضى الأصل وسالمة عن ما يصلح للمعارضة. ومن هنا يظهر رجحان ما ذهب اليه ابن الجنيد وابن حمزة. إلا ان الاولى اجتناب ما لم يعف عنه في الصلاة. والأحوط اجتناب الجميع كما ذكره ابن إدريس.

أقول : فيه أولا : ما عرفت في غير مقام من ان الطعن في السند لا يقوم حجة على المتقدمين الذين لا اثر لهذا الاصطلاح عندهم ولا من لا يرى العمل به من غيرهم.

وثانيا : ان مرسلة البزنطي أيضا ضعيفة بالإرسال. وقوله : «ولا يضر إرسالها» مجازفة ظاهرة ، وخروج عن قاعدة اصطلاحه ، فإنه ان كان الخبر الضعيف بأي جهة كانت يصلح للحجية فلا معنى لرده الخبر الأول ، وإلا فلا معنى لاحتجاجه هنا على العمل به بمطابقته للأصل ، بل العمل انما هو على الأصل السالم من المعارض بزعمه.

وثالثا : انه لا وجه لحكمه بالكراهة كما ذكره ابن الجنيد وابن حمزة ، لأن الكراهة أيضا حكم شرعي يتوقف إثباته على الدليل الواضح ومقتضى كلامه اطراح رواية يونس بن يعقوب ورميها من البين ، حيث طعن فيها بأنها مشتملة على عدة من المجاهيل وان راويها فطحي ،

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 126 ، والوسائل الباب 52 من الطواف.


وحينئذ فتكون عنده في حكم العدم ، وقد صرح بالاعتماد على مرسلة البزنطي كما سمعت من كلامه ، واللازم من ذلك هو الجواز من غير كراهة. ولكنه وأمثاله جروا على هذه القاعدة الغير المربوطة والكلية الغير المضبوطة ، من حمل الأخبار الضعيفة متى رموها بالضعف على الاستحباب أو الكراهة تفاديا من طرحها بالكلية. وهو غلط محض ، فان الاستحباب والكراهة أيضا حكمان شرعيان كالوجوب والتحريم لا يجوز القول بهما إلا بالدليل الصحيح الصريح ، كما قدمنا تحقيق ذلك في ما تقدم.

إذا عرفت ذلك فالمسألة عندي باعتبار تعارض خبري يونس مع المرسلة المذكورة لا تخلو من توقف ، فان الجمع بين الخبرين المذكورين لا يخلو من اشكال ، فإنه وان أمكن حمل رواية يونس على الاستحباب كما صرح به بعض الأصحاب ، مع ما فيه من ما تقدم ، إلا انه يمكن ايضا العمل بها وحمل مرسلة البزنطي على الجاهل بالحكم أو الأصل ، وفي المختلف حملها على الجاهل. وبالجملة فالاحتياط عندي واجب في المسألة

ومنها إذا كان ذكرا ان يكون مختونا ، وهو مقطوع به في كلام الأصحاب ، وموضع وفاق كما يظهر من المنتهى.

ويدل عليه من الاخبار ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «الأغلف لا يطوف بالبيت ، ولا بأس ان تطوف المرأة».

وما رواه في الكافي في الصحيح عن صفوان عن إبراهيم بن ميمون عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) «في الرجل يسلم فيريد ان يحج

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 33 من مقدمات الطواف.


وقد حضر الحج ، أيحج أم يختتن؟ قال : لا يحج حتى يختتن». ورواه الشيخ والصدوق ايضا (1).

وعن حريز في الصحيح أو الحسن عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «لا بأس ان تطوف المرأة غير المخفوضة ، فأما الرجل فلا يطوف إلا وهو مختتن».

ورواه الشيخ والصدوق أيضا في الصحيح (3). وما رواه عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب الاسناد في الموثق عن حنان بن سدير (4) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن نصراني أسلم وحضر الحج ولم يكن اختتن ، أيحج قبل ان يختتن؟ قال : لا ولكن يبدأ بالسنة».

ونقل عن ابن إدريس انه توقف في هذا الحكم. وهو ضعيف وان كان جيدا على أصوله الغير الاصيلة.

وجزم شيخنا الشهيد الثاني في المسالك بان الختان انما يعتبر مع الإمكان ، ولو تعذر ولو بضيق الوقت سقط. وقال سبطه في المدارك بعد نقل ذلك : ويحتمل قويا اشتراطه مطلقا كما في الطهارة بالنسبة إلى الصلاة.

أقول : مرجع كلام شيخنا في المسالك الى ان الختان من شروط الصحة كالطهارة وتسر العورة ونحوهما بالنسبة إلى الصلاة ، وقد تقرر ان شروط الصحة انما تجب مع الإمكان ، ولهذا تجب الصلاة عاريا مع تعذر ستر العورة ، وفي النجاسة مع تعذر الإزالة ، ونحو ذلك. ومرجع كلام السيد إلى انه مثل الطهارة التي لا تجب الصلاة إلا بها وتسقط بدونها مع تعذرها ، لأنها وان كانت من شروط الصحة أيضا إلا ان

__________________

(1 و 3 و 4) الوسائل الباب 33 من مقدمات الطواف.

(2) الوسائل الباب 33 من مقدمات الطواف ، والباب 39 من الطواف.


مقتضى الدليل فيها بخصوصها ذلك ، كما تقدم تحقيقه في كتاب الطهارة. والمسألة محل اشكال ، لقيام ما ذكره من الاحتمال ، فإن الأخبار بالنسبة إلى شروط الصلاة المذكورة قد صرحت بالوجوب مع عدمها ، ولم تصرح بذلك هنا بالنسبة إلى الختان ، كما انها لم تصرح بذلك بالنسبة إلى الطهارة في الصلاة ، فإلحاق هذا الشرط بالطهارة دون باقي الشروط المذكورة لا يخلو من قوة كما ذكره سبطه.

قال في المسالك بعد قول المصنف : «وان يكون مختونا ولا يعتبر في المرأة» : ومقتضى إخراج المرأة بعد اعتباره في مطلق الطائف استواء الرجل والصبي والخنثى في ذلك. وفائدته في الصبي مع عدم التكليف في حقه بالختان كونه شرطا في صحته ، كالطهارة بالنسبة إلى الصلاة في حقه. وفي الدروس عكس العبارة فجعل الختان شرطا في الرجل المتمكن خاصة ، فيخرج منه الصبي والخنثى كما خرجت المرأة. والاخبار خالية من غير الرجل والمرأة. ولعل مختار الكتاب هو الأقوى.

وقال سبطه في المدارك : ومقتضى إخراج المرأة من هذا الحكم بعد اعتباره في مطلق الطائف استواء الرجل والصبي والخنثى في ذلك ، والرواية الأولى متناولة للجميع ، فما ذكره الشارح من ان الاخبار خالية من غير الرجل والمرأة غير واضح. انتهى.

أقول : أشار بالرواية الأولى إلى صحيحة معاوية بن عمار المشتملة على الأغلف الشامل بإطلاقه للافراد المذكورة. ولا يخفى ان الرجل في اللغة يطلق على البالغ وغيره ، ففي الصحاح هو الذكر من الناس. وفي القاموس : الرجل بالضم معروف ، وانما هو لمن شب واحتلم ،


أو هو رجل ساعة يولد. وحينئذ فيمكن حمل الرجل في هذه الاخبار على ما هو أعم ، فتكون دالة على دخول الصبي أيضا في الحكم المذكور. بقي الكلام في الخنثى ، ودخولها في صحيحة معاوية بن عمار باعتبار الأغلف لا يخلو من بعد ، لما عرفت في غير مقام من ان الإطلاق انما ينصرف الى الافراد الشائعة المتكثرة دون الأفراد النادرة الوقوع ، بل لا يبعد اختصاص الاخبار بالرجل والمرأة كما ذكره شيخنا في المسالك عملا بما ذكرنا ، وإطلاق صحيحة معاوية يقيد بباقي الاخبار. وكون الرجل يطلق على ما يشمل الصبي وان صرح به في الصحاح (1) إلا ان عبارة القاموس تدل على بعده ، والعرف يساعده ، فإنه يطلق على البالغ ، قال في كتاب مجمع البحرين بعد نقل عبارتي الصحاح والقاموس : وفي كتب كثير من المحققين تقييده بالبالغ. وهو أقرب ، ويؤيده العرف.

ومنها ستر العورة ، وهو واجب في الفريضة وشرط في صحة الندب كما في الصلاة.

واستدل عليه العلامة في المنتهى بقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (2) : «الطواف بالبيت صلاة». وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (3) : «لا يحج بعد العام مشرك ولا عريان».

ويظهر من العلامة في المختلف التوقف في ذلك ، حيث انه عزى.

__________________

(1) ارجع الى الاستدراكات.

(2) مستدرك الوسائل الباب 38 من الطواف ، وسنن البيهقي ج 5 ص 87.

(3) الوسائل الباب 53 من الطواف ، واللفظ : «. ولا يطوف بالبيت عريان».


الاشتراط الى الشيخ وابن زهرة ، واحتج لهما بالرواية الاولى من روايتي المنتهى ، ثم قال : ولمانع ان يمنع ذلك ، وهذه الرواية غير مسندة من طرقنا فلا حجة فيها.

قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه : وهو جيد. والمسألة محل تردد ، والواجب التمسك بمقتضى الأصل الى ان يثبت دليل الاشتراط ، وان كان التأسي والاحتياط يقتضيه. انتهى.

أقول : والذي يدل على ذلك ما رواه العياشي في تفسيره عن حريز عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله). ثم ساق الحديث في مضي علي (عليه‌السلام) بآيات «براءة» الى ان قال : ان عليا (عليه‌السلام) قال : لا يطوف بالبيت عريان ولا عريانة ولا مشرك».

وروى الصدوق في كتاب العلل بسنده عن ابن عباس (2) في حديث «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بعث عليا (عليه‌السلام) ينادي : لا يحج بعد هذا العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان.».

وروى الثقة الجليل علي بن إبراهيم القمي في تفسيره عن أبيه عن محمد بن الفضيل عن الرضا (عليه‌السلام) (3) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) : ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أمرني عن الله (تعالى) ان لا يطوف بالبيت عريان ، ولا يقرب المسجد الحرام مشرك بعد هذا العام».

وروى العياشي في تفسيره عن محمد بن مسلم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (4) في حديث «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بعث عليا (عليه‌السلام) بسورة «براءة» فوافى الموسم فبلغ عن الله (عزوجل)

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 53 من الطواف.


وعن رسوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بعرفة ، والمزدلفة ، ويوم النحر عند الجمار ، وفي أيام التشريق كلها ، ينادي «بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ» ولا يطوفن بالبيت عريان».

وعن ابي العباس عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) في حديث قال : «فلما قدم علي (عليه‌السلام) مكة وكان يوم النحر بعد الظهر وهو يوم الحج الأكبر. الى ان قال : وقال : ولا يطوفن بالبيت عريان ولا مشرك».

وعن ابي بصير عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (2) قال : «خطب علي (عليه‌السلام) الناس واخترط سيفه وقال : لا يطوفن بالبيت عريان ولا يحجن بالبيت مشرك. الحديث».

وعن ابي الصباح الكناني عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) نحوه (3).

وعن حكيم بن الحسين عن علي بن الحسين (عليه‌السلام) (4) في حديث «ان عليا (عليه‌السلام) نادى في الموقف : ألا لا يطوف بعد هذا العام عريان ، ولا يقرب المسجد الحرام بعد هذا العام مشرك».

وروى أمين الإسلام الطبرسي في كتاب مجمع البيان عن عاصم بن حميد عن ابي بصير عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (5) قال : قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام): ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أمرني عن الله. الى آخر ما تقدم في حديث محمد بن الفضيل.

وهذه الاخبار على كثرتها لما لم تكن من اخبار الكتب الأربعة المشهورة

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 53 من الطواف.

(5) لم نجده فيه ، والموجود فيه هو الحديث رقم 2.


خفيت عليهم ، وظن جملة منهم خلو المسألة من المستند كما سمعت من كلام المختلف والمدارك.

ومنها استحباب الغسل لدخول مكة ، وقد تقدم. ومضغ الإذخر. ودخول المسجد. وقد تقدم نقل الأخبار الدالة على ذلك.

ومنها استحباب الدخول من باب بني شيبة ، واستدل عليه في المنتهى بأن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) دخل منه (1).

قال في المدارك : وعلل أيضا بأن (هبل) بضم الهاء وفتح الباء ـ وهو أعظم الأصنام ـ مدفون تحت عتبته فإذا دخل منه وطأه برجله.

أقول : الظاهر انه (قدس‌سره) لم يقف على الخبر الدال على ذلك حيث اقتصر على مجرد هذا النقل.

والذي وقفت عليه من ما يدل على ذلك ما رواه في الكافي في الصحيح عن عبد الله بن سنان (2) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام): ذكر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الحج ، وكتب الى من بلغه كتابه. ثم ساق الخبر في حكاية حجه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) حجة الوداع. الى ان قال (عليه‌السلام) : فلما انتهى الى باب المسجد استقبل الكعبة ـ وذكر ابن سنان انه باب بني شيبة ـ فحمد الله واثنى عليه. الحديث».

وما رواه الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه وكتاب العلل (3) بسنده الى سليمان بن مهران قال : «قلت لجعفر بن محمد (عليهما‌السلام):

__________________

(1) المغني لابن قدامة الحنبلي ج 3 ص 332 طبع مطبعة العاصمة.

(2) الوسائل الباب 2 من أقسام الحج الرقم 15.

(3) الوسائل الباب 3 من الوقوف بالمشعر ، والباب 9 من مقدمات الطواف.


كم حج رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله)؟ فقال : عشرين حجة مستسرا في كل حجة يمر بالمأزمين فينزل فيبول. فقلت : له يا ابن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ولم كان ينزل هناك فيبول؟ قال : لانه موضع عبد فيه الأصنام ، ومنه أخذ الحجر الذي نحت منه (هبل) الذي رمى به علي (عليه‌السلام) من ظهر الكعبة لما علا ظهر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، فأمر به فدفن عند باب بني شيبة ، فصار الدخول الى المسجد من باب بني شيبة سنة لأجل ذلك. الحديث».

قال في المدارك : وهذا الباب غير معروف الآن ، لتوسعة المسجد ، لكن قيل انه بإزاء باب السلام ، فينبغي الدخول منه على الاستقامة الى ان يتجاوز الأساطين ليتحقق المرور به بناء على هذا القول.

ومنها استحباب الوقوف عند الباب ، والدخول اليه على سكينة ووقار وخشوع ، والسلام على النبي (ص) بالمأثور :

روى في الكافي (1) في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «إذا دخلت المسجد الحرام فادخله حافيا على السكينة والوقار والخشوع. وقال : من دخله بخشوع غفر الله له ان شاء الله (تعالى). قلت : ما الخشوع؟ قال : السكينة لا تدخله بتكبر فإذا انتهيت الى باب المسجد فقم وقل : «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، بسم الله وبالله ومن الله وما شاء الله ، والسلام على أنبياء الله ورسله ، والسلام على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والسلام على إبراهيم ، والحمد لله رب العالمين» فإذا دخلت المسجد فارفع يديك واستقبل البيت ، وقل : اللهم إني أسألك في مقامي هذا

__________________

(1) ج 4 ص 401 ، والوسائل الباب 8 من مقدمات الطواف.


في أول مناسكي ان تقبل توبتي وان تجاوز عن خطيئتي وتضع عني وزري ، الحمد لله الذي بلغني بيته الحرام ، اللهم اني اشهد ان هذا بيتك الحرام الذي جعلته مثابة للناس وأمنا مباركا وهدى للعالمين ، اللهم اني عبد ك والبلد بلدك والبيت بيتك ، جئت أطلب رحمتك وأؤم طاعتك مطيعا لأمرك راضيا بقدرك ، أسألك مسألة المضطر إليك الخائف لعقوبتك ، اللهم افتح لي أبواب رحمتك واستعملني بطاعتك ومرضاتك».

وروى الشيخ (قدس‌سره) في التهذيب (1) والصدوق (قدس‌سره) في من لا يحضره الفقيه (2) في الموثق عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «تقول وأنت على باب المسجد : بسم الله وبالله ومن الله والى الله وما شاء الله وعلى ملة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وخير الأسماء لله والحمد لله ، والسلام على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) السلام على محمد بن عبد الله ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام على أنبياء الله ورسله ، السلام على إبراهيم خليل الرحمن ، السلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، اللهم صل على محمد وآل محمد وبارك على محمد وآل محمد وارحم محمدا وآل محمد ، كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللهم صل على محمد عبدك ورسولك وعلى إبراهيم خليلك وعلى أنبيائك ورسلك وسلام عليهم وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين اللهم افتح لي أبواب رحمتك واستعملني في طاعتك ومرضاتك واحفظني بحفظ الإيمان أبدا ما أبقيتني ، جل ثناء وجهك ، والحمد لله الذي جعلني

__________________

(1) ج 5 ص 100 ، والوسائل الباب 8 من مقدمات الطواف.

(2) نسبة الحديث المذكور الى الفقيه يحتمل ان يكون من اشتباه النساخ.


من وفده وزواره وجعلني ممن يعمر مساجده وجعلني ممن يناجيه ، اللهم اني عبد ك وزائرك في بيتك ، وعلى كل مأتي حق لمن أتاه وزاره ، وأنت خير مأتي وأكرم مزور ، فأسألك يا الله يا رحمان وبأنك أنت الله لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وبأنك واحد أحد صمد لم تلد ولم تولد ولم يكن لك كفوا أحد ، وان محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عبدك ورسولك (صلواتك عليه وعلى أهل بيته) يا جواد يا ماجد يا جبار يا كريم ، أسألك أن تجعل تحفتك من زيارتي إياك ان تعطيني فكاك رقبتي من النار ، اللهم فك رقبتي من النار (تقولها ثلاثا) وأوسع علي من رزقك الحلال الطيب وادرأ عني شر شياطين الجن والانس وشر فسقة العرب والعجم».

المقام الثاني ـ في كيفيته ، وهي تشتمل على الواجب والمندوب ، فالكلام هنا في فصلين :

الفصل الأول ـ في الواجب ، وهو أمور أحدها ـ النية ، وقد تقدم تحقيق القول فيها في كتاب الطهارة ، وفي كتاب الصلاة ، وكتاب الصوم. وقد بينا انه لا شي‌ء فيها وراء قصد الفعل لله تعالى.

قال في المدارك : واما التعرض للوجه ، وكون الحج إسلاميا أو غيره تمتعا أو أحد قسيميه ، فغير لازم ، كما هو ظاهر اختيار العلامة في المنتهى ، وان كان التعرض لذلك كله أحوط.

أقول : لا اعرف لهذا الاحتياط وجها ولا معنى بعد معلومية جميع ذلك للمكلف سابقا ، وتعلق القصد به من أول الأمر ، واستمراره الى وقت الفعل ، كما تقدم تحقيقه. والإتيان بهذا التصوير الفكري والحديث النفسي عند الفعل ـ وهو المسمى عندهم بالنية ـ من ما لا أصل له ولا مستند بالكلية.


وحكى الشهيد (قدس‌سره) في الدروس عن ظاهر بعض القدماء ان نية الإحرام كافية عن خصوصيات باقي الأفعال.

قال في المدارك : وكأن وجهه خلو الأخبار الواردة بتفاصيل أحكام الحج من ذكر النية في شي‌ء من أفعاله سوى الإحرام. وربما كان الوجه في تخصيص الإحرام بذلك توقف امتياز نوع الحج والعمرة عليه.

أقول : فيه : ما قدمنا ذكره في بحث نية الإحرام ، من ان ما اشتملت عليه النصوص ـ من قوله : «اللهم اني أريد التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك» ونحوه ـ ليس من قبيل النية التي هي محل البحث حتى يسمى ذلك نية ويقال ان الاخبار اشتملت على نية الإحرام ، إذ النية إنما هي القصد البسيط الناشئ عن تصور الدواعي الباعثة على الفعل كما تقدم تحقيقه في المواضع المشار إليها. نعم هذا الكلام يتضمن الاخبار عن ذلك ، واين أحدهما من الآخر؟ وبذلك يظهر لك ما في هذا القول المنقول عن بعض القدماء ايضا من انه لا وجه له.

وبالجملة فإن كلامهم كله يدور على ان النية عبارة عن هذا الحديث النفسي والتصوير الفكري الذي يحدثه المكلف عند ارادة الفعل ويقارنه به. وقد عرفت سابقا ان النية ليست ذلك ، وإلا فأفعال المكلف المختلفة المتعددة لا يدخل بعضها تحت بعض ، بحيث يصدق عرفا على من قصد الإحرام خاصة ، الذي هو عبارة عن تجنب تلك الأشياء مع الإتيان بباقي شروطه ـ من غير ملاحظة شي‌ء آخر ـ انه نوى الحج أو العمرة أو نوعا مخصوصا من أنواع أحدهما. نعم يصدق ذلك في ما إذا قصد الإحرام لحج التمتع مثلا حج الإسلام أو نحو ذلك ، فان هذا القصد تعلق بالجميع لا بالإحرام خاصة ، واستمراره على هذا القصد كاف كما


ذكرناه. ولا يلزم منه خلو كل فعل فعل من تلك الأفعال من القصد اليه على حدة ، إذ المراد ان ذلك القصد الأول مستمر الى حين إيقاع ذلك الفعل ، فهو لا يقع إلا بقصد. وبالجملة فمرجع الكل الى القصد الأصلي الناشئ من تصور الدواعي الباعثة لا الى هذا التصوير الفكري الذي يزعمونه. وبذلك يظهر لك ايضا ما في قوله في المدارك : «ويجب مقارنة النية لأول الطواف ، ولا يضر الفصل اليسير. واستدامتها حكما الى الفراغ» انتهى ، فإنه ـ كما ترى ـ ظاهر في ان النية عبارة عن هذا التصوير الفكري والحديث النفسي ، وقد انجر الأمر فيه الى ذكره باللفظ وتسمية هذا اللفظ نية. وهو أوهن من بيت العنكبوت ، وانه لا وهن البيوت.

وثانيها وثالثها ـ الابتداء بالحجر والختم به ، وهو موضع اتفاق بين العلماء.

والأصل فيه ما رواه الكليني (قدس‌سره) في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «من اختصر في الحجر الطواف فليعد طوافه من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود». ورواه الصدوق (قدس‌سره) (2) الى قوله : «من الحجر الأسود». ولم يذكر الانتهاء الى الحجر الأسود.

والسيد السند (قدس‌سره) في المدارك قد أسند الرواية بتمامها الى الشيخين المذكورين ، واستدل بها على الحكم المذكور ، وهي على رواية الصدوق (قدس‌سره) قاصرة عن إفادة المدعى بتمامه كما ذكرناه.

__________________

(1) الكافي ج 4 ص 419 ، والوسائل الباب 31 من الطواف.

(2) الفقيه ج 2 ص 249 ، والوسائل الباب 31 من الطواف.


وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن ـ والشيخ في الصحيح ـ عن الحسن بن عطية (1) قال : «سألته سليمان بن خالد وانا معه عن رجل طاف بالبيت ستة أشواط. قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : وكيف طاف ستة أشواط؟ قال : استقبل الحجر ، وقال : الله أكبر ، وعقد واحدا. فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : يطوف شوطا. فقال سليمان : فإنه فاته ذلك حتى اتى أهله؟ قال : يأمر من يطوف عنه».

والمشهور بين المتأخرين ـ والظاهر ان أولهم العلامة (قدس‌سره) وتبعه من تأخر عنه ـ في كيفية الابتداء بالحجر الأسود جعل أول جزء من الحجر محاذيا لأول جزء من مقاديم البدن ، بحيث يمر عليه بجميع بدنه بعد النية علما أو ظنا.

قال في المدارك بعد نقل ذلك عنهم : وهو أحوط ، لكن في تعينه نظر ، لصدق الابتداء بالحجر عرفا بدون ذلك. ولخلو الاخبار من هذا التكليف مع استفاضتها في هذا الباب واشتمالها على تفاصيل مسائل الحج الواجبة والمندوبة. بل ربما ظهر من طواف النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) على ناقته (2) خلاف ذلك. انتهى.

وهو جيد. إلا ان قوله أولا : «وهو أحوط» لا وجه له ، بل هو الى الوسواس أقرب منه الى الاحتياط ، لما ذكره من الوجوه المذكورة ، ولا سيما حديث طوافه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) على ناقته كما

__________________

(1) الكافي ج 4 ص 418 ، والتهذيب ج 5 ص 109 ، والوسائل الباب 32 من الطواف.

(2) الوسائل الباب 81 من الطواف الرقم 2.


في رواية محمد بن مسلم (1) : «واستلم الحجر بمحجنه». معتضدا ذلك بأصالة العدم. وبالجملة فإنا لا نعرف لهم دليلا سوى ما يدعونه من الاحتياط ، والاحتياط انما يكون في مقام اختلاف الأدلة لا مجرد القول من غير دليل بل ظهور الدليل في خلافه.

واعتبروا ـ بناء على ما قدمنا نقله عنهم ـ محاذاة الحجر في آخر شوط على نحو ما تقدم في الابتداء ، ليكمل الشوط من غير زيادة ولا نقصان. والكلام فيه كما تقدم من عدم ظهور الدليل على ما ذكروه بل ظهوره في خلافه. والظاهر الاكتفاء بجوازه بنية ان ما زاد على الشوط لا يكون جزء من الطواف.

ورابعها ـ ان يطوف على يساره. يعني : ان يجعل البيت على يساره حال الطواف ، فلو استقبله بوجهه أو استدبره أو جعله على يمينه في حال الطواف ولو في خطوة ، بطل طوافه ، ووجب عليه الإعادة.

واستدل عليه في المنتهى بأن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) طاف كذلك وقال : «خذوا عني مناسككم» (2). ومرجع استدلاله (قدس‌سره) إلى التأسي. وبذلك صرح في المفاتيح تبعا للقوم ، فقال في تعداد واجبات الطواف : وان يجعل البيت على يساره بلا خلاف ، للتأسي. مع انهم قد صرحوا في الأصول بأن التأسي لا يصلح ان يكون دليلا للوجوب ، لان فعلهم (عليهم‌السلام) كذلك أعم من الوجوب والاستحباب ، وكانوا ملازمين على المستحبات كالواجبات.

__________________

(1) الوسائل الباب 81 من الطواف الرقم 2.

(2) المغني ج 3 ص 344 و 377 طبع مطبعة العاصمة ، وتيسير الوصول ج 1 ص 296.


وأكثر أصحابنا ذكروا الحكم ولم يذكروا عليه دليلا ، ولا ناقشوا في عدم الدليل ، كما في المدارك ، مع ما علم من عادته من ذكر الأدلة ومناقشته في الحكم مع عدم وجود الدليل ، وكأن ذلك مسلم بينهم للاتفاق على الحكم المذكور.

والذي وقفت عليه من الاخبار من ما يفهم منه ذلك وان لم يكن على جهة التصريح ما رواه في الكافي في الصحيح عن عبد الله بن سنان (1) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : إذا كنت في الطواف السابع فأت المتعوذ ـ وهو إذا قمت في دبر الكعبة حذاء الباب ـ فقل : اللهم. الى ان قال : ثم استلم الركن اليماني ثم ائت الحجر فاختم به».

وعن معاوية بن عمار في الصحيح (2) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : إذا فرغت من طوافك وبلغت مؤخر الكعبة ـ وهو بحذاء المستجار دون الركن اليماني بقليل ـ فابسط يديك على البيت. الى ان قال : ثم ائت الحجر الأسود».

وما رواه الشيخ (قدس‌سره) في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «ثم تطوف بالبيت سبعة أشواط. الى ان قال : فإذا انتهيت إلى مؤخر الكعبة ـ وهو المستجار دون الركن اليماني بقليل ـ في الشوط السابع ، فابسط يديك على الأرض وألصق خدك وبطنك بالبيت ، ثم قل : اللهم. الى ان قال : ثم استقبل الركن اليماني والركن الذي فيه الحجر الأسود فاختم به».

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 26 من الطواف.

(3) التهذيب ج 5 ص 104 و 105 ، والوسائل الباب 26 من الطواف.


والتقريب في هذه الاخبار ان استحباب الوقوف في هذه الأماكن الثلاثة في الشوط السابع واستلامها على هذا الترتيب لا يتم إلا مع جعل البيت على اليسار في حال الطواف كما لا يخفى.

وخامسها ـ ان يدخل الحجر في الطواف ، وهو من ما لا خلاف فيه بين الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم).

ويدل عليه جملة من الاخبار : منها : ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن ـ وفي من لا يحضره الفقيه في الصحيح ـ عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «من اختصر في الحجر الطواف فليعد طوافه من الحجر الأسود» وزاد في الكافي (2) «إلى الحجر الأسود».

وما رواه الشيخ (قدس‌سره) في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «قلت له : رجل طاف بالبيت فاختصر شوطا واحدا في الحجر؟ قال : يعيد ذلك الشوط».

ورواه الصدوق عن عبد الله بن مسكان عن الحلبي أيضا في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «قلت له : رجل طاف بالبيت فاختصر شوطا واحدا في الحجر ، كيف يصنع؟ قال : يعيد الطواف الواحد».

وما رواه في الكافي (5) في الصحيح أو الحسن عن حفص بن البختري

__________________

(1) الوسائل الباب 31 من الطواف.

(2) ج 4 ص 419 ، والوسائل الباب 31 من الطواف.

(3) التهذيب ج 5 ص 109 ، والوسائل الباب 31 من الطواف.

(4) الفقيه ج 2 ص 249 ، والوسائل الباب 31 من الطواف.

(5) ج 4 ص 419 ، والوسائل الباب 31 من الطواف. واللفظ في الوسائل يختلف عن اللفظ الوارد في الكافي والوافي والحدائق ، وقد اختمل في الوافي باب (إخراج الحجر من الطواف) سقوط شي‌ء من لفظ الحديث ، وقد وجه الساقط بما يرجع الى اللفظ الوارد في الوسائل ، فليراجع.


عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) «في الرجل يطوف بالبيت؟ قال : يقضي ما اختصر من طوافه». وقوله : «يطوف بالبيت» اي وحده من غير إدخال الحجر في الطواف.

وربما ظهر من هذه الاخبار ونحوها ان الحجر من البيت ، ونقل في الدروس ان المشهور كونه من البيت. ولعل مستندهم هذه الاخبار وإلا فانا لم نقف على خبر يدل على ذلك ، بل انما دل جملة من الاخبار على خلافه :

مثل ما رواه في الكافي (1) عن معاوية بن عمار في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الحجر ، أمن البيت هو أو فيه شي‌ء من البيت؟ فقال : لا ولا قلامة ظفر ولكن إسماعيل دفن امه فيه فكره أن توطأ فجعل عليه حجرا. وفيه قبور أنبياء».

وعن زرارة في الموثق عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «سألته عن الحجر هل فيه شي‌ء من البيت؟ فقال : لا ولا قلامة ظفر».

وعن ابي بكر الحضرمي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «ان إسماعيل دفن امه في الحجر وحجر عليها لئلا يوطأ قبر أم إسماعيل في الحجر».

__________________

(1) ج 4 ص 210 ، والوسائل الباب 30 من الطواف.

(2) الوسائل الباب 54 من أحكام المساجد.

(3) الكافي ج 4 ص 210 ، والوسائل الباب 30 من الطواف.


وروى في كتاب من لا يحضره الفقيه (1) مرسلا عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والأئمة (عليهم‌السلام) قال : وصار الناس يطوفون حول الحجر ولا يطوفون فيه ، لأن أم إسماعيل دفنت في الحجر ففيه قبرها فطيف كذلك لئلا يوطأ قبرها. قال : وروى : ان فيه قبور الأنبياء (عليهم‌السلام). وما في الحجر شي‌ء من البيت ولا قلامة ظفر.

ويمكن ان يكون مستند المشهور ما نقل عن العلامة في التذكرة (2) : ان البيت كان لاصقا بالأرض وله بابان شرقي وغربي ، فهدمه السيل قبل مبعث النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بعشر سنين ، وأعادت قريش عمارته على الهيئة التي هو عليها اليوم ، وقصرت الأموال الطيبة والهدايا والنذور عن عمارته ، فتركوا من جانب الحجر بعض البيت ، وخلفوا الركنين الشاميين من قواعد إبراهيم (عليه‌السلام) وضيقوا عرض الجدار من الركن الأسود إلى الشامي الذي يليه ، فبقي من الأساس شبه الدكان مرتفعا ، وهو الذي يسمى الشاذروان. انتهى.

وما ذكره (قدس‌سره) في قصة بناء الكعبة على هذه الكيفية لم يرد في شي‌ء من الاخبار الواصلة إلينا في الأصول الأربعة وغيرها.

وقد رويت في كيفية بناء قريش لها روايات عديدة ، إلا انها خالية من ذلك ، ومنها : ما رواه في الكافي (3) عن علي وغيره بأسانيد مختلفة رفعوه ، قالوا : انما هدمت قريش الكعبة لأن السيل كان يأتيهم من أعلى مكة فيدخلها ، فانصدعت وسرق من الكعبة غزال من ذهب

__________________

(1) ج 2 ص 125 و 126 ، والوسائل الباب 30 من الطواف.

(2) ج 1 المسألة الاولى من كيفية الطواف.

(3) ج 4 ص 217 ، والوسائل الباب 11 من مقدمات الطواف.


رجلاه من جوهر ، وكان حائطها قصيرا ، وكان ذلك قبل مبعث النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بثلاثين سنة ، فأرادت قريش ان يهدموا الكعبة ويبنوها ويزيدوا في عرضها ، ثم أشفقوا من ذلك وخافوا ان وضعوا فيها المعاول ان تنزل عليهم عقوبة ، فقال الوليد بن المغيرة : دعوني ابدأ فان كان لله رضى لم يصبني شي‌ء وان كان غير ذلك كففنا. فصعد على الكعبة وحرك منه حجرا فخرجت عليه حية وانكسفت الشمس فلما رأوا ذلك بكوا وتضرعوا وقالوا : اللهم انا لا نريد إلا الإصلاح فغابت عنهم الحية ، فهدموه ونحوا حجارته حوله حتى بلغوا القواعد التي وضعها إبراهيم (عليه‌السلام) ، فلما أرادوا أن يزيدوا في عرضه وحركوا القواعد التي وضعها إبراهيم (عليه‌السلام) أصابتهم زلزلة شديدة وظلمة فكفوا عنه. وكان بنيان إبراهيم (عليه‌السلام) الطول ثلاثون ذراعا والعرض اثنان وعشرون ذراعا والسمك تسعة أذرع ، فقالت قريش نزيد في سمكها ، فبنوها فلما بلغ البناء الى موضع الحجر الأسود تشاجرت قريش في وضعه ، فقال كل قبيلة ، نحن اولى به فنحن نضعه. فلما كثر بينهم تراضوا بقضاء من يدخل من باب بني شيبة فطلع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقالوا : هذا الأمين قد جاء فحكموه ، فبسط رداءه ـ وقال بعضهم : كساء طاروني كان له ـ ووضع الحجر فيه ، ثم قال : يأتي من كل ربع من قريش رجل. فكانوا عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، والأسود بن المطلب من بني أسد بن عبد العزى ، وأبو حذيفة بن المغيرة من بني مخزوم ، وقيس بن عدي من بني سهم. فرفعوه ووضعه النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في موضعه. الحديث. ونحوه غيره وان كان أخصر.


وكلها ظاهرة في ان البناء وقع على الأساس القديم الذي كان من زمان إبراهيم (عليه‌السلام) لا انهم نقصوا منه بحيث خرج منه شي‌ء في الحجر.

ويحتمل ان يكون ما نقله في التذكرة من طرق العامة ، فإنهم رووا (1) : «أن عائشة قالت : نذرت أن أصلي ركعتين في البيت. فقال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : صلى في الحجر ، فان فيه ستة أذرع من البيت».

وبالجملة فالظاهر من أخبارنا خروجه كملا عن البيت ، وما ذكروه من هذا القول المشهور لا نعرف له مستندا.

ثم ان ظاهر صحيحة الحلبي المتقدمة برواية الشيخين المذكورين ـ وكذا صحيحة حفص بن البختري أو حسنته ـ هو اعادة ما اختصره خاصة من واحد أو أكثر دون اعادة الطواف من رأس. ونقل في المدارك انه روى نحوه في الصحيح عن الحسن بن عطية عن الصادق (عليه‌السلام). ولم أقف على هذه الرواية في ما حضرني من كتب الاخبار.

ولا تكفي الإعادة من موضع دخول الحجر بان يتم الشوط من ذلك المكان ، بل تجب الإعادة من الحجر الأسود.

ولا ينافي ذلك ما رواه الشيخ (قدس‌سره) عن الحسين بن سعيد عن إبراهيم بن سفيان (2) قال : «كتبت الى ابي الحسن الرضا (عليه‌السلام): امرأة طافت طواف الحج ، فلما كانت في الشوط السابع اختصرت وطافت في الحجر وصلت ركعتي الفريضة وسعت وطافت طواف النساء ، ثم أتت منى.

__________________

(1) المغني ج 3 ص 344 طبع مطبعة العاصمة. وليس فيه لفظ «ركعتين» وسنن البيهقي ج 5 ص 89. ويستفاد منهما بالمعنى.

(2) الفقيه ج 2 ص 249 ، والوسائل الباب 31 من الطواف.


فكتب (عليه‌السلام) : تعيد» ،. فإنه يجب حمل إطلاقه على ما فصلته الروايات المتقدمة من اعادة ما اختصرته خاصة. والله العالم.

وسادسها ـ ان يكمله سبعا ، وهو إجماعي نصا وفتوى.

ومن الاخبار الصريحة في ذلك ما تقدم في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة قريبا (1) من قوله فيها : «ثم تطوف بالبيت سبعة أشواط. الحديث».

وما رواه الصدوق (قدس‌سره) في كتاب من لا يحضره الفقيه (2) بإسناده عن حماد بن عمرو وانس بن محمد عن أبيه عن جعفر بن محمد عن آبائه (عليهم‌السلام) في وصية النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لعلي (عليه‌السلام) قال : «يا علي ان عبد المطلب سن في الجاهلية خمس سنن أجراها الله (عزوجل) في الإسلام : حرم نساء الآباء على الأبناء. الى ان قال : ولم يكن للطواف عدد عند قريش فسن لهم عبد المطلب سبعة أشواط ، فأجرى الله (عزوجل) ذلك في الإسلام».

وما رواه في كتاب العلل والأحكام (3) بسنده عن أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين (عليه‌السلام) قال : «قلت : لأي علة صار الطواف سبعة أشواط؟ فقال ان الله (تعالى) قال للملائكة (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) (4) فردوا عليه وقالوا (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ). (5) فقال (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) (6). وكان لا يحجبهم

__________________

(1) ص 103.

(2) ج 4 ص 264 ، والوسائل الباب 19 من الطواف.

(3) ص 406 طبع النجف الأشرف ، والوسائل الباب 19 من الطواف.

(4 و 5 و 6) سورة البقرة ، الآية 30.


عن نوره ، فحجبهم عن نوره سبعة آلاف عام ، فلاذوا بالعرش سبعة آلاف سنة ، فرحمهم وتاب عليهم ، وجعل لهم البيت المعمور في السماء الرابعة ، وجعله مثابة ، وجعل لهم البيت الحرام تحت البيت المعمور ، وجعله مثابة للناس وأمنا. فصار الطواف سبعة أشواط واجبا على العباد لكل ألف سنة شوطا واحدا».

وعن ابي خديجة (1) : «أنه سمع أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول في حديث : ان الله أمر آدم (عليه‌السلام) ان يأتي هذا البيت فيطوف به أسبوعا ويأتي منى وعرفة فيقضي مناسكه كلها ، فاتى هذا البيت فطاف به أسبوعا واتى مناسكه فقضاها كما امره الله ، فقبل منه التوبة وغفر له. قال : فجعل طواف آدم (عليه‌السلام) لما طافت الملائكة بالعرش سبع سنين ، فقال جبرئيل (عليه‌السلام) : هنيئا لك يا آدم لقد طفت بهذا البيت قبلك بثلاثة آلاف سنة».

واما الاخبار الدالة على ذلك ضمنا فهي أكثر من ان يأتي عليها قلم الإحصاء في المقام ، وستمر بك ان شاء الله (تعالى) متفرقة في جملة من الأحكام.

وسابعها ـ ان يكون بين البيت والمقام ، وهو الأظهر الأشهر بين علمائنا الأعلام (رفع الله ـ تعالى ـ قدرهم في دار المقام).

ويدل عليه ما رواه ثقة الإسلام عن محمد بن مسلم (2) قال : «سألته عن حد الطواف بالبيت الذي من خرج منه لم يكن طائفا بالبيت. قال : كان الناس على عهد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يطوفون

__________________

(1) العلل ص 407 طبع النجف ، والوسائل الباب 19 من الطواف.

(2) الكافي ج 4 ص 413 ، والوسائل الباب 28 من الطواف.


بالبيت والمقام وأنتم اليوم تطوفون ما بين المقام وبين البيت ، فكان الحد موضع المقام اليوم ، فمن جازه فليس بطائف. والحد قبل اليوم واليوم واحد ، قدر ما بين المقام وبين البيت من نواحي البيت كلها ، فمن طاف فتباعد من نواحيه أبعد من مقدار ذلك كان طائفا بغير البيت ، بمنزلة من طاف بالمسجد ، لانه طاف في غير حد ، ولا طواف له».

إلا انه روى الصدوق (قدس‌سره) في الصحيح عن ابان عن محمد الحلبي (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الطواف خلف المقام. قال : ما أحب ذلك ، وما ارى به بأسا ، فلا تفعله إلا ان لا تجد منه بدا».

ويمكن انه بهذه الرواية أخذ ابن الجنيد ، حيث نقل عنه انه جوز الطواف خارج المقام عند الضرورة.

وظاهر هذه الرواية هو الجواز على كراهة وان الكراهة تندفع بالضرورة. فما ذكره بعض الأصحاب (رضوان الله عليهم) هنا ـ من الجمع بينها وبين الرواية السابقة بالحمل على الضرورة ، بمعنى انه يحرم الخروج عن المقام إلا مع ضرورة الزحام ونحوه ـ ليس بجيد ، لان ظاهرها الجواز على كراهة ، والضرورة إنما تنتج زوال الكراهة لا التحريم.

وربما فهم من إيراد الصدوق (قدس‌سره) لها الإفتاء بمضمونها ، فيكون قولا آخر في المسألة أيضا. وبذلك يعظم الإشكال في المسألة.

وبالجملة فإن ظاهر كلام الأكثر هو تحريم الخروج عن الحد المتقدم مطلقا ، عملا برواية محمد بن مسلم المتقدمة. والمنقول عن ابن الجنيد

__________________

(1) الفقيه ج 2 ص 249 والوسائل الباب 28 من الطواف. لاحظ الاستدراكات.


هو جواز الخروج مع الضرورة. وظاهر صحيحة الحلبي ـ وهو ظاهر الصدوق (قدس‌سره) ـ هو جواز الخروج على كراهة إلا مع الضرورة. فالضرورة على قول ابن الجنيد موجبة لزوال التحريم ، وعلى ظاهر الرواية وظاهر الصدوق موجبة لزوال الكراهة ، والجمع بين الخبرين بما تقدم قد عرفت ما فيه. وظاهر العلامة في المنتهى والمختلف حمل صحيحة الحلبي على الضرورة كما هو مذهب ابن الجنيد. وفيه ما عرفت. والمسألة لا تخلو من شوب الاشكال ، لعدم وجه يحضرني الآن في الجمع بين الخبرين المذكورين. والاحتياط لا يخفى.

وثامنها ـ خروجه بجميع بدنه حال الطواف عن البيت ، فلو مشى على شاذروانه ـ وهو الخارج عن أساسه ـ بطل طوافه من غير خلاف يعرف ، لعدم صدق الطواف به. ولو كان يمس الجدار بيده أو بدنه وهو خارج عنه حال مشيه ، فقيل بالبطلان وهو خيرة العلامة (قدس‌سره في التذكرة والشهيد (قدس‌سره) في الدروس ، لان من مسه على هذا الوجه يكون بعض بدنه في البيت ، فلا يتحقق الخروج عنه الذي هو شرط في صحة الطواف به. وقيل بالجواز وهو ظاهر اختياره في القواعد ، وجعله في التذكرة وجها للشافعية (1). واستدل عليه بان من هذا شأنه يصدق عليه انه طاف بالبيت ، لان معظم بدنه خارج عنه. ثم أجاب عنه بالمنع من ذلك ، لان بعض بدنه في البيت ، كما لو وضع احدى رجليه اختيارا على الشاذروان. والمسألة محل توقف. والاحتياط في القول الأول.

وظاهر الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان الشاذروان محيط بالبيت.

__________________

(1) المجموع للنووي الشافعي ج 8 ص 24.


كما هو الظاهر لمن شاهد البيت. والمفهوم من كلام العلامة (قدس‌سره) في التذكرة ـ كما تقدم ـ انه من الركن الشامي إلى الركن الذي فيه الحجر الأسود. والعمل بالأول أحوط.

فوائد

الأولى ـ قد قطع الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) بأنه يجب مراعاة قدر ما بين البيت والمقام من جميع الجهات. ثم صرحوا بأنه يجب ان تحسب المسافة من جهة الحجر من خارجه ، بان ينزل منزلة البيت وان كان خارجا من البيت ، لوجوب إدخاله في الطواف ، فلا يكون محسوبا من المسافة. واحتمل شيخنا في المسالك احتسابه منها على القول بخروجه وان لم يجز سلوكه.

أقول : اما الحكم الأول فلا ريب فيه ، لما عرفت من دلالة رواية محمد بن مسلم عليه. واما الثاني فلا يخلو من الإشكال ، لان مقتضى ما صرحوا به أولا ـ وهو مدلول الرواية المذكورة ـ أن المسافة المعتبرة من البيت الى المقام معتبرة من جميع الجهات ، ومن جملتها جهة الحجر. ويؤكده قوله (عليه‌السلام) في الرواية المذكورة : «فكان الحد موضع المقام اليوم فمن جازه فليس بطائف ، والحد قبل اليوم واليوم واحد ، قدر ما بين المقام وبين البيت من نواحي البيت كلها فمن طاف فتباعد من نواحيه أبعد من مقدار ذلك كان طائفا بغير البيت. الى آخره». وهو ـ كما ترى ـ صريح في ان من تباعد من جميع نواحي البيت بأزيد من هذه المسافة المعتبرة من البيت الى المقام كان طائفا بغير البيت ، وهذا ظاهر في جهة الحجر وغيرها. فالاستثناء


في هذه الجهة يحتاج الى دليل ، ومجرد وجوب إدخاله في الطواف لا يستلزم ذلك. وبالجملة فإن ما ذكره شيخنا المشار اليه من الاحتمال لا يبعد تعينه. والمسألة في غاية الاشكال ، والاحتياط يقتضي المحافظة تمام المحافظة على عدم البعد عن الحجر على وجه يلزم منه الخروج عن تلك المسافة.

الثانية ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بان المقام حقيقة هو العمود من الصخر الذي كان إبراهيم (عليه‌السلام) يصعد عليه عند بناء البيت ، وعليه اليوم بناء ، ويطلق على جميعه مع ما في داخله المقام عرفا ، وربما استعمله الفقهاء في بعض عباراتهم. وعباراتهم هنا وكذا النصوص مطلقة في كون الطواف بين البيت والمقام فهل المراد بالمقام هنا هو الصخر المذكور أم المجموع من الحائط وما فيه؟ قالوا : كل محتمل وان كان الاستعمال الشرعي في الثاني أقوى. أقول : لا ريب في ضعف الاحتمال الآخر ، فإنه متى كان المقام حقيقة انما هو الصخر المذكور فالإطلاق على البناء انما وقع مجازا بحسب العرف ، والأحكام انما تترتب على المعنى الحقيقي كما لا يخفى ، والاحتمال الآخر لا وجه له بالكلية.

الثالثة ـ المستفاد من رواية محمد بن مسلم المتقدمة ان المقام الذي هو عمود الصخر قد غير عن ما كان عليه في عهد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وان الحكم في الطواف منوط بمحله الآن.

ويدل على الثاني أيضا صحيحة إبراهيم بن ابي محمود (1) قال : «قلت للرضا (عليه‌السلام) : أصلي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام حيث

__________________

(1) الوسائل الباب 71 من الطواف.


هو الساعة أو حيث كان على عهد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله)؟ قال حيث هو الساعة».

وروى الصدوق في الصحيح عن زرارة بن أعين (1) «انه قال لأبي جعفر (عليه‌السلام) : قد أدركت الحسين (عليه‌السلام)؟ قال : نعم اذكر وانا معه في المسجد الحرام وقد دخل فيه السيل والناس يتخوفون على المقام ، يخرج الخارج فيقول : قد ذهب به السيل. ويدخل الداخل فيقول : هو مكانه. قال : فقال : يا فلان ما يصنع هؤلاء؟ فقلت : أصلحك الله (تعالى) يخافون ان يكون السيل قد ذهب بالمقام. قال : ان الله (عزوجل) قد جعله علما لم يكن ليذهب به فاستقروا. وكان موضع المقام الذي وضعه إبراهيم (عليه‌السلام) عند جدار البيت ، فلم يزل هناك حتى حوله أهل الجاهلية إلى المكان الذي هو فيه اليوم ، فلما فتح النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) مكة رده الى الموضع الذي وضعه إبراهيم ، فلم يزل هناك الى ان ولي عمر ، فسأل الناس من منكم يعرف المكان الذي كان فيه المقام؟ فقال له رجل : انا قد كنت أخذت مقداره بنسع (2) فهو عندي. فقال : ائتني به. فأتاه فقاسه ثم رده الى ذلك المكان».

أقول : ظاهر هذا الخبر لا يخلو من اشكال ، لأنه ربما يفهم من قوله (عليه‌السلام) : «ان الله (تعالى) قد جعله علما لم يكن ليذهب به» انه باعتبار جعله في هذا المكان علامة للطواف لم يكن ليذهب به.

__________________

(1) الفقيه ج 2 ص 158 ، والوافي باب (قصة هدم الكعبة وبنائها ووضع الحجر والمقام).

(2) النسع بالكسر : سير ينسج عريضا ليشد به الرحل.


وهذا هو الظاهر من كلام جملة من أصحابنا ، حيث أوردوا هذا الخبر في هذا المقام مؤكدين به لرواية محمد بن مسلم وصحيحة إبراهيم بن ابي محمود ، كما في المدارك وشرح الإرشاد للمحقق الأردبيلي (قدس‌سره). وربما يشعر بان ما فعلته الجاهلية وفعله عمر احياء لسنتهم كان أصوب من ما فعله إبراهيم (عليه‌السلام) ورسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بعده ، حيث ان الله (تعالى) جعله في هذا المكان علما. وهو مشكل. والظاهر عندي من معنى كلامه (عليه‌السلام) انما هو الإشارة إلى قوله (تعالى) : «فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ ... الآية» (1) بمعنى ان وجود هذا الحجر الذي قام عليه إبراهيم (عليه‌السلام) في البيت من آياته (عزوجل) لا باعتبار هذه المكان ، وإلا فهذا المكان حد للطواف وضع فيه الحجر أم لم يوضع ، كما في زمانه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) حسبما دلت عليه رواية محمد بن مسلم. والمراد بكونه آية من حيث تأثير قدم إبراهيم (عليه‌السلام) فيه ، فهو آية بينة وعلامة واضحة على قدرة الله (تعالى). وبهذا الوجه ايضا يصح ان يكون علما كما ذكره (عليه‌السلام). وبذلك يظهر انه لا وجه لا يراد هذه الرواية في هذا المقام. والله العالم.

الفصل الثاني

في المندوب وهو أمور :

منها : انه يستحب الوقوف عند الحجر الأسود ، وحمد الله (تعالى) والثناء عليه ، والصلاة على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، ورفع اليدين

__________________

(1) سورة آل عمران ، الآية 96.


بالدعاء ، واستلام الحجر وتقبيله ، فان لم يمكن مسح عليه بيده ، فان لم يمكن أشار اليه. والدعاء بما يأتي.

ويدل على هذه الجملة ما رواه الشيخ (قدس‌سره) في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «إذا دنوت من الحجر الأسود ، فارفع يديك ، واحمد الله (تعالى) وأثن عليه وصل على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) واسأل الله ان يتقبل منك. ثم استلم الحجر وقبله ، فان لم تستطع ان تقبله فاستلمه بيدك ، فان لم تستطع ان تستلمه بيدك فأشر اليه ، وقل : اللهم أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة ، اللهم تصديقا بكتابك وعلى سنة نبيك (صلى‌الله‌عليه‌وآله) اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله ، آمنت بالله وكفرت بالجبت والطاغوت وباللات والعزى وعبادة الشيطان وعبادة كل ند يدعى من دون الله (تعالى). فان لم تستطع ان تقول هذا كله فبعضه ، وقل : اللهم إليك بسطت يدي وفي ما عندك عظمت رغبتي فاقبل سبحتي واغفر لي وارحمني ، اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر ومواقف الخزي في الدنيا والآخرة».

قال في الكافي (2) : وفي رواية أبي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «إذا دخلت المسجد الحرام فامش حتى تدنو من الحجر الأسود فتستقبله ، وتقول : الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 101 و 102 عن الكليني ، والوسائل الباب 12 من الطواف.

(2) ج 4 ص 403 ، والتهذيب ج 5 ص 102 ، والوسائل الباب 12 من الطواف.


هدانا الله ، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، أكبر من خلقه ، وأكبر ممن أخشى واحذر ، ولا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيى ويميت ويميت ويحيى بيده الخير وهو على كل شي‌ء قدير. وتصلي على النبي وآل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وتسلم على المرسلين كما فعلت حين دخلت المسجد. ثم تقول : اللهم اني أومن بوعدك واوفي بعهدك. ثم ذكر كما ذكر معاوية». قوله : «كما فعلت حين دخلت المسجد» إشارة الى ما قدمناه في رواية أبي بصير في آخر البحث من مقدمات الطواف.

فائدة

استلام الحجر : لمسه اما بالتقبيل أو باليد أو نحو ذلك ، قال في القاموس : استلم الحجر : لمسه إما بالقبلة أو اليد. واما ما ورد في صحيحة يعقوب بن شعيب المروية في الكافي (1) ـ قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن استلام الركن. قال : استلامه ان تلصق بطنك به ، والمسح ان تمسحه بيدك». ـ فالظاهر حملها على أخص أفراده ، فإن صحيحة معاوية المذكورة قد صرحت بحصول الاستلام بالمس باليد. قال المرتضى (رضي‌الله‌عنه) : الاستلام : مس السلام بيده. وقيل انه مأخوذ من السلام ، بمعنى أنه يحيي نفسه عن الحجر ، إذ ليس الحجر ممن يحييه ، وهذا كما يقال : اختدم ، إذا لم يكن له خادم سوى نفسه. وقال في كتاب المصباح المنير : واستلأمت الحجر ، قال ابن السكيت : همزته العرب على غير قياس والأصل استلمت ، لانه من السلام وهي

__________________

(1) ج 4 ص 404 ، والوسائل الباب 15 و 22 من الطواف.


الحجارة. وقال ابن الأعرابي : الاستلام أصله مهموز من الملاءمة وهي الاجتماع. وحكى الجوهري القولين. انتهى. ونقل في التذكرة عن ثعلب انه حكى في الاستلام الهمز وفسره بأنه اتخذه جنة وسلاحا من اللامة وهي الدرع. ومن اخبار المسألة

ما رواه في الكافي (1) في الصحيح أو الحسن عن حريز عن من ذكره عن ابي جعفر (عليه‌السلام) قال : «إذا دخلت المسجد الحرام وحاذيت الحجر الأسود فقل : اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، واشهد ان محمدا عبده ورسوله ، آمنت بالله وكفرت بالجبت والطاغوت وباللات والعزى وبعبادة الشيطان وبعبادة كل ند يدعى من دون الله. ثم ادن من الحجر واستلمه بيمينك. ثم تقول : بسم الله والله أكبر اللهم أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي عندك بالموافاة».

وفي الصحيح عن يعقوب بن شعيب (2) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : ما أقول إذا استقبلت الحجر؟ فقال : كبر وصل على محمد وآله. قال : وسمعته إذا اتى الحجر يقول : الله أكبر السلام على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله».

والاخبار الدالة على استحباب استلام الحجر مع الإمكان كثيرة (3) إلا انه قد استثنى من هذا الحكم النساء فلا يستحب لهن :

__________________

(1) ج 4 ص 403 و 404 ، والوسائل الباب 12 من الطواف.

(2) الكافي ج 4 ص 407 ، والوسائل الباب 21 من الطواف.

(3) الوسائل الباب 13 و 16 من الطواف.


لما رواه في الكافي (1) عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «ليس على النساء جهر بالتلبية ، ولا استلام الحجر ، ولا دخول البيت ، ولا سعى بين الصفا والمروة ، يعني : الهرولة».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن سنان عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «انما الاستلام على الرجل وليس على النساء بمفروض».

وعن فضالة بن أيوب في الصحيح عن من حدثه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «ان الله وضع عن النساء أربعا ، وعد منها الاستلام».

وروى الصدوق (قدس‌سره) في من لا يحضره الفقيه (4) في حديث وصية النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لعلي (عليه‌السلام) قال : «يا علي ليس على النساء جمعة. الى ان قال : ولا استلام الحجر».

وبإسناده عن ابي سعيد المكاري عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (5) قال : «ان الله (تعالى) وضع عن النساء أربعا ، وعد منهن استلام الحجر الأسود».

قال (6) : وقال الصادق (عليه‌السلام): «ليس على النساء أذان. الى ان قال : ولا استلام الحجر. الحديث».

__________________

(1) ج 4 ص 405 ، والوسائل الباب 18 من الطواف.

(2) التهذيب ج 5 ص 468 و 469 ، والوسائل الباب 18 من الطواف.

(3) التهذيب ج 5 ص 93 ، والوسائل الباب 38 من الإحرام ، والباب 18 من الطواف.

(4) ج 4 ص 263 ، والوسائل الباب 18 من الطواف.

(5) الفقيه ج 2 ص 210 ، والوسائل الباب 38 من الإحرام والباب 18 من الطواف.

(6) الفقيه ج 1 ص 194 ، والوسائل الباب 18 من الطواف.


ومنها : ان يكون حال الطواف ذاكرا لله (عزوجل) داعيا سيما بالمأثور ، ماشيا على سكينة ووقار ، مقتصدا في مشيه ، وقيل يرمل في ثلاث ويمشي أربعا ومن الاخبار الواردة بذلك ما رواه في الكافي (1) في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «طف بالبيت سبعة أشواط ، وتقول في الطواف : اللهم إني أسألك باسمك الذي يمشى به على طلل الماء كما يمشى به على جدد الأرض ، وأسألك باسمك الذي يهتز له عرشك ، وأسألك باسمك الذي تهتز له أقدام ملائكتك ، وأسألك باسمك الذي دعاك به موسى من جانب الطور فاستجبت له وألقيت عليه محبة منك ، وأسألك باسمك الذي غفرت به لمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ما تقدم من ذنبه وما تأخر وأتممت عليه نعمتك ، ان تفعل بي كذا وكذا : ما أحببت من الدعاء. وكلما انتهيت الى باب الكعبة فصل على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله). وتقول في ما بين الركن اليماني والحجر الأسود (رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النّارِ) (2). وقل في الطواف : اللهم إني إليك فقير واني خائف مستجير فلا تغير جسمي ولا تبدل اسمي».

أقول : طلل الماء بالفتح اي ظهره والجمع اطلال ، وجدد الأرض بالجيم والمهملتين قيل وجهها ، وقال في كتاب مجمع البحرين : الجدد بالتحريك : المستوي من الأرض ، ومنه أسألك باسمك الذي يمشى به على طلل الماء كما يمشي به على جدد الأرض. واما قوله : «الذي غفرت به لمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ما تقدم من ذنبه وما تأخر» فهو إشارة الى الآية الواردة في

__________________

(1) ج 4 ص 406 ، والوسائل الباب 20 من الطواف.

(2) سورة البقرة الآية 200.


سورة الفتح (1) وقد ورد في تفسيرها ما رواه الصدوق (قدس‌سره) في كتاب عيون الاخبار (2) عن الرضا (عليه‌السلام): انه سأله المأمون عن هذه الآية ، فقال (عليه‌السلام) : انه لم يكن أحد عند مشركي أهل مكة أعظم ذنبا من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، لأنهم كانوا يعبدون من دون الله ثلاثمائة وستين صنما ، فلما جاءهم (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بالدعوة إلى كلمة الإخلاص كبر ذلك عليهم وعظم ، وقالوا : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً ... الى قولهم إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ) (3). فلما فتح الله على نبيه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) مكة قال له : يا محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) «إِنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ» عند مشركي أهل مكة بدعائك الى توحيد الله (تعالى) في ما تقدم وما تأخر.

وروى في الكافي (4) في الصحيح الى عبد السلام بن عبد الرحمن بن نعيم قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : دخلت الطواف فلم يفتح لي شي‌ء من الدعاء إلا الصلاة على محمد وآل محمد. وسعيت فكان ذلك. فقال : ما اعطى أحد ممن سأل أفضل من ما أعطيت». وعن عبد الله بن سنان في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (5) قال : «يستحب ان تقول بين الركن والحجر : اللهم (آتِنا فِي

__________________

(1) الرقم 2.

(2) ج 1 ص 202.

(3) سورة (ص) الآية 5 و 6 و 7.

(4) ج 4 ص 407 ، والوسائل الباب 21 من الطواف.

(5) الكافي ج 4 ص 408 ، والوسائل الباب 20 من الطواف.


الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النّارِ) (1). وقال : ان ملكا يقول : آمين».

وعن أيوب أخي أديم عن الشيخ يعني : موسى بن جعفر (عليه‌السلام) (2) قال : قال لي : «كان ابي إذا استقبل الميزاب قال : اللهم أعتق رقبتي من النار ، وأوسع علي من رزقك الحلال ، وادرأ عني شر فسقة الجن والانس ، وأدخلني الجنة برحمتك».

وعن ابي مريم (3) قال : «كنت مع ابي جعفر (عليه‌السلام) أطوف فكان لا يمر في طواف من طوافه بالركن اليماني إلا استلمه ثم يقول : اللهم تب علي حتى أتوب ، واعصمني حتى لا أعود».

وعن عمرو بن عاصم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «كان علي بن الحسين (عليه‌السلام) إذا بلغ الحجر قبل ان يبلغ الميزاب يرفع رأسه ثم يقول : اللهم أدخلني الجنة برحمتك ـ وهو ينظر الى الميزاب ـ وأجرني برحمتك من النار ، وعافني من السقم. وأوسع علي من الرزق الحلال ، وادرأ عني شر فسقة الجن والانس وشر فسقة العرب والعجم».

وعن عمر بن أذينة في الصحيح (5) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول لما انتهى الى ظهر الكعبة حين يجوز الحجر : يا ذا المن والطول والجود والكرم ان عملي ضعيف فضاعفه لي وتقبله مني انك أنت السميع العليم».

__________________

(1) اقتباس من الآية 200 في سورة البقرة.

(2 و 4 و 5) الكافي ج 4 ص 407 ، والوسائل الباب 20 من الطواف.

(3) الكافي ج 4 ص 409 ، والوسائل الباب 20 من الطواف.


وروى في كتاب عيون اخبار الرضا (عليه‌السلام) (1) بسنده عن سعد بن سعد عن ابي الحسن الرضا (عليه‌السلام) قال : «كنت معه في الطواف فلما صرنا بحذاء الركن اليماني أقام (عليه‌السلام) فرفع يديه ثم قال : يا الله يا ولي العافية وخالق العافية ورازق العافية والمنعم بالعافية والمنان بالعافية والمتفضل بالعافية علي وعلى جميع خلقك ، يا رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما ، صل على محمد وآل محمد وارزقنا العافية ودوام العافية وتمام العافية وشكر العافية في الدنيا والآخرة ، يا ارحم الراحمين».

وروى الشيخ عن محمد بن فضيل عن ابي جعفر الثاني (عليه‌السلام) (2) قال : «وطواف الفريضة لا ينبغي ان يتكلم فيه إلا بالدعاء وذكر الله وقراءة القرآن. قال : والنافلة يلقى الرجل أخاه فيسلم عليه ويحدثه بالشي‌ء من أمر الآخرة والدنيا لا بأس به».

ومقتضى هذه الرواية عدم كراهة الكلام في طواف النافلة بالمباح.

وروى الشيخ (قدس‌سره) في الصحيح عن علي بن يقطين (3) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الكلام في الطواف ، وإنشاد الشعر ، والضحك ، في الفريضة أو غير الفريضة ، أيستقيم ذلك؟ قال : لا بأس به. والشعر ما كان لا بأس به منه». وهو محمول على الجواز وان كره في الفريضة.

وروى في الكافي (4) في الصحيح أو الحسن عن حماد بن عيسى عن من

__________________

(1) ج 2 ص 16 ، والوسائل الباب 20 من الطواف.

(2 و 3) التهذيب ج 5 ص 127 ، والوسائل الباب 54 من الطواف.

(4) ج 4 ص 412 ، والوسائل الباب 5 من الطواف.


أخبره عن العبد الصالح (عليه‌السلام) قال : «دخلت عليه وانا أريد أن أسأله عن مسائل كثيرة. الى ان قال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : ما من طائف يطوف بهذا البيت حين تزول الشمس حاسرا عن رأسه ، حافيا ، يقارب بين خطاه ، ويغض بصره ، ويستلم الحجر في كل طواف ، من غير ان يؤذي أحدا ، ولا يقطع ذكر الله (عزوجل) عن لسانه ، إلا كتب الله (عزوجل) له بكل خطوة سبعين ألف حسنة ، ومحا عنه سبعين ألف سيئة ، ورفع له سبعين ألف درجة ، وأعتق عنه سبعين ألف رقبة ، ثمن كل رقبة عشرة آلاف درهم ، وشفع في سبعين من أهل بيته ، وقضيت له سبعون ألف حاجة ان شاء فعاجلة ، وان شاء فآجلة».

واما الاقتصاد في المشي ـ وهو التوسط بين الإسراع والبطء ، من غير فرق بين اوله وآخره ، ولا بين طواف القدوم وغيره ، وهو قول أكثر الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) ـ

فيدل عليه ما رواه الشيخ (قدس‌سره) عن عبد الرحمن ابن سيابة (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الطواف فقلت : أسرع وأكثر أو أمشي وأبطئ؟ قال : مشي بين المشيين».

وروى الصدوق عن سعيد الأعرج (2) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المسرع والمبطئ في الطواف. فقال : كل واسع ما لم يؤذ أحدا».

واما القول بالرمل في الثلاثة الأول والمشي في الأربعة الباقية فهو

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 109. والوسائل الباب 29 من الطواف.

(2) الفقيه ج 2 ص 255 ، والوسائل الباب 29 من الطواف.


منسوب الى الشيخ (قدس‌سره) في المبسوط وتبعه المتأخرون عنه ، لكنه قيده بطواف القدوم ، والمنقول في كلامهم الإطلاق. وهو غير جيد.

قال في المدارك : ولم أقف على رواية تدل عليه من طريق الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم). نعم قال العلامة في المنتهى : ان العامة كافة متفقون على استحباب ذلك (1) ورووا ان السبب فيه انه لما قدم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) مكة فقال المشركون : انه يقدم عليكم قوم نهكتهم الحمى ولقوا منها شرا. فأمرهم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان يرملوا الأشواط الثلاثة وان يمشوا بين الركنين ، فلما رأوهم قالوا : ما نراهم إلا كالغزلان (2). ولا ريب في ضعف هذا القول ، لعدم ثبوت هذا النقل ، ولو ثبت لما كان فيه دلالة على الاستحباب مطلقا. انتهى.

أقول : اما قوله ـ : انه لم يقف على رواية تدل عليه ـ فهو ظاهر ، حيث ان نظرهم مقصور على مراجعة الكتب الأربعة المشهورة ، وإلا فالرواية بذلك موجودة :

كما رواه الصدوق في كتاب علل الشرائع والأحكام (3) عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن احمد بن ابي عبد الله عن ابن فضال عن ثعلبة عن زرارة أو محمد الطيار قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن الطواف ، أيرمل فيه الرجل؟ فقال : ان رسول الله (صلى الله عليه

__________________

(1) المغني ج 3 ص 336 طبع مطبعة العاصمة.

(2) تيسير الوصول ج 1 ص 276 و 277 طبع مطبعة الحلبي سنة 1352 ، والمغني ج 3 ص 336 و 337 طبع مطبعة العاصمة.

(3) ص 412 طبع النجف الأشرف ، والوسائل الباب 29 من الطواف.


وآله) لما ان قدم مكة ـ وكان بينه وبين المشركين الكتاب الذي قد علمتم ـ أمر الناس ان يتجلدوا ، وقال : أخرجوا أعضادكم. واخرج رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عضديه ثم رمل بالبيت ليريهم انهم لم يصبهم جهد ، فمن أجل ذلك يرمل الناس ، واني لا مشي مشيا ، وقد كان علي بن الحسين (عليه‌السلام) يمشي مشيا».

وبهذا الاسناد عن ثعلبة عن يعقوب الأحمر (1) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : لما كان غزاة الحديبية وادع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أهل مكة ثلاث سنين ثم دخل فقضى نسكه ، فمر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بنفر من أصحابه جلوس في فناء الكعبة فقال : هو ذا قومكم على رؤوس الجبال لا يرونكم فيروا فيكم ضعفا قال : فقاموا فشدوا أزرهم وشدوا أيديهم على أوساطهم ثم رملوا».

واما قوله (قدس‌سره) ـ : ولو ثبت لما كان فيه دلالة على الاستحباب مطلقا ـ فهو جيد ، لان ما ذكرناه من الروايتين انما تدلان على كونه في خصوص ذلك اليوم لإظهار التجلد والقوة لمشركي قريش. والمفهوم من الخبر الأول ان العامة اتخذوا ذلك سنة على الإطلاق بسبب هذه القضية ، وانهم (عليهم‌السلام) كانوا يمشون مشيا. وهو ظاهر في فصر الرمل على ذلك اليوم للغرض المشار اليه. ولا تخصيص فيه بالثلاثة الأول. فما ذكره الشيخ (قدس‌سره) ومن تبعه من الأصحاب ـ من الاستحباب مطلقا أو في طواف القدوم ـ لا مستند له.

__________________

(1) العلل ص 412 طبع النجف الأشرف ، والوسائل الباب 29 من الطواف.


ويؤكد ذلك وان دل على تخصيص الرمل بالثلاثة ما رواه احمد ابن محمد بن عيسى في نوادره عن أبيه (1) قال : «سئل ابن عباس فقيل له : ان قوما يروون ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أمر بالرمل حول الكعبة؟ فقال : كذبوا وصدقوا. فقلت : وكيف ذلك؟ فقال : ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) دخل مكة في عمرة القضاء وأهلها مشركون ، فبلغهم ان أصحاب محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) مجهودون فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : رحم الله امرأ أراهم من نفسه جلدا ، فأمرهم فحسروا عن أعضادهم ورملوا بالبيت ثلاثة أشواط ، ورسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) على ناقته وعبد الله بن رواحة آخذ بزمامها ، والمشركون بحيال الميزاب ينظرون إليهم. ثم حج رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بعد ذلك فلم يرمل ولم يأمرهم بذلك. فصدقوا في ذلك وكذبوا في هذا».

وعن أبيه عن جده عن أبيه (2) قال : «رأيت علي بن الحسين (عليه‌السلام) يمشي ولا يرمل».

أقول : وبذلك ظهر ان الرمل له أصل بسبب هذه القضية ، وان العامة اتخذوا ذلك سنة لذلك ، والأمر عند أئمتنا (صلوات الله عليهم) ليس كذلك.

والرمل لغة : الهرولة على ما ذكره في القاموس ، ورملت رملا من باب طلب : هرولت ، والهرولة إسراع في المشي مع تقارب الخطى. وعرفه الشهيد (قدس‌سره) في الدروس بأنه الإسراع في المشي مع تقارب الخطى دون الوثوب والعدو ، ويسمى الخبب. أقول : الظاهر

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 29 من الطواف.


ان قوله : «ويسمى الخبب» راجع الى الوثوب والعدو ، فلا يتوهم رجوعه الى الرمل. قال في المصباح المنير : وخب في الأمر خببا من باب طلب : أسرع الأخذ فيه. ومنه الخبب لضرب من العدو ، وهو خطو فسيح دون العنق.

ومن ما يدل على جواز الركوب اختيارا ما رواه في الكافي (1) في الحسن عن عبد الله بن يحيى الكاهلي قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : طاف رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) على ناقته العضباء وجعل يستلم الأركان بمحجنه ويقبل المحجن».

وما رواه في من لا يحضره الفقيه (2) في الصحيح عن محمد بن مسلم قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول : حدثني ابي ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) طاف على راحلته واستلم الحجر بمحجنه وسعى عليها بين الصفا والمروة». قال (3) : وفي خبر آخر : «انه كان يقبل الحجر بالمحجن». ونحوه في رواية ابن عباس المذكورة.

ومنها : ان يلتزم المستجار في الشوط السابع ويبسط يديه على حائطه ويلصق به بطنه وخده ويدعو بالمأثور.

ويدل عليه ما رواه الشيخ (قدس‌سره) في التهذيب (4) في الموثق عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) في حديث قال فيه : «فإذا انتهيت إلى مؤخر الكعبة ـ وهو المستجار دون الركن

__________________

(1) ج 4 ص 429 ، والوسائل الباب 81 من الطواف.

(2 و 3) ج 2 ص 251 ، والوسائل الباب 81 من الطواف.

(4) ج 5 ص 104 ، والوسائل الباب 26 من الطواف.


اليماني بقليل ـ في الشوط السابع ، فابسط يديك على الأرض ، وألصق خدك وبطنك بالبيت ، ثم قل : اللهم البيت بيتك والعبد عبدك وهذا مكان العائذ بك من النار. ثم أقر لربك بما عملت من الذنوب ، فإنه ليس من عبد مؤمن يقر لربه بذنوبه في هذا المكان إلا غفر له ان شاء الله (تعالى) ، فإن أبا عبد الله (عليه‌السلام) قال لغلمانه : أميطوا عني حتى أقر لربي بما عملت. ويقول : اللهم من قبلك الروح والفرج والعافية ، اللهم ان عملي ضعيف فضاعفه اللهم لي ، واغفر لي ما اطلعت عليه مني وخفي على خلقك. وتستجير بالله من النار وتختار لنفسك من الدعاء. ثم استقبل الركن اليماني والركن الذي فيه الحجر الأسود واختم به ، فان لم تستطع فلا يضرك. وتقول : اللهم متعني بما رزقتني وبارك لي فيما آتيتني. ثم تأتي مقام إبراهيم (عليه‌السلام). الحديث». وقد تقدم.

وما رواه في الكافي (1) في الصحيح عن عبد الله بن سنان قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : إذا كنت في الطواف السابع فات المتعوذ ـ وهو إذا قمت في دبر الكعبة حذاء الباب ـ فقل : اللهم البيت بيتك والعبد عبدك ، وهذا مقام العائذ بك من النار ، اللهم من قبلك الروح والفرج. ثم استلم الركن اليماني ، ثم ائت الحجر فاختم به».

ولو نسي الالتزام حتى تجاوز المستجار الى الركن لم يرجع ، لما رواه الشيخ (قدس‌سره) في الصحيح عن علي بن يقطين عن ابي الحسن

__________________

(1) ج 4 ص 410 ، والوسائل الباب 26 من الطواف.


(عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن من نسي أن يلتزم في آخر طوافه حتى جاز الركن اليماني ، أيصلح ان يلتزم بين الركن اليماني وبين الحجر ، أو يدع ذلك؟ قال : يترك اللزوم ويمضي. الحديث».

وأطلق المحقق في النافع والعلامة في القواعد الرجوع والالتزام إذا جاوز المستجار ، وبعضهم قيده بعدم بلوغ الركن. واستحب في الدروس الرجوع ما لم يبلغ الركن. قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه : وهو حسن.

أقول : لا يخفى ان ظاهر الخبر المذكور ان السؤال فيه انما تعلق بالالتزام بين الركن اليماني وبين الحجر بعد نسيانه الالتزام في محله ، فأجاب (عليه‌السلام) بأنه لا يلتزم في هذا المكان ، لفوات محل الالتزام المأمور به ، ومجرد سؤال السائل عن نسيان الالتزام حتى جاوز المستجار لا يدل على انه بعد تجاوز المستجار يرجع ، إذ هذا انما وقع في كلام السائل ، والغرض من سؤاله انما هو ما ذكرنا لا السؤال عن جواز الرجوع وعدمه. وبالجملة فإن القول بالرجوع مطلقا لا دليل عليه ، مع استلزامه الزيادة في الطواف. والقول بالرجوع ما لم يبلغ الركن لا يفهم من الرواية صريحا ولا ظاهرا وان أوهمه بادئ النظر في الخبر.

ومنها : ان يلتزم الأركان كلها وان تأكد الذي فيه الحجر والركن اليماني على المشهور ، بل أسنده العلامة (قدس‌سره) في المنتهى الى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه. وأوجب سلار استلام اليماني. ومنع ابن الجنيد من استلام الشامي.

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 108 ، والوسائل الباب 27 من الطواف.


والأظهر القول المشهور ، ويدل عليه ما رواه الشيخ في التهذيب (1) في الصحيح عن إبراهيم بن ابي محمود قال : «قلت للرضا (عليه‌السلام): استلم اليماني والشامي والغربي؟ قال : نعم».

وعن جميل بن صالح في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «كنت أطوف بالبيت فإذا رجل يقول : ما بال هذين الركنين يستلمان ولا يستلم هذان؟ فقلت : ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) استلم هذين ولم يعرض لهذين ، فلا تعرض لهما إذ لم يعرض لهما رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله). قال جميل : ورأيت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يستلم الأركان كلها».

قال في الاستبصار : يعني : ليس في استلامهما من الفضل والترغيب في الثواب ما في استلام الركن العراقي واليماني ، لا ان استلامهما محظور أو مكروه. ولأجل ما قلناه حكى جميل انه رأى أبا عبد الله (عليه‌السلام) يستلم الأركان كلها ، فلو لم يكن جائزا لما فعله (عليه‌السلام). انتهى. وهو جيد.

ومن الاخبار الدالة على تأكد الاستلام في الركن اليماني ما رواه في الكافي (3) عن العلاء بن المقعد قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : ان ملكا موكلا بالركن اليماني منذ خلق الله السماوات والأرضين ليس له هجير إلا التأمين على دعائكم ، فلينظر عبد بما يدعو.

__________________

(1) ج 5 ص 106 ، والوسائل الباب 25 من الطواف.

(2) التهذيب ج 5 ص 106 ، والوسائل الباب 22 من الطواف.

(3) ج 4 ص 408 ، والوسائل الباب 23 من الطواف.


فقلت له : ما الهجير؟ فقال : كلام من كلام العرب ، اي ليس له عمل».

أقول : الهجير في اللغة ـ كسجيل ـ : الدأب والعادة والديدن وهو موافق لتفسيره (عليه‌السلام).

وعن معاوية بن عمار في الصحيح أو الحسن عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «الركن اليماني باب من أبواب الجنة لم يغلقه الله (تعالى) منذ فتحه».

وروى في الفقيه (2) قال : «وقال الصادق (عليه‌السلام): الركن اليماني بابنا الذي ندخل منه الجنة. وقال (عليه‌السلام): فيه باب من أبواب الجنة لم يغلق منذ فتح».

وعن ابي الفرج السندي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «كنت أطوف معه بالبيت ، فقال : اي هذا أعظم حرمة؟ فقلت : جعلت فداك أنت اعلم بهذا مني. فأعاد علي ، فقلت له : داخل البيت. فقال : الركن اليماني على باب من أبواب الجنة مفتوح لشيعة آل محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) مسدود عن غيرهم ، وما من مؤمن يدعو بدعاء عنده إلا صعد دعاؤه حتى يلصق بالعرش ما بينه وبين الله (تعالى) حجاب».

تتمة مهمة

يجب ان يعلم ان من لوازم الطواف صلاة ركعتين وجوبا ان كان

__________________

(1) الكافي ج 4 ص 409 ، والوسائل الباب 23 من الطواف.

(2) ج 2 ص 134 ، والوسائل الباب 22 من الطواف.

(3) الكافي ج 4 ص 409 ، والوسائل الباب 23 من الطواف.


واجبا واستحبابا ان كان مستحبا ، وهو المعروف من مذهب الأصحاب (رضوان الله عليهم).

إلا ان الشيخ نقل في الخلاف عن بعض أصحابنا القول باستحبابهما في الطواف الواجب.

وهو ضعيف مردود بالآية والروايات ، لقوله (عزوجل) (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) (1). والأمر للوجوب ـ بلا خلاف ـ في القرآن العزيز إلا مع قيام قرينة خلافه ، وانما الخلاف في أوامر السنة.

ولما رواه الشيخ (قدس‌سره) في الصحيح عن معاوية بن عمار (2) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : إذا فرغت من طوافك فأت مقام إبراهيم (عليه‌السلام) فصل ركعتين واجعله امامك ، واقرأ في الأولى منهما سورة التوحيد : «قل هو الله أحد» وفي الثانية «قل يا ايها الكافرون» ثم تشهد واحمد الله (تعالى) وأثن عليه ، وصل على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) واسأله ان يتقبل منك. وهاتان الركعتان هما الفريضة ، ليس يكره لك ان تصليهما في أي الساعات شئت عند طلوع الشمس وعند غروبها ، ولا تؤخرهما ساعة تطوف وتفرغ فصلهما».

وروى الشيخ (قدس‌سره) في الموثق عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) في حديث قال : «ثم تأتي مقام إبراهيم (عليه‌السلام) فتصلي ركعتين واجعله اماما. واقرأ فيهما

__________________

(1) سورة البقرة ، الآية 125.

(2) التهذيب ج 5 ص 136 ، والوسائل الباب 71 و 76 من الطواف. والشيخ يرويه عن الكليني.

(3) التهذيب ج 5 ص 104 و 105 ، والوسائل الباب 71 من الطواف.


بسورة التوحيد : «قل هو الله أحد» وفي الركعة الثانية «قل يا ايها الكافرون» ثم تشهد واحمد الله (تعالى) وأثن عليه».

وروى في الكافي (1) في الصحيح أو الحسن عن محمد بن مسلم قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن رجل طاف طواف الفريضة وفرغ من طوافه حين غربت الشمس. قال : وجبت عليه تلك الساعة الركعتان فليصلهما قبل المغرب».

وروى في التهذيب (2) عن منصور بن حازم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته عن ركعتي طواف الفريضة. قال : لا تؤخرهما ساعة إذا طفت فصل».

الى غير ذلك من الاخبار الآتية في المقام ان شاء الله (تعالى).

وتنقيح البحث في هذا المقام يتوقف على بيان أمور الأول ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان محل ركعتي طواف الفريضة خلف المقام ولا يجوز في غيره ، وركعتي طواف النافلة حيث شاء من المسجد. وقال الشيخ (قدس‌سره) في الخلاف : يستحب ان يصلي الركعتين خلف المقام ، فان لم يفعل وفعل في غيره أجزأه. كذا نقل عنه في المختلف ونقل عنه في المدارك ، قال : وقال الشيخ (قدس‌سره) في الخلاف : يستحب فعلهما خلف المقام فان لم يفعل وفعل في غيره أجزأ. وهو اما نقل بالمعنى أو في موضع آخر غير ما نقله العلامة (قدس‌سره). ونقل في المختلف عن الشيخ علي بن بابويه انه قال : لا يجوز ان تصلي ركعتي طواف الحج والعمرة إلا خلف المقام حيث هو الساعة ، ولا بأس ان

__________________

(1) ج 4 ص 423 ، والوسائل الباب 76 من الطواف.

(2) ج 5 ص 141 ، والوسائل الباب 76 من الطواف.


تصلي ركعتي طواف النساء وغيره حيث شئت من المسجد الحرام. قال : وكذا جوز ابنه في المقنع صلاة ركعتي طواف النساء في جميع المسجد الحرام. ونقل عن ابي الصلاح انه قال : يجب على كل من طاف بالبيت بعد فراغه من أسبوعه ان يصلي ركعتين عند مقام إبراهيم (عليه‌السلام) ويجوز تأديتهما في غير المقام من المسجد الحرام.

ويدل على المشهور صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة ، ومثلها موثقته المذكورة أيضا.

وما رواه الشيخ (قدس‌سره) في التهذيب (1) في الصحيح عن صفوان عن من حدثه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «ليس لأحد ان يصلي ركعتي طواف الفريضة إلا خلف المقام ، لقول الله (عزوجل) (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) (2) فان صليتهما في غيره فعليك إعادة الصلاة».

وعن ابي عبد الله الأبزاري (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل نسي فصلى ركعتي طواف الفريضة في الحجر. قال يعيدهما خلف المقام ، لان الله (تعالى) يقول (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) (4) يعني بذلك : ركعتي طواف الفريضة».

وما رواه في الكافي في الصحيح عن إبراهيم بن ابي محمود ، وقد تقدمت قريبا (5).

__________________

(1) ج 5 ص 137 و 285 ، والوسائل الباب 72 من الطواف.

(2 و 4) سورة البقرة ، الآية 125.

(3) التهذيب ج 5 ص 138 ، والوسائل الباب 72 من الطواف.

(5) ص 114 و 115.


وهذه الروايات دالة بإطلاقها على وجوب صلاة الركعتين عند المقام في كل طواف واجب لحج كان أو عمرة أو طواف النساء.

والظاهر ان ما نقل عن الصدوقين (قدس‌سرهما) من استثناء طواف النساء فمستنده كتاب الفقه الرضوي ، حيث قال (عليه‌السلام) (1) : ـ بعد ذكر المواضع التي يستحب الصلاة فيها وترتيبها في الفضل ـ ما صورته : وما قرب من البيت فهو أفضل ، إلا انه لا يجوز ان تصلي ركعتي طواف الحج والعمرة إلا خلف المقام حيث هو الساعة. ولا بأس ان تصلي ركعتي طواف النساء وغيره حيث شئت من المسجد الحرام. وحينئذ فيمكن تخصيص إطلاق تلك الروايات بهذه الرواية ، إلا ان الأحوط الوقوف على إطلاق تلك الاخبار.

واما ما ذكره أبو الصلاح فلم أقف له على مستند ، مع ظهور الأخبار المذكورة في رده.

واما ما يدل على ان صلاة طواف النافلة حيث شاء من المسجد فهو ما رواه ثقة الإسلام في الكافي (2) عن زرارة عن أحدهما (عليهما‌السلام) قال : «لا ينبغي ان تصلي ركعتي طواف الفريضة إلا عند مقام إبراهيم (عليه‌السلام) واما التطوع فحيث شئت من المسجد».

وعن إسحاق بن عمار في الموثق عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «كان ابي (عليه‌السلام) يقول : من طاف بهذا البيت أسبوعا وصلى ركعتين في أي جوانب المسجد شاء كتب الله له ستة آلاف حسنة ..».

__________________

(1) ص 28.

(2) ج 4 ص 425 ، والوسائل الباب 73 من الطواف.

(3) الكافي ج 4 ص 411 و 412 ، والوسائل الباب 4 و 73 من الطواف.


وعن ابي بلال المكي (1) قال : «رأيت أبا عبد الله (عليه‌السلام) طاف بالبيت ثم صلى ما بين الباب والحجر الأسود ركعتين ، فقلت له : ما رأيت أحدا منكم صلى في هذا الموضع. فقال : هذا المكان الذي تيب على آدم فيه».

وروى في كتاب قرب الاسناد عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (2) قال : «سألته عن الرجل يطوف بعد الفجر فيصلي الركعتين خارجا من المسجد. قال : يصلي بمكة لا يخرج منها ، إلا ان ينسى فيصلي إذا رجع في المسجد أي ساعة أحب ركعتي ذلك الطواف». ورواه علي بن جعفر في كتابه مثله (3).

الثاني ـ المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه يصلي ركعتي الطواف الواجب في المقام ، ولو منعه زحام أو غيره صلى خلفه أو الى أحد جانبيه. وهذا الكلام بحسب ظاهره لا يخلو من الاشكال ولم أر من تنبه له ونبه عليه إلا شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ، حيث قال : الأصل في المقام انه العمود من الصخر الذي كان إبراهيم (عليه‌السلام) يقف عليه حين بنائه البيت ، واثر قدميه فيه الى الآن. (4) ثم بعد ذلك بنوا حوله بناء ، وأطلقوا اسم المقام على ذلك البناء بسبب المجاورة حتى صار إطلاقه على البناء كأنه حقيقة عرفية. إذا تقرر ذلك فنقول : قد عرفت ان المقام بالمعنى الأول لا يصلح ظرفا مكانيا للصلاة على جهة الحقيقة ، لعدم إمكان الصلاة فيه وانما تصلح خلفه أو الى أحد جانبيه. واما المقام بالمعنى الثاني فيمكن الصلاة فيه

__________________

(1) الوسائل الباب 53 من أحكام المساجد ، والباب 73 من الطواف.

(2 و 3) الوسائل الباب 73 من الطواف.

(4) لاحظ الاستدراكات.


وفي أحد جانبيه وخلفه ، فقول المصنف : «يجب ان يصلى في المقام» ان أراد به المعنى الأول أشكل من جهة جعله ظرفا مكانيا ، ومن جهة قوله : «ولا يجوز في غيره» فإن الصلاة خلفه أو عن أحد جانبيه جائزة بل معينة. ومن جهة قوله : «فان منعه زحام صلى وراءه أو الى أحد جانبيه» فإن الصلاة في هذين جائزة مع الزحام وغيره. ولو حملت الصلاة فيه على الصلاة حوله مجازا تسمية له باسمه بسبب المجاورة كان المقصود بالذات من الكلام الصلاة خلفه أو الى أحد الجانبين مع الاختيار ، فيشكل شرطه بعد ذلك جواز الصلاة فيهما بالاضطرار. اللهم إلا ان يتكلف لقوله : «خلفه أو الى أحد جانبيه» بما زاد عن ما حوله من ما يقاربه عرفا ، وتصح الصلاة إليه اختيارا ، بان يجعل ذلك كله عبارة عن المقام مجازا ، وما خرج عن ذلك من المسجد الذي يناسب الخلف أو أحد الجانبين يكون محلا للصلاة مع الاضطرار والزحام. إلا ان هذا معنى بعيد وتكلف زائد. وان أراد المقام بالمعنى الثاني وهو البناء المحيط بالصخرة المخصوصة صح قوله : «ان يصلى في المقام» ولكن يشكل بالأمرين الآخرين ، فإن الصلاة في غيره أيضا جائزة اختيارا ، وهو ما جاوره من أحد جانبيه وخلفه من ما لا يخرج عن قرب الصخرة عرفا ، ولا يشترط فيه الزحام بل هو الواقع لجميع الناس في أكثر الاعصر. وفي إرادة البناء فساد آخر ، وهو ان المقام كيف أطلق يجب كون الصلاة خلفه أو عن أحد جانبيه ، ومتى أطلق على البناء وفرضت الصلاة الى أحد جانبيه صح من غير اعتبار ان يكون عن جانب الصخرة. وهذا لا يصح ، لان المعتبر في ذلك انما هو بالصخرة لا بالبناء ، فإنه هو مقام إبراهيم (عليه‌السلام) وموضع الشرف وموضع إطلاق الشارع. وايضا قوله


«حيث هو الآن» احتراز عن محله قديما كما تقدم ، والمقام المنقول هو الصخرة لا البناء كما لا يخفى. وهذا الإجمال أو القصور في المعنى مشترك بين أكثر عبارات الأصحاب (رضوان الله عليهم) وان تفاوتت في ذلك. ولقد كان الاولى ان يقول : يجب ان يصلى خلف المقام أو الى أحد جانبيه ، فان منعه زحام جاز التباعد عنه مع مراعاة الجانبين والوراء. انتهى كلامه (زيد مقامه). وهو جيد. وانما نقلناه بطوله لحسنه وجودة محصوله.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان المستفاد من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) هو تخصيص الصلاة الى أحد الجانبين بالزحام ، وخيروا بينه وبين الخلف كما تقدم نقله عنهم. وظاهر كلام الشيخ (قدس‌سره) ـ على ما نقله في المنتهى ـ ترتب الصلاة في أحد الجانبين على عدم الإمكان خلفه. والمروي في الاخبار الكثيرة ـ كما تقدم شطر منها ـ هو الصلاة خلفه ، سيما مرسلة صفوان المتقدمة (1) وقوله (عليه‌السلام) فيها : «ليس لأحد ان يصلي ركعتي طواف الفريضة إلا خلف المقام». وفي جملة من الاخبار الصلاة عند المقام ، والظاهر حمل إطلاقها على ما ذكر في غيرها من الخلف. وفيها إشارة إلى القرب وعدم التباعد بحيث تصدق العندية بذلك.

ولم أقف على رواية تدل على أحد الجانبين إلا ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحسين بن عثمان (2) قال : «رأيت أبا الحسن موسى (عليه‌السلام) يصلي ركعتي طواف الفريضة بحيال المقام قريبا

__________________

(1) ص 136.

(2) الوسائل الباب 75 من الطواف.


من ظلال المسجد». ورواه الشيخ (قدس‌سره) في التهذيب (1) بسند فيه احمد بن هلال المذموم. وزاد في آخر الخبر : «لكثرة الناس».

وهو على رواية الشيخ (قدس‌سره) ظاهر الدلالة على ما هو المذكور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) من التخصيص بالضرورة ، وعلى تقدير رواية الكافي ينبغي تقييده بذلك أيضا للأخبار الكثيرة الدالة على التخصيص بخلف المقام ، ولا سيما مرسلة صفوان المذكورة.

الثالث ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) بأنه لو نسي ركعتي الطواف وجب عليه الرجوع ، إلا ان يشق عليه فيقضيهما حيث ذكر. وفي الدروس بعد تعذر الرجوع الى المقام فحيث شاء من الحرم ، فان تعذر فحيث أمكن من البقاع. ونقل عن المبسوط وجوب الاستنابة ، قال : وتبعه الفاضل.

والذي وقفت عليه من الاخبار في هذه المسألة ما رواه في الكافي عن ابي الصباح الكناني (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل نسي ان يصلي الركعتين عند مقام إبراهيم (عليه‌السلام) في طواف الحج والعمرة. فقال : ان كان بالبلد صلى ركعتين عند مقام إبراهيم (عليه‌السلام) ، فان الله (عزوجل) يقول (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) (3) وان كان قد ارتحل فلا آمره ان يرجع».

وما رواه في التهذيب في الصحيح عن علي بن رئاب عن ابي بصير (4) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل نسي ان يصلي

__________________

(1) ج 5 ص 140 ، والوسائل الباب 75 من الطواف.

(2 و 4) الوسائل الباب 74 من الطواف.

(3) سورة البقرة ، الآية 125.


ركعتي طواف الفريضة خلف المقام ـ وقد قال الله (تعالى) (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) (1) ـ حتى ارتحل. فقال : ان كان ارتحل فاني لا أشق عليه ولا آمره ان يرجع ولكن يصلي حيث يذكر».

وما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن معاوية بن عمار (2) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : رجل نسي الركعتين خلف مقام إبراهيم (عليه‌السلام) فلم يذكر حتى ارتحل من مكة. قال : فليصلهما حيث ذكر ، وان ذكرهما وهو بالبلد فلا يبرح حتى يقضيهما».

قال في الفقيه (3) : وفي رواية عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام): «ان كان قد مضى قليلا فليرجع فليصلهما أو يأمر بعض الناس فليصلهما عنه». وطريقه الى عمر المذكور صحيح (4).

وما رواه في الكافي والتهذيب عن عبيد بن زرارة في الموثق عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (5) «في رجل طاف طواف الفريضة ولم يصل الركعتين حتى طاف بين الصفا والمروة ، ثم طاف طواف النساء ولم يصل الركعتين ، حتى ذكر بالأبطح ، فصلى اربع ركعات؟ قال : يرجع فيصلي عند المقام أربعا».

__________________

(1) سورة البقرة ، الآية 125.

(2) الوسائل الباب 74 من الطواف.

(3) ج 2 ص 254 ، والوسائل الباب 74 من الطواف.

(4) جامع الرواة ج 2 ص 538 ، وشرح مشيخة الفقيه ص 8.

(5) الكافي ج 4 ص 425 ، والتهذيب ج 5 ص 138 ، والوسائل الباب 74 من الطواف الرقم 6 و 7.


وما رواه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (1) قال : «سئل عن رجل طاف طواف الفريضة ولم يصل الركعتين حتى طاف بين الصفا والمروة ، وطاف بعد ذلك طواف النساء ولم يصل ايضا لذلك الطواف ، حتى ذكر وهو بالأبطح. قال : يرجع الى مقام إبراهيم (عليه‌السلام) فيصلي».

وما رواه في التهذيب (2) عن احمد بن عمر الحلال في الصحيح قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن رجل نسي ان يصلي ركعتي طواف الفريضة فلم يذكر حتى اتى منى. قال : يرجع الى مقام إبراهيم (عليه‌السلام) فيصليهما».

ورواه في الفقيه (3) بسنده عن احمد بن عمر مثله ، ثم قال : وقد رويت رخصة في ان يصليهما بمنى ، رواها ابن مسكان عن عمر بن البراءة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) ..

وما رواه في الكافي (4) عن هشام بن المثنى وحنان قالا : «طفنا بالبيت طواف النساء ونسينا الركعتين ، فلما صرنا بمنى ذكرناهما ، فأتينا أبا عبد الله (عليه‌السلام) فسألناه ، فقال : صلياهما بمنى».

وعن هشام بن المثنى (5) قال : «نسيت ركعتي الطواف خلف مقام

__________________

(1) الكافي ج 4 ص 426 ، والتهذيب ج 5 ص 138 ، والوسائل الباب 74 من الطواف.

(2) ج 5 ص 140 ، والوسائل الباب 74 من الطواف.

(3) ج 2 ص 254 ، والوسائل الباب 74 من الطواف.

(4) ج 4 ص 426 ، والوسائل الباب 74 من الطواف.

(5) الكافي ج 4 ص 426 ، والوسائل الباب 74 من الطواف.


إبراهيم (عليه‌السلام) حتى انتهيت إلى منى ، فرجعت الى مكة فصليتهما ، فذكرنا ذلك لأبي عبد الله (عليه‌السلام) فقال : ألا صلاهما حيث ذكر». أقول : الظاهر ان قوله : «فذكرنا ذلك.» من كلام ابن ابي عمير ، وهو الراوي عن هشام المذكور. ورواه في التهذيب (1) ايضا عن هشام بن المثنى مثله.

وروى في التهذيب (2) في الموثق عن حنان بن سدير قال : «زرت فنسيت ركعتي الطواف ، فأتيت أبا عبد الله (عليه‌السلام) ـ وهو بقرن الثعالب ـ فسألته ، فقال : صل في مكانك». أقول : قرن الثعالب هو قرن المنازل الذي هو ميقات أهل الطائف.

وعن عمر بن يزيد في الموثق عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) «انه سأله عن رجل نسي ان يصلي الركعتين ركعتي الفريضة عند مقام إبراهيم (عليه‌السلام) حتى اتى منى. قال : يصليهما بمنى».

وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما (عليهما‌السلام) (4) قال : «سألته عن رجل نسي ان يصلي الركعتين. قال : يصلى عنه».

وعن ابن مسكان (5) عن من سأله عن رجل نسي ركعتي طواف الفريضة حتى يخرج. قال : يوكل. قال ابن مسكان : وفي حديث آخر : ان كان جاوز ميقات أهل أرضه فليرجع وليصلهما ، فان الله (عزوجل) يقول (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) (6).

__________________

(1) ج 5 ص 139.

(2 و 3 و 4) الوسائل الباب 74 من الطواف.

(5) التهذيب ج 5 ص 140 ، والوسائل الباب 74 من الطواف.

(6) سورة البقرة ، الآية 125.


قال في الوافي بعد نقل هذا الخبر : هكذا في النسخ التي رأيناها ، ولعله سقط من الكلام شي‌ء بأن يكون «ان كان جاوز» متعلقا ب «يوكل» والساقط «وان لم يجاوز ميقات أهل أرضه» أو «وإلا». انتهى. وهو جيد.

أقول : والمستفاد من أكثر هذه الاخبار هو جواز الصلاة حيث ذكر متى شق عليه الرجوع ، كما هو المشهور بين الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) ، والمستفاد ـ من صحيحة عمر بن يزيد المتقدم نقلها عن كتاب من لا يحضره الفقيه ، وصحيحة محمد بن مسلم ، ورواية ابن مسكان ـ انه يوكل من يصلي عنه. والظاهر انها المستند لمن قال بوجوب الاستنابة. إلا ان المنقول عن الشيخ هو وجوب الاستنابة إذا شق عليه الرجوع كما نقله في المدارك. وظاهر صحيحة عمر بن يزيد هو التخيير بين الرجوع والاستنابة في موضع يمكن فيه الرجوع. وهي لا تنطبق على مذهبه. والروايتان الأخيرتان مطلقتان لا تصريح فيهما بالاستنابة مع تعذر الرجوع ، فلعل إطلاقهما محمول على صحيحة عمر ابن يزيد المذكورة. وبذلك يعظم الإشكال في المسألة بناء على كلام الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم). وربما يؤيد التخيير في مقام إمكان الرجوع روايات منى ، حيث ان بعضها تضمن الرجوع الى المقام وبعضها الصلاة في منى ، فيجمع بينهما بالتخيير بين الأمرين ، ويكون ذلك مؤيدا لما دلت عليه صحيحة عمر بن يزيد المذكورة.

وبالجملة فإن الوجه الذي تجتمع عليه هذه الروايات هو ان من لم يمكنه الرجوع فإنه يصلي حيث ذكر ، ومن امكنه تخير بين الرجوع والاستنابة. والحكم الأول لا اشكال فيه بالنسبة الى الاخبار ، واما


الثاني فالتقريب فيه حمل إطلاق روايتي محمد بن مسلم وابن مسكان على صحيحة عمر بن يزيد ، وحمل روايات منى على التخيير. وبه يزول الإشكال في هذا المجال وان لم يقل به أحد من علمائنا الأبدال.

والشيخ (قدس‌سره) قد جمع في التهذيب (1) بين روايات منى بحمل الصلاة في منى على ما إذا شق عليه العود. وفيه ان رواية هشام ابن المثنى الثانية صريحة في انه عاد إلى مكة وصلاهما في المقام ، ومع ذلك لما أخبر الإمام (عليه‌السلام) قال : «ألا صلاهما حيث ذكر» فكيف يتم ما ذكره؟.

وصاحب الفقيه (2) حمل روايات عدم الرجوع على الرخصة ، وفي الاستبصار (3) نحو ذلك.

واما رواية ابن مسكان وصحيحة محمد بن مسلم وصحيحة ابن يزيد فلم أقف لهم على الجواب عنها إلا ما ذكره في المدارك من الطعن في رواية ابن مسكان واطراح صحيحة عمر بن يزيد ، ولم يتعرض لصحيحة محمد بن مسلم ولم ينقلها في المقام. وهو محض مجازفة لا تخفى على ذوي الأفهام.

وبالجملة فإني لا اعرف وجها تجتمع عليه هذه الاخبار سوى ما ذكرت.

واما ما ذكره في الدروس ـ من إيجاب العود الى الحرم عند تعذر العود الى المقام ـ فلم نقف له على دليل في الاخبار.

والظاهر إلحاق حكم الجاهل بالناسي ، لما رواه الصدوق (قدس

__________________

(1) ج 5 ص 137 الى 140.

(2) ج 2 ص 253 و 254.

(3) ج 2 ص 235 و 236.


سره) في الصحيح عن جميل بن دراج عن أحدهما (عليهما‌السلام) (1) قال : «ان الجاهل في ترك الركعتين عند مقام إبراهيم (عليه‌السلام) بمنزلة الناسي».

ولا يخفى ان ما نقلناه من الاخبار انما يتعلق بحكم الناسي والجاهل ، واما التارك لهما عمدا فلم أقف على خبر يتضمن الحكم فيه وكذا الأصحاب (رضوان الله عليهم) لم يتعرضوا لذكره إلا ما صرح به في المسالك ، حيث قال بعد ذكر ذلك : والذي يقتضيه الأصل انه يجب عليه العود مع الإمكان ، ومع التعذر يصليهما حيث أمكن. وقال سبطه في المدارك بعد ان نقل عنه ذلك : ولا ريب ان مقتضى الأصل وجوب العود مع الإمكان ، وانما الكلام في الاكتفاء بصلاتهما حيث أمكن مع التعذر أو بقائهما في الذمة الى ان يحصل التمكن من الإتيان بهما في محلهما. وكذا الإشكال في صحة الأفعال المتأخرة عنهما ، من صدق الإتيان بها ، ومن عدم وقوعها على الوجه المأمور به. انتهى. وهو جيد.

الرابع ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو مات ولم يأت بهما وجب قضاؤهما على وليه.

والذي وقفت عليه من الاخبار في هذه المسألة صحيحة عمر بن يزيد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «من نسي ان يصلي ركعتي طواف الفريضة حتى خرج من مكة فعليه ان يقضي ، أو يقضي عنه وليه ، أو رجل من المسلمين». ولم أقف على سواها.

وهي مع عدم التصريح فيها بالموت كما هو موضع المسألة قد دلت

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 74 من الطواف.


على التخيير بين الولي وغيره من المسلمين. والذي يظهر من الرواية هو كونها من عداد صحيحة محمد بن مسلم ورواية ابن مسكان المتقدمين في الدلالة على ان من نسي ركعتي الطواف فإنه يصلى عنه ، غاية الأمر ان هذه تضمنت قضاء الولي مخيرا بينه وبين غيره. وذكر الولي فيها لا يستلزم الموت كما هو ظاهر ما فهموه من الخبر ، بل ربما كان في التخيير بين قضائه وقضاء الأجنبي إشارة إلى الحياة كما لا يخفى. وبالجملة فإن الرواية قاصرة عن إفادة المدعى.

وقال في المسالك بعد قول المصنف : «ولو مات قضاهما الولي» هذا ان تركهما الميت خاصة ، ولو ترك معهما الطواف ففي وجوبهما حينئذ عليه ويستنيب في الطواف أم يستنيب عليهما معا من ماله وجهان ، ولعل وجوبهما عليه مطلقا أقوى ، لعموم قضاء ما فاته من الصلوات الواجبة (1). اما الطواف فلا يجب عليه قضاؤه عنه قطعا وان كان بحكم الصلاة.

واعترضه سبطه في المدارك بان ما ذهب اليه من وجوب قضاء الركعتين مطلقا متجه ، اما قطعه بعدم وجوب قضاء الطواف فمنظور فيه ، لما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (2) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : رجل نسي طواف النساء حتى دخل اهله؟ فقال : لا تحل له النساء حتى يزور البيت. وقال : يأمر من يقضي عنه ان لم يحج فإن توفي قبل ان يطاف عنه فليقض عنه وليه أو غيره». وهذه الرواية

__________________

(1) الوسائل الباب 1 و 6 من قضاء الصلوات.

(2) التهذيب ج 5 ص 128 ، والوسائل الباب 58 من الطواف. والشيخ يرويه عن الكليني.


وان كانت مخصوصة بطواف النساء لكن متى وجب قضاؤه وجب قضاء طواف العمرة والحج بطريق اولى. انتهى.

أقول : يمكن ان يقال : ان صلاة الطواف الواجب وان كانت واجبة لكن الظاهر ان وجوبها للطواف ، بمعنى أنها تابعة له ، فان اتى بالطواف الواجب اتى بها ، وان أخل به على وجه لا يمكن تداركه فلا تصح الصلاة وحدها بدونه بل يكون مؤاخذا بكل من الأمرين ، فإن ثبت قضاء الطواف وجب قضاء الصلاة أيضا ، وإلا فلا بل كان مؤاخذا بالأمرين. واما انه يجب قضاء الصلاة خاصة كما ذكره فلا اعرف له وجها وجيها. والروايات المتقدمة ـ في ترك الصلاة نسيانا أو جهلا ، والأمر بقضائها أو النيابة فيها ـ قد تضمنت الإتيان بالطواف. وهو من ما لا اشكال فيه. واما الاستناد الى عموم قضاء ما فاته من الصلوات الواجبة (1) فيمكن حملها على ما فاته من الصلوات الواجبة باستقلالها لا ما كان وجوبه مرتبا على غيره مع عدم الإتيان بذلك الغير. ولا يتوهم من هذا الكلام انا نمنع الوجوب بل انما نمنع الإتيان بالفعل والحكم بصحته مع عدم لإتيان بالطواف ، ونقول انه متى ترك الطواف فلا تصح منه الصلاة وحدها بل يجب عليه الطواف أولا ثم الصلاة. فتدبر. والله العالم.

الخامس ـ المفهوم من الاخبار وكلام الأصحاب ان وقت صلاة الطواف الفراغ من الطواف ، فلا تكره لو اتفقت في الأوقات التي يكره فيها ابتداء النوافل بل تصلى في كل وقت.

ومن الاخبار في ذلك ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن

__________________

(1) الوسائل الباب 1 و 6 من قضاء الصلوات.


محمد بن مسلم (1) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن رجل طاف طواف الفريضة وفرغ من طوافه حين غربت الشمس. قال : وجبت عليه تلك الساعة الركعتان فليصلهما قبل المغرب».

وفي الصحيح أو الحسن عن رفاعة (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل يطوف الطواف الواجب بعد العصر ، أيصلي الركعتين حين يفرغ من طوافه؟ فقال : نعم ، اما بلغك قول رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : يا بني عبد المطلب لا تمنعوا الناس من الصلاة بعد العصر فتمنعوهم من الطواف».

وفي الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار (3) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : إذا فرغت من طوافك فات مقام إبراهيم (عليه‌السلام) فصل ركعتين. الى ان قال : وهاتان الركعتان هما الفريضة ، ليس يكره لك ان تصليهما في أي الساعات شئت عند طلوع الشمس وعند غروبها ، ولا تؤخرهما ساعة تطوف وتفرغ فصلهما».

وفي الموثق عن إسحاق بن عمار عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (4) قال : «ما رأيت الناس أخذوا عن الحسن والحسين (عليهما‌السلام) إلا الصلاة بعد العصر وبعد الغداة في طواف الفريضة».

وما رواه الشيخ (رحمه‌الله) عن منصور بن حازم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (5) قال : «سألته عن ركعتي طواف الفريضة. قال : لا تؤخرهما ساعة إذا طفت فصل».

واما ما رواه عن محمد بن مسلم في الصحيح (6) ـ قال : «سألت أبا جعفر

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5) الوسائل الباب 76 من الطواف.

(6) التهذيب ج 5 ص 141 ، والوسائل الباب 76 من الطواف.


(عليه‌السلام) عن ركعتي طواف الفريضة. فقال : وقتهما إذا فرغت من طوافك ، وأكرهه عند اصفرار الشمس وعند طلوعها».

وفي الصحيح عن محمد بن مسلم ايضا (1) قال : «سئل أحدهما (عليهما‌السلام) عن الرجل يدخل مكة بعد الغداة أو بعد العصر. قال : يطوف ويصلي الركعتين ما لم يكن عند طلوع الشمس أو عند احمرارها».

فحمله الشيخ (قدس‌سره) على التقية ، قال : لانه موافق للعامة (2). وأنت خبير بان ظاهر موثقة إسحاق بن عمار ان العامة لا يمنعون ذلك وانهم لم يأخذوا عن الحسن والحسين (عليهما‌السلام) إلا جواز الصلاة في هذين الوقتين. ويمكن الجمع بحمل الناس في الموثقة للذكورة على بعض العامة وان كان الأكثر على المنع (3).

وظاهر الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان هذا الحكم مخصوص بصلاة طواف الفريضة ، واما صلاة طواف النافلة فإنها تكون مكروهة في هذه الأوقات ، نص على ذلك الشيخ (قدس‌سره) وغيره.

واستدل عليه في الاستبصار (4) بما رواه في الصحيح عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال : «سألت الرضا (عليه‌السلام) عن صلاة طواف التطوع بعد العصر. فقال : لا. فذكرت له قول بعض آبائه (عليهم‌السلام) : ان الناس لم يأخذوا عن الحسن والحسين (عليهما‌السلام) إلا الصلاة بعد العصر بمكة ، فقال : نعم ولكن إذا رأيت الناس

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 141 ، والوسائل الباب 76 من الطواف.

(2 و 3) ارجع الى المغني ج 2 ص 91 طبع مطبعة نشر الثقافة الإسلامية.

(4) ج 2 ص 237 ، والوسائل الباب 76 من الطواف.


يقبلون على شي‌ء فاجتنبه. فقلت : ان هؤلاء يفعلون. فقال : لستم مثلهم».

أقول : الذي يظهر من هذا الخبر ان نهيه (عليه‌السلام) انما كان استصلاحا وتقية على السائل ونحوه. وحاصل الخبر ـ والله سبحانه وقائله اعلم ـ انه لما نهاه عن الصلاة في هذا الوقت احتج عليه بالحديث المذكور الدال على انهم يجوزون ذلك ، فقال له : نعم الأمر كما ذكرت ولكن عملهم بذلك لا يدفع الضرر عنكم ، لأنهم يعلمون ان هذا الحكم ـ وهو جواز الصلاة في هذه الأوقات المكروهة عندهم ـ من خصائص مذهبكم ، وهم إنما أخذوا عن الحسن والحسين (عليهما‌السلام) الجواز في صلاة الطواف خاصة ، فهم يؤاخذونكم لأجل ذلك بما لا يؤاخذون به بعضهم بعضا. وهذا معنى قوله (عليه‌السلام) : «لستم مثلهم» واما قوله : «ولكن إذا رأيت الناس.» فالظاهر ان المراد منه ان اجتماعهم على أمر من الأمور ينبغي ان يكون سببا في بعدكم عنه وتنحيكم له ، فإنهم ليسوا من الحنيفية على شي‌ء ، كما استفاضت به الاخبار (1) وهو إعطاء القاعدة كلية لا لخصوص هذا الموضع. وبالجملة فالظاهر ان النهي انما خرج مخرج التقية (2).

ثم ان الشيخ (قدس‌سره) بعد ان أورد هذا الخبر في الاستبصار (3) قال : فاما ما رواه احمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن علي بن يقطين عن أخيه الحسين عن علي بن يقطين ـ قال : «سألت أبا الحسن (عليه

__________________

(1) الوسائل الباب 9 وغيره من صفات القاضي وما يجوز ان يقضي به.

(2) ارجع الى المغني ج 2 ص 91 طبع مطبعة نشر الثقافة الإسلامية.

(3) ج 2 ص 237 ، والوسائل الباب 76 من الطواف.


السلام) عن الذي يطوف بعد الغداة أو بعد العصر وهو في وقت الصلاة أيصلي ركعات الطواف نافلة كانت أو فريضة؟ قال : لا» ـ. فالوجه في هذا الخبر ما تضمنه من انه كان وقت صلاة فريضة فلم يجز له ان يصلي ركعتي الطواف إلا بعد ان يفرغ من الفريضة الحاضرة. انتهى.

أقول : والأظهر في معنى هذا الخبر ما ذكره في الوافي (1) قال : والاولى ان يحمل وقت الصلاة فيه على وقت صلاة الطواف ، يعني : له وقت يمكنه ان يصلي فيه صلاة الطواف قبل الطلوع أو الغروب وانما نهاه (عليه‌السلام) لمكان التقية (2).

السادس ـ روى الشيخان ثقة الإسلام والصدوق (رحمهما‌الله) عن يحيى الأزرق عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (3) قال : «قلت له : اني طفت أربعة أسابيع فأعييت ، أفأصلي ركعاتها وانا جالس؟ قال : لا. قلت : فكيف يصلي الرجل إذا اعتل ووجد فترة صلاة الليل جالسا وهذا لا يصلي؟ قال : فقال : يستقيم ان تطوف وأنت جالس؟ قلت : لا. قال : فصل وأنت قائم».

أقول : ظاهر هذا الخبر قد تضمن حكمين غريبين لم أر من تنبه لهما : أحدهما ـ عدم جواز صلاة ركعتي الطواف جالسا وان كان في طواف النافلة كما هو مورد الخبر. والظاهر حمله على التمكن من الصلاة قائما وان كان فيه نوع مشقة. ويصير الفرق بينه وبين صلاة النافلة

__________________

(1) باب (ركعتي الطواف).

(2) ارجع الى المغني ج 2 ص 91 طبع مطبعة نشر الثقافة الإسلامية.

(3) الكافي ج 4 ص 424 ، والفقيه ج 2 ص 255 و 256 ، والوسائل الباب 79 من الطواف.


في غير الطواف انه يجوز صلاة النافلة جالسا من غير عذر وان كان القيام أفضل ، واما صلاة الطواف وان كان نافلة فلا يجوز صلاتها جالسا بل يجب القيام فيها وان اشتمل على نوع مشقة ، اما لو تعذر القيام أو اشتمل على مشقة لا تتحمل عادة فالظاهر القول بجواز صلاتها جالسا. وربما يشير اليه ما ورد في رواية إسحاق بن عمار (1) «في من اعتل عن إتمام طوافه : انه يطاف عنه ويصلي هو». فان الظاهر ان الصلاة هنا من حيث المرض المانع من إتمام الطواف انما هي من جلوس. وبالجملة فإن الأمر دائر بين ان يصلى هو من جلوس أو يصلى عنه ، والأوفق بالقواعد الشرعية هو الأول ، فإن النيابة انما تصح مع تعذر الإتيان بالفعل مطلقا.

وثانيهما ـ عدم جواز الطواف جالسا ، وهو أعم من ان يزحف على مقعدته زحفا على الأرض أو يمشي على قدميه وهو جالس ، كالممنوع من الانتصاب والقيام لتشنج أعضائه. ويعضده ان الاخبار قد دلت بالنسبة إلى المرض المانع من الطواف قائما ماشيا الشامل لهاتين الصورتين على الطواف به ، بان يحمل ان أمكن ، وإلا فإنه يطاف عنه (2) ولم يتعرض في شي‌ء منها لاستثناء شي‌ء من هاتين الصورتين ولا غيرهما. والاخبار بإطلاقها شاملة لهما. والله العالم.

السابع ـ من المستحب في هاتين الركعتين ان يقرأ فيهما بالتوحيد والجحد.

وقد تكاثرت بذلك الاخبار ، ومنها : ما تقدم في صدر البحث في

__________________

(1) الوسائل الباب 45 من الطواف.

(2) والوسائل الباب 47 و 49 من الطواف.


صحيحة معاوية بن عمار ، وموثقته المذكورة أيضا.

ومنها : صحيحة جميل بن دراج عن بعض أصحابه (1) قال : «قال أحدهما (عليهما‌السلام) : يصلي الرجل ركعتي الطواف طواف الفريضة والنافلة ب قل هو الله أحد وقل يا ايها الكافرون».

ومثل ذلك رواية معاذ بن مسلم (2). وقد تضمنت صحيحة معاوية بن عمار ان التوحيد في الركعة الاولى والجحد في الثانية ، وهو المشهور بين الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) ، وقال الشيخ (رحمه‌الله) في النهاية : انه يقرأ الجحد في الركعة الاولى والتوحيد في الثانية. ولم نقف على مستنده ، بل قد روى هو (قدس‌سره) ـ زيادة على صحيحة معاوية المذكورة هنا ـ في كتاب الصلاة من التهذيب (3) مرسلا بعد ان نقل رواية معاذ بن مسلم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) الدالة على استحباب قراءة التوحيد والجحد في سبعة مواضع ، وعد منها ركعتي الفجر وركعتي الطواف ، قال : وفي رواية أخرى : «يقرأ في هذا كله ب قل هو الله أحد وفي الركعة الثانية ب قل يا ايها الكافرون إلا في الركعتين قبل الفجر ، فإنه يبدأ ب قل يا ايها الكافرون ثم يقرأ في الركعة الثانية قل هو الله أحد». إلا ان شيخنا الشهيد (قدس‌سره) في الدروس ـ بعد ان ذكر قراءة التوحيد في الاولى والجحد في الثانية ـ قال : وروى العكس. وهذه الرواية لم تصل إلينا.

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 71 من الطواف.

(3) ج 2 ص 74 ، والوسائل الباب 15 من القراءة في الصلاة.


ويستحب ان يدعو بعدهما بما رواه معاوية بن عمار في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «تدعو بهذا الدعاء في دبر ركعتي طواف الفريضة ، تقول بعد التشهد : اللهم ارحمني بطواعيتي إياك وطواعيتي رسولك (صلى‌الله‌عليه‌وآله) اللهم جنبني أن أتعدى حدودك ، واجعلني ممن يحبك ويحب رسولك (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وملائكتك وعبادك الصالحين».

وروى الحميري في كتاب قرب الاسناد عن احمد بن إسحاق عن بكر بن محمد (2) قال : «خرجت أطوف وانا الى جنب ابي عبد الله (عليه‌السلام) حتى فرغ من طوافه ، ثم قام فصلى ركعتين فسمعته يقول ساجدا : سجد وجهي لك تعبدا ورقا ، لا إله إلا أنت حقا حقا الأول قبل كل شي‌ء والآخر بعد كل شي‌ء ، وها انا ذا بين يديك ناصيتي بيدك ، فاغفر لي انه لا يغفر الذنب العظيم غيرك ، فاغفر لي فإني مقر بذنوبي على نفسي ، ولا يدفع الذنب العظيم غيرك. ثم رفع رأسه ووجهه من البكاء كأنما غمس في الماء».

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 78 من الطواف.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *