ج16 - إحرام الحج وعرفات

الباب الرابع

في الحج

وفيه مقاصد :

المقصد الأول

في الوقوف بعرفات

والبحث عن مقدماته وكيفيته وأحكامه يقع في فصول ثلاثة :

الفصل الأول في المقدمات ، وفيه مسائل :

المسألة الأولى ـ المشهور بين الأصحاب استحباب الإحرام للحج يوم التروية ، ونقل في المختلف عن ابن حمزة القول بالوجوب إذا أمكنه الإحلال والإحرام بالحج ولم يتضيق الوقت ، مستندا الى الأمر بالإحرام يوم التروية في جملة من الاخبار الآتية ، وحمله الأصحاب على الاستحباب ، استنادا الى اشتمال تلك الاخبار على جملة من المستحبات.

أقول : ومن ما يدل على جواز وقوعه في غير يوم التروية ما تقدم قريبا (1) في حديث أبي الحسن (عليه‌السلام) من انه دخل ليلة عرفة معتمرا فاتى بأفعال العمرة وأحل وجامع بعض جواريه ثم أهل بالحج وخرج الى منى.

__________________

(1) ص 303.


وما رواه الشيخ في التهذيب (1) في الصحيح عن احمد بن محمد بن أبي نصر عن بعض أصحابه عن أبي الحسن (عليه‌السلام) في حديث قال فيه : «وموسع للرجل أن يخرج إلى منى من وقت الزوال من يوم التروية الى ان يصبح حيث يعلم انه لا يفوته الموقف».

وفي الصحيح عن علي بن يقطين (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الذي يريد ان يتقدم فيه الذي ليس له وقت أول منه. قال : إذا زالت الشمس. وعن الذي يريد ان يتخلف بمكة عشية التروية ، إلى آية ساعة يسعه ان يتخلف؟ قال : ذلك موسع له حتى يصبح بمنى». ومعناه ان أول وقت الخروج إلى منى زوال الشمس من يوم التروية وآخره آخر ليلة عرفة بان يصبح في منى لا يتقدم على هذا ولا يتأخر عن هذا. هذا هو الأصل في أفضلية الوقت وان جاز التقديم والتأخير على خلاف الفضل ، ولذوي الأعذار كما سيأتي ان شاء الله تعالى.

والظاهر ان ما ذكره علماء الرجال من ان علي بن يقطين روى عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) حديثا واحدا هو هذا الحديث.

__________________

(1) ج 5 ص 176 ، وقد اعتبر في الوافي باب (الخروج إلى منى) هذا الكلام من تتمة حديث البزنطي عن بعض أصحابه الذي أورده في الوسائل الباب 3 من إحرام الحج والوقوف بعرفة ، ولم يعتبره من الحديث المزبور بل من كلام الشيخ (قدس‌سره) ، وقد جرى المصنف (قدس‌سره) على نهج الوافي حيث اعتبره من الحديث. وسيأتي منه نقل الحديث المذكور في المسألة الثالثة.

(2) الوسائل الباب 2 من إحرام الحج والوقوف بعرفة.


وهذه الاخبار ظاهرة في رد ما نقل عن ابن حمزة من القول بالوجوب في يوم التروية.

ثم ان من المستحب في هذا اليوم ايضا قبل الإحرام الغسل وقص الأظفار وطلي العانة ونتف الإبطين وأخذ الشارب.

ومن الاخبار في المقام ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «إذا كان يوم التروية ان شاء الله ، فاغتسل ، والبس ثوبيك ، وادخل المسجد حافيا وعليك السكينة والوقار ، ثم صل ركعتين عند مقام إبراهيم (عليه‌السلام) أو في الحجر ، ثم اقعد حتى تزول الشمس فصل المكتوبة ، ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة ، وأحرم بالحج ، ثم امض وعليك السكينة والوقار ، فإذا انتهيت الى الروحاء دون الردم فلب ، فإذا انتهيت الى الردم وأشرفت على الأبطح فارفع صوتك بالتلبية حتى تأتي منى».

وما رواه في الكافي والتهذيب عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «إذا أردت أن تحرم يوم التروية فاصنع كما صنعت حين أردت أن تحرم ، وخذ من شاربك ومن أظفارك ، واطل عانتك ان كان لك شعر ، وانتف إبطيك ، واغتسل ، والبس ثوبيك ، ثم ائت المسجد الحرام فصل فيه ست ركعات قبل ان تحرم ، وتدعو الله تعالى وتسأله العون ، وتقول :

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 454 والتهذيب ج 5 ص 167 والوسائل الباب 1 من إحرام الحج والوقوف بعرفة.

(2) الفروع ج 4 ص 454 والتهذيب ج 5 ص 168 والوسائل الباب 52 من الإحرام.


اللهم اني أريد الحج فيسره لي وحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي. وتقول : أحرم لك شعري وبشري ولحمي ودمي من النساء والطيب والثياب ، أريد بذلك وجهك والدار الآخرة ، وتحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي. ثم تلبي من المسجد الحرام كما لبيت حين أحرمت ، وتقول : لبيك بحجة تمامها وبلاغها عليك. فان قدرت ان يكون رواحك إلى منى زوال الشمس والا فمتى تيسر لك من يوم التروية».

وما رواه الشيخ في التهذيب عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «إذا كان يوم التروية فاصنع كما صنعت بالشجرة ، ثم صل ركعتين خلف المقام ، ثم أهل بالحج ، فان كنت ماشيا فلب عند المقام ، وان كنت راكبا فإذا نهض بك بعيرك ، وصل الظهر ان قدرت بمنى. واعلم انه واسع لك ان تحرم في دبر فريضة أو دبر نافلة أو ليل أو نهار».

وعن أيوب بن الحر عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «قلت له : انا قد اطلينا ونتفنا وقلمنا أظفارنا بالمدينة فما نصنع عند الحج؟ فقال : لا تطل ولا تنتف ولا تحرك شيئا».

وهذا الخبر حمله الشيخ في التهذيب (3) على الحجة المفردة دون المتمتع بها قال : لان المفرد لا يجوز له شي‌ء من ذلك حتى يفرغ من مناسك يوم

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 169 والوسائل الباب 46 و 15 و 18 من الإحرام والباب 2 من إحرام الحج والوقوف بعرفة.

(2) الوسائل الباب 7 من الإحرام.

(3) ج 5 ص 168 والوسائل الباب 7 من الإحرام.


النحر ، وليس في الخبر انا قد فعلنا ذلك ونحن متمتعون غير مفردين. وفي الاستبصار حمله على الاخبار عن الجواز وان كان التنظيف أفضل. قال في الوافي : وهو الأظهر ، لأن المتبادر من قوله «عند الحج» الإحرام به فينبغي حمله على ما إذا كان قريب العهد بالاطلاء والنتف وكان أقل من خمسة عشر يوما الذي هو النصاب في ذلك. وهو جيد.

فائدة

روى الصدوق (قدس‌سره) في كتاب علل الشرائع والأحكام (1) في الحسن عن عبيد الله بن علي الحلبي عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته لم سمي يوم التروية يوم التروية؟ قال : لأنه لم يكن بعرفات ماء وكانوا يستقون من مكة من الماء لريهم ، وكان بعضهم يقول لبعض ترويتم ترويتم : فسمي يوم التروية لذلك».

ورواه في المحاسن (2) بالسند المذكور عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) هكذا : قال : «لأنه لم يكن بعرفات ماء وكان يستقون من مكة الماء لريهم ، وكان يقول بعضهم لبعض : ترويتم من الماء. فسميت التروية».

وروى في المحاسن (3) أيضا في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سميت التروية لأن جبرئيل أتى

__________________

(1) ص 435 الطبعة الحديثة.

(2) ج 2 ص 336.

(3) ج 2 ص 336 وفي الوسائل الباب 19 من إحرام الحج والوقوف بعرفة.


إبراهيم يوم التروية فقال : يا إبراهيم ارتو من الماء لك ولأهلك. ولم يكن بين مكة وعرفات ماء ، ثم مضى به الى الموقف فقال له : اعترف واعرف مناسكك. فلذلك سميت عرفة. ثم قال له : ازدلف الى المشعر الحرام فسميت المزدلفة».

وروى في الكافي (1) عن أبي بصير «انه سمع أبا جعفر وأبا عبد الله (عليهما‌السلام) يذكران انه لما كان يوم التروية قال جبرئيل لإبراهيم تروه من الماء. فسميت التروية. ثم أتى منى فأباته بها. ثم غدا به الى عرفات فضرب خباءه بنمرة دون عرفة فبنى مسجدا بأحجار بيض ، وكان يعرف اثر مسجد إبراهيم حتى أدخل في هذا المسجد الذي بنمرة. الحديث». وهو طويل يتضمن قضية ذبح إسماعيل.

ونقل العلامة في المنتهى عن الجمهور (2) وجها آخر ، وهو ان إبراهيم راي في تلك الليلة التي رأى فيها ذبح الولد رؤياه ، فأصبح يروى في نفسه أهو حلم أم من الله تعالى؟ فسمي يوم التروية ، فلما كانت ليلة عرفة راى ذلك ايضا فعرف انه من الله تعالى ، فسمى يوم عرفة.

الثانية ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) ـ بعد اتفاقهم على استحباب الإحرام أو وجوبه يوم التروية عند الزوال ـ في أفضلية الصلاة المكتوبة في المسجد ووقوع الإحرام في دبرها أو تأخيرها إلى منى ، فقال الشيخ في النهاية والمبسوط : وإذا أراد ان يحرم للحج فليكن ذلك عند زوال الشمس بعد ان يصلي الفرضين في مكة. وذهب الشيخ المفيد.

__________________

(1) ج 4 ص 207.

(2) المغني ج 3 ص 404 طبع عام 1368 والدر المنثور ج 5 ص 283.


والسيد المرتضى إلى تأخير الفرضين إلى منى. ونقل في المختلف عن الشيخ علي بن الحسين بن بابويه انه قال : وإذا كان يوم التروية ، فاغتسل والبس ثياب إحرامك ، وايت المسجد حافيا وعليك السكينة والوقار ، وصل عند المقام الظهر والعصر ، واعقد إحرامك في دبر العصر ، وان شئت في دبر الظهر ، بالحج مفردا. وقال ابن الجنيد : الأفضل ان يكون عقيب صلاة العصر المجموعة إلى الظهر ، ويصلي ركعتين عند المقام أو في الحجر ، وان صلى ست ركعات للإحرام كان أفضل ، وان صلى فريضة الظهر ثم أحرم في دبرها كان أفضل.

وظاهر هذه العبارات انه لا فرق في ذلك بين الامام وغيره. وقال الشيخ في التهذيب ان الخروج بعد الصلاة مختص بمن عدا الامام من الناس ، فاما الإمام نفسه فلا يجوز له ان يصلي الظهر والعصر يوم التروية إلا بمنى. وحمل العلامة في المنتهى عبارته بعدم الجواز على شدة الاستحباب. والى هذا القول ذهب أكثر المتأخرين ، والظاهر انه المشهور بينهم. واختار في المدارك التخيير لغير الامام بين الخروج قبل الصلاة أو بعدها ، واما الامام فيستحب له التقدم والخروج قبل الزوال وإيقاع الفرضين في منى. وهو جيد. وعليه تجتمع الاخبار.

فمن الأخبار الواردة في المقام ما تقدم من صحيحة معاوية بن عمار أو حسنته ، وهي دالة على استحباب الصلاة في المسجد ، لكنها مطلقة شاملة بإطلاقها للإمام وغيره ورواية عمر بن يزيد وظاهرها أفضلية التأخير إلى منى مطلقا.


ومنها : ما رواه في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار (1) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : إذا انتهيت إلى منى فقال : اللهم ان هذه منى وهي من ما مننت به علينا من المناسك ، فأسألك أن تمن علي بما مننت به على أنبيائك ، فإنما أنا عبدك وفي قبضتك. ثم تصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والفجر ، والامام يصلي بها الظهر لا يسعه الا ذلك. وموسع لك ان تصلي بغيرها ان لم تقدر ثم تدركهم بعرفات.».

وهذا الخبر ظاهر في استثناء الامام وانه لا يسعه إلا الصلاة بمنى ومفهومه ان غيره يسعه ذلك.

ووجه الجمع بين هذه الاخبار بالنسبة الى غير الامام هو التخيير.

والظاهر ان الشيخ المفيد والسيد المرتضى قد استندا في ما ذهبا اليه من تأخير الفريضة إلى منى إلى صحيحة معاوية بن عمار الثانية ، ورواية عمر ابن يزيد.

وقال في كتاب الفقه الرضوي (2) : وإذا كان يوم التروية فاغتسل والبس ثوبيك اللذين للإحرام ، وايت المسجد حافيا وعليك السكينة والوقار ، وصل عند المقام الظهر والعصر ، واعقد إحرامك دبر العصر ، وان شئت في دبر الظهر بالحج مفردا ، تقول : اللهم اني أريد ما أمرت به من الحج على كتابك وسنة نبيك (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فان عرض لي عرض

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 461 والتهذيب ج 5 ص 177 و 178 والوسائل الباب 6 من إحرام الحج والوقوف بعرفة.

(2) ص 28.


حبسني فحلني أنت حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي. ولب مثل ما لبيت في العمرة. الحديث. ومنه يعلم أن ما تقدم نقله عن الشيخ علي ابن بابويه فهو مأخوذ من الكتاب على ما تكرر في غير موضع من ما قدمنا.

ومن الأخبار الدالة على اختصاص الإمام بتأخير الصلاة إلى منى زيادة على ما عرفت في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن وفي من لا يحضره الفقيه في الصحيح عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «على الامام أن يصلي الظهر بمنى ، ثم يبيت بها ويصبح حتى تطلع الشمس ، ثم يخرج إلى عرفات».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن جميل عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «ينبغي للإمام أن يصلي الظهر من يوم التروية بمنى ، ويبيت بها ويصبح حتى تطلع الشمس ، ثم يخرج».

وما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما (عليهما‌السلام) (3) قال : «لا ينبغي للإمام أن يصلي الظهر يوم التروية إلا بمنى ويبيت بها إلى طلوع الشمس».

وعن معاوية بن عمار في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «على الامام أن يصلي الظهر يوم التروية بمسجد الخيف ويصلي الظهر يوم النفر في المسجد الحرام».

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 460 والفقيه ج 2 ص 280 والوسائل الباب 4 من إحرام الحج والوقوف بعرفة.

(2 و 3 و 4) الوسائل الباب 4 من إحرام الحج والوقوف بعرفة.


وما رواه في من لا يحضره الفقيه (1) في الصحيح عن محمد بن مسلم قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) هل صلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الظهر بمنى يوم التروية؟ فقال : نعم ، والغداة بمنى يوم عرفة».

أقول : وهذه الأخبار كلها كما ترى ظاهرة الدلالة في الوجوب كما هو ظاهر كلام الشيخ المتقدم ، والأصحاب تأولوه بالحمل على شدة الاستحباب ولا يبعد أن مراد الشيخ إنما هو الوجوب حقيقة ، فإن ظاهر هذه الأخبار كلها يساعده. ولا ينافي ذلك لفظ «ينبغي ولا ينبغي» في الصحيحة جميل وصحيحة محمد بن مسلم ، فان استعمال ذلك في الوجوب والتحريم في الأخبار أكثر من أن يحصى كما تقدم بيانه. وليس في شي‌ء من هذه الأخبار أو غيرها ما يؤذن بجواز ذلك له في غير منى. فالقول بالوجوب ليس بالبعيد عملا بظاهرها كما لا يخفى.

أقول : والمراد بالإمام هنا هو من يجعله الخليفة واليا على الموسم لا الإمام حقيقة وإن كان منتحلا.

ويدل على ذلك ما رواه في الكافي (2) عن حفص المؤذن قال : «حج إسماعيل بن علي بالناس سنة أربعين ومائة ، فسقط أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن بغلته ، فوقف عليه إسماعيل ، فقال له أبو عبد الله (عليه‌السلام): سر فإن الإمام لا يقف».

الثالثة ـ ما تقدم من استحباب الخروج بعد الزوال من يوم التروية

__________________

(1) ج 2 ص 280 والتهذيب ج 5 ص 177 والوسائل الباب 4 من إحرام الحج والوقوف بعرفة.

(2) الوسائل الباب 5 من إحرام الحج والوقوف بعرفة.


مخصوص بغير ذوي الأعذار كما نبه عليه الأصحاب ودلت عليه الأخبار ، كالمريض والشيخ الكبير ونحوهما ممن يخاف الزحام فإنه يجوز لهم التعجيل رخصة من غير كراهة ، بل يستحب بيوم أو يومين أو ثلاثة.

ويدل على ذلك ما رواه ثقة الإسلام في الموثق عن إسحاق بن عمار عن أبي الحسن (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن الرجل يكون شيخا كبيرا أو مريضا يخاف ضغاط الناس وزحامهم ، يحرم بالحج ويخرج إلى منى قبل يوم التروية؟ قال : نعم. قلت : يخرج الرجل الصحيح يلتمس مكانا ويتروح بذلك المكان؟ قال : لا. قلت : يعجل بيوم؟ قال : نعم قلت : بيومين؟ قال : نعم. قلت : ثلاثة؟ قال : نعم. قلت : أكثر من ذلك؟ قال : لا».

وروى في كتاب من لا يحضره الفقيه (2) عن إسحاق بن عمار قال : «قلت لأبي الحسن (عليه‌السلام) : يتعجل الرجل قبل التروية بيوم أو يومين من أجل الزحام وضغاط الناس؟ فقال : لا بأس» وقال في خبر آخر : «لا يتعجل بأكثر من ثلاثة أيام».

وروى الشيخ في الصحيح عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن بعض

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 460 والوسائل الباب 3 من إحرام الحج والوقوف بعرفة.

(2) ج 2 ص 280 عن أبي عبد الله (ع). وفي الوسائل الباب 3 من إحرام الحج والوقوف بعرفة ، والوافي باب (الخروج إلى منى) عن أبي الحسن (ع).


أصحابه (1) قال : «قلت لأبي الحسن (عليه‌السلام) : يتعجل الرجل قبل التروية بيوم أو يومين من أجل الزحام وضغاط الناس؟ فقال : لا بأس. الحديث». وقد تقدم تمامه في صدر المسألة الأولى.

الرابعة ـ ما تقدم من الأحكام في المسائل المتقدمة كله مختص بحج التمتع ، وأما الكلام في القارن والمفرد فلم يتعرض له أصحابنا في البحث.

قال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ـ بعد نقل قول المصنف : فيستحب للمتمتع أن يخرج إلى عرفات يوم التروية ـ ما هذا نصه : خص المتمتع بالذكر لأن استحباب الإحرام يوم التروية موضع وفاق بين المسلمين. وأما القارن والمفرد فليس فيه تصريح من الأكثر ، وقد ذكر بعض الأصحاب أنه كذلك وهو ظاهر إطلاق بعضهم. وفي التذكرة نقل الحكم في المتمتع عن الجميع ثم نقل خلاف العامة في وقت إحرام الباقي هل هو كذلك أم في أول ذي الحجة (2). انتهى.

أقول : وفي المنتهى نحو ما نقله في التذكرة ، فإنه قال بعد الكلام في المتمتع : أما المكي فذهب مالك إلى انه يستحب أن يهل بالحج من المسجد بهلال ذي الحجة ، وروى عن ابن عمر وابن عباس وطاوس وسعيد بن

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 176 والوسائل الباب 3 من إحرام الحج والوقوف بعرفة. وقول المصنف «. الحديث» يبتنى على ان للحديث تتمة وقد بينا ما في ذلك في التعليقة 1 ص 346.

(2) راجع المغني ج 3 ص 404 طبع عام 1368.


جبير استحباب إحرامه يوم التروية أيضا ، وهو قول أحمد. (1) إلى أن قال (قدس‌سره) : ولا خلاف في انه لو أحرم المتمتع أو المكي قبل ذلك في أيام الحج فإنه يجزئه. انتهى.

أقول : المستفاد من الأخبار أن المفرد متى كان من أهل الأقطار مقيما بمكة وانتقل حكمه إليهم أو أراد الحج مفردا استحبابا ، فإنه يحرم بالحج من أول ذي الحجة إن كان صرورة ، وإن كان قد حج سابقا فمن اليوم الخامس من ذي الحجة ، وبعضها مطلق في الإحرام من أول الشهر ، وأنه يخرج الى التنعيم أو الجعرانة ويحرم منها لا من مكة.

وقد تقدمت الأخبار في ذلك في المقدمة الرابعة ، ولنشر هنا إلى بعضها :

فمنها : صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (2) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : اني أريد الجوار فكيف أصنع؟ فقال : إذا رأيت الهلال هلال ذي الحجة فاخرج الى الجعرانة فأحرم منها بالحج. إلى أن قال : ثم قال : ان سفيان فقيهكم أتاني فقال : ما يحملك على أن تأمر أصحابك يأتون الجعرانة فيحرمون منها؟ فقلت له : هو وقت من مواقيت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله). فقال : وأي وقت من مواقيت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) هو؟ فقلت له : أحرم منها حين قسم غنائم حنين ومرجعه من

__________________

(1) المغني ج 3 ص 404 طبع عام 1368.

(2) الفروع ج 4 ص 300 والوسائل الباب 9 من أقسام الحج.


الطائف. إلى أن قال : فقال : أما علمت أن أصحاب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إنما أحرموا من المسجد. فقلت : إن أولئك كانوا متمتعين في أعناقهم الدماء وان هؤلاء قطنوا بمكة فصاروا كأنهم من أهل مكة وأهل مكة لا متعة لهم ، فأحببت أن يخرجوا من مكة الى بعض المواقيت وان يستغبوا به أياما. الحديث».

وعن صفوان عن أبي الفضل (1) قال : «كنت مجاورا بمكة ، فسألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) : من أين أحرم بالحج؟ فقال : من حيث أحرم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من الجعرانة. فقلت : متى أخرج؟ قال : ان كنت صرورة فإذا مضى من ذي الحجة يوم ، وان كنت قد حججت قبل ذلك فإذا مضى من الشهر خمس».

وروى الشيخ المفيد في المقنعة مرسلا (2) قال : قال (عليه‌السلام): «ينبغي للمجاور بمكة إذا كان صرورة وأراد الحج أن يخرج إلى خارج الحرم فيحرم من أول يوم من العشر ، وإن كان مجاورا وليس بصرورة فإنه يخرج أيضا من الحرم ويحرم في خمس تمضي من العشر».

وفي الصحيح إلى إبراهيم بن ميمون (3) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) ان أصحابنا مجاورون بمكة وهم يسألوني لو قدمت عليهم كيف يصنعون؟ قال : قل لهم : إذا كان هلال ذي الحجة فليخرجوا إلى التنعيم فليحرموا

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 302 والوسائل الباب 9 من أقسام الحج. وفي الخطية : «وفي الصحيح عن صفوان.».

(2) ص 71 و 72 والوسائل الباب 19 من المواقيت.

(3) التهذيب ج 5 ص 446 والوسائل الباب 9 من أقسام الحج.


الحديث».

وفي موثقة سماعة (1) في من اعتمر في غير أشهر الحج واقام بمكة : «فإن هو أحب ان يتمتع في أشهر الحج بالعمرة إلى الحج فليخرج منها حتى يجاوز ذات عرق أو يجاوز عسفان فيدخل متمتعا بعمرة إلى الحج ، فان هو أحب أن يفرد الحج فليخرج إلى الجعرانة فيلبي منها».

وهذه الأخبار كلها كما ترى ظاهرة الدلالة في أن الإحرام بالحجة المفردة للمجاور من خارج الحرم من هذه المواضع وانها ميقات له ، وان إحرامه من هلال ذي الحجة أو بعد مضي خمسة أيام منه.

ويفهم من بعض الاخبار ايضا انه يحرم يوم التروية أيضا.

وهو ما رواه في الكافي عن سماعة في الموثق عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «المجاور بمكة إذا دخلها بعمرة في غير أشهر الحج : في رجب أو شعبان أو شهر رمضان أو غير ذلك من الشهور إلا أشهر الحج ، فإن أشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة ، من دخلها بعمرة في غير أشهر الحج ثم أراد ان يحرم ، فليخرج إلى الجعرانة فيحرم منها ثم يأتي مكة ، ولا يقطع التلبية حتى ينظر الى البيت ، ثم يطوف بالبيت ويصلي الركعتين عند مقام إبراهيم (عليه‌السلام) ثم يخرج الى الصفا والمروة فيطوف بينهما ، ثم يقصر ويحل ، ثم يعقد التلبية يوم التروية».

والتقريب فيها ان هذه العمرة الثانية المشار إليها بقوله : «ثم أراد ان يحرم.» لا يجوز ان تكون عمرة تمتع لوجوب الإتيان بها من الميقات

__________________

(1) الفقيه ج 2 ص 274 والوسائل الباب 10 من أقسام الحج.

(2) الوسائل الباب 8 من أقسام الحج.


كما أشارت إليه موثقة سماعة المتقدمة وصرح به غيرها ، وهي اتفاق الأصحاب بل هي عمرة مفردة ، فالحج المشار اليه بقوله : «ثم يعقد التلبية يوم التروية» حج إفراد البتة. وقد صرح بأنه يعقد إحرامه يوم التروية ، وهو ظاهر في كونه من مكة أيضا واما غيره من أقسام المفردين فلا ريب في ان إحرامهم من مكة للأخبار المستفيضة بان من كان منزله دون الميقات إلى مكة فإن ميقاته منزله. واما انه اي يوم فلم أقف فيه على نص صريح كما اعترفوا به في ما قدمنا نقله عنهم ، ولكن أحدا منهم لم ينبه على هذا الفرد الذي ذكرناه أيضا.

الخامسة ـ الظاهر انه لا خلاف في ان إحرام الحج من مكة وانها ميقات حج التمتع ، وان اي موضع أحرم فيه منها فهو مجزئ.

ويدل عليه ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن صفوان عن أبي أحمد عمرو بن حريث الصيرفي (1) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) من أين أهل بالحج؟ فقال : ان شئت من رحلك وان شئت من الكعبة وان شئت من الطريق». إلا ان في التهذيب (2) «وهو بمكة» بعد قوله : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام» وفيه «من المسجد» عوض قوله «من الكعبة».

وقد وقع الاتفاق أيضا على أفضليته من المسجد ، وانما الخلاف في أفضلية أي موضع منه.

ومن ما يدل على حصول الفضيلة من المسجد في أي جزء منه ما تقدم

__________________

(1) الوسائل الباب 21 من المواقيت.

(2) ج 5 ص 166 و 477 والوسائل الباب 21 من المواقيت.


في صدر البحث من رواية أبي بصير وقوله (عليه‌السلام) فيها : «ثم ائت المسجد الحرام فصل فيه ست ركعات. الى آخره».

وما رواه في الكافي عن يونس بن يعقوب في الموثق (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) من اي المسجد أحرم يوم التروية؟ فقال : من اي المسجد شئت».

واما تعيين الأفضل منه فقال الشيخ (قدس‌سره) : أفضل المواضع التي يحرم منها المسجد ، وفي المسجد عند المقام. وهو قول ابن إدريس ، والظاهر من كلام ابن بابويه والمفيد والعلامة في المختلف ، وبه صرح في الدروس ايضا فقال : والأقرب ان فعله في المقام أفضل من الحجر تحت الميزاب. وقال في المنتهى : يحرم من مكة ، والأفضل ان يكون من تحت الميزاب ويجوز ان يحرم من اي موضع شاء من مكة ، ولا نعلم فيه خلافا. انتهى. وظاهر كلام ابي الصلاح يشعر بأن أفضله تحت الميزاب أو عند المقام

واستند الأولون الى ما تقدم من رواية عمر بن يزيد المتقدمة (2) في صدر البحث من قوله (عليه‌السلام): «ثم صل ركعتين خلف المقام ، ثم أهل بالحج». ويدل عليه ايضا ما تقدم نقله عن كتاب الفقه الرضوي. وبه قال الشيخ علي بن بابويه كما تقدم نقل عبارته.

ويدل على قول ابي الصلاح صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة (3) ثمة أيضا وقوله (عليه‌السلام): «ثم صل ركعتين عند مقام إبراهيم أو في الحجر

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 455 والتهذيب ج 5 ص 166 و 167 والوسائل الباب 21 من المواقيت.

(2) ص 348.

(3) ص 347.


ثم اقعد حتى تزول الشمس فصل المكتوبة ، ثم قل في دبر صلاتك. الى آخره».

وقال في المختلف في الجواب عن هذه الرواية : والجواب : التخيير لا ينافي أولوية أحد الأمرين المخير فيهما بأمر آخر غير أمر التخيير كما في خصال الكفارة. انتهى.

أقول : فيه انه مسلم لو دلت الرواية المذكورة على الأولوية ، ومجرد الذكر لا يدل على الأولوية ، لأنه أحد فردي المخير والأولوية أمر آخر وراء مجرد ذكره كما لا يخفى.

واما ما ذكره في المنتهى ومثله غيره ايضا من أفضليته تحت الميزاب بالخصوص فلم أقف له على دليل ، والموجود في الاخبار كما عرفت انما هو التخيير أو كونه في المقام.

السادسة ـ قال في المختلف : قال شيخنا المفيد : إذا كان يوم التروية فليأخذ من شاربه وليقلم أظفاره ويغتسل ويلبس ثوبيه ، ثم يأتي المسجد الحرام حافيا وعليه السكينة والوقار ، فليطف أسبوعا ان شاء ، ثم ليصل ركعتين لطوافه عند مقام إبراهيم (عليه‌السلام) ثم ليقعد حتى تزول الشمس فإذا زالت فليصل ست ركعات. وقال ابن الجنيد : من أحل من متعته أحرم يوم التروية للحج قبل خروجه إلى منى عقيب طواف أسبوع بالبيت وركعتين عند مقام إبراهيم (عليه‌السلام) أو غيره. وقال أبو الصلاح : ويطوف أسبوعا ثم يصلي ركعتي الطواف ثم يخرج بعدهما. ولم يذكر الشيخ هذا الطواف ولا السيد المرتضى ولا ابن إدريس ولا ابن بابويه. والشيخ عول على الحديث ، فإنه لم يذكر فيه الطواف ، والمفيد عول على انه قادم على


المسجد ، فاستحب له التحية ، والطواف أفضل من الصلاة. ولا نزاع بينهما حينئذ. بقي ان يقال : ان قصد المفيد استحباب هذا الطواف للإحرام فهو ممنوع ، فان المجاور يستحب له الصلاة أكثر من الطواف إذا جاور ثلاث سنين. انتهى.

أقول : قد ذكر هذا الطواف ايضا الصدوق في من لا يحضره الفقيه في باب سياق مناسك الحج (1) فقال : فإذا كان يوم التروية فاغتسل ، والبس ثوبيك ، وادخل المسجد الحرام حافيا وعليك السكينة والوقار ، فطف بالبيت أسبوعا تطوعا. الى ان قال : واقعد حتى تزول الشمس ، فإذا زالت الشمس فصل ست ركعات قبل الفريضة ، ثم صل الفريضة ، واعقد الإحرام في دبر الظهر وان شئت في دبر العصر. وحينئذ فما نقله (قدس‌سره) عن ابن بابويه من انه لم يذكر هذا الطواف ليس في محله الا ان يريد به أباه الشيخ علي بن الحسين ، وهو خلاف المعروف من هذه العبارة في كلامهم ثم ان ظاهر الشيخ المفيد تقديم مستحبات الإحرام المذكورة على الزوال وقال أبو الصلاح : فإذا زالت الشمس من يوم التروية ، فليغتسل ، ويلبس ثوبي إحرامه ، ويأتي المسجد الحرام حافيا وعليه السكينة والوقار ، فيطوف بالبيت أسبوعا ، ثم يصلي ركعتي الطواف ، ثم يحرم بعدهما. وصحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في صدر البحث صريحة الدلالة في ما ذكره شيخنا المفيد.

ثم إن ظاهر كلام ابي الصلاح المذكور ان الإحرام عقيب ركعتي الطواف ، وهو ظاهر عبارة ابن الجنيد المتقدمة. وظاهر كلام الشيخ المفيد

__________________

(1) ج 2 ص 320.


انه عقيب ست ركعات الإحرام. ونقل في المختلف عن الشيخين انهما جعلاه عقيب ست ركعات وأقله ركعتان. ومال في المختلف الى ان الأفضل عقيب فريضة الظهرين ، وهو الذي صرح به الشيخ علي بن بابويه في ما قدمنا من عبارته ، وهو الذي ذكره في كتاب الفقه الرضوي ، ويدل عليه صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة. وما تقدم في رواية أبي بصير من الإحرام عقيب الست ركعات ، ورواية عمر بن يزيد من الإهلال عقيب الركعتين يمكن حملهما على غير وقت الفريضة ، فإنهما مطلقتان لا تصريح فيهما بكون الإحرام في وقت مخصوص. واما ما ذكره الشيخ المفيد من الإحرام عقيب الست ركعات أو الركعتين فهو مبني على ما نقل عنه آنفا من تأخير صلاة الظهرين إلى منى. وقد تقدم الكلام فيه.

السابعة ـ قال الشيخ : ان كان ماشيا لبى من موضعه الذي صلى فيه وان كان راكبا إذا نهض به بعيره ، فإذا انتهى الى الردم فأشرف على الأبطح رفع صوته بالتلبية. وقال الشيخ المفيد (قدس‌سره) : ثم ليلب حين ينهض به بعيره ويستوي قائما ، وان كان ماشيا فليلب عند الحجر الأسود ، فإذا انتهى الى الرقطاء دون الردم وأشرف على الأبطح فليرفع صوته بالتلبية حتى يأتي منى. وقال الشيخ علي بن بابويه : فإذا خرجت إلى الأبطح فارفع صوتك بالتلبية. وقال ابن الجنيد : ويلبى ان شاء من المسجد أو من حيث يخرج من منزله بمكة ، وان شاء ان يؤخر اجهاره بالتلبية الى أن ينتهي إلى الأبطح خارج مكة فعل. وهو يدل على أولوية الإجهار عند الإحرام. وقال ابن إدريس : فإن كان ماشيا جهر بالتلبية من موضعه الذي عقد الإحرام فيه ، وان كان راكبا لبى إذا نهض به بعيره


فإذا انتهى الى الردم وأشرف على الأبطح رفع صوته بالتلبية. وقال أبو الصلاح : ثم يلبى مستسرا فإذا نهض به بعيره أعلن بالتلبية ، وان كان ماشيا فليجهر بها من عند الحجر الأسود ، فإذا انتهى الى الرقطاء دون الردم وأشرف على الأبطح فليرفع صوته بالتلبية حتى يأتي منى.

أقول : والذي وقفت عليه من الاخبار ما تقدم من صحيحة معاوية ابن عمار ، وظاهرها ان مبدأ التلبية إذا انتهى الى الروحاء دون الردم فإذا انتهى الى الردم وأشرف على الأبطح رفع صوته بها.

وما تقدم من رواية أبي بصير ، وفيها : انه يلبي من المسجد الحرام.

وما تقدم من رواية عمر بن يزيد ، وفيها : التفصيل بأنه ان كان ماشيا فمن المقام وهو المكان الذي صلى فيه صلاة الإحرام ، وان كان راكبا فإذا نهض به بعيره.

وما رواه في الكافي والتهذيب عن زرارة (1) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) : متى ألبي بالحج؟ قال : إذا خرجت إلى منى. ثم قال : إذا جعلت شعب الدب على يمينك والعقبة على يسارك فلب بالحج». وما رواه الصدوق في الصحيح عن حفص بن البختري ومعاوية بن عمار وعبد الرحمن بن الحجاج والحلبي جميعا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) انه قال : «وان أهللت من المسجد الحرام للحج ، فإن شئت لبيت خلف

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 455 والتهذيب ج 5 ص 167 والوسائل الباب 46 من الإحرام. وفي الخطية والمطبوعة «قلت لأبي عبد الله (ع)».

(2) الوسائل الباب 46 من الإحرام.


المقام ، وأفضل ذلك ان تمضي حتى تأتي الرقطاء فتلبي قبل ان تصير الى الأبطح».

أقول : وبهذه الصحيحة الأخيرة يجمع بين الاخبار المتقدمة ، بأن يقال انه يتخير بين التلبية من المسجد وبين تأخيرها إلى هذه المواضع المذكورة في الاخبار وهو الأفضل. واما الجهر بها فهو إذا أشرف على الأبطح. وما دلت عليه رواية عمر بن يزيد من التفصيل بين الراكب والماشي يحمل على انه إذا اختار التلبية من المسجد وان كان خلاف الأفضل فليعمل بهذا التفصيل.

الثامنة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لا طواف بالبيت بعد إحرام الحج. وظاهر الحسن بن ابي عقيل استحبابه في الصورة المذكورة ، حيث قال : إذا اغتسل يوم التروية وأحرم بالحج طاف بالبيت سبعة أشواط وخرج منها متوجها الى منى ، ولا يسعى بين الصفا والمروة حتى يزور البيت فيسعى بعد طواف الزيارة. قال في المختلف بعد نقل ذلك عنه : ولم يذكر باقي أصحابنا هذا الطواف ، فان قصد بذلك ما ذكره الشيخ المفيد وابن الجنيد فذلك قبل الإحرام. انتهى. أقول : أشار بما ذكره الشيخ المفيد وابن الجنيد الى ما قدمنا نقله عنهما في المسألة السادسة.

هذا. والمفهوم من كلام الشيخ وغيره من الأصحاب كراهة هذا الطواف ، بل يفهم من كلام الشيخ تحريمه ، حيث قال في النهاية والمبسوط : إذا أحرم بالحج لم يجز له ان يطوف بالبيت الى ان يرجع من منى ، فان سها فطاف بالبيت لم ينتقض إحرامه غير انه يعقده بتجديد التلبية. واختاره ابن حمزة وقال ابن إدريس : لا ينبغي ان يطوف بالبيت الى ان يرجع من منى ،


فان سها فطاف بالبيت لم ينتقض إحرامه سواء جدد التلبية أو لم يجدد. وإحرامه منعقد فلا حاجة الى انعقاد المنعقد. وقال في التهذيب : لا يجوز لمن أحرم بالحج ان يطوف بالبيت تطوعا الى ان يعود من منى ، فان فعل ذلك ناسيا فلا شي‌ء عليه. وقال في المنتهى : ولا يسن له الطواف بعد إحرامه. وقال في الدروس : ولا طواف بعد إحرام الحج. واستحسنه الحسن.

أقول : والأظهر ما هو المشهور من كراهته ، لما رواه الشيخ في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن الرجل يأتي المسجد الحرام وقد أزمع بالحج ، يطوف بالبيت؟ قال : نعم ما لم يحرم».

وعن صفوان بن يحيى في الصحيح عن عبد الحميد بن سعيد عن أبي الحسن الأول (عليه‌السلام) (2) قال : «سألته عن رجل أحرم يوم التروية من عند المقام بالحج ، ثم طاف بالبيت بعد إحرامه ، وهو لا يرى ان ذلك لا ينبغي ، أينقض طوافه بالبيت إحرامه. فقال : لا ولكن يمضى على إحرامه».

ثم ان ما ذكره الشيخ ـ من انه بعد الطواف سهوا يعقد إحرامه بتجديد التلبية ـ مبنى على ما تقدم في المقدمة الرابعة (3) من ان من طاف بعد عقد إحرامه ولو في حج التمتع طوافا مستحبا فإنه يعقد إحرامه بالتلبية

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 455 والتهذيب ج 5 ص 169 والوسائل الباب 83 من الطواف.

(2) الوسائل الباب 83 من الطواف.

(3) ج 14 ص 384.


لئلا يحل. وما ذكره ابن إدريس هنا مبنى على ما ذكره في تلك المسألة أيضا من ان المحرم لا يحل بمجرد الطواف بل بالنية. وقد تقدم تحقيق القول في المسألة في الموضع المذكور. الا ان ظاهر رواية عبد الحميد المذكورة من ما يدل على عدم بطلان الإحرام بالنسبة إلى حج التمتع. ويعضده ان جملة الروايات المتقدمة (1) الدالة على تجديد التلبية موردها القارن والمفرد خاصة. الا ان مورد هذه الرواية الجاهل أو الناسي.

التاسعة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان من نسي الإحرام بالحج الى ان يحصل بعرفات جدد الإحرام منها وليس عليه شي‌ء فان لم يذكر حتى يرجع الى بلده ، فان كان قد قضى مناسكه كلها فلا شي‌ء عليه ، قاله الشيخ (قدس‌سره) ومن تبعه من الأصحاب.

وقال ابن إدريس في السرائر ـ بعد نقل عبارة الشيخ في النهاية بهذا المضمون الذي ذكرناه ـ ما صورته : وقال الشيخ في المبسوط : أما النية فهي ركن في الأنواع الثلاثة من تركها فلا حج له عامدا أو ناسيا إذا كان من أهل النية. ثم قال بعد ذلك : وعلى هذا إذا فقد النية لكونه سكران هذا آخر كلامه. قال محمد بن إدريس : والذي يقتضيه أصول المذهب ما ذهب إليه في مبسوطه ، لقوله تعالى (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى) (2) وقول الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (3)

__________________

(1) ج 14 ص 385.

(2) سورة الليل الآية 19 و 20.

(3) الوسائل الباب 5 من مقدمة العبادات ، والباب 1 من النية في الصلاة ، والباب 2 من وجوب الصوم.


«الأعمال بالنيات» و «انما لامرئ ما نوى» (1). وهذا الخبر مجمع عليه وبهذا افتي وعليه اعمل فلا يرجع عن الأدلة بأخبار الآحاد ان وجدت.

قال في المختلف بعد نقل ذلك : والأقرب عندي انه ان تمكن من الرجوع الى مكة للإحرام فيها وجب وان لم يتمكن أحرم من موضعه ولو من عرفات ، فان لم يذكر حتى أكمل مناسكه صح وأجزأه ، لنا : انه مع التمكن من الرجوع يكون قادرا على الإتيان به على وجهه ، فيجب عليه فعله ، ولا يجزئه الإحرام من غيره ، لأنه حينئذ يكون قد اتى بغير المأمور به فيبقى في عهدة التكليف. ومع النسيان يكون معذورا ، لقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (2) : «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان». ولأن إلزام الإعادة مشقة عظيمة فيكون منفيا ، لقوله تعالى (3) «وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» وما رواه العمركي بن علي الخراساني في الحسن عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه‌السلام) (4) قال : «سالته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكر وهو بعرفات ما حاله؟ قال : يقول : اللهم على كتابك وسنة نبيك. فقد تم إحرامه. فإن جهل ان يحرم يوم

__________________

(1) الوسائل الباب 5 من مقدمة العبادات ، والباب 1 من النية في الصلاة ، والباب 2 من وجوب الصوم.

(2) الوسائل الباب 37 من قواطع الصلاة ، والباب 30 من الخلل الواقع في الصلاة ، والباب 56 من جهاد النفس. واللفظ في بعضها : «وضع عن أمتي.».

(3) سورة الحج الآية 78.

(4) الوسائل الباب 14 من المواقيت.


التروية بالحج حتى يرجع الى بلده ان كان قضى مناسكه كلها فقد تم حجه». وحجة ابن إدريس غير مناسبة لدعواه. انتهى. وهو جيد.

ويزيده بيانا ما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن جميل ابن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهما‌السلام) (1) : «في رجل نسي أن يحرم أو جهل وقد شهد المناسك كلها وطاف وسعى؟ قال : تجزئه نيته إذا كان قد نوى ذلك فقد تم حجه وان لم يهل».

وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (2) قال : «سالته عن رجل كان متمتعا خرج الى عرفات وجهل ان يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع الى بلده ما حاله؟ قال : إذا قضى المناسك كلها فقد تم حجه».

وقد تقدم تحقيق القول في هذه المسألة بمزيد بسط في الكلام وبيان ما فيها من النقض والإبرام في المسألة الثالثة من المقام الثاني من المقدمة الخامسة في المواقيت (3).

العاشرة ـ من المستحبات الدعاء بالمأثور عند الخروج إلى منى بما رواه معاوية بن عمار في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «إذا توجهت إلى منى فقل : اللهم إياك أرجو وإياك أدعو فبلغني أملي وأصلح لي عملي».

__________________

(1) الوسائل الباب 20 من المواقيت.

(2) التهذيب ج 5 ص 476 والوسائل الباب 20 من المواقيت.

(3) ج 14 ص 466.

(4) الوسائل الباب 6 من إحرام الحج والوقوف بعرفة.


وإذا انتهيت إلى منى بما رواه أيضا في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) وقد تقدم في المسألة الثانية (1).

وعند التوجه الى عرفات بما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار ايضا عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «إذا غدوت الى عرفة فقل وأنت متوجه إليها : اللهم إليك صمدت وإياك اعتمدت ووجهك أردت أسألك أن تبارك لي في رحلتي وان تقضي لي حاجتي وان تجعلني ممن تباهي به اليوم من هو أفضل مني. ثم تلبي وأنت غاد الى عرفات. الحديث».

ومن المستحبات ان لا يخرج الامام من منى الا بعد طلوع الشمس.

ويدل عليه صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «على الامام ان يصلي الظهر بمنى ثم يبيت فيها ويصبح حتى تطلع الشمس ثم يخرج الى عرفات».

وموثقة إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «ان من السنة ان لا يخرج الامام من منى الى عرفة حتى تطلع الشمس».

__________________

(1) ص 352.

(2) الفروع ج 4 ص 461 و 462 والتهذيب ج 5 ص 179 والوسائل الباب 8 و 9 و 10 من إحرام الحج والوقوف بعرفة.

(3) الفروع ج 4 ص 460 والفقيه ج 2 ص 280 والوسائل الباب 4 من إحرام الحج والوقوف بعرفة.

(4) الفروع ج 4 ص 461 والتهذيب ج 5 ص 178 وفيه : عن أبي إسحاق ، والوسائل الباب 7 من إحرام الحج والوقوف بعرفة.


واما غيره فالأفضل له ان يفيض من منى بعد الفجر على المشهور ، وقال أبو الصلاح : لا يجوز له ان يفيض منها قبل الفجر مختارا ، وقال ابن البراج في أقسام التروك المفروضة : ولا يخرج أحد من منى الى عرفات الا بعد طلوع الفجر. وظاهرهما تحريم الخروج قبل الفجر اختيارا.

ولعلهما استندا الى ما رواه الشيخ عن عبد الحميد الطائي (1) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : إنا مشاة فكيف نصنع؟ فقال : أما أصحاب الرحال فكانوا يصلون الغداة بمنى ، واما أنتم فامضوا حيث تصلون في الطريق».

وقال في المدارك ـ بعد قول المصنف (ره) : «ويكره الخروج قبل الفجر إلا لضرورة» ـ : هذا هو المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ثم نقل قول أبي الصلاح وقال : وهو ضعيف ، ثم قال : ويمكن المناقشة في الكراهة أيضا ، لعدم الظفر بما يتضمن النهي عن ذلك. نعم لا ريب انه خلاف الأولى.

أقول : ومن روايات المسألة ما رواه الشيخ في الصحيح عن هشام بن سالم وغيره عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «في التقدم من منى الى عرفات قبل طلوع الشمس لا بأس به.».

وما في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) المتقدمة (3) في المسألة الثانية من قوله (عليه‌السلام): «ثم تصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والفجر».

والمفهوم من الاخبار المذكورة أن السنة في الخروج من منى بعد الفجر

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 461 ، والتهذيب ج 5 ص 179 ، والوسائل الباب 7 من إحرام الحج والوقوف بعرفة.

(2) الوسائل الباب 7 من إحرام الحج والوقوف بعرفة والباب 17 من الوقوف بالمشعر.

(3) ص 352.


الا مع الضرورة ، ويلزم من ذلك مرجوحية الخروج قبل الفجر اختيارا ، وبه تثبت الكراهة التي ذكرها الأصحاب. وبذلك تندفع المناقشة التي ذكرها في المدارك. وثبوت الكراهة لا يتوقف على النهي صريحا كما يفهم من كلامه (قدس‌سره) بل تثبت بكون ذلك خلاف الأفضل ، للزوم المرجوحية التي هي مقتضى الكراهة.

ومن المستحبات ايضا ان لا يجوز وادي محسر الا بعد طلوع الشمس على المشهور.

لما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن والشيخ في الصحيح عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «لا يجوز وادي محسر حتى تطلع الشمس».

ونقل عن الشيخ وابن البراج القول بالتحريم أخذا بظاهر النهي. ولا يخلو من قرب.

الفصل الثاني في الكيفية

وهي تشتمل على الواجب والندب ، والكلام فيها يقع في مواضع :

الموضع الأول ـ النية ، قال في المنتهى : وتجب فيه النية خلافا للجمهور (2)

__________________

(1) الوسائل الباب 7 من إحرام الحج والوقوف بعرفة ، والباب 15 من الوقوف بالمشعر. واللفظ في الثاني : «لا تجاوز.».

(2) المغني ج 3 ص 416 طبع عام 1368.


لنا : قوله تعالى (1) «وَما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ» والوقوف عبادة. ولانه عمل فيفتقر إلى النية ، لقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (2) «الأعمال بالنيات». و «انما لكل امرئ ما نوى» (3). الى غير ذلك من الأدلة الدالة على وجوب النية في العبادات ، ولان الواجب إيقاعه على وجه الطاعة ، وهو انما يتحقق بالنية ، ويجب فيها نية الوجوب والتقرب الى الله تعالى.

وقال في الدروس : واما واجبة فخمسة : النية مقارنة لما بعد الزوال فلا يجوز تأخيرها عنه ، فيأثم لو تعمده ويجزئ واستدامة حكمها الى الفراغ.

وقال في المسالك ـ بعد قول المصنف : «ويجب كونها بعد الزوال» ـ ما صورته : في أول أوقات تحققه ليقع الوقوف الواجب ـ وهو ما بين الزوال والغروب ـ بأسره بعد النية. ولو تأخرت عن ذلك اثم وأجزأ. ويعتبر فيها قصد الفعل وتعيين نوع الحج ، والوجه ، والقربة ، والاستدامة الحكمية. هذا هو المشهور. وفي اعتبار نية الوجه هنا بحث. انتهى.

وقال في المدارك : واعتبر الأصحاب في النية وقوعها عند تحقق الزوال ليقع الوقوف الواجب ـ وهو ما بين الزوال والغروب ـ بأسره بعد النية. وما وقفت عليه من الاخبار في هذه المسألة لا يعطى ذلك ، بل ربما ظهر

__________________

(1) سورة البينة الآية 5.

(2) الوسائل الباب 5 من مقدمة العبادات ، والباب 1 من النية في الصلاة والباب 2 من وجوب الصوم.

(3) الوسائل الباب 5 من مقدمة العبادات ، والباب 1 من النية في الصلاة ، والباب 2 من وجوب الصوم. واللفظ : «انما لامرئ ما نوى».


من بعضها خلافه ، كقول الصادق (عليه‌السلام) في صحيحة معاوية بن عمار الواردة في صفة حج النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (1) : «انه انتهى الى نمرة وهي بطن عرنة بحيال الأراك فضربت قبته وضرب الناس أخبيتهم عندها فلما زالت الشمس خرج رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ومعه فرسه وقد اغتسل وقطع التلبية حتى وقف بالمسجد ، فوعظ الناس وأمرهم ونهاهم ، ثم صلى الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين ، ثم مضى الى الموقف فوقف به». وفي رواية أخرى لمعاوية بن عمار (2) «ثم تلبي وأنت غاد الى عرفات ، فإذا انتهيت الى عرفات فاضرب خباءك بنمرة ، وهي بطن عرفة دون الموقف ودون عرفة ، فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاغتسل وصل الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين ، وانما تعجل العصر وتجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء ، فإنه يوم دعاء ومسألة. قال : وحد عرفة من بطن عرفة وثوية ونمرة إلى ذات المجاز ، وخلف الجبل موقف». وتشهد له

رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «لا ينبغي الوقوف تحت الأراك ، فأما النزول تحته حتى تزول الشمس وتنهض الى الموقف فلا بأس. ، والمسألة محل اشكال ، ولا ريب ان ما اعتبره الأصحاب أولى وأحوط. انتهى.

أقول : لا اشكال بحمد الملك المتعال بعد اتفاق الأخبار الواردة في

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 247 والتهذيب ج 5 ص 456 والوسائل الباب 2 من أقسام الحج. وفي الفروع «قريش» بدل «فرسه».

(2) الفروع ج 4 ص 461 و 462 والتهذيب ج 5 ص 179 والوسائل الباب 8 و 9 و 10 من إحرام الحج والوقوف بعرفة.

(3) الوسائل الباب 10 من إحرام الحج والوقوف بعرفة.


هذا المجال على الحكم المذكور. وأولوية ما ذكره الأصحاب وأحوطيته مع عدم دليل عليه ـ بل دلالة الاخبار على خلافه ـ ممنوعة. على انه لم يتحقق الإجماع على ذلك ، وانما ذكر هذا الحكم جملة من المتأخرين بناء علي مزيد تدقيقهم في أمر النية التي لا اثر لها في الاخبار بالكلية. وبنحو هذه الاخبار عبر الشيخ في النهاية ، فقال : فإذا زالت الشمس اغتسل وصلى الظهر والعصر جميعا يجمع بينهما ثم يقف بالموقف ويدعو لنفسه ولوالديه. الى آخره. وبهذه العبارة عبر في المبسوط ايضا. وبنحو ذلك عبر ابن إدريس في السرائر فقال : فإذا زالت اغتسل وصلى الظهر والعصر جميعا ، يجمع بينهما بأذان واحد وإقامتين لأجل البقعة ، ثم يقف بالموقف ويدعو. الى آخره. وقال في المقنعة : فإذا زالت الشمس يوم عرفة فليغتسل ويقطع التلبية ويكثر من التهليل والتحميد والتكبير ، ثم يصلي الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين. الى ان قال : ثم يأتي الموقف. وقال في كتاب من لا يحضره الفقيه نحو ذلك أيضا في باب سياق مناسك الحج. وهذه العبارات جارية على نهج الاخبار لا تعرض فيها للنية فضلا عن مقارنتها لأول الزوال كما ذكره جملة من المتأخرين ، وهو من ما ينبهك على ما قدمنا تحقيقه وأوسعنا مضيقة من أن النية أمر جبلي وحكم طبيعي لا تنفك عنه أفعال العقلاء في عبادة ولا غيرها. واما ما ذكروه من المقارنة فلا وجه له ولا دليل عليه ، إذ النية عندنا مستصحبة لا ينفك عنها في حال من الأحوال ، وهو انما يتمشى على ما تخيلوه من النية بالمعنى الذي صاروا إليه الذي هو عبارة عن الحديث النفسي والتصوير الفكري بما يترجمه قول القائل : «افعل كذا لوجوبه قربة إلى الله تعالى» وهذا كما تقدم تحقيقه بمعزل عن


النية الحقيقية.

بقي الكلام في ان وقت الوقوف الواجب من مبدأ الزوال كما ذكروه ، فيجب على هذا الكون في الموقف من ذلك الوقت ، والاخبار ـ كما ترى ـ لا تساعده ، والظاهر ان المراد من كونه من الزوال انه يقطع التلبية من ذلك الوقت كما تكاثرت به الاخبار ، ويشتغل بالوقوف ومقدماته من الغسل أولا ثم الصلاة الواجبة والخطبة واستماعها ـ كما تقدم في صحيحة معاوية بن عمار من انه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وعظ الناس ـ ثم الوقوف بعرفة.

هذا ما يستفاد من الاخبار وكلام متقدمي الأصحاب كما سمعت. وبذلك يظهر انه لا إشكال في هذا المجال بحمد الله المتعال وبركة الآل (عليهم صلوات ذي الجلال).

الموضع الثاني ـ وجوب الكون فيها الى الغروب ، فلا يجزئ الوقوف في حدودها ، وحدها ـ كما ذكره في الدروس والمسالك وغيرهما ـ نمرة بفتح النون وكسر الميم وفتح الراء ، وثوية بفتح الثاء المثلثة وكسر الواو وتشديد الياء المثناة من تحت ، وذو المجاز ، والأراك كسحاب ، وهو موضع بعرنة قرب نمرة ، قال في القاموس : وعرنة بضم العين وفتح الراء والنون. قال في الدروس : وحدها نمرة وثوية وذو المجاز والأراك ، ولا يجوز الوقوف بالحدود. وقال في المسالك بعد ذكر الأماكن الخمسة المتقدمة : وهذه الأماكن الخمسة حدود عرفة وهي راجعة إلى أربعة كما هو المعروف من الحدود ، لأن نمرة بطن عرنة كما روى في حديث معاوية بن عمار عن الصادق (عليه‌السلام) (1) ولا يقدح ذلك في كون كل واحد منهما

__________________

(1) الوسائل الباب 9 من إحرام الحج والوقوف بعرفة.


حدا فإن أحدهما ألصق من الآخر ، وغيرهما وان شاركهما باعتبار اتساعه في إمكان جعله كذلك لكن ليس لإجزائه أسماء خاصة بخلاف نمرة وعرنة. ونقل في الدروس عن الحسن وابن الجنيد والحلبي ان حدها من المأزمين إلى الموقف.

أقول : والكل مروي وحدود وان كان من جهات متعددة.

روى الكليني والشيخ في الصحيح عن أبي بصير ـ وهو ليث المرادي بقرينة ابن مسكان عنه ـ عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «حد عرفات من المأزمين إلى أقصى الموقف».

وروى في من لا يحضره الفقيه (2) عن معاوية بن عمار وأبي بصير عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «حد منى من العقبة إلى وادي محسر ، وحد عرفات من المأزمين إلى أقصى الموقف. قال : وقال (عليه‌السلام): حد عرفة من بطن عرنة وثوية ونمرة وذي المجاز ، وخلف الجبل موقف الى وراء الجبل». قال في الوافي (3) : ولعل المراد بوراء الجبل ما خرج من سفحه. من خلفه.

وفي صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «إذا

__________________

(1) الوسائل الباب 10 من إحرام الحج والوقوف بعرفة.

(2) ج 2 ص 280 والوسائل الباب 6 و 10 من إحرام الحج والوقوف ، والوافي باب (حدود عرفات).

(3) باب (حدود عرفات).

(4) الفروع ج 4 ص 461 و 462 والتهذيب ج 5 ص 179 والوسائل ب 8 و 9 و 10 من إحرام الحج والوقوف بعرفة.


انتهيت الى عرفات فاضرب خباءك بنمرة ، وهي بطن عرنة دون الموقف ودون عرفة ـ الى ان قال ـ : وحد عرفة من بطن عرنة وثوية ونمرة إلى ذي المجاز ، وخلف الجبل موقف».

وروى في الكافي عن مسمع عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «عرفات كلها موقف ، وأفضل الموقف سفح الجبل».

وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «إذا وقفت بعرفات فادن من الهضاب والهضاب هي الجبال ، فإن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال : ان أصحاب الأراك لا حج لهم ، يعني : الذين يقفون عند الأراك».

وروى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في الموقف : ارتفعوا عن بطن عرنة. وقال : ان أصحاب الأراك لا حج لهم».

وروى في التهذيب عن إسحاق بن عمار عن أبي الحسن (عليه‌السلام) (4) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : ارتفعوا عن وادي عرنة بعرفات».

وعن سماعة في الموثق في حديث (5) قال : «قلت : فإذا كانوا

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 463 والوسائل الباب 11 من إحرام الحج والوقوف بعرفة ، راجع التعليق على هذا الحديث في الطبعة الحديثة من الوسائل.

(2 و 3) الفروع ج 4 ص 463 والتهذيب ج 5 ص 287 والوسائل الباب 19 من إحرام الحج والوقوف بعرفة.

(4) الوسائل الباب 10 من إحرام الحج والوقوف بعرفة.

(5) التهذيب ج 5 ص 180 والوسائل الباب 11 و 10 من إحرام الحج والوقوف بعرفة ، والوافي باب (حدود عرفات).


بالموقف وكثروا وضاق عليهم كيف يصنعون؟ قال : يرتفعون الى الجبل ، وقف في ميسرة الجبل ، فان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وقف بعرفات ، فجعل الناس يبتدرون أخفاف ناقته يقفون الى جانبها فنحاها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ففعلوا مثل ذلك. فقال : ايها الناس انه ليس موضع أخفاف ناقتي بالموقف ولكن هذا كله موقف. وأشار بيده الى الموقف وقال : هذا كله موقف. فتفرق الناس. وفعل مثل ذلك بالمزدلفة. وإذا رأيت خللا فتقدم فسده بنفسك وراحلتك ، فان الله يحب ان تسد تلك الخلال. وانتقل عن الهضاب واتق الأراك ونمرة ـ وهي بطن عرنة ـ وثوية وذا المجاز ، فإنه ليس من عرفة فلا تقف فيه».

أقول : وهذه الاخبار كلها ـ كما ترى ـ صريحة في عدم جواز الوقوف في حدودها.

واما انه يجب الوقوف فيها الى الغروب الذي هو عبارة عن زوال الحمرة المشرقية إلى ناحية المغرب على الأشهر الأظهر فيدل عليه مضافا الى اتفاق الأصحاب جملة من الاخبار.

ومنها : ما رواه الشيخ عن معاوية بن عمار في الصحيح (1) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : ان المشركين كانوا يفيضون قبل ان تغيب الشمس فخالفهم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فأفاض بعد غروب الشمس».

وما رواه الشيخ عن يونس بن يعقوب في الموثق (2) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : متى تفيض من عرفات؟ قال : إذا ذهبت

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 22 من إحرام الحج والوقوف بعرفة.


الحمرة من ههنا وأشار بيده الى المشرق والى مطلع الشمس».

وما رواه في الكافي عن يونس المذكور أيضا في الموثق (1) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : متى الإفاضة من عرفات؟ قال : إذا ذهبت الحمرة. يعنى من الجانب الشرقي».

وحيث ثبت ان الواجب الوقوف الى الغروب فلو أفاض قبل الغروب فان كان جاهلا أو ناسيا فلا شي‌ء عليه إجماعا منا ، كما ادعاه في التذكرة والمنتهى بل قال : انه قول كافة العلماء.

ويدل عليه ما رواه الشيخ في الحسن عن مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (2) «في رجل أفاض من عرفات قبل غروب الشمس؟ قال : ان كان جاهلا فلا شي‌ء عليه ، وان كان متعمدا فعليه بدنة».

ووصف في المدارك هذه الرواية بالصحة مع طعنه في روايات مسمع في غير موضع بأنه غير موثق كما في مسألة كفارة من نظر الى امرأته فأمنى ، ومنها في كفارة من قبل امرأته. بل صرح في هذا الموضع بضعف روايته بسببه. وبالجملة فإن له فيه اضطرابا عظيما ، فتارة يصف روايته بالصحة كما هنا ، ومثله في كفارة القنفذ والضب واليربوع ، وتارة بالحسن وتارة بالضعف. والمعصوم من عصمه الله تعالى.

وان كان عامدا جبره ببدنة ، فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما. ولا خلاف في صحة حجه وان وجب جبره ، وانما اختلف الأصحاب في ما يجب جبره به ، فالأشهر الأظهر وجوب جبره ببدنة.

__________________

(1) الوسائل الباب 22 من إحرام الحج والوقوف بعرفة.

(2) الوسائل الباب 23 من إحرام الحج والوقوف بعرفة.


ويدل عليه حسنة مسمع المتقدمة.

وصحيحة ضريس عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن رجل أفاض من عرفات قبل ان تغيب الشمس. قال : عليه بدنة ينحرها يوم النحر فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في الطريق أو في اهله».

ورواية الحسن بن محبوب عن رجل عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (2) «في رجل أفاض من عرفات قبل ان تغرب الشمس؟ قال : عليه بدنة ، فان لم يقدر على بدنة صام ثمانية عشر يوما».

ونقل عن ابني بابويه ان الكفارة شاة. قال في المدارك ولم نقف لهما على مستند.

أقول : الظاهر ان مستندهما كتاب الفقه الرضوي حيث قال (عليه‌السلام) (3) : «وإياك ان تفيض قبل الغروب فيلزمك دم». وقال ايضا (4) بعد ذكر المشعر : «وإياك ان تفيض منها قبل طلوع الشمس ، ولا من عرفات قبل غروبها فيلزمك الدم».

والدم حيث يطلق في الاخبار وكلام الأصحاب فالمراد به دم شاة ، وينبهك على ذلك ان العلامة في المختلف نقل عن الشيخ في الخلاف انه قال : الأفضل ان يقف الى غروب الشمس في النهار ويدفع عن الموقف بعد غروبها ، فان دفع قبل الغروب لزمه دم. ثم اعترضه في موضعين من هذا الكلام : الأول : قوله : «الأفضل» فإنه يوهم جواز الإفاضة قبل الغروب مع انه لا خلاف بيننا انه يجب الوقوف الى الغروب ولا يجوز قبله ، والاخبار

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 23 من إحرام الحج والوقوف بعرفة.

(3 و 4) ص 28.


دالة على ذلك كما تقدم. الى ان قال : الثاني : انه أوجب الدم ، وقد عرفت ان الدم إذا أطلق حمل على أقل مراتبه وهو الشاة ، عملا بأصالة البراءة ، وقد بينا في المسألة السابقة ان الواجب بدنة ، خلافا لابني بابويه انتهى.

قالوا : ولو أفاض عامدا وعاد قبل الغروب لم يلزمه الجبر ، لأصالة البراءة ولانه لو لم يقف أولا ثم اتى قبل غروب الشمس ووقف حتى تغرب الشمس لم يجب عليه شي‌ء ، فكذا هنا. وحكى العلامة في المنتهى عن بعض العامة قولا باللزوم (1) لحصول الإفاضة المحرمة المقتضية للزوم الدم فلا يسقط الا بدليل. قال في المدارك : وهو غير بعيد وان كان الأقرب السقوط.

أقول : المسألة عندي محل توقف ، لفقد النص في المقام ، والتعليلات التي ذكروها عليلة لا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية ، والقول العامي لا يخلو من قوة.

بقي الكلام في ان مورد رواية مسمع الجاهل والعامد. واما حكم الناسي فهو غير مذكور فيها ، والأصحاب قد أدرجوه في حكم الجاهل وجعلوا حكمه حكم الجاهل ، كما قدمنا نقله عنهم ، ودعوى الإجماع عليه. وكأنهم بنوا في ذلك على اشتراكهما في العذر وعدم توجه الخطاب. وفيه منع ظاهر فان المفهوم من تتبع الاخبار ان الجاهل أعذر ، وان الناسي بسبب تذكره أولا وعلمه سابقا لا يساوي الجاهل الذي لا علم له أصلا ، ولهذا استفاضت الاخبار بعدم وجوب قضاء الصلاة على جاهل النجاسة (2) وتكاثرت بوجوب القضاء على الناسي ، حتى علل في بعضها بأنه عقوبة له لنسيانه وعدم

__________________

(1) المغني ج 3 ص 414 و 415 طبع عام 1368.

(2) الوسائل الباب 40 من النجاسات.


تذكره (1) وبالجملة فإن الحكم بمساواتهما لا دليل عليه ان لم يكن الدليل قائما على خلافه. والله اعلم.

الموضع الثالث ـ من المستحبات الغسل بعد الزوال في هذا اليوم للوقوف ويدل عليه قوله (عليه‌السلام) في صحيحة معاوية بن عمار (2) : «فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاغتسل وصل الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين فإنما تعجل العصر وتجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء فإنه يوم دعاء ومسألة».

وفي صحيحة الحلبي أو حسنته (3) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام): الغسل يوم عرفة إذا زالت الشمس ، وتجمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين».

وفي صحيحة عمر بن يزيد (4) قال : «إذا زاغت الشمس يوم عرفة فاقطع التلبية واغتسل وعليك بالتكبير والتهليل والتحميد والتسبيح والثناء على الله. وصل الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين».

ومنها : الجمع بين الظهر والعصر ، وقد عرفت ذلك من الاخبار المذكورة ، ونحوها غيرها ايضا.

ومنها : الدعاء ولا سيما بالمأثور عن أهل العصمة (صلوات الله عليهم).

فروى ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار

__________________

(1) الوسائل الباب 42 من النجاسات.

(2 و 3) الوسائل الباب 9 من إحرام الحج والوقوف بعرفة.

(4) التهذيب ج 5 ص 182 والوسائل الباب 9 من إحرام الحج والوقوف بعرفة. والرواية عن أبي عبد الله (عليه‌السلام).


عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) في حديث (1) قد تقدم صدره غير مرة قال (عليه‌السلام): «فإذا وقفت بعرفات فاحمد الله وهلله ومجده وأثن عليه وكبره (مائة مرة) واقرأ قل هو الله أحد (مائة مرة) وتخير لنفسك من الدعاء ما أحببت ، واجتهد فإنه يوم دعاء ومسألة ، وتعوذ بالله من الشيطان ، فان الشيطان لن يذهلك في موطن قط أحب إليه من ان يذهلك في ذلك الموطن ، وإياك ان تشتغل بالنظر الى الناس واقبل قبل نفسك ، وليكن في ما تقول : اللهم رب المشاعر كلها فك رقبتي من النار ، وأوسع علي من رزقك الحلال ، وادرأ عني شر فسقة الجن والانس ، اللهم لا تمكر بي ولا تخدعني ولا تستدرجني يا اسمع السامعين ويا أبصر الناظرين ويا أسرع الحاسبين ويا ارحم الراحمين ، أسألك ان تصلي على محمد وآل محمد وان تفعل بي كذا وكذا. وليكن في ما تقول وأنت رافع يديك الى السماء : اللهم حاجتي إليك التي إن أعطيتنيها لم يضرني ما منعتني والتي إن منعتنيها لم ينفعني ما أعطيتني ، أسألك خلاص رقبتي من النار ، اللهم اني عبدك وملك يدك وناصيتي بيدك ، وأجلى بعلمك ، أسألك أن توفقني لما يرضيك عني ، وان تسلم مني مناسكي التي أريتها خليلك إبراهيم (عليه‌السلام) ودللت عليها نبيك محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وليكن في ما تقول : اللهم اجعلني ممن رضيت عمله وأطلت عمره وأحييته بعد الموت حياة طيبة». وروى الشيخ في التهذيب (2) عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه‌السلام)

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 463 و 464 والوسائل الباب 11 و 13 و 14 من إحرام الحج والوقوف بعرفة.

(2) ج 5 ص 182 والوسائل الباب 14 من إحرام الحج والوقوف بعرفة.


نحو ذلك وساق الحديث الى ان قال : «وليكن في ما تقول : اللهم اني عبدك فلا تجعلني من أخيب وفدك ، وارحم مسيري إليك من الفج العميق. وليكن فيما تقول : اللهم رب المشاعر كلها. ثم ساقه كما تقدم الى قوله ـ : ولا تستدرجني ـ ثم قال ـ : وتقول : اللهم إني أسألك بحولك وجودك وكرمك ومنك وفضلك يا اسمع السامعين ويا أبصر الناظرين. الحديث». كما تقدم الى آخره.

وروى الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لعلي (عليه‌السلام) : الا أعلمك دعاء يوم عرفة وهو دعاء من كان قبلي من الأنبياء (عليهم‌السلام)؟ قال : تقول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيى ويميت وهو حي لا يموت ، بيده الخير ، وهو على كل شي‌ء قدير ، اللهم لك الحمد كالذي تقول وخيرا من ما نقول وفوق ما يقول القائلون ، اللهم لك صلاتي ونسكي ، ومحياي ومماتي ، ولك براءتي (2) وبك حولي ومنك قوتي ، اللهم إني أعوذ بك من الفقر ومن وساوس الصدور ومن شتات الأمر ومن عذاب القبر ، اللهم إني أسألك خير الرياح وأعوذ بك من شر ما تجي‌ء به الرياح وأسألك خير الليل وخير النهار ، اللهم اجعل في قلبي نورا وفي سمعي وبصري نورا ، وفي لحمي ودمي

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 183 والوسائل الباب 14 من إحرام الحج والوقوف بعرفة.

(2) وفي بعض النسخ (تراثي) بدل (براءتي) ويرجع في تفسير الكلمتين الى بيان الوافي باب (الوقوف بعرفات والدعاء عنده).


وعظامي وعروقي ومقعدي ومقامي ومدخلي ومخرجي نورا وأعظم لي نورا يا رب يوم ألقاك انك على كل شي‌ء قدير».

ورواه في الفقيه (1) عن معاوية بن عمار الى قوله : «وخير النهار». وقال (2) : وفي رواية عبد الله بن سنان : «اللهم اجعل في قلبي نورا. الدعاء».

وروى في من لا يحضره الفقيه (3) عن زرعة عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «إذا أتيت الموقف فاستقبل البيت وسبح الله (مائة مرة) وكبر الله (مائة مرة) وتقول : ما شاء الله ولا قوة إلا بالله (مائة مرة) وتقول : اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيى ويميت ويميت ويحيى وهو حي لا يموت ، بيده الخير ، وهو على كل شي‌ء قدير (مائة مرة) ثم تقرأ عشر آيات من أول سورة البقرة ، ثم تقرأ قل هو الله أحد (ثلاث مرات) وتقرأ آية الكرسي حتى تفرغ منها ، ثم تقرأ آية السخرة (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّامٍ ... إلى قوله قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (4) ثم تقرأ قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس حتى تفرغ منهما ، ثم تحمد الله على كل نعمة أنعم عليك وتذكر النعمة واحدة واحدة ما أحصيت منها ، وتحمده على ما أنعم عليك

__________________

(1 و 2) ج 2 ص 324 والوسائل الباب 14 من إحرام الحج والوقوف بعرفة.

(3) ج 2 ص 322 و 323 والوسائل الباب 14 من إحرام الحج والوقوف بعرفة ، والوافي باب (الوقوف بعرفات والدعاء عنده).

(4) سورة الأعراف ، الآية 54 و 55 و 56.


من أهل ومال ، وتحمد الله على ما أبلاك ، وتقول : اللهم لك الحمد على نعمائك التي لا تحصى بعدد ولا تكافأ بعمل ، وتحمده بكل آية ذكر فيها الحمد لنفسه في القرآن ، وتسبحه بكل تسبيح ذكر به نفسه في القرآن ، وتكبره بكل تكبير كبر به نفسه في القرآن ، وتهلله بكل تهليل هلل به نفسه في القرآن ، وتصلي على محمد وآل محمد وتكثر منه وتجتهد فيه ، وتدعو الله بكل اسم سمى به نفسه في القرآن وبكل اسم تحسنه ، وتدعوه بأسمائه التي في آخر الحشر (1) وتقول : أسألك ـ يا الله يا رحمان بكل اسم هو لك ، وأسألك بقوتك وقدرتك وعزتك وبجميع ما أحاط به علمك وبجمعك وأركانك كلها ، وبحق رسولك (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وباسمك الأكبر الأكبر ، وباسمك العظيم الذي من دعاك به كان حقا عليك ان تجيبه ، وباسمك الأعظم الأعظم الذي من دعاك به كان حقا عليك ان لا ترده وان تعطيه ما سأل ـ ان تغفر لي جميع ذنوبي في جميع علمك في. وتسأل الله حاجتك كلها من الآخرة والدنيا ، وترغب إليه في الوفادة في المستقبل وفي كل عام ، وتسأل الله الجنة (سبعين مرة) وتتوب اليه (سبعين مرة). وليكن من دعائك : اللهم فكني من النار ، وأوسع علي من رزقك الحلال الطيب ، وادرأ عني شر فسقة الجن والانس وشر فسقة العرب والعجم. فان نفد هذا الدعاء ولم تغرب الشمس فأعده من أوله الى آخره ولا تمل من الدعاء والتضرع والمسألة».

وروى في الكافي في الصحيح عن حماد بن عيسى عن عبد الله بن ميمون القداح (2)

__________________

(1) الآية 22 و 23 و 24.

(2) الفروع ج 4 ص 464 والوسائل الباب 24 من إحرام الحج والوقوف بعرفة.


قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وقف بعرفات ، فلما همت الشمس ان تغيب قبل ان تندفع قال : اللهم إني أعوذ بك من الفقر ومن تشتت الأمر ومن شر ما يحدث بالليل والنهار أمسى ظلمي مستجيرا بعفوك ، وأمسى خوفي مستجيرا بأمانك ، وأمسى ذلي مستجيرا بعزك ، وأمسى وجهي الفاني مستجيرا بوجهك الباقي ، يا خير من سئل ويا أجود من اعطى ، جللني برحمتك ، وألبسني عافيتك واصرف عني شر جميع خلقك. قال عبد الله بن ميمون : وسمعت أبي يقول : يا خير من سئل ، ويا أوسع من اعطى ، ويا ارحم من استرحم. ثم سل حاجتك».

أقول : لعل المراد بقوله : «سمعت أبي.» ان أباه روى الحديث بهذه الزيادة.

وروى الشيخ بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «إذا غربت الشمس فقل : اللهم لا تجعله آخر العهد من هذا الموقف وارزقنيه من قابل ابدا ما أبقيتني واقلبني اليوم مفلحا منجحا مستجابا لي مرحوما مغفورا لي بأفضل ما ينقلب به اليوم أحد من وفدك عليك ، وأعطني أفضل ما أعطيت أحدا منهم من الخير والبركة والرحمة والرضوان والمغفرة وبارك لي في ما ارجع اليه من أهل أو مال أو قليل أو كثير وبارك لهم في».

ورواه الصدوق (قدس‌سره) بإسناده عن زرعة (2).

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 187 والوسائل الباب 24 من إحرام الحج والوقوف بعرفة.

(2) الفقيه ج 2 ص 325 والوسائل الباب 24 من إحرام الحج والوقوف بعرفة.


ومن المستحب الدعاء في هذا اليوم ايضا بدعاء الحسين (عليه‌السلام) وهو مشهور (1) ودعاء ابنه زين العابدين (عليه‌السلام) في الصحيفة الكاملة (2).

وقال شيخنا المفيد (عطر الله مرقده) في المقنعة (3) بعد ذكر ما في رواية أبي بصير المتقدمة : «ثم يدعو بدعاء الموقف فيقول : لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم ، سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين ، اللهم صل على محمد عبدك ورسولك وخيرتك من خلقك وعبادك الذي اصطفيته لرسالتك ، واجعله إلهي أول شافع وأول شفيع وأول قائل وأنجح سائل ، اللهم صل على محمد وآل محمد ، وبارك على محمد وآل محمد ، وارحم محمدا وآل محمد ، أفضل ما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، اللهم انك تجيب المضطر إذا دعاك ، وتكشف السوء ، وتغيث المكروب وتشفي السقيم ، وتغني الفقير ، وتجبر الكسير ، وترحم الصغير وتعين الكبير ، وليس فوقك أمير أنت العلي الكبير يا مطلق المكبل الأسير ويا رازق الطفل الصغير ، ويا عصمة الخائف المستجير ، يا من لا شريك له ولا وزير ، اللهم إنك أقرب من دعى ، وأسرع من أجاب ، وأكرم من عفى ، وخير من اعطى ، وأوسع

__________________

(1) ويرويه المحدث الثقة الشيخ عباس القمي في مفاتيح الجنان في اعمال يوم عرفة ص 261.

(2) وهو الدعاء السابع والأربعون من الصحيفة السجادية.

(3) ص 64.


من سئل ، رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما ، ليس كمثلك شي‌ء مسؤول ولا معط ، دعوتك فأجبتني ، وسألتك فاعطيتني ، وفرعت إليك فرحمتني ، وأسلمت لك نفسي فاغفر لي ذنوبي ولوالدي ولأهلي وولدي ولكل سبب ونسب في الإسلام لي ولجميع المؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. اللهم إني أسألك ـ بعظيم ما سألك به أحد من خلقك من كريم أسمائك وجميل ثنائك وخاصة آلائك ان تصلي على محمد وآل محمد ، وان تجعل عشيتي هذه أعظم عشية مرت علي منذ انزلتني الى الدنيا بركة ، في عصمة ديني ، وخاصة نفسي ، وقضاء حاجتي ، وتشفيعي في مسائلي ، وإتمام النعمة علي ، وصرف السوء عني وألبسني العافية ، وان تجعلني ممن نظرت إليه في هذه العشية برحمتك ، إنك جواد كريم. اللهم صل على محمد وآل محمد ، ولا تجعل هذه العشية آخر العهد مني حتى تبلغنيها من قابل مع حاج بيتك الحرام والزوار لقبر نبيك (عليه وآله السلام) في اعفى عافيتك ، وأتم نعمتك ، وأوسع رحمتك وأجزل قسمك ، وأسبغ رزقك ، وأفضل الرجاء ، وانا لك على أحسن الوفاء انك سميع الدعاء. اللهم صل على محمد وآل محمد ، واسمع دعائي ، وارحم تضرعي وتذللي واستكانتي وتوكلي عليك ، فانا لك سلم ، لا أرجو نجاحا ولا معافاة ولا تشريفا الا بك ومنك ، فامنن علي بتبليغي هذه العشية من قابل وانا معافى من كل مكروه ومحذور ومن جميع البوائق. واعني على طاعتك وطاعة أوليائك الذين اصطفيتهم من خلقك لخلقك ، اللهم صل على محمد وآل محمد ، وسلمني في ديني ، وامدد لي في أجلي ، وأصح لي جسمي ، يا من رحمني وأعطاني سؤلي ، فاغفر لي ذنبي انك على كل شي‌ء قدير اللهم صل على محمد وآل محمد ، وتمم علي نعمتك في ما بقي من اجلي حتى تتوفاني وأنت عني راض. اللهم صل على محمد وآل محمد ، ولا تخرجني من ملة الإسلام ، فإني


اعتصمت بحبلك ، ولا تكلني إلى غيرك. اللهم صل على محمد وآل محمد ، وعلمني ما ينفعني ، واملأ قلبي علما وخوفا من سطوتك ونقمتك. اللهم إني أسألك ـ مسألة المضطر إليك ، المشفق من عذابك ، الخائف من عقوبتك ـ ان تغفر لي وتعيذني بعفوك وتحنن علي برحمتك ، وتجود علي بمغفرتك وتؤدي عني فريضتك ، وتغنيني بفضلك عن سؤال أحد من خلقك ، وان تجيرني من النار برحمتك. اللهم صل على محمد وآل محمد ، وافتح له فتحا يسيرا ، وانصره نصرا عزيزا ، واجعل له من لدنك سلطانا نصيرا. اللهم صل على محمد وآل محمد ، وأظهر حجته بوليك ، واحي سنته بظهوره ، حتى تستقيم بظهوره جميع عبادك وبلادك ، ولا يستخفي أحد بشي‌ء من الحق مخافة أحد من الخلق. اللهم إني أرغب إليك في دولته الشريفة الكريمة التي تعز بها الإسلام واهله وتذل بها الشرك واهله. اللهم صل على محمد وآل محمد ، واجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك والعابرين في سبيلك ، وارزقنا فيها كرامة الدنيا والآخرة. اللهم ما أنكرنا من الحق فعرفناه وما قصرنا عنه فبلغناه. اللهم صل على محمد وآل محمد ، واستجب لنا جميع ما دعوناك وسألناك. واجعلنا ممن يذكر فتنفعه الذكرى. وأعطني اللهم سؤلي في الدنيا والآخرة ، انك على كل شي‌ء قدير».

أقول قال الصدوق (قدس‌سره) في من لا يحضره الفقيه (1) ـ بعد ما أورد ما قدمناه قبل هذا الدعاء ـ ما صورته : وقد أخرجت دعاء جامعا لموقف عرفة في كتاب دعاء الموقف ، فمن أحب ان يدعو به دعا به ان شاء الله تعالى. انتهى. والظاهر انه أشار الى هذا الدعاء الذي ذكره شيخنا المذكور. والله العالم.

__________________

(1) ج 2 ص 324.


ومنها : الدعاء للإخوان ، روى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن علي بن إبراهيم عن أبيه (1) قال : «رأيت عبد الله بن جندب بالموقف ، فلم أر موقفا كان أحسن من موقفه ، ما زال مادا يديه الى السماء ودموعه تسيل على خديه حتى تبلغ الأرض ، فلما انصرف الناس قلت : يا أبا محمد ما رأيت موقفا قط أحسن من موقفك. قال : والله ما دعوت إلا لإخواني وذلك لان أبا الحسن موسى بن جعفر (عليه‌السلام) أخبرني انه من دعا لأخيه بظهر الغيب نودي من العرش : «ولك مائة ألف ضعف مثله» فكرهت ان ادع مائة ألف ضعف مضمونة لواحدة لا ادري تستجاب أم لا». ورواه الصدوق مرسلا نحوه (2).

وعن ابن أبي عمير (3) قال : «كان عيسى بن أعين إذا حج فصار الى الموقف اقبل على الدعاء لإخوانه حتى يفيض الناس. قال : قلت له : تنفق مالك وتتعب بدنك حتى إذا صرت الى الموضع الذي تبث فيه الحوائج الى الله (عزوجل) أقبلت على الدعاء لإخوانك وتركت نفسك؟! قال : اني على ثقة من دعوة الملك لي وفي شك من الدعاء لنفسي».

وفي الموثق عن إبراهيم بن أبي البلاد أو عبد الله بن جندب (4) قال : «كنت في الموقف فلما أفضت لقيت إبراهيم بن شعيب فسلمت عليه ، وكان مصابا بإحدى عينيه ، وإذا عينه الصحيحة حمراء كأنها علقة دم ،

__________________

(1 و 3 و 4) الفروع ج 4 ص 465 والوسائل الباب 17 من إحرام الحج والوقوف بعرفة.

(2) الفقيه ج 2 ص 137 والوسائل الباب 17 من إحرام الحج والوقوف بعرفة.


فقلت له : قد أصبت بإحدى عينيك وانا والله مشفق على عينك الأخرى ، فلو قصرت من البكاء قليلا. قال : لا والله يا أبا محمد ما دعوت لنفسي اليوم بدعوة. فقلت : فلمن دعوت؟ فقال : دعوت لإخواني ، فإني سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : من دعا لأخيه بظهر الغيب وكل الله به ملكا يقول : «ولك مثلاه» فأردت ان أكون أنا أدعو لإخواني ويكون الملك يدعو لي ، لأني في شك من دعائي لنفسي ولست في شك من دعاء الملك لي».

ومنها : ان يضرب خباءه بنمرة ، لقوله (عليه‌السلام) في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة (1) : «فإذا انتهيت الى عرفات فاضرب خباءك بنمرة ، وهي بطن عرنة دون الموقف ودون عرفة ، فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاغتسل. الحديث».

وفي صحيحته الأخرى الواردة في حج النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (2) «انه انتهى الى نمرة وهي بطن عرنة بحيال الأراك ، فضربت قبته وضرب الناس أخبيتهم عندها ، فلما زالت الشمس خرج رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ومعه فرسه وقد اغتسل وقطع التلبية حتى وقف بالمسجد فوعظ الناس. الحديث». وقد تقدم في المقام (3).

واستشكل في المسالك هنا بفوات جزء من الوقوف الواجب عند الزوال قال : والذي ينبغي انه لا تزول الشمس عليه الا بها. انتهى. وهو مبنى على

__________________

(1) ص 375.

(2) الوسائل الباب 2 من أقسام الحج.

(3) ص 375 وذكرنا هناك ان لفظ الكافي «قريش» بدل «فرسه».


ما قدمنا نقله عنه وعن أمثاله من المتأخرين من إيجابهم الوقوف بعرفة من أول الزوال ومقارنة النية لأوله. وقد عرفت الكلام فيه في الموضع الأول مستوفى.

ومنها : سد الخلل بنفسه أو برحله ، لما تقدم

في صحيحة معاوية بن عمار (1) من قوله (عليه‌السلام): «فإذا رأيت خللا فسده بنفسك وراحلتك ، فان الله (عزوجل) يحب ان تسد تلك الخلال».

وربما علل استحباب سد الفرج الكائنة على الأرض بأنها إذا بقيت فربما يطمع أجنبي في دخولها ، فيشتغلون بالتحفظ منه عن الدعاء ، ويؤذيهم في شي‌ء من أمورهم.

واحتمل بعض الأصحاب (رضوان الله عليهم) كون متعلق الجار في «بنفسك وراحلتك» محذوفا صفة للخلل ، والمعنى انه يسد الخلل الكائن بنفسه وبرحله ، بأن يأكل ان كان جائعا ، ويشرب ان كان عطشانا ، وهكذا يصنع ببعيره ، ويزيل الشواغل المانعة من الإقبال والتوجه في الدعاء.

وهو معنى حسن في حد ذاته الا انه بعيد عن لفظ الخبر والمستفاد من غيره ، بل المراد انما هو الفرج الواقعة في الأرض.

كما يدل عليه صريحا ما رواه في الكافي عن سعيد بن يسار (2) قال : «قال لي أبو عبد الله (عليه‌السلام) عشية من العشيات ونحن بمنى ـ وهو يحثني على الحج ويرغبني فيه ـ : يا سعيد أيما عبد رزقه الله رزقا من رزقه

__________________

(1 و 2) الفروع ج 4 ص 263 والوسائل الباب 13 من إحرام الحج والوقوف بعرفة.


فأخذ ذلك الرزق فأنفقه على نفسه وعلى عياله ، ثم أخرجهم قد ضحاهم بالشمس حتى يقدم بهم عشية عرفة الى الموقف فيقيل ، ألم تر فرجا تكون هناك فيها خلل وليس فيها أحد؟ فقلت : بلى جعلت فداك. فقال : يجي‌ء بهم قد ضحاهم حتى يشعب بهم تلك الفرج ، فيقول الله (تبارك وتعالى لا شريك له) : عبدي رزقته من رزقي فأخذ ذلك الرزق فأنفقه فضحى به نفسه وعياله ثم جاء بهم حتى شعب بهم هذه الفرجة التماس مغفرتي ، اغفر له ذنبه ، واكفه ما أهمه. وارزقه. الحديث».

قال في الوافي (1) بعد ذكر الخبر : «قد ضحاهم بالشمس» اي ابرزهم لحرها ، والضحى بالضم والقصر : الشمس. قوله : «ألم تر» جملة معترضة والتقدير فيقيل بهم حتى يشعب بهم تلك الفرج. والفرجة بالضم : الثلمة في الحائط ونحوه. والخلل : منفرج ما بين الشيئين. والشعب : الرتق والجمع والإصلاح ، يعني : عمر تلك المواضع بعبادته وعبادة أهل بيته وملأها بهم وسدها» انتهى.

ومنها : الوقوف بميسرة الجبل بعرفة ، فإنه الأفضل وان أجزأ الوقوف بأي موضع منها.

فروى في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «قف في ميسرة الجبل ، فان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وقف بعرفات في ميسرة الجبل ، فلما وقف جعل الناس

__________________

(1) باب (فضل الحج والعمرة وثوابهما).

(2) الفروع ج 4 ص 463 والوسائل الباب 11 من إحرام الحج والوقوف بعرفة.


يبتدرون أخفاف ناقته فيقفون الى جانبه ، فنحاها ، ففعلوا مثل ذلك ، فقال : ايها الناس انه ليس موضع أخفاف ناقتي الموقف ولكن هذا كله موقف. وأشار بيده الى الموقف. وقال : هذا كله موقف. وفعل مثل ذلك بالمزدلفة. الحديث».

وعن مسمع عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «عرفات كلها موقف ، وأفضل الموقف سفح الجبل. الى ان قال : وانتقل عن الهضبات واتق الأراك».

وعن محمد بن سماعة عن سماعة (2) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام): إذا كثر الناس بمنى وضاقت عليهم فكيف يصنعون؟ فقال : يرتفعون إلى وادي محسر. قلت : فإذا كثروا بجمع وضاقت عليهم كيف يصنعون؟ فقال : يرتفعون إلى المأزمين. قلت : فإذا كانوا بالموقف وكثروا وضاق عليهم كيف يصنعون؟ قال : يرتفعون الى الجبل ويوقف في ميسرة الجبل ، فان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وقف بعرفات فجعل الناس يبتدرون أخفاف ناقته. الحديث». كما تقدم في صحيحة معاوية بن عمار.

ومنها : القيام ، ذكره جملة من الأصحاب ، وعللوه بأنه أشق ، وأفضل

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 463 والوافي باب (حدود عرفات) والوسائل الباب 11 من إحرام الحج والوقوف بعرفة. راجع التعليقة (2) على هذا الحديث في الطبعة الحديثة من الوسائل.

(2) التهذيب ج 5 ص 180 والوسائل الباب 11 و 13 و 10 من إحرام الحج والوقوف بعرفة وفي النسخ المخطوطة والمطبوعة اسناد الرواية الى محمد بن سماعة.


الأعمال أحمزها (1).

وقال الشيخ في الخلاف : يجوز الوقوف بعرفة راكبا وقائما سواء. وفي المبسوط القيام أفضل. قال في المختلف : وهو الحق ، لنا : انه أشق ، وقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله): «أفضل الأعمال أحمزها» (2). ثم نقل عن الشيخ في الخلاف انه قال في استدلاله : وايضا القيام أشق من الركوب ، فينبغي ان يكون أفضل.

وقال في المدارك بعد ان اختار ذلك وعلله بما ذكره الأصحاب أيضا : وينبغي ان يكون ذلك حيث لا ينافي الخشوع لشدة التعب ونحوه ، والا سقطت وظيفة القيام.

وقال في المدارك بعد ان نقل عن المصنف كراهة الركوب والقعود : لم أقف على رواية تتضمن النهي عن ذلك. نعم لا ريب انه خلاف الاولى ، لاستحباب القيام. وقال بعض العامة : ان الركوب أفضل من القيام ، لما رووه من ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وقف راكبا (3) وهو ضعيف. انتهى.

أقول : والمسألة عندي لا تخلو من شوب التردد ، فان ما ذكروه من استحباب القيام لم يرد في شي‌ء من اخبار عرفة على كثرتها واشتمالها على جملة من المندوبات ، مع ان هذا الحكم من أهمها لو كان كذلك. وما عللوه به

__________________

(1) في نهاية ابن الأثير مادة (حمز) : «في حديث ابن عباس : سئل رسول الله (ص) : اي الأعمال أفضل؟ فقال : أحمزها اي أقواها وأشدها». وفي مجمع البحرين ايضا نسبته الى حديث ابن عباس.

(2) نفس المصدر.

(3) المغني ج 3 ص 428 طبع مطبعة المنار.


من الخبر لا يخلو من شي‌ء.

مع ان الظاهر من صحيحة معاوية بن عمار في حكاية وقوفه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (1) وقوله فيها : «فلما وقف جعل الناس يبتدرون أخفاف ناقته فيقفون الى جانبه ، فنحاها ، ففعلوا مثل ذلك». ان وقوفه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان على الناقة.

وأصرح منه وأظهر ما رواه عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب الاسناد عن محمد بن عيسى عن حماد بن عيسى (2) قال : «رأيت أبا عبد الله جعفر بن محمد (عليه‌السلام) في الموقف على بغلة رافعا يده الى السماء عن يسار والى الموسم حتى انصرف ، وكان في موقف النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وظاهر كفيه الى السماء وهو يلوذ ساعة بعد ساعة بسبابتيه».

ومنها : عدم الوقوف في أعلى الجبل الا مع الضرورة. لما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمار (3) قال : «سألت أبا إبراهيم (عليه‌السلام) عن الوقوف بعرفات فوق الجبل أحب إليك أم على الأرض؟ فقال : على الأرض».

ونقل عن ابن البراج وابن إدريس أنهما حرما الوقوف على الجبل إلا لضرورة. ولم أقف لذلك على دليل سوى الرواية المذكورة.

وكيف كان فمع الضرورة كالزحام ونحوه تنتفي الكراهة أو التحريم.

__________________

(1) الوسائل الباب 11 من إحرام الحج والوقوف بعرفة.

(2) الوسائل الباب 12 من إحرام الحج والوقوف بعرفة.

(3) الوسائل الباب 10 من إحرام الحج والوقوف بعرفة.


لما تقدم في رواية محمد بن سماعة (1). وما رواه في الكافي عن سماعة (2) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : إذا ضاقت عرفة كيف يصنعون؟ قال : يرتفعون الى الجبل».

ومنها : الوقوف على طهارة ، لما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (3) قال : «سألته عن الرجل هل يصلح له ان يقف بعرفات على غير وضوء؟ قال : لا يصلح له الا وهو على وضوء».

وانما حملناه على الاستحباب لما تقدم في أحاديث السعي والطواف من ما يدل على جواز أداء المناسك بغير طهارة إلا الطواف.

وينبغي تقييد ذلك ايضا بما إذا لم يكن وقوفه على غسل والا فالغسل مجزئ عنه ، كما هو القول المختار من اجزاء الغسل مطلقا عن الوضوء ، كما تقدم تحقيقه في كتاب الطهارة.

الموضع الرابع ـ المشهور بين الأصحاب ان الدعاء يوم عرفة مستحب ، قال في المنتهى : وهذه الأدعية مستحبة وليست بواجبة إنما الواجب الوقوف ولا نعلم في ذلك خلافا. ثم أورد الخبرين الآتيين.

أقول : وربما أشعر كلام بعضهم بالوجوب ، ونقل في الدروس عن الحلبي انه أوجب الدعاء والاستغفار. وعن ابن زهرة إيجاب الذكر.

وقال في المختلف : قال أبو الصلاح : يلزم افتتاحه بالنية ، وقطع زمانه

__________________

(1) تقدم انها رواية محمد بن سماعة عن سماعة.

(2) الوسائل الباب 11 من إحرام الحج والوقوف بعرفة.

(3) الوسائل الباب 20 من إحرام الحج والوقوف بعرفة.


بالدعاء والتوبة والاستغفار. قال : وهذا يوهم وجوب هذه الأشياء. والحق ان الواجب النية والكون بها خاصة دون وجوب شي‌ء من الأذكار. وكذا قال في المشعر. وهو اختيار ابن البراج. لنا : الأصل براءة الذمة ، وما رواه عبد الله بن جذاعة الأزدي (1) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام): رجل وقف بالموقف فأصابته دهشة الناس ، فبقي ينظر الى الناس ولا يدعو حتى أفاض الناس؟ قال : يجزئه وقوفه. ثم قال : أليس قد صلى بعرفات الظهر والعصر وقنت ودعا؟ قلت : بلى. قال : فعرفات كلها موقف ، وما قرب من الجبل فهو أفضل». وعن أبي يحيى زكريا الموصلي (2) قال : «سألت العبد الصالح (عليه‌السلام) عن رجل وقف بالموقف فأتاه نعي أبيه أو نعي بعض ولد ، قبل ان يذكر الله بشي‌ء أو يدعو ، فاشتغل بالجزع والبكاء عن الدعاء ، ثم أفاض الناس. فقال : لا ارى عليه شيئا وقد أساء ، فليستغفر الله ، اما لو صبر واحتسب لأفاض من الموقف بحسنات أهل الموقف جميعا من غير ان ينقص من حسناتهم شي‌ء».

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 184 والوسائل الباب 16 من إحرام الحج والوقوف بعرفة. والسند في التهذيب والوافي باب (الوقوف بعرفات والدعاء عنده) هكذا : عن جعفر بن عامر بن عبد الله بن جذاعة الأزدي عن أبيه. وفي الوسائل عن جعفر بن عامر عن عبد الله بن جذاعة الأزدي عن أبيه.

(2) التهذيب ج 5 ص 184 والوسائل الباب 16 من إحرام الحج والوقوف بعرفة.


الفصل الثالث في الأحكام

وفيه مسائل :

الأولى ـ لا خلاف بين الأصحاب بل بين علماء الإسلام (1) في ان الوقوف بعرفة ركن من تركه عامدا فلا حج له.

ويدل عليه ما تقدم في جملة من الاخبار : ان أهل الأراك لا حج لهم (2). وإذا بطل الحج بالوقوف في غير الموقف فبعدم الوقوف بالكلية بطريق أولى. فأما ما رواه الشيخ عن ابن فضال عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (3) ـ قال : «الوقوف بالمشعر فريضة ، والوقوف بعرفة سنة».

فقد رده المتأخرون بالطعن في السند بالإرسال ، وضعف المرسل.

وأجاب عنه الشيخ بحمل السنة على ما ثبت فرضه من جهة السنة دون النص بظاهر القرآن ، قال : وما عرف فرضه من جهة السنة جاز ان يطلق عليه الاسم بأنه سنة ، وقد بينا ذلك في غير موضع ، وليس كذلك الوقوف بالمشعر ، لان فرضه علم بظاهر القرآن ، قال الله تعالى (فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ) (4) انتهى. وهو جيد.

__________________

(1) المغني ج 3 ص 428 طبع مطبعة المنار.

(2) الوسائل الباب 10 و 11 من إحرام الحج والوقوف بعرفة.

(3) الوسائل الباب 19 من إحرام الحج والوقوف بعرفة.

(4) سورة البقرة الآية 197.


وقال في الدروس : ورواية ابن فضال ـ انه سنة ـ مزيفة بالإرسال. ومعارضة بالإجماع. ومأولة بالثبوت بالسنة.

وينبغي ان يعلم ان الركن منه هو المسمى خاصة ، وما عداه فيتصف بالوجوب ، ومن ثم صح حج المفيض قبل الغروب عمدا وان وجب عليه جبره بالبدنة أو الشاة على القولين المتقدمين. وصح ايضا حج من أخل به أول الوقت.

ولا يختص الركن بجزء معين منه بل الأمر الكلي ، كما قالوا في الركن الركوعي من انه المقارن للركوع.

الثانية ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بان الوقت الاختياري لوقوف عرفة من زوال الشمس الى الغروب ، من تركه عامدا فسد حجه ومن تركه ناسيا تداركه ما دام وقته باقيا ولو قبل طلوع الفجر من يوم النحر. ولو فاته اكتفى بالوقوف بالمشعر ، والوقت الاضطراري إلى طلوع الفجر من يوم النحر.

وتفصيل هذا الإجمال وما يتعلق به من الاستدلال يقع في مواضع.

فاما بيان ان الوقت الاختياري من زوال الشمس الى الغروب فقد تقدمت الأخبار الدالة عليه في بيان كيفية الوقوف (1).

واما أن من ترك الوقوف في هذا الوقت عامدا فسد حجه فقد تقدم بيانه في سابق هذه المسألة.

واما بيان الوقت الاضطراري وانه يجزئ لمن لم يدرك الاختياري فيدل عليه جملة من الاخبار :

منها : ما رواه الصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمار والكليني

__________________

(1) ص 380.


في الصحيح أو الحسن عنه ايضا عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (1) في حديث قال : «وقال في رجل أدرك الامام وهو بجمع. فقال : ان ظن انه يأتي عرفات فيقف بها قليلا ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها ، وان ظن انه لا يأتيها حتى يفيضوا فلا يأتها وليقم بجمع ، فقد تم حجه».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات. فقال : ان كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل ان يفيضوا فلا يتم حجه حتى يأتي عرفات ، وان قدم وقد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام ، فان الله تعالى أعذر لعبده ، فقد تم حجه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل ان يفيض الناس ، فان لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج ، فليجعلها عمرة مفردة ، وعليه الحج من قابل».

وعن إدريس بن عبد الله (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل أدرك الناس بجمع وخشي ان مضى الى عرفات ان يفيض الناس من جمع قبل ان يدركها. فقال : ان ظن ان يدرك الناس بجمع قبل

__________________

(1) الفقيه ج 2 ص 284 والفروع ج 4 ص 476 والوسائل الباب 22 من الوقوف بالمشعر. راجع التعليقة 1 على هذا الحديث في الطبعة الحديثة من الوسائل.

(2 و 3) التهذيب ج 5 ص 289 والوسائل الباب 22 من الوقوف بالمشعر.


طلوع الشمس فليأت عرفات فإن خشي أن لا يدرك جمعا فليقف بجمع ثم ليفض مع الناس ، فقد تم حجه».

وعن معاوية بن عمار في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في سفر ، فإذا شيخ كبير فقال : يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ما تقول في رجل أدرك الإمام بجمع؟ فقال له : ان ظن انه يأتي عرفات فيقف قليلا ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها ، وان ظن انه لا يأتيها حتى يفيض الناس من جمع فلا يأتها ، وقد تم حجه».

واما انه لو فاته الوقوف الاضطراري اكتفى بالوقوف بالمشعر فقد دلت عليه الاخبار المذكورة.

بقي الكلام في ان الأصحاب (رضوان الله عليهم) استدلوا بهذه الروايات على ما قدمنا نقله عنهم من حكم الناسي ، وهي ـ كما ترى ـ لا تعرض فيها لذكر الناسي ولو بالإشارة فضلا عن التصريح ، وانما موردها ضيق الوقت على القادم للحج.

واما ما ذكره في المدارك بعد ان أورد عليهم نحو ما أوردناه ـ حيث قال : ويمكن استفادته من التعليل المستفاد من قوله (عليه‌السلام) في رواية الحلبي : «الله أعذر لعبده» فان النسيان من أقوى الأعذار. بل يمكن الاستدلال بذلك على عذر الجاهل ايضا كما هو ظاهر اختيار الشهيد في الدروس.

فهو محل نظر. وكأنه بناء منه على ما قدمنا نقله عنه في كتاب الصيام

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 290 والوسائل الباب 22 من الوقوف بالمشعر.


من دعواه ان النسيان من الله (تعالى). وقد بينا ثمة ضعفه ، وان النسيان انما هو من الشيطان كما تكررت به آيات القرآن. وبالجملة فإن الناسي من حيث حصول العلم له أولا فعروض النسيان له انما هو لإهماله التذكر وعدم الاعتناء بإجرائه على البال. ومن أجل ذلك يضعف القول بمعذوريته ، وان كان ظاهر كلامه هنا وكذا كلام غيره زيادة معذوريته على الجاهل. وهو غلط محض ، فإن الأخبار قد استفاضت بمعذورية الجاهل ولا سيما في باب الحج عموما وخصوصا. والوجه فيه ظاهر ، كما تقدم تحقيقه في غير مقام ولا سيما في مقدمات الكتاب ، وهم في أكثر المواضع انما استندوا في معذورية الناسي الى اخبار معذورية الجاهل ، فلو عكسوا لأصابوا.

وظاهر الاخبار المذكورة الاكتفاء في الوقوف الاضطراري بمسمى الكون بعرفة ، وبذلك صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) ايضا ، قال في المنتهى : لو لم يقف بعرفة نهارا ووقف بها ليلا أجزأه على ما بيناه ، وجاز له ان يدفع من عرفات اي وقت شاء بلا خلاف.

ونقل عن الشيخ في الخلاف انه أطلق ان وقت الوقوف بعرفة من الزوال يوم عرفة الى طلوع الفجر من يوم النحر. وحمله جملة من الأصحاب على ان مراده بيان مجموع وقتي الاختيار والاضطرار ، لا أن ذلك وقت اختياري لتصريحه في سائر كتبه بالتفصيل المذكور.

وحمله ابن إدريس على ان مراده الوقت الاختياري ، فاعترضه بان هذا القول مخالف لأقوال علمائنا وانما هو قول لبعض المخالفين (1) أورده الشيخ

__________________

(1) المغني ج 3 ص 433 و 434 طبع مطبعة المنار.


في كتابه إيرادا لا اعتقادا.

وقال العلامة في المختلف ـ ونعم ما قال ـ : والتحقيق ان النزاع هنا لفظي ، فإن الشيخ قصد الوقوف الشامل للاختياري وهو من زوال الشمس الى غروبها ، والاضطراري وهو من الزوال الى طلوع الفجر ، فتوهم ابن إدريس ان الشيخ قصد بذلك الوقت الاختياري ، فأخطأ في اعتقاده ونسب الشيخ الى تقليد بعض المخالفين ، مع ان الشيخ أعظم المجتهدين وكبيرهم. ولا ريب في تحريم التقليد للمحق من المجتهدين فكيف المخالف الذي يعتقد المقلد انه مخطئ ، وهل هذا الا جهالة منه واجتراء على الشيخ (رحمه‌الله).

ويستفاد من الاخبار المذكورة انه لا يجب عليه المضي الى عرفات في الصورة المذكورة إلا مع ظن إدراك اختياري المشعر ، فلو تردد في ذلك لم يجب عليه المضي واجتزأ باختياري المشعر ، وهو الظاهر ايضا من كلام الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) ونقل عن الشيخ انه احتمل وجوب المضي الى عرفات مع التردد تقديما للوجوب الحاضر. وضعفه ظاهر. ومنه يستفاد ايضا ان اختياري المشعر مقدم على اضطراري عرفة. وسيأتي تحقيق ذلك في المقام ان شاء الله تعالى.

الثالثة ـ اعلم ان أقسام الوقوفين بالنسبة إلى الاختياري والاضطراري ثمانية : أربعة مفردة ، وهي كل واحد من الاختياريين والاضطراريين ، وأربعة مركبة ، وهي الاختياريان والاضطراريان واختياري عرفة مع اضطراري المشعر وبالعكس. قالوا : وكلها مجزئة إلا اضطراري عرفة ، قولا واحدا كما نقله في الدروس وقد وقع الخلاف في اختياري عرفة ايضا ، وكذا في


الاضطراريين ، وكذا في اضطراري المشعر وحده.

وتفصيل هذه الجملة يقع في مواضع الأول : ان يقال : اما الاختياريان واضطراري عرفة مع اختياري المشعر ، وكذا اختياري المشعر خاصة ، وكذا اختياري عرفة مع اضطراري المشعر ، فهي مجزئة قولا واحدا.

ويدل على الأول منها انه الحج المأمور به وقد اتى به ، وعلى الثاني والثالث الاخبار المتقدمة في المسألة الثانية (1).

وعلى الرابع ما رواه الكليني في الصحيح عن معاوية بن عمار (2) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : ما تقول في رجل أفاض من عرفات فأتى منى؟ قال : فليرجع فيأتي جمعا فيقف بها وان كان الناس قد أفاضوا من جمع».

وفي الموثق عن يونس بن يعقوب (3) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام): رجل أفاض من عرفات بالمشعر. فلم يقف حتى انتهى الى منى ورمى الجمرة ولم يعلم حتى ارتفع النهار؟ قال : يرجع الى المشعر فيقف ثم يرجع فيرمي الجمرة».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «من أفاض من عرفات إلى منى فليرجع وليأت جمعا وليقف بها وان كان قد وجد الناس قد أفاضوا من جمع».

الثاني ـ اختياري عرفة خاصة ، والمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم)

__________________

(1) ص 404 و 405.

(2 و 3) الفروع ج 4 ص 472 والوسائل الباب 21 من الوقوف بالمشعر.

(4) الوسائل الباب 4 و 21 من الوقوف بالمشعر.


الاجتزاء به حتى انه ادعى في المسالك عدم الخلاف فيه ، حيث قال : انه لا خلاف في الاجتزاء بأحد الاختياريين. واعترضه سبطه في المدارك بأنه مشكل جدا ، لانتفاء ما يدل على الاجتزاء باختياري عرفة خاصة مع ان الخلاف في المسألة متحقق ، فإن العلامة في المنتهى صرح بعدم الاجتزاء بذلك ، وهذه عبارته : ولو أدرك أحد الموقفين اختيارا وفاته الآخر مطلقا فان كان الفائت هو عرفات فقد صح حجه لإدراك المشعر ، وان كان هو المشعر ففيه تردد. ونحوه قال في التذكرة ، فعلم من ذلك ان الاجتزاء بإدراك اختياري عرفة ليس إجماعيا كما ذكره الشارح وان المتجه فيه عدم الاجزاء لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه ، وانتفاء ما يدل على الصحة مع هذا الإخلال. والله العالم بحقيقة الحال. انتهى.

أقول : روى الكليني في الصحيح أو الحسن عن محمد بن يحيى الخثعمي عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (1) انه قال «في رجل لم يقف بالمزدلفة ولم يبت بها حتى اتى منى. فقال : ألم ير الناس لم يكونوا بمنى حين دخلها؟ قلت : فإنه جهل ذلك. قال : يرجع. قلت : ان ذلك قد فاته. قال : لا بأس».

وروى في التهذيب في الصحيح ايضا عن محمد بن يحيى الخثعمي عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (2) «في من جهل ولم يقف بالمزدلفة ولم يبت بها حتى اتى منى ، قال : يرجع. قلت : ان ذلك قد

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 473 والتهذيب ج 5 ص 293 والوسائل الباب 25 من الوقوف بالمشعر راجع التعليقة 1 على الحديث في التهذيب.

(2) التهذيب ج 5 ص 292 والوسائل الباب 25 من الوقوف بالمشعر.


فاته. قال : لا بأس به».

وهذان الخبران ظاهرا الدلالة على الاجتزاء باختياري عرفة ، والتقريب فيهما أن من الظاهر ان مروره بالمزدلفة والإتيان إلى منى انما هو من عرفات بعد الوقوف الاختياري بها ، والامام (عليه‌السلام) قد أمر بالرجوع إلى المزدلفة للوقوف بها ولو الاضطراري ، ولما أخبره السائل بفوات الوقت حكم بصحة الحج في الصورة المذكورة.

والشيخ (رحمه‌الله تعالى) حملهما في التهذيبين ـ بعد الطعن في الراوي بأنه عامي ، وانه رواه تارة بواسطة واخرى بدونها ـ على من وقف بالمزدلفة شيئا يسيرا دون الوقوف التام.

وما ادري ما الموجب لتأويلهما؟ سيما مع قولهم بالاجتزاء باختياري عرفة كما عرفت ، ودلالة الخبرين على ذلك من غير معارض في البين. والخبران ظاهران في ان ترك الوقوف كان عن جهل ، فلا يمكن حينئذ حملهما على ترك الوقوف عمدا ، ليكون ذلك موجبا لبطلان الحج كما ربما يتوهم. وبالجملة فإني لا اعرف وجها في ردهما والحال كما عرفت. وما ذكره من ان محمد بن يحيى الخثعمي عامي ، فلم يذكره إلا في هذا الموضع من الاستبصار ، واما في كتب الرجال فإنه لم يتعرض للقدح فيه بذلك. مع ان النجاشي قد وثقه ، فحديثه صحيح كما ذكرناه.

ولم أعثر على من تنبه لما قلناه من الاستدلال بالخبرين المذكورين على هذه الصورة مع ان دلالتهما ظاهرة بالتقريب المذكور.

وقال في الدروس ـ بعد ان اختار اجزاء الثمانية المتقدمة إلا الاضطراري الواحد منهما ، ونسب إجزاء اضطراري المشعر إلى رواية صحيحة ـ ما صورته


وخرج الفاضل وجها باجزاء اختياري المشعر وحده دون اختياري عرفة وحده ، ولعله لقول الصادق (عليه‌السلام) (1) : «الوقوف بالمشعر فريضة وبعرفة سنة». وقوله (عليه‌السلام) (2) : «إذا فاتتك المزدلفة فاتك الحج». ويعارض بما اشتهر من قول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله): «الحج عرفة» (3). و «أصحاب الأراك لا حج لهم» (4).

أقول : ومن هذا الكلام يظهر ان مستندهم في القول بالاجتزاء باختياري عرفة انما هو الخبر المذكور عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في الموضعين. ولا يخفى ما فيه من الإجمال الموجب لضعف الاستدلال. وما ذكرناه من الخبرين المتقدمين أظهر دلالة وأوضح مقالة.

الثالث ـ الاضطراريان ، والأظهر إدراك الحج بإدراكهما ، كما صرح به الشيخ في كتابي الاخبار ، واستقربه في المختلف واختاره المحقق في الشرائع ، والسيد السند في المدارك.

لما رواه الشيخ في الصحيح عن الحسن العطار عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (5) قال : «إذا أدرك الحاج عرفات قبل طلوع الفجر ،

__________________

(1) الوسائل الباب 19 من إحرام الحج والوقوف بعرفة. واللفظ : «. والوقوف بعرفة سنة».

(2) الوسائل الباب 23 و 25 من الوقوف بالمشعر واللفظ : «فقد فاتك الحج».

(3) مستدرك الوسائل الباب 18 من إحرام الحج وسنن البيهقي ج 5 ص 173.

(4) الوسائل الباب 19 من إحرام الحج والوقوف بعرفة.

(5) الوسائل الباب 24 من الوقوف بالمشعر.


فاقبل من عرفات ولم يدرك الناس بجمع ووجدهم قد أفاضوا ، فليقف قليلا بالمشعر الحرام ، وليلحق الناس بمنى ، ولا شي‌ء عليه».

وهي صريحة الدلالة في إدراك الحج بإدراك الاضطراريين ، ولا ينافيها صحيحة حريز الآتية ونحوها من ما دل على فوات الحج بإدراك المشعر بعد طلوع الشمس ، لأنها محمولة على من لم يدرك عرفة بالمرة وانما أدرك اضطراري المشعر خاصة ، كما سيأتي بيانه ان شاء الله تعالى.

ولا يخفى انه على القول بإدراك الحج بإدراك اضطراري المشعر خاصة يتعين القول بالصحة بإدراكهما معا بطريق اولى ، وانما تصير ثمرة الخلاف في هذا القول بناء على القول الآخر من عدم ادراك الحج في الصورة المذكورة.

ثم العجب من المحقق الشيخ حسن (قدس‌سره) في منسك الحج حيث قال بعد ذكر عدم الاجزاء في صورة اضطراري المشعر : ومثله القول في الثالث ، فان الخلاف فيه واقع ، وبالاجزاء حديث من مشهوري الصحيح واضح الدلالة ، الا ان الاعتماد على مثله في حكم مخالف للأصل مشكل. انتهى. وأشار بالثالث إلى صورة ادراك الاضطراريين. وبالحديث إلى صحيحة الحسن المذكورة ولا يخفى ما فيه من المجازفة بناء على اعتمادهم على القواعد الأصولية زيادة على الاخبار المعصومية ، فإن الأصل يجب الخروج عنه بالدليل ولا معارض له من الاخبار ، فيجب القول به على كل حال.

الرابع ـ اضطراري المشعر خاصة ، وقد اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في إدراك الحج بإدراكه وعدمه ، فالمشهور العدم ، بل ادعى عليه في المنتهى انه موضع وفاق ، وقال ابن الجنيد والمرتضى والصدوق في كتاب علل الشرائع والأحكام بالأول ، واختاره شيخنا الشهيد الثاني في المسالك وسبطه


السيد السند في المدارك.

قال (قدس‌سره) بعد نقل ذلك عن الجماعة المذكورين : وهو المعتمد لنا ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن أبي عمير عن عبد الله بن المغيرة (1) قال : «جاءنا رجل بمنى فقال اني لم أدرك الناس بالموقفين جميعا. فقال له عبد الله بن المغيرة : فلا حج لك. وسأل إسحاق بن عمار فلم يجبه فدخل إسحاق على أبي الحسن (عليه‌السلام) فسأله عن ذلك ، فقال : إذا أدرك مزدلفة فوقف بها قبل ان تزول الشمس يوم النحر فقد أدرك الحج». وفي الحسن عن جميل عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «من أدرك المشعر الحرام يوم النحر من قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج». وقد روى نحو هذه الرواية ابن بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه بطريق صحيح عن ابن أبي عمير عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «من أدرك الموقف بجمع يوم النحر من قبل ان تزول الشمس فقد أدرك الحج». وقال في كتاب علل الشرائع والأحكام (4) : والذي افتى به واعتمده في هذا المعنى ما حدثنا به شيخنا محمد بن الحسن بن الوليد (رضي الله تعالى عنه) قال حدثني محمد بن الحسن الصفار عن يعقوب بن يزيد عن محمد بن أبي عمير عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليه‌السلام)

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 291 والوسائل الباب 23 من الوقوف بالمشعر.

(2) الوسائل الباب 23 من الوقوف بالمشعر.

(3) الفقيه ج 2 ص 243 والوسائل الباب 23 من الوقوف بالمشعر.

(4) ص 451 طبعة النجف سنة 1382 والوسائل الباب 23 من الوقوف بالمشعر.


ونقل الرواية بعينها. وهذه الرواية مع صحتها واضحة الدلالة على المطلوب ، ويدل عليه ايضا ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن عبد الله بن المغيرة عن إسحاق ابن عمار عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «من أدرك المشعر الحرام قبل أن تزول الشمس فقد أدرك الحج». وفي الصحيح عن معاوية بن عمار (2) قال : «قال لي أبو عبد الله (عليه‌السلام) : إذا أدرك الزوال فقد أدرك الموقف». واستدل الشارح (قدس‌سره) على هذا القول بصحيحة عبد الله ابن مسكان عن الكاظم (عليه‌السلام) «إذا أدرك مزدلفة فوقف بها قبل ان تزول الشمس فقد أدرك الحج» وتقدمه في ذلك الشيخ فخر الدين في شرح القواعد. ولم نقف على هذه الرواية في شي‌ء من الأصول ولا نقلها أحد غيرهما في ما اعلم. والظاهر انها رواية عبد الله بن المغيرة فوقع السهو في ذكر الأب. والعجب ان الكشي قال (3) روى : ان عبد الله بن مسكان لم يسمع من الصادق (عليه‌السلام) الا حديث : «من أدرك المشعر فقد أدرك الحج». انتهى.

أقول : فيه انه وان دلت هذه الاخبار المذكورة على ما ادعاه من القول المذكور الا ان بإزائها أيضا ما يدل على القول المشهور ، فكان الواجب في مقام التحقيق ذكرها والجواب عنها بوجه يحسم مادة الاشكال والنزاع ، والا فإن المسألة تبقى في قالب التعويق الموجب لعدم الفائدة في ما ذكره والانتفاع.

__________________

(1) الفقيه ج 2 ص 243 والوسائل الباب 23 من الوقوف بالمشعر.

(2) الفقيه ج 2 ص 243 والوسائل الباب 23 من الوقوف بالمشعر.

(3) الوسائل الباب 23 من الوقوف بالمشعر.


ومن الاخبار المشار إليها ما رواه الشيخ في الصحيح عن حريز (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل مفرد للحج فاته الموقفان جميعا. فقال : له الى طلوع الشمس من يوم النحر ، فان طلعت الشمس من يوم النحر فليس له حج ، ويجعلها عمرة ، وعليه الحج من قابل». والرواية مع صحة سندها صريحة الدلالة في القول المذكور.

ومن ما يدل على ذلك ايضا ظاهر صحيحة الحلبي المتقدمة في المسألة الثانية (2) لقوله (عليه‌السلام) فيها : «وان قدم وقد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام ، فان الله تعالى أعذر لعبده ، فقد تم حجه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل ان يفيض الناس ، فان لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج ، فليجعلها عمرة مفردة ، وعليه الحج من قابل». والتقريب فيها ان الظاهر من قوله (عليه‌السلام) : «وان لم يدرك المشعر» يعني : على الوجه الذي ذكره أولا من كونه قبل طلوع الشمس وقبل ان يفيض الناس ، كما هو ظاهر السياق المتبادر من هذا الإطلاق. ونحوها أيضا صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة ثمة (3) وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لذلك الشيخ : «ان ظن انه يأتي عرفات فيقف قليلا ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها. الخبر». الا ان للاحتمال فيه مجالا.

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 291 والوسائل الباب 23 من الوقوف بالمشعر.

(2) التهذيب ج 5 ص 289 والوسائل الباب 22 من الوقوف بالمشعر.

(3) التهذيب ج 5 ص 290 والوسائل الباب 22 من الوقوف بالمشعر.


ومن ما يدل على ذلك ما رواه الشيخ عن محمد بن سنان (1) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الذي إذا أدركه الإنسان فقد أدرك الحج. فقال : إذا أتى جمعا والناس بالمشعر الحرام قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج ولا عمرة له ، وان أدرك جمعا بعد طلوع الشمس فهي عمرة مفردة ولا حج له ، فان شاء ان يقيم بمكة أقام وان شاء ان يرجع الى أهله رجع ، وعليه الحج من قابل».

وعن محمد بن فضيل (2) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الحد الذي إذا أدركه الرجل أدرك الحج. فقال : إذا اتى جمعا والناس في المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج ولا عمرة له ، وان لم يأت جمعا حتى تطلع الشمس فهي عمرة مفردة ولا حج له ، فان شاء اقام وان شاء رجع ، وعليه الحج من قابل».

وعن إسحاق بن عبد الله (3) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن رجل دخل مكة مفردا للحج فخشي ان يفوته الموقفان. فقال : له يومه الى طلوع الشمس من يوم النحر ، فإذا طلعت الشمس فليس له حج فقلت : كيف يصنع بإحرامه؟ فقال يأتي مكة فيطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة. فقلت له : إذا صنع ذلك فما يصنع بعد؟ قال : ان شاء أقام بمكة وان شاء رجع الى الناس بمنى ، وليس منهم في شي‌ء ، وإن

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 290 والاستبصار ج 2 ص 303 و 306 والوسائل الباب 23 من الوقوف بالمشعر.

(2) التهذيب ج 5 ص 291 والوسائل الباب 23 من الوقوف بالمشعر.

(3) التهذيب ج 5 ص 290 والوسائل الباب 23 من الوقوف بالمشعر.


شاء رجع الى اهله ، وعليه الحج من قابل».

فهذه جملة من الاخبار الدالة على القول المشهور كما ذكرنا. وهو وان أجاب عن بعضها بضعف السند بناء على اصطلاحه الغير المعتمد الا ان فيها الصحيح كما عرفت ، فيجب عليه التصدي للجواب عنه. والشيخ (رحمه‌الله) قد أجاب عن الروايات الأولى تارة بالحمل على إدراك الفضيلة والثواب دون ان تسقط عنه حجة الإسلام ، وتارة بتخصيصها بمن أدرك عرفات ثم جاء الى المشعر قبل الزوال. ولا يخفى ما فيهما من البعد عن سياق الأخبار المذكورة والحق ان الروايات من الطرفين صريحة في كل من القولين ، وما تكلفه المحقق الشيخ حسن (قدس‌سره) في المنتقى هنا ـ من الجمع بين الاخبار وارتكاب التأويل وان زاد في التطويل في جانب اخبار القول الغير المشهور ـ فهو لا يخلو من تكلف مع انه لا يجري في جميع أخبار المسألة كما لا يخفى على من تأمله.

وبالجملة فالمسألة عندي محل توقف واشكال. والله العالم بحقيقة الحال.

ثم ان ما ذكره (قدس‌سره) في الرواية المنقولة عن عبد الله بن مسكان عن الكاظم (عليه‌السلام) جيد ، فانا لم نقف عليها بعد التتبع في ما وصل إلينا من كتب الاخبار. واما رواية الكشي المذكورة فقد روى مثلها النجاشي في كتابه ، ولعل هذه الرواية كانت مشهورة على ألسنتهم وان لم تنقل في أصولهم ، أو انها لم تصل إلينا.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *