ج21 - كتاب المزارعة

كتاب المزارعة والمساقاة

والكلام في هذا الكتاب يقع في مطلبين:

الأول ـ في المزارعة ، وهي مفاعلة من الزرع ، ومقتضى الصيغة الوقوع منهما معا كما هو قضية باب المفاعلة ولعله هنا باعتبار أن أحدهما زارع ، والأخر آمر به ، فكأنه لذلك فاعل من حيث السببية ، كما قيل : مثله في باب المضاربة ، وهنا فوائد يحسن التنبيه عليها قبل الشروع في المقصود.

الاولى ـ وقد ذكر جملة من الأصحاب أن المزارعة قد يعبر عنها بالمخابرة اما من الخبير ، وهو الأكار ، أو من الخبارة وهي الأرض الرخوة ، أو مأخوذ من معاملة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) أهل خيبر حيث جعلها في أيديهم على النصف من حاصلها ، فقيل : خابرهم أى عاملهم في خيبر.

قال الصدوق في كتاب معاني الأخبار (1) بعد أن روى مرفوعا عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) أنه نهى عن المخابرة وهي المزارعة بالنصف والثلث والربع وأقل من ذلك وأكثر. وهو الخبر وكان أبو عبيد يقول : لهذا سمى الأكار

__________________

(1) معاني الأخبار ص 278 ط طهران 1379.


الخبير ، لانه يخبر الأرض والمخابرة المؤاكره ، والخبرة بالفعل والخبير الرجل ، ولهذا سمى الأكار لانه يواكر الأرض أي يشقها ، انتهى.

قال بعض أصحابنا : وما روى أنه (عليه‌السلام) نهى عن المخابرة ، كان ذلك حين تنازعوا فنهاهم عنها.

أقول : الظاهر أنه أشار الى هذا الخبر فانى لم أقف في أخبارنا على ما يدل على النهى عنها ، بل الاخبار كما سيأتيك إنشاء الله تعالى ظاهرة في مشروعيتها وصحتها ، ولم ينقل الخلاف في ذلك عن أحد من أصحابنا ، ولا من العامة إلا عن أبي حنيفة والشافعي في بعض المواضع ، وأيضا فإن الظاهر ان هذا الخبر الذي نقله الصدوق هنا انما هو من طريق العامة ، حيث أنه رواه عن محمد بن هارون عن على بن عبد العزيز عن أبى عبيد (1) رفعه إلى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) أنه نهى الخبر والله العالم.

الثانية ـ قد عرفوا المزارعة بأنها معاملة على الأرض بحصة من حاصلها ، والصيغة فيها زارعتك أو ازرع هذه الأرض أو سلمتها إليك ونحو ذلك مما يفيد هذا المعنى مدة كذا بحصة معلومة من حاصلها ، والظاهر أنه لا خلاف بينهم في كونها من العقود اللازمة التي لا تنفسخ الا بالتقايل فلا بد فيها من الإيجاب والقبول الدالين على الرضا بالتسليم وفي المسالك «أنه لا بد من كونهما بالعربية والماضوية ، فلا تصح بلفظ الأمر وأن الأقوى اعتبار القبول اللفظي كغيره من العقود اللازمة ، وفي الجميع نظر قد تقدم في كتاب البيع ، وتقدم من هذا القائل ثمة ما يوهن ما ذكره في هذا المقام وأمثاله ، ويدل على وقوعها ، وكذا وقوع المساقاة بلفظ الأمر الذي منع منه هنا جملة من الاخبار.

ومنها ما رواه في الكافي عن يعقوب بن شعيب (2) في الصحيح عن أبى عبد الله

__________________

(1) معاني الأخبار ص 278 ط طهران سنة 1379 ، الوسائل ج 12 ص 266 ح 13.

(2) الكافي ج 5 ص 268 ح 2 ، الوسائل ج 13 ص 203 ح 2.


(عليه‌السلام) في حديث قال : «سألته عن رجل يعطى الرجل أرضه وفيها رمان أو نخل أو فاكهة ، ويقول : اسق هذا من الماء ، وأعمره ولك نصف ما خرج قال ، لا بأس».

وبذلك يظهر لك ما في قوله في المسالك ، وأما قوله ازرع هذه الأرض بصيغة الأمر فإن مثل ذلك لا يجيزونه في نظائره من العقود ، ولكن المصنف (رحمة الله عليه) اجازه هنا استنادا إلى روايتي أبي الربيع الشامي والنضر بن سويد عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) وهما قاصرتان عن الدلالة ، فالاقتصار على لفظ الماضي أقوى.

أقول : أما رواية أبي الربيع (1) التي أشار إليها وهي ما رواه الشيخ عنه عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) «انه سئل عن رجل يزرع أرض رجل آخر فيشترط عليه ثلثا للبذر وثلثا للبقر فقال : لا ينبغي أن يسمى بذرا ولا بقرا ، ولكن يقول لصاحب الأرض ازرع في أرضك ولك منها كذا وكذا نصف أو ثلث أو ما كان من شرط» ولا يسمى بذرا ولا بقرا الحديث.

وأما رواية النضر فالظاهر أن نسبتها الى النضر سهو من قلمه (رحمة الله عليه) وانما هي رواية عبد الله بن سنان (2) وان كان الراوي عنه النضر كما هو في التهذيب فانا لم نقف على روايتي النضر بما قاله ، فان سندها في التهذيب الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن عبد الله بن سنان «انه قال : في الرجل يزارع أرض غيره فيقول : ثلث للبقر ، وثلث للبذر ، وثلث للأرض قال : لا يسمى شيئا من الحب والبقر ، ولكن يقول : ازرع ولي فيها كذا وكذا ان شئت نصفا ، وان شئت ثلثا».

__________________

(1 و 2) التهذيب ج 7 ص 194 ح 3 ، الوسائل ج 13 ص 201 ح 10 وص 200 ح 5.


وأشار بقصورهما عن الدلالة إلى احتمال كون أزرع بلفظ المستقبل ، بل هو الظاهر من الرواية الاولى.

وفيه أولا انه وان كان بلفظ المستقبل الا أن فيه ردا عليه فيما ادعاه من الانحصار في لفظ الماضي ، وثانيا ما عرفت من الصحيحة المتقدمة الصريحة في وقوع المساقاة والمزارعة بلفظ الأمر ، ثم انه قال : أيضا وفي عبارة المصنف تجوز ، لانه قال : وعبارتها كذا ولم يذكر القبول ، مع أنه أحد ركني العبارة عنها ، فلا بد من ذكره ، ولعله أشار بما ذكر الى الاكتفاء بالقبول الفعلي كما اختاره العلامة في القواعد ، فتنحصر العبارة في الإيجاب ، والأقوى اعتبار القبول اللفظي كغيره من العقود اللازمة.

أقول : فيه ان المفهوم من الاخبار كصحيحة يعقوب بن شعيب المتقدمة ، وجملة من الاخبار التي قدمناها في كتاب البيع أن المدار في القبول على حصول الرضا بما دل عليه الإيجاب ، وان لم يكن بلفظ ، وكذا في جانب الإيجاب الا ان الأظهر اشتراط اللفظ في جانب الإيجاب ، وان كان بعض متأخري المحدثين ، قد اكتفى أيضا بمجرد الرضا ، وما ذكره في الصحيحة المذكورة هو صورة عقد المساقاة ، وهو خال من ذكر لفظ القبول ، كما ادعاه.

وكذلك جملة من العقود التي وردت بها الاخبار كما لا يخفى على من راجع الروايات التي قدمناها في كتاب البيع ، وبه يظهر ضعف ما ادعاه من أن الأقوى اعتبار القبول اللفظي ، فإنه ـ مع كونه لا دليل عليه ـ مردود بظهور الدليل على خلافه كما عرفت.

الثالثة ـ المفهوم من كلام شيخنا الشهيد الثاني في المسالك أنه لا بد من كون الأرض ملكا لأحدهما عينا أو منفعة ، لأنه المستفاد من حقيقة المزارعة وصيغتها ، فلا تشرع المزارعة في الأرض الخراجية إلا باستعمال حيلة من الحيل الشرعية.


ثم ذكر جملة من الحيل في ذلك ، ومنها جعل البذر منهما قال (رحمة الله عليه) فلو اتفق اثنان على المعاملة في مثل ذلك في الأرض الخراجية فطريق الصحة الاشتراك في البذر ، بحيث يمتزج على الوجه المقرر في باب الشركة ، ويجعلان باقي الأعمال بينهما على نسبة المال ، ولو اتفقا على زيادة عمل من أحدهما نوى به التبرع ، فلا رجوع له بالزائد ، ولو أرادا جعل الحاصل مختلفا مع التساوي في البذر أو بالعكس ، بنى على ما تقرر في الشركة من جواز ذلك ، وقد عرفت أن المختار جواز الزيادة في القدر للعامل ، أو من له زيادة في العمل ، فليلحظ ذلك أو غيره من الحيل الشرعية على توسيع هذه المعاملة ، لأنها متداولة في كثير من البلاد التي أرضها غير مملوكة ، فيحتاج فيها الى وجه مجوز ويمكن فرضه بأمور ، ثم عد جملة من الحيل في ذلك.

وأنت خبير بأن غاية ما يفهم من حقيقة المزارعة وصيغتها وتعريفها هو أولوية أحدهما بمنفعة تلك الأرض ، أعم من أن يكون بالملك الطلق لرقبة الأرض ، ومنفعتها بالإجارة ، أو الأولوية الحاصلة في الأرض الخراجية أو المباحة بالتحجير أو الإحياء ، وان لم نقل بحصول الملك به.

وبالجملة فما يدل على كون المنفعة له بأي نحو كان ، ويدل على ذلك الأخبار الواردة في مزارعة أرض الخراج من غير اشتراط شي‌ء مما ذكره.

ومنها صحيحة يعقوب ابن شعيب (1) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته عن الرجل يكون له الأرض من أرض الخراج فيدفعها الى رجل على أن يعمرها ، ويصلحها ويؤدى خراجها وما كان من فضل فهو بينهما ، قال : لا بأس».

وصحيحة الحلبي (2) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) في حديث «أنه سئل عن مزارعة أهل الخراج بالربع والنصف والثلث؟ قال : لا بأس به» الحديث.

__________________

(1 و 2) الكافي ج 5 ص 268 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 198 ح 22 ، الوسائل ج 13 ص 203 ح 2 وص 200 ح 8.


على أنه قد صرح هو وغيره بل الظاهر انه لا خلاف فيه ، الا من بعض متأخري المتأخرين كما تقدم ذكره بأنه يجوز بيع الأرض الخراجية تبعا للآثار ، ومتى جاز البيع جازت المزارعة بطريق أولى ، وبذلك يظهر أن إطلاقه المنع من المزارعة في الأرض الخراجية بناء على أنها ملك للمسلمين قاطبة ، وان هذا الزارع لا يملكها ، ومن شرط المزارعة الملك لأحدهما كما ذكره غير جيد.

فان قيل : ـ انه بعد حصول الآثار فيها كما يجوز بيعها يجوز المزارعة أيضا ، والمدعى أنما هو قبل حصول الآثار فيها ـ قلنا : هذه الآثار التي يترتب عليها جواز البيع انما حصلت بعد الفتح ، وثبوت كونها خراجية ، فالمجوز لهذه الآثار مجوز للمزارعة عليها ، وهو ظاهر.

الرابعة ـ قد عرفت أن عقد المزارعة عندهم من العقود اللازمة التي لا تبطل الا بالتقايل ، أما كونه من العقود اللازمة فلأنه مقتضى الأصل ، إذ الأصل لزوم العقد الا ما خرج بدليل ، وللخبر المشهور «المؤمنون عند شروطهم» (1). وآية «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (2) ونحو ذلك من الأدلة العامة.

وأما كونه لا يبطل الا بالتقايل ، فالمراد به بالنظر الى اختيار المتعاقدين يعنى ليس كالعقود الجائزة التي لكل من المتعاقدين فسخها ، والا فإنه يبطل أيضا بغير التقائل كانقطاع الماء عن الأرض ، وفساد منفعة الأرض ، فالحصر في التقائل ليس حصرا حقيقيا ، وانما هو بالإضافة إلى المتعاقدين.

والظاهر أن المستند في بطلانه بالتقايل هو الإجماع ، ولا يبطل بالبيع ولا بموت أحد المتعاقدين : لعدم المنافاة بين البيع أو الموت وبين بقاء المزارعة كما سيأتي مثله في الإجارة على الأظهر ، وان كان فيه ثمة قول بالبطلان بالموت.

__________________

(1) الوسائل ج 15 ص 30 ح 4.

(2) سورة المائدة ـ الاية 1.


أما هنا فالظاهر أنه لا خلاف في عدم البطلان بالموت ، عملا بلزومه وأصالة بقائه ودوامه ، وليس الاستصحاب هنا من قبيل الاستصحاب المختلف في حجيته ، لان مرجع هذا الاستصحاب الى عموم الدليل حتى يقوم وجود الرافع كما في البيع ونحوه ، ثم انه ان كان الميت العامل قام مقامه ورثته ، في العمل ، والا رفع الأمر إلى الحاكم فيستأجر الحاكم من يقوم بالعمل من مال الميت أو من حصته من الغلة ، وان كان الميت المالك بقي العامل على عمله ، وعليه القيام بتمام العمل ، وربما استثنى من الأول ما لو شرط عليه المالك العمل بنفسه ، فإنها تبطل بموته ، كما قيل مثله في الإجارة ، وهو متجه لو كان الموت قبل ظهور الحاصل ، أما بعد ظهوره فيشكل ذلك ، فإنه قد ملك الحصة ، وان وجب عليه بقية العمل ، والحكم بخروجها عن ملكه بالموت ـ بعد دخولها كما عرفت ـ الظاهر بعده.

الخامسة ـ قال الشيخ في النهاية : لا بأس بالمزارعة بالثلث والربع أو أقل أو أكثر ، ويكره أن يزارع بالحنطة والشعير والتمر والزبيب ، وليس ذلك بمحظور ، فان زارع بشي‌ء من ذلك فليجعله من غير ما يخرج من تلك الأرض مما يزرعه في المستقبل ، بل يجعل ذلك في ذمة الزارع.

قال في المختلف بعد نقل ذلك عنه : قوله ويكره أن يزارع بالحنطة والشعير : ان قصد بذلك المزارعة فهو ممنوع وان قصد الإجارة فهو حق ، ثم نقل عن الشيخ المفيد أنه قال : المزارعة بالربع والثلث والنصف جائزة ، كما يجوز بالذهب والفضة ، ثم اعترضه فقال : وهذه العبارة أشكل من الأولى ، لأنه ان قصد بالمزارعة الإجارة لم تصح بالحصة ، وان قصد المزارعة لم تصح بالذهب والفضة ، والظاهر أن قصده بالأول المزارعة ، وبالثاني الإجارة انتهى.

أقول : والوجه في ذلك ظاهر مما تقدم في تعريف المزارعة من أنها بحصة من الحاصل من ثلث أو نصف أو نحوهما ، فلا يجوز بالدراهم والدنانير ، ولا غيرهما من العروض الخارجة عن الحاصل ، والإجارة انما تكون بالدراهم والدنانير


والعروض المعينة ، لا بالحصة من الحاصل من ربع أو ثلث أو نحو ذلك ، وهاتان العبارتان مضطربتان في ذلك كما عرفت ، الا أنه قد وقع مثل ذلك في بعض الاخبار أيضا كما في رواية أبي بصير (1) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «لا تستأجر الأرض بالتمر ولا بالحنطة ولا بالشعير ولا بالأربعاء ولا بالنطاف ، قلت : وما الأربعاء قال الشرب والنطاف فضل الماء ، ولكن تقبلها بالذهب والفضة ، والنصف والثلث والربع».

فان هذه القبالة ان حملت على المزارعة لم تجز بالذهب ولا بالفضة ، وان حملت على الإجارة لم تجز بالنصف والثلث والربع ، واحتمال ما ذكره العلامة (رحمه‌الله عليه) في عبارة الشيخ المفيد بعيد في العبارة المذكورة ، وفي الخبر المذكورة ، ولا يحضرني الان وجه في المخرج عن ذلك ، الا أنه يمكن أن يقال : ان القبالة أعم من المزارعة والإجارة ، فيطلق على كل منهما ، وحينئذ فيكون المعنى في الخبر ولكن تقبلها بالذهب والفضة يعنى استأجرها ، وبالنصف والثلث والربع يعنى زارع عليها ، هذا أقصى ما يمكن أن يقال والله العالم.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن البحث في هذا المطلب يقع في مقامين : أحدهما في الشروط وهي ثلاثة :

الأول ـ أن يكون النماء مشاعا بينهما تساويا فيه أو تفاضلا ، والظاهر أن دليله الإجماع ، وهو ظاهر الاخبار أيضا مثل قوله (عليه‌السلام) في حسنة الحلبي (2) «لا تقبل الأرض بحنطة مسماة ، ولكن بالنصف والثلث والربع والخمس لا بأس به». وقال : لا بأس بالمزارعة بالثلث والربع والخمس ، وقوله (عليه‌السلام) في صحيحة الحلبي (3) أيضا أو حسنة «لا بأس بالمزارعة بالثلث والربع والخمس» ،.

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 195 ح 8 ، الكافي ج 5 ص 265 ح 2 ، الوسائل ج 13 ص 210 ح 6.

(2) التهذيب ج 7 ص 197 ح 17 ، الوسائل ج 13 ص 199 ح 3.

(3) التهذيب ج 7 ص 194 ح 6 ، الوسائل ج 13 ص 200 ح 7.


وقوله (عليه‌السلام) في صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة ، ولكن تقول ازرع فيها كذا وكذا ان شئت نصفا وان شئت ثلثا». ونحوها رواية أبي الربيع المتقدمة أيضا إلى غير ذلك من الاخبار.

وبالجملة فالذي دلت عليه الاخبار في المقام هو الإشاعة في الحصة فتقف الصحة في ما عداه على الدليل ، وليس فليس وعلى هذا فلو شرطه أحدهما لم يصح ، وكذا لو اختص أحدهما بنوع من الزرع دون صاحبه ، كما لو شرط أحد هما ما حصل أولا فهو له ، ويسمى ذلك الهرف ، والأخر ما يحصل أخيرا ويسمى الأفل.

قال في المسالك (الهرف) : ساكن الوسط ، المتقدم من الزرع والثمر يقال : أهرفت النخلة : أى عجلت إتاءها قاله الجوهري (1) : والأفل بالتسكين أيضا خلاف الهرف ، وهو المتأخر عنه انتهى.

أقول : قد تتبعت ما حضرني من كتب اللغة كالقاموس والمصباح المنير فلم أظفر في شي‌ء منهما بهذا المعنى لهذين اللفظين ، واحتمل التحريف في اللفظين المذكورين بأن يكونا على غير ما كتبناه ممكن ، إلا أنا تتبعنا أيضا جملة من الألفاظ التي ربما وقع التحريف عنها فلم أظفر بذلك.

وكيف كان فالنقل المذكور لا شك فيه ، وانما الشك في تعيين المادة في كل من اللفظين وضبطها ، فليراجع ذلك ، ووجه البطلان في الاشتراط المذكور في الصورتين المذكورتين هو ما عرفت من خروج ذلك عن وضع المزارعة الذي دلت عليه الاخبار ، ومثلها أيضا ما لو شرط أحدهما ما يزرع على الجداول ، والأخر ما زرع على غيرها ، لمنافات جميع ذلك الإشاعة التي دلت عليه الاخبار وقام عليها الإجماع.

__________________

(1) الصحاح ج 4 ص 1442 وفي أقرب الموارد هرفت النخلة : تهريفا عجلت اتاءها أى : ثمرتها وأهرفت النخلة : عجلت اتاءها مثل هرفت.


نعم وقع الخلاف هنا في موضعين ، أحدهما لو شرط أحدهما قدرا من الحاصل والزائد عليه يكون مشتركا بينهما ، فالظاهر ـ وبه صرح جملة من الأصحاب أيضا ـ أنه لا يصح ، لجواز أن لا يزيد شي‌ء ، ولان ظاهر الاخبار المتقدمة هو الاشتراك في جميع ما يحصل من النماء الا ما خرج بالشرط ، ولا فرق بين ذلك من كون القدر المشروط هو البذر وغيره ، ولا بين كون الغالب على تلك الأرض أن يخرج منها ما يزيد على الشروط عادة أم لا ، لاشتراك الجميع في الخروج عن قاعدة المزارعة ، مضافا الى حصول الجهل في العوض الموجب لكون العقد على خلاف الأصل فيبطل حينئذ ، ونقل عن الشيخ في النهاية وجماعة جواز استثناء البذر من جملة الحاصل ، وفي المختلف جواز استثناء شي‌ء من الحاصل مطلقا ، والأشهر الأظهر الأول.

وثانيهما ـ لو شرط أحدهما شيئا يضمنه كعمل يعمله مضافا إلى الحصة ، فقيل : أيضا بالصحة ، وهو المشهور لعموم ما دل على وجوب الوفاء بالشروط ، مع عدم منافاته لمقتضى العقد ، لخروجه عن النماء الذي اقتضى العقد ، إشاعته كما عرفت ، وقيل : بالبطلان وهذا القول نقله المحقق في الشرائع ، إلا أنه في المسالك قال : لا نعلم القائل به ، واستدل في الكفاية للقول المشهور زيادة على ما ذكر من العمومات برواية محمد بن سهل عن أبيه عن أبى الحسن موسى (عليه‌السلام).

والظاهر أنه أراد بها ما رواه المشايخ الثلاثة عن الراوي (1) المذكور قال : «سألت أبا الحسن موسى (عليه‌السلام) عن رجل يزرع له الحراث الزعفران ، ويضمن له أن يعطيه في كل جريب أرض يمسح عليه وزن كذا وكذا درهما ، فربما نقص وغرم ، وربما زاد واستفضل قال : لا بأس به إذا تراضيا». أقول :

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 266 ح 9 ، التهذيب ج 7 ص 196 ح 15 ، الوسائل ج 13 ص 206 ح 1.


وما ذكره وان احتمل باعتبار أحد الاحتمالين في الرواية الا انه غير متعين.

وتوضيح ذلك أن قوله (عليه‌السلام) «وزن كذا» الظاهر أنه مفعول «يعطيه» ويكون المعنى أنه يعطيه من الزعفران وزن كذا وكذا درهما ، ويحتمل أن يكون «وكذا» الثانية معطوفا على الوزن ، لا على كذا ، ويكون المعنى ويعطيه وزن كذا من الزعفران ، ويعطيه كذا درهما ، فيكون الدراهم ضميمة إلى الزعفران ، وعلى هذا المعنى الثاني مبنى الاستدلال بالخبر المذكور.

وأنت خبير بأن الظاهر انما هو المعنى الأول فإنه هو المتبادر من هذه العبارة حيثما تذكر.

قال في المسالك : وعلى القول بالجواز يكون قراره مشروطا بالسلامة كاستثناء أرطال معلومة من الثمرة في البيع ، ولو تلف البعض سقط منه بحسابه لانه كالشريك ، وان كانت حصته معينة ، مع احتمال أن لا يسقط منه شي‌ء بتلف البعض متى بقي قدر نصيبه ، عملا بإطلاق الشرط ، انتهى.

إلحاق :

قد اختلف الأصحاب في إجارة الأرض للزراعة بالحنطة والشعير ، إذا كان الزرع حنطة أو شعيرا ، وأن يؤاجرها بأكثر مما استأجرها ، وحق هذه المسئلة انما هو كتاب الإجارة ، الا أن الأصحاب حيث ذكروها في هذا المقام جرينا على حذوهم.

وكيف كان فمحل الخلاف والبحث هنا في مواضع ثلاثة :

الأول ـ هل يجوز أن يستأجر الأرض بالحنطة ، ويزرعها حنطة أم لا؟ المشهور الأول على كراهة ، وقال ابن البراج : لا يجوز على كيل معين من جنس ما زرع الأرض ، مثل أن يستأجر بحنطة ويزرع فيها حنطة ، احتج الأصحاب بالأصل ، وعموم الأدلة الواردة في الإجارة بنقد كان أو عرض وافق ما زرع فيها أم لم يوافق.


احتج ابن البراج بصحيحة الحلبي (1) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «لا تستأجر الأرض بالحنطة ، ثم تزرعها حنطة.

أجاب الأصحاب عنها بالحمل على ما إذا اشترط ذلك من حاصل تلك الأرض أما لو أطلق أو اشترط من غيره فلا بأس ، واستندوا في ذلك الى رواية الفضيل بن يسار (2) «قال سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن إجارة الأرض بالطعام قال : ان كان من طعامها فلا خير فيه». وفي رواية أبي بردة (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن إجارة الأرض المحدودة بالدراهم المعلومة؟ قال : لا بأس ، قال : وسألته عن إجارتها بالطعام؟ فقال : ان كان من طعامها ، فلا خير فيه». وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك المناقشة في ذلك ، والميل الى ما ذكره ابن البراج هنا ، قال بعد إيراد صحيحة الحلبي حجة لابن البراج ، والنهى حقيقة في التحريم ، وأجيب بحمله على اشتراطه مما يخرج منها ، لدلالة رواية الفضيل عليه ، وبحمل النهى على الكراهة ، وفيه نظر لأن النهي مطلق ، ولا منافاة بينه وبين تحريم شرطه من طعامها ، حتى يجمع بينهما بحمله عليه ، والتحقيق أن المطلق والمقيد متى كانا منفيين لا يلزم الجمع بينهما ، بل يحمل المطلق في إطلاقه ، بخلاف المثبتين ، وبملاحظته يتخرج فساد كثير مما قرروه في هذا الباب ، وقد مضى مثله في النهي عن بيع الطعام قبل قبضه ، مع ورود نص آخر بتحريم بيع المكيل والموزون كذلك ، حيث جمع الأكثر بينهما بحمل المطلق على المقيد ، وليس بشي‌ء الى أن قال : وقول ابن البراج بالمنع لا يخلو من قوة ، نظرا إلى الرواية الصحيحة ، الا أن المشهور خلاف قوله ، انتهى.

أقول : لا ريب أن مفهوم روايتي الفضيل وأبى بردة أنه إذا كان إجارة الأرض

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 265 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 195 ح 9 ، الوسائل ج 13 ص 209 ح 3.

(2) التهذيب ج 7 ص 195 ح 10 ، الكافي ج 5 ص 265 ح 6.

(3) التهذيب ج 7 ص 209 ح 63 وهما في الوسائل ج 13 ص 210 ح 5 و 9.


بغير طعامها ، ففيه خير ، يعنى جائز وصحيح ، وهو ظاهر في جواز إجارة الأرض بالحنطة ، وان زرعت حنطة إذا لم يشترطه منها ، وهذا المفهوم مفهوم شرط ، وهو حجة عند المحققين ، وعليه دلت الاخبار أيضا كما حققناه في مقدمات الكتاب من مجلد كتاب الطهارة (1) ومخالفته لظاهر ما دلت عليه صحيحة الحلبي واضحة ، وحينئذ فلا بد من الجمع ، وليس الا ما ذكره الأصحاب أولا أو حمل النهى على الكراهة ، والثاني منهما قد عرفت ما فيه في غير موضع مما تقدم ، فلم يبق إلا الأول.

ويعضد الروايتين المذكورتين حسنة الوشاء (2) قال : «سألت الرضا (عليه‌السلام) عن الرجل اشترى من رجل أرضا جربانا معلومة بمأة كر على أن يعطيه من الأرض ، قال : حرام ، فقلت له : فما تقول جعلني الله فداك أن اشترى منه الأرض بكيل معلوم وحنطة من غيرها؟ قال : لا بأس» ، على أنه يمكن حمل حسنة الحلبي التي استند إليها ابن البراج على المزارعة ، حسب ما دلت حسنة المتقدمة في صدر الكلام في الشرط المتقدم ، ويكون حاصل المعنى فيهما معا واحد ، وهو أنه لا يزارع بالحنطة المسماة بينهما ، وانما يزارع بالحصة الشائعة من النصف أو الثلث أو نحوهما ، وان عبر في هذه بلفظ الإجارة كما عبر في الأولى بلفظ القبالة وباب التجوز أوسع من ذلك.

ومما يعضد ما ذكرناه من حمل الإجارة على المزارعة وأن المراد بها ذلك تجوزا ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبى المغراء (3) قال : «سأل يعقوب الأحمر أبا عبد الله (عليه‌السلام) وأنا حاضر فقال : أصلحك الله انه كان لي أخ فهلك فترك في حجري يتيما ولى أخ يلي ضيعة لنا وهو يبيع العصير ممن يصنعه خمرا ، ويؤاجر الأرض بالطعام : وأما ما يصيبني فقد تنزهت ، فكيف أصنع

__________________

(1) ج 1 ص 55.

(2) التهذيب ج 7 ص 195 ح 11 ، الكافي ج 5 ص 265 ح 8.

(3) التهذيب ج 7 ص 196 ح 12 ، الوسائل ج 13 ص 210 ح 7 ، ص 23 ح 2.


بنصيب اليتيم فقال : أما إجارة الأرض بالطعام فلا تأخذ نصيب اليتيم منه الا أن يؤاجرها بالربع والثلث والنصف ، وأما بيع العصير مما يجعله خمرا فليس به بأس خذ نصيب اليتيم منه».

فإن الإجارة في الخبر لا يصح حملها على المعنى المعهود من هذا اللفظ فإنها لا تصح بالحصة من الحاصل ، وانما تصح بأجرة معلومة ، وبهذا عرفوا المزارعة كما تقدم بأنها معاملة على الأرض بحصة من الحاصل ، قالوا : والمعاملة تشمل الإجارة والمساقات ولكن خرجت الإجارة بقيد الحصة من الحاصل ، لأنها انما تصح بأجرة معلومة ، وخرجت المساقات بالأرض ، فإنها معاملة على الأصول بحصة من حاصلها ، وحينئذ فلا إشكال في حمل حسنة الحلبي على المزارعة ، كما ذكرنا بقرينة الروايتين المذكورتين كما عرفت.

بقي في المقام ما رواه لصدوق (رحمة الله عليه) في العلل عن إسماعيل بن مرار (1) «عن أبى جعفر وأبى عبد الله (عليهما‌السلام) أنهما سئلا ما العلة التي من أجلها لا يجوز أن تؤاجر الأرض بالطعام ، وتؤاجرها بالذهب والفضة؟ قال : العلة في ذلك ان الذي يخرج منها حنطة وشعير ، ولا يجوز إجارة حنطة بحنطة ، ولا شعير بشعير».

وهذا الخبر وان كان ظاهره مما يؤيد ما ذكره ابن البراج لإطلاقه الا أنه يجب تقييده بما عرفت من خبري الفضيل وأبى بردة ، لدلالتهما كما تقدم على الجواز ، بما إذا لم يكن من الأرض.

ويؤيد ذلك ما رواه في الكافي والتهذيب عن أبى بصير (2) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «لا تؤاجر الأرض بالحنطة ولا بالشعير ولا بالتمر ولا بالأربعاء

__________________

(1) العلل ص 518 باب 291 ، الوسائل ج 13 ص 211 ح 11.

(2) الكافي ج 5 ص 264 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 195 ح 7 ، الوسائل ج 13 ص 210 ح 6.


ولا بالنطاف ولكن بالذهب والفضة ، لأن الذهب والفضة مضمون ، وهذا ليس بمضمون».

والتقريب فيهما أن عدم المضمونية في الحنطة والشعير هنا انما يتجه فيما إذا كان مال الإجارة من حاصل تلك الأرض ، فإنه يجوز أن لا يخرج منها شي‌ء ، بخلاف الذهب والفضة الثابتين في الذمة بمجرد العقد ، والحنطة والشعير الخارجان عن الحاصل في حكم الذهب والفضة في صحة المضمونية أيضا ، فلا وجه لإدخالهما فيما لا يكون مضمونا والله العالم ، وبالجملة فالأقرب هو القول المشهور ، لما عرفت والله العالم.

الثاني ـ هل يجوز أن يستأجر الأرض بحنطة منها أم لا؟ ظاهر المشهور التحريم ، استنادا إلى روايتي الفضيل وأبى بردة المتقدمتين ، بل لا أعلم قائلا بخلافه صريحا.

وقال في الشرائع : ويكره إجارة أرض للزراعة بالحنطة والشعير مما يخرج منها والمنع أشبه ، ووجه القول بالجواز وان كان على كراهة عدم صراحة الروايتين في التحريم ، لأن غاية ما يدلان عليه ، انه لا خير فيه ، وهو انما يشعر بالكراهة ، وعلل القول بالمنع أيضا بأن خروج ذلك القدر منها غير معلوم ، فربما لا يخرج منها شي‌ء أو يخرج بغير ذلك الوصف ، ومن ثم لم يجز السلم في حنطة من قراح معين لذلك. وأجيب بأنه على إطلاقه ممنوع ، إذ ربما كانت الأرض واسعة لا تحبس بذلك القدر عادة فلا يتم إطلاق المنع.

أقول : الظاهر هو القول المشهور ، أما على القول بالتحريم في المسئلة المتقدمة كما نقل عن ابن البراج فظاهر ، وأما على القول بالجواز ثمة فلظاهر الخبرين المذكورين المؤيد بحسنة الوشاء المتقدمة الصريحة في التحريم إذا كان من حاصلها وموردها ، وان كان البيع وما نحن فيه انما هو الإجارة ، الا أن الظاهر أن الوجه الجامع الذي أوجب البطلان في الكل من حيث عدم صحة المعاوضة بما كان من الحاصل في بيع كان أو


إجارة لخروج ذلك عن الشروط المعتبرة في ثمن المبيع ومال الإجارة من معلومية حصوله وكميته عددا أو كيلا أو وزنا وقد عرفت ان ما كان من الأرض غير مضمون ، ولا ثابت في الذمة ولا هو معلوم الحصول كما عرفت وحينئذ فلا يجوز الإجارة به ولا البيع.

الثالث : لا خلاف بين الأصحاب في جواز إجارة الأرض وغيرها من الأعيان المستأجرة بأقل مما استأجرها به وبالمساوي وان لم يحدث فيها شيئا ، وكذا بأكثر مما استأجرها به إذا كان قد أحدث فيها عملا.

وانما الخلاف فيما لو استأجرها بالأكثر ولم يحدث فيها شيئا ، فقيل : بالتحريم ، وقيل : بالجواز على كراهة ، وبالأول قال الشيخان ، وهو ظاهر المرتضى واختيار سلار وابن الجنيد ، وبه قال الصدوق في المقنع وأبو الصلاح وابن البراج في المهذب ، وهو ظاهر العلامة في الإرشاد ، والظاهر أنه المشهور بين المتقدمين ، وبالثاني قال : ابن إدريس والعلامة في المختلف والمحقق ، ونقله العلامة في المختلف عن والده واليه ذهب سلار في موضع آخر وابن البراج في الكامل ، والظاهر أنه المشهور بين المتأخرين ومنشأ الخلاف اختلاف الاخبار في المسئلة المذكورة ، ولا بأس بنقلها أولا ثم الكلام فيها بما وفق الله عزوجل لفهمه منها.

فمنها ما رواه المشايخ الثلاثة (رحمهم‌الله) عن أبى الربيع الشامي (1) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته عن الرجل يتقبل الأرض من الدهاقين فيؤاجرها بأكثر مما يتقبلها ، ويقوم فيها بحظ السلطان؟ قال : لا بأس به ، أن الأرض ليست مثل الأجير ، ولا مثل البيت ان فضل الأجير والبيت حرام».

ومنها ما رواه في التهذيب والكافي في الصحيح أو الحسن عن أبى المغراء (2) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) «في الرجل يستأجر الأرض ثم يؤاجرها بأكثر

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 271 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 203 ح 40 ، الفقيه ج 3 ص 157 ح 11 ، الوسائل ج 13 ص 259 ح 2 و 3.

(2) التهذيب ج 7 ص 203 ح 41 وص 202 ح 39 ، الكافي ج 5 ص 272 ح 3 و 5 ، الوسائل ج 13 ص 260 ح 4 و 5.


مما استأجرها ، قال : لا بأس ان هذا ليس كالحانوت ، ولا كالأجير ، فإن فضل الحانوت والأجير حرام».

وما رواه في الكافي والتهذيب عن إبراهيم بن ميمون (1) «ان إبراهيم بن المثنى سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) وهو يسمع عن الأرض يستأجرها الرجل ثم يؤاجرها بأكثر من ذلك ، قال : ليس به بأس ان الأرض ليست بمنزلة البيت والأجير ، ان فضل البيت حرام وان فضل الأجير حرام».

وهذه الروايات الثلاثة هي حجة المتأخرين على القول بالجواز ، الا أن ذلك انما هو في الأرض خاصة ، لأنها صريحة في التحريم بالنسبة إلى الأجير ، والبيت ، والحانوت ، والمدعى أعم من ذلك كما عرفت في فرض المسئلة ، فلا تكون وافية بتمام المطلوب.

وينبغي أن يعلم أن تحريم الفضل بالنسبة الى هذه الثلاثة ليس على الإطلاق بل مخصوص بما إذا لم يعمل في ذلك عملا قبل أن يؤجره ، لما رواه في الكافي والتهذيب عن الحلبي (2) في الصحيح أو الحسن «عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : لو أن رجلا استأجر دارا بعشرة دراهم ، فسكن «ثلثيها» وآجر ثلثها بعشرة لم تكن به بأس ، ولا يؤاجرها بأكثر مما استأجرها به الا أن يحدث فيها شيئا».

ورواه في الفقيه عن ابى الربيع (3) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) لو أن رجلا» الحديث.

وعن الحلبي (4) أيضا في الصحيح أو الحسن «عن أبى عبد الله (عليه‌السلام)

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 203 ح 41 وص 202 ح 39 ، الكافي ج 5 ص 272 ح 3 و 5 ، الوسائل ج 13 ص 260 ح 4 و 5.

(2) الكافي ج 5 ص 272 ح 4 ، التهذيب ج 7 ص 209 ح 1 ولكن بدل «ثلثيها وثلثها» «بيتا منها» ، الوسائل ج 13 ص 263 ح 3.

(3) الفقيه ج 3 ص 157 ذيل حديث 11 ، الوسائل ج 13 ص 259 ح 2.

(4) الكافي ج 5 ص 273 ح 8 ، الوسائل ج 13 ص 263 ح 4.


في الرجل يستأجر الدار ثم يؤاجرها بأكثر مما استأجرها قال : لا يصلح ذلك الا أن يحدث فيها شيئا».

أقول : وعلى هذا فيكون الفرق في الروايات الثلاثة المتقدمة بين الأرض والثلاثة المعدودة فيها هو أنه يجوز إجارة الأرض بالأكثر ، أحدث فيها شيئا أم لم يحدث ، وفي الثلاثة المذكورة لا تجوز الا مع إحداث شي‌ء فيها.

وبه يظهر ما في الجمع بين هذه الاخبار وبين ما سيأتي مما يدل على التحريم مع إحداث شي‌ء فيها ، بتقييد إطلاق هذه الاخبار بتلك من الاشكال ومنها ما رواه في الكافي والتهذيب عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي (1) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : سألته عن رجل استأجر من السلطان من أرض الخراج بدراهم مسماة أو بطعام مسمى ، ثم آجرها وشرط لمن يزرعها أن يقاسمه النصف أو أقل من ذلك أو أكثر وله في الأرض بعد ذلك فضل ، أيصلح له ذلك؟ قال : نعم إذا حفر لهم نهرا أو عمل لهم شيئا يعينهم بذلك ، فله ذلك قال : وسألته عن رجل استأجر أرضا من أرض الخراج بدراهم مسماة أو بطعام معلوم ، فيؤاجرها قطعة قطعة أو جريبا جريبا بشي‌ء معلوم ، فيكون له فضل فيما استأجره من السلطان ، ولا ينفق شيئا أو يؤاجر تلك الأرض قطعا قطعا على أن يعطيهم البذر والنفقة ، فيكون له في ذلك فضل على إجارته ، وله تربة الأرض أو ليست له؟ فقال : إذا استأجرت أرضا فأنفقت فيها شيئا أو رممت فيها فلا بأس بما ذكرت».

ورواه في الفقيه مرسلا (2) «قال سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل استأجر أرضا من أرض الخراج الحديث.

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 272 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 203 ح 42 ، الوسائل ج 13 ص 263 ح 3 و 4.

(2) الفقيه ج 3 ص 157 ح 12 ، الوسائل ج 13 ص 261 ح 3 و 4.


وما رواه في الكافي والتهذيب عن الحلبي (1) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : أتقبل الأرض بالثلث أو الربع فأقبلها بالنصف؟ قال : لا بأس ، قلت : فأتقبلها بألف درهم فأقبلها بألفين؟ قال : لا يجوز ، قلت : كيف جاز الأول ولم يجز الثاني ، قال : لان هذا مضمون وذاك غير مضمون».

قال الفاضل المحدث الأمين الأسترآبادي قوله «لان هذا مضمون» الى آخره أقول : يعنى في الصورة الأولى لم يضمن شيئا ، بل قال : ان حصل شي‌ء يكون ثلثه أو نصفه لك ، وفي الثانية ضمن شيئا معينا ، فعليه أن يعطيه ولو لم يحصل شي‌ء ، انتهى.

وهو جيد فان الغرض بيان علة الفرق واقعا وان لم يعلم سبب عليتها ، ولا يخفى على هذا أن ذكر الدراهم انما خرج مخرج التمثيل ، ويكون الغرض الفرق بين المزارعة والإجارة فإن المزارعة لا تصح إلا بالحصة الشائعة من نصف أو ثلث أو نحوهما ، بخلاف الإجارة ، فإنها لا تصح كذلك ، بل لا بد من كون مال الإجارة دنانير أو دراهم ، أو عروضا مضمونة أو منقودة.

وقال الفاضل المشهور بخليفة سلطان في حواشيه على الفقيه : المراد أن ما أحدث شيئا زائدا مما دفعت من الذهب والفضة فهو مضمون وأنت ضامن له يجب دفعه الى صاحبه ، فهو نقل للحكم ، لا بيان للحكمة ، ولا يخفى بعده ، وهذه الاخبار ونحوها ـ مما سيأتي ان شاء الله تعالى ـ ظاهرة في عدم الجواز مطلقا الا مع القيود المذكورة فيها.

ولهذا ان الشيخ في الاستبصار بعد أن نقل الأخبار الثلاثة الأول قال : قال محمد بن الحسن : هذه الاخبار مطلق في جواز إجارة الأرض بأكثر مما استأجرها ، وينبغي أن يقيدها بأحد أشياء ، اما أن نقول يجوز له إجارتها إذا كان

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 272 ح 6 ، التهذيب ج 7 ص 204 ح 43 ، الوسائل ج 13 ص 260 ح 1.


استأجرها بدراهم ودنانير معلومة أن يواجرها بالنصف أو الثلث أو الربع ، وان علم بأن ذلك أكثر يدل على ذلك ما رواه محمد بن يحيى ، ثم ساق رواية الهاشمي المتقدمة إلى آخر السؤال الأول خاصة ، وهو قوله فله ذلك ، ثم قال : والثاني أنه يجوز مثلا إذا استأجرها بالثلث والربع أن يوجرها بالنصف ، لان الفضل انما يحرم إذا كان استأجرها بدراهم ، وآجرها بأكثر منها ، وأما على هذا الوجه فلا بأس ، يدل على ذلك ما رواه أحمد بن محمد ، ثم ساق رواية الحلبي المتقدمة التي بعد رواية الهاشمي ، ثم أردفها بما رواه عن إسحاق بن عمار (1) في الموثق عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «إذا تقبلت أرضا بذهب أو فضة فلا تقبلها بأكثر مما تقبلتها به ، وان تقبلتها بالنصف أو الثلث فلك أن تقبلها بأكثر مما تقبلتها به ، لان الذهب والفضة مضمونان». ومنها أنه انما جاز ذلك إذا أحدث فيها حدثا ، وأما قبل ذلك فلا ينبغي ذلك وهو الأحوط ، يدل على ذلك ما رواه محمد بن يحيى ، ثم ساق تتمة رواية الهاشمي من قوله : «وسألته عن رجل استأجر أرضا من أرض الخراج بدراهم مسماة». الى آخرها ثم قال : ومنها أنه يجوز له أن يؤاجرها بعضا منها بأكثر من مال إجارة الأرض ويتصرف هو في الباقي من ذلك بجزء من ذلك وان قل.

يدل على ذلك ما رواه في الصحيح عن محمد بن مسلم (2) عن أحدهما (عليهما‌السلام) قال : سألته عن الرجل يستكري الأرض بمائة دينار فيكري نصفها بخمسة وتسعين دينارا ويعمر هو بقيتها قال : لا بأس». انتهى.

ونقل في التذكرة عن الشيخ أنه قال : لا يجوز أن يؤجر المسكن ولا الخان ولا الجير بأكثر مما استأجره ، الا أن يؤجره بغير جنس الأجرة ، أو يحدث ما يقابل التفاوت ، وكذا لو سكن بعض الملك لم يجز أن يؤجر الباقي بزيادة عن

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 273 ح 7 ، الوسائل ج 13 ص 262 ح 6.

(2) التهذيب ج 7 ص 205 ح 48 ، الوسائل ج 13 ص 262 ح 1.


الأجرة والجنس واحد ، ويجوز بأكثرها لرواية الحلبي (1) عن الصادق (عليه‌السلام) «استأجر دارا بعشرة دراهم» الحديث كما قدمناه ، والظاهر أنه من أجل هذا النقل خص بعض مشايخنا المتأخرين خلاف الشيخ بهذه الثلاثة ، والذي يظهر من العلامة في المختلف أنه أعم ، حيث قال : قال الشيخان : إذا استأجر شيئا لم يجز أن يؤجره بأكثر مما استأجره به الا أن يحدث فيه حدثا من مصلحة ونفع إذا اتفق الجنس الى آخره.

وكيف كان فالذي يظهر من تتبع الاخبار هو العموم ، وانما الإشكال في كون ذلك على جهة التحريم أو الكراهة ، أما العموم فقد عرفت من الروايات الثلاث المتقدمة أولا الدلالة على البيت والأجير والحانوت ، ومنها الدار كما تقدم في صحيحة الحلبي أو حسنته ، ومنها الأرض كما تقدم في رواية الهاشمي ورواية الحلبي التي بعدها وموثقة إسحاق بن عمار المذكورة في كلام الشيخ.

ومنها الرحا لما رواه المشايخ الثلاثة عن أبى بصير (2) قال : «قال : أبو عبد الله (عليه‌السلام) : انى لأكره أن استأجر رحا وحدها ثم أؤاجرها بأكثر مما استأجرتها به ، الا أن يحدث فيها حدثا أو يغرم فيها غرامة».

ومنها السفينة مع بعض ما تقدم لما رواه الشيخ في التهذيب عن إسحاق بن عمار (3) عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) ان أباه كان يقول : لا بأس بأن يستأجر الرجل الدار أو الأرض أو السفينة ثم يؤاجرها بأكثر مما استأجرها به إذا أصلح فيها شيئا».

ومنها العمل لما رواه في الكافي عن محمد بن مسلم (4) في الصحيح عن

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 272 ح 4 ، الوسائل ج 13 ص 263 ح 3.

(2) التهذيب ج 7 ص 204 ح 46 ، الفقيه ج 3 ص 149 ح 4 وفيه عن سليمان بن خالد ، الكافي ج 5 ص 273 ح 9 ، الوسائل ج 13 ص 263 ح 5.

(3) التهذيب ج 7 ص 223 ح 61 ، الوسائل ج 13 ص 263 ح 2.

(4) الكافي ج 5 ص 273 ح 1 ، الوسائل ج 13 ص 165 ح 1.


أحدهما (عليهما‌السلام) أنه سئل عن الرجل يتقبل بالعمل فلا يعمل فيه ويدفعه الى آخر فيربح فيه ، قال : لا ، الا أن يكون قد عمل فيه شيئا».

وما رواه في التهذيب (1) عن أبي حمزة في الصحيح عن أبى جعفر (عليه‌السلام) الحديث المتقدم الى قوله «لا» ، ولم يذكر الاستثناء.

وما رواه المشايخ الثلاثة عن حكم الخياط (2) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : انى أتقبل الثوب بدرهم وأسلمه «بأقل» من ذلك لا أزيد على أن أشقه قال : لا بأس بذلك ، ثم قال : لا بأس فيما تقبلته من عمل استفضلت فيه».

وما رواه في الفقيه والتهذيب عن مجمع (3) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : أتقبل الثياب أخيطها ثم أعطيها الغلمان بالثلثين فقال : أليس تعمل فيها؟ قلت : أقطعها وأشترى لها الخيوط قال : لا بأس».

وما رواه في الكتابين المذكورين عن على الصائغ (4) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : أتقبل العمل ثم أقبله من الغلمان يعملون معى بالثلثين؟ فقال لا يصلح ذلك الا أن تعالج معهم فيه ، قلت : فإني أذيبه لهم» «قال : فقال : ذلك عمل فلا بأس».

وما رواه في التهذيب عن محمد بن مسلم (5) عن أحدهما (عليهما‌السلام) قال : «سألته عن الرجل الخياط يتقبل العمل فيقطعه ويعطيه من يخيطه ويستفضل؟ قال : لا بأس قد عمل فيه».

هذه جملة ما وقفت عليه من أخبار المسئلة ، وهذه الاخبار كلها متفقة

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 210 ح 5 ، الوسائل ج 13 ص 165 ح 4.

(2) الكافي ج 5 ص 274 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 210 ح 7 ، الوسائل ج 13 ص 265 ح 2.

(3 و 4) التهذيب ج 7 ص 211 ح 8 ، الفقيه ج 3 ص 159 ح 10 ، الوسائل ج 13 ص 266 ح 7.

(5) التهذيب ج 7 ص 210 ح 6 ، 8 الوسائل ج 13 ص 266 ح 5.


الدلالة واضحة المقالة على النهى عن الإجارة بأكثر مما يستأجره في كل شي‌ء الا أن يعمل فيه شيئا ، وإذا ضممت بعضها الى بعض ظهر لك العموم في الحكم فان ذكر هذه الأشياء المخصوصة في الاخبار انما هو من قبيل التمثيل. بمعنى أن كل فرد فرد من هذه الأفراد المذكورة ، سئل عن حكمه في الإجارة بأكثر مما استوجر عليه أجيب فيه بذلك ، والعموم كما يحصل بالأداة الموضوعة له ، كذا بتتبع الافراد والجزئيات على نحو القواعد النحوية المبتنية على تتبع أقوال العرب ، وظاهرها الاكتفاء بعمل ما ، وان قل ، فلا يشترط فيه المقاومة لما يأخذه زائدا ، ونظيره ما تقدم في الضمائم.

وأما وجه الاشكال فمن حيث دلالة الأخبار الثلاثة المتقدمة في صدر البحث على الجواز في الأرض ، وما ذكره المتأخرون في الجمع بينها وبين هذه الاخبار من حمل هذه الاخبار على الكراهة ، قد عرفت ما فيه مما قدمناه في غير مقام من البحث معهم في هذه القاعدة التي بنوا عليها في جميع أبواب الفقه من الجمع بين الاخبار بحمل الأمر على الاستحباب ، والنهى على الكراهة.

على أن بعض هذه الاخبار المذكورة قد اشتمل على ما هو صريح في التحريم ، مثل قوله (عليه‌السلام) في رواية الحلبي فيمن تقبل الأرض بألف وقبلها بألفين «لا يجوز» ، وقوله (عليه‌السلام) في الروايات الثلاثة المتقدمة في صدر البحث وفيها «ان فضل الأجير والبيت والحانوت حرام» :

وبذلك يظهر ضعف ما استند اليه بعض محققي متأخري المتأخرين في تأييد الكراهة بقوله (عليه‌السلام) في رواية أبي بصير الواردة في الرحى «أنه لأكره أن استأجرها» فإن فيه ان استعمال الكراهة في الاخبار بمعنى التحريم أكثر كثير ، واستعمالها في هذا المعنى العرفي انما هو اصطلاح متأخر.

وبالجملة فإن المتأمل في ما ذكرناه سيما مع تصريح الاخبار بالتحريم لا يخفى عليه ضعف الحمل المذكور.


وأما الجمع بتقييد إطلاق الاخبار الثلاثة ـ بما دلت عليه هذه الاخبار من عمل شي‌ء قبل الإجارة كما ذهب اليه الشيخ وجمع من الأصحاب فمعنى نفى البأس عن إجارة الأرض بأكثر مما استأجرها التقييد بما إذا عمل فيها شيئا.

ففيه ما أشرنا إليه آنفا من أن التحريم في البيت والأجير والحانوت انما هو مع عدم احداث عمل ، وأما مع احداث العمل فالفضل ليس بحرام ، بل هو جائز ، واى فرق على هذا بين الأرض وهذه الثلاثة ، حتى أنه يقول : في تلك الاخبار ان الأرض ليست كالأجير والبيت ، والعجب من أصحابنا حيث لم يتنبه منهم أحد لذلك ، والإجماع قائم منهم على أنه مع احداث عمل فإنه يجوز.

وبالجملة فإنه متى قيد التحريم في الثلاثة المذكورة بعدم إحداث شي‌ء كما أوضحناه سابقا ، وقيد الجواز في الأرض بما إذا أحدث فيها شيئا كما ذكروه رجع الجميع إلى أمر واحد ، ولم يبق فرق مع أن ظاهر الاخبار المذكورة أنها ليست سواء ، وهذا انما يتجه على تقدير جواز إجارة الأرض مع الفضل وان لم يحدث فيها شيئا ، وهو بحمد الله سبحانه ظاهر لا سترة عليه ، وان لم يتنبه أحد من الأصحاب اليه.

وأما باقي محامل الشيخ التي تكلفها في كتاب الاستبصار كما قدمنا نقله عنه فإنها لا تخلو من اشكال ، وان لم أقف على من تنبه له من علمائنا الأبدال.

أما الأول وهو أن يستأجرها بدراهم ودنانير ويجوز له مؤاجرتها بالنصف والثلث والربع وان علم أن ذلك أكثر ، فهو وان دل عليه الخبر الذي ذكره الا أنه لا يخلو من الاشكال ، لدلالته على جواز الإجارة بالحصة من نصف أو ثلث ونحوهما ، وهو مما لا قائل به ، وقد تقدم في الفائدة الخامسة من الفوائد المتقدمة التنبيه على ذلك ، على أن الخبر المذكور قد دل مع ذلك على التقييد بما إذا حفر لهم نهرا أو عمل لهم شيئا يعينهم ، وبذلك ترجع الرواية إلى غيرها من الروايات الدالة على التقييد بعمل شي‌ء ، وترجع الى ما ذكرناه من التأويل المتقدم ،


وبه يظهر أن هذا الحمل ليس بشي‌ء ، لرجوعه من حيث التقييد الى الحمل الأخر.

وأما الحمل الثاني وهو أن يستأجرها بالثلث والربع ويؤجرها بالنصف ، فهو أيضا وان دل عليه الخبران المذكوران ، الا أن ما ذكرنا من الاشكال المتقدم جار فيهما ، فإن الإجارة لا تصح بالحصة كما عرفت ، وان حمل الخبران على المزارعة فإنها هي التي يصح فيها ذلك ، خرجا عن موضع البحث ، فلا يصح الاستدلال بهما كما لا يخفى.

وأما الحمل الثالث ـ فقد عرفت الكلام فيه ، وأما الحمل الرابع ففيه انه لا يظهر بهذا فرق بين الأرض وبين تلك الثلاثة المعدودة في تلك الأخبار ، فان كلا منهما متى عمل به كذلك صح ، أرضا كان أو بيتا أو غيرهما ، وأنت قد عرفت دلالة الأخبار الثلاثة على أنه ليست الأرض مثل تلك الثلاثة في حد الزائد ، وجواز المؤاجرة به ، بمعنى أنه يحل في الأرض دون تلك الثلاثة.

وما ذكره في هذا الحمل مشترك في الجميع ، فأي معنى في الجمع به بين تلك الاخبار ، وبما أوضحناه من بطلان هذه المحامل من كل من الطرفين تبقى المسئلة في قالب الإشكال ، فإن الروايات الثلاثة المتقدمة ظاهرة في جواز الزيادة في مؤاجرة الأرض وان لم يحدث شيئا ، وما عداها من الاخبار الكثيرة ظاهر في المنع ، وبعضها كما عرفت صريح في التحريم ، ولا يحضرني الان مذهب العامة في هذه المسئلة ، فلعل أخبار أحد الطرفين انما خرج مخرج التقية والله العالم.

الثاني من الشروط الثلاثة المتقدم ذكرها تعيين المدة ، وهو المشهور في كلام الأصحاب ، وفيه وجه بالعدم ، قال المحقق في الشرائع : ولو اقتصر على تعيين المزروع من غير ذكر المدة فوجهان : أحدهما يصح ، لان لكل زرع أمدا فيبني على العادة كالقراض ، والأخر يبطل كالإجارة وهو أشبه.

قال في المسالك : الأقوى اشتراط تعيين المدة على الوجه السابق ، لان مقتضى العقد اللازم ضبط أجله ، والفرق بينها وبين القراض واضح ، لانه عقد


جائز لا فائدة في ضبط أجل له لو شرط ، لجواز الرجوع قبله ، بخلاف المزارعة فكان إلحاقها بالإجارة أشبه.

أقول : لم أظفر في الاخبار بما يدل صريحا على اشتراط المدة في هذه المعاملة ، واليه يشير هنا الاستناد في الاشتراط إلى الإلحاق بالإجارة ، وفي العدم إلى الإلحاق بالقراض ، ولو كان هنا دليل من الاخبار لم يحتج إلى الإلحاق بالإجارة ، ومجرد كونه عقدا لازما كما ذكره في المسالك مع تسليمه لا يستلزم المدة ، لما علم من أن الغرض المترتب عليه حصول الحصة المشترطة ، فيناط حينئذ بالأمد المتعارف لذلك الزرع ، وحصول الحصة المشترطة ، وأى مانع من ذلك فاشتراط ما زاد على ذلك يحتاج الى دليل واضح.

وربما استدل على اعتبار الأجل فيها بما رواه في الكافي عن يعقوب بن شعيب (1) في الصحيح عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) في حديث قال : «وسألته عن الرجل يعطى الرجل الأرض فيقول : اعمرها وهي لك ثلاث سنين أو خمس سنين أو ما شاء الله؟ قال لا بأس».

ورواه الصدوق والشيخ نحوه وعن الحلبي (2) في الصحيح أو الحسن عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «لا بأس بقبالة الأرض من أهلها عشرين سنة ، وأقل من ذلك أو أكثر ، فيعمرها ويؤدى ما خرج عليها ، ولا يدخل العلوج في شي‌ء من القبالة ، فإنه لا يحل».

وبهذا الاسناد (3) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام)؟ قال : ان القبالة أن يأتي

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 268 ح 2 ، الفقيه ج 3 ص 154 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 198 ج 22 ، الوسائل ج 13 ص 203 ح 1.

(2) التهذيب ج 7 ص 199 ح 25 ، الكافي ج 5 ص 269 ح 3 ، الوسائل ج 12 ص 219 ح 3.

(3) التهذيب ج 7 ص 197 ح 20 ، الكافي ج 5 ص 268 ح 3 ، الوسائل ج 13 ص 204 ح 2.


الأرض الخربة فتقبلها من أهلها عشرين سنة أو أقل من ذلك ، أو أكثر فيعمرها ويؤدى ما خرج عليها فلا بأس به».

وما رواه الشيخ عن الحلبي (1) في الصحيح عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) «أنه قال : في القبالة أن يأتي الرجل الأرض الخربة فيتقبلها من أهلها عشرين سنة ، فان كانت عامرة فيها علوج فلا يحل له قبالتها ، الا أن يتقبل أرضها فيستأجرها من أهلها ولا يدخل العلوج في شي‌ء من القبالة فإنه لا يحل».

وعن أبى الربيع الشامي (2) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته عن أرض يريد رجل أن يتقبلها فأي وجوه القبالة أحل؟ قال : يتقبل الأرض من أربابها بشي‌ء معلوم الى سنين مسماة فيعمر ويؤدى الخراج ، قال : فان كان فيها علوج فلا يدخل العلوج في قبالة الأرض ، فإن ذلك لا يحل».

وأنت خبير بما فيه ، فان غاية ما يدل عليه ما عدا الخبر الأخير هو أن مالك الأرض يعطى أرضه شخصا آخر ليعمرها ، ويأكل حاصلها ويؤدى خراجها كما هو صريح الخبر الأول ، وان عبر عن ذلك في غيره بلفظ القبالة ، ولهذا قال المحدث الأمين الأسترآبادي في حاشية له على صحيحة الحلبي الثانية : وقوله فيها «ان القبالة أن يأتي الأرض» الى آخره كأنه إشارة إلى قبالة متعارفة في بلد الراوي أو بلده وليس المقصود حصر القبالة في ذلك انتهى.

وقال شيخنا المجلسي في حواشيه على صحيحة الحلبي الأولى : كأنه استأجره لإعمال معلومة ، من تنقية القنوات وكرى الأنهار ، والعمل في الأرض وغيرها ، وجعل وجه الإجارة منفعة الأرض أو أجرة مثلها ، ولما كان بعقد القبالة لا تضر الجهالة ، ويمكن حمله على الجعالة.

وقال والده في حاشية له على صحيحة يعقوب بن شعيب : يمكن حمله على الجعالة في العمل بحاصل الملك ، فلا تضر الجهالة أو على أن يؤجره الأرض

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 201 ح 33 ، الوسائل ج 13 ص 213 ح 2.

(2) التهذيب ج 7 ص 201 ح 34 ، الوسائل ج 13 ص 214 ح 5.


بشي‌ء ثم يستأجره للعمل بذلك الشي‌ء والأول أظهر انتهى.

وأنت خبير بأنه حيث كان ظاهر الاخبار المذكورة ما قدمناه من إعطاء الأرض تلك المدة ليعمرها ، ويأكل حاصلها وهذا بحسب ظاهره غير منطبق على شي‌ء من المعاملات الموجبة لحل أكل حاصل الأرض المذكورة ، فتارة حملوه على الجعالة من حيث عدم صحة حمله على الإجارة ، لجهالة الأجرة وعدم معلوميتها ، ومنهم من جعلها معاملة متعارفة كانت في ذلك الزمان ونحو ذلك من هذه التكلفات التي ذكروها ، وكيف كان فهي من الدلالة على ما ادعاه هذا القائل بمعزل.

وأما الأخير من الاخبار المذكورة فإنه ظاهر في الإجارة فلا اشكال فيه ، وبالجملة فإني لا أعرف لهم دليلا في هذه المسئلة على اشتراط الأجل في المزارعة ، ولا موجبا لفسادها بدونه ، الا مجرد ظاهر اتفاقهم على الحكم المذكور ، وما علل به في المسالك قد عرفت ما فيه ، على أن في دعوى كونها عقدا على الوجه الذي تقدم نقله عنه في صدر الكتاب مناقشة ظاهرة قد تقدمت الإشارة إليها.

وغاية ما يفهم من الاخبار وقوع التراضي من الطرفين على المزارعة بالنصف أو الثلث أو نحوهما على حسب ما يتفقان عليه من البذر والعوامل والخراج عليهما معا ، أو على أحدهما ، أو بالتفريق ، والأرض من أيهما كان.

فمن الاخبار في هذا المقام رواية إبراهيم الكرخي (1) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : أشارك العلج ، فيكون من عندي الأرض والبذر والبقر ، ويكون على العلج القيام والسقي والعمل في الزرع حتى يصير حنطة وشعيرا ويكون القسمة فيأخذ السلطان حقه ، ويبقى ما بقي على أن للعلج منه الثلث ، ولي الباقي ، قال : لا بأس بذلك ، قلت : فلي عليه أن يرد على مما أخرجت الأرض البذر ويقسم الباقي قال : انما شاركته على ان البذر من عندك ، وعليه السقي والقيام.

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 267 ح 1 ، الوسائل ج 13 ص 202 ح 1.


وعن يعقوب بن شعيب (1) في الصحيح عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته عن الرجل يكون له الأرض» الخبر.

وقد تقدم في الفائدة الثالثة من الفوائد المذكورة في صدر الكتاب وعن يعقوب بن شعيب (2) في خبر قال : وسألته عن المزارعة؟ قال : النفقة منك والأرض لصاحبها ، فما أخرج الله تعالى منها قسم على الشرط ، وكذلك أعطى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أهل خيبر حين أتوه ، فأعطاهم إياها على أن يعمروها ، ولهم النصف.

وعن سماعة (3) في الموثق «قال سألته عن مزارعة المسلم المشرك فيكون من عند المسلم البذر والبقر ، وتكون الأرض والماء والخراج والعمل على العلج؟ قال : لا بأس». الى غير ذلك من الاخبار التي من هذا القبيل ، وليست المزارعة فيها إلا عبارة عن تراضيهما على هذه الوجوه بأي نحو اتفق ، ولا عقد كما يدعونه ولا صيغة خاصة بالكلية ، وليس في شي‌ء منها على كثرتها إشارة إلى أجل ولا مدة ، بل المناط فيها ادراك الحاصل كما يشير اليه قوله في رواية الكرخي (4) «حتى يصير حنطة وشعيرا». بقي الكلام في أنه لو ذكرت المدة في العقد مع كونها كما عرفت لا دليل عليها ، فهل يترتب عليها أثر أم تكون لغوا من القول؟ ووجوده كعدمه ، الظاهر الثاني والله العالم.

وتمام تحقيق الكلام في المقام يتوقف على بيان أمور :

الأول ـ هل يعتبر في المدة المذكورة امتدادها إلى إدراك الزراعة علما أو ظنا غالبا ، فلو اقتصر على ما دون ذلك بطل العقد أم لا؟ ظاهر إطلاق جملة من عبارات الأصحاب الثاني ، ومنهم المحقق في الشرائع ، والعلامة في الإرشاد وصريح جملة منهم الأول ، واستشكل في القواعد.

__________________

(1 و 2 و 3) الكافي ج 5 ص 268 ح 2 الوسائل ج 13 ص 203 ح 2.

(4) التهذيب ج 7 ص 198 ح 21 ، الوسائل ج 13 ص 202 ح 1.


قال في المسالك بعد نقل عبارة المصنف المشار إليها : مقتضى إطلاق العبارة عدم الفرق مع ضبط المدة بين كونها وافية بإدراك الزرع فيها وقاصرة ومحتملة وهو أحد الوجهين في المسئلة ، والأقوى اعتبار مدة يدرك فيها الزرع علما أو ظنا غالبا ، فلو اقتصر على ما دون ذلك بطل العقد ، لان الغرض في المزارعة هو الحصة من النماء ، فإذا لم يتحقق في المدة غالبا بقي العقد بلا عوض ، وانه خلاف وضع المزارعة ، والاعتذار بإمكان التراضي بعد ذلك على بقائه لا ينفع لأن التراضي غير لازم ، فلا يعلق عليه شرط لازم ، انتهى.

أقول : وقد عرفت أنه لا دليل على اشتراط المدة في المزارعة ، وانما الظاهر من الاخبار التي قدمناها ونحوها هو اناطة ذلك بإدراك الحاصل ، بمعنى أن يتراضيا على المعاملة المذكورة بالشروط المقررة بينهما ، والعمل فيها حتى يدرك الحاصل ويقتسماه ، فان الغرض من المزارعة انما هو تحصيل الحاصل منها لكل من المالك والمزارع ، فيأخذ المزارع حصته ويأخذ المالك حصته الباقي ، وحينئذ فلو فرضنا قيام دليل على اشتراط الأجل فيها ، فإنه لا معنى لجعله أقل من وقت ادراك الحاصل ، فالقول به أو الاستشكال من أجله لا أعرف له وجها بالكلية.

الثاني ـ انهم قالوا : بناء على ما قدمنا نقله عنهم من اشتراط المدة في العقد المذكور لو مضت المدة والزرع باق بأن ذكر مدة يظن الإدراك فيها فلم يحصل ، فهل لمالك الأرض إزالته أو ليس له ذلك ، أو له الإزالة مع ضمان الأرش أقوال ثلاثة ، قالوا : وجه الأول انقضاء المدة التي يستحق عليه فيها التبقية ، والأصل تسلط المالك على ملكه كيف شاء ، ولان الزارع بعد المدة لا حق له ، فيكون إبقاءه بدون اذن المالك ظلما.

ووجه الثاني أنه قد حصل في الأرض بحق فلم يكن للمالك قلعه : ولان للزرع أمدا معينا غير دائم الثبات ، فإذا اتفق الخلل لا يسقط حق الزارع كما لو استأجر مدة للزرع فانقضت قبل إدراكه.


ووجه الثالث الجمع بين الحقين ، وأورد عليه بأنه يشكل فيما لو كان التأخير بتقصير الزارع.

وبالأول صرح المحقق في الشرائع ، واختاره في المسالك ، قال : وما اختاره المصنف أقوى ، لزوال حق الزارع بانقضاء المدة ، فلا أرش له ولا استحقاق وهو جيد لو ثبت دليل على اعتبار المدة.

ويا لله والعجب أنه إذا كان الغرض من المزارعة انما هو الحاصل من الزرع والانتفاع به ، فلو فرضنا أن مالك الأرض هو صاحب القسط الأعظم من الحاصل وصاحب الحصة انما هو العلج مثلا وانقضت المدة قبل الإدراك كما فرضوه فكيف يقدم المالك على ضرر نفسه بقلع الزرع ، ويتصور النزاع بينه وبين العلج في ذلك ، ويترتب عليه هذا الخلاف ، واين هذا من ذلك الغرض الباعث على المزارعة وخسران ما صرفوه من بذر وعوامل وعمل ونحو ذلك ، وهل يتصور في عقل عاقل القدوم على مثل ذلك والحال كما عرفت.

وكيف كان فان البناء على هذه التعليلات التي ذكروها لكل من هذه الأقوال بمحل من الاشكال ، لما عرفت في غير مقام مما تقدم ، والمسئلة غير خالية من الاشكال والالتباس ، خصوصا لما عرفت من عدم البناء فيها على أساس.

نعم لو جعل هذا الخلاف بعد إدراك الغلة لكان أقرب الى الصواب وعلى تقديره فالأظهر هو القول الأول من الأقوال المتقدمة ، قيل : وعلى تقدير القول الأول فينبغي أولا تكليف المزارع بالإزالة ، والا فرفع الأمر إلى الحاكم ثم بعد تعذره مباشرة المالك بنفسه.

واختار في القواعد أن للمالك الإزالة مع الأرش ، أو التبقية بأجرة للمالك ، وحينئذ يصير هذا قولا رابعا في المسئلة وأورد عليه بأنه يلزم منه إيجاب عوض في ذمة المزارع بدون رضاه ، وذلك غير معقول.

ثم انه على تقدير جواز القلع بأرش أولا به ، فالمقلوع مشترك بينهما بناء


على أن الزارع يملك الحصة ، وان لم ينعقد الحب ، خلافا لابن زهرة.

ثم انه على تقدير ثبوت الأرش بقلعه قال في المسالك : طريق تحصيله أن يقوم الزرع قائما بالأجرة إلى أو ان حصاده ومقلوعا ، ثم انه على تقدير القول الأول لو اتفقا معا على التبقية ، جاز بعوض كان أم لا ، الا أنه متى كان بعوض افتقر في لزومه الى تعيين مدة زائدة.

وعلى تقدير القول الثاني وهو القول بوجوب إبقائه فهل تجب الأجرة أم لا؟ قولان : أولهما للعلامة في التذكرة ، وثانيهما له أيضا في القواعد ، قالوا : وعلى تقدير اتفاقهما على البقاء بأجرة تكون إجارة الأرض حقيقة ، لانقضاء مدة المزارعة ، فلا بد من ضبط المدة كالإجارة ، فإن جاز الإطلاق في المزارعة فلو لم يضبطاها أو اتفقا على الإبقاء بالأجرة ، وأطلقا وجب أجرة المثل.

الثالث ـ قالوا : إذا عقد المزارعة إلى مدة معينة فشرط في متن العقد تأخير الزرع الى أن يدرك أو الى مدة أخرى أن بقي الزرع بعد المدة المشترطة غير مدرك بطل العقد ، لانه يعود إلى الجهالة في المدة ، لأن المدة في الحقيقة تصير هي المجموع مما وقع عليه الشرط ، ومما عين أولا في متن العقد ، والذي عين في متن العقد ، وان كان مدة مضبوطة الا أن المذكورة في الشرط مجهولة وشرطها في متن العقد من جملة العوض ، فإذا تضمن جهالة بطل العقد ، كما لو كان جميع المدة مجهولا.

ويحتمل على هذا القول صحة الشرط المذكورة ، وان تضمن الجهالة ، لأن المدة المذكورة في العقد مضبوطة ، وما تضمنه الشرط انما هو من قبيل التابع ، ذكر احتياطا ، لاحتمال الحاجة ، وجهالة التابع غير مضر ، كما تقدم نظيره في الضمائم الا أن المشهور بينهم هناك هو البطلان متى كان المقصود بالبيع الجميع ، وانما يصح عندهم فيما إذا كان المقصود المعلوم ، وجعل المجهول تابعا وقد بينا ضعفه ثمة ومن هنا رجح في المسالك القول الأول بناء على ما اختاره هناك من القول المشهور.


الرابع ـ من فروع اعتبار المدة في هذا العقد ما لو ترك العامل المزارعة حتى انقضت المدة ، فإنه تلزمه أجرة المثل ، كما لو استأجرها مدة معلومة ، فإنه تلزمه الأجرة ، لأن منفعتها قد صارت مستحقة له ، حيث لا يتمكن المالك من استيفاءها ، وقد فوتها عليه فتلزمه الأجرة لذلك.

والأكثر على أنه لا فرق في لزوم أجرة المثل للمزارع بين تركه العمل والانتفاع بالأرض اختيارا أو غيره ، وقيل : بالفرق بين الأمرين ، لعدم التقصير على تقدير الثاني ، ومقتضى العقد لزوم الحصة خاصة ، ولم يحصل منه تقصير في عدم حصولها يوجب الانتقال الى ما لا يقتضيه العقد ، وهو أجرة المثل الذي ذكروه.

أقول : ويأتي على ما ذكرناه : من عدم دليل على اعتبار التأجيل في هذه المعاملة وعدم اعتبار المدة فيها وان ذكرها في حكم العدم هو عدم لزوم شي‌ء للعامل ، لأصالة براءة الذمة ، والفرق بينهما وبين الإجارة ظاهر ، لأنه بالإجارة ينتقل المنفعة إلى المستأجر ، وترتفع يد المالك عن الأرض بالكلية تلك المدة ، فتلزمه الأجرة بلا اشكال بالتقريب المتقدم.

وعلى ذلك دلت جملة من الاخبار الاتية ـ إنشاء الله تعالى ـ في كتاب الإجارة بخلاف ما نحن فيه ، فان للمالك متى لم يزرع فيها العامل فسخ العقد ودفعها الى غيره ، ومنفعة الأرض لم تنتقل له بالعقد ، وانما هي مشتركة مع العمل فيها ، وللعامل الحصة المقررة ، فإذا أخل بالعمل فيها كما لو شرط عليه فللمالك فسخه ، بل الظاهر انفساخ العقد بنفسه والله العالم.

الثالث ـ من الشروط الثلاثة المشار إليها آنفا أن يكون الأرض مما يمكن الانتفاع بها في الزرع ، بأن تكون من أرض الزراعة ، وأن يكون لها ماء معتاد تسقى به من نهر أو بئر أو عين أو نحوها ، ومن ذلك الأرض في بلد تسقيها الغيوث والأمطار عادة ، وكثير منهم حصر والماء في الافراد السابقة. وذكروا الغيوث في مسئلة على حدة ، والحق أن الجميع من باب واحد ، لان المراد أن يكون


الماء ماء يعتاد سقيها به ، أعم من أن يكون من الله تعالى أو من جهة العمال فيها ، بحفر السواقي والأنهار ، والضابط إمكان الانتفاع بها في الزراعة ، فلو لم يكن كذلك بطلت المزارعة.

والكلام هنا يقع في مواضع الأول ـ قال العلامة في القواعد بعد ذكر الشرط المذكور : ولو زارعها أو آجرها له ولا ماء لها تخير العامل مع الجهالة لا مع العلم ، لكن في الأجرة يثبت المسمى ، وهو ظاهر في صحة المزارعة مع علمه بعدم الماء ، وأما مع الجهل فيتخير بين الرضا بالعقد وفسخه ، ومرجعه الى اللزوم مع العلم وعدم اللزوم مع الجهل ، دون البطلان في شي‌ء من الموضعين ، ففي صورة العلم لا خيار له حيث أقدم على ذلك ، بخلاف صورة الجهل ، فيكون له الخيار ، ويأتي بناء على ما قدمناه من البطلان في الموضعين لفوات الشرط الذي هو إمكان الانتفاع ، وهو الأقوى بالنظر الى قواعدهم.

وربما حمل كلام العلامة هنا على أنه متى أمكن الانتفاع بتلك الأرض في غير المزارعة التي تحتاج الى الماء ، فإنه يجوز أن يزرع ما لا يحتاج الى الماء فعدم الماء لا يستلزم عدم إمكان الانتفاع ، مع القول باشتراط إمكان الانتفاع بغير الزرع إذا تعذر ، ولا يخفى تعسفه ، فان الظاهر من الاخبار وكلام الأصحاب من غير خلاف يعرف أن المزارعة المبحوث عنه في هذا المقام انما هي عبارة عن زرع ما يتوقف على الماء من حنطة وشعير وأرز ونحوها من الحبوب ، على انا لا نعرف هنا زرعا يقوم بغير الماء بالكلية.

وربما حمل كلامه أيضا على أن المراد لا ماء لها غالبا ، لا أنه لا ماء لها أصلا ويؤيده تصريحه بذلك في التذكرة حيث نقل عنه فيها التردد فيما لو كان لها ماء نادرا هل يصح المزارعة عليها أم لا ، ومنشأ التردد من عدم التمكن من إيقاع ما وقع عليه العقد بالنظر الى الغالب ، ومن إمكان الزرع ولو نادرا ، وهو وان كان أقل تعسفا من الأول ، الا أن الظاهر ضعف المبنى عليه ، وان تردد


فيه في التذكرة ، لما عرفت في غير مقام مما تقدم أن الأحكام المودعة في الاخبار انما تحمل على الافراد الشائعة الغالبة المتكثرة ، دون الشاذة النادرة.

وما ذكره العلامة في القواعد من هذا الحكم المتقدم نقله عنه قد سبقه اليه المحقق في الشرائع أيضا مع أنهما معا قد ذكرا قبل هذا الكلام الشرط المشار اليه ، وقد عرفت أن قضية الشرط المذكور بطلان المزارعة مع عدمه.

وبالجملة فإن كلامهما هنا مع ما عرفت لا يخلو من الإشكال.

الثاني ـ حيث قد عرفت أن إمكان الانتفاع شرط في صحة المزارعة ، وأنها بدونه تكون باطلة ، فلو وجد الشرط المذكور ثم تجدد انقطاع الماء فمقتضى القواعد بطلان العقد ، لفوات الشرط في المدة الباقية ، فإن الظاهر شرطيته ابتداء واستدامة ليترتب عليه الغرض المطلوب من المزارعة ، الا أن ظاهر المحقق والعلامة الصحة ، وان للزارع الخيار ، حيث أطلقا القول بعدم البطلان ، وانما حكما بتسلطه على الفسخ.

قيل : وكأنهما نظرا إلى صحة العقد ابتداء ، فتستصحب والضرر اللاحق للمزارع بانقطاع الماء ينجبر بتسلطه على الفسخ ، والظاهر ضعفه ، لعدم حجية الاستصحاب على هذا الوجه كما تقدم تحقيقه في مقدمات الكتاب في صدر جلد كتاب الطهارة (1).

الثالث ـ ينبغي أن يعلم أن ما تقدم من البحث والخلاف مخصوص بالمزارعة ، وكذا الإجارة بشرط الزراعة ، لاشتراكهما في المعنى ، أما لو استأجرها مطلقا ولم يشترط الزراعة فإنهم قد صرحوا هنا بصحة الإجارة ، لإمكان الانتفاع بها بغير الزراعة ، فليس له الفسخ حينئذ ، والظاهر أن هذا الحكم مخصوص بالجاهل بكون الأرض لا ماء لها ، والا فإنه متى علم أنه لا ماء لها ، واستأجرها مع علمه بذلك فإنه لا معنى لتخييره ، بل اما أن يكون العقد باطلا ، أو صحيحا ، والوجه حينئذ

__________________

(1) ج 1 ص 52.


في صحة الإجارة مع الجهل ، وعدم جواز الفسخ متى علم أنه استأجرها مطلقا لا بشرط الزراعة ، ووجوه الانتفاعات لا تختص بالزراعة بخصوصها ، لأنها نوع من أنواع الانتفاعات ، فإنه يمكن الانتفاع بها في وضع المتاع ، وكونها مراحا ومسرحا وغير ذلك ، كذا ذكروه.

ويشكل بأنه متى كانت الأرض إنما أعدت للزراعة ، وأن الغالب عليها انما هو الاستعمال والانتفاع بها في الزرع لا في غيره ، وقد عرفت في غير موضع مما تقدم أن الإطلاق انما ينصرف الى الافراد الغالبة المتكررة ، فالحكم بالصحة واللزوم والحال هذه مشكل ، فيحتمل تسلطه على الفسخ حملا على المعتاد والغالب.

الرابع ـ قد عرفت من مذهبي المحقق والعلامة أن للمزارع والمستأجر الفسخ في المسألتين المتقدمتين ، قالوا : فلو فسخ فعليه في المزارعة أجرة ما سلف ، وعليه المسمى في الإجارة ، والوجه فيه أن كلا من المزارع والمستأجر فسخ العقد باختياره ، فبطل العقد بفعله ، ولم تحصل الحصة المعينة في المزارعة ، والأرض لا بد لها من أجرة ، فعليه في المزارعة أجرة ما مضى من الزمان قبل الفسخ ، والمسمى بالنسبة إلى الإجارة ، ويشكل بأن الفسخ انما وقع بسبب انقطاع الماء الذي هو شرط لوجود الحصة ، وصحة الإجارة.

وبالجملة فإن إثبات ما ذكروه يحتاج الى دليل ، والا فالأصل عدمه ، هذا ان فسخ ، وان لم يفسخ فان حصل شي‌ء فهو لهما ، والا لم يكن لأحدهما على الأخر شي‌ء ، وهو ظاهر والله العالم.

المقام الثاني في الأحكام

وفيه مسائل المسألة الأولى ـ قالوا : لا يخلو الحال في المزارعة من أمرين أحدهما ـ أن يطلق المزارعة على المشهور فله أن يزرع ما شاء ، والظاهر ان


المراد بالإطلاق هنا ما قابل التعيين ، سواء كان ما يدل على العموم وضعا من الألفاظ الموضوعة له ، أو ما يدل على الفرد المنتشر وضعا ، وعلى التقديرين فإنه ظاهر في جواز أن تزرع ما شاء سواء أضر بالأرض أم لا.

أما على الأول فظاهر ، وأما على الثاني فلان تجويز فرد منتشر تجويز لكل واحد بدلا من الأخر ، ولهذا أن الأمر بالكلي أمر بواحد أى واحد كان من أفراد الماهية ، بمعنى براءة الذمة والإتيان بالمأمور به بأي فرد فعل ، والا لزم الإجمال والتكليف بالمحال.

واستشكل بعض محققي متأخري المتأخرين في صحة هذا العقد ، قال : لاشتماله على الغرر ، كما يمنع بعتك هذا بما تريد ، أو بأي شي‌ء تعطى ، ثم قال : وقد يفرق بالنص والإجماع ، وبأنه لا شك في جواز زراعة ما هو الأضر للمالك ، فله أن يعطيه غيره أن يفعل ذلك له بأجرة وغيرها انتهى.

ونقل عن العلامة في التذكرة أنه قوى وجوب التعيين لتفاوت ضرر الأرض ، باختلاف جنس المزروعات فيلزم بتركه الغرر ، وهو الذي أشار إليه المحقق المذكور في صدر كلامه.

لكنه قد أورد عليه أيضا بأنه منظور فيه بدخول المالك وقدومه على أضر الأنواع من حيث دخوله في الإطلاق المستلزم لذلك ، فلا غرر حينئذ ، وكيف كان فالأقرب القول المشهور.

ثم ان ما ذكروه من العبارة التي صدرنا بها الكلام لا يخلو من حزازة ، فإن الظاهر أن ضمير يزرع في قوله فله أن يزرع ، ما شاء راجع الى العامل الزارع وهو انما يتم لو كان البذر من عنده ، أما لو كان من عند المالك فالتخيير يرجع اليه ، لا الى الزارع.

وثانيهما أن تعين العين المراد زرعها تعينا نوعيا كالحنطة ، أو شخصيا كهذه الحنطة ، أو صنفيا كالحنطة الفلانية ، سواء كان ما عدل إليه أضر مما عين


في العقد ، أو أقل ضررا ، أو مساويا ، فإن قضية التعيين والاشتراط هو عدم جواز التعدي لما عين مطلقا ، ولو خالف فمقتضى كلام جملة منهم شيخنا الشهيد الثاني في المسالك والمحقق الأردبيلي هو أن للمالك أجرة المثل.

قال المحقق المذكور : لا شك في انه يلزمه أجرة المثل على تقدير التعدي ، وينفسخ العقد ، الا أن تكون مدة الانتفاع باقية ، لانه قد ضيع منفعة الأرض بغير اذنه ، فيلزمه عوضها ، وهو أجرة المثل كما في غيرهما انتهى.

ومقتضى كلام المحقق والعلامة التخيير بمعنى أنه يتخير مالك الأرض في فسخ العقد وأخذ أجرة المثل وعدمه ، فيأخذ المسمى والأرش أيضا ان نقصت الأرض وحصل لها ضرر بذلك.

قال العلامة في القواعد ويتعين بالتعيين ، فان زرع الأضر فللمالك الخيار بين المسمى مع الأرش ، وبين أجرة المثل ، ولو زرع الأخف تخير المالك بين الحصة مجانا ، وأجرة المثل.

وقال المحقق في الشرائع : فإن عين الزرع لم يجز التعدي ، ولو زرع الأضر والحال هذه كان لمالكها أجرة المثل ان شاء ، والنماء مع الأرش ، ولو كان أقل ضررا جاز انتهى.

وفيه نظر من وجهين الأول ان مقتضى التعيين والعمل بالشرط عدم جواز العدول عنه ، وأنه ينفسخ العقد بالتعدي كما تقدم في كلام المحقق الأردبيلي ، فكيف يتم ما ذكره في الشرائع من أنه لو كان أقل ضررا جاز ، وما ربما يقال في الجواب ـ والاعتذار عن المنافاة في كلامه ـ بأن الرضا بزرع الأضر على الأرض يقتضي الرضا بالأقل ضررا بطريق أولى ـ مردود بأن غرض المالك ربما كان الانتفاع بالزرع ، لا مصلحة الأرض ، فإنه المقصود الذاتي ، ومصلحة الأرض انما هي تابعة ولا شك أن الأغراض تختلف في أنواع المزروع ، فربما كان غرضه في الأشد ضررا من حيث يزيد نفعه ، أو الحاجة اليه ، وان تضررت الأرض به.


ثم انه على تقدير ما ذكره من الجواز يلزم من ذلك أخذ المالك الحصة من ذلك المزروع مجانا ، وهو باطل ، لانه غير داخل في العقد ، فكيف يستحق فيه المالك شيئا ، وعين البذر مال العامل وملكه ، ولا دليل على انتقال شي‌ء منه عن ملكه إلا بالمزارعة عليه ودخوله في عقد المزارعة ، والمفروض أنه ليس كذلك.

وبه يظهر أيضا ما في عبارة القواعد هنا من التخيير بين أخذ الحصة مجانا وبين أجرة المثل ، فإنه لا وجه لأخذ الحصة مجانا كما عرفت ، بل الحق انما هو أجرة المثل وانفساخ العقد.

الثاني ـ أن ما ذكراه من التخيير في صورة زرع الأضر بين المسمى مع الأرش ، وبين أجرة المثل ، منظور فيه بأن الحصة المسماة إنما وقعت في عقد المزارعة بالنسبة الى ذلك المعين في العقد ، والذي زرعه العامل لم يتناوله العقد ، ولا الاذن ، فكيف يستحق منه المالك حصته ، فإذا زارعه على حنطة بأن يكون للمالك نصف حاصلها ، وبذر العامل شعيرا فبأي وجه يستحق المالك حصته من ذلك الشعير ، وهو غير داخل في العقد ، ومقتضى ملك العامل له أن يكون نماؤه وما يخرج منه لمالكه خاصة ، وبه يظهر أن الأقوى انما هو أجرة المثل في الموضعين المذكورين ، هذا بالنسبة إلى المزارعة.

أما في الإجارة فإنه لو استأجر منه الأرض لزراعة نوع معين ، مثلا فان زرع الأضر فالكلام عندهم كما تقدم في المزارعة ، وان زرع الأخف ضررا فإنهم صرحوا هنا بالفرق بين العقدين في ذلك ، وأنه يصح في الأول ، دون الثاني.

قال في المسالك في تعليل ذلك : فان عدول المستأجر إلى زرع ما هو أخف ضررا منه متجه ، لان الغرض من الإجارة للمالك تحصيل الأجرة ، وهي حاصلة على التقديرين ، وتبقى معه زيادة تخفيف الضرر عن أرضه ، وأولى منه لو ترك


الزرع طول المدة ، فإنه لا اعتراض للمالك عليه ، حيث لا يتوجه ضرر على الأرض ، لحصول مطلوبه ، وهو الأجرة ، بخلاف المزارعة ، فإن مطلوبه الحصة من الزرع ، فلا يدل على الرضا بغيره ، ولا يتناوله بوجه ، انتهى.

وأما المساوي فاحتمالان.

الثانية : قيل : لو استأجر للزراعة أرضا لا ينكشف عنها الماء لم يجز ، لعدم الانتفاع ، ولو رضى بذلك المستأجر جاز ، ولو قيل : بالمنع لجهالة الأرض كان حسنا ، وان كان قليلا يمكن معه بعض الزرع جاز ، ولو كان الماء ينكشف عنها تدريجا لم يصح لجهالة وقت الانتفاع.

أقول : وتفصيل هذا الإجمال ـ بما يتضح به المراد من هذا المقال ـ هو أن يقال : إذا كانت الأرض مغمورة بالماء بالكلية في جميع الأوقات ، فإنه لا ريب في بطلان إجارتها ، لعدم إمكان الانتفاع بها فيما استوجرت له ، وهو ظاهر ، وأما لو كان الماء ينكشف عنها وقت الانتفاع عادة ، فإن كانت مغمورة به حال العقد ، فإنهم صرحوا بالصحة إذا كان قد رأى الأرض أولا قبل استيلاء الماء عليها ، وأن الماء المجلل لها صافيا لا يمنع من رؤيتها ، هذا إذا كان الاستيجار للزراعة.

أما لو كان الاستيجار مطلقا أو لغير الزراعة مما يمكن استيفاؤه منها ، فإن الإجارة صحيحة ، وينتفع بها فيما شاء ، ولو باصطياد السمك ان كان ، ومع تعذر الانتفاع بها بوجه من الوجوه ، فالظاهر هو البطلان ، لان شرط الصحة إمكان الانتفاع ، ولو رضى المستأجر بالإجارة مع فرض الانغمار بالماء جاز ، وهو مما لا اشكال فيه ، الا أنه لا بد من تقدم رؤية الأرض قبل الانغمار بالماء ، أو إمكان الرؤية حال وجود الماء لصفائه ، كما تقدم ذكره.

وبه يظهر أن تعليل المنع من الصحة في هذه الصورة بجهالة الأرض لا يصح على إطلاقه.


نعم لو فرض الجهل بها على كل حال اتجه المنع ، وبالجملة فإنه إذا رضي المستأجر بذلك مع العلم بالأرض بأحد الوجوه جاز ، وأما مع الجهل مطلقا وعدم العلم بوجه فلا ، ولو كان الماء قليلا يمكن معه بعض الزروع جاز ، لإمكان الانتفاع في الجملة ، سواء أمكن الزرع في جميع الأرض على النقصان ، أو أمكن في بعض دون بعض ، مع إلحاق ما لا يمكن فيه من الأرض بالجميع.

وكيف كان فلا بد من علم المستأجر بذلك والا تسلط على الفسخ للعيب ، وأما لو كان الماء ينكشف عن الأرض تدريجا فإن الإجارة لا تصح ، لجهالة وقت الانتفاع ، والظاهر أنه لا فرق في ذلك بين رضاء المستأجر بذلك وعدمه ، لان رضاه بعقد غير صحيح لا يوجب صحته ، لما عرفت من أن العقد باطل من حيث جهالة وقت الزرع.

وفي القواعد قيد المنع بعدم رضا المستأجر ، فلو رضى بذلك صح ، ورد بأن هذا انما يتم في العيب ، فإنه يتخير بالرضاء والخيار ، لا في الجهالة التي هو موجبة لبطلان العقد ، ولو قيل : ـ بإلحاق هذا الفرد بما ذكر نظرا إلى إمكان الانتفاع في الجملة ـ قلنا : لا ريب ان ما يوجبه انقطاع الماء تدريجا نقصان المنفعة ، واللازم من ذلك تخير المستأجر مع الجهل ، لا الحكم بعدم الصحة ، مع أنه قد حكم بعدم الصحة مع عدم الرضا.

وبالجملة فما نقلناه أولا أوفق بالقواعد المقررة بينهم.

قال في المسالك بعد ذكر نحو ذلك : وهذه الأحكام آتية في المزارعة على الأرض المذكورة ، فكان ذكرها في بابها أولى من استطراد الحكم الأجنبي ، أو التعميم ، وربما قيل : في هاتين المسألتين أن المنع مخصوص بالإجارة ، أما المزارعة عليها فجائزة ، والفرق ابتناء الإجارة على المعلومية ، لانضباط الأجرة ، فلا بد من انضباط المنفعة في مقابلتها ، بخلاف المزارعة ، فإن النفقة التي هي الحصة لما كانت مجهولة ، تسومح في مقابلتها من العوض بما لا يتسامح في غيرها ، ولا بأس به ، انتهى.


الثالثة ـ قالوا : إذا اشترط في استيجار الأرض الغرس فيها والزرع معا فلا بد من تعيين مقدار كل واحد منهما.

أقول : والوجه في لزوم الشرط المذكور عموم الأدلة الدالة على وجوب الوفاء به ، والوجه في وجوب التعيين في الزرع والغرس هو اشتراط العلم ، وعدم الجهل الموجب للغرر لما علم من تفاوت ضرريهما ، فان الغرس أضر على الأرض وافراد المغروسات ، وكذا افراد المزروعات متفاوتة في الضرر شدة وضعفا ، وحينئذ فلا بد من تعيين أفرادها ، وكذا لو استأجر لغرسين أو لزرعين ، فإن الحنطة أضر من الشعير ، والمغروسات تختلف باعتبار سريان العروق في الأرض ، ونحو ذلك فلا بد من التعيين لما عرفت ، قيل : واشتراطه في الإجارة ظاهر ، كما إذا آجره الأرض للزراعة والغرس.

وأما في المزارعة فبان يكون شرط في المزارعة غرس أشجار له ، كما نقل عن المحقق الثاني ، وربما قيل : بأنه كما يجب التعيين في المتفاوتين في الضرر ، يحتمل أيضا في غير المتفاوتين ، خصوصا في المزارعة لما تقدم ، من أن الغرض المطلوب منها الحصة ، ومعلوم تفاوتها بتفاوت أفراد المزروعات.

قال في المسالك : ويمكن حمل الإطلاق على جعل كل واحد منهما في نصف الأرض ، لأن المتبادر من لفظ الشريك التسوية كما في نظائره ، ولان مقتضى الإجارة لهما أن يكون المنفعة المطلوبة من كل واحد منهما نصف فضل الجميع بحسب التنصيف لئلا يلزم الترجيح من غير مرجح ، وهذا هو الأقوى وحينئذ فلا يجب التعيين ، انتهى.

وما ادعاه من أن المتبادر من لفظ الشريك التسوية ، وأن اشتهر ذلك في كلام غيره أيضا ، الا أنه قد تقدم ضعفه ، بل هو أعم مما ذكروه ، وقوله أيضا فلا يجب التعيين ، بناء على الفرض الذي ذكره محل اشكال ، مع تفاوت أفراد المغروسات والمزروعات ، فإنه مع فرض نصف تلك الأرض للغرس ، والنصف الأخر للزرع


متى كانت أفراد كل منهما متفاوتة في الضرر ، جرى في هذا النصف ما جرى في أصل الأرض المفروضة في الكلام السابق مما اقتضى وجوب التعيين ، ثم انه قال : هذا كله إذا استأجرها مطلقا ، أما لو استأجرها لينتفع بها بما شاء منها ـ صح وتخير ، لان ذلك تعميم في الافراد ، وقدوم على الرضا بالأضر ، ويبقى الكلام في تعيين النوع الواحد من الزرع والغرس وإطلاقه ما تقدم ، انتهى.

الرابعة ـ اختلف الأصحاب فيما إذا استأجر أرضا مدة معينة ليغرس فيها ما يبقى بعد المدة غالبا ، فقيل : انه يجب على المالك إبقاؤه ، يعنى بالأجرة ، أو إزالته مع الأرش.

وقيل : انه له إزالته كما لو غرس بعد المدة ، وبالأول صرح المحقق في الشرائع والعلامة في الإرشاد ، ونقل عن فخر المحققين ، وبالثاني صرح شيخنا الشهيد الثاني في المسالك.

وعلل الأول من القولين المذكورين بأن المستأجر غير معتد بالزرع ، لانه مالك المنفعة تلك المدة ، فله الزرع ، وذلك يوجب على المالك إبقاءه ، لمفهوم قوله (1) (عليه‌السلام) «ليس لعرق ظالم حق». قال فخر المحققين : أجمع الأصوليون على دلالة المفهوم من هذا الحديث ، وان اختلفوا في دلالة مفهوم الوصف في غيره ، لكن لما لم يكن له في الأرض حق بعد المدة ، لانقضاء الإجارة ، جمع بين الحقين بإبقائه ، بالأجرة أو قلعه بالأرش.

وعلل القول الثاني بأن المستأجر دخل على أن لا حق بعد المدة ، لأن منفعة المدة هي المبذولة في مقابلة العوض ، فلا يستحق بالإجارة شيئا آخر ، فللموجر قلعه مجانا كما لو غرس المستأجر بعد المدة.

قال في المسالك : هذا هو الأقوى ، ثم قال في الجواب عما تقدم : وعدم تعدى المستأجر بزعمه في المدة لا يوجب له حقا بعدها مع اسناد التقصير اليه ، والمفهوم ضعيف ، والإجماع على العمل هنا لم يثبت ، وعلى تقدير صحته نمنع

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 206 ح 55 ، الوسائل ج 17 ص 311 باب 3 ح 1.


من كونه بعد المدة غير ظالم ، لانه واضع عرقه في أرض لا حق له فيها ، وإلزام المالك بأخذ الأجرة على الإبقاء ، أو تكليفه بالأرش على خلاف الأصل ، فلا يصار اليه بمثل ذلك انتهى.

وقال المحقق الأردبيلي بعد نقل القول الأول عن المحقق ، والثاني عن الشهيد الثاني «وهو غير بعيد» يعنى القول الثاني ثم نقل كلام فخر المحققين ودعواه الإجماع على العمل بمفهوم الوصف في الخبر المذكور ما لفظه ، وكان هذا الحديث ثابت عند الكل ، وهو موجود في التهذيب بسند غير صحيح في باب المزارعة فهو دليل على الأول ، لعل منشأ اعتبار المفهوم هنا هو ما ثبت بالعقل والنقل «أن لعرق المحق وغير ظالم حق» وهو كاف ، ولا يحتاج الى هذا المفهوم ، وان ذلك ظاهر ولا شك أن العامل غير ظالم ، فلعرقه حق ، أما بأن يخلى بالأجرة أو يقلع بالأرش ، وهو جميع بين المصلحتين أيضا فإن لكل منهما دخلا في الإبقاء ، ونقضه بمنع الإجماع غير جيد ، وكذا منع كونه بحق بأنه بعد المدة ظالم ، كما فعله في شرح الشرائع ، لأنه ثبت بحق ، وان كان المنع الثاني أولا ، ووجه الثاني لا يخلو من قوة لما تقدم ، الا أن الأول أحوط وبالنصف أقرب فتأمل انتهى.

أقول : الخبر المشار إليه في كلامهم هنا هو ما رواه الشيخ في التهذيب عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي (1) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : من أخذ أرضا بغير حقها أو بنى فيها قال : يرفع بناؤه ، ويسلم التربة إلى صاحبها ليس لعرق ظالم حق ثم قال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من أخذ أرضا بغير حقها كلف أن يحمل ترابها الى المحشر.

وأنت خبير بأن مورد الخبر وسياقه من أوله الى آخره انما هو من اغتصب أرضا فتصرف فيها ببناء أو غرس مع كونها مملوكة لغيره ، فإنه لا يملكها بذلك ، بل هي ملك لمن سبق إليها أولا ، وانه يجب عليه أن يدفع بناءه ويزيل غرسه ،

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 206 ح 55 ، الوسائل ج 17 ص 311 باب 3 ح 1.


للتعليل المذكور فيهما.

ومفهوم هذا التعليل بناء على ما ذكرنا أنه لو لم يكن مملوكة ولا مستحقة لأحد قبله ، فإنه يملكها ويستحقها ، لكون عرقه عرق غير ظالم ، ومرجعه الى كون تصرفه شرعيا ، وبه يظهر الإشكال في انطباق الاستدلال بمفهوم الخبر على المدعى في هذا المقام ، لان التصرف هنا وان كان شرعيا بالنظر الى مدة الإجارة ، فيدخل تحت مفهوم الخبر الا أنه بعد انقضاء المدة وزوال الموجب لصحة التصرف ، لا يمكن دخوله تحت المفهوم المذكور ، ومحل البحث والنزاع انما هو هنا ، لا فيما تقدم من التصرف في المدة.

فقول المحقق المتقدم ذكره أنه ثبت بالعقل والنقل أن لعرق المحق وغير ظالم حق ، والعامل غير ظالم ، فلعرقه حق ، ان أراد بالنسبة إلى مدة الإجارة فمسلم ، ولكن لا يجدى نفعا وان أراد بعد انقضائها فهو عين البحث ومحل النزاع ، فلا يخرج كلامه عن المصادرة ، فان شمول المفهوم المذكور له غير متجه ، إذ لا ريب انه تصرف في مال الغير بغير اذنه ، ولهذا اضطروا الى القول بالأجرة فرارا مما ذكرناه ، فكيف يدخل تحت المفهوم المذكور ، وانه محق وغير ظالم ، فيكون لعرقه حق.

ولو قيل : ببطلان هذا العقد من أصله لم يكن بعيدا من الصواب : لعدم الدليل عليه بالخصوص ، وخروجه عن مقتضى قواعد الإجارة ، فلا يتناوله عموم أدلتها ، فإن من قواعد الإجارة قصر جواز التصرف على مدة الإجارة ، وهذا العقد على هذا الوجه المذكور خارج عن ذلك ، فلا يدخل تحت عموم أدلتها.

واللازم منه على تقدير الحكم بصحته أحد المحذورين ، اما تضرر المستأجر بقلع الغرس مجانا كما هو مقتضى القول الثاني ، أو جواز التصرف في مال الغير بغير اذنه كما هو مقتضى القول الأول وهو أشد إشكالا.

والالتجاء في المخرج عن ذلك ـ الى ما ذكروه من وجوب تبقيته بالأجرة


أو جواز قلعه بالأرش جمعا بين الحقين ـ انما يصح إذا دل دليل شرعي من كتاب أو سنة أو إجماع ، بناء على قواعدهم ، ولا شي‌ء من هذه الثلاثة في المقام ، فاللازم منه إثبات حكم بلا دليل ، وهو مما منعت منه الآيات المتكاثرة ، والروايات المتظافرة ، ولو صح الرجوع في ذلك الى العقل لأمكن ما ذكروه ، لاندفاع الضرر من الجانبين والجمع بذلك بين الحقين ، ولكن قد علم من الآيات القرآنية والسنة النبوية أنه لا يجوز بناء الأحكام الشرعية الا على ما ظهر منهما من الأدلة الواضحة الجلية ، والله العالم.

إلحاق

أقول : ما ورد في الخبر المتقدم من «أنه ليس لعرق ظالم حق» (1). قد ورد مثله من طريق العامة عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وهو محتمل لتنوين عرق ، فيكون ظالم صفة له ، واضافة عرق فيكون ظالم مضافا اليه.

قال في النهاية الأثيرية (2) وفي حديث احياء الموات «ليس لعرق ظالم حق» هو أن يجي‌ء الرجل إلى أرض قد أحياها رجل قبله ، فيغرس فيها غرسا غصبا ليستوجب به الأرض والرواية لعرق بالتنوين وهو على حذف مضاف : أي لذي عرق ظالم ، فجعل عرق نفسه ظالما والحق لصاحبه ، أو يكون الظالم من صفة صاحب العرق ، وان روى عرق ظالم بالإضافة فيكون الظالم صاحب العرق ، والحق للعرق ، وهو أحد عروق الشجرة انتهى.

الخامسة ـ قد صرحوا بأنه تصح المزارعة إذا كان من أحدهما الأرض حسب ، ومن الأخر البذر ، والعمل والعوامل ، وكذا لو كان من أحدهما الأرض والبذر ومن الأخر العمل ، أو كان من أحدهما الأرض والعمل ، ومن الأخر البذر خاصة.

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 206 ح 55 ، الوسائل ج 17 ص 311 باب 3 ح 1.

(2) النهاية ج 3 ص 219 ط القاهرة سنة 1385.


وبالجملة فإن هنا أمورا أربعة ، الأرض ، والبذر ، والعمل ، والعوامل ، والضابط أن الصور الممكنة في اشتراك هذه الأربعة بينهما كلا أو بعضا جائزة ، لإطلاق الاذن في المزارعة من غير تقييد بكون بعض ذلك بخصوصه من أحدهما.

أقول : ومن الاخبار التي تتعلق بذلك ما رواه المشايخ الثلاثة عن إبراهيم بن أبى زياد الكرخي (1) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) أشارك العلج «المشرك» فيكون من عندي الأرض والبذر والبقر ، ويكون على العلج القيام والسقي والعمل في الزرع حتى يصير حنطة وشعيرا وتكون القسمة ، فيأخذ السلطان حقه ويبقى ما بقي على أن للعلج منه الثلث ، ولي الباقي قال : لا بأس بذلك الحديث.

وما رواه في الكافي والتهذيب عن يعقوب بن شعيب (2) في الصحيح عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته عن الرجل يكون له الأرض من أرض الخراج فيدفعها الى الرجل على أن يعمرها ويصلحها ويؤدى خراجها وما كان من فضل وهو بينهما ، قال : لا بأس ـ الى أن قال ـ : وسألته عن المزارعة فقال : النفقة منك والأرض لصاحبها ، فما أخرج الله من شي‌ء قسم على الشطر ، وكذلك أعطى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) خيبر حين أتوه ، فأعطاهم إياها على أن يعمروها ولهم النصف مما أخرجت».

وما رواه في الكافي عن سماعة (3) في الموثق قال : سألته (عليه‌السلام) عن مزارعة المسلم المشرك فيكون من عند المسلم البذر والبقر ، وتكون الأرض والماء والخراج والعمل على العلج؟ قال : لا بأس». ونحوها موثقة (4) أخرى له

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 267 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 198 ح 21 ، الفقيه ج 3 ص 156 ح 9 ، لفظ المشرك ليس في الكافي والتهذيب.

(2) الكافي ج 5 ص 268 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 198 ح 22 ، الوسائل ج 13 ص 202 باب 10 ح 1 و 2.

(3) الكافي ج 5 ص 268 ح 4 ، الوسائل ج 13 ص 204 باب 12 ح 1.

(4) التهذيب ج 7 ص 194 ح 4 ، الوسائل ج 13 ص 204 باب 12 ح 2.


أيضا ، والظاهر من هذه الاخبار بعد ضم بعضها الى بعض هو ما قدمناه من الضابط المتقدم ، وهو مما لا خلاف فيه ولا اشكال ، فيما إذا كان عقد المزارعة بين اثنين خاصة فإنه لا خلاف في الصحة.

وانما الخلاف فيما إذا زاد عليهما ، قال في القواعد بعد ذكر نحو هما ذكرناه في مزارعة الاثنين : وفي صحة البذر من ثالث نظر ، وكذا إذا كان البذر من ثالث ، والعوامل من رابع.

وقال في المسالك بعد ذكر نحو ذلك أيضا : هذا إذا كانا اثنين خاصة ، فلو جعلا معهما ثالثا وشرطا عليه بعض الأربعة ، أو رابعا كذلك ففي الصحة وجهان : من عموم الأمر بالوفاء بالعقود ، والكون مع الشرط ، ومن توقف المعاملة سيما التي هي على خلاف الأصل على التوقيف من الشارع ، ولم يثبت عنه مثل ذلك ، والأصل في المزارعة قصة خيبر ، ومزارعة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) اليهود عليها على أن يزرعوها ، ولهم شطر ما يخرج منها ، وله (عليه‌السلام) شطره الأخر ، وليس فيها أن المعاملة مع أكثر من واحد ، وكذلك باقي النصوص التي وردت من طرقنا ، ولان العقد يتم باثنين موجب وهو صاحب الأرض ، وقابل ، فدخول ما زاد يخرج العقد عن وضعه ، ويحتاج إثباته إلى دليل ، والأجود عدم الصحة انتهى.

أقول : لا يخفى ما في كلامه (رحمة الله عليه) من تطرق البحث اليه ، والإيراد عليه ، أما أولا فإن ما استند اليه في منع أكثر من اثنين ـ من توقف هذه المعاملة على التوقيف من الشارع بمعنى دليل خاص ـ فهو خلاف ما يستندون إليه في أكثر الأحكام من التمسك بعموم الأدلة وإطلاقاتها ، كما لا يخفى على من له أنس بالاطلاع على أقوالهم ، وخاض في بحور استدلالهم.

وأما ثانيا فان ما ادعاه من أن معاملة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) مع أهل خيبر لا تدل على أن المعاملة مع أكثر من واحد من أعجب العجاب عند ذوي


الألباب ، لاستفاضة الأخبار بأنه بعد فتح خيبر أقر الأرض في أيدي الذين فيها وقاطعهم بالنصف يعنى جميع من كان فيها من اليهود لا شخصا بعينه منهم ، أو اثنين أو ثلاثة مثلا ، ومنها صحيحة يعقوب بن شعيب (1) المذكورة هيهنا ، وقوله فيها «أعطاهم إياها على أن يعمروها ولهم النصف مما أخرجت». وفي حديث الكناني (2) قال : سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لما فتح خيبر تركها في أيديهم على النصف ، فلما بلغت الثمرة بعث عبد الله بن رواحة إليهم ، فخرص عليهم فجاؤا إلى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقالوا : انه قد زاد علينا فأرسل الى عبد الله وقال : ما يقول هؤلاء؟ قال : قد خرصت عليهم بشي‌ء ، فإن شاؤا يأخذون بما خرصنا وان شاؤا أخذنا ، فقال رجل من اليهود : بهذا قامت السماوات والأرض».

وفي معناه غيره من الاخبار الكثيرة ، فهل ترى هنا بعد ذكرهم بطريق الجمع في هذه الموارد مجالا للحمل على واحد منهم ، بل الظاهر لكل ناظر انما هو دفع الأرض إليهم كملا بعد فتحها وأخذها عنوة ، على أن يزرعوها بالمناصفة ، وهذا هو الذي عليه العمل الان في جميع الأصقاع والبقاع وذكر الاثنين في أكثر الاخبار انما خرج مخرج التمثيل ، لا الحصر.

وأما ثالثا فان كون العقد يتم باثنين موجب وقابل لا ينافي التعدد في جانب كل منهما كما في سائر العقود من بيع وغيره ، بأن يوجب عنه وعن غيره ، ويقبل كذلك فان قيل : انه قد ثبت ذلك بدليل من خارج ـ قلنا : وهذا قد ثبت بعموم أدلة المزارعة ، ولا سيما قضية خيبر كما عرفت ، على أنك قد عرفت في كتاب البيع أن ما ذكروه من العقد المشتمل على الإيجاب والقبول بالنحو الذي تقدم ذكره عنهم لا دليل عليه ، وانما الذي دلت عليه الاخبار هو مجرد التراضي

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 268 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 193 ح 2 ، مع اختلاف يسير ، الوسائل ج 13 ص 203 ح 2.

(2) الكافي ج 5 ص 267 ح 2 ، الوسائل ج 13 ص 199 ح 1.


بالألفاظ الجارية بينهم ، وكلامه انما يتم على الأول كما هو المشهور بينهم ، مع أنك قد عرفت أنه لا دليل عليه.

قال المحقق الأردبيلي (رحمه‌الله عليه) في هذا المقام : ونعم ما قال وأيضا لا خصوصية بالاثنين فيجوز بين الثلاثة وما زاد لما تقدم ، وليست المعاملة مطلقا ، ولا هذه موقوفة على النص الخاص شرعا ، بل يكفى العموم ، ولهذا ليس في شي‌ء من المعاملات بخصوصه دليل شرعي ، كيف ولو احتاج الى ذلك لا شكل الأمر ، فإنه معلوم عدم ورود نص في كل صنف صنف من كل معاملة ، مع العلم بالمغايرة بمثل هذه ، أى كون المعاملين أكثر من الاثنين ، وهو الظاهر ولهذا يجوزون النكاح من الزوج فقط ، بأن يكون موجبا وقابلا معا مع عدم نص بخصوصه فيه مع وجوب الاحتياط في الفروج ، وكذا يجوزون في الطلاق كون المطلق زوجته بالوكالة ، مع عدم دليل بخصوصه ، ومنع البعض الوكالة في الطلاق مع الحضور ، ومنع البعض وكالة النساء خصوصا المطلقة وغيرها مع عدم نص ، بل ورد نص بعدم جواز الاتحاد في النكاح ، وليس لهم دليل الا عموم العقود وصدق النكاح مع عدم ثبوت المنع.

وبالجملة أمثاله كثيرة جدا ولا يشترطون فيه النقل بخصوصه ، وأنه لو شرط لبطل أكثر ما ذكروه ، فقول الشارح في شرح الشرائع بعدم الصحة ـ إذا زاد على الاثنين محتجا بأن القابل والموجب اثنان فيتم بهما ، ولا يتعدى الى الغير ، وأن دليل المزارعة خبر حكاية خيبر ، وليس فيه غير الاثنين ، وكذا غيره من الاخبار عندنا لما تقدم ـ غير ظاهر ، على أنه ما يظهر من حكاية خيبر وغيرها كونهما اثنين فقط ، بل هو أعم ، بل الظاهر أن أهل خيبر كانوا كثيرين ، فوقع بينه (عليه‌السلام) وبينهم.

وبالجملة ما ذكره نجده بعيدا جدا وهو أعرف انتهى.

السادسة ـ قال المحقق (رحمة الله عليه) في الشرائع ولو كان بلفظ الإجارة


لم تصح لجهالة العوض ، أما لو آجرها بمال مضمون أو معين من غيرها جاز.

أقول : ما ذكره من قوله «ولو كان بلفظ الإجارة لم تصح لجهالة العوض» محتمل لمعنيين أحدهما ـ ما ذكره في المسالك قال (قدس‌سره) : لا إشكال في عدم وقوعها بلفظ الإجارة لاختلاف أحكامهما ، فإن الإجارة يقتضي عوضا معلوما والمزارعة تكفى فيها الحصة المجهولة ، انتهى.

وحاصله أنه يقصد بالعقد المزارعة ، ولكن يأتي بلفظ الإجارة ، وثانيهما ـ أن يقصد الإجارة لا المزارعة ، لكن جعل الأجرة الحصة ، فإنه لا يصح هذه الإجارة ، لوجوب العلم بالعوض في الإجارة ، والعوض هنا انما هو الحصة ، وهي مجهولة ، والظاهر أن هذا هو الأقرب في العبارة بقرينة قوله «أما لو آجرها» الى آخره ، فإنه ظاهر في أن المقصود انما هو الإجارة في كل من الموضعين ، لكنه في الأول جعل العوض الحصة ، وهي مجهولة فتبطل الإجارة لزوال شرطها وهو معلومية العوض ، وفي الثاني تصح ، وأيضا فإنه على تقدير أن يكون العقد مقصودا به المزارعة ، لكن أتى فيه بلفظ الإجارة كما ذكره ليس فيه أزيد من ارتكاب التجوز في التعبير عن المزارعة بلفظ الإجارة ، وهو جائز مع القصد اليه والقرائن الدالة عليه ، وإطلاق لفظ الإجارة وارادة المزارعة منه في الاخبار غير عزيز ، ومنه ما في صحيحة أبي المعزا (1) المتقدمة من قوله (عليه‌السلام): «أما إجارة الأرض بالطعام». فلا تأخذ نصيب اليتيم منه ، الا أن تؤاجرها بالربع والثلث والنصف كما تقدم تحقيق ذلك في إلحاق المذكور بعد الشرط الأول من المقام الأول من هذا المطلب.

السابعة ـ في جملة من أحكام التنازع ، منها ـ أن يتنازعا في المدة لما عرفت آنفا من أن المدة من جملة شروط هذه المعاملة ، وقد عرفت ما فيه ، قالوا : فلو تنازعا فيها فالقول قول منكر الزيادة مع يمينه ، ولا ريب أن هذا مقتضى

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 196 ح 12 ، الوسائل ج 13 ص 210 ح 7.


القاعدة المتفق عليها نصا وفتوى ، لأن الأصل عدم الزيادة.

وقيده بعض محققي متأخري المتأخرين بأن لا يكذبه العرف ، ولعله أراد بأن يدعى نقصان المدة عن وقت يدرك فيها الزرع يقينا ، حيث أن المعلوم عادة وعرفا أن القصد من المزارعة وبذل المال فيها هو الحاصل فلا بد أن يكون المدة تبلغ ذلك ولو ظنا ، فإذا ادعى ما يوجب نقصانها عن ذلك يقينا فإنه يكذبه العرف ولا بأس به ، لما عرفت في غير موضع مما تقدم من بناء الإطلاق على المعروف المتكرر عادة.

ومنها ما لو اختلفا في قدر الحصة ، فإنهم صرحوا بأن القول قول صاحب البذر ، وعلل بأن الحصة نماء ملكه ، والأصل بقائه على مالكه حتى يتحقق الانتقال شرعا ، فكان الحاصل في يد صاحب البذر حيث ثبت أنه له ، والمنازع خارج يدعيه فعليه البينة ، وحينئذ فالقول قول صاحب البذر بيمينه ، حيث عدمت البينة كما في المدة ، ولو أقام كل واحد منهما بينة بنى على الخلاف في تقديم بينة الداخل أو الخارج ، والمشهور الثاني.

وعلى هذا فالقول قول مالك الأرض في تقليل المدة ، والبينة بينة العامل في دعوى الزيادة ، وكذا القول قول صاحب البذر في قدر الحصة ، والبينة بينة الأخر ، وهو من لا بذر له في ذلك.

وقيل : هنا بالقرعة ، لأنها لكل أمر مشكل ، وفيه أنه لا اشكال هنا ، فان من كان القول قوله فالبينة بينة صاحبه ، كما هو مقتضى النصوص المتفق عليها.

ومنها ما لو اختلفا فقال الزارع : انها في يدي عارية ، فأنكر المالك وادعى الحصة أو الأجرة ، ولا بينة فالمشهور أن القول قول صاحب الأرض في نفى العارية بيمينه ، لانه منكر ، فيقدم قوله في ذلك ، والقول قول الزارع بيمينه في نفى الإجارة أو المزارعة ، لأنه منكر لهما ، وحينئذ فيحلف كل واحد منهما على نفى ما يدعيه الأخر ، وحيث انتفت الدعويان والحال أن الزارع قد تصرف في أرض غيره وانتفع بها ، فاللازم له أجرة المثل لذلك الزرع الى أو ان


نزعه ، الا أنهم قيدوا أجرة المثل هنا بما إذا لم تزد على ما يدعيه المالك من الأجرة والحصة ، والا وجب له ما يدعيه خاصة ، لاعترافه بأنه لا يستحق سواه ، ومرجعه إلى أقل الأمرين من أجرة المثل والمسمى في العقد.

وقيل : هنا بالقرعة وهو مجهول القائل ، ونسبه في التذكرة الى بعض علمائنا وفي المختلف حكاه بلفظ قيل ، والشراح أبهموه.

وكيف كان فهو ضعيف كما ذكره غير واحد من أصحابنا ، لأن القرعة انما هي مع اشكال الحكم ، وأما مع بيان وجهه ومعرفة طريقه فلا اشكال ، وطريقه هو ما ذكروه مما قدمنا نقله عنهم.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن عندي في هذا المقام اشكالا من وجهين : الأول ـ ما ذكروه من وجوب أقل الأمرين من أجرة المثل وما يدعيه المالك من الحصة أو الأجرة ، لما ذكروه من التعليل ، فان فيه أولا أن أجرة المثل التي أوجبوها هنا الراجعة إلى أقل الأمرين كما عرفت انما صاروا إليها بعد الحكم ببطلان الدعويين الأوليين من كل من الطرفين بالتحالف ، وبطلان ما يترتب عليهما ، وحينئذ فالحكم بأجرة المثل هنا لا تعلق له باعتراف المالك ، لأنه لا يستحق أزيد من ذلك ، أو يستحق مثلا ، وانما فرض المسئلة ـ بعد بطلان الدعويين الأوليين ـ فرض ما لو لم يكن شي‌ء من هذين الدعويين ، وحينئذ فالواجب انما هو أجرة المثل زادت أم نقصت أم ساوت.

وثانيا ما أورده في المسالك حيث قال : واعلم أنه إذا كان الواجب للمالك بعد يمينه أقل الأمرين مما يدعيه وأجرة المثل ، وكان الأقل هو ما يدعيه ، فلا وجه ليمين الزارع ، لانه لو اعترف له بما يدعيه لم يكن له أزيد منه ، وكذا لو حلف أورد اليمين ، وما هذا شأنه لا فائدة فيه. نعم لو كان ما يدعيه أزيد من أجرة المثل اتجهت فائدة يمين الزارع ، لأنها تنفي الزائد مما يدعيه المالك عن الأجرة ، ولو ردها أو اعترف للزم الزائد انتهى.


ولا يخفى ظهور ورود ما أورده عليهم ، وأما على ما ذكرناه فلا اشكال بحمد الله المتعال.

الثاني : انهم قد صرحوا في هذا الكتاب بهذه المسئلة أعنى مسئلة اختلاف الزارع والمالك في العارية والمزارعة والإجارة ، ونقلوا فيها القولين المتقدمين ، ولم يذكروا لهما ثالثا ، وفي كتاب العارية ذكروا المسئلة وهي اختلاف المالك والمستعير بأن المالك ادعى الإجارة والمستعير العارية ، وذكروا فيها قولين : أحدهما أن القول قول المستعير بيمينه ، لان المالك يدعي الأجرة ، والأصل عدمها.

والثاني أن القول قول المالك في عدم العارية ، فإذا حلف سقط دعوى المستعير ، وثبت عليه أجرة المثل ، ولم ينقلوا القول بالقرعة هناك ، وظاهر الأكثر منهم ترجيح القول الثاني ، وظاهر العلامة في القواعد التوقف ، حيث ذكر القولين المذكورين بطريق الاحتمال في المسئلة ، ولم يرجح شيئا منهما.

وأنت خبير بأن المسئلة واحدة في الكتابين ، والقولان المذكوران في كتاب العارية يجريان فيما هو مذكور في هذا الكتاب ، واستدل للقول الأول كما ذكره جملة منهم بأنهما قد اتفقا على أن تلف المنافع وقع على ملك المستعير ، وأن تصرفه فيها كان مباحا ، وانما يختلفان في أن ذلك بأجرة أم لا والأصل عدم الأجرة ، فإذا حلف الراكب على نفى الأجرة ثبت ذلك له.

وعلل القول الثاني بأن المنافع أموال كالأعيان فهي بالأصالة لمالك العين ، وادعاء المستعير ملكيتها بغير عوض على خلاف الأصل ، وأصالة براءة الذمة انما تصح من خصوص ما ادعاه المالك ، لا من مطلق الحق ، بعد استيفاء منفعة ملك غيره وحينئذ فيحلف على نفى العارية ، ويثبت له أجرة المثل بالتقريب المتقدم ، وظاهر المحقق الأردبيلي (رحمه‌الله عليه) ، في شرح الإرشاد تقوية القول الأول من هذين القولين ، حيث قال بعد ذكر التحالف من الطرفين كما صرحوا به في المسئلة المذكورة في هذا الكتاب : على نحو ما قدمناه ، وإن للمالك بعد


ذلك أجرة المثل ، أو أقل الأمرين منها ومن المسمى : ما لفظه ، ويمكن أن يقال : لا يجوز له يعنى المالك أخذ شي‌ء ، لانه ادعى الحصة ، وقد سقطت باليمين ، فان الحق وعوضه لا يمكن الأخذ في الدنيا بعد الحلف ، كما هو المقرر عندهم ، ولانه لا يدعى عليه الا الحصة ، وقد ثبت شرعا نفيها ، ولا يدعى غيرها ، ويأخذه هو ، فكيف يكلف الشارع العامل بشي‌ء آخر ، بل قائل بعدمه ، فلا يحتاج الى التحالف ، بأن يحلف المالك بنفي العارية ، إذ ليس للعامل غرض في تلك الدعوى ، بل غرضه نفى الحصة ، وقد نفاها بيمينه.

وبالجملة لا شك أن المدعى هنا هو المالك للحصة فقط ، والعامل منكر ، وإذا حلف سقطت ، وليس للمالك دعوى أخرى ، فإن كانت مسموعة عمل بمقتضاها ، وليس للعامل غرض يتعلق بدعوى العارية ، بل غرضه نفى دعوى الحصة وقد حصل ، فلا تحالف فتأمل ، وسيجي‌ء مثله في دعوى الإجارة والعارية ، انتهى.

أقول : لقائل أن يقول : أن الغرض من دعوى العارية هو أنه لما ثبت من الشارع تحريم التصرف في مال الغير الا بوجه شرعي ، والا لكان ذلك موجبا للمؤاخذة دينار ودنيا ، أما في الدين فباستحقاق العقاب ، وأما في الدنيا فباستحقاق العوض ، احتاج العامل الى التعلق بشي‌ء يدفع عنه الأمرين ، فتعلق بدعوى العارية لذلك ، ومجرد كون دعوى العامل متضمنا لدفع الحصة وان غرضه من هذه الدعوى ذلك لا يخرجه عن كونه مدعيا يترتب عليه ما يترتب على المدعى ، حتى أنه يحصر المدعى في المالك ، وأن العامل منكر خاصة ، وحيث أن المالك ادعى الإجارة وطلب الأجرة المسماة في العقد بزعمه ، وحصل التحالف من الطرفين على نفى الدعويين بطل ما تقدم من الدعويين ، وما يترتب عليهما من الحكمين ، ورجعنا الى أن الأصل حرمة مال المسلم وعصمته عن تصرف غيره الا بوجه شرعي ، وحيث أن العامل قد تصرف بغير وجه شرعي


أوجبنا عليه أجرة المثل لذلك ، سواء زادت عما يدعيه سابقا أو نقصت كما قدمنا ذكره ، وان كان على خلاف ما صرحوا به كما عرفت.

وبالجملة فالمسئلة لخلوها عن النص الواضح محل اشكال ، وللنظر فيها مجال كما عرفت من اختلاف هذه الأقوال.

هذا كله فيما إذا وقع النزاع والاختلاف بعد تصرف العامل ، واستيفاء المنفعة كلا أو بعضا ، أما لو كان قبل ذلك فإنه متى تحالفا انتفت العارية والمزارعة والإجارة ، وحرم على العامل التصرف بلا خلاف ولا اشكال ، وحيث قد ثبت بناء على ما هو المشهور أن اللازم بعد التحالف انما هو أجرة المثل ، وحينئذ فيكون الاختيار في الزرع ببقائه الى أو ان الحصاد أو قصله قبل ذلك للزارع ، لما علم من أن أصل الزراعة وقع بوجه شرعي واذن من المالك باتفاق الخصمين ، وانما الخلاف في الأجرة وجودا وعدما ، فهو زرع بحق ، فلا يجوز للمالك قلعه بغير اذن مالكه ، مع أن إبقائه انما هو بأجرة لا مجانا ، والأجرة ثابتة من وقت الزرع الى وقت إزالته ، سواء كان وقت الحصاد أو قبله ، كذا ذكروه ، وعندي فيه إشكال ، لأنه وان كان أصل الزرع بالاذن أعم من أن يكون عارية أو إجارة مثلا ، الا أنه بعد التحالف قد بطل كل من دعوى العارية ودعوى الإجارة ، فكيف ترتب عليهما حكم جواز البقاء ، والحال أنه بعد التحالف قد زال الأمر الأول ، وهو الاذن المتفق عليه بل اللازم بمقتضى ذلك جواز قلع الزرع وإزالته ، وأجرة المثل انما هي لما مضى من المدة ، الا أن يتفقا على بقائه بأجرة وهو خارج عن محل البحث ، وحينئذ فينبغي أن يجوز للمالك إزالته ان لم يرض ببقائه بالأجرة.

وبالجملة فإن الحالين باعتبار التحالف وبطلان الدعويين قد اختلفا ، والاذن انما ثبت سابقا باعتبار عدم خلو الحال من صحة إحدى الدعويين ، ولما ثبت بالتحالف بطلانهما معا تغير الحكم والله العالم.


ومنها ما لو اختلفا فقال العامل : أنها اعارة ، وقال المالك : انها غصب ، ولم يدع عقدا محللا كما تقدم ، فالقول هنا قول المالك بيمينه ، لأصالة عدم الإعارة ، وبقاء منافع أرضه على ملكه ، وعدم خروجها عنه بعارية ولا غيرها ، ومتى حلف على نفى دعوى العارية وثبت كون وضع الزرع فيها بغير وجه شرعي تخير المالك بين قلعه وبين مطالبته بأجرة المثل ، لما مضى من المدة ، وأرش الأرض ان نقصت ، وطم الحفر ونحو ذلك مما يلزم الغاصب كما يأتي إنشاء الله تعالى ـ في كتاب الغصب ، وان اتفقا على بقائه بأجرة جاز.

ونقل في المسالك عن التذكرة أنه يحلف العامل على نفى الغصب ، ولم يذكر يمين المالك ، ورتب باقي الأحكام ، ثم قال : والحق ما ذكر هنا من أن الحالف المالك على نفى العارية لا غير ، انتهى.

الثامنة ـ قد صرح الأصحاب من غير خلاف يعرف بأنه يجوز للعامل أن يشارك غيره في العمل بالحصة المعلومة ، وأن يزارع غيره من غير توقف على اذن المالك ، إذا لم يكن شرط عليه العمل بنفسه ، لما سيأتي في الإجارة ان شاء الله.

ولكن لا يسلم الأرض الا بإذن المالك ، والا كان ضامنا ، كما يأتي في الإجارة أيضا ، والأصل في ذلك عندهم انه لما كانت المزارعة من العقود اللازمة الموجبة لنقل منفعة الأرض إلى العامل بالحصة المخصوصة ، كان للعامل نقلها الى غيره ، والمشاركة فيها لعموم «الناس مسلطون على أموالهم» (1). فلا يتوقف ذلك على اذن المالك ، إذ لا حق له في المنفعة.

نعم تسليم الأرض يتوقف على اذنه كما عرفت ، واشترط بعضهم في جواز مزارعة غيره كون البذر من العامل ، ليكون تمليك الحصة منوطا به ، وبه يفرق بينه وبين عامل المساقات ، حيث لا يصح له أن تساقى غيره كما سيأتي ان شاء الله تحقيقه في المطلب الثاني ، ولان البذر ان كان من صاحب الأرض ، فالأصل أن

__________________

(1) البحار ج 2 ص 272 ح 7.


لا يتسلط عليه الا مالكه ، أو من أذن له وهو الزارع.

قال في المسالك : وهو حسن في مزارعة غيره ، أما المشاركة فلا ، لان المراد بها أن يبيع بعض حصته في الزرع مشاعا بعوض معلوم ، وهذا لا مانع منه لملكه لها فيتسلط على بيعها كيف شاء ، بخلاف ابتداء المزارعة ، إذ لا حق له حينئذ إلا العمل ، وبه يستحق الحصة مع احتمال الجواز مطلقا ، لان لزوم عقدها اقتضى تسلطه على العمل بنفسه وغيره ، وملكه للمنفعة ، والتصرف في البذر بالزرع ، وان لم يكن بنفسه ، حيث لا يشترط عليه الاختصاص ، فيجوز نقله الى الغير ، كما يجوز الاستنابة.

ويضعف بأن البذر حينئذ ليس ملكا له ، وانما هو مأذون في التصرف فيه بالزرع ، وبه يملك الحصة.

وقد يقال : ان هذا كاف في جواز مزارعة الغير ، لأنها عبارة عن نقل حقه في ذلك اليه ، وتسليطه على العمل ، فيجوز كما يجوز له التوكيل فيه والاستنابة وغيرها من الوجوه.

هذا كله إذا لم يشترط المالك العمل عليه بنفسه ، والا لم يجز المشاركة ولا المزارعة بحيث يصير العمل أو بعضه متعلقا بغيره.

ولا يرد أن ذلك يقتضي منع المالك من التصرف في ماله ، فيكون منافيا للشرع ، «لان الناس مسلطون على أموالهم» لأن ذلك حيث لا يعارضه حق غيره ، والا لم تتم الكلية ، ضرورة تخلفه في كثير كالراهن والمفلس ، انتهى.

وظاهر المحقق الأردبيلي المناقشة هنا في موضعين : أحدهما ـ في الشرط المنقول عن بعضهم في جواز مزارعة غيره من أنه لا بد من كون البذر من العامل فلو كان من المالك لم تصح.

وثانيهما في ما ذكره في المسالك في بيان معنى المشاركة من أن المراد بها أن يبيع بعض حصته في الزرع الى آخره قال : واشترط بعض في هذا كون


البذر من العامل ، وبه يفرق بين المزارعة والمساقاة ، حيث لا تجوز المساقاة من المساقى ، وتجوز المزارعة من العامل ، وعموم الأدلة ـ «وتسلط الناس على أموالهم» ، وتملك المنفعة والحصة مع العمل ، وعدم ظهور مانع ـ يفيد الجواز ولو كان في المساقاة ما يمنع من إجماع ونحوه فهو ، والا فينبغي القول به فيها أيضا ثم انه قيل : في شرح الشرائع : المراد بالمشاركة هو بيع العامل بعض حصته المعلوم من الحصة التي له من الأرض بعوض معين ، وهو انما يكون ببلوغ الزرع أو ان البيع ، ويكون الثمن غير العمل على الظاهر ، وظاهر العبارات أعم من ذلك ، بل غير ذلك ، فانا نفهم أن المراد أن يشارك غيره بأن يعمل معه العمل المشترط بعوض وغيره ، وكون العوض جزء من حصته ، فكأنه يرجع الى المزارعة في البعض ، أو إجارة شخص لعمل بعوض ، أو استعماله بغير عوض فتأمل ، انتهى.

أقول : وهو يرجع في التحقيق الى ما ذكره أخيرا في المسالك بقوله ، وقد يقال : «ان هذا كاف» الى آخره ، ولا بأس به والذي وصل الى من الاخبار المتعلقة بهذا المقام ما رواه المشايخ الثلاثة (رحمة الله عليهم) عن سماعة (1) في الموثق قال : «سألته عن المزارعة قلت : الرجل يبذر في الأرض مائة جريب أو أقل أو أكثر طعاما أو غيره فيأتيه رجل فيقول : خذ منى نصف ثمن هذا البذر الذي زرعته في الأرض ، ونصف نفقتك على وأشركني فيه ، قال : لا بأس» وزاد في غير الفقيه «قلت : وان كان الذي يبذر فيه لم يشتره بثمن ، وانما هو شي‌ء كان عنده ، قال : فليقومه قيمة كما يباع يومئذ فليأخذ نصف الثمن ونصف النفقة ويشاركه». وما اشتملت عليه الرواية المذكورة أحد أنواع المشاركة وأفرادها ، وظاهرها أن البذر والعوامل والعمل كله من الزارع ، وأنه أعطاه نصف جميع ذلك ، فصار شريكه ، يعمل فيما بقي معه ، ويأخذ نصف ما شرط له من الحصة ، وهو ظاهر والله العالم.

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 268 ح 4 ، التهذيب ج 7 ص 198 ح 23 «وفيه من الطعام» بدل طعاما ، الفقيه ج 3 ص 149 ح 8 ، الوسائل ج 13 ص 205 ح 1.


التاسعة ـ الظاهر أنه لا خلاف بينهم في أن خراج الأرض ومؤنتها على المالك الا مع شرطها أو بعضها على المزارع ، أما الخراج فلانه موضوع على الأرض ، كالأجرة لها بل هو أجرة ، حتى أنه روى أنه لو زاد السلطان في الخراج وأخذ من الزارع فالزيادة على المالك ، يجب عليه دفعها إليهم ، لأنها انما زيدت على أرضه.

روى ذلك الشيخ في التهذيب عن سعيد الكندي (1) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : انى آجرت قوما أرضا فزاد السلطان عليهم قال : أعطهم فضل ما بينهما ، قلت : أنا لا أظلمهم ولم أزد عليهم ، قال : انهم انما زادوا على أرضك».

وأما المؤنة فذكرها المحقق والعلامة في بعض كتبه إجمالا ، ولم يتنبهوا على ما هو المراد منها ، مع أنهم أطلقوا أن العمل على الزارع أو من شرط عليه.

قال في المسالك : والظاهر أن المراد بمؤنة الأرض هنا ما يتوقف عليه الزرع ، ولا يتعلق بنفس عمله وتنميته ، كإصلاح النهر والحائط ونصب الأبواب إذا احتاج إليها ، واقامة الدولاب ، وما لا يتكرر في كل سنة كما فصلوه في المساقاة ، والمراد بالعمل الذي على الزارع ما فيه صلاح الزرع وبقاؤه مما يتكرر كل سنة ، كالحرث والسقي وآلاتهما ، وتنقية النهر من الحمأة ، وحفظ الزرع وحصاده ونحو ذلك ، انتهى.

هذا مع عدم اشتراطها على الزارع ، أما لو اشترطها المالك على الزارع كلا أو بعضا تعلقت بالزارع ، الا أن ظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك معلومية القدر المشروط وضبطه كلا أو بعضا ، حيث قال : فان شرط عليه لزم إذا كان القدر معلوما ، وكذا لو شرط بعضه معينا أو مشاعا مع ضبطه ، ولو شرط عليه الخراج فزاد السلطان فيه زيادة فهي على صاحب الأرض ، لأن الشرط لم يتناولها ، ولم يكن معلومة ، فلا يمكن اشتراطها ، انتهى.

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 208 ح 61 ، الوسائل ج 13 ص 211 ح 10.


أقول : المفهوم مما حضرني من الاخبار المتعلقة بهذه المسئلة خلاف ما ذكره (رحمه‌الله) وهو ما رواه في الكافي والتهذيب عن داود بن سرحان (1) في الصحيح «عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) في الرجل يكون له الأرض عليها خراج معلوم ، وربما زاد وربما نقص فيدفعها الى رجل أن يكفيه خراجها ويعطيه مأتي درهم في السنة ، قال : لا بأس». ورواه الصدوق في الفقيه عن يعقوب بن شعيب (2) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) مثله.

وما رواه في الكافي عن يعقوب بن شعيب (3) في الصحيح عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : سألته عن الرجل تكون له الأرض من أرض الخراج فيدفعها الى الرجل على أن يعمرها ويصلحها ، ويؤدى خراجها ، وما كان من فضل فهو بينهما ، قال : لا بأس».

وهذه الاخبار كما ترى ظاهرة في عدم ضرر جهالة الشرط المذكور هنا ، سيما الخبرين الأولين ، بل ورد ما هو أظهر اشكالا من ذلك مما يدل على جواز قبالة الأرض وإجارتها بما عليها من الخراج قل أو كثر.

كما رواه في الكافي عن إبراهيم بن ميمون (4) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن قرية لا ناس من أهل الذمة لا أدرى أصلها لهم أم لا غير أنها في أيديهم ، وعليهم خراج ، فاعتدى عليهم السلطان ، فطلبوا إلي فأعطوني أرضهم وقريتهم أن أكفيهم السلطان بما قل أو كثر ففضل لي بعد ذلك فضل ، بعد ما قبض السلطان ما قبض قال : لا بأس بذلك لك ما كان من فضل».

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 265 ح 5 ، التهذيب ج 7 ص 196 ح 14 ، الوسائل ج 13 ص 211 ح 1.

(2) الفقيه ج 3 ص 154 ح 1 ، الوسائل ج 13 ص 211 ح 1.

(3) الكافي ج 5 ص 268 ح 2 ، الوسائل ج 13 ص 203 ح 2.

(4) الكافي ج 5 ص 270 ح 5 ، الوسائل ج 13 ص 212 ح 2.


وما رواه الشيخ في الصحيح عن داود بن سرحان (1) قال : سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن القوم يدفعون أرضهم الى رجل فيقولون له كلها وأد خراجها ، قال : لا بأس به ، إذا شاءوا أن يأخذوها أخذوها».

وما رواه في الفقيه عن أبى الربيع (2) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) في رجل يأتي أهل قرية وقد اعتدى عليهم السلطان وضعفوا عن القيام بخراجها ، والقرية في أيديهم ولا يدرى هي لهم أم لغير هم فيها شي‌ء ، فيدفعونها اليه على أن يؤدى خراجها فيأخذها منهم ويؤدى خراجها ، ويفضل بعد ذلك شي‌ء كثير ، فقال : لا بأس بذلك إذا كان الشرط عليهم بذلك».

وهي ظاهرة في جهالة مال الإجارة ، إذ ليس لهذه الاخبار محمل على غير الإجارة ، وهذه الاخبار مما يؤيد القول بالاكتفاء بمعلوميتها في الجملة ، خلافا لظاهر المشهور من اشتراط معلوميتها تفصيلا بالكيل لو كانت مكيلة ، والوزن كذلك ونحو ذلك ، وسيأتي تحقيق المسئلة ـ ان شاء الله تعالى ـ في محلها والله العالم.

العاشرة ـ قد صرحوا بأنه في كل موضع يحكم فيه ببطلان المزارعة ، فإنه يجب لصاحب الأرض أجرة المثل ، وهو مبنى على ما إذا كان البذر من الزارع ، لان الحاصل حينئذ يكون له ، حيث أنه نماء بذره ، ويجب لصاحب الأرض عليه أجرة مثله ، لتصرفه فيها وأخذه منفعتها من غير أن يكون ذلك تبرعا ولا بتعيين أجرة ، فيلزم العوض وهو أجرة المثل.

وأما لو كان البذر لصاحب الأرض فإن النماء يكون له لما عرفت ، وعليه للعامل أجرة المثل بالنسبة إلى العمل ، والعوامل والآلات.

ولو كان البذر منهما معا أنصافا مثلا ، فالحاصل بينهما كذلك ، ولكل منهما

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 209 ح 64 لكن عن أبى بردة بن رجا ، الوسائل ج 13 ص 212 ح 3.

(2) الفقيه ج 3 ص 158 ح 3 ، الوسائل ج 13 ص 212 ح 4.


على الأخر أجرة ما يخصه على نسبة ما للآخر من الحصة ، فلو كان البذر بينهما أنصافا كما فرضناه رجع المالك بنصف أجرة أرضه على العامل ، ورجع العامل على المالك بنصف أجرة عمله وعوامله وآلاته.

وعلى هذا القياس لو كان البذر من ثالث بناء على جواز المزارعة مع الزيادة على اثنين ، فان الحاصل له ، وعليه أجرة المثل بالنسبة إلى الأرض لصاحبها ، وأجرة المثل لعاملها بالنسبة إلى عمله وعوامله وآلاته والله العالم.

الحادية عشر ـ قد صرحوا بأنه يجوز لصاحب الأرض أن يخرص على الزارع ، والزارع بالخيار في القبول والرد فان قبل كان استقراره مشروطا بالسلامة ، فلو تلف الزرع بآفة سماوية أو أرضيته لم يكن عليه شي‌ء.

أقول : اما جواز الخرص وتخيير الزارع بين القبول وعدمه فيدل عليه جملة من الاخبار ، مضافا الى ظاهر اتفاق الأصحاب ، ومنها أخبار خيبر ، وقد تقدم في المسئلة الخامسة خبر الكناني ، الدال على خرص عبد الله بن رواحة عليهم ، وتخييرهم.

ومثلها صحيحة يعقوب بن شعيب (1) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) وفيها فلما بلغت الثمرة أمر عبد الله فخرص عليهم النخل ، فلما فرغ منه خيرهم فقال : قد خرصنا هذا النخل بكذا صاعا فإن شئتم فخذوه وردوا علينا نصف ذلك ، وان شئتم أخذناه وأعطينا كم نصف ذلك ، فقال اليهود بهذا قامت السموات والأرض.

وأما ان ذلك يكون لازما له بعد القبول ، وبموجب ذلك يكون الزيادة له والنقص عليه فيدل عليه ما رواه في الكافي والفقيه (2) عن محمد بن عيسى عن بعض أصحابه ، قال : «قلت لأبي الحسن (عليه‌السلام) : ان لنا أكرة فنزارعهم فيجيؤن ويقولون لنا : قد حزرنا هذا الزرع بكذا وكذا فأعطوناه ، ونحن نضمن لكم أن نعطيكم حصتكم على هذا الحزر فقال : وقد بلغ؟ قلت : نعم قال :

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 193 ح 2 ، الوسائل ج 13 ص 20 ح 5.

(2) الكافي ج 5 ص 287 ح 1 ، الوسائل ج 13 ص 19 ح 4.


لا بأس بهذا ، قلت : فإنه يجي‌ء بعد ذلك فيقول لنا : ان الحرز لم يجي‌ء كما حزرت وقد نقص ، قال : فإذا زاد يرد عليكم؟ قلت : لا قال : فلكم أن تأخذوه بتمام الحرز كما أنه إذا زاد كان له كذلك إذا نقص كان عليه.

وما رواه الشيخ في الموثق عن محمد بن مسلم (1) عن أبى جعفر وأبى عبد الله (عليهما‌السلام) قال : «سألته عن الرجل يمضى ما خرص عليه في النخل؟ قال : نعم ، قلت : أرأيت ان كان أفضل مما خرص عليه الخارص أيجزيه ذلك؟ قال : نعم».

وقد صرح الأصحاب بأن محل الخرص بعد بلوغ الغلة ، وهو عبارة عن انعقاد الحب ، واليه يشير قوله في صحيحة يعقوب المذكورة «فلما بلغت الثمرة» وقوله في مرسلة محمد بن عيسى قال «وقد بلغ قلت : نعم قال : لا بأس».

وأما ان استقراره مشروط بالسلامة بمعنى أنه لو تلفت الغلة بآفة من جهة الله تعالى فلا شي‌ء عليه ، ولو تلف البعض فبالنسبة ، فالأخبار خالية منه ، مع ظهور منافاة ذلك الحكم باللزوم بعد القبول كما عرفت ، الا أن ظاهر الأصحاب عدا ابن إدريس الاتفاق على الحكمين المذكورين.

قال في المسالك ـ بعد أن ذكر أن المشهور ان لزوم العوض فيه مشروط بالسلامة ـ ما لفظه والحكم بذلك هو المشهور بين الأصحاب ، ومستنده غير واضح وحكمه لا يخلو من اشكال ان لم يكن انعقد عليه الإجماع ، وانى لهم به ، وانما هو شي‌ء ذكره الشيخ في بعض كتبه ، وتبعه عليه الباقون معترفين بعدم النص ظاهرا على هذه اللوازم ، انتهى.

وهو كما ترى ظاهر في توقفه في الحكم بذلك ، وظاهر المحقق الأردبيلي (قده) الميل الى ذلك بتكلف بالوجوه المصححة له حيث قال : ووجه توقفه على السلامة من الآفات السماوية والأرضية أنه بمنزلة معاملة مشترطة بقبض العوض ، ووصوله

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 205 ح 51. الوسائل ج 13 ص 206 ح 3.


الى يد صاحبه ، فلو لم يسلم لم يحصل ذلك كالمبيع إذا تلف قبل القبض ، الى أن قال : فالحكم غير خال من وجه مع شهرته ، بل كاد أن يكون إجماعا ، إذ المخالف غير ظاهر مع التتبع ، غير ما نقل عن ابن إدريس رحمه‌الله ، من منع هذه المعاملة.

وهو غير جيد للنصوص المتقدمة وعموم أدلة العقود والشروط نعم قد يحصل التردد في بعض اللوازم ، مثل توقفه على السلامة ، مع كونه لازما ، على ذلك غير بعيد لما قدمناه مع عدم الخلاف من القائلين به فتأمل ، انتهى.

وبالجملة فإن الحكم المذكور محل الاشكال لما عرفت من ظهور الاخبار في لزوم هذه المعاملة وصحتها ، وقضية ذلك ان ذهابه بالآفة من مال المتقبل خاصة ، مع ظهور اتفاقهم على خلافه كما عرفت.

وقال في المسالك بعد ذكر تخير الزارع في القبول وعدمه : ما لفظه وعلى تقدير قبوله يتوقف نقله اليه على عقد ـ كغيره من الأموال ـ بلفظ الصلح أو التقبيل على ما ذكره الأصحاب.

أقول : لا يخفى أن غاية ما يفهم من الاخبار المتقدمة التي هي المستند في هذه الأحكام هو حصول التراضي بينهما كيف اتفق ، كما هو القدر المحقق من الاخبار في سائر العقود التي اشترطوا فيها ما اشترطوه من القيود الكثيرة ، نعم يمكن القول بكون ذلك من قبيل الصلح ، فإنه كما تقدم تحقيقه ، لا شرط فيه زيادة على ما يدل على التراضي بينهما بالألفاظ الجارية في المحاورة في ذلك المقام.

إذا عرفت ذلك فاعلم انه قد قال الشيخ في النهاية : ومن زارع أرضا على ثلث أو ربع وبلغت الغلة جاز لصاحب الأرض أن يخرص عليه الغلة ، ثمرة كانت أو غيرها ، فإن رضي المزارع بما خرص أخذها وكان عليه حصة صاحب الأرض ، سواء نقص الخرص أو زاد ، وكان له الباقي ، فإن هلكت الغلة بعد الخرص بآفة سماوية لم يكن عليه للمزارع شي‌ء انتهى ، وعلى هذه المقالة وما تضمنته من


جميع الأحكام جرى الأصحاب ممن تأخر عنه.

وقال ابن إدريس : الذي ينبغي تحصيله انه لا يخلو أن يكون قد باعه حصته من الغلة والثمرة بمقدار ما في ذمته من الغلة والثمرة ، أو باعه الحصة بغلة من هذه الأرض ، فعلى الوجهين معا البيع باطل ، لانه داخل في المزابنة والمحاقلة ، وكلاهما باطلان وان كان ذلك صلحا لا بيعا فان ذلك بغلة وثمرة في ذمة الأكار الذي هو الزارع فإنه لازم له ، سواء هلكت الغلات بالآفة السماوية أو الأرضية ، وان كان ذلك الصلح بغلة من تلك الأرض ، فهو صلح باطل لدخوله في باب الغرر ، لانه غير مضمون فان كان ذلك فالغلة بينهما سواء ، زاد الخرص أو نقص ، تلفت منهما أو سلمت لهما ، فليلحظ ذلك ، فهو الذي يقتضيه أصول مذهبنا ، وتشهد به الأدلة فلا يرجع عنها بأخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا ، انتهى كلامه.

أقول : لا يخفى ان هذه الأصول التي يستند في غير مقام إليها والأدلة التي نبذه بالاعتماد عليها ان كانت من الاخبار المعلومة من الأئمة الأطهار (عليهم‌السلام) فهي لا تخرج عما رده هنا من هذه الاخبار ، لان الجميع مشترك في نسبته إليهم ، وثبوته عنهم (عليهم‌السلام) فان سماها أخبار آحاد ، لم ينقل عنهم في حكم من الأحكام الفقهية أخبار بطريق التواتر ، ليكون مقابلة لهذه الاخبار ، بل ليس الا هذه الاخبار المروية في الكتب الأربعة المشهورة ونحوها ، وان سماها بما ذكره ، وان كانت من القرآن فمن المعلوم بطلانه ، لان القرآن لم يتضمن أمثال هذه الجزئيات والخصوصيات ، وان كان الإجماع فهو غير حقيق بالاستماع ، ولا جدير بالاتباع ، وليس فيه الا تضييع المداد ، وتكثير السواد كما لا يخفى على أدنى ذي مسكة من العباد ، فضلا عن ذي الفهم النقاد.

ومن الاخبار الزائدة على ما قدمناه صحيحة الحلبي (1) عن أبى عبد الله

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 266 ح 1 ، التهذيب ح 7 ص 193 ح 1 ، الوسائل ج 13 ص 18 ح 2.


(عليه‌السلام) أن أباه حدثه أن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أعطى خيبر بالنصف أرضها ونخلها فلما أدركت الثمرة بعث عبد الله بن رواحة وقوم عليهم قيمة فقال لهم : اما أن تأخذونه وتعطوني نصف الثمن ، واما أن أعطيكم نصف الثمن وآخذه ، فقالوا : بهذا قامت السماوات والأرض».

على أن لقائل أن يقول أنه لا دليل على انحصار النقل في هذه العقود المشهور بينهم من البيع والصلح ونحوهما ، لوجود جملة من المواضع قد دلت الاخبار على حصول النقل فيها مع خروجها عن هذه المواضع ، كالأخبار الدالة على جواز قبالة الأرض بما عليها من الخراج ، وقد تقدمت في المسألة التاسعة والاخبار الدالة على جواز قبالة الأرض لمن يعمرها ويؤدى خراجها ويأكل حاصلها ، وقدمت في الشرط الثاني من شروط المزارعة ، فلتكن هذه الاخبار هنا من قبل ذلك ، وان أمكن إدراج الجميع في الصلح ، إذ لا دليل على تخصيصه بما اصطلحوا عليه وخصصوا به من الشروط.

وبالجملة فإنه حيث تكاثرت الأخبار بصحة هذه المعاملة واستحقاق ذلك بعد التخيير والقبول ووجوب دفع الحصة المشترطة على المتقبل ، فإنه لا يلتفت الى كلامه ، وانما يبقى الاشكال فيما ذكروه من اشتراط السلامة كما عرفت والله العالم.

الثانية عشر ـ نقل في المختلف عن ابن الجنيد أنه قال : لو استحقت الأرض كان للمالك أن يطالب الزارع بقلع الزرع ، الا أن يكون في ذلك ضرر على أهل الزكاة وغيرهم ، بتلف حقوقهم منه ، فان ضمنه رب الأرض لهم وقلع الزرع كان مخيرا بين أن يأخذ الجزء منه على تلك الحال ، وبين أن يضمن الذي غر الزارع قيمة نصف الزرع ثابتا وسلم الزرع كله اليه.

ثم اعترضه فقال : والوجه أن للمالك قلع الزرع مطلقا وان تضرر أرباب الزكاة ، ويأخذ أرباب الزكاة نصيبهم من العين ، إذا تعلقت بها الزكاة ، وله الرجوع


في الزرع بالأجرة ويرجع الزارع على الغار ، انتهى وهو جيد.

الثالثة عشر ـ روى ثقة الإسلام في الكافي والشيخ في التهذيب عن عبد الله بن سنان (1) في الصحيح ، انه قال : في الرجل يزارع فيزرع أرض غيره ، فيقول ثلث للبقر ، وثلث للأرض ، وثلث للبذر ، قال : لا يسم شيئا من الحب والبقر ، ولكن يقول : ازرع فيها كذا وكذا ان شئت نصفا وان شئت ثلثا».

وعن سليمان بن خالد (2) في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يزرع أرض آخر فيشترط للبذر ثلثا وللبقر ثلثا؟ قال : لا ينبغي أن يسمى بذرا ولا بقرا فإنما يحرم الكلام».

وروى الشيخ في التهذيب عن أبى الربيع الشامي (3) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) مثل الخبر الثاني : وزاد قبل قوله «وانما يحرم الكلام» «ولكن يقول لصاحب الأرض : ازرع في أرضك ولك منها كذا وكذا نصف أو ثلث أو ما كان من شرط ولا يسمى بذرا ولا بقرا».

وروى في الفقيه عن أبى الربيع (4) «عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) في الرجل يزرع أرض رجل على أن يشترط للبقر الثلث ، ولصاحب الأرض الثلث ، فقال : لا ينبغي أن يسمى بقرا ولا بذرا ، ولكن يقول لصاحب الأرض : ازرع في أرضك ولك كذا وكذا مما أخرج الله تعالى».

وروى في الكافي في الصحيح عن الحلبي (5) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يزرع الأرض فيشترط للبذر ثلثا وللبقر ثلثا؟ قال : لا ينبغي أن يسمى شيئا فإنما يحرم الكلام».

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 267 ح 4 ، التهذيب ج 7 ص 197 ح 18 ، الوسائل ج 13 ص 200 ح 5.

(2) الكافي ج 5 ص 267 ح 5 ، الوسائل ج 13 ص 200 ح 6.

(3) التهذيب ح 7 ص 194 ح 3 ، الوسائل ج 13 ص 201 ح 10.

(4) الفقيه ج 3 ص 158 ح 2 ، الوسائل ج 13 ص 201 ح 10.

(5) الكافي ج 5 ص 267 ح 6 ، الوسائل ج 13 ص 199 ح 4.


أقول : وهذه الاخبار قد اشتركت في الدلالة على تحريم اشتراط شي‌ء للبقر والبذر كما عرفت ، ولم أقف على قائل بذلك إلا في كلام ابن الجنيد وابن البراج.

قال ابن الجنيد : ولا بأس باشتراك العمال بأموالهم وأبدانهم في مزارعة الأرض وإجارتها ، إذا كان على كل واحد قسط من المؤنة والعمل ، وله جزء من الغلة ، ولا يقول أحدهم : ثلث للبذر ، وثلث للبقر ، وثلث للعمل ، لان صاحب البذر يرجع اليه بذره ، وثلث الغلة من الجنس ، وهذا ربا ، فان جعلت البذر دينا جاز ذلك ، وقال ابن البراج : لا يجوز أن يجعل للبذر ثلثا وللبقر ثلثا.

والعلامة في المختلف بعد أن نقل عنهما ذلك واستدل لهما برواية أبي الربيع المروية في التهذيب قال : والوجه الكراهة ، ولا ربا هنا ، إذ الربا انما يثبت في البيع خاصة.

أقول : أنت خبير بان الدليل غير منحصر في رواية أبي الربيع المذكور ، لما عرفت من الروايات الصحيحة الصريحة في التحريم غيرها ، وعدم ظهور الوجه لنا في التحريم لا يدل على نفيه فلعل هنا علة لا يدركها فهمنا ، على أن ما ذكره من اختصاص الربا بالبيع خاصة قد تقدم ما فيه ، وأنه ثابت في غيره أيضا.

قال بعض مشايخنا المحدثين من متأخري المتأخرين في حواشيه على التهذيب : وقوله للبذر ثلثا وللبقر ثلثا يحتمل وجهين ، أحدهما أن يكون اللام للتمليك ، فالنهي لكونهما غير قابلين للملك ، وثانيهما أن يكون المعنى ثلث بإزاء البذر ، وثلث بإزاء البقر ، فالنهي لشائبة الربا في البذر ، وقال العلامة في المختلف : بالكراهة ، وابن البراج وابن الجنيد ذهبا إلى الحرمة ، ولا يخلو من قوة ، انتهى.

تتميم نفعه عميم في استحباب المزارعة والغرس ، وما يقال ويفعل وقت الحرث والزرع ونحو ذلك قد استفاضت الاخبار باستحباب الزرع ، فروى


المشايخ الثلاثة عن سيابة (1) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : سأله رجل فقال له : جعلت فداك أسمع قوما يقولون : ان الزراعة مكروهة ، فقال : ازرعوا واغرسوا فلا والله ما عمل الناس عملا أحل ولا أطيب منه ، والله ليزر عن الزرع وليغرسن النخل بعد خروج الدجال».

وروى في الكافي والفقيه عن محمد بن عطية (2) قال : سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : ان الله تعالى اختار لأنبيائه الحرث والزرع كيلا يكرهوا شيئا من قطر السماء». وزاد في الفقيه (3) «وسئل عن قول الله تعالى «وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ» قال : الزارعون.

وروى في الكافي عن سهل (4) رفعه قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام): ان الله جعل أرزاق أنبيائه في الزرع والضرع لئلا يكرهوا شيئا من قطر السماء».

وعن مسمع (5) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «لما هبط آدم (عليه‌السلام) الى الأرض احتاج الى الطعام والشراب فشكى ذلك الى جبرئيل (عليه‌السلام) فقال له جبرئيل : يا آدم كن حراثا قال : فعلمني دعاء قال : قل : اللهمّ اكفني مؤنة الدنيا وكل هول دون الجنة ، وألبسني العافية حتى تهنئني المعيشة».

وروى في الكافي مرسلا (6) قال : «روى أن أبا عبد الله (عليه‌السلام) قال : الكيمياء الأكبر الزراعة».

وعن يزيد بن هارون الواسطي (7) قال : سألت جعفر بن محمد (عليهما‌السلام)

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 260 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 236 ح 53 ، الفقيه ج 3 ص 158 ح 5 ، الوسائل ج 13 ص 193 ح 1.

(2) الكافي ج 5 ص 260 ح 1 ، الوسائل ج 13 ص 193 ح 3.

(3) الفقيه ج 3 ص 160 ح 13 ، الوسائل ج 13 ص 193 ح 4.

(4) الكافي ج 5 ص 260 ح 2 ، الوسائل ج 13 ص 193 ح 2.

(5) الكافي ج 5 ص 260 ح 4 ، الوسائل ج 13 ص 194 ح 5.

(6) الكافي ج 5 ص 261 ذيل ح 6 ، الوسائل ج 13 ص 194 ح 8.

(7) التهذيب ج 6 ص 384 ح 259 ، الوسائل ج 12 ص 25 ح 3.


عن الفلاحين فقال هم الزارعون كنوز الله في أرضه ، وما في الأعمال شي‌ء أحب الى الله من الزراعة ، وما بعث الله نبيا الا زراعا إلا إدريس فإنه كان خياطا.

وعن يزيد بن هارون (1) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : الزارعون كنوز الأنام يزرعون طيبا أخرجه الله عزوجل ، وهم يوم القيامة أحسن الناس مقاما وأقربهم منزلة يدعون المباركين.

وروى في الكافي عن السكوني (2) «عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : سئل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أى المال خير؟ قال : الزرع زرعه صاحبه ، وأصلحه وأدى حقه يوم حصاده ، قال : فأي المال بعد الزرع خير؟ قال : رجل في غنم له قد تبع بها مواضع القطر يقيم الصلاة ، ويؤتى الزكاة ، قال : فأي المال بعد الغنم خير؟ قال : البقر تغدو بخير وتروح بخير ، قال : فأي المال بعد البقر خير؟ قال : الراسيات في الوحل والمطعمات في المحل. نعم الشي‌ء النخل من باعه فإنما ثمنه بمنزلة رماد على رأس شاهق اشتدت به الريح في يوم عاصف إلا أن يخلف مكانها ، قيل : يا رسول الله فأي المال بعد النخل خير؟ قال : فسكت قال : فقام اليه رجل فقال له : يا رسول الله فأين الإبل؟ قال : فيها الشقاء والجفاء والعناء وبعد الدار ، تغدو مدبرة وتروح مدبرة ، لا يأتي خيرها إلا من جانبها الأشأم ، أما أنها لا تعدم الأشقياء الفجرة».

ورواه الصدوق في الفقيه مرسلا (3) قال : سئل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الحديث ،. ثم قال : معنى قوله لا يأتي خيرها الا من جانبها الأشأم هو أنها لا تحلب ولا تركب الا من الجانب الأيسر.

وفي معاني الأخبار (4) يقال لليد الشمال : الشؤم ، منها قال الله تعالى

__________________

(1 و 2) الكافي ج 5 ص 260 ح 7 ، الوسائل ج 13 ص 194 ح 7.

(3) الفقيه ج 2 ص 190 ح 6.

(4) معاني الأخبار ص 322 ط طهران 1379.


«وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ» (1) يريد أصحاب الشمال.

وقال في الوافي : ومعنى قوله «لا تعدم الأشقياء الفجرة» أن الإبل لا تزال تجد أشقياء يتخذونها ، انتهى.

ونحوه نقل عن بعض المشايخ أيضا حيث قال : أريد أنه من جملة مفاسد الإبل أنه يكون معها غالبا الأشقياء الفجرة ، وهم الجمالون الذين هم شرار الناس ، انتهى.

أقول : قد روى الصدوق في كتابي الخصال ومعاني الاخبار (2) عن الصادق (عليه‌السلام) قال : قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله): الغنم إذا أقبلت أقبلت وإذا أدبرت أقبلت ، والبقر إذا أقبلت أقبلت ، وإذا أدبرت أدبرت ، والإبل أعنان الشياطين إذا أقبلت أدبرت وإذا أدبرت أدبرت ولا يجي‌ء خيرها الا من جانبها الأشأم ، قيل يا رسول الله : فمن يتخذوها بعد ذا قال : فأين الأشقياء الفجرة».

وحينئذ فالظاهر حمل إجمال الخبر الأول على هذا الخبر ، ويكون حاصل المعنى في الخبر الأول أن هذا الكلام منى لا يصير سببا للناس في ترك اتخاذها ، فإنه يتخذها الأشقياء الفجرة.

وروى في الكافي عن شعيب العقرقوفي (3) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «إذا بذرت فقل اللهم قد بذرنا وأنت الزارع واجعله حبا متراكما».

وعن بكير في الحسن (4) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : إذا أردت أن تزرع زرعا فخذ قبضة من البذر واستقبل القبلة ، وقل «أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ ، أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزّارِعُونَ» (5) ثلاث مرات ثم تقول بل الله الزارع ثلاث

__________________

(1) سورة الواقعة الآية 9.

(2) معاني الأخبار ص 321 ، الوسائل ج 8 ص 393 ح 4 ط طهران 1379.

(3) الكافي ج 5 ص 263 ح 2 ، الوسائل ج 13 ص 197 ح 2.

(4) الكافي ج 5 ص 262 ح 1 ، الوسائل ج 13 ص 197 ح 3.

(5) سورة الواقعة الآية 62 و 63.


مرات ثم قل : اللهم اجعله حبا مباركا وارزقنا فيه السلامة ، ثم انثر القبضة التي في يدك في القراح».

وعن على بن محمد (1) رفعه قال : «قال على (عليه‌السلام) إذا غرست غرسا أو نبتا فاقرأ على كل عود أو حبة سبحان الباعث الوارث ، فإنه لا يكاد يخطئ إنشاء الله تعالى».

وعن محمد بن يحيى رفعه (2) عن أحدهما (عليهما‌السلام) قال : «تقول إذا غرست أو زرعت ومثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين باذن ربها».

وروى الصدوق في كتاب العلل بسنده فيه عن عيسى بن جعفر العلوي (3) عن آبائه أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال : مر أخي عيسى بمدينة فإذا في ثمارها الدود. فسألوا إليه ما بهم ، فقال : دواء هذا معكم وليس تعلمون ، أنتم قوم إذا غرستم الأشجار صببتم التراب ، وليس هكذا يجب ، بل ينبغي أن تصبوا الماء في أصول الشجر ثم تصبوا التراب لكيلا يقع فيه الدود ، فاستأنفوا كما وصف فذهب عنهم ذلك».

وروى في الكافي عن ابن عرفه (4) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام): من أراد أن يلقح النخيل إذا كان لا يجود حملها ولا يتبعل النخل فليأخذ حيتانا صغارا يابسة فيدقها بين الدقتين ثم يذر في كل طلعة منها قليلا ويصر الباقي في صرة نظيفة ثم يجعله في قلب النخلة ينفع باذن الله تعالى».

وعن صالح بن عقبة (5) قال : «قال لي أبو عبد الله (عليه‌السلام) قد رأيت حائطك فغرست فيه شيئا بعد قال : قلت : قد أردت أن آخذ من حيطانك وديا قال : أفلا أخبرك بما هو خير لك منه ، وأسرع ، قلت : بلى قال : إذا أينعت البسرة وهمت أن ترطب فاغرسها ، فإنها تؤدي إليك مثل الذي غرستها سواء ففعلت ذلك فنبتت مثله سواء».

__________________

(1 و 2) الكافي ج 5 ص 263 ح 5 ، الوسائل ج 13 ص 197 ح 4 و 5.

(3) علل الشرائع ص 574 ح 1 باب 376 ، الوسائل ج 13 ص 192 ح 1.

(4 و 5) الكافي ج 5 ص 263 ح 3 ، الوسائل ج 13 ص 197 ح 1 من باب 6.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *