ج25 - عدة الوفاة والمفقود زوجها
المقام الخامس
وما يترتب عليها ، والمعتدة عدة الوفاة إما أن تكون حائلا أو حاملا ،
فالكلام هنا في مواضع :
الأول : في عدة
الحائل ، لا خلاف بين الأصحاب وغيرهم في أن الحرة الحائل المتوفى عنها زوجها تعتد
أربعة أشهر وعشرة أيام صغيرة كانت أو كبيرة مدخولا بها أم غير مدخول بها دائمة أو
متمتعا بها ، والأصل في ذلك قوله عزوجل «وَالَّذِينَ
يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ
أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً» (2) وهي بإطلاقها شاملة لما ذكرنا من
الأفراد وغيرها من الأمة والحامل ، إلا أن هذين الفردين المذكورين خرجا بالدليل
كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.
وأما الأخبار الواردة في المقام فهي مستفيضة.
ومنها ما رواه في الكافي والتهذيب (3) في الصحيح عن
محمد بن مسلم عن أحدهما عليهماالسلام «في الرجل يموت
وتحته امرأة لم يدخل بها ، قال : لها نصف المهر ولها الميراث كاملا وعليها العدة
كاملة».
وعن عبيد بن زرارة (4) في الموثق قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل تزوج
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 151 ح 2 ، الوسائل ج 15 ص 468 ب 38 ح 2.
(2) سورة البقرة ـ آية 234.
(3) الكافي ج 6 ص 118 ح 1 ، التهذيب ج 8 ص 144 ح 98 ، الوسائل
ج 15 ص 462 ب 35 ح 1.
(4) الكافي ج 6 ص 118 ح 2 ، التهذيب ج 8 ص 144 ح 99 ، الوسائل
ج 15 ص 72 ب 58 ح 3.
امرأة ولم يدخل بها ، قال : إن هلكت
أو هلك أو طلقها فلها النصف ، وعليها العدة كملا ولها الميراث».
وما رواه في الكافي (1) عن عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح
عن رجل عن علي بن الحسين عليهالسلام «أنه قال في
المتوفى عنها زوجها ولم يدخل بها أن لها نصف الصداق ، ولها الميراث وعليها العدة».
وما رواه في الكافي والتهذيب (2) عن الحلبي في
الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إن لم
يكن دخل بها وقد فرض لها مهرا فلها نصف ما فرض لها ولها الميراث وعليها العدة».
وبهذا المضمون عدة من الأخبار قد أشركت في الدلالة على
أن المتوفى عنها زوجها قبل الدخول عليها العدة كملا.
إلا أنه قد روى الشيخ في التهذيب (3) عن محمد بن
عمر الساباطي قال : «سألت الرضا عليهالسلام عن رجل تزوج
امرأة فطلقها قبل أن يدخل بها ، قال : لا عدة عليها وسألته عن المتوفى عنها زوجها
من قبل أن يدخل بها ، قال : لا عدة عليها هما سواء».
وردها المتأخرون كما في المسالك وشرح النافع للسيد السند
لضعف السند وشذوذها ومخالفتها للقرآن.
أقول : والأظهر عندي أنها محمولة على التقية كما يشير
إليه ما رواه الشيخ في التهذيبين (4) عن عبيد بن زرارة قال : «سألت أبا
عبد الله عليهالسلام عن رجل طلق
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 118 ح 3 ، الوسائل ج 15 ص 72 ب 58 ح 5.
(2) الكافي ج 6 ص 118 ح 4 ، التهذيب ج 8 ص 144 ح 100 وفيهما «ان
لم يكن وقد دخل» ، الوسائل ج 15 ص 72 ب 58 ح 6.
(3) التهذيب ج 8 ص 144 ح 96 ، الوسائل ج 15 ص 462 ب 35 ح 4.
(4) التهذيب ج 8 ص 144 ح 97 ، الوسائل ج 15 ص 463 ب 35 ح 5.
امرأته قبل أن يدخل بها ، أعليها عدة؟
قال : لا ، قلت له : المتوفى عنها زوجها قبل أن يدخل بها ، أعليها عدة؟ قال : أمسك
عن هذا».
وما رواه في الكافي (1) عن عبيد بن زرارة في الموثق عن أبي
عبد الله عليهالسلام «في المتوفى
عنها زوجها ولم يدخل بها ، قال : هي بمنزلة المطلقة التي لم يدخل بها إن كان سمى
لها مهرا فلها نصفه وهي ترثه ، وإن لم يكن سمى لها مهرا فلا مهر لها وهي ترثه ،
قلت : العدة؟ قال : كف عن هذا». ولا ريب أن أمره عليهالسلام للسائل بالكف
في هذين الخبرين لا وجه له إلا التقية.
ومن أخبار المسألة ما رواه الصدوق في الفقيه (2) في الصحيح أو
الحسن عن صفوان عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن المرأة
يتزوجها الرجل متعة ثم يتوفى عنها ، هل عليها العدة ، قال : تعتد أربعة أشهر وعشرا
ـ إلى أن قال : ـ قلت : فتحد؟ قال : فقال : نعم ، إذا مكثت عنده أياما فعليها
العدة وتحد وإذا كانت يوما أو يومين أو ساعة من النهار فقد وجبت العدة ولا تحد».
وما رواه عن عمر بن أذينة عن زرارة (3) في الصحيح قال
: «سألت أبا جعفر عليهالسلام : ما عدة
المتعة إذا مات عنها الذي تمتع بها؟ قال : أربعة أشهر وعشرا ، قال : يا زرارة كل
النكاح إذا مات الزوج فعلى المرأة حرة كانت أو أمة ، أو على أي وجه كان النكاح منه
متعة أو تزوجها أو ملك يمين فالعدة أربعة أشهر وعشرا ، وعدة المطلقة ثلاثة أشهر ،
والأمة المطلقة عليها نصف ما على الحرة ، وكذلك المتعة عليها ما على الأمة».
وأما ما ورد في رواية علي بن يقطين (4) من أن عدتها
في الوفاة خمسة وأربعون يوما ، وفي رواية أخرى (5) خمسة وستون يوما. فقد تقدم الكلام
فيها في كتاب النكاح
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 119 ح 9 ، الوسائل ج 15 ص 74 ب 58 ح 11.
(2 و 3) الفقيه ج 3 ص 296 ح 24 و 25، الوسائل ج 15 ص 484 ب 52
ح 1 و 2 وفيهما اختلاف يسير.
(4 و 5) التهذيب ج 8 ص 157 ح 145 و 146 ، الوسائل ج 15 ص 484 ب
52 ح 3 و 4.
في الفصل الثالث في نكاح المتعة. (1)
ومن أخبار المسألة أيضا ما رواه في الكافي (2) عن محمد بن
سليمان عن أبي جعفر الثاني عليهالسلام قال : «قلت له
: جعلت فداك كيف صارت عدة المطلقة ثلاث حيض أو ثلاثة أشهر وصارت عدة المتوفى عنها
زوجها أربعة أشهر وعشرا ، فقال : أما عدة المطلقة ثلاثة قروء فلاستبراء الرحم من
الولد ، وأما عدة المتوفى عنها زوجها فإن الله عزوجل شرط للنساء
شرطا وشرط عليهن شرطا فلم يجيء بهن فيما شرط لهن ، ولم يجر فيما اشترط عليهن ،
أما ما شرط لهن في الإيلاء أربعة أشهر إذ يقول الله عزوجل «لِلَّذِينَ
يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ» (3) فلم يجوز لأحد أكثر من أربعة أشهر في
الإيلاء لعلمه تبارك وتعالى أنه غاية صبر المرأة من الرجل ، وأما ما شرط عليهن
فإنه أمرها أن تعتد إذا مات عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا ، فأخذ منها له عند موته
ما أخذ لها منه في حياته عند إيلائه قال الله تبارك وتعالى في عدتهن «يَتَرَبَّصْنَ
بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً» ولم يذكر
العشرة الأيام في العدة إلا مع الأربعة الأشهر في ترك الجماع فمن ثم أوجبه عليها
ولها».
قال في الوافي : «فلم يجيء بهن» بسكون الجيم من جاء
كسعي أي لم يحبسهن ولم يمسكهن «ولم يجر» بضم الجيم من الجور خلاف العدل ، انتهى.
أقول : قد نقل بعض مشايخنا المحدثين من متأخري المتأخرين
أن في بعض النسخ بالحاء المهملة قال : من المحاباة بمعنى العطية والصلات ، أي قرر
هذا الحكم رفقا لطاقتهن ووسعهن فيما فرض إصلاحهن ، وفيما فرض عليهن فلم يجاب ولم
يتفضل عليهن فيما شرط لهن في الإيلاء بأن يفرض أقل من أربعة أشهر ، ولم يجر عليهن
من الجور والظلم فيما فرض عليهن في عدة الوفاة بأن
__________________
(1) الحدائق ج 24 ص 190.
(2) الكافي ج 6 ص 113 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 452 ب 30 ح 2
وفيهما اختلاف يسير.
(3) سورة البقرة ـ آية 226.
يفرض أكثر من أربعة أشهر ، وأما العشر
فلعله لم تحسب لاشتغالها فيه بالتعزية وانكسار شهوتها بالحزن ، فكأنه غير محسوب ،
وفي بعض النسخ بالجيم ، ويمكن أن يكون مهموزا من جأي كسعي : أي جلس ، أي لم يحبسهن
ولم يمسكهن ، والأول أظهر ، انتهى.
أقول : والمحاباة لغة بمعنى المسامحة ، إلا أنها ترجع
إلى العطية ، قال في كتاب المصباح المنير (1) : بأن محاباة مسامحة مأخوذة من حبوة
إذا أعطيته ، وحينئذ فالمراد أنه سبحانه لم يسامحهن بأن يفرض لهن في الإيلاء أقل
من الأربعة أشهر.
قال في المسالك : تعتبر مدة العدة بالهلال ما أمكن ، فإن
مات الزوج في خلال شهر هلالي وكان الباقي منه أكثر من عشرة أيام تعد ما بقي وتحسب
ثلاثة أشهر عقيبه بالأهلة ، وتكمل ما بقي من شهر الوفاة ثلاثين من الشهر الواقع
بعد الثلاثة وتضم إليها عشرة أيام ، فإذا انتهت إلى الوقت الذي مات فيه الزوج يوم
مات فقد انتهت العدة ، وإن كان الباقي أقل من عشرة أيام ولم تعتده وتحسب أربعة
أشهر بالأهلة عقيبه وتكمل الباقي عشرة من الشهر السادس ، وإن كان الباقي عشرة بلا
زيادة ولا نقصان اعتدت بها ، وتضم إليها أربعة أشهر بالأهلة ، وفي هذا المنكسر
ثلاثين ، أو الاكتفاء بإكمال ما فات منه خاصة ما تقدم في نظائره من الخلاف ، وإن
انطبق الموت على الشهر الهلالي حسبت أربعة أشهر بالأهلة وضمت إليها عشرة أيام من
الشهر الخامس ، فلو كانت محبوسة لا تعرف الهلال ولا تجد من يخبرها ممن يعتمد بقوله
اعتدت بالأيام ، وهي مائة وثلاثون يوما ، انتهى كلامه وهو جيد.
والعشرة المعتبرة في العدة هي عشرة ليال مع أيامها ، وإن
كانت الأيام غير داخلة في العشر المجردة عن التاء على المشهور عند أهل اللغة.
الثاني : في عدة
الحامل ، وهي أبعد الأجلين من وضعها واستكمال أربعة
__________________
(1) المصباح المنير ص 165 وفيه هكذا «وحاباه محاباة سامحه
مأخوذ من حبوته إذا أعطيته».
أشهر وعشرة أيام ، وهو موضع وفاق
وإجماع كما نقله غير واحد منهم ، وعليه تدل الأخبار المتكاثرة.
قيل : وفيه جمع بين عموم الآيتين ، وهما قوله عزوجل «وَالَّذِينَ
يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ
أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً» وقوله تعالى «وَأُولاتُ
الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ».
والتقريب في ذلك أن الحامل داخلة تحت عموم الآيتين
وشملها عمومها ، وامتثال الأمر يقتضي التربص بأبعد الأجلين ليحصل كل من العدتين.
وفيه أن الظاهر من سياق آية وضع الحمل موردها إنما هو
عدة الطلاق فلا عموم فيها بحيث يشمل عدة الوفاة ، وبالجملة فالمرجع في ذلك إنما هو
إلى الأخبار الواردة بذلك.
ومنها ما رواه في الكافي والتهذيب (1) عن سماعة في
الموثق قال : «قال : المتوفى عنها زوجها الحامل ، أجلها آخر الأجلين إذا كانت حبلى
فتمت لها أربعة أشهر وعشرا ولم تضع فإن عدتها إلى أن تضع ، وإن كانت تضع حملها قبل
أن يتم لها أربعة أشهر وعشرا تعتد بعد ما تضع تمام أربعة أشهر وعشرا ، وذلك أبعد
الأجلين».
وما رواه في الكافي (2) عن عبد الله بن سنان في الموثق عن
أبي عبد الله عليهالسلام قال : «الحبلى
المتوفى عنها زوجها عدتها آخر الأجلين».
وعن محمد بن قيس (3) في الصحيح عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «قضى
أمير المؤمنين عليهالسلام في امرأة توفي
عنها زوجها وهي حبلى ، فولدت قبل أن تنقضي أربعة أشهر وعشر فتزوجت ، فقضى أن يخلى
عنها ثم لا يخطبها حتى ينقضي آخر الأجلين
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 113 ح 1 ، التهذيب ج 8 ص 150 ح 117 ، الوسائل
ج 15 ص 455 ب 31 ح 2 وما في المصادر اختلاف يسير.
(2) الكافي ج 6 ص 114 ح 6 ، الوسائل ج 15 ص 455 ب 31 ح 5.
(3) الكافي ج 6 ص 114 ح 5 ، الوسائل ج 15 ص 456 ب 31 ح 3.
فإن شاء أولياء المرأة أنكحوها وإن
شاءوا أمسكوها ، فإن أمسكوها ردوا عليه ماله».
وعن محمد بن مسلم (1) في الموثق قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : المرأة
الحبلى المتوفى عنها زوجها تضع وتزوج قبل أن يخلو أربعة أشهر وعشر؟ قال : إن كان
زوجها الذي تزوجها دخل بها فرق بينهما واعتدت ما بقي من عدتها الاولى وعدة اخرى ،
ومن لم يكن دخل بها فرق بينهما واعتدت ما بقي من عدتها ، وهو خاطب من الخطاب».
وعن الحلبي (2) في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليهالسلام «أنه قال : في
الحامل المتوفى عنها زوجها تنقضي عدتها آخر الأجلين».
وعن زرارة (3) عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «عدة
المتوفى عنها زوجها آخر الأجلين لأن عليها أن تحد أربعة أشهر وعشرا وليس عليها في
الطلاق أن تحد». وإطلاقها محمول على الحامل لما عرفت من أخبار المسألتين.
وما رواه في الكافي والتهذيب (4) عن الحلبي في
الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته
عن المرأة الحبلى يموت زوجها فتضع وتزوج قبل أن تمضي لها أربعة أشهر وعشرا ، فقال
: إن كان دخل بها فرق بينهما ، ثم لم تحل له أبدا ، واعتدت بما بقي عليها من الأول
، واستقبلت عدة اخرى من الآخر ثلاثة قروء ، وإن لم يكن دخل بها فرق بينهما ،
واعتدت بما بقي عليها من الأول وهو خاطب من الخطاب».
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 114 ح 7 ، الوسائل ج 15 ص 456 ب 31 ح 6
وفيهما اختلاف يسير.
(2 و 3) الكافي ج 6 ص 114 ح 2 و 4 ، الوسائل ج 15 ص 455 ب 31 ح
1 و 4.
(4) الكافي ج 5 ص 427 ح 4 ، التهذيب ج 7 ص 306 ح 31 ، الوسائل
ج 14 ص 346 ب 17 ح 6 وما في المصادر اختلاف يسير.
وخالف العامة في هذا الحكم فجعلوا عدتها وضع الحمل
كالطلاق ولو بلحظة من يوم الوفاة ، والأخبار كما ترى ترده.
الثالث : فيما يترتب
عليها وهو الحداد ، ولا خلاف فيه بين كافة أهل العلم من الخاصة والعامة ، والأخبار
به من الفريقين متضافرة ، وهو عبارة عن ترك الزينة ، وعلى ذلك اتفقت كلمة الفقهاء
وأهل اللغة أيضا.
قال في كتاب المصباح المنير (1) حدت المرأة
على زوجها تحد ، وتحد حدادا بالكسر فهي حاد بغير هاء ، وأحدت إحدادا فهي محد ،
ومحدة ، إذا تركت الزينة لموته ، وأنكر الأصمعي الثلاثي واقتصر على الرباعي ،
انتهى.
وقال في الصحاح (2) أحدت المرأة أي امتنعت من الزينة
والخضاب بعد وفاة الزوج.
وقال في القاموس (3) والحادة المحدة تاركة الزينة للعدة.
وظاهر عبارة الصحاح الاقتصار على الرباعي كما ذكره
الأصمعي ، وعبارة القاموس ظاهرة فيهما.
ومن الأخبار الواردة في المقام ما رواه في الكافي (4) عن ابن أبي
يعفور في الصحيح عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته
عن المتوفى عنها زوجها ، فقال : لا تكتحل للزينة ولا تطيب ولا تلبس ثوبا مصبوغا ،
ولا تبيت عن بيتها ، وتقضي الحقوق ، وتمتشط بغسله ، وتحج وإن كانت في عدتها».
قال في كتاب مجمع البحرين (5) والغسلة
بالكسر الطيب وما تجعله المرأة
__________________
(1) المصباح المنير ص 171.
(2) الصحاح ج 2 ص 463.
(3) القاموس المحيط ج 1 ص 287.
(4) الكافي ج 6 ص 116 ح 4 ، الوسائل ج 15 ص 450 ب 29 ح 2.
(5) مجمع البحرين ج 5 ص 434.
في شعرها عند الامتشاط ، ونحوه ما نقل
عن الصحاح. (1)
وفي القاموس (2) ما تجعله المرأة في شعرها عند
الامتشاط وما يغسل به الرأس من خطمي ونحوه قال في كتاب المصباح المنير (3) وظاهر عبارة
الصحاح وكتاب المجمع اشتماله على الطيب.
وما رواه في الكافي (4) عن زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام «في حديث قال
فيه : فتمسك عن الكحل والطيب والأصباغ».
وعن أبي العباس (5) قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : المتوفى
عنها زوجها قال : لا تكتحل للزينة ولا تطيب ، ولا تلبس ثوبا مصبوغا ، ولا تخرج
نهارا ، ولا تبيت عن بيتها ، قلت : أرأيت إن أرادت أن تخرج إلى حق كيف تصنع؟ قال :
تخرج بعد نصف الليل وترجع عشاء».
وعن زرارة (6) عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «المتوفى
عنها زوجها ليس لها أن تطيب ولا تزين حتى تنقضي عدتها أربعة أشهر وعشرة أيام».
وعن أبي بصير (7) عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته
عن المرأة يتوفى عنها زوجها وتكون في عدتها ، أتخرج في حق؟ فقال : إن بعض نساء
النبي صلىاللهعليهوآله سألته فقالت :
إن فلانه توفي عنها زوجها ، فتخرج في حق ينوبها؟ فقال لها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أف لكن قد
كنتن من قبل أن ابعث فيكن ، وأن المرأة منكن إذا توفي عنها زوجها أخذت بعسرة فرمت
بها خلف ظهرها ، ثم قالت : لا أمتشط ولا أكتحل
__________________
(1) الصحاح ج 5 ص 1781.
(2) القاموس المحيط ج 4 ص 24.
(3) المصباح المنير ص 612.
(4) الكافي ج 6 ص 112 ح 6 ، الوسائل ج 15 ص 449 ب 29 ح 1.
(5) الكافي ج 6 ص 116 ح 6 ، الوسائل ج 15 ص 450 ب 29 ح 3.
(6) الكافي ج 6 ص 117 ح 12 ، الوسائل ج 15 ص 450 ب 29 ح 4.
(7) الكافي ج 6 ص 117 ح 13 ، الوسائل ج 15 ص 459 ب 33 ح 7.
ولا أختضب حولا كاملا ، وإنما أمرتكن
بأربعة أشهر وعشرا ثم لا تصبرن ، لا تمتشط ولا تكتحل ولا تختضب ولا تخرج من بيتها
نهارا ولا تبيت عن بيتها ، فقالت : يا رسول الله فكيف تصنع إن عرض لها حق؟ فقال :
تخرج بعد زوال الليل وترجع عند المساء ، فتكون لم تبت عن بيتها قلت له : فتحج؟ قال
: نعم».
وعن محمد بن مسلم (1) قال : «جاءت امرأة إلى أبي عبد الله عليهالسلام تستفتيه في
المبيت في غير بيتها وقد مات زوجها ، فقال : إن أهل الجاهلية كان إذا مات زوج
المرأة أحدت عليه امرأته اثني عشر شهرا ، فلما بعث الله محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم رحم ضعفهن
فجعل عدتهن أربعة أشهر وعشرا ، وأنتن لا تصبرن على هذا!!».
وما رواه في كتاب الفقيه (2) في الصحيح قال
: «كتب الصفار إلى أبي محمد الحسن ابن علي عليهماالسلام في امرأة مات
عنها زوجها ، وهي في عدة منه ، وهي محتاجة لا تجد من ينفق عليها ، وهي تعمل للناس
، هل يجوز لها أن تخرج وتعمل وتبيت عن منزلها في عدتها قال : فوقع عليهالسلام : لا بأس بذلك
إن شاء الله».
وما رواه في الفقيه والتهذيب (3) عن عمار
الساباطي في الموثق عن أبي عبد الله عليهالسلام «أنه سئل عن
المرأة يموت زوجها ، هل يحل لها أن تخرج من منزلها في عدتها؟ قال : نعم وتختضب
وتدهن وتكتحل وتمتشط وتصبغ وتلبس المصبغ وتصنع ما شاءت بغير زينة لزوج».
وما رواه في الكافي (4) عن ابن بكير في الموثق قال : «سألت
أبا عبد الله عليهالسلام
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 117 ح 10 ، الوسائل ج 15 ص 461 ب 34 ح 3.
(2) الفقيه ج 3 ص 328 ح 12 وفيه اختلاف يسير ، الوسائل ج 15 ص
461 ب 34 ح 1.
(3) الفقيه ج 3 ص 328 ح 13 ، التهذيب ج 8 ص 83 ذيل ح 199 ،
الوسائل ج 15 ص 458 ب 33 ح 1 مع اختلاف يسير في الأخيرين.
(4) الكافي ج 6 ص 118 ح 14 ، الفقيه ج 3 ص 328 ح 14 ، الوسائل
ج 15 ص 459 ب 33 ح 3.
عن التي توفي عنها زوجها أتحج؟ قال :
نعم وتخرج وتنتقل من منزل». ورواه في الفقيه مرسلا مقطوعا.
وما رواه في الكافي (1) عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته
عن المتوفى عنها زوجها أتخرج من بيت زوجها؟ قال : تخرج من بيت زوجها وتحج وتنتقل
من منزل إلى منزل».
أقول : والمفهوم من هذه الأخبار أن الحداد هو ترك كل ما
يعد زينة في البدن أو اللباس وإن اختلف ذلك باختلاف العادات في البلدان ، فيحكم
على كل بلد بما هو المعتاد فيها ، فلا يحرم عليها دخول الحمام ولا تنظيف البدن ولا
تسريح الشعر ولا تقليم الأظفار ولا السواك ولا السكنى في المساكن العالية ولا
التدثر بالفرش الفاخرة ، لأن ذلك لا يعد من الزينة عرفا.
وظاهر صحيحة ابن أبي يعفور المتقدمة ورواية أبي العباس
جواز الكحل للضرورة وعدم قصد الزينة به ، وفيها إشارة إلى أن ما كان زينة وألجأت
إليه الضرورة فإنه لا بأس به. ويؤيده ما ورد من أن الضرورات تبيح المحظورات ، وإن
لم يرد بهذا اللفظ ، إلا أن هذا المعنى مستفاد من عدة من الأخبار تقدمت الإشارة
إليها في غير موضع.
وفي المسالك أنه مع الضرورة إلى الاكتحال فتكتحل ليلا
وتمسحه نهارا وفيه أن إطلاق الخبرين المتقدمين تدفعه ، فإنه متى كان الاكتحال لغير
الزينة فلا بأس ببقائه نهارا ، والنفع المترتب عليه لا يختص بالليل وإن كان آكد
والاحتياط يقتضي الوقوف على ما ذكره إذا لم تلجأ الضرورة إليه نهارا.
وأما ما يظهر من موثقة عمار من أنها تختضب وتدهن وتصبغ
وتصنع ما شاءت ، فلا يخلو من مدافعة لما تقدمها من الأخبار ، ومن ثم قال في الوافي
ذيل الموثقة المذكورة : ينبغي حمل هذا الخبر على الشذوذ.
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 116 ح 7 ، الوسائل ج 15 ص 459 ب 33 ح 5.
أقول : أما ما اشتمل عليه الخبر المذكور من التدهن والامتشاط
فالظاهر أنه غير داخل في الزينة لما عرفت ، وأما الخضاب والصبغ وأن تصنع ما تشاء
فالظاهر حمله على الضرورة ، وإليه يشير قوله «لغير زينة من زوج» أي يجوز فعل هذه
الأشياء لا لقصد التزين للأزواج وليس بعد ذلك إلا لغرض ألجأت إليه الضرورة.
بقي الكلام في اختلاف هذه الأخبار في جواز الخروج من
بيتها والبيات في غيره ، فإن أكثر الأخبار قد دل على المنع بآكد وجه إلا مع
الضرورة ، فتخرج بعد نصف الليل وتعود عشاء ، وجملة منها قد دل على الجواز مطلقا ،
وهي الأخبار الأخيرة ، والظاهر الجمع بينهما بما تضمنته صحيحة الصفار المتقدمة من
إلجاء الحاجة إلى ذلك والضرورة فتخرج نهارا ، وتبيت في غيره ليلا.
والشيخ في كتابي الأخبار جمع بينها بحمل أخبار النهي عن
البيتوتة عن بيتها على الاستحباب كما هو قاعدته غالبا في جميع الأبواب ، وظاهر
الأخبار المانعة بآكد منع لا يساعده.
ومن أخبار المسألة زيادة على ما قدمنا ما رواه أبو منصور
أحمد بن أبي طالب الطبرسي في الاحتجاج والشيخ في كتاب الغيبة (1) عن صاحب
الزمان عليهالسلام مما كتب في
أجوبة مسائل محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري حيث سأله عن المرأة يموت زوجها ، هل
يجوز لها أن تخرج في جنازته أم لا؟ التوقيع : تخرج في جنازته ، وهل يجوز لها وهي
في عدتها أن تزور قبر زوجها؟ التوقيع : تزور قبر زوجها ولا تبيت عن بيتها ، وهل
يجوز لها أن تخرج في قضاء حق يلزمها أم لا تخرج من بيتها في عدتها؟ التوقيع : إذا
كان حق خرجت فيه وقضته ، وإن كان لها حاجة ولم يكن لها من ينظر فيها خرجت لها حتى
تقضيها ، ولا تبيت إلا في منزلها.
أقول : وهذا الخبر قد اشتمل على ما فصلناه في تلك
الأخبار بعد حمل مطلقها على مقيدها وملخصه أنه مع الضرورة إلى الخروج فلا إشكال في
جواز الخروج
__________________
(1) الاحتجاج ص 269 ، الغيبة ص 246 ، الوسائل ج 15 ص 460 ب 33
ح 8.
وإن استلزم البيات في غير بيتها ، ومع
عدم الضرورة فإنه يرخص لها الخروج لقضاء الحقوق التي يلزمها من عيادة مريض أو حضور
تعزية ونحو ذلك من الحقوق التي يقوم بها النساء بعضهن لبعض ونحو ذلك من الأمور
المستحبة ، لكن لا تبيت إلا في بيتها ، ولا ينافي ذلك الأخبار الدالة على جواز
الانتقال من منزل إلى آخر.
ومنها زيادة على ما قدمناه ما رواه في الكافي (1) عن معاوية بن
عمار في الموثق عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته
عن المرأة المتوفى عنها زوجها تعتد في بيتها أو حيث شاءت؟ قال : بل حيث شاءت ، إن عليا
عليهالسلام لما توفي عمر
أتى أم كلثوم فانطلق بها إلى بيته».
وعن سليمان بن خالد (2) في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن امرأة توفي
عنها زوجها ، أين تعتد في بيت زوجها تعتد أو حيث شاءت؟ قال : بل حيث شاءت ، ثم قال
: إن عليا عليهالسلام لما مات عمر
أتى أم كلثوم فأخذ بيدها فانطلق بها إلى بيته».
وعن عبد الله بن سليمان (3) «قال سألت أبا
عبد الله عليهالسلام عن المتوفى
عنها زوجها أتخرج إلى بيت أبيها وأمها من بيتها إن شاءت فتعتد؟ فقال : إن شاءت أن
تعتد في بيت زوجها اعتدت ، وإن شاءت اعتدت في أهلها ، ولا تكتحل ولا تلبس حليا».
وعن يونس (4) عن رجل عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته
عن المتوفى عنها زوجها أتعتد في بيت تمكث فيه شهرا أو أقل من شهر أو أكثر ثم تتحول
منه إلى غيره فتمكث في المنزل الذي تحولت إليه مثل ما مكثت في المنزل الذي تحولت
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 115 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 458 ب 32 ح 3.
(2) الكافي ج 6 ص 115 ح 2 ، التهذيب ج 8 ص 161 ح 157 ، الوسائل
ج 15 ص 457 ب 32 ح 1.
(3) الكافي ج 6 ص 116 ح 3 ، الوسائل ج 15 ص 458 ب 32 ح 4.
(4) الكافي ج 6 ص 116 ح 9 ، التهذيب ج 8 ص 160 ح 153 ، الوسائل
ج 15 ص 461 ب 34 ح 2.
منه ، كذا صنعتها حتى تنقضي عدتها؟
قال : يجوز ذلك لها ولا بأس».
والشيخ ومن تبعه قد عملوا بهذه الأخبار ، فقالوا بجواز
ترك البيات في المنزل وجواز الخروج حيث شاءت ، وحملوا أخبار النهي على الكراهة.
والأقرب أن جواز الانتقال من منزل إلى آخر لا ينافي وجوب
الاستقرار في ذلك المنزل الذي استقرت فيه ، فلا يجوز لها الخروج والرجوع إليه إلا
في الصورة التي قدمنا ذكرها من الضرورة وقضاء الحقوق ، فلا منافاة.
وفي المقام فوائد يجب التنبيه عليها :
الاولى : ما ذكرنا من
الحكم المذكور مختص بالزوجة ، فلا يتعدى إلى غيرها من أقارب الميت وبناته ولا إلى
إمائه ولو كن موطوءات أو أمهات أولاد ، للأصل ، وتعليق الحكم في الأخبار على
الزوجة المشار إليها بالمتوفى عنها زوجها نعم قد ورد في بعض الأخبار الأمر
بالاعتداد لهن ثلاثا.
فروى الشيخ في التهذيب (1) عن محمد بن
مسلم قال : «ليس لأحد أن يحد أكثر من ثلاثة إلا المرأة على زوجها حتى تنقضي عدتها».
وعن أبي يحيى الواسطي (2) عن بعض
أصحابنا عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «يحد
الحميم على حميمه ثلاثا ، والمرأة على زوجها أربعة أشهر وعشرا». والظاهر أنه على
الاستحباب.
الثانية : قد صرح في
المسالك بأنه لا فرق في الزوجية بين الصغير والكبير ولا المسلمة والكافرة ، ولا
بين المدخول بها وغيرها ، لإطلاق الأدلة المتقدمة ، وعلى هذا فالتكليف في الصغيرة
متعلق بالولي ، فعليه أن يجنبها ما تتجنبه الكبيرة من الأمور المعتبرة في الحداد
ونحوها المجنونة ، انتهى.
وظاهره أن الحكم المذكور اتفاقي ، حيث لم يشر إلى خلاف
فيه ، مع أن المنقول عن ابن إدريس منع ذلك في الصغيرة فإنه لا حداد عليها ، وإليه
مال
__________________
(1 و 2) التهذيب ج 8 ص 160 ح 155 و 158 ، الوسائل ج 15 ص 450 ب
29 ح 5 و 6.
العلامة في المختلف أيضا ، حيث نقل
ذلك عن ابن إدريس فقال في الكتاب المذكور ـ بعد أن نقل عن الشيخ (1) في الخلاف
والمبسوط القول بوجوب العدة عليها ـ ما لفظه : وقال ابن إدريس : ولي في الصغيرة
نظر ، لأن لزوم الحداد حكم شرعي وتكليف سمعي ، والتكاليف لا تتوجه إلا إلى العقلاء
، وإنما ذهب شيخنا في مسائل خلافه إلى أن الصغيرة يلزمها الحداد ، ولم يدل بإجماع
الفرقة ولا بالأخبار ، وهذه المسألة لا نص لأصحابنا عليها ولا إجماع.
ثم قال في المختلف : وقول ابن إدريس لا بأس به ، لأن
الحداد هو ترك ما يحصل به الجمال والزينة ، ولبس الثياب المزعفرات والملونات التي
تدعو النفس إليها وتميل الطباع نحوها ، وهو إنما يؤثر في البالغ دون الصبية غالبا
، انتهى.
أقول : ما استدل به ابن إدريس ـ من اختصاص الخطابات بهذه
التكاليف في الأخبار المتقدمة بالبالغة العاقلة ، والأصل براءة ذمة الولي ـ جيد
وجيه ، كما لا يخفى على الفطن النبيه.
الثالثة : هل يفرق في
الزوجة بين الحرة والأمة؟ قولان.
فذهب الشيخ في النهاية إلى الفرق بينهما ، واختاره ابن
البراج في كتابيه ونقله في المختلف عن ابن الجنيد وشيخنا المفيد وابن أبي عقيل من
المتقدمين ، وهو اختيار العلامة في المختلف وشيخنا في المسالك وسبطه في شرح
النافع.
وذهب الشيخ في المبسوط إلى عدم الفرق بينهما فيجب عليهما
الحداد معا ،
__________________
(1) وصورة ما نقله عن الشيخ أنه قال : المتوفى عنها زوجها إذا
كانت صغيرة عليها الحداد بلا خلاف ، وينبغي لوليها أن يجنبها ما يجب على الكبيرة
اجتنابه من الإحداد بلا خلاف ، واستدل بعموم الخبر وطريقة الاحتياط ، وما روى أن
امرأة أتت النبي صلىاللهعليهوآله فقالت : يا رسول الله ان ابنتي توفي
عنها زوجها وقد اشتكت عينها ، أفأكحلها؟ قال : لا ، ولم يسأل هل هي كبيرة أو صغيرة
، فدل على أن الحكم لا يختلف ، وتبعه ابن البراج ، انتهى. (منه ـ قدسسره ـ).
واختاره ابن إدريس ، وهو ظاهر أبي
الصلاح وسلار وابن حمزة ، حيث أوجبوا الحداد على المعتدة ولم يفصلوا.
والأظهر الأول ، لما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن
زرارة (1) عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «إن
الأمة والحرة كلتيهما إذا مات عنهما زوجهما سواء في العدة ، إلا أن الحرة تحد
والأمة لا تحد».
احتج الشيخ على ما ذهب إليه في المبسوط وابن إدريس على
ما نقله العلامة في المختلف بقوله عليهالسلام «لا تحل لامرأة
تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر
وعشرا» ولم يفرق.
قال في المختلف : والجواب : إن هذه الرواية لم تصل إلينا
مسندة عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وإنما رواها
الشيخ مرسلة ولا حجة فيها ، انتهى.
أقول فيه : إن هذه الرواية بعينها وإن لم ترد من طرقنا ،
إلا أن نظيرها مما قدمناه في الفائدة الاولى ، وهو رواية محمد بن مسلم ورواية
الواسطي قد ورد من طرقنا ، وهو وإن دل على ما دل عليه الخبر المذكور لكن الجواب من
ذلك ظاهر بأن إطلاق الخبرين المذكورين مقيدة بالصحيحة المذكورة ، ومن القاعدة
المسلمة تقديم العمل بالمقيد وتقييد المطلق به.
ثم إن العلامة في المختلف قال ونعم ما قال : والعجب أن
ابن إدريس ترك مقتضى العقل والنقل وهو أصالة البراءة من التكليف بالحداد وما
تضمنته الرواية الصحيحة التي قدمناها وعول على هذا الخبر المقطوع السند ، مع
ادعائه أن الخبر الواحد المتصل لا يعمل به ، فكيف المرسل ، وهذا يدل على قصور
قريحته وعدم تفطنه بوجوه الاستدلال ، انتهى وهو جيد.
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 170 ح 1 ، التهذيب ج 8 ص 153 ب 128 ، الوسائل
ج 15 ص 472 ب 42 ح 2.
الرابعة : الظاهر أنه
لا خلاف في أن المطلقة لا حداد عليها رجعية كانت أو بائنة.
أما الرجعية فلبقاء أحكام الزوجية وتوقع الرجعة ، بل
ظاهر جملة من الأخبار استحباب التزين لها كما ستقف عليه.
وأما البائن فعلله في المسالك بأنها مجفوة بالطلاق ، فلا
يلائم التكليف بما يقتضي التفجع على الزوج والحزن بخلاف المتوفى عنها زوجها.
والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بالمقام ما رواه في
الكافي والتهذيب (1) عن زرارة عن
أبي عبد الله عليهالسلام قال : «المطلقة
تكتحل وتختضب وتلبس ما شاءت من الثياب لأن الله عزوجل يقول «لَعَلَّ
اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً» (2) لعلها أن تقع في نفسه فيراجعها.
وعن محمد بن قيس (3) عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «المطلقة
تشوق لزوجها ما كان له عليها رجعة ولا يستأذن عليها».
وعن أبي بصير (4) عن أحدهما عليهماالسلام «في المطلقة
تعتد في بيتها وتظهر له زينتها لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا».
وهذه الأخبار كما ترى ظاهرة في نفي الحداد في المطلقة
الرجعية ، وأنه يستحب لها الزينة كما قدمنا ذكره.
وما رواه في الفقيه (5) عن عمار الساباطي في الموثق عن أبي
عبد الله عليهالسلام «أنه
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 92 ح 14 ، التهذيب ج 8 ص 158 ح 148 ، الوسائل
ج 15 ص 437 ب 21 ح 2 وما في المصادر اختلاف يسير.
(2) سورة الطلاق ـ آية 1.
(3) الكافي ج 6 ص 91 ح 7 وفيه «تشوفت» ، الوسائل ج 15 ص 437 ب
21 ح 4.
(4) الكافي ج 6 ص 91 ح 10 ، التهذيب ج 8 ص 131 ح 5 ، الوسائل ج
15 ص 437 ب 21 ح 1.
(5) الفقيه ج 3 ص 328 ح 13 ، التهذيب ج 8 ص 82 ضمن ح 199 ،
الوسائل ج 15 ص 451 ب 29 ح 7 وما في المصادر اختلاف يسير.
سئل عن المرأة إذا اعتدت ، هل يحل لها
أن تختضب في العدة؟ قال : لها أن تكتحل وتدهن وتمتشط وتصبغ وتلبس الصبغ وتختضب
بالحناء وتصنع ما شاءت لغير زينة من زوج».
وما رواه في الكافي (1) عن زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «عدة
المتوفى عنها زوجها آخر الأجلين لأن عليها أن تحد أربعة أشهر وعشرا وليس عليها في
الطلاق أن تحد».
وهذان الخبران ظاهران في نفي الحداد عن المطلقة بائنة
كانت أو رجعية.
وما رواه الشيخ في التهذيب (2) عن محمد بن
يعقوب بسنده إلى مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليهالسلام عن علي عليهالسلام قال : «المطلقة
تحد كما تحد المتوفى عنها زوجها ولا تكتحل ولا تطيب ولا تختضب ولا تمتشط».
قال في الوافي بعد نقل هذا الخبر كما نقلناه : هذا
الحديث لم نجده في الكافي والذي يظهر من كلام صاحب الوسائل أنه موجود فيه ، حيث
إنه نقل ذلك عن العدة عن سهل عن أبي شمعون عن عبد الله بن عبد الرحمن عن مسمع بن
عبد الملك عن أبي عبد الله عليهالسلام. إلى آخر
الخبر ، ثم قال : ورواه الشيخ بإسناده عن محمد ابن يعقوب إلا أنه يحتمل أنه اعتمد
على كلام الشيخ وروايته عن محمد بن يعقوب بهذه الاسناد فأسنده عن محمد بن يعقوب ثم
أسنده إلى الشيخ.
وبالجملة فإنه لا يحضرني الآن كتاب الكافي فليراجع.
وكيف كان فهذه الرواية كما ترى ظاهرة المخالفة لما
قدمناه من الأخبار ، والشيخ ـ رحمة الله عليه ـ حملها على البائن ، وأنه يستحب لها
الحداد ، قال : لأن استعمال الزينة إنما يستحب لها في الطلاق الرجعي ليراها الرجل
فربما يراجعها ولا بأس به في مقام الجمع وإن كان لا يخلو من نوع بعد ، إذ ليس بعد
ذلك إلا
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 114 ح 4 ، الوسائل ج 15 ص 437 ب 21 ح 3.
(2) التهذيب ج 8 ص 160 ح 154 ، الوسائل ج 15 ص 438 ب 21 ح 5.
طرحه من البين.
وما رواه في كتاب قرب الاسناد (1) عن عبد الله
بن الحسن عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهالسلام قال : «سألته
عن المطلقة لها أن تكتحل وتختضب وتلبس ثوبا مصبوغا؟ قال : لا بأس إذا فعلته من غير
سوء».
وهذا الخبر نظير ما تقدم في خبر عمار من قوله عليهالسلام «تصنع ما شاءت
لغير ريبة من زوج». ومرجعها إلى أنها يجوز لها الزينة ما لم يكن التزين لغير زوجها
الذي طلقها من الأجانب.
ومن هنا يمكن حمل خبر مسمع وما تضمنه من النهي عن تلك
الأشياء المذكورة فيه على ما إذا لم يكن لغير الزوج من الأجانب ، كما يشير إليه
هذان الخبران ، وإن سماها حدادا ، وهو محمل قريب كما لا يخفى على الأريب.
الخامسة : لو أخلت بما
وجبت عليها من الحداد فلا إشكال في أنها تكون عاصية لإخلالها بالواجب ، وهل تنقضي
عدتها؟ أم لا بل يجب عليها استئناف ما أخلت به بأن تحد في قدر ما مضى من تلك
الأيام؟ قولان.
أشهرهما على ما نقله في المسالك الأول ، قال : للأصل ،
وعدم المنافاة بين المعصية له تعالى وانقضاء العدة ، فتدخل في عموم الأدلة الدالة
على انقضاء العدة بما بعد المدة المضروبة لعموم قوله تعالى «فَإِذا
بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ
بِالْمَعْرُوفِ» (2) ثم نقل عن أبي
الصلاح والسيد الناصر شارح الرسالة أنه لا يحسب من العدة ما لا يحصل فيه الحداد من
الزمان للإخلال لمراد الشارع ، فلم يحصل الامتثال ويجب الاستئناف ، ثم رده بأنه
نادر ، والأظهر هو قول المشهور.
السادسة : لو وطئت
المرأة بعقد الشبهة ثم مات الواطئ فإن العدة الواجبة عليها عدة الطلاق لا عدة
الوفاة ، لأن أخبار عدة الوفاة موردها الزوجة ولا زوجية
__________________
(1) قرب الاسناد ص 110 ، الوسائل ج 15 ص 438 ب 21 ح 6.
(2) سورة البقرة ـ آية 234.
هنا وإن عوملت معاملة الزوجة في بعض
الأحكام لدليل خاص.
وبالجملة فالحكم في الأخبار متعلق بالزوجة وهي المنكوحة
بالعقد الصحيح والعدة هنا إنما ترتبت على الوطء لا على العقد حتى أنه لو وطأها
شبهة عن غير عقد بالكلية كأن يطأها بظن أنها زوجته مثلا فإنه يجب عليها عدة الطلاق
، فهذه العدة واجبة عليها لذلك حيا كان أو ميتا ، فلا يتعلق بها حكم عدة الوفاة
ولا ما يترتب عليها من الحداد.
المقام السادس : في حكم المفقود زوجها ، وتفصيل
الكلام في المقام حسب ما ذكره علماؤنا الأعلام أن يقال : لا إشكال ولا خلاف في أن
الغائب إن علمت حياته فهو كالحاضر ، وإن علم موته اعتدت منه وجاز تزويجها ، ولو
علمت الوفاة هي خاصة جاز لها التزويج وإن لم يحكم بها الحاكم ، لكن لا يجوز لمن
علم بالزوجية ولم يثبت عنده موت الزوج تزويجها ، نعم لو كان جاهلا بحالها وعول على
إخبارها بعدم الزوج أو وفاته فإنه يجوز له تزويجها لأنها مصدقة في إخبارها كما دلت
عليه الأخبار.
إنما الإشكال فيما لو انقطع خبره ولم يثبت موته ولا
حياته ، فإن الذي تقتضيه الأصول واستصحاب حكم الزوجية هو وجوب الصبر إلى أن يثبت
موته شرعا ، لكن قد وردت الأخبار عنهم عليهمالسلام بخلاف ذلك في
الباب ، إلا أنها أيضا لا يخلو بعضها مع بعض من التدافع والاضطراب.
وقد اتفقت كلمة الأصحاب كما هو ظاهر الأخبار الآتية أيضا
على أنه يجب الصبر عليها ما أنفق عليها في مال المفقود أو الولي أو غيرهما ، وأما
مع عدم من ينفق فإنه يجب الصبر عليها أربع سنين ليطلب فيها ، وأن النفقة في ضمن
الأربع إما من مال المفقود إن كان له مال ، وإلا فمن بيت المال ، وبعد الأربع مع
حصول الفحص فيها أو بعدها يجري عليها الحكم المذكور.
والواجب أولا نقل ما وصل إلينا من أخبار المسألة ثم
الكلام فيها بما وفق
الله تعالى فهمه منها ببركة أهل الذكر
عليهمالسلام.
ومنها ما رواه في الكافي (1) عن الحلبي في
الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليهالسلام «أنه سئل عن
المفقود ، فقال : المفقود إذا مضى له أربع سنين بعث الوالي أو يكتب إلى الناحية
التي هو غائب فيها فإن لم يوجد له أثر أمر الوالي وليه أن ينفق عليها فما أنفق
عليها فهي امرأته ، قال : قلت : فإنها تقول : فإني أريد ما تريد النساء ، قال :
ليس ذلك لها ولا كرامة ، فإن لم ينفق عليها وليه أو وكيله أمره أن يطلقها فكان ذلك
عليها طلاقا واجبا».
وما رواه المشايخ الثلاثة (2) عن بريد بن
معاوية قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن المفقود
كيف يصنع بامرأته؟ قال : ما سكتت عنه وصبرت يخلي عنها ، فإن هي رفعت أمرها إلى
الوالي أجلها أربع سنين ، ثم يكتب إلى الصقع الذي فقد فيه يسأل عنه ، فإن خبر عنه
بحياة صبرت ، وإن لم يخبر عنه بشيء حتى تمضي الأربع سنين دعي ولي الزوج المفقود
فقيل له : هل للمفقود مال؟ فإن كان له مال أنفق عليها حتى يعلم حياته من موته ،
وإن لم يكن له مال قيل للولي : أنفق عليها ، فإن فعل فلا سبيل لها إلى أن تتزوج ما
أنفق عليها ، وإن أبى أن ينفق عليها أجبره الوالي على أن يطلق تطليقة في استقبال
العدة وهي طاهرة ، فيصير طلاق الولي طلاق الزوج ، فإن جاء زوجها قبل أن تنقضي
عدتها من يوم طلقها الوالي فبدا له أن يراجعها فهي امرأته وهي عنده على تطليقتين ،
وإن انقضت العدة قبل أن يجيء ويراجع فقد حلت للأزواج ، ولا سبيل للأول عليها».
قال في الفقيه : وفي رواية اخرى (3) «أنه إن لم يكن
للزوج ولي طلقها الوالي
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 147 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 389 ب 23 ح 4.
(2) الكافي ج 6 ص 147 ح 2 ، الفقيه ج 3 ص 354 ح 1 ، التهذيب ج
7 ص 479 ح 130 ، الوسائل ج 15 ص 389 ب 23 ح 1 وما في المصادر اختلاف يسير.
(3) الفقيه ج 3 ص 354 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 390 ب 23 ح 2.
ويشهد شاهدين عدلين ، فيكون طلاق
الوالي طلاق الزوج ، وتعتد أربعة أشهر وعشرا ثم تتزوج إن شاءت».
وما رواه في الكافي (1) عن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد
الله عليهالسلام «في امرأة غاب
عنها زوجها أربع سنين ولم ينفق عليها ، ولم تدر أحي هو أم ميت ، أيجبر وليه على أن
يطلقها؟ قال : نعم ، وإن لم يكن له ولي طلقها السلطان ، قلت : فإن قال الولي : أنا
أنفق عليها ، قال : فلا يجبر على طلاقها ، قال : قلت : أرأيت إن قالت : أنا أريد
ما تريد النساء ولا أصبر ولا أقعد كما أنا؟ قال : ليس لها ولا كرامة إذا أنفق
عليها».
وما رواه في الكافي والتهذيب (2) في الموثق عن
سماعة قال : «سألته عن المفقود ، قال : إن علمت أنه في أرض فهي تنتظر له أبدا حتى
يأتيها موته أو يأتيها طلاقه ، وإن لم تعلم أين هو من الأرض كلها ولم يأتها منه
كتاب ولا خبر فإنها تأتي الإمام فيأمرها أن تنتظر أربع سنين فيطلب في الأرض ، فإن
لم يوجد له أثر حتى تمضي الأربع سنين أمرها أن تعتد أربعة أشهر وعشرا ، ثم تحل
للرجال ، فإن قدم زوجها بعد ما تنقضي عدتها ، فليس له عليها رجعة ، وإن قدم وهي في
عدتها أربعة أشهر وعشرا فهو أملك برجعتها».
وما رواه الشيخ في التهذيب (3) عن السكوني عن
جعفر عن أبيه عليهماالسلام «أن عليا عليهالسلام قال في
المفقود : لا تتزوج امرأته حتى يبلغها موته أو طلاق أو لحوق بأهل الشرك».
هذا ما وقفت عليه من أخبار المسألة ، إذا عرفت ذلك فاعلم
أن تحقيق
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 148 ح 3 ، الوسائل ج 15 ص 390 ب 23 ح 5
وفيهما اختلاف يسير.
(2) الكافي ج 6 ص 148 ح 4 ، التهذيب ج 7 ص 479 ح 131 ، الوسائل
ج 14 ص 390 ب 44 ح 2 وما في المصادر اختلاف يسير.
(3) التهذيب ج 7 ص 478 ح 129 ، الوسائل ج 15 ص 390 ب 23 ح 3.
الكلام في المقام يتوقف على بسطه في
مسائل :
الأولى : اختلف الأصحاب
لاختلاف هذه الأخبار في أنه بعد الطلب أربع سنين ولم يعرف له خبر فهل يكفي أمر
الحاكم لها بالاعتداد عدة الوفاة؟ أم لا بد من الطلاق أولا من الولي أو الحاكم مع
عدمه؟ وعلى تقدير الثاني ، فهل العدة عدة الطلاق أو عدة الوفاة؟ أقوال :
فذهب الشيخان إلى الأول ، وبه قال ابن البراج وابن إدريس
، وهو الذي صرح به العلامة في القواعد والإرشاد والمحقق في كتابيه ، وعلى هذا
القول تدل موثقة سماعة.
وقيل بالثاني وأن العدة عدة الوفاة ، وهو مذهب الصدوق في
المقنع وابن حمزة.
قال في المقنع : إذا امتنع الولي أن يطلق أجبره الوالي
على أن يطلقها ، فيصير طلاق الولي طلاق الزوج ، فإن لم يكن له ولي طلقها السلطان ،
واعتدت أربعة أشهر وعشرة أيام. ونحوه كلام ابن حمزة (1) واختاره
العلامة في المختلف.
ويدل على طلاق الولي أكثر الأخبار المذكورة وعلى طلاق
الوالي رواية أبي الصباح والمرسلة المنقولة عن الفقيه ، وعلى كون العدة في هذه
الصورة عدة الوفاة المرسلة المذكورة.
وقيل : بأن العدة في هذه الصورة إنما هي عدة الطلاق ،
وهو ظاهر أكثر الأخبار المذكورة ، وإليه يميل كلام السيد السند في شرح النافع
وقبله جده ـ رحمة الله عليه ـ في المسالك.
ويظهر من هذه الأخبار أن العدة عدة الطلاق ، إلا أن
القائلين بالطلاق صرحوا بأن العدة عدة الوفاة ، ولا يخلو من إشكال ، ورواية سماعة
الدالة عليها
__________________
(1) حيث قال : وان لم تجد له خبر موت ولا حياة أمر الحاكم بعد
انقضاء أربع سنين ولي الغائب بتطليقها ، فان لم يكن له ولى طلقها الحاكم ، فان
طلقها اعتدت منه عدة الوفاة ، انتهى. (منه ـ قدسسره ـ).
موقوفة ضعيفة السند ، انتهى.
وقال ابن الجنيد : وإن لم يأت خبره بعد أربع سنين وكان
له ولي أحضره السلطان وأمره بالنفقة عليها من مال المفقود أو من مال وليه ، فإن
أنفق وإلا أمر السلطان بأن يطلق ، فإن طلقها وقع طلاقه موقع طلاق زوجها ، وإن لم
يطلق أمرها والي المسلمين أن تعتد ، فإذا خرجت من العدة حلت للأزواج.
وظاهر هذه العبارة أنه مع تعذر الطلاق من الولي فإن
الوالي يأمرها بالاعتداد من غير طلاق ، وإن العدة حينئذ عدة الوفاة ، وأما في صورة
طلاق الولي فإنها مجملة بالنسبة إلى العدة ، وحينئذ يكون هذا قولا رابعا في
المسألة. (1)
وأنت خبير بأن القول الأول وإن دلت عليه موثقة سماعة إلا
أنها معارضة بما هو أكثر عددا وأصح سندا مما يدل على الطلاق من الولي ثم مع تعذره
من الحاكم الشرعي ، والجمع بين أخبار المسألة فيما ذكرناه لا يخلو من الاشكال.
قال بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين (2) يمكن الجمع
بين الأخبار بتخير الإمام أو الحاكم بين أمرها بعدة الوفاة بدون طلاق وبين أمر
الولي بالطلاق فتعتد عدة الطلاق ، أو حمل أخبار الطلاق على ما إذا كان له ولي ،
وأخبار عدة الوفاة مع عدمه ، انتهى.
أقول : ينافي الحمل الثاني ما دلت عليه رواية أبي الصباح
الكناني ومرسلة الفقيه لدلالتهما على أنه مع عدم الولي يطلقها الولي أو السلطان ،
لا أنها تعتد عدة
__________________
(1) لان القول الأول انما هو أمر الحاكم بالاعتداد من أول الأمر
، والقول الثاني انما هو طلاق الولي أولا ، ومع تعذره فطلاق الحاكم ثم الاعتداد ،
وهذا القول تضمن أنه مع تعذر طلاق الولي فإنه يأمر الحاكم بالاعتداد من غير طلاق ،
ومغايرته لهما ظاهرة.
(منه ـ قدسسره ـ).
(2) هو شيخنا المجلسي المولى محمد باقر ـ قدسسره ـ في حواشيه على كتب الاخبار.
(منه ـ رحمة الله ـ).
الوفاة كما ذكره.
ويمكن أن يقال ـ والله سبحانه وقائل هذه الأخبار أعلم
بحقيقة الحال ـ : إن المستفاد من هذه الأخبار بعد ضم مطلقها إلى مقيدها ومجملها
إلى مبينها أنه يطلقها الولي ، ومع عدمه فالحاكم ، وتعتد عدة الوفاة.
وتوضيحه أن غاية ما تدل عليه موثقة سماعة أنه بعد تحقق
انقطاع خبره يأتي الإمام فيأمرها بالاعتداد عدة الوفاة ، وهي بالنسبة إلى الطلاق
وعدمه مطلقة ، فيجب حملها على ما دلت عليه موثقة سماعة من عدة الوفاة. (1) وسند ما ذكرنا
مرسلة الصدوق حيث تضمنت عدة الوفاة بعد الطلاق من الولي أو الوالي ، ولا ينافي ذلك
جواز المراجعة في العدة لو قدم وهي في العدة ، لأن هذه العدة عدة طلاق من جهة ،
وعدة وفاة من جهة.
وأما رواية السكوني ـ فضعفها ومعارضتها بما ذكرناه من
أخبار المسألة بمنع القول بها ، مؤيدا ذلك بعمل الطائفة على خلاف ما دلت عليه ـ فهي
مردودة إلى قائلها عليهالسلام ، ولا يحضرني
الآن مذهب العامة ، وحملها على التقية غير بعيد.
الثانية : ظاهر كلام
الأصحاب الاتفاق على أنه لا يقع الطلاق أو الأمر بالاعتداد إلا بعد الفحص عنه ،
بأن ترفع أمرها إلى الحاكم فيؤجلها أربع سنين من حين رفع أمرها إليه ، ويفحص عنه
في تلك الأربع سنين ، فإن لم يعرف خبره أمر الولي بالطلاق أو أمرها بالاعتداد.
__________________
(1) ولا منافاة بين الطلاق والاعتداد بعدة الوفاة في هذا
المقام لقيام احتمال الموت فالواجب طلاقها ، والعدة من الطلاق تندرج تحت عدة
الوفاة ، فيكون الاحتياط في الاعتداد بعدة الوفاة.
قال
في المختلف بعد ذكر موثقة سماعة : ولا حجة فيها ، فإن الأمر بالاعتداد لا ينافي
الطلاق ، وعدة الوفاة جعلت احتياطا للظن بالموت ولا منافاة حينئذ ، انتهى. (منه ـ قدسسره ـ).
قال في القواعد «ولو لم ترفع خبرها إلى الحاكم فلا عدة
حتى يضرب لها المدة ثم تعتد ولو صبرت مائة سنة ، وابتداء المدة من رفع القصة إلى
الحاكم وثبوت الحال عنده لا من وقت انقطاع الخبر» وفي انطباق الأخبار على ما ذكروه
إشكال فإن المفهوم منها بعد ضم بعضها إلى بعض أن الأربع سنين المضروبة أعم من أن
يكون من حين الفقد وانقطاع الخبر ، أو رفع الأمر إلى الحاكم ، وأن الفحص أعم من أن
يكون في الأربع أو قبلها أو بعدها من الولي أو الوالي أو غيرهما.
أما صحيحة الحلبي أو حسنته فإنها دلت على أنه «إذا مضى
له أربع سنين بعث الوالي أو يكتب» وهي ظاهرة في كون الأربع من حين الفقد ، وأنه لم
يقع الفحص في الأربع ، وإنما وقع بعدها ، وهي بحسب ظاهرها لا تنطبق على كلامهم ،
وطريق الجمع بينها وبين ما بعدها من الأخبار أن يكون مبدأ الأربع من حين الفقد ،
إلا أنه لما لم يقع الفحص فيها وجب أن يكون بعدها.
وأما صحيحة بريد فإنها ظاهرة فيما ذكروه وكذا موثقة
سماعة ، فإنهما قد تضمنتا رفع الأمر الحاكم ، وأنه يأمرها بالتربص أربع سنين ثم
يطلب فيها ، وأن مبدأ الأربع هو الرفع إلى الحاكم ، إلا أن باب الاحتمال غير مغلق.
وأما رواية أبي الصباح الكناني فإنها ظاهرة فيما دلت
عليه صحيحة الحلبي من أن الأربع مبدؤها من حين الفقد ، وأن الرفع إلى الحاكم إنما
وقع بعد الأربع ، وهي خالية من ذكر الفحص عنه ، فيجب تقييدها بذلك حسبما تضمنته
صحيحة الحلبي بأن يفحص عنه بعد الأربع أو في أثنائها ، ثم مع عدم معرفة خبره يجبر
الولي على أن يطلقها ثم السلطان مع عدمه.
والظاهر أن الوجه في الجمع بين هذه الأخبار هو أنه إن لم
ترفع أمرها إلى الحاكم إلا بعد مضي الأربع من حين الفقد فإنه يفحص عنه حتى يعلم
أمره وأنه مع ظهور فقده وعدم العلم بحياته يجري عليه الحكم المذكور من غير تقييد
بمدة ، وإن رفعت أمرها من أول الأمر قبل مضي الأربع من حين الفقد
أو في أثنائها فإنه يجب عليها التربص
مدة الأربع أو تمامها والفحص في تلك المدة ثم إجراء الحكم المذكور.
الثالثة : قال في
المسالك : لو تعذر البحث من الحاكم إما لعدمه أو لقصور يده تعين عليها الصبر إلى
أن يحكم بموته شرعا أو يظهر حاله بوجه من الوجوه لأصالة بقاء الزوجية ، وعليه يحمل
ما روي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (1) «امرأة المفقود
امرأته حتى يأتيها يقين موته أو طلاقه».
وعن علي عليهالسلام (2) «أنه قال : هذه
امرأة ابتليت فلتصبر». ومن العامة من أوجب ذلك مطلقا عملا بهاتين الروايتين.
أقول : لا يخفى ما فيه من الاشكال والداء العضال والضرر
المنفي بالآية والرواية الواردتين في أمثال هذا المجال ، وبهما استدلوا في غير حكم
من الأحكام ، وخصصوا بهما ما كان ثمة من دليل مطلق وعام ، ولا ريب أن كلامه ـ رحمة
الله عليه ـ هذا مبني على ظاهر ما اتفقت عليه كلمتهم من توقف الطلاق أو الاعتداد
على رفع الأمر إلى الحاكم الشرعي ، كما سمعت من عبارة العلامة في القواعد من أنه
لو مضت مائة سنة ولم ترفع أمرها إلى الحاكم فلا طلاق ولا عدة بل تبقى على حكم
الزوجية وأن الفحص ضمن الأربع سنين لا بد أن يكون من الحاكم ، وفي الحكم بتعينه من
الأخبار المذكورة نظر لما عرفت آنفا من أن بعضها وإن دل على الرفع إلى الحاكم إلا
أن البعض الآخر خال من ذلك ، وأن الفحص المأمور به لا يتعين كونه من الحاكم بل
يكفي لو كان من الولي أو غيره.
ويؤيد ما فهمناه من هذه الأخبار ما صرح به المحدث
الكاشاني في الوافي حيث قال ـ بعد نقل أخبار المسألة المذكورة حسبما نقلناه ـ وإن
أردت أن يتضح لك ما تضمنته هذه الأخبار بحيث تتلاءم وتتطابق فاستمع لما يتلى عليك
، فنقول وبالله التوفيق : إذا فقد الرجل بحيث لم يوجد له خبر أصلا ، فإن مضى عليه
من حين
__________________
(1 و 2) سنن البيهقي ج 7 ص 445 مع اختلاف يسير.
فقد خبره أربع سنين ولم يوجد من أنفق
على امرأته بعد ذلك ولم تصبر هي على ذلك اجبر وليه على طلاقها بعد تحقق الفحص عنه
، سواء وقع الفحص قبل مضي الأربع أو بعده ، وسواء وقع من الولي أو الوالي أو
غيرهما ، وعدتها عدة الوفاة. إلى آخر كلامه ـ رحمة الله عليه.
وهو كما ترى ظاهر في ترتب الحكم على حصول هذه الأمور من
الحاكم أو غيره ، ومحصله أنه مع مضي أربع سنين من حين الفقد وحصول الفحص من كل من
كان قبل مضي الأربع أو بعده ، فإنه بعد مضي المدة المذكورة يجب على الولي طلاقها
أو الحاكم ، وإن لم ترفع أمرها إلى الحاكم بالكلية.
وبالجملة فإنه لا ظهور في هذه الأخبار على توقف الطلاق
على رفع الأمر إلى الحاكم ، وأن مبدأ الأربع التي يجب عليها التربص فيها من مبدأ
الرفع ، وأن الفحص إنما هو من الحاكم ، كما هو ظاهر كلامهم ، بل الذي يظهر منها
إنما هو وجوب التربص أربع سنين ، رفعت أمرها إليه قبل الأربع أم لم ترفع ، وأن
مبدأ الأربع من حين الفقد ، ولا ينافيه قوله في صحيح بريد «أجلها أربع سنين» وكذا
موثقة سماعة لإمكان حملهما على أن ذلك كان مبدأ الفقد ، أو أن المراد تمام الأربع
لو علم الفقد سابقا قبل الرفع ، جمعا بينهما وبين صحيحة الحلبي الظاهرة في أن مبدأ
الأربع من حين الفقد ، وكذا رواية أبي الصباح ، وأنه يجب الفحص عنه من كل من كان
في الأربع أو بعدها ، فإنه بعد تحقق الفقد يجب على الولي أو الوالي مع عدم الولي
طلاقها ، وذكر الرفع في صحيحة بريد وموثقة سماعة إنما خرج مخرج التمثيل لا الحصر ،
وأصل الحكم إنما يدور ويبنى على مضي الأربع سنين مع حصول الفحص كيف كان.
هذا ما أدى إليه الفهم القاصر من هذه الأخبار ، وإن كان
الاحتياط فيما صاروا إليه ، ومتى ثبت أن الحكم لا اختصاص له بالحاكم كما ذكرناه ،
فلا إشكال في أنه مع فقده أو قصور يده فإنه لا ينتفي الحكم المذكور ، بل يجب على
عدول
المؤمنين القائمين مقامه في تولي بعض
الأمور الحسبية القيام بذلك ، وتخرج الآيات والأخبار الدالة على نفي الضرر والحرج
والضيق في هذا الدين شاهدا على ذلك.
وكيف كان فإن ما ذكرناه إن لم يكن أرجح فلا أقل أن يكون
مساويا لما ذكروه في الاحتمال من الأخبار.
وأما الخبران اللذان ذكرهما فالظاهر أنهما من أخبار
العامة لعدم وجودهما في أخبارنا ، وبهما يظهر قرب ما احتملناه في رواية السكوني من
حملها على التقية مضافا إلى نقل القول عنهم.
الرابعة : قال في
المسالك أيضا : لا فرق في المفقود بين من أنفق فقده في جوف البلد أو في السفر وفي
القتال ، وما إذا انكسرت سفينة ولم يعلم حاله ، لشمول النص لذلك كله وحصول المعنى
، ولا يكفي دلالة القرائن على موته بدون البحث ، إلا أن تنضم إليها أخبار من يتاخم
قوله العلم بوفاته ، فيحكم بها حينئذ من غير أن تتربص به المدة المذكورة ، ولا فرق
حينئذ بين أن يحكم الحاكم بموته وعدمه ، بل إذا ثبت ذلك عندها جاز لها التزويج ولم
يجز لغيرها أن يتزوجها إلا أن يثبت عنده ذلك أيضا ، ولو حكم الحاكم بها كفي في حق
الزوج بغير إشكال.
أقول : في فهم ما ذكره من الإطلاق في الفقد وشموله لهذه الأفراد المعدودة من النصوص نظر ، فإن ظاهر الأخبار المتقدمة تخصيص الحكم بالسفر إلى قطر من الأقطار ، أو مطلقا من غير معلومية أرض مخصوصة ، وأنه يكتب أو يرسل في الفحص عنه إلى ذلك القطر أو في الجوانب الأربعة أو بعضها مما يعلم أو يظن السفر إليه ، وأما الفقد في البلد أو في معركة القتال أو السفينة التي انكسرت في البحر فلا يكاد يشم له رائحة من هذه الأخبار ، بل ربما كانت ظاهرة في خلافه ، إذ لا يتحقق الفحص في شيء من هذه المواضع المعدودة ، وأيضا فإنه بالنسبة إلى هذه الأفراد المعدودة فلتدل القرائن الموجبة للعلم العادي على الموت ، بخلاف مجرد السفر إلى بلد وفقد خبره ، والفرق بين الأمرين ظاهرين غاية الظهور لمن أعطى التأمل حقه في هذه السطور. (1)
ومن هنا كان بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين
يحكم بخروج هذه الأفراد عن حكم المفقود المذكور في هذه الأخبار.
قال ـ رحمهالله ـ ونعم ما قال
: إن من حصل العلم العادي بعدم حياته فإنه يجوز نكاح زوجته وإن لم ترفع أمرها إلى
الحاكم ، ومثله يأتي أيضا في قسمة الميراث ، لأن المفقود في مثل البحر مع كثرة
المترددين من السواحل المحيطة بموضع الغرق يحصل العلم من مجاري العادة بهلاكهم كما
هو واضح ، وهو أقوى من العلم بالشاهدين. وكذا المفقود في المفاوز (2) في شدة الحر
والبرد مع إحاطة الأودان بالأطراف ولم يخبر عنه منها مع كثرة المترددين. وكذا
المفقود في المعارك العظام لا يحتاج فيه إلى التأجيل أربع سنوات ليفحص فيها عن
حاله في الأطراف لأن ذلك إنما هو في المفقود لا كذلك ، وأما هنا فيكفي في مثله
حصول المترددين في الأطراف التي يظن بجاري العادة أنه لو كان حيا لكان فيها وأتى
بخبره المترددون ، وحيث لم يأت له خبره علم هلاكه ، انتهى.
وإلى هذا أيضا كان الآخند المولى محمد جعفر الأصفهاني
المشهور بالكرباسي صاحب الحواشي على الكفاية وهو من فضلائنا المعاصرين ، وقد زوج
جملة من النساء اللاتي فقدت أزواجهن في معركة قتال الأفغان مع عسكر شاه سلطان
__________________
(1) أقول : قد اتفق في زماننا من القضايا ما تحقيق هذا المقام
ويكشف عنه نقاب الاشكال كما وقع في طريق الهند في غرق مراكب فارس ، فان هذه منذ
أربعين سنة أو خمسين قد مضت الى يومنا هذا ولا يظهر لأحد منهم أثر بالكلية. وفي
طريق مكة في نهب الحجاج وقد مضت لذلك ما يقرب من خمسين سنة أو أزيد ولم يظهر لأحد
منهم أثر. وفي واقعة البحرين وفتح الخوارج لها قد فقد يوم أخذ قلعة البحرين جمع من
أهل البلاد وقد مضت خمسون سنة ولم يظهر لأحد منهم أثر بالمرة ، وهو أظهر ظاهر في
قتلهم أو موتهم كما لا يخفى. (منه ـ قدسسره ـ).
(2) المفازة : واحدة المفاوز ، وسميت بذلك لأنها مهلكة. (لسان
العرب).
وبالجملة فإن مورد الأخبار المتقدمة السفر ، وأن الفقد
حصل فيه فيرسل إلى الفحص عنه في تلك الجهة أو الجهات ، وما ذكره ليس كذلك ،
والاشتراك في مجرد الفقد لا يوجب الإلحاق فإنه قياس محض ، وأيضا فإن الفحص المأمور
به في الأخبار لا يتحقق في هذه الأفراد ، فإذا كان الفقد في مفازة كطريق الحج مثلا
إذا قطع على قفل الحاج جملة من المتغلبين وقتلوهم وأخذوا أموالهم فإلى من يرسل
وممن يفحص ، وهكذا في معركة القتال.
وبذلك يظهر لك ما في دعواه شمول النص لهذه الأفراد فإنه
كيف تكون شاملة لها وموردها الفقد في السفر إلى البلدان المعمورة بالناس لتمكن
الفحص منهم والسؤال وتحقيق الأحوال. نعم الجميع مشتركون في المعنى وهو الفقد وعدم
العلم بالحياة والموت ، ولكن مجرد ذلك لا يكفي في ترتب الأحكام المذكورة.
الخامسة : قال في
المسالك أيضا : الحكم مختص بالزوجة فلا يتعدى إلى ميراثه ولا عتق أم ولده ، وقوفا
فيما خالف الأصل على مورده ، فيتوقف ميراثه وما يترتب على موته من عتق أم الولد
والمدبر والوصية وغيرها إلى أن يمضي مدة لا يعيش مثله إليها عادة ، وسيأتي البحث
فيه ، والفرق بين الزوجة وغيرها مع ما اشتهر من أن الفروج مبنية على الاحتياط وراء
النص الدال على الاختصاص دفع الضرر الحاصل على المرأة بالصبر دون غيرها من الوارث
ونحوهم ، وأن للمرأة الخروج من النكاح بالجب والعنة لفوات الاستمتاع ، وبالإعسار
بالنفقة على قول لفوات المال ، فلأن يخرج هنا ـ وقد اجتمع الضرران ـ أولى ، ويدل
على عدم الحكم بموته أنها لو صبرت بقيت الزوجية ، فزوالها على تقدير عدمه لدفع
الضرر خاصة فيقيد بمورده ، انتهى.
أقول : لا يخفى مقتضى الأصل واستصحاب حكم الزوجية وأصالة الحياة بعد ثبوتها هو توقف جميع هذه الأمور من خروج الزوجة عن الزوجية وقسمة الميراث وانعتاق أم الولد ونحو ذلك مما ذكره على العلم بالموت ، إلا أنه قد قام الدليل كما عرفت من الروايات المتقدمة على خروج الزوجة من هذا الأصل بمجرد فقد الزوج ، وإن لم يتحقق موته حسب ما عرفت من الكلام في ذلك.
وكما خرجت الزوجة بالأخبار المذكورة خرج الميراث أيضا بموثقة
سماعة (1) عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «المفقود
يحبس ماله على الورثة قدر ما يطلب في الأرض أربع سنين ، فإن لم يقدر عليه قسم ماله
بين الورثة».
وموثقة إسحاق بن عمار (2) قال : «قال لي
أبو الحسن عليهالسلام : المفقود
يتربص بماله أربع سنين ثم يقسم».
وهذه الرواية وإن كانت مطلقة بالنسبة إلى طلبه مدة
الأربع ، إلا أنه يجب حمل إطلاقها على ما تضمنه الخبر الأول من الطلب تلك المدة ،
وإلى هذا القول مال جملة من الأصحاب منهم الصدوق والمرتضى وأبو الصلاح.
واستوجهه في المسالك أيضا ، إلا أنه اختار فيه القول
المشهور ، وهو أنه ينتظر به مدة لا يعيش إليها عادة ، مع أنه لا دليل عليه إلا ما
ذكرنا من الأصل الذي يجب الخروج عنه بالدليل ، وهو هنا موجود كما عرفت ، وتؤيده
أخبار الزوجة المذكورة لأنه متى جاز ذلك في الزوجة ـ مع أن عصمة الفروج أشد وأهم
في نظر الشارع ـ فليجز في قسمة المال بطريق أولى. وأما ما ذكره في الفرق بين
الزوجة والمال فإن فيه :
(أولا) أن النص كما دل على حكم الزوجة فخرجت به عن حريم
الأصل المذكور كذلك المال قد خرج بالموثقتين المذكورتين ، إلا أن له أن يقول برد
الموثقتين المذكورتين لضعفهما عنده ، وعده الموثق في قسم الضعيف وترجيح الأصل
__________________
(1) الكافي ج 7 ص 155 ح 9 ، الوسائل ج 17 ص 585 ب 6 ح 9.
(2) الكافي ج 7 ص 154 ح 5 ، الوسائل ج 17 ص 583 ب 6 ح 5.
عليهما ، بناء على تصلبه في هذا
الاصطلاح الذي هو إلى الفساد أقرب من الصلاح ، وهو عندنا غير مسموع كما لا يخفى
على من له إلى الإنصاف أدنى رجوع.
(وثانيا) أنه كما تكون الحكمة في الاعتداد بعد المدة دفع
الضرر من الزوجة فيجوز أن تكون الحكمة أيضا في قسمة الميراث دفع الضرر عن الوارث
بعين ما قاله في إعسار الزوج بالنفقة ، وإن كان أحد الضررين وأشد ، أشدية الضرر
عليها دون الوارث مقابل بمطلوبية العصمة في الفروج للشارع زيادة على الأموال.
وبالجملة فالأصل في ذلك هو النص ، وهذه التوجيهات تصلح
لأن تكون بيانا لوجه الحكمة فيه ، لا عللا مؤسسة للحكم ، وحيث كان النص فيما تدعيه
موجودا صح البناء عليه ، ويبقى ما عدا مورد النص في هذين الموضعين على حكم حريم
الأصل كما ذكروه.
السادسة : قال في
المسالك : لو أنفق عليها الولي أو الحاكم من ماله ثم تبين تقدم موته على الإنفاق
فلا ضمان عليها ولا على المنفق للأمر به شرعا ، ولأنها محبوسة لأجله ، وقد كانت
زوجته ظاهرا والحكم مبني على الظاهر.
وقال سبطه في شرح النافع : بل نقل ذلك عنه هذا كلامه ـ رحمة
الله عليه ـ وهو مشكل لظهور أن هذا التصرف وقع في مال الغير بغير إذنه فينبغي أن
يترتب على التصرف الضمان ، وإن لم يأثم بذلك كما لو تصرف الوكيل بعد موت الموكل
ولما يعلم بموته ، والمسألة قوية الاشكال وإن كان المصير إلى ما ذكره ـ رحمة الله
عليه ـ غير بعيد ، والله أعلم.
أقول : الظاهر ـ والله أعلم بحقائق أحكامه ونوابه
القائمون بمعالم حلاله وحرامه ـ ضعف ما ذكره من الإشكال.
أما (أولا) فلأن الأحكام الشرعية لا تناط بالواقع ونفس الأمر للزوم الحرج والشارع إنما كلف بالظاهر ظهر خلافه أم لم يظهر ، وإذا كان الإنفاق مأمورا به شرعا وواجبا بحسب ظاهر الشرع فكيف يترتب عليه الضمان بعد ظهور خلافه ، ومن المعلوم أن امتثال الأمر الواجب بحسب ظاهر الشرع لا يتعقبه إثم ولا غرم ، وإلا للزم من ذلك أنه يوجب عليه الإنفاق ثم يوجب عليه الضمان وهو لا يصدر عن الحكيم جل شأنه.
وأما (ثانيا) فإن ما اعتضد به من تصرف الوكيل بعد موت
الموكل ولما يعلم موته وأنه يضمن في هذه الحال ، فإنهم وإن ذكروا ذلك إلا أنهم لم
يستندوا فيه إلى دليل صريح ولا نص صحيح ، وإنما استندوا فيه إلى ما يتعاطونه من
الأدلة الاعتبارية كما لا يخفى على من راجع كلامهم ، فلا يفيد التعلق به مزيد
فائدة ، إلا أنه قد أطلعنا على بعض النصوص الدالة عليه كما تقدم في كتاب الوكالة ،
وعلى تقديره فالحمل عليه قياس لا يوافق أصول المذهب ، وبالجملة فالظاهر هو ما ذكره
جده ـ رحمة الله عليه.
السابعة : لا خلاف ولا
إشكال في أنه لو قدم الزوج وقد خرجت من العدة وتزوجت فإنه لا سبيل له عليها ، ولو
جاء وهي في العدة كان أملك بها ، وإنما الخلاف فيما لو جاء وقد خرجت من العدة ولم
تتزوج فالأكثر على أنه كالأول ، وبه قال الصدوق في المقنع وابن إدريس وابن حمزة
وابن الجنيد والشيخ في المبسوط.
ونقل في المختلف عن الشيخين أنه إن جاء وهي في العدة أو
قد قضتها ولم تتزوج كان أملك بها من غير نكاح يستأنفه ، بل بالعقد الأول. وتبعهما
ابن البراج وهذا القول للشيخ في الخلاف والنهاية.
ونقل في شرح النافع وقبله جده في المسالك عن الشيخ أنه
ادعى أن بهذا القول رواية ، وبذلك صرح المحقق في النافع فقال : فيه روايتان
أشهرهما أنه لا سبيل له عليها ، وهذه الرواية لم نقف عليها ، وقد اعترف في المسالك
وسبطه في شرح النافع أيضا بذلك ، بل نقل في المسالك عن جماعة ممن سبقه أنهم
اعترفوا بذلك ، ونقل عن فخر المحققين أنه قوى هذا القول أيضا.
وللعلامة في المختلف قول ثالث ، تفصل بأن العدة إن كانت من طلاق الولي فلا سبيل للزوج عليها ، وإن كانت بأمر الحاكم لها بالاعتداد من غير طلاق كان أملك بها.
أقول : والظاهر هو القول المشهور ، وعليه تدل الأخبار
المتقدمة لقوله عليهالسلام في صحيحة بريد
(1) «فإن انقضت
العدة قبل أن يجيء أو يراجع فقد حلت للأزواج ، ولا سبيل له عليها». وقوله عليهالسلام في موثقة
سماعة (2) «فإن قدم زوجها
بعد ما تنقضي عدتها فليس له عليها رجعة».
وأما ما فصله العلامة في المختلف ففيه أن موثقة سماعة
المشتملة على أمر الإمام لها بالاعتداد أربعة أشهر وعشرا قد تضمنت أنه متى قدم بعد
انقضاء العدة فليس له عليها رجعة ، وكيف يدعي أنه إذا كانت العدة بأمر الحاكم كان
أملك بها؟ ما هي إلا غفلة واضحة.
الثامنة : الظاهر من
صحيحة بريد وموثقة سماعة هو أنه لو جاء وهي في العدة فإنه لا يعود حكم الزوجية إلا
بالرجعة في الطلاق لقوله عليهالسلام في الاولى «وإن
جاء زوجها من قبل أن تنقضي عدتها فبدا له أن يراجعها فهي امرأته ، وهي عنده على
تطليقتين» وفي الثانية «وإن قدم هي في عدتها أربعة أشهر وعشرا فهو أملك برجعتها»
وهو مؤكد للحكم بصحة الطلاق.
والذي يظهر من عبارات الأصحاب هو عود الزوجية قهرا
بمجيئه لقول المحقق في كتابيه «فإن جاء في العدة فهو أملك بها» وربما كان التفاتهم
إلى أنه بمجيئه في العدة تبين بطلان الطلاق والاعتداد لظهور حياته ، فلم يصادف ذلك
محلا.
وفيه أن الأحكام الشرعية إنما تبتني على الظاهر ، ظهر
خلافه أم لم يظهر
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 147 ح 2 ، الوسائل ج 15 ص 389 ب 23 ح 1
وفيهما «ولا سبيل للأول عليها».
(2) الكافي ج 6 ص 148 ح 4 ، الوسائل ج 14 ص 390 ب 44 ح 2.
كما تقدمت الإشارة إليه ، والشارع قد
أمر بالطلاق والتزويج بعد الخروج من العدة بناء على حكمه بالوفاة ، وظهور حياته لا
ينقض ما حكم به أولا.
نعم عباراتهم المذكورة ليست نصا فيما ذكرناه بل يحتمل
حملها على ما يدل عليه الخبران المذكوران.
التاسعة : قالوا : لو
نكحت بعد العدة ثم بان موت الزوج كان العقد الثاني صحيحا ولا عدة سواء كان موته
قبل العدة أو معها أو بعدها ، لأن عقد الأول سقط اعتباره في نظر الشارع فلا حكم
لموته كما لا حكم لحياته ، والوجه فيما قالوه إن حكم الشارع لها بالاعتداد
والبينونة قاطع للنكاح السابق ، ألا ترى أنه لو ظهرت حياته وجاء وهي في العدة توقف
عود الزوجية على الرجوع في الطلاق كما عرفت.
وأما بعد انقضاء العدة وإن لم تتزوج فإنه لا رجوع له
عليها بالمرة ، وحينئذ فما حكم به من انقطاع الحكم السابق بالبينونة لا فرق فيه
بين ظهور موت الزوج أو حياته ، ولا بين تبين موته قبل العدة أو بعدها.
وللشافعية قول ببطلان العدة لو ظهر موته فيها أو بعدها
قبل التزويج ، بناء على أنه لو ظهر حينئذ كان أحق ، لأن الحكم بالعدة والبينونة
كان مبنيا على الظاهر ومستند حكم الحاكم الاجتهاد ، وقد تبين خطأه. فعليها تجديد
عدة الوفاة بعد بلوغها الخبر لغيرها ، بل يحتمل وجوب العدة ثانيا وإن نكحت لما ذكر
، وسقوط حق الأول منها لو حضر وقد تزوجت لا ينفي الاعتداد منه لو مات.
وضعفه ظاهر مما قدمناه في سابق هذه المسألة ، مؤيدا
بأصالة العدم حتى يقوم دليل شرعي على ما ذكروه ، وثبوته بهذه التخريجات العليلة
ممنوع ، فإنها لا تصلح عندنا لتأسيس الأحكام كما عرفته في غير مقام.
العاشرة : ظاهر أكثر الأصحاب أنه لا نفقة على الغائب في زمان العدة ولو حضر قبل انقضائها. وتردد فيه المحقق في الشرائع ، وعلل القول بعدم النفقة بأن العدة عدة وفاة وهي لا تستتبع النفقة ، وربما علل بالنظر إلى حكم الحاكم بالفرقة.
ورد بأن حكمه بالفرقة لا يوجب سقوط النفقة ، لأن حكمه
بها يحصل بالطلاق الرجعي مع بقائها.
أقول : الظاهر أن هذا التعليل إنما خرج بناء على ما هو
المشهور في كلامهم من أمر الحاكم بالاعتداد أربعة أشهر وعشرا ، وأنها عدة وفاة ،
لا أن الحكم فيها طلاق الولي أو الوالي كما هو أحد القولين في تلك المسألة ،
وحينئذ فيرجع هذا التعليل إلى التعليل الأول.
ووجه التردد المذكور ما ذكروا من أنها في حكم الزوجة ما
دامت في العدة ، فتجب لها النفقة لو حضر قبل انقضائها ، فلو لا أنها زوجته لما صح
له ذلك إلا بعقد جديد ، وخصوصا على القول بأن الولي يطلقها ، لأن الظاهر أن الطلاق
رجعي لما ظهر من الروايات أنه يراجعها إذا حضر ، والطلاق الرجعي لا يسقط النفقة.
أقول : يمكن أن يقال بأن القول بسقوط النفقة كما عليه
الأكثر مبني على ما هو المشهور من أن الحكم في المفقود هو أمر الحاكم امرأته
بالاعتداد عدة الوفاة ، وحينئذ فيكون حكمها حكم الزوجة المتوفى عنها زوجها ، ليس
لها نفقة ، ودعوى أنها في حكم الزوجية على إطلاقه ممنوع ، والحكم بجواز رجوع الزوج
لها لو جاء وهي في العدة مستثنى بالنص ، لأن التحقيق كما تقدمت الإشارة إليه أن
هذه العدة عدة وفاة من جهة وعدة طلاق من جهة ، وإن قلنا بالقول الآخر وهو أن الحكم
فيها طلاق الولي أو الوالي فإن العدة كما قدمنا ذكره أربعة أشهر وعشرا ، لا عدة طلاق
كما ذكروه ، فإنه هو الذي تجتمع عليه الأخبار.
وبالجملة فإن المسألة وإن كانت لا تخلو من الاشكال لخلوها من النص القاطع لمادة القيل والقال ، إلا أن الأنسب بما قدمنا تحقيقه هو ما عليه الأكثر من سقوط النفقة.
الحادية عشر : لا إشكال ولا
خلاف في أنه لو مات أحد الزوجين بعد العدة والتزويج بزوج آخر فإنه لا توارث بينهما
لانقطاع العصمة بينهما ، وما دلت عليه الأخبار المتقدمة من أنه لو حضر وقد تزوجت
فلا سبيل له عليها ، ومثله ما لو وقع الموت بعد العدة وقبل التزويج على الأشهر
الأظهر ، لما عرفت آنفا من أنه كالأول في انقطاع السبيل والعصمة بينهما.
وأما على القول الآخر من أنه لو حضر بعد انقضاء العدة
كان أملك بها فقد عرفت ضعفه لعدم دليل يدل عليه ، والرواية التي ادعى ووردها بذلك
لم نقف عليها.
وإنما الاشكال والخلاف فيما لو مات أحدهما وهي في العدة
، ففي ثبوت التوارث قولان : (أحدهما) العدة لأن العدة عدة وفاة وهي تقتضي نفي
الإرث.
(وثانيهما) ثبوته ، واختاره المحقق في الشرائع ، وجعله
في المسالك هو الأقوى ، قال : لبقاء حكم الزوجية بما قد علم ، ولأن العدة في حكم
الرجعية ـ كما عرفت ، وهي لا تقطع التوارث بين الزوجين ، وجعلها عدة وفاة ـ مبني
على الظاهر وعلى وجه الاحتياط وإلا لم تجامع الطلاق ، فإذا تبين خلاف الظاهر رجع
حكم الطلاق الرجعي والزوجية من رأس.
أقول : والمسألة كسابقتها لا تخلو من الإشكال أيضا لعدم
النص ، وإلا أن الأوفق بما قدمنا تحقيقه هو القول بالعدم ، قوله «لبقاء حكم
الزوجية وأن العدة في حكم العدة الرجعية التي لا تقطع التوارث» ممنوع ، لأن
المستفاد من كونها عدة وفاة ترتب أحكام عدة الوفاة عليها من عدم النفقة في العدة
وعدم التوارث فيها.
نعم خرج من ذلك جواز الرجوع لو جاء قبل الخروج من العدة
بالنص ، فبقي ما عداه من أحكام عدة الوفاة ، ولا ينافي ذلك مجامعتها للطلاق ، لأن
الطلاق هنا إنما وقع احتياطا لاحتمال الحياة.
وبالجملة فإن ما ذكرناه إن لم يكن هو الأقرب في المسألة فلا أقل أن يكون مساويا لما ذكروه من الاحتمال.
الثانية عشر : إذا تزوجت
بعد العدة وهي أربعة أشهر وعشر والفحص وهو أربع سنين وأتت بولد يمكن إلحاقه
بالثاني الحق به على الأشهر الأظهر ، فلو حضر الزوج الأول وادعاه لم يلتفت إلى
دعواه لأن الولد لا يبقى في الرحم هذه المدة المذكورة ليمكن إلحاقه به ، ولو ادعى
أنه قدم عليها في خلال هذه المدة وجامعها ، وكان ما يدعيه ممكنا.
قال الشيخ : إنه يقرع بينهما ، لأنها صارت فراشا لهما معا ، وإن كان فراش الأول قد زال ، كما لو طلقها وتزوجت ثم أتت بولد يمكن إلحاقه فإنه يقرع بينهما. كما اختاره في تلك المسألة حسبما تقدم نقله ثمة ، والمشهور أنه للثاني خاصة لأنها فراش له الآن حقيقة ، والولد له وفراش الأول قد زال ، ومثله الكلام في المسألة التي نظر بها كما تقدم ذكره.