الحقائق ج1 - عتق الشقص والقرابة والتدبير
المقصد الرابع
في عتق الشقص
وما يترتب عليه من عتق السراية وما يشتمل على أبحاث:
الاول: (1) كما يجوز للمولى أن يعتق المملوك بكماله يجوز له أن يعتق جزء منه لقبوله للتبعيض. وهذا الحكم مجمع عليه بين علماء الاسلام، والأخبار به مستفيضة، إلا أن علماءنا قد اختلفوا في أنه لو أعتق البعض هل يسري إلى ما بقي قهرا أو لا تجب السراية وإنما يعتق عنه ذلك الجزء خاصة ؟ المشهور الأول لكنهم قالوا: من أعتق شقصا عبده سرى المعتق فيه كله إذا كان المعتق صحيحا جائز التصرف. وأما الأخبار الواردة فيه فرواية غياث بن إبراهيم (2) الموثقة عن جعفر عن أبيه عليهما السلام ” أن رجلا أعتق بعض غلامه. فقال علي عليه السلام: هو حر كله ليس لله شريك “. وخبر طلحة بن زيد (3) عن جعفر بن أبيه عليهما السلام ” أن رجلا أعتق غلامه، فقال: هو حر كله ليس لله شريك “. ومثلها مرسلة المقنع (4). وخالف السيد جمال الدين أحمد بن طاووس في كتابه ” ملاذ العلماء ” الامامية فاستوجه عدم السراية على معتق بعض مملوكه إلى الباقي، نظرا إلى ضعف تلك الأخبار وعدم ثبوت الاجماع المدعى مع معارضة تلك بروايات تدل على عدمه كرواية حمزة بن حمران (5) التي صح سندها إليه عن أحد هما عليهما السلام ” قال: سألته عن رجل أعتق نصف جاريته ثم قذفها بالزنا، فقال: أرى أن عليه خمسين جلدة ويستغفر الله عز وجل، قلت: أرأيت إن جعلته في حل أو عفت عنه، قال: لا ضرب عليه إذا عفت عنه من قبل أن ترفعه، قلت: فتغطي رأسها عنه حين أعتق نصفها ؟ قال: نعم، وتصلي وهي مخمرة الرأس، ولا تتزوج حتى تؤدي ما عليها
(1) كذا في النسخة. (2) التهذيب: ج 8 ص 228 ح 57 وفيه ” فقال عليه السلام “، الوسائل ج 16 ص 75 ب 64 ح 1. (3) التهذيب ج 8 ص 228 ح 58، الوسائل ج 16 ص 57 ب 64 ح 2. (4) المقنع ص 160. (5) التهذيب ج 8 ص 228 ح 59، الوسائل ج 16 ص 75 ب 64 ح 3.
[ 276 ]
أو يعتق للنصف الآخر “. وصحيحة النضر بن شعيب عن الحارثي (1) عن أبي عبد الله عليه السلام ” في رجل توفي وترك جارية له أعتق ثلثها فتزوجها الوصي قبل أن يقسم شيئا من الميراث أنها تقوم وتستسعى هي زوجها في بقية ثمنها بعد ما تقوم، فما أصاب المرأة من عتق أو رق جرى على ولدها “. ورواه الصدوق في المقنع (2) مرسلا مثله. وصحيحة عبد الله بن سنان (3) ” أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة أعتقت ثلث خادمتها عند موتها، على أهلها أن يكاتبوها إن شاءوا وإن أبوا ؟ قال: لا، ولكن لها من نفسها ثلثها وللوارث ثلثاها، يستخدمها بحساب الذي له منها، ويكون لها من نفسها بحساب الذي أعتق منها “. وصحيحة علي بن جعفر (4) كما في كتاب المسائل له وفي كتاب قرب الإسناد أيضا لكن بأسناد غير نقي عن أخيه موسى عليه السلام ” قال: سألته عن رجل أعتق نصف مملوكه وهو صحيح، ما حاله ؟ قال: يعتق النصف ويستسعى في النصف الآخر ويقوم قيمة عدل “. وموثقة الحلبي (5) ” قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة أعتقت عند الموت ثلث خادمتها، على أهلها أن يكاتبوها ؟ قال: ليس ذلك لها: ولكن لها ثلثها فلتخدم بحسباب ما أعتق منها “.
(1) التهذيب ج 8 ص 229 ح 60 وفيه ” عن الجازى “، الوسائل ج 16 ص 76 ب 64 ح 4. (2) المقنع ص 160. (3) الفقيه ج 3 ص 72 ح 9، الوسائل ج 16 ص 76 ب 64 ح 7 وفيهما ” خادمها “. (4) قرب الاسناد ص 120، بحار الانوار ج 10 ص 263، الوسائل ج 16 ص 77 ب 64 ح 8. (5) التهذيب ج 8 ص 230 ح 62، الوسائل ج 16 ص 76 ب 64 ح 6 وفيهما ” خادمها “.
[ 277 ]
وخبر السكوني (1) عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام ” أن رجلا أعتق عبدا له عند موته لم يكن له مال غيره، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول: يستسعى في ثلثي قيمته للورثة “. ومرسلة أبي بصير (2) عن أبي عبد الله عليه السلام ” في رجل يعتق جاريته ويقول لها عتقك مهرك ثم يطلقها قبل أن يدخل بها، قال، يرجع نصفها مملوكا ويستسعيها في النصف الآخر “. وموثقة يونس بن يعقوب (3) عن أبي عبد الله عليه السلام ” في رجل أعتق أمة وجعل عتقها صداقها ثم يطلقها قبل أن يدخل بها، قال: يستسعيها في نصف قيمتها فإذا أبت كان لها يوم وله يوم في الخدمة، قال: وإن كان لها ولد فإن أدى عنها نصف قيمتها عتقت “. وخبر عباد بن كثير (4) ” قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل أعتق ام ولد له وجعل عتقها صداقها ثم طلقها قبل أن يدخل بها، قال: يعرض عليها أن تستسعى في نصف قيمتها فإن أبت هي فنصفها حر ونصفها رق “. فهذه الاخبار مع صحتها وصراحتها قد دلت على عدم السراية كما هو مختار السيد ابن طاووس، وقد أوردت هذه الصحاح بما سيأتي من ثبوت السراية على الشريك كما هو ثابت بالصحاح المسفيضة والفتوى، وهذا يقتضى السراية على ملكه بطريق أولى لاشتراكهما في الدلالة على سباق الشرع بتكمل العتق، فإذا أكمل والباقي لغيره واحتيج إلى أداء المال إليه لأن يكمل والباقي له أولى. وحينئذ تبقى الروايات مؤيدة وإن ضعف سندها لأن الدليل غيرها.
(1) التهذيب ج 8 ص 229 ح 61، الوسائل ج 16 ص 76 ب 64 ح 6. (2) التهذيب ج 8 ص 202 ح 18، الوسائل ج 14 ص 513 ب 15 ح 3. (3) التهذيب ج 8 ص 201 ح 17، الوسائل ج 14 ص 513 ب 15 ح 2 وفيهما اختلاف يسير. (4) التهذيب ج 8 ص 202 ح 19، الوسائل ج 14 ص 513 ب 15 ح 4.
[ 278 ]
وقد أجابوا عن صحيحة ابن سنان بإمكان حملها على ما إذا لم يملك غيرها فيحجر عليه فيما زاد عن الثلث واحتمل الشيخ في رواية حمزة بن حمران لا يملك نصفها الآخر. وكل هذه المحامل تكلفات مستغنى عنها ولا طريق للحمل سوى الترجيح، ولا شك في رجحان الأخيرة، فالقول به قوي مع احتمال تلك الأخبار البقية أيضا. وأما الاستدلال بطريق الأولوية فبعد الاغماض عن كونها من القياس الذي لانقول به يضعف عن معارضة هذه الصحاح، ويمكن حمل تلك الأخبار على أن ذلك الكلام كناية عن حثه على إعتاق الجميع وترغيب للمعتق في ذلك، وسيأتي في المواريث ما يدل على عدم السراية أيضا، وقد تقدم في الوصايا ما يرشد إلى ذلك في عتق العبد المشترك إذا أعتق أحد الشريكين حصته، قليلة كانت أو كثيرة، فإنه يقوم عليه إن كان مؤسرا ويسعى العبد في فك ما بقي منه إذا كان المعتق معسرا، هذا هو المشهور. وقال الشيخ: إنه لا يسري عليه إلا إذا قصد الاضرار بالشريك وكان مع اليسار، وأما مع قصد القربة لا يقوم عليه مطلقا، وإن قصد الاضرار مع الاعسار فالعتق باطل ولا سراية. وفي المسألة أقوال أخر:
(أحدها) أن المعتق يقوم عليه نصيب الشريك إن كان مؤسرا، ويسعى العبد في فك باقيه إن كان معسرا، وهذا مختار المفيد والسيد المرتضى وابن بابويه.
(وثانيها) استسعاء العبد مطلقا من غير تقوم على الشريك، ذهب إليه أبو الصلاح الحلبي.
(وثالثها) وهو للاسكافي، وهو أنه إن أعتق وكان غير مضار تخير الشريك بين إلزامه قيمة نصيبه إن كان مؤسرا أو بين استسعاء العبد. ولابن إدريس قول سادس وهو أنه لو أعتق مع قصد الاضرار بطل مع اليسار
[ 279 ]
والاعسار، ولأن العتق شرط صحته التقرب، والمراد باليسار أن يملك حال العتق زيادة عن داره وخادمه ودابته وثيابه المعتادة وقوت يومه له ولعياله مما يسع نصيب الشريك أو بعضه على الأقوى وأمر بعد العتق فلا تقويم. وللسراية هنا عند مثبتيها كما هو المشهور شرطان آخران:
(أحدهما) كون العتق اختيار أو يكفي اختيار السبب كالشراء والأتهاب للقريب، وفي التنكيل إشكال من تحريم السبب ومن تأثيره في ملكه، فلو ورث شقصا من قريبه لم يسر عند المجلسيين، وقال الشيخ يسري.
(وثانيهما) أن لا يتعلق بالشقص حق لازم كالوقف والكتابة والاستيلاد، وترجيحا لأشهر الحقين، وقيل بالسراية للعموم، وسيجئ تحقيق هذه الشرائط في ذيل فروع هذا البحث على التفصيل. احتج للمشهور بصحيحة الحلبي (1) عن أبي عبد الله عليه السلام ” في جارية كانت بين اثنين فأعتق أحد هما نصيبه، قال: إن كان مؤسرا كلف أن يضمن، وإن كان معسرا خدمت بالحصص “. وصحيحة محمد بن قيس (2) عن أبي جعفر عليه السلام ” قال: من كان شريكا في عبد أو أمة قليل أو كثير فأعتق حصته وله سعة فليشتره من صاحبه ويعتقه كله، وإن لم يكن له سعه من مال نظر قيمته يوم أعتق منه ما أعتق، ثم يسعى العبد في حساب ما بقي حتى يعتق “. وصحيحة سليمان بن خالد (3) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: سألته عن المملوك يكون بين شركاء فيعتق أحدهم نصيبه، قال: إن ذلك فساد على أصحابه فلا يستطيعون
(1) التهذيب ج 8 ص 219 ح 18، وفيه ” اخدمت “، الوسائل ج 16 ص 26 ب 18 ح 7. (2) التهذيب ج 8 ص 221 ح 24، الوسائل ج 16 ص 25 ب 18 ح 3 وفيه ” حصته ولم يبعه فليشتره “. (3) التهذيب ج 8 ص 220 ح 23، الوسائل ج 16 ص 27 ب 18 ح 9 وفيهما ” يقوم قيمة “.
[ 280 ]
بيعه ولا مؤاجراته، قال: يقوم قيمته فيجعل على الذي أعتقه عقوبة، وإنما جعل ذلك لما أفسده “. ومرسلة حريز (1) عن أبي عبد الله عليه السلام ” أنه سئل عن رجل أعتق غلاما بينه وبين صاحبه، قال: قدأفسد على صاحبه، فإن كان له مال أعطى نصف المال، وإن لم يكن له مال عومل الغلام يوم للغلام ويوم للمولى يستخدمه، وكذلك إن كانوا شركاء “. وحسنة الحلبي (2) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: سألته عن المملوك بين شركاء فيعتق أحدهم نصيبه، قال: إن ذلك فساد على أصحابه لا يقدرون على بيعه ولا مؤاجرته، قال: يقوم قيمته فيجعل على الذي أعتقه عقوبة، وإنما جعل ذلك عليه عقوبة لما أفسده “. وخبر سماعة (3) ” قال: سألته عن المملوك بين شركاء فيعتق أحدهم نصيبه، فقال: هذا فساد على أصحابه يقوم قيمته ويضمن الذي أعتقه لأنه أفسده على أصحابه “. وحسنة عبد الرحمن بن أبي عبد الله (4) وخبره كما في الكافي والتهذيب ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قوم ورثوا عبدا جميعا فأعتق بعضهم نصيبه منه، كيف يصنع بالذي أعتق نصيبه منه ؟ هل يؤخذ بما بقي ؟ قال: نعم يؤخذ بما بقي منه من قيمة يوم أعتق “.
(1) التهذيب ج 8 ص 221 ح 26، الوسائل ج 16 ص 27 ب 18 ح 11 فيهما ” يوما للغلام ويوما للمولى ويستخدمه “. (2) الكافي ج 6 ص 182 ح 1 وفيه ” قيمة – عليه لما أفسده “، الوسائل ج 16 ص 25 ب 18 ح 1 وفيه ” قيمة – فلا يستطيعون بيعه “. (3) التهذيب ج 8 ص 220 ح 22 وليس فيه ” هذا فساد على أصحابه “، الوسائل ج 16 ص 26 ب 18 ح 5 وفيه ” يقوم قيمة “. (4) الكافي ج 6 ص 183 ح 6 وفيه ” بقيمته يوم “، التهذيب ج 8 ص 219 ح 17 وفيه ” يؤخذ بما بقى “، الوسائل ج 16 ص 26 ب 18 ح 6 وفيه اختلاف يسير.
[ 281 ]
وحسنة الحلبي (1) أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام ” أنه سئل عن رجلين كان بينهما عبد فأعتق أحد هما نصيبه، فقال: إن كان مؤسرا كلف أن يعتقه كله وإلا يستسعى العبد في باقي النصف الآخر “. ومثلها صحيحته (2) كما في الفقيه. وموثقة محمد بن قيس (3) كما في الكافي عن أبي جعفر عليه السلام ثم ذكر مثل صحيحته المتقدمة. واحتج الشيخ في النهاية والمبسوط وكتابي الأخبار من القول بالتفصيل – وهو أنه إن قصد بالاضرار بالشريك فكه إن كان مؤسرا وبطل العتق إن كان معسرا، وإن قصد القربة لم يلزمه فكه، وسعى العبد في حصة الشريك، فإن امتنع استقر ملك الشريك على حصته – بما رواه الكليني في الحسن وابن بابويه (4) في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام ” أنه سئل عن رجلين كان بينهما عبد فأعتق أحد هما نصيبه، قال: إن كان مضرا كلف أن يعتقه كله وإلا استسعى العبد في النصف الآخر “. وما رواه الشيخ وابن بابويه في الصحيح عن محمد بن مسلم (5) ” قال: قلت
(1) الكافي ج 6 ص 182 ح 2، التهذيب ج 8 ص 220 ح 21، الوسائل ج 16 ص 25 ب 18 ح 2 وما في المصادر ” ان كان مضارا – والا استسعى العبد في النصف الاخر “. (2) الفقيه ج 3 ص 67 ح 8 وفيه ” ان كان مضارا – استسعى العبد في النصف الاخر “. (3) الكافي ج 6 ص 683 ح 3، الوسائل ج 16 ص 25 ب 18 ح 3. (4) الكافي ج 6 ص 182 ح 2، الفقيه ج 3 ص 67 ح 8، الوسائل ج 16 ص 25 ب 18 ح 2 وما في المصادر ” ان كان مضارا “. (5) الفقيه ج 3 ص 68 ح 9، التهذيب ج 8 ص 221 ح 27، الوسائل ج 16 ص 28 ب 18 ح 12 وما في المصادر اختلاف يسير.
[ 282 ]
ولأبي عبد الله عليه السلام: رجل ورث غلاما وفيه شركاء فأعتق لوجه الله نصيبه، فقال: إذا أعتق لوجه الله نصيبه مضارة هو مؤسر ضمن للورثة، وإذا أعتقه لوجه الله كان الغلام وقد أعتق منه حصة من أعتق، ويستعملونه على قدر ما اعتق منه له ولهم، فإن كان نصفه عمل لهم يوما وله يوما، وإن أعتق الشريك مضارا وهو معسر فلا عتق له لأنه أراد أن يفسد على القوم، وترجع القوم على حصصهم “. ولمضمون هذه الرواية أوجب الشيخ العمل بها لكونها صحيحة السند مفصلة والمفصل يحكم على المجمل. ومن هنا عمد محدث الوافي حيث مال لمذهب الشيخ إلى أخبار حجة المشهور فقيد إطلاقها به فقال – في بيانات أخبار المشهور -: إطلاق هذه الأخبار مقيد بما إذا كان المعتق مضارا غير مريد به وجه الله تعالى وكان ذا سعة من المال، أما لو لم يكن ذا ولا ذاك استسعى العبد في بقيته إن أراد كما يظهر من الأخبار، الآتية، ويستفاد من بعضها عدم وقوع العتق لو كان مضارا معسرا معا. وأشار بذلك البعض إلى صحيحة محمد بن مسلم المفصلة. وكأنهم حملوا صحيحة محمد بن قيس (1) الاخرى عن أبي جعفر عليه السلام ” قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في عبد كان بين رجلين فحرر أحد هما نصيبه وهو صغير وأمسك الآخر نصفه حتى كبر الذي حرر نصفه، قال: يقوم قيمة يوم حرر الأول، وأمر المحرر أن يسعى في نصفه الذي لم يحرر حتى يقضيه “. والمحرر هنا بفتح الراء بقرينة يسعى، فإنه إنما يقال في العبد على ما لو كان عتقه لوجه الله وكان معسرا، وإلا كان إطلاقه منافيا للأخبار السابقة التي هي حجة المشهور وحجة الشيخ، وكان حجة لأبي الصلاح الحلبي.
(1) الكافي ج 6 ص 183 ح 4، الوسائل ج 16 ص 26 ب 18 ح 4 وفيه ” فحرر أحد هما نصفه – وأمر الاول “.
[ 283 ]
وكذلك حملوا إطلاق خبر الحسن بن زياد (1) ” قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل أعتق شركا له في غلام مملوك، عليه شئ ؟ قال: لا “. وكذا موثقة يعقوب بن شعيب (2) عن أبي عبد الله عليه السلام مثله، على ما لو قصد بالعتق وجه الله لا الاضرار وأنه يستسعى العبد فيما بقي، ويستحب له أن يشتري ما بقي ويعتقه واستدل بما مضى ويأتي وحملها المشهور على ما لو كان غير مؤسرا. وكذلك إطلاق رواية علي بن أبي حمزة (3) ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن مملوك بين اناس فأعتق بعضهم نصيبه، قال: يقوم قيمة ثم يستسعى فيما بقي، ليس للباقي أن يستخدمه ولا يأخذ منه الضريبة “. وكذلك إطلاق خبر السكوني (4) عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام ” أن رجلا أعتق عبدا له عند موته لم يكن له مال غيره، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول: يستسعى في ثلثي قيمتة للورثة ” على ذلك التفصيل أيضا، وهو أن يكون المعتق معسرا. وكان إطلاق هذه الأدلة الدالة على الاستسعاء للعبد مطلقا – إن أراد ذلك – هو مستمسك أبي الصلاح الحلبي، وكان مستمسك ابن الجنيد هو وجه الجمع بين هذه الأخبار الدالة على الاستسعاء مطلقا وبين الأخبار الدالة على تقويمه على المولى عند اليسار بالتخيير لصاحب الحصة الذي لم يعتق، وهو وإن كان له وجه في الجمع إلا أن الخبر المفصل الصحيح الذي تمسك به الشيخ وهو صحيحة محمد ابن مسلم مما تأباه. وأما خبر الصباح الكناني (5) ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجلين
(1) و (2) التهذيب ج 8 ص 219 ح 19 و 20، الوسائل ج 16 ص 27 ب 18 ح 8. (3) التهذيب ج 8 ص 221 ح 25، الوسائل ج 16 ص 27 ب 18 ح 10 وفيه ” ليس للباقى أن يستخدم “. (4) التهذيب ج 8 ص 229 ح 61، الوسائل ج 16 ص 76 ب 64 ح 5. (5) الفقيه ج 3 ص 67 ح 6 وفيه ” لا اريد ان تقومني – ولكن يقومها “، الوسائل ج 16 ص 28 ب 18 ح 13 وفيها ” للذى لم يعتق – لا اريد “.
[ 284 ]
يكون بينهما الأمة، فيعتق أحد هما نصفه، فتقول الأمة للذي يعتق نصفه: لا تريد أن تعتقني ذرني كما أنا أخدمك، وإنه أراد أن يستنكح النصف الآخر، قال: لا ينبغي له أن يفعل، إنه لا يكون للمرأة فرجان، ولا ينبغي له أن يستخدمها ولكن يعتقها ويستسعيها “. وكذلك خبر أبي بصير (1) مثله إلا أنه قال ” وإن كان الذي أعتقها محتاجا يستسعيها “. ففيهما إشارد إلى أن ذلك مع عجز المعتق، سيما الثانية. وقد أورد على الشيخ فيما جمع به إشكال حاصله أن المعتق لمضارة الشريك مناف للقربة، فيتجه بطلان العتق إذا وقع على هذا الوجه مطلقا، سواء كان المعتق مؤسرا أو معسرا، فإن لم يكن منافيا للقربة – كما ذكره في المختلف من أن المراد به تقويمه على الشريك قهرا مع إعتاق نصيبه لوجه الله – اتجه صحة العتق الواقع على هذا الوجه من المؤسر والمعسر أيضا، فالفرق بينهما لا يظهر له وجه. وأيضا أن المعتق مضارة إذا قلنا إنه لا ينافي القربة كيف يجعل العتق لوجه الله تعالى قسيما له. ويمكن دفعه بأن المضارة مع اليسار قصد التقديم على الشريك، وذلك لا ينافي وقوع التقرب من المعتق لا عتاق حصته، وبالمضارة مع الاعسار قصد تضييع مال الشريك وإتلافه عليه، وذلك مناف للقربة، فيبطل العتق الواقع على هذا التقدير، وبالعتق لوجه الله العتق على هذا الوجه مع الذهول عن التقديم على الشريك إما للجهل بذلك أو للغفلة عنه. وهنا فروع بها تتبين أحكام هذه المسألة على جهة التفصيل وبها تتميز الأقوال فذكرها كاشف عن أدلتها وبيان عللها مفصلة وبيان الراجح من هذه الأقوال.
(1) الفقيه ج 3 ص 67 ح 7، الوسائل ج 16 ص 28 ب 18 ح 14 وفيهما ” فليستسعها “.
[ 285 ]
الاول: قد اختلف الأصحاب في وقت انعتاق نصيب الشريك مع اجتماع شرائط السراية، فالشيخان والمحقق والعلامة وجماعة من المتأخرين على أنه عند أداء القيمة. والشيخ في المبسوط أنه مراعا بالأداء، فإذا حصل تبين كون العتق من حين عتق نصيبه. وقال ابن إدريس: ينعتق بالاعتاق، أي باللفظ المقتضي العتق نصيبه، لأن ذلك معنى السراية شرعا. والأقوى الأول لأن للأداء مدخلا في العلية، ولهذا لا ينعتق مع الاعسار، ولأنه لو أعتق بالاعتاق لزم الاضرار بالشريك بتقدير هوية أو تلف مال ولظاهر صحيحة محمد بن قيس المتقدمة عن الباقر عليه السلام وموثقته حيث قال فيهما ” من كان شريكا في عبد أو أمة، قليل أو كثير، فأعتق حصته وله سعة فليشتري من صاحبه فيعتق كله ” والمراد بشرائه منه هو تقويم على نفسه وأداء قيمته لشريكه لعدم اعتبار الشراء الحقيق إجماعا. وأما الشيخ في المبسوط فدليله ظواهر تلك الأخبار، وفيه جمع بين الأدلة. وأما ابن إدريس فقد تمسك بأن هذا مقتضى السراية ومدلول الأخبار الدالة عليها من العامة والخاصة كقول النبي صلى الله عليه واله ” إذا كان العبد بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه وكان له مال فقد عتق كله “. ويروى ” فهو حر كله ” ويروى ” فهو عتيق “. وقول علي عليه السلام ” فهو حر ليس لله شريك “. وقول الصادق عليه السلام في صحيحة سليمان بن خالد وغيرها مما تقدم ذكره ” أنه قد أفسد على صاحبه ” والافساد إنما حصل بالعتق. وقد توقف العلامة في كثير من كتبه وولده في شرح القواعد وأول الشهيدين في شرح الارشاد، مع أنه قد رجح في الدروس اعتبار الأداء لصحيحة ابن قيس وموثقته المتقدمتين، وتنظر ثاني الشهيدين في المسالك في صحة الرواية المذكورة بناء على أن ابن قيس الذي يروي عن الباقر عليه السلام مشترك بين الثقة وغيره، فلا تكون الرواية صحيحة مطلقا وإنما صحتها بالنسبة إضافية إلى غيره وذلك غير كاف في
[ 286 ]
الحكم بها حيث يعتبر الصحيح أو يعارض غيره. ثم قال: والحق أن الأخبار من الجانبين ليستا من الصحيح، والأخبار الدالة على اعتبار وقت العتق أكثر. وفيه نظر من وجوه: أما (أولا) فلأن رواية محمد بن قيس لا إشكال في صحتها، كما جزم به غير واحد هنا، لأن الراوي فيها عنه عاصم بن حميد وهو قرينة الثقة البجلي. (وثانيا) أن اعتبار الصحة فيها وجعلها إضافية مما لا وجه له بعد ثبوت الاشتراك وليس في الصحة إضافية على مقتضى مصطلح أهل الدراية من المتأخرين، نعم يمكن ذلك على مصطلح القدماء حيث إن اعتبار الصحة عندهم مبني على القرائن لا على وثاقة الراوي وإماميتة فتقبل الشدة والضعف. (وثالثا) أن قوله ” والحق أن الأخبار من الجانبين ليستا من الصحيح ” من أغرب الغريب وأعجب العجيب لأن أكثر ما ذكرناه من الأخبار من الصحاح في الجانبين، فإن رواية سليمان بن خالد لا إشكال في صحتها، كذلك صحيحة الحلبي وصحاح ابن مسلم وصحيحة حريز، ولكنه – قد سره – لم يستوف تلك الصحاح في الذكر كما هي عادته الجارية. وكذا قوله ” إن الأخبار الدالة على اعتبار وقت العتق أكثر ” لا يخلوا عن نظر لأنها ليست صريحة فيما ادعي بل ولا ظاهرة “، نعم هي في نفسها كثيرة. ثم إنه يتفرع على هذه الأقوال فروع اخر:
(ومنها) ما لو عتق اثنان من الشركاء الثلاثة مترتبين، فإن قلنا: ينعتق بالاعتاق – كما هو مختار ابن إدريس ومن تبعه – قوم على المعتق أولا. فإن قلنا بالأداء – كما هو المشهور – ولم يكن الأول قد أدى قوم عليها. وإن قلنا بالمراعاة احتمل تقويمه عليهما أيضا لأن عتق الثاني صادف ملكا فوقع صحيحا فاستويا باقي الحصة الاخرى. ويحتمل تقديم الأول لأنه بالأداء تبين انعتاق نصيب الشريك قبل أن يعتق حصته فيقع
[ 287 ]
عتقه لغوا لكن في الأول قوة.
(ومنها) اعتبار القيمة، فإن قلنا ينعتق بالاعتاق اعتبرت من حينه قطعا كما تدل عليها ظواهر تلك النصوص لا حالتها القيمة على وقت العتق. وكذا إذا قلنا بالمراعاة والكشف لمساواته للاعتاق في تلك الحال. وإن قلنا بالأداء – كما هو المشهور – فو جهان: من كون التلف إنما يحصل بالأداء فلا يعتبر قبله، ومن أن الحجر على المالك يحصل يوم العتق، وهو الذي اختاره المحقق في الشرايع معللا ذلك بالحيلولة، وله وجه وجيه تدل عليه تلك الأخبار. وفي المسألة وجه ثالث وهو اعتبار أقصى القيم من يوم الاعتاق إلى يوم الأداء، لأن الاعتاق سبب يدوم أثره إلى التلف فيكون بمنزلة جراحة العبد ثم يموت بعد مدة، فإن المعتبر أقصى قيمته من حين جرحه إلى موته، وقد تقرر أن هذا الضمان بمنزلة الاتلاف.
(ومنها) إذا أعسر المعتق بعد الاعتاق وقبل أداء القيمة، فإن أثبتنا السراية بنفس الاعتاق فالقيمة في ذمته. وإن قلنا بالآخرين لم يعتق نصيب الشريك، أما موته فلا يؤثر على الأقوال كلها، أما على التعجيل فظاهر، وأما على التوقف فلأن القيمة تؤخذ من تركته كالدين، والاعتاق صار مستحقا عليه حالة الحياة، وقد يوجد سبب الضمان في الحياة و يتأخر الوجوب عنها كمن حفر بئرا في محل عدوانا فتردى فيها بهيمة وإنسان بعد موته.
(ومنها) ما لو مات العبد قبل أداء القيمة، فإن قلنا يحصل بالاعتاق مات حرا موروثا منه ويؤخذ قيمة الشريك. وكذا إن قلنا بالتبين والكشف وقف إلى أداء القيمة، فإذا اديت بان الأمر كذلك. وإن قلنا بتأخر السراية إلى وقت الأداء فو جهان، أظهر هما أنها تسقط لأن وجوب القيمة لتحصيل العتق و الميت غير صالح له كما تقدم. والثاني المنع لأنه مال استحق في الحياة فلا يسقط بالموت، وعلى هذا فقد تبين بالأداء أن العتق حصل قبل موته وبهذا ينكشف ضعفه.
[ 288 ]
(ومنها) إذا أعتق الشريك نصيبه قبل أخذ القيمة لم ينعتق إن أثبتنا السراية في الحال. ولو أخر ناها لأداء القيمة فو جهان: أحد هما أنه لا ينفذ لأن المعتق استحق أن يتملكه بالقيمه ليعتق عليه ويكون ولاؤه له، ولا يجوز صرف العتق عن المستحق إلى غيره. والثاني أنه ينفذ بمصادفته الملك ولأن المقصود يكتمل العتق وقد حصل، وأغنى عن التكليف بأداء القيمة، وهذا أقوى. ثم إذا قلنا بنفوذ الاعتاق ففي نفي نفوذ البيع والهبة ونحو هما وجهان: من أنه مالك ومن الحجر عليه في مثل هذه التصرفات وأخرجنا العتق لموافقته لمطلب الشارع منه، وهذا أقوى.
(ومنها) ما لو وطأ الجارية قبل أداء القيمة، فعلى القول بتعجيل السراية يكون كوطء الحرة فيلزمه حكمه في حالتي الاختيار والاجبار فليس عليه مهر في الأول ويلزمه المهر في الثاني، وعليه الحد مع العلم بالتحرر. وإن قلنا بتوقفه على الأداء وجب نصف المهر بنصفها الحر مع الاقرار على القول بالمراعاة يحتمل ذلك أيضا لكونها حال الوطء مملوكة له، وثبوت جميعه لها بعد الأداء لانكشاف كونها حرة حينئذ، ولا حد من جهة الحصة لحصول الشبهة بالاختلاف في ملكه، وفروع الباب كثيرة مبنية على غيره.
الثاني: لو كان المملوك بين ثلاثة واعتق اثنان قومنا حصة الثالث عليهما بالسوية، تساوت حصصهما فيه أو اختلفت. هذا إن أعتقا نصيبهما معا كما لو و كل أحد هما الآخر أو علقا على شرط واحد. وإن كان التعليق مترتبا فوجد الشرط، فإن كان أحد هما مؤسرا قوم عليه نصيب الثالث، وإن كانا مؤسرين قوم نصيب الثالث عليهما بالسوية، لا على قدر الملكين، لأن القيمة الواجبة هنا حكمها حكم ضمان المتلفات، والحال هنا لا يفترق هنا فيها بين قلة الأسباب وكثرة أمثاله كمثال ما لو جرح واحد جراحة والآخر جراحات وسرت الجراحات أجمع فمات المجروح منها فإن الدية تكون
[ 289 ]
عليهما بالسوية. وللعامة قول بأن القيمة عليهما بحسب الانصباء كالشفعة، فإذا أعتق النصف وصاحب السدس عزم صاحب الثلث ثلاثة أرباع قيمة الثلث وصاحب السدس ربعها، ويضعفه حصول الفرق، فإن الأخذ بالشفعة من توابع الملك موافقة فيكون على قدر الملك كالثمرة والنتاج، بخلاف القيمة الواجبة هنا لما بيناه من الوجه. ومع هذا الفرق بين الأمرين فقد قيل بالشفعة أنها على عدد الرؤوس لا على قدر الانصباء عند القول بها مع تعدد الشركاء، وقد دلت بعض الأخبار على ذلك كما ذكر في الشفعة. فعلى كل تقدير فتعتبر القيمة وقت العتق كما اقتضته الأخبار لأنه وقت الحيلولة، سواء قلنا بانعتاقه في العتق أم بالأداء، والأمر على الأول ظاهر. وأما على الثاني فإنه وإن لم ينعتق بالفعل قبل الأداء لكن قد تعلق به حق العتق واستحق الشريك المطالبة بالقيمة وذلك فرع ثبوتها وإن توقف العتق بالفعل على أمر آخر، ومعنى كونه وقت الحيلولة أنه يحجر على الشريك حصته وإن لم تنتقل عن ملكه. والعلامة – قدس سره – في كتبه قد وافق المحقق شيخه في إطلاق اعتبار يوم العتق تبعا لظواهر النصوص المذكورة، واستوجه الشهيد الثاني مقويا له، ترتب القيمة على وقت العتق بالفعل، فإن جعلناه بالانعتاق اعتبرت حينئذ، وكذا على القول بالمراعاة. وعلى القول باشتراطه بالأداء تعتبر القيمة عنده، وهو الذي يظهر من كلام المبسوط فإنه نقل القول بانعتاقه للعتق، ثم فرع عليه فروعا منها اعتبار القيمة وقت العتق، ثم نقل القول الاخر. وأول الشهيدين في دروسه ظاهره ذلك أيضا حيث أطلق اعتبار القيمة وقت الأداء بعد أن اختار اتصافه بالأداء و لم يذكر
[ 290 ]
اعتبارها يوم العتق، وهذا موافق لمختار ثاني الشهيدين، لكن الأخبار مما تأباه إلا أن يجعل ما في الأخبار دليلا على اعتبار قول ابن إدريس أو قول الشيخ في المبسوط من المراعاة، والكل محتمل، وعلى كل تقدير فينبغي اعتبار قيمته يوم العتق.
الثالث: لو هرب المعتق صبر عليه حتى يعود، وإن أعسر نظر إلى اليسار بناء على أنه ينعتق بالاعتاق لأن القيمة تكون دينا عليه و إن أداها برئ وعند هربه وإعساره ينتظر وقت الامكان، وهذا واضح. أما لو قلنا متوقفة على الأداء – كما اختاره المحقق ومختار المشهور – فمقتضى التفريع أن الحكم كذلك أيضا، بمعنى أن حق العتق لا يبطل بذلك بل يستمر إلى أن يتمكن من الأداء لوجود السبب المقتضي له وهو الاعتاق. وأن يتوقف على شرط آخر أو على تمام السبب فلا يكون كالحق الفوري يبطل بالتأخير، وحينئذ فيبقي المعتق بالنسبة إلى الشريك رقيقا إلى أن يؤدي إليه القيمة، وهل يحتمل الحجر عنه بذلك ؟ يحتمله، حذرا من تعطيل ملكه عليه بغير بدل، ومن أن عليه العتق قد ثبت فيلزم. وتظهر الفائدة في المنع عن نقله عن الملك ببيع أو هبة أو نحوها لا بالاستخدام. ولو اختلفا في القيمة فقال المعتق قيمته مائة وقال الشريك قيمته مائتان مثلا فإن المملوك حاضرا والعهد قريب، أو قلنا إن المعتبر قيمته وقت الأداء فصل الأمر بمراجعة المقومين من أهل الخبرة، وإن مات العبد أو غاب أو تقادم العهد واعتبرنا قيمة يوم العتق، ففي المصدق بيمينه منهما قولان: (أحد هما) هو الذي اختار المحقق والعلامة وجماعة من المتأخرين أن القول قول المعتق لأنه الغارم والأصل معه كما إذا اختلف المالك والغاصب في المذهب الأشهر والأقوى في قيمة المغصوب بعد تلفه، فإن الغاصب مصدق والأصالة البراءة من الزائد.
[ 291 ]
(والقول الثاني) أن المعتق يتملكه عليه قهرا فيصدق المتملك عليه فلا ينزع من يده إلا بما يرضيه كما إذا اختلف الشفيع والمشتري في الثمن المأخوذ به فإن المصدق المشتري. وربما بني القولان على الخلاف السابق، فإن قلنا: إن السراية تتعجل بالعتق فالمصدق المعتق لأنه هو الغارم. وإن قلنا بتأخرها فالمصدق هو الشريك لأنه ملكه باق فلا ينتزع إلا بما يرضيه كما في المشتري مع الشفيع. والمحقق – رحمه الله – مع حكمه بتأخر العتق عن الأداء قدم قول المعتق وهو خلاف البناء المذكور. ووجهه أنه المنكر حقيقة، حيث إن الأصل عدم الزيادة على التقديرين. ولو ادعى المعتق فيه عيبا فأنكر الشريك كان القول قول الشريك، لأن الأصل عدم العيب وكون المملوك على الخلقة الأصلية، ولافرق بين دعواه العيب في أصل الخلقة بأن يقول أكمه أو أخرس فيقول الشريك بل كان بصيرا ناطقا وبين دعواه حدوث العيب بعد السلامة بأن زعم ذهاب بصره أو كونه آبقا أو سارقا بل الحكم في الثاني أولى وأظهر لأصالة عدم حدوث العيب مع اتفاقهما على عدمها في الابتداء.
الرابع: قد علمت مما سبق أن اليسار المعتبر هو أن يكون مالكا بقدر قيمته نصيب الشريك فاضلا عن قوت يومه وليلته وليس المراد من اليسار في هذا الباب هو الغنى عرفا بل المراد من يملك من المال ما بقي بقيمة نصيب شريكه وإن لم يملك غيره لظاهر تلك الأخبار سيما قوله عليه السلام ” وله قوم عليه الباقي ” فيصرف في هذه الجهة كل عين تباع في الدين مما زاد عن قوت يومه له ولعياله الواجبي النفقة ودست ثوب. وظاهر المحقق في الشرايع أنه لا يستثني له المسكن والخادم، والأقوى استثناؤها كما في الدين لأن هذا من جملتها، وإطلاق كلام المحقق وجماعة
[ 292 ]
يشمل ما إذا كان عليه دين مثل ما يملكه أو أكثر. فلا يمنع الدين السراية – وهو أحد القولين في المسألة – لأنه مالك لما في يده نافذ تصرفه فيه حتى لو اشترى به عبدا فأعتقه نفذ فكذلك يجوز أن يقدم عليه، وعموم الأخبار السابقة يشمله، والشريك حينئذ أحد الغرماء، ولأنه لو طالبه صاحب الدين وجب عليه إبقاؤه وإن كان للباقين ما يستغرق ماليته، فلو كان وجود المستغرق يصير معسرا لحرم مطالبته على كل واحد منهم، كما تحرم مطالبة المعسر والمعتق أولى لبناء العتق على التغليب، ووجه القول بكونه معسرا التحاقه بالفقراء وذلك يحل له الزكاة. وفيه: منع الملازمة، فإن استحقاق الزكاة لا يلتزم الاعسار بل هو أعم والملك متحقق. ويفهم من قولهم أن يكون مالكا بقدر قيمة نصيب الشريك أنه لو ملك البعض لم يعتق، وهو أحد القولين في المسألة. واستجوز ثاني الشهيدين في ذلك عتق الميسور منه وإن قل لعموم ” إذا امرتم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ” وخصوص قوله عليه السلام ” وله مال قوم عليه الباقي ” وهو قوي.
الخامس: ولو ورث شقصا ممن ينفق عليه فالمشهور بين الأصحاب عدم السراية لأن من شروطها – كما تقدم – وقوع العتق بالأخبار كما دلت عليه تلك الأخبار لتعلقها على إعتاقه لاعلى مطلق انعتاقه لصراحته في المباشرة للعتق اختيارا وهو… (1) بالاختيار، ولأن الأصل عدم وجوب التقويم إلا ما أخرجه الدليل ولم يدل الدليل إلا على المباشرة، فلا يرد ما قيل: إن دلالة تلك الأخبار على نفي السراية فيها عدا المباشرة من باب دليل مفهوم الخطاب وليس بحجة في الأقوى، ولما تقدم من أن التقويم سبيله سبيل غرامة المتلفات ولم يكن له في غير الاختيار صنع ولا قصد إتلاف، بخلاف ما لو اشترى من ينعتق عليه أو فعل أحد الأسباب الصادرة بالاختيار، فإن فعل السبب اختيار كفعل المسبب. وقال الشيخ في الخلاف: يسري وإن ملكه بغير اختياره كالارث، محتجا
(1) كلمة غير مقروءة، ولعلها ” المعتق “.
[ 293 ]
بالاجماع والأخبار. مع أنه في المبسوط ذهب إلى القول الأول، وما ادعاه من وجود الأخبار في ذلك لم نقف على شئ منها إلا أن يكون أشار بها إلى الأخبار المعللة لعتق السراية بأنه ليس لله شريك. وقد عرفت من الأخبار ما يعارضها لدلالته عل وقوع الشركة مع الله في العتق وحصول التبعيض في مواضع عديدة. والمعتمد هو القول المشهور قصدا للحكم المذكور بكونه مخالفا للأصل على محل النصوص.
السادس: لو أوصى بعتق بعض عبده أو بعتقه وليس له غيره لم يقوم على الورثة باقية، وكذا لو أعتقه عند موته ونجز عتقه في مرض الموت أعتق من الثلث ولم يقوم عليه في المشهور. أما عدم عتقه على الوارث على تقدير إعتاقه له بعد موت مورثه الوصي بذلك فلأنه لم يعتقه عن نفسه وإنما أعتقه عن المورث إنفاذا لوصيته، فلا يكون من صنعه وفعله، فلا وجه للسراية عليه ولا على الميت. وإن كان وقت الوصية مؤسرا لانتقال التركة للوارث بالموت فصار بالاعتاق مؤسرا فلا يقوم على من لا يملك شيئا بعد نفوذ العتق، كما لو وكله في عتق الشقص وهو مؤسر فأعتقه الوكيل بعد أن اعسر. والشيخ في الخلاف قوله بالسراية عليه أيضا كالعتق القهري إن وسعه الثلث. واختاره في الدروس محتجا سبق السبب على الموت وبرواية أحمد بن زياد الواقفي (1) على ما رواها المحمدون الثلاثة عن أبي الحسن عليه السلام ” قال: سألته عن الرجل تحضره الوفاة وله مماليك لخاصة نفسه وله مماليك في شركة رجل آخر فيوصي في وصيته: مماليكى أحرار، ما حال مماليكه الذين في الشركة ؟ فكتب عليه السلام: يقومون عليه إن كان ماله يحتمل فيه فهم أحرار “. (1) الكافي ج 7 ص 20 ح 17، الفقيه ج 4 ص 158 ح 7، التهذيب ج 9 ص 222 ح 22 الوسائل ج 13 ص 463 ب 74 ح 2 وما في المصادر اختلاف يسير.
[ 294 ]
وطعن في الرواية بضعف روايها وبمعارضتها لخبر الجارية المعتبر الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام وبخبر الحارثي وبخبر النضر بن شعيب المحاربي (1) عن أبي عبد الله عليه السلام ” في رجل توفي وترك جارية أعتق ثلثها فتزوجها الوصي قبل أن يقسم شيئا من الميراث، أنها تقوم وتستسعى هي وزوجها في بقية ثمنها بعد ما تقوم، فما أصاب المرأة من عتق أو رق جرى على ولدها “. وبموثقة عبد الله بن سنان (2) ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام ” وقد تقدمت الرواية ” عن امرأة أعتقت ثلث خادمها بعد موتها، أعلى أهلها أن يكاتبوها شاءوا أو أبوا ؟ قال: لا، ولكن لها ثلثها وللوارث ثلثاها، ويستخدموها بحساب الذي لهم منها، ويكون لها من نفسها بحساب الذي أعتق منها “. ومثلها صحيحة هشام بن سالم وعبد الله بن مسكان (3) جميعا عن أبي عبد الله عليه السلام نحوه، وهي شاملة للوصية والمنجزة في مرض الموت، وقد دلت على نفي السراية فيهما، إلا أنهما مطلقة، وذلك الخبر خاص ومقيد مع إمكان حملها على ما إذا لم يكن لها سواها كما احتمله محدث الوسائل تبعا للشيخ. ويمكن حمل الحديث المذكور على ما لو فهم الوصي من كلام الموصي أعتق جميع العبيد على وجه يشمل المشترك والمختص ولو على وجه الشراء وإنفاذ الوصية بعد ذلك أو على التقية، لأن المشهور بينهم السراية في جميع الحالات. والأحوط العمل بمقتضى ذلك الخبر، حيث إنه لا معارض له في الحقيقة لأنه خاص وما عارضه عام. وعلى هذا فينبغي للشريك قبول القيمة وإنفاذ الوصية للسلامة عن الاختلاف في النصوص والفتوى. وأما إذا أعتقه المريض فإنه محجور عليه فيما زاد على الثلث بناء على مذهب المشهور، حتى الشيخ القائل بالسراية فكان في غير الثلث معسرا فلا يسري عليه
(1) الكافي ج 7 ص 20 ح 18، التهذيب ج 9 ص 223 ح 23، الوسائل ج 13 ص 463 ب 74 ح 1. (2) التهذيب ج 9 ص 225 ح 32، الوسائل ج 13 ص 464 ب 74 ح 3. (3) التهذيب ج 9 ص 243 ح 36، الوسائل ج 13 ص 464 ب 74 ح 3.
[ 295 ]
وإن باشر العتق، فلو كان له فيه شريك فأعتق المريض نصيبه نظر، فإن خرج جميع العبد من الثلث قوم عليه نصيب الشريك وعتق لأنه تصرف المريض في ثلث ماله كتصرف الصحيح، وإن لم يخرج إلا نصيبه عتق نصيبه ولا تقويم، وإن خرج نصيبه وبعض نصيب الشريك قوم عليه ذلك القدر على الخلاف. وبالجملة: فالمريض بالنسبة إلى الثلث كالصحيح في الكل، وفيما زاد على الثلث معسر للحجر عليه عما زاد للميت عن الثلث، فالمعتبر إيساره عند نفوذ عتق الشقص في ثبوت السراية، فإذا كان قد أوصى بعتق الشقص فالاعتبار بقيمته عند الوفاة لأن ذلك هو وقت خروجه عن الوارث وانتقال التركة إليه فيعتبر وصول مثليه إليه وإن كان قد نجز عتقه في المرض فالمعتبر قيمته عند الاعتاق لأنه وقت خروجه عن ملك الوارث المعتبر في نفوذه بقاء مقدار ملكه للوارث. ثم لا يعتبر وجود الضعف حينئذ للاحتمال أن يتلف قبل موت المريض بل المعتبر قيمته عند قبضه إياه، فلو فرض أنه لم يكن له مال عند العتق ولكن تجدد عند موته مقدار ذلك نفذ العتق، ولو انعكس فتلف المال قبل الموت أو بعده قبل قبض الوارث له لم يحتسب عليه. ولو كان عند الموت بقدر ضعفه ثم تجدد له زيادة نماء بحيث تقابل حصة الشريك وضعفها لم يسر لأن الزيادة ملك الوارث لانتقال التركة إليه بالموت، ولهذا ظهر أن المعتبر في التركة أقل الأمرين من حين الوفاة إلى حين قبض الوارث. وللعلامة – قدس سره – قول بأن العتق المنجز والمؤخر سواء في اعتبار القيمة عند الموت إن نقصت قيمة المنجز، لأنه لو بقي عبدا لم يحفظ على الورثة سوى قيمته الناقصة فلم يتلف عليهم أكثر منها. وأما إذا ازدت القيمة كانت بمنزلة الكسب للعلم بعتق شئ منه وقت الاعتاق، فإذا زادت قيمة المعتق لم يحتسب من التركة ولا عليه. وأما الرق فيحتسب زيادته منها، فإن خلف ضعف قيمته فصاعدا من غيره
[ 296 ]
أعتق كله، وإن خلف أقله أو لم يخلف شيئا حسب نصيب الرقية من التركة فتكثر التركة فيكثر العتق فيقل الرق فتنقص التركة فيقل المعتق، وذلك دور. فلو كانت قيمته وقت العتق مائة فصارت عند الوفاة مائتين ولم يخلف سواه فإن أعتق منه شئ وله من زيادة القيمة شئ وللورثة شيئان بإزاء العتق فهو في تقدير أربعة أشياء فيعتق منه نصفه وهو الآن يساوي مائة وقد كان يساوي خمسين وللورثة نصفه الذي يساوي مائة وهو ضعف ما عتق منه. ولو بلغت قيمته ثلاث مائة قلنا عتق منه شئ وله من الزيادة شيئان وللورثة شيئان ضعف ما عتق منه، فيصير في تقدير خمسة أشياء ثلاث له واثنان للورثة، فيعتق منه مائة وثمانون وللورثة مائة وعشرون. فلو صارت قيمته مائتين وخلف السيد مائة غيره قلنا عتق منه شئ وله من نفسه باعتباره الزيادة شئ آخر وللمولى منه ومن المائة شيئان ضعف ما عتق منه، فالمجموع في تقدير أربعة أشياء شيئان للعبد من نفسه وشيئان للورثة منه ومن المائة. فالشئ خمسة وتسعون فيعتق منه ثلاثة أرباعه وتسلم المائة والربع الآخر للورثة. وعلى هذا لو فرض نقصان قيمة المنجز عند الوفاة عنها عند الاعتاق فعلى قول العلامة لا يتغير الحكم لو لم يكن غيره واعتبره القيمة عند الوفاة، وإن كان له غيره اعتبر ضعف قيمته الآن. وعلى ما ذكره المحقق في الشرايع ومن تبعه يلزم الدور المذكور لأن التركة معتبرة بالوفاة فلا يحصل للوارث ضعف ما أعتق مورثهم لأن المعتق منه ثلثه، فلو كانت قيمتة عند الاعتاق مائة ورجعت إلى خمسين فثلثه يساوي عند الاعتاق ثلاثة وثلثين وثلثا إن لم يكن لهم ضعفا إن لم يكن لهما ضعفهما (1) عند الوفاة، وهو متعذر لأن الباقي منه قدر ما عتق فينقص المعتق عن الثلث، وكل
(1) كذا في النسخة.
[ 297 ]
ما فرض عتقه كان للوارث ضعفه، فيكثر نصيب الوارث بقلة العتق والعتق بقلة النصيب فيقل النصيب، وهكذا. فنقول: عتق منه شئ ثم عاد إلى نصف شئ فبقي العبد، في تقدير خمسين إلا نصف شئ يعدل ضعف ما عتق، فيكون الخمسون إلا نصف شئ يعدل ستين، فإذا جبرت وقابلت صارت خمسين كاملة تعدل ستين ونصفا، فالشئ عشرون. ولما حكمنا رجوع الشئ إلى نصف شئ وتبين أن المعتق خمسة إلا نصف شئ وخمس الستين ونصف وكان قيمة النصف وهو خمس العبد عشرين يوم العتاق تعادل عشرة وبقي للورثة أربعة أخماسه وقيمة يوم الموت أربعون وهو ضعف قيمة جزء المعتق منه يوم الاعتاق.
السابع: إذا ادعى كل واحد من الشريكين على صاحبه وكانا مؤسرين أنك أعتقت نصيبك وطالب بالقيمة وأنكر صاحبه فكل واحد منهما مصدق بيمينه فيما أنكره، وإذا حلفا فلا مطالبة في القيمة. ثم إن أوقفنا العتق على الأداء كما هو المشهور أو قلنا بالتوقف والتبين كما هو مذهب الشيخ في المبسوط فالعبد رق كما كان، وهذا هو الذي جزم به محقق الشرايع مفرعا له على مذهبه. وإن قلنا بتعجيل السراية – كما هو مختار ابن إدريس – عتق جميع العبد لاعتراف كل منهما بسراية العتق إلى نصيبه. ولو كان المدعي أحد هما خاصة على الآخر ولا بينة فالمصدق المنكر أيضا مع يمنه، وإن حلف رق نصيبه، وإن نكل حلف المدعي اليمين المردودة وا ستحق القيمة. وهل يحكم بعتق نصيب المدعى عليه ؟ وجهان: من أن اليمين المردودة إما كالبينة على المدعى عليه أو كإقراره، وكلاهما يوجبان العتق، ومن أن الدعوى إنما توجهت عليه بسبب القيمة، وإلا فلا معنى للدعوى على إنسان أعتق عبده وإنما ذلك وظيفة العبد، وهذا هو الأقوى. ثم إن شهد هذا المدعي مع آخر عدل يثبت العتق بالشهادة الحسية، وأما
[ 298 ]
نصيب المدعي فيبنى على عتقه على أن السراية حيث تتوقف على الأداء، فعلى الأول يعتق باعترافه بسراية المدعى عليه إلى نصيبه سواء حلف المدعى عليه أم نكل. وإن قلنا بالتوقف بقي إلى أن يأخذ القيمة، وإذا أعتق نصيبه لم يسر إلى نصيب المنكر إن كان المدعى عليه مؤسرا لأنه لم يتبين العتق، فأشبه ما لو ادعى أحد الشريكين على رجل أنك اشتريت نصيبي وأعتقته وأنكر المدعى عليه، فإنه يعتق نصيب المدعي ولا يسري ولأن نصيبه عتق لا باختياره بل قضية لقوله أعتقت نصيبك، فكان كما لو ورث بعض من ينعتق عليه. ولو كان المدعى عليه معسرا أو أنكر وحلف لم يعتق شئ من العبد، فإن اشترى المدعي نصيب شريكه بعد ذلك عتق ما اشتراه لا قراره بأنه أعتقه ولا يسري إلى الباقي. أما لو كان المدعيان في المسألة الاولى معسرين لم يعتق أيضا إلا أن يشتري أحد هما نصيب الآخر فيحكم بعتق ما اشتراه لاقراره بعتق شريكه له، ولا يسري لأنه لم يثبت إعتاقه. لكن على تقدير إعسار هما يخرج العبد من أيديهما أو يستسعى في قيمته لهما باعتراف كل منهما بأن نصيبه محل لاستسعاء العبد في فكه بسبب ادعائه عتق الآخر وعدم السراية، بخلاف ما إذا كانا مؤسرين فإنه يدعي استحقاق القيمة في ذمة شريكه فلا يستوفيها من المملوك. ويحتمل استيفاؤها منه لتعذر الأداء فينزل منزلة الاعسار. أما لو كان أحد هما مؤسرا والآخر معسرا عتق نصيب المعسر خاصة إن قلنا بتعجيل السراية باتفاقهما عليه في الدعوى والاقرار، أما المؤسر فبدعوى المباشرة، وأما المعسر فبدعوى السراية. أما على القول باشتراط الأداء أو بجعل الأداء كاشفا لم يعتق نصيب المعسر،
[ 299 ]
أما نصيب المؤسر فلا يعتق مطلقا لانكاره المباشرة، ودعواه عتق المعسر لا يقتضي السراية لفقد شرطها، ولا تقبل شهادة المعسر عليه لأنه يجر النفع إلى نفسه، لكنه يجب عليه أن يحلف و يبرأ من القيمة والعتق. ثم إذا دفع المعتق قيمة نصيب شريكه وقلنا إن العتق متوقف على الأداء فهل ينعتق عند الدفع أو بعده ؟ قولان، وقد تردد المحقق في الشرايع وجعل الأشبه أنه بعد الدفع ليقع العتق عن ملك، ولو قيل بالاقتران كان حسنا، وكان هذا من فروع الخلافات التي مر ذكرها المترتب على تعجيل السراية أو توقفها. فإن قلنا بتعجيلها وقع بعد العتق بغير فصل، وكذا إن قلنا بالمراعاة كما عليه الشيخ في المبسوط كون الأداء كاشفا عن سبقه. وأما على ما اختاره المشهور من اشتراطه بالأداء فهو محل هذا الخلاف المذكور فشيخ المبسوط أنه يقع بعد أداء القيمة لما ذكرناه من وقوع العتق عن ملك لاشتراط صحة العتق مطلقا بالملك السابق عليه لاستفاضة الأخبار من النبوية وغيرها بأن لا عتق إلا في ملك أو بعد ملك، ولأنه يترتب عليه الولي وهو يقتضي وقوعه في الملك. واستوجه المحقق الاقتران، بمعنى أنهما يقعان معا ويكون الملك قبل تمام الدفع ضمنيا كما في عتق المأمور، وهذا حسن. ويجئ على القول بتعجيل السراية توجه الحكم بعتق صدورهما معا من غير تأخر السراية عنه لما ذكر، ولظاهر قوله عليه السلام ” هو حر كله ليس لله شريك “.
الثامن: قد تقدم في جملة من الأخبار بأنه إذا شهد بعض الورثة بعتق مورثهم لبعض العبيد عد إقرار وسرى في سهمه العتق، فإن شهد اثنان من الورثة وكانا عدلين ثبت العتق على جميع الورثة لوجوب المقتضي لقبول الشهادة وانتفاء المانع، ولو لم يكونا مرضيين نفذ الاقرار في نصيبهما خاصة. وعلى كل تقدير فلا سراية في باقي أسهم الورثة إلا إذا تحققت شهادة
[ 300 ]
العدلين، وذلك من باب الثبوت لا من باب السراية ” و ليس للعبد أن يحلف مع الواحد منهما بناء على أن العتق لا يثبت بشاهد ويمين كما هو المشهور، وكذا في المسائل السابقة. وفي قواعد العلامة في هذا المحل حكم بثبوته بحلف العبد مع الشاهد ووافق المشهور على عدم الصحة في باب الشهادات. وظاهر الصدوق – رحمه الله – في من لا يحضره الفقيه اشتراط عدم السراية على المقر من الورثة بالعدالة كما هو ظاهر عدة من المعتبرة مثل صحيحة محمد بن مسلم (1) عن أحد هما عليهما السلام ” قال: سألته عن رجل ترك مملوكا بين نفر فشهد أحدهم أن الميت أعتقه، قال: إن كان الشاهد مرضيا لم يضمن و جازت شهادته في نصيبه فاستسعى العبد فيما كان للورثة “. ومرسلة منصور بن حازم (2) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: سألته عن رجل مات وترك غلاما فشهد بعض ورثته أنه حر، فقال: إن كان الشاهد مرضيا جازت شهادته في نصيبه و استسعى فيها كان لغيره من الورثة “. وعلى هذا فيجب حمل إطلاق صحيحة منصور و خبر يونس عن منصور (3) أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام ” في رجل مات و ترك عبدا فشهد بعض ولده أن أباه أعتقه فقال: يجوز عليه شهادته ولا يغرم و يستسعى الغلام فيما كان لغيره من الورثة على ما إذا كان مرضيا ” حملا للمطلق على المقيد، فيدل على مفهومه على الضمان مع انتفاء العدالة لأنه أضرهم بهذا الاقرار. والمشهور بين الأصحاب عدم السراية مطلقا فكأنهم ألغوا مفهوم الخبرين المفصلين وعملوا بالأخبار المطلقة لأن الاقرار لا يوجب العتق في نفس الأمر، كما
(1) التهذيب ج 8 ص 246 ح 121 وفيه ” سألت أبا جعفر عليه السلام “، الوسائل ج 16 ص 66 ب 52 ح 1 وفيهما ” بين نفر – ويستسعى العبد “. (2) الكافي ج 7 ص 43 ح 2 وفيه ” وترك غلاما مملوكا “، الوسائل ج 16 ص 66 ب 52 ح 2. (3) الكافي ج 7 ص 42 ح 1، الوسائل ج 13 ص 401 ب 26 ح 1.
[ 301 ]
أنه لا يوجب النقل والتمليك، ولعله اشتراطه العدالة للأمر باستسعاء العبد لا لانتفاء السراية، والاحتياط لا يخفى. والعجب من الأصحاب سيما المتأخرين حيث ذكروا هذا الفرع في كتبهم المبسوطة والمتون وشروحها ولم يتعرضوا لشئ من هذه الأدلة ولم يتكلموا على مضامينها بنفي ولا إثبات، وكان عليهم أن ينقحوا مناط هذه الأخبار على وجه يندفع به التنافي بينها.
المقصد الخامس
في أحكام العتق للقرابة
وفيه مسائل، وحيث إن جامع الأصل قد تكلم على هذا المقصد في كتاب البيوع واستقصى البحث عنه كما هي طريقة كثير من الفقهاء، حيث يذكرون هذا المبحث في موضعين من كتبهم أحد هما في البيوع و الثاني في العتق، فلا بأس لو أعدنا الكلام عليه ثانيا ولو بتجديد ما تقادم عهده فنقول:
الاولى من تلك المسائل: أن من ملك الرجال البالغين ولو على جهة القهر أحد اصوله أو أحد أولاده وإن نزلوا ذكورا وإناثا عتقوا عليه، وكذلك النساء البالغات، ويختص الرجل بعتق محارمه من النساء. والأصل فيه بعد الاجماع عليه الأخبار المستفيضة قد تقدم كثير منها هناك. من تلك الأخبار صحيحة محمد بن مسلم (1) عن أبي جعفر عليه السلام ” قال: لا يملك الرجل والديه ولا ولده ولا عمته ولا خالته ويملك أخاه وغيره من ذوي قرابته من الرجال “. وصحيحة عبيد بن زرارة (2) ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عما يملك الرجل
(1) التهذيب ج 8 ص 240 ح 101، الوسائل ج 16 ص 11 ب 7 ح 2. (2) التهذيب ج 8 ص 240 ح 100 وفيه ” لا يملك والديه ولا ولده و ولا اخته ولا ابنة أخيه ولا ابنة اخته – من ذوى القرابة “، الوسائل ج 16 ص 12 ب 7 ح 4 وفيه ” لا يملك والده ولا والدته ولا اخته ابنة أخيه وا ابنة اخته “.
[ 302 ]
من ذوي قرابته، فقال: لا يمك والديه ولا اخته ولا ابنة اخته ولا عمتهو لا خالته وهو يملك ما سوى ذلك من الرجال من ذوي قرابته “. وصحيحة أبي بصير وأبي العباس وعبيد بن زرارة (1) كذلك كلهم عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: إذا ملك الرجل والديه أو اخته أو عمته أو خالته أو بنت أخيه – وذكر أهل هذه الآية من النساء – اعتقوا جميعا ويملك عمه وابن أخيه والخال ولا يملك امه من الرضاعة ولا اخته ولا عمته ” ثم ساق الحديث إلى أن قال: ” يملك الذكور ما خلا والدا أو ولدا ولا يملك من النساء ذوات رحم فقلت: كيف ؟ يجري في الرضاع ؟ قال: نعم “. وصحيحة محمد بن مسلم (2) الاخرى كما في التهذيب عن أبي جعفر عليه السلام ” ثم قال: لا يملك الرجل والده ووالدته ولا عمته ولا خالته ويملك أخاه وغيره من ذوي القرابة من الرجال “. وصحيحة محمد بن مسلم (3) أيضا كما في الكافي عن أبي جعفر عليه السلام مثله. وخبر معاوية بن وهب عن عبيد بن زرارة (4) ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام ” وذكر مثل صحيحته المتقدمة. وصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله (5) وحسنته كما في الكافي والتهذيب ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يتخذ أباه أو امه أو أخاه أو اخته عبيدا، فقال: أما الاخت فقد اعتقت حين يملكها، وأما الأخ فيسترقه، وأما الأبوان فقد
(1) التهذيب ج 8 ص 243 ح 110، الوسائل ج 13 ص 29 ب 4 ح 1 وفيهما اختلاف يسير. (2) التهذيب ج 8 ص 240 ح 101 وفيه ” والديه ولا ولده “، الوسائل ج 16 ص 11 ب 7 ح 2 وفيهما ” من ذوى قرابته “. (3) الكافي ج 6 ص 177 ح 2. (4) التهذيب ج 8 ص 240 ح 100، الوسائل ج 16 ص 12 ب 7 ح 4. (5) الكافي ج 6 ص 178 ح 6، التهذيب ج 8 ص 240 ح 99 وفيه ” عبدا “، الوسائل ج 16 ص 12 ب 7 ح 5.
[ 303 ]
عتقا حين يملكهما “. وموثقة عبيد بن زرارة (1) عن أبي عبد الله عليه السلام كما في التهذيب ” قال: سمعته يقول: لا يملك الرجل ذات محرم من النساء ولا يملك أبويه ولا ولده، وقال: إذا ملك والديه أو اخته أو عمته أو خالته أو بنت اخته – وذكر أهل هذه الآية من النساء – اعتقوا “. وحسنته كليب الأسدي (2) ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يملك أبويه وإخوته، قال: إن ملك الأبوين فقد، عتقا، وقد يملك إخوته فيكونون مملوكين ولا يعتقون “. وخبر سدير (3) كما في المجالس لابن بابويه ” قال: قلت لأبي جعفر الباقر عليه السلام: هل يجزي الولد والده ؟ قال: ليس له جزاء إلا في خصلتين: أن يكون الولد مملوكا فيشتريه فيعتقه، أو يكون عليه دين فيقضيه عند “. وموثقة أبي بصير (4) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: إذا ملك الرجل والديه أو أخته أو عمته أو خالته وبنت أخيه أو بنت اخته – وذكر أهل هذه الآية من النساء – عتقوا جميعا، وقال: يملك الذكور ما خلا والدا أو ولدا ولا يملك من النساء ذوي محرم “. وخبر أبي عيينة (5) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: قلت له: غلام بيني وبينه رضاع، يحل له بيعه ؟ قال: إنما هو مملوك، إن شئت أمسكته وإن شئت بعته،
(1) التهذيب ج 8 ص 241 ح 104 وفيه ” وذكر هذه الاية “، الوسائل ج 16 ص 12 ب 7 ح 7. (2) التهذيب ج 8 ص 241 ح 103، الوسائل ج 16 ص 13 ب 7 ح 8. (3) امالي الصدوق مجلس 70 ص 37 3 ح 9 طبع بيروت، الوسائل ج 16 ص 13 ب 7 ح 10. (4) التهذيب ج 8 ص 243 ح 112 وفيه اختلاف يسير، الوسائل ج 13 ص 29 ب 4 ح 2. (5) التهذيب ج 8 ص 244 ح 114، الوسائل ج 13 ص 29 ب 4 ح 4.
[ 304 ]
ولكن إذا ملك الرجل أبويه فهما حران “. وأما ما يدل على معتوقات المرأة زيادة على ما تقدم هناك وهنا فصحيحة أبي حمزة (1) ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المرأة ما تملك من قرابتها ؟ قال: كل أحد إلا خمسة: أبوها وامها وابنها وابنتها وزوجها “. ومعنى عدم ملكها لزوجها أنها لا تملك مع بقاء الزوجية لأنها إذا ملكته بطل العقد وحرمت عليه ما دام عبدها. والمراد بالملك المنفي عن المذكورين الملك المستقر، وإلا فأصل الملك متحقق في الجميع، وقد كشف عن ذلك أكثر أخبار هذا الباب لأن ما دل منها على نفي الملك قرر في أثناء كلامه تعليل ذلك بعتقه، وكيف يثبت العتق بغير ملك ؟ ولا فرق بين أن يدخل القريب في ملكه كالارث واختيارا بعقد معاوضة كالشراء ولو بمال المضاربة إذا ظهر للعامل ربح وكذلك كغيرها من المعاملات كالهبة والوصية، وفرق بين عتق القريب والسراية، حيث لم تثبت السراية إلا عند الاختيار، لأن العتق صلة وإكرام للقريب ولا يستدعي الاختيار، والسراية توجب التعميم والمؤاخذة، وإنما يليق ذلك بحالة الاختيار. ويفهم من هذه الأخبار وإناطة الحكم بالرجل والمرأة أن الصبي والصبية لا يعتق عليهم ذلك لو ملكوه إلى أن يبلغوا، يعضده أصالة البراءة وإن كان خطاب الوضع غير مقصور على المكلف. وفي إلحاق الخنثى هنا بالرجل والمرأة نظر: من الشك في الذكورية التي هي سبب عتق غير العمودين فيوجب الشك في عتقهم والتمسك بأصالة بقاء الملك، ومن إمكانها فيعتقون ببنائه على التغليب، وكذا الاشكال لو كان مملوكا، وإلحاقه بالانثى في الأول والذكر في الثاني لا يخلو من قوة، تمسكا بالأصل فيهما وقرابته الشبهة بحكم قرابة النكاح الصحيح، بخلاف قرابة الزنا على المشهور والأقوى، لأن الحكم الشرعي تابع للشرع لا للغة.
(1) التهذيب ج 8 ص 242 ح 106، الوسائل ج 16 ص 15 ب 9 ح 1.
[ 305 ]
الثانية لو ملك الرجل من جهة الرضاع وكذا المرأة، من ينعتق عليهما بالنسب ؟ هل ينعتق عليهما ؟ فيه روايتان، بل قولان ناشئان عن اختلاف الروايات، أشهر هما ما ذهب إليه الشيخ وأتباعه وأكثر المتأخرين إلا ابن إدريس على الانعتاق كالنسب للروايات الآتي ذكرها ولما تقدم. وذهب المفيد وابن أبي عقيل وسلار وابن إدريس إلى عدم الانعتاق. والروايات الدالة على المذهب الأول مستفيضة منها صحيحة عبد الله بن سنان (1) ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة ترضع غلاما لها من مملوكة حتى فطمته، هل يحل لها بيعه ؟ قال: لا، حرم عليها ثمنه، أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه واله: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ؟ أليس قد صار ابنها ؟ “. وصحيحة الحلبي (2) عنه عليه السلام ” في امرأة أرضعت ابن جاريتها، قال: تعتقه “. وصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله (3) عن أبي عبد الله عليه السلام ” في حديث قال: وسألته عن المرأة ترضع عبدها أتتخذه عبدا ؟ قال: تعتقه وهي كارهة، أو قال: يعتقونه وهم له كارهون “. ومثلها روايته (4) كما في الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام. وصحيحة الحلبي وعبد الله بن سنان (5) جميعا عن أبي عبد الله عليه السلام ” في امرأة أرضعت ابن جاريتها، قال: تعتقه “.
(1) التهذيب ج 8 ص 244 ح 113، الوسائل ج 16 ص 14 ب 8 ح 3 وفيهما ” تفطمه يحل لها بيعه فذهبت اكتبه، فقال أبو عبد الله عليه السلام: أو ليس مثل هذا يكتب “. (2) التهذيب ج 8 ص 243 ح 111، الوسائل ج 13 ص 29 ب 4 ح 3 وفيهما ” عن الحلبي وابن سنان عن أبى عبد الله عليه السلام “. (3) التهذيب ج 8 ص 240 ح 99، الوسائل ج 16 ص 14 ب 8 ح 2. (4) الكافي ج 6 ص 178 ح 6، الوسائل ج 16 ص 14 ب 8 ح 2. (5) الكافي ج 6 ص 178 ح 5، الوسائل ج 16 ص 13 ب 8 ح 1.
[ 306 ]
وقد تقدم في صحيحة أبي بصير وأبي العباس وعبيد بن زرارة (1) من التهذيب والفقيه ” لا يملك امه من الرضاعة ولا اخته ولا عمته ولا خالته إذا ملكن عتقن، فقال: ما يحرم من النسب فإنه يحرم من الرضاع ” وفيها ” قلت: يجري في الرضاع مثل ذلك ؟ نعم يجرى في الرضاع مثل ذلك “. وموثقة أبي بصير (2) مثلهما، وقال فيها: ” يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ” وخبر مسمع كردين (3) ” قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: امرأة لها اخت من الرضاعة أتبيعها ؟ قال: لا، قلت: فإنها لا تجد ما تنفق عليها ولا ما تكسوها، قال: فإن بلغ الشأن ذلك فنعم إذا ” لا ينافي ما تقدم، لأن النهي محمول على الكراهة بدليل قوله ” فإن بلغ الشأن ذلك فنعم إذا “. واحتج الذاهبون إلى العدم العدم برواية أبي جميلة عن أبي عينية (4) ” قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: غلام بيني وبينه رضاع، يحل له بيعه ؟ قال: إنما هو مملوك إن شئت بعته وإن شئت أمسكته “. ورواية إسحاق بن عمار (5) عن الكاظم عليه السلام ” قال: سألته عن رجل كانت له خادمة فولدت جارية فأرضعت خادمته ابنا له وأرضعت ام ولدة ابنة خادمة فصار الرجل أبا ابنة الخادم من الرضاع، قال: نعم إن شاء باعها وانتفع بثمنها “.
(1) الفقيه ج 3 ص 66 ح 3 وفيه ” فإذا ملكهن عتقن – قلت: وكذلك يجرى في الرضاع ؟ ” التهذيب ج 8 ص 243 ح 110 وفيه ” فانهن إذا ملكن “، الوسائل ج 13 ص 29 ب 4 ح 1. (2) التهذيب ج 8 ص 244 ح 112، الوسائل ج 13 ص 29 ب 4 ح 2. (3) التهذيب ج 7 ص 83 ح 70، الوسائل ج 13 ص 30 ب 4 ح 5. (4) التهذيب ج 8 ص 244 ح 114، الوسائل ج 13 ص 29 ب 4 ح 4 وفيهما ” يحل لى بيعه “. (5) التهذيب ج 8 ص 244 ح 117، الوسائل ج 16 ص 14 ب 8 ح 4 وفيهما اختلاف يسير.
[ 307 ]
ورواية عبد الله بن سنان (1) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: إذا اشترى الرجل أباه وأخاه وملكه فهو حر إلا ما كان من قبل الرضاع “. ورواية الحلبي (2) عنه عليه السلام ” في بيع الام من الرضاع، قال: لا بأس بذلك إذا احتاج “. واجيب عن هذه بعد الطعن وجميعا لضعف السند فلا تعارض الصحيحة، لأن الاولى لا تدل على المطلوب لظهورها من أن المراد من الغلام الأخ. وعن الثانية بما أجابه به الشيخ بأن الضمير في ” باعها ” عائد إلى المرضعة الخادم دون ابنتها بقرينة قوله في آخرها ” فيبيع الخادم وقد أرضعت ابنا له ! – متعجبا من ذلك – فقال: نعم، وما أحب له أن يبيعها “. وعن الثالثة بأن الاستثناء عائد إلى الاأخ دون الأب، ومع ذلك فهي مشتملة على ما لا يقولون به من مشاركة الأخ للأب في الانعتاق فلا يمكن الاعتماد عليها ولا حاجة إلى ما تكلفه بعض علمائنا من جعله ” إلا ” فيها عاطفة بمعنى الواو لمجيئها في كثير من المواضع بمعناها، فيكون المعنى: إذ ملك الرجل أباه فهو حر وما كان من جهة الرضاع. وعن الرابعة بأن يكون إنما جاز بيع الام من الرضاع لأب الغلام دون الولد. وأوجه المحامل في هذه الأخبار التقية، لأن المشهور بينهم على أنها ضيعة عاجزة عن المعارضة لتلك الصحاح مع تكثرها.
الثالثة: كما ينعتق جميعه بالملك ينعتق بعضه لاشتراكهما في المعنى المقتضي للحكم والدليل ثم إن ملك البعض بغير اختياره كالارث – فقد تقدم الخلاف في السراية على الباقي وإن ملكه باختياره بأن اشتراه أو أتهبه – فهل يسري عليه ؟ قولان: أحد هما
(1) التهذيب ج 8 ص 245 ح 118. (2) التهذيب ج 8 ص 245 ح 119.
[ 308 ]
نعم، ذهب إليه شيخ المبسوط وجماعة لأن ملكه مع العلم بأنه ينعتق عليه بمنزلة مباشرته للعتق لتساويهما في السببية، فيتناوله عموم ” من أعتق شقصا ” لأن فاعل السبب اختيارا كفاعل المسبب. وتردد المحقق في ذلك من حيث إنه إنما اختار الملك لا العتق فلا يصدق عليه أنه أعتق حقيقة. ويمنع أن اختيار السبب يمنع اختيار المسبب مطلقا أو فعله يقتضي فعله لأن المسبب يترتب على السبب على وجه الايجاب لا الاختيار. واحتمل ثاني الشهيدين في المسالك التفصيل، والفرق بين العالم بالحكم والسبب فيسري عليه والجاهل بهما أو بأحد هما فلا يسري، إذ لا يتجه اختيار المسبب بدون السبب بذلك.
الرابعة: ليس للمولى على الطفل والمجنون أن يشتريا لهما من ينعتق عليهما بالقرابة، فإن فعل فالشراء باطل لأنه إتلاف مال محض، أما لو وهب أقربيهما أو وصى به إليهما نظر، فإن كان الصبي معسر جاز له قبوله، فإذا قبله عتق عليه لأنه لا ضرر فيه على الصبي، هذا إن قلنا بانعتاقه عليه. أما لو لم ينعتق عليه في الحال كما حققناه فيما سبق من أن العتق بالقرابة يتوقف على ملك البالغ، ولا بأس بالقبول وبالشراء. ثم إنه يباع في الحال بل هو في تلك الحال على تقدير انعتاقه عاجلا جمال، وربما كان له فيهما منفعة، وقد يكتسب فينفق على الصبي، ولا اعتبار بأن الصبى قد يؤسر فلا تجب النفقة عليه وإنما يعتبر الحال. وعلى هذا عند توجه المصلحة هل يجب على الولي القبول ؟ وجهان: من ظهور المصلحة للمولى عليه بتخليص قريبه من الرق مع انتفاء الضرر مع رجاء النفع في كثير من الحالات فكان أبلغ من حفظ ماله اليسر والتكسب به على بعض الوجوه وهو اختيار شيخ المبسوط، ومن أصالة العدم، وظاهر محقق الشرايع والنافع لاقتصاره على مجرد الجواز، مع أنه لا ينافي الوجوب فيمكن رد اختياره له وإن كان المولى عليه مؤسرا، فإن كان القريب بحيث تجب نفقته في الحال
[ 309 ]
بأن يكون زمنا أو غير كسوب لم يجز للمولي القبول لئلا يتضرر الصبي بالانفاق عليه من ماله، وإن كان مما لا تجب نفقته كمحارمه من النساء غير العمودين فعلى ما تقرر في المعسر. ولقد أحسن الشيخ في المبسوط حيث قال: فإن كان صحيحا ولا يكون أبدا إلا فقيرا فإنه مملوك نظر، فإن كان مكتسبا لم تجب نفقته على ولده فعلى وليه أن يقبله، أما إذا أوصى له بالبعض أو وهب له، فإن كان المولى عليه معسرا قبله قبله الولي لما تقدم من عدم دخول الضرر عليه به بل فيه الجمال والمنفعة بلا مؤونة ولا تقويم عليه، وإن كان مؤسرا فإن لم تجب النفقة عليه ففيه حينئذ قولان:
(أحدهما) أنه لا يقبل لأنه لو قيل العتق على الصبي وإذا عتق سرى ولزمه قيمة الشريك وفيه إضرار بالصبي.
(الثاني) يقبل ويعتق عليه ولا يسري إذا تضرر الصبي، ووجهه أيضا بأن الاختيار له في حصول الملك. وتنظر ثاني الشهيدين في المسالك في الوجه الأخير بأن اختيار الولي كاختياره، وكيف كان فالمختار ما اختاره المحقق، والأكثر من عدم السراية، وهو اختيار الشيخ في المبسوط، وإن ذهب في الخلاف إلى السراية لعدم الدليل على ذلك.
الخامس: لو اشترى الزوج والولد أمة صفقة واحدة وهي حامل بنت قومت حصة الزوج على الابن وعتقت البنت عليهما معا لأنها بنت للزوج واخت للابن وليس لأحد هما على الآخر شئ. وكذا لو وهبت لهاو قبلاها دفعة، ولو قبلها الابن أولا عتقت هي وحملها وغرم القيمة للزوج أو الواهب على إشكال، ووجهه في هذه المسألة أن قبول الزوج تأخرا لا ينافي التواصل المشروط بين الايجاب والقبول كالنفس، أو تم قبول الابن عند قبول الأب مع اتصاله وعدم انقطاعه، والاشكال ناش من أن سبب ملك
[ 310 ]
الزوج العقد المركب من الايجاب والقبول، والمركب متأخر عن كل واحد من أجزائه، والمسبب لا يتقدم على السبب، فقبل القبول لا يملك الزوج، وإذا هلكت غير الموهوب قبل القبول بطلت الهبة فتكون القيمة للواهب، وهذا هو الصحيح عند جماعة من محققي أصحابنا فخر المحققين والمحقق الثاني في حواشي الارشاد وأول الشهيدين في شرح نكت الارشاد. ويحتمل أن يكون للموهوب لأن القمية قائمة مقام العين وقد تعلق حق الزوج باستحقاق تملكها فيتعلق بالقيمة كذلك. وهذا الاحتمال بعيد جدا بل ليس له وجه كما حققه فخر المحققين في إيضاح القواعد لأن مستحق القيمة إنما هو المالك حقيقة لا من يملك إن يملك، ولا مع من ملكه مع السراية ووجوب القيمة بعدها ومبنى هذه المسألة على أن السراية بلفظ هو سبب العتق، فعلى كونها للواهب يكون على الابن نصف القيمتين للواهب وعلى كونها للموهوب يغرم للزوج نصف قيمة الام، ولو قبل الزوج أولا عتق عليه الولد كله، ثم إذا قبل الابن عتق عليه الام كلها، وإنما كان كذلك لأنه أذا قبل الزوج أولا دخلت الزوجة وبنتها في ملكه وانعتقت البنت لمكان ملكه لها وملك الزوجة لأنها لا تنعتق على الزوج وإن انفسخ النكاح، ثم إذا قبل الابن عتقت عليه الام كلها ويتقاصان على الأول ويرد كل منهما الفضل على صاحبه نصفه بالملك والنصف الآخر بالسراية، ويضمن قيمة الولد للابن على الاحتمال، فإذا قبل الابن ملك نصف الام وانعتقت عليه بالملك والسراية فيضمن للزوج نصف قيمة الام فيتقاصان ويرد من فضل على صاحبه المفضل. هكذا قرر الحكم العلامة في القواعد، وتنظر فيه ابنه في شرحه عليها، لأن التقاص مبني على أن قيمة السراية للموهوب له، فإذا كان الموهوب له ممن ينعتق عليه المملوك ففي التقاص نظر، لأن العلامة على تقدير أن تكون القيمة للموهوب له لم يوجب للزوج نصف قيمة البنت لأنها تنعتق
[ 311 ]
عليه، وهو يقتضي أن لا يكون للولد مطالبتة بقيمة نصف اخته لأنها تنعتق عليه أيضا، فلا تقاص. فالحكم باستحقاق الابن الرجوع على الزوج بنصف قيمة البنت مع تقدم قبول الزوج وتقدم رجوع الزوج بنصف قيمة البنت على الابن لو تقدم قبول الابن والتقاص مما لا يجتمعان. لكن العلامة لم يصرح بعدم تقويم نصف البنت على الزوج أولا، ولما كان الحق عند القيمة للواهب كما تقدم في المسألة الاولى فإذا تقدم قبول الزوج كان نصف الام له وبطل نكاحه ولم ينعتق عليه وله نصف البنت أيضا وينعتق عليه ويسري ويغرم قيمة البنت للواهب، ومع قبول الابن يملك نصف الام وينعتق عليه ويسري إلى النصف الذي يملكه الزوج وعليه قيمته للزوج، وإن تقدم قبول الابن انعتقت عليه وضمن نصف القيمة للواهب. وليست الوصية كالهبة في هذه المسائل والفروع لأن القبول في الهبة جزء من السبب إجماعا. وأما من الوصية فخلاف مشهور، فقال بعضهم: قبول الموصي أنه كاشف له عن قبول قوله بالموت، ورده يكشف عن عدم ملكه وبطلانها لأن استحقاقه يتعلق بالموت فأشبه الميراث، ولقوله تعالى ” من بعد وصية يوصي بها أو دين ” (1) وكذلك الأخبار الدالة على أنه يبدأ بالدين ثم الوصية ثم الميراث كما تقدم في كتاب الوصايا، وليس ثم غير مجرد الايصاء من غير اعتبار القبول، ولأنه جعل الميراث بعد الايصاء، فقبل القبول إما أن لا يكون ملكا لأحد وهو محال أو يكون ملكا للميت وهو محال لأنه بالموت خرج عن صلاحية الملكية إذ الموت سبب تام لنقل الملك عنه، ولا الوارث لأن البعيد لا يكون قبلا ولا غيرهم إجماعا فتعين الموصى لهم فيكون القبول كاشفا.
(1) سوره النساء – آية 11.
[ 312 ]
وقيل: القبول سبب، وهو الأقوى لأنه تمليك بعقد فيتوقف على القبول كسائر العقود، لأن العقد مركب وجزء السبب التام ناقص لا تام. ويتفرع على القولين النماء المتجدد بين الايجاب والقبول، وعلى هذا فتكون الوصية كالهبة، ويتوجه كلام العلامة وإطلاقه، إلا أنه كما ترى موضع خلاف فلا تكون المسألة إجماعية كالهبة.
السادس: لو اشترى الوكيل بعض من ينعتق على موكله جاهلا بالنسب، فالكلام هنا في موضعين: أحد هما: هل يقع هذا الشراء أم يتوقف على إجازة المالك ؟ فيه نظر ينشأ من إطلاق الموكل الاذن في شراء مملوك، وهذا مملوك وقع عليه الشراء، ومن حيث إن الظاهر أن الموكل إنما أذن له في شراء مملوك يستقر ملكه عليه، وهذا ليس كذلك بل فيه إتلاف المال لأنه وقع بإزاء ملك لا يستقر مع إيجاب نفقته عليه إن كان مما تجب نفقته، وحينئذ يصير الشراء فضوليا فيقع إما باطلا أو موقوفا على الاجازة على الخلاف المشهور، والمختار البطلان. ويتفرع على ذلك العتق، فمتى صح الشراء انعتق، فصحة الشراء والعتق هنا متلا زمان، والأقوى أن صحة الشراء موقوفة على تضمن وكالته شراء النسب الذي ينعتق على الموكل.
ثانيهما: على القول بعتقه هل يقوم عليه الباقي أم لا ؟ وفيه نظر، ووجهه أنه ملك بعض قريبه بسبب اختياري لأنه من وكيله وأفعاله منسوبة إلى اختيار موكله وإلا لم يصح، ومن حيث إنه لو فعله الوكيل عالما لم ينفذ إلا مع إجازة الموكل، فمع الجهل أولى لأنه غير مقصود للوكيل، لأن المقصد مشروط بالعلم ولأن الشراء في العالم اختيار للعتق لأنه اختيار للسبب بخلاف الجاهل، وعلى ما اخترنا وهو أنه إن ضمنت الوكالة شراء القريب صح الشراء وانعتق وقوم عليه أيضا، وإلا فلا.
[ 313 ]
ولو اشتراه وهو جاهل بالسبب فانعتق فهل يقوم عليه ؟ فيه نظر، منشأه مبني علي مقدمتين:
(أحدهما) اختيار السبب هل هو اختيار المسبب ؟
(ثانيهما) أن فاعل السبب هل هو فاعل المسبب أم لا ؟ وهذه مسألة كلامية اختلف المتكلمون فيها وتبعهم الفقهاء في الخلاف أيضا، إلا أن المشهور بين الفريقين أن فاعل السبب فاعل المسبب سيما في الأسباب الشرعية، فعلى الأول يقوم عليه وعلى الثاني فلا. وأما ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن قيس (1) عن الصادق عليه السلام ورواه على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام من الصحيح وغيره كما مر في كتاب المضاربة وفيها ” رجل دفع إليه رجل آخر ألف درهم مضاربة فاشترى أباه وهو لا يعلم، فقال: يقوم، فإن كان درهم واحد أعتق ويستسعى في مال الرجال ” فإن الضمير في ” أباه ” الظاهر رجوعه إلى العامل والضمير في ” يستسعى ” للعبد المعتق. لكن في دلالة هذه الرواية على أحد المذهبين نظر لجواز كون العامل معسرا فلا يقوم عليه، والأقوى الانعتاق عليه مع اليسار ويقوم عليه الباقي لاختياره السبب، ويستسعى العبد مع إعساره مثل ما لو أعتقه ابتداء.
المقصد السادس
في أحكام العتق بالعوارض وبقية الأسباب
وهو يشتمل على مسائل:
الاولى: في عوارض آفات البدن وهو العمى والجذام والاقعاد، وانعتاق العبد والأمة بهذه الأسباب مشهور بين الأصحاب حتى كاد يكون إجماعيا والروايات به عن أهل البيت مستفيضة. أما العمى والجذام فيدل عليها من الأخبار خبر حماد بن عثمان (2) عن
(1) التهذيب ج 8 ص 242 ح 107 وفيه ” محمد بن ميسر “، الوسائل ج 13 ص 188 ب 8 ح 1 وفيهما اختلاف يسير. (2) الكافي ج 6 ص 189 ح 4، الفقيه ج 3 ص 84 ح 4، الوسائل ج 16 ص 31 ب 23 ح 1. وما في المصادر ” فقد عتق “.
[ 314 ]
أبي عبد الله عليه السلام ” قال: قال: إذا عمي المملوك عتق “. ورواه الصدوق مرسلا. وخبر السكوني (1) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله: إذ عمي المملوك فلا رق عليه والعبد إذا جذم فلا رق عليه ” هكذا في الكافي، ورواه الصدوق في الفقيه بإسناده عن السكوني مثله إلا أنه قال ” إذا عمي العبد “. وخبر أبي البختري (2) كما في الكافي والتهذيب عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: إن أمير المؤمنين عليه السلام قال: لا يجوز في العتاق إلا الأعمى والمقعد ويجوز الأشل والأعرج “. وخبر أبي البختري (3) أيضا كما في الفقيه وقرب الأسناد مثله إلا أنه قال ” لا يجوز في العتاق إلا الأعمى والأعور “. ورواه الصدوق في المقنع مرسلا. وخبر إسماعيل الجعفي (4) عن أبي جعفر عليه السلام ” قال: إذا عمي المملوك عتقه صاحبه ولم يكن له أن يمسكه “. وصحيحة حماد بن عثمان (5) كما في محاسن البرقي عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: إذا عمي الغلام عتق “. وقد إلحق ابن حمزة بالجذام البرص، وقال ثاني الشهيدين في مسالكه بعد نقله لذلك عنه: ونحن في عويص من إثبات حكم الجذام لضعف المستند إن لم يكن إجماع، فيكف يلحق به البرص ؟ وكأنه أشار بهذا الكلام إلى رواية السكوني
(1) الكافي ج 6 ص 189 ح 2، الفقيه ج 3 ص 84 ح 3 وفيه ” أجذم “، الوسائل ج 16 ص 32 ب 23 ح 2. (2) الكافي ج 6 ص 196 ح 11، التهذيب ج 8 ص 230 ح 65، الوسائل ج 16 ص 32 ب 23 ح 4. (3) الفقيه ج 3 ص 85 ح 15، قرب الاسناد ص 74، المقنع ص 162، الوسائل ج 16 ص 32 ب 23 ح 5. (4) الكافي ج 6 ص 189 ح 3، الوسائل ج 16 ص 32 ب 23 ح 6 وفيهما ” أعتقه “. (5) المحاسن ص 625 باب اتخاذ العبيد والاماء، الوسائل ج 16 ص 33 ب 23 ح 7.
[ 315 ]
حيث لم تضمن شئ من الأخبار المذكورة للجذام سواهما، إلا أن الاجماع قد نقله غير واحد. وأما الاقعاد فقد اعترف غير واحد من المتأخرين بأنه لم نقف له على مستند وأما المحقق في النافع فنسبه إلى الأصحاب مؤذنا بعدم وقوفه على دليله، ولكن لم يظهر فيه مخالف، حتى ابن إدريس وافق عليه لشبيهة أنه إجماع، وهو من هؤلاء عجيب جدا. وقد جاء في الروايات ما يدل على ذلك مثل خبر أبي البختري المتقدم بطرق عديدة كما سمعت وفيها ” لا يجوز في العتاق إلا الأعمى والمقعد ويجوز الأشل والأعرج “. وموثقة غياث بن إبراهيم (1) كما في التهذيب عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام ” قال: لا يجزي الأعمى في الرقبة ويجزي عما كان فيه مثل الأشل والأقطع والأعرج ولا يجوز المقعد “. وخبر السكوني (2) كما في التهذيب عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام ” قال: العبد الأعمى والمجذوم والمعتوق والمقعد لا يجوز في الكفارات لأن رسول الله صلى الله عليه واله أعتقهم “. وهذه الأخبار كافية في ثبوت هذا الحكم بعد قيام الاجماع عليه وبدونه. وأما ما قاله ثاني الشهيدين في المسالك بعد نسبته إلى الأصحاب العتق لهؤلاء بهذه الأسباب، وفي الحقيقة الحكمة في انعتاق المملوك بهذه العوارض غير واضحة لأن عجزه عن الاكتساب يناسبه استصحاب الرق لتجب نفقته على المولى
(1) التهذيب ج 8 ص 319 ح 2، الوسائل ج 15 ص 587 ب 27 ح 2 وفيهما ” ما كان منه مثل الاقطع والاشل والاعرج والاعور “. (2) التهذيب ج 8 ص 324 ح 20، الوسائل ج 15 ص 587 ب 27 ح 3 وفيهما ” الاجذم والمعتوه لا يجوز “.
[ 316 ]
فيقتصر منه على محل الوفاق أو النص الصالح لا ثبات الحكم. وفيه نظر، لأن فكه من حبل العبودية وقيودها ليس إلا لمكان راحته مع اتصافه بصفات أهل الايمان وأهل البلاء والبلوى، مع أن العجز من الأسباب المرجحة للعتق وسيما إذا جعل له ما يقوم بأكله ومؤونته.
الثانية: في بيان عتق من مثل به مولاه كما هو المشهور بين الأصحاب، وعليه قد دلت جملة من الروايات، وتردد فيه المحقق في الشرايع وجعل العتق بالتنكيل رواية، وخالف ابن إدريس ونسب الحكم إلى رواية الشيخ، ولا وجه في إخراجه عن العوارض السابقة لأن مستند غير العمى أضعف منه وفتوى الأصحاب مشتركة، ومستنده من الأخبار: خبر جعفر بن محبوب (1) عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام كما في الكافي والتهذيب ” قال: كل عبد مثل به فهو حر “. وموثقة أبي بصير (2) عن أبي جعفر عليه السلام ” قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام فيمن نكل مملوكه أنه حر لا سبيل له عليه سائبة يذهب فيواري إلى من أحب فإذا ضمن حدثه فهو يرثه “. وصحيحة هشام بن سالم (3) كما في الفقيه عن أبي جعفر عليه السلام مثله. وموثقته (4) كما في الكافي مثله. ورواه في المقنع (5) مرسلا.
(1) الكافي ج 6 ص 189 ح 1، التهذيب ج 8 ص 223 ح 34، الوسائل ج 16 ص 30 ب 22 ح 1. (2) التهذيب ج 8 ص 223 ح 35 الوسائل ج 16 ص 31 ب 22 ح 2 وفيهما ” فيتولى الى من “. (3) الفقيه ج 3 ص 85 ح 5. (4) الكافي ج 7 ص 172 ح 9. (5) المقنع ص 160.
[ 317 ]
ومرسلة الفقيه (1) ” قال: روي في امرأة قطعت ثدي وليدتها أنها حرة لا سبيل لمولاتها عليه “. والرواية الاولى من هذه الروايات قد قدح في طريقها شهيد المسالك بجهالة الراوي مع الارسال. وفي الثاني بأن في طريقها عبد الحميد، و هو مشترك بين الثقة والضعيف، بل الظاهر أنه خارج عن القسمين لأن طبقته أعلى من طبقته فيكون مجهولا، وعلى التقديرين يضعف الطريق، وأبو بصير – قد عرفت مرارا – أنه مشترك فتكون ضعيفة، ومع هذا فقد وصفها في المختلف بالصحة، و ليس كذلك. وفيه نظر، لأن طريقها في الفقيه من الصحيح لخلوها عن عبد الحميد وأبي بصير لأن راويها هشام بن سالم وإن كان رواها تارة عن نفسه وتارة عن أبي بصير إلا أن الظاهر أن المراد بأبي بصير ليث المرادي بتصريح جماعة بأن هشام بن سالم من قرائبه، فيكون ما ذكره في المختلف هو الأوضح. ولعل وجه تردد المحقق في هذا الحكم هو ما ظهر له في بادي الرأي من ضعف المستند ومن اشتهاره بين الأصحاب، وقربه إلى التردد مخالفة ابن إدريس، وإلا فقد عرفت أن الحكم ما تقدم سيما الجذام أولى بذلك. وإذا تقرر ذلك فالتنكيل لغة فعل الأمر الفضيع بالغير، يقال: نكل به تنكيلا إذا جعله نكالا وغيره لغيره، مثل أن يقطع لسانه أو أنفه أو اذنيه أو شفيته أو نحو ذلك، وليس في كلام الأصحاب ما يدل على المراد بل اقتصروا على تعليق الحكم على مجرد الاسم لا طلاق النصوص. وفي بعض روايات العامة ما يدل على أن الجدع تنكيل حيث رووا (2) ” أن زنباعا أبا روح وجد غلاما مع جارية له فجدع أنفه وجبه، فأتى النبي صلى الله عليه واله
(1) الفقيه ج 3 ص 85 ح 6، الوسائل ج 16 ص 31 ب 22 ح 3. (2) مسند أحمد بن حنبل ج 2 ص 182 طبع بيروت.
[ 318 ]
فقال: من فعل هذا بك ؟ قال: زنباع، فدعا النبي صلى الله عليه واله فقال: ما حملك على هذا ؟ فقال: كان الأمر كذا وكذا، فقال النبي صلى الله عليه واله اذهب فأنت حر “. وفي رواية اخرى (1) من طريقهم ” قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه واله صارخا فقال له: مالك ؟ قال: سيدي وافاني اقبل جارية له فجب مذا كيري، فقال له النبي صلى الله عليه واله: اذهب فأنت حر “. ثم قال ثانى الشهيدين: وليس ببعيد. ويترتب على هذا أن المماليك الخصيان ينعتقون على مواليهم إذا فعلوا بهم ذلك فلا يصح شراء هم لمن علم ذلك، وعلى اشتباه كون الفعل من مولاه مبني على بقاء أصالة الملك. وعلى هذا حمل صحيحة رفاعة (2) التي مر ذكرها في مقدم كتاب العتق وفي البيوع، وإن كان ظاهرها أن ذلك فعل مواليهم بهم لأن صورتها هكذا: ” قلت لأبي الحسن عليه السلام إن الروم يغيرون على الصقالبة فيسرقون أولادهم من الجوارى والغلمان، فيعمدون إلى الغلمان فيخصونهم، ثم يبعثون بهم إلى بغداد إلى التجار، فما ترى في شرائهم ونحن نعلم أنهم قدسرقوا وإنما أظهروا عليهم من غير حرب كانت بينهم ؟ فقال: لا بأس بشرائهم، إنما أخرجوهم من الشرك إلى دار الاسلام ” يحمل ما وقع في السؤال من قوله ” فيعمدون إلى الغلمان فيخصونهم ” من أن ذلك لم يقع من مواليهم على سبيل اليقين وإنما هو على سبيل الظن والتخمين، ولو تحقق ذلك أوجب له الانعتاق وأدخله في التنكيل لعموم الدليل. والجمع بين صحيحة رفاعة وبين ما رواه في الجعفريات (3) بالاسناد المشهور عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عليهم السلام ” قال: رفع إلى علي بن أبي طالب عليه السلام رجل
(1) سنن ابن ماجة ج 2 ص 894 ب 29 ح 2680 كتاب الديات طبع بيروت. (2) الكافي ج 5 ص 210 ح 9، الوسائل ج 13 ص 27 ب 2 ح 1 وفيهما ” وانما أغاروا عليهم “. (3) الجعفريات ص 123.
[ 319 ]
أخصى عبده فأعتق علي عليه السلام العبد وعاقبه، وقال: من مثل بعبده أعتقنا العبد مع تعزير شديد نعزر السيد “. وفي الجعفريات (1) بإسنادها المشهور أيضا في غير الخصي من التنكيل عن علي بن الحسين عليه السلام ” أنه قضى في رجل جدع أنف عبده فأعتقه علي عليه السلام وعزره “. وفيه (2) أيضا عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عليهم السلام ” قال: قضى علي عليه السلام في رجل جدع أنف عبده فأعتقه علي عليه السلام وعاقبه “. وبهذا اتضح لك قوة هذا الدليل وتكثر الروايات به، وفيها الصحيح وغيره. نعم يجب عند الشك في بعض العقوبات وإطلاق التنكيل عليها كقلع العين الواحدة والاذن الواحدة ونحو ذلك الرجوع فيه وفي كل موضع من مواضع الاشتباه إلى حكم الأصل وهو استصحاب حكم الرق إلى أن يثبت المزيل، لكن الظاهر من خبر الجعفريات الأخيرة ومن مرسلة الفقيه حصول التنكيل بقطع إذن واحدة وثدي واحد بإطلاق الخبرين المذكورين وإن احتملا إرادة الجنس.
الثالثة: في إسلام المملوك في دار الحرب سابقا على مولاه، فإن المروي أنه من أسباب العتق. واشترط الشيخ خروجه إلينا قبله أيضا لما رواه في التهذيب والفقيه من قوله عليه السلام ” أيما عبد خرج قبل مولاه فهو حر “. وظاهر المحقق عدم اشتراط خروجه قبله، وبه صرح ابن إدريس لحصول الاسلام المانع من ملك الكافر له، وهو ممنوع لأن الاسلام إنما يمنع من دوام الملك وبقائه لا مطلقا، والمحقق في الجهاد اشترط خروجه قبله، ولعله أجمل الحكم في كتاب العتق اتكالا على ما سبق. وأما الرواية المشار إليها في التهذيب فقد رواها الشيخ عن السكوني (3) عن جعفر عن أبيه عن أبائه عليهم السلام ” أن النبي صلى الله عليه والهحيث حاصر أهل الأطائف قال:
(1) و (2) الجعفريات ص 123. (3) التهذيب ج 6 ص 152 ح 1.
[ 320 ]
أيما عبد خرج إلينا قبل مولاه فهو حر، وأيما عبد خرج إلينا بعد مولاه فهو عبد “. فيكون ما اشترطه المشهور تبعا للشيخ من خروجه قبل مولاه معتبر والاطلاق لا مستند له، وضعف الرواية هنا في الاصطلاح الجديد غير مضر على مختار القدماء لأن المدار في الصحة على القرائن لا على تعديل الرواة وجرحها.
الرابعة: قد بقي من الأسباب الموجبة للعتق انحصار الارث فيه. ومقتضى إلحاقهم السببية على ذلك أنه ينعتق بمجرد اشترائه، وليس كذلك لما سيأتي في الأخبار الواردة به. وكذلك الفتوى في كتاب الميراث التصريح بعتقه بعد الشراء فتكون السببية المنتسة إلى الارث وإلى الشراء بسببية بعيدة ومقولة على ذلك بالتجوز، وسيأتي تفاصيل أحكامها وتفاصيلها في أحكام الميراث إن شاء الله تعالى، ولا بأس بذكر بعض الأخبار الواردة في ذلك لينكشف بها وجه السببية، وليكن هذا الكتاب مشتمل على ذكر جميع الأسباب. فمنها صحيحة سليمان بن خالد (1) عن أبي عبد الله عليه السلام ” سمعته يقول في الرجل الحر يموت وله ام مملوكة، قال: تشترى من مال ابنها ثم تعتق ثم يورثها “. وصحيحة عبد الله بن سنان (2) ” قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في رجل توفي وترك مالا وله ام مملوكة، قال: تشترى امه وتعتق ثم يدفع إليها بقية المال “. وصحيحة جميل (3) ” قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل يموت وله ابن مملوك، قال: يشتري ويعتق ثم يدفع إليه ما بقي “. والأخبار بهذا المعنى كثيرة جدا، وأما تفاصيل شرائط هذا العتق وبيان محال مواضعه المنصوصة والمختلف فيها والمتفق عليها فموكولة بياناتها إلى كتاب الميراث.
(1) التهذيب ج 9 ص 334 ح 4، الوسائل ج 17 ص 406 ب 20 ح 7 وفيهما ” قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول “. (2) و (3) الكافي ج 7 ص 147 ح 2 و 4، الوسائل ج 17 ص 404 ب 20 ح 2 و 4.
[ 321 ]
المقصد السابع
في بيان العتق بالتدبير
وهو مشتق من الدبر، والمراد به تعليق العتق بدبر الحياة، سمي تدبيرا لأنه دبر أمر دنياه باستخدامه واسترقاقه وأمر آخرته بإعتاقه، وهذا راجع إلى الدبر أيضا لأن التدبير في الأمر مأخوذ من لفظ الدبر لأنه نظر في عواقب الأمر وإدباره، ولا خلاف بين علماء الاسلام في صحة عتق المملوك معلقا على وفاة مولاه. واقتصر المحقق وجماعة على تعريفه بما ذكرناه إيثارا لتعريف الفرد المتفق عليه لا الحصر، وإن كانت الصيغة تقتضيه من جهة أن المبتدأ منحصر في الخبر، والحصر إضافي لا مطلقا. وقد اختلف الأصحاب – رضوان الله عليهم – في صحته معلقا على وفاة غير المولى في الجملة، فذهب جماعة منهم المحقق والعلامة وقبلهما الشيخ وأتباعه إلى الصحة، وذهب ابن إدريس إلى المنع من تعليقه بوفاة غير المولى مطلقا، وربما قيل بجواز تعليقه بموت غير الآدمي، ومنهم من علقه على موضع النص وهو من شرطت الخدمة له. والذي وقفنا عليه من الأخبار الدالة على جواز تعليقه على وفاة غير المولى صحيحة يعقوب بن شعيب (1) ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون له الخادم فيقول: هي لفلان تخدمه ما عاش فإذا مات فهي حرة، فتأبق الأمة قبل أن يموت الرجل بخمس سنين أو ست سنين ثم يجدها ورثته، ألهم أن يستخدموها بعد ما أبقت ؟ فقال: لا، إذا مات الرجل فقد اعتقت “.
(1) التهذيب ج 8 ص 264 ح 28، الوسائل ج 16 ص 96 ب 11 ح 1 وفيهما اختلاف يسير.
[ 322 ]
وخبر محمد بن حكيم (1) كما في التهذيب ” قال: سألت أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام عن رجل زوج أمته من رجل آخر وقال لها: إذا مات الزوج فهي حرة، فمات الزوج، فقال: إذا مات الزوج فهي حرة تعتق، فعدتها عدة المتوفى عنها زوجها، ولا ميراث لها منه لأنها صارت حرة بعد موت الزوج “. فالأحوط إذا القول بقصد التدبير على هذه الثلاثة الأصناف وهو المولى والمشروط له الخدمة والزوج، ويختص الأخيرين بالأمة، ولا يمكن أن يحتج بهذين الخبرين على التعميم كما وقع للشيخ وأتباعه بناء على أصل الجواز ولقبول العتق التأخير كقبوله للتنجيز، ولا تفاوت بين الأشخاص، وقد جاء معلقا بوفاة المولى مطلقا، فيجوز بوفاة غيره لمرجع هذا الاستدلال إلى القياس، ولأن الرواية الصحيحة المذكورة التي هي الركن الأعظم في الاستدلال إنما دلت على جواز تعليقه بوفاة المخدوم، فتعديته إلى غيره [ و ] غير الزوج من القياس أيضا، وهم لا يقولون به لعدم توجه قياس الأولوية، بل مورد هذا النص الصريح كما ترى الأمة، وكذلك خبر محمد بن حكيم إلا أن ثاني الشهيدين قال: وخصوصية الذكورية والانوثية قد يدعى أنها ملغاة. وأما الأصل فمدفوع بأن التدبير إن كان عتقا معلقا فهم لا يقولون بجوازه مطلقا بل هو مقصور على محل النص والوفاق، وإن كان وصية – كما هو القول المشهور – فلا يجوز تعليقها بوفاة غير المولى إجماعا. وبهذا يحصل الفرق بين وفاة المولى وبين غيره بجواز التعليق وعدمه، فلا يجوز من جوازه معلقا على بعض الوجوه لمكان الدليل جوازه مطلقا. وبالغ ابن إدريس في المنع من تعليقه بوفاة غير المولى مطلقا تمسكا بموضع الوفاق وردا للخبر وإن صح طريقه لأنه عنده من أخبار الآحاد، وادعى أن
(1) التهذيب ج 7 ص 344 ح 38، الوسائل ج 16 ص 97 ب 11 ح 2 وفيهما ” من رجل حر ” مع اختلاف يسير.
[ 323 ]
التدبير شرعا تعليق عتق وفاة المولى فلا يتعدى إلى غيره، وبأنه لو صح معلقا على وفاة غيره للزم بطلانه بالاباق كما يبطل المعلق بموت السيد. ورد دليله الأول بأنه مصادرة ومقابلة للنص بالاجتهاد، ورد النافي بمنع الملازمة. والفرق في ذلك مقابلة نعمة السيد بالكفر فقر بل بنقيض ذلك كقاتل العمد في حرمانه الارث بخلاف الاجنبي، وقد أسند المحقق في شرايعه جواز تعليقه على موت الزوج إلى الدليل كمن جعلت له الخدمة. وقال منازعه ثاني الشهيدين في مسالكه: ومقتضى هذا الكلام وجود النقل على صحة ذلك. ثم قال: وليس كذلك وإنما الوجود من النقل ما حكيناه من الرواية مشيرا بها إلى صحيحة يعقوب بن شعيب وهي مختصة بتعليقه على وفاة المخدوم فإن تعديته إلى غيره غير مسندة إلى النقل، فإن روعيت الملابسة فهي لا تخرج عن ربقة القياس، فلا وجه لاختصاصه بهذين لأن وجوه الملابسة لا تختص، فيجئ على هذا جواز تعليقه بالوفاة مطلق الملابسة بل مطلق الناس لفقد ما يدل على غير المخدوم، وهو قول في المسألة. وقد سمعت مما سبق أنه ربما قيل بجواز تعليقه بموت غير الآدمي لاشتراك الجميع في معنى التدبير لغة، وهي تعليق العتق على الوفاة، فأكثر الأصحاب لم يتعرضوا لغير المروي، وهو الأنسب، لكن تبقى فيه بأن النصوص واردة في الأمة فتعديتها في العبد لا يخلوا من نظر. ومما اشتهر من خصوصية الذكورية والانوثية ملقاة وأن الطريق متحد لا يقطع الشبهة وإن كان متجها، إلى هنا كلامه. وفيه نظر لما سمعت من صراحة خبر محمد بن حكيم الذي طريقه إليه من الصحيح، وهو من مرويات التهذيب، وهو مشتمل على تعليق التدبير على موت الزوج، فكيف هذا الانكار على المحقق مع أنهم بمرأى ومسمع منه ؟ لكنهم – قدس الله أرواحهم – لا يتدبرون في أخبار كتب الأربعة ولا لما فيها مودعة، فضلا
[ 324 ]
من غيرها مما هي متشعبة متسعة. وأعجب منه سبطه في شرح النافع حيث تبعه في إنكار هذا النص، وما ذكره المحقق عنده في الشرايع غير ناجع حتى قال: ” والحق للعلامة في بعض كتبه بتعليقه بوفاة المخدوم تعليقه بوفاة زوج المملوكة فواعجباه كيف ننسب الالحاق للعلامة مع أن القائل بذلك الشيخ ومن تبعه في عدة مواضع، ونص على ذلك محقق الشرايع، بل يظهر من المسالك أنه مذهب الأكثر هنا لك. وأعجب من هذا قوله بعد أن حكى عن العلامة ذلك الالحاق وقال: وربما ظهر من العلامة في المختلف جواز تعليقه بوفاة غير المولى مطلقا، وهما ضعيفان لأن المنقول من الشارع جواز تعليقه بوفاة المولى ووفاة المخدوم، فيجب قصر الحكم على ذلك، ولكنهم – قدس الله أسرارهم – يقلد المتأخر منهم المتقدم من غير تتبع ولا تفهم، فالحق ما قلناه من قصر جواز التعليق على المنصوص، ولم نقف على هذين الموضعين بعد وفاة المولى بالخصوص. إذا تمهد هذا فنقول: إن الاتيان على مسائل التدبير وأحكامه يتوقف على امور: الاول: الكلام على لفظه الصريح وصيغته التي وردت من الشارع واشتهرت بين فقهائنا، وقد جاءت بعبارات أصرحها ” أنت حر بعد وفاتي ” ولا ريب في وقوع التدبير بها لدلالتها على المطلوب صريحا وفي معناها ” أنت عتيق أو معتق بعد وفاتي ” وكذا يقع بقوله: أعتقك بعد وفاتي أو حررتك قاصدا به الانشاء. ويظهر من المحقق في شرايعه ونافعه قصد الصراحة والامضاء عند الجميع على الاولى خاصة، أعني قوله: أنت حر بعد وفاتي. وعلى كل تقدير فهذه الصيغة تارة يقع بها مطلقا وتارة يقع بها مقيدة مثل أن يقول: إذا مت فعبدي حر أو أنت حر بعد وفاتي. وفي المقيد إذا قلت: إذا مت في سفري هذا أو في مرضي هذا أوفي سنتي هذه أو في يومي أو في هذا
[ 325 ]
البلد إلى غير ذلك من القيود الزمانية والمكانية، أو تقدير مصدر ذلك الفعل العلق عليه مثل: إن مت حتف أنفي. وكذلك يصح تقييده بقيود متعددة ك: إن مت في سنة كذا في مكة حتف أنفي ونحو ذلك فيعتبر في عتقه اجتماع الشروط كلها. وألحق الشيخ في المبسوط التدبير المقيد بالمعلق على شرط في البطلان نظرا إلى اشتراطهما في التعليق. وقد اختلف الأصحاب – رضوان الله عليهم – في بعض الصيغ مثل قولهم: أنت مدبر أو دبرتك، في أنه هل هو صريح فيقع به التدبير وإن لم يقصده ؟ أو كناية فيقع مع القصد ؟ أولا يقع به مطلقا ؟ على أقوال: جزم المحقق في الشرايع بالأخير منها وقول شيخ الخلاف لخلوه عن لفظ العتق والحرية، ولا يكاد يستعمل عند استعمال العقد إلا مع التعرض للحرية، ولأنه إما عتق بصفة أو وصية به وكلاهما يفتقر إلى ذكر العتق، أما الأول فظاهر وأما الثاني فلأن الوصية لا بد لها من التصريح بمتعلقها.
والثاني: أنه يقع بذلك لصراحته فيه بظهور التدبير في هذا المعنى وشهرته فيه شرعا، بل هو متبادر منه فيه عند كل أحد، كما أن البيع وغيره ظاهر في معناه حتى أن التدبير كان معروفا في الجاهلية، وقد أقره الشارع ولم ينقله من هذا المعنى حتى يكون كناية، وهذا لقول مختار شيخ المبسوط والعلامة في جملة من كتبه. والثالث أنه كناية يصح مع البينة لا بدونها، والمراد بالبينة هنا هو نصب القرينة الكاشفة عن إرادة اللافظ به في الاستعمال العتق بعد الوفاة فلا يحكم به ابتداء، وهو اختيار ابن الجنيد وابن البراج، لأن فيه جمعا بين الدليلين ولأصالة بقاء الرقية إلى أن يثبت المزيل. ويرد أنه لا يقع بالكنايات عندنا كنظائره، والأدلة المتعارضة لا تجتمع
[ 326 ]
بذلك والأصالة عند مجوزه انقطعت بالصيغة المخرجة عنه. وأوسط الأقوال أوسطها لدلالة جملة من الأخبار على استعمال لفظ التدبير فيه من غير نصب قرينة كما لا يخفى على المتتبع لما دبره عليهم في حياتهم وبعد مماتهم، بل لم يأت في الأخبار سوى لفظ التدبير. ففي صحيحة محمد بن مسلم (1) ” قال: سألت أبا جعفر عليه السلام كما في الكافي والتهذيب – عن رجل دبر مملوكا له ثم احتاج إلى ثمنه، فقال: هو مملوكه ” وساق الحديث إلى أن قال: ” فإذا مات السيد فهو حر من ثلثه “. وحسنة الوشاء (2) وروايته كما في الفقيه والكافي ” قال: سألت الرضا عليه السلام عن الرجل يدبر المملوك وهو حسن الحال ثم يحتاج، أيجوز أن يبيعه ؟ قال: نعم “. وفي صحيحة الحلبي (3) وصحيحة محمد بن مسلم (4) عن أحد هما عليهما السلام والاولى عن أبي عبد الله عليه السلام ” في الرجل يعتق غلامه أو جاريته في دبر منه ثم يحتاج إلى ثمنه، أيبيعه ؟ قال: لا “. وصحيحة أبي مريم (5) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: سئل عن رجل يعتق جاريته عن دبر أيطأها إن شاء أو ينكحها أو يبيع خدمتها في حياته ؟ قال: أي ذلك شاء فعل “. والأخبار بهذا المعنى مستفيضة في جميع أحكام التدبير كما سيأتي ذكرها مفصلة.
(1) الكافي ج 6 ص 185 ح 9، التهذيب ج 8 ص 259 ح 6، الوسائل ج 16 ص 98 ب 13 ح 1. (2) الكافي ج 6 ص 183 ح 1 وفيه ” هل يجوز له “، الفقيه ج 3 ص 71 ذيل ح 5، الوسائل ج 16 ص 85 ب 1 ح 3 وما في المصادر ” قال: نعم إذا احتاج الى ذلك “. (3) التهذيب ج 8 ص 263 ح 23. (4) التهذيب ج 8 ص 263 ح 22 وفيه ” وجاريته عن دبر “، الوسائل ج 16 ص 85 ب 1 ح 6 وفيهما ” فقال: لا الا أن يشترط على الذى يبيعه اياه أن يعتقه عند موته “. (5) التهذيب ج 8 ص 263 ح 24 وفيه ” فقال: نعم “، الوسائل ج 16 ص 87 ب 3 ح 1.
[ 327 ]
نعم قد جاء في صحيحة يعقوب بن شعيب المجوزة تعليق التدبير على من له الخدمة، وكذلك خبر محمد بن حكيم المجوزة تعليقه على موت الزوج التصريح بلفظ الحرية لقوله في الاولى ما سمعت ” هي لفلان تخدمه ما عاش “، فإذا مات فهي حرة ” وفي الثانية ” إذا مات الزوج فهي حرة ” وتقدم في أخبار الوصايا الاستعمال كل من الصيغتين، فلا إشكال إذا في مساواتها هذه الصيغة المعبر فيها بلفظ التدبير للصيغ المعبر فيها بلفظ الحرية ولفظ العتق فيهما في الصراحة سواء، وليست من الكناية في شئ، فلا تحتاج إلى قصد المتكلم بها إلى لفظ مدلولها بل يحكم عليه بالقصد بمجرد سماع الصيغة منه وإن كان القصد في الواقع معتبرا. ولو كان المملوك لشريكين فقالا: إن متنا فأنت حر انصرف قول كل واحد منهما إلى نصيبه وتعلق عتقه عى موته خاصة، وهذا عند قصد تدبير كل منهما نصيبه وتعليق عتقه على موته خاصة. أما لو علق كل واحد من النصيبين على موتهما معا أو أطلق اللفظ كذلك حينئذ ولم يقصدا واحدا معينا من الأمرين فموضع إشكال، للابهام الواقع فيه ولا فضائه إلى وقوع التدبير في التعليق على موت غير المولى باعتبار نصيب الآخر، ثم إنه على تقدير الوقوع إن ماتا معا انعتق النصيبان دفعة، وإن مات أحد هما قبل الآخر عتق نصيب الميت بشرطه وهو إذا وسع ثلثه ذلك التدبير وبقي نصيب الآخر موقوفا على موته، والكسب المتخلل بين المدبر والمالك الحي بنسبة الملك. وإن قصد تعليق عتقه على موتهما معا كما هي الصورة الثانية المختلف فيها بحيث لا يعتق منه شئ مع موت أحد هما بني الحكم بالصحة على أحد أمرين: أما جواز تعليق التدبير على وفاة غير المولى مع الملابسة أو مطلقا، أو جواز تعليق العتق على الشرط كما هو مختار القاضي وابن الجنيد في مطلق العتق. فإن أجزنا ذلك صح أيضا وكان التدبير على الأول معلقا بموتهما معا، فإن ماتا دفعة انعتق جميعه لحصوله شرطه، وإن ماتا على الترتيب بقى على الرق
[ 328 ]
جميعه إلى أن يموت الآخر وهو بين الموتتين لورثة الميت والحي، وإن لم يجز الأول وأجزنا الثاني كان عتقا بشرط وحكمه كالسابق إلا أنه ليس تدبيرا بل عتق معلق على شرط لا يتم إلا بموتهما، وللورثة بين الموتتين التصرف فيه بما لا يزيل الملك كالاستخدام والاجارة، وليس لهم بيعه لأنه صار مستحق العتق بموت الشريك. وفي جوازه – لو جعلناه تدبيرا – نظر من جواز الرجوع في التدبير، وهذا من جزئياته، وفي الارشاد جزم بعدم جوازه على هذا التقدير نظرا إلى ذلك. وإن لم نجوز التدبير مطلقا على موت الغير مطلقا أو الملابس إما بأن منعنا من تعليقه على موت غير المولى مطلقا أو أجزناه بموت الزوج والمخدوم – كما هو المختار ودلت عليه الأخبار – كان لفطهما لا غيا. وإن اطلق اللفظ ولم يعنيا ما قصدا من تلك العبارة ففي حمله على أيهما قولان:
(أحدهما) للشيخ في المبسوط والمحقق في الشرايع، وهو الحمل على الأول لأن اللفظ كما هو صالح لتعليق العتق على شرط فهو صالح أيضا لتعليق نصيب كل منهما على موت نفسه فيحمل على الصحيح صونا لكلامه عن الهذر وترجيحا لجانب الصحة الموافق لغرض الشارع مع إمكان حمله عليه.
(والثاني) حمله على الثاني بظهور معناه فيه لغة لأن اللفظ إنشاء، ولا يتحقق بالنسبة إلى موت الاخر إلا بتعليقه عليه بخلاف الحمل على السابق فإنه إنشاء بالنسبة إلى تعليق عتق نصيبه على وفاة نفسه، وإخبار بالنسبة إلى الحكم بعتقه أجمع على تقدير تعليقه على وفاتهما معا، وهذا هو الأظهر. ثم على تقدير حمله عليه يترتب عليه ما يلزم الأصل الصحة والبطلان، فعلى المشهور يتوجه البطلان، وعلى قول القاضي وابن الجنيد يصح: واضطرب كلام العلامة في كتبه، ففي الارشاد والتحرير حكم بالبطلان، واضطرب كلامه في القواعد، ففي صدر المسألة حكم بالصحة والتتزيل على المعنى
[ 329 ]
الأول الصحيح، وفي آخرها خص الصحة بما إذا قصد توزيع الاجزاء على الاجزاء. وأول الشهيدين في دروسه اقتصر على بيان حكم المسألة علي سبيل القصدين، ولم يتعرض للاطلاق الذي هو موضع البحث والخلاف وفي اشتراط نية القربة بناء على أنه عتق بشرط، وعدمه بناء على أنه من الوصايا أو أنه معاملة خارجة عنهما، والأقوى عدم اشترطها فيه لما سيأتي من ترجيح كونه وصية بالعتق أو لأنه أمر مستقل برأسه وإن شبههما، ولا دليل على اشتراطهما فيه، والأصل يقتضي العدم وصحته بدونها. نعم في الأخبار التي قدمناها وسيأتى ما يشعر بأنه عتق معلق وسيما صحيحة يعقوب بن شعيب ورواية محمد بن حكيم. إلا أنه قد شارك الوصية في جواز الرجوع فيه ما دام حيا وفي إجزائه من الثلث حيث إنه قد علقه ولم يقع منجزا وما علق من العتق قد بنت بالأدلة الصحيحة جواز التصرف فيه قبل وقوع الشرط وإن لم يكن تدبيرا. وقد سمعت تلك الأدلة وسيجئ ما يرشد إليه أيضا منها. فمراعاة القربة كسائر العتق متجهة وإن شارك الوصية في هذه الأحكام بمقتضى الدليل، وهل يشترط تجريده عن الشرط والصفة كما هو المشهور بين الأصحاب ؟ أم يجوز معلقا على الشرط والصفة كما هو مختار الاسكافي والقاضي سواء تقدم على الموت أم تأخر كما إذا قال له: إن أديت إلي أو إلى ولدي كذا فأنت حر بعد وفاتي ؟ أقواها عدم جواز التعليق فيه كما تقدم في غيره، وقد صرح في مختصره الأحمدي بذلك في مواضع عديدة، كما ذكره شهيد المسالك. وفي المختلف أنكر ذلك كله وادعى على بطلان العتق المعلق بالشرط، والاجماع ممنوع أما الدليل فقد تقدم ذكره مفصلا وإن أنكر وجوده اولئك الفضلاء لعادتهم التي قد ارتكبوها آخرا وأولا.
الثاني: في شرائط المدبر، شرطه أن يكون بالغا عاقلا، وللشيخ قول بجواز تدبير ابن العشر، وأن يكون مختارا جائز التصرف، فلا يقع التدبير من
[ 330 ]
الصبي وإن كان مميزا، ولا يصح من المجنون ولا السكران ولا الملجئ إلى التدبير ولا من السفيه ولا من المحجور عليه في الدين ولا من العبد إلا بإذن السيد. وبالجملة: أن كل ما يثبت من الشرائط لأصل العتق بالأدلة والفتوى فهو ثابت للتدبير، فهو وإن لم يرد فيه بالخصوص أدلة كما ورد في غيره إلا أنه يستفاد في جميع هذه الأحكام من تلك الأدلة التي مر فيها الكلام لعمومها، هذا على تقدير أن يكون عتقا. وعلى تقدير جعله وصية أو معاملة ثالثة غير هما فالأقرب جواز التعليق واعتبار باقي الشرائط لمشاركة الوصية وسائر المعاملات العتق فيها.
الثالث: أن المدبر والمدبرة باقيان على الرق ولم يخرجا عن ملك مولاهما بالتدبير سواء جعلناه وصية أم عتقا مطلقا أو معاملة اخرى غير هما فللمولى التصرف فيهما بالاستخدام وغيره. ولو كان أمة فله وطؤها كما له التصرف فيها بغيره ولجواز وطء المستولدة وحق المعتق فيها آكد لتحريم بيعها في الجملة إجماعا، بخلاف المدبرة فإنها أبعد من الحرية ما دام مولاها حيا وإن كان في جواز بيعها خلاف إذا لم يرجع في التدبير، وسيجئ بيانه. فإن وطأها وحملت منه اجتمع فيها سببان للعتق التدبير والاستيلاد، والأول أسبق، والعتق فيهما متوقف على موت المولى، فإذا مات والولد حي عتقت من ثلثه بالتدبير، فإن لم يف الثلث بها عتق الباقي بالسبب الآخر – أعني الاستيلاد – فيحسب من نصيب ولدها، وتعتق إن وفي بذلك وإلا استسعت في الباقي. ويدل على جواز وطئها رواية أبي مريم (1) الصحيحة عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: سئل عن الرجل يعتق جاريته عن دبر، أيطأها إن شاء أو ينكحها أو يبيع خدمتها حياته ؟ فقال: نعم أي ذلك شاء فعل “.
(1) التهذيب ج 8 ص 263 ح 24، الوسائل ج 16 ص 87 ب 3 ح 1 وفيهما اختلاف يسير.
[ 331 ]
ومرسلة ابن أبي عمير (1) عن أبي عبد الله عليه السلام ” أنه سئل عن المدبرة يقع عليها سيدها ؟ قال: نعم”.
الرابع: لو حملت المدبرة بمملوك بعد التدبير بحيث يدخل في ملك مولاها تبعها في التدبير سواة كان الولد من عقد أم شبهة أم زنا، إلا أنه في الأولين ظاهر لتبعيته لهما، أما في الأخير فيشكل مع علمها بالتحريم لانتفاء السبب بينهما شرعا، إلا أنه لما صدق عليه كونه ولدها لغة وكان جانب المالية والحيوانية مغلبا فيها ومن ثم كان الولد لمولاها دون مولى الزاني لو كان عبدا أطلق الشيخ وتبعه الأكثر كالمحقق والعلامة ومن تأخر عنهما بتبعيته لها في التدبير من غير فرق. وكذلك الأخبار جاءت بذلك مطلقة بل عامة في أن ما ولدت فهم بمنزلتها، ولا شبهة في أنه يصدق على ولدها من الزنا أنها ولدته فيكون بمنزلتها لمقتضى هذا العموم والاطلاق وإن لم يلحق بها في باقي الأحكام. وكذا القول في ولد المدبر إذا كانوا مملوكين لمولاه بأن ولدوا من أمته، مدبرة كانت أم لا أو من غيرها وقد شرط مولاه رقيتهم. وتلك الأخبار الواردة فيها صحيحة أبان بن تغلب (2) كما في الكافي والتهذيب ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل دبر مملوكة ثم زوجها من رجل آخر فولدت منه أولادا ثم مات زوجها وترك أولادا منها، قال: أولاده منها كهيئتها، فإذا مات الذي دبرها فهم أحرار “. وخبر عثمان بن عيسى الكلابي (3) عن أبي الحسن الأول عليه السلام ” قال: سألته
(1) التهذيب ج 7 ص 481 ح 138، الوسائل ج 16 ص 86 ب 1 ح 8 وفيه ” أيطأها ” وفيهما ” عن ابن أبى عمير عن بعض أصحابه “. (2) الكافي ج 6 ص 184 ح 6، التهذيب ج 8 ص 259 ح 4، الوسائل ج 16 ص 89 ب 5 ح 1 وما في المصادر ” دبر مملوكته ” مع اختلاف يسير. (3) الكافي ج 6 ص 184 ح 5، الوسائل ج 16 ص 90 ب 5 ح 2 وفيهما اختلاف يسير.
[ 332 ]
عن امرأة دبرت جارية لها فولدت الجارية جارية نفيسة فلم تدر المرأة ما حال المولودة هي مدبرة أو غير مدبرة، فقال لي: متى كان الحمل بالمدبرة ؟ أقبل ما دبرت أو بعد ما دبرت ؟ فقلت: لست أدري أجنبي فيهما جميعا، فقال: إذا كانت المرأة دبرت وبها حبل ولم تذكر ما في بطنها فالجارية مدبرة والولد رق، وإن كان إنما حدث الحمل بعد التدبير فالولد مدبر في تدبير امه “. ورواه الصدوق في الفقيه (1) مرسلا نحوه وزاد فيه ” لأن الحمل حدث بعد التدبير “. وخبر الوشاء (2) كما في الكافي وكذا التهذيب و [ ح كما في ] الفقيه عن أبي الحسن الرضا عليه السلام ” قال: سألته عن رجل دبر جاريته فقال: إن كان علم بحبل الجارية فما في بطنها بمنزلتها، وإن كان لم يعلم كان ما في بطنها رق “. وفي التهذيب بطريق صحيح عن الحسن بن علي الوشاء (3) مثله. وخبر يزيد بن إسحاق شعر (3) المعتبر عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: سألته عن جارية اعتقت عن دبر من سيدها، قال: فما ولدت فهم بمنزلتها وهم من ثلثه، وإن كانوا أفضل من الثلث استسعوا في النقصان ” الحديث. وخبر أبي البختري (5) كما في قرب الأسناد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليهم السلام ” قال: ما ولدت الضعيفة المعتقة عن دبر بعد التدبير فهو بمنزلتها يرقون برقها ويعتقون بعتقها، وما ولد قبل ذلك فهم مماليك لا يرقون برقها ولا يعتقون بعتقها “.
(1) الفقيه ج 3 ص 71 ح 4، الوسائل ج 16 ص 90 ب 5 ح 2. (2) الكافي ج 6 ص 184 ح 4، الفقيه ج 3 ص 71 ح 5، الوسائل ج 16 ص 90 ب 5 ح 3 وما في المصادر اختلاف يسير. (3) التهذيب ج 8 ص 260 ح 9. (4) التهذيب ج 8 ص 261 ح 14 وفيه ” فان كانوا أكثر “، الوسائل ج 16 ص 91 ب 5 ح 4. (5) قرب الاسناد ص 63، الوسائل ج 16 ص 91 ب 5 ح 5.
[ 333 ]
أما ما في رواية علي بن جعفر وصحيحته (1) كما في كتاب قرب الأسناد وكتاب المسائل له عن أخيه موسى عليه السلام ” قال: سألته عن رجل قال: إذا مت فجاريتي فلانة حرة، فعاش حتى ولدت الجارية أولادا ثم مات، ما حالها ؟ قال: اعتقت الجارية وأولادها مماليك “. فهما محمولان على التقية أو على أنه قد صارت أولادها مماليك لغير المولى، أو على أنهم مماليك لعدم إحاطة الثلث بالأولاد. وأما ما يدل على حكم أولاد المدبر إذا كانوا من مملوكة المولى المدبر فصحيحة بريد بن معاوية العجلي (2) المروية في التهذيب والكافي والفقيه ” قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل دبر مملوكا له تاجرا مؤسرا، فاشترى المدبر جارية بإذن مولاه فولدت منه أولادا فمات قبل سيده، قال: فقال: أرى أن جميع ما ترك المدبر من مال أو متاع فهو للذي دبره، وأرى أن ام ولده للذي دبرته، وأرى أن ولدها مدبرون كهيئة أبيهم، فإذا مات الذي دبر أباهم فهم أحرار “. وإذا تقرر ذلك فنقول: إن استمر المولى على تدبير الام أو الأب فلا إشكال ولا خلاف في تبيعة الأولاد لهما، وإن رجع في تدبير الام أو الأب جاز أيضا لعموم الأدلة الدالة على جواز الرجوع في التدبير ما دام حيا. ثم إذا رجع فيها فهل يجوز له الرجوع في الأولاد منفردين أم لا ؟ قولان، فالشيخ وتبعه المحقق في الشرايع على أنه لا يجوز الرجوع فيهم مطلقا لصحيحة أبان بن تغلب الآتي ذكرها، وقد ادعى الشيخ في الخلاف الوفاق. وقال ابن إدريس بجواز الرجوع وتبعه العلامة وولده في إيضاح القواعد والشهيد الأول وأكثر المتأخرين لعموم الأدلة على جواز الرجوع في التدبير، ولأن تدبير الولد فرع
(1) قرب الاسناد ص 119، بحار الانوار ج 10 ص 286 وفيه ” ما حالهم “، الوسائل ج 16 ص 91 ب 5 ح 6 و 7. (2) الكافي ج 6 ص 185 ح 8، الفقيه ج 3 ص 73 ح 12، التهذيب ج 8 ص 261 ح 11، الوسائل ج 16 ص 92 ب 6 ح 1 وما في المصادر اختلاف يسير.
[ 334 ]
تدبير الأبوين، فلا يزيد الفرع على أصله. والأقوى الأول، فإنا نمنع عموم الدعوى بعد ورود هذه الرواية الصحيحة وغيرها المخرجة لهذا الفرد من عموم هذه القاعدة. وتلك الرواية هي صحيحة أبان بن تغلب (1) ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل دبر مملوكته ثم زوجها وترك أولادا منها، قال: أولادها منها كهيئتها فإذا مات الذي دبر امهم فهم أحرار، قال: قلت له: أيجوز للذي دبر امهم أن يرد في تدبيره إذا احتاج ؟ قال: نعم، قلت: أرايت إن ماتت امهم بعد ما مات الزوج وبقي أولادها من الزوج الحر، أيجوز لسيدها أن يبيع أولادها وأن يرجع عليهم في التدبير ؟ قال: لا، إنما كان له أن يرجع في تدبير امهم إذا ا حتاج ورضيت هي بذلك “. وأما الفرق بين حكم الفرع والأصل بعد النص، أن تدبير الأصل لما كان بمباشرة المالك جاز له الرجوع في وصيته بخلاف الولد، فإن حكم تدبير هم قهري من الله فلا اختيار له فيه، لكن ربما قدح في الرواية من حيث اشتمالها على كون أبيهم حرا وهو يوجب تبعيتهم له فيها، وحملت تارة على اشتراط الرقية كما هو ا ختيار المشهور، واستضعفه في المسالك لعدم ظهوره منها. والأقوى أن هذا الخبر من هذه الأخبار الدالة على تبعية الولد لأحد الأبوين في الرق كما عليه العامة ومختار الاسكافي من علمائنا، وقد تقدمت أخبار صحاح في كتاب النكاج وأحكام الأولاد التي على ذلك فتكون دالة على حكم التدبير، ويمكن حملها على تأخر حرية الأب عن الاستيلاد وإن كان بعيدا.
الخامس: أنه إذا دبرها ثم رجع في تدبيرها فأتت بولد لدون ستة أشهر من حين الرجوع ولم يجاوز أقصى مدة الحمل من حين التدبير فلا كلام في بقائه على التدبير لتحقق علوقها به في زمن التدبير، كما لا إشكال في انتفاء تدبيره
(1) الكافي ج 6 ص 184 ح 6، الوسائل ج 16 ص 92 ب 7 ح 1 وفيهما ” زوجها من رجل آخر فولدت منه أولادا ثم مات زوجها وترك أولاده منها – أولاد منها ” مع اختلاف يسير.
[ 335 ]
لو ولدت لأقصى الحمل فصاعدا من حين الرجوع. أما إذا ولدت فيما بين ذلك فقد أطلق المحقق والأكثر أنه لا يكون تدبيرا لاحتمال أن يكون تجدد بعد الرجوع، ولم يفرقوا في ذلك بين أن يكون فراشا وعدمه، ووجهه أصالة تقدمه وأصالة بقائه على ملك مالك التام، وقد تقدم الفرق بين الحالين في مواضع عديدة، فإنه إذا لم يكن لها زوج يمكن تجدده منه حكم بوجوده إلى إقصاء الحمل حملا لحال المسلم على الصحيح، والفرق بين الأمرين غير واضح. أما لو دبرها حاملا قبل أن يعلم بالحمل فالمشهور بين الأصحاب أن الحمل لا يتبع الحامل في شئ من الأحكام إلا بالنص عليه بالتبيعة، فلا يتبعها في التدبير إلا مع التصريح بإدخاله، حتى أن الشيخ مع حكمه بإلحاقها في البيع والعتق وافق في المبسوط والخلاف هنا المشهور على عدم التبعية، لكنه في النهاية ذهب إلى التبعية أيضا عند العلم به وإلا فلا استناد إلى رواية الوشاء (1) المتعددة الطرق، وقد مر ذكرها، وفيها الحسن والضعيف عن الرضا عليه السلام ” قال: سألته عن رجل دبر جاريته وهي حبلى، فقال: إن كان علم بحمل الجارية فما في بطنها بمنزلتها، وإن كان لم يعلم فما في بطنها رق “. وقد عمل بمضمونها كثير من المتقدمين والمتأخرين ونسبوها إلى الصحة، وقد عرفت أن الصحة فيها بالاصطلاح المحدث غير ثابتة، والحق أنها باصطلاح القدماء صحيحة لأن مدارهم في الصحه على القرائن. وأما بالصطلاح المتأخرين فهي بطرق كأحد الطريقين من الضعيف وفي الفقيه وأحد طريق التهذيب من الحسن، واحتمل فيها شهيد المسالك الصحة الاضافية لأن الحسن كذلك وإن كان خلاف المصطلح، لأن رواية الحسن من الحسن لأنه ممدوح وليس بثقة، بل ربما قدح في روايته بعض المتأخرين حيث إنه كان
(1) الكافي ج 6 ص 148 ح 4، الوسائل ج 16 ص 90 ب 5 ح 3 وفيهما اختلاف يسير.
[ 336 ]
يقول بالوقف فرجع عنه لمعجزة شاهدها من الرضا عليه السلام ولم يعلم من رواياته أنها قبل الرجوع أو بعده. إلا أن إطباقهم على عد رواياته في الحسن ربما كشف عن كون روايته بعد الرجوع كما حققه شيخنا البهائي في حبل المتين. وذهب المحقق في الشرايع والعلامة في جملة من كتبه تبعا لشيخ المبسوط والخلاف وابن إدريس إلى عدم تبعيتها مطلقا، علم به أو لم يعلم، للأصل وانفصاله عنها حكما كنظائره. ولموثقة عثمان بن عيسى (1) عن الكاظم عليه السلام أو ضعيفته ” قال: سألته عن امرأة دبرت جارية لها ” وساق الحديث كما تقدم إلى أن قال: ” إن كانت المرأة دبرت وبها حبل ولم تذكر ما في بطنها فالجارية مدبرة والمولود رق، وإن كان إنما حدث الحمل بعد التدبير فالولد مدبر في تدبير امه “. وفي المسألة قول آخر بسراية التدبير إلى الولد مطلقا. وأقوى الأقوال أو سطها لما سمعت من الأدلة المطلقة والمفصلة والمبينة والمجملة، وإن كان الاحتياط في العمل برواية الوشاء.
السادس: قد سمعت فيما سبق اشتراط البلوغ والتكليف، فلو دبر الصبي لم يقع تدبيره. وذكر المحقق في الشرايع رواية مرسلة في جواز تدبير ابن عشر سنين إذا كان مميزا ولم نقف عليها بعد التتبع التام، وقد فسرها شارح كلامه بالرواية المذكورة في مطلق العتق والوصية، بناء على أن التدبير مختص فيهما إلا أن فيه بخصوصه رواية كذلك. وفيه نظر، لأن الظاهر من عبارته وجود روايته بالخصوص، والأظهر عدم الصحة فيه، والمحقق – رحمه الله – رجح جواز وصيته كما هو المشهور فتوى ورواية، عملا بالأخبار الكثيرة، وتردد في العتق وجزم هنا بعدم صحة تدبيره مع أنه راجع إليهما كما عرفت، ومثله العلامة في الارشاد في الوصية والتدبير. وقال
(1) الكافي ج 6 ص 184 ح 5، الوسائل ج 16 ص 90 ب 5 ح 2 وفيهما ” والولد رق “.
[ 337 ]
ثاني الشهيدين في المسالك: وبرجوعه إلى الرجوع أولى من الفرق بما لا يجدي. أما اشتراط الاسلام فلا مستند له وفاقا للمحقق ومن تبعه، وشرطه ابن إدريس وقد بنى الخلاف في ذلك على أن التدبير هل هو وصية أو عتق ؟ فعلى الأول) يصح من الكافر مطلقا لعدم اشتراط نية القربة، ولدلالة الأخبار التي تقدم ذكرها في الوصية الدالة على وجوب إنفاذها من الكافر، يهوديا كان أو نصرانيا أو حربيا، لعدم اشتراط نية التقرب فيها. وعلى (الثاني) يبني على اشتراطها في العتق وعدمه كما تقدم عن قريب الكلام عليه، أو على أن المراد بها قصد القرب سواء حصل أم لا، فعلى الأول لا يصح تدبير الكافر مطلقا، وعلى الثاني يصح، وعلى الثالث يصح ممن أقر لله تعالى كالكتابي دون غيره، وأما الفرق بين الحربي والذمي فلا مدخل له في هذا الحكم إن جعلنا الحربي شاملا للكتابي الذي لا يلتزم أحكام الذمة، وقد تقدم الكلام في ذلك مستوفا. وأن الأصح صحة التدبير من الكافر مطلقا لعموم أخبار التدبير وعدم قيام دليل على اشتراط الاسلام في العتق فضلا عن التدبير المحتمل لأن يكون وصية أو معاملة غير الوصية وغير العتق.
السابع: فلو دبر المسلم عبده ثم ارتد، فإن كان ارتداده عن غير فطرة لم يبطل التدبير لاستمرار الملك، فإن استمر على تدبيره إلى أن مات عتق المدبر لوجود المقتضي له وانتفاء المانع، وإن كان عن فطرة ففي بطلان التدبير وجهان بل قولان: من زوال ملك المرتد عن فطرة والمدبر قابل للخروج عن ملكه، وقد حصل سببه وهو الارتداد فيزول شرط استمرار الصحة لأن شرطها بقاء الملك إلى الموت، والمشروط عدم عند عدم شرطه. ومن سبق حق المدبر على حق الوارث فلا ينتقل إليه خصوصا عند من يمنع عن بيع المدبر، فإذا مات السيد انعتق ثلثه حسب إذ لا مال له سواه. وهل
[ 338 ]
يجعل للورثة الثلثان ؟ يحتمله لعدم الفائدة في حبسه عنهم إن نقل بقبول توبته، وإلا فالفائدة محتملة لتجدد مال اخر له على تقدير التوبة. أطلق الشيخ في المبسوط القول ببقاء التدبير مع الارتداد، والأشهر التفصيل، وإن كان ما اختاره شيخ المبسوط متجها لما ثبت في الأخبار من قبول توبته فيما بينه وبين الله. وربما قيل بانعتاقه بالارتداد عن فطرة تنزيلا له منزلة الموت، ولهذا تعتد امرأته وتقسم تركته وننفذ وصاياه، وهو بعيد. ولو ارتد قبل التدبير ثم دبر صح تدبيره إن كان ارتداده لا عن فطرة، وأطلق الشيخ – رحمه الله – الجواز، وهو قول ابن الجنيد أيضا، وهو في الفطري مشكل لانتقال أمواله إلى ورثته. ثم إن المرتد بالنسبة إلى التدبير وما في معناه بمنزلة الكافر، فإن اشترطنا نية التقرب بطل تدبيره مطلقا، وإلا صح وقوعه من غير الفطري كالكافر. وأما في الفطري ففيه إشكال، منشأه ما هو المشهور من انتقال ما له عنه فلا يتصور منه التدبير المشروع بالملك، مضافا إلى ما علل به الملي، وأطلق الشيخ وابن الجنيد جوازه ويدل على انتقال المال عنه، وهذا بمذهب ابن الجنيد أنسب، حيث إن المرتد يستتاب مطلقا إذا لم يفرق بين الملي والفطري كالمشهور، إلا أن استفادة الفرق بينهما وإثبات هذه الأحكام مع كونها مشهورة من النصوص مشكل، وسيأتى البحث فيه إن شاء الله تعالى.
الثامن: إذا دبر الكافر عبده الكافر ثم أسلم العبد نظر، فإن رجع السيد عن التدبير بالقول بيع عليه وجوبا قولا واحدا، وإلا ففي بيعه عليه قولان. أظهر هما ذلك، لانتفاء السبيل للكافر على المسلم، ولخبر حماد بن عيسى عن أبي عبد الله عليه السلام كما في نهاية (1) الشيخ ومرسلته (2) كما في الكافي والتهذيب
(1) النهاية ص 349 ح 2 وفيه ” اتى بعبد لذمى “. (2) الكافي ج 7 ص 432 ح 19، التهذيب ج 6 ص 287 ح 2، الوسائل ج 16 ص 81 ب 73 ح 1 وما في المصادر ” اتى بعبد لذمى “.
[ 339 ]
عن أبي عبد الله عليه السلام ” أن أمير المؤمنين عليه السلام اتي بعبد ذمي قد أسلم، فقال: اذهبوا فبيعوه من المسلمين وادفعوا ثمنه إلى صاحبه ولا تقروه عنده “. ولقوله صلى الله عليه واله (1) ” الاسلام يعلوا ولا يعلى عليه “. وطاعة المولى علو منه وفي ملكه له إذلال للمسلم ولا يؤمن أن يستخدمه فيذله وقال ابن البراج: يتخير بين الرجوع في التدبير فيباع وبين الحيلولة بينه وبين كسبه للمولى وبين استسعائه. وحينئذ فينفق عليه من كسبه، فإن فضل منه شي فهو للمولى على القولين، فإذا مات قبل بيعه ورجوعه عتق من ثلثة، فإن بقي منه شئ سعى فيه للورثة إن كانوا مسلمين، وإلا بيع عليهم لبطلان التدبير بالموت.
التاسع: يصح التدبير لمن تعذر عليه النطق كالأخرس أو لمن اعتقل لسانه بالمرض بالاشارة المفهمة لذلك، وكذا رجوعه، وكذلك بالكتابة عند نصب القرينة كما تقدم في العتق، كما يصح ذلك في تصرفاتهم وسائر معاملاتهم لأن الاشارة والكتابة قائمتان مقام اللفظ، سواء كان المانع أصليا أم عارضيا، لعموم الأدلة ولخصوصها أيضا، وسواء أخرس بعد التدبير فيرجع بالاشارة أم قبله، لاشتراك الجميع في المقتضى ويشترط فيهم إشارته ولو بعدلين ليثبت به حيث يحصل النزاع. وقد ثبت في موثقة يونس بن يعقوب (2) التي مر ذكرها، وكذلك في صحيحة الحلبي (3) ” أن أمامة بنت أبي العاص وامها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه واله كانت تحت علي بن أبي طالب عليه السلام بعد فاطمة، فخلف عليها بعد علي عليه السلام المغيرة بن نوفل وذكرت أنها وجعت وجعا شديدا حتى اعتقل لسانها فجاءها الحسن والحسين عليهما السلام ابنا علي عليه السلام وهي لا تستطيع الكلام فجعلا يقولان لها – والمغيرة كاره لذلك –
(1) الفقيه ج 4 ص 243 ح 3، الوسائل ج 17 ص 376 ب 1 ح 11. (2) التهذيب ج 9 ص 241 ح 28، الفقيه ج 4 ص 146 ح 2 وفيهما ” أعتقت فلانا وأهله ؟ فجعلت تشير برأسها نعم، وكذا “، الوسائل ج 13 ص 437 ب 49 ح 1 وفيه اختلاف يسير. (3) التهذيب ج 8 ص 258 ح 169، الوسائل ج 16 ص 59 ب 44 ح 1.
[ 340 ]
أعتقت فلانا وأهله ؟ فجعلت تشير برأسها لا، وكذا وكذا ؟ فجعلت تشير برأسها نعم لا تفصح بالكلام، فأجازا ذلك لها “. وصحيحة علي بن جعفر (1) وروايته اللتان تقدمتا عن أخيه موسى عليه السلام ” قال: سألته عن رجل اعتقل لسانه عند الموت أو امرأة فجعل أهلوهما تسائله: أعتقت فلانا وفلانا ؟ فيؤمي برأسه أو تؤمي برأسها في بعض نعم وفي بعض لا، وفي الصدقة مثل ذلك، أيجوز ذلك ؟ قال: نعم هو جائز “. وكذلك في خبر محمد بن جمهور (2) عن أبي عبد الله عليه السلام في قضية فاطمة بنت أسد عندما اعتقل لسانها، فجعلت تؤمي إلى رسول الله صلى الله عليه واله إيماء، فقبل رسول الله صلى الله عليه واله وصيتها، وكان من وصيتها أن أمرت بعتق خادمها “. وبالجملة: فالأخبار بهذا المعنى مستفيضة وهو موضع وفاق، ولو فهم المملوك ذلك منه خاصة ترتب حكم التدبير فيما بينه وبين الله تعالى، كما لو وقع التدبير من الصحيح بينه وبين عبده بغير إشهاد أحد، ولو أنكر بعد ذلك فكإنكار الصحيح وهل يعد رجوعا ؟ فيه قولان، وستجئ الاشارة إلى ذلك والتنبيه عليه، وقد خالف بعض العامة فمنع من رجوعه بالاشارة وجوز تدبيره بها بناء على أن الرجوع لا يصح عنده بالقول بل بالفعل، وغاية إشارته أن تقوم مقام القول فلا يزيد الفرح على أصله.
العاشر: قد اختلف في حقيقة التدبير في أنه من أي باب ؟ أهو من الوصية أم من العتق أم خارج عنهما وإن ناسبهما من وجوه مخصوصة ؟ وعلى كل تقدير فالمشهور بينهم أنه عتق لكن يصح الرجوع فيه مادام حيا كالوصية. واضطرب كلام المحقق هنا في شرايعه فتارة جعله بصفة الوصية وليس بوصية حقيقية، وفي صدر كتاب التدبير في مقام التعريف له ما هو صريح في ذلك.
(1) قرب الاسناد ص 119، الوسائل ج 13 ص 437 ب 49 ح 2 وفيهما اختلاف يسير. (2) الكافي ج 1 ص 453 ح 2، الوسائل ج 13 ص 438 ب 49 ح 3.
[ 341 ]
وفي النافع قطع بكونه وصية، وهذا الاختلاف ناش عن اختلاف الأخبار لكونها في غاية الاختلاف. وصحيحة ا بن مسكان (1) كما في الكافي والتهذيب والفقيه عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام أن المدبر من الثلث وأن للرجل أن ينقض وصيته فيزيد فيها أو ينقص عنها ما لم يمت “. وفي صحيحة معاوية بن عمار (2) ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المدبر فقال: هو بمنزلة الوصية يرجع فيما شاء منها “. وموثقة زرارة (3) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: سألته عن المدبر هو من الثلث ؟ قال: نعم، وللموصي أن يرجع في وصيته أوصى في صحة أم مرض “. وصحيحة محمد بن مسلم (4) كما في الكافي والتهذيب عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: المدبر من الثلث، وقال: للرجل أن يرجع في ثلثه إن كان أوصى في صحة أو مرض “. وصحيحة معاوية بن عمار (5) ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المدبر قال: هو بمنزلة الوصية فيما شاء منها “. وخبر أبي بصير (6) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: المدبر مملوك ولمولاه أن يرجع
(1) الكافي ج 7 ص 12 ح 3، الفقيه ج 4 ص 147 ح 3، التهذيب ج 9 ص 190 ح 15، الوسائل ج 13 ص 385 ب 18 ح 1 وما في المصادر ” وينقص منها “. (2) الكافي ج 6 ص 183 ح 2 وفيه ” يرجع فيها وفيما شاء “، الوسائل ج 16 ص 86 ب 2 ح 1. (3) الكافي ج 6 ص 184 ح 3، الوسائل ج 16 ص 86 ب 2 ح 2 وفيهما اختلاف يسير. (4) الكافي ج 7 ص 22 ح 3، التهذيب ج 9 ص 225 ح 33، الوسائل ج 13 ص 389 ب 19 ح 1. (5) الكافي ج 7 ص 23 ح 4، الوسائل ج 13 ص 389 ب 19 ح 4 وفيهما ” يرجع فيما شاء “. (6) الكافي ج 6 ص 184 ح 7، الوسائل ج 16 ص 87 ب 2 ح 3 وفيهما ” وان هو تركها ولم يغيرها حتى “.
[ 342 ]
في تدبيره، إن شاء باعه وإن شاء وهبه وإن شاء أمهره، وإن تركه سيده على التدبير فلم يحدث فيه حدثا حتى يموت سيده فإن المدبر حر إذا مات سيده وهو من الثلث، إنما هو بمنزلة رجل أوصى بوصية بدا له فغيرها قبل موته فإن هو تركها حتى يموت أخذ بها “. وصحيحة منصور (1) ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل قال: إن حدث بي حدث في مرضي هذا فغلامي فلان حر، فقال أبو عبد الله عليه السلام: يرد من وصيته ما شاء ويجيز ما شاء “. وهي كما ترى بعضها دال على أنه وصية محضة وبعضها بمنزلة الوصية وإن كان التحقيق أنه بمنزلة الوصية لا عينها كما ذكره المحقق هنا، لأنه لو كان وصية محضة لا فتقر إلى صيغة بعد الموت، ولا يلزم من كونه بمنزلتها مساواتها في جميع الأحكام في عتقه بل المراد أنه بمنزلتها في الأحكام المسؤول عنها في الروايات وهو كونه من الثلث وأنه يجوز الرجوع فيه ونحو ذلك، لكن فيه شائبة من العتق وليس بعتق محضا كما قاله ابن إدريس وغيره، وإلا لما صح الرجوع فيه وكونه متردد بينهما في بعض الأحكام ومستقلا بنفسه في بعض، ومن ثم وقع بصيغة خاصة خارجة عن الأمرين أظهر لانطباق هذا القول على جميع أخبار الباب.
الحادى عشر: قد عرفت مما سبق أن التدبير من الايقاعات الجائزة القابلة للفسخ كالوصية، وفسخه قد يكون بالقول كقوله: رجعت في هذا التدبير أو أبطلته أو رفعته وما أشبه ذلك، وقد يكون بالفعل كأن ينقل المدبر لغيره بناقل شرعي حتى لو كانت هبة غير مقبضة فإنها تبطله لدلالتها على الرجوع، تصح الهبة عند تمام شرائطها، خلافا لابن حمزة حيث شرط في صحتها تقدم الرجوع فيه بالقول وأولى بالرجوع ما لو أعتقه لأنه تعجيل مسبب التدبير – أعني الحرية –
(1) التهذيب ج 9 ص 191 ح 19، الوسائل ج 13 ص 387 ب 18 ح 8.
[ 343 ]
فقد زاده خبر، وكذا يبطل توقفه وإن لم يقبضه لدلالته على الرجوع كالهبة، والخلاف فيه كالخلاف فيها ومثله الوصية به. وأما بيعه فالإظهر أنه كذلك لما ذكر، ولأن الوصية تبطل بإخراج الموصى به عن ملك الوصي، والبيع ناقل للملك، والتدبير وصية أو بمنزلتها كما مر. ولذلك جملة من الأخبار على ذلك مثل صحيحة محمد بن مسلم (1) كما في الكافي والتهذيب ” قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل دبر مملوكا له ثم احتاج إلى ثمنه، قال: هو مملوكه إن شاء باعه وإن شاء أعتقه وإن شاء أمسكه حتى يموت، فإذا مات السيد فهر حر من ثلثه “. وصحيحة إسحاق بن عمار (2) ” قال: قلت لأبي إبراهيم عليه السلام: الرجل يعتق مملوكه عن دبر ثم يحتاج إلى ثمنه، قال: يبيعه، قلت: فإن كان عن ثمنه غنيا ؟ قال: إن رضي المملوك فلا بأس “. وصحيحة جميل (3) كما في الفقيه والتهذيب ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المدبر أيباع ؟ قال: نعم إن احتاج صاحبه إلى ثمنه وإذا رضي المملوك حسن فلا بأس “. وصحيحية محمد بن مسلم (4) الاخرى ” قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: رجل دبر مملوكه ثم يحتاج إلى الثمن، قال 6 إذا احتاج إلى الثمن فهو له، يبيع
(1) الكافي ج 6 ص 185 ح 9، التهذيب ج 8 ص 295 ح 6، الوسائل ج 16 ص 84 ب 1 ح 1. (2) التهذيب ج 8 ص 262 ح 19 وليس فيه ” فلا بأس “، الوسائل ج 16 ص 85 ب 1 ح 4. (3) الفقيه ج 3 ص 71 ح 2، التهذيب ج 8 ص 262 ح 20، الوسائل ج 16 ص 85 ب 1 ح 5 وليس في المصادر ” حسن ” مع اختلاف يسير. (4) التهذيب ج 8 ص 262 ح 21، الوسائل ج 16 ص 86 ب 1 ح 7 وفيهما في آخر الصحيحة ” فذلك من الثلث “.
[ 344 ]
إن شاء وإن شاء أعتق “. وخبر أبى بصير (1) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: المدبر مملوك ولمولاه أن يرجع في تدبيره، إن شاء باعه وإن شاء وهبه وإن شاء أمهره “. وخبر الوشاء (2) ” قال: سألت الرضا عليه السلام عن الرجل يدبر المملوك وهو حسن الحال ثم يحتاج له، يجوز له أن يبيعه ؟ قال: نعم. إذا احتاج إلى ذلك “. هكذا في الكافي والتهذيب ورواه في الفقيه من الحسن. ويدل عليه إطلاق صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة، وكذلك موثقة زرارة وصحيحة محمد بن مسلم لقوله ” المدبر بمنزلة الوصية يرجع بما شاء منها ” كما في الاولى، وفي الثانية ” المدبر من الثلث وللرجل أن يرجع في ثلثه “، وفي الثالثة ” والموصى أن يرجع في وصيته أوصى في صحة أو مرض “. وفي صحيحة هشام بن الحكم (3) ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يدبر مملوكه، أله أن يرجع فيه ؟ قال: نعم هو بمنزلة الوصية “. قال الشيخ في النهاية: لا يجوز يبعه قبل أن ينقض تدبيره إلا أن يعلم المبتاع أنه يبيعه خدمته، وأنه متى مات هو كان حرا لا سبيل عليه. وقال الصدوق: لا يجوز بيعه إلا أن يشترط على الذي يبيعه إياه أو يعتقه عند موته. وقريب منه قول ابن أبي عقيل. وقال المفيد: متى مات البائع صار حرا لا سبيل عليه وإن لم يشترط وهو قول الشيخ أيضا. ومستند هذه الأقوال ظاهر الروايات المختلفة، وقد تقدم منها ما يدل على جواز الرجوع والبيع.
(1) الكافي ج 6 ص 184 ح 7، الوسائل ج 16 ص 87 ب 2 ح 3. (2) الكافي ج 6 ص 183 ح 1، الفقيه ج 3 ص 71 ذيل ح 5، التهذيب ج 8 ص 285 ح 1، الوسائل ج 16 ص 85 ب 1 ح 3 وما في المصادر اختلاف يسير. (3) الكافي ج 7 ص 22 ح 2، الوسائل ج 13 ص 389 ب 19 ح 3.
[ 345 ]
وقد دلت صحيحة محمد بن مسلم (1) عن أحد هما عليهما السلام ” في الرجل يعتق غلامه أو جاريته عن دبر منه ثم يجتاج إلى ثمنه، أيبيعه ؟ قال: لا، إلا أن يشترط على الذي يبيعه إياه أن يعتقه عند موته “. ومثلها صحيحة الاخرى (2) كما في الفقيه. وصحيحة الحلبي (3) عن أبي عبد الله عليه السلام مثله. وهذه الأخبار حجة الصدوق ومن قال بمقالته. وأما ما يدل على أحد قولي الشيخ من جواز بيع الخدمة فرواية القاسم بن محمد (4) عن علي ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أعتق جارية في حياته، قال: إن أراد بيعها باع خدمتها في حياته، فإذا مات اعتقت الجارية، وإن ولدت أولادا فهم بمنزلتها “. وخبر السكوني (5) عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليهم السلام ” قال: باع رسول الله صلى الله عليه واله خدمة المدبر ولم يبع رقبته “. وصحيحة أبي مريم (6) عن أبي عبد الله عليه السلام وقد تقدمت وفيها ” الرجل يعتق جاريته عن دبر أيطأها إن شاء أو ينكحها أو يبيع خدمتها في حياته ؟ فقال: أي ذلك شاء فعل “. وصحيحة أبي بصير (7) ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن العبد والأمة يعتقان
(1) و (2) الفقيه ج 3 ص 71 ح 3، التهذيب ج 8 ص 263 ح 22 وفيه ” وجاريته “، الوسائل ج 16 ص 85 ب 1 ح 6. (3) التهذيب ج 8 ص 263 ح 23. (4) التهذيب ج 8 ص 264 ح 26، الوسائل ج 16 ص 88 ب 3 ح 3 وفيها: ” جارية له عن دبر في حياته “. (5) التهذيب ج 8 ص 260 ح 8، الوسائل ج 16 ص 88 ب 3 ح 4. (6) التهذيب ج 8 ص 263 ح 24 وفيه ” فقال: نعم أي “، الوسائل ج 16 ص 87 ب 3 ح 1. (7) التهذيب ج 8 ص 263 ح 25، الوسائل ج 16 ص 88 ب 3 ح 2 وفيهما ” الا أن يشاء – يبيعه قدر حياته “.
[ 346 ]
عن دبر، فقال: لمولاه أن يكاتبه إن شاء وليس له أن يبيعه إلا أن شاء العبد أن يبيعه في حياته وله أن يأخذ ماله إن كان له مال “. ورواها الصدوق (1) أيضا من الصحيح كما في الفقيه إلا أنه قال فيها ” مدة حياته “. ورواها في المقنع (2) مرسلة. وهذه حجة الشيخ مضافا إلى الجميع بين الأخبار التي دل بعضها على جواز بيعه مطلقا وبعضها على النهي عنه وبعض على الاذن في بيع الخدمة مدة حياته بحمل الاولى على بيع الخدمة. وحمل ابن إدريس بيع الخدمة على الصلح مدة حياته لأن البيع لا يقع إلا على الأعيان. والعلامة على الاجارة مدة فمدة حتى يموت. والمحقق – رحمه الله – ومن تأخر عنه قطعوا ببطلان بيع الخدمة لأنها منفعة مجهولة. واجيب عن ذلك بالجهالة غير قادحة لجواز استثناء هذا بهذه الأخبار الواردة فيه بالخصوص على أن المقصود بالبيع في جميع الأعيان هو الانتفاع ولا تقدير فيه للمدة، فإذا وردت الأخبار الكثيرة بجوازه فلم يبعد القول به، واختاره شهيد الدروس. وعلى هذا فالمتجه جواز بيع الرقية كما دلت عليه الأخبار المستفيضة السابقة وبيع المنفعة منفردة إبقاء للتدبير على أصله كما دلت عليه الأخبار. وأما حمل الشيخ بيع المدبر على بيع خدمته وحصره الجواز فيه إذا لم يرجع في التدبير فليس بجيد، لأن مقصود المشتري الرقية فإذا لم يصح بيعها وصرف إلى بيع الخدمة في المدة المخصوصة كان اللازم بطلان البيع كما لو اشترى شيئا على أنه جنس معين فظهره غيره. وأما تنزيله على أن البيع متناول للرقية مدة الحياة كمشروط العتق
(1) الفقيه ج 3 ص 82 ح 8. (2) المقنع ص 158.
[ 347 ]
ففاسد لتصريح الأخبار، والفتوى يتناول بيع الخدمة دون الرقيه، ولأن انعتاقه بالموت عن البائع لامن المشتري فيدل على عدم انتقال الرقية إلى المشتري وإلا لكان عتقه عنه إذا لم يشترط عليه عتقه عن البايع بل انعتق بالتدبير السابق، والأصح صحة البيع في رقبته وأن ذلك رجوع في التدبير، ويترتب عليه بطلان التدبير. ويمكن حمل الأخبار الناهية عن البيع والاقتصار على بيع الخدمة على التقية لأنه مذهب جماعة. ولو أنكر المولى تدبيره لم يكن رجوعا في المشهور، لأنه أعم من الرجوع فلا يدل عليه، ولا مكان استناده الانكار له إلى نسيان التدبير فلم يقصد به الرجوع وقيل: يكون رجوعا لاستلزامه رفعه في سائر الأزمان وكان أبلغ من الرجوع المقتضي لرفعه في المستقبل خاصة، والأقوى هو المشهور إلا مع قصد الرجوع به، وحينئذ فيرجع إليه في ذلك، وإن لم يعرف بالقصد لم يكن رجوعا. وكذا القول في سائر الأحكام التي يجوز الرجوع فيها كالوكالة والوصية وإنكار البيع الجائز. وأما إنكار الطلاق وإعداده رجعة فللنص الصحيح الوارد بكونه رجوعا مع كونه على خلاف الأصل، وقد تقدم تحقيقه فيه. أما لو ادعى المملوك التدبير وأنكر المولى فحلف لم يبطل التدبير في نفس الأمر، لأن إنكاره وحلفه مع عدم البينة وإن اقتضيا ارتفاعه ظاهرا لكن لا يرتفع في نفس الأمر فهو بحاله ما لم يحصل منه ما يدل على الرجوع، فلو مات على هذه الحالة انعتق المملوك فيما بينه وبين الله تعالى. وقد تظهر الفائدة ظاهرا كما لو اعترف المولى بعد الحلف بكذبه فيه، فإن جعلنا الانكار رجوعا لم يعد باعترافه، وإلا بقي بحاله، فيثبت ظاهرا أيضا حيث يعترف به. وقد تظهر فائدته أيضا كما لو كان الحلف لعدم البينة ثم وجدت بعد ذلك.
[ 348 ]
الثاني عشر: المدبر ينعتق بموت مولاه من ثلث مال المولى، هذا إذا كان تدبيره معلقا على موت المولى ولم يكن منذورا ولا معاهدا عليه ولا يمينا لأنها وصية متبرع بها، أو هو بمنزلتها فيكون بحكمها. ولو جعلناه عتقا فالعتق المعلق على الموت كذلك مثل المنجز في مرض الموت كما مر تحققه في المشهور فامتأخر عنه أولى. وقد تقدمت جملة من الأخبار دالة عليه مثل صحيحة محمد بن مسلم (1) لقوله فيها ” فهو مملوك ” إلى قوله ” فإذا مات السيد فهو حر من ثلثه “. وفي صحيحة محمد بن مسلم (2) الاخرى عن أحد هما عليهما السلام ” قال: اللمدبر من الثلث “. وخبر الحسين بن علوان (3) عن الزيدية عن زيد بن علي عن آبائه عن علي عليه السلام ” قال: المعتق على دبر فهو من الثلث “. ومرسلته (4) مثله. وخبر أبي بصير (5) عن أبي عبد الله عليه السلام وتقدمه ” قال: المدبر مملوك ولمولاه أن يرجع في تدبيره، إن شاء باعه وإن شاء وهبه ” إلى أن قال: ” وإ ن تركه سيده على التدبير ولم يحدث فيه حدثا حتى يموت سيده فإن المدبر حر إذا مات سيده، وهو من الثلث، إنما هو بمنزلة رجل أوصى بوصية ” الحديث. وصحيحة محمد بن مسلم (6) ” قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل دبر مملوكا
(1) الكافي ج 6 ص 185 ح 9، الوسائل ج 16 ص 84 ب 1 ح 1. (2) الفقيه ج 3 ص 72 ح 6، الوسائل ج 16 ص 87 ب 2 ح 4. (3) التهذيب ج 8 ص 262 ح 17، الوسائل ج 16 ص 93 ب 8 ح 2. (4) الفقيه ج 3 ص 73 ح 13، الوسائل ج 16 ص 93 ب 8 ح 2. (5) الكافي ج 6 ص پ 184 ح 7، الوسائل ج 16 ص 93 ب 8 ح 3. (6) الكافي ج 6 ص 185 ح 9، الوسائل ج 16 ص 84 ب 1 ح 1.
[ 349 ]
لم ثم احتاج إلى ثمنه ” وساق الحديث كما تقدم إلى أن قال: ” فإذا مات السيد فهو حر من ثلثه “. وصحيحته الاخرى (1) ” قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: رجل دبر مملوكه ثم يحتاج إلى الثمن ” وساق الحديث إلى أن قال: ” وإن شاء أعتق وذلك من الثلث “. وفي صحيحته الخامسة (2) عن أحد هما عليهما السلام ” قال: المدبر من الثلث وللرجل أن يرجع في ثلثه “. هذا كله إذا كان معلقا بموت المولى متبرعا به، فلو علقه بموت المخدوم أو الزوج ومات في حياة المولى وصحته لم يعتبر من الثلث، إذ لا وجه له، فإنه كتعجيل العتق في حال الحياة. وحينئذ فيجب حمل الأخبار المطلقة أو العامة مما قدمناها وتأتي في كونها من الثلث على التدبير الغالب المتفق عليه وهو المعلق بموت المولى، بل فيها ما يدل عليه صريحا كقوله ” فإذا مات السيد فهو حر لثلثه “. ولو مات المخدوم في مرض موت المولى أو بعده فهو من الثلث أيضا كالمعلق على وفاة المولى ولو كان واجبا بنذر أو شبهه كالعهد واليمين، فإن كان في مرض الموت وكانت المنجزات من الثلث لم يتغير الحكم، وإن كان في حال الصحة فإن كان المنذور هو التدبير فالأظهر أنه من الثلث أيضا لأنه لا يصير واجب العتق بذلك إنما يجب تدبيره، فإذا دبره فقد برئ من النذر ولحقه حكم التدبير وإن كان قد نذر عتقه بعد الوفاة فهو من الأصل كغيره من الواجبات المالية، ومثله نذر الصدقة ونحوها بمال بعد الوفاة. وفي التحرير ساوى بين الأمرين في خروجه من الأصل ونقله أول الشهيدين
(1) التهذيب ج 8 ص 262 ح 21، الوسائل ج 16 ص 86 ب 1 ح 7. (2) الفقيه ج 3 ص 72 ح 6، الوسائل ج 16 ص 87 ب 3 ح 4.
[ 350 ]
في الدروس عن ظاهر الأصحاب، والأظهر الأول. ولو جوزنا تعليق العتق على شرط كما هو مذهب القاضي والاسكافي كما لو قال: فهو حر قبل مرض موتي بيوم مثلا خرج من الأصل، وكذا لو جعلنا المنجزات من الأصل كما هو المختار فعلقه على آخر جزء من حياته، ولو نذر عتقه أو الصدقة بالمال أو صرفه في بعض الوجوه السابقة في آخر يوم من أيام صحته فكذلك، وفي آخر يوم من حياته على القول الآخر، ولا فرق في اعتبار التدبير بين المتبرع به من الثلث بين الواقع في مرض الموت والصحة كالوصية. ولو تعدد المدبر بتعدد الصيغة وجب إخراج الأول فالأول وإن لم يسع الجميع الثلث إلى أن ينقضي وبطل في الزائد، وإن اتحدت الصيغة أو تعدده وجهل الترتب عتق الثلث بالقرعة كما سبق في العتق المنجز، و يكون حكمه في الأمرين حكم الوصية.
الثالث عشر: لو دبر المالك عبده وعليه دين مستوعب للتركة بطل التدبير وبيع المدبر فيه، لأن التدبير كالوصية كما سمعت، ولا تزاحم الوصية الديون فيتعين في نفوذه كونه فاضلا من الثلث بعد أداء الدين وما في معناه من الوصايا الواجبة والعطايا المنجزة والمتقدمة عليه لفظا، ولا فرق في المشهور بين الدين المتقدم على إيقاع صيغة التدبير والمتأخر عنه كما هو الأصح. والقول بتقديمه على الدين مع تقدمه عليه للشيخ في النهاية وكتابي الأخبار وتمسك المشهور بما تقدم من الأخبار الدالة على أن التدبير كالوصية، ولا إشكال في وجوب تقدم الديون عليها تقدمت أو تأخرت. وبصحيحة الحلبي (1) وبحسنته كما في الفقيه والكافي ” قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل قال: إن مت فعبدي حر وعلى الرجال دين، فقال: إن توفي
(1) لم نعثر عليه في الكافي، الفقيه ج 3 ص 70 ح 22، التهذيب ج 9 ص 218 ح 7، الوسائل ج 13 ص 423 ب 39 ح 3 وما في المصادر اختلاف يسير.
[ 351 ]
وعليه دين قد احيط بثمن الغلام بيع العبد، وإن لم يكن أحاط بالعبد استسعى العبد في قضاء دين مولاه وهو حر إذا أوفى “. واحتج الشيخ على ما فصل من الحكم بصحيحة علي بن يقطين (1) ” قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن بيع المدبر، قال: إذا أذن بذلك فلا بأس به، وإن كان على مولى العبد دين فدبره فرارا من الدين فلا تدبير له، وإن كان دبره في صحة وسلامة فلا سبيل للديان عليه ويمضي تدبيره “. وبموثقة أبي بصير (2) كما في التهذيب والكافي الفقيه ” قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل دبر غلامه وعليه دين فرارا من الدين، قال: لا تدبير له، وإن كان دبره في صحة منه وسلامة فلا سبيل للديان عليه “. واجيب عنهما بحملهما على التدبير الواجب بنذر وشبهه، فإذا وقع كذلك مع سلامته من الدين فلا سبيل للديان عليه فلا بأس، وإن كان على مولى العبد دين فدبره فرارا من الدين فلا تدبير له. ويمكن أن يستأنس المشهور بصحيحة البزنطي عن الحسن بن علي بن أبي حمزة (3) عن أبي الحسن عليه السلام ” قال: قلت له: أبي هلك وترك جاريتين فدبر هما وأنا ممن أشهد لهما وعليه دين كثير، فما رأيك ؟ قال: رضي الله عن أبيك ورفعه مع محمد صلى الله عليه واله وأهله عليهم السلام قضاء دينه خير له إن شاء الله تعالى “. وكذا لو نذره فرارا من الدين لم ينعقد نذره لأنه لم يتعمد به الطاعة، وهو محمل بعيد، واحتمل فيه محدث الوسائل عدم استيعاب الدين للتركة، وهو أقرب، ويحتمل التقية لأنه مذهب بعض العامة.
(1) التهذيب ج 8 ص 261 ح 13، الوسائل ج 16 ص 94 ب 9 ح 1. (2) لم نعثر عليه في الكافي، الفقيه ج 3 ص 72 ح 11، التهذيب ج 8 ص 261 ح 12، الوسائل ج 16 ص 94 ب 9 ح 2 وما في المصادر ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام “. (3) التهذيب ج 8 ص 262 ح 16، الوسائل ج 16 ص 95 ب 9 ح 3 وفيهما ” قضاء دينه “.
[ 352 ]
الرابع عشر: إذا دبر بعض عبده لم يسر في الباقي، بمعنى أنه ينعتق معجلا بعد عتق الجزء المدبر، لأن التدبير ليس بعتق خالص محقق وإنما هو وصية به، وعلى تقدير كونه عتقا معلقا لم يقع بعد، فلا يدخل في عموم قوله ” من أعتق شقصا ” وبعد انعتاقه لا يبقى المعتق مؤسرا بانتقال ماله عنه بالموت بخلاف ما إذا علق عتق نصيبه بصفة فوجدت الصفة وهو مؤسر، وجوزنا التعليق على الصفة فإنه يعتق النصيب ويسرى. وللمرتضى قول بالسراية هنا وهو قول بعض العامة كالعتق المنجز لأنه يوجب استحقاق العتق بالموت فصار كالاستيلاد الموجب التقويم حصص الشركاء عليه، ويرد بمنع الاستحقاق أولا بجواز الرجوع ومنع الملازمة على تقدير الاستحقاق مع عدم تحقق العتق بالفعل لعدم المقتضي. والفرق بين الاستيلاد و التدبير ظاهر، إذ الاستيلاد كالاتلاف حيث إنه يمنع التصرف بالبيع ونحوه من التصرفات المملكة ولا طريق إلى دفعه بخلاف التدبير. ولو دبر بعض المملوك المشترك بينه وبين آخر لم يسر على الشرك كما تقدم في عتق السراية، ولم يقوم عليه نصيب الشريك لما تقدم من الدليل، والمخالف هنا كالسابق والدليل الدليل والجواب الجواب، بل هنا أولى بعدم السراية كما عليه أكثر الأصحاب. ولبعض العامة هنا قول آخر وهو تخيير الشريك بين أن يضمنه القيمة وبين أن يستسعى العبد وبين أن يدبر نصيبه أو يعتقه، ولو كان المالك واحدا ودبره أجمع ثم رجع في بعض التدبير فإنه صحيح كما تقدم، وكما يجوز له الرجوع في بعض الوصية دون بعض ولشمول تلك الأخبار له، وحيث يرجع في البعض لا يسري بما بقي فيه التدبير على ما رجع فيه إلى محض الرق لما تقدم من أنه ليس بعتق مطلقا، والخلاف والدليل والجواب فيها واحد. أما لو كان مشتركا بين اثنين فدبراه معا ثم عجل أحدهما العتق، فهل
[ 353 ]
يقوم عليه نصيب الآخر ؟ فيه قولان، وقد تقدم الكلام عليه في فروع عتق السراية أحد هما لا يسري، فذهب إليه الشيخ في المبسوط محتجا بأن له جهة يعتق بها وهي التدبير فلا يحتاج إلى جهة اخرى، والوجه التقويم لأنه لم يخرج عن ملكه في التدبير فيدخل في عموم ” من أعتق شقصا “. أما لو كانت هذه الصورة بحالها لكن دبر أحد الشريكين حصته ثم عجل عتقها سرى إلى نصيب الشريك قطعا لعموم وتمامية الملك وعدم المانع منه هنا. وكذلك ما لو كانت الصورة بحالها لكن كان المعتق هو الشريك الذي لم يدبر، فهل يسري إلى نصيب شريكه المدبر ؟ فيه القولان السابقان، فشيخ المبسوط لا يسري لأن حصة التدبير لها جهة عتق، والأكثر – وهو الأصح – على ثبوت السراية لأنه لم يخرج عن ملكه بالتدبير. وليس في أخبارنا ما يدل على أصل هذه الفروع سوى ما تقدم في كتاب النكاح من صحيحة محمد بن قيس وموثقته وصحيحة محمد بن مسلم وموثقته (1) عن أبي جعفر عليه السلام ” قال: سألته عن جارية بين رجلين دبراها جميعا ثم أحل أحد هما فرجها لشريكه، قال: هو له حلال، وأيهما مات قبل صاحبه فقد صار نصفها حرا من قبل الذي مات ونصفها مدبر، قلت: أرأيت إن أراد منهما الباقي أن يمسها، أله ذلك ؟ قال: لا، إلا أن يثبت عتقها فيتزوجها برضا منها مثل ما أراد قلت له: أليس قد ملكت نصف رقبتها والنصف الآخر الباقي منهما ؟ قال: بلى، قلت: فإن هي جعلت مولاها في حل من فرجها وأحلت له ذلك ؟ قال: لا يجوز له ذلك، قلت: لم يجوز لها ذلك كما أجزت للذي كان له حين أحل فرجها لشريكه منها ؟ قال: إن الحرة لا تهب فرجها ولا تعيره ولا تحلله، ولكن لها من نفسها يوم وللذي دبرها يوم، فإن أحب أن يتزوجها متعة بشئ في اليوم الذي
(1) الكافي ج 5 ص 482 ح 3، التهذيب ج 7 ص 245 ح 19 وج 8 ص 203 ح 23، الوسائل ج 14 ص 545 ب 41 ح 1 وما في المصادر اختلاف يسير.
[ 354 ]
تملك فيه نفسها فيتمتع منها بشئ قل أو كثر “. وهي صريحة في عدم السراية في التدبير وإن كانت بين شريكين وعلى جواز تعجيل عتق المدبر بعد تدبيره وإن كان بعضا منه. وعلى هذا ينبغي حمل إطلاق صحيحة ليث المرادي (1) ” قال: سألته عن الرجلين تكون بينهما الأمة فيعتق أحد هما نصيبه فتقول الأمة للذي لم يعتق: لا أبقى فقومني وردني كما أنا أخدمك، أرأيت الذي لم يعتق النصف الآخر أن يطأها، أله ذلك ؟ قال: لا ينبغي له أن يفعل لأنه لا يكون للمرأة فرجان، ولا ينبغى له أن يستخدمها ولكن له أن يستسعيها، فإن أبت كان لها من نفسها يوم وله يوم “. وكذا خبر أبي الصباح الكناني (2) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: سألته عن الرجلين تكون بينهما الأمة فيعتق أحد هما نصيبه فتقول الأمة للذي لم يعتق نصيبه لا اريد أن تقومني، ردني كما أنا أخدمك، وأنه أراد أن يستنكح النصف الآخر، قال: لا ينبغي له أن يفعل لأنه لا يكون للمرأة فرجان، ولا ينبغي أن يستخدمها ولكن يقومها فيستسعيها ” على أن العتق هنا فيها مراد به التدبير وإن بعد من لفظها. ويمكن حملها على ما تقدم حيث إن المعتق ليس بمؤسر فلا يقع السراية بل يكون الخيار لمالك النصف الثاني بين إبقائها واستسعائها بعد التقويم، كما هو مذهب جماعة من المتأخرين. والعجب من الأصحاب قديما وحديثا حيث لم يتعرضوا لشئ من هذه الأخبار في مثل هذه المسائل والأحكام مع أنهم قد تعرضوا
(1) الكافي ج 5 ص 481 ح 1، التهذيب ج 8 ص 203 ح 22، الوسائل ج 14 ص 546 ب 41 ح 2 وما في المصادر اختلاف يسير. (2) الكافي ج 5 ص 482 ح 2 وفيه ” ذرنى كما أنا “، الوسائل ج 14 ص 546 ب 41 ح 3 وفيهما ” لم يعتق نصفه “.
[ 355 ]
لها في كتاب النكاح وقدحوا في أحكامها المشتملة عليه وتلقاها بعضهم بالقبول وهو المعتمد، إلا أنه باعتبار التدبير وعدم السراية به لم يطعن أحد فيها لمطابقتها قواعد التدبير والسراية، فكان عليهم أن يذكروها هنا.
الخامس عشر: إذا أبق المدبر المعلق تدبيره على موت مولاه بطل تدبيره وكان هو ومن يولد بعد الاباق رقا، فظاهر الأصحاب الاجماع على هذا الحكم وفي الخلاف صرح بدعوى إجماعهم عليه، والأخبار به مستفيضة. منها رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام كما في الكافي (1) ” قال: سألته عن جارية مدبرة أبقت من سيدها مدة سنين كثيرة ثم جاءت بعدما مات بأولاد ومتاع كثير وشهد لها شاهدان أن سيدها قد كان دبرها في حياته من قبل أن تأبق، قال: فقال أبو جعفر عليه السلام: أرى أنها وجميع ما معها فهو للورثة، قلت: لا تعتق من ثلث سيدها ؟ قال: لا، إنها أبقت عاصية لله ولسيدها فأبطل الاباق التدبير “. ورواه الصدوق بإسناده عن محمد بن مسلم (2) ورواه أيضا مرسلا. وموثقة العلاء بن رزين (3) عن أبي عبد الله عليه السلام ” في رجل دبر غلاما له فأبق الغلام فمضى إلى قوم فتزوج منهم ولم يعلمهم أنه عبد فولد له وكسب مالا فمات مولاه الذي دبره فجاء ورثة الميت الذي دبر العبد فطالبوا العبد، فما ترى ؟ فقال: العبد وولده رق لورثة الميت، قلت: أليس قد دبر العبد ؟ فذكر أنه لما أبق هدم تدبيره ورجع رقا “. (1) الكافي ج 6 ص 200 ح 4، الوسائل ج 16 ص 95 ب 10 ح 1 وفيهما ” أبى جعفر الاول ” مع اختلاف يسير. (2) الفقيه ج 3 ص 87 ح 4، المقنع ص 162 وفيهما اختلاف يسير. (3) التهذيب ج 8 ص 265 ح 29 وفيه ” وولده لورثة الميت “، الوسائل ج 16 ص 96 ب 10 ح 2.
[ 356 ]
وقدح ثاني الشهيدين في كل من الروايتين بضعف طريقهما، ثم إنه أجاب عنهما بأنهما منجبران بالصحة أو الاجماع، وهذا بناء على الاصطلاح الجديد وعلى عدم الموثق في الضعيف، وقد فرقوابين الاباق والارتداد حيث لم يكن الارتداد مبطلا للتدبير مع اشتراكهما في معصية المولى، وكون الثاني أقوى من حيث إن معصية الله تعالى أعظم، إلا أن الاباق لما كان يقتضي معصية المولين معا والمولى الآدمي محتاج إلى خدمته فقوبل بنقيض مقصوده حيث قوتها عليه بخلاف معصية الله تعالى بالارتداد فإنه غني عنه ولا تعلق لذلك بالمولى المحتاج، وهو تعليل متكلف مع النص الذي هو الأصل في الحكم وينتقض بإباقه من عند المخدوم الذي علق تدبيره على موته فإنه لا يبطل بإباقه كما سيجئ وتقدم أيضا مع اشتراكهما في الحاجة، وإنما الفارق النص. وعلى هذا فلا يبطل تدبير المملوك الارتداد إلا أن يلتحق بدار الحرب فيبطل للاباق، ولو مات مولاه قبل الالتحاق تحرر. وبالجملة: أن المشهور بين علمائنا – حتى كان أن يكون إجماعيا إلا من الاسكافي على ما سيجئ – أن الارتداد لا يبطل التدبير مطلقا وإن حكم بقتله للأصل ما لم ينظم إليه الاباق بأن يلتحق بدار الحرب فيبطل من حيث الاباق كما تقدم. وخالف الاسكافي في حيث اكتفى في بطلان تدبيره بأحد أمرين: ارتداده أو التحاقه بدار الحرب، فيبطل من حيث الاباق والارتداد معا. وكلاهما ممنوع، إذ لا دليل على البطلان بمجرد الارتداد، وإلحاقه بالاباق قياس مع وجود الفارق كما أشرنا إليه في السابق من حاجة المولى وغناء الله تعالى، والتحاقه بدار الحرب لا يشترط انضمام الأسير إليه كما اشترطه هو في الالتحاق بدار الحرب في كلامه لكون الاباق علة مستقلة للبطلان. فعلى هذا لو مات مولاه بعد ارتداده وقبل فراره إلى دار الحرب أو إباقه بغيره تحرر لوجود المقتضي للعتق، فإن قتل قبل مولاه من حيث الارتداد بطل، كما لو مات حتف أنفه.
[ 357 ]
السادس عشر: لما كان بطلان التدبير بالاباق على خلاف الأصل فيقتصر فيه على مورد النص فيه وهو إباقه من المولى المعلق تدبيره بوفاته. أما لو جعل خدمته لغيره وعلق تدبيره على وفاة المخدوم لم يبطل بإباقه للأصل وصحيحة يعقوب بن شعيب (1) التي مر ذكرها مرارا حيث قال فيها ” عن الرجل يكون له الخادم فيقول: هي لفلان تخدمه ما عاش فإذا مات فهي حرة فتأبق الأمة قبل أن يموت بخمس سنين أو ست سنين ثم يجدها ورثته، ألهم أن يستخدموها بعدما أبقت ؟ فقال: لا، إذا مات الرجل فقد عتقت “. وباشتمالها على هذا الحكم ردها ابن إدريس ومن قال بمقالته لما ثبت من الاباق على كل تقدير يلزمه إبطال التدبير فلا يكون هذا تدبيرا، وقد مر الكلام في ذلك منقحا ومجابا عما أورده ابن إدريس. وبقي ما لو علق تدبيره بوفاة الزوج أو غيره حيث يجوز ما بقي ومقتضى هاتين القاعدتين تابع لخدمته، فإذا لم تكن مجعولة لغير المولى بطل تدبيره بإباقه وإن لم يكن كذلك لم يبطل تدبيره بإباقه. وإن جعل خدمته لغيره وعلق تدبيره على وفاة غير المخدوم كالزوج فأبق ففي بطلان تدبيره بذلك نظر، إذ كل واحد من الروايات الواردة من الجانبين لا تتناول هذا الفرد، لأنه موردها في البطلان المعلق على وفاة المولى، وفي عدمه معلق على وفاة المخدوم والأصل يقتضي عدم البطلان. ولو قيل بقصر عدم البطلان على إباق من جعلت خدمته لغيره وعلق تدبيره على وفاة المخدوم كان حسنا، لأن القاعدة والأصل بطلانه بالاباق وصار في تعليقه على وفاة المخدوم غير مبطل على خلاف ذلك الأصل بالنظر إلى ما ذكره الأصحاب فيقتصر على مورده لأن ظاهر هم الاتفاق على أن الاباق مبطل له إلا ما أخرجه الدليل، هذا عند من أثبته كما هو المختار. أما عند من أسقط المعلق بوفاة غير المولى والمخدوم نظر إلى عدم النص
(1) التهذيب ج 8 ص 264 ح 28، الوسائل ج 16 ص 96 ب 11 ح 1.
[ 358 ]
الدال على الصحة. والاشكال مندفع لانتفاء ما بني عليه هذا الحكم كما عرفت وبمقتضى التعليل الذي علل به البطلان بالاباق – أعني مقابلة نعمة المولى وخدمته بالاباق والكفر إن أوجب له البطلان – فتثبت الصحة في التدبير المعلق على وفاة الزوج وإن حصل الاباق لعدم الوقوف على دليل يقتضي التعميم كما وقع للأصحاب في هذا المقام.
السابع عشر: إذا اكتسب المدبر مالا بعد موت مولاه وانعتاقه في الجملة فإن نهض به الثلث كان الجميع حرا ويكون الكسب تابعا له لوقوعه حال الحرية، وإن لم ينهض به الثلث وعتق منه شئ كان الكسب تابعا لما فيه من الرقية والحرية بالنسبة، هذا إذا كان عتقه معلقا على وفاة المولى. أما لو كان معلقا على وفاة غيره كمن جعلت له الخدمة أو كالزوج وتأخر موته عن موت المولى فإنه باق على التدبير والرقية إلى أن يحصل موت المعلق عليه العتق أو الوصية. وهل يجوز للوارث الرجوع في تدبيره فيما بين وفاة المولى والمخدوم كما كان ذلك جائزا للمولى ؟ نظر: من إطلاق النصوص والفتاوى بجواز الرجوع في التدبير ما لم يحكم بعتقه، ومن إمكان اختصاص ذلك برجوع المولى المدبر، ومن ثم لم يجز له الرجوع في تدبير أولاد المدبر المتحددين بعد التدبير من حيث إنه لم يدبر وكان وارثه من حيث إنه لم يدبر هم فكان وارثه بالنسبة إلى تدبير المورث بمنزلة المولى في تدبير الأولاد. وربما فرق بينهما بأن الوارث قائم مقام المورثون ووارث حقه من المال وما يتعلق به من الحقوق كحق الخيار والشفعة، وهذا منها بخلاف تدبير الأولاد لاستناده إلى الله تعالى لا إلى المولى فذلك لم يكن له الرجوع فيه، وللنصوص الدالة عليه وهي مفقودة هنا مع أصالة بقاء الملك على مالكه وجواز تصرف المالك في المملوك بأنواع التصرفات إلى أن يثبت المزيل.
[ 359 ]
الثامن عشر: إذا كان للمدبر مال غائب عن الورثة أو دين على معسر لم يمكن استيفاؤه لم يعتق جميع المدبر لأن عتقه موقوف على إيصال الورثة من التركة ضعفه. وهل يعتق ثلثه معجلا ؟ فيه وجهان، أصحهما وهو الذي قطع به الأكثر وقواه شيخ المبسوط وقطع به المحقق في الشرايع أنه يعتق لأن الغيبة لا تزيد على العدم، إذ لو لم يكن له إلا هذا المدبر انعتق ثلثه فكذلك عند الغيبة، وعلى هذا فثلث اكتسابه بعد موت السيد له ويوقف الباقي، فإن وصل المال إلى الوارث تبين عتقه أجمع وصار كسبه تابعا له. والقول الثاني أنه لا يعتق حتى يصل المال إلى الورثة، لأن في تنجيز العتق تنفيذا لمتبرع به قبل تسلط الورثة عن الثلثين، إذ لا بد من التوقف في الثلثين حتى يتبين حال الغائب كما تقدم نظيره في الوصايا، فيما لو أوصى بعين تخرج من الثلث وكان باقي المال غائبا، فإن في تسلط الموصى له الوجهين وأصحهما كما هنا. ويتفرع على الوجهين فروع منها ما إذا كان قيمة المدبر مائة والغائب مائتين فحصته مائة، فعلى المختار يعتق ثلثاه لأن ثلثه عتق في الحال، فإذا حضر مائة عتق بقدر ثلثها أيضا، وعلى الثاني يعتق نصفه لحصول مثليه للورثة، فإن حضرت مائة وتلفت مائة استقر العتق في ثلثيه وتسلط الورثة على ثلثه وعلى المائة وربما يخرج على الوجه الثاني أن للورثة التصرف في الثلثين كما يحكم بعتق الثلث مراعاة للحقين المتلازمين، فإن حضر الغائب نقص تصرفه. والأصح خلاف ذلك كله، وكما يوقف كسبه في الثلثين قبل وصول المال توقف نفقته بمعنى أنه ينفق عليه منه، فإن وفي وإلا أكمل الوارث، فإن حضر المال وعتق المال رجع الوارث بما غنم منها.
التاسع عشر: التدبير والمكاتبة حينئذ قد يجتمعان، ويتفرع على اجتماعهما مسائل:
[ 360 ]
الاولى: إذا كاتبه ثم دبره صح لعدم المنافاة، فإن الكتابة لازمة لا تبطل بطرو الجائز عليها، والكتابة وإن اقتضت تمليك المكاتب نفسه إلا أنه ليس ملكا تاما فلا يعارضه التدبير، ولهذا جائز تعجيل عتقه. وحينئذ فيجتمع فيه سببان موجبان للعتق أيهما سبق تحقق العتق به، فإن أدى مال الكتابة في حياة المولى عتق وبطل التدبير ومن ثم جاز تعجيل عتقه. وحينئذ فيجتمع عليه الأمران فإن أدى مال الكتابة في حياة المولى عتق وبطل التدبير، فإن عجز فعجزه المولى بطلت الكتابة وبقي التدبير، فإن مات الأداء والتعجيز عتق بالتدبير إن احتمله الثلث وتبعه ولده. لكن يبقى البحث والكلام في حكم كسبه في حال الحياة بعد الكتابة فإنه تابع للكتابة غير تابع للتدبير، وفي بطلان الكتابة حينئذ وجهان سيأتيان في أحكام الكتابة. مثلهما ما لو أعتق السيد مكاتبة قبل الأداء، ولوجه أنها لا تبطل للأصل فإن بقي من الأحكام شئ ويتوقف عليها تأدى بها، ولو عجز الثلث من عتقه عتق ما يحتمله وسقط من مال الكتابة بحسبه وبقى الباقي مكاتبا.
الثانية: أن يدبره أولا ثم يكاتبه، وفي ارتفاع التدبير به قولان مشهوران مبنيان على أن التدبير وصية أو عتق، فعلى الاولى تبطل كما تبطل الوصية بالعبد لانسان، ثم يكاتبه لأن العبد يصير بالكتابة ملكه لنفسه، فكان السيد قد زال ملكه عنه فيكون الحكم كما لو باعه، وهذا اختيار الشيخ. والأكثر على الثاني لا يبطل، لأن مقصود ” بالكتابة ” العتق أيضا فيكون مدبرا ومكاتبا، خصوصا على القول بأن التدبير لا يبطل بالبيع، والأصل فيه اللزوم من الطرفين إجماعا، فعدم بطلانه بما وقع الخلاف في بطلانه، وعدمه أولى، وهذا اختيار الاسكافي والقاضي. وهو ظاهر الرواية الواردة في حكم هذه المسألة وهو ما رواه الشيخ والصدوق في التهذيب والفقيه في الصحيح عن أبي بصير ليث المرادي (1) ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
(1) الفقيه ج 3 ص 72 ح 8، التهذيب ج 8 ص 263 ح 25، الوسائل ج 16 ص 89 ب 4 ح 1.
[ 361 ]
عن العبد والأمة يعتقان عن دبر، فقال: لمولاه أن يكاتبه إن شاء “. أما ما جاء في خبر وهب بن وهب (1) عن جعفر عن أبيه عليهما السلام ” أن عليا عليه السلام ” قال: لا يباع المدبر ” فمؤيد لهذا الخبر في جواز المكاتبة بعد التدبير، ويجب حمله وحصره على الاستحباب لما تقدم من جواز بيعه من الأخبار الصحاح الصراح ولو يؤيده أيضا ما دل من الأخبار على جواز المكاتبة عموما، وعلى هذا يكون مدبرا مكاتبا كما لو دبر عبده المكاتب، فإن أدى النجوم عتق بالمكاتبة، وإن مات السيد قبل الأداء عتق بالتدبير، فإن لم يخرج من الثلث عتق قدر الثلث وبقيت المكاتبة في الباقي، وإن أدى قسطه عتق، ويقوى هذا مع تصريحه بعدم إرادة الرجوع، أما مع الاطلاق واشتباه الارادة فالأول أوجه.
الثالثة: أن يدبره أولا ثم يقاطعه على ما يكسبه ليعجل له العتق، وهذا لا يقتضي إبطال التدبير قطعا، لأن عاقبة الوعد بتعجيل العتق على تقدير فعله والمقاطعة غير لازمة لأحدهم وإن استحب الوفاء بها فلا تكون منافيا، والمال الذي يكتسبه للمقاطعة ملك المولى فلا يتغير حكم الرق. ويؤيده ما في صحيحة محمد بن مسلم (2) المروية في الكافي والتهذيب عن أبي جعفر عليه السلام ” في المملوك يعطي الرجل مالا ليشترية ليعتقه، قال: لا يصلح له ذلك “. ووجه عدم الصلوح حيث إن مال المملوك مال لسيده فلا يشترى ماله بماله فكيف يصح عتقه من الأجنبي بعد شرائه من مال المملوك .
العشرون: إذا دبر حملا صح ولا يسري إلى امه، ولو رجع في تدبيره صح، فإن أتت به لأقل من ستة أشهر من حين التدبير صح التدبير فيه لكشفه عن وجوده وقت التدبير، وإن كان لأكثر يحكم تدبيره لاحتمال تجدده، وهذا
(1) التهذيب ج 8 ص 262 ح 17، الوسائل ج 16 ص 89 ب 4 ح 2. (2) الكافي ج 6 ص 194 ح 2، التهذيب ج 8 ص 231 ح 69، الوسائل ج 16 ص 36 ب 26 ح 1.
[ 362 ]
مذهب الشيخ وجماعة منهم المحقق في الشرايع لاحتمال الحدوث. وينبغي الفرق بينهما إذا كانت خالية من القرائن وعدمه كما سبق في نظائره، لأن الأصل المذكور وإن كان ثابتا في الحالين إلا أن الظاهر يعارضه وأصالة عدم وطء متجدد وصيانة حال المسلم على تقديره من الحمل على الرق كما تقدم في حكم أولا التابعين للمدبرين في التدبير. وكما يصح الرجوع في مدبر المدبر بالمباشر يصح الرجوع في تدبير هذا الحمل قبل وضعه لاصول المقتضي له وانتفاء المانع إذ لا مانع سوى كونه حملا، وهو لا يصلح المانعية لدخوله في العموم. وخالف في ذلك بعض العامة حيث منع من الرجوع في التدبير للقول مطلقا بل مقصور على الفعل وهو الاخراج عن الملك، والحمل لا يمكن إخراجه بالبيع منفردا بل بالتبعية لامه، فإذا باعهما كذلك صح الرجوع عنده وإلا فلا. ولما ثبت أن الرجوع جائز بالقول مطلقا كالفعل صح في الحمل كغيره لاشتراكهما في التدبير، فلا فرق إذا إلا بما تقدم من أنه لا يكون بالفعل إلا في موضع يصح إفراده بالنقل كالهبة والصلح لا بدونه.
الحادى والعشرون: قد صرح جماعة ممن ذهبوا إلى أن البيع والامهار من مدبر ليس رجوعا في التدبير بل يبقى على تدبيره وإن قلنا بجواز رجوع المدبر في التدبير بعد نقله لغيره بناقل لازم كالبيع والاصداق، فيتفرع عليه فرع هو موضع خلاف بينهم وهو أنه إذا رجع البائع والزوج في التدبير بعد بيعه أو جعله صداقا فهل ينتقل ملك الرقبة إلى المشتري والزوجة ؟ أو يعود إلى ملك البائع والزوج ؟ فيه وجهان ينشآن: من انتقاله عنه إلى من نقله إليه وإنما هو متزلزل بقبوله للعتق بموت المولى لا بغيره بسبب التدبير لا بغيره والتدبير قد أبطل فزال التزلزل بزوال سببه، ومن أنه باعه مدبرا وقد بقي حكم التدبير على حاله مع البيع، والبيع متصرف إلى خدمته، وحكم التدبير أن للمدبر الرجوع فيه وإبطاله فيرجع إليه.
[ 363 ]
والتحقيق أن نقول: إما أن البيع يتناول خدمته خاصة لا رقبته، أو نقول: يتناول الرقبة وينتقل إلى المشتري متزلزلا. فعلى الأول يرجع بالرجوع إلى البيع بمعنى استقرار ملك الرقبة، فإن بالتدبير يتزلزل ملك المدبر وببطلانه يستقر كما كان أولا. وعلى الثاني الأقرب أن يعود إلى المنتقل إليه كالمشتري والزوج لأن البائع أخذ العوض عن العين بعقد لازم وأبطل التدبير برجوعه فانتفى التزلزل واستقر ملك المشتري، أو أن العتق كان حقا للمدبر بسبب التدبير وقد زال فزال حقه، و يحتمل عوده إلى البائع أيضا لأنه إنما باعه على أنه مدبر وأحكام التدبير ثابتة فيه ومن جملتها جواز رجوع المدبر فيه وعود ملكه إليه كما كان في بيع الخيار، وهاهنا فروع:
الأول: أنه على القول بصحة التدبير مع البيع أو الاصداق وعدم جواز رجوع المولى أو بعدم نفوذ الرجوع ينعتق المدبر بمجرد موت المولى، وليس العتق فسخا للبيع سواء قلنا بالانتقال المتزلزل أو بصرف العبد إلى خدمته بل بالثمن كله للبائع وينعتق المدبر ويزول حق المشتري منه.
الثاني: إذا قلنا ببطلان التدبير برجوع المولى فيه مع بقاء البيع، فإن قلنا بانصراف البيع إلى خدمته ورجوع الرقبة إلى المولى كانت الخدمة حياة المولى للمشتري وبعده لورثة البائع.
الثالث: على القول بانتقال الرقبة انتقالا متزلزلا يحتمل استقرار ملك المشتري على الرقبة ويستمر ملكه على الخدمة أيضا، وليس للمولى في مقابلة إزالة التزلزل شئ، وأما على احتمال رجوع الرقبة إلى المولى فتكون الخدمة مدة حياته للمشتري لأن الرقبة تابعة هنا كما تقدم في ضمن الآبق إلى غيره في البيع وأما بعد موته المولى لوارثه (1).
(1) كذا في النسخة.
[ 364 ]
الرابع: أنه على تقدير رجوعه إلى المولى هل له أن يدبره مرة اخرى أو يعتقه أم لا ؟ الأقوى جواز هما لعدم المانع. وهل يجزي عن الكفارة أم لا ؟ قولان، والأقوى أنه لا يجزي. وكل هذه الفروع عندنا منتفية لأنه بمجرد البيع والاصداق وما شابههما يبطل تدبيره.
الثاني والعشرون: هل يبطل التدبير بالعقود الفاسدة كما يبطل بالعقود الحصيحة ؟ قولان، وتحقيق هذين القولين هو أنه إذا تعقبت هذه العقود الفاسدة للتدبير فإما أن يعلم فسادها أولا، وعلى التقديرين إما أن يقصد بها الرجوع أو لا، فالأقسام إذا أربعة:
الأول: أن يعلم فسادها ويقصد الرجوع بها، والأقرب أنه يكون رجوعا وفاقا للعلامة في القواعد لأن له الرجوع ويحصل بكل لفظ أو فعل يقصد به الرجوع.
الثاني: أن لا يعلم بفسادها فيقصد الرجوع فيكون رجوعا كما تقدم.
الثالث: أن يعلم بفسادها ولا يقصد الرجوع فلا يكون رجوعا.
الرابع: أن لا يعلم بفسادها ولا يقصد به الرجوع فيكون رجوعا لأنه أوقع عقدا وأراد صحته، وإرادة أحد الضدين ينفي الآخر. ويحتمل أن لا يقتضي البطلان لأنها عقود باطلة فلا يترتب شئ من آثارها عليها، وبطلان التدبير من جملة آثار الصحة فلا يحصل، ولأنه موقوف على أن إرادة إيجاد أحد الضدين يستلزم إرادة نفي الآخر، وفيه منع لجواز الغفلة عنه.
الثالث والعشرون: إذا كان المشتري للعبد المدبر جاهلا بتدبيره وقلنا بأن البيع لا ينقض التدبير بل ينتقل البيع إلى خدمته ومنافعه فإما أن يكون قد تصرف أولا، فإن كان قد تصرف فله الأرش سواء كان قد علمه قبل تحريره بموت المولى أو بعده، فإن لم يتصرف كان له الرد سواء كان قد انعتق بموت المولى أو لم يعتق.
[ 365 ]
ثم إن جاهل الحكم هنا هل يعذر كجاهل التدبير ؟ فيه إشكال منشأه أن جاهل الحكم لو عذر لارتفعت الأحكام الشرعية، وعموم النص على أن جاهل الحكم لا يعذر ولأن قوله تعالى ” فلو لانفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذورن ” (1) فيقتضي وجوب علم الأحكام بالأدلة على الكفاية، وقوله تعالى ” فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ” (2) فأوجب التعليم بالتقليد فلا يعذر، ومن أنه حكم خفي لا يكلف المسلم به، قيل: والأقوى عدم المعذورية.
الرابع والعشرون: إذا دبر المريض عبدا تجتمع فيه قيود أربعة:
الأول: أن تكون قيمته قبل التدبير ثلاثين.
وثانيها: نقص قيمته إلى أن صارت إلى عشرة دراهم، فهذا النقص ليس للسوق بل بسبب نقص صفة هي استقرار الملك، فأن التدبير يزيل الاستقرار.
وثالثها: كل جزء يبطل التدبير فيه تعود قيمة ذلك الجزء إلى ما كان قيمته أولا وهي نسبته من الثلاثين، وكل جزء يصح تدبيره فقيمته نسبته من العشرة إي ينقص قيمته الأصلية إلى نسبته من العشرة.
ورابعها: أن التنقيص بالبيع لا ينقص القيمة. فبيان هذه المسألة متوقف على مقدمات:
(اولاها) كلما يصح فيه البيع فقد وصل إليه العوض، عنه وببطلان التدبير فيه ترجع الرقبة إلى المشتري، فلا فائدة للبائع في إبطال تدبيره ما يصح فيه البيع ولأن التدبير بالنسبة إلى المشتري لازم كشرط العتق كما تقدم، فليس للمشتري إبطاله، وكلما يصح فيه التدبير فقد بيع بقيمته بلا محاباة وتزلزل البيع وهو بالمحاباة إن لم يخرج من الثلث، ومعنى التزلزل إن أجازها الوارث صح وإلا فلا.
(1) سورة التوبة – آية 9. (2) سورة النحل – آية 16.
[ 366 ]
(وثانيها) كلما نقص بالتدبير من القيمة يحسب على العبد المدبر، لأنه متبرع عليه به لأنه لنفعه ويفرض كالموجود بالنسبة إلى العبد.
(وثالثها) ما صح فيه التدبير لا يحسب على المشتري إلا بقيمة ناقصة، لأن التدبير لازم بالنسبة إليه وهو من لوازم صحة البيع فيمضي بيعه من الأصل.
(ورابعها) أن الجزء الذي بطل فيه التدبير وعادت قيمته يحسب على الورثة بالقيمة الزائدة حيث رجعت إليهم.
(وخامسها) كلما حصل للورثة من ثمن الجزء الذي صح البيع فيه وهو ما بطل فيه التدبير بقيمته الزائدة يكون مثلي ما نقص من قيمة الجزء الذي صح فيه التدبير لأنه المحسوب من الثلث، وأما ما قابل العوض الذي جعل ثمنا للجزء الذي صح البيع فيه وصح التدبير فإن تدبيره بمضي من الأصل بوصول عوضه. وإذا تقررت هذه المقدمات انكشف كون هذه المسألة من المسائل الدورية لأنه لا يمضي البيع والتدبير في الكل لأنهما متلازمان، وصحتهما تسلتزم المحال لاستلزامه تصرف المريض في أكثر من الثلث، وكلما استلزم المحال كان محالا، وهو بديهي لا يحتاج إلى البرهان. وهاهنا ثلاثة أشياء: ما صح فيه التدبير وما بطل فيه التدبير والتركة، يتوقف العلم بكل منهما على العلم بالآخرين وبالعكس، فالدور لازم من وجوه ثلاثة:
أولها: أنه يتعين معرفة كمية التركة على معرفة ما بطل فيه التدبير، ومعرفة كمية ما بطل فيه التدبير موقوف على معرفة التركة، لأنه إذا بطل من التدبير شئ عادت قيمته الاولى فيجب على الورثة فيكون جزء من التركة، فيتوقف العلم بالتركة على العلم بما بطل فيه التدبير لتوقف العلم بالكل على العلم بالجزء، ولكن معرفة ما بطل فيه التدبير موقوف على معرفة كمية التركة بحيث يعلم أن ثلثها ينقص عنه ولا يحتمله، فيتوقف معرفة كل منهما على معرفة الآخر.
وثانيها: أن يتوقف معرفة كمية ما صح فيه التدبير على معرفة كمية
[ 367 ]
التركة، وهذا ظاهر، ويتوقف معرفة التركة على معرفة ما صح فيه التدبير لأنه لا يعلم كمية التركة حتى يعلم ما صح البيع فيه من الثمن للبائع واستقر عليه ملكه، ولا يعلم ما صح البيع فيه من الثمن إلا مع معرفة قدر ما صح فيه البيع من المبيع وذلك هو ما صح فيه التدبير، فقد توقف كل منهما على الآخر.
وثالثها: أنه لا يعلم قدر ما استقر فيه التدبير حتى يعرف استقرار ملك الورثة على ضعفه كما علمت، وهذا الوصف لا يعلم إلا بعد معرفة قدر ما صح فيه فيدور. والجواب من هذا كله بأن هذه الأدوار ترجع إلى دور المعينة لادور توقف، والمستحيل هو الثاني كما تقرر في محله، وطريق استخراجه أن نقول: قد صح البيع في شئ من العبد بشئ من الثمن فيكون في الذي صح فيه البيع من العبد في تقدير ثلاثة أشياء، لأن الثمن ثلث قيمة العبد، وكلما صح فيه البيع صح فيه التدبير، وقيمته الأصلية محسوبة على العبد ويملك الوارث ضعفه. وأما الجزء الذي حصل لهم من الثمن ليساويه فلا يحتسب تدبيره من الثلث كما تقدم، فيكون للورثة من العبد ما صح لهم من الثمن أعني مقابلة ما صح البيع فيه من الثمن أربعة أشياء منها من الثمن شئ يبقى ثلاثة أشياء من العبد لأنه لا يملك المريض غير ذلك، فيكون العبد باعتبار القيمة الاولى في تقدير ستة أشياء فالشئ خمسة لأن الثلاثين عند بسطها على الستة تخرج خمسة فنقول: صح البيع في خمسة من العبد وهي لسبب النقص باستقرار التدبير نصف خمسة من الثمن وهي في تقدير خمسة عشر، لأن العشرة بالتدبير حسبت على العبد فيملك الورثة ضعفها فيبطل البيع في نصف العبد وهو يساوي خمسة لو صح فيه التدبير لكنه بطل فصار يساوي خمسة عشر فيحسب على الورثة العشرة الزائدة فيصح البيع في نصف العبد ويبطل من الثمن نصفه في مقابلة نصف العبد وهي خمسة هي قيمته مدبرا، أو نقول: بطل البيع في شئ من العبد وبطل من الثمن شئ في مقابله، فصار لتركة البائع المدبر شئ من العبد وعشرة الأشياء من الثمن، والشئ الذي من العبد في تقدير ثلاثة أشياء كما تقدم، فتجبر العشرة بشئ من الثلاثة أشياء فيصير معه عشرة وشيئان هي مثلا ما فات من التدبير، ولم يحصل في مقابله للورثة عوض وهو شيئان فيكون عشرة كاملة وشيئان تعدل أربعة أشياء يسقط شيئان بمثلهما فيبقى شيئان يساوي عشرة، فالشئ خمسة وهو المطلوب.