ج13 - الصوم الواجب والهلال

المقصد الثاني

في أقسام الصوم

وهو واجب ومندوب ومكروه وحرام ، فالكلام في هذا المقصد يقع في مطالب :

المطلب الأول ـ في الواجب وهو ستة : شهر رمضان وقضاؤه والكفارات ودم المتعة والنذر وما في معناه والاعتكاف على وجه فالكلام هنا يقع في فصول :

الفصل الأول ـ في شهر رمضان وهو واجب بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين ووجوبه من ضروريات الدين على جامع الشرائط المتقدمة.

ويعلم بأمور أحدها ـ رؤية الهلال سواء انفرد برؤيته أو شاركه غيره.

قال العلامة في التذكرة : ويلزم صوم رمضان من رأى الهلال وان كان واحدا انفرد برؤيته سواء كان عدلا أو غير عدل شهد عند الحاكم أو لم يشهد قبلت شهادته أو ردت ، ذهب إليه علماؤنا أجمع وهو قول أكثر العامة ، وعند بعضهم ان المنفرد لا يصوم (2).

أقول : ويدل على الحكم المذكور بعد قوله عزوجل (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (3) جملة من الأخبار :

__________________

(2) المغني ج 3 ص 156.

(3) سورة البقرة الآية 182.


منها ـ ما رواه الكليني في الصحيح والحسن عن الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) «انه سئل عن الأهلة؟ فقال : هي اهلة الشهور فإذا رأيت الهلال فصم وإذا رأيته فأفطر. قلت : أرأيت ان كان الشهر تسعة وعشرين يوما اقضى ذلك اليوم؟ فقال : لا إلا ان تشهد لك بينة عدول فان شهدوا أنهم رأوا الهلال قبل ذلك فاقض ذلك اليوم».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن ابى الصباح والحلبي جميعا عن أبى عبد الله عليه‌السلام (2) «انه سئل عن الأهلة؟ فقال : هي اهلة الشهور فإذا رأيت الهلال فصم وإذا رأيته فأفطر».

وفي الصحيح عن المفضل وعن زيد الشحام جميعا عن ابى عبد الله عليه‌السلام (3) «انه سئل عن الأهلة فقال : هي اهلة الشهور فإذا رأيت الهلال فصم وإذا رأيته فأفطر».

وما رواه الشيخ وابن بابويه في الصحيح عن على بن جعفر (4) «انه سأل أخاه موسى عليه‌السلام عن الرجل يرى الهلال في شهر رمضان وحده لا يبصره غيره إله أن يصوم؟ قال : إذا لم يشك فيه فليصم وإلا فليصم مع الناس».

وثانيها ـ عد ثلاثين يوما من شعبان لو لم ير ، وهو مجمع عليه بين العلماء من الطرفين بل قيل انه من ضروريات الدين.

ويدل عليه ما رواه الشيخ في التهذيب عن ابى خالد الواسطي (5) قال :

__________________

(1) الوسائل الباب 3 من أحكام شهر رمضان رقم 1 واللفظ ينتهى بقوله : «وإذا رأيته فأفطر» نعم في رواية الحلبي الواردة في الباب 3 و 5 من أحكام شهر رمضان رقم 18 و 17 عن التهذيب اللفظ المذكور كله ، وكذا في رواية أبي الصباح والحلبي ورواية المفضل والشحام الآتيتين عن التهذيب.

(2) الوسائل الباب 3 و 5 من أحكام شهر رمضان رقم 7 و 9.

(3) الوسائل الباب 3 و 5 من أحكام شهر رمضان رقم 3 و 4.

(4) الوسائل الباب 4 من أحكام شهر رمضان.

(5) الوسائل الباب 16 و 3 من أحكام شهر رمضان رقم 1 و 17.


«أتينا أبا جعفر عليه‌السلام في يوم يشك فيه من رمضان فإذا مائدته موضوعة وهو يأكل ونحن نريد أن نسأله فقال : ادنوا الغداء إذا كان مثل هذا اليوم ولم تجئكم فيه بينة رؤية الهلال فلا تصوموا. ثم قال : حدثني أبى على بن الحسين عن على (عليهم‌السلام) ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما ثقل في مرضه قال أيها الناس ان السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم. قال ثم قال بيده : فذاك رجب مفرد وذو القعدة وذو الحجة والمحرم ثلاثة متواليات ، ألا وهذا الشهر المفروض رمضان فصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإذا خفي الشهر فأتموا العدة شعبان ثلاثين وصوموا الواحد وثلاثين. الحديث».

ولا اختصاص لهذا الحكم بهلال شهر رمضان بل كل شهر اشتبهت رؤية هلاله يجب أن يعد ما قبله ثلاثين يوما.

ومن الأخبار زيادة على ما قدمنا قول أبى جعفر عليه‌السلام في صحيحة محمد بن قيس (1) «ان أمير المؤمنين عليه‌السلام كان يقول : وان غم عليكم فعدوا ثلاثين ليلة ثم أفطروا».

وقوله عليه‌السلام في صحيحة محمد بن مسلم (2) «وإذا كانت علة فأتم شعبان ثلاثين».

بقي الكلام لو غمت شهور السنة كلها أو أكثرها ، قيل انه يعد كل شهر منها ثلاثين ، وهو منقول عن الشيخ في المبسوط وجماعة واختاره المحقق في الشرائع ، وقيل ينقص منها لقضاء العادة بالنقيصة ، وهذا القول مجهول القائل مع جهالة قدر النقص ايضا ، وقيل بالعمل في ذلك برواية الخمسة الآتية في الموضع السادس (3) واختاره العلامة في جملة من كتبه ، وذكر في المختلف انه إنما اعتمد في ذلك على العادة لا على الرواية. وقيل عليه انه مشكل ايضا لعدم اطراد العادة بالنقيصة على هذا الوجه. والمسألة محل توقف لعدم الدليل الواضح فيها.

هذا في ما ذكرناه من ما لو غمت شهور السنة كلها أو أكثرها ، أما الشهران

__________________

(1) الوسائل الباب 5 و 8 من أحكام شهر رمضان.

(2) الوسائل الباب 5 و 11 من أحكام شهر رمضان.

(3) من مواضع التنبيه الخامس من التنبيهات الآتية.


والثلاثة فقد قطع جملة من الأصحاب بعدها ثلاثين لامتناع الحكم بدخول الشهر بمجرد الاحتمال ، وعليه تدل ظواهر الأخبار المتقدمة.

وثالثها ـ الشياع بان يرى رؤية شائعة ، قال المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى انه لا خلاف فيه بين العلماء. واستدل عليه في المنتهى بأنه نوع تواتر يفيد العلم. ونحوه قال في التذكرة ، ثم قال : ولو لم يحصل العلم بل حصل ظن غالب بالرؤية فالأقوى التعويل عليه كالشاهدين ، فان الظن بشهادتهما حاصل مع الشياع. ونحوه ذكر شيخنا الشهيد الثاني وغيره.

ونقل في المدارك عن جده (قدس‌سره) في موضع من الشرح اعتبار زيادة الظن الحاصل من ذلك على ما يحصل منه بقول العدلين لتتحقق الأولوية المعتبرة في مفهوم الموافقة. ثم قال بعد نقل ذلك : ويشكل بان ذلك يتوقف على كون الحكم بقبول شهادة العدلين معللا بإفادتهما الظن ليتعدى الى ما يحصل به ذلك وتحقق الأولوية المذكورة ، وليس في النص ما يدل على هذا التعليل وانما هو مستنبط فلا عبرة به ، مع ان اللازم من اعتباره الاكتفاء بالظن الحاصل من القرائن إذا ساوى الظن الحاصل من شهادة العدلين أو كان أقوى وهو باطل إجماعا ثم قال : والأصح اعتبار العلم كما اختاره العلامة في المنتهى وصرح به المصنف في كتاب الشهادات من هذا الكتاب لانتفاء ما يدل على اعتبار الشياع بدون ذلك ، وعلى هذا فينبغي القطع بجريانه في جميع الموارد. وحيث كان المعتبر ما أفاد العلم فلا ينحصر المخبرون في عدد ولا يفرق في ذلك بين خبر المسلم والكافر والصغير والكبير والأنثى والذكر كما قرر في حكم التواتر. انتهى.

أقول : ظاهر كلام أصحابنا (رضوان الله عليهم) في هذا المقام بل صريح بعضهم انهم لم يقفوا على دليل لهذا الحكم من الاخبار ، وانا قد وقع لي تحقيق نفيس في هذه المسألة في أجوبة مسائل بعض الأعلام أحببت إيراده في المقام وان طال به زمان الكلام لما اشتمل عليه من التحقيق الكاشف لنقاب الإبهام وإزاحة ما عرض


فيها من الشكوك والأوهام ، وهذه صورته :

ظاهر كلام أصحابنا (رضوان الله عليهم) عدم الوقوف على نص يدل على ذلك حيث لم يوردوا له دليلا من الاخبار وإنما بنوا الحكم فيه على نوع من الاعتبار بل صرح المحدث الكاشاني في المفاتيح بعدم النص في ذلك ، وحينئذ فإن حصل به العلم واليقين وأثمر القطع دون التخمين فالظاهر انه لا إشكال في اعتباره والعمل بمقتضاه بل ربما يدعى استفادته بهذا المعنى من الاخبار ، مثل الأخبار الدالة على ان الصوم للرؤية والفطر للرؤية (1) بأن يكون المعنى فيها ان كلا من الصوم والفطر مترتب على العلم بالرؤية أعم من أن يكون برؤية المكلف نفسه أو بالشياع الموجب للعلم.

ويمكن أن يستدل على اعتبار الشياع من الاخبار بما رواه الشيخ في التهذيب عن سماعة (2) «انه سأله عن اليوم في شهر رمضان يختلف فيه؟ فقال : إذا اجتمع أهل المصر على صيامه للرؤية فاقضه إذا كان أهل المصر خمسمائة إنسان».

إذ الظاهر ان ذكر الخمسمائة إنما هو على جهة التمثيل والكناية عن الكثرة الموجبة للعلم ، إذ لا ضرورة لهذا العدد مع وجود العدلين فيهم ولا خصوصية له مع عدمهما.

وما رواه أيضا في الكتاب المذكور بسنده عن عبد الحميد الأزدي (3) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أكون في الجبل في القرية فيها خمسمائة من الناس؟ فقال : إذا كان كذلك فصم بصيامهم وأفطر بفطرهم».

وما رواه فيه عن ابى عبد الجارود (4) قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول صم حين يصوم الناس وأفطر حين يفطر الناس فان الله عزوجل جعل الأهلة مواقيت (5).

__________________

(1) الوسائل الباب 3 من أحكام شهر رمضان.

(2 و 3 و 4) الوسائل الباب 12 من أحكام شهر رمضان. والرواية للصدوق في الفقيه ج 2 ص 77 لا الشيخ.

(5) في قوله تعالى في سورة البقرة الآية 186 «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ ...».


وما رواه فيه ايضا عن ابى الجارود (1) قال : «شككنا سنة في عام من تلك الأعوام في الأضحى فلما دخلت على ابى جعفر عليه‌السلام كان بعض أصحابنا يضحى فقال : الفطر يوم يفطر الناس والأضحى يوم يضحى الناس والصوم يوم يصوم الناس».

وهذه الاخبار كما ترى ظاهرة الدلالة بل صريحة المقالة على وجوب الصوم والإفطار متى شاعت الرؤية بين الناس واشتهرت بحيث صاموا وأفطروا من غير نظر الى أن يكون فيهم عدلان أم لا ، لان الحكم فيها إنما علق على الكثرة والاتفاق على ذلك.

قال الشيخ (قدس‌سره) في التهذيب بعد نقل رواية عبد الحميد : يريد عليه‌السلام بذلك ان صومهم إنما يكون بالرؤية فإذا لم يستفض الخبر عندهم برؤية الهلال لم يصوموا على ما جرت به العادة في بلاد الإسلام. انتهى. وهو مؤيد لما قلناه وظاهر في ما ادعيناه.

ومن ما يمكن أن يستدل به في المقام وان لم يتنبه له أحد من علمائنا الأعلام صحيحة محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه‌السلام (2) قال : «إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا ، وليس بالرأي ولا بالتظني ولكن بالرؤية ، والرؤية ليس ان يقوم عشرة فينظروا فيقول واحد هو ذا فينظر تسعة فلا يرونه ، إذا رآه واحد رآه عشرة وألف».

فإن الظاهر ان المعنى فيها ـ والله سبحانه وأولياؤه أعلم ـ انه متى كان الهلال بحيث كل من نظر اليه رآه من غير علة هناك مانعة من ضعف بصر أو غيم أو نحوهما ـ واشتهر وشاع ذلك على هذه الكيفية بحيث لم يقل قائل خال من العذر انى نظرت اليه فلم أره ـ فإنه يجب على سائر الناس ممن لم ينظروا العمل بمقتضى ذلك مع حصول العلم باخبار أولئك ، لأن مساق الخبر بالنسبة الى من لم ينظر وهل

__________________

(1) الوسائل الباب 57 من ما يمسك عنه الصائم. واللفظ «سألت أبا جعفر (ع) انا ...».

(2) الوسائل الباب 11 من أحكام شهر رمضان.


يجب عليه العمل بمقتضى تلك الرؤية أم لا؟ وإلا فلا خلاف ولا إشكال في العمل بمقتضى الرؤية على الرائي نفسه.

وموثقة عبد الله بن بكير عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «صم للرؤية وأفطر للرؤية ، وليس رؤية الهلال أن يجي‌ء الرجل والرجلان فيقولان رأينا إنما الرؤية أن يقول القائل رأيت فيقول القوم صدق».

ورواية أبي العباس عن ابى عبد الله عليه‌السلام (2) قال : «الصوم للرؤية والفطر للرؤية ، وليس الرؤية أن يراه واحد ولا اثنان ولا خمسون».

وصحيحة إبراهيم بن عثمان الخزاز عن ابى عبد الله عليه‌السلام (3) قال : «قلت له كم يجزئ في رؤية الهلال؟ فقال : ان شهر رمضان فريضة من فرائض الله فلا تؤدوا بالتظني ، وليس رؤية الهلال ان يقوم عدة فيقول واحد قد رأيته ويقول الآخرون لم نره ، إذا رآه واحد رآه مائة وإذا رآه مائة رآه الف ، ولا يجوز في رؤية الهلال إذا لم يكن في السماء علة أقل من شهادة خمسين ، وإذا كانت في السماء علة قبلت شهادة رجلين يدخلان ويخرجان من مصر».

ومن هذه الاخبار يظهر صحة ما ذكرناه في معنى الصوم للرؤية والفطر للرؤية من أن المراد العلم بالرؤية دون وقوع الرؤية من ذلك الرائي بخصوصه ، فان قوله عليه‌السلام «وليس الرؤية. الى آخره» صريح في ذلك.

وحاصل المعنى في هذه الاخبار انه عليه‌السلام جعل مناط الصوم والفطر العلم بالرؤية ، ثم فسر معنى الرؤية التي هي مناط ذلك بأنها ليست عبارة عن أن يدعيها بعض ويخالفه آخر بل هي عبارة عن ان يخبر بها كل من تعمد النظر من غير مانع هناك ولا علة لا من جهة السماء ولا من جهة الناظر فإنه متى كان كذلك وجب على العالم بها العمل بمقتضاها ، ولو كان المراد من قوله : «الصوم للرؤية والفطر للرؤية» انما هو بالنسبة إلى الرائي نفسه بمعنى انه يجب على كل من رأى الهلال الصوم أو

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 11 من أحكام شهر رمضان.


الفطر لكان لا معنى لبقية الكلام في هذه الاخبار ولا لتفسير الرؤية بما ذكر فيها لأن حكم الرائي لا يتوقف على غيره كما لا يخفى.

وبالجملة فمساق هذه الأخبار وأمثالها إنما هو بالنسبة إلى بيان الرؤية التي يترتب على العلم بها ممن لم ينظر وير العمل بمقتضاها.

ويؤيد ذلك انه لم يرد في اخبار هذا الباب على كثرتها وانتشارها ما يدل على وجوب الرؤية على كل فرد فرد من أفراد المكلفين مع وجوب ما يترتب على ذلك من صيام وإفطار المأخوذ فيهما البناء على العلم واليقين.

بقي في المقام إشكالان : أحدهما ان هذه الاخبار ـ من حيث دلالتها على عدم الاكتفاء في الرؤية بالاثنين والثلاثة بل لا بد أن تكون على تلك الكيفية المتقدمة ـ ربما نافى بظاهره ما دل على الاكتفاء في ثبوت الهلال بشهادة العدلين من الأخبار المستفيضة.

والجواب عن ذلك من وجهين : أولهما ـ ان تحمل هذه الأخبار على عدم وجود العدلين في جملة أولئك الناظرين فلا بد حينئذ من الكثرة الموجبة للعلم.

الثاني ـ ولعله الأقرب ـ أن تحمل هذه الأخبار على ان الغرض منها بيان ثبوت الرؤية بالشياع وتفسير معنى الرؤية التي يثبت بها الشياع من غير ملاحظة لوجود العدلين وعدمه ، بمعنى انه متى شاعت الرؤية على هذه الكيفية بين الناس على وجه أفاد السامع بها العلم وجب العمل بمقتضاها على نهج ما تقدم في الاخبار السالفة الدالة على امره عليه‌السلام بالصيام والإفطار بصيام الناس وإفطارهم ، لان اتفاقهم على الصيام أو الإفطار مؤذن بالاتفاق على الرؤية كلا أو بعضا ، فيجب العمل بمقتضى رؤيتهم من غير ملاحظة لوجود العدلين فيهم وعدمه ، إذ متى رئي الهلال في بلد من غير علة هناك فإنه لا يختص برؤيته ناظر دون ناظر ، لأن الفرض عدم العلة والمانع من جهة السماء ومن جهة الناظر فلا يختص ذلك بالعدلين ولا يتوقف عليهما ولا يحتاج إليهما.


واما اخبار العدلين فيمكن حملها على الرؤية التي لم تقع على هذا الوجه كما إذا لم ير في البلد بالكلية لمانع أو لغير مانع أو رئي فيها ولكن ثمة مانع من رؤية الجميع لوجود غيم واتفق وجود فرجة شاهده فيها عدلان مثلا فإنه يحكم بشهادتهما كما دلت عليه الاخبار.

ويمكن حملها ـ ولعله الأظهر ـ على التخصيص بان يكونا من خارج البلد كما دلت عليه صحيحة الخزاز (1) فإنه متى لم ير في البلد على الوجه الذي ذكرناه من الشياع والانتشار أعم من أن يكون لعلة أو لعدم النظر اليه أو نحو ذلك فمتى شهد على الرؤية عدلان من الخارج أو حصل الشياع بالرؤية في بلاد اخرى قريبة وجب العمل بمقتضى ذلك.

والعلة في أظهرية هذا الوجه كما ذكرنا ان الاخبار المتضمنة لذكر العدلين لا دلالة في شي‌ء منها على كونهما من البلد بل شطر من تلك الاخبار مطلق مثل قوله عليه‌السلام في صحيحة الحلبي (2) «لا أجيز في رؤية الهلال إلا شهادة رجلين عدلين». ونحوها من الاخبار الكثيرة (3) وشطر منها ظاهر الدلالة بل صريحها في المدعى مثل صحيحة الخزاز المتقدمة (4) ومثل الأخبار المستفيضة الدالة على وجوب القضاء بشهادة العدلين (5) فإن إفطار ما يجب صومه حتى لزم من ذلك وجوب القضاء بشهادتهما دليل على انهما ليسا من البلد كما لا يخفى ، وعلى هذا يحمل مطلق اخبار العدلين على مقيدها ويختص الحكم بالعدلين في ذلك من خارج البلد. ولا ينافي ذلك ما في الاحتمال الأول من فرض رؤية العدلين في البلد مع الغيم إذا حصلت فرجة رأياه فيها ، فإن الأحكام الشرعية التي هي بمنزلة القواعد الكلية إنما تبنى على الغالب والأكثر دون الفروض النادرة كما لا يخفى على من غاص في لجج الاخبار والتقط من خبايا تلك الأسرار.

__________________

(1 و 4) ص 246.

(2 و 3) الوسائل الباب 11 من أحكام شهر رمضان.

(5) الوسائل الباب 3 و 5 و 11 من أحكام شهر رمضان.


الإشكال الثاني ـ ما تضمنته صحيحة الخزاز من إيجاب الخمسين مع عدم العلة في السماء.

والجواب عن ذلك يقع من وجهين. أحدهما ـ ان ما دل على خلاف هذا الخبر أكثر عددا وأقوى سندا وأوضح دلالة ، وحينئذ فقضية الترجيح عند التعارض هو المصير الى ذلك دون ما دلت عليه هذه الصحيحة.

ولا يرد ان رد هذا الحكم منها يستلزم ردها كملا فلا تصلح للاستدلال بها والاعتماد عليها في المقام.

لأنا نقول : قد صرح غير واحد من علمائنا الفحول (رضوان الله عليهم) بان رد بعض الخبر لمعارض أقوى لا يستلزم رد ما لا معارض له منه بل هو من قبيل العام المخصوص في ذلك.

الثاني ـ ارتكاب جادة التأويل فيها بالحمل على بيان العدد الذي يحصل به الشياع غالبا ويكون كناية عن الكثرة التي يحصل بها العلم واليقين من غير خصوصية في ذلك لخصوص الخمسين.

هذا. ولم أر من تنبه للاستدلال بهذه الاخبار على هذه المسألة من علمائنا الأبرار (رضوان الله عليهم) ولا من كشف عنها نقاب الإبهام في المقام ولا من جمع بينها وبين اخبار العدلين على وجه يزول به التنافي في البين.

ثم انه لا يخفى ان من اكتفى من أصحابنا (رضوان الله عليهم) في معنى الشياع بمجرد الظن ـ إلحاقا له بالظن الحاصل من شهادة العدلين ، أو اعتبر الزيادة في هذا الظن على ما يحصل بقول العدلين لتتحقق الأولوية المعتبرة في مفهوم الموافقة كما صرح به شيخنا الشهيد الثاني (قدس‌سره) ـ فظني انه لا يخلو من نظر : أما أولا ـ فلعدم الدليل على كون اعتبار شهادة العدلين والاعتماد عليها إنما هو لإفادتها الظن حتى يمكن القول بانسحاب الحكم منها الى ما يحصل به الظن أو يحتاج الى اعتبار زيادة في هذا الظن ليتحقق بذلك مفهوم


الأولوية ، ولهذا لا يكفى الظن الحاصل بالقرائن إذا كان مساويا للظن الحاصل بشهادتهما أو أقوى منه.

والتحقيق في ذلك ما نقله في المعالم عن السيد المرتضى (رضي‌الله‌عنه) حيث قال : وجوب الحكم على القاضي بعد شهادة العدلين ليس من حيث انها توجب الظن بل من حيث ان الشارع جعلها سببا لوجوب الحكم على القاضي كما جعل دخول الوقت سببا لوجوب الصلاة. انتهى.

وقال بعض الأفاضل بعد نقل ذلك عن المرتضى : الحق ما افاده علم الهدى لان كثيرا ما لا يحصل الظن بشهادتهما لمعارضة قرينة حالية مع وجوب الحكم على القاضي حينئذ. انتهى.

واما ثانيا ـ فللأخبار الدالة في المقام على انه لا يكفى البناء على الظن في الرؤية بل لا بد من اليقين :

فمن ذلك صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة (1) حيث قال فيها : «وليس بالرأي ولا بالتظني».

وصحيحة الخزاز المتقدمة (2) حيث قال فيها : «شهر رمضان فريضة من فرائض الله فلا تؤدوا بالتظني».

وموثقة إسحاق بن عمار عن ابى عبد الله عليه‌السلام (3) «انه قال : في كتاب على عليه‌السلام صم لرؤيته وأفطر لرؤيته وإياك والشك والظن ، فإن خفي عليكم فأتموا الشهر الأول ثلاثين».

ورواية على بن محمد القاساني (4) قال : «كتبت اليه وأنا بالمدينة عن اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان هل يصام أم لا؟ فكتب عليه‌السلام : اليقين لا يدخل فيه الشك صم للرؤية وأفطر للرؤية». الى غير ذلك من الأخبار.

__________________

(1) ص 245.

(2) ص 246.

(3 و 4) الوسائل الباب 3 من أحكام شهر رمضان.


وربما يقال : انه إذا كان الأمر مبنيا في الرؤية على اليقين من رؤية الإنسان نفسه أو حصول الشياع المفيد للعلم فمن المعلوم ان هذا لا يحصل من شهادة العدلين سواء قلنا ان اعتبارها لإفادتها الظن أو لكونها سببا في الحكم.

لأنا نقول : يمكن أن يقال ان شهادة العدلين إنما يصار إليها مع تعذر الرؤية القطعية المشار إليها في تلك الأخبار ، فهي غير داخلة في ما دلت عليه تلك الاخبار

ويشير الى ذلك قوله عليه‌السلام في صحيحة الخزاز المتقدمة (1) : «وإذا كانت في السماء علة قبلت شهادة رجلين. الحديث».

ومثلها رواية حبيب الخزاعي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (2) وفيها «وانما تجوز شهادة رجلين إذا كانا من خارج المصر وكان بالمصر علة فأخبرا أنهما رأياه».

ومطلق الأخبار في ذلك يحمل عليهما.

ويمكن أن يقال أيضا في المقام ـ وان كان خلاف ما هو المشهور في كلام علمائنا الاعلام إلا انه معتضد باخبار أهل الذكر (عليهم‌السلام) ـ ان شهادة العدلين تفيد العلم أيضا ، فإن العلم لا يتقيد بحد ولا ينحصر في مقدار معين بل هو من ما يقبل الشدة والضعف كما أوضحنا ذلك في محل أليق ، فقد يحصل العلم في بعض المقامات من اخبار الأطفال فضلا عن كمل الرجال.

وان أبيت ذلك لكونه غير مشهور ونفرت منه لكونه في كتب القوم غير مذكور فلنا أن نقول ان الشارع قد أجرى شهادة العدلين مجرى ما يفيد العلم والقطع بل اجرى خبر العدل الواحد مجرى ذلك كما يستفاد من جملة من الاخبار :

منها ـ صحيحة هشام بن الحكم الواردة في عدم انعزال الوكيل قبل العلم بالعزل (3) قال عليه‌السلام : «والوكالة ثابتة حتى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة يبلغه أو يشافه العزل».

فانظر الى جعله خبر الثقة قرينا للمشافهة وفي سياقها المؤذن بإفادته العلم كما

__________________

(1) ص 246.

(2) الوسائل الباب 11 من أحكام شهر رمضان.

(3) تقدمت ص 96 والراوي هشام بن سالم.


ذكرنا أو تنزيله منزلته إن أبيت عن الأول ، على ان المفهوم من كلام الأصحاب ومن الاخبار انه لا ينعزل الوكيل إلا بالعلم بالعزل ، فلو لا ان خبر الثقة عندهم (عليهم‌السلام) مفيد للعلم لما حكم بالانعزال به.

ومنها ـ رواية سماعة (1) قال : «سألته عن رجل تزوج جارية أو تمتع بها فحدثه رجل ثقة أو غير ثقة فقال ان هذه امرأتي وليست لي بينة؟ فقال : ان كان ثقة فلا يقربها وان كان غير ثقة فلا يقبل منه».

ونحوها أيضا رواية إسحاق بن عمار الواردة في الدنانير (2) وغيرها من ما قدمنا ذكره أيضا قريبا.

ورابعها ـ شهادة العدلين وقد اختلف في ذلك كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) فذهب جملة من الأصحاب : منهم ـ الشيخ المفيد والمرتضى و

المحقق والعلامة وابن إدريس وأكثر الأصحاب إلى انه يثبت بشهادة عدلين ذكرين مطلقا سواء كان صحوا أو غيما وسواء كان من داخل البلد أو خارجه ، وقيل بقبول شهادة الواحد في أوله وانه يجب الصوم بها وهو قول سلار.

وعن الشيخ في المبسوط انه ان كان في السماء علة وشهد عدلان من البلد أو خارجه برؤيته وجب الصوم وان لم يكن هنالك علة لم تقبل إلا شهادة القسامة خمسون رجلا من البلد أو خارجه.

وقال في النهاية : فإن كان في السماء علة ولم يره جميع أهل البلد ورآه خمسون نفسا وجب الصوم ، ولا يجب الصوم إذا رآه واحد واثنان بل يلزم فرضه لمن رآه حسب وليس على غيره شي‌ء ، ومتى كان في السماء علة ولم يروا في البلد الهلال ورآه خارج البلد شاهدان وجب أيضا الصوم ، وان لم يكن في السماء علة وطلب فلم ير لم يجب الصوم إلا أن يشهد خمسون نفسا من خارج البلد أنهم رأوه. ونقله في

__________________

(1) الوسائل الباب 23 من عقد النكاح.

(2) تقدمت ص 96.


المختلف أيضا عن ابن البراج.

وقال الصدوق في المقنع : واعلم انه لا يجوز الشهادة في رؤية الهلال دون خمسين رجلا عدد القسامة ويجوز شهادة رجلين عدلين إذا كانا من خارج البلد أو كان بالمصر علة.

وقال أبو الصلاح : يقوم مقام الرؤية شهادة رجلين عدلين في الغيم وغيره من العوارض وفي الصحو وانتفائها أخبار خمسين رجلا.

أقول : ومنشأ اختلاف هذه الأقوال من اختلاف ظواهر الاخبار في هذه المسألة :

ومنها ـ صحيحة الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) «ان عليا عليه‌السلام كان يقول : لا أجيز في رؤية الهلال إلا شهادة رجلين عدلين».

وصحيحة منصور بن حازم عن ابى عبد الله عليه‌السلام (2) انه قال : «صم لرؤية الهلال وأفطر لرؤيته فإن شهد عندكم شاهدان مرضيان بأنهما رأياه فاقضه».

وصحيحة زيد الشحام عن ابى عبد الله عليه‌السلام (3) «انه سئل عن الأهلة فقال هي أهلة الشهور فإذا رأيت الهلال فصم وإذا رأيته فأفطر. فقلت أرأيت ان كان الشهر تسعة وعشرين يوما اقضى ذلك اليوم؟ فقال : لا إلا أن تشهد لك بينة عدول فان شهدوا أنهم رأوا الهلال قبل ذلك فاقض ذلك اليوم».

وصحيحة عبيد الله بن على الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (4) قال : «قال على عليه‌السلام لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال إلا شهادة رجلين عدلين».

وبمضمون هذه الرواية روايات عديدة متفقة الدلالة على انه لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال ولا يجوز إلا شهادة رجلين عدلين. وهذه الأخبار هي مستند

__________________

(1 و 2 و 4) الوسائل الباب 11 من أحكام شهر رمضان.

(3) الوسائل الباب 5 من أحكام شهر رمضان وهي صحيحة المفضل والشحام المتقدمة ص 241.


أصحاب القول الأول.

ومنها ـ صحيحة إبراهيم بن عثمان الخزاز عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «قلت له : كم يجزئ في رؤية الهلال؟ فقال : ان شهر رمضان فريضة من فرائض الله فلا تؤدوا بالتظني ، وليس رؤية الهلال أن يقوم عدة فيقول واحد رأيته ويقول الآخرون لم نره ، إذا رآه واحد رآه مائة وإذا رآه مائة رآه الف ، ولا يجوز في رؤية الهلال إذا لم يكن في السماء علة أقل من شهادة خمسين ، وإذا كانت في السماء علة قبلت شهادة رجلين يدخلان ويخرجان من مصر».

ورواية حبيب الخزاعي (2) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام لا تجوز الشهادة في رؤية الهلال دون خمسين رجلا عدد القسامة وانما تجوز شهادة رجلين إذا كانا من خارج المصر وكان بالمصر علة فأخبرا أنهما رأياه وأخبرا عن قوم صاموا للرؤية».

وهاتان الروايتان هما حجتا الشيخ وابن بابويه وابى الصلاح ونحوهم ممن اعتبر هذا العدد في الصحو.

وأجاب عنهما المحقق في المعتبر بان اشتراط الخمسين لم يوجد في حكم سوى قسامة الدم ثم لا يفيد اليقين بل قوة الظن وهي تحصل بشهادة العدلين. ثم قال : وبالجملة فإنه مخالف لما عليه عمل المسلمين كافة فكان ساقطا. انتهى.

وأجاب عنهما في المنتهى بالمنع من صحة السند. وأجاب عنهما في المختلف بالحمل على عدم عدالة الشهود وحصول التهمة في أخبارهم.

قال في المدارك ـ وهو ممن اختار القول المشهور بعد نقل ذلك عنه ـ وهو غير بعيد.

أقول : لا يخفى ما في هذه الأجوبة من المجازفة الناشئة عن ضيق الخناق في المقام.

ثم أقول ـ وبالله التوفيق في الهداية إلى سواء الطريق ـ الذي يظهر لي في الجمع

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 11 من أحكام شهر رمضان.


بين هذه الاخبار هو ان ما استدل به على القول المشهور من الاكتفاء في ثبوت الهلال بالعدلين مطلقا غير خال من الإجمال وقبول الاحتمال وليس بنص بل ولا ظاهر في ما ذكروه ، فإن غاية ما تدل عليه هذه الأخبار ثبوت الهلال بالشاهدين في الجملة وهو من ما لا نزاع فيه.

وتفصيل هذه الجملة هو ان المستفاد من الأخبار الكثيرة التي قدمنا شطرا منها في المسألة السابقة هو انه متى كانت السماء صاحية خالية من العلة وتوجه الناس الى النظر الى الهلال وكان ثمة هلال فإنه لا يختص بنظره واحد من عشرة ولا عشرة من مائة بل إذا رآه واحد رآه ألف لأن المفروض سلامة الرائي من العلة والمرئي ، وهذا هو المراد من قولهم (عليهم‌السلام) في تلك الأخبار (1) «الصوم للرؤية والفطر للرؤية وليس الرؤية أن يراه واحد ولا عشرة ولا خمسون».

وظاهر هذه الأخبار انه لا بد أن تبلغ الرؤية إلى حد الشياع الموجب للعلم فلا يكتفى فيها بالظن المنهي عنه في تلك الأخبار المستفيضة التي قدمنا بعضها في المسألة السابقة ، وشهادة العدلين غاية ما تفيده عندهم هو الظن والظن هنا من ما قد منعت منه الأخبار للتمكن من العلم واليقين كما هو المفروض ، وحينئذ فلا بد هنا من ما يفيد العلم ، وقد دل ظاهر خبري الخزاز وحبيب المتقدمين (2) على ان أقل ما يحصل به خمسون ، فذكر الخمسين هنا إنما خرج مخرج التمثيل والمبالغة في من يحصل بخبرهم العلم ، وسياق صحيحة الخزاز (3) ظاهر في ما ذكرناه من هذا التوجيه حيث انه لما سأله السائل كم يجزئ في رؤية الهلال؟ أجابه بأن شهر رمضان فريضة واجبة يقينا فلا تؤدى إلا بالعلم واليقين لا بالظن ، وليس الرؤية الموجبة للعلم واليقين أن يقوم عدة فيقول واحد رأيته ويقول آخرون لم نره ـ لأن المفروض زوال العلة من الرائي والمرئي وهو المبنى عليه ذكر الرواية ـ بل إذا رآه واحد رآه الف ، وحينئذ فلا يجوز في الرؤية المترتب عليها العلم واليقين أقل من خمسين. هذا مضمون سياق

__________________

(1) ص 245 و 246.

(2 و 3) ص 254.


الخبر المذكور وهو صحيح صريح عار عن النقص والقصور واما إذا كان في السماء علة مانعة من الرؤية فإنه يتعذر العلم واليقين في هذه الحال فيكتفى بالشاهدين.

بقي ان الخبرين المذكورين صرحا بكون الشاهدين من خارج البلد ، والظاهر ان ذلك خرج مخرج الغالب من حيث عدم إمكان الرؤية في البلد إذ لو رآه عدلان لرآه من يزيد على ذلك وأمكن حصول العلم ، واحتمال ان تحصل فرجة يراه فيها عدلان خاصة نادر ، فمن أجل ذلك اعتبر العدلان من خارج ، والاخبار السابقة التي استند إليها الأصحاب منها ما هو مطلق يمكن أن يقيد بهذين الخبرين مثل قوله عليه‌السلام (1) «لا أجيز في الهلال إلا شهادة رجلين عدلين». والحصر هنا إضافي بالنسبة الى عدم جواز شهادة النساء ويكون مخصوصا بالعلة المانعة من الرؤية الشائعة. واما اخبار القضاء فهي ظاهرة في كون الشاهدين من خارج البلد كما ذكرناه في المسألة السابقة.

وبالجملة فإن ظاهر كلام الأصحاب ان محل النزاع هو انه هل يكتفى بالعدلين في ثبوت الهلال أم لا؟ وليس الأمر كذلك إنما محل النزاع في انه متى كانت السماء خالية من العلة المانعة للرؤية وتوجه الناس الى رؤيته فهل يكفى العدلان خاصة كما يدعيه أصحاب القول المشهور أو لا بد من الرؤية اليقينية التي هي عبارة عن رؤية المكلف نفسه أو حصول الشياع الموجب للعلم؟ والروايات قد استفاضت بأنه لا بد من الرؤية اليقينية الموجبة للعلم لمن لم يره فإنه في صورة عدم العلة المانعة من الرؤية في جانب الرائي والمرئي لا يختص به واحد أو مائة من الف بل كل من نظر رأى.

وهذا هو الذي انصبت عليه الروايات ، ومنها صحيحة محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه‌السلام (2) قال : «إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا ، وليس بالرأي ولا بالتظني ولكن بالرؤية ، والرؤية ليس أن يقوم عشرة فينظروا فيقول واحد هو ذا وينظر تسعة فلا يرونه ، إذا رآه واحد رآه عشرة والف. وإذا كانت علة فأتم شعبان ثلاثين».

__________________

(1) وهو صحيح الحلبي المتقدم ص 253.

(2) الوسائل الباب 11 من أحكام شهر رمضان.


وزاد حماد في روايته (1) «وليس أن يقول رجل هو ذا هو ، لا أعلم إلا قال ولا خمسون».

وفي رواية أبي العباس عن ابى عبد الله عليه‌السلام (2) قال : «الصوم للرؤية والفطر للرؤية ، وليس الرؤية أن يراه واحد ولا اثنان ولا خمسون». الى غير ذلك من ما هو بهذا المعنى.

وحينئذ فإذا كانت الاخبار قد فسرت الرؤية في هذه الصورة بهذا المعنى ومنعت من العمل على الظن وشهادة العدلين إنما تفيد عندهم الظن فكيف يكتفى بها هنا؟

واما ما ذهب اليه سلار من الاكتفاء بالواحد فاحتج له في المختلف بما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن قيس عن ابى جعفر عليه‌السلام (3) قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام إذا رأيتم الهلال فأفطروا أو شهد عليه عدل من المسلمين ، وان لم تروا الهلال إلا من وسط النهار أو آخره فأتموا الصيام الى الليل ، وان غم عليكم فعدوا ثلاثين ليلة ثم أفطروا».

وأجاب عنه العلامة في جملة من كتبه بان لفظ العدل يصح إطلاقه على الواحد فما زاد لانه مصدر يصدق على القليل والكثير ، تقول رجل عدل ورجلان عدل ورجال عدل.

أقول : لا يخفى ان الشيخ قد روى هذه الرواية تارة بما نقلناه (4) ورواها بسند آخر وفيها مكان «أو شهد عليه عدل» «واشهدوا عليه عدولا» هكذا في التهذيب (5) وفي الاستبصار (6) هكذا «إذا رأيتم الهلال فأفطروا أو يشهد عليه

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 11 من أحكام شهر رمضان.

(3) الوسائل الباب 8 من أحكام شهر رمضان.

(4) التهذيب ج 4 ص 158.

(5) ج 4 ص 177 وفي التعليقة 2 في هذه الطبعة هكذا : «نسخة في المخطوطات : أو شهد عليه عدل».

(6) ج 2 ص 64 وفيه «أو تشهد عليه بينة عدول من المسلمين» وفي ص 73 «أو يشهد عليه عدل من المسلمين».


بينة عدل من المسلمين». وعلى هذا الاضطراب يسقط التعلق بالخبر المذكور سيما مع معارضته بالأخبار المستفيضة بالشاهدين عموما وخصوصا.

وينبغي التنبيه هنا على أمور :

الأول ـ قد صرح جملة من الأصحاب : منهم ـ العلامة وغيره بأنه لا يعتبر في ثبوت الهلال بالشاهدين في الصوم والفطر حكم الحاكم بل لو رآه عدلان ولم يشهدا عند الحاكم وجب على من سمع شهادتهما وعرف عدالتهما الصوم أو الفطر.

وهو كذلك لقول الصادق عليه‌السلام في صحيحة منصور بن حازم (1) «فان شهد عندكم شاهدان مرضيان بأنهما رأياه فاقضه».

وفي صحيحة الحلبي (2) وقد قال له : «أرأيت ان كان الشهر تسعة وعشرين يوما اقضى ذلك اليوم؟ قال : لا إلا ان يشهد لك بينة عدول فان شهدوا أنهم رأوا الهلال قبل ذلك فاقض ذلك اليوم».

أقول : والظاهر ان هذا الحكم لا ريب فيه ولا اشكال ، وإنما الإشكال في انه هل يجب على المكلف العمل بحكم الحاكم الشرعي متى ثبت ذلك عنده وحكم به أم لا بد من سماعه بنفسه من الشاهدين؟

ظاهر الأصحاب الأول بل زاد بعضهم كما سيأتي في المقام ان شاء الله تعالى الاكتفاء برؤية الحاكم الشرعي.

ويظهر من بعض أفاضل متأخري المتأخرين العدم وانه لا بد من سماعه من الشاهدين ، قال انه لا يجب على المكلف العمل بما ثبت عند الحاكم الشرعي هنا بل ان حصل الثبوت عنده وجب عليه العمل بمقتضى ذلك وإلا فلا ، لأن الأدلة الدالة على الفطر أو الصيام من الاخبار إما رؤية المكلف نفسه أو ثبوتها بالشياع أو

__________________

(1) الوسائل الباب 3 و 11 من أحكام شهر رمضان.

(2) الوسائل الباب 5 من أحكام شهر رمضان.


السماع من رجلين عدلين أو مضى ثلاثين يوما من شعبان أو شهر رمضان واما ثبوت دليل خامس وهو حكم الحاكم فلم نجد له ما يعتمد عليه ويركن اليه.

وظاهر كلامه اجراء البحث في غير مسألة الرؤية أيضا حيث قال بعد كلام في المقام : فلو ثبت عند الحاكم غصبية الماء فلا دليل على انه يجب على المكلف الاجتناب عنه وعدم التطهير به ، قال وكذا لو حكم بأنه دخل الوقت في زمان معين فلا حجة على انه يصح للمكلف إيقاع الصلاة فيه وان لم يلاحظه أو لاحظه واستقر ظنه بعدم الدخول ، ولهذا نظائر كثيرة لا تخفى على البصير المتتبع. انتهى.

والظاهر ان مستند من قال بوجوب العمل بحكم الحاكم في هذا المقام ونحوه هو الأخبار الدالة بعمومها أو إطلاقها على وجوب الرجوع الى ما يحكم به الفقيه النائب عنهم (عليهم‌السلام) :

مثل قول الصادق عليه‌السلام في مقبولة عمر بن حنظلة (1) «فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما استخف بحكم الله وعلينا رد والراد علينا الراد على الله عزوجل».

وقول صاحب الزمان (عجل الله فرجه) في توقيع إسحاق بن يعقوب (2) «واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وانا حجة الله». وأمثال ذلك من ما يدل على وجوب الرجوع الى نوابهم (عليهم‌السلام)

وخصوص صحيح محمد بن قيس عن ابى جعفر عليه‌السلام (3) قال : «إذا شهد عند الامام شاهدان أنهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوما أمر الإمام بالإفطار. الحديث».

ويعضده أيضا الأخبار المطلقة بشهادة العدلين في الرؤية.

وأنت خبير بأن للمناقشة في ذلك مجالا : أما المقبولة المذكورة ونحوها فان المتبادر منها بقرينة السياق والمقام إنما هو الرجوع في ما يتعلق بالدعاوي والقضاء بين الخصوم أو الفتوى في الأحكام الشرعية ، وهو من ما لا نزاع فيه لاختصاص

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 11 من صفات القاضي وما يجوز ان يقضى به.

(3) الوسائل الباب 6 من أحكام شهر رمضان.


الحاكم به إجماعا نصا وفتوى.

واما صحيحة محمد بن قيس فالظاهر من لفظ الامام فيها إنما هو إمام الأصل أو ما هو الأعم منه ومن أئمة الجور وخلفاء العامة المتولين لأمور المسلمين ، فإن الإمام إنما يحتمل انصرافه الى من عدا من ذكرناه في مثل إمامة الجمعة والجماعة حيث اشترط بالإمام ، واما في مثل هذا المقام فلا مجال لاحتمال غير من ذكرناه بحيث يدخل فيه الفقيه. نعم للقائل أن يقول إذا ثبت ذلك لإمام الأصل ثبت لنائبه لحق النيابة. إلا انه لا يخلو ايضا من شوب الإشكال لعدم الوقوف على دليل لهذه الكلية وظهور أفراد كثيرة يختص بها الامام دون نائبه.

واما باقي الأخبار الواردة في المسألة فهي وان كانت مطلقة إلا انه يمكن حملها على ما ذكرناه من الاخبار المقيدة التي تقدم بعضها في صدر المسألة.

وبالجملة فالمسألة عندي موضع توقف واشكال لعدم الدليل الواضح في وجوب الأخذ بحكم الحاكم بحيث يشمل موضع النزاع.

ثم أنت خبير أيضا بان ما ذكروه من العموم انه لو ثبت عند الحاكم بالبينة نجاسة الماء وحرمة اللحم ولم يثبت عند المكلف لعدم سماعه من البينة مثلا فان تنجيس الأول وتحريم الثاني بالنسبة إليه بناء على وجوب الأخذ عليه بحكم الحاكم ينافي الأخبار الدالة على ان «كل شي‌ء طاهر حتى تعلم انه قذر» (1). و «كل شي‌ء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعلم الحرام بعينه فتدعه» (2). حيث انهم لم يجعلوا من طرق العلم في القاعدتين المذكورتين حكم الحاكم بذلك وإنما ذكروا اخبار المالك وشهادة الشاهدين وعلى ذلك تدل الاخبار أيضا (3) وظاهر كلامهم هو شهادتهما

__________________

(1) الوسائل الباب 37 من النجاسات واللفظ «كل شي‌ء نظيف».

(2) الوسائل الباب 4 من ما يكتسب به والباب 64 من الأطعمة المحرمة والباب 61 من الأطعمة المباحة باختلاف في اللفظ.

(3) الوسائل الباب 6 من ما يكتسب به والباب 61 من الأطعمة المباحة. وارجع الى ج 5 ص 252.


عند المكلف وسماعه منهما ، ولهذا ان بعضهم اكتفى هنا بقول العدل الواحد كما حققناه في صدر كتاب الدرر النجفية.

ومن ما يدل على ان المدار إنما هو على سماع المكلف من الشاهدين قول الصادق عليه‌السلام في بعض اخبار الجبن (1) «كل شي‌ء لك حلال حتى يجيئك شاهدان يشهدان عندك ان فيه ميتة».

وبالجملة فإن غاية ما يستفاد من الاخبار بالنسبة إلى الحاكم الشرعي هو اختصاص الفتوى في الأحكام الشرعية والقضاء بين الخصوم به وكذا ما يتعلق بالحقوق الإلهية ، وجملة من الأخبار كما عرفت قد دلت على انه يكفى في ثبوت ما نحن فيه سماع المكلف من الشاهدين من غير توقف على حكم الحاكم ، وحينئذ فلا يكون ذلك من ما يختص بالحاكم مثل الأشياء المتقدمة ، فوجوب رجوع المكلف الى حكم الحاكم في ما نحن فيه يحتاج الى دليل ومجرد نيابته عنهم (عليهم‌السلام) قد عرفت ما فيه.

نعم ربما يشكل بما إذا كان المكلف جاهلا لا يعرف معنى العدالة ليحصل ثبوت الحكم عنده بشهادة العدلين كما يشير اليه كلام السيد السند في المدارك.

إلا ان فيه ان الظاهر ان هذا ليس بعذر شرعي يسوغ له وجوب الرجوع الى حكم الحاكم لاستناده الى تقصيره بالبقاء على جهله وعدم تحصيل العلم الذي استفاضت الأخبار بوجوبه عليه (2) على ان هذا الإيراد لا يختص بهذا المقام بل يجري في الطلاق المشترط بالعدلين وصلاة الجماعة ونحو ذلك.

الثاني ـ هل يثبت الهلال بالشهادة على الشهادة؟ قيل لا وبه قطع العلامة في التذكرة على ما نقل عنه وأسنده إلى علمائنا ، واستدل عليه بأصالة البراءة واختصاص ورود القبول بالأموال وبحقوق الآدميين وقيل نعم وبه جزم شيخنا الشهيد الثاني

__________________

(1) الوسائل الباب 61 من الأطعمة المباحة.

(2) الوسائل الباب 4 من صفات القاضي وما يجوز ان يقضى به.


من غير نقل خلاف أخذا بالعموم وانتفاء ما يصلح للتخصيص ، والتفاتا الى ان الشهادة حق لازم الأداء فيجوز الشهادة عليه كسائر الحقوق. قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه ، ولا بأس به.

أقول : لا يخفى ان ما عدا الأخذ بالعموم من التعليل الأخير لا يخلو من نظر ، وما ذكره من العموم جيد. وما ذكره العلامة (رحمه‌الله) من اختصاص ورود القبول بالأموال وحقوق الآدميين ممنوع ، فإن الأخبار الواردة في الشهادة على الشهادة (1) مطلقة ليس في شي‌ء منها تقييد بما ادعاه ، نعم ذلك في كلام الأصحاب حيث انهم إنما أوردوا هذه الأخبار في المقامين المذكورين في كلامه.

واما ما ذكره الفاضل الخراساني في الذخيرة ـ حيث اختار مذهب العلامة هنا فقال بعد نقل قول العلامة أولا ثم قول الشهيد الثاني : ولعل الترجيح للأول للأصل السالم عن المعارض فان المتبادر من النصوص شهادة الأصل. انتهى ـ

أقول : الظاهر ان مراد شيخنا المشار اليه بالعموم إنما هو عموم أخبار الشهادة على الشهادة وشمولها للشهادة على الهلال ونحوها لا عموم أخبار شهادة العدلين في رؤية الهلال (2) كما يظهر من كلامه ، فان الظاهر ان شيخنا المذكور لا ينازع هنا في كون المراد بالعدلين هنا شاهدي الأصل ، كيف وشهود الفرع تزيد على هذا العدد فكيف يظن به ما توهمه؟ وإنما أراد الاخبار الدالة على قبول الشهادة على الشهادة كما ذكرناه ـ

ثم انه قد صرح جملة من الأصحاب بأنه لو استند الشاهدان الى الشياع المفيد للعلم وجب القبول.

ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن هشام بن الحكم عن ابى عبد الله عليه‌السلام (3) انه قال في من صام تسعة وعشرين قال : «ان كانت له بينة عادلة على أهل

__________________

(1) الوسائل الباب 4 من كتاب الشهادات.

(2) الوسائل الباب 11 من أحكام شهر رمضان.

(3) الوسائل الباب 5 من أحكام شهر رمضان.


مصر انهم صاموا ثلاثين على رؤيته قضى يوما».

الثالث ـ هل يكفى قول الحاكم الشرعي في ثبوت الهلال؟ وجهان :

أحدهما ـ وهو خيرة الشهيد في الدروس ـ نعم ، حيث قال : وهل يكفى قول الحاكم وحده في ثبوت الهلال؟ الأقرب نعم.

وعلله السيد السند في المدارك بعموم ما دل على ان للحاكم أن يحكم بعلمه ولأنه لو قامت البينة عنده فحكم بذلك وجب الرجوع الى حكمه كغيره من الأحكام والعلم أقوى من البينة. ولان المرجع في الاكتفاء بشهادة العدلين وما تتحقق به العدالة إلى قوله فيكون مقبولا.

ويحتمل العدم لإطلاق قوله عليه‌السلام (1) : «لا أجيز في رؤية الهلال إلا شهادة رجلين عدلين».

والفاضل الخراساني ـ حيث اختار في الذخيرة ما ذهب إليه في الدروس ـ جمد على التعليل الأول ولم يذكر ما يدل على احتمال العدم. وأنت خبير بما فيه بعد الإحاطة بما قدمنا تحقيقه.

وكلام السيد السند هنا ظاهر في ما أسلفنا نقله عنهم من حكمهم بوجوب الأخذ بما يحكم به الحاكم كائنا ما كان ، ولم يتوقف إلا في الاعتماد على قول الحاكم إذا كان هو الرائي فاحتمل عدم العمل بقوله نظرا إلى إطلاق الخبر الذي نقله ، وبمضمونه أيضا أخبار أخر (2).

الرابع ـ قد صرح جملة من الأصحاب ـ بل الظاهر انه المشهور ـ بان حكم البلاد المتقاربة كبغداد والكوفة واحد فإذا رئي الهلال في أحدهما وجب الصوم على ساكنيهما ، اما لو كانت متباعدة كبغداد وخراسان والعراق والحجاز فان لكل بلد حكم نفسها. وهذا الفرق عندهم مبنى على كرؤية الأرض.

قال المحقق الشيخ فخر الدين في شرح القواعد : ومبنى هذه المسألة على ان

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 11 من أحكام شهر رمضان.


الأرض هل هي كرؤية أو مسطحة؟ والأقرب الأول لأن الكواكب تطلع في المساكن الشرقية قبل طلوعها في المساكن الغربية وكذا في الغروب ، وكل بلد غربي بعد عن الشرقي بألف ميل يتأخر غروبه عن غروب الشرقي ساعة واحدة ، وإنما عرفنا ذلك بإرصاد الكسوفات القمرية حيث ابتدأت في ساعات أقل من ساعات بلدنا في المساكن الغربية وأكثر من ساعات بلدنا في المساكن الشرقية ، فعرفنا ان غروب الشمس في المساكن الشرقية قبل غروبها في بلدنا وغروبها في المساكن الغربية بعد غروبها في بلدنا ، ولو كانت الأرض مسطحة لكان الطلوع والغروب في جميع المواضع في وقت واحد. ولأن السائر على خط من خطوط نصف النهار الى الجانب الشمالي يزداد عليه ارتفاع الشمالي وانخفاض الجنوبي وبالعكس. انتهى.

ونقل العلامة في التذكرة عن بعض علمائنا قولا بان حكم البلاد كلها واحد فمتى رئي الهلال في بلد وحكم بأنه أول الشهر كان ذلك الحكم ماضيا في جميع أقطار الأرض سواء تباعدت البلاد أو تقاربت اختلفت مطالعها أم لا.

ويظهر من العلامة في المنتهى الميل الى هذا القول حيث قال : إذا رأى الهلال أهل بلد وجب الصوم على جميع الناس سواء تباعدت البلاد أو تقاربت. وقال الشيخ (قدس‌سره) ان كانت البلاد متقاربة لا تختلف في المطالع كبغداد والبصرة كان حكمها واحدا وان تباعدت كبغداد ومصر كان لكل بلد حكم نفسه. ان كان بينهما هذه المسافة (1) لنا ـ انه يوم من شهر رمضان في بعض البلاد للرؤية وفي الباقي بالشهادة فيجب صومه لقوله تعالى «فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ» (2). ولأن البينة العادلة شهدت بالهلال فيجب الصوم كما لو تقاربت البلاد. ولانه شهد برؤيته من يقبل قوله فيجب القضاء لو فات ، لما رواه الشيخ عن ابن مسكان والحلبي جميعا عن ابى عبد الله عليه‌السلام (3) قال فيها : «إلا أن يشهد لك بينة عدول فان شهدوا

__________________

(1) ارجع الى الاستدراكات في آخر الكتاب.

(2) سورة البقرة الآية 182.

(3) الوسائل الباب 5 من أحكام شهر رمضان.


أنهم رأوا الهلال قبل ذلك فاقض ذلك اليوم». وفي رواية منصور بن حازم عنه عليه‌السلام (1) «فان شهد عندك شاهدان مرضيان بأنهما رأياه فاقضه». وفي الحسن عن ابى بصير عن ابى عبد الله عليه‌السلام (2) «انه سئل عن اليوم الذي يقضى من شهر رمضان فقال لا تقضه إلا أن يشهد شاهدان عدلان من جميع أهل الصلاة متى كان رأس الشهر. وقال لا تصم ذلك اليوم الذي يقضى إلا أن يقضي أهل الأمصار فإن فعلوا فصمه». علق عليه‌السلام وجوب القضاء بشهادة العدلين من جميع المسلمين وهو نص في التعميم قربا وبعدا ، ثم عقبه بمساواته لغيره من أهل الأمصار ولم يعتبر عليه‌السلام القرب في ذلك ، وفي حديث عبد الرحمن بن ابى عبد الله عن ابى عبد الله عليه‌السلام (3) «فان شهد أهل بلد آخر فاقضه». ولم يعتبر القرب أيضا ، وفي الصحيح عن هشام ابن الحكم عن ابى عبد الله عليه‌السلام (4) قال في من صام تسعة وعشرين قال : «ان كانت له بينة عادلة على أهل مصر انهم صاموا ثلاثين على رؤية الهلال قضى يوما». علق عليه‌السلام قضاء اليوم على الشهادة على مصر وهو نكرة شائعة تتناول الجميع على البدل فلا تخصيص في الصلاحية لبعض الأمصار إلا بدليل. والأحاديث كثيرة بوجوب القضاء إذا شهدت البينة بالرؤية ولم يعتبروا قرب البلاد وبعدها. ثم نقل رواية عامية (5) دليلا للقول الآخر الى ان قال : ولو قالوا ـ ان البلاد المتباعدة تختلف عروضها فجاز أن يرى الهلال في بعضها دون بعض لكروية الأرض ـ قلنا ان المعمورة منها قدر يسير وهو الربع ولا اعتداد به عند السماء. وبالجملة ان علم طلوعه

__________________

(1) الوسائل الباب 3 و 11 من أحكام شهر رمضان.

(2 و 3) الوسائل الباب 12 من أحكام شهر رمضان.

(4) الوسائل الباب 5 من أحكام شهر رمضان.

(5) وهي رواية كريب المتضمنة لرؤية هلال شهر رمضان في الشام ليلة الجمعة وفي المدينة ليلة السبت ، وان ابن عباس لم يعتبر رؤيته في الشام استنادا إلى أمر رسول الله (ص) سنن البيهقي ج 4 ص 251.


في بعض الأصقاع وعدم طلوعه في بعضها المتباعد عنه لكروية الأرض لم يتساو حكماهما اما بدون ذلك فالتساوي هو الحق. انتهى.

أقول : وما ذكره (قدس‌سره) هو الحق المعتضد بالأخبار الصريحة الصحيحة التي نقل بعضها.

واما ما ذكره الفاضل الخراساني في الذخيرة من الأجوبة هنا عن كلامه فهو من جملة تشكيكاته الركيكة واحتمالاته الواهية.

واما قوله أخيرا ـ وبالجملة. الى آخره ـ فالظاهر انه اشارة إلى منع ما ادعوه من الطلوع في بعض وعدم الطلوع في بعض للتباعد وانه غير واقع ، لما ذكره أولا من ان المعمور من الأرض قدر يسير لا اعتداد به بالنسبة إلى سعة السماء ، وانه لو فرض حصول العلم بذلك فالحكم عدم التساوي ، فلا منافاة فيه لأول كلامه كما استدركوه عليه.

وملخصه انا نقول بوجوب الصوم أو القضاء مع الفوات متى ثبتت الرؤية في بلد آخر قريبا أو بعيدا ، وما ادعوه من الطلوع في بعض وعدم الطلوع في آخر بناء على ما ذكروه من الكروية ممنوع.

أقول : ومن ما يبطل القول بالكروية (1) انهم جعلوا من فروع ذلك أن يكون يوم واحد خميسا عند قوم وجمعة عند آخرين وسبتا عند قوم وهكذا وهذا من ما ترده الأخبار المستفيضة في جملة من المواضع ، فان المستفاد منها على وجه لا يزاحمه الريب والشك ان كل يوم من أيام الأسبوع وكل شهر من شهور السنة أزمنة معينة معلومة نفس أمرية ، كالأخبار الدالة على فضل يوم الجمعة وما يعمل فيه واحترامه وانه سيد الأيام وسيد الأعياد وان من مات فيه كان شهيدا ونحو ذلك (2) وما ورد

__________________

(1) ارجع الى التعليقة 4 ص 267.

(2) الوسائل الباب 6 الى 12 من الأغسال المسنونة والباب 30 الى 57 من صلاة الجمعة وآدابها.


في أيام الأعياد من الأعمال والفضل ، وما ورد في يوم الغدير ونحوه من الأيام الشريفة (1) وما ورد في شهر رمضان من الفضل والأعمال والاحترام ونحو ذلك (2) فان ذلك كله ظاهر في انها عبارة عن أزمان معينة نفس أمرية واللازم على ما ادعوه من الكروية انها اعتبارية باعتبار قوم دون آخرين ، ومثل الأخبار الواردة في زوال الشمس وما يعمل بالشمس في وصولها إلى دائرة نصف النهار وما ورد في ذلك من الأعمال (3) فإنه بمقتضى الكروية يكون ذلك من طلوع الشمس الى غروبها لا اختصاص به بزمان معين لأن دائرة نصف النهار بالنسبة الى كل قوم غيرها بالنسبة إلى آخرين.

وبالجملة فبطلان هذا القول بالنظر الى الأدلة السمعية والاخبار النبوية أظهر من ان يخفى (4) وما رتبوه عليه في هذه المسألة من هذا القبيل ، وعسى ان ساعد التوفيق ان أكتب رسالة شافية مشتملة على الأخبار الصحيحة الصريحة في دفع هذا القول ان شاء الله تعالى.

وبذلك يظهر ان ما فرعوه على اختلاف الحكم في هذه المسألة ليس في محله ،

__________________

(1) تجد ذلك كله في الوسائل في أبواب الأغسال المسنونة وأبواب صلاة العيد وأبواب بقية الصلوات المندوبة وأبواب الصوم المندوب وأبواب المزار من كتاب الحج.

(2) الوسائل أبواب الأغسال المسنونة وأبواب نافلة شهر رمضان وأبواب أحكام شهر رمضان.

(3) الوسائل الباب 12 من مواقيت الصلاة.

(4) ان كرؤية الأرض أصبحت في عصرنا هذا من الأمور الواضحة البديهية التي ليس للنقاش فيها أى مجال ، والذي يوضح ذلك أولا ـ اختلاف البلدان الشرقية والغربية في الليل والنهار ففي الوقت الذي يكون النهار في الشرق يكون الليل في الغرب كما أصبح ذلك واضحا من طريق الآلات الحديثة. وثانيا ـ ان السائر من آية نقطة من نقاط الأرض بنحو الاستقامة إلى الشرق لا بد أن ينتهي إليها من طرف الغرب وبالعكس هذا وليس في الآيات والاخبار ما ينافي ذلك بل فيها ما يدل على ذلك ، راجع البيان لآية الله الخوئي ج 1 ص 55.


حيث ان جمعا منهم قالوا انه يتفرع على اختلاف الحكم بالتباعد ان المكلف بالصوم لو رأى الهلال في بلد وسافر الى بلد آخر يخالفه في حكمه انتقل حكمه إليه ، فلو رأى الهلال في بلد ليلة الجمعة مثلا ثم سافر الى بلدة بعيدة شرقية قد رئي فيها ليلة السبت أو بالعكس صام في الأول أحدا وثلاثين ويفطر في الثاني على ثمانية وعشرين ولو أصبح معيدا ثم انتقل ليومه ووصل قبل الزوال أمسك بالبينة وأجزأه ، ولو وصل بعد الزوال أمسك مع القضاء ، ولو أصبح صائما للرؤية ثم انتقل احتمل جواز الإفطار لانتقال الحكم وعدمه لتحقق الرؤية وسبق التكليف بالصوم ، فانا نمنع وقوع هذه الفروض.

قال في الدروس بعد ذكر ذلك : ولو روعي الاحتياط في هذه الفروض كان أولى.

وقال في المسالك : والأولى مراعاة الاحتياط في هذه الفروض لعدم النص وإنما هي أمور اجتهادية قد فرعها العلماء على هذه المسألة مختلفين فيها. انتهى.

أقول : بل الأظهر بناء على ما ذكروه من إمكان وقوع ذلك هو وجوب الاحتياط لا استحبابه كما يظهر من كلامهم.

ثم ان ممن وافقنا على ما ذكرناه واختار في هذه المسألة ما اخترناه المحدث الكاشاني في الوافي حيث قال بعد نقل جملة من الاخبار الدالة على القضاء بشهادة أهل بلد اخرى : إنما قال عليه‌السلام فان شهد أهل بلد آخر فاقضه لأنه إذا رآه واحد في البلد رآه الف كما مر. والظاهر انه لا فرق بين ان يكون ذلك البلد المشهود برؤيته فيه من البلاد القريبة من هذا البلد أو البعيدة منه ، لأن بناء التكليف على الرؤية لا على جواز الرؤية ، ولعدم انضباط القرب والبعد لجمهور الناس ، ولإطلاق اللفظ فما اشتهر بين متأخري أصحابنا ـ من الفرق ثم اختلافهم في تفسير القرب والبعد بالاجتهاد ـ لا وجه له. انتهى.

الخامس ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لا اعتبار


بالجدول ولا بالعدد ولا بغيبوبة الهلال بعد الشفق ولا برؤيته يوم الثلاثين قبل الزوال ولا بتطوقه ولا بعد خمسة أيام من أول الهلال من السنة الماضية.

والكلام في تفصيل هذه الجملة يقع في مواضع الأول ـ في الجدول وهو حساب مخصوص مأخوذ من سير القمر واجتماعه بالشمس ، ولا ريب في عدم اعتباره لاستفاضة الروايات بان الطريق الى ثبوت دخول الشهر اما الرؤية أو مضى ثلاثين يوما من الشهر المتقدم. وأيضا فإن أكثر أحكام التنجيم مبنية على قواعد كلية مستفادة من الحدس التي تخطئ أكثر من ما تصيب.

وحكى الشيخ في الخلاف عن شاذ منا العمل بالجدول ، ونقله في المنتهى عن بعض الجمهور (1) تمسكا بقوله تعالى (وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) (2) وبان الكواكب والمنازل يرجع إليها في القبلة والأوقات وهي أمور شرعية فكذا هنا.

والجواب ان الاهتداء بالنجم يتحقق بمعرفة الطرق ومسالك البلدان وتعرف الأوقات ، والذي يرجع إليه في الوقت والقبلة مشاهدة النجم لا ظنون أهل التنجيم الكاذبة في كثير من الأوقات ، قال في التذكرة : وقد شدد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله النهى عن سماع كلام المنجم حتى قال صلى‌الله‌عليه‌وآله (3) من صدق كاهنا أو منجما فهو كافر بما أنزل الله على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

أقول : ومن ما يستأنس به لذلك ما رواه الشيخ في التهذيب عن محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن عيسى (4) قال : «كتب إليه أبو عمرو أخبرني يا مولاي انه ربما أشكل علينا هلال شهر رمضان فلا نراه ونرى السماء ليست فيها علة فيفطر الناس ونفطر معهم ، ويقول قوم من الحساب قبلنا انه يرى في تلك الليلة بعينها في بمصر وإفريقية والأندلس فهل يجوز يا مولاي ما قال الحساب في هذا الباب حتى

__________________

(1) المجموع ج 6 ص 279.

(2) سورة النحل الآية 17.

(3) الوسائل الباب 15 من أحكام شهر رمضان والباب 24 من ما يكتسب به.

(4) الوسائل الباب 15 من أحكام شهر رمضان.


يختلف الفرض على أهل الأمصار فيكون صومهم خلاف صومنا وفطرهم بخلاف فطرنا؟ فوقع عليه‌السلام لا تصومن الشك أفطر لرؤيته وصم لرؤيته».

قال في الوافي بعد ذكر هذا الخبر : بيان ـ يعنى لا تدخل في الشك بقول الحساب واعمل على يقينك المستفاد من الرؤية ، وهذا لا ينافي وجوب القضاء لو ثبتت الرؤية في بلد آخر بشهود عدول ، وانما لم يجبه عليه‌السلام عن سؤاله عن جواز اختلاف الفرض على أهل الأمصار صريحا لأنه قد فهم ذلك من ما أجابه ضمنا ، وذلك فإنه فهم من كلامه عليه‌السلام ان اختلاف الفرض ان كان لاختلاف الرؤية فجائز وان كان لجواز الرؤية بالحساب فغير جائز ، ولا فرق في ذلك بين البلاد المتقاربة والمتباعدة كما قلناه. انتهى. وأشار بقوله كما قلناه الى ما قدمنا نقله عنه.

الثاني ـ في العدد وهو عبارة عن عد شعبان ناقصا أبدا وشهر رمضان تاما أبدا ، وما ذكرناه من عدم الاعتبار به هو المشهور بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) وذهب الصدوق في الفقيه الى العمل بذلك ، وربما نقل عن الشيخ المفيد في بعض كتبه.

قال في الفقيه ـ بعد أن نقل فيه روايتي حذيفة بن منصور الآتيتين الدالتين على ان شهر رمضان ثلاثون يوما لا ينقص والله أبدا ـ ما صورته : قال مصنف هذا الكتاب من خالف هذه الأخبار وذهب الى الأخبار الموافقة للعامة في ضدها اتقى كما يتقي العامة ولا يكلم إلا بالتقية (1) كائنا من كان إلا أن يكون مسترشدا فيرشد ويبين له ، فإن البدعة إنما تماث وتبطل بترك ذكرها ولا قوة إلا بالله. انتهى.

وقال المحقق في المعتبر : ولا بالعدد فان قوما من الحشوية يزعمون ان شهور السنة قسمان ثلاثون يوما وتسعة وعشرون يوما فرمضان لا ينقص أبدا وشعبان لا يتم أبدا محتجين بأخبار منسوبة الى أهل البيت (عليهم‌السلام) يصادمها عمل

__________________

(1) لما سيأتي ص 272 في بعض الروايات من رواية العامة ان رسول الله (ص) صام تسعة وعشرين أكثر من ما صام ثلاثين ، وتكذيب ذلك في تلك الروايات.


المسلمين في الأقطار بالرؤية وروايات صريحة لا يتطرق إليها الاحتمال فلا ضرورة إلى ذكرها. انتهى.

أقول : ولا بد في المقام من ذكر اخبار الطرفين وبيان ما هو الحق في البين :

فنقول من الأخبار الدالة على القول المشهور ما رواه الشيخ في الصحيح عن حماد بن عثمان عن أبى عبد الله عليه‌السلام (1) «انه قال في شهر رمضان هو شهر من الشهور يصيبه ما يصيب الشهور من النقصان».

وفي الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه‌السلام (2) قال : «إذا كانت علة فأتم شعبان ثلاثين».

وفي الصحيح عن عبد الله الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (3) «انه سئل عن الأهلة فقال هي أهلة الشهور فإذا رأيت الهلال فصم وإذا رأيته فأفطر. قال قلت : أرأيت ان كان الشهر تسعة وعشرين يوما اقضى ذلك اليوم؟ فقال : لا إلا ان يشهد بذلك بينة عدول فان شهدوا أنهم رأوا الهلال قبل ذلك فاقض ذلك اليوم». وبهذا المضمون أخبار عديدة.

وما رواه في التهذيب عن هارون بن حمزة الغنوي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (4) قال : «سمعته يقول إذا صمت لرؤية الهلال وأفطرت لرؤيته فقد أكملت صيام شهر رمضان». ورواه بهذا الاسناد في موضع آخر (5) بدون لفظة «رمضان» وزاد «وان لم تصم إلا تسعة وعشرين يوما فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : الشهر هكذا وهكذا وهكذا ، وأشار بيده الى عشرة وعشرة وتسعة».

وما رواه في التهذيب عن صبار مولى ابى عبد الله عليه‌السلام (6) قال : «سألته عن الرجل يصوم تسعة وعشرين يوما ويفطر للرؤية ويصوم للرؤية أيقضى يوما؟

__________________

(1 و 2 و 6) الوسائل الباب 5 من أحكام شهر رمضان.

(3) الوسائل الباب 3 و 5 من أحكام شهر رمضان رقم 18 و 17.

(4 و 6) الوسائل الباب 3 من أحكام شهر رمضان.


قال : كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول لا إلا أن يجي‌ء شاهدان عدلان فيشهدا أنهما رأياه قبل ذلك بليلة فيقضي يوما».

وما رواه في الصحيح عن هشام بن الحكم عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) «انه قال في من صام تسعة وعشرين قال : ان كانت له بينة عادلة على أهل مصر انهم صاموا ثلاثين على رؤيته قضى يوما».

وما رواه فيه عن أبى خالد الواسطي (2) قال : «أتينا أبا جعفر عليه‌السلام في يوم يشك فيه من رمضان. ثم ساق الخبر الى أن قال : ثم قال حدثني ابى على بن الحسين عن على (عليهم‌السلام) ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما ثقل في مرضه قال أيها الناس ان السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم. قال : ثم قال بيده فذاك رجب مفرد وذو القعدة وذو الحجة والمحرم ثلاثة متواليات ، ألا وهذا الشهر المفروض رمضان فصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإذا خفي الشهر فأتموا العدة شعبان ثلاثين يوما وصوموا الواحد وثلاثين. وقال بيده الواحد واثنان وثلاثة واحد واثنان وثلاثة ويزوي إبهامه. ثم قال أيها الناس شهر كذا وشهر كذا. وقال على عليه‌السلام صمنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تسعة وعشرين ولم نقضه ورآه تاما. وقال على عليه‌السلام قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من الحق في رمضان يوما من غيره متعمدا فليس بمؤمن بالله ولا بي».

وما رواه في التهذيب عن جابر عن ابى عبد الله عليه‌السلام (3) قال : «سمعته يقول ما أدرى ما صمت ثلاثين أكثر أو ما صمت تسعة وعشرين يوما ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال شهر كذا وشهر كذا وشهر كذا يعقد بيده تسعة وعشرين يوما».

الى غير ذلك من الأخبار الدالة على هذا القول ، ويبلغ ما أعرضنا عن نقله

__________________

(1 و 3) الوسائل الباب 5 من أحكام شهر رمضان.

(2) التهذيب ج 4 ص 161 وفي الوسائل الباب 16 و 3 و 5 من أحكام شهر رمضان رقم 1 و 17 و 16.


من الاخبار اختصارا برواية الشيخ في التهذيب ما يقرب من اثنى عشر خبرا.

وقال في الفقه الرضوي (1) : وشهر رمضان ثلاثون يوما وتسعة وعشرون يوما يصيبه ما يصيب الشهور من التمام والنقصان ، والفرض فيه تام أبدا لا ينقص كما روى ، ومعنى ذلك الفريضة فيه الواجبة قد تمت ، وهو شهر قد يكون ثلاثين يوما وتسعة وعشرين يوما.

واما ما يدل على القول الآخر فهو ما رواه ثقة الإسلام في الكافي والصدوق في الفقيه عن حذيفة بن منصور عن معاذ بن كثير عن ابى عبد الله عليه‌السلام (2) قال : «شهر رمضان ثلاثون يوما لا ينقص والله أبدا».

وما رواه في التهذيب عن حذيفة بن منصور عن معاذ بن كثير (3) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ان الناس يقولون ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صام تسعة وعشرين أكثر من ما صام ثلاثين؟ (4) فقال : كذبوا ما صام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله منذ بعثه الله الى أن قبضه أقل من ثلاثين يوما ولا نقص شهر رمضان منذ خلق الله السماوات من ثلاثين يوما وليلة».

وما رواه في التهذيب عن حذيفة عن معاذ بن كثير (5) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ان الناس يروون ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صام تسعة وعشرين يوما؟ (6) قال فقال لي أبو عبد الله عليه‌السلام. لا والله ما نقص شهر رمضان منذ خلق الله السماوات والأرض من ثلاثين يوما وثلاثين ليلة».

وما رواه في التهذيب بهذا الاسناد (7) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ان الناس يروون عندنا ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صام هكذا وهكذا وهكذا ـ وحكى بيده يطبق احدى يديه على الأخرى عشرا وعشرا وتسعا ـ أكثر من ما صام هكذا وهكذا وهكذا يعنى عشرا وعشرا وعشرا؟ (8) قال فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : ما صام

__________________

(1) ص 24.

(2 و 3 و 5 و 7) الوسائل الباب 5 من أحكام شهر رمضان.

(4 و 6 و 8) سنن البيهقي ج 4 ص 250.


رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أقل من ثلاثين يوما وما نقص شهر رمضان من ثلاثين يوما منذ خلق الله السماوات والأرض».

وما رواه في التهذيب عن حذيفة بن منصور (1) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : لا والله لا والله ما نقص شهر رمضان ولا ينقص أبدا من ثلاثين يوما وثلاثين ليلة. فقلت لحذيفة لعله قال لك ثلاثين ليلة وثلاثين يوما كما يقول الناس الليل ليل النهار؟ فقال لي حذيفة : هكذا سمعت».

وما رواه في التهذيب عن محمد بن يعقوب بن شعيب عن أبيه (2) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ان الناس يقولون ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صام تسعة وعشرين يوما أكثر من ما صام ثلاثين يوما؟ (3) فقال : كذبوا ما صام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلا تاما وذلك قول الله تعالى (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ) (4) فشهر رمضان ثلاثون يوما وشوال تسعة وعشرون يوما وذو القعدة ثلاثون يوما لا ينقص أبدا ، لأن الله تعالى يقول : (وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً) (5) وذو الحجة تسعة وعشرون يوما ، ثم الشهور على مثل ذلك شهر تام وشهر ناقص ، وشعبان لا يتم أبدا».

وما رواه في التهذيب والفقيه عن محمد بن يعقوب بن شعيب عن أبيه عن ابى عبد الله عليه‌السلام (6) قال : «قلت له ان الناس يروون ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما صام من شهر رمضان تسعة وعشرين يوما أكثر من ما صام ثلاثين؟ (7) فقال : كذبوا ما صام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلا تاما ولا تكون الفرائض ناقصة ، ان الله تعالى خلق السنة ثلاثمائة وستين يوما وخلق السماوات والأرض في ستة أيام فحجزها من ثلاثمائة وستين يوما فالسنة ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوما ، وشهر رمضان ثلاثون

__________________

(1 و 2 و 6) الوسائل الباب 5 من أحكام شهر رمضان.

(3 و 7) سنن البيهقي ج 4 ص 250.

(4) سورة البقرة الآية 182.

(5) سورة الأعراف الآية 139.


يوما. وساق الحديث الى آخره».

وما رواه في الكافي عن العدة عن سهل عن محمد بن إسماعيل عن بعض أصحابه عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «ان الله عزوجل خلق الدنيا في ستة أيام ثم اختزلها عن أيام السنة والسنة ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوما ، شعبان لا يتم أبدا وشهر رمضان لا ينقص والله أبدا ولا تكون فريضة ناقصة ان الله تعالى يقول : (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ) (2) وشوال تسعة وعشرون يوما وذو القعدة ثلاثون يوما ، يقول الله عزوجل (وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) (3) وذو الحجة تسعة وعشرون يوما والمحرم ثلاثون يوما ثم الشهور بعد ذلك شهر تام وشهر ناقص».

وما رواه في التهذيب عن معاوية بن عمار عن أبى عبد الله عليه‌السلام (4) «في قوله تعالى : (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ)؟ قال : صوم ثلاثين يوما».

وما رواه في الفقيه (5) قال «سأل أبو بصير أبا عبد الله عن قول الله تعالى : (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ) (6) قال : ثلاثون يوما».

وما رواه في الفقيه عن ياسر الخادم (7) قال : «قلت للرضا عليه‌السلام هل يكون شهر رمضان تسعة وعشرين يوما؟ فقال : ان شهر رمضان لا ينقص من ثلاثين يوما أبدا».

أقول : قد ذكر أصحابنا (رضوان الله عليهم) في الجواب عن بعض هذه الأخبار ـ حيث لم يأتوا عليها كملا في مقام الاستدلال ـ أجوبة لا تشفي العليل ولا تبرد الغليل.

ولم أقف لأحد منهم على كلام شاف أحسن من ما ذكره المحدث الكاشاني

__________________

(1 و 4 و 5 و 7) الوسائل الباب 5 من أحكام شهر رمضان.

(2 و 6) سورة البقرة الآية 182.

(3) سورة الأعراف الآية 139.


في الوافي ذيل هذه الأخبار وانا أنقله بالتمام وان طال به زمام الكلام لما فيه من مزيد الفائدة في المقام :

قال (قدس‌سره) بعد نقل كلام صاحب الفقيه الذي قدمنا نقله : قال في التهذيبين ما ملخصه : ان هذه الأخبار لا يجوز العمل بها من وجوه : منها ـ ان متنها لا يوجد في شي‌ء من الأصول المصنفة وانما هو موجود في الشواذ من الاخبار ومنها ـ ان كتاب حذيفة بن منصور عرى منها والكتاب معروف مشهور ولو كان الحديث صحيحا عنه لضمنه كتابه. ومنها ـ انها مختلفة الألفاظ مضطربة المعاني لروايتها تارة عن أبى عبد الله عليه‌السلام بلا واسطة واخرى بواسطة واخرى يفتي الراوي بها من قبل نفسه فلا يسندها الى أحد. ومنها ـ أنها لو سلمت من ذلك كله لكانت اخبار آحاد لا توجب علما ولا عملا ، واخبار الآحاد لا يجوز الاعتراض بها على ظاهر القرآن والأخبار المتواترة. ومنها ـ تضمنها من التعليل ما يكشف عن انها لم تثبت عن إمام هدى ، وذلك كالتعليل بوعد موسى عليه‌السلام فان اتفاق تمام ذي القعدة في أيام موسى عليه‌السلام لا يوجب تمامه في مستقبل الأوقات ولا دلالة على انه لم يزل كذلك في ما مضى ، مع انه ورد في جواز نقصانه حديث ابن وهب (1) المتضمن انه أكثر نقصانا من سائر الشهور كما يأتي ، وكالتعليل باختزال الستة الأيام من السنة فإنه لا يمنع من اتفاق النقصان في شهرين وثلاثة على التوالي ، وكالتعليل بكون الفرائض لا تكون ناقصة فإن نقصان الشهر عن ثلاثين لا يوجب النقصان في فرض العمل فيه ، فان الله لم يتعبدنا بفعل الأيام وإنما تعبدنا بالفعل في الأيام ، وقد أجمع المسلمون على ان المطلقة في أول الشهر إذا اعتدت بثلاثة أشهر ناقص بعضها أنها مؤدية لفرض الله من العدة على الكمال دون النقصان ، وكذا الناذر لله صيام شهر يلي قدومه من سفره فاتفق أن يكون ذلك الشهر ناقصا ، وكذا التعليل بإكمال العدة فإن نقصان الشهر لا يوجب نقصان العدة في الفرض ، مع انه

__________________

(1) ص 278.


إنما ورد في علة وجوب قضاء المريض والمسافر ما فاتهما في شهر رمضان حيث يقول الله سبحانه (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ) (1) فأخبر سبحانه انه فرض عليهما القضاء لتكمل بذلك عدة شهر صيامهم كائنة ما كانت. ثم أول تلك الأخبار بتأويلات لا تخلو من بعد مع اختصاص بعضها ببعض الحديث كتأويله «ما صام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أقل من ثلاثين يوما» بأنه تكذيب للراوي من العامة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله انه صام تسعة وعشرين أكثر من ما صام ثلاثين (2) واخبار عن ما اتفق له من التمام على الدوام ، فان هذا لا يجري في تتمة الكلام من قوله «ولا نقص شهر رمضان منذ خلق الله السماوات من ثلاثين يوما وليلة» وكتأويله «شهر رمضان لا ينقص أبدا» بأنه لا يكون أبدا ناقصا بل قد يكون حينا تاما وحينا ناقصا فإنه لا يجري في سائر ألفاظ هذا الخبر ، وكتأويل «لم يصم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أقل من ثلاثين يوما» بأنه لم يصم أقل منه على أغلب أحواله كما ادعاه المخالفون ولا نقص شهر رمضان أى لم يكن نقصانه أكثر من تمامه كما زعموه ، فإنه أيضا مع بعده لا يجري في غير هذا اللفظ من ما تضمن هذا المعنى. وبالجملة فالمسألة من ما تعارض فيه الاخبار لامتناع الجمع بينها إلا بتعسف شديد ، فالصواب أن يقال فيها روايتان : إحداهما موافقة لقاعدة أهل الحساب وهي معتبرة إلا انها انما تعتبر إذا تغيمت السماء وتعذرت الرؤية ـ كما يأتي في باب العلامة عند تعذر الرؤية بيانه ـ لا مطلقا ومخالفة للعامة على ما قاله في الفقيه ، وذلك من ما يوجب رجحانها إلا انها غير مطابقة للظواهر والعمومات القرآنية ، ومع ذلك فهي متضمنة لتعليلات عليلة تنبو عنها العقول السليمة والطباع المستقيمة ويبعد صدورها عن أئمة الهدى (عليهم‌السلام) بل هي من ما يستشم منه رائحة الوضع ، والأخرى موافقة للعامة (3) كما

__________________

(1) سورة البقرة الآية 182.

(2 و 3) سنن البيهقي ج 4 ص 250.


قاله وذلك من ما يوجب ردها إلا انها مطابقة للظواهر والعمومات القرآنية ، ومع ذلك فهي أكثر رواة وأوثق رجالا وأسد مقالا وأشبه بكلام أئمة الهدى (عليهم‌السلام) وربما يشعر بعضها بذهاب بعض المخالفين الى ما يخالفها ، والخبر الآتي آنفا كالصريح في ذلك. وفائدة الاختلاف إنما تظهر في صيام يوم الشك وقضائه مع الفوات ، وقد مضى تحقيق ذلك في اخبار الباب الذي تقدم هذا الباب وفيه بلاغ وكفاية لرفع هذا الاختلاف والعلم عند الله. ثم روى عن التهذيب بسنده الى ابن وهب (1) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام ان الشهر الذي يقال انه لا ينقص ذو القعدة ليس في شهور السنة أكثر نقصانا منه». وهذا الخبر هو الذي أشار إليه بقوله : وربما يشعر بعضها. الى آخره. انتهى كلامه زيد مقامه.

أقول : والذي أقوله في هذا المقام ـ ويقرب عندي وان لم يتنبه له أحد من علمائنا الأعلام ـ هو انه لا ريب في اختلاف روايات الطرفين وتقابلها في البين ودلالة كل منها على ما استدل به من ذينك القولين ، وما ذكروه من تكلف جمعها على القول المشهور تكلف سحيق سخيف بعيد ظاهر القصور ، وان الأظهر من ذينك القولين هو القول المشهور لرجحان اخباره بما ذكره المحدث المشار اليه آنفا ، ويزيده اعتضادها بإجماع الفرقة الناجية سلفا وخلفا على القول بمضمونها وهو مؤذن بكون ذلك هو مذهب أهل البيت (عليهم‌السلام) وقول الصدوق نادر وان سجل عليه بما ذكره.

واما اخبار القول الآخر فأظهر الوجوه فيها هو الحمل على التقية لكن لا بالمعنى المشهور بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) لصراحتها في الرد على المخالفين وان ما دلت عليه خلاف ما هم عليه وانما التقية المرادة هنا هي ما قدمنا ذكره في المقدمة الاولى من مقدمات الكتاب (2) من إيقاعهم الاختلاف في الأحكام

__________________

(1) الوسائل الباب 5 من أحكام شهر رمضان.

(2) ج 1 ص 4 و 5.


الشرعية تقية وان لم يكن ثمة قائل من العامة ، والأمر ههنا كذلك ، وحيث انه قد استفاض عنهم القول بكون شهر رمضان يصيبه ما يصيب الشهور واشتهر ذلك عنهم (عليهم‌السلام) وان كان ذلك مذهب العامة أيضا شددوا بإنكاره في هذه الأخبار لأجل إيقاع الاختلاف بتكذيب العامة والحلف على انه ليس كذلك ، والاستدلال بتلك الأدلة الاقناعية ليتقوى عند الشيعة السامعين لذلك ضعف النقل الأول والقول المشتهر عنهم في تلك الأخبار ، فيحصل الاختلاف بين الشيعة ويتأكد ذلك ليترتب ما ذكروه في تلك الأخبار المتقدمة ثمة عليه من قولهم (عليهم‌السلام) (1) «لو اجتمعتم على أمر واحد لصدقكم الناس علينا ولكان أقل لبقائنا وبقائكم». ونحو ذلك من ما تقدم تحقيقه مستوفى مبرهنا في المقدمة الأولى.

هذا. ومظهر الخلاف في هذه المسألة إنما هو في صورة تعذر الرؤية كما تقدم في كلام المحدث الكاشاني ، وذلك فان الصدوق مع تصلبه ومبالغته في العمل باخبار الحساب قد صرح بوجوب الصيام للرؤية وعقد لذلك بابا فقال (2) باب «الصوم للرؤية والفطر للرؤية» وأورد فيه من الأخبار ما يدل بعضه على الرؤية المستندة إلى الشياع وبعضه على الرؤية المستندة إلى شهادة العدلين ، وحينئذ فلم يبق مظهر للخلاف إلا في الصورة المذكورة ، فعلى هذا لو غم الهلال في ليلة الثلاثين من شعبان فعلى تقدير العمل بقاعدة الحساب يجب أن يصام هذا اليوم بنية شهر رمضان لان شعبان عندهم بهذه القاعدة تسعة وعشرون يوما فيكون هذا اليوم أول شهر رمضان ، وعلى القول المشهور يجب أن يحكم به من شعبان ولا يجوز صيامه من شهر رمضان كما تقدمت الأخبار به الدالة على المنع من صيام يوم الشك بنية شهر رمضان فتكون هذه الاخبار عاضدة لاخبار القول المشهور في هذه المسألة ، وبه يظهر قوة القول المذكور وانه المؤيد المنصور وضعف ما عارضه وانه بمحل من القصور.

__________________

(1) في حديث زرارة في أصول الكافي ج 1 ص 65 وقد تقدم ج 1 ص 5.

(2) ج 2 ص 76 الطبع الحديث.


إلا ان العجب هنا من الصدوق في الفقيه فإنه وافق الأصحاب في هذه المسألة أيضا فقال باستحباب صومه بنية انه من شعبان وانه يجزئ عن شهر رمضان لو ظهر انه منه وحرم صومه بنية كونه من شهر رمضان كما لا يخفى على من راجع كتابه ، وحينئذ فما أدرى ما مظهر الخلاف عنده في القول بهذه الأخبار التي ذهب الى العمل بها؟ فإنه مع الرؤية يوجب العمل بها ومع عدم الرؤية لحصول المانع يمنع من الصيام بنية شهر رمضان ، ففي أي موضع يتحقق الحكم عنده بكون شعبان لا يكون إلا ناقصا ورمضان لا يكون إلا تاما؟ اللهمّ إلا أن يدعى ان الرؤية لا تحصل على وجه يكون شعبان ثلاثين يوما وشهر رمضان تسعة وعشرين يوما ، وهو مع كونه خلاف ظاهر اخبار الرؤية مردود بالضرورة والعيان كما هو المشاهد في جملة الأزمان في جميع البلدان.

(لا يقال) : انه يمكن ذلك بالنسبة إلى آخر الشهر (لأنا نقول) : لا ريب ولا خلاف في انه متى علم أول الشهر بأحد العلامات المتقدمة فلا بد من إكمال الثلاثين إلا ان تحصل الرؤية قبل ذلك بأحد الطريقين المتقدمين من الشياع والشاهدين

نعم تبقى هنا صورة نادرة الوقوع لعلها هي المظهر لهذا الخلاف وهو أن تغم الأهلة الثلاثة من شعبان وشهر رمضان وشوال. والله العالم.

الثالث ـ في غيبوبة الهلال بعد الشفق ، والمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لا عبرة به.

وقال الصدوق في كتاب المقنع : واعلم ان الهلال إذا غاب قبل الشفق فهو لليلة وإذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين وان رئي فيه ظل الرأس فهو لثلاث ليال.

والظاهر ان مستنده في ذلك ما رواه في الفقيه (1) عن حماد بن عيسى عن إسماعيل بن الحر عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلة وإذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين». ورواه الكليني بسنده عن الصلت الخزاز عن

__________________

(1) ج 2 ص 78 وفي الوسائل الباب 9 من أحكام شهر رمضان.


أبى عبد الله عليه‌السلام مثله (1).

ويحتمل ـ ولعله الأقرب ـ انه إنما أخذ ذلك من كتاب الفقه الرضوي حيث قال فيه (2) : وقد ذكرنا صوم يوم الشك في أول الباب ونفسره ثانية لتزداد به بصيرة ويقينا : وإذا شككت في يوم لا تعلم انه من شهر رمضان أو من شعبان فصم من شعبان فان كان منه لم يضرك وان كان من شهر رمضان جاز لك في شهر رمضان ، وإلا فانظر أى يوم صمت عام الماضي وعد منه خمسة أيام وصم اليوم الخامس. وقد روى إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلة وإذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين وإذا رأيت ظل رأسك فيه فهو لثلاث ليال. انتهى.

وعن محمد بن مرازم عن أبيه عن ابى عبد الله عليه‌السلام (3) قال : «إذا تطوق الهلال فهو لليلتين وإذا رأيت ظل رأسك فيه فهو لثلاث ليال».

وقد أجاب الشيخ عن هذه الأخبار بحملها على ما إذا كانت السماء متغيمة وتكون فيها علة مانعة من الرؤية ـ فيعتبر حينئذ في الليلة المستقبلة الغيبوبة والتطوق ورؤية الظل ونحوها ـ دون أن تكون مصحية ، كما ان الشاهدين من خارج البلد انما يعتبران مع العلة دون الصحو. انتهى ملخصا.

أقول : هذا الجواب على إطلاقه مشكل : أما أولا ـ فلما استفاض من الأخبار الدالة على تحريم صوم يوم الشك بنية انه من شهر رمضان (4) وانه لا يقضى إلا مع قيام البينة بالرؤية فيه (5) فلو فرض انه في تلك الليلة التي بعد ليلة الشك كان متطوقا أو لم يغب إلا بعد الشفق فالحكم بوجوب قضاء اليوم السابق بناء على هاتين الروايتين ينافي ما دل على المنع من القضاء إلا مع قيام البينة بالرؤية وهو روايات

__________________

(1 و 3) الوسائل الباب 9 من أحكام شهر رمضان.

(2) ص 25.

(4) الوسائل الباب 6 من وجوب الصوم ونيته والباب 16 من أحكام شهر رمضان.

(5) الوسائل الباب 3 و 5 و 11 من أحكام شهر رمضان.


عديدة مستفيضة فيها الصحيح وغيره وقد تقدم شطر وافر منها (1).

وثانيا ـ ما ورد من الاخبار الدالة على انه في الصورة المذكورة يعد شعبان ثلاثين يوما ويصوم الحادي والثلاثين كائنا ما كان :

مثل رواية أبي خالد الواسطي وقد تقدمت (2) وفيها «فإذا خفي الشهر فأتموا العدة شعبان ثلاثين يوما وصوموا الواحد وثلاثين. الحديث».

وموثقة إسحاق بن عمار عن ابى عبد الله عليه‌السلام (3) انه قال «في كتاب على عليه‌السلام صم لرؤيته وأفطر لرؤيته وإياك والشك والظن ، فإن خفي عليكم فأتموا الشهر الأول ثلاثين».

وثالثا ـ انه ان كانت هذه الأشياء المذكورة موجبة لكون الهلال لليلة الثانية أو الثالثة فينبغي أن يكون مطلقا فلا معنى لتخصيصه ذلك بما إذا كانت السماء متغيمة وإلا فلا معنى لاعتبارها بالكلية.

ورابعا ـ خصوص ما رواه الشيخ بسند معتبر عن ابى علي بن راشد (4) قال : «كتب الى أبو الحسن العسكري عليه‌السلام كتابا وأرخه يوم الثلاثاء لليلة بقيت من شعبان وذلك في سنة اثنتين وثلاثين ومائتين وكان يوم الأربعاء يوم شك وصام أهل بغداد يوم الخميس وأخبروني أنهم رأوا الهلال ليلة الخميس ولم يغب إلا بعد الشفق بزمان طويل ، قال فاعتقدت ان الصوم يوم الخميس وان الشهر كان عندنا ببغداد يوم الأربعاء ، قال فكتب الى : زادك الله توفيقا فقد صمت بصيامنا. قال ثم لقيته بعد ذلك فسألته عن ما كتبت به اليه فقال لي : أو لم أكتب إليك إنما صمت الخميس ولا تصمه إلا للرؤية».

ورواه في الوافي (5) بلفظ «وان الشك كان عندنا ببغداد يوم الأربعاء»

__________________

(1) راجع ص 264 الى 272.

(2) ص 241 و 272.

(3) الوسائل الباب 3 من أحكام شهر رمضان.

(4) الوسائل الباب 9 من أحكام شهر رمضان.

(5) باب صيام يوم الشك.


عوض «وان الشهر» وهو الظاهر ، وكأن ذلك اجتهاد منه (قدس‌سره) فان الخبر في التهذيب (1) انما هو بلفظ الشهر والتحريف من الشيخ في أمثال ذلك غير بعيد ، فان المعنى إنما يستقيم على ما ذكره في الوافي دون نسخة الشهر كما لا يخفى.

والتقريب في هذا الخبر انه وان كان ما كتبه الى الامام عليه‌السلام غير مصرح به في الخبر إلا ان ظاهر السياق يدل على انه كتب اليه بما ذكره هنا من وقوع الشك في بغداد يوم الأربعاء. إلى آخر ما هو مذكور في الخبر من حكاية تلك الحال.

ثم انه مع قطع النظر عن معلومية ما كتب اليه وان المسؤول عنه ما هو فان أخباره في صدر الخبر بكونه عليه‌السلام كتب اليه كتابا أرخه بذلك التأريخ المشعر بكون يوم الأربعاء من شهر شعبان المؤذن بكون أول شهر رمضان هو يوم الخميس ـ وكذا جوابه عليه‌السلام «صمت بصيامنا» وكان صيامه عليه‌السلام إنما هو يوم الخميس كما يدل عليه قوله عليه‌السلام «أو لم أكتب إليك إنما صمت الخميس؟» مع اخبار أبى على بن راشد ان الهلال ليلة الخميس لم يغب إلا بعد الشفق بزمان طويل ـ ظاهر الدلالة في أن مغيب الهلال بعد الشفق لا يستلزم أن يكون لليلتين كما ادعوه بل يجوز أن يكون في أول ليلة أيضا كذلك.

وبذلك يظهر ما في كلام الفاضل الخراساني في الذخيرة من قوله بعد نقل رواية أبى على بن راشد دليلا للقول المشهور : ولا دلالة في هذا الخبر يظهر ذلك بالتأمل التام. انتهى. فهو من جملة تشكيكاته الركيكة.

ويظهر منه الميل الى هذا القول حيث قال : وظاهر بعض المتأخرين العمل بمدلول الخبرين ولا بأس به.

وكأنه غفل عن معارضة هذين الخبرين بالأخبار المستفيضة التي أشرنا إليها آنفا إذ لا ريب في رجحانها على الخبرين المذكورين.

واما ما رواه الصدوق في الصحيح عن عيص بن القاسم (2) ـ «انه سأل

__________________

(1) ج 4 ص 167.

(2) الوسائل الباب 12 من أحكام شهر رمضان.


أبا عبد الله عليه‌السلام عن الهلال إذا رآه القوم جميعا فاتفقوا على انه لليلتين أيجوز ذلك؟ قال نعم».

فهو خبر شاذ لا يعارض ما قدمناه من الأخبار المستفيضة الدالة على ان الاعتبار بالرؤية أو الشاهدين وانه لا اعتبار بالظن وغاية ما يفيده اتفاق القوم هنا هو الظن بذلك. والله العالم.

الرابع ـ في رؤيته يوم الثلاثين قبل الزوال ، والمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لا اعتبار بذلك.

ونقل عن المرتضى في بعض مسائله انه قال : إذا رئي قبل الزوال فهو لليلة الماضية. ونقله في المختلف عن السيد (رضي‌الله‌عنه) في المسائل الناصرية حيث قال الناصر : إذا رئي الهلال قبل الزوال فهو لليلة الماضية. فقال السيد : هذا صحيح وهو مذهبنا. وربما أشعرت هذه العبارة بدعواه الإجماع عليه.

واليه مال المحدث الكاشاني في الوافي والمفاتيح والفاضل الخراساني في الذخيرة ، وقال العلامة في المختلف ان الأقرب اعتبار ذلك في الصوم دون الفطر. وتردد المحقق في النافع والمعتبر.

وظاهر المحقق الشيخ حسن في المنتقى الميل الى هذا القول أيضا حيث قال ـ بعد إيراد حسنة حماد بن عثمان الآتية بطريق الكافي (1) ـ ما صورته : وروى الشيخ هذا الخبر معلقا عن محمد بن يعقوب وأورد في معناه خبرا آخر من الموثق يرويه بإسناده عن سعد بن عبد الله. ثم ساق السند الى عبيد بن زرارة وعبد الله بن بكير وأورد متنه كما يأتي (2) ثم قال : ولطريق هذا الخبر اعتبار ظاهر ومزية واضحة وموافقة الحديث الحسن له تزيده اعتبارا وقد حملهما الشيخ على معنى بعيد. انتهى.

وظاهر صاحب المدارك التردد في المسألة فإنه ـ بعد أن ذكر في صدر المسألة ان المعتمد هو القول المشهور ثم ساق الروايات الدالة على القول المشهور ثم أورد

__________________

(1 و 2) ص 285.


حسنة حماد وموثقة عبيد بن زرارة وابن بكير الآتيتين ـ قال : والمسألة قوية الإشكال فإن الروايتين المتضمنتين لاعتبار ذلك معتبرتا الإسناد. الى أن قال : ومن ثم تردد المصنف في النافع والمعتبر وهو في محله. انتهى.

ويظهر ذلك ايضا من المحقق الأردبيلي (قدس‌سره) في شرح الإرشاد حيث قال بعد تطويل البحث والكلام بإبرام النقض ونقض الإبرام : فتأمل واحفظ فإن المسألة من المشكلات.

ويظهر من الصدوق ايضا القول به حيث قال في باب ما يجب على الناس إذا صح عندهم بالرؤية يوم الفطر بعد ما أصبحوا صائمين (1) ـ بعد نقل حديث مرسل (2) يحتمل أن تكون هذه العبارة من جملته ويحتمل أن تكون من كلامه (قدس‌سره) ـ ما صورته : وإذا رئي هلال شوال بالنهار قبل الزوال فذلك اليوم من شوال وإذا رئي بعد الزوال فذلك من شهر رمضان.

أقول : والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه الكليني في الحسن على المشهور الصحيح على المختار عن حماد بن عثمان عن ابى عبد الله عليه‌السلام (3) قال : «إذا رأوا الهلال قبل الزوال فهو لليلة الماضية وإذا رأوه بعد الزوال فهو لليلة المستقبلة».

وما رواه الشيخ في التهذيب في الموثق عن عبيد بن زرارة وابن بكير (4) قالا : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام إذا رئي الهلال قبل الزوال فذلك اليوم من شوال وإذا رئي بعد الزوال فذلك اليوم من شهر رمضان». وبهذين الخبرين أخذ من قال بالقول الثاني.

ومنها ـ ما رواه الشيخ في التهذيب والصدوق في من لا يحضره الفقيه في

__________________

(1) ج 2 ص 109.

(2) الوسائل الباب 6 من أحكام شهر رمضان رقم 2.

(3 و 4) الوسائل الباب 8 من أحكام شهر رمضان.


الصحيح عن محمد بن قيس عن أبى جعفر عليه‌السلام (1) قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام إذا رأيتم الهلال فأفطروا أو شهد عليه عدل من المسلمين ، وان لم تروا الهلال إلا من وسط النهار أو آخره فأتموا الصيام الى الليل ، وان غم عليكم فعدوا ثلاثين ليلة ثم أفطروا».

وما رواه الشيخ في الموثق عن إسحاق بن عمار عن ابى عبد الله عليه‌السلام (2) قال : «سألته عن هلال رمضان يغم علينا في تسع وعشرين من شعبان؟ فقال لا تصمه إلا أن تراه فان شهد أهل بلد آخر أنهم رأوه فاقضه ، وإذا رأيته وسط النهار فأتم صومه الى الليل».

وما رواه الشيخ في التهذيب عن جراح المدائني (3) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام من رأى هلال شوال بنهار في شهر رمضان فليتم صيامه».

وما رواه العياشي في تفسيره عن القاسم بن سليمان عن جراح عن ابى عبد الله عليه‌السلام (4) قال : «قال الله (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) (5) يعنى صوم رمضان ، فمن رأى الهلال بالنهار فليتم صيامه».

وما رواه الشيخ ايضا عن محمد بن عيسى (6) قال : «كتبت اليه : جعلت فداك ربما غم علينا هلال شهر رمضان فنرى من الغد الهلال قبل الزوال وربما رأيناه بعد الزوال فترى ان نفطر قبل الزوال إذا رأيناه أم لا؟ وكيف تأمرني في ذلك؟ فكتب عليه‌السلام تتم الى الليل فإنه ان كان تاما رئي قبل الزوال».

وروى هذا الخبر في الاستبصار (7) «ربما غم علينا الهلال في شهر رمضان».

__________________

(1) الوسائل الباب 8 من أحكام شهر رمضان. أرجع في لفظ الحديث الى ص 257.

(2) الوسائل الباب 8 من أحكام شهر رمضان واللفظ «سألت أبا عبد الله ع».

(3 و 4 و 6) الوسائل الباب 8 من أحكام شهر رمضان.

(5) سورة البقرة الآية 184 ، واللفظ «ثم أتموا ...» فالتغيير اما ان يكون من النساخ أو للنقل بالمعنى.

(7) ج 2 ص 73.


وهو أوضح ، والظاهر ان ما وقع في التهذيب سهو من قلم الشيخ كما سيأتي ان شاء الله تعالى تحقيقه.

وبهذه الأخبار أخذ من قال بالقول المشهور.

وأجاب العلامة في المنتهى عن الخبرين الأولين ـ بعد الطعن في سند الثاني بأن فيه ابن فضال وهو ضعيف ـ بأنهما لا يصلحان لمعارضة الأحاديث الكثيرة الدالة على انحصار الطريق في الرؤية ومضى ثلاثين لا غير (1).

أقول : ليس في شي‌ء من تلك الأخبار ما يدل على الانحصار كما ذكره (قدس‌سره) ليكون منافيا للخبرين المذكورين كما لا يخفى على من راجعها.

والحق ان الخبرين المذكورين صريحا الدلالة على القول المذكور وانما يبقى الكلام في ما عارضهما من الأخبار المذكورة بعدهما :

فاما صحيحة محمد بن قيس فموردها هلال شهر شوال كما هو ظاهر السياق حيث أمر عليه‌السلام بالإفطار برؤيته تلك الليلة أو شهادة عدول من المسلمين على الرؤية واما إذا رأوه من وسط النهار أو آخره فإنهم يتمون صيام ذلك اليوم يعنى من شهر رمضان والظاهر من لفظ «وسط النهار» هو الوسط المجازي لا الحقيقي الذي هو عبارة عن وقوع الشمس على دائرة نصف النهار ، والوسط بالمعنى المذكور شامل لما قبل الزوال بيسير وما بعده بيسير.

وكيف كان فالأمر بإتمام الصوم ظاهر في الدلالة على المعنى المشهور ويؤيده التسوية بين وسط النهار وآخره في الحكم المذكور مع قول الخصم بأنه بعد الزوال لليلة المستقبلة.

واما ما حمل عليه الخبر في الوافي ـ من ان المراد بوسط النهار ما بعد الزوال ـ فلا يخفى بعده. وأبعد منه ما تكلفه في الذخيرة من حمل الهلال على هلال شهر رمضان ، ثم ذكر معنى متعسفا متكلفا لا اعرف له وجه استقامة ، بل كلامه في

__________________

(1) الوسائل الباب 3 و 5 من أحكام شهر رمضان.


هذا البحث كله غث لا يعجبني النظر اليه ولا العروج عليه.

ثم قال عليه‌السلام (1) «وان غم عليكم هلال شوال فعدوا ثلاثين ليلة ثم أفطروا».

واما موثقة إسحاق بن عمار فهي صريحة في كون المسؤول عنه هلال شهر رمضان وانه لا يرى في تسع وعشرين من شعبان يعنى بعد تسع وعشرين منه وهي ليلة الثلاثين منه لغيم ونحوه فلا يرى الهلال ، وهذا هو يوم الشك الذي تقدم تحقيق القول فيه ، فأمره عليه‌السلام بان لا تصمه ـ يعنى بنية شهر رمضان ـ إلا مع رؤية الهلال ، فإذا افطرته فان شهد أهل بلد آخر فاقضه ، وإذا صمته ـ يعنى بنية شعبان ـ ورأيت الهلال وسط النهار فأتم صومه الى الليل.

والأمر بإتمام الصوم هنا محتمل لأمرين : اما أن يكون على جهة الاستحباب كما تأوله به الشيخ (قدس‌سره) ومرجعه الى ان الرؤية في النهار لا عبرة بها فأتم صومك وانما العبرة برؤيته أول الليل. ويحتمل ما ذكره المحدث الكاشاني بناء على ما اختاره من القول المتقدم ان المراد بوسط النهار يعنى به قبل الزوال ، قال : ومعنى إتمام صومه الى الليل انه ان كان لم يفطر بعد نوى الصوم من شهر رمضان واعتد به وان كان قد أفطر أمسك بقية اليوم ثم قضاه. انتهى. ومرجعه إلى انه يحكم بكونه من شهر رمضان لرؤية الهلال قبل الزوال لأن ذلك موجب لكونه لليلة الماضية كما دل عليه الخبران الأولان.

والاحتمالان متعارضان إلا انه يبقى على تقدير كلام المحدث المذكور سؤال الفرق بين وسط النهار في هذا الخبر وفي خبر محمد بن قيس حيث حمله ثمة على ما بعد الزوال وحمله هنا على ما قبل الزوال.

واما خبر جراح المدائني فهو ظاهر في القول المشهور لدلالته على ان الرؤية في النهار في أي جزء منه غير معتبرة ، فالواجب في ما إذا كان ذلك في اليوم الآخر

__________________

(1) في صحيحة محمد بن قيس المتقدمة ص 286 ، وليس فيها لفظ «هلال شوال» إلا ان يكون مراده (قدس‌سره) النقل بالمعنى.


من شهر رمضان أن يتم صيامه من شهر رمضان.

واما ما تأوله به في الوافي ـ من حمل النهار على ما بعد الزوال حملا للمطلق على المقيد ـ فهو جيد لو انحصرت المخالفة فيه ، بل الظاهر ان مفاد هذا الخبر هو مفاد صحيحة محمد بن قيس الدالة على ان وسط النهار وآخره سواء بالنسبة إلى وجوب إتمام الصيام في اليوم الآخر من شهر رمضان وعدم الاعتداد بالرؤية النهارية.

واما خبر جراح المنقول عن العياشي فهو في الدلالة على المشهور أظهر من سابقه وعن قبول الاحتمال المذكور أبعد ، لأنه ورد في تفسير الآية الدالة بغير خلاف على وجوب الإتمام إلى الليل مطلقا فيجب ان يكون الإطلاق في الخبر ايضا كذلك.

واما رواية محمد بن عيسى فإنه على تقدير رواية التهذيب (1) فان معناها غير مستقيم كما لا يخفى على ذي الطبع القويم ، لأنه إذا كان السؤال عن هلال شهر رمضان وانه ربما خفي بغيم ونحوه فكيف يرتب عليه الإفطار من الغد بالرؤية قبل الزوال وعدم ذلك؟

بل الحق ان الخبر إنما يتمشى الكلام فيه على تقدير رواية الاستبصار (2) وهو ظاهر في القول المشهور على تقدير هذه الرواية.

وبذلك اعترف المحدث الكاشاني في الوافي أيضا فقال ـ بعد نقل الخبر المذكور برواية التهذيب ـ ما صورته : بيان ـ هكذا وجدنا الحديث في نسخ التهذيب (3) وفي الاستبصار «ربما غم علينا الهلال في شهر رمضان» وهو الصواب لأنه على نسخة التهذيب لا يستقيم المعنى إلا بتكلف ، إلا انه على نسخة الاستبصار (4) ينافي سائر الأخبار التي وردت في هذا الباب ، لأنه على ذلك يكون المراد بالهلال هلال شوال ومعنى «يتم الى الليل» يتم الصيام الى الليل ، وقوله عليه‌السلام : «ان كان تاما رئي قبل الزوال» معناه ان كان الشهر الماضي ثلاثين يوما رئي هلال الشهر المستقبل قبل

__________________

(1 و 3) ج 4 ص 177.

(2 و 4) ج 2 ص 73.


الزوال في اليوم الثلاثين. انتهى.

وبالجملة فالمسألة لما ذكرناه محل تردد واشكال ، ولا يبعد عندي خروج أخبار أحد الطرفين مخرج التقية ، إلا ان العامة هنا على قولين أيضا والقول المشهور بينهم هو المشهور بين أصحابنا ، نقله في المنتهى عن الشافعي ومالك وابى حنيفة ، وعن أحمد فيه روايتان ، ونقل القول الآخر عن الثوري وابى يوسف (1).

الخامس ـ في التطوق والمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لا عبرة به ، ونقل عن ظاهر الصدوق اعتبار ذلك حيث أورد في كتابه رواية محمد ابن مرازم المتقدمة في الموضع الثالث (2) الدالة على انه إذا تطوق الهلال فهو لليلتين ، بناء على قاعدته المذكورة في صدر كتابه.

وظاهر الفاضل الخراساني في الذخيرة الميل الى ذلك حيث قال بعد ان نقل عن الصدوق ما ذكرناه : ويدل على اعتبار ذلك الخبر المذكور وهو صحيح ، ونسبته الى ما يعارضه نسبة المقيد الى المطلق فمقتضى القواعد العمل بمقتضاه ، فاندفع ما قال المصنف في المنتهى بعد إيراد الخبر المذكور : وهذه الرواية لا تعارض ما تلوناه من الأحاديث. انتهى.

وفيه ان المعارض لا ينحصر في ما ذكره من الأخبار المطلقة الدالة على وجوب الصوم بالرؤية أو الشاهدين أو مضى ثلاثين يوما ، بل المعارض هنا إنما هي الأخبار الدالة على انه مع إفطاره اليوم المشكوك فيه لا يقضيه إلا مع قيام البينة بالرؤية (3) وبمقتضى اعتبار التطوق انه متى أفطر يوم الشك ورئي في الليلة الثانية متطوقا فإنه يجب القضاء بمقتضى هذه الرواية ، مع ان الروايات الصحاح الصراح قد استفاضت بأنه لا يقضى إلا إذا قامت البينة بالرؤية وإلا فلا ، ولا ريب في

__________________

(1) المغني ج 3 ص 168.

(2) ص 281.

(3) الوسائل الباب 3 و 5 و 11 من أحكام شهر رمضان.


ضعف هذه الرواية عن معارضة تلك الأخبار المشار إليها.

السادس ـ في عد خمسة أيام من أول الهلال من السنة الماضية فيجب صيام يوم الخامس منها ، والمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لا اعتبار بذلك بل الظاهر انه لا خلاف فيه حيث انه لم ينقل القائل بخلاف ما ذكرنا.

نعم ورد في الاخبار ما يدل على ذلك وهو ما رواه الكليني والشيخ (طيب الله مرقديهما) عن عمران الزعفراني (1) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ان السماء تطبق علينا بالعراق اليومين والثلاثة فأي يوم نصوم؟ قال. انظر اليوم الذي صمت من السنة الماضية وصم يوم الخامس».

وعن عمران الزعفراني أيضا (2) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام انا نمكث في الشتاء اليوم واليومين لا نرى شمسا ولا نجما فأي يوم نصوم؟ قال : انظر اليوم الذي صمت من السنة الماضية وعد خمسة أيام وصم اليوم الخامس».

وحملهما الشيخ على ان السماء إذا كانت متغيمة فعلى الإنسان أن يصوم اليوم الخامس احتياطا فان اتفق انه يكون من شهر رمضان فقد أجزأ عنه وان كان من شعبان كتب له من النوافل ، قال : وليس في الخبر انه يصوم يوم الخامس على انه من شهر رمضان ، وإذا لم يكن هذا في ظاهره واحتمل ما قلناه سقطت المعارضة به ولم يناف ما ذكرناه من العمل على الأهلة. وقال ان راوي هاتين الروايتين عمران الزعفراني وهو مجهول وفي اسناد الحديثين قوم ضعفاء لا نعمل بما يختصون بروايته.

أقول : ومن ما وقفت عليه من الاخبار في هذه المسألة زيادة على الخبرين ما قدمنا نقله عن كتاب الفقه الرضوي في الموضع الثالث (3).

__________________

(1) الوسائل الباب 10 من أحكام شهر رمضان ، والشيخ يرويه عن الكليني.

(2) الفروع ج 1 ص 184 و 185 وفي الوسائل الباب 10 من أحكام شهر رمضان.

(3) ص 281.


وما رواه في الكافي في الصحيح الى صفوان بن يحيى عن محمد بن عثمان الخدري عن بعض مشايخه عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «صم في العام المستقبل اليوم الخامس من يوم صمت فيه عام أول».

وما رواه الصدوق في الفقيه مرسلا (2) قال : «قال عليه‌السلام إذا صمت شهر رمضان في العام الماضي في يوم معلوم فعد في العام المستقبل من ذلك اليوم خمسة أيام وصم اليوم الخامس».

وما رواه ابن طاوس في كتاب الإقبال (3) نقلا من كتاب الحلال والحرام لإسحاق بن إبراهيم بن محمد الثقفي عن احمد بن عمران بن ابى ليلى عن عاصم بن حميد عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) قال : «عدوا اليوم الذي تصومون فيه وثلاثة أيام بعده وصوموا يوم الخامس فإنكم لن تخطئوا».

وعن احمد عن غياث ـ أظنه ابن أعين ـ عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) مثله (4).

وكيف كان فإعراض الأصحاب قديما وحديثا عن الفتوى بمضمون هذه الاخبار أظهر ظاهر في طرحها.

وأنت خبير بان أخبار هذه المواضع الستة التي ذكرناها لا تخلو من تعارض وتناقض بعضها مع بعض ، لان العمل على بعض منها ربما ينافيه العمل على البعض الآخر ، فالأظهر هو طرح الجميع كما حققناه والرجوع الى الأخبار المستفيضة بالرؤية أو شهادة العدلين أو عد ثلاثين يوما من شعبان (5) كما عليه كافة العلماء الأعيان. والله العالم.

السابع ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بان من لا يعلم الشهر كالأسير في يد المشركين والمحبوس يتوخى وينظر ما غلب على ظنه فيصومه ويجزئه

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 10 من أحكام شهر رمضان.

(5) الوسائل الباب 3 و 5 و 11 من أحكام شهر رمضان.


مع استمرار الاشتباه ، وان علم اتفاقه في شهر رمضان أو تأخر ما صامه عن شهر رمضان أجزأه أيضا وان ظهر تقدمه لم يجزئه. وهذه الأحكام كلها اجماعية على ما نقله العلامة في التذكرة والمنتهى.

والأصل في هذه المسألة ما رواه الشيخ بسند فيه توقف والصدوق في الفقيه بسند صحيح عن عبد الرحمن بن أبى عبد الله عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «قلت له رجل أسرته الروم ولم يصم شهر رمضان ولم يدر أى شهر هو؟ قال يصوم شهرا يتوخاه ويحسب فان كان الشهر الذي صامه قبل شهر رمضان لم يجزئه وان كان بعد شهر رمضان أجزأه».

وما رواه الشيخ المفيد في المقنعة عن الصادق عليه‌السلام مرسلا (2) «انه سئل عن رجل أسرته الروم فحبس ولم ير أحدا يسأله فاشتبهت عليه أمور الشهور كيف يصنع في صوم شهر رمضان؟ فقال : يتحرى شهرا فيصومه يعنى يصوم ثلاثين يوما ثم يحفظ ذلك فمتى خرج أو تمكن من السؤال لأحد نظر ، فان كان الذي صامه كان قبل شهر رمضان لم يجزئ عنه ، وان كان هو هو فقد وفق له ، وان كان بعده أجزأه».

ثم ان باقي أحكام شهر رمضان تعلم من ما تقدم ومن ما يأتي ان شاء الله تعالى

الفصل الثاني

في صوم القضاء

وفيه مسائل الأولى ـ قد تقدم في المطلب الثالث من المقصد الأول (3) سقوط التكليف عن الصغير والمجنون والكافر والحائض والنفساء والمريض المتضرر به والمغمى عليه والمسافر ، إلا ان من هؤلاء من يسقط عنه الأداء والقضاء معا ومنهم من يسقط عنه الأداء خاصة وهو الحائض والنفساء والمريض والمسافر.

فاما ما يدل على سقوط الأمرين عن الصغير والمجنون فحديث رفع القلم عن

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 7 من أحكام شهر رمضان.

(3) ص 165.


الصبي حتى يبلغ والمجنون حتى يفيق (1). وهو اتفاقي نصا وفتوى.

واما ما يدل على سقوطهما عن الكافر فقد تقدم في المطلب المشار اليه نقل الأخبار الدالة عليه.

واما ما يدل على سقوط القضاء عن المخالف الذي هو عندنا من الكفار فيدل عليه الاخبار المستفيضة :

منها ـ صحيحة الفضلاء عنهما (عليهما‌السلام) (2) «في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء الحرورية والمرجئة والعثمانية والقدرية ثم يتوب ويعرف هذا الأمر ويحسن رأيه أيعيد كل صلاة صلاها أو صوم أو زكاة أو حج أو ليس عليه إعادة شي‌ء من ذلك؟ قال : ليس عليه إعادة شي‌ء من ذلك غير الزكاة لا بد أن يؤديها لأنه وضع الزكاة في غير موضعها وانما موضعها أهل الولاية». وبمضمونه أخبار عديدة.

والمفهوم من الأخبار ان سقوط القضاء عنه بعد الإيمان والإقرار بالولاية ليس من حيث صحة إعماله كما يفهم من كلام جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) لتصريح الأخبار المستفيضة ببطلانها لاشتراط صحتها بالولاية وانما هو تفضل من الله عزوجل لدخوله في هذا الدين.

ومن ما يدل على ما قلناه بأوضح دلالة صحيحة محمد بن مسلم (3) وهي طويلة حيث قال في آخرها : «وكذلك والله يا محمد من أصبح من هذه الأمة لا امام له من الله ظاهر عادل أصبح ضالا تائها وان مات على هذه الحال مات ميتة كفر ونفاق ، واعلم يا محمد ان أئمة الجور واتباعهم لمعزولون عن دين الله قد ضلوا وأضلوا فأعمالهم التي يعملونها (كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمّا كَسَبُوا

__________________

(1) الوسائل الباب 4 من مقدمة العبادات وسنن البيهقي ج 8 ص 264.

(2) الوسائل الباب 3 من المستحقين للزكاة.

(3) أصول الكافي ج 1 ص 183 وفي الوسائل الباب 29 من مقدمة العبادات.


عَلى شَيْ‌ءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ» (1).

وصحيحة أبي حمزة الثمالي (2) قال : «قال لنا على بن الحسين (عليهما‌السلام): أى البقاع أفضل؟ فقلنا : الله ورسوله وابن رسوله أعلم. فقال لنا : أفضل البقاع ما بين الركن والمقام ولو ان رجلا عمر ما عمر نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يصوم النهار ويقوم الليل في ذلك المكان ثم لقي الله بغير ولايتنا لم ينتفع بذلك شيئا».

وعن الصادق عليه‌السلام (3) «سواء على الناصب صلى أم زنى».

وقد نظمه شيخنا الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني (قدس‌سره) فقال :

خلع النواصب ربقة الإيمان
 

 

فصلاتهم وزناؤهم سيان
 

قد جاء ذا في واضح الآثار عن
 

 

آل النبي الصفوة الأعيان
 

وظاهر الاخبار ان ثواب تلك الأعمال الباطلة من صلاة وصيام ونحوهما يكتب لهم بعد الايمان.

ومن الاخبار في ذلك صحيحة ابن أذينة (4) قال : «كتب الى أبو عبد الله عليه‌السلام ان كل عمل عمله الناصب في حال ضلاله أو حال نصبه ثم من الله عليه وعرفه هذا الأمر فإنه يؤجر عليه ويكتب له إلا الزكاة. الحديث».

اما لو ترك تلك العبادة بالكلية أو أتى بها باطلة في مذهبه فالظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب في وجوب القضاء هنا استنادا الى عموم ما دل على وجوب القضاء في تلك العبادة من صلاة أو صيام أو حج ، وهو كذلك فان التارك لها مع كونه مكلفا بها ومخاطبا باق تحت العهدة حتى يأتي بها ، وغاية ما يستفاد من تلك الأخبار الدالة على عدم وجوب القضاء هو عدم وجوب قضاء ما أتوا به صحيحا

__________________

(1) اقتباس من قوله تعالى في سورة إبراهيم الآية 22.

(2) الوسائل الباب 29 من مقدمة العبادات.

(3) روضة الكافي ص 160 واللفظ «لا يبالي الناصب صلى أم زنى».

(4) الوسائل الباب 31 من مقدمة العبادات والباب 3 من المستحقين للزكاة.


على مذهبهم من حيث بطلانه بترك الولاية لا ما لم يأتوا به بالكلية أو أتوا به باطلا الذي هو في حكمه ، وهؤلاء عندنا مكلفون بالأحكام وان كانت لا تقبل منهم إلا بالإيمان والولاية ، وحينئذ فمتى أتوا بها صحيحة على مذهبهم ولم يبق إلا شرط قبولها فبعد حصول الشرط يتفضل الله عزوجل عليهم بالقبول بخلاف ما لو لم يأتوا بها بالكلية وكذا ما في حكمه فإنهم باقون تحت عهدة الخطاب فيجب القضاء البتة واما ما يدل على وجوب القضاء على الحائض والنفساء زيادة على الاتفاق على ذلك فهو

ما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام (1) انه قال : «الحائض ليس عليها أن تقضى الصلاة وعليها ان تقضى صوم شهر رمضان».

وفي الحسن الى الحسن بن راشد (2) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام الحائض تقضى الصلاة؟ قال لا. قلت تقضى الصوم؟ قال نعم. قلت من اين جاء هذا؟ قال : ان أول من قاس إبليس».

واما ما يدل على القضاء على المريض فالأخبار المستفيضة (3) وستأتي ان شاء الله تعالى.

واما المغمى عليه فإنه لا ريب في سقوط الصوم عنه لخروجه بذلك عن أهلية التكليف وإنما الخلاف في صحة صومه مع سبق النية ، وقد تقدم الكلام فيه في المطلب الثالث من المقصد الأول (4) وانما يبقى الكلام هنا في وجوب القضاء عليه بعد الإفاقة فالمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لا قضاء عليه ، وقيل عليه القضاء ما لم ينو قبل الإغماء ، وهذا القول منقول عن الشيخين والمرتضى (رضوان الله عليهم).

والأظهر هو القول الأول للأخبار المستفيضة ومنها ـ صحيحة أيوب بن

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 41 من أبواب الحيض.

(3) الوسائل الباب 25 من أحكام شهر رمضان.

(4) ص 167.


نوح (1) قال : «كتبت الى ابى الحسن الثالث عليه‌السلام اسأله عن المغمى عليه يوما أو أكثر هل يقضى ما فاته أم لا؟ فكتب : لا يقضى الصوم ولا يقضي الصلاة».

وصحيحة على بن مهزيار (2) قال : «سألته عن المغمى عليه يوما أو أكثر هل يقضى ما فاته من الصلاة أم لا؟ فكتب : لا يقضى الصوم ولا يقضي الصلاة». الى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

ولم نقف للقول الآخر على دليل إلا ما ذكره في المختلف حيث احتج عليه بأنه مريض فيلزمه القضاء تمسكا بعموم الآية (3) واخبار وردت بقضاء الصلاة (4) وانه لا قائل بالفرق.

وأنت خبير بما فيه بعد ما عرفت : أما أولا ـ فبالمنع من تسميته مريضا ، سلمنا لكن لا نسلم وجوب القضاء على المريض مطلقا ، والسند ما تقدم من الأخبار.

واما الروايات المتضمنة لقضاء الصلاة فهي ـ مع كونها مختلفة تحتاج أولا إلى الجمع بينها ليتم الاستدلال بها ـ مختصة بالصلاة ، وإلحاق الصوم بها قياس ، وعدم القائل بالفرق لا يدل على عدم الفرق ، هذا مع ضعفها عن معارضة ما دل على العدم من الاخبار الصحيحة الصريحة الكثيرة.

واما المسافر فسيجي‌ء الكلام فيه في المقصد الثالث ان شاء الله تعالى.

المسألة الثانية ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ان المرتد فطريا كان أو مليا يقضى زمان ردته استنادا الى عموم الأدلة الدالة على وجوب قضاء الفوائت من الصيام والصلاة الشاملة للمرتد وغيره. ولا ريب انه الأحوط لتطرق المناقشة الى ما ادعوه من العموم لما صرحوا به في غير موضع من ان الأحكام المودعة في الأخبار انما تحمل على الافراد الشائعة الكثيرة التي يتبادر إليها الإطلاق دون الفروض النادرة ولا إشكال في كون هذا المفروض من الافراد النادرة.

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 24 ممن يصح منه الصوم.

(3) وهو قوله تعالى في سورة البقرة الآية 182 (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ).

(4) الوسائل الباب 3 من قضاء الصلوات.


ثم انه ربما أشكل القول بذلك في المرتد عن فطرة بناء على عدم قبول توبته لوجوب قتله وقسمة أمواله وبينونة زوجته ، والحق هو التفصيل في ذلك والقول بوجوب قبولها باطنا وعدم قبولها ظاهرا ، وانه يجمع بين الأخبار الدالة على وجوب التكاليف الشرعية عليه من صلاة وصيام وحج ونحوها وبين ما دل على وجوب قتله وقسمة أمواله وبينونة زوجته (1).

نعم اختلف الأصحاب هنا في ما لو عقد الصوم مسلما ثم ارتد ثم عاد بقية يومه ، فذهب المحقق في المعتبر وقبله الشيخ وابن إدريس وجماعة إلى انه لا يفسد وقطع العلامة في جملة من كتبه والشهيد في الدروس بالفساد ، لأن الإسلام شرط وقد فات فيفوت مشروطه ، ويلزم من فساد الجزء فساد الكل لان الصوم عبادة واحدة فلا يقبل التجزؤ. وقال في المدارك انه لا يخلو من قوة. والمسألة عندي محل توقف لعدم الوقوف على نص فيها.

المسألة الثالثة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في من نسي غسل الجنابة في شهر رمضان حتى مر عليه الشهر كله أو أيام منه فهل يجب عليه قضاء صوم ما مضى من ذلك أم لا؟ مع اتفاقهم على وجوب قضاء الصلاة لمكان الحدث :

فالمشهور الوجوب لما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي (2) قال : «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجل أجنب في شهر رمضان فنسي أن يغتسل حتى خرج شهر رمضان؟ قال عليه أن يقضى الصلاة والصيام».

وما رواه الصدوق في الصحيح إلى إبراهيم بن ميمون (3) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يجنب بالليل في شهر رمضان ثم ينسى أن يغتسل حتى

__________________

(1) الوسائل الباب 1 من حد المرتد.

(2) الوسائل الباب 39 من الجنابة والباب 30 ممن يصح منه الصوم.

(3) الوسائل الباب 17 من ما يمسك عنه الصائم و 30 ممن يصح منه الصوم. واللفظ هكذا : «. أو يخرج شهر رمضان؟ قال عليه قضاء الصلاة والصوم».


يمضى لذلك جمعة أو يخرج الشهر ما عليه؟ قال يقضى الصلاة والصيام».

قال ابن بابويه (قدس‌سره) بعد نقل الخبر : وفي خبر آخر (1) ان من جامع في أول شهر رمضان ثم نسي الغسل حتى خرج شهر رمضان ان عليه أن يغتسل ويقضى صلاته وصومه إلا أن يكون قد اغتسل للجمعة فإنه يقضى صلاته وصيامه الى ذلك اليوم ولا يقضى ما بعد ذلك.

وقال ابن إدريس لا يجب قضاء الصوم ، لأن الأصل براءة الذمة ، ولان الصوم ليس من شرطه الطهارة في الرجال إلا إذا تركها الإنسان متعمدا من غير اضطرار وهذا لم يتعمد تركها. انتهى.

وهو جيد على أصوله الغير الاصيلة وقواعده الضعيفة العليلة. ووافقه المحقق في الشرائع والنافع ونازعه في المعتبر.

وربما ظهر من كلام الصدوق في الفقيه قول ثالث في المسألة ولا بأس به إلا أن فيه نوع اشكال من حيث عدم نية الغسل المنسي ، والقول بتداخل الأغسال كما هو الأظهر عندي إنما هو عبارة عن الاكتفاء بغسل واحد مع نية جملة من الأغسال لا مع عدم النية والقصد بالكلية ، وتحقيق الكلام في ذلك قد أودعناه في شرحنا على المدارك ، وقد تقدم في بحث نية الوضوء في كتاب الطهارة ما فيه مزيد تحقيق للمسألة أيضا.

وكيف كان فالعمل على القول المشهور. والله العالم.

المسألة الرابعة ـ من فاته شهر رمضان أو بعضه لمرض أو دم فان مات قبل البرء والطهر لم يقض عنه إجماعا نصا وفتوى.

ومن الاخبار الدالة على ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (2) قال : «سألته عن رجل أدركه شهر رمضان وهو مريض

__________________

(1) الوسائل الباب 30 ممن يصح منه الصوم.

(2) الوسائل الباب 23 من أحكام شهر رمضان.


فتوفي قبل أن يبرأ؟ قال : ليس عليه شي‌ء ولكن يقضى عن الذي يبرأ ثم يموت قبل أن يقضى».

وما رواه أيضا في التهذيب عن منصور بن حازم (1) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المريض في شهر رمضان فلا يصح حتى يموت؟ قال : لا يقضى عنه والحائض تموت في شهر رمضان؟ فقال : لا يقضى عنها».

وما رواه في الموثق عن سماعة بن مهران (2) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل دخل عليه شهر رمضان وهو مريض لا يقدر على الصيام فمات في شهر رمضان أو في شهر شوال؟ قال : لا صيام عليه ولا قضاء عنه. قلت : فامرأة نفساء دخل عليها شهر رمضان ولم تقدر على الصوم فماتت في شهر رمضان أو في شوال؟ فقال : لا يقضى عنها».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن ابى مريم الأنصاري عن ابى عبد الله عليه‌السلام (3) قال : «إذا صام الرجل شيئا من شهر رمضان ثم لم يزل مريضا حتى مات فليس عليه شي‌ء ، وان صح ثم مرض ثم مات وكان له مال تصدق عنه مكان كل يوم بمد ، وان لم يكن له مال صام عنه وليه».

وما رواه في الكافي والفقيه في الصحيح عن أبي حمزة عن ابى جعفر عليه‌السلام (4) قال : «سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت فماتت قبل خروج شهر رمضان هل يقضى عنها؟ قال : اما الطمث والمرض فلا واما السفر فنعم». الى غير ذلك من الأخبار.

وقد ذكر جمع من الأصحاب انه يستحب القضاء عنه وأسنده في المنتهى الى الأصحاب مؤذنا بدعوى الاتفاق عليه.

واستدل عليه بأنه طاعة فعلت عن الميت فوصل اليه ثوابها.

وأورد عليه انه ليس الكلام في جواز التطوع بالصوم وإهداء ثوابه الى

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 23 من أحكام شهر رمضان.


الميت بل في قضاء الفائت عنه ، والحكم بشرعيته يتوقف على الدليل لأن الوظائف الشرعية إنما تستفاد من النقل ولم يرد النقل بذلك ، بل مقتضى الأخبار المتقدمة عدم مشروعية القضاء.

ويدل على ذلك بأوضح دلالة ما رواه الكليني في الصحيح أو الموثق عن أبى بصير عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان وماتت في شوال فأوصتني أن أقضي عنها؟ قال هل برئت من مرضها؟ قلت لا ماتت فيه. قال لا يقضى عنها فان الله لم يجعله عليها. قلت فإني اشتهى أن أقضي عنها وقد أوصتني بذلك؟ قال كيف تقضى عنها شيئا لم يجعله الله عليها؟ فان اشتهيت أن تصوم لنفسك فصم».

هذا بالنسبة إلى الفوات بغير السفر واما ما يفوت بالسفر فالظاهر وجوب القضاء بمجرد الفوات وان لم يتمكن من القضاء ، وسيأتي تحقيق المسألة قريبا.

المسألة الخامسة ـ لو استمر مرضه من أول رمضان الى رمضان آخر فالمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) سقوط قضاء الأول وانه يكفر عن كل يوم منه بمد ، وحكى الفاضلان في المعتبر والمنتهى عن أبى جعفر بن بابويه إيجاب القضاء دون الصدقة ، وحكاه في المختلف ايضا عن ابن ابى عقيل وابى الصلاح وابن إدريس ، وقواه في المنتهى والتحرير ، وحكى عن ابن الجنيد انه احتاط بالجمع بين القضاء والصدقة وقال انه مروي ، حكاه عنه في الدروس.

والمعتمد هو القول الأول لما رواه ابن بابويه في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام (2) «في الرجل يمرض فيدركه شهر رمضان ويخرج عنه وهو مريض فلا يصح حتى يدركه شهر رمضان آخر؟ قال : يتصدق عن الأول ويصوم الثاني ، فإن كان صح في ما بينهما ولم يصم حتى أدركه شهر رمضان آخر صامهما جميعا

__________________

(1) الوسائل الباب 23 من أحكام شهر رمضان.

(2) الوسائل الباب 25 من أحكام شهر رمضان.


وتصدق عن الأول». ورواه الكليني في الصحيح أو الحسن بإبراهيم بن هاشم عن زرارة مثله (1).

وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليه‌السلام (2) قال : «من أفطر شيئا من رمضان في عذر ثم أدرك رمضانا آخر وهو مريض فليتصدق بمد لكل يوم ، فأما أنا فإني صمت وتصدقت».

وما رواه الكليني في الحسن بإبراهيم على المشهور الذي هو عندي من الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر وأبى عبد الله عليهما‌السلام) (3) قال : «سألتهما عن رجل مرض فلم يصم حتى أدركه رمضان آخر؟ فقالا : ان كان برئ ثم توانى قبل أن يدركه الرمضان الآخر صام الذي أدركه وتصدق عن كل يوم بمد من طعام على مسكين وعليه قضاؤه ، وان كان لم يزل مريضا حتى أدركه رمضان آخر صام الذي أدركه وتصدق عن الأول لكل يوم مدا على مسكين وليس عليه قضاؤه».

وما رواه الحميري في كتاب قرب الاسناد بسنده عن على بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام (4) قال : «سألته عن رجل تتابع عليه رمضانان لم يصح فيهما ثم صح بعد ذلك كيف يصنع؟ قال : يصوم الأخير ويتصدق عن الأول بصدقة لكل يوم مد من طعام لكل مسكين».

وما رواه عنه عن أخيه عليه‌السلام (5) قال : «سألته عن رجل مرض في شهر رمضان فلم يزل مريضا حتى أدركه شهر رمضان آخر فبرئ فيه كيف يصنع؟ قال : يصوم الذي يبرأ فيه ويتصدق عن الأول لكل يوم بمد من طعام».

وما رواه العياشي في تفسيره (6) عن سماعة عن ابى بصير قال : «سألته عن رجل مرض من رمضان الى رمضان قابل ولم يصح بينهما ولم يطق الصوم؟ قال : يتصدق مكان كل يوم أفطر على مسكين بمد من طعام وان لم يكن حنطة فمد من تمر

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5) الوسائل الباب 25 من أحكام شهر رمضان.

(6) ج 1 ص 79 وفي الوسائل الباب 25 من أحكام شهر رمضان. ولم يذكر في السند إلا أبا بصير.


وهو قول الله تعالى (فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ) (1) فان استطاع أن يصوم الرمضان الذي استقبل وإلا فليتربص الى رمضان قابل فيقضيه ، فان لم يصح حتى رمضان قابل فليتصدق كما تصدق مكان كل يوم أفطر مدا مدا ، فان صح في ما بين الرمضانين فتوانى أن يقضيه حتى جاء الرمضان الآخر فان عليه الصوم والصدقة جميعا يقضى الصوم ويتصدق من أجل انه ضيع ذلك الصيام».

وقال في كتاب الفقه الرضوي (2) : «وإذا مرض الرجل وفاته صوم شهر رمضان كله ولم يصمه الى أن يدخل عليه شهر رمضان من قابل فعليه أن يصوم هذا الذي قد دخل عليه ويتصدق عن الأول لكل يوم بمد من طعام ، وليس عليه القضاء إلا أن يكون قد صح في ما بين الرمضانين فإذا كان كذلك ولم يصم فعليه أن يتصدق عن الأول لكل يوم بمد من طعام ويصوم الثاني فإذا صام الثاني قضى الأول بعده ، فان فاته شهر رمضان حتى دخل الشهر الثالث وهو مريض فعليه أن يصوم الذي دخله ويتصدق عن الأول لكل يوم بمد من طعام ويقضى الثاني».

ورواية أبي الصباح الآتية في ثاني هذه المسألة ورواية أبي بصير الآتية أيضا احتج العلامة في المنتهى على ما ذهب اليه من وجوب القضاء بعموم الآية الدالة على وجوب قضاء أيام المرض (3) وان الأحاديث المستدل بها على سقوط القضاء المروية من طريق الآحاد لا تعارض الآية.

ورد بأنه مخالف لما قرره في الأصول من أن عموم الكتاب يخص بخبر الواحد.

أقول : وبذلك صرح في المختلف حيث انه اختار القول المشهور واحتج للقول المخالف بعموم قوله تعالى (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ) (4)

__________________

(1) سورة البقرة الآية 181.

(2) ص 25.

(3 و 4) سورة البقرة الآية 182.


ثم قال : والجواب العموم قد يخص باخبار الآحاد خصوصا إذا استفاضت واشتهرت واعتضدت بعمل أكثر الأصحاب.

واحتجوا أيضا بأن العبادة لا تسقط بفوات وقتها كالقرض والدين.

وبما رواه سماعة (1) قال : «سألته عن رجل أدركه رمضان وعليه رمضان قبل ذلك ولم يصمه؟ فقال : يتصدق بدل كل يوم من الرمضان الذي كان عليه بمد من طعام وليصم هذا الذي أدرك فإذا أفطر فليصم رمضان الذي كان عليه ، فانى كنت مريضا فمر على ثلاث رمضانات لم أصح فيهن ثم أدركت رمضانا فتصدقت بدل كل يوم من ما مضى بمدين من طعام ثم عافاني الله فصمتهن».

وأجيب عن الأول بأن وقت الأداء قد فات على ما بيناه والقضاء في العبادة انما يجب بأمر جديد على ما حقق في أصول الفقه بخلاف الدين فإنه لا وقت له.

وعن الرواية أولا ـ بأنه لم يذكر فيها استمرار المرض في ما بين الرمضانين. وثانيا ـ بالحمل على الاستحباب ويؤيده صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة (2).

أقول : ولعل هذه الرواية هي التي أشار إليها ابن الجنيد في ما تقدم من النقل عنه بان الجمع بين القضاء والكفارة مروي.

وكيف كان فالقول المعتمد هو الأول لما عرفت من الأخبار وما يأتي. أقول : ومن الأخبار الصريحة في الدلالة على القول المشهور ورد هذا القول ما رواه الصدوق (قدس‌سره) في كتاب العلل وعيون الأخبار بسنده عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه‌السلام (3) قال : «إذا مرض الرجل أو سافر في شهر رمضان فلم يخرج من سفره أو لم يفق من مرضه حتى يدخل عليه شهر رمضان آخر وجب عليه الفداء للأول وسقط القضاء ، وإذا أفاق بينهما أو أقام ولم يقضه وجب عليه القضاء والفداء ، لأن ذلك الصوم إنما وجب عليه في تلك السنة في هذا الشهر ،

__________________

(1 و 3) الوسائل الباب 25 من أحكام شهر رمضان.

(2) ص 302.


فاما الذي لم يفق فإنه لما مر عليه السنة كلها وقد غلب الله عليه ولم يجعل له السبيل إلى أدائها سقط عنه ، وكذلك كل ما غلب الله عليه مثل المغمى الذي يغمى عليه في يوم وليلة ، فلا يجب عليه قضاء الصلاة ، كما قال الصادق عليه‌السلام «كل ما غلب الله على العبد فهو أعذر له» لأنه دخل الشهر وهو مريض فلم يجب عليه الصوم في شهره ولا في سنته للمرض الذي كان فيه ، ووجب عليه الفداء لأنه بمنزلة من وجب عليه الصوم فلم يستطع أداءه فوجب عليه الفداء ، كما قال الله تعالى (فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ). (فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً) (1) وكما قال (فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) (2) فأقام الصدقة مقام الصيام إذا عسر عليه (فان قال) فان لم يستطع إذ ذاك فهو الآن يستطيع (قيل) لأنه لما دخل عليه شهر رمضان آخر وجب عليه الفداء للماضي ، لأنه كان بمنزلة من وجب عليه صوم في كفارة فلم يستطعه فوجب عليه الفداء وإذا وجب عليه الفداء سقط الصوم والصوم ساقط والفداء لازم ، فإن أفاق في ما بينهما ولم يصمه وجب عليه الفداء لتضييعه الصوم لاستطاعته».

ويلحق بهذه المسألة فوائد الأولى ـ المستفاد من الأخبار الدالة على سقوط القضاء مع استمرار المرض الى رمضان آخر مع الاخبار الأخر ان وقت القضاء الموظف له شرعا هو ما بين الرمضانين ، فان صح في ما بينهما وامكنه القضاء وجب عليه في هذه المدة ، ولو أخل به والحال هذه لزمه مع القضاء الكفارة ، اما القضاء فبالدليل الدال على وجوب القضاء هنا ، واما الكفارة فعقوبة لإخلاله بالواجب الذي هو الإتيان به في تلك المدة. ولو لم يصح في ما بينهما فلا قضاء عليه بعد ذلك لان الوقت المعين للقضاء قد فات بالعذر الموجب لعدم توجه الخطاب الشرعي إليه فيه والقضاء بعده والحال هذه يحتاج الى دليل وليس فليس.

وبالجملة فالحكم في هذا القضاء كالحكم في أصل الأداء ، فإن أصل الأداء هنا وفي

__________________

(1) سورة المجادلة الآية 6.

(2) سورة البقرة الآية 193.


غيره لما كان فواته لا يستلزم القضاء إلا بدليل جديد كما هو أظهر القولين في المسألة فكذلك قضاؤه المعين في هذا الوقت ، فان مجرد فوات ذلك الوقت لا يستلزم القضاء مرة أخرى إلا بأمر جديد ، وقد قام الدليل في صورة الترك عمدا مع التمكن فوجب ووجبت الكفارة معه عقوبة ، واما في صورة استمرار العذر فلم يقم دليل على ذلك فوجب الحكم بعدمه.

وبما ذكرنا صرح جملة من أصحابنا (رضوان الله عليهم) : منهم ـ العلامة في المختلف حيث قال في الاستدلال على ما اختاره من القول المشهور : لنا ـ ان العذر قد استوعب وقت الأداء والقضاء فوجب ان يسقط عنه القضاء ، اما استيعاب وقت الأداء فظاهر ، واما استيعاب وقت القضاء فلان وقته ما بين الرمضانين إذ لا يجوز التأخير عنه. الى آخر كلامه زيد في مقامه.

وقال الشهيد في الدروس : لا يجوز تأخير قضاء رمضان عن عام الفوات اختيارا وتجب المبادرة.

أقول : وعلى هذا فلو تمكن من القضاء وأخل به ثم عرض له سفر لا يتمكن معه من القضاء في ذلك الوقت المعين ، فان كان سفرا مباحا أو مستحبا فلا إشكال في وجوب تقديم قضاء الصيام عليه وعدم مشروعية السفر والحال هذه ، وان كان واجبا كالحج الواجب ونحوه فإشكال ينشأ من تعارض الواجبين ولا سيما حجة الإسلام ، وترجيح أحدهما على الآخر يحتاج الى دليل وان كان مقتضى قواعد الأصحاب تقديم ما سبق سبب وجوبه كما صرحوا به في جملة من المواضع.

الثانية ـ اعلم ان العلامة في التحرير قال بعد ان قوى ما ذهب اليه ابن بابويه من وجوب القضاء دون التكفير : ونقل عن الشيخين القول بوجوب التكفير دون القضاء ، وعلى قول الشيخين لو صام ولم يكفر فالوجه الاجزاء. وهو يؤذن بكون مذهب الشيخين هو التخيير بين القضاء والتكفير والأمر ليس كذلك لان


صريح كلامهما والأدلة التي تقدمت من ما استدلوا به إنما هو تعين التكفير دون القضاء.

الثالثة ـ الأشهر الأظهر أن الصدقة المذكورة عن كل يوم بمد ، لما تقدم في صحيحة عبد الله بن سنان وصحيحة محمد بن مسلم ونحوهما من الأخبار المتقدمة (1).

وقال الشيخ في النهاية : يتصدق عن كل يوم بمدين من طعام فان لم يمكنه فبمد ، وبه قال ابن البراج وابن حمزة على ما نقله في المختلف.

ولم نقف له على مستند يعتمد عليه ، ويمكن أن يكون مستنده رواية سماعة (2) وقوله عليه‌السلام : «فتصدقت بدل كل يوم من ما مضى بمدين من طعام. الحديث».

والظاهر ان تصدقه وقع على سبيل الأفضل كما ان قضاءه كذلك حيث انك قد عرفت من الأخبار المتقدمة انه لا قضاء مع استمرار المرض ، ويؤيده ان صدر الرواية إنما اشتمل على الأمر بالمد خاصة.

الرابعة ـ هل يتعدى هذا الحكم ـ اعنى سقوط القضاء ولزوم الكفارة على المشهور أو وجوب القضاء على القول الآخر ـ الى من فاته الصوم بغير المرض ثم حصل له المرض المستمر أم لا؟

قيل نعم وهو ظاهر اختيار الشيخ في الخلاف ، ويمكن أن يكون مستنده صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة (3) لقوله عليه‌السلام فيها : «من أفطر شيئا من رمضان في عذر ثم أدركه رمضان آخر وهو مريض فليتصدق. الحديث». فان العذر يتناول المرض وغيره.

وقيل لا وبه قطع العلامة في المختلف تمسكا بعموم ما دل على وجوب القضاء السالم من معارضة النصوص المسقطة لاختصاصها بالمرض.

وأجاب عن صحيحة ابن سنان بأنها لا تنهض حجة في معارضة عموم الأدلة

__________________

(1) ص 302.

(2) ص 304.

(3) ص 302 واللفظ «ثم أدرك رمضانا آخر».


على وجوب القضاء ، لان قوله عليه‌السلام : «من أفطر شيئا من رمضان في عذر» وان كان مطلقا إلا ان قوله عليه‌السلام : «ثم أدركه رمضان آخر (1) وهو مريض» يشعر بان هذا هو العذر.

قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه : وما ذكره (قدس‌سره) لا يخلو من وجه وان كان القول بالتسوية أوجه. انتهى.

أقول : لا يخفى ان رواية الفضل بن شاذان المنقولة من كتابي العلل وعيون الأخبار عن الرضا عليه‌السلام (2) صريحة في السفر وان حكمه حكم المرض فلا مجال للتوقف في ذلك. وبه يظهر قوة ما ذهب اليه الشيخ في الخلاف.

الخامسة ـ قال في المدارك : لو كان الفوات بالمرض والمانع من القضاء غيره كالسفر الضروري فهل يتعدى اليه هذا الحكم أم لا؟ الأصح العدم لاختصاص النقل بما إذا كان المانع من القضاء استمرار المرض. وأولى بوجوب القضاء ما لو كان الفوات بغير المرض. انتهى.

أقول : قد عرفت ان رواية العلل والعيون ظاهرة بل صريحة في أن السفر كالمرض في وجوب الكفارة خاصة مع استمرار السفر ووجوب القضاء والكفارة مع الإقامة وترك القضاء. ولكن العذر له واضح حيث لم يقف على الرواية المذكورة.

السادسة ـ قد صرح في المنتهى بأنه يستحب لمن استمر به المرض القضاء عند من قال بسقوطه لأنه طاعة فات وقتها فندب إلى قضائها. ثم أورد صحيحة عبد الله ابن سنان المتقدمة (3) ورواية سماعة المتقدمة أيضا (4) وهو كذلك.

السابعة ـ قد صرح الشيخ وغيره بان حكم ما زاد على الرمضانين حكم الرمضانين في ما تقدم ، ونقل في الدروس عن ظاهر ابن بابويه ان الرمضان الثاني يقضى بعد الثالث وان استمر المرض.

__________________

(1) اللفظ كما تقدم «ثم أدرك رمضانا آخر».

(2 و 4) ص 304.

(3) ص 302.


أقول : قال العلامة في المختلف بعد أن نقل عن الشيخ وابن الجنيد ان حكم ما زاد على رمضانين حكم الرمضانين : وقال ابن بابويه في رسالته إذا مرض الرجل وفاته صوم شهر رمضان كله ولم يصمه الى أن يدخل عليه شهر رمضان قابل فعليه أن يصوم هذا الذي قد دخل ويتصدق عن الأول لكل يوم بمد من طعام ، وليس عليه القضاء إلا أن يكون صح في ما بين الرمضانين ، فان كان كذلك ولم يصم فعليه ان يتصدق عن الأول لكل يوم بمد من طعام ويصوم الثاني فإذا صام الثاني قضى الأول بعده ، فان فاته شهرا رمضان حتى يدخل الثالث من مرضه فعليه أن يصوم الذي دخل ويتصدق عن الأول لكل يوم بمد من طعام ويقضى الثاني.

أقول : لا يخفى ان هذه العبارة عين عبارة كتاب الفقه الرضوي التي قدمناها ثم قال العلامة في المختلف : وهذا الكلام كما يحتمل استمرار المرض فيه من الرمضان الأول الى الثالث يحتمل برؤه في ما بين الثاني والثالث ، فحينئذ ان حمل على الثاني فلا مخالف فيه كما ذهب اليه شيخنا أبو جعفر وشيخنا أبو على بن الجنيد ، وان حمل على الأول صارت المسألة خلافية ، وابن إدريس حمله على الأول ثم جعله دليلا على ان الواجب القضاء دون التصدق ، وليس فيه دلالة على مطلوبه ولو كان لتوجه المنع الى هذا الكلام كما يتوجه الى كلامه. انتهى.

أقول : والصدوق في الفقيه بعد أن نقل صحيحة زرارة المتقدمة قال : ومن فاته شهر رمضان حتى يدخل الثالث من مرضه. الى آخر ما تقدم في عبارة أبيه المأخوذة من الكتاب المذكور.

ويدل على الأول الرواية التي قدمنا نقلها عن تفسير العياشي (1).

الثامنة ـ ذكر الشهيد في الدروس ومن تأخر عنه ان مستحق هذه الصدقة مستحق الزكاة لحاجته ، وأنت خبير بأن جملة من الروايات المتقدمة (2) قد عينت اختصاصها بالمساكين ، وقد عرفت في كتاب الزكاة ان المسكين أسوأ حالا من

__________________

(1 و 2) ص 302.


الفقير كما دلت عليه الاخبار المذكورة ثمة (1) وحينئذ فمغايرته للفقير ظاهرة. والأصحاب قد نقلوا الإجماع على جواز إعطاء كل منهما حيثما يذكر أحدهما مع قولهم بالمغايرة بينهما ، والظاهر ان إجماعهم سلفا وخلفا على هذا الحكم يكون قرينة على التجوز في حمل أحدهما على الآخر حيثما يذكر.

المسألة السادسة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لو برئ بين الرمضانين وترك القضاء الى الرمضان الثاني فإن كان تركه عن تهاون قضى الأول وكفر وان لم يكن عن تهاون قضى بغير كفارة.

وقد وقع الخلاف هنا في موضعين : أحدهما ـ ما نقل عن ابن إدريس من انه أوجب القضاء دون الكفارة مطلقا.

ويدل على المشهور ما تقدم في سابق هذه المسألة (2) من صحيحة زرارة وصحيحة محمد بن مسلم ورواية أبي بصير المنقولة من تفسير العياشي ورواية الفضل ابن شاذان المنقولة عن كتابي العلل والعيون ورواية كتاب الفقه الرضوي.

ورواية أبي الصباح الكناني (3) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل كان عليه من شهر رمضان طائفة ثم أدركه شهر رمضان قابل؟ فقال : ان كان صح في ما بين ذلك ثم لم يقضه حتى أدركه رمضان قابل فان عليه أن يصوم وان يطعم عن كل يوم مسكينا ، وان كان مريضا في ما بين ذلك حتى أدركه شهر رمضان قابل فليس عليه إلا الصيام ان صح فان تتابع المرض عليه فلم يصح فعليه أن يطعم لكل يوم مدا» (4). ورواية أبي بصير الآتية في المقام (5).

احتج ابن إدريس بأصالة البراءة وبان أحدا من علمائنا لم يذكر هذه المسألة

__________________

(1) ج 12 ص 155.

(2) ص 301 الى 303.

(3) الوسائل الباب 25 من أحكام شهر رمضان ، واللفظ موافق للتهذيب ج 4 ص 251.

(4) في التهذيب ج 4 ص 251 «فان تتابع المرض عليه فعليه ان يطعم كل يوم مسكينا».

(5) ص 314.


سوى الشيخين أو من قلد كتبهما أو تعلق باخبار الآحاد التي ليست بحجة عند أهل البيت (عليهم‌السلام).

وبما رواه سعد بن سعد عن رجل عن ابى الحسن عليه‌السلام (1) قال : «سألته عن رجل يكون مريضا في شهر رمضان ثم يصح بعد ذلك فيؤخر القضاء سنة أو أقل من ذلك أو أكثر ما عليه في ذلك؟ قال : أحب له تعجيل الصيام فان كان أخره فليس عليه شي‌ء».

وأجاب عنه العلامة في المختلف بأن البراءة إنما يصار إليها مع عدم دليل الثبوت وشغل الذمة وقد بينا الأدلة ، وعدم ذكر أحد من أصحابنا غير الشيخين لهذه المسألة ليس حجة على العدم ، مع ان الشيخين هما القيمان بالمذهب فكيف يدعى ذلك؟ وابنا بابويه (قدس‌سرهما) قد سبقا الشيخين بذكر وجوب الصدقة مطلقا ولم يفصلا إلى التواني وغيره وكذا ابن ابى عقيل وهو أسبق من الشيخين ، وهؤلاء عمدة المذهب. وأجاب عن الحديث باستضعاف السند والحمل على التأخير مع العزم. انتهى. وهو جيد.

وبالغ المحقق أيضا في الرد عليه فقال : ولا عبرة بخلاف بعض المتأخرين في عدم إيجاب الكفارة هنا فإنه ارتكب ما لم يذهب إليه أحد من فقهاء الإمامية في ما علمت. ثم نقل رواية زرارة ورواية محمد بن مسلم ورواية أبي الصباح الكناني وقال : ان هؤلاء فضلاء السلف من الإمامية وليس لروايتهم معارض إلا ما يحتمل رده الى ما ذكرناه فالراد لذلك متكلف ما لا ضرورة إليه. انتهى.

وثانيهما ـ ما نقله في المختلف عن ابني بابويه من انهما لم يفصلا هذا التفصيل بل قالا متى صح في ما بينهما ولم يقض وجب القضاء والصدقة ، قال : وهو اختيار ابن ابى عقيل.

ونقله في المدارك عن المحقق في المعتبر والشهيدين ، قال (قدس‌سره) ـ بعد

__________________

(1) الوسائل الباب 25 من أحكام شهر رمضان.


قول المصنف : وان برئ بينهما وأخره عازما على القضاء ولا كفارة عليه ، وان تركه تهاونا قضى وكفر عن كل يوم من السالف بمد من طعام ـ ما صورته : يلوح من هذه العبارة ان المراد بالمتهاون غير العازم على القضاء فيكون غير المتهاون العازم على القضاء وان أخره لغير عذر ، والعرف يأباه والأخبار لا تساعد عليه والأصح ما أطلقه الصدوقان واختاره المصنف في المعتبر والشهيدان من وجوب القضاء والفدية على من برئ من مرضه وأخر القضاء توانيا من غير عذر حتى دخل رمضان الثاني سواء عزم على القضاء أم لا ، لقوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة المتقدمة (1) «فإن كان صح في ما بينهما ولم يصم حتى أدركه شهر رمضان آخر صامهما جميعا وتصدق عن الأول». وفي رواية أبي الصباح الكناني (2) «ان كان صح في ما بين ذلك ثم لم يقضه حتى أدركه رمضان قابل فان عليه أن يصوم وان يطعم لكل يوم مسكينا». وفي حسنة محمد بن مسلم (3) «ان كان برئ ثم توانى قبل أن يدركه الرمضان الآخر صام الذي أدركه وتصدق عن كل يوم بمد من طعام على مسكين وعليه قضاؤه». وبهذه الرواية استدل العلامة في المختلف على القول بالفرق بين العازم على القضاء وغيره ، وهي لا تدل على ذلك بوجه بل مقتضى جعل دوام المرض فيها قسيما للتواني ان المراد بالمتواني التارك للقضاء مع القدرة عليه كما دل عليه إطلاق صحيحة زرارة المتقدمة (4) وغيرها. انتهى.

وقال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك بعد ذكر العبارة المتقدمة : هذا التفصيل هو المشهور خصوصا بين المتأخرين ، وفسروا التهاون بعدم العزم على القضاء سواء عزم على الترك أم لم يعزم على واحد من الأمرين ، وغير المتهاون هو الذي عزم على القضاء في حال السعة وأخر اعتمادا عليها فلما ضاق الوقت عرض له المانع كالحيض والمرض والسفر الضروري. وفي استفادة هذا التفصيل من

__________________

(1 و 4) ص 301.

(2) ص 310.

(3) الوسائل الباب 25 من أحكام شهر رمضان.


النصوص نظر ، والذي ذهب اليه الصدوقان وقواه في الدروس ودلت عليه الاخبار الصحيحة كخبر زرارة ومحمد بن مسلم وغيرهما وجوب القضاء مع الفدية على من قدر على القضاء فلم يقض حتى دخل رمضان الثاني سواء عزم على القضاء أم لا ، وهذا هو الأقوى. انتهى.

أقول : وقد علم بذلك ان القائلين بعدم التفصيل وفاقا للصدوقين الشهيدان والسيد السند في المدارك ومثله الفاضل الخراساني في الذخيرة وهو ظاهر المعتبر.

ثم أقول : لا ريب ان ما نقلوه عن الصدوقين هو ظاهر العبارة التي قدمنا نقلها عنهما المأخوذة من كتاب الفقه.

واما ما ذكروه من ان ظاهر صحيحة زرارة المذكورة ذلك فهو من ما لا ريب فيه ايضا ، وكذلك غيرها من ما قدمنا ذكره في سابق هذه المسألة.

إلا انه لا يخفى انه قد روى الشيخ في التهذيب عن ابى الصباح الكناني (1) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل كان عليه من شهر رمضان طائفة ثم أدركه شهر رمضان قابل؟ فقال : ان كان صح في ما بين ذلك ثم لم يقضه حتى أدركه رمضان قابل فان عليه أن يصوم وان يطعم عن كل يوم مسكينا ، وان كان مريضا في ما بين ذلك حتى أدركه شهر رمضان قابل فليس عليه إلا الصيام ان صح ، فان تتابع المرض عليه فلم يصح فعليه ان يطعم لكل يوم مدا».

قال المحدث الكاشاني في الوافي : قوله «فان كان مريضا في ما بين ذلك» لعل المراد به حدوث مرضه بعد ما مضى ما يمكنه القضاء فيه من الوقت مع عزمه عليه أى كان مريضا في ما بين عزمه على القضاء وبين شهر رمضان فليس عليه إلا الصيام يعنى دون التصدق ، وذلك لاستقرار القضاء في ذمته وعدم تقصيره في فواته لسعة الوقت ، فقوله «ان صح» إشارة الى ما قلناه من تمكنه من القضاء في ما مضى.

__________________

(1) الوسائل الباب 25 من أحكام شهر رمضان. واللفظ موافق للتهذيب ج 1 ص 251 وفي آخره هكذا «فان تتابع المرض عليه فعليه ان يطعم كل يوم مسكينا».


وقوله «فان تتابع المرض عليه» في مقابلة ذلك يعنى وان لم يتمكن أولا من القضاء. والحاصل ان ههنا ثلاثة احتمالات ولكل حكم غير حكم الآخر : أحدها ـ عدم تمكنه من الصيام أصلا حتى أدركه الشهر من قابل ، وحكمه التصدق خاصة دون القضاء. والثاني ـ تمكنه منه وتهاونه به الى أن يفوت ، وحكمه القضاء والتصدق معا. والثالث ـ تمكنه منه وعزمه عليه مع سعة الوقت من غير تهاون حتى أدركه مرض آخر حال بينه وبين القضاء حتى أدركه الشهر من قابل ، وحكمه القضاء خاصة دون التصدق. وهذا الخبر مشتمل على الأحكام الثلاثة جميعا وكذا الذي يتلوه بخلاف سائر أخبار هذا الباب حيث اقتصر فيها على بعض دون بعض. انتهى.

وبذلك يظهر لك ما في استدلال صاحب المدارك بخبر ابى الصباح الكناني المذكور حيث أورد بعضه وسكت عن باقيه الذي هو موضع الاشكال منه.

وأشار في الوافي بالخبر الذي يتلوه الى ما رواه الشيخ عن ابى بصير عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «إذا مرض الرجل من رمضان الى رمضان ثم صح فإنما عليه لكل يوم أفطر فدية طعام وهو مد لكل مسكين. قال : وكذلك أيضا في كفارة اليمين وكفارة الظهار مدا مدا. وان صح في ما بين الرمضانين فإنما عليه أن يقضى الصيام ، فان تهاون به وقد صح فعليه الصدقة والصيام جميعا لكل يوم مد إذا فرغ من ذلك الرمضان».

أقول : ما ذكره (قدس‌سره) في رواية أبي الصباح الكناني لا يخلو من قرب واما رواية أبي بصير التي أشار إليها فظني انها قاصرة عن ما ادعاه ، فان موضع الدلالة على ما ذكره منها قوله «وان صح في ما بين الرمضانين فإنما عليه أن يقضى الصيام» بحمل القضاء على كونه بعد الرمضان الثاني ، ومن المحتمل قريبا ـ بل الظاهر أنه الأقرب ـ ان المراد إنما هو قضاؤه في وقت الصحة بين الرمضانين ، وحاصل معنى الرواية حينئذ انه ان استمر به المرض الى الرمضان الآخر فإنما عليه الفدية عن

__________________

(1) الوسائل الباب 25 من أحكام شهر رمضان.


الشهر الأول ، وان صح بينهما فإنما عليه القضاء خاصة في وقت الصحة من غير فدية لعدم تفريطه ، وان ترك القضاء في وقت صحته وتهاون به والحال انه قد صح فعليه القضاء والفدية.

وكيف كان فالخروج عن ظواهر تلك الأخبار التي قدمناها بل صريحها ـ من وجوب القضاء والفدية متى أمكن الصيام وأخل به حتى دخل الشهر الثاني سواء كان مع العزم عليه أولا بمثل هذه الرواية أعني رواية أبي الصباح بناء على ما ذكره المحدث المذكور ـ مشكل لأنها لا تبلغ في الصراحة بل الظهور الى حد يمكن به تقييد تلك الاخبار. وبه يظهر ان الأظهر هو ما ذكره الصدوقان واختاره الجماعة المتقدم ذكرهم ، ويؤيده أنه الأوفق بالاحتياط.

ثم اعلم ان ظاهر كلام الأصحاب القائلين بالتفصيل مختلف في معنى التهاون المقتضى لاجتماع الكفارة مع القضاء ، فظاهر كلام المحقق في الشرائع كما تقدم في عبارته ومثله العلامة في القواعد وهو مقتضى كلام المختلف انه عبارة عن عدم العزم على الصوم اما لو عزم عليه لم يكن متهاونا وان لم يحصل العذر المقتضي للتأخير ، والذي صرح به في الدروس ان المقتضى لوجوب الكفارة عدم العزم على الصوم أو العزم على العدم أو الإفطار عند تضيق وقت القضاء اما إذا عزم على الفعل في سعة الوقت مع القدرة ثم حصل العذر عند ضيقه لم تجب الكفارة بل الواجب القضاء حسب. وفي فهم ذلك بأي المعنيين كان من الاخبار تأمل وغاية ما دل عليه بعضها كحسنة محمد بن مسلم ومثلها رواية أبي بصير المتقدم نقلها عن تفسير العياشي التعبير عن ترك القضاء مع الصحة بين الرمضانين بالتواني ، والتواني وان كان لغة بمعنى ترك الشي‌ء لعدم الاهتمام به كما هو مدلول رواية أبي بصير المذكورة هنا إلا ان الظاهر كما تقدم في كلام السيد السند ان المراد به مطلق الترك ، ويعضده انه لو كان هذا المفهوم مرادا لذكر حكمه في شي‌ء من تلك الروايات ، وما تقدم في بعض الأخبار من تعليل وجوب الكفارة بالتضييع فإنه شامل لما نحن فيه حيث انه صح


ولم يصم فقد ثبت التضييع وان كان بانيا على سعة الوقت ثم تجدد المانع وقت الضيق. والله العالم.

وفي المقام فوائد الأولى ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) استحباب الموالاة في القضاء ، وقيل باستحباب التفريق حكاه ابن إدريس في سرائره عن بعض الأصحاب ، ويظهر من كلام الشيخ المفيد (قدس‌سره) الميل اليه حيث قال بعد أن حكم بالتخيير بين التتابع والتفريق : وقد روى عن الصادق عليه‌السلام (1) انه قال : «إذا كان عليه يومان فصل بينهما بيوم ، وكذلك إذا كان عليه خمسة أيام وما زاد ، فان كان عليه عشرة أيام أو أكثر من ذلك تابع بين الثمانية الأيام ان شاء ثم فرق الباقي». والوجه في ذلك كله انه ان تابع بين الصيام في القضاء لم يكن فرق بين الشهر في صومه وبين القضاء فأوجبت السنة الفصل بين الأيام بالإفطار ليقع الفرق بين الأمرين كما وصفناه. انتهى.

والذي يدل على الأول ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (2) قال : «إذا كان على الرجل شي‌ء من صوم شهر رمضان فليقضه في أي الشهور شاء أياما متتابعة ، فان لم يستطع فليقضه كيف شاء وليحصل الأيام فإن فرق فحسن وان تابع فحسن قال قلت : أرأيت ان بقي عليه شي‌ء من صوم رمضان أيقضيه في ذي الحجة؟ قال : نعم».

وفي الصحيح عن ابن سنان عن ابى عبد الله عليه‌السلام (3) قال : «من أفطر شيئا من شهر رمضان في عذر فان قضاه متتابعا فهو أفضل وان قضاه متفرقا فحسن».

وروى الصدوق في كتاب الخصال بإسناده عن الأعمش عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) في حديث شرائع الدين (4) قال : «والفائت من شهر رمضان

__________________

(1) سيأتي استظهاراته موثق عمار الآتي ص 317.

(2) التهذيب ج 4 ص 274 وفي الوسائل الباب 26 و 27 من أحكام شهر رمضان.

(3 و 4) الوسائل الباب 26 من أحكام شهر رمضان.


ان قضاه متفرقا جاز وان قضاه متتابعا كان أفضل».

وهذه الاخبار كما ترى صريحة في المدعى.

والظاهر ان ما ذكره في المقنعة وأسنده إلى الصادق عليه‌السلام هو ما رواه الشيخ في الموثق عن عمار بن موسى الساباطي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «سألته عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان كيف يقضيها؟ فقال : ان كان عليه يومان فليفطر بينهما يوما وان كان عليه خمسة فليفطر بينها أياما ، وليس له أن يصوم أكثر من ستة أيام متوالية ، وان كان عليه ثمانية أيام أو عشرة أفطر بينها يوما». ورواه الشيخ أيضا بسند آخر مثله (2) إلا انه قال : «فان كان عليه خمسة أيام فليفطر بينها يومين وان كان عليه شهر فليفطر بينها أياما ، وليس له أن يصوم أكثر من ثمانية أيام يعني متوالية ...» وذكر بقية الحديث.

والشيخ (قدس‌سره) حمل هذا الخبر على التخيير ونفى وجوب التتابع وان كان أفضل ، ولا يخفى ان قوله عليه‌السلام في الخبر «وليس له أن يصوم. الى آخره» من ما يدافع ذلك.

ومن ما يؤيد الأخبار المتقدمة في جواز التفريق مطلقا صحيحة سليمان بن جعفر الجعفري (3) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان أيقضيها متفرقة؟ قال : لا بأس بتفرقة قضاء شهر رمضان إنما الصيام الذي لا يفرق كفارة الظهار وكفارة الدم وكفارة اليمين». ونحوها غيرها ايضا

وكيف كان فان هذا الخبر لا يعارض الأخبار المذكورة سيما مع غرابة ما اشتمل عليه كما هو في كثير من اخبار عمار ، واعتضاد تلك الأخبار بموافقة ظاهر الكتاب العزيز.

__________________

(1) الوسائل الباب 26 من أحكام شهر رمضان عن التهذيب ج 4 ص 275.

(2) الوسائل الباب 26 من أحكام شهر رمضان عن التهذيب ج 4 ص 328 و 329.

(3) التهذيب ج 4 ص 274 وفي الوسائل الباب 26 من أحكام شهر رمضان.


الثانية ـ المعروف من مذهب الأصحاب (رضوان الله عليهم) هو وجوب القضاء على التراخي لا على الفور ، ونقل عن ابى الصلاح انه قال يلزم من يتعين عليه فرض القضاء لشي‌ء من شهر رمضان ان يبادر به في أول أحوال الإمكان.

ويظهر من هذه العبارة القول بوجوب الفورية ، وهو مردود بالأخبار كصحيحتي الحلبي وابن سنان المتقدمتين (1).

وأظهر منهما ما رواه الشيخ في الصحيح عن حفص بن البختري عن ابى عبد الله عليه‌السلام (2) قال : «كن نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا كان عليهن صيام أخرن ذلك الى شعبان كراهة ان يمنعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حاجته فإذا كان شعبان صمن وصام. الحديث».

الثالثة ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) : منهم ـ العلامة في التذكرة وغيره بأنه لا يجب الترتيب في قضاء الصوم بأن ينوي الأول فالأول. نعم يستحب ذلك.

واستشكله الشهيد في الدروس فقال : وهل يستحب نية الأول فالأول؟ اشكال.

قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه : وربما كان منشأ الاشكال من تساوى الأيام في التعلق بالذمة مع انتفاء النص على تقديم بعضها على بعض ، ومن سبق الأول في الذمة فكان أولى بالمبادرة. ثم قال : ولا يخفى ضعف الوجه الثاني من وجهي الإشكال إلا أن الأمر في ذلك هين.

أقول : والأظهر أن يقال ان هذا من باب «اسكتوا عن ما سكت الله عنه» (3).

وهل يعتبر الترتيب بين افراد الواجب كالقضاء والكفارة ونحوهما؟ ظاهر المشهور العدم ، ونقل عن ابن ابى عقيل انه قال : لا يجوز صوم عن نذر أو كفارة لمن

__________________

(1) ص 316.

(2) الوسائل الباب 27 من أحكام شهر رمضان والباب 28 من الصوم المندوب.

(3) الشهاب في الحكم والآداب حرف الالف ، وارجع الى الصفحة 30.


عليه قضاء عن شهر رمضان حتى يقضيه. ولم نقف له على مستند.

الرابعة ـ قد تقدم في آخر المطلب الثالث من المقصد الأول (1) انه لا يجوز التطوع بالصيام لمن في ذمته قضاء شهر رمضان وانه لا خلاف فيه بين الأصحاب إلا ما تقدم نقله عن المرتضى (رضي‌الله‌عنه).

بقي الكلام هنا في انه هل يجوز لمن في ذمته واجب غير القضاء من نذر أو كفارة أو نحوهما أم لا؟ ظاهر الأكثر الثاني ونقل عن المرتضى (رضي‌الله‌عنه) الجواز واليه مال السيد السند في المدارك محتجا بالتمسك بمقتضى الأصل ، وهو كذلك فانا لم نقف له على دليل يدل على المنع إلا في ما إذا كان ذلك الواجب قضاء شهر رمضان كما دلت عليه الاخبار التي قدمناها ثمة. وهو ظاهر الكليني والصدوق أيضا حيث ذكرا الحكم المذكور ولم يوردا إلا خبري الحلبي والكناني الواردين في قضاء شهر رمضان (2).

قال في المدارك : والظاهر ان المنع من التطوع مع اشتغال الذمة بالصوم الواجب عند من قال به إنما يتحقق حيث يمكن فعله فلو كان بحيث لا يمكن كصوم شعبان ندبا لمن عليه كفارة كبيرة جاز صومه كما نبه عليه في الدروس. انتهى.

المسألة السابعة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لو مات المريض وقد فاته الشهر أو بعضه بمرض فإن برئ بعد فواته وتمكن من القضاء ولم يقضه وجب على وليه القضاء عنه ان لم يوص به ، ذهب اليه الشيخان وابنا بابويه والسيد المرتضى وابن الجنيد وابن البراج وابن حمزة وابن إدريس.

وقد وقع الخلاف هنا في مواضع الأول ـ ما نقل عن ابن ابى عقيل من أن الواجب هنا إنما هو الصدقة عنه عن كل يوم بمد من طعام.

قال (قدس‌سره) : وقد روى عنهم (عليهم‌السلام) في بعض الأحاديث ان من مات وعليه قضاء من شهر رمضان صام عنه أقرب الناس اليه من أوليائه

__________________

(1) ص 208.

(2) ص 316 و 313.


كما يقضى عنه ، وكذلك من مات وعليه صلاة قد فاتته وزكاة قد لزمته وحج قد وجب عليه قضاه عنه وليه ، بذلك كله جاء نص الاخبار بالتوقيف عن آل الرسول (عليهم‌السلام). الى أن قال : وقد روى ان من مات وعليه صوم من شهر رمضان تصدق عنه عن كل يوم بمد من طعام. وبهذا تواترت الاخبار عنهم (عليهم‌السلام) والقول الأول مطرح لأنه شاذ. انتهى.

أقول : ويدل على القول المشهور وهو المؤيد المنصور الأخبار الكثيرة :

ومنها ـ صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (1) قال : «سألته عن رجل أدركه رمضان وهو مريض فتوفي قبل أن يبرأ؟ قال : ليس عليه شي‌ء ولكن يقضى عن الذي يبرأ ثم يموت قبل أن يقضى».

وموثقة ابن بكير عن بعض أصحابنا عن ابى عبد الله عليه‌السلام (2) «في الرجل يموت في شهر رمضان؟ قال : ليس على وليه أن يقضى عنه. الى أن قال : فان مرض فلم يصم شهر رمضان ثم صح بعد ذلك فلم يقضه ثم مرض فمات فعلى وليه أن يقضى عنه لانه قد صح فلم يقض ووجب عليه».

وموثقة أبي بصير (3) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل سافر في رمضان فأدركه الموت قبل أن يقضيه؟ قال : يقضيه أفضل أهل بيته».

وما رواه في الفقيه مرسلا (4) قال : وقد روى عن الصادق عليه‌السلام انه قال : «إذا مات الرجل وعليه صوم شهر رمضان فليقض عنه من شاء من أهله».

وصحيحة حفص بن البختري وحسنة حماد ومكاتبة الصفار الآتيات في المقام الى غير ذلك من الاخبار.

احتج العلامة في المختلف لابن ابى عقيل بصحيحة أبي مريم الأنصاري عن أبى عبد الله عليه‌السلام (5) قال : «إذا صام الرجل شيئا من شهر رمضان ثم لم يزل مريضا حتى مات فليس عليه شي‌ء ، وان صح ثم مرض ثم مات وكان له مال تصدق

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5) الوسائل الباب 23 من أحكام شهر رمضان.


عنه مكان كل يوم بمد. وان لم يكن له مال صام عنه وليه». كذا في روايتي الكليني والصدوق لهذا الخبر وفي رواية الشيخ له في التهذيب (1) «وان لم يكن له مال تصدق عنه وليه».

أقول : ومثل هذه الرواية أيضا ما رواه في الفقيه (2) في الصحيح عن محمد ابن إسماعيل بن بزيع عن ابى جعفر الثاني عليه‌السلام قال : «قلت له رجل مات وعليه صوم يصام عنه أو يتصدق؟ قال : يتصدق عنه فإنه أفضل».

وأجاب في المختلف عن الرواية الأولى بالحمل على ما إذا لم يكن له ولى من الأولاد الذكور.

أقول : وهذا الحمل بعيد في الرواية المذكورة لأنه قد صرح فيها بأنه ان لم يكن له مال صام عنه وليه. وهو أيضا بعيد في الرواية الثانية التي ذكرناها.

والأظهر عندي هو حمل الروايتين على التقية حيث ان العلامة في المنتهى قد نسب هذا القول الى جمهور الجمهور ، قال بعد نقل القول بالقضاء عن الشافعي في القديم وأبى ثور : وقال الشافعي في الجديد ويطعم عنه عن كل يوم مدا وبه قال أبو حنيفة ومالك والثوري (3). وبالجملة فالأظهر هو القول المشهور لما عرفت.

الثاني ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) هو وجوب القضاء على الولي مطلقا ، وعليه يدل إطلاق الاخبار المتقدمة والآتية في الموضع الثالث.

ونقل عن المرتضى (رضي‌الله‌عنه) انه اعتبر في وجوب القضاء على الولي ان لا يخلف الميت ما يتصدق به عنه عن كل يوم بمد ، ويدل على ما ذهب إليه صحيحة أبي مريم المذكورة بناء على روايتي الكليني والصدوق.

__________________

(1) ج 4 ص 248 وفي الوسائل الباب 23 من أحكام شهر رمضان.

(2) ج 3 ص 236 والوافي باب من مات وعليه صيام.

(3) المغني ج 3 ص 142 و 143 ، والمجموع ج 6 ص 367 ، وبدائع الصنائع ج 2 ص 103.


قال في المدارك بعد نقل الرواية المذكورة بطريق الشيخين المذكورين ثم رواية الشيخ في التهذيب : وبمضمون هذه الرواية أفتى ابن ابى عقيل وادعى فيه تواتر الاخبار ، والمسألة قوية الإشكال لاختلاف متن الرواية وان كان الظاهر ترجيح ما في الكافي ومن لا يحضره الفقيه كما يعرفه من يقف على حقيقة هذه الكتب. انتهى.

وفيه إشارة إلى الطعن على الشيخ وما وقع له في التهذيب من ما أشرنا إليه آنفا في غير موضع.

ويظهر منه الميل الى هذه الرواية بناء على رواية الشيخين المتقدمين لصحة سندها. وفيه ما عرفت من ان الأمر بالصدقة إنما خرج مخرج التقية (1) وبذلك يظهر ان الأصح ما هو المشهور بين الأصحاب من وجوب القضاء مطلقا عملا بإطلاق الروايات المتقدمة.

الثالث ـ المشهور سيما في كلام المتأخرين ان الولي الذي يجب عليه القضاء هو الولد الأكبر ، قال في المختلف : ظاهر كلام الشيخ ان الولي هو أكبر أولاده الذكور خاصة فإن فقد فالصدقة. قال في المبسوط : والولي هو أكبر أولاده الذكور ، فان كانوا جماعة في سن واحد وجب القضاء بالحصص أو يقوم به بعض فيسقط عن الباقين ، وان كانوا اناثا لم يلزمهن القضاء وكان الواجب الفدية.

وقال الشيخ المفيد : فان لم يكن له ولد من الرجال قضى عنه أكبر أوليائه من أهله وأولاهم به وان لم يكن إلا من النساء.

وقال في الدروس بعد نقل ذلك عن الشيخ المفيد : وهو ظاهر القدماء والاخبار والمختار.

وقال في المختلف بعد نقل ذلك عن الشيخ المفيد : وفي هذا الكلام حكمان :

__________________

(1) ارجع الى الصفحة 321 والتعليقة 3 فيها.


الأول ـ ان الولاية لا تختص بالأولاد. الثاني ـ ان مع فقد الرجال يكون الولي هو الأكبر من النساء.

وقال ابن الجنيد : واولى الناس بالقضاء عن الميت أكبر ولده الذكور وأقرب أوليائه اليه ان لم يكن له ولد.

وقال على بن بابويه : من مات وعليه صوم شهر رمضان فعلى وليه ان يقضى عنه ، فان كان للميت وليان فعلى أكبرهما من الرجال ، فان لم يكن له ولى من الرجال قضى عنه وليه من النساء. وكذا قال ابنه أبو جعفر في المقنع.

قال في المختلف بعد نقل ذلك : وهذه الأقوال مناسبة لقول المفيد.

وقال ابن البراج : على ولده الأكبر من الذكور أن يقضى عنه ما فاته من ذلك الصوم ومن الصلاة أيضا ، فان لم يكن له ذكر فالأولى به من النساء. وهو يوافق الحكم الثاني من حكمي المفيد.

واختار في المختلف مذهب الشيخ الذي هو المشهور كما أشرنا اليه ، وقال في الاحتجاج عليه : لنا ـ الأصل براءة الذمة ، خالفناه في الولد الأكبر للنقل والإجماع عليه ولاختصاصه بالحباء من التركة فيبقى الباقي على أصل الدليل. ثم نقل رواية حماد بن عثمان الآتية (1).

واحتج في المعتبر على ما ذهب اليه من مذهب الشيخ أيضا بأن الأصل براءة ذمة الوارث إلا ما حصل الاتفاق عليه.

أقول : لا يخفى ما في هذه الأدلة من النظر الظاهر لكل ناظر :

فاما ما ذكره في المختلف من النقل فهو غير مختص بالولد فضلا عن الذكور بل عن الأكبر منهم كما سيظهر لك في المقام ان شاء الله تعالى. والاختصاص بالحباء غير مقتض لما ذكره لجواز ان تكون العلة في إيجاب القضاء غير ذلك. ورواية حماد غير دالة على ما ادعاه كما ستعرف ان شاء الله تعالى. والإجماع المدعى ان ثبت فهو غير دال على التخصيص إلا أن يقولوا بإطراح الأخبار الآتية من البين وهم لا يقولونه.

__________________

(1) ص 324.


والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن حفص بن البختري عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) «في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام؟ قال : يقضى عنه أولى الناس بميراثه. قلت : ان كان أولى الناس به امرأة؟ فقال : لا إلا الرجال».

وما رواه أيضا في الحسن عن حماد بن عثمان عن من ذكره عن ابى عبد الله عليه‌السلام (2) قال : «سألته عن الرجل يموت وعليه دين من شهر رمضان من يقضى عنه؟ قال : أولى الناس به. قلت : فان كان أولى الناس به امرأة؟ قال : لا إلا الرجال».

وما رواه الشيخ في التهذيب عن الصفار (3) قال : كتبت الى الأخير عليه‌السلام وفي الفقيه (4) قال : كتب محمد بن الحسن الصفار الى ابى محمد الحسن بن على عليه‌السلام «في رجل مات وعليه قضاء من شهر رمضان عشرة أيام وله وليان هل يجوز لهما ان يقضيا عنه جميعا خمسة أيام أحد الوليين وخمسة أيام الآخر؟ فوقع عليه‌السلام : يقضى عنه أكبر ولييه عشرة أيام ولاء ان شاء الله».

قال في الفقيه : وهذا التوقيع عندي مع توقيعاته الى الصفار بخطه عليه‌السلام.

وما رواه الشيخ في الموثق عن عبد الله بن بكير عن بعض أصحابنا عن أبى عبد الله عليه‌السلام (5) «في الرجل يموت في شهر رمضان؟ قال : ليس على وليه أن يقضى عنه. الى أن قال : فان مرض ولم يصم شهر رمضان ثم صح بعد ذلك فلم يقضه ثم مرض فمات فعلى وليه أن يقضى عنه لانه قد صح فلم يقض ووجب عليه».

وما رواه ايضا بسنده الى محمد بن ابى عمير عن رجاله عن الصادق عليه‌السلام (6) :

__________________

(1 و 2 و 3 و 5) الوسائل الباب 23 من أحكام شهر رمضان.

(4) ج 2 ص 98 وفي الوسائل الباب 23 من أحكام شهر رمضان.

(6) لم أقف على هذه الرواية في كتب الحديث عن الشيخ وانما نقلها الشهيد في الذكرى عن كتاب غياث سلطان الورى منسوبة إلى الشيخ في المبحث السادس من المطلب الثالث في توابع أحكام الميت ، وقد نقلها في الوسائل في الباب 12 من قضاء الصلوات عن غياث سلطان الورى عن الشيخ ، وتقدم نقلها كذلك ج 11 ص 33.


«الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام؟ قال : يقضيه أولى الناس به».

وقد تقدم في الموضع الأول (1) نقل رواية أبي بصير الدالة على انه يقضى عنه أفضل أهل بيته ، ومرسلة الفقيه الدالة على انه يقضى عنه من شاء من أهله.

وقال في كتاب الفقه الرضوي (2) «وإذا مات الرجل وعليه من صوم شهر رمضان فعلى وليه أن يقضى عنه وكذلك إذا فاته في السفر ، إلا أن يكون مات في مرضه من قبل ان يصح فلا قضاء عليه. وإذا كان للميت وليان فعلى أكبرهما من الرجال أن يقضى عنه فان لم يكن له ولى من الرجال قضى عنه وليه من النساء».

وهذه عين عبارتي الصدوقين المتقدمتين لكنهما اختصراها وفي الفقيه ذكرها بطولها.

وهذه الأخبار ـ كما ترى ـ كلها إنما دلت على اناطة القضاء بالولي الذي هو عبارة عن أولى الناس بميراثه كما فسره به في صحيحة حفص بن البختري ، ولا اختصاص لذلك بالولد الأكبر بل ولا بالولد بقول مطلق بل إنما هو عبارة عن الأولى بالميراث كائنا من كان.

والعجب من صاحب الوسائل حيث تبع المشهور من تخصيص القضاء بأكبر الأولاد الذكور كما عنون به الباب (3) ثم أورد مكاتبة الصفار وبدل «ولييه» به «ولديه» في قوله في التوقيع «يقضى عنه أكبر ولييه عشرة أيام ولاء» فكتب «ولديه» ولا أدرى أهذا من غلط النسخة التي عندي أو ان هذا منشأ وهم المصنف فيكون الغلط منه ، ونسخ الحديث كلها متفقة على لفظ «ولييه» (4).

وبذلك يظهر لك انه لا مستند لما اشتهر بينهم من التخصيص بالولد الأكبر

وبالجملة فإن الظاهر من الأخبار هو ان الولي هنا هو الولي في أحكام الميت وهو الأولى بالميراث ، وليس في الأقوال المتقدمة ما ينطبق على القول بهذه الروايات التي ذكرناها إلا قول الصدوقين ويقرب منه قول ابن الجنيد ، والى هذا القول مال

__________________

(1) ص 320.

(2) ص 25.

(3) 23 من أحكام شهر رمضان.

(4) وفي نسخ الوسائل كذلك.


السيد السند في المدارك ، وهو الحق الحقيق بالاتباع وان كان قليل الاتباع.

فوائد

الأولى ـ قد دلت صحيحة حفص بن البختري وكذا مرسلة حماد المتقدمتان (1) على انه لو لم يكن ولي إلا من النساء فإنه لا قضاء ، وصرحت عبارة كتاب الفقه الرضوي (2) بوجوب قضاء الولي من النساء ، وبمدلول الروايتين صرح الشيخ وغيره فاسقطوا القضاء عن الولي من النساء ، وبمدلول الرواية الأخرى صرح الصدوقان والشيخ المفيد وابن البراج ، والظاهر ان مستندهم إنما هو عبارة الكتاب أو فتوى الصدوقين بذلك المستند الى الكتاب المذكور. والجمع بين الأخبار هنا لا يخلو من اشكال.

الثانية ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب في وجوب القضاء على الولي عند من عين القضاء دون الصدقة ، وعلى ذلك تدل الأخبار المتقدمة.

واما ما تقدم في رواية أبي بصير ـ من انه يقضى عنه أفضل أهل بيته ، ومرسلة الفقيه : يقضى عنه من شاء من أهله (3). وفي رواية لعمار تقدمت في كتاب الصلاة (4) انه يقضى الصلاة والصوم رجل عارف ـ فيجب ارتكاب التأويل فيها بالحمل على التبرع بذلك لعدم الولي أو صغره أو نحو ذلك.

الثالثة ـ هل يشترط في تعلق الوجوب بالولي بلوغه حين يموت مورثه أم يراعى الوجوب ببلوغه فيتعلق به حينئذ؟ قولان ولم نقف على نص في المقام.

الرابعة ـ قد صرح جملة من الأصحاب بأنه لو كان للميت وليان أو أولياء متساوون في السن تساووا في القضاء.

واستدل عليه بعموم الأمر بالقضاء وبقوله عليه‌السلام في صحيحة حفص (5) «يقضى عنه أولى الناس بميراثه». ونحوها من ما تقدم ، فان ذلك شامل بإطلاقه

__________________

(1 و 5) ص 324.

(2) ص 325.

(3) ص 320.

(4) ج 11 ص 33 وفي الوسائل الباب 12 من قضاء الصلوات.


المتحد والمتعدد ، وإذا وجب القضاء عليهم تساووا فيه لامتناع الترجيح بلا مرجح. وقال ابن البراج يقرع بينهم.

وقال ابن إدريس انه لا قضاء لأن التكليف بذلك يتعلق بالولد الأكبر وليس هنا ولد أكبر.

وضعفه ظاهر فإنه مع تسليم ما ذكره من اختصاص الوجوب بالولد الأكبر إنما هو لو كان ثمة ولد أكبر لا مطلقا.

ولم أقف على نص واضح في المقام إلا ان القول المشهور لا يخلو من قرب نظرا إلى إطلاق الاخبار المشار إليها. ولعل حجة من ذهب الى القرعة عموم ما دل على انها لكل أمر مشكل (1).

ثم ان جملة منهم قد صرحوا بوجوب القضاء على الجميع وان اتحد الزمان بمعنى انه لا يشترط الترتيب في قضاء الصوم وان صرحوا باشتراطه في قضاء الصلاة وقالوا بناء على ذلك ان يوم الكسر واجب على الكفاية وان تبرع به أحد سقط.

الخامسة ـ قد أطلق جملة من الأصحاب انه لو تبرع بعض بالقضاء سقط. وحمل على تبرع بعض الأولياء المتساوين في السن بقضاء الصيام عن البعض الآخر فإنه يسقط الفرض بفعل ذلك البعض المتبرع.

قال شيخنا الشهيد الثاني : ووجه السقوط حصول المقتضى وهو براءة ذمة الميت من الصوم.

قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه : ويتوجه عليه ان الوجوب تعلق بالولي وسقوطه بفعل غيره يحتاج الى دليل ، ومن ثم ذهب ابن إدريس والعلامة في المنتهى الى عدم الاجتزاء بفعل المتبرع وان وقع باذن من تعلق به الوجوب لأصالة عدم سقوط الفرض عن المكلف بفعل غيره. وقوته ظاهرة. انتهى.

السادسة ـ قد تقدم في كلام الشيخ انه لو لم يكن إلا النساء لم يلزمهن القضاء

__________________

(1) الوسائل الباب 13 من كيفية الحكم واللفظ «كل مجهول ففيه القرعة» ..


وكان الواجب الفدية ، وبذلك صرح من تبعه أيضا ، وهو مبنى على ما هو المشهور بينهم من عدم وجوب القضاء على الأنثى وان انحصرت الولاية فيها.

واما ما ذكره من التصدق فلم نقف له على مستند وانما استدل له برواية أبي مريم الأنصاري (1) وقد عرفت من ما قدمنا سابقا ان هذه الرواية إنما خرجت مخرج التقية (2) ومع الإغماض عن ذلك فان مقتضى الرواية على ما في الكافي والفقيه هو وجوب الصوم على الولي إذا لم يخلف الميت ما يتصدق به عنه وعلى رواية التهذيب وجوب التصدق على الولي أيضا ، وشي‌ء منهما لا ينطبق على ما ذكره هنا لانه هنا إنما أوجب الفدية مع تعذر الولي والولي على كل من الوجهين الأولين موجود.

السابعة ـ حكى الشهيد في الذكرى عن المحقق (قدس‌سره) انه قال في مسائله البغدادية المنسوبة إلى سؤال جمال الدين بن حاتم المشغري : الذي ظهر لي ان الولد يلزم قضاء ما فات الميت من صيام وصلاة لعذر كالسفر والمرض والحيض لا ما تركه عمدا مع قدرته عليه. ثم قال الشهيد : وقد كان شيخنا عميد الدين ينصر هذا القول ، ولا بأس به فان الروايات تحمل على الغالب من الترك وهو انما يكون على هذا الوجه. انتهى.

واليه مال جملة من متأخري المتأخرين كالسيد السند في المدارك والفاضل الخراساني في الذخيرة ، وهو جيد.

ويمكن تأييده أيضا بأن روايات وجوب القضاء منها ما صرح فيه بالسبب الموجب للترك من الأعذار التي هي الحيض أو المرض أو السفر ومنها ما هو مطلق ومقتضى القاعدة حمل مطلقها على مقيدها في ذلك.

الرابع ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في وجوب القضاء عن

__________________

(1) ص 320.

(2) ارجع الى الصفحة 321 والتعليقة 3 فيها.


المرأة ، فعن الشيخ في النهاية قال : والمرأة حكمها ما ذكرناه في أن ما يفوتها من الصيام بمرض أو طمث لا يجب على أحد القضاء عنها إلا أن يكون قد تمكنت من الصيام فلم تقضه فإنه يجب القضاء عنها. ويجب ايضا القضاء عنها ما يفوتها بالسفر حسبما قدمناه في حكم الرجال. والى هذا القول مال جملة من الأصحاب : منهم ـ العلامة في المنتهى والمختلف ، وتردد المحقق في الشرائع.

وقال ابن إدريس : الصحيح من المذهب والأقوال ان إلحاق المرأة في هذا الحكم بالرجال يحتاج الى دليل وانما إجماعنا منعقد على ان الوالد يتحمل ولده الأكبر ما فرط فيه من الصيام ويصير ذلك تكليفا للولد ، وليس هذا مذهبا لأحد من أصحابنا وانما أورده الشيخ إيرادا لا اعتقادا.

قال في المختلف بعد نقل ذلك عن ابن إدريس والاستدلال على ما ذهب اليه الشيخ بموثقة محمد بن مسلم وموثقة أبي بصير في المرأة التي أوصته أن يصوم عنها (1) ما صورته : وقول ابن إدريس ـ «الإجماع على الوالد» ـ ليس حجة إذ دلالة دليل على حكم ليس دليلا على انتفاء ذلك الحكم في صورة أخرى. قوله «وليس هذا مذهبا لأحد من أصحابنا» جهل منه وأي أحد أعظم من الشيخ (قدس‌سره) خصوصا مع اعتضاد قوله بالروايات والأدلة العقلية. على ان جماعة قالوا بذلك كابن البراج. ونسبة قول الشيخ إلى أنه إيراد لا اعتقاد غلط منه وما يدريه بذلك ، مع انه لم يقتصر على قوله بذلك في النهاية بل وفي المبسوط ايضا. انتهى.

أقول : والأصح ما ذهب اليه الشيخ (رضوان الله عليه) ويدل عليه ما يأتي في المسألة الآتية من روايتي أبي حمزة ومحمد بن مسلم (2).

الخامس ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ان وجوب القضاء على الولي في غير ما فات بالسفر مشروط بتمكن المكلف من القضاء وتفريطه حتى استقر في ذمته.

وعلى ذلك يدل جملة من الأخبار المتقدمة ، ويعضدها أيضا ما رواه الشيخ

__________________

(1 و 2) ص 330.


في الموثق عن ابى بصير عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان وماتت في شوال فأوصتني أن أقضي عنها؟ قال هل برئت من مرضها؟ قلت لا ماتت فيه. قال لا يقضى عنها فان الله لم يجعله عليها. قلت فإني أشتهى أن أقضي عنها وقد أوصتني بذلك؟ قال كيف تقضى عنها شيئا لم يجعله الله عليها؟

فان اشتهيت أن تصوم لنفسك فصم». اما في السفر فظاهر الأكثر ايضا انه كذلك ، فلو لم يتمكن من القضاء لم يجب القضاء عنه ، ونقله في المهذب عن الشيخ في النهاية والمحقق والعلامة ، لدخوله تحت قسم المعذورين لعدم التمكن فيسقط عنه لاستحالة التكليف بما لا يطاق.

وبه صرح شيخنا الشهيد في اللمعة حيث قال : وفي القضاء عن المسافر خلاف أقربه مراعاة تمكنه من المقام والقضاء. وبه صرح شيخنا الشهيد الثاني في الشرح حيث قال بعد ذكر العبارة المذكورة : ولو بالإقامة في أثناء السفر كالمريض ، وقيل يقضى عنه مطلقا لإطلاق النص وتمكنه من الأداء بخلاف المريض. وهو ممنوع لجواز كونه ضروريا كالسفر الواجب فالتفصيل أجود. انتهى ونحوه كلامه في المسالك أيضا.

أقول : والظاهر عندي هو القول بالوجوب مطلقا وان لم يتمكن من الإقامة ولم يمض عليه زمان يمكن فيه القضاء للأخبار الظاهرة الدلالة في ذلك :

ومنها ـ ما رواه في الكافي والفقيه في الصحيح عن أبي حمزة عن ابى جعفر عليه‌السلام (2) قال : «سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت فماتت قبل خروج شهر رمضان هل يقضى عنها؟ قال : اما الطمث والمرض فلا ، واما السفر فنعم».

وما رواه الشيخ في الموثق عن محمد بن مسلم عن أبى عبد الله عليه‌السلام (3) «في امرأة مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت فماتت قبل أن يخرج رمضان هل يقضى عنها؟ قال : اما الطمث والمرض فلا ، واما السفر فنعم».

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 23 من أحكام شهر رمضان.


وما رواه في الموثق عن أبى بصير (1) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل سافر في رمضان فأدركه الموت قبل أن يقضيه؟ قال : يقضيه أفضل أهل بيته».

وعن منصور بن حازم عن أبى عبد الله عليه‌السلام (2) «في الرجل يسافر في شهر رمضان فيموت؟ قال : يقضى عنه. وان امرأة حاضت في رمضان فماتت لم يقض عنها. والمريض في رمضان ولم يصح حتى مات لا يقضى عنه».

وأنت خبير بما في هذه الأخبار من الصراحة في الدلالة ، والظاهر ان من ذهب من أصحابنا إلى المشهور لم يقف على هذه الاخبار كملا ، ولذلك ان شيخنا الشهيد الثاني في المسالك بعد ان نقل عبارة المصنف ـ وهي قوله : ولا يقضي الولي إلا ما تمكن الميت من قضائه فأهمله إلا ما يفوت بالسفر فإنه يقضى ولو مات مسافرا على رواية ـ قال : هي رواية منصور بن حازم. ثم ساق الرواية ثم قال بعد ما اختار القول المشهور : والرواية مع عدم صحة سندها يمكن حملها على الاستحباب أو الوجوب لكون السفر معصية وان بعد ولا يخفى ما فيه بعد ما عرفت.

وبالجملة فإن ظواهر الأخبار المذكورة هو وجوب القضاء عن المسافر مطلقا وتقييدها بالتمكن من القضاء مع كونه لا دليل عليه ينافيه ظاهر روايتي أبي حمزة ومحمد بن مسلم المشتملتين على السفر والطمث والمرض وانه يقضى ما فات بالسفر خاصة دون ما فات بذينك الآخرين ، وليس ذلك إلا مع عدم التمكن من القضاء إذ لا خلاف في انه مع التمكن يجب القضاء في الطمث والمرض.

والظاهر ان بناء الحكم المذكور في الفرق بين الفائت بالسفر وغيره انما هو من حيث ان عذر المرض والطمث من جهة الله (عزوجل) وهو أعذر لعبده كما ورد في جملة من اخبار الإغماء (3) وغيرها ، وعذر السفر من قبل المكلف ويمكنه تركه والإتيان بالأداء فوجب القضاء عنه لذلك.

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 23 من أحكام شهر رمضان.

(3) الوسائل الباب 3 من قضاء الصلوات والباب 24 ممن يصح منه الصوم.


وما استشكله شيخنا الشهيد الثاني (قدس‌سره) من انه ربما يكون السفر ضروريا أو واجبا فالظاهر انه لا وجه له ، فان بناء الأحكام على الافراد الغالبة المتكررة ، والعلل الشرعية لا يجب اطرادها بل يكفى وجودها في أكثر الأفراد كما لا يخفى.

السادس ـ قال الشيخ في النهاية : المريض إذا كان قد وجب عليه صيام شهرين متتابعين ثم مات تصدق عنه عن شهر وقضى عنه وليه شهرا آخر. وكذا قال ابن البراج على ما نقله في المختلف ، وبذلك قال أكثر المتأخرين.

ويدل على هذا القول ما رواه الشيخ عن الوشاء بطريق فيه سهل بن زياد عن ابى الحسن الرضا عليه‌السلام (1) قال : «سمعته يقول إذا مات رجل وعليه صيام شهرين متتابعين من علة فعليه أن يتصدق عن الشهر الأول ويقضى الثاني».

قال في المسالك : لا فرق في الشهرين اللذين على الميت بين كونهما واجبين عليه على التعيين كالمنذورين وكفارة الظهار مع قدرته على الصوم في حال الحياة وعجزه عن العتق أو على التخيير ككفارة رمضان على تقدير اختيار الولي الصوم ، فان التخيير ينتقل اليه كما كان للميت. وهذا الحكم تخفيف على الولي بالصدقة عن أحد الشهرين من مال الميت مع ان النصوص تقتضي وجوب قضاء الجميع عليه ، ومستند هذا الحكم المستثنى من صور القضاء رواية الوشاء. ثم ساق الخبر كما نقلناه.

واستشكل ذلك جملة من متأخري المتأخرين من حيث ضعف سند الرواية أولا ، ومن دلالة الأخبار المستفيضة على وجوب القضاء على الولي كما قدمنا نقل كثير منها (2) ولأن صوم هذين الشهرين لا يخلو اما أن يكون متعينا على الميت أو مخيرا فيه ، فان كان الأول فمقتضى الاخبار المشار إليها هو وجوب الكل على الولي ، وان كان الثاني فالأمر فيه مشكل ، حيث ان ظاهر الخبر المذكور غير المخير فيه.

__________________

(1) الوسائل الباب 24 من أحكام شهر رمضان.

(2) ص 320 و 324.


وقال الشيخ أيضا في المبسوط والجمل والاقتصاد على ما نقله في المختلف : كل صوم كان واجبا عليه بأحد الأسباب الموجبة له فمتى مات وكان متمكنا منه فلم يصمه فإنه يتصدق عنه أو يصوم عنه وليه. وهو يرجع الى ما ذكره في النهاية أيضا.

وفيه ما عرفت من دلالة الأخبار المستفيضة على وجوب القضاء خاصة مضافا الى ما ذكره.

ومن هنا ذهب ابن إدريس والعلامة في المختلف الى وجوب القضاء خاصة ، وهو أيضا ظاهر الشيخ المفيد حيث قال : يجب على وليه أن يقضى عنه كل صيام فرط فيه من نذر أو كفارة أو قضاء رمضان.

أقول : والمسألة غير خالية من شوب الإشكال ، فإن الخروج عن مقتضى تلك الأخبار المستفيضة بهذا الخبر مع احتماله للتقية ـ فإن القول بالتصدق مذهب أكثر العامة (1) وان لم ينقل في خصوص هذه الصورة ـ مشكل ، والأظهر الوقوف على ما دلت عليه تلك الاخبار المشار إليها وهو الأوفق بالاحتياط المطلوب في جميع المقامات.

فان قيل : ان جملة الأخبار المتقدمة إنما وردت في قضاء شهر رمضان فلا تتعدى الى غيره ، لأنه قياس مع الفارق فان شهر رمضان آكد من غيره وكذا قضاؤه.

لأنا نقول : العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو المصرح به في الأصول والدائر في كلامهم في غير مقام ، إذ المفهوم من اجوبتهم (عليهم‌السلام) في تلك الاخبار إنما هو ترتب القضاء على استقرار الأداء في الذمة كائنا ما كان سيما صحيحة حفص بن البختري (2) فإن السؤال فيها عن الصوم بقول مطلق ، ورواية أبي بصير المتقدمة (3) في حكاية المرأة التي أوصته أن يصوم عنها وقوله عليه‌السلام

__________________

(1) ارجع الى الصفحة 321 والتعليقة 3 فيها.

(2) ص 324.

(3) ص 330.


«لا يقضى عنها فان الله لم يجعله عليها». فإنه علل عدم القضاء بعدم وجوب الأداء عليها المؤذن بثبوته مع ثبوته ، وقوله عليه‌السلام في موثقة ابن بكير المتقدمة في الموضع الثالث (1) «لأنه قد صح فلم يقض ووجب عليه» وهو مشعر بوجوب القضاء من حيث ان الأداء كان واجبا عليه ، الى غير ذلك من الاخبار المتقدمة ، وما نحن فيه كذلك عملا بالعلة المذكورة. والله العالم.

الفصل الثالث

في صوم الكفارات

وتنحل إلى أقسام أربعة الأول ـ ما يجب فيه الصوم مع غيره ، وهي كفارة قتل المؤمن عمدا فإنه تجب فيها الخصال الثلاث للأخبار المستفيضة :

ومنها ـ ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن عبد الله بن سنان وابن بكير جميعا عن ابى عبد الله عليه‌السلام (2) قال : «سئل عن المؤمن يقتل المؤمن متعمدا هل له توبة؟ فقال : ان كان قتله لإيمانه فلا توبة له وان كان قتله لغضب أو لسبب من أمر الدنيا فان توبته أن يقاد منه ، وان لم يكن علم به انطلق إلى أولياء المقتول فأقر عندهم بقتل صاحبهم فان عفوا عنه فلم يقتلوه أعطاهم الدية وأعتق نسمة وصام شهرين متتابعين وأطعم ستين مسكينا ...».

ومثلها كفارة من أفطر شهر رمضان على محرم عند من قال بذلك كما تقدم تحقيقه وانه الأظهر لما قدمنا من الأدلة.

القسم الثاني ـ ما يجب فيه الصوم بعد العجز عن غيره وهي ستة :

أحدها ـ كفارة قتل الخطأ قال الله تعالى (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً). إلى

__________________

(1) ص 324.

(2) الوسائل الباب 28 من الكفارات والباب 9 من القصاص في النفس.


قوله (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ) (1) وفي معناها أخبار كثيرة (2).

وثانيها ـ الظهار قال الله تعالى (وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ). إلى قوله. (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً) (3).

وثالثها ـ قضاء شهر رمضان بناء على المشهور من أنها إطعام عشرة مساكين فان لم يتمكن صام ثلاثة أيام ، وقيل انها كفارة شهر رمضان ، وقد تقدم الكلام في ذلك.

ورابعها ـ كفارة اليمين قال الله عزوجل (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ ذلِكَ كَفّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ) (4).

وخامسها ـ كفارة الإفاضة من عرفات عامدا قبل الغروب فان عليه بدنة ومع العجز صيام ثمانية عشر يوما.

ويدل عليه ما رواه الشيخ عن يونس في الصحيح عن ابى جعفر عليه‌السلام (5) قال : «سألته عن من أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس؟ قال : عليه بدنة ينحرها يوم النحر فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما».

وسادسها ـ كفارة الصيد الذي هو عبارة عن النعامة والبقرة الوحشية والظبي وما ألحق بها على تردد ، ويأتي تحقيق القول فيه ان شاء الله تعالى في كتاب الحج.

والحق بذلك كفارة شق الرجل ثوبه على زوجته أو ولده وكفارة خدش المرأة وجهها ونتفها شعر رأسها :

__________________

(1) سورة النساء الآية 95.

(2) الوسائل الباب 10 من الكفارات والباب 11 و 38 من القصاص في النفس.

(3) سورة المجادلة الآية 6.

(4) سورة المائدة الآية 92.

(5) الوسائل الباب 23 من إحرام الحج. والراوي ضريس. والشيخ يرويه عن الكليني.


لرواية خالد بن سدير عن الصادق عليه‌السلام (1) قال : «وإذا شق زوج على امرأته أو والد على ولده فكفارته كفارة حنث يمين ، ولا صلاة لهما حتى يكفرا أو يتوبا من ذلك ، وإذا خدشت المرأة وجهها أو جزت شعرها أو نتفته ففي جز الشعر عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا ، وفي خدش الوجه إذا أدمت وفي النتف كفارة حنث يمين».

قيل : ووجه الإلحاق ضعف الرواية المذكورة بالراوي المذكور فقد قال الصدوق ان كتابه موضوع. وقال ابن إدريس باستحبابها ، وسيأتي تحقيق الكلام ان شاء الله تعالى في ذلك في كتاب الكفارات.

القسم الثالث ـ ما يكون الصوم فيه مخيرا بينه وبين غيره وهو خمسة :

منها ـ كفارة من أفطر يوما من شهر رمضان عامدا ، وقد تقدم الكلام فيها.

ومنها ـ كفارة النذر بناء على المشهور من انها كفارة كبرى مخيرة ، والأصح انها كفارة يمين ، وسيأتي تحقيق القول في ذلك في كتاب النذر ان شاء الله تعالى.

ومنها ـ كفارة العهد بناء على المشهور من انها كفارة كبرى مخيرة وهو الأصح وقيل انها كفارة يمين ، وسيأتي تحقيق البحث في ذلك في محله.

ومنها ـ كفارة الاعتكاف الواجب بناء على ما هو المشهور من انها كفارة كبرى مخيرة ، وقيل انها مرتبة ، وسيأتي بيان ذلك في كتاب الاعتكاف ان شاء الله تعالى.

ومنها ـ كفارة حلق الرأس في الإحرام وهي منصوصة في القرآن المجيد ، قال الله تعالى (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) (2) ولفظ «أو» صريح في التخيير ، وسيأتي تحقيق ذلك في كتاب الحج ان شاء الله تعالى.

__________________

(1) الوسائل الباب 31 من الكفارات.

(2) سورة البقرة الآية 193.


والحق بذلك كفارة جز المرأة رأسها في المصاب لرواية خالد بن سدير المتقدمة

القسم الرابع ـ ما يجب مرتبا على غيره مخيرا بينه وبين غيره وهو كفارة الواطئ أمته المحرمة باذنه ، وسيأتي ان شاء الله تعالى في كتاب الحج ان هذه الكفارة بدنة أو بقرة أو شاة فإن عجز عن الأولين فشاة أو صيام ثلاثة أيام ، فالصيام فيها مرتب على غيره وهو البدنة والبقرة مخير بينه وبين غيره وهو الشاة.

وإنما اجملنا الكلام في هذه المسائل ولم نتعرض لتحقيق البحث فيها بنقل الأدلة وتحقيق الكلام فيها لان الغرض هنا إنما هو استيفاء أقسام الصوم وسيجي‌ء تحقيق كل مسألة ان شاء الله تعالى في محلها اللائق بها.

بقي الكلام هنا في مقامات المقام الأول ـ قد صرح جملة من الأصحاب بل الظاهر انه المشهور ان كل الصوم يلزم فيه التتابع إلا أربعة : صوم النذر المجرد عن التتابع وما في معناه من يمين وعهد ، وصوم القضاء عن رمضان أو غيره ، وصوم جزاء الصيد ، والسبعة في بدل الهدى.

وقد نقل الخلاف في كل من هذه الأربعة ، اما الأول فحكى الشهيد في الدروس عن ظاهر الشاميين وجوب المتابعة في النذر المطلق ، والظاهر هو المشهور لحصول الوفاء بالنذر بدون التتابع وعدم الدليل على ما ذكروه.

واما الثاني فقد استقرب الشهيد في الدروس وجوب التتابع في قضاء النذر المشروط فيه التتابع. ورد بأنه لا دليل عليه. وهو كذلك. ووجوب التتابع في أصل النذر باعتبار الشرط لا يستلزم وجوبه في قضائه.

واما الثالث فنقل عن المفيد وسلار والمرتضى أنهم أوجبوا المتابعة في صيام الستين يوما بدل النعامة.

واما الرابع فنقل عن ابن ابى عقيل وابى الصلاح أنهما أوجبا المتابعة في صيام السبعة بدل الهدى.


قال في المدارك بعد ذكر ذلك : والأصح عدم وجوب المتابعة في جميع ذلك عملا بالإطلاق.

وفيه انه قد روى ثقة الإسلام في الكافي في الحسن الى الحسين بن زيد عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «السبعة الأيام والثلاثة الأيام في الحج لا تفرق انما هي بمنزلة الثلاثة الأيام في اليمين». وهو ظاهر في وجوب المتابعة في السبعة كما ذكره الفاضلان المذكوران.

ومثله ما رواه في التهذيب عن على بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام (2) قال «سألته عن صوم ثلاثة أيام في الحج والسبعة أيصومها متوالية أو يفرق بينها؟ قال يصوم الثلاثة لا يفرق بينها والسبعة لا يفرق بينها ولا يجمع السبعة والثلاثة جميعا».

نعم في بعض الاخبار ما يدل على التفريق.

وسيجي‌ء الكلام في جميع هذه المسائل في مواضعها منقحا ان شاء الله تعالى.

ويندرج في كلية ما يجب فيه التتابع صوم رمضان والاعتكاف وكفارة رمضان وكفارة قضائه وكفارة خلف النذر وما في معناه وكفارة الظهار والقتل وكفارة حلق الرأس في حال الإحرام وصوم الثلاثة الأيام في بدل الهدى وصوم الثمانية عشر بدل البدنة وبدل الشهرين عند العجز عنهما.

قال في المدارك : ويمكن المناقشة في وجوب المتابعة في صيام كفارة قضاء رمضان وحلق الرأس وصوم الثمانية عشر في الموضعين ، لإطلاق الأمر بالصوم في جميع هذه الموارد فيحصل الامتثال مع التتابع وبدونه. انتهى.

وهو جيد إلا بالنسبة إلى كفارة قضاء شهر رمضان ، لما تقدم في صدر المطلب الرابع من المقصد الأول (3) من الأخبار الدالة على انها كفارة شهر رمضان ، وكفارة شهر رمضان من ما لا خلاف في وجوب التتابع في الشهرين فيها نعم يمكن ذلك بالنسبة إلى القول الآخر وهو صوم ثلاثة أيام حيث انه لم يصرح

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 10 من بقية الصوم الواجب.

(3) ص 212.


فيها بالتتابع ، إلا ان الأصحاب ذكروا انها كفارة يمين وكفارة اليمين من ما يجب التتابع فيها ، فان تم ما ذكروه لزم الإشكال في ما ذكره هنا وإلا فلا. واما على القول الأول فالإشكال لازم البتة ، إلا ان الظاهر ان كلامه (قدس‌سره) مبنى على ما هو المشهور من أنها إطعام عشرة مساكين إن أمكن وإلا فصيام ثلاثة أيام وهذه الثلاثة لا دليل على وجوب التتابع فيها. واما القول بأنها كفارة شهر رمضان فهو وان قال به الصدوقان ودل عليه بعض الأخبار المتقدمة في المطلب المتقدم إلا انه مطرح بينهم وغير معمول عليه ولا على اخباره كما تقدم تحقيق ذلك في المطلب المذكور وأضعف منه غيره من القولين الآخرين في المسألة كما تقدم ثمة.

المقام الثاني ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بان كل ما يشترط فيه التتابع من افراد الصوم إذا أفطر في أثنائه لعذر بنى بعد زواله. وإطلاق كلامهم يقتضي عدم الفرق في هذا الحكم بين صوم الشهرين وصوم الثمانية عشر في الموضعين المتقدمين وصوم الثلاثة.

وفيه انه قد جزم جماعة : منهم ـ المحقق والعلامة في القواعد والشهيدان في الدروس والمسالك بوجوب الاستئناف مع الإخلال بالمتابعة في كل ثلاثة لعذر كان أو لا لعذر إلا ثلاثة الهدي لمن صام يومين وكان الثالث العيد فإنه يبنى على اليومين الأولين بعد انقضاء أيام التشريق.

قال في المدارك بعد نقل ذلك عنهم : وهو جيد بل الأجود اختصاص البناء مع الإخلال بالتتابع للعذر بصيام الشهرين المتتابعين والاستئناف في غيره ، اما الاستئناف في ما عدا صيام الشهرين فلأن الإخلال بالمتابعة يقتضي عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه فيبقى المكلف تحت العهدة الى أن يتحقق الامتثال.

أقول : لا يخفى ان مقتضى كلامه هنا هو وجوب المتابعة في الثمانية عشر حيث انه قد صرح بها في صدر الكلام وانها داخلة تحت إطلاق كلامهم وانه لو حصل العذر الموجب لانقطاع المتابعة وجب عليه الإعادة من رأس ، مع انه قد صرح


سابقا في ما قدمنا نقله عنه في المقام الأول بأنه لا تجب المتابعة فيها عنده بل يحصل الامتثال مع التتابع وعدمه ، اللهم إلا ان يحمل كلامه هنا على طريق المماشاة مع الأصحاب وانه على تقدير ثبوت وجوب التتابع فيها في ما ذكروه فاللازم هو الوجوب وان حصل العذر المانع من ذلك فإنه يجب الإعادة من رأس بعد زواله.

ثم قال (قدس‌سره) : واما البناء في صيام الشهرين فيدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن رفاعة (1) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل عليه صيام شهرين متتابعين فصام شهرا ومرض؟ قال : يبنى عليه الله حبسه. قلت امرأة كان عليها صيام شهرين متتابعين فصامت وأفطرت أيام حيضها؟ قال : تقضيها. قلت فإنها قضتها ثم يئست من المحيض؟ قال لا تعيدها أجزأها ذلك». وفي الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه‌السلام (2) نحو ذلك ، وعن سليمان بن خالد (3) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل كان عليه صيام شهرين متتابعين فصام خمسة وعشرين يوما ثم مرض فإذا برئ أيبنى على صومه أم يعيد صومه كله؟ قال : يبنى على ما كان صام. ثم قال : هذا من ما غلب الله عليه وليس على ما غلب الله عزوجل عليه شي‌ء». انتهى.

وقال في كتاب الفقه الرضوي (4) : ومتى وجب على الإنسان صوم شهرين متتابعين فصام شهرا وصام من الشهر الثاني أياما ثم أفطر فعليه ان يبنى عليه فلا بأس ، وان صام شهرا أو أقل منه ولم يصم من الشهر الثاني شيئا فعليه ان يعيد صومه إلا ان يكون قد أفطر لمرض فله أن يبنى على ما صام لأن الله حبسه.

أقول : لا يخفى ان ظاهر التعليل في هذه الروايات يقتضي وجوب البناء في كل ما ثبت فيه وجوب التتابع إذا كان العذر من جهته (عزوجل) ، وخصوص السؤال في هذه الأخبار لا يوجب التخصيص إذ العبرة بعموم الجواب والعلة

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 3 من بقية الصوم الواجب.

(4) ص 26.


المذكورة ، فإن قوله عليه‌السلام : «هذا من ما غلب الله عليه وليس على ما غلب الله عليه شي‌ء». في قوة صغرى وكبرى من مقدمتي الشكل الأول ، فكأنه قيل : الإفطار في هذه الصورة من ما غلب الله عليه وكل ما غلب الله عليه فليس عليه شي‌ء ، ينتج ان الإفطار في هذه الصورة ليس عليه شي‌ء من الإعادة. وبه يظهر ان كل موضع ثبت فيه وجوب المتابعة فليس عليه الإعادة إذا كان العذر من جهة الله عزوجل.

وعلى هذا يجب تخصيص اخبار وجوب المتابعة في الثلاثة بهذه الأخبار فلا تجب الإعادة فيها بالعذر الحاصل من جهته عزوجل.

وحينئذ فما ذكره أولئك الفضلاء (رضوان الله عليهم) من وجوب الاستئناف في كل ثلاثة لعذر كان أو لغير عذر مشكل ، وقصر الحكم كما ذكره السيد السند على الشهرين أشكل.

والذي وقفت عليه من الأخبار زيادة على ما نقله (قدس‌سره) ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح الى على بن احمد بن أشيم (1) قال : «كتب الحسين الى الرضا عليه‌السلام جعلت فداك رجل نذر أن يصوم أياما معلومة فصام بعضها ثم اعتل فأفطر أيبتدئ في صومه أم يحتسب بما مضى؟ فكتب اليه يحتسب بما مضى». وهو كما ترى مؤيد لما ذكرناه من وجوب البناء في الصوم المتتابع وان كان غير الشهرين.

وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه‌السلام (2) قال : «سألته عن امرأة تجعل لله عليها صوم شهرين متتابعين فتحيض؟ قال : تصوم ما حاضت فهو يجزئها».

وما رواه في الكافي في الحسن عن رفاعة بن موسى (3) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة تنذر عليها صوم شهرين متتابعين؟ قال : تصوم وتستأنف أيامها التي قعدت حتى تتم الشهرين. قلت : أرأيت ان يئست من المحيض أتقضيه؟ قال : لا تقضى يجزئها الأول».

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 3 من بقية الصوم الواجب.


ثم قال (قدس‌سره) : ويستفاد من التعليل المستفاد من قوله عليه‌السلام : «الله حبسه» وقوله : «وهذا من ما غلب الله عليه» عدم الفرق بين أن يكون العذر مرضا أو سفرا ضروريا أو حيضا أو إغماء أو غير ذلك.

أقول : جعل السفر الضروري من قبيل ما غلب الله عليه محل نظر ، فان الظاهر من هذا اللفظ ان المراد به ما كان من فعل الله تعالى به بحيث انه ليس للعبد في إيقاعه صنع ولا مدخل بالكلية وانه من ما فعله الله تعالى به من غير اختيار منه ، والسفر وان كان ضروريا ليس كذلك كما هو ظاهر.

ثم قال (قدس‌سره) لا يقال : قد روى الشيخ في الصحيح عن جميل ومحمد ابن حمران عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) «في الرجل الحر يلزمه صوم شهرين متتابعين في ظهار فيصوم شهرا ثم يمرض؟ قال يستقبل فان زاد على الشهر الآخر يوما أو يومين بنى على ما بقي». وعن ابى بصير عن أبى عبد الله عليه‌السلام (2) قال : «ان كان على الرجل صيام شهرين متتابعين فأفطر أو مرض في الشهر الأول فإن عليه أن يعيد الصيام ، وان صام الشهر الأول وصام من الشهر الثاني شيئا فإنما عليه أن يقضى». لأنا نجيب عنهما بالحمل على الاستحباب جمعا بين الأدلة ، وتأولهما الشيخ في الاستبصار أيضا بالحمل على المرض الذي لا يكون مانعا من الصوم وهو بعيد. انتهى.

أقول : لا ريب في بعد حمل الشيخ كما ذكره ، وأبعد منه الحمل على الاستحباب كما هي القاعدة الجارية في كلامه وكلام غيره لما عرفت في غير موضع من ما سبق.

والأظهر عندي إنما هو الحمل على التقية التي هي السبب التام في اختلاف الأخبار وان لم يعلم القائل بذلك من العامة كما تقدم تحقيقه في المقدمة الأولى من مقدمات الكتاب. على ان العلامة في المنتهى بعد نقل إجماع علمائنا على الحكم المذكور نقل

__________________

(1) الوسائل الباب 3 من بقية الصوم الواجب.

(2) الوسائل الباب 3 من بقية الصوم الواجب رقم (6).


عن الشافعي في أحد قوليه الفرق بين الحيض والمرض فأوجب الإعادة بالمرض والبناء على ما مضى بالحيض (1) ومورد هذين الخبرين المرض.

وبالجملة فإن المفهوم من جملة من الأخبار ان منشأ الاختلاف في أخبارنا إنما هو التقية فالحمل عليها متعين في المقام ، لاتفاق علمائنا قديما وحديثا على القول بالأخبار المتقدمة وهو مؤذن بكونه مذهبهم (عليهم‌السلام) فتكون التقية في الاخبار الأخر ثم انه على تقدير البناء على العذر فهل تجب المبادرة الى ذلك بعد زوال العذر بلا فصل؟ قيل نعم لأنه بتعمد الإفطار بعد زوال العذر يصير مخلا بالتتابع اختيارا. وقطع الشهيد في الدروس بعدم الوجوب. والمسألة لا تخلو من تردد لعدم النص فيها وان كان القول الأول لا يخلو من قرب والاحتياط يقتضي العمل به ، ولو ثبت لأمكن حمل صحيحة جميل ومحمد بن حمران ورواية أبي بصير عليه بان يحمل اعادة الصيام فيهما على ما إذا أفطر بعد زوال العذر عامدا.

قال في المدارك : ولو نسي النية في بعض أيام الشهر حتى فات محلها فسد صوم ذلك اليوم ، وهل ينقطع التتابع بذلك؟ قيل نعم لأن فساد الصوم يقتضي عدم تحقق التتابع ، وقيل لا لحديث رفع القلم (2) وظاهر التعليل المستفاد من قوله عليه‌السلام (3) «الله حبسه». وقوله عليه‌السلام «ليس على ما غلب الله عليه شي‌ء». وبه قطع الشارح (قدس‌سره) ولا يخلو من قوة.

أقول : فيه ان ظاهر حديث رفع القلم انما هو بالنسبة الى عدم المؤاخذة وترتب العقاب على ذلك لا صحة العبادة ، وظاهر التعليل المذكور في الخبرين لا يشمل مثل هذا كما أشرنا إليه آنفا ، فان النسيان إنما هو من الشيطان كما يدل عليه قوله عزوجل «فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ» (4) وقوله : «وَإِمّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا

__________________

(1) المهذب ج 2 ص 117.

(2) في المدارك هكذا : لحديث «رفع». ورواه في الوسائل في الباب 56 من جهاد النفس.

(3) ص 340.

(4) سورة يوسف الآية 43.


تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى. الآية» (1) وقوله «وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ» (2) لا من الله عزوجل. ويؤيده ما هو المشهور من وجوب القضاء على ناسي النجاسة كما تكاثرت به الاخبار الصريحة. وبه يظهر ان ما اختاره لا يخلو من ضعف.

المقام الثالث ـ الظاهر انه لا خلاف في انه لو أفطر في ما يجب عليه التتابع فيه لا لعذر فإنه يجب عليه الإعادة من رأس.

واستثنى من ذلك مواضع ثلاثة الأول ـ من وجب عليه صوم شهرين متتابعين فصام منهما شهرا ومن الثاني يوما فإنه يبنى على ما تقدم ، وقال العلامة في التذكرة وابنه في الشرح انه قول علمائنا.

ويدل عليه جملة من الأخبار : منها ـ صحيحة جميل ومحمد بن حمران ورواية أبي بصير المتقدمتان (3).

وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن أبى عبد الله عليه‌السلام (4) قال : «صيام كفارة اليمين في الظهار شهران متتابعان ، والتتابع أن يصوم شهرا ويصوم من الآخر أياما أو شيئا منه فان عرض له شي‌ء يفطر منه أفطر ثم قضى ما بقي عليه ، وان صام شهرا ثم عرض له شي‌ء فأفطر قبل أن يصوم من الآخر شيئا فلم يتابع فليعد الصوم كله. وقال : صيام ثلاثة أيام في كفارة اليمين متتابعات ولا يفصل بينهن».

وفي الصحيح عن منصور بن حازم عن أبى عبد الله عليه‌السلام (5) انه قال : «في رجل صام في ظهار شعبان ثم أدركه شهر رمضان؟ قال : يصوم شهر رمضان ويستأنف الصوم ، فان صام في الظهار فزاد في النصف يوما قضى بقيته».

__________________

(1) سورة الانعام الآية 68.

(2) سورة الكهف الآية 63.

(3) ص 342.

(4) التهذيب ج 4 ص 283 وفي الوسائل الباب 3 و 10 من بقية الصوم الواجب.

(5) الوسائل الباب 4 من بقية الصوم الواجب.


وموثقة سماعة بن مهران (1) قال : «سألته عن الرجل يكون عليه صوم شهرين متتابعين أيفرق بين الأيام؟ فقال : إذا صام أكثر من شهر فوصله ثم عرض له أمر فأفطر فلا بأس ، وان كان أقل من شهر أو شهرا فعليه أن يعيد الصيام».

وما رواه الصدوق عن أبي أيوب في الصحيح عن ابى عبد الله عليه‌السلام (2) «في رجل كان عليه صوم شهرين متتابعين في ظهار فصام ذا القعدة ودخل عليه ذو الحجة؟ قال : يصوم ذا الحجة كله إلا أيام التشريق ثم يقضيها في أول يوم من المحرم حتى يتم له ثلاثة أيام فيكون قد صام شهرين متتابعين. قال : ولا ينبغي له أن يقرب أهله حتى يقضى ثلاثة أيام التشريق التي لم يصمها. ولا بأس ان صام شهرا ثم صام من الشهر الذي يليه أياما ثم عرضت له علة أن يقطعه ثم يقضى بعد تمام الشهرين».

نعم اختلف الأصحاب في أنه بعد البناء على ما تقدم في الصورة المذكورة لحصول التتابع بذلك هل يجوز له التفريق اختيارا وان كان قد حصل ما تحقق به التتابع؟ فالمشهور الجواز للأصل وظاهر قوله عليه‌السلام في صحيحة الحلبي «والتتابع ان يصوم شهرا ويصوم من الآخر أياما أو شيئا منه» وقوله في صحيحة منصور «وان صام في الظهار فزاد في النصف يوما قضى بقيته» وقوله في موثقة سماعة «إذا صام أكثر من شهر فوصله ثم عرض له أمر فأفطر فلا بأس».

ونقل عن الشيخ المفيد (عطر الله مرقده) انه قال : لو تعمد الإفطار بعد ان صام من الشهر الثاني شيئا فقد أخطأ وان جاز له الإتمام. وبذلك صرح السيد المرتضى ، وصرح أبو الصلاح وابن إدريس بالإثم.

واحتج ابن إدريس بأن التتابع أن يصوم الشهرين كملا ولم يحصل فتحقق الإثم ، ولا استبعاد في الاجزاء مع الإثم.

وأجيب بالمنع من ان التتابع انما يحصل بإكمالهما. وهو كذلك لما صرحت به

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 3 من بقية الصوم الواجب.


صحيحة الحلبي من أن التتابع الواجب إنما هو عبارة عن ان يصوم شهرا ومن الآخر شيئا ، وهو ظاهر الروايتين الأخيرتين. وبالجملة فالقول المشهور هو المعتمد.

الثاني ـ من وجب عليه صوم شهر متتابع بنذر ونحوه فصام خمسة عشر يوما ثم أفطر فإنه يصومه ويبنى على ما تقدم وان كان قبل ذلك استأنف.

والمستند في هذا التفصيل ما رواه الشيخ عن موسى بن بكر عن الفضيل بن يسار عن أبى جعفر عليه‌السلام (1) قال : «قال في رجل جعل على نفسه صوم شهر فصام خمسة عشر يوما ثم عرض له أمر؟ فقال : جائز له ان يقضى ما بقي عليه ، وان كان أقل من خمسة عشر يوما لم يجز له حتى يصوم شهرا تاما».

وما رواه في الكافي والفقيه عن موسى بن بكر عن الفضيل عن أبى عبد الله عليه‌السلام (2) : «في رجل جعل عليه صوم شهر فصام منه خمسة عشر يوما ثم عرض له أمر؟ فقال : ان كان صام خمسة عشر يوما فله ان يقضى ما بقي وان كان صام أقل من خمسة عشر يوما لم يجزئه حتى يصوم شهرا تاما».

ولا أعلم في ذلك خلافا بين الأصحاب إلا ما يظهر من السيد السند في المدارك قال فيه بعد نقل الخبرين المذكورين : وضعف الروايتين يمنع من العمل بهما. وعلى نحوه حذا الفاضل الخراساني في الذخيرة.

أقول : لا ريب ان الخبرين المذكورين وان كانا ضعيفين بهذا الاصطلاح المحدث إلا انهما مجبوران باتفاق الأصحاب على العمل بمضمونهما فإنه لا راد لهما ولا مخالف في هذا الحكم غيرهما ، مع انهما في غير موضع من كتابيهما قد وافقا الأصحاب في هذه القاعدة كما لا يخفى على من تتبع كتابيهما ، وقد نبهنا على مواضع من ذلك في شرحنا على المدارك ، ولكنهما ليس لهما قاعدة يقفان عليها كما أشبعنا الكلام عليه في غير موضع من شرحنا المشار اليه.

__________________

(1) التهذيب ج 4 ص 285 وفي الوسائل الباب 5 من بقية الصوم الواجب.

(2) الوسائل الباب 5 من بقية الصوم الواجب.


وألحق الشيخ في المبسوط والجمل بشهر النذر في هذا الحكم من وجب عليه شهر في كفارة قتل الخطأ والظهار لكونه مملوكا ، واختاره في المختلف ومنعه ابن إدريس ، وأكثر الأصحاب لم يتعرضوا في هذه المسألة إلا لحكم النذر خاصة ، وتردد فيه المحقق للمشاركة في المعنى.

واحتج العلامة باندراجه تحت الجعل في قوله : «جعل عليه» قال : فان العبد إذا ظاهر فقد جعل عليه صوم شهر. وأجاب عن ما ذكره ابن إدريس ـ من ان حمله على النذر قياس باطل لا يجوز العمل به ـ بالمنع من كون ذلك قياسا ، قال بل هو من باب الأولى.

وأنت خبير بما في كلامه (قدس‌سره) من الضعف الذي لا يخفى على الناظر والأظهر الوقوف على مورد النص. وما أبعد ما بين من رد النصوص المذكورة وبين من قاس عليها مع انه هو المقرر لهذا الاصطلاح.

الثالث ـ من صام ثلاثة أيام بدل الهدى يوم التروية وعرفة ثم أفطر يوم النحر فإنه يجوز له أن يبنى بعد انقضاء أيام التشريق ، والروايات هنا مختلفة ، وسيجي‌ء تحقيق القول في ذلك في محله من كتاب الحج ان شاء الله تعالى.

وباقي أفراد الصوم الواجب من النذر ونحوه والاعتكاف تأتي في أبوابها ان شاء الله تعالى.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *