ج6 - مواقيت الفرائض الخمس
المقدمة الثالثة
والكلام فيها يقع في مقاصد أربعة (الأول) في مواقيت
الفرائض الخمس ، وتفصيل البحث فيه يقع في مسائل :
(الاولى) ـ اجمع المسلمون على ان كل صلاة من الصلوات
الخمس موقتة بوقت لا يجوز التقدم عليه ولا التأخر عنه ، والمشهور بين الأصحاب (رضوان
الله عليهم) بل كاد ان يكون إجماعا ان لكل صلاة وقتين أولا وآخرا سواء في ذلك
المغرب وغيرها
وقد وقع الخلاف هنا في موضعين (الأول) ما نقله في
المختلف عن ابن البراج انه قال وفي أصحابنا من ذهب الى انه لا وقت للمغرب إلا واحد
وهو غروب القرص في أفق المغرب. أقول : ولعل المستند لهذا القول هو ما رواه الكليني
والشيخ في الصحيح عن زيد الشحام (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن وقت
المغرب فقال
__________________
(3) رواه في الوسائل في الباب 18 من أبواب المواقيت.
ان جبرئيل اتى النبي (صلىاللهعليهوآله) لكل صلاة
بوقتين غير صلاة المغرب فان وقتها واحد ووقتها وجوبها». أقول : يعني سقوطها كقوله
سبحانه «فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها» (1) والضمير راجع الى الشمس بقرينة
المقام.
وعن أديم بن الحر في الصحيح (2) قال : «سمعت
أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول ان
جبرئيل أمر رسول الله (صلىاللهعليهوآله) بالصلوات
كلها فجعل لكل صلاة وقتين غير المغرب فإنه جعل لها وقتا واحدا».
وروي في الكافي في الصحيح عن زرارة والفضيل (3) قالا : «قال
أبو جعفر (عليهالسلام) ان لكل صلاة
وقتين غير المغرب فان وقتها واحد ووقتها وجوبها ووقت فوتها سقوط الشفق».
قال في الكافي (4) : «وروى ايضا ان لها وقتين آخر وقتها
سقوط الشفق». ثم قال : وليس هذا مما يخالف الحديث الأول ان لها وقتا واحدا لان
الشفق هو الحمرة وليس بين غيبوبة الشمس وبين غيبوبة الحمرة إلا شيء يسير ، وذلك
ان علامة غيبوبة الشمس بلوغ الحمرة القبلة وليس بين بلوغ الحمرة القبلة وبين
غيبوبتها إلا قدر ما يصلي الإنسان صلاة المغرب ونوافلها إذا صلاها على تؤيده وسكون
وقد تفقدت ذلك غير مرة ولذلك صار وقت المغرب ضيقا. انتهى. ومثله الشيخ في التهذيب
وقال انما نفى بالخبرين سعة الوقت
أقول : ومما يدل على الامتداد الى غروب الشفق رواية
إسماعيل بن مهران (5) قال : «كتبت
الى الرضا (عليهالسلام) الى ان قال
فكتب كذلك الوقت غير ان وقت المغرب ضيق وآخر وقتها ذهاب الحمرة ومصيرها الى البياض
في أفق المغرب». وروى الشيخ عن ابن سنان ـ يعني عبد الله ـ عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (6) في حديث قال :
«وقت المغرب حين تجب الشمس الى ان تشتبك النجوم». وفي رواية ذريح عن ابي عبد الله
__________________
(1) سورة الحج ، الآية 37.
(2 و 3 و 4 و 5) رواه في الوسائل في الباب 18 من أبواب
المواقيت.
(عليهالسلام) (1) «ان جبرئيل اتى
النبي (صلىاللهعليهوآله) في الوقت
الثاني في المغرب قبل سقوط الشفق». وعن إسماعيل بن جابر في الصحيح عن ابي عبد الله
(عليهالسلام) (2) قال : «سألته
عن وقت المغرب قال ما بين غروب الشمس الى سقوط الشفق».
وحمل أصحابنا (رضوان الله عليهم) الأخبار الأولة على
أفضلية الإسراع بها في أول الوقت. وقال في كتاب الوافي بعد نقل كلام صاحب الكافي :
أقول : والذي يظهر لي من مجموع الاخبار والتوفيق بينها ان مجموع هذا الوقت هو
الوقت الأول للمغرب واما الوقت الثاني لها فهو من سقوط الشفق الى ان يقي مقدار
اربع ركعات الى انتصاف الليل وانما ورد نفى وقتها الثاني في بعض الاخبار لشدة
التأكيد والترغيب في فعلها في الوقت الأول زيادة على الصلوات الأخر حتى كأن وقتها
الثاني ليس وقتا لها إلا في الاسفار وللمضطرين وذوي الأعذار. انتهى. وهو جيد ويرجع
بالأخرة الى ما ذكره الأصحاب
(الثاني) ـ ان المشهور بين المتأخرين من المحقق والعلامة
ومن تأخر عنهما وهو المنقول عن المرتضى وابن إدريس في الوقتين اللذين لكل فريضة ان
الأول للفضيلة والثاني للاجزاء ، وذهب الشيخان وابن ابي عقيل وأبو الصلاح وابن
البراج ومن متأخري المتأخرين المحدث الكاشاني ان الوقت الأول للمختار والثاني
للمضطرين وذوي الأعذار قال في المبسوط والعذر أربعة : السفر والمطر والمرض وشغل
يضر تركه بدينه أو دنياه ، والضرورة خمسة : الكافر يسلم والصبي يبلغ والحائض تطهر
والمجنون يفيق والمغمى عليه يفيق. قال في المدارك : واختلف الأصحاب في الوقتين
فذهب الأكثر ومنهم المرتضى وابن الجنيد وابن إدريس وسائر المتأخرين إلى أن الأول للفضيلة
والآخر للاجزاء ، وقال الشيخان الأول للمختار والآخر للمعذور والمضطر ، والأصح
الأول لقوله (عليهالسلام) في صحيحة ابن
سنان (3) «وأول الوقتين
أفضلهما». والمفاضلة تقتضي الرجحان
__________________
(1 و 2) المروية في الوسائل في الباب 18 من أبواب المواقيت.
(3) المروية في الوسائل في الباب 3 من أبواب المواقيت.
مع التساوي في الجواز.
أقول : لا يخفى على من اعطى التأمل حقه في الاخبار
والتدبر قسطه من النظر فيها بعين التفكر والاعتبار وأحاط علما بما جرى في هذا
المضمار ان الأصح من القولين المذكورين هو الثاني ، وحيث ان المسألة المذكورة لم
يعطها أحد من الأصحاب حقها من التحقيق ولم يلج أحد منهم في لجج هذا المضيق فحري
بنا ان نرخي عنان القلم في ساحة هذا المضمار ونذكر جميع ما وقفنا عليه من الاخبار
ونميز القشر فيها من اللباب ونحقق ما هو الحق فيها والصواب بتوفيق الملك الوهاب :
فنقول : من الاخبار الدالة على القول المختار ما رواه في
الكافي عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «سمعته
يقول لكل صلاة وقتان وأول الوقت أفضله وليس لأحد ان يجعل آخر الوقتين وقتا إلا في
عذر من غير علة». قال في الوافي قوله : «من غير علة» بدل من قوله «إلا في عذر».
ومنها ـ ما رواه الصدوق في الفقيه مرسلا (2) قال : «قال
الصادق (عليهالسلام) أول الوقت
رضوان الله وآخره عفو الله والعفو لا يكون إلا عن ذنب».
ومنها ـ ما رواه الشيخ في التهذيب عن ربعي عن ابي عبد
الله (عليهالسلام) (3) قال : «انا
لنقدم ونؤخر وليس كما يقال من أخطأ وقت الصلاة فقد هلك وانما الرخصة للناسي
والمريض والمدنف والمسافر والنائم في تأخيرها». أقول : ذكر هذه المعدودات خرج مخرج
التمثيل لا الحصر فلا ينافي ما تقدم في كلام الشيخ.
ومنها ـ ما رواه الشيخ في التهذيب أيضا في الصحيح عن عبد
الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «لكل
صلاة وقتان وأول الوقتين أفضلهما
__________________
(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب المواقيت.
(3) رواه في الوسائل في الباب 7 من أبواب المواقيت.
(4) رواه في الوسائل في الباب 26 من أبواب المواقيت.
ووقت صلاة الفجر حين ينشق الفجر الى
ان يتجلل الصبح السماء ولا ينبغي تأخير ذلك عمدا لكنه وقت لمن شغل أو نسي أو سها
أو نام ، ووقت المغرب حين تجب الشمس الى ان تشتبك النجوم وليس لأحد ان يجعل آخر
الوقتين وقتا إلا من عذر أو علة».
وما رواه ايضا عن إبراهيم الكرخي (1) قال : «سألت
أبا الحسن موسى (عليهالسلام) متى يدخل وقت
الظهر؟ وساق الخبر كما سيأتي ان شاء الله تعالى بتمامه في موضعه الى ان قال : متى
يخرج وقت العصر؟ فقال وقت العصر الى ان تغرب الشمس وذلك من علة وهو تضييع. فقلت له
لو ان رجلا صلى الظهر بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام أكان عندك غير مؤد
لها؟ فقال ان كان تعمد ذلك ليخالف السنة والوقت لم تقبل منه كما لو ان رجلا أخر
العصر الى قرب ان تغرب الشمس متعمدا من غير علة لم تقبل منه ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وقت للصلوات
المفروضات أوقاتا وحد لها حدودا في سنته للناس فمن رغب عن سنة من سننه الموجبات
كان كمن رغب عن فرائض الله تعالى».
ومنها ـ ما رواه في الكافي عن داود بن فرقد (2) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) قوله تعالى «إِنَّ
الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً» (3) قال كتابا ثابتا ، وليس ان عجلت
قليلا أو أخرت قليلا بالذي يضرك ما لم تضيع تلك الإضاعة فإن الله عزوجل يقوم لقوم : أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ
يَلْقَوْنَ غَيًّا» (4). قال بعض المحدثين أريد التعجيل
والتأخير اللذان يكونان في طول أوقات الفضيلة والاختيار لا اللذان يكونان خارج
الوقت وأريد بالإضاعة التأخير عن وقت الفضيلة بلا عذر. انتهى. وهو جيد.
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت.
(2) رواه في الوسائل في الباب 7 من أعداد الفرائض.
(3) سورة النساء ، الآية 104.
(4) سورة مريم ، الآية 60.
ومنها ـ ما رواه في التهذيب عن ابى بصير في الموثق (1) قال : «قال
أبو عبد الله (عليهالسلام) ان الموتور
اهله وماله من ضيع صلاة العصر. قلت وما الموتور؟ قال لا يكون له أهل ومال في
الجنة. قلت وما تضييعها؟ قال يدعها حتى تصفر أو تغيب». ومثله روى في الفقيه عن ابي
بصير (2).
ومنها ـ ما في كتاب الفقه الرضوي (3) قال : «اعلم
ان لكل صلاة وقتين أول وآخر فأول الوقت رضوان الله وآخره عفو الله ، ويروى ان لكل
صلاة ثلاثة أوقات أول ووسط وآخر فأول الوقت رضوان الله ووسطه عفو الله وآخره غفران
الله وأول الوقت أفضله ، وليس لأحد ان يتخذ آخر الوقت وقتا انما جعل آخر الوقت
للمريض والمعتل والمسافر». وقال فيه ايضا بعد ذلك بعد ان ذكر صلاة الظهر في
استقبال القدم الثالث والعصر في استقبال القدم الخامس «فإذا صلى بعد ذلك فقد ضيع
الصلاة وهو قاض بعد الوقت» وقال أيضا في الباب المذكور بعد ذلك «ان لكل صلاة وقتين
أولا وآخرا كما ذكرنا في أول الباب وأول الوقت أفضلهما وانما جعل آخر الوقت
للمعلول فصار آخر الوقت رخصة للضعيف لحال علته ونفسه وماله. الى آخره». وقال في
موضع آخر ايضا بعد ما ذكر التحديد بالقدمين والأربعة : «وقد رخص للعليل والمسافر منها
الى ان يبلغ ستة أقدام وللمضطر الى مغيب الشمس».
فهذه جملة من الاخبار العلية المنار واضحة الظهور على
القول المذكور ولم نقف في الاخبار على ما يعارضها صريحا ، وغاية ما ربما يتوهم منه
المنافاة إطلاق بعض الاخبار القابل للتقييد بهذه الأخبار كاخبار امتداد وقتي
الظهرين الى الغروب كما سيأتي ان شاء الله تعالى إيضاحه. واما ما ذكروه في المدارك
وقبله غيره من الاحتجاج على ما ذهبوا إليه بالأخبار الدالة على أفضلية أول الوقتين
فلا منافاة فيها كما أوضحه المحدث الكاشاني في كتاب الوافي حيث قال بعد نقل صحيحة
عبد الله بن سنان ـ ونعم ما قال ـ : والمستفاد
__________________
(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 9 من أبواب المواقيت.
(3) ص 2.
من هذا الخبر وما في معناه ان الوقت
الأول للمختار والثاني للمضطر كما فهمه صاحب التهذيب وشيخه المفيد. ويؤيده أخبار
أخر يأتي ذكرها ، ولا ينافي ذلك كون الأول أفضل وكون الثاني وقتا لان ما يفعله
المختار أفضل مما يفعله المضطر ابدا وكما ان العبد يقدر التقصير متعرض للمقت من
مولاه كذلك بقدر حرمانه عن الفضائل مستوجب للبعد عنه ، نعم إذا كان الله هو الذي
عرضه للحرمان فلا يعاتبه عليه لان ما غلب الله عليه فالله اولى بالعذر ، فالوقت
الثاني أداء للمضطر ووقت له وفي حقه بل المضطر ان كان ناسيا أو نائما فالوقت في
حقه حين يتفطن أو يذكر وذلك لانه غير مخاطب بتلك الصلاة في حال النوم والنسيان فان
الله لا يكلف نفسا إلا ما آتاها. الى آخره.
أقول : ومما يؤيد ما ذكرناه ويؤكد ما سطرناه ما ورد
بطريقين ـ أحدهما ما رواه في الكافي في الصحيح والآخر بسند فيه العبيدي عن يونس ـ عن
ابان بن تغلب عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «يا
ابان هذه الصلوات الخمس المفروضات من اقام حدودهن وحافظ على مواقيتهن لقي الله يوم
القيامة وله عنده عهد يدخله به الجنة ومن لم يصلهن لمواقيتهن ولم يحافظ عليهن فذاك
اليه ان شاء غفر له وان شاء عذبه».
وما رواه في الفقيه مرسلا (2) قال : «دخل
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) المسجد وفيه
ناس من أصحابه فقال أتدرون ما قال ربكم؟ قالوا الله ورسوله اعلم. فقال ان ربكم جل
جلاله يقول ان هذه الصلوات الخمس المفروضات من صلاهن لوقتهن وحافظ عليهن لقيني يوم
القيامة وله عندي عهد ادخله به الجنة ومن لم يصلهن لوقتهن ولم يحافظ عليهن فذاك
الي ان شئت عذبته وان شئت غفرت له».
وما رواه في الكافي والتهذيب عن ابى بصير عن ابى جعفر (عليهالسلام) (3) «ان الصلاة إذا
ارتفعت في وقتها رجعت الى صاحبها وهي بيضاء مشرقة تقول
__________________
(1 و 2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب المواقيت.
حفظتني حفظك الله وإذا ارتفعت في غير
وقتها بغير حدودها رجعت الى صاحبها وهي سوداء مظلمة تقول ضيعتني ضيعك الله».
والتقريب في هذه الاخبار ان المراد بهذه المواقيت
المأمور بالمحافظة عليها هي الأوقات الأوائل وهي أوقات الفضائل بلا ريب ولا اشكال
وهي التي تتصف فيها الصلاة بمزيد الشرف والكمال والقبول من حضرة ذي الجلال ، وان
الأوقات الأخيرة متى لم يكن التأخير إليها ناشئا عن عذر من تلك الأعذار المذكورة
جملة منها في الاخبار فصاحبها مستوجب لمزيد البعد منه سبحانه كما دلت عليه هذه
الاخبار وانه داخل تحت المشيئة بمعنى انه ليس ممن يستحق بعمله ذلك الجزاء بالثواب
وما أعده الله تعالى على تلك العبادة من الأجر الذي لا تحيط به الألباب بل هو من
المرجئين لأمر الله ان شاء عذبه بتقصيره وتأخيره الصلاة عن ذلك الوقت الأول وان
شاء عفى عن تقصيره بكرمه ورحمته ، وهذا ما تضمنه حديث الفقيه المتقدم من ان «آخر
الوقت عفو الله والعفو لا يكون إلا عن ذنب» ولا جائز ان يحمل هذا الوقت الأخير
الذي جعل صاحبه تحت المشيئة على خارج الوقت الذي هو المشهور عندهم وهو ما بعد غروب
الشمس بالنسبة إلى الظهرين مثلا كما ربما يتوهمه بعض معكوسي الأذهان ومن ليس من
فرسان هذا الميدان ، فإنه لو كان كذلك لم يحكم على صاحبه بأنه تحت المشيئة بل يجب
الحكم عليه بالفسق بل الكفر كما دلت عليه الاخبار المتقدمة (1) من ان «تارك
الصلاة عمدا كافر». فهو مستحق لمزيد النكال والعذاب كما لا يخفى على ذوي الألباب.
ومما يزيد ذلك تأييدا ويعليه تشييدا الأخبار الواردة في
وضع الأوقات واشارة جبرئيل بها على النبي (صلىاللهعليهوآله) فإنها إنما
تضمنت أوائل الأوقات خاصة دون أواخرها ، ففي موثقة معاوية بن وهب عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) «انه أتاه حين
زالت الشمس فأمره فصلى الظهر ثم أتاه حين زاد الظل قامة فأمره فصلى العصر ثم
__________________
(1) ص 15.
(2) المروية في الوسائل في الباب 10 من أبواب المواقيت.
أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلى
المغرب ثم أتاه حين سقط الشفق فأمره فصلى العشاء ثم أتاه حين طلوع الفجر فأمره
فصلى الصبح ثم أتاه من الغد حين زاد في الظل قامة فأمره فصلى الظهر ثم أتاه حين
زاد من الظل قامتان فأمره فصلى العصر ثم أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلى المغرب ثم
أتاه حين ذهب ثلث الليل فأمره فصلى العشاء ثم أتاه حين نور الصبح فأمره فصلى الصبح
ثم قال ما بينهما وقت». ونحو هذه الرواية غيرها ايضا ، والظاهر ان وضع هذه الأوقات
في أول الأمر للمكلفين ثم حصلت الرخصة لذوي الاعذار والاضطرار بالوقت الثاني بعد
ذلك كما سيأتي بيانه ان شاء الله ، تعالى ، وبذلك يجمع بين هذه الاخبار وبين
الاخبار الدالة على الوقتين بحمل ما دل على الثاني على ذوي الاعذار والاضطرار
وتخرج الأخبار المتقدمة شاهدا على ذلك.
قال المحدث الكاشاني في الوافي بعد نقل الأخبار المتقدمة
: بيان ـ انما اقتصر في هذه الاخبار على بيان أوائل الأوقات ولم يتعرض لبيان
أواخرها لان أواخر الأوقات الأوائل تعرف من أوائل الأوقات الأواخر وأواخر الأواخر
كانت معلومة من غيرها ، أو نقول لم يؤت للأوقات الأواخر بتحديد تام لأنها ليست
بأوقات حقيقة وانما هي رخص لذوي الأعذار كخارج الأوقات لبعضهم وانما اتى بأوائلها
ليتبين بها أواخر الأوائل التي كان بيانها من المهمات وأهمل أواخرها لأنها تضييع
للصلاة ، وعلى الثاني لا خفاء في قوله : «ما بينهما وقت» في الحديث الأول وقوله «ما
بين هذين الوقتين وقت» في الحديث الأخير ، واما على الأول فلا بد لهما من تأويل
بأن يقال يعني بذلك ان ما بينهما وبين نهايتهما وقت ، وبالجملة لا تستقيم هذه
الاخبار إلا بتأويل.
وأنت خبير بما فيه فان ما ذكره من الاحتمال بأن أواخر
الأواخر كانت معلومة من غيرها ممنوع لان هذه الاخبار دالة على ان ذلك بعد وضع
الأوقات للصلوات ومقتضاه انه قبل ذلك الوقت لم يتعين شيء من الأوقات لها فمن اين
تكون أواخر الأواخر معلومة يومئذ؟ بل الوجه في معنى الأخبار المذكورة والجمع بينها
وبين تلك
الأخبار الدالة على الامتداد الى آخر
الوقت الثاني انما هو ما ذكرناه ثانيا وهو وجه وجيه لا يداخله الشك ولا يعتريه ، وحينئذ
فلا يحتاج الى ما تكلفه أخيرا من التطبيق والتشديد بناء على ما ذكره من الاحتمال
الأول فإنه كما عرفت بعيد وغير سديد.
ومن الاخبار الدالة على ما اخترناه أيضا جملة من الاخبار
الصحاح الدالة على ان وقت الظهر من زوال الشمس الى ان يذهب الظل قامة ووقت العصر
الى ان يذهب قامتين (1) والأصحاب وان
حملوها على أوقات الفضيلة جمعا بينها وبين ما دل على ان لكل صلاة وقتين (2) والاخبار
الدالة على امتداد الوقتين الى الغروب (3) فليس بأولى من حملنا لها على المختار
وحمل ما عارضها على ذوي الاعذار والاضطرار ، بل ما ذكرناه هو الأولى لتأيده بما
عرفت من الاخبار ولا سيما روايات وضع الأوقات وروايات دخول أصحاب الوقت الثاني تحت
المشيئة (4).
واما ما أجاب به جملة من أصحابنا : منهم ـ شيخنا الشهيد
في الذكرى عما رواه الصدوق من قوله (عليهالسلام) «أول الوقت
رضوان الله وآخره عفو الله». ـ من جواز توجيه العفو بترك الاولى مثل «عفى الله عنك»
(5) وزاد الفاضل
الخراساني انه يمكن الجواب أيضا بأنه يجوز ان يكون المراد الصلاة في آخر الوقت
توجب غفران الذنوب والعفو عنها ـ ففيه (أولا) ان تتمة الخبر تنادي بأن العفو لا
يكون إلا عن ذنب وهو صريح في كون التأخير موجبا للتأثيم فكيف يحمل العفو على ترك
الاولى؟ وقياس الخبر على الآية قياس مع الفارق لظهور قرينة المجاز في الآية من حيث
عصمته (صلىاللهعليهوآله) وصراحة الخبر
فيما ذكرناه باعتبار تتمته ، وأبعد من ذلك الاحتمال الثاني فإنه مما لا ينبغي ان
يصغى اليه ولا يعرج في مقام التحقيق عليه. و (ثانيا) ـ الأخبار التي قدمناها
الدالة على ان من لم يحافظ على ذلك
__________________
(1) رواها في الوسائل في الباب 8 و 10 من أبواب المواقيت.
(2) الوسائل الباب 3 من المواقيت.
(3) الوسائل الباب 4 من المواقيت.
(4) ص 93 و 94.
(5) سورة التوبة ، الآية 43.
الوقت كان لله فيه المشيئة ان شاء غفر
له وان شاء عذبه بتقصيره في التأخير إلى الوقت الأخير فإنه صريح في استحقاق
العقوبة بالتأخير لغير عذر إلى الأوقات الأخيرة.
ومن الاخبار الدالة على الحث على الوقت الأول أيضا زيادة
على ما قدمناه وان التأخير عنه الى الثاني لغير عذر موجب للتضييع ما رواه الصدوق
في كتاب المجالس في الموثق عن عمار الساباطي عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «من صلى
الصلوات المفروضات في أول وقتها فأقام حدودها رفعها الملك الى السماء بيضاء نقية
وهي تهتف به حفظك الله كما حفظتني فأستودعك الله كما استودعتني ملكا كريما ، ومن
صلاها بعد وقتها من غير علة فلم يقم حدودها رفعها الملك سوداء مظلمة وهي تهتف به
ضيعتني ضيعك الله كما ضيعتني ولا رعاك الله كما لم ترعني. الحديث».
وروى الشيخ أبو علي في المجالس وغيره في غيره ونحوه في
كتاب نهج البلاغة أيضا فيما كتب أمير المؤمنين (عليهالسلام) لمحمد بن ابي
بكر (رضياللهعنه) (2) «ارتقب وقت
الصلاة فصلها لوقتها ولا تعجل بها قبله لفراغ ولا تؤخرها عنه لشغل فان رجلا سأل
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) عن أوقات
الصلاة فقال أتاني جبرئيل فأراني وقت الظهر حين زالت الشمس فكانت على حاجبه الأيمن
ثم أتاني وقت العصر فكان ظل كل شيء مثله ثم صلى المغرب حين غربت الشمس ثم صلى
العشاء الآخرة حين غاب الشفق ثم صلى الصبح فأغلس بها والنجوم مشتبكة ، فصل لهذه
الأوقات والزم السنة المعروفة والطريق الواضح ، الى ان قال واعلم ان لكل شيء من
عملك تبع لصلاتك فمن ضيع الصلاة كان لغيرها أضيع».
وروى في كتاب ثواب الأعمال (3) قال : «قال
أبو عبد الله (عليهالسلام) لفضل الوقت
الأول على الأخير خير للمؤمن من ولده وماله». وقال في حديث آخر
__________________
(1 و 3) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب المواقيت.
(2) رواه في الوسائل في الباب 10 من أبواب المواقيت.
قال الصادق (عليهالسلام) (1) «فضل الوقت
الأول على الأخير كفضل الآخرة على الدنيا».
وفي صحيحة الحلبي عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «إذا
صليت في السفر شيئا من الصلوات في غير وقتها فلا يضرك». أقول : المراد بغير وقتها
يعني غير وقت الفضيلة وهو الوقت الأول لأن السفر أحد الأعذار كما تقدم ، ويظهر من
جملة من الاخبار ما ذكر في المقام وما لم يذكر ولا سيما الخبر الأخير ان أكثر
إطلاق لفظ الوقت انما هو على هذا المعنى اعني الوقت الأول خاصة إلا مع القرينة الصارفة
عنه.
وقد استفيد من الاخبار المذكورة في المقام بضم بعضها الى
بعض ان المراد بالوقت المرغب فيه وهو الذي يكون للعبد فيه عهد عند الله سبحانه
بإيقاع الصلاة فيه انما هو الوقت الأول وان ترتب الفضل فيه أيضا أولا فأولا وهو
الوقت الذي أول ما فرض وان كان الثاني وقتا في الجملة ، وان التأخير الى الثاني ان
كان لضرورة أو عذر فلا اشكال ولا ريب في كونه وقتا له وانه غير مؤاخذ بالتأخير وان
كان فضله أقل وثوابه انقص ، وان كان لا كذلك فهو تضييع للصلاة وان وقعت فيه أداء
وأسقطت القضاء إلا ان صاحبها تحت المشيئة بسبب تقصيره في التأخير فإن شاء الله عفى
عنه وقبل منه وان شاء عذبه ، وملخصه أن وقتية هذا الوقت الثاني أولا وبالذات انما
هي لأصحاب الاعذار والاضطرار ورخصة لهم من حيث ذلك وان أجزأت لغيرهم مع استحقاقهم
البعد والمؤاخذة من الله سبحانه إلا ان يعفو بفضله وكرمه ، والى ما ذكرنا يشير
كلام الرضا (عليهالسلام) في كتاب
الفقه (3) حيث قال : «وانما
جعل آخر الوقت للمعلول فصار آخر الوقت رخصة للضعيف لحال علته ونفسه وماله وهي رحمة
للقوى الفارغ لعلة الضعيف والمعلول». ثم أطال بذكر بعض النظائر ومرجعه الى ما
ذكرناه ، وبذلك يظهر لك قوة ما اخترناه
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب المواقيت.
(2) المروية في الوسائل في الباب 13 من أبواب المواقيت.
(3) ص 2.
وان كان خلاف المشهور لظهوره من
الاخبار كالنور على الطور.
ومما حققناه في المقام يعلم الوجه فيما نقل عن شيخنا
مفيد الطائفة المحقة ورئيس الفرقة الحقة (قدسسره وأعلى في جوار
أئمته مقعده) في كتاب المقنعة حيث حكم انه لو مات قبل أدائها في الوقت كان مضيعا
لها وان بقي حتى يؤديها في آخر الوقت أو ما بين الأول والآخر عفى عن ذنبه.
والأصحاب بهذه العبارة نسبوا اليه وجوب المبادرة في أول الوقت وجعلوه مخالفا لما
هو المشهور عندهم من الاستحباب حيث ان الصلاة من الواجبات الموسعة. أقول : وصورة
عبارته لا تحضرني الآن إلا ان الظاهر ان بناء كلامه انما هو على ما نحن فيه من ان
الوقت الشرعي للمختار انما هو الوقت الأول والثاني انما هو من قبيل الرخص لأصحاب الاعذار
وهو تضييع بالنسبة إلى غيرهم ومن أجل ذلك أوجب الصلاة في ذلك الوقت الذي هو الوقت
الشرعي له غاية الأمر أنه ان بقي إلى الوقت الثاني وأداها فيه عفى عن ذنبه ،
وكلامه هذا وان كان خلاف ما هو المشهور بينهم إلا انه هو الموافق لمذهبه في
المسألة والمطابق لما ذكرناه وحققناه من الاخبار كما عرفت واما ما ذكره الشيخ في
التهذيب في شرح هذا الموضع ـ مما يشعر بان الخلاف بينه وبين الأصحاب لفظي حيث
استدل له بالأخبار الدالة على فضل الوقت الأول وحمل الوجوب في كلامه على ما يستحق
به اللوم والعتاب دون ما يستحق به العقاب ـ فهو من غفلاته الناشئة عن استعجاله في
التأليف فإن الأدلة ـ كما عرفت ـ ظاهرة منطبقة على كلامه (قدسسره) كالمرسلة
المروية من الفقيه وصحيحة أبان بن تغلب والروايات التي بعدها لا ما أورده من
الروايات الدالة على مجرد أفضلية الوقت الأول ، وسيأتي ان شاء الله تعالى في مسألة
آخر وقت الظهر ما فيه مزيد تأكيد لما ذكرناه وتشييد لما أسسناه.
تتمة
وجدت في بعض الكتب المشتملة على جملة من رسائل شيخنا
الشهيد الثاني وجملة
من الأسئلة وأجوبتها والظاهر ايضا
انها له (قدسسره) على صورة
سؤال وجواب بهذه الكيفية : مسألة ـ قيل ان تأخير الصلاة الى آخر الوقت لا يجوز إلا
لذوي الأعذار فهل يأثم غيرهم على هذا القول فيجتمع الأداء والإثم أم لا؟ فان كان
الأول فقد اجتمعا وان كان الثاني فقد ورد «أول الوقت رضوان الله وأخره عفو الله». فعلى
ما يحمل الخبر؟ الجواب : المشهور بين المتأخرين اشتراك وقت الفرضين على الوجه الذي
فصلوه جمعا بين الاخبار وان دل بعضها على ذلك وبعضها على اختصاص كل واحدة بوقت مع
الاختيار بحمل هذه على الفضيلة ، وخالف جماعة فحكموا باختصاص جواز التأخير بذوي
الاعذار ، وعليه فمن أخر لا لعذر اثم ويبقى أداء ما دام وقت الاضطرار باقيا ،
والخبر الذي ذكرتموه ظاهر في هذا القول لان العفو يقتضي حصول الذنب وأصحاب القول
الأول حملوه على المبالغة في الكراهة ونقصان الثواب. انتهى.
(المسألة الثانية) ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله
عليهم) اختصاص الظهر من أول الوقت بمقدار أدائها ثم اشتراك الوقت بين الفرضين الى ان
يبقى مقدار أداء العصر قبل الغروب فيختص به العصر ، وهكذا في المغرب والعشاء يختص
المغرب من اوله بثلاث ركعات ثم يشترك الوقتان الى ان يبقى من الانتصاف قدر صلاة
العشاء فتختص به. ونقل عن الصدوق في الفقيه القول باشتراك الوقتين من أول الوقت
الى آخره لنقله الأخبار الدالة على الاشتراك من أول الوقت الى آخره وعدم نقل ما
يخالفها وإلا فإنه لم يصرح بذلك في الكتاب ولو بالإشارة ، وغاية ما يمكن التعلق به
في هذه النسبة هو ما ذكرناه وهو لا يخلو من اشكال ، حيث انهم نقلوا عنه الاشتراك
من أول الوقت الى آخره كما هو ظاهر الاخبار المذكورة مع ان كلامه في الفقيه كما
سيأتي نقله ان شاء الله تعالى صريح في اختصاص آخر الوقت بالفريضة الأخيرة كما هو
القول المشهور ونقله المرتضى (رضياللهعنه) في المسائل
الناصرية عن الأصحاب ، حيث قال : يختص أصحابنا بأنهم يقولون إذا زالت الشمس فقد
دخل وقت الظهر والعصر معا الا ان الظهر قبل العصر ، قال وتحقيق هذا الموضع انه إذا
زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر بمقدار
ما يؤدى أربع ركعات فإذا خرج هذا المقدار اشترك الوقتان ومعنى ذلك انه يصح ان يؤدى
في هذا الوقت المشترك الظهر والعصر بطوله والظهر مقدمة ثم إذا بقي للغروب مقدار
اربع ركعات خرج وقت الظهر وخلص للعصر. قال العلامة في المختلف وعلى هذا التفسير
الذي ذكره السيد يزول الخلاف.
وكيف كان فالواجب هو بسط الأخبار الواردة في المسألة
ونقل ما ذكروه وبيان ما فيه من صحة أو فساد وتحقيق ما هو الحق المطابق للسداد :
فنقول من الاخبار الدالة على ما نسبوه الى الصدوق ما
رواه في الفقيه في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) (1) قال : «إذا
زالت الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر فإذا غابت الشمس فقد دخل الوقتان المغرب
والعشاء الآخرة».
وعن عبيد بن زرارة في الصحيح (2) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن وقت الظهر
والعصر فقال إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين الظهر والعصر جميعا إلا ان هذه قبل
هذه ثم أنت في وقت منهما جميعا حتى تغيب الشمس».
وروى الشيخ في التهذيب عن عبيد بن زرارة عن ابي عبد الله
(عليهالسلام) (3) «في قوله تعالى
«أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ» (4) قال ان الله تعالى افترض اربع صلوات
أول وقتها زوال الشمس الى انتصاف الليل : منها ـ صلاتان أول وقتهما من عند زوال
الشمس الى غروب الشمس إلا ان هذه قبل هذه ، ومنها ـ صلاتان أول وقتهما من غروب
الشمس الى انتصاف الليل إلا ان هذه قبل هذه». وروى العياشي في تفسيره عن عبيد بن
زرارة مثله (5).
وروى الشيخان في الكافي والتهذيب عن عبيد بن زرارة عن
ابى عبد الله (عليه
__________________
(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 4 من أبواب المواقيت.
(3) رواه في الوسائل في الباب 10 من أبواب المواقيت.
(4) سورة بني إسرائيل ، الآية 80.
(5) المستدرك الباب 4 من المواقيت.
السلام) (1) قال : «إذا
زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلا ان هذه قبل هذه».
وروى في التهذيب عن الصباح بن سيابة عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «إذا
زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين».
وعن مالك الجهني (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن وقت الظهر
فقال إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين».
وروى في الفقيه (4) قال : «سأل مالك الجهني أبا عبد الله
(عليهالسلام) عن وقت الظهر
فقال إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين فإذا فرغت من سبحتك فصل الظهر متى ما
بدا لك».
وروى في الكافي عن إسماعيل بن مهران (5) قال : «كتبت
الى الرضا (عليهالسلام) ذكر أصحابنا
انه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر وإذا غربت دخل وقت المغرب والعشاء
الآخرة إلا ان هذه قبل هذه في السفر والحضر وإن وقت المغرب الى ربع الليل؟ فكتب
كذلك الوقت غير ان وقت المغرب ضيق. الحديث».
وروى في التهذيب عن سفيان بن السمط عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (6) قال : «إذا
زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين».
وعن منصور بن يونس عن العبد الصالح (عليهالسلام) (7) قال : «سمعته
يقول إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين».
هذا ما حضرني من الاخبار الدالة على القول المذكور وهي
ظاهرة الدلالة متعاضدة المقالة في الاشتراك من أول الوقت الى آخره.
واما ما يدل على القول المشهور مما اشتمل عليه كلامهم في
المقام من البحث في
__________________
(1 و 2 و 3 و 5 و 6 و 7) رواه في الوسائل في الباب 4 من أبواب
المواقيت.
(4) رواه في الوسائل في الباب 5 من أبواب المواقيت.
المسألة بإبرام النقض ونقض الإبرام
فوجوه :
(الأول) ـ رواية داود بن فرقد عن بعض أصحابنا عن ابي عبد
الله (عليهالسلام) (1) قال : «إذا
زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتى يمضي مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات فإذا مضى
ذلك فقد دخل وقت الظهر والعصر حتى يبقى من الشمس مقدار ما يصلي اربع ركعات فإذا
بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر وبقي وقت العصر حتى تغيب الشمس ، وإذا غابت الشمس
فقد دخل وقت المغرب حتى يمضي مقدار ما يصلي المصلي ثلاث ركعات فإذا مضى ذلك فقد
دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة حتى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلي المصلي
أربع ركعات فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب وبقي وقت العشاء الآخرة إلى
انتصاف الليل».
(الثاني) ـ ما ذكره السيد السند في المدارك من انه لا
معنى لوقت الفريضة إلا ما جاز إيقاعها فيه ولو على بعض الوجوه ولا ريب ان إيقاع
العصر عند الزوال على سبيل العمد ممتنع وكذا مع النسيان على الأظهر لعدم الإتيان
بالمأمور به على وجهه وانتفاء ما يدل على الصحة مع المخالفة وإذا امتنع وقوع العصر
عند الزوال مطلقا انتفى كون ذلك وقتا لها ، ثم قال ويؤيده رواية داود بن فرقد عن
بعض أصحابنا ثم ساق من الرواية ما يتعلق بالظهرين.
(الثالث) ما ذكره في المختلف وملخصه ان القول باشتراك
الوقت حين الزوال بين الصلاتين مستلزم لأحد الباطلين اما تكليف ما لا يطاق أو خرق
الإجماع فيكون باطلا ، بيان الاستلزام ان التكليف حين الزوال اما ان يقع
بالعبادتين معا أو بإحداهما لا بعينها أو بواحدة معينة والثالث خلاف فرض الاشتراك
فتعين أحد الأولين ، على ان المعينة ان كانت هي الظهر ثبت المطلوب وان كانت هي
العصر لزم خرق الإجماع ، وعلى الاحتمال الأول يلزم تكليف ما لا يطاق وعلى الثاني
يلزم خرق الإجماع إذ لا خلاف
__________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 4 و 17 من أبواب المواقيت.
في ان الظهر مرادة بعينها حين الزوال
لا لأنها أحد الفعلين.
(الرابع) ـ رواية الحلبي (1) «في من نسي
الظهر والعصر ثم ذكر عند غروب الشمس؟ قال (عليهالسلام) ان كان في
وقت لا يخاف فوت إحداهما فليصل الظهر ثم ليصل العصر وان هو خاف ان تفوته فليبدأ
بالعصر ولا يؤخرها فتفوته فيكون قد فاتتاه جميعا». وفي معناها أخبار أخر تأتي ان
شاء الله تعالى في موضعها.
(الخامس) ـ ما ذكره المحقق في المعتبر حيث انه نقل عن
ابن إدريس انه نقل عن بعض الأصحاب وبعض الكتب انه إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر
والعصر إلا ان هذه قبل هذه ثم أنكره وجعله ضد الصواب ، فاعترضه المحقق وبالغ في
إنكار كلامه والتشنيع عليه استنادا الى ما قدمناه من الاخبار ، قال لان ذلك مروي
عن الأئمة (عليهمالسلام) في اخبار
متعددة ، على ان فضلاء الأصحاب رووا ذلك وأفتوا به فيجب الاعتناء بالتأويل لا
الاقدام بالطعن ، ثم قال ويمكن ان يتأول ذلك من وجوه : (أحدها) ان الحديث تضمن «إلا
ان هذه قبل هذه» وذلك يدل على ان المراد بالاشتراك ما بعد وقت الاختصاص (الثاني)
انه لما لم يكن للظهر وقت مقدر بل اي وقت فرض وقوعها فيه أمكن فرض وقوعها في ما هو
أقل منه حتى لو كانت الظهر تسبيحة كصلاة شدة الخوف كانت العصر بعدها ، ولانه لو ظن
الزوال وصلى ثم دخل الوقت قبل إكمالها بلحظة أمكن وقوع العصر في أول الوقت إلا ذلك
القدر فلقلة الوقت وعدم ضبطه كان التعبير عنه بما ذكر في الرواية من الخص العبارات
وأحسنها (الثالث) ان هذا الإطلاق مقيد برواية داود بن فرقد ، واخبار الأئمة (عليهمالسلام) وان تعددت في
حكم الخبر الواحد. انتهى.
وقال شيخنا الشهيد في الذكرى بعد نقل بعض الاخبار المتقدمة
ما لفظه : وفهم بعض من هذه الاخبار اشتراك الوقتين وبمضمونها عبر ابنا بابويه
ونقله المرتضى في الناصرية
__________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 4 من أبواب المواقيت.
عن الأصحاب حيث قال : يختص أصحابنا
بأنهم يقولون إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر معا إلا ان الظهر قبل العصر
، قال وتحقيقه ، ثم نقل كلام المرتضى كما قدمناه ونقل قول العلامة بعده انه على
هذا يزول الخلاف ثم نقل تأويل المحقق الذي ذكرناه وقال بعده : قلت ولانه يطابق
مدلول الآية في قوله تعالى «أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى
غَسَقِ اللَّيْلِ» (1) وضرورة
الترتيب تقتضي الاختصاص مع دلالة رواية داود بن فرقد المرسلة ثم ساق الرواية كما
قدمناه.
أقول : هذا ما وقفت عليه من كلامهم (رضوان الله عليهم)
المتضمن لاستدلالهم على القول المشهور بينهم ، وأنت خبير بما في هذا الكلام كما
قدمنا نقله عنهم من الدلالة على شهرة القول بالاشتراك في الصدر الأول استنادا الى
هذه الاخبار سيما عبارة المرتضى في الناصرية حيث أسنده إلى أصحابنا وان تأوله بما
ذكره.
ولا يخفى عليك ان جميع ما ذكروه في تشييد القول المشهور
لا يخلو في نظري القاصر من الضعف والقصور :
أما الرواية فإنه لا يخفى على من أحاط خبرا بقواعدهم
واصطلاحاتهم التي بنوا عليها الكلام في جميع الأحكام ان الاستناد الى هذه الرواية
غير جيد في المقام لان من قواعدهم تنويع الروايات إلى الأنواع الأربعة المشهورة
وطرحهم قسم الضعيف من البين بل الموثق عند جملة منهم ايضا كما لا يخفى وقضية ذلك
طرح هذه الرواية لضعفها ، ومن قواعدهم انه متى تعارضت الاخبار عملوا على الصحيح
منها ورموا الضعيف أو تأولوه تفاديا من الرمي بالكلية فالتأويل انما يكون في جانب
المرجوح فكيف خرجوا عن هاتين القاعدتين في المقام من غير صارف ولا موجب كما لا
يخفى على ذوي الأفهام؟
ويمكن الجواب عن الرواية المذكورة بما ذكره بعض المحققين
من متأخري المتأخرين من ان المراد بوقت الظهر في قوله : «فقد دخل وقت الظهر حتى
يمضي مقدار أربع
__________________
(1) سورة بني إسرائيل ، الآية 80.
ركعات» الوقت المختص بالظهر عند التذكر
لا مطلقا وكذا بالنسبة إلى العصر ، قال والإضافة لا تقتضي أكثر من ذلك. وهذا
الجواب لا يخلو من بعد إلا انه في مقام الجمع لا بأس به وهو أقرب الى هذا الخبر
مما تأولوا به الاخبار المتقدمة الدالة على القول الآخر واما ما ذكره في المدارك
فإنه مدخول بأن قضية الاشتراك من أول الوقت على القول به جار على مقتضى الاشتراك
المتفق عليه وهو بعد مضي قدر الأربع فبعين ما يقال ثمة يقال في ما نحن فيه ، ولا
ريب ان الوقت المتفق على اشتراكه لا يجوز تقديم العصر فيه عمدا فلو قدمها بطلت
البتة اما لو قدمها نسيانا أو بناء على انه صلى الظهر فإنها تقع صحيحة اتفاقا فكذا
في ما نحن فيه ، فقوله «انه يمتنع وقوع العصر ولو نسيانا» لا يخلو من مصادرة ولهذا
ان جملة من الأصحاب قد فرعوا على الخلاف المذكور فروعا : منها ـ ما لو صلى العصر
ناسيا في أول الوقت. ومنها ـ لو كان الوقت مشتبها لغيم ونحوه فصلى الظهر والعصر ثم
انكشف له ان صلاة العصر كانت في أول الوقت فإنها تصح في الصورتين المذكورتين على
قول الصدوق ومن معه وتبطل على المشهور بينهم.
واما ما ذكره في المختلف فإنه مدخول أيضا بأن غاية ما
يلزم منه وجوب الإتيان بالظهر دون العصر بالنسبة إلى الذاكر وهو غير مستلزم
للاختصاص ، فإن القائل بالاشتراك لا يخالف في ذلك في صورة التذكر وانما مطرح
الخلاف ومظهر الفائدة في صورة النسيان والاشتباه كما قدمنا ذكره فإنها تقع صحيحة
على هذا القول ، وهذا هو المراد بالاشتراك في الوقت بعين ما قرروه واتفقوا عليه في
ما بعد مضي قدر الظهر الى ما قبل قدر العصر من الغروب ، ولو صح ما ذكره للزم ان لا
يكون شيء من الوقت مشتركا أصلا لأنه في كل جزء من الوقت ان لم يأت بالظهر سابقا
يلزم اختصاصه بالظهر لعين الدليل المذكور وان اتى بها سابقا فالوقت مختص بالعصر ،
وهو (قدسسره) قد استشعر
هذا الجواب عما ذكره حيث انه اعترض على نفسه به ثم أجاب عن ذلك بما ملخصه ان
الاشتراك على ما فسرتموه فرع وقوع التكليف بالفعل ونحن قد بينا عدم تعلق التكليف.
وفيه نظر لأنه ان أراد عدم التكليف مع
التذكر فمسلم ولا ضرر فيه ، وان أراد ولو في الصور التي قدمناها فهو ممنوع لأنا لا
نسلم عدم تعلق التكليف في ذلك الوقت ولم يلزم ذلك من دليله الذي ذكره فإنه غير آت
عليه كما عرفت. وبالجملة فالأمر هنا جار على قياس الوقت المشترك فيه اتفاقا كما
ذكرنا.
واما ما ذكره في المعتبر من التأويل لتلك الاخبار فمع
الإغماض عما فيه لا ريب انه خروج عن الظاهر وهو انما يكون عند وجود معارض أقوى يجب
ترجيحه وتقديمه في العمل ليتجه إرجاع ما سواه اليه ، وما ذكروه من الأدلة في
المقام قد عرفت ما فيه مما كشف عن ضعف باطنه وخافية ، والاستناد في الاختصاص الى
قوله «إلا ان هذه قبل هذه» مردود (أولا) بأن غاية ما تدل عليه هذه العبارة وجوب
الترتيب وهو مما لا خلاف فيه إلا انه انما ينصرف الى الذاكر بعين ما قالوا في
الوقت الذي اتفقوا على اشتراكه. و (ثانيا) بأنه لو كان ذلك منافيا للاشتراك المطلق
للزم اختصاص الوقت بالظهر ما لم يؤدها ولا اختصاص له بمقدار أدائها.
واما ما ذكره في الذكرى من الاستدلال بالآية ففيه ان
الآية بالدلالة على خلاف ما رامه أشبه ، ولهذا ان العلامة في المختلف جعلها من
أدلة الصدوق على القول بالاشتراك من أول الوقت وذلك لان غاية ما تدل عليه الآية
المذكورة التكليف بالصلاتين أو الصلوات الأربع في ذلك الوقت المحدود ولا يلزم من
ذلك وجوب الترتيب بل الترتيب انما قام بدليل من الخارج وهو انما ينصرف الى الذاكر
كما عرفت فعند عدم التذكر يبقى إطلاق الآية على حاله.
واما ما استدلوا به من رواية الحلبي ونحوها ففيه انه وان
اشتهر في كلامهم نسبة القول بالاشتراك من أول الوقت الى آخره الى الصدوق وفرعوا
على ذلك جملة من الفروع كما مضى وسيأتي إلا ان معلومية ذلك من كلام الصدوق غير
ظاهر حيث انه لم يصرح بهذا القول وانما نسبوه اليه باعتبار نقله جملة من الروايات
المتقدمة ، وصريح كلامه بالنسبة إلى آخر الوقت يوافق كلام الأصحاب فإنه قال في باب
أحكام السهو في
الصلاة ما صورته : وان نسيت الظهر
والعصر ثم ذكرتهما عند غروب الشمس فصل الظهر ثم صل العصر ان كنت لا تخاف فوت
إحداهما وان خفت ان تفوتك إحداهما فابدأ بالعصر ولا تأخرها فيكون قد فاتتاك جميعا
ثم صل الاولى بعد ذلك على أثرها. انتهى وحينئذ فالخلاف لو سلم انما هو في أول
الوقت خاصة. بقي الكلام بالنسبة الى من نقل عنه القول بذلك غيره فهل هو على حسب ما
ذكرناه عن الصدوق أو مطلقا؟ كل محتمل.
نعم يبقى الإشكال في الاخبار حيث ان ظاهر الاخبار التي
قدمناها امتداد الاشتراك الى آخر الوقت وبموجبه انه لو لم يبق من الوقت إلا بقدر
اربع ركعات فإنه يختص بالظهر ورواية الحلبي المذكورة ونحوها تدفعه ، وربما صارت
هذه الاخبار قرينة على ارتكاب التأويل في أول الوقت في تلك الأخبار الدالة على
الاشتراك مطلقا فإنها وان كانت لا معارض لها بالنسبة إلى أول الوقت إلا ان المعارض
بالنسبة الى آخره موجود كما عرفت.
وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الإشكال فإن الخروج
عما عليه جل الأصحاب مع تأيده بما عرفت مشكل والقول بتخصيص الاشتراك بأول الوقت
دون آخره كما هو المفهوم من الاخبار بالتقريب الذي ذكرناه مع عدم ذهاب أحد إليه
فيما اعلم أشكل والاحتياط بحمد الله سبحانه واضح.
(تنبيه) اعلم ان جماعة من الأصحاب قد فرعوا على الخلاف
المتقدم في المسألة فروعا : (منها) ـ ما قدمناه من صلاة العصر في الوقت المختص
بالظهر ساهيا وما لو صلى الظهرين بناء على ظن دخول الوقت ثم ظهر وقوع العصر في
الوقت المختص بالظهر ، فعلى القول بالاشتراك تصح العصر ويصلي الظهر بعدها لان
غايته الإخلال بواجب وهو الترتيب سهوا أو بناء على ما جوزه الشارع من العمل بالظن
ولا ضير فيه ، وعلى القول بالاختصاص تبطل العصر ويجب أداؤها بعد الظهر.
و (منها) ـ ان من ظن ضيق الوقت إلا عن أداء العصر فإنه
يتعين عليه
الإتيان بالعصر فلو صلى ثم تبين الخطأ
ولم يبق من الوقت إلا مقدار ركعة مثلا فحينئذ يجب عليه الإتيان بالظهر أداء على
القول بالاشتراك حسب ، كذا ذكره بعض الأصحاب ولا يخلو من شوب الارتياب فان من ظن
ضيق الوقت إلا عن أداء أربع ركعات أو تيقن ذلك فإنه على القول بالاشتراك فالواجب
عليه الإتيان بالظهر لقولهم (عليهمالسلام) «إلا ان هذه
قبل هذه» واما على القول بالاختصاص فالواجب الإتيان بالعصر كما دلت عليه رواية
الحلبي المتقدمة ، وكذا لو لم يبق من الوقت إلا بقدر أداء ركعة فإنها تختص بالظهر
أداء على القول بالاشتراك وبالعصر على القول بالاختصاص.
و (منها) ـ ان من أدرك أربع ركعات من آخر وقت العشاءين
فإنه يجب عليه الإتيان بالمغرب أولا ثم العشاء وان لم يدرك منها إلا ركعة على
القول بالاشتراك وتتعين العشاء على القول بالاختصاص.
و (منها) ـ ان من صلى الظهر ظانا سعة الوقت ثم تبين
الخطأ ووقوعها في الوقت المختص بالعصر على القول المشهور فإنه يجب قضاء العصر خاصة
على القول بالاشتراك وقضاؤهما معا بناء على الاختصاص. والله العالم.
(المسألة الثالثة) ـ لا خلاف بين الأصحاب في ان أول وقت
الظهر زوال الشمس الذي هو عبارة عن ميلها وانحرافها عن دائرة نصف النهار وقد نقل
الإجماع على ذلك في المعتبر والمنتهى ، والأصل فيه الآية والأخبار قال الله عزوجل «أَقِمِ
الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ» (1) والدلوك هو الزوال كما نص عليه أهل
اللغة ودل عليه صحيح زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) (2) «قال الله عزوجل لنبيه (صلىاللهعليهوآله) أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ (3) ودلوكها
زوالها. الحديث». وقد تقدم بتمامه مع البحث في ذيله عن معناه منقحا في فصول
المقدمة الاولى (4)
وروى
__________________
(1 و 3) سورة بني إسرائيل ، الآية 80.
(2) رواه في الوسائل في الباب 2 من أعداد الفرائض.
(4) ص 20.
الصدوق في الصحيح عن زرارة عن ابي
جعفر (عليهالسلام) (1) انه قال : «إذا
زالت الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر وإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء
الآخرة».
الى غير ذلك من الأخبار المستفيضة التي تقدم كثير منها
في سابق هذه المسألة وربما يتوهم دلالة بعض الأخبار على ما ينافي ذلك كصحيحة
إسماعيل بن عبد الخالق (2) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن وقت الظهر
قال بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك إلا في يوم الجمعة أو في السفر فان وقتها حين تزول».
وعن سعيد الأعرج عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «سألته
عن وقت الظهر أهو إذا زالت الشمس؟ فقال بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك إلا في السفر
أو يوم الجمعة فإن وقتها إذا زالت». ونحوهما غيرهما ، فإنها محمولة على وقت
المتنفل والوقت الأول لغيره كما سيأتي توضيحه ان شاء الله تعالى في محله مفصلا ،
وبالجملة فالتحديد بالزوال لاولية وقت الظهر مما وقع الاتفاق عليه نصا وفتوى.
وانما الخلاف بينهم في آخر وقتها وقد اختلفت فيه أقوالهم
، قال العلامة في المختلف : اختلف علماؤنا في آخر وقت الظهر فقال السيد المرتضى (رضياللهعنه) إذا زالت
الشمس دخل وقت الظهر فإذا مضى مقدار صلاة أربع ركعات اشتركت الصلاتان الظهر والعصر
في الوقت الى ان يبقى الى مغيب الشمس مقدار اربع ركعات فيخرج وقت الظهر ويبقى وقت
العصر وبالغروب ينقضي وقت العصر وهو اختيار ابن الجنيد وسلار وابن إدريس وابن زهرة
، وقال الشيخ في المبسوط إذا زالت الشمس دخل وقت الفريضة ويختص به مقدار ما يصلى
فيه اربع ركعات ثم يشترك الوقت بعده بينه وبين العصر الى ان يصير ظل كل شيء مثله
، وروى حتى يصير الظل أربعة أقدام وهو أربعة أسباع الشاخص المنتصب ثم يختص بعد ذلك
بوقت العصر الى ان يصير ظل كل شيء مثليه
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 4 من أبواب المواقيت.
(2 و 3) المروية في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت.
فإذا صار كذلك فقد فات وقت العصر ،
هذا وقت الاختيار واما وقت الضرورة فهما مشتركان فيه الى ان يبقى من النهار مقدار
ما يصلى فيه اربع ركعات فإذا صار كذلك اختص بوقت العصر الى ان تغرب الشمس ، وفي
أصحابنا من قال ان هذا ايضا وقت الاختيار الا ان الأول أفضل ، وافتى في الخلاف
بمثل ذلك وكذلك في الجمل ، وقال في النهاية آخر وقت الظهر لمن لا عذر له إذا صارت
الشمس على أربعة أقدام ، وقال في الاقتصاد آخره إذا زاد الفيء أربعة أسباع الشاخص
أو يصير ظل كل شيء مثله وهو اختياره في المصباح وقال في عمل يوم وليلة إذا زاد
الفيء أربعة أسباع الشاخص ، وقد جعل في المبسوط أربعة أسباع الشاخص رواية ولم
يتعرض لهذه الرواية في الخلاف والجمل وافتى في النهاية وعمل يوم وليلة بهذه
الرواية ولم يتعرض للظل المماثل وافتى في الاقتصاد بأحدهما لا بعينه وقال المفيد
وقت الظهر بعد زوال الشمس الى ان يرجع الفيء سبعي الشاخص. وقال ابن ابي عقيل أول
وقت الظهر زوال الشمس الى ان ينتهي الظل ذراعا واحدا أو قدمين من ظل قامته بعد الزوال
فإذا جاوز ذلك فقد دخل الوقت الآخر ، مع انه حكم ان الوقت الآخر لذوي الأعذار فإن
أخر المختار الصلاة من غير عذر الى آخر الوقت فقد ضيع صلاته وبطل عمله وكان عند آل
محمد (عليهمالسلام) إذا صلاها في
آخر وقتها قاضيا لا مؤديا للفرض في وقته. وقال ابن البراج آخر الوقت ان يصير ظل كل
شيء مثله ، وقال أبو الصلاح آخر وقت المختار الأفضل ان يبلغ الظل سبعي القائم
وآخر وقت الاجزاء ان يبلغ الظل أربعة أسباعه وآخر وقت المضطر ان يصير الظل مثله.
وللشيخ في التهذيب قول آخر وهو ان وقت الظهر أربعة أقدام وهي أربعة أسباع الشاخص
وبه قال السيد المرتضى في المصباح. ثم قال في المختلف ، والذي نذهب اليه نحن ما
اختاره السيد المرتضى أولا.
أقول : وما ذهب اليه (قدسسره) هو المشهور
بين المتأخرين ومتأخريهم واستدلوا عليه كما ذكره العلامة في المختلف والسيد في
المدارك وغيرهما بقوله عزوجل
«أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ
إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ» (1) والمعنى ـ والله
اعلم ـ أقم الصلاة من وقت دلوك الشمس ممتدا ذلك الى غسق الليل فتكون أوقاتها موسعة
، وما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) (2) قال : «ففي ما
بين الزوال الى غسق الليل اربع صلوات سماهن وبينهن ووقتهن».
وقال في المدارك ومقتضى ذلك امتداد وقت الظهرين أو العصر
خاصة إلى الغروب ليتحقق كون الوقت المذكور ظرفا للصلوات الأربع بمعنى ان كل جزء من
اجزائه ظرف لشيء منها. وقال في المنتهى وكل من قال بان وقت العصر يمتد الى غروب
الشمس فهو قائل بامتداد الظهر الى ما قبل ذلك. ثم روى في المدارك عن احمد بن محمد
ابن عيسى عن احمد بن محمد بن ابي نصر عن الضحاك بن زيد عن عبيد بن زرارة عن ابي
عبد الله (عليهالسلام) (3) «في قوله تعالى
أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ (4) قال ان الله
تعالى افترض اربع صلوات أول وقتها من زوال الشمس الى انتصاف الليل : منها صلاتان
أول وقتهما من عند زوال الشمس الى غروب الشمس إلا ان هذه قبل هذه ، ومنها ـ صلاتان
أول وقتهما من غروب الشمس الى انتصاف الليل إلا ان هذه قبل هذه». قال : وليس في
طريق هذه الرواية من قد يتوقف في شأنه إلا الضحاك بن زيد فإنه غير مذكور في كتب
الرجال بهذا العنوان لكن الظاهر انه أبو مالك الثقة كما يستفاد من النجاشي فيكون
السند صحيحا ومتنها صريح في المطلوب ، ثم قال في المدارك ويشهد لهذا القول ايضا
روايتا داود بن فرقد والحلبي المتقدمتان ورواية زرارة (5) قال : «قال
أبو جعفر (عليهالسلام) أحب الوقت
الى الله عزوجل حين يدخل وقت
__________________
(1 و 4) سورة بني إسرائيل ، الآية 80.
(2) رواه في الوسائل في الباب 2 من أعداد الفرائض.
(3) رواه في الوسائل في الباب 10 من أبواب المواقيت.
(5) المروية في الوسائل في الباب 3 من أبواب المواقيت.
الصلاة فصل الفريضة فان لم تفعل فإنك
في وقت منها حتى تغيب الشمس». ثم نقل موثقة عبد الله بن سنان (1) الدالة على ان
الحائض إذا طهرت قبل غروب الشمس فلتصل الظهر والعصر وان طهرت في آخر الليل فلتصل
المغرب والعشاء ثم صحيحة زرارة (2) الدالة على ان من الأمور أمورا مضيقة
وأمورا موسعة وان الوقت وقتان والصلاة مما فيه السعة فربما عجل رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وربما أخر.
الحديث ، الى ان قال : واما انتهاء وقت الفضيلة بصيرورة ظل كل شيء مثله فيدل عليه
صحيحة أحمد بن عمر عن ابي الحسن (عليهالسلام) (3) قال : «سألته
عن وقت الظهر والعصر فقال وقت الظهر إذا زالت الشمس الى ان يذهب الظل قامة ووقت
العصر قامة ونصف الى قامتين». وصحيحة أحمد بن محمد (4) قال : «سألته
عن وقت صلاة الظهر والعصر فكتب قامة للظهر وقامة للعصر». قال وانما حملناهما على
وقت الفضيلة لأن اجراءهما على ظاهرهما اعني كون ذلك آخر الوقت مطلقا ممتنع إجماعا
فلا بد من حملهما اما على وقت الفضيلة أو الاختيار ولا ريب في رجحان الأول
لمطابقته لظاهر القرآن ولصراحة الأخبار المتقدمة في امتداد وقت الاجزاء الى الغروب
ولقوله (عليهالسلام) في صحيحة ابن
سنان (5) «لكل صلاة
وقتان وأول الوقتين أفضلهما». انتهى.
أقول وبه سبحانه الثقة لإدراك المأمول ـ : انا قدمنا
البحث في المقام بما أزال عنه غشاوة اللبس والإبهام ونقول هنا أيضا في الكلام على
كلامه (قدسسره) في هذا
المقام ان فيه نظرا من وجوه :
(أحدها) انه لا مدفع لدلالة الآية والاخبار المذكورة على
الامتداد في الجملة وكون
__________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 49 من أبواب الحيض.
(2) المروية في الوسائل في الباب 8 من صلاة الجمعة.
(3 و 4) المروية في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت.
(5) المروية في الوسائل في الباب 3 من أبواب المواقيت.
ذلك وقتا في الجملة إنما البحث في
تخصيص ذوي الأعذار به أو عمومه لهم ولذوي الاختيار وهذه الأدلة كلها لا تصريح ولا
ظاهرية فيها بكون الامتداد الى الغروب والى الانتصاف وقتا للمختار كما هو المطلوب
بالاستدلال وانما تدل على كونه وقتا في الجملة ويكفي في صدقه كونه وقتا لذوي
الاعذار والاضطرار ، ومما يؤيد ما ذكرنا ما صرح به شيخنا البهائي في كتاب الحبل
المتين حيث نقل عن العلامة الاحتجاج للقول المشهور بالآية وانها تدل على التخيير
في إيقاع الصلاة بين هذين الوقتين ، ثم قال (قدسسره) واما الآية
فلا تدل على ان ما بين الدلوك والغسق وقت للمختار وانما تدل على ان ما بينهما وقت
في الجملة وهذا لا ينافي كون البعض وقتا للمختار والبعض الآخر وقتا للمعذور.
انتهى. وقد وفق الله سبحانه للاطلاع عليه بعد خطور ما ذكرناه بالبال أولا فهو من
قبيل توارد الخاطر.
و (ثانيها) ـ ان ما ذكره (قدسسره) في الرواية
المشتملة على الضحاك بن زيد ـ من ان الظاهر انه أبو مالك الثقة كما يستفاد من
النجاشي فيكون السند صحيحا لا اعرف له وجه استقامة ولا لهذه الظاهرية وجه ظهور ،
فان مجرد ذكر النجاشي للضحاك وانه أبو مالك الحضرمي وانه ثقة لا يقتضي حمله على
الرجل المذكور في الرواية المعبر عنه بالضحاك بن زيد ، ومجرد الاشتراك في الاسم أو
الطبقة لا يقتضي حمل أحدهما على الآخر ، والذي يستفاد من النجاشي توثيق الرجل الذي
ذكره واما كونه هو هذا المذكور في الخبر فلا يستفاد من كلامه بوجه من الوجوه ،
وبالجملة فإن ما ذكره (قدسسره) لا يخلو من
عجب من مثله كما ترى ، وأعجب من ذلك قوله ايضا «ومتنها صريح في المطلوب» وأي صراحة
في الدلالة على الامتداد بالنسبة إلى المختار كما هو المدعى ومحل البحث؟ وانما
غايتها ـ كما عرفت ـ الدلالة على ما دلت عليه الآية والاخبار الباقية من كونه وقتا
في الجملة.
و (ثالثها) ـ قوله بعد ذكر صحيحتي الاحمدين الدالتين على
التحديد بالقامة والقامتين من ان الأظهر حملهما على الفضيلة دون الاختيار لظاهر
القرآن وصراحة
الأخبار المتقدمة في امتداد وقت
الاجزاء الى الغروب ، فان فيه انه لا ريب ان هاتين الصحيحتين من جملة الصحاح التي
أشرنا سابقا الى دلالتها على ما اخترناه من ان الوقت الأول هو الوقت الأصلي لجملة
الفرائض وان الثاني انما وقع رخصة لذوي الاعذار والاضطرار وان من أخر اليه مختارا
فهو مستحق للمؤاخذة إلا ان يعفو الله عزوجل.
ومنها ـ زيادة على الخبرين المذكورين ما رواه في الكافي
عن يزيد بن خليفة (1) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) ان عمر بن
حنظلة أتانا عنك بوقت؟ فقال أبو عبد الله (عليهالسلام) إذا لا يكذب
علينا. قلت ذكر انك قلت ان أول صلاة افترضها الله عزوجل على نبيه
الظهر وهو قول الله تعالى «أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ» (2) فإذا زالت
الشمس لم يمنعك إلا سبحتك ثم لا تزال في وقت الظهر الى ان يصير الظل قامة وهو آخر
الوقت فإذا صار الظل قامة دخل وقت العصر فلم تزل في وقت العصر حتى يصير الظل
قامتين وذلك المساء؟ قال صدق». وما رواه الشيخ في التهذيب عن محمد بن حكيم (3) قال : «سمعت
العبد الصالح (عليهالسلام) وهو يقول ان
أول وقت الظهر زوال الشمس وآخر وقتها قامة من الزوال وأول وقت العصر قامة وآخر
وقتها قامتان. قلت في الشتاء والصيف سواء؟ قال نعم». ومنها ـ موثقة معاوية بن وهب
المتقدمة (4) في المسألة
الأولى الدالة على نزول جبرئيل بالأوقات على النبي (صلىاللهعليهوآله). إلا انه
يبقى الإشكال في هذه الاخبار من حيث الدلالة على امتداد الفضيلة أو الاختيار إلى
صيرورة ظل كل شيء مثله فإنه مبني على حمل القامة على قامة الإنسان ، وفيه ما
سيأتي تحقيقه في المسألة الآتية ان شاء الله تعالى.
واما ما ذكره هنا من حمل هذا الوقت على وقت الفضيلة فقد
عرفت انه مجرد دعوى لا دليل عليها واستنادهم الى الآية والاخبار قد عرفت ما فيه إذ
محل البحث في المسألة
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 10 من المواقيت.
(2) سورة بني إسرائيل ، الآية 80.
(3) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت.
(4) ص 94.
وقت المختار ولا دلالة في الآية عليه
ولا في شيء من تلك الاخبار ، وبالجملة فإنا لا نمنع دلالة الآية وهذه الاخبار على
انه وقت في الجملة واما كونه وقتا للمختار كما هو المدعى فلا فإن قضية الجمع بينها
وبين ما قدمناه من الأخبار الدالة على كون الوقت الثاني انما هو لذوي الاعذار وانه
بالنسبة إلى غيرهم تضييع وانه موجب لوقوف عمله عن القبول وبقائه تحت المشيئة هو
حمل هذه الأخبار على ما ذكرناه ، واما على ما ذهبوا إليه فإنه لا مناص لهم عن طرح
تلك الاخبار مع ما هي عليه من الاستفاضة والكثرة والصحة في كثير منها والصراحة.
ومما يزيدها تأكيدا زيادة على ما قدمناه ما رواه الصدوق
في كتاب العيون عن الرضا (عليهالسلام) وفي كتاب
المجالس وثواب الأعمال عن الصادق عن آبائه عن رسول الله (صلىاللهعليهوآله) (1) قال : «لا
يزال الشيطان ذعرا من المؤمن ـ وفي بعضها هائبا لابن آدم ذعرا منه ـ ما حافظ على
الصلوات الخمس فإذا ضيعهن اجترأ عليه وأوقعه في العظائم». وروى في كتاب العيون عن
الرضا (عليهالسلام) (2) قال : «لا
تضيعوا صلاتكم فان من ضيع صلاته حشر مع قارون وهامان وكان حقا على الله تعالى ان
يدخله النار مع المنافقين فالويل لمن لم يحافظ على صلاته وسنة نبيه (صلىاللهعليهوآله)». وروى
الصدوق في كتاب المجالس بسند صحيح عن خالد بن جرير عن ابي الربيع عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «قال
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لا ينال
شفاعتي غدا من أخر الصلاة المفروضة بعد وقتها». وروى في الخصال عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «قال
أمير المؤمنين (عليهالسلام) ليس عمل أحب
الى الله عزوجل من الصلاة فلا
يشغلنكم عن أوقاتها شيء من أمور الدنيا فان الله عزوجل ذم أقواما
فقال : الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ (5) يعني أنهم
غافلون استهانوا بأوقاتها». وروى
__________________
(1 و 3 و 4) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب المواقيت.
(2) رواه في الوسائل في الباب 7 من أعداد الفرائض.
(5) سورة الماعون ، الآية 4 و 5.
الطبرسي في مجمع البيان عن زرارة عن
ابي جعفر (عليهالسلام) (1) انه قال : «هذه
الفريضة من صلاها لوقتها عارفا بحقها لا يؤثر عليها غيرها كتب الله له بها براءة
لا يعذبه ومن صلاها لغير وقتها مؤثرا عليها غيرها فان ذلك اليه ان شاء غفر له وان
شاء عذبه». وروى الثقة الجليل علي بن إبراهيم (2) في تفسير قوله تعالى «الَّذِينَ
هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ» (3) قال : عنى به
تاركون لان كل أحد يسهو في الصلاة. وعن ابي عبد الله (عليهالسلام) «تأخير
الصلاة عن أول وقتها لغير عذر». وفي كتاب المجمع هم الذين يؤخرون الصلاة عن أوقاتها
عن ابن عباس وروى ذلك مرفوعا. وفي تفسير العياشي في تفسير الآية المذكورة عن يونس
بن عمار عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «سألته
عن قوله تعالى «الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ» أهي وسوسة
الشيطان؟ قال لا كل أحد يصيبه هذا ولكن ان يغفلها ويدع ان يصلي في أول وقتها». وعن
أبي أسامة زيد الشحام (5) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن قوله
تعالى «الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ» قال هو الترك
لها والتواني عنها». وعن محمد بن الفضيل عن ابي الحسن (عليهالسلام) (6) «هو التضييع
لها».
أقول : انظر أيدك الله تعالى بعين الاعتبار في هذه
الاخبار وأمثالها مما قدمناه مما هو صريح الدلالة واضح المقالة في ان التأخير عن
الوقت الأول تضييع وان المراد بالوقت في جميع هذه الاخبار السابقة واللاحقة هو
الوقت الأول فربما أطلق في بعضها وربما قيد بأول الوقت من قبيل إضافة الصفة إلى
الموصوف اي الوقت الأول وان التأخير عنه تضييع للصلاة غير مستحق للقبول بل مستحق
للعقاب والحشر مع قارون وهامان وانه لا تناله الشفاعة إلا ان يعفو الله بكرمه ،
وكيف يلائم هذا كله القول بأنه وقت شرعي للمختار يجوز له التأخير إليه في حال
الاختيار؟
__________________
(1 و 4 و 5 و 6) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب
المواقيت.
(2) ص 740.
(3) سورة الماعون ، الآية 4 و 5.
و (رابعها) ـ ان ما ادعاه ـ من صراحة الأخبار المتقدمة
وامتداد وقت الاجزاء ـ ففيه ان تلك الاخبار لم يصرح في شيء منها بكونه وقت اجزاء
ولا غيره وهذه التسمية إنما وقعت في كلامهم باعتبار حملهم الوقت الأول على وقت
الفضيلة فسموا الوقت الثاني وقت اجزاء. وغاية ما دلت عليه الأخبار المتقدمة ان
الوقت يمتد الى غروب الشمس لقوله (عليهالسلام) في بعضها (1) «أنت في وقت
حتى تغيب الشمس». ولكن مقتضى الجمع بينها وبين الأخبار الدالة على التحديد بالقامة
والقامتين يدل على ان ما بعد القامة في الظهر والقامتين في العصر وقت مرجوح مفضول
ليس كالوقت الأول إلا انهم سموه باعتبار حملهم اخبار القامة والقامتين على الفضيلة
وقت اجزاء والآخرون خصوه بأصحاب الضرورات والاعذار وان أسقط القضاء عن غيرهم أيضا
إلا انه على الحال التي عرفت من الأخبار المتقدمة. وهذا هو الأرجح والأظهر للأخبار
المذكورة كما عرفت.
إذا عرفت ذلك فاعلم ان جملة من الأصحاب قد نقلوا عن
الشيخ في الخلاف الاحتجاج على ما ذهب اليه من انتهاء وقت الاختيار بصيروة ظل كل شيء
مثله بأن الإجماع منعقد على ان ذلك وقت للظهر وليس على ما زاد عليه دليل ، وبما
رواه عن زرارة (2) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن وقت صلاة
الظهر في القيظ فلم يجبني فلما ان كان بعد ذلك قال لعمر وبن سعيد بن هلال ان زرارة
سألني عن وقت صلاة الظهر في القيظ فلم أخبره فخرجت من ذلك فاقرأه مني السلام وقل
له إذا كان ظلك مثلك فصل الظهر وإذا كان ظلك مثليك فصل العصر». وبصحيحتي أحمد بن
عمر واحمد بن محمد المتقدمتين.
وأجاب عن ذلك في المدارك قال : والجواب عن الأول انا قد
بينا الدلالة
__________________
(1) كما في الحديث رقم «5» ورقم «22» من الباب 4 من مواقيت
الوسائل.
(2) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت.
على كون الزائد وقتا للظهر وعن
الرواية الأولى بمنع الدلالة على المدعى بل هي بالدلالة على نقيضه أشبه لأن أمره (عليهالسلام) بالصلاة بعد
المثل يدل على عدم خروجه به. وعن الروايتين الأخيرتين بالحمل على وقت الفضيلة كما
بيناه. انتهى.
وفيه ما عرفت ونزيده هنا ان الشيخ (قدسسره) انما احتج
هنا على انتهاء وقت الاختيار لا انتهاء الوقت مطلقا والذي أشار إليه من الأدلة ليس
فيها ما يدل على كون الزائد وقتا للمختار وانما غايتها ـ كما عرفت ـ الدلالة على
كونه وقتا في الجملة فكلام الشيخ في محله لا يندفع بما ذكره. واما استدلال الشيخ
برواية زرارة فهو ليس في محله والظاهر حملها على الإبراد المأمور به كما سيأتي ان
شاء الله تعالى في موضعه. واما الصحيحان الآخران فهما من أوضح الأدلة على ما ادعاه
والحمل على وقت الفضيلة قد عرفت ما فيه.
واما ما افتى به الشيخ في بعض كتبه ونسبه الى الرواية في
بعض آخر ـ من انتهاء الوقت بأربعة أقدام وهو أربعة أسباع الشاخص لمن لا عذر له
واما من له عذر فهو في فسحة إلى آخر النهار ـ فاستدل عليه في التهذيب بما رواه عن
إبراهيم الكرخي (1) قال : «سألت
أبا الحسن موسى (عليهالسلام) متى يدخل وقت
الظهر؟ قال إذا زالت الشمس. فقلت متى يخرج وقتها؟ فقال من بعد ما يمضي من زوالها
أربعة أقدام ان وقت الظهر ضيق ليس كغيره. قلت فمتى يدخل وقت العصر؟ قال ان آخر وقت
الظهر هو أول وقت العصر. قلت فمتى يخرج وقت العصر؟ فقال وقت العصر الى ان تغرب
الشمس وذلك من علة وهو تضييع. فقلت له لو ان رجلا صلى الظهر من بعد ما يمضي من
زوال الشمس أربعة أقدام أكان عندك غير مؤد لها؟ فقال ان كان تعمد ذلك ليخالف السنة
والوقت لم تقبل منه كما لو ان رجلا أخر العصر الى قرب ان تغرب الشمس متعمدا
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت.
من غير علة لم تقبل منه». وعن الفضل
بن يونس (1) قال : «سألت
أبا الحسن الأول (عليهالسلام) قلت المرأة
ترى الطهر قبل غروب الشمس كيف تصنع بالصلاة؟ قال إذا رأت الطهر بعد ما يمضي من
زوال الشمس أربعة أقدام فلا تصل إلا العصر لان وقت الظهر دخل عليها وهي في الدم
وخرج عنها الوقت وهي في الدم.».
قال في المدارك بعد نقل ذلك : والجواب عن الروايتين
بالطعن في السند (أما الأولى) فبجهالة إبراهيم الكرخي مع ان فيها ما أجمع الأصحاب على
خلافه وهو قوله «ان آخر وقت الظهر هو أول وقت العصر» ومن المعلوم ان أوله عند
الفراغ منها لا بعد مضى أربعة أقدام. و (اما الثانية) فبالفضل بن يونس فإنه واقفي
مع انها معارضة بموثقة عبد الله بن سنان المتقدمة عن الصادق (عليهالسلام) وهي أوضح
سندا من هذه الرواية إذ ليس في طريقها من يتوقف فيه الا على بن الحسن بن فضال وقال
النجاشي في تعريفه انه كان فقيه أصحابنا بالكوفة ووجههم وثقتهم وعارفهم بالحديث
والمسموع قوله فيه فإنه سمع منه شيئا كثيرا ولم يعثر له على زلة فيه. انتهى.
أقول : اما الطعن في السند فقد عرفت في غير موضع مما
تقدم انه لا يقوم حجة على المتقدمين ولا على من لا يرى هذا الاصطلاح. واما ما طعن
به في متنها من دلالتها على ان أول وقت العصر هو آخر وقت الظهر والحال ان أول
وقتها انما هو الفراغ من الظهر فيمكن الجواب عنه بان المراد بالوقت هنا هو أول وقت
الفضيلة كما ذهب إليه جملة من الأصحاب من استحباب تأخير العصر الى بعد مضى المثل
أو الإقدام كما سيأتي نقله عن الشيخ المفيد وابن الجنيد في المسألة الآتية لا ان
المراد الوقت الحقيقي ، ومثل ذلك أيضا يأتي ان شاء الله تعالى في أول وقت العشاء
فان الشيخين ذهبا إلى انه انما يدخل بذهاب الحمرة المغربية وعليه يدل بعض النصوص
والأصحاب حملوها على أول وقت الفضيلة ، فليكن ما اشتمل عليه هذا الخبر من ذلك
القبيل وبه يندفع الطعن المذكور.
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 49 من أبواب الحيض.
واما طعنه في الرواية الثانية بالفضل بن يونس وانه واقفي
ففيه انه وان كان واقفيا كما ذكره الشيخ إلا انه ثقة كما ذكره النجاشي ولم يذكر
كونه واقفيا ، ويأتي على ما يختاره البعض من تقديم قول النجاشي لأنه أضبط واثبت
الحكم بصحة الرواية ، ومع التنزل والعمل بقول الشيخ فيكون من قسم الموثق فلا معنى
لترجيح موثقة عبد الله بن سنان عليها. واما ما سجل به من ترجيح موثقة عبد الله بن
سنان بعد أوصاف علي بن الحسن ابن فضال ففيه انه قد رد روايته في غير موضع من شرحه
كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى فيما يأتي.
نعم يبقى الكلام في الرواية المذكورة من حيث دلالتها على
خروج وقت الظهر في الحيض بعد الأربعة أقدام والعلامة (قدسسره) قد ادعى
الإجماع على ان آخر وقت الظهر للمعذور الى قبل الغروب بمقدار العصر وبه طعن في هذه
الرواية ، وتنظر فيه بعضهم بان الشيخ (قدسسره) صرح في
التهذيب والاستبصار بأن الحائض إذا طهرت بعد ما يمضي من الوقت أربعة أقدام لم يجب
عليها صلاة الظهر فادعاء الإجماع على خلافه مع مخالفة الشيخ محل تأمل.
أقول : ومما يدل على ما دلت عليه الرواية المذكورة من
الحكم المذكور حسنة معمر بن يحيى (1) قال : «سألت أبا جعفر (عليهالسلام) عن الحائض
تطهر بعد العصر تصلي الاولى؟ قال لا انما تصلي الصلاة التي تطهر عندها». وموثقة
محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) (2) قال : «قلت
المرأة ترى الطهر عند الظهر فتشتغل في شأنها حتى يدخل وقت العصر؟ قال تصلي العصر
وحدها فان ضيعت فعليها صلاتان». إلا انه يمكن حمل هاتين الروايتين على الوقت
المختص بالعصر فلا يكون سبيلها سبيل تلك الرواية.
وبالجملة فإن رواية الكرخي لا اشكال فيها لما عرفت وانما
الإشكال في رواية
__________________
(1 و 2) المروية في الوسائل في الباب 49 من أبواب الحيض.
الفضل بن يونس بما دلت عليه من ان وقت
الظهر انما هو الى مضي الأربعة أقدام وبعده يخرج حتى بالنسبة إلى ذوي الأعذار
كالحيض ، ولا يحضرني في ذلك محمل غير التقية وبه صرح الفاضل الخراساني في الذخيرة
وزاد مع ذلك احتمال حمل رواية ابن سنان على الاستحباب ، والأظهر هو العمل برواية
ابن سنان لاعتضادها بالأخبار المستفيضة الدالة على وجوب الصلاة وامتداد الوقت سيما
لذوي الأعذار إلى الغروب وحمل تلك الرواية على التقية وان لم يعلم بها الآن قائل
منهم لما قدمناه في المقدمة الاولى من مقدمات الكتاب من انه لا يشترط في الحمل
عليها وجود قائل منهم ، ولما علم من الأخبار من انه لا منشأ للاختلاف في أخبارنا إلا
التقية ، ولما تطابقت فتوى علمائنا وتظافرت أخبارنا بما دلت عليه رواية ابن سنان
وجب حمل ما يخالفها على ذلك. واما ما ذهب اليه الشيخ مما قدمنا نقله عنه من العمل
بالرواية المذكورة فهو مما لا يلتفت إليه في معارضة الأخبار المشار إليها المعتضدة
بعمل الطائفة المحقة قديما وحديثا ومنهم الشيخ في غير الكتابين المذكورين. نعم ما
دلت عليه رواية ابن سنان من امتداد وقت العشاءين الى آخر الليل محمول عندي على
التقية لما تقدم تحقيقه في باب التيمم ويأتي مزيد كلام فيه ان شاء الله تعالى في
باب قضاء الصلاة.
واما ما نقل عن الشيخ المفيد (قدسسره) ـ من ان وقت
الظهر بعد زوال الشمس الى ان يرجع الفيء سبعي الشاخص ـ فاستدل له العلامة في
المختلف بما رواه ابن بابويه والشيخ في الصحيح عن الفضيل بن يسار وزرارة بن أعين
وبكير بن أعين ومحمد ابن مسلم وبريد بن معاوية العجلي عن ابي جعفر وابي عبد الله (عليهماالسلام) (1) انهما قالا : «وقت
الظهر بعد الزوال قدمان ووقت العصر بعد ذلك قدمان وهذا أول الوقت الى ان يمضي
أربعة أقدام للعصر». وما رواه الشيخ عن زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) (2) قال : «سألته
عن وقت الظهر فقال ذراع من زوال الشمس ووقت العصر ذراع من وقت الظهر فذلك أربعة
أقدام من زوال الشمس». قال في المدارك ـ ونعم ما قال
__________________
(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت.
هنا ـ : والجواب منع دلالة الروايتين
على خروج وقت الظهر بذلك بل مقتضى صحيحة زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) استحباب
تأخير الظهر الى ان يصير الفيء على قدمين من الزوال فإنه (عليهالسلام) قال (1) «ان حائط مسجد
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كان قامة
وكان إذا مضى من فيئه ذراع صلى الظهر وإذا مضى من فيئه ذراعان صلى العصر ، ثم قال أتدري
لم جعل الذراع والذراعان قلت لم جعل ذلك؟ قال لمكان النافلة لك ان تتنفل من زوال
الشمس الى ان يمضي الفيء ذراعا فإذا بلغ فيئك ذراعا من الزوال بدأت بالفريضة
وتركت النافلة». والظاهر ان ذلك هو مراد المفيد (قدسسره) وان كانت
عبارته مجملة وهو الذي فهمه منه الشيخ في التهذيب ، فإنه قال بعد نقل كلامه : وقت
الظهر على ثلاثة أضرب : من لم يصل شيئا من النوافل فوقته حين تزول الشمس بلا تأخير
، ومن صلى النافلة فوقتها حين صارت على قدمين أو سبعين أو ما أشبه ذلك ، ووقت
المضطر ممتد الى اصفرار الشمس ، ثم استدل على الضرب الثاني برواية زرارة وما في
معناها. وبالجملة فالقول بخروج وقت الظهر بصيرورة الفيء على قدمين مقطوع بفساده.
انتهى. وهو جيد
واما ما نقل عن ابن ابي عقيل فاحتج له في المختلف برواية
زرارة المتقدمة في ما استدل به للشيخ المفيد ورواية محمد بن حكيم (2) قال : «سمعت
العبد الصالح (عليهالسلام) يقول ان أول
وقت الظهر زوال الشمس وآخر وقتها قامة من الزوال». قال وقد روى علي بن أبي حمزة (3) قال : «سمعت
أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول القامة
هي الذراع». وقال له أبو بصير (4) : «كم القامة؟ فقال ذراع ان قامة رحل
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كانت ذراعا».
وأجاب عنه بما يرجع الى ما قدمناه نقله عن صاحب المدارك في الجواب عن كلام الشيخ
المفيد (قدسسره). وبالجملة
فالمعتمد من هذه الأقوال ما قدمنا لك تحقيقه وأوسعنا مضيقة في هذا المجال. والله
العالم.
(المسألة الرابعة) ـ المشهور في كلام الأصحاب ان الوقت
الأول للظهر وهو
__________________
(1 و 2 و 3 و 4) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب
المواقيت.
وقت الفضيلة أو الاختيار على الخلاف
المتقدم من الزوال الى مضى مثل الشاخص وللعصر الى مضي مثليه ، قال في المعتبر آخر
وقت الظهر إذا صار ظل كل شيء مثله ثم يمتد وقت الاجزاء حتى يبقى للغروب مقدار
اربع ركعات فيختص الوقت بالعصر ، واليه ذهب علم الهدى وابن الجنيد. وقد نقل في
المدارك ايضا عن السيد المرتضى انه يمتد وقت الفضيلة في الظهر الى ان يصير ظل كل
شيء مثله ووقت الاجزاء الى ان يبقي للغروب قدر اربع ركعات فيختص بالعصر. وقد تقدم
في صدر المسألة الثالثة كلام الشيخ بنحو ذلك.
والمشهور في كلام المتأخرين أفضلية تأخير العصر الى أول
المثل الثاني ، قال في الذكرى يمتد وقت الفضيلة للظهر أو الاختيار الى ان يصير
الظل الحادث بعد الزوال مماثلا للشاخص في المشهور ، ثم نقل خلاف المشهور التقدير
بالاقدام الأربعة لرواية إبراهيم الكرخي ، ثم قال في موضع آخر بعد البحث في المقام
: نعم الأقرب استحباب تأخير العصر الى ان يخرج وقت فضيلة الظهر اما المقدر
بالنافلتين والظهر واما المقدر بما سلف من المثل والاقدام وغيرهما.
وقد تقدم في سابق هذه المسألة تصريح صاحب المدارك بما
ذكرنا أولا من امتداد وقت فضيلة الظهر الى تمام مثل الشاخص واستدلاله على ذلك
بصحيحتي أحمد بن عمر واحمد بن محمد المشتملتين على التحديد بالقامة وان وقت الظهر
قامة ووقت العصر قامة وفي معناهما روايات أخر قدمنا ذكرها ايضا. وفي الاستدلال بها
عندي إشكال حيث ان مبنى الاستدلال بها على حمل القامة على قامة الشاخص والمفهوم من
الاخبار ان لفظ القامة الوارد فيها انما هو بمعنى الذراع والقامتين بمعنى الذراعين
، فمن ذلك ما رواه الشيخ في التهذيب عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) انه قال له : «كم
القامة؟ فقال ذراع ان قامة رحل رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كانت ذراعا».
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت.
وعن علي بن أبي حمزة (1) قال : «سمعت
أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول القامة
هي الذراع». وعن علي بن حنظلة (2) قال : «قال لي أبو عبد الله (عليهالسلام) القامة
والقامتين الذراع والذراعين في كتاب علي (عليهالسلام)». قال في
الوافي : نصبهما بالحكاية. وعن علي بن حنظلة (3) قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) في كتاب علي (عليهالسلام) القامة ذراع
والقامتان ذراعان». قال في الوافي : تفسير القامة بالذراع انما يصح إذا كان قامة
الشاخص ذراعا فيعبر عن أحدهما بالآخر كما دل عليه حديث ابي بصير لا مطلقا كما زعمه
صاحب التهذيب أو أريد به في زمان يكون فيه الظل الباقي بعد نقصانه ذراعا ويراد
بالقامة قامة الظل الباقي لا قامة الشاخص كما دل عليه حديث أول الباب. انتهى. أقول
: من المحتمل قريبا بل الظاهر ان المراد باللام في القامة والقامتين في هذه
الاخبار العهد وتكون إشارة الى ما قدمنا من الاخبار الدالة على تحديد وقت الظهر
بالقامة ووقت العصر بالقامتين بمعنى ان القامة الواردة في تلك الاخبار المراد منها
الذراع لا قامة الشاخص ، وبه يظهر ان حمل القامة في تلك الاخبار على قامة الشاخص
ليكون دليلا على امتداد وقت الفضيلة بامتداد المثل والمثلين لا وجه له.
واما ما ذكره من استحباب تأخير العصر الى أول المثل
الثاني فاستدلوا عليه برواية زرارة المتقدمة المتضمنة لسؤاله أبا عبد الله (عليهالسلام) عن وقت الظهر
في القيظ وقد تقدمت في سابق هذه المسألة (4) وهي مع كونها أخص من المدعى ومع
اشتمالها على خلاف المدعى ايضا حيث دلت على الصلاة بعد نقص المثل محمولة على
الإيراد كما يأتي تحقيقه ان شاء الله تعالى في محله. نعم يدل على ذلك ما قدمنا من
رواية الشيخ في كتاب المجالس مما كتبه الأمير (عليهالسلام) لمحمد بن ابي
بكر حين ولاه مصر (5) حيث قال في
الحديث «فان رجلا سأل رسول الله (صلىاللهعليهوآله) عن أوقات
الصلاة
__________________
(1 و 2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت.
(4) ص 118.
(5) رواه في الوسائل في الباب 10 من أبواب المواقيت.
فقال أتاني جبرئيل فأراني وقت الظهر
حين زالت الشمس فكانت على حاجبه الأيمن ثم أراني وقت العصر فكان ظل كل شيء مثله.
الحديث». وهو مع ضعفه معارض بالأخبار المستفيضة كما ستقف عليه ان شاء الله تعالى ،
ومنها اخبار نزول جبرئيل بالأوقات (1) ويمكن حمله على التقية حيث انه هو
المعمول عليه عند العامة قديما وحديثا (2)
ويؤيد ما ذكرنا ما صرح به شيخنا المجلسي (قدسسره) في كتاب
البحار حيث قال ـ ونعم ما قال ـ ثم انه لما كان المشهور بين المخالفين تأخير
الظهرين عن أول الوقت بالمثل والمثلين فلذا اختلفت الاخبار في ذلك ففي بعضها «إذا
صار ظلك مثلك فصل الظهر وإذا صار ظلك مثليك فصل العصر» (3). وفي بعضها «ان
آخر وقت الظهر المثل وآخر وقت العصر المثلان». كما ذهب إليه أكثر المتأخرين من
أصحابنا ، وفي بعضها «ان وقت نافلة الزوال قدمان ووقت الظهر ونافلة العصر بعدهما
قدمان». ووقت فضيلة العصر أربعة اقدام في بعض الاخبار وفي بعضها قدمان ونصف وفي
كثير منها «لا يمنعك من الفريضة إلا سبحنك إن شئت طولت وان شئت قصرت» (4). والذي ظهر لي
من جميعها ان المثل والمثلين انما وردا تقية لاشتهارهما بين المخالفين ، وقد أولهما
في بعض الاخبار بالذراع والذراعين تحرجا من الكذب ، أو المثل والمثلان وقت الفضيلة
بعد الذراع والذراعين والأربع أي إذا أخروا الظهر عن أربعة أقدام فينبغي ان لا
يؤخروها
__________________
(1) ص 127.
(2) في عمدة القارئ ج 2 ص 540 «آخر وقت الظهر عند أبي حنيفة إذا
صار ظل كل شيء مثليه فيخرج وقت الظهر ويدخل وقت العصر ، وعند ابى يوسف ومحمد إذا
صار ظل كل شيء مثله يخرج وقت الظهر ويدخل وقت العصر وهي رواية الحسن بن زياد وبه
قال مالك والشافعي واحمد والثوري وإسحاق لكن عند الشافعي آخر وقت العصر إذا صار ظل
كل شيء مثليه لمن ليس له عذر واما أصحاب العذر فآخر وقتها لهم غروب الشمس. وقال
القرطبي خالف الناس كلهم أبا حنيفة فيما قاله حتى أصحابه».
(3) ص 118.
(4) ص 136.
عن السبعة وهي المثل وإذا أخروا العصر
عن الثمانية فينبغي ان لا يؤخروها عن الأربعة عشر اعني المثلين ، فالأفضل في الأوقات
الاقدام لكن لا بمعنى ان الظهر لا يقدم على القدمين بل بمعنى ان النافلة لا توقع
بعد القدمين وكذا نافلة العصر لا يؤتى بها بعد الأربعة أقدام فاما العصر فيجوز
تقديمها قبل مضي الأربعة ان فرغ من النافلة قبلها بل التقديم فيهما أفضل ، واما
آخر وقت فضيلة العصر فله مراتب الأولى ستة أقدام والثانية ستة أقدام ونصف والثالثة
ثمانية أقدام والرابعة المثلان على احتمال ، فإذا رجعت الى الاخبار الواردة في هذا
الباب لا يبقى لك ريب في تعين هذا الوجه في الجمع بينها. انتهى كلامه زيد مقامه.
أقول : لم أقف فيما حضرني من الاخبار على ما يدل على
المثل والمثلين سوى الخبرين اللذين ذكرتهما (1) وقد عرفت الوجه فيهما ، وظني ان ما
تكلفه زيادة على ذلك لا وجه له إذ التقية في ذلك أظهر ظاهر في المقام فلا ضرورة في
ارتكاب ما ذكره (طيب الله مرقده).
والواجب هو بسط الأخبار المتعلقة بالمسألة كما هي عادتنا
في الكتاب ليظهر بذلك تحقيق الحق بغير شك ولا ارتياب فأقول : ان جملة من الأخبار
قد وردت في نزول جبرئيل بالأوقات :
ومنها ـ ما رواه الشيخ في التهذيب في الموثق عن معاوية
بن وهب عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «اتى
جبرئيل رسول الله (صلىاللهعليهوآله) بمواقيت
الصلاة فأتاه حين زالت الشمس فأمره فصلى الظهر ثم أتاه حين زاد من الظل قامة فأمره
فصلى العصر ثم أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلى المغرب ثم أتاه حين سقط الشفق فأمره
فصلى العشاء ثم أتاه حين طلوع الفجر فأمره فصلى الصبح ثم أتاه من الغد حين زاد في
الظل قامة فأمره فصلى الظهر ثم أتاه حين زاد من الظل قامتان فأمره فصلى العصر ثم
أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلى المغرب ثم أتاه حين ذهب ثلث الليل
__________________
(1) ص 125 رقم 4 و 5.
(2) رواه في الوسائل في الباب 10 من المواقيت.
فأمره فصلى العشاء ثم أتاه حين نور
الصبح فأمره فصلى الصبح وقال ما بينهما وقت». وعن معاوية بن ميسرة عن ابي عبد الله
(عليهالسلام) (1) قال : اتى
جبرئيل وساق الخبر مثل السابق إلا انه قال بدل القامة والقامتين ذراع وذراعين. وعن
المفضل بن عمر (2) قال : قال أبو
عبد الله (عليهالسلام) نزل جبرئيل على
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وساق الخبر
كالأول إلا انه ذكر بدل القامة والقامتين قدمين وأربعة أقدام.
أقول : وهذه الاخبار بانضمام بعضها الى بعض ظاهرة
الدلالة في ان الوقت الأول للظهرين هو الذراع والذراعان والقدمان والأربعة أقدام
لان القامة في الخبر الأول كما عرفت بمعنى الذراع إلا انها ظاهرة الاختصاص بغير
المتنفل وكأن النوافل وتحديدها بالذراع والذراعين انما وقع بعد ذلك ، وحينئذ فيكون
هذا الوقت وقت فضيلة بالنسبة الى غير المتنفل وعلى ذلك تحمل الأخبار المتقدمة أيضا
كصحيحتي الاحمدين ورواية محمد ابن حكيم ، واما رواية يزيد بن خليفة فالظاهر حمل
القامة فيها على قامة الشاخص حيث قال في آخرها : «ووقت العصر حتى يصير الظل قامتين
وذلك المساء». فان المساء انما يترتب على قامة الشاخص دون الذراعين كما لا يخفى
إلا ان يحمل على المبالغة وهو بعيد بل الظاهر هو حملها على التقية ، ويؤيده
دلالتها على عدم دخول وقت العصر حتى يصير الظل قامة الشاخص يعني وقت فضيلتها وهو
مذهب العامة حيث انهم يؤخرون العصر الى ذلك الوقت (3) ولعل من هذا
الخبر ونحوه حكم المتأخرون باستحباب تأخير العصر الى أول المثل الثاني كما قدمنا
نقله عن الذكرى والحق فيه ما عرفت ، ويمكن ان يجعل هذا الخبر دليلا لما قدمناه عن
المشهور بين الأصحاب من امتداد فضيلة الظهر الى المثل والعصر الى المثلين حيث قال
فيه : «ثم لا تزال في وقت الظهر الى ان يصير الظل قامة» وقد عرفت ان المراد
بالقامة هنا قامة الإنسان ، قوله «وهو آخر الوقت» اي وقت
__________________
(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 10 من أبواب المواقيت.
(3) راجع التعليقة 2 ص 126.
الفضيلة وقوله : «فإذا صار الظل قامة
دخل وقت العصر» اى الوقت المختص فضله بالعصر بحيث لا يشاركه الظهر فيه لان ما قبل
ذلك وقت فضيلة لهما معا كما دلت عليه الاخبار من ان كل ما قرب من أول الوقت فهو
أفضل وانه لا يمنعه إلا السبحة أو الذراع والذراعان ، وحينئذ فإذا بلغ الظل المثل
الثاني اختصت الفضيلة بالعصر الى تمام المثل الثاني ، وهذا المعنى وان كان محتملا
إلا انه لا يخلو من تكلف ولعل حمل الخبر على الخروج مخرج التقية أظهر كما ذكرنا.
وجملة من الاخبار قد دلت على التحديد بالذراع والذراعين
والقدم والقدمين والأربعة ونحو ذلك ، ومنها ـ ما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة
عن ابي جعفر (عليهالسلام) (1) قال : «سألته
عن وقت الظهر فقال ذراع من زوال الشمس ووقت العصر ذراع من وقت الظهر فذلك أربعة
أقدام من زوال الشمس ، وقال زرارة قال لي أبو جعفر (عليهالسلام) حين سألته عن
ذلك : ان حائط مسجد رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كان قامة
فكان إذا مضى من فيئه ذراع صلى الظهر وإذا مضى من فيئه ذراعان صلى العصر ، ثم قال أتدري
لم جعل الذراع والذراعان؟ قلت لم جعل ذلك؟ قال لمكان النافلة لك ان تتنفل من زوال
الشمس الى ان يمضي الفيء ذراعا فإذا بلغ فيؤك ذراعا من الزوال بدأت بالفريضة
وتركت النافلة وإذا بلغ فيؤك ذراعين بدأت بالفريضة وتركت النافلة». قال في
التهذيبين : قال ابن مسكان حدثني بالذراع والذراعين سليمان بن خالد وأبو بصير
المرادي وحسين صاحب الفلانس وابن ابي يعفور ومن لا أحصيه منهم. أقول القامة في هذا
الخبر مراد بها قامة الإنسان وكذا في الذي بعده.
وعن زرارة في الموثق (2) قال : «سمعت أبا جعفر (عليهالسلام) يقول كان
حائط مسجد رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قامة فإذا
مضى من فيئه ذراع صلى الظهر
__________________
(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت.
وإذا مضى من فيئه ذراعان صلى العصر ،
ثم قال أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟ قلت لا. قال من أجل الفريضة إذا دخل وقت
الذراع والذراعين بدأت بالفريضة وتركت النافلة».
أقول : حيث انه قد دلت الاخبار على انه لا تطوع في وقت
فريضة بل أكثر الأخبار الدالة على هذا المعنى إنما أريد بها هذا المقام حيث ان
الشارع قد عين للنافلة من أول الوقت هذا المقدار من الذراع والذراعين والقدمين
والأربعة فمتى خرج هذا الوقت ولم يأت بالنافلة وجبت البدأة بالفريضة واما لو فرغ
من النافلة قبل هذا المقدار فإنه يجوز بل يستحب مزاحمة الفريضة لها في هذا المقدار
كما سيأتيك ان شاء الله تعالى ذكره في الاخبار
وعن إسماعيل الجعفي عن ابي جعفر (عليهالسلام) (1) قال : «كان
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) إذا كان فيء
الجدار ذراعا صلى الظهر وإذا كان ذراعين صلى العصر. قال قلت ان الجدران تختلف
بعضها قصير وبعضها طويل ، فقال كان جدار مسجد رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يومئذ قامة».
وعن إسحاق بن عمار مثله سندا ومتنا (2) وزاد «وانما جعل الذراع والذراعان لئلا
يكون تطوع في وقت الفريضة».
وعن إسماعيل الجعفي عن ابي جعفر (عليهالسلام) (3) قال : «أتدري
لم جعل الذراع والذراعان؟ قال : قلت لم؟ قال لمكان الفريضة لئلا يؤخذ من وقت هذه
ويدخل في وقت هذه».
وعن زرارة في الموثق عن ابي جعفر (عليهالسلام) (4) قال : «أتدري
لم جعل الذراع والذراعان؟ قال قلت لم؟ قال لمكان الفريضة لك ان تتنفل من زوال
الشمس
__________________
(1 و 3 و 4) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت.
(2) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت. وهذا
الحديث يرويه إسحاق بن عمار عن إسماعيل الجعفي أيضا إلا ان الراوي عن إسحاق هو
صفوان بن يحيى في الأول والحسن بن عديس في الثاني.
الى ان يبلغ ذراعا فإذا بلغ ذراعا
بدأت بالفريضة وتركت النافلة».
وعن زرارة في الموثق عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «وقت
الظهر على ذراع». وعن يعقوب بن شعيب عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «سألته
عن صلاة الظهر فقال إذا كان الفيء ذراعا. قلت ذراعا من أي شيء؟ قال ذراعا من
فيئك. قلت فالعصر؟ قال الشطر من ذلك. الحديث».
وعن الحلبي عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «كان
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يصلي الظهر
على ذراع والعصر على نحو ذلك».
وعن عبيد بن زرارة في الموثق (4) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن أفضل وقت
الظهر قال ذراع بعد الزوال. قال : قلت في الشتاء والصيف سواء؟ قال نعم».
وروى في الفقيه والتهذيب في الصحيح عن الفضيل وزرارة
وبكير ومحمد بن مسلم وبريد (5) قالوا : «قال
أبو جعفر وأبو عبد الله (عليهماالسلام) وقت الظهر
بعد الزوال قدمان ووقت العصر بعد ذلك قدمان وهذا أول الوقت الى ان يمضي أربعة
أقدام للعصر».
أقول : ربما سبق الى بعض الأوهام كما وقع فيه بعض
الاعلام ان المراد من هذا الخبر انما هو تحديد وقت فضيلة الظهر أو الاختيار بمعنى
ان الأفضل إيقاعها في هذا المقدار وكذلك العصر فيكون منافيا لما دل على التحديد
بالقامة والقامتين والمثل والمثلين ومن أجل ذلك حكم بطرح اخبار المثل والمثلين
لصحة هذا الخبر. وأنت خبير بان ظاهر الصحيحة المذكورة وان أوهم ذلك في بادئ النظر
الا ان الظاهر ان المراد انما هو التحديد بما بعد القدمين والأربعة ، فمعنى قوله (عليهالسلام) : «وقت الظهر
بعد الزوال قدمان» يعني مضي قدمين وهكذا وقت العصر ، كما وقع نظيره في موثقة زرارة
__________________
(1 و 2 و 3 و 4 و 5) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب
المواقيت.
المتقدمة حيث قال : «إذا دخل وقت
الذراع والذراعين بدأت بالفريضة». فإن ظاهر وقت الذراع يعني أول الذراع مع ان
المراد انما هو مضي الذراع كما هو صريح صدر الرواية ، وقد وقع مثل ذلك في صدر
صحيحة زرارة التي في صدر هذه الجملة حيث قال فيها «سألته عن وقت الظهر فقال ذراع
من زوال الشمس ووقت العصر ذراع من وقت الظهر» فان المراد بعد ذراع كما تنادي به
تتمة الرواية وقوله فيها «ان حائط مسجد رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كان قامة
فكان إذا مضي من فيئه ذراع صلى الظهر وإذا مضى من فيئه ذراعان صلى العصر. الخبر».
وروى في التهذيب عن عبد الله بن محمد (1) قال : «كتبت
اليه جعلت فداك روى أصحابنا عن ابي جعفر وابي عبد الله (عليهماالسلام) انهما قالا
إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلا ان بين يديها سبحة إن شئت طولت وان شئت
قصرت. وروى بعض مواليك عنهما ان الظهر على قدمين من الزوال ووقت العصر على أربعة
أقدام من الزوال فان صليت قبل ذلك لم يجزئك ، وبعضهم يقول يجزئ ولكن الفضل في
انتظار القدمين والأربعة أقدام ، وقد أحببت جعلت فداك ان أعرف موضع الفضل في الوقت؟
فكتب (عليهالسلام) القدمان
والأربعة أقدام صواب جميعا».
أقول : ظاهر هذه الرواية كما ترى ان جملة من معاصري
الأئمة (عليهمالسلام) قد فهموا
الاختلاف بين روايات التقدير بالنافلة كما يأتي في المقام ان شاء الله تعالى وبين
روايات التحديد بالاقدام والأذرع ، ورجح بعضهم العمل بروايات الاقدام على روايات
التحديد بالنافلة حتى بالغ بعضهم وأوجب تأخير الفريضة إلى مضي المقدار المذكور
وحكم بعدم اجزائها قبله ولا ريب ان التأخير ظاهر منها كما سيتضح لك ان شاء الله
تعالى. ثم انه لا يخفى ما في الجواب من الإجمال وعدم الانطباق على السؤال وصاحبه
اعرف بتحقيق الحال ولعله قد سقط الشيء من البين وربما كان فيه اشعار وإيماء إلى
ترجيح العمل بروايات الاقدام.
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت.
ومنها ـ موثقة سعيد الأعرج عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «سألته
عن وقت الظهر أهو إذا زالت الشمس؟ فقال بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك إلا في السفر
أو يوم الجمعة فإن وقتها إذا زالت». وروى الصدوق في الفقيه في باب صلاة رسول الله (صلىاللهعليهوآله) مرسلا عن ابي
جعفر (عليهالسلام) (2) قال : «كان
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لا يصلي من
النهار شيئا حتى يزول النهار فإذا زال صلى ثماني ركعات وهي صلاة الأوابين تفتح في
تلك الساعة أبواب السماء ويستجاب الدعاء وتهب الرياح وينظر الله الى خلقه ، فإذا
فاء ألفي ذراعا صلى الظهر أربعا وصلى بعد الظهر ركعتين وصلى ركعتين أخراوين ثم صلى
العصر أربعا إذا فاء الفيء ذراعين».
وفي خبر آخر رواه الكليني بطريقين أحدهما صحيح أو حسن
بإبراهيم بن هاشم في باب بناء مسجد النبي (صلىاللهعليهوآله) (3) قال : «وكان
جداره قبل ان يظلل قامة فكان إذا كان الفيء ذراعا وهو قدر مربض عنز صلى الظهر
وإذا كان ضعف ذلك صلى العصر».
وروى محمد بن الفرج (4) قال : «كتبت اسأله عن أوقات الصلاة فأجاب
إذا زالت الشمس فصل سبحتك وأحب ان يكون فراغك من الفريضة والشمس على قدمين ثم صل
سبحتك وأحب ان يكون فراغك من العصر والشمس على أربعة أقدام. الحديث».
وقد تقدمت رواية إبراهيم الكرخي (5) الدالة على
خروج وقت الظهر بعد ما يمضي من الزوال أربعة أقدام وان أول وقت العصر هو آخر وقت
الظهر وان آخر وقت العصر حتى تغرب الشمس. وهو محمول على خروج وقت الفضيلة يمضي
الأربعة أقدام للظهر.
ورواية سليمان بن خالد عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (6) قال : «العصر
على
__________________
(1 و 3 و 4 و 5) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب
المواقيت.
(2) رواه في الوسائل في الباب 14 من أعداد الفرائض.
(6) المروية في الوسائل في الباب 9 من أبواب المواقيت.
ذراعين فمن تركها حتى تصير على ستة
أقدام فذلك التضييع».
وعن ابي بصير (1) قال : «قال لي أبو عبد الله (عليهالسلام) صل العصر يوم
الجمعة على ستة أقدام». وعن منصور بن حازم عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «صل
العصر على أربعة أقدام». وعن سليمان بن جعفر (3) قال : «قال الفقيه (عليهالسلام) آخر وقت
العصر ستة أقدام ونصف». وعن صفوان الجمال عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «قلت
العصر متى أصليها إذا كنت في غير سفر؟ قال على قدر ثلثي قدم بعد الظهر».
وفي كتاب الفقه الرضوي (5) قال : «وقت
الظهر زوال الشمس وآخره ان يبلغ الظل ذراعا أو قدمين من زوال الشمس في كل زمان ،
ووقت العصر بعد القدمين الأولين إلى قدمين آخرين وذراعين لمن كان مريضا أو معتلا
أو مقصرا فصار قدمان للظهر وقدمان للعصر ، فان لم يكن معتلا من مرض أو من غيره ولا
مقصرا ولا يريد ان يطيل التنفل فإذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين وليس يمنعه
منهما إلا السبحة بينهما والثمان ركعات قبل الفريضة والثمان بعدها فان شاء طول الى
قدمين وان شاء قصر ، الى ان قال فإذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاة وله مهلة في
التنفل والقضاء والنوم والشغل الى ان يبلغ ظل قامته قدمين بعد الزوال فإذا بلغ ظل
قامته قدمين بعد الزوال فقد وجب عليه ان يصلي الظهر في استقبال القدم الثالث ،
وكذلك يصلي العصر إذا صلى في آخر الوقت في استقبال القدم الخامس وإذا صلى بعد ذلك
فقد ضيع الصلاة وهو قاض للصلاة بعد الوقت».
أقول : قوله «وله مهلة في التنفل والقضاء والنوم والشغل
الى ان يبلغ ظل قامته قدمين» الظاهر ان معناه بيان اتساع الوقت الى الحد المذكور
بمعنى ان وقت الظهر من الزوال إلى أول القدم الثالث فهو في هذه المدة مرخص في
اشتغاله بنافلة أو نوم أو شغل
__________________
(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل في الباب 9 من أبواب المواقيت.
(5) ص 2.
أو نحو ذلك لاتساع الوقت في هذه المدة
فإذا كان أول القدم الثالث تعين إيقاع الظهر فيه وليس له سعة في الاشتغال بنافلة
ولا غيرها ، وهكذا بالنسبة إلى العصر الى أول القدم الخامس فهو في سعة منها الى
الحد المذكور فلو أخرها عن الحد المذكور مختارا كان مضيعا وهو قاض اي آت وفاعل
للصلاة بعد الوقت المعين لها اختيارا لا ان المراد بالقضاء فعل الشيء خارج وقته ،
وهو مفسر ومبين لجملة من الاخبار المتقدمة وموضح لها ودال بأظهر دلالة على ان
الوقت الأول للظهر من الزوال الى مضي القدمين أو الذراع وللعصر الى مضي الأربعة
اقدام أو الذراعين وانه مع الاشتغال بالنافلة يزاحم بفريضة الظهر القدم الثالث
وبفريضة العصر القدم الخامس وانه بعد ذلك يخرج الوقت الأول لكل منهما ويدخل الوقت
الثاني الذي نسبه الى التضييع.
ثم قال (عليهالسلام): «وقد جاءت
أحاديث مختلفة في الأوقات ولكل حديث معنى وتفسير. ان أول وقت الظهر زوال الشمس
وآخر وقتها قامة رجل ، قدم وقدمان ، وجاء على النصف من ذلك وهو أحب الي ، وجاء آخر
وقتها إذا تم قامتين ، وجاء أول وقت العصر إذا تم الظل قدمين وآخر وقتها إذا تم
أربعة أقدام ، وجاء أول وقت العصر إذا تم الظل ذراعا وآخر وقتها إذا تم ذراعين ،
وجاء لهما جميعا وقت واحد مرسل قوله : إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين. وجاء
ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) جمع بين
الظهر والعصر ثم العشاء والعتمة من غير سفر ولا مرض. وجاء ان لكل صلاة وقتين أول
وآخر كما ذكرنا في أول الباب وأول الوقت أفضلهما وانما جعل آخر الوقت للمعلول. الى
آخره». وهذه الاخبار التي نقلها (عليهالسلام) كلها تدور
على التحديد بالاقدام زيادة ونقيصة وليس في شيء ما يدل على المثل والمثلين كما هو
المشهور بين أصحابنا (رضوان الله عليهم).
فهذه جملة وافرة من الاخبار التي تضمنت تحديد الوقت
بالاقدام والأذرع وهي ظاهرة في ان الفضل في هذا المقدار ولا سيما كلامه (عليهالسلام) في كتاب
الفقه الرضوي وان ما خرج
عن هذا المقدار فهو المراد بالوقت
الثاني وهو المفضول المعين لأصحاب الاعذار والضرورات
وجملة من الاخبار قد تضمنت التحديد بالنافلة ، ومنها
رواية يزيد بن خليفة وقد تقدم الكلام فيها (1).
وما رواه في الكافي عن ذريح في الحسن (2) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) متى أصلي
الظهر؟ قال صل الزوال ثمانية ثم صل الظهر ثم صل سبحتك طالت أو قصرت ثم صل العصر».
وعن عمر بن حنظلة عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «إذا
زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر إلا ان بين يديها سبحة وذلك إليك ان شئت طولت وان
شئت قصرت».
وعن ابن ابي عمير (4) قال : «إذا صليت الظهر فقد دخل وقت
العصر إلا ان بين يديها سبحة وذلك إليك ان شئت طولت وان شئت قصرت».
وفي الصحيح عن الحارث بن المغيرة وعمر بن حنظلة ومنصور
بن حازم (5) قالوا : «كنا
نقيس الشمس بالمدينة بالذراع فقال أبو عبد الله (عليهالسلام) الا أنبئكم
بابين من هذا؟ إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر إلا ان بين يديها سبحة وذلك إليك
ان شئت طولت وان شئت قصرت». ورواه في التهذيب عن الحارث وعمر ومنصور مثله (6) وفيه «إليك
فإن أنت خفت سبحتك فحين تفرغ من سبحتك وان أنت طولت فحين تفرغ من سبحتك».
وروى الشيخ في التهذيب عن الحسن عن عيسى بن ابي منصور (7) قال : «قال
أبو عبد الله (عليهالسلام) إذا زالت
الشمس فصليت سبحتك فقد دخل وقت الظهر».
وعن سماعة في الموثق (8) قال : «قال لي أبو عبد الله (عليهالسلام) إذا زالت
__________________
(1) ص 115 و 128.
(2 و 3 و 5 و 6 و 7 و 8) الوسائل الباب 5 من المواقيت.
(4) الوسائل الباب 5 من المواقيت ، والراوي في كتب الحديث مسمع
بن عبد الملك.
الشمس فصل ثماني ركعات ثم صل الفريضة
أربعا فإذا فرغت من سبحتك قصرت أو طولت فصل العصر».
وروى في الفقيه (1) قال : «سأل مالك الجهني أبا عبد الله
(عليهالسلام) عن وقت الظهر
فقال إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين فإذا فرغت من سبحتك فصل الظهر متى ما
بدا لك».
وروى في التهذيب عن محمد بن احمد بن يحيى (2) قال : «كتب
بعض أصحابنا الى ابي الحسن (عليهالسلام) روى عن آبائك
القدم والقدمين والأربع والقامة والقامتين وظل مثلك والذراع والذراعين؟ فكتب (عليهالسلام) لا القدم ولا
القدمين إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين وبين يديها سبحة وهي ثمان ركعات فإن
شئت طولت وان شئت قصرت ثم صل الظهر فإذا فرغت كان بين الظهر والعصر سبحة وهي ثمان
ركعات إن شئت طولت وان شئت قصرت ثم صل العصر».
فهذه جملة من الاخبار المتعلقة بالمسألة وكلها ظاهرة
الدلالة متطابقة المقالة في ان فضيلة الظهر والوقت الأول لها من أول الزوال الى
انتهاء الاقدام أو الأذرع المذكورة في الاخبار وان الأفضل من ذلك هو تقديم
الفريضتين قبل بلوغ ذلك الحد بالإسراع في النافلة لو كان ممن يتنفل كما يدل عليه قوله
: (عليهالسلام) في رواية أبي
بصير (3) قال : «ذكر
أبو عبد الله (عليهالسلام) أول الوقت
وفضله فقلت كيف اصنع بالثمان ركعات؟ قال خفف ما استطعت».
وجملة من أصحابنا ـ كما تقدم في كلام صاحب المدارك ومثله
المحدث الكاشاني ـ قد استدلوا على القول المشهور وهو امتداد وقت فضيلة الظهرين
بالمثل والمثلين بصحيحتي الاحمدين المتقدمتين بحمل القامة فيهما على قامة الإنسان
ومثلهما رواية يزيد بن خليفة
__________________
(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 5 من المواقيت.
(3) المروية في الوسائل في الباب 3 و 15 من أبواب المواقيت.
ومحمد بن حكيم المتقدم جميع ذلك ، وهو
وان احتمل إلا ان احتمال حمل القامة فيها على الذراع قائم إلا في رواية يزيد بن
خليفة كما تقدم. وبالجملة فإني لم أقف للقول بالمثل والمثلين كما هو المشهور على
دليل تطمئن به النفس سيما مع ما عرفت من احتمال التقية واشتهار القول بذلك بين
العامة فالخروج عن مقتضى هذه الاخبار المستفيضة التي سردناها بمجرد ذلك مشكل.
بقي هنا شيئان يجب التنبيه عليهما في المقام : (أحدهما)
ان ظاهر الاخبار المتقدمة مما دل على التحديد بالاقدام والأذرع والاخبار الدالة
على التحديد بالنافلة لا يخلو من تدافع ، وذلك فان مقتضى الأخبار الدالة على
التحديد بالنافلة هو ان الأفضل إيقاع الفريضة بعد الفراغ من النافلة وان كان قبل
بلوغ القدمين والأربعة والذراع والذراعين ومقتضى أخبار الاقدام والأذرع هو تأخير
الفريضة إلى تمام القدمين والأربعة والذراع والذراعين وان كان قد فرغ من النافلة
قبل ذلك ، والجمع بينهما لا يخلو من الاشكال والقصور إذ كل من اخبار الطرفين ظاهر
فيما ذكرنا تمام الظهور.
وظاهر المحقق الشيخ حسن في كتاب المنتقى الميل الى العمل
باخبار التحديد بالاقدام والأذرع وان الأفضل عنده تأخير الفريضة وان أتم النافلة
إلى القدم الثالث والخامس والذراع الثاني والثالث ، قال (عطر الله مرقده) في
الكتاب المذكور بعد ذكر الاخبار المشار إليها : إذا تبين ان المراد من التقدير
بالذراع والذراعين ما قد علم وكذا من القدمين والأربعة في الخبر الأول فيرد عليهما
مع سائر ما في معناهما ان الاخبار الكثيرة المتضمنة لدخول الوقت بزوال الشمس
تعارضها وخصوصا حديث محمد بن احمد ابن يحيى السابق حيث نفى فيه اعتبار القدم
والقدمين وكذلك الأخبار الدالة على ترجيح أول الوقت مطلقا ، ويجاب بان المراد من
الوقت الداخل بزوال الشمس وقت الاجزاء ومما بعد القدمين والأربعة وقت الفضيلة في
الجملة وقد وقع التصريح بهذا في بعض الاخبار السابقة ، وإذا ثبت ذلك حملنا الأخبار
الواردة برجحان أول الوقت على إرادة الأول
مما بعد وقت الفضيلة لا من ابتداء
الوقت ، ويبقى الكلام في الخبر النافي لاعتبار القدم والقدمين وقد ذكر الشيخ (قدسسره) انه انما نفى
ذلك فيه لئلا يظن انه وقت لا يجوز غيره ، وهو متجه ، ويحتمل ايضا ان يكون واردا
على جهة التقية لما هو معروف من حال أكثر أهل الخلاف في إنكار ذلك والعمل بخلافه.
انتهى كلامه زيد مقامه.
وبعض أفاضل متأخري المتأخرين قد رجح العمل بالأخبار
الأخر الدالة على التحديد بالنافلة وتأول الأخبار الأخر الدالة على التحديد
بالاقدام والأذرع فحمل جملة أخبار رسول الله (صلىاللهعليهوآله) الدالة ظاهرا
على تأخيره الصلاة الى مضي القدر المذكور في تلك الاخبار على استيعاب الوقت
بالنافلة والإطالة فيها لغرض حصول الجماعة أو انه يفرغ قبل ذلك ولكنه ينتظر اجتماع
الناس بهذا المقدار أو ينتظر فراغ الجماعة من النوافل بهذا المقدار.
أقول : وعندي في ما ذكره كل من هذين الفاضلين (قدسسرهما) نظر ، اما ما
ذكره الشيخ حسن فوجه النظر المتطرق اليه ان ما ادعاه ـ من ان الوقت الداخل بالزوال
انما هو وقت الاجزاء لا الفضيلة وانما وقت الفضيلة بعد مضي الذراع والذراعين وجملة
الأخبار الدالة على رجحان أول الوقت وأفضليته على إرادة الأول مما بعد دخول وقت
الفضيلة عنده لا من ابتداء الوقت والزوال ـ مما يجب القطع بفساده :
(أما أولا) فلبعده غاية البعد عن سياق الأخبار الدالة
على ان لكل صلاة وقتين وأول الوقتين أفضلهما ، فإنه انما عنى بالوقت الأول للظهرين
ما بعد الزوال لا ما بعد الذراع.
و (اما ثانيا) فللأخبار الكثيرة الدالة على استحباب
مزاحمة الفريضة للنافلة في الذراع والذراعين ، ومنها ما رواه الشيخ في التهذيب عن
محمد بن الفرج (1) قال : «كتبت
اسأله عن أوقات الصلاة فأجاب إذا زالت الشمس فصل سبحتك وأحب ان
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت.
يكون فراغك من الفريضة والشمس على
قدمين ثم صل سبحتك وأحب ان يكون فراغك من العصر والشمس على أربعة أقدام». وما رواه
في الموثق عن ذريح عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «سأله
أناس وانا حاضر فقال إذا زالت الشمس فهو وقت لا يحبسك منه إلا سبحتك تطيلها أو
تقصرها. فقال بعض القوم انا نصلي الأولى إذا كانت على قدمين والعصر على أربعة
أقدام؟ فقال أبو عبد الله (عليهالسلام) النصف من ذلك
أحب الي». ورواية صفوان الجمال المروية في التهذيب ايضا عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «قلت
العصر متى أصليها إذا كنت في غير سفر؟ فقال على قدر ثلثي قدم بعد الظهر». الى غير
ذلك من الاخبار الدالة على المزاحمة وأفضلية ما قرب من الزوال ، وفي رواية أبي
بصير عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «ذكر
أبو عبد الله (عليهالسلام) أول الوقت
وفضله فقلت كيف اصنع بالثمان ركعات؟ قال خفف ما استطعت».
و (اما ثالثا) فلما رواه الشيخ في الصحيح الى سعيد بن
الحسن (4) قال : «قال
أبو جعفر (عليهالسلام) أول الوقت
زوال الشمس وهو وقت الله الأول وهو أفضلهما». ورواه الصدوق في الفقيه مرسلا (5) وفي الصحيح عن
محمد بن مسلم (6) قال : «سمعت
أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول إذا دخل
وقت الصلاة فتحت أبواب السماء لصعود الأعمال فما أحب ان يصعد عمل أول من عملي ولا
يكتب في الصحيفة أحد أول مني». وروى الصدوق في الفقيه مرسلا (7) قال : «قال
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) إذا زالت
الشمس فتحت أبواب السماء وأبواب الجنان واستجيب الدعاء فطوبى لمن رفع
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 5 و 8 من أبواب المواقيت.
(2) المروية في الوسائل في الباب 9 من المواقيت.
(3 و 4 و 5 و 6) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب
المواقيت.
(7) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت.
له عند ذلك عمل صالح». ومن ذلك رواية الصدوق
المتقدم نقلها (1) في باب صلاة
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) وقوله : «فإذا
زال صلى ثماني ركعات وهي صلاة الأوابين تفتح في تلك الساعة أبواب السماء ويستجاب
الدعاء وتهب الرياح وينظر الله الى خلقه». الى غير ذلك من الاخبار الصريحة في ان
أول الزوال هو المخصوص بالفضل لا انه وقت الاجزاء والفضل انما هو بعده كما توهمه (قدسسره).
و (اما رابعا) فان ما نقله عن الشيخ في معنى رواية محمد
بن احمد بن يحيى واستوجهه فهو بعيد غاية البعد وانما المعنى فيها والمراد منها هو
انه لما كان سؤال السائل يعطي انه فهم من هذه الاخبار كما فهمه هذا المحقق وغيره
ممن تقدم ايضا كما أشارت إليه رواية عبد الله بن محمد المتقدمة من ان أول وقت
فضيلة الظهر انما هو بعد مضي المدة المذكورة كما ينادي به ظاهر تلك الاخبار نفاه (عليهالسلام) في هذا الخبر
وجعل الفضيلة بعد الفراغ من النافلة طالت أو قصرت ، وفيه إشارة إلى انه ليس الغرض
من التحديد بالذراع والذراعين ما توهمه السائل مما ذكرناه وانما الغرض من ذلك ما
ذكروه (عليهمالسلام) في جملة من
الاخبار من بيان الوقت الذي تختص به النافلة بحيث لا يجوز الإتيان بها بعده ، هذا
هو ظاهر معنى الرواية المذكورة.
و (اما خامسا) فان ما احتمله ـ من الحمل على التقية
باعتبار ان العامة لا يقولون بالاقدام ـ ففيه ايضا ان العامة لا يقولون بما افتى
به (عليهالسلام) في الرواية
من تعجيل الصلاتين في أقل من مقدار الاقدام المذكورة فإنهم يعتبرون التفريق بين
الفرضين في المثل والمثلين كما هو الآن معمول عليه بينهم (2).
واما ما ذكره الفاضل الآخر (ففيه أولا) انه على تقدير
تمامه انما يتمشى في الظهر خاصة اما العصر الواقعة بعد اجتماع الناس فلا يجرى فيها
ما ذكره مع ان الاخبار قد دلت على التأخير فيها ايضا بذلك المقدار ، اللهم إلا ان
يقال انه يفرق بين الوقتين
__________________
(1) ص 133.
(2) راجع التعليقة 2 ص 126 والمغني ج 2 ص 271 و 274 و 278
وبداية المجتهد ج 1 ص 159.
بالمثل والمثلين فلا يصليهما في وقت
واحد. إلا ان فيه مع الإغماض عن المناقشة فيه كما سيأتي بيانه ان شاء الله تعالى
ان الحكم لا يتم حينئذ كليا لانه ربما فرق وربما جمع.
و (ثانيا) انه يستفاد من بعض الاخبار ان المسارعة
بالفريضة في أول وقتها أفضل من انتظار الاجتماع ، وهو
ما رواه القطب الرواندي في كتاب الخرائج والجرائح بسنده
عن إبراهيم بن موسى القزاز (1) قال «خرج
الرضا (عليهالسلام) يستقبل بعض
الطالبيين وجاء وقت الصلاة فمال الى قصر هناك فنزل تحت صخرة فقال اذن فقلت ننتظر
يلحق بنا أصحابنا فقال غفر الله لك لا تؤخرن صلاة عن أول وقتها الى آخر وقتها من
غير علة عليك أبدا بأول الوقت فأذنت فصلينا». قال شيخنا المجلسي (طاب ثراه» في
كتاب البحار ذيل هذا الخبر : يدل على انه لا ينبغي التأخير عن أول الوقت لانتظار
الرفقة للجماعة أيضا. انتهى.
و (ثالثا) ان التطويل في النافلة على وجه يستوعب ذلك
المقدار ترده الأخبار المتقدمة الدالة على أفضلية التخفيف في النافلة ومزاحمة
الفريضة لها في ذلك المقدار ، ونحوها الأخبار الدالة على أفضلية ما قرب من الزوال.
وبالجملة فإن فضل أول الوقت مما لا اشكال فيه لاستفاضة الاخبار به واستحباب
التأخير لانتظار الجماعة مما لم يقم عليه دليل بل الدليل على خلافه واضح السبيل.
ثم انه (قدسسره) تأول باقي
الأخبار بتأويلات عديدة إلا انها تكلفات سخيفة بعيدة.
والأظهر عندي ان منشأ هذا الاختلاف في الاخبار انما هو
التقية التي هي أصل كل محنة في الدين وبلية كما يدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح
ـ على الظاهر ـ عن سالم ابي خديجة عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «سأله
إنسان وانا حاضر فقال ربما دخلت المسجد وبعض أصحابنا يصلي العصر وبعضهم يصلي الظهر؟
فقال انا أمرتهم بهذا لو
__________________
(1) البحار ج 18 الصلاة ص 51.
(2) الوسائل الباب 7 من المواقيت.
صلوا في وقت واحد لعرفوا فأخذ برقابهم».
وما رواه الطبرسي في كتاب الاحتجاج بسنده فيه عن حريز عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «قلت
انه ليس شيء أشد علي من اختلاف أصحابنا قال ذلك من قبلي». وما رواه الشيخ في كتاب
العدة (2) عن الصادق (عليهالسلام) مرسلا «انه
سئل عن اختلاف أصحابنا في المواقيت فقال انا خالفت بينهم». وما رواه الصدوق في
كتاب معاني الاخبار عن الخزاز عن من حدثه عن ابي الحسن (عليهالسلام) (3) قال : «اختلاف
أصحابي لكم رحمة وقال اني إذا كان ذلك جمعتكم على أمر واحد. وسئل عن اختلاف
أصحابنا فقال انا فعلت بكم ذلك ولو اتفقتم على أمر واحد لأخذ برقابكم». الى غير
ذلك من الاخبار الدالة بعمومها أو خصوصها على المراد ، والمستفاد من هذه الاخبار
ونحوها ان إيقاعهم الاختلاف في الأحكام لا يتوقف على القول بالحكم المخالف من
العامة ولا على حضور أحد منهم في مجلس الفتوى كما تقدم تحقيقه في المقدمة الاولى
من مقدمات الكتاب ، والمسألة هنا من مسائل الأوقات التي دلت على إيقاع الاختلاف
فيها تقية جل هذه الروايات بل لو ادعى ان هذه الاخبار انما خرجت في هذه المسألة لم
يكن بعيدا لأنا لم نقف في مسائل الأوقات على مسألة انتشرت فيها الاخبار من الطرفين
وتصادمت من الجانبين ما بلغ في هذه المسألة كما عرفت مما شرحناه ونقلناه ، وتشير
الى ذلك رواية عبد الله بن محمد المتقدمة (4) الدالة على وقوع هذا الاختلاف في عصر
الأئمة (عليهمالسلام) واختلاف
أصحابهم يومئذ في ذلك حتى ان منهم من يوجب تأخير الظهرين عن ذينك المقدارين ومنهم
من يحمل ذلك على وجه الأفضلية.
بقي الكلام في ان التقية في أي الطرفين في هذه الاخبار
ولعل الأقرب كونها في اخبار التحديد بالاقدام والأذرع ، وذلك (أولا) من حيث اعتضاد
اخبار التحديد بالنافلة بعمل الأصحاب قديما وحديثا ولم نقف على قائل بظاهر ترجيح
أخبار الاقدام
__________________
(1 و 3) راجع التعليقة 2 و 3 ص 7 ج 1.
(2) ص 53.
(4) ص 132.
سوى المحقق المذكور. و (ثانيا) من حيث
اعتضادها باخبار استحباب تخفيف النافلة واخبار أفضلية ما قرب من أول الوقت. و (ثالثا)
انه الأقرب الى جادة الاحتياط وقد عرفت ان الحمل على التقية لا يتوقف على وجود
القائل بذلك من العامة وان اشتهر بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) تخصيص الحمل على
التقية بذلك إلا ان ظاهر اخبارهم يرده فان المستفاد من الاخبار المذكورة في المقام
وكذا نحوها مما تقدم ذكره في المقدمة الأولى ان منشأ التقية انما هو من حيث ان
اتفاقهم على أمر واحد واجتماع كلمتهم على ذلك يوجب الأخذ برقابهم ودخول الضرر
عليهم وإذا كانت كلمتهم متفرقة وتقولهم عن الامام (عليهالسلام) مختلفة هانوا
في نظر العدو ونسبوهم الى عدم الدين والمذهب فلم يعبأوا بهم ولا بمذهبهم. هذا ما
ادى اليه الفكر القاصر في المقام والله سبحانه وأولياؤه اعلم بالأحكام.
و (ثانيهما) قد عرفت في ما تقدم ان المشهور بين الأصحاب (رضوان
الله عليهم) امتداد وقت فضيلة الظهر من الزوال الى تمام مثل الشاخص وكذا وقت فضيلة
العصر الى مثليه ، والمماثلة المعتبرة انما هي بين ظل الشاخص الحادث من الزوال
وبين قامة الشاخص ، قال في المعتبر وهو الأظهر لأنه المستفاد من الروايات الدالة
على المماثلة كرواية زرارة عن الصادق (عليهالسلام) (1) المتضمنة
لأمره عمرو بن سعيد بن هلال ان يقول لزرارة «إذا صار ظلك مثلك فصل الظهر وإذا صار
ظلك مثليك فصل العصر». وروايات القامة كما تقدم في صحيحتي الاحمدين بناء على حمل
القامة فيها على قامة الشاخص كما ذكروه ، ورواية يزيد بن خليفة الظاهرة في ذلك كما
تقدم. أقول : ومثلها رواية كتاب المجالس المتقدمة أيضا
وذهب الشيخ في التهذيب ومثله المحقق في الشرائع إلى أن
المماثلة انما هي بين الفيء الزائد بعد الزوال والظل الأول وهو الباقي منه عند
الزوال لا الشاخص.
واستدل على ذلك بما رواه عن صالح بن سعيد عن يونس عن بعض
رجاله عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «سألته
عما جاء في الحديث
__________________
(1) ص 118.
(2) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب المواقيت.
ان صل الظهر إذا كانت الشمس قامة
وقامتين وذراعا وذراعين وقدما وقدمين من هذا ومن هذا ، فمتى هذا وكيف هذا وقد يكون
الظل في بعض الأوقات نصف قدم؟ قال انما قال ظل القامة ولم يقل قامة الظل وذلك ان
ظل القامة يختلف مرة يكثر ومرة يقل والقامة قامة أبدا لا تختلف ، ثم قال ذراع
وذراعان وقدم وقدمان فصار ذراع وذراعان تفسير القامة والقامتين في الزمان الذي
يكون فيه ظل القامة ذراعا وظل القامتين ذراعين فيكون ظل القامة والقامتين والذراع
والذراعين متفقين في كل زمان معروفين مفسرا أحدهما بالآخر مسددا به فإذا كان
الزمان يكون فيه ظل القامة ذراعا كان الوقت ذراعا من ظل القامة وكانت القامة ذراعا
من الظل وإذا كان ظل القامة أقل أو أكثر كان الوقت محصورا بالذراع والذراعين ،
فهذا تفسير القامة والقامتين والذراع والذراعين».
وقد رد هذا الخبر جملة من المتأخرين ومتأخريهم بضعف
الاسناد والدلالة كما ذكره في الذكرى مع المعارضة بالأخبار المتقدمة ولزوم اختلاف
الوقت بالطول والقصر بحسب الأزمنة والأمكنة بخلاف الشاخص.
قال في المدارك بعد ذكر الخبر المذكور : وهذه الرواية
ضعيفة بالإرسال وجهالة صالح بن سعيد ومتنها متهافت مضطرب لا يدل على المطلوب ،
وأيضا فإن قدر الظل الأول غير منضبط وقد ينعدم في بعض الأوقات فلو نيط الوقت به
لزم التكليف بعبادة موقتة في غير وقت أو في وقت يقصر عنها وهو معلوم البطلان.
وجملة من متأخري المتأخرين قد تصدوا لتصحيح معناه
وتكلفوا لتشييد مبناه كالمحدث الكاشاني في الوافي ، ولا بأس بنقل كلامه في المقام
فإنه جيد ينجلي به غشاوة الإبهام عن بعض مواضع الخبر وان بقي الباقي في الأكمام.
قال (قدس الله سره ونور ضريحه) بعد ذكر الخبر المذكور :
لا بد في هذا المقام من تمهيد مقدمة ينكشف بها نقاب الارتياب من هذا الحديث ومن
سائر الأحاديث التي نتلوها عليك في هذا الباب وما بعده من الأبواب ان شاء الله
تعالى فنقول ـ وبالله التوفيق ـ ان
الشمس إذا طلعت كان ظلها طويلا ثم لا
يزال ينقص حتى تزول فإذا زالت زاد ، ثم قد تقرر ان قامة كل إنسان سبعة أقدام
بإقدامه وثلاث اذرع ونصف بذراعه والذراع قدمان فلذلك يعبر عن السبع بالقدم وعن طول
الشاخص الذي يقاس به الوقت بالقامة وان كان في غير الإنسان ، وقد جرت العادة بأن
يكون قامة الشاخص الذي يجعل مقياسا لمعرفة الوقت ذراعا كما تأتي الإشارة إليه في
حديث تعريف الزوال ، وكان رحل رسول الله (صلىاللهعليهوآله) الذي كان
يقيس به الوقت ايضا ذراعا ، فلأجل ذلك كثيرا ما يعبر عن القامة بالذراع وعن الذراع
بالقامة ، وربما يعبر عن الظل الباقي عند الزوال من الشاخص بالقامة أيضا وكأنه كان
اصطلاحا معهودا وبناء على هذا الحديث على ارادة هذا المعنى كما ستطلع عليه. ثم ان
كلا من هذه الألفاظ قد يستعمل لتعريف أول وقتي فضيلة الفريضتين كما في هذا الحديث
وقد يستعمل لتعريف آخر وقتي فضيلتهما كما يأتي في الاخبار الأخر ، فكل ما يستعمل
لتعريف الأول فالمراد به مقدار سبعي الشاخص وكل ما يستعمل لتعريف الآخر فالمراد به
مقدار تمام الشاخص ففي الأول يراد بالقامة الذراع وفي الثاني بالعكس ، وربما
يستعمل لتعريف الآخر لفظة «ظل مثلك وظل مثليك» ويراد بالمثل القامة ، والظل قد
يطلق على ما يبقى عند الزوال خاصة وقد يطلق على ما يزيد بعد ذلك فحسب الذي يقال له
الفيء من «فاء يفيء إذا رجع» لانه كان أولا موجودا ثم عدم ثم رجع وقد يطلق على
مجموع الأمرين. ثم ان اشتراك هذه الألفاظ بين هذه المعاني صار سببا لاشتباه الأمر
في هذا المقام حتى ان كثيرا من أصحابنا عدوا هذا الحديث مشكلا لا ينحل وطائفة منهم
عدوه متهافتا ذا خلل وأنت بعد اطلاعك على ما أسلفناه لا أحسبك تستريب في معناه ،
إلا انه لما صار على الفحول خافيا فلا بأس ان نشرحه شرحا شافيا نقابل به ألفاظه
وعباراته ونكشف به عن رموزه وإشاراته ، فنقول ـ والهداية من الله ـ تفسير الحديث
على وجهه ـ والله اعلم ـ ان يقال ان مراد السائل انه ما معنى ما جاء في الحديث من
تحديد أول وقت فريضة الظهر وأول وقت فريضة العصر تارة بصيرورة
الظل قامة وقامتين واخرى بصيرورته
ذراعا وذراعين واخرى قدما وقدمين وجاء من هذا القبيل من التحديد مرة ومن هذا اخرى
فمتى هذا الوقت الذي يعبر عنه بألفاظ متباينة المعاني وكيف يصح التعبير عن شيء
واحد بمعاني متعددة مع ان الظل الباقي عند الزوال قد لا يزيد على نصف القدم؟ فلا
بد من مضي مدة مديدة حتى يصير مثل قامة الشخص فكيف يصح تحديد أول الوقت بمضي مثل
هذه المدة الطويلة من الزوال؟ فأجاب (عليهالسلام) بان المراد
بالقامة التي يحد بها أول الوقت التي هي بإزاء الذراع ليس قامة الشاخص الذي هو شيء
ثابت غير مختلف بل المراد به مقدار ظلها الذي يبقى على الأرض عند الزوال الذي يعبر
عنه بظل القامة وهو يختلف بحسب الأزمنة والبلاد مرة يكثر ومرة يقل وانما يطلق عليه
القامة في زمان يكون مقداره ذراعا فإذا زاد الفيء أعني الذي يزيد من الظل بعد
الزوال بمقدار ذراع حتى صار مساويا للظل فهو أول الوقت للظهر وإذا زاد ذراعين فهو
أول الوقت للعصر. واما قوله (عليهالسلام) : «فإذا كان
ظل القامة أقل أو أكثر كان الوقت محصورا بالذراع والذراعين» فمعناه ان الوقت انما
ينضبط حينئذ بالذراع والذراعين خاصة دون القامة والقامتين. واما التحديد بالقدم
فأكثر ما جاء في الحديث فإنما جاء بالقدمين والأربعة أقدام وهو مساو للتحديد
بالذراع والذراعين وما جاء نادرا بالقدم والقدمين فإنما أريد بذلك تخفيف النافلة
وتعجيل الفريضة طلبا لفضل أول الوقت فالأول ولعل الامام (عليهالسلام) انما لم
يتعرض للقدم عند تفصيل الجواب وتبيينه لما استشعر من السائل عدم اهتمامه بذلك وانه
انما كان أكثر اهتمامه بتفسير القامة وطلب العلة في تأخير أول الوقت الى ذلك
المقدار ، وفي التهذيب فسر القامة في هذا الخبر بما يبقى عند الزوال من الظل سواء
كان ذراعا أو أقل أو أكثر وجعل التحديد بصيرورة الفيء الزائد مثل الظل الثاني
كائنا ما كان واعترض عليه بعض مشايخنا (طاب ثراهم) بأنه يقتضي اختلافا فاحشا في
الوقت بل يقتضي التكليف بعبادة يقصر عنها الوقت كما إذا كان الباقي شيئا يسيرا جدا
بل يستلزم الخلو من التوقيت في اليوم الذي تسامت فيه الشمس رأس
الشاخص لانعدام الظل الأول حينئذ ،
ونعني بالعبادة النافلة لأن هذا التأخير عن الزوال انما هو للإتيان بها كما ستقف
عليه. أقول : اما الاختلاف الفاحش فغير لازم وذلك لان كل بلد أو زمان يكون الظل
الباقي فيه شيئا يسيرا فإنما يزيد الفيء فيه في زمان طويل لبطئه حينئذ في التزايد
، وكل بلد أو زمان يكون الظل الباقي فيه كثيرا فإنما يزيد الفيء فيه في زمان يسير
لسرعته في التزايد حينئذ فلا يتفاوت الأمر في ذلك ، واما انعدام الظل فهو أمر نادر
لا يكون إلا في قليل من البلاد وفي يوم تكون الشمس فيه مسامتة لرؤوس اهله لا غير
ولا عبرة بالنادر. نعم يرد على تفسير صاحب التهذيب أمران (أحدهما) انه غير موافق
لقوله (عليهالسلام) : «فإذا كان
ظل القامة أقل أو أكثر كان الوقت محصورا بالذراع والذراعين» لانه على تفسيره يكون
دائما محصورا بمقدار ظل القامة كائنا ما كان و (الثاني) انه غير موافق للتحديد
الوارد في سائر الأخبار المعتبرة المستفيضة كما يأتي ذكرها بل يخالفه مخالفة شديدة
كما يظهر عند الاطلاع عليها والتأمل فيها ، وعلى المعنى الذي فهمناه من الحديث لا
يرد عليه شيء من هذه المؤاخذات إلا انه يصير جزئيا مختصا بزمان خاص ومخاطب مخصوص
ولا بأس بذلك. (ان قيل) اختلاف وقتي النافلة في الطول والقصر بحسب الأزمنة والبلاد
وتفاوت حد أول وقتي الفريضتين التابع لذلك لازم على اي التقادير ولما ذكرت من سرعة
تزايد الفيء تارة وبطوئه اخرى فكيف ذلك؟ (قلنا) نعم ذلك كذلك ولا بأس بذلك لانه
لطول اليوم وقصره كسائر الأوقات في الأيام والليالي. انتهى كلامه زيد إكرامه.
أقول : ويقرب مما دل عليه هذا الخبر ما ذكره (عليهالسلام) في كتاب
الفقه الرضوي (1) حيث قال بعد
ذكر ما قدمنا نقله عنه آنفا في هذه المسألة ما صورته : «وانما سمي ظل القامة قامة
لان حائط مسجد رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كان قامة
انسان فسمي ظل الحائط ظل قامة وظل قامتين وظل قدم وظل قدمين وظل أربعة أقدام وذراع
، وذلك
__________________
(1) ص 3.
انه إذا مسح بالقدمين كان قدمين وإذا
مسح بالذراع كان ذراعا وإذا مسح بالذراعين كان ذراعين وإذا مسح بالقامة كان قامة
أي هو ظل القامة وليس هو بطول القامة سواء مثله لان ظل القامة ربما كان قدما وربما
كان قدمين ظل مختلف على قدر الأزمنة واختلافها لان الظل قد يطول وينقص لاختلاف
الأزمنة والحائط المنسوب إلى قامة الإنسان قائم معه غير مختلف ولا زائد ولا ناقص ،
فلثبوت الحائط المقيم المنسوب إلى القامة كان الظل منسوبا اليه ممسوحا به طال الظل
أم قصر». انتهى.
ويتلخص من الخبرين ان المعتبر في ذلك انما هو الذراع
والذراعان كما في سائر الاخبار وان وقت الظهر بعد الأول والعصر بعد الثاني وهو لا
يختلف باختلاف الأزمان والأحوال ، وان التقدير بالقامة انما هو لما كان جدار مسجد
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قامة إنسان ،
قال في وقت كان ظل ذلك الجدار المتخلف عند الزوال ذراعا إذا كان الفيء مثل ظل
القامة فصلوا الظهر وإذا كان مثليه فصلوا العصر ، وقال مثل القامة وغرضه ظل القامة
لقيام القرينة بذلك فلم يفهم المخالفون ذلك وتوهموا ان المراد بالقامة قامة الجدار
فجعلوا للظهر قامة وللعصر قامتين وهما المعبر عنهما بالمثل والمثلين وانما مراده
مثل الظل في ذلك الوقت وهو الذراع ومرجعه إلى زيادة الظل ذراعا من الزوال من قامة
الإنسان ، وبهذا يتم قوله (عليهالسلام) «فيكون ظل
القامة والقامتين والذراع والذراعين متفقين في كل زمان» يعني به انا لما فسرنا
القامة أو ظل القامة بالظل الحاصل في الزمان المخصوص الذي صدر فيه الحكم عن النبي (صلىاللهعليهوآله) وكان في ذلك
الوقت ذراعا فلا يختلف الحكم باختلاف البلاد والفصول وكان اللفظان مفادهما واحدا
مفسرا أحدهما أي ظل القامة بالآخر اي الذراع. واما التحديد بالاقدام فأكثر ما جاء
في الاخبار بالقدمين والأربعة ومرجعه الى الذراع والذراعين. واما ما نقص عن ذلك
فقد عرفت وجهه من كلام المحدث الكاشاني. والله العالم.
(المسألة الخامسة) الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب في ان
أول وقت العصر
الفراغ من الظهر ولو تقديرا وقد تقدم
القول في تحقيق الاشتراك من أول الوقت وعدمه وادعى في المعتبر والمنتهى الإجماع
على ان وقتها بعد الفراغ من الظهر ، والاخبار بذلك مستفيضة : منها ـ الأخبار
الدالة على انه إذا زالت الشمس فقد دخل الوقتان إلا ان هذه قبل هذه (1) والاخبار
المتكاثرة الدالة في كل من الظهرين انه لا يمنعك إلا سبحتك طولت أو قصرت (2) ويزيده تأكيدا
ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة (3) قال : «قلت لأبي جعفر (عليهالسلام) بين الظهر
والعصر حد معروف؟ فقال لا».
بقي الكلام في الفضل والاستحباب فهل الأفضل تعجيل العصر
بعد الظهر لغير المتنفل وبعد النافلة أو مضي الذراعين لغيره على الخلاف المتقدم أو
ان الأفضل تأخيرها إلى مضي المثل الأول؟ الأشهر الأول ونقل في المدارك عن جمع من
الأصحاب انهم ذهبوا الى استحباب تأخير العصر الى ان يخرج وقت فضيلة الظهر وهو
المثل أو الإقدام ، قال وممن صرح بذلك المفيد في المقنعة فإنه قال في باب عمل
الجمعة : والتفريق بين الصلاتين في سائر الأيام مع الاختيار وعدم العوارض أفضل وقد
ثبتت السنة به إلا في يوم الجمعة فإن الجمع بينهما أفضل. انتهى. وقريب من ذلك
عبارة ابن الجنيد فإنه قال : لا نختار أن يأتي الحاضر بالعصر عقيب الظهر التي
صلاها مع الزوال إلا مسافرا أو عليلا أو خائفا ما يقطعه عنها بل الاستحباب للحاضر
ان يقدم بعد الزوال وقبل فريضة الظهر شيئا من التطوع الى ان تزول الشمس قدمين أو
ذراعا من وقت زوالها ثم يأتي بالظهر ويعقبها بالتطوع من التسبيح والصلاة ليصير
الفيء أربعة اقدام أو ذراعين ثم يصلي العصر. هذا كلامه وهو مضمون رواية زرارة إلا
ان أكثر الروايات تقتضي استحباب المبادرة بالعصر عقيب نافلتها من غير اعتبار
للإقدام والأذرع. انتهى ما ذكره في المدارك.
أقول : الظاهر من عبارتي الشيخ المفيد وابن الجنيد انما
هو استحباب التفريق (عليهالسلام)
__________________
(1) ص 101.
(2) ص 136.
(3) الوسائل الباب 4 من المواقيت.
بين الفرضين بالنافلة كما هو المتفق
عليه نصا وفتوى لا التفريق بتأخير العصر الى أول المثل الثاني ، واما تأخير العصر
الى مضي الاقدام الأربعة أو النافلة طالت أم قصرت فهي مسألة أخرى قد تقدم الكلام
فيها ، نعم من يخص وقت فضيلة الظهر بالقدمين من الزوال والذراع وقدر الفريضة
وفضيلة العصر بالأربعة والذراعين والفريضة كما هو القول الأظهر من الاخبار فإنه
يتجه فيه ما ذكره ، إنما الإشكال في من يقول بامتداد وقت فضيلة الظهر إلى أول
الثاني وفضيلة العصر بأول المثل الثاني إلى تمام المثل فهل يستحب له تأخير العصر
الى مضي وقت فضيلة الظهر؟ قد تقدم في صدر المسألة الرابعة تصريح شيخنا الشهيد في
الذكرى بأن الأقرب استحباب تأخير العصر الى ان يخرج وقت فضيلة الظهر اما المقدر
بالنافلتين والظهر واما المقدر بالمثل والاقدام ، وقد عرفت ان التأخير في المواضع
المذكورة في كلامه مما لا إشكال في شيء منها لوروده في الاخبار المتفق عليها إلا
في التأخير إلى مضي المثل فإنه لم يدل عليه إلا رواية زرارة المتضمنة لسؤاله عن
وقت الظهر في القيظ ورواية كتاب المجالس (1) وقد تقدم الكلام فيهما وبينا الوجه
في ما تضمناه.
وبالجملة فإن المستفاد من الاخبار التي عليها الاعتماد
والمدار في الإيراد والإصدار هو ان الأفضل المبادرة بالعصر بعد الظهر لمن لا يتنفل
أو كان في سفر أو يوم جمعة وبعد النافلة لمن يتنفل أو بعد مضي الذراع على الخلاف
المتقدم ، والتفريق الموجب للأذان للثانية يحصل بالفصل بالنافلة ولا يتوقف على
بلوغ المثل الثاني.
قال في الذكرى : لا خلاف عندنا في جواز الجمع بين الظهر
والعصر حضرا وسفرا للمختار وغيره وقد رواه العامة عن علي (عليهالسلام) (2) الى ان قال
وبالجملة كما علم من مذهب الإمامية جواز الجمع بين الصلاتين مطلقا علم منه استحباب
التفريق بينهما بشهادة النصوص والمصنفات بذلك. وأورد على المحقق نجم الدين تلميذه
__________________
(1) ص 118 و 97.
(2) كما في المبسوط ج 1 ص 150.
جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي
المشغري وكان ايضا تلميذ السيد ابن طاوس ان النبي (صلىاللهعليهوآله) ان كان يجمع
بين الصلاتين فلا حاجة الى الأذان الثاني إذ هو للاعلام وللخبر المتضمن انه عند
الجمع بين الصلاتين يسقط الأذان ، وان كان يفرق فلم ندبتم الى الجمع وجعلتموه أفضل؟
فأجابه المحقق ان النبي (صلىاللهعليهوآله) كان يجمع
تارة ويفرق اخرى ، ثم ذكر الروايات كما ذكرنا وقال انما استحببنا الجمع في الوقت
الواحد إذا اتى بالنوافل والفرضين فيه لأنه مبادرة إلى تفريغ الذمة من الفرض حيث
ثبت دخول وقت الصلاتين ، ثم ذكر خبر عمرو بن حريث
المتقدم عن الصادق (عليهالسلام) المتضمن انه
سأله عن صلاة رسول الله (صلىاللهعليهوآله) قال : «كان
النبي (صلىاللهعليهوآله) يصلي ثمان
ركعات الزوال ثم يصلي أربعا الاولى وثماني بعدها وأربعا للعصر وثلاثا للمغرب
وأربعا بعدها. الحديث الى آخره». وقد تقدم (1).
أقول : لا يخفى ان كلا من السؤال والجواب لا يخلو من
الإجمال بل الإشكال في هذا الباب.
اما السؤال فإن ظاهره ان الجمع الموجب لسقوط الأذان هو
جمع الصلاتين في وقت واحد وهو المثل الأول بناء على القول المشهور من ان المثل
الأول للظهر وان فصل بالنافلة حيث علله بأن الأذان للثانية للإعلام ومع اجتماع
الناس للأولى فلا يحتاج إلى الاعلام ، وللخبر ان الجمع بين الصلاتين موجب لسقوط
الأذان يعني الجمع بينهما في وقت واحد والتفريق انما هو عبارة عن جعل العصر في أول
المثل الثاني كما هو المشهور من انه وقت فضيلة العصر ، وعلى الثاني فكيف ندبتم الى
الجمع وقلتم انه أفضل؟ هذا حاصل كلامه ، ووجه الاشكال فيه ان الجمع والتفريق وان
حصل بما ذكره إلا ان المستفاد من الروايات ان الجمع والتفريق المترتب عليه سقوط
الأذان وعدمه انما هو باعتبار الإتيان بالنافلة وعدمه ولو في وقت واحد فالأول يسمى
تفريقا والثاني جمعا كما
__________________
(1) ص 27.
سيأتي تحقيقه ان شاء الله تعالى في
بحث الأذان ، وتعليله سقوط الأذان في صورة الجمع في وقت واحد وان فصل بالنافلة كما
يظهر من كلامه ـ بأن الأذان للإعلام وهو غير محتاج إليه في الصورة المذكورة فإنه
مع اجتماع الناس للأولى لا معنى للاعلام حينئذ ـ مردود بان المستفاد من الاخبار
على وجه لا يقبل الإنكار ان الأذان كما يستحب في أوائل الأوقات بأن يأتي به المؤذن
على المنارة للاعلام إذا دخل وقت الظهر أو دخل وقت العصر وهو أول المثل الثاني كما
يدعونه وكذا في غروب الشمس لصلاة المغرب وزوال الحمرة المغربية للعشاء وهذا الأذان
ليس من محل البحث في شيء ، كذلك يستفاد منها ما وقع عليه الاتفاق نصا وفتوى من
انه يستحب لكل مصل منفردا كان أو جامعا ذكرا كان أو أنثى ان يأتي في أول صلاته
بأذان واقامة في أول الوقت كان أو في آخره وهذا الأذان هو الذي يسقط بالجمع بين
الصلاتين وعدم الفصل بالنافلة كما في ما نحن فيه وفي عصر عرفة وعشاء المزدلفة
وعصري الجمعة والسفر ونحو ذلك واما مع الإتيان بالنافلة فإنه يحصل التفريق ولا
يسقط هذا الأذان وان كان في وقت واحد ومقام واحد ، على ان ما ادعاه من انه (صلىاللهعليهوآله) ان كان يفرق
باعتبار تأخير العصر الى المثل الثاني مثلا ووافقه عليه المحقق في جوابه لم يرد به
دليل يعتمد عليه وان اشتهر ذلك في كلامهم ، ولو ورد ثمة دليل كان سبيله الحمل على
التقية لما عرفت من الاخبار المتقدمة سابق هذه المسألة واستفاضة الاخبار عنه (صلىاللهعليهوآله) في ما كان
يفعله وعن أهل بيته في ما فعلوه وأمروا به انما هو التفريق بالنافلة وان العصر بعد
صلاة النافلة أو الإقدام الأربعة ونحوها خاصة دون المثل وان العمل بما ذكر انما هو
مذهب العامة كما هو الآن معلوم. هذا ما في السؤال المذكور.
واما الجواب فظاهره موافقة السائل فيما ذكره من معنى
الجمع والتفريق وانه باعتبار الأوقات وظاهره انه مع الفصل بالنافلة في الوقت
الواحد فلا أذان ، وهو غلط محض لمخالفته الروايات المتكاثرة الدالة على ما قدمناه
من ان الجمع والتفريق انما هو باعتبار
الفصل بالنافلة وعدمه ، وملخص كلامه
هو ان النبي (صلىاللهعليهوآله) كان يجمع بين
الصلاتين في وقت واحد تارة ويفرق في وقتين تارة ، ونحن انما استحببنا الجمع في وقت
وندبنا اليه بالإتيان بالفرضين والنوافل كملا دون التفريق وهو التأخير إلى المثل
الثاني لما ثبت من دخول الوقتين بالزوال فصارت الذمة مشغولة بهما ، والمبادرة إلى
تفريغ الذمة من الواجب أمر مندوب اليه ومحثوث عليه. وهو مشعر بموافقته السائل في
سقوط الأذان في الصورة المذكورة حيث جعله جمعا لا تفريقا ومن شأن الجمع سقوط
الأذان فيه كما ذكره السائل ، وفيه ما عرفت. والعجب ان شيخنا الشهيد في الذكرى جرى
على ذلك من غير تنبيه على ما ذكرنا وأهمل السبب فيه من حيث قوله بتحديد الوقت
بالمثل والمثلين لفضيلتي الظهر والعصر كما تقدم نقله عنه إلا ان الكلام في سقوط
الأذان مع الإتيان بالنوافل كما يشعر به كلامهما متى جمع الفرضين في وقت واحد فإن
الأخبار دالة على ثبوت الأذان في الصورة المذكورة ، وقد تنبه لذلك السيد السند في
المدارك حيث قال بعد ان نقل عن الذكرى ملخص ما ذكرناه ما صورته : قلت ما ذكره (قدسسره) جيد والأذان
إنما يسقط مع الجمع بين الفرضين إذا لم يأت المكلف بالنافلة بينهما اما مع الإتيان
بها فيستحب الأذان للثانية كما سيجيء بيانه ان شاء الله تعالى. انتهى.
(المسألة السادسة) ـ اختلف الأصحاب في آخر وقت العصر
فذهب السيد المرتضى في الجمل وفي جواب المسائل الناصرية إلى أنه غروب الشمس وهو
اختيار ابن الجنيد وابن إدريس وابن زهرة. وقال المفيد يمتد وقتها الى ان يتغير لون
الشمس باصفرارها للغروب وللمضطر والناسي إلى مغيبها. وقال الشيخ في الخلاف آخره
إذا صار ظل كل شيء مثليه. وقال في المبسوط آخره إذا صار ظل كل شيء مثليه فإذا
صار كذلك فقد فات وقت العصر. هذا وقت الاختيار فاما وقت الضرورة فهما مشتركان فيه
الى ان يبقى من النهار بمقدار ما يصلي فيه اربع ركعات فإذا صار كذلك اختص بوقت
العصر الى ان تغرب الشمس ، واختاره ابن البراج وابن حمزة وأبو الصلاح وهو
الظاهر من كلام سلار. وقال ابن ابي
عقيل الى ان ينتهي الظل ذراعين بعد زوال الشمس فإذا جاوز ذلك فقد دخل في الوقت
الآخر ، كذا نقل عن العلامة في المختلف ثم قال : والحق عندي قول السيد المرتضى.
ونقله في المدارك عن عامة المتأخرين ونقل فيه عن المرتضى في بعض كتبه انه يمتد حتى
يصير الظل بعد الزيادة ستة أسباعه للمختار ثم اختار ما ذهب اليه المرتضى أولا.
أقول : ومن الأخبار المتعلقة بالمقام رواية سليمان بن
جعفر (1) قال : «قال
الفقيه (عليهالسلام) آخر وقت
العصر ستة أقدام ونصف». وهذه الرواية نقلها في المختلف حجة للشيخ المفيد ، قال
واحتج المفيد بما رواه سليمان بن جعفر في الصحيح ثم ساق الرواية ثم قال وهو إشارة
إلى الاصفرار لان الظل الى آخر النهار يقسم سبعة أقدام. أقول : الظاهر ان المراد
بالستة أقدام ونصف هنا يعني بعد المثل الأول ليتحقق ما ذكره من الاصفرار ثم حمله
في المختلف على ان ذلك وقت الفضيلة ، وهو متجه بناء على ما ذكروه من ان وقت فضيلة
العصر في المثل الثاني الى آخره ، وقد تقدم في كلام الشيخ ان وقت الاختيار الى مضي
المثلين.
ورواية سليمان بن خالد عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «العصر
على ذراعين فمن تركها حتى تصير على ستة أقدام فذلك المضيع». وهو محمول على ان وقت
الفضيلة أو الاختيار بعد الذراعين وتركها الى ان يمضي ستة أقدام وقت الاجزاء على
المشهور والاضطرار على القول الآخر.
وبالجملة فإنه لا ريب ان المفهوم من الاخبار هو الامتداد
الى الغروب ولكن هل ذلك مخصوص بأصحاب الاعذار والاضطرار كما هو أحد القولين
المتقدمين أو محمول على الاجزاء كما هو المشهور؟ واما ما قبله من وقت الاختيار أو
الفضيلة فقد تقدم الكلام فيه من انه المثل كما هو المشهور أو الأربعة اقدام مع
الفريضة أو الستة ونصف. والكل مروي إلا
__________________
(1 و 2) المروية في الوسائل في الباب 9 من أبواب المواقيت.
انك قد عرفت ما في روايات المثل
والمثلين. والله العالم.
(المسألة السابعة) ـ قد ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم)
لمعرفة الزوال طرقا : منها ـ زيادة الظل بعد انتهاء نقصانه أو حدوثه بعد عدمه ،
قالوا والمراد بالظل هو المبسوط المأخوذ من المقاييس القائمة على سطح الأفق لا
الظل المنكوس وهو المأخوذ من المقاييس الموازية للأفق ، وتوضيح ذلك ان الشمس إذا
طلعت وقع لكل شاخص قائم على سطح الأرض بحيث يكون عمودا على سطح الأفق ظل طويل في
جانب المغرب ثم لا يزال ينقص كلما ارتفعت الشمس حتى تبلغ كبد السماء وتصل إلى
دائرة نصف النهار ، وهي دائرة عظيمة موهومة تفصل بين المشرق والمغرب تقاطع دائرة
الأفق على نقطتين هما نقطتا الجنوب والشمال وقطباها منتصف النصف الشرقي ومنتصف
النصف الغربي من الأفق وهما نقطتا الشرق والغرب ، وحينئذ فيكون ظل الشاخص المذكور
واقعا على خط نصف النهار وهو الخط الواصل بين نقطتي الجنوب والشمال ، وهناك ينتهي
نقصان الظل المذكور وقد لا يبقى للشاخص ظل أصلا في بعض البلاد ، وإذا بقي الظل
فمقداره مختلف باختلاف البلاد والفصول فكلما كان بعد الشمس عن مسامتة رؤوس أهل
البلاد أكثر كان الظل فيها أطول ، فإذا مالت الشمس عن وسط السماء وانحرفت عن دائرة
نصف النهار الى المغرب فان لم يكن بقي الظل حدث حينئذ في جانب المشرق وكان ذلك
علامة الزوال وان كان قد بقي أخذ في الزيادة حينئذ فيكون ذلك علامة الزوال ايضا.
والذي ورد في الاخبار وكذا في جملة من عبارات الأصحاب هو الثاني خاصة وهو مبني على
الغالب بالنسبة إلى البلاد والزمان ، وطريق استعلام ذلك ان ينصب مقياسا ويقدر ظله
عند قرب الشمس من الاستواء ثم يصبر قليلا ويقدر فان كان دون الأول أو بقدره فالى
الآن لم تزل وان زاد فقد زالت.
وقد ورد هذا الاعتبار في جملة من الاخبار : منها ـ رواية
سماعة (1) قال :
__________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 11 من أبواب المواقيت.
«قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) جعلت فداك
متى وقت الصلاة؟ فأقبل يلتفت يمينا وشمالا كأنه يطلب شيئا فلما رأيت ذلك تناولت
عودا فقلت هذا تطلب؟ قال نعم فأخذ العود فنصبه بحيال الشمس ثم قال ان الشمس إذا
طلعت كان الفيء طويلا ثم لا يزال ينقص حتى تزول الشمس فإذا زالت زاد فإذا استبنت
الزيادة فصل الظهر ثم تمهل قدر ذراع وصل العصر».
وعن علي بن أبي حمزة (1) قال : «ذكر عند ابي عبد الله (عليهالسلام) زوال الشمس
فقال أبو عبد الله (عليهالسلام) تأخذون عودا
طوله ثلاثة أشبار وان زاد فهو أبين فيقام فما دام ترى الظل ينقص فلم تزل فإذا زاد
الظل بعد النقصان فقد زالت».
وروى الصدوق في الفقيه مرسلا (2) قال : «قال
الصادق (عليهالسلام) تبيان زوال
الشمس ان تأخذ عودا طوله ذراع واربع أصابع فتجعل أربع أصابع في الأرض فإذا نقص
الظل حتى يبلغ غايته ثم زاد فقد زالت الشمس وتفتح أبواب السماء وتهب الرياح وتقضى
الحوائج العظام».
وهذا الطريق عام النفع للعالم والعامي إلا انه انما يعلم
به زوال الشمس بعد زمان طويل كما لا يخفى وبه صرح في الروض ايضا.
والمفهوم من هذه الاخبار وبه صرح جملة من علمائنا
الأبرار ـ ان الاعتبار في العلم بالزوال بظهور الزيادة بعد النقص كما يدل عليه
قوله (عليهالسلام) في رواية
سماعة
«فإذا استبنت الزيادة فصل الظهر» وكذا قوله (عليهالسلام) في رواية علي
بن أبي حمزة «فإذا زاد الظل بعد النقصان فقد زالت» ونحوه في مرسلة الفقيه وربما
ظهر من كلام العلامة في المنتهى الاكتفاء بعدم النقص ، قال والدي (قدسسره) في حاشيته
على شرح اللمعة : وجعل العلامة (طاب ثراه) في المنتهى عدم نقص الظل علامة للزوال ،
وهو كما ترى فان الظل عند قرب الزوال جدا ربما لا يحس بنقصانه ويرى مكانه واقفا لا
يزيد ولا ينقص فلا يعلم حينئذ عدم نقصه ليعلم به الزوال ، وعدم ظهور النقص غير كاف
في الحكم به
__________________
(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 11 من أبواب المواقيت.
لانه يجامع حصول النقص كما عرفت.
انتهى كلامه زيد مقامه. أقول : ومن أظهر الأدلة في بطلان ذلك ما رواه الصدوق في
الفقيه (1) قال : «روى
حريز بن عبد الله انه قال : «كنت عند ابي عبد الله (عليهالسلام) فسأله رجل
فقال جعلت فداك ان الشمس تنقض ثم تركد ساعة من قبل ان تزول؟ فقال انها تؤامر أتزول
أو لا تزول». وروى في الكتاب المذكور (2) قال : «سئل الصادق (عليهالسلام) عن الشمس كيف
تركد كل يوم ولا يكون لها يوم الجمعة ركود؟ قال لان الله عزوجل جعل يوم
الجمعة أضيق الأيام. فقيل له ولم جعله أضيق الأيام؟ قال لانه لا يعذب المشركين في
ذلك اليوم لحرمته عنده». وروى في الكافي عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن الرضا (عليهالسلام) (3) قال : «قلت له
بلغني ان يوم الجمعة أقصر الأيام؟ قال كذلك هو. قلت جعلت فداك كيف ذاك؟ قال ان
الله تعالى يجمع أرواح المشركين تحت عين الشمس فإذا ركدت عذب الله أرواح المشركين
بركود الشمس ساعة فإذا كان يوم الجمعة لا يكون للشمس ركود يرفع الله عنهم العذاب
لفضل يوم الجمعة فلا يكون للشمس ركود». وقد دلت هذه الاخبار على ان الشمس بوصولها
إلى دائرة نصف النهار يحصل لها ركود ووقوف عن الجريان وهو غاية نقصان الظل وان
الزوال انما يحصل بعد ذلك وهو ميلها عن الدائرة إلى جهة المغرب ، فكيف يصح ما ذكره
من الاكتفاء في ثبوت الزوال بعدم النقص؟ وفي هذه الاخبار أبحاث شريفة وشحناها بها
في شرحنا على كتاب من لا يحضره الفقيه
ومنها ـ استعلام ذلك بالاقدام روى ذلك الصدوق في الفقيه
والشيخ في التهذيب في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (4) انه قال : «تزول
الشمس في النصف من حزيران على نصف قدم وفي النصف من تموز على قدم ونصف وفي النصف
__________________
(1) ج 1 ص 146.
(2) ج 1 ص 145.
(3) الفروع ج 1 ص 116 وفي الوسائل في الباب 40 من صلاة الجمعة.
(4) رواه في الوسائل في الباب 11 من أبواب المواقيت.
من آب على قدمين ونصف وفي النصف من
أيلول على ثلاثة أقدام ونصف وفي النصف من تشرين الأول على خمسة أقدام ونصف وفي
النصف من تشرين الآخر على سبعة أقدام ونصف وفي النصف من كانون الأول على تسعة
أقدام ونصف وفي النصف من كانون الآخر على سبعة ونصف وفي النصف من شباط على خمسة
ونصف وفي النصف من آذار على ثلاثة ونصف وفي النصف من نيسان على قدمين ونصف وفي
النصف من أيار على قدم ونصف وفي النصف من حزيران على نصف قدم».
أقول : قد اشتمل هذا الخبر على بيان اختلاف الظل الباقي
عند الزوال بحسب اختلاف الأزمنة إلا ان جملة من أصحابنا (رضوان الله عليهم) : منهم
ـ العلامة في المنتهى وشيخنا البهائي ذكروا ان هذه الرواية مختصة بالعراق وما
قاربها لان عرض البلاد العراقية يناسب ذلك ، ولأن الراوي لهذا الحديث وهو عبد الله
بن سنان عراقي فالظاهر انه (عليهالسلام) بين له علامة
الزوال بما يناسب بلاده. وما ذكروه مما لا محيص من الحمل عليه إذ لا ريب ان ما كان
عرضه مساويا للميل الكلي ينعدم فيه الظل يوما واحدا حقيقة وبحسب الحس أياما وما
كان عرضه أقل ينعدم فيه الظل يومين حقيقة وأياما حسا فهذا انما يتم في ما يكون
عرضه أكثر من الميل الكلي ، والمناسب له من البلدان الكثيرة العروض ولاية العراق ،
والقدم ـ على ما ذكره أصحابنا وعليه تدل ظواهر الاخبار ـ سبع الشاخص بناء على ان
قامة الإنسان المستوي الخلقة سبعة أقدام بقدمه ، والنصف من حزيران ـ على ما ذكره
بعض محققي أصحابنا ـ من أوائل السرطان والنصف من تموز في أوائل الأسد والنصف من آب
في أوائل السنبلة والنصف من أيلول في أوائل الميزان والنصف من تشرين الأول في
أوائل العقرب والنصف من تشرين الآخر أول القوس تقريبا والنصف من كانون الأول أول
الجدي تقريبا والنصف من كانون الآخر أول الدلو تقريبا والنصف من شباط أول الحوت
تقريبا والنصف من آذار في أوائل الحمل والنصف من نيسان في أوائل الثور والنصف من
أيار في أوائل الجوزاء
بقي الكلام ان في الحديث اشكالا ظاهرا يمنع من الاعتماد
عليه في المقام وان كان قد غفل عنه جملة من علمائنا الاعلام ، وذلك انه من المعلوم
المشاهد بالوجدان والمستغني بالعيان عن البيان ان ظل الزوال يتزايد من أول السرطان
الذي هو أول الرجوع من انتهاء الميل الكلي إلى آخر القوس وينقص من أول الجدي إلى
آخر الجوزاء يوما فيوما وشهرا فشهرا على سبيل التزايد في كل من النقيصة والزيادة ،
بمعنى ان زيادته وانتقاصه في اليوم الثاني والشهر الثاني أزيد منه في اليوم الأول
والشهر الأول وهكذا في الثالث بالنسبة الى الثاني وفي الرابع بالنسبة الى الثالث
حتى ينتهي إلى غاية الزيادة والنقصان ، ومن هذا القبيل حال ازدياد الساعات
وانتقاصها في أيام السنة ولياليها وهذا ظاهر للناقد البصير ولا ينبئك مثل خبير ،
فكيف يكون ازدياد الظل في ثلاثة أشهر قدما قدما وفي الثلاثة الأخرى قدمين قدمين
كما في الرواية المذكورة؟ فإنه خلاف ما يحكم به المشاهدة والوجدان. والله سبحانه
وقائله أعلم.
ومنها ـ ميل الشمس الى الحاجب الأيمن لمن يستقبل قبلة
العراق كما ذكروه ، والظاهر انها انما تتم بالنسبة إلى أطراف العراق الغربية
كالموصل وما والاها ممن تكون قبلتهم نقطة الجنوب إذ تكون دائرة نصف النهار حينئذ
بين العينين فإذا زالت الشمس عن دائرة نصف النهار نحو المغرب مالت بالضرورة إلى
الحاجب الأيمن ، واما أطراف العراق الشرقية وما والاها من أواسطها ممن تميل قبلتهم
عن الجنوب نحو المغرب على تفاوت في ذلك زيادة ونقيصة فعند ميل الشمس الى الحاجب
الأيمن يكون قد مضى من الزوال مقدار غير قليل لانحراف قبلتهم نحو المغرب وان كان
ذلك في أواسط العراق أقل لقلة انحرافهم نحو المغرب بالنسبة إلى الأطراف الشرقية ،
قال والدي (قدسسره) بعد ذكر نحو
ما قلناه : واما ما ذكره شيخنا البهائي (قدسسره) ـ من ان ذلك
يمكن جعله علامة للزوال في أواسط العراق ايضا كالكوفة وما والاها لانه عند ميل
الشمس الى الحاجب الأيمن لمن يستقبل قبلتهم لا يكون مضى من الزوال قدر معتد به ـ
فبعيد جدا لان انحراف أوساط العراق
نحو المغرب ـ كما ذكره شيخنا الشهيد الثاني ـ أزيد من انحراف الشامي نحو المشرق ،
ومن المقرر ان انحراف الشامي نحو المشرق قدر ثلث قوس ما بين نقطتي الجنوب والمشرق
كما ذكره في شرح الألفية ، ومن المعلوم ان من انحرف قدر ثلث القوس المذكور فضلا
عما زاد عنها نحو المغرب يكون عند ميل الشمس الى حاجبه الأيمن قد مضى من الزوال
قدر معتد به فتدبر. انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه.
أقول : ومما يدل على هذه العلامة من الاخبار ما تقدم في
حديث كتاب مجالس الشيخ المذكور في المسألة الرابعة من قوله (صلىاللهعليهوآله): «أتاني
جبرئيل فأراني وقت الظهر حين زالت الشمس فكانت على حاجبه الأيمن».
وكيف كان فالظاهر ايضا ان الكلام في معلومية الزوال بهذه
العلامة كما تقدم في العلامة الاولى من حصول الزوال قبل ذلك بمدة ، قال شيخنا
الشهيد الثاني (طاب ثراه) في كتاب روض الجنان بعد ذكر المصنف العلامة المذكورة ما
لفظه : وهذه العلامة لا يعلم بها الزوال إلا بعد مضي زمان كثير لاتساع جهة القبلة
بالنسبة إلى البعيد ومن ثم قيدها المصنف في النهاية والمنتهى بمن كان بمكة إذا
استقبل الركن العراقي ليضيق المجال ويتحقق الحال والأمر باق بحاله فإن الشمس لا
تصير على الحاجب الأيمن لمستقبل الركن العراقي إلا بعد زمان كثير بل ربما أمكن
استخراجه للبعيد في زمان أقل منه لمستقبل الركن ، والتحقيق انه لا حاجة الى
التقييد بالركن لما ذكرناه ولان البعيد إذا استخرج نقطة الجنوب بإخراج نصف النهار
صار المشرق والمغرب على يمينه ويساره كما هو أحد علامات العراقي وان كان في هذه
العلامة بحث تقف عليه في محله ان شاء الله تعالى فإذا وقف الإنسان على ما سمت هذا
الخط ظهر له ميل الشمس إذا مالت في زمان قصير يقرب من زيادة الظل بعد نقصه ، واما
إذا اعتبر البعيد قبلة العراقي بغير هذه العلامة خصوصا بالنظر الدقيق الذي يخرج به
سمت القبلة فإن الزوال لا يظهر حينئذ إلا بعد
مضي ساعات من وقت الظهر كما لا يخفى
على من امتحن ذلك ، وقريب من ذلك اعتباره باستقبال الركن العراقي فإنه ليس موضوعا
على حد الشمال حتى يكون استقباله موجبا لاستقبال نقطة الجنوب والوقوف على خط نصف
النهار وانما هو بين المشرق والشمال فوصول الشمس اليه يوجب زيادة ميل عن خط نصف
النهار كما لا يخفى. انتهى كلامه زيد مقامه.
ومنها ـ الدائرة الهندية وقد ذكرها الشيخ المفيد
والعلامة وغيرهما ، ودلالتها على ذلك بميل الظل عن خط نصف النهار الى جانب المشرق
فان الظل يقابل الشمس دائما فإذا كانت الشمس في جهة المشرق كان ظل الشاخص في جهة
المغرب وبالعكس وإذا كانت في وسط السماء على دائرة نصف النهار كان ظل الشاخص على
خط نصف النهار من الشمال أو الجنوب ان كان له ظل فإذا زالت الشمس بان مالت عن دائرة
نصف النهار إلى جهة المغرب مال ظل الشاخص الى جانب المشرق ان كان له ظل أو حدث من
ذلك الجانب ان لم يكن ، وطريق استخراج خط نصف النهار بالدائرة الهندية ليعلم منها
ما ذكرناه ـ على ما ذكره جملة من الأصحاب ـ ان تسوى موضعا من الأرض تسوية صحيحة
بحيث تخلو من الانخفاض والارتفاع ثم يدار عليها بدائرة بأي بعد كان وكلما كانت
الدائرة أوسع كانت المعرفة أسهل ، وتنصب على مركزها مقياسا مخروطا محدد الرأس يكون
طوله قدر ربع قطر الدائرة تقريبا نصبا مستقيما بحيث تحدث من جوانبه زوايا قوائم
وتعلم ذلك بان تقدر ما بين رأس المقياس ومحيط الدائرة بمقدار واحد من ثلاثة مواضع
أو أكثر فإن تساوت الابعاد فهو عمود ، ثم ترصد ظل المقياس قبيل الزوال حين يكون
خارجا من محيط الدائرة نحو المغرب فإذا انتهى رأس الظل الى محيط الدائرة يريد
الدخول فيه فعلم عليه علامة ثم ترصده بعد الزوال قبل خروج الظل من الدائرة فإذا
أراد الخروج عنه فعلم عليه علامة وتصل ما بين العلامتين بخط مستقيم وتنصف ذلك الخط
وتصل ما بين مركز الدائرة ومنتصف الخط بخط وهو خط نصف النهار ، فإذا ألقى
المقياس ظله على هذا الخط الذي هو خط
نصف النهار كانت الشمس في وسط السماء لم تزل وإذا ابتدأ رأس الظل يخرج عنه فقد
زالت الشمس ، وبذلك تعرف القبلة أيضا ، ولو نصفت القوسين الحادثين من قطع خط نصف
النهار للدائرة ووصلت بينهما بخط يقاطع خط نصف النهار على اربع زوايا قوائم كل
منها ربع المحيط كان ذلك الخط خط المشرق والمغرب فيتصل أحد طرفيه بنقطة مشرق الاعتدال
والآخر بنقطة مغربه ، وهذه صورة الدائرة المذكورة :
(المسألة الثامنة) ـ لا خلاف بين الأصحاب في ان أول وقت
صلاة المغرب هو غروب الشمس قال في المعتبر وهو إجماع العلماء ، وانما الخلاف في ما
به يتحقق الغروب فالمشهور ـ وهو الذي عليه الأكثر من المتقدمين والمتأخرين ـ انه
انما يعلم بزوال الحمرة المشرقية عن قمة الرأس إلى ناحية المغرب ، وقيل انه عبارة
عن غيبوبة القرص عن العين في الأفق مع عدم الحائل ، ونقل عن الشيخ في المبسوط
والمرتضى وابن الجنيد وبه صرح الصدوق في كتاب العلل وهو ظاهره في كتاب من لا يحضره
الفقيه حيث
اقتصر فيه على الاخبار الموافقة لهذا
القول ولم يتعرض لشيء من اخبار القول الآخر.
ومنشأ ذلك هو اختلاف الأخبار الواردة في المسألة والذي
ظهر لي من الاخبار هو القول المشهور ، فالواجب هو بسط أخبار المسألة والكلام فيها
وبيان رجحان ما ذهب اليه المشهور منها وضعف القول الآخر :
فأقول ـ وبالله سبحانه الثقة لبلوغ المأمول ـ من الاخبار
الدالة على القول المختار ما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن ابن ابي عمير عن من
ذكره عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «وقت
سقوط القرص ووجوب الإفطار ان تقوم بحذاء القبلة وتتفقد الحمرة التي ترتفع من
المشرق فإذا جازت قمة الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الإفطار وسقط القرص».
وما رواه بطريقين عن القاسم بن عروة والشيخ في التهذيب
بطريقين آخرين عنه ايضا عن بريد بن معاوية عن ابي جعفر (عليهالسلام) (2) قال : «إذا
غابت الحمرة من هذا الجانب ـ يعني من المشرق ـ فقد غابت الشمس من شرق الأرض وغربها».
وما رواه في الكافي عن احمد بن أشيم عن بعض أصحابنا عن
ابي عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «سمعته
يقول وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق ، وتدري كيف ذاك؟ قلت لا. قال لان
المشرق مطل على المغرب هكذا ـ ورفع يمينه فوق يساره ـ فإذا غابت ههنا ذهبت الحمرة
من ههنا».
وما رواه الشيخ عن محمد بن علي (4) قال : «صحبت
الرضا (عليهالسلام) في السفر
فرأيته يصلي المغرب إذا أقبلت الفحمة من المشرق يعني السواد».
وعن عمار في الموثق عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (5) : «إنما أمرت
أبا الخطاب ان يصلي المغرب حين زالت الحمرة فجعل هو الحمرة من قبل المغرب».
ومنها ـ الأخبار الواردة في الإفاضة من عرفات المحدودة
بغروب الشمس أيضا
ففي
__________________
(1 و 2 و 3 و 4 و 5) رواه في الوسائل في الباب 16 من أبواب
المواقيت.
موثقة يونس بن يعقوب المروية في
الكافي (1) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) متى الإفاضة
من عرفات؟ قال إذا ذهبت الحمرة يعني من الجانب الشرقي».
وروى في التهذيب عن يونس المذكور في الموثق ايضا (2) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) متى تفيض من
عرفات؟ فقال إذا ذهبت الحمرة من ههنا ، وأشار بيده الى المشرق والى مطلع الشمس».
وما ذكره الرضا (عليهالسلام) في كتاب
الفقه (3) حيث قال : «وأول
وقت المغرب سقوط القرص وعلامة سقوطه ان يسود أفق المشرق وآخر وقتها غروب الشفق». وقال
في موضع آخر : «وقت المغرب سقوط القرص الى مغيب الشفق ، الى ان قال والدليل على
غروب الشمس ذهاب الحمرة من جانب المشرق وفي الغيم سواد المحاجر وقد كثرت الروايات
في وقت المغرب وسقوط القرص والعمل من ذلك على سواد المشرق الى حد الرأس». انتهى.
والظاهر ان المراد بسواد المحاجر في عبارته (عليهالسلام) سواد الأفق
من جميع جهاته.
هذه جملة ما وقفت عليه من الاخبار الدالة على القول
المشهور ووضوحها في الدلالة غاية في الظهور لا يعتريها قصور ولا فتور.
واما ما استدل به للقول الآخر فمنها ما رواه الشيخان في
الكافي والتهذيب في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «سمعته
يقول وقت المغرب إذا غربت الشمس فغاب قرصها».
وعن زرارة في الصحيح عن ابي جعفر (عليهالسلام) (5) قال : «إذا
غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء الآخرة».
__________________
(1 و 2) المروية في الوسائل في الباب 22 من الوقوف بعرفات.
(3) ص 2 و 7.
(4) رواه في الوسائل في الباب 16 من أبواب المواقيت.
(5) رواه في الوسائل في الباب 4 و 17 من أبواب المواقيت.
وهاتان الروايتان مما استدل به في المدارك للقول المذكور
وهي غير واضحة الظهور ، وذلك لان غاية ما دلتا عليه هو كون وقت المغرب عبارة عن
غيبوبة الشمس وغروبها وقد عرفت ان هذا مما لا خلاف فيه وانما الخلاف ـ كما قدمنا
وبه اعترف في المدارك في صدر البحث ـ في ما به يتحقق الغروب من مجرد استتار القرص
عن النظر مع عدم الحائل أو يتوقف على زوال الحمرة المشرقية وميلها الى المغرب ،
وبذلك يظهر لك انه لا دلالة للخبرين المذكورين على ما ادعاه وان صح سندهما بل هما
مجملان ، وبذلك يظهر الجواب عن ما استدلوا به من رواية يزيد بن خليفة (1) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) ان عمر بن
حنظلة أتانا عنك بوقت؟ قال فقال أبو عبد الله (عليهالسلام) إذا لا يكذب
علينا. قلت قال وقت المغرب إذا غاب القرص إلا ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كان إذا جدّ
به السير أخر المغرب ويجمع بينها وبين العشاء؟ فقال صدق. الحديث». وما رواه في
الفقيه مرسلا (2) قال : «قال
أبو جعفر (عليهالسلام) وقت المغرب
إذا غاب القرص». وبالجملة فإن غيبوبة القرص وغروب الشمس ونحو ذلك من هذه العبارات
مجملة قابلة للحمل على كل من القولين إذ لفظ القرص ولفظ الشمس بمعنى واحد ولفظ
الغيبوبة ولفظ الغروب بمعنى واحد كما لا يخفى ، وقد عرفت من كلامه (عليهالسلام) في كتاب
الفقه بعد ان عبر بسقوط القرص انه جعل علامته ان يسود أفق المشرق ، ونحوه في مرسلة
ابن ابي عمير المتقدمة.
واستدل في المدارك لهذا القول بصحيحة زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) (3) قال : «وقت
المغرب إذا غاب القرص فإن رأيته بعد ذلك وقد صليت أعدت الصلاة ومضى صومك وتكف عن
الطعام ان كنت أصبت منه شيئا». وموثقة أبي أسامة زيد الشحام (4) قال : «قال
رجل لأبي عبد الله (عليهالسلام) أؤخر المغرب
حتى تستبين
__________________
(1) الفروع ج 1 ص 78 وفي الوسائل في الباب 10 من المواقيت.
(2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 16 من المواقيت.
(4) المروية في الوسائل في الباب 18 من المواقيت.
النجوم؟ فقال خطابية ان جبرئيل نزل
بها على محمد (صلىاللهعليهوآله) حين سقط
القرص». وفيه ان ظاهر سياق صحيحة زرارة المذكورة انها انما وردت في مقام الاشتباه
لغيم ونحوه والبناء في دخول الوقت على الظن فكأنه قال : «وقت المغرب إذا حصل لك ظن
بغيبوبة القرص فإن رأيته بعد ذلك. الى آخر الخبر» وحينئذ فليست من محل البحث في شيء
، ولو كان المراد بغيبوبة القرص فيها غيبوبته عن النظر مع عدم الحائل فكيف تتصور
الرؤية بعد ذلك؟ ولو استند في الاستدلال بها الى مجرد التعبير بغيبوبة القرص قياسا
على الخبرين المذكورين في كلامه لكان الجواب عنها بما عرفت ، وبه يعلم الجواب ايضا
عن موثقة زيد الشحام المذكورة فإن غاية ما تدل عليه النهي عن التأخير الى ان
تستبين النجوم والعمل على سقوط القرص وقد عرفت من روايتي ابن ابي عمير وكتاب الفقه
ان سقوط القرص انما يتحقق بزوال الحمرة إلى ناحية المغرب ، هذا غاية ما استدل به
في المدارك على القول المذكور وقد ظهر لك صحة ما ادعيناه من عدم دلالتها على
المراد وتطرق البحث إليها والإيراد. ومثل هذه الاخبار جملة أخرى بهذا المضمون
أعرضنا عن التطويل بنقلها لما عرفت.
ومنها ـ رواية الصدوق في الموثق عن سماعة (1) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) في المغرب
انا ربما صلينا ونحن نخاف ان تكون الشمس خلف الجبل أو قد سترنا منها الجبل؟ فقال
ليس عليك صعود الجبل». وما رواه فيه ايضا عن زيد الشحام (2) قال : «صعدت
مرة جبل ابي قبيس والناس يصلون المغرب فرأيت الشمس لم تغب وانما توارت خلف الجبل
عن الناس فلقيت أبا عبد الله (عليهالسلام) فأخبرته بذلك
فقال لي ولم فعلت ذلك؟ بئس ما صنعت انما تصليها إذا لم ترها خلف جبل غابت أو غارت
ما لم يتجللها سحاب أو ظلمة تظلها فإنما عليك مشرقك ومغربك وليس على الناس ان
يبحثوا».
__________________
(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 20 من أبواب المواقيت.
أقول : لا يخفى ان هذين الخبرين لا ينطبقان على شيء من
القولين ، اما القول المشهور فظاهر واما القول الآخر فلانه لا خلاف بين أصحاب هذا
القول ـ كما صرح به غير واحد من أصحابنا (رضوان الله عليهم) ـ في انه لا بد في
سقوط القرص الذي يجعل وقتا للغروب على هذا القول من انتفاء الحائل بين الناظر وبين
موضع غروب الشمس من أفق تلك البلاد ولا ريب في ان جبل ابي قبيس حائل ، وبالجملة
فإن الاستدلال من صاحب الفقيه بهذين الخبرين ـ كما ذكره في الفقيه ومثله في كتاب
المجالس وغيرهما على هذا القول حيث اختاره ـ من أعجب العجائب لما عرفت من الإشكال
الذي ليس عنه ثمة جواب.
قال شيخنا المجلسي (قدسسره) في كتاب
البحار بعد ذكر هذين الخبرين : ظاهر هذا الخبر والخبر المتقدم الاكتفاء بغيبوبة
الشمس خلف الجبل وان لم تغرب عن الأفق ولعله لم يقل به أحد وان كان ظاهر الصدوق
القول به لكنه لم ينسب اليه هذا القول ويمكن حمله على ما إذا غابت عن الأفق الحسي
لكن يبقى ضوؤها على رؤوس الجبال كما نقلنا عن الشيخ في المبسوط ولعل الشيخ حملهما
على هذا الوجه وليس ببعيد جدا والاولى الحمل على التقية. قال الوالد (قدسسره) في الخبر
الأول الظاهر ان ذمه على صعود الجبل لانه كان غرضه منه إثارة الفتنة بأن يقول انهم
يفطرون ويصلون والشمس لم تغب بعد وكان مظنة أن يصل الضرر اليه والى غيره فنهاه (عليهالسلام) لذلك. ويمكن
ان يكون المراد بقوله : «فإنما عليك مشرقك ومغربك» انك لا تحتاج الى صعود الجبل
فإنه يمكن استعلام الطلوع والغروب بظهور الحمرة وذهابها في المشرق للغروب وعكسه
للطلوع. وهذا الوجه جار في الخبر الأخير أيضا. انتهى كلامه. وما ذكره من حمل خبر
سماعة على التقية هو الوجه الوجيه ، وما نقله عن والده في معنى خبر الشحام جيد لا
ريب فيه.
ومنها ـ وهو أصرحها في الدلالة على القول المذكور لظهوره
في ذلك تمام الظهور وكان ينبغي لمن قال بذلك القول ان يستند اليه ويعول في ذلك
عليه ـ ما رواه الشيخ
في التهذيب عن علي بن الحكم عن من
حدثه عن أحدهما (عليهماالسلام) (1) «انه سئل عن
وقت المغرب فقال إذا غاب كرسيها. قلت وما كرسيها؟ قال قرصها. فقلت متى يغيب قرصها؟
قال إذا نظرت اليه فلم تره». وما رواه الصدوق في كتاب المجالس عن ابان بن تغلب
والربيع بن سليمان وابان بن أرقم وغيرهم (2) قالوا : «أقبلنا من مكة حتى إذا كنا
بوادي الأجفر إذا نحن برجل يصلي ونحن ننظر الى شعاع الشمس فوجدنا في أنفسنا فجعل يصلي
ونحن ندعو عليه حتى صلى ركعة ونحن ندعو عليه ونقول هذا من شباب أهل المدينة فلما
أتيناه فإذا هو أبو عبد الله جعفر بن محمد (عليهماالسلام) فنزلنا
فصلينا معه وقد فأتتنا ركعة فلما قضينا الصلاة قمنا اليه فقلنا له جعلنا فداك هذه
الساعة تصلي؟ فقال إذا غابت الشمس فقد دخل الوقت».
وما رواه في الكتاب المذكور عن محمد بن يحيى الخثعمي (3) قال : «سمعت
أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول كان
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يصلي المغرب
ويصلي معه حي من الأنصار يقال لهم بنو سلمة منازلهم على نصف ميل فيصلون معه ثم
ينصرفون الى منازلهم وهم يرون مواضع نبلهم».
هذا ما يدل على هذا القول صريحا ، والجواب عنه بالحمل
على التقية كما هو أحد القواعد المنصوصة عن أهل البيت (عليهمالسلام) في مقام
اختلاف الاخبار من العرض على مذهب العامة والأخذ بخلافهم ، واتفاق المخالفين قديما
وحديثا على هذا القول مما لا سبيل إلى إنكاره (4) بل ورد في جملة من الاخبار الأمر
بعرض الاخبار على مذهبهم والأخذ بخلافه وان لم يكن في مقام الاختلاف (5) بل ورد ما هو
أعظم من ذلك وهو انه إذا لم يكن في البلد من تستفتيه في الحكم فاستفت قاضي العامة
واعمل على خلافه (6)
__________________
(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 16 من أبواب المواقيت.
(3) رواه في الوسائل في الباب 18 من المواقيت.
(4) كما في الفقه على المذاهب الأربعة ج 1 ص 157 والمغني ج 1 ص
389.
(5 و 6) رواه في الوسائل في الباب 9 من صفات القاضي وما يقضى
به.
وحينئذ فإذا كانت النصوص عنهم (عليهمالسلام) بلغت هذا
المبلغ في الأمر بمخالفتهم فالواجب هو طرح هذه الاخبار من البين لظهور موافقتها
لهم برأي العين ، وبالجملة فأخبار هذا القول وان كثرت فمنها ما هو غير صريح بل ولا
ظاهر في المدعى كما عرفت ومنها ما هو صريح ويتعين حمله على التقية.
واما ما صار اليه بعض من حمل اخبار القول المشهور على
الاستحباب فليس بالوجه الوجيه لما ذكرنا من التنبيه والتوجيه ، ويزيد ذلك بيانا في
رد هذا الحمل المذكور وبيان ما فيه من القصور استفاضة الأخبار الدالة على أفضلية
أول الوقت (1) والاخبار
الدالة على النهي عن تأخير المغرب طلبا لفضلها (2) ولو كان مجرد توارى القرص عن النظر
هو الوقت الشرعي لها كان الأفضل هو المسارعة بها في ذلك الوقت عملا بالأخبار
الاولى وكان تأخيرها طلبا لفضلها موجبا للدخول تحت النهي في الاخبار الثانية.
والعجب منهم (رضوان الله عليهم) حيث الغوا العمل بالقواعد
المنصوصة عن الأئمة (عليهمالسلام) في مقام
اختلاف الاخبار واستنبطوا لأنفسهم قواعد بنوا عليها بمجرد الاعتبار ، وخبر محمد بن
يحيى الخثعمي المذكور قد ورد نحوه من طريق المخالفين كما نقله شيخنا صاحب البحار (قدسسره) (3) حيث رووا عن
جابر وغيره قال : «كنا نصلي المغرب مع النبي (صلىاللهعليهوآله) ثم نخرج
نتناضل حتى ندخل بيوت بني سلمة فننظر الى مواضع النبل من الاسفار». وفيه تأييد لما
ذكرنا من الحمل على التقية.
وبما حققناه في المقام وكشفنا عنه نقاب الإبهام يظهر لك
ما في كلام جملة من متأخري المتأخرين الاعلام :
منهم ـ السيد السند في المدارك حيث ان ظاهره الميل الى
القول بما قدمنا نقله عن الصدوق والمرتضى وغيرهما ، فإنه قال بعد نقل أدلة المسألة
ومنها الصحاح التي ذكرها كما قدمنا نقله فيه
__________________
(1) ص 90.
(2) الوسائل الباب 18 من المواقيت.
(3) ج 18 الصلاة ص 60.
وطعنه في روايات القول المشهور بضعف
الأسانيد : انه لا يخلو من قوة ، وجعل ما قابله أحوط. وهو يشعر بالتوقف مع الميل
الى القول المذكور. وفيه ما عرفت من ان الصحاح التي استند إليها غير ظاهرة في
المدعى كما أوضحناه ، والطعن بضعف السند غير مرضي عندنا بل ولا عند كافة الأصحاب
سيما المتقدمين ولا معتمد ، اما المتقدمون فلعدم عملهم على هذا الاصطلاح الذي هو
الى الفساد أقرب منه الى الصلاة ، واما المتأخرون فلان هذه الأخبار عندهم مجبورة
بالشهرة.
ومنهم ـ المحدث الكاشاني في الوافي وهو أعجب حيث قال بعد
نقل اخبار القول المشهور المذكورة في الكافي والتهذيب وآخرها حديث ابن أشيم ما
صورته : الاطلال بالمهملة الإشراف ، الى ان قال بقي الكلام في الحمرة المشرقية
السماوية والاخبار في اعتبار ذهابها مختلفة ، فمنها ما يدل على اعتباره وجعله
علامة لغروب الشمس كهذه الاخبار ومنها ما يدل على ان ذهاب القرص عن النظر كاف في
تحقق الغروب كالاخبار التي مضت ، والمستفاد من مجموعها والجمع بينها ان اعتباره في
وقتي صلاة المغرب والإفطار أحوط وأفضل وان كفى استتار القرص في تحقق الوقت كما
يظهر لمن تأمل فيها ووفق للتوفيق بينها وبين الاخبار التي نتلوها عليك في الباب
الآتي ان شاء الله تعالى. انتهى.
أقول : العجب منه (قدسسره) وهو من أكابر
المحدثين كيف الغى القاعدة المنصوصة في الباب تبعا لغيره من المجتهدين الذين قد
أكثر من التشنيع عليهم في الخروج عن جادة العمل بالأخبار في جملة من كتبه ، وأشار
بالأخبار التي مضت الى ما قدمه في سابق هذا الباب من الاخبار التي قدمنا نقلها ،
وقد عرفت ان أكثرها غير ظاهر الدلالة ولا واضح المقالة في ما ادعاه منها تبعا
لصاحب المدارك ، وعمدة الشبهة عنده من الاخبار التي ذكرها في تالي هذا الباب كما
أشار إليه بقوله جمعا بينها وبين الاخبار التي نتلوها عليك في الباب الآتي ، وها
نحن بتوفيق الله تعالى نبين لك ما يكشف عن إشكالها نقاب الإبهام ونبين ما هو الحق
فيها لذوي الأفهام وضعف ما سبق الى خلافه من الأوهام :
فنقول ـ وبالله سبحانه التوفيق لبلوغ المأمول ونيل
المسؤول اعلم ان ههنا جملة من الاخبار قد اضطربت فيها الأفكار من جملة من أصحابنا
الأبرار (رفع الله تعالى أقدارهم في دار القرار) وقد عنون لها في الوافي بابا سماه
باب «تأخير المغرب عن استتار القرص للاحتياط» :
منها ـ ما رواه الشيخ في التهذيب في الموثق عن يعقوب بن
شعيب عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «قال لي
مسوا بالمغرب قليلا فان الشمس تغيب من عندكم قبل ان تغيب من عندنا».
وعن عبد الله بن وضاح (2) قال : «كتبت
الى العبد الصالح (عليهالسلام) يتوارى القرص
ويقبل الليل ثم يزيد الليل ارتفاعا وتستتر عنا الشمس وترتفع فوق الجبل حمرة ويؤذن
عندنا المؤذنون أفأصلي وأفطر إن كنت صائما أو انتظر حتى تذهب الحمرة التي فوق
الجبل؟ فكتب الي أرى لك ان تنتظر حتى تذهب الحمرة وتأخذ بالحائطة لدينك».
وروى في الكافي عن جارود (3) قال : «قال لي
أبو عبد الله (عليهالسلام) يا جارود
ينصحون فلا يقبلون وإذا سمعوا بشيء نادوا به أو حدثوا بشيء أذاعوه ، قلت لهم
مسوا بالمغرب قليلا فتركوها حتى اشتبكت النجوم فانا الآن أصليها إذا سقط القرص».
وروى في التهذيب بسندين أحدهما في الحسن والآخر في
الموثق عن ذريح (4) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) ان أناسا من
أصحاب أبي الخطاب يمسون بالمغرب حتى تشتبك النجوم ، فقال أبرأ الى الله ممن فعل
ذلك متعمدا».
وعن شهاب بن عبد ربه في الحسن (5) قال : «قال لي
أبو عبد الله (عليهالسلام) يا شهاب اني
أحب إذا صليت المغرب ان أرى في السماء كوكبا».
وعن بكر بن محمد الأزدي في الصحيح ورواه في الفقيه عن
الأزدي أيضا عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (6) قال : «سأله
سائل عن وقت المغرب قال ان الله يقول
__________________
(1 و 2 و 3 و 5 و 6) الوسائل الباب 16 من أبواب المواقيت.
(4) رواه في الوسائل في الباب 18 من أبواب المواقيت.
في كتابه لإبراهيم «فَلَمّا
جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً» (1) فهذا أول
الوقت وآخر ذلك غيبوبة الشفق وأول وقت العشاء ذهاب الحمرة وآخر وقتها الى غسق
الليل يعني نصف الليل».
وروى في التهذيب في الصحيح عن زرارة (2) قال : «سألت
أبا جعفر (عليهالسلام) عن وقت إفطار
الصائم قال حين يبدو ثلاثة أنجم».
وروى في الفقيه عن ابان عن زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) (3) قال : «يحل لك
الإفطار إذا بدت لك ثلاثة أنجم وهي تطلع مع غروب الشمس».
هذا جملة ما وقفت عليه من الاخبار وقد عرفت ما حملها
عليه صاحب الوافي ومن حذا حذوه ، وقال في المدارك : وقد ورد في بعض الاخبار اعتبار
رؤية النجوم كصحيحة بكر بن محمد ثم ساق الخبر الى ان قال : وحملها الشيخ (قدسسره) على حال
الضرورة أو على مدها حتى تظهر النجوم فيكون فراغه منها عند ذلك. وهو بعيد جدا
ويمكن حملها على وقت الاشتباه كما تشعر به رواية علي بن الريان (4) قال : «كتبت
اليه : الرجل يكون في الدار تمنعه حيطانها النظر إلى حمرة المغرب ومعرفة مغيب
الشفق ووقت صلاة العشاء الآخرة متى يصليها وكيف يصنع؟ فوقع (عليهالسلام) يصليها إذا
كان على هذه الصفة عند قصر النجوم والعشاء عند اشتباكها وبياض مغيب الشفق». وذكر
الشيخ في التهذيب ان معنى قصر النجوم بيانها. ويمكن حملها ايضا على ان المراد بها
بيان وقت الفضيلة كما تشعر به صحيحة إسماعيل بن همام (5) قال : «رأيت
الرضا (عليهالسلام) وكنا عنده لم
يصل المغرب حتى ظهرت النجوم فقام فصلى بنا على باب دار ابن ابي محمود».
__________________
(1) سورة الانعام ، الآية 76.
(2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 52 من ما يمسك عنه الصائم
ووقت الإمساك.
(4) المروية في الوسائل في الباب 24 من أبواب المواقيت.
(5) المروية في الوسائل في الباب 19 من أبواب المواقيت.
ورواية شهاب بن عبد ربه ، ثم ساق
الرواية ثم قال : ولا ريب ان الاحتياط للدين يقتضي اعتبار ذهاب الحمرة أو ظهور
النجوم وان كان الاكتفاء بغروب الشمس لا يخلو من قوة. انتهى.
أقول : لا ريب في بعد هذه المحامل كلها ، والذي ظهر لي
من معنى هذه الاخبار ورزقني الله سبحانه فهمه منها ببركة الأئمة الأبرار (عليهمالسلام) هو انه لما
كان وقت المغرب عند العامة جميعا في جميع الأمصار وجملة الأعصار والأدوار عبارة عن
مجرد غيبوبة القرص عن النظر مع عدم الحائل وكان الوقت عندهم (عليهمالسلام) انما هو
عبارة عن زوال الحمرة المشرقية كما عليه جل شيعتهم قديما وحديثا ، فربما أفتوا بما
يوافق العامة صريحا كالاخبار التي قدمناها صريحة في ذلك وربما أفتوا بما يوافق
مذهبهم (عليهمالسلام) صريحا
كالاخبار التي قدمنا صريحة في القول المشهور ، وربما عبروا بعبارات مجملة تحتمل
الأمرين كالاخبار الصحاح التي قدمنا نقلها عن المدارك ونحوها مع ما ورد في بعض
اخبارهم (عليهمالسلام) من تفسير
الغيبوبة الكاشف عن هذا الإجمال كما عرفت ، وربما عبروا عن مذهبهم بعبارات تشير
اليه وان كانت غير ظاهرة الدلالة عليه كما تضمنته هذه الاخبار الأخيرة مثل الأمر
بالأخذ بالاحتياط في رواية عبد الله بن وضاح ومثل التعليل في رواية يعقوب بن شعيب
بعد الأمر بالتسمية بأن الشمس تغيب من عندكم قبل ان تغيب من عندنا وانما العلة
الحقيقية هي انتظار زوال الحمرة المشرقية ، وربما عللوه بانتظار ظهور كوكب أو ثلاث
كواكب كما في روايتي شهاب بن عبد ربه وبكر بن محمد وروايتي زرارة. فهذه العلل كلها
انما خرجت مخرج التقية للتحاشي عن التصريح بمخالفة القوم باعتبار ما تضمنته
المقامات والأوقات حيث انها لا تقتضي إظهار مذهبهم (عليهمالسلام) الواقعي
فيجعلونه في هذه القوالب التي لا يستنكرها المخالف لو سمعها ، ويزيدك بيانا لما
ذكرناه خبر جارود وشكايته (عليهالسلام) من أولئك
القوم أنه أسر إليهم ونصحهم في الباطن ان يمسوا بالمغرب يعني انتظار زوال الحمرة
دون العمل على مجرد غيبوبة القرص فأذاعوا سره وحدثوا به حتى افرطوا في التسمية
وأخروها
الى اشتباك النجوم فلما عرف (عليهالسلام) ظهور ذلك
منهم لا علاج انه أظهر مخالفة ما أمرهم به أولا سرا فصار يصلي على خلاف ما أمرهم
ليعلم الناس كذبهم عليه ، ومنه يظهر الوجه في حديث الجماعة الذين رأوه في طريق مكة
يصلي وهم ينظرون الى شعاع الشمس كما تقدم (1) فإنه لهذا السبب فعل ذلك وأمر به ،
هذا هو الوجه الوجيه في هذه الاخبار كما لا يخفى على من نظره بعين الفكر
والاعتبار.
واما ما ذكره في المدارك فقد عرفت ما فيه آنفا ونزيده
هنا أيضا بان ما ذكره من حمل رواية بكر بن محمد الدالة على رؤية النجوم مستندا إلى
صحيحة إسماعيل بن همام المتقدمة وقوله بعد ذلك «والاحتياط للدين يقتضي ذهاب الحمرة
أو ظهور النجوم» ففيه ان ما اشتملت عليه صحيحة إسماعيل بن همام المذكورة مما ترده
جملة الأخبار الدالة على أفضلية أول الوقت ولا سيما في المغرب الدالة على انه ليس
لها إلا وقت واحد وهو وقت وجوب الشمس وما دل على ذم تأخيرها إلى ظهور النجوم طلب
فضلها كقول الصادق (عليهالسلام) في مرفوعة
محمد بن أبي حمزة (2) «ملعون ملعون
من أخر المغرب طلب فضلها. وقيل له ان أهل العراق يؤخرون المغرب حتى تشتبك النجوم؟
قال هذا من عمل عدو الله ابي الخطاب». ونحوها من الاخبار ، والرواية المذكورة غير
معمول بها على ظاهرها فلا بد من تأويلها بالعذر. واما ما اشتملت عليه صحيحة بكر بن
محمد ورواية شهاب من ظهور نجم وروايتا زرارة من ظهور ثلاثة أنجم فقد عرفت الوجه
فيه وفي الغالب انه بزوال الحمرة يرى بعض النجوم لبعض الناظرين. والله العالم.
(المسألة التاسعة) ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم)
في آخر وقت المغرب ، فالمشهور أنه الى ان يبقى لانتصاف الليل مقدار أداء العشاء ،
وهو اختيار السيد المرتضى في الجمل وابن الجنيد وابن زهرة وابن إدريس والمحقق وابن
عمه نجيب الدين وسائر المتأخرين ، وقال الشيخ في أكثر كتبه آخره غيبوبة الشفق
المغربي للمختار وربع
__________________
(1) ص 169.
(2) المروية في الوسائل في الباب 18 من أبواب المواقيت.
الليل مع الاضطرار وبه قال ابن حمزة
وأبو الصلاح ، وقال في الخلاف آخره غيبوبة الشفق وأطلق وبه قال ابن البراج ، وقال
الشيخ المفيد آخر وقتها غيبوبة الشفق وهو الحمرة في المغرب والمسافر إذا جدّ به
السير عند المغرب فهو في سعة من تأخيره إلى ربع الليل ، وهو كقول الشيخ المتقدم.
وقال السيد المرتضى في المسائل الناصرية آخر وقتها مغيب الشفق الذي هو الحمرة وروى
ربع الليل وحكم بعض أصحابنا ان وقتها يمتد الى نصف الليل. وقال ابن ابي عقيل أول
وقت المغرب سقوط القرص وعلامته ان يسود أفق السماء من المشرق وذلك إقبال الليل
وتقوية الظلمة في الجو واشتباك النجوم وان جاوز ذلك بأقل قليل حتى يغيب الشفق فقد
دخل في الوقت الآخر. وقال ابن بابويه وقت المغرب ان كان في طلب المنزل في سفر الى
ربع الليل وكذا المفيض من عرفات الى جمع. وقال سلار يمتد وقت العشاء الأول الى ان
يبقى لغياب الشفق الأحمر مقدار أداء ثلاث ركعات. ونقل عن المبسوط انه حكى عن بعض
علمائنا قولا بامتداد وقت المغرب والعشاء الى طلوع الفجر. وقال في المدارك :
والمعتمد امتداد وقت الفضيلة إلى ذهاب الشفق والاجزاء للمختار الى ان يبقى
للانتصاف قدر العشاء وللمضطر الى ان يبقى قدر ذلك من الليل وهو اختيار المصنف في
المعتبر. أقول : الظاهر ان أول من ذهب صريحا الى امتداد العشاءين الى طلوع الفجر
للمضطر هو المحقق في المعتبر وتبعه صاحب المدارك وشيده ، وقد تبعه في هذا القول
جملة ممن تأخر عنه كما هي عادتهم غالبا.
أقول : والسبب في اختلاف هذه الأقوال اختلاف الأخبار
الواردة في المقام واختلاف ما أدت اليه الأفكار فيها والافهام ، ونحن نبسط الأخبار
أولا كما هي قاعدتنا في الكتاب ثم نردفها بما يزيل عنها ان شاء الله تعالى نقاب
الارتياب :
ومنها ـ ما رواه الشيخ في التهذيب عن عبيد بن زرارة عن
ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «إذا
غربت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين الى نصف
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 16 من أبواب المواقيت.
الليل إلا ان هذه قبل هذه».
وعن داود بن فرقد عن بعض أصحابنا عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «إذا
غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتى يمضي مقدار ما يصلي المصلي ثلاث ركعات فإذا مضى
ذلك فقد دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة حتى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلي
المصلي أربع ركعات فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب وبقي وقت العشاء الآخرة
إلى انتصاف الليل».
وعن إسماعيل بن مهران (2) قال : «كتبت
الى الرضا (عليهالسلام) ذكر أصحابنا
انه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر وإذا غربت دخل وقت المغرب والعشاء
الآخرة إلا ان هذه قبل هذه في السفر والحضر وان وقت المغرب الى ربع الليل؟ فكتب
كذلك الوقت غير ان وقت المغرب ضيق وآخر وقتها ذهاب الحمرة ومصيرها الى البياض في
أفق المغرب». والمراد ـ والله سبحانه وقائله اعلم ـ ان وقت المختار ضيق واما
المضطر والمسافر فموسع كما يظهر من غيره.
وعن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «وقت
المغرب حين تغيب الشمس» وعن إسماعيل بن جابر في الموثق عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «سألته
عن وقت المغرب قال ما بين غروب الشمس الى سقوط الشفق».
وقد تقدم قريبا (5) في صحيحة بكر بن محمد الأزدي تحديد
أول الوقت برؤية الكوكب ثم قال (عليهالسلام): «هذا أول
الوقت وآخر ذلك غيبوبة الشفق. الحديث».
وفي صحيحة زرارة والفضيل عن ابي جعفر (عليهالسلام) (6) «ووقت فوتها
سقوط الشفق». وفي رواية زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) (7) «وآخر وقت
__________________
(1) الوسائل الباب 17 من المواقيت.
(2) الوسائل الباب 17 و 18 من المواقيت.
(3 و 4) الوسائل الباب 16 من المواقيت.
(5) ص 172.
(6) الوسائل الباب 18 من المواقيت.
(7) الوسائل الباب 10 من المواقيت.
المغرب إياب الشفق فإذا آب الشفق دخل
وقت العشاء».
وعن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «وقت
المغرب من حين تغيب الشمس الى ان تشتبك النجوم».
وعن عمر بن يزيد في الصحيح عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «وقت
المغرب في السفر الى ربع الليل». ونحوه مروي في الكافي أيضا بسند غير نقي.
وما رواه في الكافي في الصحيح عن عمر بن يزيد (3) قال : «قال
أبو عبد الله (عليهالسلام) وقت المغرب
في السفر الى ثلث الليل». قال في الكافي : وروى ايضا «الى نصف الليل».
وما رواه في التهذيب في الموثق عن ابي بصير ورواه في
الفقيه عن ابي بصير (4) قال : «قال
أبو عبد الله (عليهالسلام) أنت في وقت
من المغرب في السفر إلى خمسة أميال من بعد غروب الشمس».
وعن محمد بن علي الحلبي في الصحيح عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (5) قال : «لا بأس
ان تؤخر المغرب في السفر حتى يغيب الشفق ، ولا بأس ان تعجل العتمة في السفر قبل ان
يغيب الشفق».
وعن إسماعيل بن جابر (6) قال : «كنت مع ابي عبد الله (عليهالسلام) حتى إذا
بلغنا بين العشاءين قال يا إسماعيل امض مع الثقل والعيال حتى ألحقك وكان ذلك عند
سقوط الشمس فكرهت ان انزل وأصلي وادع العيال وقد أمرني ان أكون معهم فسرت ثم لحقني
أبو عبد الله (عليهالسلام) فقال يا
إسماعيل هل صليت المغرب بعد؟ فقلت لا. فنزل عن دابته فاذن واقام وصلى المغرب وصليت
معه
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 16 من أبواب المواقيت.
(2 و 3 و 4 و 6) الوسائل الباب 19 من المواقيت.
(5) الوسائل الباب 22 من المواقيت. والراوي عنه (عليهالسلام) هو عبيد الله ومحمد يروي عنه.
وكان من الموضع الذي فارقته فيه الى
الموضع الذي لحقني ستة أميال».
وعن القاسم بن سالم عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «ذكر
أبو الخطاب فلعنه ثم قال انه لم يكن يحفظ شيئا ، حدثته ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) غابت له
الشمس في مكان كذا وكذا وصلى المغرب بالشجرة وبينهما ستة أميال فأخبرته بذلك في
السفر فوضعه في الحضر».
وعن علي بن يقطين في الصحيح (2) قال : «سألته
عن الرجل تدركه صلاة المغرب في الطريق أيؤخرها الى ان يغيب الشفق؟ قال لا بأس بذلك
في السفر فاما في الحضر فدون ذلك شيئا». أقول : يعني قبل غيبوبة الشفق بقليل.
وعن جميل بن دراج في الموثق (3) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) ما تقول في
الرجل يصلي المغرب بعد ما يسقط الشفق؟ فقال لعلة لا بأس قلت فالعشاء الآخرة قبل ان
يسقط الشفق؟ فقال لعلة لا بأس».
وعن عمر بن يزيد (4) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) أكون مع
هؤلاء وانصرف من عندهم عند المغرب فأمر بالمساجد فأقيمت الصلاة فإن أنا نزلت أصلي
معهم لم استمكن من الأذان والإقامة وافتتاح الصلاة؟ فقال ائت منزلك وانزع ثيابك
وان أردت أن تتوضأ فتوضأ وصل فإنك في وقت الى ربع الليل».
وعن عمر بن يزيد في الصحيح (5) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) أكون في جانب
المصر فتحضر المغرب وانا أريد المنزل فإن أخرت الصلاة حتى أصلي في المنزل كان أمكن
لي وأدركني المساء فأصلي في بعض المساجد؟ فقال صل في منزلك».
وعن عمر بن يزيد (6) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن وقت
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 18 من أبواب المواقيت.
(2 و 3 و 4 و 5 و 6) الوسائل الباب 19 من المواقيت.
المغرب؟ فقال إذا كان ارفق بك وأمكن
لك في صلاتك وكنت في حوائجك فلك أن تؤخرها إلى ربع الليل. فقال قال لي وهو شاهد في
بلده».
وعن داود الصرمي (1) قال : «كنت عند ابي الحسن الثالث (عليهالسلام) فجلس يحدث
حتى غابت الشمس ثم دعا بشمع وهو جالس يتحدث فلما خرجت من البيت نظرت وقد غاب الشفق
قبل ان يصلي المغرب ثم دعا بالماء فتوضأ وصلى». أقول : قد تقدم قريبا نحوه في حديث
إسماعيل بن همام انه رأى الرضا (عليهالسلام) كذلك ، وقد
حملها الشيخ في التهذيب على حال الضرورة واستند الى اخبار عمر بن يزيد المذكورة ،
وهو جيد في مقام الجمع وان كان فيه نوع بعد.
وعن عمار بن موسى في الموثق عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «سألته
عن صلاة المغرب إذا حضرت هل يجوز ان تؤخر ساعة؟ قال لا بأس ان كان صائما أفطر وان
كانت له حاجة قضاها ثم صلى».
فهذه جملة من الاخبار الواردة في هذا المضمار والمفهوم
منها ان الوقت بالنسبة إلى المغرب ثلاثة أقسام : الأول إلى مغيب الشفق والثاني إلى
ربع الليل أو ثلثه والثالث الى ما قبل الانتصاف بقدر العشاء ، والجمع بينها يقتضي
حمل الوقت الأول على الفضيلة أو الاختيار على الخلاف المتقدم ، وقد عرفت ان الثاني
هو الظاهر من الاخبار واليه أيضا تشير اخبار هذه المسألة كما لا يخفى على المتأمل
في مضامينها ، والوقت الثاني على الاجزاء كما هو المشهور أو الاضطرار كما هو
المختار ، والثالث كسابقه إلا انه للأشد ضرورة كنوم ونسيان وحيض ونحوها على
المختار أو الاجزاء وان كان تضييعا على القول الآخر
إذا عرفت ذلك فاعلم ان السيد السند (قدسسره) في المدارك ـ
بعد ان ذكر القول الذي قدمنا نقله عنه واختاره من امتداد وقت الفضيلة إلى ذهاب
الشفق والاجزاء للمختار الى ان يبقى للانتصاف قدر العشاء وللمضطر الى ان يبقى قدر
ذلك من
__________________
(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 19 من المواقيت.
الليل ـ استدل عليه فقال : لنا على
الحكم الأول صحيحة إسماعيل بن جابر ثم ذكر موثقة إسماعيل التي قدمناها ـ ووصفه لها
بالصحة الظاهر انه سهو منه (قدسسره) فان في
طريقها الحسن بن محمد بن سماعة كما لا يخفى على من راجع التهذيب ـ ثم صحيحة علي بن
يقطين المتقدمة ، ثم قال : وهما محمولان اما على وقت الفضيلة أو الاختيار إذ لا
قائل بان ذلك آخر الوقت مطلقا ، والدليل على إرادة الفضيلة قوله (عليهالسلام) (1) في صحيحة ابن
سنان «لكل صلاة وقتان وأول الوقتين أفضلهما». وظهور تناول الروايات المتضمنة
لامتداد الوقت الى الانتصاف للمختار وغيره ، وامتداد وقت المضطر الى آخر الليل على
ما سنبينه فلا يمكن حمل روايات الانتصاف عليه. ولنا على الحكم الثاني أعني امتداد
وقت الاجزاء للمختار الى ان يبقى للانتصاف قدر العشاء قول ابي جعفر (عليهالسلام) في صحيحة
زرارة (2) «ففي ما بين
زوال الشمس الى غسق الليل اربع صلوات سماهن الله تعالى وبينهن ووقتهن وغسق الليل
انتصافه». ثم نقل صحيحة عبيد بن زرارة ومرسلة داود بن فرقد ، الى ان قال : ولنا
على الحكم الثالث اعني امتداد وقتها للمضطر الى ان يبقى من الليل قدر العشاء ما
رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «ان نام
رجل أو نسي ان يصلي المغرب والعشاء الآخرة فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما
كلتيهما فليصلهما فان خاف ان تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء وان استيقظ بعد الفجر
فليصل الصبح ثم المغرب ثم العشاء قبل طلوع الشمس». وأجاب العلامة (قدسسره) في المنتهى
عن هذه الرواية بحمل القبلية على ما قبل الانتصاف ، وهو بعيد جدا ولكن لو قيل
باختصاص هذا الوقت بالنائم والناسي كما هو مورد الخبر كان وجها قويا. انتهى.
أقول : فيه (أولا) ان ما ذكره دليلا على إرادة الفضيلة
دون الاختيار من
__________________
(1) الوسائل الباب 3 من المواقيت.
(2) الوسائل الباب 2 من أعداد الفرائض.
(3) رواه في الوسائل في الباب 62 من أبواب المواقيت.
الصحيحتين المذكورتين مردود بما قدمنا
تحقيقه من عدم ظهورهما في الدلالة ، ولا يخفى على المتأمل في ما قدمناه من الأخبار
ظهور دلالتها على ان التأخير عن غيبوبة الشفق انما هو في مقام العذر كالسفر
والحوائج ونحوهما ، ومنها صحيحة علي بن يقطين التي ذكرها فإنها دلت على نفي البأس
في السفر المؤذن بثبوته في الحضر كما أشار إليه ذيل الخبر المذكور وقوله في موثقة
جميل بعد قول السائل : يصلي المغرب بعد سقوط الشفق؟ «لعلة لا بأس» ونحوهما غيرهما
مما تقدم.
و (ثانيا) ـ ان ما استدل به على الحكم الثاني من قول ابي
جعفر (عليهالسلام) في صحيحة
زرارة «ففي ما بين زوال الشمس. الى آخره» فقد اعترضه الفاضل الخراساني في الذخيرة
ـ مع انه من التابعين له في هذه المسألة وغيرها غالبا ـ بما صورته : وفيه نظر لانه
لا يمكن حمل الخبر على ان مجموع الوقت وقت لمجموع الصلوات الأربع إلا بارتكاب
التخصيص وليس الحمل على ان المجموع وقت للمجموع ولو على سبيل التوزيع أبعد منه.
انتهى.
و (ثالثا) ـ ان ما استدل به على الحكم الثالث من صحيحة
عبد الله بن سنان فإنه محل نظر كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى.
وينبغي ان يعلم أولا ان الاخبار الدالة على هذا القول
ليست منحصرة في الصحيحة التي ذكرها كما ربما يتوهم بل هنا أخبار عديدة إلا انها
مشتركة في ضعف السند باصطلاحه ، ولعله لهذه العلة اقتصر على هذه الرواية لصحة
سندها أو انه لم يطلع على تلك الاخبار وقت التأليف وإلا لعدها من المؤيدات كما هي
قاعدته في غير موضع ولعله الأقرب.
ومن الاخبار المشار إليها رواية عبيد بن زرارة عن ابي
عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «لا
تفوت الصلاة من أراد الصلاة لا تفوت صلاة النهار حتى تغيب الشمس
__________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 10 من المواقيت.
ولا صلاة الليل حتى يطلع الفجر ولا
صلاة الفجر حتى تطلع الشمس».
ورواية أبي بصير عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «ان نام
الرجل ولم يصل صلاة المغرب والعشاء أو نسي فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما
كلتيهما فليصلهما وان خشي ان تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة. الحديث».
ورواية عبد الله بن سنان عنه (عليهالسلام) (2) قال : «إذا
طهرت المرأة قبل غروب الشمس فلتصل الظهر والعصر وان طهرت من آخر الليل فلتصل
المغرب والعشاء».
ورواية داود الزجاجي عن ابي جعفر (عليهالسلام) (3) قال : «إذا
كانت المرأة حائضا فطهرت قبل غروب الشمس صلت الظهر والعصر وان طهرت من آخر الليل
صلت المغرب والعشاء الآخرة».
ورواية عمر بن حنظلة عن الشيخ (عليهالسلام) (4) قال : «إذا
طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلت المغرب والعشاء وان طهرت قبل ان تغيب الشمس صلت
الظهر والعصر».
ورواية أبي الصباح الكناني عن الصادق (عليهالسلام) (5) قال : «إذا
طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلت المغرب والعشاء وان طهرت قبل ان تغيب الشمس صلت
الظهر والعصر».
هذا ما وقفت عليه من الاخبار التي تصلح لان تكون مستندا
لهذا القول ، والظاهر عندي ان هذه الاخبار انما خرجت مخرج التقية فلا تصلح
للاعتماد عليها في تأسيس حكم شرعي ، ولي على ذلك وجوه :
(الأول) قوله عز شأنه «أَقِمِ
الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ» (6) وجه الدلالة ما ورد عن أصحاب البيت
الذي نزل ذلك القرآن فيه فهم
__________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 62 من المواقيت.
(2 و 3 و 4 و 5) الوسائل الباب 49 من الحيض.
(6) سورة بني إسرائيل ، الآية 80.
اعرف الناس بظاهره وخافية من ان هذه
الآية قد جمعت الأوقات كلها فروى المشايخ الثلاثة والعياشي في تفسيره بأسانيدهم
الصحيحة عن الباقر (عليهالسلام) (1) «انه سئل عما
فرض الله من الصلوات فقال خمس صلوات بالليل والنهار. فقيل هل سماهن الله تعالى
وبينهن في كتابه؟ قال نعم قال الله تعالى لنبيه (صلىاللهعليهوآله) «أَقِمِ
الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ» ودلوكها زوالها
ففي ما بين دلوك الشمس الى غسق الليل اربع صلوات سماهن الله تعالى وبينهن ووقتهن
وغسق الليل انتصافه ، ثم قال وقرآن الفجر ان قرآن الفجر كان مشهودا. فهذه الخامسة».
وفي رواية عبيد بن زرارة عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) «في قوله تعالى
أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ
... قال ان الله تعالى افترض اربع صلوات أول وقتها من زوال
الشمس الى انتصاف الليل ، الى ان قال ومنها صلاتان أول وقتهما من غروب الشمس الى
انتصاف الليل إلا ان هذه قبل هذه». وروى العياشي عنهما (عليهماالسلام) (3) «ان هذه الآية
جمعت الصلوات كلها ودلوك الشمس زوالها وغسق الليل انتصافه ، وقال انه ينادي مناد
من السماء كل ليلة إذا انتصف الليل : من رقد عن صلاة العشاء في هذه الساعة فلا
نامت عيناه. الحديث». ومن ذلك يعلم ان الوقت الزائد على هذا المقدار المذكور في
الآية للعشاءين خارج عن الأوقات المحدودة في القرآن وكل ما خالف القرآن يضرب به
عرض الحائط كما استفاضت به اخبارهم (عليهمالسلام) من عرض
الاخبار على القرآن فيؤخذ بما وافقه وما خالفه يضرب به عرض الحائط (4).
(الثاني) ان الاخبار الواردة في الأوقات على تعددها
وانتشارها لم يتضمن شيء منها الإشارة الى هذا الوقت فضلا عن التصريح به وقد عرفت
وستعرف اشتمالها
__________________
(1) الوسائل الباب 2 من أعداد الفرائض.
(2) الوسائل الباب 10 من المواقيت.
(3) المستدرك الباب 14 من المواقيت.
(4) الوسائل الباب 9 من صفات القاضي وما يقضى به.
على جملة الأوقات اختياريها وضروريها
، وغاية ما دلت عليه بالنسبة إلى العشاءين امتدادهما الى الانتصاف وهو غاية
الاضطرار أو الأجزاء ، فلو كان هنا وقت آخر لأشير إليه في شيء منها.
(الثالث) انه من القواعد المقررة والضوابط المأثورة
المعتبرة عن أهل البيت (عليهمالسلام) عرض الاخبار
عند الاختلاف بل مطلقا على مذهب العامة والأخذ بخلافه (1) والاخبار التي
قدمناها مع مخالفتها لظاهر القرآن كما عرفت موافقة لمذهب العامة لأن ذلك مذهب
أئمتهم الأربعة على اختلاف بينهم في ذلك ، فبعض منهم جعل هذا الوقت وقتا للمضطر
كما ذهب اليه المحقق والسيد السند ومن تبعهما ، وحكى هذا القول في المعتبر عن
الشافعي واحمد (2) وبعضهم جعله
وقتا للمختار ، ونقله في المعتبر عن أبي حنيفة ومالك (3) ونظير هذه
الروايات التي أسلفناها في الحائض قد ورد ايضا من طريقهم من امتداد وقتها الى قبل
الغروب بيسير جدا بالنسبة إلى الظهرين والى قبل الفجر بيسير بالنسبة إلى العشاءين
، قال في المعتبر : قال الشافعي ومالك واحمد إذا طهرت قبل الغروب لزمها الفريضتان
، ولو طهرت قبل الفجر لزمها المغرب والعشاء ، لما رواه الأثرم وابن المنذر
بإسنادهما عن عبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عباس انهما قالا في الحائض تطهر قبل
طلوع الفجر بركعة تصلي المغرب والعشاء وإذا طهرت قبل غروب الشمس صلت الظهر والعصر
جميعا. وعن احمد ان القدر الذي يتعلق به الوجوب إدراك تكبيرة
__________________
(1) الوسائل الباب 9 من صفات القاضي وما يقضى به.
(2) كما في الوجيز للغزالى الشافعي ج 1 ص 20 والمغني لابن
قدامة الحنبلي ج 1 ص 384.
(3) في البدائع فقه الحنفية ج 1 ص 124 «آخر العشاء حين يطلع
الفجر عندنا واوله حين يغيب الشفق وهو البياض» وفي الفقه على المذاهب الأربعة ج 1
ص 157 «عند المالكية أول العشاء الاختياري حين يغيب الشفق الأحمر إلى ثلث الليل
والضروري بعد ذلك الى ان يبقى من طلوع الشمس ما لا يسع إلا ركعتي الصبح».
الإحرام ، وعن الشافعي قدر ركعة لأنه
القدر الذي روى عن عبد الرحمن وابن عباس (1) ثم استدل في المعتبر على بطلان ما
ذهبوا اليه وأطال ، الى ان قال : وما ذكره الجمهور من قصة عبد الرحمن وابن عباس لا
حجة فيه لجواز ان يكون ما قالاه اجتهادا ، على انا نحمل ذلك على الاستحباب وقد روى
في اخبار أهل البيت (عليهمالسلام) ما يماثله ،
ثم نقل رواية أبي الصباح ورواية عبيد بن زرارة (2) ورواية عمر بن حنظلة. وظاهره كما ترى
حمل هذه الروايات على الاستحباب تفصيا من الاشكال الوارد في المقام وهو التكليف
بعبادة في وقت لا يسعها كما ذهب إليه العامة ، هذا كلامه في مبحث الحيض ، وفي مبحث
الأوقات استند إليها في الدلالة على امتداد وقت المضطر الى قبل الفجر واتخذه مذهبا
مع مخالفة رواياته ـ كما عرفت ـ لجملة روايات الأوقات الواردة في الباب ومضادتها
لآيات الكتاب وموافقتها للعامة كما كشفنا عنه نقاب الإبهام والارتياب. وبالجملة
فإن كلامه في مبحث الحيض مخالف لكلامه في مبحث الأوقات ، وظهور التقية في الاخبار
المذكورة ومخالفة ظاهر الكتاب مما لا مجال لإنكاره فلا وجه للاعتماد عليها. والعجب
كل العجب منهم (قدس الله أرواحهم ونور أشباحهم) انه مع استفاضة الأخبار بهاتين
القاعدتين كيف ألغوهما في جميع أبواب الفقه وعكفوا في مقابلتهما على قواعد لم يرد
بها سنة ولا كتاب؟ ولا سيما ما تكرر في كلامهم من الجمع بين الاخبار بالحمل على
الكراهة والاستحباب ، ولم أر من تنبه الى بعض ما ذكرناه في هذا المقام سوى شيخنا
الشهيد الثاني في كتاب روض الجنان حيث قال بعد نقل الخلاف في المسألة : وللأصحاب
أن يحملوا الروايات الدالة على الامتداد الى الفجر على التقية لإطباق الفقهاء
الأربعة عليه وان اختلفوا في كونه آخر وقت الاختيار أو الاضطرار (3) وهو محمل حسن
في الخبرين المتعارضين إذا أمكن حمل أحدهما عليها كما ورد به النص عنهم (عليهمالسلام) (4).
__________________
(1) كما في المغني ج 1 ص 396.
(2) الصحيح (عبد الله بن سنان).
(3) التعلية 2 و 3 ص 185.
(4) الوسائل الباب 9 من صفات القاضي وما يقضى به.
(الرابع) ـ الأخبار الدالة على ذم النائم عن صلاة العتمة
إلى الانتصاف وامره بالقضاء بعد الانتصاف وامره بصيام ذلك اليوم عقوبة وامره
بالاستغفار ، فمن ذلك الخبر المتقدم نقله عن العياشي في الوجه الأول ، ومنها ما
رواه الصدوق مرسلا عن ابي جعفر (عليهالسلام) (1) قال : «ملك
موكل يقول من بات عن العشاء الآخرة الى نصف الليل فلا أنام الله عينه». ورواه في
كتاب العلل مسندا في الصحيح عندي عن صفوان ابن يحيى عن موسى بن بكر عن زرارة عن
ابي جعفر (عليهالسلام) (2) إلا ان فيه «من
نام عن العشاء». وهو أظهر. وروى الشيخ بسنده الى ابي بصير عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (3) في حديث قال :
«وأنت في رخصة الى نصف الليل وهو غسق الليل فإذا مضى الغسق نادى ملكان : من رقد عن
صلاة المكتوبة بعد نصف الليل وهو غسق الليل فإذا مضى الغسق نادى ملكان : من رقد عن
صلاة المكتوبة بعد نصف الليل وهو غسق الليل فإذا مضى الغسق نادى ملكان : من رقد عن
صلاة المكتوبة بعد نصف الليل فلا رقدت عيناه». ونحوه في كتاب المجالس وكتاب
المحاسن. وفي الموثق عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «العتمة
إلى ثلث الليل أو الى نصف الليل وذلك التضييع». وروى الصدوق في الفقيه مرسلا (5) قال : «وروى
في من نام عن العشاء الآخرة الى نصف الليل انه يقضي ويصبح صائما عقوبة وانما وجب
ذلك لنومه عنها الى نصف الليل». قال المحدث الكاشاني في أبواب الأوقات من الوافي :
ستأتي هذه الرواية مسندة في كتاب الصيام (6) وفي الصحيح عن عبد الله بن مسكان رفعه
الى ابي عبد الله (عليهالسلام) (7) قال : «من نام
قبل ان يصلي العتمة فلم يستيقظ حتى يمضي نصف الليل فليقض صلاته ويستغفر الله». وفي
الصحيح عن عبد الله بن المغيرة عن من حدثه عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (8) «في رجل نام عن
العتمة فلم يقم إلا بعد انتصاف الليل؟ قال يصليها ويصبح صائما». وقد ذهب الى وجوب
الصوم هنا المرتضى (رضياللهعنه) مدعيا
الإجماع عليه
__________________
(1 و 2 و 5 و 7 و 8) الوسائل الباب 29 من المواقيت.
(3) الوسائل الباب 21 و 17 من المواقيت.
(4) الوسائل الباب 17 من المواقيت.
(6) رواه في الوسائل في الباب 29 من أبواب المواقيت.
وتبعه العلامة ، وهو الظاهر من الصدوق
في الفقيه حيث رواه وذكر وجوب ذلك ، وهو اما من كلامه فيكون صريحا في كونه مذهبا
له أو يكون من الرواية فيكون ظاهره ذلك ولم أقف على من نسب ذلك اليه مع ان الكلام
على كلا الوجهين ظاهر الدلالة عليه ، ومن ذلك يظهر لك انه لو كان الوقت ممتدا شرعا
بالنسبة إلى المضطر الى طلوع الفجر وان الصحيحة التي اعتمدها في المدارك وأمثالها
من الاخبار التي ذكرناها كذلك انما خرجت هذا المخرج لم يترتب على النائم عنها الى
الانتصاف ما تضمنته هذه الاخبار من الذم والدعاء عليه والقضاء الذي هو شرعا عبارة
عن فعل الشيء خارج وقته والصوم عقوبة والاستغفار سيما ان النائم غير مخاطب حال
النوم ، فكيف يترتب عليه ما ذكر ووقته ممتد الى الفجر لمكان العذر؟ وبما ذكرناه من
هذه الوجوه الظاهرة البيان الساطعة البرهان يظهر لك ما في كلام أولئك الأعيان من
النظر الناشئ عن عدم التأمل حقه في الاخبار والخروج عن القواعد المقررة عن الأئمة
الأطهار الأبرار (صلوات الله عليهم آناء الليل وأطراف النهار) والله العالم.
(الخامس) ـ ان مقتضى ما ذكروه ـ كما قدمنا نقله عن
المدارك ـ ان للمغرب أوقاتا ثلاثة : وقت الفضيلة وهو الى ذهاب الشفق ووقت الاجزاء
الى انتصاف الليل ووقت المضطر الى الفجر ، والروايات قد استفاضت بان لكل صلاة
وقتين وأول الوقتين أفضلهما كما تقدم شطر منها ، وهذان الوقتان ـ بناء على المشهور
كما تقدم تحقيقه ـ الأول منهما للفضيلة والثاني للاجزاء وعلى القول الآخر الأول
للمختار والثاني لأصحاب الاعذار والاضطرار ، وهذا ـ بحمد الله سبحانه ـ ظاهر من
الاخبار وكلام علمائنا الأبرار لا يقبل الإنكار فالقول بالوقت الثالث خارج عن ذلك
، وجعل الثاني للاجزاء والثالث للاضطرار خارج عما تقرر في الاخبار في سائر الأوقات
، إذ وصف الثاني بكونه وقت اجزاء كما هو المشهور أو وقت اضطرار كما هو القول الآخر
يرجع الى أمر واحد والتغاير انما هو بالاعتبار لا انهما وقتان متعددان. وبالجملة
فما ذكروه مجرد تخريج لما توهموه من العمل بظواهر
هذه الأخبار وسموه بهذه التسمية.
والله العالم.
(المسألة العاشرة) ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله
عليهم) ان أول وقت العشاء إذا مضى من غروب الشمس قدر ثلاث ركعات واليه ذهب السيد
المرتضى والشيخ في الاستبصار والجمل وابن بابويه وابن الجنيد وأبو الصلاح وابن
البراج وابن زهرة وابن إدريس ومن تأخر عنه ، ونسبه العلامة في المنتهى الى ابن ابي
عقيل ايضا مع انه في المختلف نسب اليه القول الآتي ، وقال الشيخان أول وقتها
غيبوبة الشفق ونسبه في المختلف الى ابن ابي عقيل وسلار ، وهو أحد قولي المرتضى على
ما نقله بعض الأصحاب أيضا
احتجاج جملة من الأصحاب على القول المشهور بجملة من
الاخبار : منها ـ ما رواه الصدوق في الفقيه عن زرارة في الصحيح عن ابي جعفر (عليهالسلام) (1) قال : «إذا
غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء الآخرة».
وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبيد بن زرارة عن ابي عبد
الله (عليهالسلام) (2) في حديث قال :
«ومنها صلاتان أول وقتهما من غروب الشمس الى انتصاف الليل إلا ان هذه قبل هذه».
وعن عبيد بن زرارة عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «إذا
غربت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلا ان هذه قبل هذه».
وعن عبيد بن زرارة عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «إذا
غربت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين الى نصف الليل إلا ان هذه قبل هذه».
وما رواه الصدوق في الفقيه مرسلا (5) قال : «قال
الصادق (عليهالسلام) إذا غابت
الشمس حل الإفطار ووجبت الصلاة وإذا صليت المغرب فقد دخل وقت العشاء الآخرة إلى
انتصاف الليل».
__________________
(1) الوسائل الباب 4 من المواقيت.
(2) الوسائل الباب 10 من المواقيت.
(3) الوسائل الباب 17 من المواقيت.
(4 و 5) الوسائل الباب 16 من المواقيت.
وما رواه في الكافي والتهذيب عن إسماعيل بن مهران قال :
كتبت الى الرضا (عليهالسلام) وقد تقدمت في
صدر المسألة السابقة ، ورواية داود بن فرقد عن بعض أصحابنا عن ابي عبد الله (عليهالسلام) وقد تقدمت
ثمة أيضا.
وما رواه الشيخ في الموثق عن زرارة (1) قال : «سألت
أبا جعفر وأبا عبد الله (عليهماالسلام) عن الرجل
يصلي العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق؟ فقال لا بأس به».
واستدل في المدارك ايضا على ذلك بما رواه الشيخ في
الموثق عن عبيد الله وعمران ابني علي الحلبي (2) قالا «كنا نختصم في الطريق في الصلاة
صلاة العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق وكان منا من يضيق بذلك صدره فدخلنا على ابي عبد
الله (عليهالسلام) فسألناه عن
صلاة العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق فقال لا بأس بذلك».
وفي الصحيح عن ابي عبيدة (3) قال : «سمعت
أبا جعفر (عليهالسلام) يقول كان
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) إذا كانت
ليلة مظلمة وريح ومطر صلى المغرب ثم مكث قدر ما يتنفل الناس ثم أقام مؤذنه ثم صلى
العشاء ثم انصرفوا».
وعن عبيد الله الحلبي عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «لا بأس
ان تؤخر المغرب في السفر حتى يغيب الشفق ، ولا بأس بأن تعجل العتمة في السفر قبل
ان يغيب الشفق».
أقول : ومن هذا القبيل ما تقدم في موثقة جميل بن دراج (5) من قوله : «قلت
فالعشاء الآخرة قبل ان يسقط الشفق؟ فقال لعلة لا بأس».
ثم قال في المدارك : وجه الدلالة انه لو لا دخول وقت
العشاء قبل ذهاب الشفق لما جاز تقديمها عليه مطلقا كما لا يجوز تقديم المغرب على
الغروب.
احتج الشيخان ـ على ما نقله في المدارك والمختلف ـ بصحيحة
الحلبي (6) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) متى تجب
العتمة؟ قال إذا غاب الشفق والشفق الحمرة».
__________________
(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 22 من المواقيت.
(5) ص 179.
(6) الوسائل الباب 23 من المواقيت.
وصحيحة بكر بن محمد عن ابي عبد الله (عليهالسلام) في حديث قد
تقدم (1) قال فيه «وأول
وقت العشاء ذهاب الحمرة وآخر وقتها الى غسق الليل يعني نصف الليل». وزاد في
المختلف نقلا عنهما ، ولأن الإجماع واقع على ان ما بعد الشفق وقت العشاء ولا إجماع
على ما قبله فوجب الاحتياط لئلا يصلى قبل دخول الوقت ، ولأنها عبادة موقتة فلا بد
لها من ابتداء مضبوط وإلا لزم تكليف ما لا يطاق وأداء المغرب غير منضبط فلا يناط
به وقت العبادة. انتهى.
أقول : ظاهر كلاميهما ولا سيما مع ما ذكره هنا من
الاحتجاج في المختلف ان مراد الشيخين (طاب ثراهما) بما نقل عنهما ان غيبوبة الشفق
هو الوقت الحقيقي للعشاء وان صلاتها قبله كصلاة المغرب قبل الغروب والظهر قبل
الزوال.
وهو عندي محل نظر من وجوه : (اما أولا) فمن البعيد بل
المقطوع ببطلانه عدم اطلاع الشيخين على الاخبار المتقدمة المستفيضة الدالة على
دخول الوقتين بغروب الشمس إلا ان هذه قبل هذه ونحوها مما دل على جواز صلاة العشاء
قبل غيبوبة الشفق ، وأبعد منه وأشد بطلانا اطراحها وإلغاؤها بالكلية بعد الوقوف
عليها ولا محمل لها على تقدير هذا القول بالمرة.
(واما ثانيا) فلان الشيخ في النهاية قد جوز تقديم العشاء
قبل غيبوبة الشفق في السفر وعند الاعذار ، حيث قال بعد ان ذكر ان وقت العشاء
الآخرة سقوط الشفق وآخره ثلث الليل : ويجوز تقديم العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق في
السفر وعند الاعذار ولا يجوز ذلك مع الاختيار. وقال الشيخ المفيد في المقنعة : ولا
بأس بان يصلي العشاء الآخرة قبل مغيب الشفق عند الضرورات. وجوز في التهذيب تقديمها
إذا علم أو ظن انه ان لم يصل في هذا الوقت لم يتمكن منها بعده. وكلامه هذا يدل على
كون هذا الوقت الذي نقل عنه في هذه المسألة انما أريد به الوقت الموظف لذوي الاختيار
دون
__________________
(1) ص 172.
ذوي الاعذار وهذا هو الذي تنطبق عليه
الأخبار الجارية في هذا المضمار ، فمرجع كلاميهما الى ان هذا الوقت الموظف لهم ليس
لهم التقديم عليه إلا لعذر ، وحينئذ فلا يرد عليه الاستدلال بما نقلناه عن المدارك
من الأخبار فإنها صريحة في أصحاب الاعذار.
واما ما ذكره العلامة في المختلف من الأدلة الاعتبارية
فالظاهر انها من كلامه (قدسسره) كما هي
قاعدته في الكتاب المذكور بناء على فهمه من كلام الشيخين المعنى الذي أشرنا إلى
بطلانه وقد عرفت انه مما يجب القطع ببطلانه لما ذكرنا ، غاية الأمران للعشاء دون
غيرها وقتين اضطراريين أحدهما باعتبار المبدأ والآخر باعتبار المنتهى كما يأتي في
المسألة الآتية ان شاء الله تعالى.
ثم انه على تقدير ما ذكرناه من حمل كلام الشيخين على ان
المراد بكون غيبوبة الشفق أول وقت العشاء الآخرة يعني وقت فضيلتها وانه لا تقدم على
ذلك إلا لعذر كالسفر ونحوه فيجب حمل الأخبار التي استند إليها مما قدمنا ذكره على
ذلك أيضا ، إلا انه قد ورد في الأخبار ما يدل على الجواز من غير عذر ولا علة مثل
موثقة زرارة المتقدمة هنا ، وما رواه الشيخ في الموثق الذي هو كالصحيح عن عبد الله
بن بكير عن زرارة عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «صلى
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) بالناس الظهر
والعصر حين زالت الشمس في جماعة ، من غير علة وصلى بهم المغرب والعشاء الآخرة قبل
سقوط الشفق من غير علة في جماعة وانما فعل ذلك رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ليتسع الوقت
على أمته». وعن إسحاق بن عمار (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) يجمع بين
المغرب والعشاء في الحضر قبل ان يغيب الشفق من غير علة؟ قال لا بأس». وما رواه
الصدوق في الفقيه في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن الصادق (عليهالسلام) (3) «ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) جمع بين
الظهر والعصر بأذان وإقامتين وجمع بين المغرب والعشاء في الحضر من غير علة بأذان
وإقامتين». ويؤيده
__________________
(1 و 2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 32 من المواقيت.
إطلاق ما رواه في التهذيب في الصحيح
عن رهط : منهم ـ الفضيل وزرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) (1) «ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) جمع بين
الظهر والعصر وكذلك المغرب والعشاء الآخرة بأذان واحد وإقامتين». والظاهر حمل هذه
الروايات على الرخصة كما يشير اليه قوله (عليهالسلام) «وانما فعل
ذلك رسول الله (صلىاللهعليهوآله). الى آخره»
وان كان الأفضل الانتظار إلى غيبوبة الشفق وانه لا يقدم قبل ذلك إلا مع العذر كما
تقدم في جملة من الأخبار ، وتطرق احتمال الحمل على التقية إلى روايات الشيخين قائم
فإن التأخير الى هذا الوقت وعدم الصلاة قبله مذهب العامة قديما وحديثا كما لا يخفى
(2) والله العالم.
(المسألة الحادية عشرة) ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان
الله عليهم) ان وقت العشاء الآخرة يمتد الى نصف الليل وهو اختيار السيد المرتضى
وابن الجنيد وسلار وابن زهرة وابن إدريس وجمهور المتأخرين ، وقال الشيخ المفيد
آخره ثلث الليل وهو قول الشيخ في النهاية والجمل والخلاف والاقتصاد ، وقال في
المبسوط آخره ثلث الليل للمختار وللمضطر نصف الليل ، وجعل في الخلاف والاقتصاد نصف
الليل رواية ، وفي النهاية آخره ثلث الليل ولا يجوز تأخيره إلى آخر الوقت إلا لعذر
وقد رويت رواية ان آخر وقت العشاء الآخرة ممتد الى نصف الليل والأحوط ما قدمناه.
قال في المختلف بعد نقل ذلك : وهذا يدل على ان وقت المضطر عنده ثلث الليل. وقال
ابن حمزة كقوله في المبسوط وقال ابن ابي عقيل أول وقت العشاء الآخرة مغيب الشفق
والشفق الحمرة لا البياض فان جاوز ذلك حتى دخل ربع الليل فقد دخل في الوقت الأخير
وقد روى الى نصف الليل وقال ابن البراج كقول المفيد ، ونقل الشيخ في المبسوط عن
بعض علمائنا ان آخره للمضطر طلوع الفجر ، ونقل عنه انه قال في موضع من كتاب الخلاف
لا خلاف بين أهل
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 32 من أبواب المواقيت.
(2) كما في البدائع ج 1 ص 124 والفقه على المذاهب الأربعة ج 1
ص 157.
العلم في ان أصحاب الأعذار إذا أدرك
أحدهم قبل طلوع الفجر الثاني مقدار ركعة انه يلزمه العشاء الآخرة ، وقد تقدم في
المسألة التاسعة اختيار المحقق وصاحب المدارك لهذا القول وتبعهما جملة من متأخري
المتأخرين. والأظهر عندي هو امتداد وقت المضطر والمعذور الى نصف الليل وغيرهما الى
ثلث الليل أو ربعه.
ومن اخبار المسألة صحيحة زرارة ورواية عبيد بن زرارة
المتضمنتان لتفسير الآية وقد تقدمنا في الوجه الأول من الوجوه المتقدمة في المسألة
التاسعة ، ومنها ـ رواية عبيد بن زرارة ومرسلة داود بن فرقد المتقدمتان أيضا في
صدر المسألة المذكورة. ومنها ـ صحيحة بكر بن محمد وقد تقدمت في المسألة الثامنة
وفيها : «وأول وقت العشاء ذهاب الحمرة وآخر وقتها الى غسق الليل يعني نصف الليل». وما
رواه في الفقيه مرسلا قال : قال الصادق (عليهالسلام) وقد تقدمت في
روايات المسألة العاشرة وفيها «وإذا صليت المغرب فقد دخل وقت العشاء الآخرة إلى
انتصاف الليل». وروى في التهذيب عن المعلى بن خنيس عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «آخر
وقت العتمة نصف الليل». وفي كتاب الفقه الرضوي (2) «وآخر وقت
العتمة نصف الليل وهو زوال الليل». وهذه الأخبار كلها دالة على الامتداد الى نصف
الليل مطلقا.
ومنها ـ الروايات الواردة في نزول جبرئيل على رسول الله (صلىاللهعليهوآله) بتحديد
الأوقات وهي موثقة معاوية بن وهب ورواية معاوية بن ميسرة ورواية المفضل ابن عمر
ورواية ذريح (3) وقد اشترك
الجميع في الدلالة على انه أتاه في اليوم الأول في وقت العشاء حين سقط الشفق وفي
اليوم الثاني حين ذهب ثلث الليل ثم قال له : «ما بين هذين الوقتين وقت» وفي رواية
ذريح (4) «وأفضل الوقت
اوله ، ثم قال قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لو لا اني
اكره أن أشق على أمتي لأخرتها الى نصف الليل».
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 17 من أبواب المواقيت.
(2) ص 2.
(3) ص 127.
(4) التهذيب ج 1 ص 208 وفي الوسائل الباب 10 من المواقيت.
وروى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن عبد الله بن سنان (1) قال : «سمعت
أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول أخر
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ليلة من
الليالي العشاء الآخرة ما شاء الله فجاء عمر فدق الباب فقال يا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) نام النساء
نام الصبيان فخرج رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فقال ليس لكم
ان تؤذوني ولا تأمروني إنما عليكم ان تسمعوا وتطيعوا».
وعن ابي بصير في الموثق عن ابي جعفر (عليهالسلام) (2) قال : «قال
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لو لا اني
أخاف ان أشق على أمتي لأخرت العتمة إلى ثلث الليل ، وأنت في رخصة الى نصف الليل
وهو غسق الليل فإذا مضى الغسق نادى ملكان من رقد عن صلاة المكتوبة بعد نصف الليل
فلا رقدت عيناه». ورواه في الكافي عن ابي بصير (3) الى قوله «ثلث الليل» ثم قال الكليني
«وروى الى ربع الليل».
وروى الصدوق بإسناده في الصحيح عن معاوية بن عمار (4) في رواية «ان
وقت العشاء الآخرة إلى ثلث الليل». قال الصدوق : وكأن الثلث هو الأوسط والنصف هو
آخر الوقت.
وروى في كتاب العلل عن ابي بصير عن ابي جعفر (عليهالسلام) (5) قال : «قال
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لو لا ان أشق
على أمتي لأخرت العشاء الى نصف الليل».
وعن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (6) قال : «قال
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لو لا نوم
الصبي وعلة الضعيف لأخرت العتمة إلى ثلث الليل».
وروى الشيخ في التهذيب في الموثق عن الحلبي عن ابي عبد
الله (عليهالسلام) (7) قال : «العتمة
إلى ثلث الليل أو الى نصف الليل وذلك التضييع».
__________________
(1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6) الوسائل الباب 21 من أبواب المواقيت.
(7) رواه في الوسائل في الباب 17 من أبواب المواقيت.
وعن زرارة (1) قال : «سمعت أبا جعفر (عليهالسلام) يقول كان
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لا يصلي من
النهار شيئا حتى تزول الشمس ، الى ان قال ويصلي المغرب حين تغيب الشمس فإذا غاب الشفق
دخل وقت العشاء وآخر وقت المغرب إياب الشفق فإذا آب الشفق دخل وقت العشاء وآخر وقت
العشاء ثلث الليل. الحديث».
وفي كتاب نهج البلاغة (2) في كتاب كتبه
أمير المؤمنين (عليهالسلام) الى أمراء
البلاد ، الى ان قال : «وصلوا بهم العشاء الآخرة حين يتوارى الشفق الى ثلث الليل».
وروى الصدوق في كتاب الهداية مرسلا (3) قال : «قال
الصادق (عليهالسلام) إذا غابت
الشمس فقد حل الإفطار ووجبت الصلاة ووقت المغرب أضيق الأوقات وهو الى حين غيبوبة
الشفق ووقت العشاء من غيبوبة الشفق الى ثلث الليل».
وفي موضع آخر من كتاب الفقه الرضوي (4) غير الموضع
الذي قدمناه «ووقت العشاء الآخرة الفراغ من المغرب ثم الى ربع الليل وقد رخص
للعليل والمسافر فيهما الى انتصاف الليل وللمضطر الى قبل طلوع الفجر».
هذا ما حضرني من الأخبار المتعلقة بالمسألة وهي ـ كما
ترى ـ دائرة بين وقتين أحدهما ذهاب ثلث الليل وثانيهما الى نصف الليل ، وطريق
الجمع ما تقدم في غيرهما من الأوقات من جعل الأول للفضيلة كما هو المشهور أو
الاختيار كما هو القول الآخر والثاني للإجزاء أو لأصحاب الاعذار والاضطرار كما هو
ظاهر من سياق هذه الأخبار.
تنبيهان : (الأول) ـ قال شيخنا صاحب بحار الأنوار في الكتاب
المذكور بعد نقل جملة من أقوال المسألة كما قدمناه : ولعل الأقوى امتداد وقت
الفضيلة إلى ثلث الليل ووقت الاجزاء للمختار الى نصف الليل ووقت المضطر الى طلوع
الفجر فإن أخر
__________________
(1) الوسائل الباب 10 من المواقيت.
(2) شرح ابن ابى الحديد ج 4 ص 116.
(3) البحار ج 18 الصلاة ص 60.
(4) ص 7.
المختار عن نصف الليل اثم ولكنه يجب
عليه الإتيان بالعشاءين قبل طلوع الفجر أداء ، الى ان قال (فان قيل) ظاهر الآية
انتهاء وقت العشاءين بانتصاف الليل وإذا اختلفت الأخبار يجب العمل بما يوافق
القرآن (قلنا) إذا أمكننا الجمع بين ظاهر القرآن والأخبار المتنافية ظاهرا فهو
اولى من طرح بعض الأخبار ، وحمل الآية على المختارين الذين هم جل المخاطبين
وعمدتهم يوجب الجمع بينها وعدم طرح شيء منها. واما حمل أخبار التوسعة على التقية
كما فعله الشهيد الثاني (قدسسره) ، ثم نقل
كلامه الذي قدمناه ثم قال فهو غير بعيد لكن أقوالهم لم تكن منحصرة في أقوال
الفقهاء الأربعة وعندهم في ذلك أقوال منتشرة ، والحمل على التقية انما يكون في ما
إذا لم يكن محمل آخر ظاهر به يجمع بين الأخبار وما ذكرناه جامع بينها. وبالجملة
فالمسألة لا تخلو من اشكال والأحوط عدم التأخير عن تتمة الليل بعد التجاوز عن
النصف وعدم التعرض للأداء والقضاء. انتهى ملخصا.
أقول : فيه (أولا) ان ما ذكره ـ من الحمل وجمع به بين
ظاهر الآية والأخبار المنافية ـ ان سلم له في الآية بالنظر الى ظاهرها لكنه لا يتم
بالنظر الى الأخبار الواردة بتفسيرها كما تلوناها عليك آنفا فان ظاهرها انحصار
أوقات هذه الصلوات الأربع لجميع المكلفين من مختارين ومضطرين في ما بين الدلوك الى
الغسق سيما ما اشتمل عليه ذيل رواية العياشي من قوله : «وقال انه ينادي مناد من
السماء. الى آخره» فإنه ظاهر في خروج الوقت بالانتصاف حتى بالنسبة إلى النائم
وأصحاب الاضطرار عنده كالنائم وشبهه وهذه صورة الحال فيهم كما ترى ولو كان لهذا
الوقت اثر لأشير إليه في شيء منها ، وايضا لا ريب في ان الامتداد الى الغسق
بالنسبة إلى العشاءين انما جرى على الامتداد الى الغروب في الظهرين وان وقع مطويا
في الآية إلا ان اخبار تفسيرها نبهت عليه والامتداد الأول انما هو للاجزاء
والاضطرار والاعذار على القولين المتقدمين وهكذا الثاني فتخصيصه بالاجزاء كما
ادعاه دون الاضطرار نظرا الى تلك الأخبار غير جيد ، نعم يدل على ما ذكره ما تقدم
من كلامه (عليهالسلام) في كتاب
الفقه الرضوي إلا
ان الواجب حمل قوله : «وللمضطر الى
قبل طلوع الفجر» على ما حملت عليه تلك الأخبار المتقدمة لما عرفت ، على ان حكمه (عليهالسلام) بالترخيص
للعليل والمسافر في التأخير إلى انتصاف الليل لا يوافق ما ذكروه فإنهم جعلوا
التحديد الى نصف الليل للمختار وحملوه على الاجزاء كما عرفت وجعلوا وقت الامتداد
الى الفجر وقتا لأصحاب الاعذار والاضطرار فكلامه (عليهالسلام) لا ينطبق على
شيء من القولين كما ترى.
و (ثانيا) ما عرفت في ما تقدم من استفاضة الأخبار ان لكل
صلاة وقتين ومقتضى ما ذكروه ان لكل من صلاتي العشاءين ثلاثة أوقات والأخبار بما
ذكرناه مستفيضة
و (ثالثا) ان ما اشتملت عليه الأخبار التي ذكرناها في
الوجه الرابع كما أوضحناه ثمة لا يجامع القول بهذا الوقت الذي توهموه.
و (رابعا) ان اخبار العرض على مذهب العامة في مقام
اختلاف الأخبار مطلقة وتخصيصها بما ذكره هنا وكذا ما اشتهر من تقديم الجمع بين
الأخبار بالحمل على الاستحباب أو الكراهة يحتاج الى دليل وليس فليس ، وما ادعاه من
انتشار مذهب العامة ان صح فالأكثر والجمهور انما هو على القول بالامتداد الى الفجر
كما عرفت من كلام المحقق في المعتبر ومثله العلامة في المنتهى وان اختلفوا في
التخصيص بذوي الأعذار أو شمول ذلك لذوي الاختيار ، وقد ورد عنهم (عليهمالسلام) انه مع
اختلافهم تعرض الأخبار على ما عليه جمهورهم ويؤخذ بخلافه. وبالجملة فإن كلامه (قدسسره) تبعا لأولئك
القائلين وتزيينه بما ذكره لا يخفى ما فيه كما لا يخفى على المتأمل النبيه.
(الثاني) ـ قال في المدارك وربما ظهر من بعض الروايات
عدم استحباب المبادرة بالعشاء بعد ذهاب الشفق كرواية أبي بصير عن ابى جعفر (عليهالسلام) (1) قال : «قال
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لو لا انى
أخاف ان أشق على أمتي. الخبر». وقد تقدم ، ثم نقل صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة
المتضمنة لمجيء عمر ودق الباب. وفيه عندي
__________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 21 من أبواب المواقيت.
نظر وان كان قد تقدمه في ذلك الشهيد
في الذكرى ، والوجه في ذلك ان غاية ما تدل عليه الرواية الاولى انه (صلىاللهعليهوآله) أخبر انه لو
لا خوف المشقة على أمته لجعل فضيلة العشاء في التأخير إلى مضي ثلث الليل لكن لما
كان فيه مشقة عليهم لم يفعله ولم يأمر به ، لان «لو لا» تدل على انتفاء الشيء
الذي هو الجزاء لثبوت غيره الذي هو الشرط ، وهذا لا يدل على استحباب التأخير الى
ذلك المقدار حتى يكون منافيا لما دل على أفضلية أول الوقت ، بل هو بالدلالة على
خلافه أشبه لانه (صلىاللهعليهوآله) لم يشرعه ولم
يأمر به وانما هو مجرد خبر أراد به إظهار الشفقة عليهم وبيان سعة الشريعة وانها
مبنية على السهولة والسماحة ، ولو استلزم هذا الكلام ما ذكره للزم على رواية نصف
الليل كما تقدم في رواية العلل استحباب تأخير العشاء الى بعد الانتصاف الذي قد
استفاضت الأخبار بخروج الوقت به ، وبالجملة فإن الغرض من الخبر انما هو ما ذكرنا
فلا دلالة فيه على استحباب التأخير ان لم يكن فيه دلالة على العدم ، نعم آخر الثلث
هو آخر وقت الفضيلة أو الاختيار على القولين المتقدمين وما بعده الى الانتصاف هو
وقت الاجزاء على المشهور أو ذوي الأعذار على المختار ، واما الرواية الثانية
فالظاهر ان تأخيره (صلىاللهعليهوآله) تلك الليلة
بخصوصها دون سائر الليالي انما كان لعذر ويشير الى ذلك قوله (عليهالسلام) «ليلة من
الليالي» لا ان ذلك كان مستمرا منه (صلىاللهعليهوآله) حتى يتوهم
منه ما ذكره ، وربما كان التفاتهم فيما فهموه من الخبر الأول إلى انه لو لا خوف
المشقة لأوجب التأخير وجعل ذلك فرضا واجبا عليهم ولكنه لأجل الرأفة بهم لم يوجبه
وهو يومئ الى استحباب ذلك. وفيه ان حمل الخبر على الوجوب بعيد غاية البعد عن مفاد
الأخبار المستفيضة المتكاثرة المتقدمة الصريحة الدلالة في خروج وقتها بعد مضي قدر
الثلث ولا سيما اخبار نزول جبرئيل بالأوقات الدالة على ان أول وقتها غيبوبة الشفق
وآخره حين يذهب ثلث الليل» (1) إلا ان يقال
انه كان يريد نسخ ذلك في هذه الفريضة بخصوصها
__________________
(1) ص 127.
والأقرب انه انما أراد جعل ذلك وقت
فضيلة لها لا وقت وجوب ولكنه للعلة المذكورة لم يجعله. والله العالم.
(المسألة الثانية عشرة) ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان
الله عليهم) بل كافة العلماء في ان أول وقت صلاة الصبح هو طلوع الفجر الثاني وهو
المستطير في الأفق اي المنتشر فيه الذي لا يزال في زيادة ، ويقابله الفجر الأول
وهو الذي يبدو كذنب السرحان مستدقا مستطيلا الى فوق ، ويسمى هذا الكاذب لعدم
دلالته على الصبح واقعا وذلك يسمى الصادق لصدقه عن الصبح.
والمستند في ما ذكرناه الأخبار المستفيضة ، ومنها ـ ما
رواه ثقة الإسلام في الكافي عن علي بن مهزيار (1) قال : «كتب أبو الحسن بن الحصين الى
ابي جعفر الثاني (عليهالسلام) معي : جعلت
فداك قد اختلف موالوك في صلاة الفجر ، فمنهم من يصلي إذا طلع الفجر الأول المستطيل
في السماء ، ومنهم من يصلي إذا اعترض في أسفل الأفق واستبان ولست أعرف أفضل
الوقتين فأصلي فيه فان رأيت أن تعلمني أفضل الوقتين وتحده لي وكيف اصنع مع القمر
والفجر لا يتبين معه حتى يحمر ويصبح وكيف اصنع مع الغيم وما حد ذلك في السفر
والحضر فعلت ان شاء الله تعالى؟ فكتب بخطه وقرأته : الفجر يرحمك الله هو الخيط
الأبيض المعترض ليس هو الأبيض صعدا فلا تصل في سفر ولا حضر حتى تتبينه فان الله
تعالى لم يجعل خلفه في شبهة من هذا فقال : وَكُلُوا
وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ
الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ...» (2) فالخيط الأبيض
هو المعترض الذي يحرم به الأكل والشرب في الصوم وكذلك هو الذي توجب به الصلاة».
وما رواه الشيخ في التهذيب عن زرارة في الصحيح عن ابى
جعفر (عليهالسلام) (3)
__________________
(1 و 3) رواه في الوسائل في الباب 27 من أبواب المواقيت.
(2) سورة البقرة ، الآية 183.
قال : «كان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يصلي ركعتي
الصبح وهي الفجر إذا اعترض الفجر وأضاء حسنا».
وعن علي بن عطية في الحسن عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «الصبح
هو الذي إذا رأيته معترضا كأنه بياض سورى».
وعن هاشم بن الهذيل عن ابي الحسن الماضي (عليهالسلام) (2) قال : «سألته
عن وقت صلاة الفجر فقال حين يعترض الفجر فتراه مثل نهر سورى».
وعن يزيد بن خليفة عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «وقت
الفجر حين يبدو حتى يضيء». الى غير ذلك من الأخبار الآتي جملة منها ان شاء الله
تعالى في المقام.
وبالجملة فإنه لا خلاف في الحكم المذكور نصا وفتوى وانما
الخلاف في آخره فالمشهور ان آخره طلوع الشمس وبه قال السيد المرتضى وابن الجنيد
والشيخ المفيد وسلار وابن البراج وأبو الصلاح وابن زهرة وابن إدريس وعليه جمهور
المتأخرين ، وقال ابن ابي عقيل آخره للمختار طلوع الحمرة المشرقية وللمضطر طلوع
الشمس وهو اختيار ابن حمزة ، وللشيخ قولان : أحدهما كالقول الأول ذهب إليه في
الجمل والاقتصاد ، والثاني كمذهب ابن ابي عقيل اختاره في المبسوط والخلاف.
والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة ما
رواه الشيخ عن زرارة عن ابي جعفر (عليهالسلام) (4) قال : «وقت
صلاة الغداء ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس».
وعن عمار الساباطي في الموثق عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (5) «في الرجل إذا
غلبته عيناه أو عاقه أمر ان يصلي المكتوبة من الفجر ما بين ان يطلع الفجر الى
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 27 من المواقيت.
(3 و 4) الوسائل الباب 26 من المواقيت.
(5) رواه في الوسائل في الباب 26 و 30 من المواقيت.
ان تطلع الشمس وذلك في المكتوبة خاصة
فإن صلى ركعة من الغداة ثم طلعت الشمس فليتم وقد جازت صلاته».
وعن عبيد بن زرارة عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «لا
تفوت الصلاة من أراد الصلاة ، الى ان قال ولا صلاة الفجر حتى تطلع الشمس».
وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن ابي
عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «وقت
الفجر حين ينشق الفجر الى ان يتجلل الصبح السماء ولا ينبغي تأخير ذلك عمدا لكنه
وقت لمن شغل أو نسي أو نام».
وما رواه في التهذيب في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن
ابي عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «لكل
صلاة وقتان وأول الوقتين أفضلهما ووقت صلاة الفجر حين ينشق الفجر الى ان يتجلل
الصبح السماء ولا ينبغي تأخير ذلك عمدا لكنه وقت لمن شغل أو نسي أو سها أو نام.
الحديث».
وما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح أو الحسن عن عاصم
بن حميد عن ابي بصير ليث المرادي (4) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) فقلت متى
يحرم الطعام والشراب على الصائم وتحل الصلاة صلاة الفجر؟ فقال إذا اعترض الفجر
فكان كالقبطية البيضاء فثم يحرم الطعام على الصائم وتحل الصلاة صلاة الفجر. قلت أفلسنا
في وقت الى ان يطلع شعاع الشمس؟ قال هيهات اين يذهب بك؟ تلك صلاة الصبيان».
وروى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن عاصم بن حميد عن ابي
بصير المكفوف (5) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الصائم
متى يحرم عليه الطعام؟ فقال إذا كان الفجر كالقبطية البيضاء. قلت فمتى تحل الصلاة؟
فقال إذا كان كذلك. فقلت ألست في وقت من تلك الساعة الى ان تطلع الشمس؟ فقال لا
انما نعدها
__________________
(1) الوسائل الباب 10 من المواقيت.
(2 و 3) الوسائل الباب 26 من المواقيت.
(4) الوسائل الباب 27 من المواقيت.
(5) الوسائل الباب 28 من المواقيت.
صلاة الصبيان ، ثم قال انه لم يكن
يحمد الرجل ان يصلي في المسجد ثم يرجع فينبه اهله وصبيانه».
وفي كتاب الفقه الرضوي (1) قال (عليهالسلام): «أول وقت الفجر
اعتراض الفجر في أفق المشرق وهو بياض كبياض النهار وآخر وقت الفجر ان تبدو الحمرة
في أفق المغرب وقد رخص للعليل والمسافر والمضطر الى قبل طلوع الشمس».
وفي كتاب دعائم الإسلام (2) وعنه ـ يعني
عن جعفر بن محمد (عليهماالسلام) ـ قال : «أول
وقت صلاة الفجر اعتراض الفجر في أفق المشرق وآخر وقتها ان يحمر أفق المغرب وذلك
قبل ان يبدو قرن الشمس من أفق المشرق بشيء ولا ينبغي تأخيرها الى هذا الوقت لغير
عذر وأول الوقت أفضل».
هذا ما حضرني من الأخبار الواردة في المسألة ، وأنت خبير
بان مقتضى الجمع بينها بضم مطلقها الى مقيدها هو ان الحكم في هذه الصلاة كغيرها من
الصلوات المتقدمة في ان لها وقتين فعلى المشهور الوقت الأول للفضيلة والثاني
للاجزاء وعلى القول الآخر الوقت الأول للمختار والثاني لأصحاب الاعذار والاضطرار ،
وهذا هو الذي تنادي به عبارات هذه الأخبار كما لا يخفى على من جاس خلال الديار
والتقط من لذيذ هذه الثمار.
واما ما ذكره في المدارك بناء على اختياره القول المشهور
وتبعه من تبعه عليه ـ حيث قال بعد نقل القولين : والمعتمد الأول ، لنا ـ أصالة عدم
تضيق الواجب قبل طلوع الشمس وما رواه الشيخ في الموثق عن عبيد بن زرارة ، ثم أورد
موثقته المتقدمة الدالة على الامتداد الى طلوع الشمس ثم رواية زرارة المتقدمة
الدالة على ذلك ايضا ثم قال
وعن الأصبغ بن نباتة (3) قال : «قال أمير المؤمنين (عليهالسلام) من أدرك من
الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامة». ويمكن ايضا ان يستدل بصحيحة
علي بن يقطين (4) قال : «سألت
أبا الحسن (عليهالسلام) عن الرجل لا
يصلي الغداة حتى يسفر وتظهر
__________________
(1) ص 2.
(2) المستدرك الباب 20 من المواقيت.
(3) الوسائل الباب 30 من المواقيت.
(4) الوسائل الباب 51 من المواقيت.
الحمرة ولم يركع ركعتي الفجر أيركعهما
أو يؤخرهما؟ قال يؤخرهما». وجه الدلالة ان ظاهر هذا الخبر امتداد الوقت الى ما بعد
الاسفار وظهور الحمرة وكل من قال بذلك قال بامتداده الى طلوع الشمس ، ثم قال احتج
الشيخ (قدسسره) على انتهائه
للمختار بالإسفار بما رواه في الحسن عن الحلبي ، ثم ساق الرواية كما قدمناه ثم
أردفها بصحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة ، ثم قال والجواب منع دلالة الروايتين
على خروج وقت الاختيار بذلك فان لفظ «لا ينبغي» ظاهر في الكراهة ، وجعل ما بعد
الاسفار لمن شغل يقتضي عدم فوات وقت الاختيار بذلك فان الشغل أعم من الضروري ،
وبالجملة فأقصى ما تدلان عليه خروج وقت الفضيلة بذلك لا وقت الاختيار. انتهى ـ
ففيه نظر من وجوه : (الأول) ان مرجع الأصل الذي تمسك به
على عدم تضيق الواجب قبل طلوع الشمس الى عموم الدليل الدال على ان وقت الصبح من
الفجر الثاني إلى طلوع الشمس وهي الروايات التي استند إليها. وفيه ان من منع من
الامتداد الى طلوع الشمس وجعل نهاية وقته الاسفار وظهور الحمرة كما دلت عليه
إخباره التي استند إليها لا يرد عليه هذا الكلام ، لأن الأوقات الشرعية لما كانت
محدودة بحدود مقررة فكل من ثبت عنده حد معين لا يجوز تجاوزه ووجب عليه القول به
والانتهاء اليه والثابت عند أصحاب هذا القول هو التحديد بالإسفار وانتشار الصبح ،
وحينئذ فلا وجه لهذه الأصالة وهل هي إلا نوع مصادرة؟ على ان غاية ما تدل عليه
الأخبار المذكورة هو كون ذلك وقتا في الجملة كما تقدم بيانه ويكفي في صدق ذلك كونه
وقتا لذوي الأعذار كما صرحت به الأخبار ، وبالجملة فالأخبار في المسألة ما بين
مطلق ومقيد وطريق الجمع الواضحة حمل مطلقا على مقيدها.
(الثاني) ان ما استند اليه من الأخبار التي ذكرها واعتمد
في الاستدلال عليها كلها ضعيفة السند باصطلاحه وهو يردها لو كانت من طريق الخصم
كما هو المعلوم من عادته بل يرد الأخبار الحسنة فضلا عن الموثقة فكيف يسوغ منه
الاستدلال بها
والاعتماد عليها؟ مع ان ما قابلها أصح
سندا كما اعترف به وأوضح دلالة وما طعن به في دلالتها فسيظهر لك ما فيه ، على ان
وصفه رواية عبيد بن زرارة بأنها موثقة ـ وان تبعه في ذلك شيخنا البهائي في كتاب
الحبل المتين ـ غفلة منه (قدسسره) وممن تبعه
حيث ان في طريقها علي بن يعقوب الهاشمي وهو غير موثق.
(الثالث) ـ ان ما أورده من رواية الأصبغ بن نباتة وصحيحة
علي بن يقطين في المقام مدخول بأن الأولى ظاهرة في ذوي الأعذار إذ التأخر الى ان
يفوت الوقت حتى لم يبق إلا قدر ركعة لا يكون إلا لذلك فالرواية ليست من محل البحث
في شيء ، واما الثانية فمع الإغماض عن حملها على ذوي الأعذار فإن الاستدلال بها
مبني على حجية هذا الإجماع المتناقل في كلامهم والمتداول على رؤوس أقلامهم مركبا
أو بسيطا ، وهو من جملة من طعن فيه في غير موضع من تحقيقاته بل ذكر في صدر كتابه
انه صنف في ذلك رسالة فكيف يحتج به ههنا؟ ولكنه جار على احتجاجه بالروايات الضعيفة
كما ذكرناه وكل ذلك مجازفة ظاهرة. ومع الإغماض عن جميع ذلك فالظاهر ـ كما تقدم
تحقيقه سابقا ـ ان هؤلاء القائلين بكون الوقت الأول وقتا للمختار دون غيره لا
يريدون به انه لو خرج وجب الإتيان بالصلاة قضاء كما لو طلعت الشمس اتفاقا وانما
يريدون به استحقاق المؤاخذة من الله تعالى وكونه تحت المشيئة ان شاء الله سبحانه
قبل صلاته بفضله ورحمته وان شاء ردها عليه وهذا لا ينافي كون الوقت الباقي وقتا له
ايضا على النحو المذكور ، نعم هو وقت حقيقي لذوي الاعذار لا يستحقون المؤاخذة على
التأخير إليه بسبب العذر. وبذلك يظهر لك ايضا ما في كلام شيخنا البهائي (قدسسره) في كتاب
الحبل المتين من ترجيحه القول المشهور وقوله : والحديث السابع نص فيه ، وأشار به
الى رواية عبيد بن زرارة التي عدها موثقة تبعا لصاحب المدارك وايدها برواية زرارة
ورواية الأصبغ بالتقريب الذي ذكره في المدارك. وفيه ما عرفت.
(الرابع) ـ ان ما طعن به على صحيحتي الحلبي وعبد الله بن
سنان ـ وان
وصف الاولى بكونها حسنة فإن ذلك انما
هو بإبراهيم بن هاشم الذي قد عرفت ان عد حديثه في الصحيح كما عليه جملة من محققي
متأخري المتأخرين هو الصحيح ـ باعتبار لفظ «لا ينبغي» بأنه ظاهر في الكراهة فمردود
بما تقدم تحقيقه في غير مقام من ان هذا الظهور انما هو باعتبار عرف الناس واما
باعتبار عرف الأئمة (عليهمالسلام) وما وردت به
اخبارهم فاستعمال هذا اللفظ في التحريم كما ان استعمال «ينبغي» في الوجوب أكثر من
ان يحصى كما انه ربما استعمل أيضا في المعنى المشهور. والتحقيق ان الحمل على أحد
المعنيين يحتاج إلى قرينة في البين لان اللفظ من الألفاظ المشتركية في كلامهم (عليهمالسلام) والقرينة في
الحمل على المعنى الذي ندعيه ظاهرة من الأخبار الآخر كصحيحة أبي بصير برواية
الفقيه وموثقته برواية التهذيب وموثقة عمار المتقدم ذلك كله ، فان الجميع ظاهر في
ان الامتداد الى طلوع الشمس انما هو لأصحاب الأعذار دون أصحاب الاختيار وعليها
تحمل الصحيحتان المذكورتان. واما ما ذكره من حمل الشغل على ما هو أعم من الضروري
ففيه ان المفهوم من الأخبار ـ وبه صرح المحدث الكاشاني في الوافي ايضا ـ ان الشغل
الذي هو من جملة الاعذار لا يختص بالضروري حتى انه بالحمل على غير الضروري يجامع
الاختيار ، فان المستفاد منها انه يكفي في الشغل الذي يكون عذرا في التأخير إلى
الوقت الثاني عدم حصول التوجه والإقبال على الصلاة لو صلى في الوقت الأول كما في
روايات عمر بن يزيد الثلاث المتقدمة في وقت المغرب (1).
(الخامس) ـ قوله : «وبالجملة فأقصى ما تدلان عليه خروج
وقت الفضيلة» فإنه مما يقضى منه العجب حيث انه (عليهالسلام) قد صرح في هذين
الخبرين بان هذا الوقت الأخير انما هو لهؤلاء المعدودين وهم أصحاب الاعذار ومثلهما
روايات ابي بصير وعمار ، والجميع ظاهر في انه ليس وقتا لغيرهم من أصحاب الاختيار ،
فكيف يتم ما ادعاه من ان أقصى ما تدلان عليه خروج وقت الفضيلة؟ وأي مجال هنا
__________________
(1) ص 179.
لذكر الفضيلة والاجزاء الذي ذهبوا
اليه ، وأي اشارة فضلا عن الظهور في الدلالة عليه؟ وبذلك يظهر لك ما في كلامه (قدسسره) من المجازفة
في المقام والخروج عن جادة التحقيق الظاهر لذوي الأفهام.
وينبغي التنبيه على أمور (الأول) اعلم انه قد تضمن جملة
من الأخبار استحباب تأخير صلاة الصبح إلى الاسفار والإضاءة من الفجر لا بمعنى
الأسفار الذي تقدم كونه وقتا لذوي الاعذار وهو ان يتجلل الصبح السماء بل بمعنى
الإضاءة في الجملة المقابل للتغليس كقوله (عليهالسلام) في صحيحة أبي
بصير «إذا اعترض فكان كالقبطية البيضاء». ونحوه في موثقته وقوله في صحيحة زرارة
المتقدمة «إذا اعترض الفجر وأضاء حسنا». وفي حسنة علي بن عطية «معترضا كأنه بياض
سورى». وروى في كتاب الهداية مرسلا (1) قال : «قال الصادق (عليهالسلام) حين سئل عن
وقت الصبح فقال حين يعترض الفجر ويضيء حسنا». وروى في البحار (2) عن كتاب
العروس بإسناده عن الرضا (عليهالسلام) قال : «صل
صلاة الغداة إذا طلع الفجر وأضاء حسنا».
وجملة أخرى تتضمن استحباب التغليس بها مثل رواية إسحاق
بن عمار (3) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) أخبرني عن
أفضل المواقيت في صلاة الفجر فقال مع طلوع الفجر ان الله يقول «وَقُرْآنَ
الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً» (4) يعني صلاة الفجر يشهدها ملائكة الليل
وملائكة النهار فإذا صلى العبد صلاة الصبح مع طلوع الفجر أثبتت له مرتين أثبتها
ملائكة الليل وملائكة النهار». وما رواه الشيخ في كتاب المجالس بسنده فيه عن زريق
الخلقاني عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (5) «انه كان يصلي
الغداة بغلس عند طلوع الفجر الصادق أول ما يبدو قبل ان يستعرض وكان يقول وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً ، ان ملائكة
الليل تصعد وملائكة النهار تنزل عند طلوع
__________________
(1 و 2) البحار ج 18 الصلاة ص 64.
(3 و 5) الوسائل الباب 28 من المواقيت.
(5) الوسائل الباب 28 من المواقيت.
الفجر فأنا أحب ان تشهد ملائكة الليل
وملائكة النهار صلاتي». وروى في الفقيه مرسلا (1) قال : «سأل يحيى بن أكثم القاضي أبا
الحسن الأول (عليهالسلام) عن صلاة
الفجر لم يجهر فيها بالقراءة وهي من صلوات النهار وانما يجهر في صلاة الليل؟ فقال
لأن النبي (صلىاللهعليهوآله) كان يغلس بها
فقربها من الليل». ونقل في الذكرى انه روى «ان النبي (صلىاللهعليهوآله) كان يصلي
الصبح فينصرف النساء وهن متلفعات بمروطهن لا يعرفن من الغلس» (2). أقول : لعل
هذه الرواية من طريق العامة فإني لم أقف عليها في أخبارنا بعد الفحص من البحار
وغيره.
ولعل وجه الجمع بين هذه الأخبار هو ان الأفضل ما دلت
عليه هذه الأخبار الأخيرة من التغليس للعلة المذكورة في بعضها ولما دل على فضل أول
الوقت ، ويحتمل حمل الأخبار الأول على استحباب التأخير لمن لا يدرك الفرق بين
الفجرين إلا بذلك ويشتبه عليه الحال في مبدأ الأمر ، لكن ظاهر صحيحة زرارة
المتقدمة الدالة على انه (صلىاللهعليهوآله) كان يصلي
ركعتي الصبح إذا اعترض الفجر فأضاء حسنا ربما نافر ذلك إلا ان يخص ببعض الأوقات
التي يحصل فيها الاشتباه لا دائما.
وجمع في المنتقى بين الأخبار المذكورة بحمل مطلق الأخبار
على مقيدها ، قال والذي تقتضيه القواعد هنا حمل الأخبار المطلقة على المقيدة. أقول
: فيه ان ما ذكره جيد بالنسبة الى ما عدا حديث المجالس حيث تضمن أول ما يبدو قبل
ان يستعرض ولكن العذر له (قدسسره) واضح حيث لم
يطلع عليه ، ثم قال ولو لا التصريح في بعض اخبار التقييد بأن أفضل الوقت مع طلوع
الفجر لاتجه حمل اخبار الطلوع والانشقاق على ارادة وقت الاجزاء واخبار الإضاءة على
الفضيلة بنحو ما ذكر في سائر الفرائض ونفى البأس في صحيحة محمد بن مسلم يشعر بهذا
المعنى ايضا ، ولو اقتصرنا في العمل على الصحيح الواضح وقطعنا النظر عما سواه كان
الجمع بهذا الوجه متعينا. انتهى.
__________________
(1) الوسائل الباب 25 من القراءة.
(2) صحيح مسلم ج 1 ص 239 و 240.
أقول : ما ذكره (قدسسره) من هذا الحمل
لو لا تصريح الخبر المشار اليه بما ذكره مردود بما أوضحنا سابقا في المسألة
الرابعة بكلامنا على كلامه ونقض إبرامه وهو الذي أشار إليه هنا بقوله : «بنحو ما
ذكر في سائر الفرائض» وأشار بالصحيح الواضح إلى صحيحة زرارة المتقدمة المشتملة على
ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كان يصلي
ركعتي الصبح إذا اعترض الفجر وأضاء حسنا. وكيف كان فما دلت عليه هذه الصحيحة من
صلاته (صلىاللهعليهوآله) في هذا الوقت
المذكور فيها لا يخلو من مدافعة لما دلت عليه مرسلة الفقيه المتقدمة إلا ان يحمل
ذلك على بعض الأوقات دون بعض.
(الثاني) ـ لا يخفى ان خبر ابي بصير المتقدم قد قيده في
الفقيه بكونه ليث المرادي والشيخ قيده بكونه المكفوف والكليني في الكافي قد رواه
في الصحيح عن عاصم بن حميد عن ابي بصير وأطلق وساق الحديث بنحو ما ذكره الصدوق إلا
انه قال : «متى يحرم الطعام والشراب» وقال في آخره : «اين تذهب تلك صلاة الصبيان»
وصاحب المنتقى قد جعل اختلاف المشايخ الثلاثة في أبي بصير بالإطلاق من بعض
والتقييد بالثقة من آخر وبالضعيف عندهم من ثالث ـ موجبا للعلة في الخبر المذكور
فقال انه لا وثوق مع هذا الاختلاف بصحة ما في كتاب من لا يحضره الفقيه من التفسير
ليتم حسنه. انتهى. أقول : قد اشتهر في كلام جماعة من المحدثين تعيين ابي بصير مع
الإطلاق وتفسيره بليث المرادي متى كان الراوي عنه عاصم بن حميد أو عبد الله بن
مسكان ، وبمقتضى ذلك يجب ان يحمل ما ذكره الكليني من الإطلاق على المرادي الثقة
ويترجح به كلام صاحب الفقيه ، مضافا الى ما علم من الشيخ من السهو الزائد في متون
الأخبار وأسانيدها وحينئذ فيقوى الاعتماد على الخبر المذكور وتزول العلة والمحذور.
(الثالث) ـ قال شيخنا البهائي (قدسسره) في كتاب
الحبل المتين في شرح قوله (عليهالسلام) في حسنة علي
بن عطية «كأنه بياض سورى» : وسورى على وزن بشرى موضع بالعراق من أرض بابل والمراد
ببياضها نهرها كما في رواية هشام
ابن الهذيل عن الكاظم (عليهالسلام) ثم ساق
الرواية كما قدمناه. وقال في حاشية الكتاب : النباض بالنون والباء الموحدة وآخره
ضاد معجمة أصله من «نبض الماء إذا سال» وربما قرى بالباء الموحدة والياء المثناة
من تحت. انتهى. أقول : وقد نسب جملة من علماء الإجازة الى هذه القرية كما ذكر في
الإجازات ويشير إليها حديث جويرية بن مسهر في رد الشمس على أمير المؤمنين (عليهالسلام) لما رجع من
قتال الخوارج (1) وظاهر كلام
شيخنا المذكور ان الرواية المشهورة بين المحدثين بالنون والباء. وقال (قدسسره) في الكتاب
المذكور : والقبطية بكسر القاف وإسكان الباء الموحدة وتشديد الياء منسوبة إلى
القبط ثياب تتخذ بمصر. انتهى : وقال في كتاب المصباح المنير : القبط بالكسر نصارى
مصر الواحد قبطى على غير القياس ، والقبطي بالضم ثوب من كتان رقيق يعمل بمصر نسبة
الى القبط على غير القياس فرقا بين الإنسان والثوب وثياب قبطية بالضم ايضا وجبة
قبطية والجمع قباطي. انتهى. وقال في كتاب مجمع البحرين : في الحديث «الفجر الصادق
هو المعترض كالقباطي» بفتح القاف وتخفيف الموحدة قبل الالف وتشديد الياء بعد الطاء
المهملة : ثياب بيض رقيقة تجلب من مصر واحدها قبطي بضم القاف نسبة الى القبط بكسر
القاف وهم أهل مصر ، والتغيير في النسبة هنا للاختصاص كما في الدهري بالضم نسبة
الى الدهر بالفتح ، وهذا التغيير انما اعتبر في الثياب فرقا بين الإنسان وغيره
فاما في الناس فيبني على اعتبار الأصل فيقال رجل قبطي وجماعة قبطية بالكسر لا غير.
انتهى.
(الرابع) ـ قال شيخنا العلامة (قدسسره) في كتاب
المنتهى : اعلم ان ضوء النهار من ضياء الشمس وانما يستضيء بها ما كان كمدا في
نفسه كثيفا في جوهره كالأرض والقمر واجزاء الأرض المتصلة والمنفصلة ، وكل ما يستضيء
من جهة الشمس فإنه يقع له ظل من ورائه ، وقد قدر الله تعالى بلطيف حكمته دوران
الشمس حول الأرض فإذا كانت تحتها وقع ظلها فوق الأرض على شكل مخروط ويكون الهواء
المستضيء بضياء
__________________
(1) البحار ج 9 ص 550.