ج13 - ما يمسك عنه الصائم

المطلب الثاني

في ما يمسك عنه الصائم

وفيه مسائل الأولى ـ يجب الإمساك عن كل مأكول ومشروب معتادا كان أو غير معتاد :

اما المعتاد فلا خلاف فيه بين الأصحاب ويدل عليه مضافا الى الإجماع الآية (1) والاخبار (2).

ولا خلاف أيضا في كون فعله موجبا للقضاء والكفارة ، ويدل عليه مضافا الى الإجماع الأخبار الآتية الدالة على وجوب الكفارة بالإفطار به (3).

__________________

(1) وهي قوله تعالى في سورة البقرة الآية 184 (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ).

(2) الوسائل الباب 1 و 9 و 23 و 25 و 37 الى 51 من ما يمسك عنه الصائم وغير ذلك.

(3) الوسائل الباب 8 و 9 و 10 و 11 و 22 من ما يمسك عنه الصائم.


واما غير المعتاد كالتراب والحجر والفحم والخزف والحصى وماء الشجر والفواكه وماء الورد ونحوها فالمشهور بين الأصحاب انه كذلك ، ونقل في المختلف عن السيد المرتضى وابن الجنيد انه ينقص الصوم ولا يبطله ، ونقل السيد (رضى الله عنه) عن بعض أصحابنا انه يوجب القضاء خاصة.

حجة القول المشهور ان ما دل على تحريم الأكل والشرب يتناول المعتاد وغيره وان الصوم إمساك عن ما يصل الى الجوف وتناول هذه الأشياء ينافي الإمساك.

حجة القول الآخر ان تحريم الأكل والشرب إنما ينصرف الى المعتاد فيبقى الباقي على أصل الإباحة.

وأجيب عنه بمنع الانصراف الى المعتاد ودعوى العموم بالنسبة إلى المعتاد وغيره.

وعندي ان هذا الجواب لا يخلو من نظر لما صرحوا به في غير موضع من أن الأحكام المودعة في الاخبار إنما تنصرف الى الافراد المتكررة الشائعة دون الأفراد النادرة فشمول الأخبار لغير المعتاد غير واضح.

ويؤيده ما رواه الشيخ عن مسعدة بن صدقة عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم‌السلام) (1) «ان عليا عليه‌السلام سئل عن الذباب يدخل في حلق الصائم قال ليس عليه قضاء انه ليس بطعام».

ونقل عن السيد (رضى الله عنه) في المسائل الناصرية ما يدل على خلاف كلامه المتقدم حيث قال : لا خلاف في ما يصل الى جوف الصائم من جهة فمه إذا اعتمد انه يفطره مثل الحصاة والخرزة وما لا يؤكل ولا يشرب وانما خالف في ذلك الحسن بن صالح وقال انه لا يفطر وروى نحوه عن أبي طلحة (2) والإجماع متقدم

__________________

(1) التهذيب ج 4 ص 313 الطبع الحديث وفي الوسائل الباب 39 من ما يمسك عنه الصائم.

(2) المغني ج 3 ص 103.


ومتأخر عن هذا الخلاف فسقط حكمه. انتهى.

ولا بأس بإيراد جملة من الاخبار المتعلقة بهذه المسألة العاضدة للآية الشريفة وهي قوله عزوجل (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) (1).

ومنها ـ صحيحة محمد بن مسلم (2) قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال : الطعام والشراب والنساء والارتماس في الماء».

هكذا روى الحديث في الفقيه وموضع من التهذيب ، وفي موضعين آخرين منه بسندين آخرين أيضا (3) بلفظ «ثلاث خصال».

قيل : ولعل الوجه في هذه النسخة ـ ان صحت ـ انه عطف الارتماس على الثلاث وأخرجه منها لأنه من ما يضر ولا يبطل ، أو جعل الطعام والشراب خصلة واحدة لاشتراكهما في إدخال شي‌ء في الجوف ولهذا لم يذكر الحقنة بالمائع مع إيجابه القضاء ، والإخراج في حكم الإدخال ولهذا عدل عن الأكل والشرب الى الطعام والشراب ليشمل القي‌ء الاختياري أيضا. انتهى.

والظاهر انه تكلف مستغنى عنه فإنه لا يخفى على من أحاط خبرا بطريقة الشيخ في الكتاب وما وقع له من التغيير والتبديل والزيادة والنقصان في المتون والأسانيد ان ما ذكره من نسخة «ثلاث» انما هو سهو من قلمه وان النسخة الصحيحة هي «أربع» وقوله ـ «انه اخرج الارتماس منها لانه يضر ولا يبطل» بناء على ما هو أحد الأقوال في المسألة ـ ممنوع بما سنوضحه ان شاء الله تعالى في المسألة المذكورة ، نعم ينبغي أن يقال انه إنما اقتصر على هذه الأربعة مع ان غيرها كما

__________________

(1) سورة البقرة الآية 184.

(2) الوسائل الباب 1 من ما يمسك عنه الصائم.

(3) ارجع الى التعليقة 2 ص 50.


سيأتي ان شاء الله تعالى من المضرات بالصيام من حيث انها هي المعتادة المتداولة المتكررة دون غيرها من القي‌ء والحقنة المختصة بالمرضي والكذب على الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ونحوها.

ومنها ـ رواية أبي بصير (1) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام الصيام من الطعام والشراب ، والإنسان ينبغي له أن يحفظ لسانه من اللغو والباطل في رمضان وغيره».

ومنها ـ ما رواه المرتضى في رسالة المحكم والمتشابه بإسناده عن على عليه‌السلام (2) قال : «واما حدود الصوم فأربعة حدود : أولها اجتناب الأكل والشرب والثاني اجتناب النكاح والثالث اجتناب القي‌ء متعمدا. والرابع اجتناب الاغتماس في الماء وما يتصل بها وما يجرى مجراها».

وما رواه في الكافي في الصحيح عندي والحسن على المشهور بإبراهيم بن هاشم عن الحلبي (3) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن (الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ) (4) فقال بياض النهار من سواد الليل. قال : وكان بلال يؤذن للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وابن أم مكتوم وكان أعمى يؤذن بليل ويؤذن بلال حين يطلع الفجر فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا سمعتم صوت بلال فدعوا الطعام والشراب فقد أصبحتم».

وما رواه فيه في الصحيح عن ابى بصير (5) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام فقلت متى يحرم الطعام والشراب على الصائم وتحل الصلاة صلاة الفجر؟ فقال إذا اعترض الفجر وكان كالقبطية البيضاء فثم يحرم الطعام ويحل الصيام وتحل الصلاة». الى غير ذلك من الأخبار الآتية في تضاعيف الأحكام. إذا عرفت ذلك فاعلم انه ينبغي أن يعلم ان ما ذكرنا من بطلان الصوم بالأكل

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 1 من ما يمسك عنه الصائم.

(3 و 5) الوسائل الباب 42 من ما يمسك عنه الصائم.

(4) سورة البقرة الآية 184.


والشرب يحب تقييده بالعالم العامد وكذا كل ما يأتي من مفسدات الصوم فإنه لا ريب ولا خلاف في فساد الصوم بذلك وانه موجب للقضاء والكفارة.

اما لو لم يكن كذلك بان كان جاهلا أو ناسيا أو مكرها فتحقيق الكلام فيه يقع في مواضع ثلاثة :

أحدها ـ أن يكون جاهلا والمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) فساد صومه كالعالم ، وفان ابن إدريس : لو جامع أو أفطر جاهلا بالتحريم فلا يجب عليه شي‌ء. ونحوه نقل عن الشيخ في موضع من التهذيب. وإطلاق كلامهما يقتضي سقوط القضاء والكفارة ، واحتمله في المنتهى إلحاقا للجاهل بالناسي.

وقال المحقق في المعتبر : والذي يقوى عندي فساد صومه ووجوب القضاء دون الكفارة.

قال في المدارك بعد نقله عنه : والى هذا القول ذهب أكثر المتأخرين وهو المعتمد ، لنا على الحكم الأول إطلاق الأمر بالقضاء عند عروض أحد الأسباب المقتضية لفساد الأداء فإنه يتناول العالم والجاهل. ولنا على سقوط الكفارة التمسك بمقتضى الأصل وما رواه الشيخ عن زرارة وابى بصير (1) قالا : «سألنا أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل أتى أهله في شهر رمضان أو أتى أهله وهو محرم وهو لا يرى إلا ان ذلك حلال له؟ قال ليس عليه شي‌ء». (لا يقال) الأصل يرتفع بالروايات المتضمنة لترتب الكفارة على الإفطار المتناولة بإطلاقها للعالم والجاهل كما اعترفتم به في وجوب القضاء ، والرواية قاصرة من حيث السند فلا تنهض حجة في إثبات هذا الحكم (لأنا نقول) لا دلالة في شي‌ء من الروايات التي وصلت إلينا من هذا الباب على تعلق الكفارة بالجاهل إذ الحكم وقع فيها معلقا على تعمد الإفطار وهو انما يتحقق مع العلم بكون ذلك الفعل مفسدا للصوم ، فان من أتى بالمفطر جاهلا كونه كذلك لا يصدق عليه انه تعمد الإفطار وان صدق عليه انه متعمد لذلك الفعل ،

__________________

(1) الوسائل الباب 9 من ما يمسك عنه الصائم والباب 2 من كفارات الاستمتاع.


بل رواية ابن سنان (1) التي هي الأصل في هذا الباب إنما تضمنت تعلق الكفارة بمن أفطر في شهر رمضان متعمدا من غير عذر ، والجهل بالحكم من أقوى الأعذار كما يدل عليه صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتضمنة لحكم تزويج المرأة في عدتها (2) حيث قال فيها «قلت فبأي الجهالتين أعذر جهالته ان ذلك محرم عليه أم جهالته انها في عدة؟ فقال احدى الجهالتين أهون من الأخرى : الجهالة بأن الله حرم ذلك عليه ، وذلك انه لا يقدر على الاحتياط معها. فقلت فهو في الأخرى معذور؟ قال نعم». واما الرواية فهي وان كانت لا تبلغ مرتبة الصحيح لكنها معتبرة الإسناد إذ ليس في طريقها من قد يتوقف في شأنه سوى على بن الحسن بن فضال ، وقال النجاشي انه كان فقيه أصحابنا بالكوفة ووجههم وثقتهم وعارفهم بالحديث والمسموع قوله فيه سمع منه شيئا كثيرا ولم يعثر له على زلة فيه ولا ما يشينه وقل ما يروى عن ضعيف. ويمكن أن يستدل على هذا القول ايضا بقول الصادق عليه‌السلام في صحيحة عبد الصمد بن بشير الواردة في من ليس قميصا في حال الإحرام (3) «أي رجل ركب أمرا بجهالة فلا شي‌ء عليه». وغير ذلك من العمومات المتضمنة لعذر الجاهل. انتهى كلامه زيد إكرامه.

وفيه نظر من وجوه : الأول ـ ان ما استدل به على وجوب القضاء ـ من إطلاق الأمر بالقضاء عند عروض أحد الأسباب المقتضية لفساد الأداء فإنه يتناول العالم والجاهل ـ فيه أولا ـ انه لا يخفى ان جملة من الروايات المتضمنة للأمر بالقضاء قد اشتملت على قيد التعمد وان كان جملة أخرى مطلقة أيضا ، وهو قد اعترف بان التعمد إنما يتحقق مع العلم بكون ذلك الفعل مفسدا للصوم والمفطر جاهلا لا يصدق

__________________

(1) الوسائل الباب 8 من ما يمسك عنه الصائم وستأتي ص 63.

(2) الوسائل الباب 17 من ما يحرم بالمصاهرة ونحوها.

(3) الوسائل الباب 45 من تروك الإحرام.


عليه انه تعمد الإفطار فلا يجب عليه القضاء كما لا يجب عليه الكفارة بالتقريب الذي ذكره ، وسيأتي لك نقل جملة من الأخبار التي تفصح عن صحة ما قلناه.

وثانيا ـ انه مع تسليم صحة ما ذكره من إطلاق الأمر من غير تقييد بالتعمد فتناول الأمر للجاهل ممنوع فانا لا نسلم تناول الأمر للجاهل لا في هذا الموضع ولا غيره إلا ما خرج بدليل خاص لما صرحوا به في جاهل الأصل من امتناع تكليف الغافل ، وهو (قدس‌سره) قد صرح بذلك في كتاب الصلاة في مبحث المكان واللباس حيث رجح صحة صلاة الجاهل بحكم الغصب كالجاهل بأصله ، فإنه قال في مبحث المكان ـ بعد نقل الاتفاق على صحة صلاة الجاهل بالغصب معللا له بان البطلان تابع للنهى وهو انما يتوجه الى العالم ـ ما لفظه : اما الجاهل بالحكم فقد قطع الأصحاب بأنه غير معذور وقوى بعض مشايخنا المحققين إلحاقه بجاهل الغصب لعين ما ذكر ولا يخلو من قوة. وقال في مبحث اللباس ـ بعد أن ذكر عدم بطلان صلاة جاهل الغصب ـ ما لفظه : ولا يبعد اشتراط العلم بالحكم ايضا لامتناع تكليف الغافل فلا يتوجه إليه النهي المقتضي للفساد. بل صرح بذلك قبل هذا المقام في مسألة الارتماس أيضا حيث نقل عن جده (قدس‌سره) ان المرتمس ناسيا يرتفع حدثه لعدم توجه النهي اليه وان الجاهل عامة ، ثم قال (قدس‌سره) وما ذكره (قدس‌سره) في حكم الناسي جيد لكن الأظهر مساواة الجاهل له لاشتراكهما في عدم توجه النهي إليهما. وحينئذ فكيف يدعى هنا ان الأمر بالقضاء يتناول العالم والجاهل مع فصله بينهما في هذه المواضع؟.

وثالثا ـ ان الرواية التي استند إليها في سقوط الكفارة دالة بعمومها على سقوط القضاء ايضا كما هو ظاهر ، مع تأيدها بالروايات المستفيضة الدالة على معذورية الجاهل كما تقدم في المقدمة الخامسة من مقدمات الكتاب (1) ومنها الروايتان المذكورتان هنا ، وحينئذ فمع تسليم ما منعناه أو لا نقول انه معارض بما دلت عليه

__________________

(1) ج 1 ص 78.


هذه الروايات ، والنسبة بين المتعارضين العموم من وجه ، وترجيح العمل بأحدهما على الآخر لا يخلو من اشكال فلا يتم ما ذكره.

الثاني ـ قوله في الجواب عن الإيراد الذي أورده على نفسه ـ انه لا دلالة في شي‌ء من الروايات التي وصلت إلينا من هذا الباب على تعلق الكفارة بالجاهل إذ الحكم وقع فيها معلقا على تعمد الإفطار. الى آخره ـ فان فيه انه لا ريب انه وان ورد التقييد بالتعمد في جملة من الاخبار إلا ان جملة من الاخبار قد وردت مطلقة خالية من قيد التعمد.

وبالجملة فإن الأخبار الواردة في هذا الباب بالنسبة إلى وجوب القضاء والكفارة جملة منها قد اشتملت على قيد تعمد الإفطار فيهما أو أحدهما وجملة قد أطلق فيها الحكم كذلك ، وظاهر كلام الأصحاب حمل مطلقها على مقيدها في الموضعين وبه يزول الإشكال من البين.

ولا بأس بإيراد بعض منها في المقام ليتبين به ما في كلام هؤلاء الأعلام :

فمنها موثقة عبد الرحمن بن ابى عبد الله البصري عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «سألته عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا؟ قال يتصدق بعشرين صاعا ويقضى مكانه».

وصحيحته أيضا عن أبي عبد الله عليه‌السلام (2) قال : «سألته عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا؟ قال عليه خمسة عشر صاعا لكل مسكين مد بمد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل».

وصحيحة عبد الله بن سنان عن أبى عبد الله عليه‌السلام (3) «في رجل أفطر في شهر رمضان متعمدا يوما واحدا من غير عذر؟ قال يعتق نسمة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا فان لم يقدر تصدق بما يطيق».

ورواية أحمد بن محمد بن أبى نصر عن المشرقي عن ابى الحسن عليه‌السلام (4) قال :

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 8 من ما يمسك عنه الصائم.


«سألته عن رجل أفطر من شهر رمضان أياما متعمدا ما عليه من الكفارة؟ فكتب عليه‌السلام من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا فعليه عتق رقبة مؤمنة ويصوم يوما بدل يوم».

وموثقة سماعة (1) قال : «سألته عن رجل أتى أهله في شهر رمضان متعمدا فقال عليه عتق رقبة وإطعام ستين مسكينا وصيام شهرين متتابعين وقضاء ذلك اليوم ، واين له مثل ذلك اليوم؟».

وجعل الشيخ الواو في هذا الخبر بمعنى «أو» تارة وخصه اخرى بمن أتى أهله في حال يحرم الوطء فيها كالحيض أو الظهار قبل الكفارة كما دل عليه بعض الاخبار إلا ان صاحب الوسائل نقل هذا الخبر من نوادر أحمد بن محمد بن عيسى بلفظ «أو» عوض الواو في المواضع المذكورة.

فهذه جملة من الاخبار المشتملة على قيد التعمد في كل من القضاء والكفارة وبه يظهر لك ما في صدر كلام صاحب المدارك من دعواه إطلاق الأمر بالقضاء الشامل للجاهل مع اعترافه بان تعمد الجاهل ليس بعمد لأنه إنما يتحقق مع العلم بكون ذلك الفعل مفسدا للصوم كما تقدم.

ومنها ـ صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (2) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتى يمني؟ قال عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع».

وما رواه في الفقيه عن محمد بن النعمان عن ابى عبد الله عليه‌السلام (3) قال : «سئل عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان؟ فقال كفارته جريبان من طعام وهو عشرون صاعا».

__________________

(1 و 3) الوسائل الباب 8 من ما يمسك عنه الصائم.

(2) الوسائل الباب 4 من ما يمسك عنه الصائم.


وموثقة سماعة (1) قال : «سألته عن رجل لزق بأهله فأنزل؟ قال عليه إطعام ستين مسكينا أو يعتق رقبة».

ورواية عبد السلام بن صالح الهروي (2) قال : «قلت للرضا عليه‌السلام يا ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد روى عن آبائك (عليهم‌السلام) في من جامع في شهر رمضان أو أفطر فيه ثلاث كفارات ، وروى عنهم أيضا كفارة واحدة ، فبأي الحديثين نأخذ؟ قال بهما جميعا : متى جامع الرجل حراما أو أفطر على حرام في شهر رمضان فعليه ثلاث كفارات : عتق رقبة وصيام شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكينا وقضاء ذلك اليوم ، وان كان نكح حلالا أو أفطر على حلال فعليه كفارة واحدة وقضاء ذلك اليوم ، وان كان ناسيا فلا شي‌ء عليه». الى غير ذلك من الاخبار التي يقف عليها المتتبع في الموضعين.

وبذلك يظهر لك ان الاخبار بالنسبة إلى القضاء كالأخبار الواردة بالكفارة في التقييد في بعض منها بالتعمد والإطلاق في آخر ووجوب حمل مطلقها على مقيدها ، وبه يظهر لك ما في كلامه من الفرق بين المقامين.

الثالث ـ قوله في الاعتذار عن مخالفة اصطلاحه في العمل برواية زرارة وابى بصير المذكورة ـ بأنه ليس في طريقها من قد يتوقف في شأنه إلا على بن الحسن ابن فضال وقال النجاشي. إلى آخر ما ذكره ـ فان هذا من جملة المواضع التي كررنا الإشارة إليها في شرحنا على الكتاب من ما حصل له فيه من المخالفة والاضطراب ، فإنه مع عدم الموثق من قسم الضعيف وطعنه فيه ورميه بذلك متى احتاج الى العمل به تستر بهذه الأعذار الواهية ، وقد مر له في كتاب الصلاة ما يدل

__________________

(1) الوسائل الباب 4 و 8 من ما يمسك عنه الصائم. وليس فيها «أو يعتق رقبة» واللفظ هكذا : «قال عليه إطعام ستين مسكينا مد لكل مسكين» راجع التهذيب ج 4 ص 320 الطبع الحديث والوافي باب (تعمد الإفطار في شهر رمضان من غير عذر).

(2) الوسائل الباب 10 من ما يمسك عنه الصائم.


على الطعن في على بن الحسن المذكور في غير مقام ورد روايته ولكنه هنا حيث احتاج الى العمل بها اعتذر بما ذكره. والعجب انه في المقالة المتقدمة على هذه المقالة بلا فصل (1) نقل رواية عن على بن الحسن المذكور عن أبيه ثم أجاب عنها بان على بن الحسن وأباه فطحيان فلا يمكن التعويل على روايتهما ، وليس بين الكلامين إلا أسطر قليلة ، مع انه قد تقدم منه في كتاب الصلاة ـ في مسألة ما لو أهوى المأموم إلى الركوع والسجود قبل الامام ـ انه استدل برواية منقولة عن الحسن بن على بن فضال ثم قال : وهذه الرواية لا تقصر عن الصحيح إذ ليس في رجالها من قد يتوقف في شأنه إلا الحسن بن على بن فضال وقد قال الشيخ انه كان جليل القدر عظيم المنزلة زاهدا ورعا ثقة في رواياته وكان خصيصا بالرضا عليه‌السلام واثنى عليه النجاشي وقال انه كان فطحيا ثم رجع الى الحق (رضي‌الله‌عنه) انتهى. فانظر ـ رحمك الله ـ الى هذا الكلام وما فيه من اختلال النظام الذي يبعد من مثله من العلماء الاعلام وذوي النقض والإبرام ولكن ضيق الخناق في هذا الاصطلاح أوجب لهم الوقوع في مضيق الإلزام في غير مقام.

وبما ذكرنا من التحقيق في المسألة يظهر ان أظهر الأقوال في المسألة ما نقل عن ابن إدريس استنادا إلى الأدلة الدالة على معذورية الجاهل بالأحكام الشرعية على التفصيل الذي ذكرناه في المقدمة الخامسة من مقدمات الكتاب (2).

وثانيها ـ أن يكون ناسيا لكونه صائما ، والظاهر انه لا خلاف نصا وفتوى في صحة صومه وانه لا يجب عليه قضاء ولا كفارة :

ومن الاخبار في ذلك ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن الحلبي عن أبى عبد الله عليه‌السلام (3) «انه سئل عن رجل نسي فأكل وشرب ثم ذكر؟ قال لا يفطر إنما هو شي‌ء رزقه الله فليتم صومه».

__________________

(1) في مسألة الحقنة بالجامد.

(2) ج 1 ص 78.

(3) الوسائل الباب 9 من ما يمسك عنه الصائم.


وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن قيس عن ابى جعفر عليه‌السلام (1) قال : «كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول من صام فنسي فأكل وشرب فلا يفطر من أجل أنه نسي فإنما هو رزق رزقه الله فليتم صومه».

وما رواه الصدوق في الموثق عن عمار بن موسى (2) «انه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل ينسى وهو صائم فيجامع أهله؟ قال يغتسل ولا شي‌ء عليه».

وما رواه في الكافي عن داود بن سرحان عن ابى عبد الله عليه‌السلام (3) «في الرجل ينسى فيأكل في شهر رمضان؟ قال يتم صومه فإنما هو شي‌ء أطعمه الله إياه».

وما رواه الشيخ في التهذيب عن ابى بصير (4) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل صام يوما نافلة فأكل وشرب ناسيا؟ قال يتم يومه ذلك وليس عليه شي‌ء». وقد تقدم في رواية عبد السلام بن صالح الهروي نحو ذلك (5).

وإطلاق الاخبار وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في ذلك بين الصوم الواجب والمندوب ولا في الواجب بين المعين وغيره.

وأنت خبير بان مورد هذه الروايات وان كان الأكل والشرب والجماع خاصة إلا ان الأصحاب قاطعون بعموم الحكم في جميع مفسدات الصيام الآتية ان شاء الله تعالى ، والظاهر ان وجهه هو عدم توجه النهي إلى الناسي كما صرحوا به في بعض المواضع وهو كذلك. ويمكن الاستدلال على العموم بما في رواية عبد السلام بن صالح (6) من التعبير بقوله «أفطر على حرام أو أفطر على حلال». بحمل الإفطار على ما يوجب الإفطار ، إلا ان مقابلته بالجماع ربما عين انصرافه إلى الأكل والشرب خاصة. وبالجملة فالظاهر انه لا إشكال في عموم الحكم لما ذكرنا كما عليه الأصحاب في هذا الباب.

وثالثها ـ أن يكون مكرها على الإفطار ، إما بان يوجر في حلقه ويوضع في

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 9 من ما يمسك عنه الصائم.

(5 و 6) ص 65.


فيه بغير اختياره ولا اشكال ولا خلاف في انه لا يفطر به ـ قيل وفي معناه من بلغ به الإكراه حدا رفع قصده ـ أو بان يتوعد على ترك الإفطار بما يكون مضرا به في نفسه أو من يجرى مجراه بحسب حاله مع قدرة المتوعد على فعل ما توعد به وشهادة القرائن بأنه يفعله به لو لم يفطر. ونقل عن الشيخ (قدس‌سره) في المبسوط انه مفسد لصومه.

واستدل على القول المشهور بالأصل السالم من المعارض ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (1) «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه». والمراد رفع حكمها ومن جملته القضاء وسقوط الكفارة.

وقال المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد ـ بعد قول المصنف : والإكراه على الإفطار غير مفسد ـ ما صورته : دليله واضح وهو عدم التكليف عقلا ونقلا مثل «وعن ما استكرهوا» (2). ويؤيده ما يدل على وجوب الكفارة على المكره زوجته دونها سواء قلنا عليه كفارتها أيضا أم لا. الى أن قال : ويدل عليه ما يدل على جواز الأكل للتقية. ثم نقل جملة من الأحاديث الدالة على إفطار الصادق عليه‌السلام تقية مع أبى العباس (3).

قالوا : وفي معنى الإكراه الإفطار في يوم يجب صومه للتقية والتناول قبل الغروب لأجل ذلك.

احتج الشيخ على ما نقل عنه بأنه مع التوعد مختار للفعل فيصدق عليه انه فعل المفطر اختيارا فوجب عليه القضاء.

والى هذا القول مال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك حيث قال بعد نقل الخلاف في المسألة : وأصحهما وجوب القضاء وان ساغ له الفعل لصدق تناول المفطر عليه باختياره. ثم قال مجيبا عن الخبر المتقدم : وقد تقرر في الأصول ان المراد

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 30 من الخلل الواقع في الصلاة والباب 56 من جهاد النفس.

(3) الوسائل الباب 57 من ما يمسك عنه الصائم.


برفع الخطأ وقسيميه في الحديث رفع المؤاخذة عليها لا رفع جميع أحكامها. ومثله الإفطار في يوم يجب صومه للتقية.

أقول : والمسألة لا تخلو من الاشكال لعدم النص الكاشف عن حكمها وتدافع التعليلات فيها وان كان ما ذكره شيخنا الشهيد الثاني هنا لا يخلو من قوة ، فإن مجرد تسويغ الشارع الإفطار لدفع الضرر لا ينافي القضاء وإنما ينافي التأثيم ولا ريب في عدمه.

ومن ما يؤيد ذلك انهم جعلوا الإفطار للتقية في معنى الإفطار للإكراه فإنهما في الحقيقة من باب واحد ومرجعهما إلى أمر واحد وهو الإفطار لدفع الضرر.

مع انه قد ورد في بعض الاخبار الواردة في جواز الإفطار للتقية ذكر القضاء وهو ما رواه ثقة الإسلام في الكافي بسنده عن رفاعة عن رجل عن أبى عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «دخلت على أبى العباس بالحيرة فقال يا أبا عبد الله عليه‌السلام ما تقول في الصيام اليوم؟ فقلت ذاك الى الامام ان صمت صمنا وان أفطرت أفطرنا فقال يا غلام على بالمائدة فأكلت معه وأنا أعلم والله انه يوم من شهر رمضان فكان إفطاري يوما وقضاؤه أيسر علي من أن يضرب عنقي ولا يعبد الله». ومنه يعلم وجوب القضاء في محل الخلاف.

والأحوط عندي وجوب القضاء في صورة الوجوب أيضا حيث ان المسألة خالية من النص وان كان ظاهرهم الاتفاق على صحة الصوم وعدم وجوب القضاء ، وهو الظاهر أيضا لأنه لا يصدق عليه انه تناول المفطر. وقريب منه أيضا بلوغ الإكراه به الى وجه يرتفع القصد إلا ان الأحوط لخلو المسألة من النص هو القضاء وبالجملة فالقدر المعلوم ثبوته في صورتي الإكراه بأي معنى كان والتقية هو عدم المؤاخذة بذلك واما وجوب القضاء فليس على نفيه دليل.

(فان قيل) ان وجوبه يحتاج الى دليل لا نفيه (قلت) لا ريب ان

__________________

(1) الوسائل الباب 57 من ما يمسك عنه الصائم.


الأخبار المتضمنة لوجوب القضاء بالإفطار اختيارا قد اشتملت على شيئين : أحدهما ـ ثبوت الإثم والذنب الموجب للمؤاخذة وهو الذي أمر بالكفارة لدفعه في جملة من المواضع ، وثانيهما ـ قضاء ذلك اليوم ، والمعلوم المقطوع به من أخبار تسويغ الإفطار للإكراه والتقية هو ارتفاع الإثم خاصة كما أشرنا إليه إذ لا يجوز أن يسوغ له الشارع الإفطار ثم يعاقبه عليه ، وحينئذ فيبقى ما دل على القضاء على حاله بلا معارض يوجب إخراجه عن ما هو عليه ويخرج مرسل رفاعة شاهدا على ذلك.

ثم ان الظاهر من كلام الأصحاب ـ وبه صرح جملة منهم ـ انه يكفى في جواز الإفطار ظن الضرر بالترك ، وربما ظهر من عبارة الدروس ان ذلك إنما يسوغ عند خوف التلف.

ولعله (قدس‌سره) اعتمد على اخبار الصادق عليه‌السلام مع أبى العباس حيث تضمنت ان إفطاره عليه‌السلام لخوف التلف والقتل ، ومنها الخبر المتقدم.

ومنها أيضا ما رواه في الكافي في الصحيح عن داود بن الحصين عن رجل من أصحابه عن أبى عبد الله عليه‌السلام (1) «انه قال وهو بالحيرة في زمان أبى العباس انى دخلت عليه وقد شك الناس في الصوم وهو والله من شهر رمضان فسلمت عليه فقال يا أبا عبد الله عليه‌السلام أصمت اليوم؟ فقلت لا. والمائدة بين يديه فقال فادن فكل قال فدنوت فأكلت. قال وقلت : الصوم معك والفطر معك؟ فقال الرجل لأبي عبد الله عليه‌السلام تفطر يوما من شهر رمضان؟ فقال أى والله أفطر يوما من شهر رمضان أحب الى من أن يضرب عنقي».

والظاهر الاكتفاء بمجرد خوف الضرر كما هو المعلوم من الاخبار في جملة من موارد التقية ولقوله عليه‌السلام في حسنة زرارة (2) «التقية في كل ضرورة وصاحبها

__________________

(1) الوسائل الباب 57 من ما يمسك عنه الصائم.

(2) الوسائل الباب 25 من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.


أعلم بها حين تنزل به». وفي حسنة الفضلاء (1) «التقية في كل شي‌ء يضطر اليه ابن آدم فقد أحله الله». ولا دلالة في خبري الصادق عليه‌السلام المتقدمين بالتخصيص بما فيهما

ثم ان شيخنا الشهيد الثاني في المسالك قال بعد ذكر الكلام الذي قدمنا نقله عنه : وحيث ساغ الإفطار للإكراه والتقية يجب الاقتصار على ما تندفع به الحاجة فلو زاد عليه كفر ، ومثله ما لو تأدت بالأكل فشرب معه وبالعكس.

واعترضه سبطه السيد السند في المدارك بأنه يمكن المناقشة في وجوب الكفارة بالزائد بناء على ما ذهب اليه من كون التناول على وجه الإكراه مفسدا للصوم ، لأن الكفارة تختص بما يحصل به الفطر ويفسد به الصوم وما حصل به الفطر هنا كان مباحا فلا تتعلق به الكفارة وما زاد عليه لم يستند اليه الفساد فلا تتعلق به الكفارة وان كان محرما. انتهى.

أقول : فيه ان الظاهر من إيجاب الشارع الكفارة في جملة مواردها إنما هو لتكفير الذنب المترتب على موجبها فهي حينئذ لمحو الذنب وتكفيره ، وحينئذ فالكفارة إنما تتحقق في موضع يحصل فيه الإثم والذنب ، فقول السيد (قدس‌سره) ان الكفارة تختص بما يحصل به الفطر ويفسد به الصوم ليس في محله ، فان كثيرا من المواضع الآتية قد حكم فيها الشارع بفساد الصوم وإيجاب القضاء مع انه لم يوجب بها كفارة ، وحينئذ فإذا كانت الكفارة في الصوم وغيره دائرة مدار ما أوجب الذنب والحال ان التناول زيادة على ما تندفع به الضرورة موجب لذلك كان الحكم بالكفارة لا يخلو من قوة.

ويلحق بهذه المسألة من ما ينتظم في سلك نظامها وينخرط في سمط نقضها وإبرامها مسائل.

الأولى ـ من أكل ناسيا فظن فساد صومه فأفطر عامدا بطل صومه وعليه

__________________

(1) الوسائل الباب 25 من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.


القضاء عند الأصحاب ، وفي وجوب الكفارة عليه قولان.

أقول : وهذه المسألة من جزئيات المسألة المتقدمة في جاهل حكم الإفطار وقد تقدم ذكر الخلاف فيها وتحقيق القول فيها.

الثانية ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في إيصال الغبار الى الحلق فذهب جمع : منهم ـ الشيخ في أكثر كتبه الى أن إيصال الغبار الغليظ الى الحلق متعمدا موجب للقضاء والكفارة ، واليه مال من أفاضل متأخري المتأخرين المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر في كتاب الوسائل ، وذهب جمع : منهم ـ ابن إدريس والشيخ المفيد على ما نقل عنه وأبو الصلاح وغيرهم ـ والظاهر انه المشهور ـ الى وجوب القضاء خاصة متى كان متعمدا ، وذهب جمع من متأخري المتأخرين الى عدم الإفساد وعدم وجوب شي‌ء من قضاء أو كفارة ، وهو الأقرب.

واستدل على القول الأول بما رواه الشيخ في التهذيب عن سليمان بن حفص المروزي (1) قال : «سمعته يقول إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان أو استنشق متعمدا أو شم رائحة غليظة أو كنس بيتا فدخل في أنفه وحلقه غبار فعليه صوم شهرين متتابعين فان ذلك مفطر مثل الأكل والشرب والنكاح».

أقول : لا يخفى انه يمكن تطرق الطعن الى هذه الرواية من وجوه : أحدها ـ جهالة السائل والمسؤول فلعل المسؤول غير امام ، وجهالة المسؤول كما في الإضمار ونحوه إنما يتسامح بها مع معرفة السائل والوثوق به من كونه لا يعتمد في أمور دينه وأحكامه على غير الامام كما صرح به أصحابنا (رضوان الله عليهم) في قبول المضمرات والمرسلات اما إذا كان مجهولا بالمرة كهذا الراوي فلا.

وثانيها ـ المعارضة بموثقة عمرو بن سعيد عن الرضا عليه‌السلام (2) قال : «سألته عن الصائم يتدخن بعود أو بغير ذلك فتدخل الدخنة في حلقه؟ قال جائز لا بأس به. قال : وسألته عن الصائم يدخل الغبار في حلقه؟ قال لا بأس».

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 22 من ما يمسك عنه الصائم.


والجمع بين هذا الخبر وبين الأول ـ بحمل الأول على الغبار الغليظ والثاني على ما ليس كذلك كما ذكره صاحب الوسائل مع كونه لا دليل عليه ـ مردود بان الغبار نوع من المتناولات فان كان مفسدا للصوم فلا فرق بين قليله وكثيره وإلا فلا وجه للإفساد به.

وثالثها ـ صحيحة محمد بن مسلم الدالة على انه لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال : الطعام والشراب والنساء والارتماس (1). وموثقة مسعدة بن صدقة عن ابى عبد الله عن آبائه (عليهم‌السلام) (2) «ان عليا عليه‌السلام سئل عن الذباب يدخل حلق الصائم؟ قال ليس عليه قضاء لأنه ليس بطعام».

ورابعها ـ ان الخبر المذكور قد دل على وجوب الكفارة بمجرد المضمضة والاستنشاق ولا قائل به والاخبار ترده :

ففي صحيحة حماد عن من ذكره عن ابى عبد الله عليه‌السلام (3) «في الصائم يستنشق ويتمضمض؟ قال نعم ولكن لا يبالغ».

وفي رواية زيد الشحام عن أبى عبد الله عليه‌السلام (4) «في الصائم يتمضمض؟ قال لا يبلع ريقه حتى يبزق ثلاث مرات». قال الشيخ في التهذيب بعد نقل الرواية : وقد روى مرة واحدة (5).

وما أجاب به في الوسائل من حمل الخبر على تعمد إيصال الماء الى الحلق مردود أولا ـ بأن تعمد ابتلاع الماء الموجب للقضاء والكفارة بلا خلاف لا ترتب له على خصوصية المضمضة والاستنشاق ليرتبه عليه هنا بل في أي حال فعل ذلك فإنه يجب عليه القضاء والكفارة بلا اشكال.

وثانيا ـ ان تقديره تعمد إيصال الماء الى الحلق في الخبر اما ان يستند فيه الى

__________________

(1) الوسائل الباب 1 من ما يمسك عنه الصائم ارجع الى التعليقة 2 ص 50.

(2) الوسائل الباب 39 من ما يمسك عنه الصائم.

(3) الوسائل الباب 23 من ما يمسك عنه الصائم.

(4 و 5) الوسائل الباب 31 من ما يمسك عنه الصائم.


قوله «متعمدا» أى متعمدا إيصال الماء الى الحلق ، وفيه ان هذا يكون من قبيل الألغاز الخارج عن الحقيقة والمجاز فان «متعمدا» في الخبر قيد في المضمضة والاستنشاق حيث انه حال من الصائم الذي هو فاعل «يتمضمض ويستنشق» فصرفه الى ما ذكره يكون من قبيل ما ذكرناه وهو مناف لحكمة التعليم والافهام بل مخل بمعنى الكلام وموجب لانحلال الزمام واختلال النظام ، واما ان يقدره في الكلام من خارج من غير أن يكون في ألفاظ الخبر دلالة عليه ولا اشارة اليه ، وحينئذ يلغو ذكر «متعمدا» في الخبر ويصير ذكره بغير فائدة ، لأنه يصير حاصل المعنى حينئذ إذا تمضمض الصائم أو استنشق وقصد إيصال الماء الى الحلق فعليه الكفارة ، إذ الفرض ان هذا القائل قائل بجواز المضمضة والاستنشاق بقول مطلق وانما يمنع منهما إذا قصد بهما إيصال الماء الى الحلق ، فحاصل معنى الخبر على ما يقول به هو ما ذكرناه وحينئذ فذكره عليه‌السلام «متعمدا» في الخبر يكون لغوا لا فائدة فيه ولا أظنه يلتزمه. وبالجملة فما ذكره في الجواب لا أعرف له وجها من وجوه الصواب.

وغاية ما تدل عليه الاخبار هو انه ربما سبق الماء الى حلق الصائم لا عن تعمد ، وانه إذا كان كذلك في وضوء النافلة فعليه القضاء خاصة واما في وضوء الفريضة فلا شي‌ء عليه :

ففي صحيحة حماد عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) «في الصائم يتوضأ للصلاة فيدخل حلقه الماء؟ فقال ان كان وضوؤه لصلاة فريضة فليس عليه شي‌ء وان كان وضوؤه لصلاة نافلة فعليه القضاء». ومثلها موثقة سماعة (2).

وبذلك يظهر لك ان الخبر من ما لا يصلح للاعتماد عليه ولا الاستناد في حكم مخالف للأصل اليه ، وبه يظهر قوة القول الأخير.

__________________

(1) الوسائل الباب 23 من ما يمسك عنه الصائم.

(2) الوسائل الباب 23 من ما يمسك عنه الصائم ، وهي تفصل بين المضمضة من عطش والمضمضة في الوضوء.


واما القول بوجوب القضاء خاصة فلا أعرف له وجها والمفهوم من كلام ابن إدريس ان الحجة فيه إنما هو الإجماع ، ولا ريب ان الاحتياط يقتضي العمل عليه.

وألحق من المتأخرين بالغبار الدخان الغليظ الذي يحصل منه اجزاء تتعدى الى الحلق كبخار القدر ونحوه ، وأنكره بعض وهو الحق لما عرفت من حال الملحق به وعدم الدليل عليه ، ولما تقدم في موثقة عمرو بن سعيد (1) من نفى البأس عنه.

الثالثة ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لا بأس بمص الخاتم ومضغ الطعام للصبي وزق الطائر وذوق المرق.

وهو كذلك للأخبار الدالة على ذلك ، ومنها ما رواه ثقة الإسلام الكليني في الكافي في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبى عبد الله عليه‌السلام (2) «في الرجل يعطش في شهر رمضان؟ قال لا بأس بأن يمض الخاتم».

وما رواه في الكافي أيضا عن يونس بن يعقوب (3) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : الخاتم في فم الصائم ليس به بأس فأما النواة فلا».

وما رواه الصدوق عن منصور بن حازم (4) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام الرجل يجعل النواة في فيه وهو صائم؟ قال لا. قلت فيجعل الخاتم؟ فقال نعم». والظاهر ان المراد بالنواة في الخبرين المذكورين النواة التي عليها أثر التمر كما لا يخفى.

وما رواه الكليني في الصحيح عندي والحسن على المشهور عن الحلبي عن أبى عبد الله عليه‌السلام (5) «انه سئل عن المرأة الصائمة تطبخ القدر فتذوق المرق تنظر اليه؟ فقال لا بأس. وسئل عن المرأة يكون لها الصبي وهي صائمة فتمضغ

__________________

(1) ص 72.

(2 و 3 و 4) الوسائل الباب 40 من ما يمسك عنه الصائم.

(5) الوسائل الباب 37 و 38 من ما يمسك عنه الصائم.


له الخبز وتطعمه؟ قال لا بأس به والطير ان كان لها».

وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن حماد بن عيسى (1) قال : «سأل ابن أبى يعفور أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا أسمع عن الصائم يصب الدواء في اذنه؟ قال نعم ويذوق المرق ويزق الفرخ».

وما رواه أيضا في الموثق عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه‌السلام (2) قال : «لا بأس بأن يذوق الرجل الصائم القدر».

وما رواه الكليني عن الحسين بن زياد عن ابى عبد الله عليه‌السلام (3) قال : «لا بأس للطباخ والطباخة أن يذوق المرق وهو صائم».

وما رواه عن مسعدة بن صدقة عن ابى عبد الله عليه‌السلام (4) «ان فاطمة (عليها‌السلام) كانت تمضغ للحسن ثم للحسين (عليهما‌السلام) وهي صائمة في شهر رمضان».

وما رواه الشيخ معلقا عن على بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام (5) قال : «سألته عن الصائم يذوق الشراب والطعام يجد طعمه في حلقه؟ قال لا يفعل قلت : فان فعل فما عليه؟ قال لا شي‌ء عليه ولا يعود».

واما ما رواه الكليني والشيخ عن سعيد الأعرج في الصحيح (6) ـ قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصائم يذوق الشي‌ء ولا يبلعه؟ قال لا» ـ.

فقد حمله جملة من الأصحاب على الكراهة. واحتمل بعضهم ان قوله (عليه‌السلام) «لا» يعنى لا يبلعه ، قال : وهو غير بعيد.

وقال الشيخ : هذه الرواية محمولة على من لا يكون به حاجة الى ذلك والرخصة إنما وردت في ذلك لصاحبة الصبي أو الطباخ الذي يخاف على فساد طعامه أو من

__________________

(1) الوسائل الباب 37 من ما يمسك عنه الصائم ، والراوي حماد بن عثمان.

(2 , 3 , 5 , 6) الوسائل الباب 37 من ما يمسك عنه الصائم.

(4) الوسائل الباب 38 من ما يمسك عنه الصائم.


عنده طائر ان لم يزقه يهلك فاما من هو مستغن عن جميع ذلك فلا يجوز له ان يذوق الطعام.

ورده بعض أفاضل متأخري المتأخرين بالبعد ، قال : إذ لا دلالة في الاخبار المتقدمة على ما ذكره من التقييد. وهو كذلك.

ولو مضغ الصائم شيئا فسبق منه شي‌ء إلى الحلق بغير اختياره فقد صرح جمع بأن الأصح ان صومه لا يفسد بذلك للاذن فيه وعدم تعمد الازدراد. وقال في المنتهى : لو أدخل في فمه شيئا فابتلعه سهوا فان كان لغرض صحيح فلا قضاء عليه وإلا وجب القضاء.

ويمكن الاستدلال للقول الأول بصحيحة أبي ولاد الحناط (1) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام انى أقبل بنتا لي صغيرة وأنا صائم فيدخل في جوفي من ريقها شي‌ء؟ قال فقال لي لا بأس ليس عليك شي‌ء». فان الظاهر ان المراد من الخبر هو سبق الريق الى جوفه من غير تعمد واما مع التعمد فالظاهر انه لا خلاف في البطلان على اشكال يأتي الكلام فيه.

بقي الكلام في مضغ العلك إذا تغير الريق بطعمه ولم تنفصل منه اجزاء فابتلع الصائم الريق المتغير ، وقد اختلف فيه كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) فحرمه الشيخ في النهاية حيث قال لا يجوز للصائم مضغ العلك ، وهو ظاهر ابن الجنيد حيث قال لو استجلب الريق بطعام فوصل الى جوفه أفطر وكان عليه القضاء ، وفي بعض الحديث فصيام شهرين متتابعين كالأكل. وقال الشيخ في المبسوط بالكراهة فإنه قال يكره استجلاب الريق بماله طعم وجرى مجرى العلك كالكندر وما أشبهه ، وليس ذلك بمفطر في بعض الروايات وفي بعضها انه يفطر وهو الاحتياط. والى هذا القول مال أكثر المتأخرين.

والذي وقفت عليه من الأخبار في ذلك ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح

__________________

(1) الوسائل الباب 34 من ما يمسك عنه الصائم.


عندي والحسن على المشهور عن الحلبي عن أبى عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «قلت الصائم يمضغ العلك؟ قال لا».

وما رواه أيضا (قدس‌سره) عن محمد بن مسلم (2) قال : «قال أبو جعفر عليه‌السلام يا محمد إياك أن تمضغ علكا فانى مضغت اليوم علكا وأنا صائم فوجدت في نفسي منه شيئا».

وما رواه الشيخ في التهذيب عن ابى بصير عن أبى عبد الله عليه‌السلام (3) قال : «سألته عن الصائم يمضغ العلك؟ قال نعم ان شاء».

والذي يظهر من ضم هذه الأخبار بعضها الى بعض هو القول بالجواز على كراهة مؤكدة ، فإن الظاهر من رواية محمد بن مسلم انه عليه‌السلام إنما مضغ العلك وهو صائم مع علمه بما فيه من تغير طعم الفم به لجواز ذلك لكنه بعد مضغه رأى زيادة تغير الريق به على المظنون فنهى عنه تنزها.

والشيخ في التهذيب بعد نقله رواية أبي بصير قال : هذا الخبر غير معمول عليه. مع انه أفتى بمضمونه في المبسوط.

ونقل في المختلف عن الشيخ انه استدل على التحريم بان وجود الطعم في الريق دليل على تخلل شي‌ء من اجزاء ذي الطعم فيه لاستحالة انتقال الاعراض فكان ابتلاعه مفطرا. ثم أجاب بالمنع من التخلل بل الريق ينفعل بكيفية ذي الطعم وهو جيد لما علم من انفعال الماء والهواء بالروائح الذكية والنتنة بالمجاورة ، وقد نقل العلامة في المنتهى والتذكرة ان من لطخ باطن قدميه بالحنظل وجد طعمه ولا يفطر إجماعا.

أقول : لو أن الشيخ استدل بصحيحة الحلبي المتقدمة لكان أظهر إلا انها كما عرفت لا بد من تأويلها جمعا بين الاخبار.

الرابعة ـ قال العلامة في المنتهى : بقايا الغذاء المتخلفة بين أسنانه إذا ابتلعها

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 36 من ما يمسك عنه الصائم.


نهارا فسد صومه سواء أخرجها من فمه أو لم يخرجها. وقد صرح المحقق في الشرائع هنا بوجوب القضاء والكفارة وهو المشهور على ما صرح به بعض الأصحاب ، والظاهر انه لصدق تناول المفطر عمدا فساوى ما لو ازدرده من خارج ونقل عن الشيخ في المبسوط والخلاف انه صرح بوجوب القضاء ولم يتعرض للكفارة.

قال في المدارك : ويمكن المناقشة في فساد الصوم بذلك لعدم تسميته أكلا ولما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان (1) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل الصائم يقلس فيخرج منه الشي‌ء من الطعام أيفطره ذلك؟ قال لا. قلت فان ازدرده بعد أن صار على لسانه؟ قال لا يفطر ذلك».

هذا كله في ما لو ابتلعه عمدا واما لو كان سهوا فقد صرح بعضهم بأنه لا شي‌ء عليه ، وفصل بعض بين من قصر في التخليل فأوجب عليه القضاء لتفريطه وتعرضه للإفطار ـ واليه مال شيخنا الشهيد الثاني ـ ومن لم يقصر فلا شي‌ء عليه.

وما ذكره في المدارك لا يخلو من قرب وان كان الأحوط القضاء ، واما ما جنح إليه في المسالك فلا يخلو من ضعف.

الخامسة ـ الظاهر انه لا إشكال ولا خلاف في جواز ابتلاع الريق الذي في الفم للأصل وعدم الدليل المخرج عنه ، اما إذا أخرجه من فمه ثم رجعه وابتلعه فقالوا انه مفطر بل ربما يمكن انه تجب به كفارة الإفطار على المحرم لأن ظاهرهم القول بتحريم ما يخرج من الفم ، حتى ان بعض الفضلاء المعاصرين ادعى إجماع الأصحاب على تحريم ابتلاع فضلات الإنسان من ريقه وعرقه ودموعه ونحوها وادعى اتفاق الاخبار على ذلك ، وقد كتب ـ في جواب سائل سأله عن العرق المتساقط في مرق اللحم ونحوه ـ ما صورته : فاما تحريم الإنسان وكل شي‌ء منه أكلا وشربا فلا أعلم أحدا من المتقدمين والمتأخرين خالف في ذلك ومناطيق

__________________

(1) الوسائل الباب 29 من ما يمسك عنه الصائم.


الأخبار مصرحة بذلك ، ولا أعلم أحدا استثنى من ذلك العرق المختلط بالمرق على ان المستثنى عليه البيان وإقامة البرهان ، ونحن باقون على عموم الحكم حتى يثبت المزيل والله الهادي إلى سواء السبيل. وسيأتيك ان شاء الله بيان ما في هذا الكلام من انحلال الزمام واختلال النظام وان كان خارجا عن المقام.

ثم ان ممن صرح بما قدمنا نقله عنهم من إبطال الصوم بابتلاع الريق بعد إخراجه من الفم شيخنا العلامة أجزل الله تعالى إكرامه في المنتهى حيث قال : لو ترك في فمه حصاة أو درهما فأخرجه وعليه لمعة من الريق ثم أعاده فيه فالوجه الإفطار قل أو كثر لابتلاعه البلل الذي على ذلك الجسم ، وقال بعض الجمهور لا يفطر ان كان قليلا (1). وقال (قدس‌سره) ايضا لو أخرجه من فيه الى طرف ثوبه أو بعض أصابعه ثم ابتلعه أفطر.

ولا اعرف لما ذكره (قدس‌سره) دليلا على الإفطار بذلك إلا ان كان ما يدعونه من تحريم فضلة الإنسان وانه بعد الخروج من الفم يكون فضلة فيتعلق به الحكم دون ما إذا كان في الفم وإلا فالفرق بين ابتلاعه وهو في الفم وبعد خروجه منه غير ظاهر ، مع ان ما يدعونه من تحريم فضلة الإنسان لا دليل عليه بل الدليل كما ستعرف ان شاء الله تعالى قائم على خلافه.

قال مولانا المحقق الأردبيلي (قدس‌سره) في شرح الإرشاد ـ بعد ان نقل عنهم انهم حكموا بكونه مفطرا إذا خرج من الفم ثم ابتلعه ـ ما صورته : كأنه للصدق لأنه يقال أكل ريقه. ويمكن إيجاب كفارة الإفطار بالمحرم لأنهم يقولون انه إذا خرج من الفم يحرم أكله وما نعرف دليلهم. ثم قال (قدس‌سره) بعد نقل كلام المنتهى الأول : الظاهر عدم الإفطار للأصل وعدم صدق الأدلة ، ولهذا مع قولهم بالتحريم جوزوا الأكل بالقاشوقة بإدخالها في الفم وكذا أكل الفواكه بعد العض مع بقاء الرطوبة في موضع العض وكذا في الشربة ، نعم لو كان عليه

__________________

(1) المغني ج 3 ص 106 و 107.


الريق باقيا ظاهرا كثيرا بحيث يصدق عليه أكل الريق يمكن ذلك لا مجرد البلة. انتهى. وظاهر كلامه (قدس‌سره) المناقشة من حيث عدم صدق الأكل على بلع البلة فيكون مرجعه الى ما نقله العلامة عن بعض الجمهور.

وأنت خبير بأنه ان كان المستند هو ما أشار إليه المحقق المذكور من صدق الأكل فإنه لا فرق في ذلك بين ما كان باقيا في الفم أو بعد الإخراج منه مع انهم متفقون على جواز ابتلاع ما كان في الفم. ولو قيل بمنع صدق الأكل على ما كان في الفم عارضناه بتحريم ابتلاع ما يخرجه بلسانه من بين أسنانه من بقية الغذاء فإنهم قائلون بأنه موجب للإفطار لصدق الأكل ، إلا أن يجعل وجه الفرق بين الريق الذي في الفم والذي أخرج منه لزوم المشقة والحرج في ما كان في الفم لو لم يجز ابتلاعه وان صدق عليه الأكل لأنه لو انقطع عنه جف حلقه وضرره ظاهر.

وبالجملة فالظاهر عندي ان وجه الفرق الموجب عندهم لجواز ابتلاعه ما دام في الفم والإفطار به بعد الخروج من الفم إنما هو لما قدمنا ذكره من تحريم فضلة الإنسان من نفسه أو غيره والريق إنما يصدق عليه فضلة بعد انفصاله من الفم وخروجه.

لا يقال : انه يلزم على ما ذكرتم من وجه الفرق عدم فساد الصوم حيث انه ليس بأكل ولا شرب وان حرم.

لأنا نقول : لا يلزم من عدم كونه مأكولا صحة الصوم فإنهم صرحوا ببطلان الصوم بالغبار والدخان الغليظ مع انه ليس بمأكول ونحوهما غيرهما فيجوز أن يكون هذا من قبيله عندهم.

وبذلك يظهر لك ما في مناقشة المحقق الأردبيلي (قدس‌سره) للعلامة (قدس‌سره) في عبارته الاولى من عدم التحريم في البلة لعدم صدق الأكل ، فإن الظاهر ان كلام العلامة إنما ابتنى على ما ذكرناه من تحريم فضلة الإنسان ولا ريب انه مع ثبوت التحريم فلا فرق بين قليلها وكثيرها ، نعم ما أورده عليهم من تجويز الأكل


بالقاشوقة والفاكهة والشربة وارد عليهم ومناف لكلامهم المدعى في التحريم وحينئذ فيرجع الكلام معهم إلى إثبات دعوى تحريم فضلة الإنسان.

قال المحقق المشار إليه أيضا بعد الكلام في ريق الإنسان نفسه : واما ريق غيره فقالوا أيضا انه حرام وما اعرف دليلهم وما رأيت دليل تحريم فضلات الحيوان أقول ـ وبالله عزوجل الثقة لكل مأمول ـ ان الذي ظهر لي من الأخبار التي عثرت عليها من ما يتعلق بهذه المسألة هو حل ما ادعوا تحريمه ، وها أنا أسوق لك جملة ما وقفت عليه من الاخبار لتنظر فيها بعين التأمل والاعتبار :

فمنها ـ ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن الحسن بن زياد الصيقل (1) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول مرت امرأة بذية برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يأكل وهو جالس على الحضيض فقالت يا محمد إنك لتأكل أكل العبد. الى أن قال عليه‌السلام قالت فناولني لقمة من طعامك فناولها فقالت لا والله إلا الذي في فيك فاخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اللقمة من فيه فناولها فأكلتها. قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) فما أصابها بذاء حتى فارقت الدنيا».

وما رواه في الكتاب المذكور (2) في باب الإشارة والنص على ابى جعفر الثاني عليه‌السلام في حديث طويل يتضمن طعن اخوة الرضا عليه‌السلام وعمومته في الجواد عليه‌السلام بعد ولادته حيث انه كان حائل اللون وطلب القافة ليلحقوه بأبيه ، قال على بن جعفر راوي الحديث : «فقمت فمصصت ريق ابى جعفر عليه‌السلام ثم قلت له : أشهد أنك إمامي عند الله. الحديث» وفعل على بن جعفر (رضي‌الله‌عنه) ذلك بمحضر الرضا عليه‌السلام وتقريره له وعدم إنكاره عليه أظهر ظاهر في الجواز.

وروى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن ابى ولاد الحناط (3) قال : «قلت

__________________

(1) الوسائل الباب 8 من آداب المائدة.

(2) الأصول ج 1 ص 322 الطبع الحديث.

(3) الوسائل الباب 34 من ما يمسك عنه الصائم.


لأبي عبد الله عليه‌السلام انى أقبل بنتا لي صغيرة وأنا صائم فيدخل في جوفي من ريقها شي‌ء؟ قال : فقال لي : لا بأس ليس عليك شي‌ء».

وروى أيضا في الكتاب المذكور في الموثق عن أبى بصير (1) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام الصائم يقبل امرأته؟ قال : نعم ويعطيها لسانه تمصه».

وروى فيه أيضا عن على بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام (2) قال : «سألته عن الرجل الصائم إله أن يمص لسان المرأة أو تفعل المرأة ذلك؟ قال : لا بأس».

وروى السيد السعيد رضى الدين بن طاوس (قدس‌سره) في كتاب الملهوف على قتلي الطفوف (3) عن الصادق عليه‌السلام «ان زين العابدين عليه‌السلام بكى على أبيه أربعين سنة صائما نهاره قائما ليله فإذا كان وقت إفطاره أتاه غلامه بطعامه وشرابه فيقول : قتل أبو عبد الله عليه‌السلام جائعا قتل أبو عبد الله عليه‌السلام عطشان فلا يزال يبكي حتى يبل طعامه بدموعه ويمزج شرابه بدموعه فلم يزل كذلك حتى لحق بالله عزوجل». ولعل المتتبع للاخبار يقف على أمثالها أيضا.

وبذلك يظهر لك ما في حكمهم بتحريم فضلات الإنسان من الخروج عن مقتضى هذه الاخبار الواضحة البيان.

نعم يبقى الكلام في ما دلت عليه الأخبار الثلاثة من عدم إبطال الصوم بابتلاع ريق الغير ، فان ظاهر الأصحاب الإبطال بذلك مع ظهور الروايات في خلافه ، إذ من المعلوم وصول ريق الغير الى فم الصائم بالمص ، وأظهر منه قوله في صحيحة أبي ولاد «فيدخل في جوفي من ريقها شي‌ء».

واما ما أجابوا به عن روايتي أبي بصير وعلى بن جعفر ـ من أن المص لا يستلزم الابتلاع ، وعن صحيحة أبي ولاد من عدم الصراحة في تعمد الابتلاع فجاز ان يبلع شيئا من ريقها من غير شعور وتعمد ـ فلا يخفى ما فيه من البعد عن

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 34 من ما يمسك عنه الصائم.

(3) ص 87 طبع المطبعة الحيدرية في النجف الأشرف ، وهو نقل بالمعنى.


ظاهر الأخبار المذكورة. على انه لو كان ما ذكروه في تأويل صحيحة أبي ولاد من الحمل على عدم التعمد صحيحا للزم الإبطال أيضا فإنه متى كان وصول الريق الى جوفه مبطلا فلا فرق فيه بين تعمده ولا وصوله من غير تعمد ، كما صرحوا به من أنه لو وضع في فمه شيئا من المفطرات عبثا ولعبا فابتلعه بغير اختيار فإنه يبطل صومه ، وسيأتيك في مسألة المضمضة عبثا ما يدل على ذلك.

وبالجملة فإن الأخبار المذكورة مع اتفاقها على الحكم المذكور لا معارض لها من الأخبار ، والى ما ذكرنا يميل كلام المحقق الأردبيلي أيضا في هذا المقام.

السادسة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ابتلاع النخامة على أقوال ثلاثة ، إلا انه يجب أو لا بيان المعنى المراد من النخامة هنا : ظاهر كلام المحقق في الشرائع والعلامة في الإرشاد أن النخامة مختصة بما يخرج من الصدر دون ما ينزل من الدماغ حيث ذكرا النخامة ثم عطفا عليها ما استرسل من الدماغ ، وأطلق جماعة من الأصحاب النخامة عليهما ، قال الفيومي في المصباح : النخاعة بالضم ما يخرجه الإنسان من حلقه من مخرج الخاء المعجمة هكذا قيده ابن الأثير ، وقال المطرزي النخاعة هي النخامة ، وهكذا قال في العباب ، وزاد المطرزي : وهي ما يخرج من الخيشوم عند التنخع ، وكأنه مأخوذ من قولهم تنخع السحاب إذا قاء ما فيه من المطر لأن القي‌ء لا يكون إلا من الباطن ، وتنخع رمى بنخاعته. انتهى. وقال في مادة نخم : النخامة هي النخاعة وزنا ومعنى وتقدم. وقال في القاموس : والنخاعة بالضم النخامة أو ما يخرج من الصدر أو ما يخرج من الخيشوم. وقال ابن الأثير في النهاية : النخامة البزقة التي تخرج من أقصى الحلق ومن مخرج الخاء المعجمة.

وكلام الأصحاب هنا قد اختلف بما يرجع الى أقوال ثلاثة : أحدها ـ جواز ابتلاع ما يخرج من الصدر ما لم ينفصل عن الفم والمنع من ابتلاع ما يسترسل من الدماغ وان لم يصل الى الفم عمدا اما لو استرسل وتعدى الى الحلق فلا بأس. وهو ظاهر عبارتي الشرائع والإرشاد.


وثانيها ـ جواز ابتلاعهما ما لم يصلا الى الفم والمنع منه متى وصلا اليه ، ذهب اليه الشهيدان.

وثالثها ـ جواز اجتلاب النخامة من الصدر والرأس وابتلاعهما ما لم ينفصلا عن فضاء الفم كالريق ، واليه ذهب الفاضلان في المعتبر والمنتهى واختاره في المدارك.

والذي وقفت عليه في هذه المسألة من الأخبار رواية غياث بن إبراهيم عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «لا بأس بأن يزدرد الصائم نخامته». وكل من هؤلاء على اختلافهم قد استندوا إلى الرواية.

وزاد في المدارك في الاستدلال على ما اختاره من القول الثالث ، قال : لنا ـ ان ذلك لا يسمى أكلا ولا شربا فكان سائغا تمسكا بمقتضى الأصل السالم من المعارض. ولنا أيضا ان النخامة مساوية للريق في عدم الوصول من خارج فوجب مساواتها له في الحكم.

واستدل عليه في المعتبر أيضا بان ذلك لا ينفك عنه الصائم إلا نادرا فوجب العفو عنه لعموم البلوى به.

أقول : ويمكن تأييده أيضا بما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان (2) قال : «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الرجل الصائم يقلس فيخرج منه الشي‌ء أيفطره ذلك؟ قال لا. قلت فان ازدرده بعد أن صار على لسانه؟ قال لا يفطر ذلك».

والقلس على ما ذكره ابن إدريس في السرائر من أحد الأقوال فيه وهو الذي اختاره انه خروج الطعام والشراب الى الفم من البطن أعاده صاحبه أو ألقاه ، نقل ذلك عن اليزيدي. ثم قال : وهذا أقوى من ما قاله الجوهري. لأنه قد نقل عن الجوهري قبل ذلك ان القلس بفتح القاف واللام والسين غير المعجمة ما خرج من الحلق مل‌ء الفم أو دونه وليس بقي‌ء فإن عاد فهو القي‌ء.

__________________

(1) الوسائل الباب 39 من ما يمسك عنه الصائم.

(2) الوسائل الباب 29 من ما يمسك عنه الصائم.


وحينئذ فإذا كان القلس الذي هو عبارة عن الطعام والشراب لا يكون ازدراده مبطلا بعد خروجه الى فضاء الفم فكيف النخامة؟ إلا ان المفهوم من كلامهم كما صرح به في المعتبر ان القلس متى اشتمل على شي‌ء من الغذاء فإنه يفطر بابتلاعه ، وهو تقييد لإطلاق الخبر بغير دليل.

نعم يبقى الكلام في دلالة خبر غياث على الفضلة المسترسلة من الدماغ وصدق النخامة عليها ، فان ظاهر كلام أهل اللغة المذكور إنما ينطبق على الصاعد من الصدر كما لا يخفى على المتأمل فيه ، وحينئذ فتكون الرواية مؤيدة للقول الأول ويبقى حكم ما ينزل من الدماغ خارجا عنها. إلا انه يمكن الاستدلال عليه بما ذكره في المدارك وما ذكرناه من صحيحة عبد الله بن سنان ، ويعضد ذلك أصالة صحة الصيام حتى يقوم الدليل على الابطال.

وكيف كان فالظاهر قوة القول الثالث والاحتياط لا يخفى.

قال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك بعد البحث في المسألة : إذا تقرر ذلك فان ابتلع النخامة حيث تحرم فان كان من خارج الفم وجبت الكفارات الثلاث لتحريم تناولها حينئذ على غير الصائم ، وكذا لو تناول نخامة غيره أو ريقه وان كان أحد الزوجين. وما ورد من تجويز الامتصاص (1) لا يستلزم الازدراد. ولو كان التناول من الفم حيث يحرم ففي وجوب الثلاث أو الواحدة نظر ، منشأه الشك في تحريم ذلك على غير الصائم ، والمتيقن هو وجوب الواحدة. انتهى.

أقول : ما ذكره (قدس‌سره) من تحريم التناول من خارج الفم ووجوب الكفارات الثلاث على الصائم مبنى على ما قدمنا نقله عنهم من تحريم فضلات الإنسان ، وقد عرفت ما فيه. وما ذكره من التأويل في حديثي امتصاص الصائم لسان غيره (2) بعيد ، وكأنه غفل عن صحيحة أبي ولاد (3) الصريحة في دخول ريق

__________________

(1) الوسائل الباب 34 من ما يمسك عنه الصائم.

(2 و 3) ص 82 و 83.


ابنته الى جوفه فلم يجب عنها بشي‌ء.

واما ما ذكره ـ من احتمال وجوب الكفارات الثلاث بناء على تحريم التناول من الفم كما هو القول الأول بناء على تحريم اردراد ذلك على غير الصائم ـ فهو مدفوع بالأصل وبما رواه الشيخ عن عبد الله بن سنان (1) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : من تنخع في المسجد ثم ردها في جوفه لم تمر بداء في جوفه إلا أبرأته».

السابعة ـ لو تمضمض فدخل الماء حلقه فإن أدخله عمدا فلا خلاف ولا إشكال في وجوب القضاء والكفارة ، وان سبقه لا عن تعمد فقد صرح الأصحاب بأنه ان كان ذلك في المضمضة للصلاة أو للتداوي فلا شي‌ء عليه وان كان للتبرد أو العبث فعليه القضاء خاصة ، ونقل عن الشيخ في التهذيب انه قال : المتمضمض والمستنشق قد بينا حكمهما انه إذا كان للصلاة فلا شي‌ء عليه من ما يدخل حلقه وان كان لغير الصلاة فدخل حلقه فعليه القضاء والكفارة. ونقل عن طائفة من الأصحاب الميل إلى انه إن توضأ لنافلة أفطر وان كان لفريضة فلا.

أقول : وإيجاب الشيخ الكفارة هنا لرواية سليمان بن حفص المروزي المتقدمة في صدر المسألة الثانية (2) وقد عرفت ما فيها ، وظاهرها ترتب الكفارة على مجرد المضمضة والاستنشاق وان لم يسبق منهما شي‌ء إلى حلقه فلا يوافق مدعاه.

وقال العلامة في المنتهى : اما لو تمضمض فدخل الماء الى حلقه فان تعمد ابتلاع الماء وجب عليه القضاء والكفارة ، ولو تمضمض للصلاة فلا قضاء عليه ولا كفارة ، وان كان للتبرد أو العبث وجب عليه القضاء خاصة وهو قول علمائنا. الى أن قال : لنا ـ انه إذا توضأ للصلاة فعل فعلا مشروعا فلا يترتب عليه عقوبة لعدم التفريط شرعا ، ولأنه وصل الى حلقه من غير قصد فأشبه ما لو طارت ذبابة إلى حلقه ، اما إذا كان متبردا أو عابثا فلأنه فرط بتعريض الصوم للإفساد

__________________

(1) الوسائل الباب 20 من أحكام المساجد.

(2) ص 72.


فلزمته العقوبة للتفريط ، ولأنه وصل بفعل منهي عنه فأشبه التعمد ، ولا كفارة لأنه غير قاصد للإفساد والهتك. انتهى.

أقول : ما يظهر منه ـ من تحريم المضمضة للتبرد والعبث حيث انه استدل على وجوب القضاء بالتحريم ـ لا اعرف له وجها ولا عليه دليلا مع انه في الإرشاد جعل العبث في قرن المضمضة للصلاة والتداوي وخص القضاء بالمضمضة للتبرد.

ثم انه لا يخفى ما في تعليلاته لوجوب القضاء في الأخيرين وعدمه في الأول من الوهن وعدم الصلوح لابتناء الأحكام الشرعية عليها وان كانوا يزعمونها عللا عقلية ، فإن الأحكام إنما تبنى على النصوص الواضحة من الكتاب أو السنة لا على أمثال هذه التخريجات.

قال المحقق الأردبيلي (قدس‌سره) بعد ان نقل عن العلامة وجوب القضاء في صورتي التبرد والعبث : والذي يقتضيه الأصول عدم القضاء حينئذ وعدم التحريم ولعله (قدس‌سره) أراد انه من حيث سبقه الى حلقه من غير اختيار فهو معذور كالناسي. إلا أن هذا لا يطرد له فان روايات المسألة قد صرح جملة منها بالقضاء في الصورة المذكورة بل في صورة وضوء النافلة (1) وقد ورد في ناسي النجاسة في الصلاة انه يعيد عقوبة لنسيانه وعدم تحفظه (2).

أقول : والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (3) «في الصائم يتوضأ للصلاة فيدخل الماء في حلقه؟ قال ان كان وضوؤه لصلاة فريضة فليس عليه قضاء وان كان وضوؤه لصلاة نافلة فعليه القضاء».

__________________

(1 و 3) التهذيب ج 4 ص 324 الطبع الحديث وفي الوسائل الباب 23 من ما يمسك عنه الصائم.

(2) الوسائل الباب 42 من النجاسات.


وما رواه الكليني والشيخ عن يونس (1) قال : «الصائم في شهر رمضان يستاك متى شاء ، وان تمضمض في وقت فريضة فدخل الماء حلقه فلا شي‌ء عليه وقد تم صومه ، وان تمضمض في غير وقت فريضة فدخل الماء حلقه فعليه الإعادة ، والأفضل للصائم أن لا يتمضمض».

وما رواه الشيخ والصدوق عن سماعة في الموثق (2) قال : «سألته عن رجل عبث بالماء يتمضمض به من عطش فدخل حلقه؟ قال عليه قضاؤه ، وان كان في وضوء فلا بأس».

وما رواه الكليني في الحسن أو الصحيح عن حماد عن من ذكره عن ابى عبد الله عليه‌السلام (3) «في الصائم يتمضمض ويستنشق؟ قال نعم ولكن لا يبالغ».

وما رواه الشيخ في الموثق عن عمار الساباطي (4) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يتمضمض فيدخل في حلقه الماء وهو صائم؟ قال ليس عليه شي‌ء إذا لم يتعمد ذلك. قلت فان تمضمض الثانية فدخل في حلقه الماء؟ قال ليس عليه شي‌ء قلت تمضمض الثالثة؟ قال فقال قد أساء وليس عليه شي‌ء ولا قضاء».

وما رواه الكليني عن زيد ـ وهو زيد الشحام كما ذكره في التهذيب ـ عن ابى عبد الله عليه‌السلام (5) «في الصائم يتمضمض؟ قال لا يبلع ريقه حتى يبزق ثلاث مرات».

ومنها ـ رواية سليمان بن حفص المروزي المتقدمة في المسألة الثانية (6) وبها احتج من أوجب الكفارة.

أقول : وما دلت عليه صحيحة الحلبي من عدم القضاء لو كان في وضوء الفريضة هو مستند الأصحاب في ما قدمنا نقله عنهم ، ومثلها رواية يونس وقوله : «وان

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 23 من ما يمسك عنه الصائم.

(5) الوسائل الباب 31 من ما يمسك عنه الصائم.

(6) ص 72.


تمضمض في وقت فريضة» أي لأجل فريضة وهو من ما لا خلاف ولا اشكال فيه. وما دلت عليه من القضاء في وضوء صلاة النافلة يدل بمفهوم الأولوية على وجوب القضاء في التبرد والعبث. وقوله في رواية يونس «وان تمضمض في غير وقت فريضة» أي لغير فريضة وهو أعم من أن يكون لنافلة أو عبثا أو تبردا ، فهو صالح للدلالة على ما ذكره الأصحاب من وجوب القضاء في العبث والتبرد ، وأصرح منه في ذلك ما دلت عليه موثقة سماعة ، وما دلت عليه الموثقة المذكورة من قوله «وان كان في وضوء فلا بأس» ينبغي حمل الوضوء هنا على وضوء الفريضة جمعا بينها وبين صحيحة الحلبي.

بقي الكلام في موثقة عمار فإنها بظاهرها وإطلاقها منافية للاخبار وكلام الأصحاب ، والواجب حملها على وضوء الفريضة جمعا بينها وبين الاخبار المذكورة.

تنبيهات

الأول ـ لا يخفى ان المفهوم من كلام الأصحاب هو عدم القضاء في الوضوء مطلقا لفريضة كان أو نافلة ولا سيما ما سمعت من تعليل صاحب المنتهى المتقدم بأنه فعل فعلا مشروعا ، مع ان صحيحة الحلبي صريحة في القضاء إذا كان في وضوء النافلة ونحوها عموم رواية يونس كما أشرنا إليه آنفا ، والجمع بين كلامهم (رضوان الله عليهم) والاخبار لا يخلو من اشكال.

الثاني ـ قد أضاف الاستنشاق الى المضمضة هنا جملة من الأصحاب ، وظاهر العلامة في المنتهى التردد في ذلك حيث قال : حكم الاستنشاق حكم المضمضة في ذلك على تردد لعدم النص فيه ونحن لا نقول بالقياس.

وأنت خبير بما فيه فان مقتضى التردد في جميع المواضع هو تعارض الأدلة لا عدم الدليل ، وهو هنا إنما أورد ما يدل على العدم من عدم النص وبطلان القياس على المضمضة ، وحينئذ فما وجه التردد؟ بل الواجب الجزم بالعدم لا التردد


قال في المدارك : ولا يلحق بالمضمضة الاستنشاق في هذا الحكم قطعا فلا يجب بما سبق منه قضاء ولا كفارة ، بل لو قيل ان تعمد إدخال الماء من الأنف غير مفسد للصوم لم يكن بعيدا. انتهى. وهو جيد.

الثالث ـ ظاهر كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) جواز المضمضة للصائم وغيره ، بل قال في المنتهى : ولو تمضمض لم يفطر بلا خلاف بين العلماء سواء كان في الطهارة أو غيرها. وقد عرفت من ما قدمنا من عبارته المنقولة من المنتهى ما يشعر بالتحريم لغير الوضوء ومثله ما صرح به الشيخ في الاستبصار فإنه ـ بعد أن نقل رواية زيد الشحام الدالة على انه لا يبلع ريقه حتى يبزق ثلاث مرات ـ قال قال محمد بن الحسن : هذا الخبر مختص بالمضمضة إذا كانت لأجل الصلاة فاما للتبرد فإنه لا يجوز على حال ، يدل على ذلك ما رواه محمد بن يعقوب. ثم أورد رواية يونس المتقدمة ، مع ان هذه الرواية كما ترى لا تدل على ما ذكره وإنما تضمنت ان الأفضل للصائم أن لا يتمضمض وأين هذا من التحريم؟ وكيف كان فالأظهر حمل رواية الشحام المذكورة على الاستحباب ، ويعضدها قوله في رواية يونس «والأفضل» يعني في غير وضوء الفريضة والنافلة ، لأن ما دل من الأخبار على استحباب المضمضة في الوضوء مطلقا أظهر من هذه الرواية فتحمل على الوضوء للتبرد.

الرابع ـ ظاهر جملة من الأصحاب : منهم ـ السيد السند في المدارك وغيره إلحاق دخول الماء من المضمضة للتداوي أو لإزالة النجاسة بالمضمضة التي في الوضوء الواجب وانه لا يوجب القضاء ، وزاد في التذكرة المضمضة من أكل الطعام. والجميع لا يخلو من شوب الإشكال لدلالة صحيحة الحلبي على وجوب القضاء في وضوء النافلة ففي هذه الأشياء ينبغي أن يكون بطريق أولى ، ولدخول هذه الأمور في عموم قوله في رواية يونس «وان تمضمض في غير وقت فريضة فعليه الإعادة». والمفهوم من كلامهم تعليل ذلك بأنه متى كان الوضع في الفم لغرض صحيح فإنه


مأذون في الفعل ومتى كان مأذونا في الفعل ولم يتعمد الابتلاع فلا شي‌ء عليه. وفيه ما عرفت من ظواهر الأخبار المشار إليها وان غاية الاذن في الفعل عدم التأثيم بذلك لا رفع القضاء أيضا. وقد تلخص من ما حققناه في المقام ان سقوط القضاء إنما هو في ما إذا سبق الماء الى حلقه من الوضوء الواجب واما ما عداه فالواجب القضاء.

الخامس ـ ينبغي أن يعلم ان وجوب القضاء في بعض افراد هذه المسألة أو مع الكفارة إنما هو في ما إذا كان في واجب معين ، لأن ما ليس بمعين متى فسد صومه وجب الإتيان ببدله ولا يسمى ذلك قضاء ، لأن القضاء عندهم اسم لفعل مثل المقضي بعد خروج وقته وغير المتعين وقته متسع.

الثامنة ـ من فعل المفطر قبل مراعاة الفجر متعمدا ـ بمعنى انه استصحب بقاء الليل ففعل المفطر ولم يراجع الفجر مع إمكان ذلك فصادف فعله النهار ـ فإنه يجب عليه القضاء دون الكفارة متى كان ذلك في صوم الواجب المعين وإلا بطل واستأنف يوما آخر غيره.

اما سقوط الكفارة فللأصل وعدم الدليل على ما يخرج عنه ، ويعضده اباحة الفعل كما ذكروه من أنه لا خلاف في جواز فعل المفطر مع الظن الحاصل من استصحاب بقاء الليل مع الشك في طلوع الفجر فينتفي المقتضي للتكفير.

واما وجوب القضاء فللأخبار ، ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن أبى عبد الله عليه‌السلام (1) ورواه الكليني أيضا في الصحيح عندي الحسن على المشهور عنه عن أبى عبد الله عليه‌السلام (2) «انه سئل عن رجل تسحر ثم خرج من بيته وقد طلع الفجر وتبين؟ قال يتم صومه ذلك ثم ليقضه ، وان تسحر في غير شهر رمضان بعد الفجر أفطر. ثم قال : ان أبى كان ليلة يصلى وأنا آكل فانصرف فقال اما جعفر فقد أكل وشرب بعد الفجر فأمرني فأفطرت ذلك اليوم في غير شهر رمضان».

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 44 و 45 من ما يمسك عنه الصائم.


وما رواه الكليني والشيخ عنه في الموثق عن سماعة بن مهران (1) قال : «سألته عن رجل أكل وشرب بعد ما طلع الفجر في شهر رمضان؟ فقال ان كان قام فنظر فلم ير الفجر فأكل ثم عاد فرأى الفجر فليتم صومه ولا اعادة عليه. وان كان قام فأكل وشرب ثم نظر الى الفجر فرأى انه قد طلع فليتم صومه ويقضى يوما آخر لأنه بدأ بالأكل قبل النظر فعليه الإعادة».

وما رواه الكليني عن إسحاق بن عمار (2) قال : «قلت لأبي إبراهيم عليه‌السلام يكون على اليوم واليومان من شهر رمضان فأتسحر مصبحا أفطر ذلك اليوم واقضى مكان ذلك يوما آخر أو أتم على صوم ذلك اليوم واقضى يوما آخر؟ فقال لا بل تفطر ذلك اليوم لأنك أكلت مصبحا وتقضى يوما آخر».

وما رواه ايضا عن على بن أبي حمزة عن أبي إبراهيم عليه‌السلام (3) قال : «سألته عن رجل شرب بعد ما طلع الفجر وهو لا يعلم في شهر رمضان؟ قال يصوم يومه ذلك ويقضى يوما آخر ، وان كان قضاء لرمضان في شوال أو غيره فشرب بعد الفجر فليفطر يومه ذلك ويقضى».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن إبراهيم بن مهزيار (4) قال : «كتب الخليل ابن هاشم الى ابى الحسن عليه‌السلام : رجل سمع الوطء والنداء في شهر رمضان فظن ان النداء للسحور فجامع وخرج فإذا الصبح قد أسفر؟ فكتب بخطه عليه‌السلام : يقضى ذلك اليوم ان شاء الله تعالى».

فوائد

الأولى ـ المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) تقييد الحكم المذكور بصورة القدرة على المراعاة فينتفي عند عدمها وجوب القضاء ، فلو ترك المراعاة لعجزه عنها وتناول فصادف النهار فإنه لا يجب عليه القضاء للأصل واختصاص

__________________

(1 و 4) الوسائل الباب 44 من ما يمسك عنه الصائم.

(2 و 3) الوسائل الباب 45 من ما يمسك عنه الصائم.


روايات القضاء بالقادر على المراعاة فيبقى ما عداه على حكم الأصل. وهو جيد إلا ان الاحتياط في القضاء.

الثانية ـ المستفاد من كلام جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) انتفاء القضاء إذا تناول المفطر بعد المراعاة وان ظهر كون تناوله بعد الصبح ، وعليه تدل موثقة سماعة المتقدمة.

ومثلها ما رواه الصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمار (1) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام آمر الجارية لتنظر الى الفجر فتقول لم يطلع بعد فآكل ثم انظر فأجده قد كان طلع حين نظرت؟ قال اقضه اما انك لو كنت أنت الذي نظرت لم يكن عليك شي‌ء». ومثله رواه الكليني عن معاوية بن عمار في الصحيح أو الحسن (2)

الثالثة ـ قال الفاضل الخراساني في الذخيرة : واعلم ايضا ان مقتضى صحيحة الحلبي المذكورة ان من تناول المفطر في غير شهر رمضان بعد طلوع الفجر أفسد صومه سواء كان الصوم واجبا أو مندوبا وسواء تناول المفطر بعد المراعاة أم قبلها. وبذلك صرح المصنف وغيره ، ويدل عليه أيضا ما رواه الكليني. ثم نقل موثقة إسحاق بن عمار المتقدمة ثم أردفها برواية على بن أبي حمزة المتقدمة أيضا.

أقول : في شمول الروايات المذكورة للإطلاق الثاني نظر : أما رواية الحلبي فإن صدرها ظاهر في عدم المراعاة لأن وجوب القضاء في شهر رمضان انما يترتب على عدم المراعاة كما عرفت في سابق هذه الفائدة ، والكلام في عجزها جار على هذا الوجه أيضا ، فيكون الأمر بالإفطار في غير شهر رمضان إنما هو في صورة عدم المراعاة. ومثله الكلام في رواية على بن أبي حمزة فإن صدرها متضمن لوجوب القضاء في صوم شهر رمضان وهو لا يكون إلا مع عدم المراعاة ، وعليه يبنى عجزها لأن المسألة واحدة وانما وقع الترديد في كون ذلك الصوم من شهر رمضان أو من قضائه. واما موثقة إسحاق بن عمار فظاهر سياقها ايضا هو الإفطار مع عدم

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 46 من ما يمسك عنه الصائم.


المراعاة أيضا فلو قيل بصحة الصوم مع المراعاة كما في شهر رمضان لم يكن بعيدا.

الرابعة ـ استظهر السيد السند في المدارك إلحاق الواجب المعين بصوم شهر رمضان في الحكم المذكور ، والظاهر انه للاشتراك في التعين ، ونفى عنه البعد صاحب الذخيرة ، وهو مشكل لعدم الدليل وعدم جواز بناء الأحكام على المشابهة والمشاركة. اللهمّ إلا أن يقال انه من باب تنقيح المناط ، وهو متوقف على عدم الخصوصية لشهر رمضان بذلك وعدم العلم بالخصوصية لا يدل على العدم.

الخامسة ـ لو أفطر إخلادا إلى خبر الغير بعدم طلوع الفجر مع القدرة على المراعاة ثم تبين انه بعد الصبح فلا خلاف ولا إشكال في وجوب القضاء وهو معلوم من ما تقدم ، وعليه تدل صريحا صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة ومثلها صحيحته الثانية (1) وإطلاق كلامهم يقتضي عدم الفرق في المخبر بين الواحد والمتعدد.

ونقل عن المحقق الشيخ على انه استقرب سقوط القضاء لو كان المخبر عدلين لان اخبار العدلين حجة شرعية ، ونفى عنه البأس شيخنا الشهيد الثاني ، قال : والخبر لا ينافيه لأنه فرض فيه كون المخبر واحدا. واليه جنح سبطه السيد السند في المدارك أيضا.

قال الفاضل الخراساني في الذخيرة بعد نقل ذلك عن المحقق المذكور : وهو حسن ، لا لما ذكره لعدم وضوح مستند حجية البينة مطلقا بحيث يشمل محل البحث بل للأصل وعدم شمول ما هو مستند القضاء لهذا الموضع ، فان بعضها مختص بإخبار الجارية والمتبادر من الباقي غير صورة اخبار الغير ، بل إثبات القضاء في صورة اخبار العدل الواحد أيضا محل اشكال. انتهى.

وفيه انه لا يخلو اما ان يكون اخبار العدلين هنا حجة شرعية فيكون عدم القضاء إنما هو لذلك ويكون بمنزلة ما لو راعى بنفسه ، أو لا يكون حجة بل يكون في حكم العدم وحينئذ فيرجع الى استصحاب الليل كما تقدم فيجب القضاء البتة ،

__________________

(1) ص 94.


وبالجملة فإنه متى الغى حجية اخبار العدلين فكيف يتمسك بالأصل وعدم وجود الدليل على القضاء في صورة اخبار العدلين أو العدل والحال ان أخبارهما عنده ليس بحجة بل هو في حكم العدم؟ ولا شك انه متى الغى أخبارهما رجع أكله إلى استصحاب الليل وقد ثبت وجوب القضاء بذلك.

والأصح ما ذكره المحقق المذكور ومن تبعه من الاعتماد على اخبار العدلين بل العدل الواحد أيضا ، فإن المستفاد من الأخبار الاعتماد على خبر العدل الثقة في الأمور المطلوب فيها العلم فليكن هذا منها.

ومن الاخبار المذكورة ما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمار (1) قال : «سألته عن رجل كانت له عندي دنانير وكان مريضا فقال لي ان حدث بي حدث فأعط فلانا عشرين دينارا وأعط أخي بقية الدنانير. فمات ولم أشهد موته فأتاني رجل مسلم صادق فقال لي انه أمرني أن أقول لك : انظر الدنانير التي أمرتك أن تدفعها الى أخي فتصدق منها بعشرة دنانير اقسمها في المسلمين. ولم يعلم أخوه ان عندي شيئا؟ فقال ارى ان تصدق منها بعشرة دنانير كما قال». وفيه دلالة على ثبوت الوصية بقول الثقة.

وما رواه الشيخ في التهذيب بسند فيه العبيدي ـ والصدوق بسنده الى ابن أبى عمير عن هشام بن سالم ـ عن أبى عبد الله عليه‌السلام (2) في حديث قال عليه‌السلام فيه «ان الوكيل إذا وكل ثم قام عن المجلس فأمره ماض ابدا والوكالة ثابتة حتى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة يبلغه أو يشافه بالعزل عن الوكالة».

والأصحاب (رضوان الله عليهم) قد صرحوا في هذا الموضع بأنه لا ينعزل إلا مع العلم وحينئذ فالخبر مؤذن بان اخبار الثقة مفيد للعلم.

ونحو ذلك ايضا ما ورد في الاخبار من جواز وطء الأمة بغير استبراء إذا

__________________

(1) الوسائل الباب 97 من الوصايا ، والرواية عن ابى عبد الله (ع).

(2) الوسائل الباب 2 من الوكالة.


كان البائع عدلا مأمونا وأخبر بالاستبراء (1) والاخبار الدالة على الاعتماد في الأوقات المشترط فيها العلم عندهم على أذان الثقة (2) ونحو ذلك من ما هو متكرر في جملة من الأحكام التي لا تحضرني الآن على الخاطر ، وبه يعلم افادة قول الثقة العلم فيكون الكلام في ما نحن فيه من ذلك القبيل.

السادسة ـ لو أخبره مخبر بطلوع الفجر فظن كذبه وأكل ثم ظهر صدقه مع القدرة على المراعاة فقد قطع الأصحاب بوجوب القضاء ايضا دون الكفارة ، اما عدم وجوب الكفارة فلما تقدم ، ووجوب القضاء معلوم من ما سبق من حيث بنائه على استصحاب الليل.

ويدل على خصوص المسألة ما رواه الشيخ في الصحيح عن العيص بن القاسم (3) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل خرج في شهر رمضان وأصحابه يتسحرون في بيت فنظر الى الفجر فناداهم فكف بعضهم وظن بعضهم انه يسخر فأكل؟ قال يتم صومه ويقضى».

ونحوه ما في كتاب الفقه الرضوي (4) حيث قال : ولو ان قوما مجتمعين سألوا أحدهم أن يخرج وينظر هل طلع الفجر؟ ثم قال قد طلع الفجر. فظن بعضهم انه يمزح فأكل وشرب كان عليه قضاء ذلك اليوم.

واستقرب العلامة في المنتهى والشهيدان وجوب القضاء والكفارة لو كان المخبر عدلين للحكم بقولهما شرعا فيكون كتعمد الإفطار بعد طلوع الفجر.

أقول : ولا يبعد ايضا القول بذلك في خبر العدل لما عرفت من الاخبار التي قدمناها وان كان المشهور بين أصحابنا عدمه.

__________________

(1) الوسائل الباب 11 من بيع الحيوان.

(2) الوسائل الباب 3 من الأذان والإقامة.

(3) الوسائل الباب 47 من ما يمسك عنه الصائم.

(4) مستدرك الوسائل الباب 32 من ما يمسك عنه الصائم.


السابعة ـ لو أفطر تقليدا ان الليل دخل ثم تبين فساد الخبر فقد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بوجوب القضاء عليه خاصة.

قال السيد السند في المدارك بعد ذكر ذلك : هذا الإطلاق مشكل لأن المفطر ان كان ممن لا يسوغ له التقليد فينبغي ان يكون عليه القضاء والكفارة ، وان كان ممن يسوغ له ذلك اتجه الحكم بسقوطهما لاستناد فعله إلى اذن الشارع على هذا. التقدير. إلا أن يقال ان ذلك لا يقضى سقوط القضاء كما في تناول المفطر قبل مراعاة الفجر. وهو جيد لو ثبت دليل الوجوب هنا كما ثبت هناك. انتهى. وهو جيد.

وما اعترضه به الفاضل الخراساني في الذخيرة ـ حيث قال بعد نقله : وفيه تأمل فإن مقتضى كون المفطر ممن لا يسوغ له التقليد ترتب الإثم على الإفطار لا القضاء والكفارة ، ولا يبعد ان يقال ان حصل الظن باخبار المخبر اتجه سقوط القضاء والكفارة لصحيحة زرارة المذكورة في المسألة الآتية (1) ولا يبعد انتفاء الإثم أيضا وإلا فالظاهر ترتب الإثم لقوله تعالى (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) (2) فان مقتضاها وجوب تحصيل العلم أو الظن بالامتثال وهو منتف في الفرض المذكور ، واما وجوب القضاء ففيه تأمل لعدم دليل دال عليه وعدم الاستلزام بين حصول الإثم ووجوب القضاء. انتهى ـ فعندي فيه نظر وذلك فان المعلوم من الاخبار وكلام الأصحاب ان وقت الغروب الموجب للصلاة والإفطار لا بد فيه من العلم واليقين بملاحظة السبب الموجب للغروب الذي هو سقوط القرص أو زوال الحمرة ، فلو صلى المكلف قبل ذلك أو أفطر الصائم مع تمكنه من المراعاة وظهر كون ذلك قبل دخول الوقت وجب عليه إعادة الصلاة ووجب عليه القضاء والكفارة في إفطاره لإفطاره نهارا

__________________

(1) تأتى ص 102.

(2) سورة البقرة الآية 184.


مع إمكان المراعاة ، فيدخل تحت الأخبار الدالة على ان من أفطر عامدا وجب عليه القضاء والكفارة ، ومنها صحيحة ابن سنان (1) «في رجل أفطر في شهر رمضان متعمدا يوما واحدا من غير عذر؟ قال يعتق نسمة أو يصوم شهرين. الحديث». ونحوه غيره. نعم لو كان في السماء علة من غيم ونحوه تمنع من معرفة الوقت فإنه يرجع الى الظن لتعذر العلم حينئذ ، وحينئذ فهذا المفطر بمجرد اخبار الغير مع تمكنه من المراعاة وان حصل له ظن باخبار الغير متى ظهر كون إفطاره نهارا يجب عليه القضاء والكفارة ، لما عرفت من أن الشارع قد حرم الإفطار في الآية الشريفة (2) حتى يدخل الليل يقينا أو ظنا مع تعذر اليقين.

ومبنى كلام هذا الفاضل على الاكتفاء بالظن مطلقا ، وهو غلط محض فان البناء على الظن في جواز الصلاة والإفطار إنما هو مع تعذر حصول العلم لغيم ونحوه فيبني على الظن لا انه يكفى الظن مطلقا ولو باخبار الغير مع التمكن من المراعاة. وصحيحة زرارة التي استند إليها وتوهم منها هذا الوهم سيأتي ان شاء الله تعالى تحقيق القول في معناها بما يظهر منه فساد توهمه.

واعلم ان إطلاق كلام أكثر الأصحاب يقتضي عدم الفرق بين كون المخبر فاسقا أو عدلا ولا بين كونه واحدا أو متعددا.

وقطع المحقق الشيخ على بأنه لو شهد بالغروب عدلان ثم بان كذبهما فلا شي‌ء على المفطر وان كان ممن لا يجوز له التقليد لأن شهادتهما حجة شرعية.

واستشكله في المدارك بانتفاء ما يدل على جواز التعويل على البينة على وجه العموم خصوصا في موضع يجب فيه تحصيل اليقين.

وقال الفاضل الخراساني في الذخيرة بعد نقل كلام المدارك : وهو حسن إلا ان جعل محل البحث من ما يجب فيه تحصيل اليقين محل تأمل لما ذكرنا من دلالة

__________________

(1) الوسائل الباب 8 من ما يمسك عنه الصائم.

(2) وهي قوله تعالى في سورة البقرة الآية 184 : «... ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ».


صحيحة زرارة على جواز الاكتفاء بالظن ، وحينئذ فالظاهر جواز التعويل على شهادة العدلين إلا إذا لم يحصل الظن بشهادتهما. انتهى.

أقول : كلامه هنا مبنى على ما قدمنا نقله عنه وهو باطل بما عرفت وستعرف ان شاء الله تعالى.

ثم أقول : لا يخفى ان كلام المحقق الشيخ على لا يخلو من قوة لتأيده بالأخبار التي قدمناها دالة على الاكتفاء بقول العدل الواحد في مقام العلم ، بل لو قيل بالاكتفاء بالواحد لكان قويا لما عرفت.

الثامنة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه يجوز الإفطار عند ظن الغروب إذا لم يكن للظان طريق الى العلم.

ثم ان القائلين بالجواز هنا قد اختلفوا في وجوب القضاء وعدمه إذا انكشف فساد الظن المذكور ، فنقل عن الشيخ في جملة من كتبه وابن بابويه في من لا يحضره الفقيه وجمع من الأصحاب القول بعدم الوجوب وهو اختيار السيد السند في المدارك وغيره من متأخري المتأخرين ، وعن الشيخ المفيد والمرتضى وابى الصلاح القول بالوجوب وهو اختيار المحقق في المعتبر وقواه العلامة في المنتهى وتردد في المختلف ، وقال ابن إدريس : ومن ظن ان الشمس قد غابت لعارض يعرض في السماء من ظلمة أو قتام ولم يغلب على ظنه ذلك ثم تبين الشمس بعد ذلك فالواجب عليه القضاء دون الكفارة ، وان كان مع ظنه غلبة قوية فلا شي‌ء عليه من قضاء ولا كفارة لأن ذلك فرضه لان الدليل قد فقد فصار تكليفه في عبادته غلبة ظنه فإن أفطر لا عن امارة ولا ظن فيجب عليه القضاء والكفارة.

والذي وقفت عليه من الاخبار في هذه المسألة روايات : منها ما رواه الكليني والشيخ ـ بسند فيه محمد بن عيسى عن يونس عن ابى بصير وسماعة وفي سند آخر عن سماعة ـ عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) «في قوم صاموا شهر رمضان فغشيهم سحاب اسود عند

__________________

(1) الوسائل الباب 50 من ما يمسك عنه الصائم.


غروب الشمس فرأوا أنه الليل فأفطر بعضهم ثم ان السحاب انجلى فإذا الشمس؟ فقال على الذي أفطر صيام ذلك اليوم ان الله عزوجل يقول (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) (1) فمن أكل قبل أن يدخل الليل فعليه قضاؤه لأنه أكل متعمدا». وبهذا الخبر استدل من قال بوجوب القضاء في المسألة.

ومنها ـ ما رواه الشيخ وابن بابويه عن زرارة في الصحيح (2) قال : «قال أبو جعفر عليه‌السلام وقت المغرب إذا غاب القرص فإن رأيته بعد ذلك وقد صليت أعدت الصلاة ومضى صومك وتكف عن الطعام ان كنت أصبت منه شيئا». وهي ظاهرة الدلالة على القول الأول.

ويمكن ان تكون هذه الرواية هي التي أشار إليها الفاضل الخراساني في ما تقدم من كلامه واستند الى دلالتها على البناء على الظن.

وأنت خبير بان قوله عليه‌السلام «إذا غاب القرص» إما ان يحمل على غيبوبته عن النظر بالمشاهدة اليه ، وهذا لا يصح ترتب الرؤية عليه بعد ذلك فلا يمكن حمل الخبر عليه ، واما أن يحمل على مجرد احتمال الغيبوبة وظنها مع عدم الحائل في السماء وعدم المشاهدة بالكلية ، وهو مع كونه لا قائل به فالأخبار ترده لأن اخبار وقت المغرب متفقة على كون الغروب المترتب عليه جواز الصلاة والإفطار إنما هو عبارة عن غيبوبة القرص عند النظر اليه كما هو أحد القولين أو زوال الحمرة المشرقية كما هو القول الآخر ، وحينئذ فمجرد ظن ذلك من غير مشاهدة ولا علة في السماء مانعة من المشاهدة لا يجوز العمل عليه اتفاقا نصا وفتوى ، واما ان يحمل على حصول المانع من المشاهدة لغيم ونحوه كما هو صريح الأخبار الباقية ، وبه يتم معنى الخبر المذكور وينتظم مع الأخبار الآتية ويتبين فساد ما توهمه الفاضل المتقدم ذكره.

__________________

(1) سورة البقرة الآية 184.

(2) الوسائل الباب 51 من ما يمسك عنه الصائم.


ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة (1) قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن وقت إفطار الصائم قال حين تبدو ثلاثة أنجم. وقال لرجل ظن أن الشمس قد غابت فأفطر ثم أبصر الشمس بعد ذلك قال : ليس عليه قضاء».

ويحتمل ـ ولعله الأقرب ـ ان هذه الرواية هي التي أشار إليها الفاضل المتقدم ذكره حيث عبر فيها بلفظ الظن.

وفيه انه يجب حملها على الظن المستند الى العذر المانع من تحصيل العلم بدخول الوقت لا مطلقا لما ذكرناه من التقريب في الرواية الاولى.

ويؤكد ذلك ما رواه في الكافي عن ابن ابى عمير عن من ذكره عن ابى عبد الله عليه‌السلام (2) قال : «وقت سقوط القرص ووجوب الإفطار من الصيام ان تقوم بحذاء القبلة وتتفقد الحمرة التي ترتفع من المشرق فإذا جازت قمة الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الإفطار وسقط القرص».

وما رواه في الفقيه في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام (3) قال : «يحل لك الإفطار إذا بدت لك ثلاثة أنجم وهي تطلع مع غروب الشمس».

ألا ترى انه عليه‌السلام جعل وقت الإفطار وجوازه مترتبا على النظر الى زوال الحمرة في الأول وظهور الأنجم الثلاثة المقارنة لغروب الشمس في الثاني الراجع ذلك في المعنى الى زوال الحمرة أيضا ، وهذا مبنى على عدم المانع في السماء من غيم ونحوه ، فكيف يجوز البناء على الظن مطلقا وان لم يكن مانع كما توهمه من الخبر المذكور؟ وقد تقدم في اخبار أوقات الصلوات ما هو صريح في انه مع عدم العذر لا بد في الحكم بدخول الوقت من العلم بغيبوبة القرص أو زوال الحمرة.

وبالجملة فإن كلام هذا الفاضل مجرد توهم وغفلة نشأت عن عدم مراجعة الاخبار والتأمل فيها.

__________________

(1) الوسائل الباب 52 و 51 من ما يمسك عنه الصائم.

(2 و 3) الوسائل الباب 52 من ما يمسك عنه الصائم.


ومنها ـ رواية أبي الصباح الكناني (1) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل صام ثم ظن ان الشمس قد غابت وفي السماء غيم فأفطر ثم ان السحاب انجلى فإذا الشمس لم تغب؟ فقال قد تم صومه ولا يقضيه».

ورواية زيد الشحام عن ابى عبد الله عليه‌السلام (2) «في رجل صائم ظن ان الليل قد كان وان الشمس غابت وقد كان في السماء سحاب فأفطر ثم ان السحاب انجلى فإذا الشمس لم تغب؟ فقال تم صومه ولا يقضيه».

وجملة هذه الاخبار ما عدا الرواية الأولى ظاهرة الدلالة على القول بعدم وجوب القضاء في المسألة ، ومن قال بوجوب القضاء رد صحيحة زرارة الأولى بعدم الصراحة في المدعى وباقي الأخبار بالطعن في السند ، ومن قال بالعدم رد الرواية الأولى بضعف السند.

ومنهم من جمع بين الأخبار بحمل الرواية الدالة على وجوب القضاء على الشك وتساوى الاعتقاد ، قال الشيخ في الاستبصار بعد ذكر الرواية المذكورة (3) الوجه في هذه الرواية انه متى شك في دخول الليل عند العارض وتساوت ظنونه ولم يكن لأحدهما مزية على الآخر لم يجز له أن يفطر حتى يتيقن دخول الليل أو يغلب على ظنه ، ومتى أفطر والأمر على ما وصفناه وجب عليه القضاء حسب ما تضمنه هذا الخبر. انتهى.

ويشكل أولا ـ بأن ظاهر قوله في الرواية «فرأوا انه الليل» هو حصول الظن بدخول الليل كما هو المتبادر من هذا اللفظ.

وثانيا ـ بان الظاهر ان من أفطر في هذه الصورة فعليه مع القضاء الكفارة أيضا لأنه متى كان عالما بعدم جواز الإفطار في الصورة المذكورة وأفطر فقد وجبت عليه الكفارة لإقدامه على الإفطار في نهار شهر رمضان عدوانا. إلا أن يقال ان إيجاب

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 51 من ما يمسك عنه الصائم.

(3) ج 2 ص 116.


القضاء في الخبر لا ينافي إيجاب الكفارة أيضا ، ويؤيده قوله في الخبر «لأنه أكل متعمدا» وقد صرح ابن إدريس في ما قدمنا من كلامه بوجوب القضاء والكفارة في الصورة المذكورة.

ومنهم من جمع بين الأخبار بالتنزيل على مراتب الظن وجعل بعضها غالبا على بعض ، فأوجب القضاء بحصول الظن وحمل عليه الخبر الأول ونفاه مع غلبة الظن وحمل عليه الأحاديث الأخر ، وهو صريح كلام ابن إدريس المتقدم وتبعه فيه المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي في الوسائل.

وهو ضعيف كما صرح به جملة ممن تأخر عنه ، قال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك بعد نقل ذلك عنه : ويشكل بعدم انضباط مراتب الظن حتى يجعل بعضها غالبا وبعضها غير ذلك بل الظن كله غالب ، وبان الحكم في النصوص معلق على مطلق الظن في الحالين.

أقول : والأظهر عندي العمل بالأخبار الدالة على عدم الوجوب وحمل الرواية الدالة على الوجوب على التقية. فإن القول بالوجوب مذهب الجمهور (1) كما نقله في المنتهى ، ونقل من أخبارهم الدالة عليه ما رواه حنظلة (2) قال : «كنا في شهر رمضان وفي

__________________

(1) المغني ج 3 ص 136.

(2) سنن البيهقي ج 4 ص 217 وقد رواه عنه بطريقين واللفظ في أحدهما هكذا : كنا عند عمر فاتى بجفنة في شهر رمضان فقال المؤذن الشمس طالعة فقال اغنى الله عنا شرك انا لم نرسلك راعيا للشمس انما أرسلناك داعيا إلى الصلاة. يا هؤلاء من كان منكم أفطر فقضاء يوم يسير وإلا فليتم صومه. وفي الآخر قريب من ذلك وفيه قال عمر «من كان أفطر فليصم يوما مكانه» وليس فيهما ان الظن بغياب الشمس لوجود السحاب. نعم ورد ذلك في رواية خالد بن أسلم عن عمر وفيها انه قال «الخطب يسير وقد اجتهدنا» وقد حمله الشافعي ومالك على ارادة القضاء ، وورد أيضا في رواية بشر بن قيس عمر وفيها قال عمر «لا نبالي والله نقضي يوما مكانه» وورد أيضا في رواية زيد بن وهب وفيها قال عمر «والله لا نقضيه وما تجانفنا لإثم» كل ذلك في سنن البيهقي ج 4 ص 217.


السماء سحاب فظننا ان الشمس غابت فأفطر بعضنا فأمر عمر من كان أفطر ان يصوم مكانه».

واما ما استدل به في المنتهى على هذا القول حيث اختاره ـ من انه تناول ما ينافي الصوم عمدا ـ فهو لا يخلو من المصادرة لأن الخصم ينكر كون ذلك ينافي الصوم ، وهو محل النزاع كما لا يخفى فان الخصم يدعى ان الشارع كما جوز له الصلاة بالبناء على ظن دخول الوقت مع تعذر العلم كما مر في كتاب الصلاة كذلك جوز له الإفطار بناء على ذلك ، وحينئذ فما تناوله ـ في حالة جوز الشارع الأكل فيها وكونه بحسب الواقع ليس كذلك لظهور كونه قد تناول نهارا ـ غير ضائر لأن الأحكام الشرعية إنما تبنى على الظاهر في نظر المكلف لا الواقع ، وبالجملة فإنه لما ثبت بالروايات المذكورة هنا والمتقدمة في كتاب الصلاة انه يجوز البناء على الظن في صورة عدم إمكان العلم والمكلف هنا قد بنى على ذلك فلا يتعقبه نقض لأنه لم يخالف أمر الشارع بوجه.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان جملة من المتأخرين ـ كالمحقق في الشرائع والعلامة في الإرشاد وغيره من مختصراته وغيرهما في غيرها ـ قد عبروا في هذه المسألة في تعداد ما يجب به القضاء خاصة دون الكفارة بهذه العبارة ، قالوا : والإفطار للظلمة الموهمة دخول الليل فلو غلب على ظنه لم يفطر. وشراح كتبهم قد اضطربوا في تصحيح هذه العبارة وبيان المعنى المراد من الوهم فيها بما لا مزيد فائدة في التطويل بالبحث عنه هنا بعد عدم وجود ما يدل عليه في الاخبار ، فإن الأخبار الواردة في المسألة هي ما قدمناه وموردها كلها الظن خاصة وليس في شي‌ء منها ما يدل على حكم الإفطار في صورة الوهم أو الشك ليحتاج إلى التفصي عنه والبحث عن المراد منه. وبذلك صرح شيخنا الشهيد الثاني (قدس‌سره) في المسالك ايضا فقال : واما الإفطار مع الشك أو الوهم فليس فيه نص في ما علمنا ولا ادعاه مدع.

بقي هنا شي‌ء ينبغي التنبيه عليه وهو ان السيد السند (قدس‌سره) هنا في


المدارك ـ بعد أن نقل عبارة المصنف في المسألة وهي ما قدمنا ذكره ـ قال ما صورته : الكلام في هذه المسألة يتوقف على بيان مقدمة وهي انه لا خلاف بين علمائنا ظاهرا في جواز الإفطار عند ظن الغروب إذا لم يكن للظان طريق الى العلم وإنما اختلفوا في وجوب القضاء وعدمه إذا انكشف فساد الظن. ثم نقل الخلاف في المسألة وبعض الأخبار المتعلقة بها. والعجب كل العجب منه (قدس‌سره) في هذا المكان ـ وان كان لا عجب فان المعصوم من عصمه الله تعالى من السهو والنسيان ـ انه (قدس‌سره) في كتاب الصلاة ـ بعد أن ذكر ان من لا طريق له الى العلم يجوز له الاجتهاد في الوقت بمعنى التعويل على الأمارات المفيدة للظن ولا يكلف الصبر حتى يتيقن ـ قال : وهو أحد القولين في المسألة وأشهرهما بل قيل انه إجماع ، وقال ابن الجنيد : ليس للشاك في يوم الغيم ولا غيره أن يصلى إلا عند يقينه بالوقت ، وصلاته في آخر الوقت مع اليقين خير من صلاته مع الشك. ثم استدل للقول المشهور برواية أبي الصباح الكناني التي ذكرها في هذه المسألة وردها بضعف السند ، ونقل صحيحة زرارة وهي الأولى من صحيحتيه المتقدمتين وطعن في دلالتها بحمل قوله فيها «ومضى صومك» يعنى بالمضي الفساد. ثم قال : وبالجملة فالمسألة محل تردد وقول ابن الجنيد لا يخلو من قوة.

فانظر أيدك الله الى هذا السهو الظاهر من مثل هذا الحبر الماهر حيث انه في كتاب الصلاة ينقل عن ابن الجنيد عدم جواز البناء على الظن في مقام الاشتباه ووجوب الأخذ باليقين ويختاره ويطعن في الروايات الدالة على خلافه ، وفي هذه المسألة يدعى الإجماع على عدمه ويختاره.

المسألة الثانية يجب الإمساك عن الجماع في القبل إجماعا نصا وفتوى أنزل أو لم ينزل فان فعل وجب عليه القضاء والكفارة.

واستدل على ذلك بقوله تعالى (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ


وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ). الآية (1) والمستفاد منها بناء على كون الغاية غاية للمجموع تحريم الجماع بعد التبين ، ويضم اليه عدم القائل بالفصل حتى يتم الاستدلال على الإفساد المقتضي للقضاء والكفارة. كذا قالوا في تقرير الاستدلال بالآية.

أقول : من ما يدل على كون الغاية في الآية للجميع ما رواه الثقة الجليل على ابن إبراهيم في التفسير (2) قال : حدثني أبي رفعه قال : قال الصادق عليه‌السلام كان النكاح والأكل محرمين في شهر رمضان بالليل بعد النوم بمعنى كل من صلى العشاء ونام ولم يفطر ثم انتبه حرم عليه الإفطار وكان النكاح حراما بالليل والنهار في شهر رمضان ، وكان رجل من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقال له خوات بن جبير أخو عبد الله ابن جبير وكان شيخا كبيرا ضعيفا وكان صائما ، فأبطأت عليه أهله بالطعام فنام قبل أن يفطر فلما انتبه قال لأهله قد حرم على الأكل في هذه الليلة ، فلما أصبح حضر حفر الخندق فأغمي عليه فرآه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فرق له ، وكان قوم من الشبان ينكحون بالليل سرا في شهر رمضان ، فانزل الله (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ). وساق الآية في التفسير الى قوله (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) (3) قال فأحل الله تبارك وتعالى النكاح بالليل في شهر رمضان والأكل بعد النوم الى طلوع الفجر بقوله تعالى (حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ) (4).

وروى السيد المرتضى (رضي‌الله‌عنه) في رسالة المحكم والمتشابه عن تفسير النعماني بسنده عن أمير المؤمنين عليه‌السلام نحوه (5).

أقول : قد دلت الآية بمعونة تفسيرها بالخبرين المذكورين على التحريم.

واما وجوب القضاء والكفارة فيرجع فيه الى الاخبار ، ويدل عليه من الأخبار صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (6) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن

__________________

(1 و 3 و 4) سورة البقرة الآية 184.

(2 و 5) الوسائل الباب 43 من ما يمسك عنه الصائم.

(6) الوسائل الباب 4 من ما يمسك عنه الصائم.


الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتى يمني؟ قال عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع».

وصحيحة حفص بن سوقة عن من ذكره عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) «في الرجل يلاعب أهله أو جاريته وهو في قضاء شهر رمضان فيسبقه الماء فينزل؟ قال عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع في شهر رمضان».

وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن ابى عبد الله عليه‌السلام (2) قال : «سألته عن رجل يعبث بامرأته وهو محرم من غير جماع أو يفعل ذلك في شهر رمضان؟ فقال عليهما جميعا الكفارة مثل ما على الذي يجامع».

وصحيحة محمد بن مسلم (3) قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال : الطعام والشراب والنساء والارتماس في الماء». ونحوها أخبار تأتي في الأحكام الآتية في توابع هذه المسألة.

واما الجماع في الدبر فان كان مع الانزال فظاهرهم الاتفاق على انه كالأول ، ويدل عليه الأخبار المتقدمة من حيث دلالتها على وجوب الكفارة بالإنزال الحاصل بالملاعبة والعبث بأهله.

واما مع عدم الانزال فالمعروف من مذهب الأصحاب انه كذلك ايضا حتى نقل الشيخ في الخلاف إجماع الفرقة عليه ايضا ، وقال في المبسوط بعد أن حكم بوجوب الكفارة في الجماع مطلقا : وقد روى ان الوطء في الدبر لا يوجب نقض الصوم إلا إذا أنزل معه وان المفعول به لا ينقض صومه بحال (4) والأحوط الأول. وربما أشعر كلامه هذا بنوع تردد في الحكم.

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 4 من ما يمسك عنه الصائم.

(3) الوسائل الباب 1 من ما يمسك عنه الصائم. ارجع الى التعليقة 2 ص 50.

(4) راجع الاخبار ص 110.


احتجوا على الحكم المذكور بإطلاق النهي عن المباشرة في الآية الكريمة (1) وهي لغة عبارة عن إلصاق البشرة بالبشرة وهي ظاهر الجلد ، خرج منه المباشرة بما عدا الوطء في القبل والدبر لعدم الدليل على التحريم فيه بل دلالة الأدلة على الجواز فيبقى الباقي ، ومتى ثبت التحريم كان مفسدا للصوم بالإجماع المركب فيثبت القضاء والكفارة. ولا يخفى ما في هذا الاستدلال من الوهن والاختلال.

والتحقيق أن يقال : ان المباشرة وان كانت لغة ما ذكر إلا ان المراد في الآية إنما هو الجماع والجماع وان صدق على الوطء في الدبر إلا ان الفرد المتكرر الذي ينصرف إليه الإطلاق إنما هو الجماع في القبل وصدقه في المقام على الوطء في الدبر محل اشكال. وأشكل من ذلك الاستناد إلى الإجماع المركب في تتمة الاستدلال بالآية.

وبالجملة فإني لا أعرف لذلك دليلا بالنسبة إلى التحريم والى إيجاب القضاء والكفارة إلا اتفاقهم على الحكم المذكور ولعله كاف مع عدم وجود دليل يناقضه سيما مع موافقته للاحتياط.

وأيد بعضهم الاستدلال بالآية بالأخبار التي قدمناها (2) من حيث صدق الجماع فيها على الوطء في الدبر.

وفيه ما عرفت من ان الفرد الشائع المتكثر المأمور به في الاخبار انما هو الجماع في القبل واما الآخر فهو مع كونه منهيا عنه نادر الوقوع والإطلاق انما ينصرف الى الافراد الشائعة المتكثرة.

ولعل منشأ تردد الشيخ في المبسوط في هذه المسألة هو عدم الدليل الصريح على الحكم المذكور مع ما رواه في الصحيح عن احمد بن محمد عن بعض الكوفيين

__________________

(1) وهي قوله تعالى في سورة البقرة الآية 84 : «فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ...».

(2) ص 107.


يرفعه الى ابى عبد الله عليه‌السلام (1) «في الرجل يأتي المرأة في دبرها وهي صائمة؟ قال لا ينقض صومها وليس عليها غسل».

وعن على بن الحكم في الصحيح عن رجل عن ابى عبد الله عليه‌السلام (2) قال : «إذا أتى الرجل المرأة في دبرها وهي صائمة لم ينقض صومها وليس عليها غسل».

إلا انه قال في التهذيب بعد نقل رواية على بن الحكم : هذا خبر غير معمول عليه وهو مقطوع الإسناد.

أقول : العجب منه انه في باب غسل الجنابة في هذه المسألة اختار عدم وجوب الغسل على الموطوءة في الدبر واستدل بهذه الرواية وكذا التي قبلها وفي هذه المسألة ردها بأنها غير معمول عليها وانها مقطوعة الاسناد ، ومن الظاهر ان كلا من الغسل ونقض الصوم تابع لحصول الجنابة بذلك.

وجملة من المتأخرين قد ردوا هاتين الروايتين بضعف الاسناد بناء على هذا الاصطلاح واما من لا يرى العمل به فيتحتم عليه القول بمضمونهما لعدم المعارض من الاخبار لهما سوى اتفاق الأصحاب.

وبالجملة فالمسألة عندي لذلك محل اشكال والاحتياط فيها لازم على كل حال وهو في جانب العمل بما عليه الأصحاب. والله العالم بحقيقة الحق والصواب.

واما الوطء في دبر الغلام والدابة فاما مع الإنزال فإنه لا خلاف ولا إشكال في فساد الصوم ووجوب القضاء والكفارة من حيث الانزال لما تقدم.

واما مع عدمه فقد اختلف كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ذلك فقال الشيخ في الخلاف : إذا أدخل ذكره في دبر امرأة أو غلام كان عليه القضاء والكفارة ، وادعى الإجماع عليه. ثم قال : وإذا أتى بهيمة فأمنى كان عليه القضاء والكفارة ، فإن أولج ولم ينزل فليس لأصحابنا فيه نص لكن مقتضى المذهب ان عليه القضاء لأنه لا خلاف فيه ، اما الكفارة فلا تلزمه لأن الأصل براءة الذمة.

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 12 من الجنابة.


قال ابن إدريس : لما وقفت على كلامه كثر تعجبي والذي دفع به الكفارة يدفع القضاء مع قوله «لا نص لأصحابنا فيه» وإذا لم يكن فيه نص مع قولهم (1) «اسكتوا عن ما سكت الله عنه». فقد كلفه القضاء بغير دليل ، واى مذهب لنا يقتضي وجوب القضاء؟ بل أصول المذهب تقتضي نفيه وهي براءة الذمة والخبر المجمع عليه. أقول : ما ذكره ابن إدريس جيد لا غبار عليه.

وقال في المبسوط : يجب القضاء والكفارة بالجماع في الفرج أنزل أو لم ينزل سواء كان قبلا أو دبرا فرج امرأة أو غلام أو ميتة أو بهيمة وعلى كل حال على الظاهر من المذهب. وقد روى ان الوطء في الدبر لا يوجب نقض الصوم. الى آخر ما قدمناه من عبارته.

وقد بينا سابقا ان الظاهر من قوله : «وقد روى. الى آخره» هو الإشارة إلى الروايتين المتقدمتين من حيث دلالتهما على عدم نقض الصوم وموردهما كما عرفت دبر المرأة ، فيصير محل التردد في عبارته التي قدمناها مخصوصا بدبر المرأة من حيث هاتين الروايتين ، وحينئذ فيبقى ما عدا دبر المرأة من دبر الغلام والبهيمة والميتة خاليا من التردد وموجبا عنده للقضاء والكفارة. وبهذا التقريب يكون فيه منافاة بينه وبين كلامه في المبسوط من انه مع عدم الإنزال فإنما يجب القضاء خاصة.

وظاهر جملة من المتأخرين : منهم ـ المحقق في المعتبر والشرائع والعلامة في جملة من كتبه ان إفساد الصوم وإيجاب القضاء والكفارة تابع لإيجاب الغسل.

قال في المختلف : والأقرب ان إفساد الصوم وإيجاب القضاء والكفارة تابع لإيجاب الغسل وكل موضع قلنا بوجوب الغسل فيه وجبت الأحكام الثلاثة فيه ايضا وإلا فلا.

__________________

(1) الشهاب في الحكم والآداب لمحمد بن سلامة القضاعي حرف الالف عن النبي (ص) ويستفاد من الاخبار الواردة بهذا المضمون المتقدمة ص 30.


وهذا الكلام منه (قدس‌سره) مبنى على ما اختاره في باب الغسل من إيجاب الغسل بذلك.

ثم قال هنا في الاستدلال على هذه المسألة : لنا ـ ان الغسل معلول للجنابة وهي علة للأحكام المذكورة فإذا حصل المعلول دل على وجود العلة فيلزم وجود المعلول الآخر.

أقول : فيه ان مرجع هذا الاستدلال الى ثبوت وجوب الغسل بالجماع في دبر الغلام والبهيمة ، وقد قدمنا في باب غسل الجنابة تحقيق الكلام في المسألة وانا لم نقف على دليل سوى ما يدعونه من الإجماع. وفيه ما عرفت في مقدمات الكتاب ولا سيما في موضع النزاع.

مع ان ما يدعيه هنا ايضا من ان الجنابة علة في فساد الصوم من ما اعترضه فيه بعض محققي متأخري المتأخرين بأنه ليس في الأخبار ما يدل على ذلك صريحا لكن يلوح من بعضها ذلك.

أقول : لعله أشار بالأخبار التي يلوح منها ذلك الى رواية حفص بن سوقة المتقدمة في باب غسل الجنابة عن من أخبره عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) حيث سأله عن الرجل يأتي المرأة من خلفها؟ قال هو أحد المأتيين فيه الغسل. وهو من ما يدل على وجوب الغسل بالوطء في دبر المرأة إلا انه أخص من المدعى.

وبالجملة فذيل الكلام واسع في المقام وليس عندي هنا دليل يعتمد عليه في أحد الجانبين سوى الاحتياط في البين المأمور بالوقوف عليه في مقام الشك والارتياب. والله العالم بحقيقة الحق والصواب.

ويجب ان يلحق بالجماع في هذا المقام ما يتفرع على الجنابة من الأحكام المتعلقة بالصيام ، والبحث عن ذلك ينتظم في مطلبين :

المطلب الأول ـ في البقاء على الجنابة عامدا حتى يطلع الفجر ، والمشهور بين

__________________

(1) الوسائل الباب 12 من الجنابة.


الأصحاب (رضوان الله عليهم) بطلان الصيام بذلك ووجوب القضاء والكفارة ، ذهب اليه الشيخان وعلى بن بابويه وابن الجنيد والسيد المرتضى وسلار وأبو الصلاح وابن إدريس وهو قول جمهور المتأخرين. ونقل ابن إدريس إجماع الفرقة على انه يفسد الصوم ثم قال ولا يعتد بالشاذ الذي يخالف ذلك ونسبه في المنتهى والتذكرة إلى علمائنا.

وقد وقع الخلاف هنا في موضعين أحدهما ـ في بطلان الصيام بذلك وعدمه ، والمشهور هو البطلان كما عرفت.

ونقل عن ابن بابويه القول بصحة الصيام حيث انه قال في كتاب المقنع (1) : «سأل حماد بن عيسى أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أجنب في شهر رمضان من أول الليل وأخر الغسل الى أن طلع الفجر فقال كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يجامع نساءه من أول الليل ثم يؤخر الغسل حتى يطلع الفجر ، ولا أقول كما يقول هؤلاء الأقشاب يقضي يوما مكانه (2)». ومن عادته في الكتاب المذكور الإفتاء بمتون الأخبار التي ينقلها فيه.

إلا أن ظاهر كلام المحقق الأردبيلي (قدس‌سره) في شرح الإرشاد قول الصدوق بذلك صريحا حيث أسند إليه القول بعدم وجوب شي‌ء وانه لا يجب الإمساك عنه بل يجوز البقاء على الجنابة عمدا حتى يصبح ثم يغتسل للصلاة فيصح الصوم والصلاة. إلا أن يكون هذا النقل بناء على فهمه ذلك من إفتائه بالرواية المذكورة وان اللازم منها ذلك.

__________________

(1) الوسائل الباب 13 من ما يمسك عنه الصائم والسائل حماد بن عثمان كما فيه وفي المقنع ص 16.

(2) في بدائع الصنائع ج 2 ص 92 ونيل الأوطار ج 4 ص 225 ان الجمهور ذهبوا الى عدم بطلان الصوم بالإصباح جنبا وإنما ذهب الى وجوب القضاء بعضهم كأبي هريرة وعروة بن الزبير وطاوس والحسن البصري وسالم بن عبد الله وعطاء والحسن ابن صالح بن حي كما يحكى.


والسيد السند في المدارك قد نسب هذا القول في كتاب الطهارة إلى شيخه المعاصر ، وهو إشارة إلى المحقق المذكور كما وقع منه في غير موضع من هذا الشرح وقد صرح في بعض المواضع منها في حواشيه على الكتاب بأنه المراد.

إلا أن الذي يظهر من بحث المحقق المشار إليه في هذه المسألة في كتاب شرح الإرشاد هو الاستشكال في المسألة ، فإنه أطال الكلام فيها بنقل الخلاف والاخبار ومع ذلك يشير الى الاستشكال وان كان يظهر من كلامه نوع ترجيح لما نقله عن الصدوق.

نعم قد وقفت على كلام للمولى المحقق العماد مير محمد باقر الداماد (قدس‌سره) في رسالة الرضاع صريح في اختيار هذا القول.

وكيف كان فالواجب التشاغل بذكر أدلة الطرفين وبيان ما هو الراجح في البين :

فنقول : من ما استدلوا به على القول المشهور صحيحة معاوية بن عمار (1) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام الرجل يجنب من أول الليل ثم ينام حتى يصبح في شهر رمضان؟ قال ليس عليه شي‌ء. قلت فإنه استيقظ ثم نام حتى أصبح؟ قال فليقض ذلك اليوم عقوبة». ويستفاد من هذا الخبر تحريم النوم بعد التيقظ.

ومنها ـ صحيحة عبد الله بن ابى يعفور (2) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام الرجل يجنب في شهر رمضان ثم يستيقظ ثم ينام حتى يصبح؟ قال يتم صومه ويقضى يوما آخر ، وان لم يستيقظ حتى يصبح أتم يومه وجاز له».

ومنها ـ صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (3) قال : «سألته عن الرجل تصيبه الجنابة في شهر رمضان ثم ينام قبل أن يغتسل؟ قال يتم صومه ويقضى ذلك اليوم إلا أن يستيقظ قبل أن يطلع الفجر فان انتظر ماء يسخن أو يستقى فطلع الفجر فلا يقضى يومه».

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 15 من ما يمسك عنه الصائم.


وصحيحة الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) «انه قال في رجل احتلم أول الليل أو أصاب من أهله ثم نام متعمدا في شهر رمضان حتى أصبح؟ قال يتم صومه ذلك ثم يقضيه إذا أفطر من شهر رمضان ويستغفر ربه».

وصحيحة أحمد بن محمد ـ وهو ابن ابى نصر ـ عن أبى الحسن عليه‌السلام (2) قال «سألته عن رجل أصاب من أهله في شهر رمضان أو أصابته جنابة ثم ينام حتى يصبح متعمدا؟ قال يتم ذلك اليوم وعليه قضاؤه».

وصحيحة الحلبي عن أبى عبد الله عليه‌السلام (3) قال : «سألته عن رجل أجنب في رمضان فنسي أن يغتسل حتى خرج رمضان؟ قال عليه قضاء الصلاة والصيام».

ورواية إبراهيم بن ميمون المروية في الفقيه (4) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يجنب بالليل في شهر رمضان ثم ينسى أن يغتسل حتى يمضى لذلك جمعة أو يخرج شهر رمضان؟ قال عليه قضاء الصلاة والصوم».

قال : وروى في خبر آخر (5) ان من جامع في أول شهر رمضان ثم نسي الغسل حتى خرج شهر رمضان ان عليه أن يغتسل ويقضى صلاته وصومه إلا ان يكون قد اغتسل للجمعة فإنه يقضى صلاته وصيامه الى ذلك اليوم ولا يقضى ما بعد ذلك.

ورواية إبراهيم بن ميمون ايضا (6) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يجنب في شهر رمضان فينسى ذلك جميعه حتى يخرج شهر رمضان؟ قال يقضى الصلاة والصوم».

__________________

(1) الوسائل الباب 16 من ما يمسك عنه الصائم.

(2) الوسائل الباب 15 من ما يمسك عنه الصائم.

(3 و 5) الوسائل الباب 30 ممن يصح منه الصوم. راجع التهذيب ج 4 ص 322.

(4) الوسائل الباب 17 من ما يمسك عنه الصائم و 30 ممن يصح منه الصوم.

(6) التهذيب ج 4 ص 332 الطبع الحديث ، وفي الوسائل الباب 17 من ما يمسك عنه الصائم والباب 30 ممن يصح منه الصوم.


وموثقة سماعة (1) قال : «سألته عن رجل أصابته جنابة في جوف الليل في رمضان فنام وقد علم بها ولم يستيقظ حتى يدركه الفجر؟ فقال عليه أن يتم صومه ويقضى يوما آخر. فقلت إذا كان ذلك من الرجل وهو يقضى رمضان؟ قال فليأكل يومه ذلك وليقض فإنه لا يشبه رمضان شي‌ء من الشهور».

أقول : وهذه الاخبار ما بين مطلق في وجوب القضاء وما بين مقيد بالتعمد فيجب حمل مطلقها على مقيدها جمعا وبذلك يتم الاستدلال بها كملا على المدعى. واما اخبار النسيان فإنها مطلقة في ما إذا كان النسيان بعد النوم متعمدا أو غير متعمد أو قبل ذلك وحينئذ فتقبل التقييد بما ذكرناه. واما صدر صحيحة معاوية بن عمار وعجز صحيحة عبد الله بن ابى يعفور فسيأتي الكلام عليهما ان شاء الله تعالى.

والظاهر ان المراد من آخر موثقة سماعة ان شهر رمضان وان فسد صوم بعض أيامه ووجب قضاؤه إلا أنه لا يجوز إفطاره ، واما غيره من قضائه ونحوه فإنه يجوز إفطاره ولا يجب عليه الإمساك كما في أيام الشهر.

واما ما ذكره بعضهم ـ من أن معناه ان قضاء شهر رمضان ملحق بأدائه في هذا الحكم وذلك لحرمة هذا الشهر بمعنى ان الإبطال بذلك مختص بشهر رمضان وقضائه ففرع عليه حينئذ ان له صوم النافلة وان أصبح جنبا بل النذر المعين ايضا من غير احتياج الى القضاء ـ فالظاهر انه بعيد.

ومنها ـ موثقة أبي بصير عن ابى عبد الله عليه‌السلام (2) «في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ثم ترك الغسل متعمدا حتى أصبح؟ قال يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا. قال وقال انه خليق أن لا أراه يدركه ابدا». قال المحقق في المعتبر بعد نقل هذه الرواية : وبهذا أخذ علماؤنا إلا شاذا.

ورواية سليمان بن حفص المروزي عن الفقيه عليه‌السلام (3) قال : «إذا أجنب

__________________

(1) الوسائل الباب 19 من ما يمسك عنه الصائم.

(2 و 3) الوسائل الباب 16 من ما يمسك عنه الصائم.


الرجل في شهر رمضان بليل ولا يغتسل حتى يصبح فعليه صوم شهرين متتابعين مع صوم ذلك اليوم ولا يدرك فضل يومه».

ورواية إبراهيم بن عبد الحميد عن بعض مواليه (1) قال : «سألته عن احتلام الصائم قال فقال إذا احتلم نهارا في شهر رمضان فليس له أن ينام حتى يغتسل ، ومن أجنب ليلا في شهر رمضان فلا ينام إلى ساعة حتى يغتسل ، فمن أجنب في شهر رمضان فنام حتى يصبح فعليه عتق رقبة أو إطعام ستين مسكينا وقضاء ذلك اليوم ، ويتم صيامه ، ولن يدركه أبدا». وربما أشعر هذا الخبر ايضا بتحريم النومة الثانية.

واما ما استدلوا به على القول الآخر فقوله تعالى (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ) (2) وقوله تعالى (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ). الى قوله (حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ). الآية (3).

والتقريب في الأولى أنها تقتضي جواز الرفث في كل جزء من اجزاء الليل وان كان الجزء الأخير منه. وفي الثانية أنها تقتضي جواز المباشرة في الجزء الأخير من الليل وهو يقتضي عدم تحريم البقاء على الجنابة إلى الصبح ، وبعبارة أخرى وجوب تقديم الغسل على طلوع الفجر يقتضي تحريم الرفث والمباشرة في الجزء الأخير من الليل وهو خلاف ما دل عليه إطلاق الآية.

وما رواه الشيخ في الصحيح عن العيص بن القاسم (4) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أجنب في شهر رمضان في أول الليل فاخر الغسل حتى طلع الفجر؟ قال يتم صومه ولا قضاء عليه».

وما رواه الصدوق في الصحيح عنه (5) «انه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل ينام في شهر رمضان فيحتلم ثم يستيقظ ثم ينام قبل أن يغتسل؟ قال لا بأس».

__________________

(1) الوسائل الباب 16 من ما يمسك عنه الصائم. راجع التهذيب ج 4 ص 212 و 321 من الطبع الحديث.

(2 و 3) سورة البقرة الآية 84.

(4 و 5) الوسائل الباب 13 من ما يمسك عنه الصائم.


وما رواه الشيخ عن حبيب الخثعمي في الصحيح عن أبى عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصلى صلاة الليل في شهر رمضان ثم يجنب ثم يؤخر الغسل متعمدا حتى يطلع الفجر».

ورواية سليمان بن أبي زينبة (2) قال : «كتبت الى أبى الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام اسأله عن رجل أجنب في شهر رمضان من أول الليل فاخر الغسل حتى طلع الفجر؟ فكتب الى بخطه عليه‌السلام ـ أعرفه ـ مع مصادف : يغتسل من جنابته ويتم صومه ولا شي‌ء عليه».

ورواية إسماعيل بن عيسى (3) قال : «سألت الرضا عليه‌السلام عن رجل أصابته جنابة في شهر رمضان فنام حتى يصبح أي شي‌ء عليه؟ قال لا يضره هذا ولا يفطر فان ابى عليه‌السلام قال قالت عائشة ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أصبح جنبا من جماع غير احتلام (4) قال لا يفطر ولا يبالي. ورجل أصابته جنابة فبقي نائما حتى يصبح أي شي‌ء يجب عليه؟ قال لا شي‌ء عليه يغتسل. ورجل أصابته جنابة في آخر الليل فقام ليغتسل ولم يصب ماء فذهب يطلبه أو بعث من يأتيه بالماء فعسر عليه حتى أصبح كيف يصنع؟ قال يغتسل إذا جاءه ثم يصلى».

ورواية سعد بن إسماعيل بن عيسى عن أبيه (5) قال : «سألت الرضا عليه‌السلام عن رجل أصابته جنابة في شهر رمضان فنام عمدا حتى أصبح أي شي‌ء عليه؟ قال لا يضره هذا ولا يفطر ولا يبالي فان أبى عليه‌السلام قال قالت عائشة ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أصبح جنبا من جماع غير احتلام» (6).

__________________

(1) الوسائل الباب 16 من ما يمسك عنه الصائم.

(2) الوسائل الباب 13 من ما يمسك عنه الصائم.

(3) التهذيب ج 4 ص 210 والاستبصار ج 2 ص 85 الطبع الحديث وفي الوسائل الباب 13 و 14 من ما يمسك عنه الصائم.

(4 و 6) سنن البيهقي ج 4 ص 213 و 214.

(5) التهذيب ج 4 ص 23 والاستبصار ج 2 ص 88 وفي الوافي باب (الصائم يصبح جنبا أو يحتلم نهارا).


وصحيحة أبي سعيد القماط (1) ـ وهو خالد بن سعيد ثقة وفي الذخيرة انه غير موثق في كتب الرجال ولا ممدوح وهو سهو منه (قدس‌سره) ـ «انه سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن من أجنب في أول الليل في شهر رمضان فنام حتى أصبح؟ قال لا شي‌ء عليه وذلك ان جنابته كانت في وقت حلال».

ومنها ـ رواية حماد بن عيسى المتقدمة نقلا عن المقنع في أول البحث (2).

وأجيب عن هذه الأدلة : اما عن الآية فبان إطلاقها مخصص بالروايات المتقدمة.

واما عن صحيحة العيص فبالحمل على ان التأخير لم يكن عن عمد أو بالحمل على التقية لموافقتها لمذهب جمهور العامة (3). واما عن صحيحته الثانية فبعدم دلالتها على جواز التأخير الى الفجر بل مقتضاها جواز النومة الأولى ونحن لا ننكر ذلك لكن نقيده بما إذا كانت مع نية الغسل.

وأما عن صحيحة الخثعمي فبالحمل على التقية (4) لأن في ظاهرها اشعارا بمداومة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على هذا الفعل وإكثاره منه ومداومته على الفعل المكروه بعيد.

واما عن رواية سليمان بن حفص فبما تقدم عن صحيحة العيص الأولى. واما عن روايتي إسماعيل بن عيسى فبالحمل على التقية (5) وشاهده موجود في الخبرين. واما عن صحيحة أبي سعيد فبالحمل على النوم مع نية الغسل أو الحمل على التقية (6).

واما عن رواية حماد بن عيسى فبالحمل على التقية (7) ونسبة القول بالقضاء الذي استفاضت به الأخبار المتقدمة إلى الأقشاب لمزيد التأكيد في التقية.

أقول : ومن ما يوضح ذلك بأوضح بيان ان الرواية دلت على انه صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(1) الفقيه ج 2 ص 74 الطبع الحديث ، وفي الوسائل الباب 13 من ما يمسك عنه الصائم.

(2) ص 113.

(3 و 4 و 5 و 6 و 7) بدائع الصنائع ج 2 ص 92 والمغني ج 3 ص 109 ونيل الأوطار ج 4 ص 225.


يجنب من أول الليل ويؤخر الغسل حتى يطلع الفجر مع وجوب صلاة الليل عليه اتفاقا نصا وفتوى.

وبالجملة فإن ما كان من هذه الروايات صريحا في تعمد التأخير لا وجه له إلا الحمل على التقية التي هي في الاختلاف في جملة الأحكام أصل كل بلية.

وثانيهما ـ في أن الواجب على تقدير فساد الصوم هل هو القضاء والكفارة أو القضاء خاصة؟ قولان المشهور الأول استنادا في القضاء الى الروايات المتقدمة في أدلة القول المشهور في المسألة المتقدمة (1) وفي الكفارة إلى الروايات الثلاث الأخيرة منها.

ونقل في المختلف عن ابن ابى عقيل القول بوجوب القضاء خاصة ، ونقله في المدارك عن المرتضى ايضا ، والظاهر انه غفلة فإن المنقول عنه كما في المختلف وغيره إنما هو القول المشهور حتى انه نقل عنه في المختلف انه قال في الانتصار : من ما انفردت به الإمامية إيجابهم على من أجنب في ليالي شهر رمضان وتعمد البقاء الى الصباح من غير اغتسال القضاء والكفارة ، ومنهم من أوجب القضاء دون الكفارة. ومراده ان الإمامية انفردت بإيجاب الأمرين أو أحدهما ، وهو إشارة إلى مذهب العامة من عدم إيجاب شي‌ء بالكلية كما تقدم ذكره (2) فلا يتوهم التناقض في عبارته.

ويدل على القول المذكور الأخبار المتقدمة (3) ولصحة الأخبار المذكورة وضعف الأخبار الدالة على الكفارة مال في المدارك الى القول المذكور حيث قال بعد نقل روايات الكفارة : وهذه الروايات كلها ضعيفة السند فيشكل التعويل عليها في إثبات حكم مخالف للأصل ومن هنا يظهر رجحان ما ذهب اليه ابن ابى عقيل والمرتضى (رضى الله عنهما) من أن الواجب بذلك القضاء دون الكفارة. انتهى.

وأصحاب هذا الاصطلاح من المتأخرين قد تلقوا هذه الأخبار بالقبول وان

__________________

(1 و 3) ص 114.

(2) ص 119.


كانت ضعيفة لاعتضادها بعمل الطائفة قديما وحديثا كما هو أحد المرجحات عندهم وشذوذ مذهب ابن أبى عقيل عندهم كما تقدم في عبارة المعتبر وبذلك يظهر ضعف ما اختاره. وروايات وجوب القضاء لا دلالة فيها على عدم وجوب الكفارة حتى تكون صحتها موجبا لطرح أخبار الكفارة وإنما غايتها أن تكون مطلقة في الوجوب وعدمه. وبالجملة فالعمل على القول المشهور. والله العالم.

بقي في المقام أبحاث

الأول ـ ظاهر المشهور من كلام الأصحاب هو عموم هذا الحكم لشهر رمضان وغيره من الصوم الواجب والمستحب ، حيث انهم عدوا من جملة المفطرات تعمد البقاء على الجنابة ، وظاهر المحقق في المعتبر تخصيصه بشهر رمضان حيث قال : ولقائل أن يخص هذا الحكم برمضان دون غيره من الصيام. وظاهر المنتهى التردد في ذلك حيث قال : وهل يختص هذا الحكم برمضان؟ فيه تردد ينشأ من تنصيص الأحاديث على رمضان من غير تعميم ولا قياس يدل عليه ، ومن تعميم الأصحاب وإدراجه في المفطرات مطلقا.

أقول : والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بهذا الحكم إنما ورد في شهر رمضان كما عرفت من الأخبار التي تقدمت أو قضائه كما تقدم في موثقة سماعة (1).

ومثلها في ذلك ما رواه الكليني في الصحيح عن ابن سنان وهو عبد الله (2) قال : «كتب أبي الى أبى عبد الله عليه‌السلام وكان يقضى شهر رمضان وقال انى أصبحت بالغسل وأصابتني جنابة فلم اغتسل حتى طلع الفجر؟ فأجابه (عليه‌السلام) : لا تصم هذا اليوم وصم غدا».

وما رواه الصدوق والشيخ عن عبد الله بن سنان في الصحيح (3) «انه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يقضى شهر رمضان فيجنب من أول الليل ولا يغتسل

__________________

(1) ص 114 الى 117.

(2 و 3) الوسائل الباب 19 من ما يمسك عنه الصائم.


حتى يجي‌ء آخر الليل وهو يرى ان الفجر قد طلع؟ قال لا يصوم ذلك اليوم ويصوم غيره».

وما ذكره في الذخيرة ـ من أن دلالة هذه الأخبار على البطلان وعدم الانعقاد غير واضح ـ فهو من جملة تشكيكاته الركيكة.

واما بالنسبة إلى الصوم المستحب فالذي ورد فيه يدل على عدم الابطال بذلك كما رواه الصدوق في الصحيح عن حبيب الخثعمي (1) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أخبرني عن التطوع وعن هذه الثلاثة الأيام إذا أجنبت من أول الليل فاعلم انى قد أجنبت فأنام متعمدا حتى ينفجر الفجر أصوم أولا أصوم؟ قال صم».

وما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الموثق عن ابن بكير (2) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يجنب ثم ينام حتى يصبح أيصوم ذلك اليوم تطوعا؟ فقال أليس هو بالخيار بينه وبين نصف النهار. الحديث».

واما ما رواه الشيخ عن ابن بكير ايضا عن أبى عبد الله عليه‌السلام (3) ـ قال : «سئل عن رجل طلعت عليه الشمس وهو جنب ثم أراد الصيام بعد ما اغتسل ومضى ما مضى من النهار؟ قال يصوم ان شاء وهو بالخيار الى نصف النهار». ـ فظاهر إطلاقه هو جواز الصوم مطلقا كذلك لما عرفت سابقا من أن ما عدا الواجب المعين كالواجب المطلق وقضاء شهر رمضان فإن النية فيه الى الزوال. نعم خرج منه قضاء شهر رمضان بما تقدم من الأخبار فبقي ما عداه.

وقال الشهيد في الدروس : وان كان نفلا ففي رواية ابن بكير (4) صحته ولو علم بالجنابة ليلا ، وفي رواية كليب إطلاق الصحة إذا اغتسل. ويحمل على المعين أو الندب للنهى عن قضاء الجنب في رواية عبد الله بن سنان. انتهى.

وما أسنده إلى رواية كليب هو مضمون رواية ابن بكير الثانية ، والرواية التي

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 20 من ما يمسك عنه الصائم.


ذكرها لم أقف عليها في كتب الأخبار بعد الفحص والتتبع (1) وحمله الرواية على ما ذكره يشعر بتجويز ذلك عنده.

وبالجملة فالمسألة في ما عدا ما ذكرناه من صوم شهر رمضان وقضائه وصوم الندب محل اشكال ، لعدم الدليل الواضح على ما ادعاه الأصحاب (رضوان الله) عليهم) من العموم وعدم دليل صريح يدل على الحكم فيه سوى ما ذكرنا من إطلاق الخبر المذكور : وما ذكره في المدارك ـ من أن المطابق لمقتضى الأصل عدم اعتبار هذا الشرط والواجب المصير إليه الى أن يثبت المخرج عنه ـ لا يخلو من مجازفة فإنه لم يقم لنا دليل على اعتبار هذا الأصل الذي يكرر التمسك به في الأحكام في غير مقام بل قد تقدم في مقدمات الكتاب ما هو ظاهر في هدم بنيانه وتزعزع أركانه.

الثاني ـ قال العلامة في المنتهى : لم أجد لأصحابنا نصا صريحا في حكم الحيض في ذلك يعنى انها إذا انقطع دمها قبل الفجر هل يجب عليها الاغتسال ويبطل الصوم لو أخلت به حتى يطلع الفجر؟ الأقرب ذلك لأن حدث الحيض يمنع الصوم فكان أقوى من الجنابة. وتردد في ذلك المحقق في المعتبر وحكم العلامة في النهاية بعدم الوجوب.

أقول : والأقرب هو ما ذكره في المنتهى وهو المشهور بين الأصحاب ، لكن لا لما ذكره من التعليل فإنه ضعيف بل لما رواه الشيخ في الموثق عن ابى بصير عن أبى عبد الله عليه‌السلام (2) قال : «ان طهرت بليل من حيضتها ثم توانت أن تغتسل في رمضان حتى أصبحت عليها قضاء ذلك اليوم».

نعم يبقى الكلام في أنه على تقدير فساد الصوم بذلك هل الواجب القضاء خاصة أو القضاء والكفارة؟ ظاهر الخبر المذكور وجوب القضاء خاصة وليس

__________________

(1) يمكن ان يكون ذلك تصحيفا من قلم النساخ وان مراده رواية ابن بكير الأخرى بقرينة اتحاد المضمون وعدم العثور على رواية أخرى في الباب.

(2) الوسائل الباب 21 من ما يمسك عنه الصائم.


غيره في المسألة ، وهو الذي نص عليه ابن ابى عقيل على ما نقله عنه في المختلف.

ثم استقرب في المختلف ان الحائض كالجنب إذا أخل بالغسل فإن أوجبنا القضاء والكفارة عليه أو جبناهما عليها وإلا فالقضاء.

ثم استدل على ذلك باشتراك الجميع في كونه مفطرا للصوم لأن كل واحد منهما حدث يرتفع بالغسل فيشترك في الأحكام.

وأنت خبير بما فيه وانه من ما لا يحتاج الى تنبيه ، والقول بالكفارة في الجنابة لوجود النصوص على ذلك كما تقدم واما هنا فالذي دل عليه النص إنما هو القضاء خاصة والقول بالكفارة يتوقف على النص. وما أبعد ما بين القول بوجوب القضاء والكفارة كما يومئ اليه كلامه هنا وبين القول بصحة الصوم ولا شي‌ء عليه كما اختاره في النهاية ، ولا ريب ان الاعتدال في الوقوف على الوسط.

الثالث ـ انه هل يجب التيمم للصوم على الجنب وذات الدم عند تعذر الماء؟ قولان : أحدهما ـ العدم لاختصاص الأمر بالغسل فيسقط عند تعذره وينتفي التيمم بالأصل. وثانيهما ـ الوجوب والظاهر انه المشهور لعموم «فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا» (1) ولأن حدث الجنابة والحيض مانع فيستصحب الى أن يثبت المزيل وهو الغسل أو ما يقوم مقامه في الإباحة.

وفي التعليلات من الطرفين تأمل. نعم يمكن الاستدلال على وجوب التيمم بالأخبار المتقدمة في باب التيمم وقولهم (عليهم‌السلام) في بعضها (2) «ان الله جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا». وفي آخر (3) «هو بمنزلة الماء». وفي ثالث (4) «يجزئك عشر سنين». ونحو ذلك من ما يقتضي وجوب التيمم مع فقد الماء ونيابته عنه عند وجود ما لا يستباح إلا به.

إلا ان ظاهر صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة ورواية إسماعيل بن عيسى السابقة

__________________

(1) سورة النساء الآية 47 والمائدة الآية 10.

(2 و 3 و 4) الوسائل الباب 23 من التيمم. واللفظ في الرقم (4) «يكفيك».


ايضا (1) ربما أشعر بخلاف ذلك حيث قال في الأولى : «فإن انتظر ماء يسخن أو يستقى فطلع الفجر فلا يقضى يومه» وفي الثانية «رجل أصابته جنابة في آخر الليل فقام ليغتسل فلم يصب ماء فذهب يطلبه أو بعث من يأتيه بالماء فعسر عليه حتى أصبح كيف يصنع؟ قال يغتسل إذا جاءه ثم يصلى» فإنه لو كان التيمم هنا واجبا لأمره بالتيمم قبل الفجر ولم يجوز له البقاء على جنابته لانتظار حصول الماء الى بعد الصبح.

وكيف كان فالمسألة عندي غير خالية من الاشكال والاحتياط فيها مطلوب على كل حال.

الرابع ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) توقف صوم المستحاضة على الأغسال كتوقف الصلاة عليها فلو أخلت بها وجب قضاء الصوم بل الظاهر انه لا خلاف فيه :

لما رواه الصدوق والكليني والشيخ في الصحيح عن على بن مهزيار (2) قال : «كتبت إليه امرأة طهرت من حيضها أو من دم نفاسها في أول يوم من شهر رمضان ثم استحاضت فصلت وصامت من غير أن تعمل ما تعمل المستحاضة من الغسل لكل صلاتين هل يجوز صومها وصلاتها أم لا؟ فكتب عليه‌السلام تقضى صومها ولا تقضى صلاتها لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يأمر فاطمة (عليها‌السلام) والمؤمنات من نسائه بذلك».

وفي هذا الخبر إشكال من حيث تضمن ظاهره الأمر بقضاء الصوم دون الصلاة مع استفاضة الأخبار والاتفاق على قضاء الصلاة في الصورة المذكورة والعكس كان أولى.

وأجيب عن ذلك بأجوبة بعيدة الانطباق على السياق ولعله لذلك نسب وجوب قضاء الصوم في المعتبر إلى الرواية إيذانا بنوع توقف في الحكم المذكور ، ونحوه نقل عن الشيخ في المبسوط أيضا.

__________________

(1) ص 114 و 118.

(2) الوسائل الباب 18 من ما يمسك عنه الصائم.


وبالجملة فحيث كان الحكم متفقا عليه بين الأصحاب وهو الأوفق بالاحتياط فلا بأس بالمصير اليه.

الخامس ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان من أجنب ونام ناويا للغسل حتى أصبح فلا قضاء عليه ، ولو انتبه ثم نام ثانيا ناويا أيضا حتى أصبح فعليه القضاء خاصة ، ولو انتبه ثم نام كذلك حتى أصبح فعليه مع القضاء الكفارة.

أقول : اما الحكم الأول والثاني فيدل عليهما ما تقدم من صحيحتي معاوية بن عمار وعبد الله بن أبى يعفور المتقدمتين (1) بحمل إطلاقهما على ذلك.

وأما ما دل عليه إطلاق بعض الأخبار المتقدمة ثمة من وجوب القضاء بأول نومة فقد عرفت انه محمول على تعمد البقاء على الجنابة كما صرح به في بعضها وقد أشرنا الى ذلك ثمة.

ثم ان ظاهر بعض الأصحاب تقييد النوم زيادة على نية الغسل بإمكان الانتباه واعتياده ، وبعض الأصحاب صرح بتحريم النومة الثانية وان عزم على الغسل واعتاد الانتباه وان لم يجب عليه مع المخالفة إلا القضاء خاصة ، وفي بعض الأخبار ما يشير الى التحريم كما قدمنا الإشارة اليه.

وظاهر المعتبر والمنتهى انسحاب التحريم ايضا الى النومة الأولى ولو مع نية الغسل ، حيث قال في المعتبر : ولو أجنب فنام ناويا للغسل حتى أصبح فسد صوم ذلك اليوم وعليه قضاؤه وعليه أكثر علمائنا. مع أنه قال في موضع آخر من الكتاب المذكور : من أجنب ونام ناويا للغسل حتى طلع الفجر فلا شي‌ء عليه لأن نومه سائغ ولا قصد له في بقائه والكفارة مرتبة على التفريط أو الإثم وليس أحدهما مفروضا ، اما لو انتبه ثم نام ثانيا ناويا للغسل فطلع الفجر فعليه القضاء لأنه فرط في الاغتسال مع القدرة ، ولا كذا المرة الأولى لأن في المنع منها تضييقا على المكلف. انتهى.

__________________

(1) ص 114.


وقال في المنتهى : لو أجنب ثم نام ناويا للغسل حتى يطلع الفجر ولم يستيقظ فمفهوم ما تقدم من الأحاديث يدل على الإفساد ووجوب القضاء لكن قد روى الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار. ثم نقل الرواية التي أشرنا إليها ثم قال : وهو الصحيح عندي وعمل الأصحاب عليه.

وما ذكره في المنتهى من دلالة مفهوم الأخبار التي أشار إليها على الإفساد قد عرفت انها يجب تقييدها بما في صريح بعضها من تعمد البقاء على الجنابة الى أن يصبح فلا إشكال فيها.

واما الحكم الثالث فاستدل عليه الشيخ في التهذيب بالروايات الثلاث التي في آخر روايات القول المشهور المشار اليه آنفا (1).

وأنت خبير بأنه ليس في شي‌ء من هذه الروايات الثلاث ما يدل على التفصيل أو يشير إليه بالكلية وإنما هي ظاهرة في ترتب ذلك على أول نومة إلا انه يجب حملها على من نام متعمدا البقاء على الجنابة كما هو صريح بعضها.

والأصح ما اختاره المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى من سقوط الكفارة مع تكرر النوم ناويا للغسل وإنما يجب القضاء خاصة.

وفي كتاب الفقه الرضوي (2) قال عليه‌السلام : وان أصابتك جنابة في أول الليل فلا بأس ان تنام متعمدا وفي نيتك أن تقوم وتغتسل قبل الفجر ، فان غلبك النوم حتى تصبح فليس عليك شي‌ء إلا أن تكون انتبهت في بعض الليل ثم نمت وتوانيت ولم تغتسل وكسلت فعليك صوم ذلك اليوم واعادة يوم آخر مكانه ، وان تعمدت النوم الى أن تصبح فعليك قضاء ذلك اليوم والكفارة وهو صوم شهرين متتابعين أو عتق رقبة أو إطعام ستين مسكينا. انتهى. وقد كشف عليه‌السلام بهذا الكلام الإجمال الذي في الروايات المتقدمة وأوضحه بأوضح بيان.

السادس ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما أعلم في أنه

__________________

(1) ص 116 و 117.

(2) ص 24.


لا يبطل الصيام بالاحتلام نهارا في شهر رمضان وغيره ، وقال العلامة في المنتهى : لو احتلم نهارا في رمضان نائما أو من غير قصد لم يفسد صومه ويجوز له تأخير الغسل ولا نعلم فيه خلافا. انتهى.

أقول : ويدل على ذلك من الاخبار ما رواه الشيخ في الصحيح الى عبد الله ابن ميمون عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «ثلاثة لا يفطرن الصائم : القي‌ء والاحتلام والحجامة».

وما رواه الكليني في الموثق عن ابن بكير في حديث (2) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يحتلم بالنهار في شهر رمضان أيتم صومه كما هو؟ قال لا بأس».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن العيص بن القاسم (3) «انه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل ينام في شهر رمضان فيحتلم ثم يستيقظ ثم ينام قبل أن يغتسل؟ قال لا بأس». ودلالة هذا الخبر من حيث الإطلاق إذ لا تصريح فيه بالنوم نهارا.

وما رواه الصدوق في كتاب العلل عن عمر بن يزيد (4) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام لأي علة لا يفطر الاحتلام الصائم والنكاح يفطر الصائم؟ قال لأن النكاح فعله والاحتلام مفعول به».

ورواية إبراهيم بن عبد الحميد عن بعض مواليه المتقدمة (5) قال : «سألته عن احتلام الصائم قال فقال : إذا احتلم نهارا في شهر رمضان فليس له ان ينام حتى يغتسل».

وحمل الأصحاب النهي عن النوم في هذا الخبر على الكراهة ، ويؤيده صحيحة العيص المذكورة بالنظر الى دلالتها بإطلاقها على الاحتلام في نهار شهر رمضان.

السابع ـ قد ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه يجوز الجماع في شهر

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 35 من ما يمسك عنه الصائم.

(5) ص 117.


رمضان حتى يبقى لطلوع الفجر مقدار إيقاعه والغسل ، فلو تيقن ضيق الوقت عن ذلك وجامع فسد صومه ووجبت عليه الكفارة بناء على ما هو المشهور المنصور كما تقدم تحقيقه من تحريم تعمد البقاء على الجنابة الى أن يصبح ، قالوا : ولو فعل ذلك ظانا سعة الوقت فان كان مع المراعاة لم يكن عليه شي‌ء وان كان لا معها فعليه القضاء وهو ظاهر من ما قدمناه من الأخبار المتقدمة في الإفطار مع المراعاة وعدمها.

المطلب الثاني ـ في الإنزال بالاستمناء ولمس المرأة ، لا ريب ان الاستمناء في حد ذاته وان كان محرما إلا انه لا يجب به شي‌ء ، ولمس المرأة أجنبية كانت أو محرما لا يجب به شي‌ء ، وإنما يبطل الصوم بالإنزال بذلك اما بطلبه كما في الاستمناء وهو طلب الأمناء بفعل غير الجماع أو بالمس والقبلة والملاعبة مع عدم وثوقه من نفسه بعدم سبق الماء وهو من ما لا خلاف فيه ، وكذا لا خلاف في أنه يجب به القضاء والكفارة ، قال المحقق في المعتبر : ويفطر بإنزال الماء بالاستمناء والملامسة والقبلة اتفاقا. ونحوه في المنتهى والتذكرة.

والذي يدل على ما ذكرنا من الاخبار ما رواه الشيخ والكليني في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (1) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتى يمني؟ قال : عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع».

وما رواه الشيخان المذكوران في الصحيح عن حفص بن سوقة عن من ذكره عن أبى عبد الله عليه‌السلام (2) «في الرجل يلاعب أهله أو جاريته وهو في قضاء شهر رمضان فيسبقه الماء فينزل؟ قال : عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع في شهر رمضان».

وما رواه الشيخ عن سماعة في الموثق (3) قال : «سألته عن رجل لزق بأهله فأنزل؟ قال : عليه إطعام ستين مسكينا مد لكل مسكين».

وما رواه عن ابى بصير (4) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل وضع

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 4 من ما يمسك عنه الصائم.


يده على شي‌ء من جسد امرأته فأدفق؟ فقال : كفارته أن يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا أو يعتق رقبة».

قال في كتاب الفقه الرضوي (1) : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : أما يستحي أحدكم أن لا يصبر يوما الى الليل ، انه كان يقال بدو القتال اللطام ، ولو ان رجلا لصق بأهله في شهر رمضان فأدفق كان عليه عتق رقبة».

وهذه الرواية أوردها الصدوق في الفقيه (2) بصورتها المذكورة ومن الظاهر انه أخذها عن الكتاب المذكور.

ويؤيد ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم وزرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام (3) «انه سئل هل يباشر الصائم أو يقبل في شهر رمضان؟ فقال : انى أخاف عليه فليتنزه عن ذلك إلا أن يثق ان لا يسبقه منيه».

ويستفاد من مجموع هذه الأخبار ان كل شي‌ء يفعله المكلف من ما يكون سببا في خروج المنى متعمدا بذلك إخراجه أم لا مع حصوله به عادة فإنه يكون موجبا لفساد الصوم وإيجاب القضاء والكفارة ، وبذلك يجمع بين هذه الاخبار وبين ما رواه في المقنع مرسلا عن على عليه‌السلام (4) قال : «لو ان رجلا لصق بأهله في شهر رمضان فأمنى لم يكن عليه شي‌ء». بحمل هذا الخبر على من لم يكن قاصدا ولا معتادا لذلك ، ولو لا هذا الخبر لأمكن القول بإطلاق تلك الأخبار وهو انه متى فعل شيئا من تلك الأشياء وامنى فسد صومه ووجب عليه القضاء والكفارة متعمدا لذلك أم لا معتادا أم لا؟

إذا عرفت ذلك فاعلم ان السيد السند في المدارك استدل على فساد الصوم بالاستمناء بصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المذكورة ، ثم انه استدل على فساده

__________________

(1) ص 26.

(2) ج 2 ص 70 وفي الوسائل الباب 33 من ما يمسك عنه الصائم.

(3 و 4) الوسائل الباب 33 من ما يمسك عنه الصائم.


بالأمناء عقيب الملامسة بروايتي أبي بصير وحفص بن سوقة المذكورتين (1) وردهما بضعف السند ثم قال : والأصح ان ذلك يفسد الصوم إذا تعمد الانزال بذلك. انتهى

أقول : فيه أولا ـ ان الاستدلال بالصحيحة المذكورة على خصوص الاستمناء مبنى على كون «حتى» في الخبر تعليلية ، وهو غير متعين وذلك فإن أهل العربية قد صرحوا بان ل «حتى» الداخلة على المضارع المنصوب ثلاثة معان : أحدها ـ ان تكون بمعنى «الى» فتكون لانتهاء الغاية نحو قوله عزوجل (لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى) (2) وثانيها ـ بمعنى «كي» التعليلية فتكون للتعليل كما في قوله عزوجل : (وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ) (3) وقوله (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتّى يَنْفَضُّوا) (4) ومنه قولهم «أسلم حتى تدخل الجنة» والثالث ـ مرادفة «إلا» في الاستثناء ، واستدلال السيد بالخبر مبنى على المعنى الثاني وهو غير متعين بل يحتمل البناء على المعنى الأول وهو الغاية ، والمراد انه عبث بأهله الى أن حصل منه المنى ، فيكون من قبيل خبري أبي بصير وحفص بن سوقة (5) وبذلك يظهر انه لو خص حكم الإفساد بتعمد الانزال كما جنح إليه أخيرا بناء على ما فهمه من الصحيحة المذكورة فإنه لا دليل عليه ظاهرا من الأخبار.

وثانيا ـ ان الخبرين المذكورين وان كانا ـ كما ذكره ـ ضعيفي السند بناء على اصطلاحه إلا ان الحكم بما دلا عليه إجماعي لا خلاف فيه ، ولذلك عمل بهما من عداه من أصحاب هذا الاصطلاح ، وهو ايضا قد صرح في غير مقام من شرحه هذا بقبول الأخبار الضعيفة المجبورة باتفاق الأصحاب على القول بمضامينها ، ولكنه (عطر الله مرقده) ليس له قاعدة يقف عليها ولا ضابطة يعتمد عليها.

تفريع

اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في من نظر الى امرأة فأمنى فقال

__________________

(1 و 5) ص 129.

(2) سورة طه الآية 94.

(3) سورة البقرة الآية 215.

(4) سورة المنافقين الآية 8.


الشيخ في الخلاف انه يأثم ولا قضاء عليه ولا كفارة ، وقال في المبسوط : من نظر الى من لا يحل له النظر إليه بشهوة فأمنى فعليه القضاء ، وان كان نظره الى من يحل فأمنى لم يكن عليه شي‌ء. قال في المختلف : وهو اختيار الشيخ المفيد.

وقال سلار : من نظر الى من يحرم عليه فأمنى فعليه القضاء.

ونقل في المختلف عن ابن ابى عقيل ان من أنزل بالنظر الى امرأته من غير أن يقبلها أو يفضي إليها بشي‌ء منه الى جسدها أو تفضي اليه لم يكن عليه شي‌ء.

وعن ابن إدريس انه قال : وان أمنى لنظر لم يكن عليه شي‌ء ولا يعود الى ذلك ، وقد ذهب بعض أصحابنا إلى انه ان نظر الى من يحرم عليه النظر إليه فأمنى كان عليه القضاء دون الكفارة ، قال : والصحيح انه لا قضاء عليه لانه لا دليل على ذلك.

وقال في المختلف : والأقرب انه ان قصد الإنزال فأنزل وجب عليه القضاء والكفارة مطلقا سواء كان النظر الى من يحرم عليه أولا ، وان لم يقصد الانزال فانزل لتكرر النظر من غير قصد بل كرر النظر فسبقه الماء وجب القضاء خاصة.

ثم قال : لنا على الأول انه وجد منه الهتك وهو إنزال الماء متعمدا فوجب عليه القضاء والكفارة كالعابث بأهله والمجامع. وعلى الثاني انه وجد منه مقدمة الإفساد ولم يقصده وكان عليه القضاء كالمتمضمض للتبرد إذا وصل الماء حلقه.

ثم نقل عن الشيخ انه احتج بالإجماع وبعدم دليل على كون النظر مفطرا والأصل براءة الذمة.

ثم أجاب بمنع الإجماع ، قال : وقد بينا الدليل على إيجاب القضاء ، والبراءة معارضة بالاحتياط. انتهى.

وقال في المدارك : والأصح ان النظر غير مفسد إلا إذا كان من عادته الأمناء بذلك وفعله عامدا قاصدا به الى حصول الانزال ، وكذا القول في التخيل لو ترتب عليه الانزال. انتهى. وكلامه هنا مبنى على ما تقدم منه في تلك المسألة من تخصيصه الإفساد بتعمد الإنزال بذلك الفعل.


أقول : والمسألة غير منصوصة على الخصوص إلا انه لا يبعد القول بالإفساد بذلك بما إذا علم من عادته الإنزال بذلك سواء قصد تعمد الإنزال بذلك أم لا جريا على ظواهر الأخبار المتقدمة في ما دلت عليه من الإفساد بما كان من الأفعال موجبا لذلك.

نعم روى الشيخ في التهذيب (1) عن ابى بصير قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل كلم امرأته في شهر رمضان وهو صائم فأمنى؟ فقال : لا بأس». والظاهر حمله على ما تقدم في خبر المقنع.

وبالجملة فالاحتياط في أمثال هذه المواضع من ما لا ينبغي تركه.

المسألة الثالثة ـ يجب الإمساك عن الارتماس على الأشهر الأظهر ، وللأصحاب (رضوان الله عليهم) في هذه المسألة اختلاف زائد فذهب جملة من الأصحاب : منهم ـ الشيخان والسيد المرتضى في الانتصار والشيخ في النهاية والجمل والاقتصاد وابن البراج إلى أنه موجب للقضاء والكفارة ، قال العلامة في المختلف ورواه ابن بابويه في كتابه. ونسبه في المبسوط إلى أظهر الروايات ، ثم قال وفي أصحابنا من قال انه لا يفطر. وقال في الاستبصار : ولست اعرف حديثا في إيجاب القضاء والكفارة أو إيجاب أحدهما على من ارتمس في الماء. ونقل عن أبى الصلاح انه يوجب القضاء خاصة ، وذهب الشيخ في الاستبصار إلى انه محرم لا يوجب قضاء ولا كفارة ، واختاره المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى والمختلف والسيد السند في المدارك ، ونقل في المختلف عن على بن بابويه انه عده من المفطرات ، وذهب ابن إدريس إلى أنه ينقص الصوم ولا يبطله ونقله عن السيد المرتضى ، ونقله في المختلف عن ابن أبى عقيل أيضا.

وقد تلخص من ذلك ان الأقوال في المسألة أربعة : أحدها ـ القول بإبطال الصوم ووجوب القضاء والكفارة ، وثانيها ـ القول بالتحريم خاصة مع صحة

__________________

(1) ج 4 ص 273 وفي الوافي باب (مس النساء وقبلتهن).


الصوم ، وثالثها ـ القول بالجواز على كراهة ، ورابعها ـ القول بوجوب القضاء خاصة.

والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «الصائم يستنقع في الماء ولا يرمس رأسه».

وفي الصحيح عن حريز عن أبى عبد الله عليه‌السلام (2) قال : «لا يرمس الصائم ولا المحرم رأسه في الماء».

وفي الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه‌السلام (3) قال : «الصائم يستنقع في الماء ويصب على رأسه ويتبرد بالثوب وينضح بالمروحة وينضح البوريا تحته ولا يغمس رأسه في الماء».

وفي الصحيح عن محمد بن مسلم (4) قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب اربع خصال : الطعام والشراب والنساء والارتماس في الماء».

ورواية عبد الله بن سنان عن أبى عبد الله عليه‌السلام (5) قال : «يكره للصائم ان يرتمس في الماء».

ورواية إسحاق بن عمار (6) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل صائم ارتمس في الماء متعمدا عليه قضاء ذلك اليوم؟ قال ليس عليه قضاء ولا يعود».

ورواية حنان بن سدير (7) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصائم يستنقع في الماء؟ قال : لا بأس ولكن لا ينغمس فيه. الحديث».

ورواية مثنى الحناط والحسن الصيقل (8) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن

__________________

(1 و 2 و 3 و 5 و 8) الوسائل الباب 3 من ما يمسك عنه الصائم.

(4) الوسائل الباب 1 من ما يمسك عنه الصائم. ارجع الى التعليقة 2 ص 50.

(6) الوسائل الباب 6 من ما يمسك عنه الصائم.

(7) الفروع ج 1 ص 192 وفي الوسائل الباب 3 من ما يمسك عنه الصائم.


الصائم يرتمس في الماء؟ قال : لا ولا المحرم».

وما رواه الصدوق في كتاب الخصال (1) قال : «حدثنا محمد بن الحسن (رضى الله عنه) قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار عن احمد بن ابى عبد الله البرقي عن أبيه محمد بن خالد بإسناده رفعه الى أبى عبد الله عليه‌السلام قال : «خمسة أشياء تفطر الصائم : الأكل والشرب والجماع والارتماس في الماء والكذب على الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى الأئمة عليهم‌السلام».

وفي كتاب الفقه الرضوي (2) : وادنى ما يتم به فرض الصوم العزيمة وهي النية وترك الكذب على الله وعلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم ترك الأكل والشرب والنكاح والارتماس في الماء واستدعاء القذف ، فإذا تم هذه الشروط على ما وصفناه كان مؤديا لفرض الصوم مقبولا منه بمنة الله.

وقال في موضع آخر (3) أيضا : واتق في صومك خمسة أشياء تفطرك : الأكل والشرب والجماع والارتماس في الماء والكذب على الله وعلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى الأئمة (عليهم‌السلام).

إذا عرفت ذلك فاعلم انه لم ينقل الأصحاب دليلا لمن قال بوجوب القضاء والكفارة وانما نقلوا القول بذلك عن من قدمنا ذكره مجردا.

واما القول بالتحريم فاستدلوا عليه بالروايات الدالة على النهى عنه والمنع منه للصائم ، فإن غاية النهى تحريم الفعل المذكور ولا يوجب فساد الصوم لأن النهي هنا عن أمر خارج عن العبادة.

واستدلوا على نفي القضاء والكفارة برواية إسحاق بن عمار المذكورة (4) واما رواية عبد الله بن سنان (5) التي هي دليل السيد المرتضى ومن معه ممن ذهب الى الجواز على كراهة فقد أجيب عنها بحمل الكراهة فيها على التحريم كما ذكره في المدارك ،

__________________

(1) الوسائل الباب 2 من ما يمسك عنه الصائم.

(2) ص 23.

(3) ص 24.

(4 و 5) ص 134.


قال : فان كثيرا ما تستعمل بمعنى التحريم بل ربما ظهر من بعض الروايات كونها حقيقة فيه.

واما القول بوجوب القضاء خاصة فلا اعرف له دليلا واضحا ، وذكر شيخنا الشهيد في شرح نكت الإرشاد ان مستنده مفهوم حديث (1) «لا يضر الصائم». ثم أجاب عنه بأنه يكفي في الإضرار فعل الحرام.

أقول : والذي يقرب عندي من هذه الأقوال هو القول الأول :

لنا ـ النهى عنه في أكثر هذه الأخبار والظاهر ان النهى إنما هو من حيث ما يترتب عليه من بطلان الصوم إذ لا يعقل للنهى علة سوى ذلك.

واما ما ذكره في المعتبر واستحسنه في المدارك ـ من أنه يمكن أن يكون الوجه في التحريم الاحتياط في الصوم ، فان المرتمس في الأغلب لا ينفك أن يصل الماء الى جوفه فيحرم وان لم يجب به قضاء ولا كفارة إلا مع اليقين بابتلاعه ما يوجب المفطر. انتهى ـ

فلا يخفى ما فيه من التكلف والبعد ، فان هذا التوجيه إنما يصلح للكراهة لا للتحريم ، على ان ما ذكره من دعوى أغلبية وصول الماء الى جوف المرتمس ممنوع وما دل عليه حديث الخصال وحديث كتاب الفقه الرضوي من التصريح بإبطاله الصيام وعده في قرن ما يوجب القضاء والكفارة إجماعا من الأكل والشرب والجماع ، وحينئذ فيكون مثلها.

وهو أيضا ظاهر مفهوم صحيحة محمد بن مسلم (2) الدالة على انه لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال ، فان مفهومه الشرطي الذي هو حجة عند المحققين وعليه دلت الأخبار ايضا انه لو لم يجتنب ضره ، وإضراره إنما هو من حيث الصوم لأن التعليق على الوصف يشعر بالعلية.

والى ما ذكرنا لمح في المدارك فقال ـ بعد ما استدل على ما اختاره من مجرد

__________________

(1 و 2) ص 134.


التحريم بما أشرنا إليه آنفا ونقل كلام الشيخ في الاستبصار المتقدم من انه لم يجد حديثا في إيجاب القضاء والكفارة. الى آخره ـ ما صورته : وهو كذلك نعم في رواية ابن مسلم (1) اشعار بمساواته للأكل والشرب والنساء لكنها غير صريحة. انتهى

وقال شيخنا الشهيد في كتاب شرح نكت الإرشاد ـ بعد أن نقل القول بالكفارة وانهم لم ينقلوا عليه دليلا معتمدا ـ ما صورته : ويمكن الاحتجاج بعطفه على ما يوجب الكفارة في صحيح محمد بن مسلم المتقدم (2).

أقول : لا يخفى ان إجمال هذه الرواية قد أوضح في رواية الخصال ورواية كتاب الفقه الرضوي (3).

واما ما دلت عليه رواية إسحاق بن عمار من عدم القضاء فالأقرب عندي فيها هو الحمل على التقية ، فإن العامة في هذه المسألة على ما نقله في المعتبر والمنتهى على قولين : فالجمهور منهم على الجواز بلا كراهة والقول الآخر الجواز على كراهة (4) وظاهر هذا الخبر مؤذن بالجواز.

وبالجملة فإنه مع قطع النظر عن روايتي الخصال وكتاب الفقه الرضوي (5) فالقول بما ذهب اليه المحقق ومن انتفاه من مجرد التحريم ظاهر ، ولكنهم معذورون حيث لم يقفوا على الروايتين المذكورتين ، واما مع وجود هاتين الروايتين وضمهما الى تلك الروايات فإنه لا مجال لإنكار القول بوجوب القضاء والكفارة إلا بالطعن في سند هاتين الروايتين بناء على هذا الاصطلاح المحدث وهو عندنا غير ملتفت اليه ولا معول عليه. وكتاب الفقه وان لم يكن مشهورا بينهم إلا انك قد عرفت من ما قدمنا في كتاب الصلاة وما بعده من هذه الكتب انه معتمد عند الصدوقين كما أوضحناه سابقا رأى العين.

وتمام الكلام في هذه المسألة يتوقف على بيان أمور الأول ـ قد ذكر

__________________

(1 و 2) ص 134.

(3 و 5) ص 135.

(4) المغني ج 3 ص 109 والمجموع ج 6 ص 347.


جمع من الأصحاب ان المراد بالارتماس هنا غمس الرأس في الماء أعم من أن يكون مع البدن أو وحده وان كان البدن خارجا من الماء ، ووجهه ظاهر من ما تقدم في الأخبار حيث ان جملة منها تضمنت المنع من غمس الرأس في الماء وهو ظاهر في أن النهى إنما تعلق برمس الرأس خاصة كيف اتفق.

والظاهر ان الرقبة غير داخلة فيه بل المراد منه ما فوق الرقبة ، ودخولها في اخبار الغسل لا يستلزم دخولها هنا لأنها عضو منفصل عن الرأس ، وإنما دخلت في الرأس في أخبار الغسل من حيث تثليث الأعضاء فيه بالرأس والجانب الأيمن والجانب الأيسر وهي غير داخلة في أحد الجانبين اتفاقا فتدخل في الرأس ، ولهذا ان بعضهم كما تقدم في باب الغسل توقف في دخولها فيه أيضا والحق دخولها كما أوضحناه ثمة.

ثم ان بعض الأصحاب اشترط في غمس الرأس الدفعة العرفية فلو غمسه على التعاقب لم يتعلق به التحريم ، وهو مبنى على ما ذكروه في الغسل الارتماسي من اشتراط الدفعة العرفية ، وقد بينا في باب غسل الجنابة من كتاب الطهارة ضعفه وانه مجرد وهم نشأ من قولهم (عليهم‌السلام) في اخبار الغسل الارتماسي «ارتماسة واحدة» فحملوا ذلك على الدفعة وأبطلوا الغسل بما إذا لم يكن كذلك ، والأمر ليس كما ذكروه كما بيناه ثمة. وبه يظهر ان ما فرعوا عليه في هذا الموضع لا وجه له ولا دليل عليه. وحيث قد عرفت ان الرأس هو ما فوق الرقبة فيحب قصر الحكم عليه.

واما ما ذكره في المدارك ـ بعد أن فسر الرأس بما ذكرنا من انه لا يبعد تعلق التحريم بغمس المنافذ كلها دفعة وان كانت منابت الشعر خارجة عن الماء ـ فهو في غاية البعد لعدم صدق غمس الرأس والارتماس المعلق عليه الحكم في الاخبار وكلام الأصحاب.

وكأنه بنى على ان النهى عن الارتماس إنما هو من حيث خوف دخول الماء في شي‌ء من هذه المنافذ فحكم بصدق الارتماس بمجرد غمسها في الماء.


وفيه أولا ـ ان هذه علة مستنبطة إذ لا وجود لها في شي‌ء من الأخبار.

وثانيا ـ انه مع فرض وجودها فان علل الشرع ليست عللا حقيقية يدور المعلول معها وجودا وعدما بل هي معرفات لبيان وجه الحكمة أو المناسبة أو نحو ذلك.

الثاني ـ إطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي ان لا فرق في هذا الحكم بين صوم الفريضة والنافلة. ثم انه ان قلنا بأنه مفسد للصوم كما اخترناه فإنه يجوز فعله في صوم النافلة كغيره من المفطرات ، وان قلنا بأنه محرم كما هو أحد الأقوال فقد ذكروا انه يحتمل التحريم في صوم النافلة كالتكفير في صلاة النافلة ويحتمل الإباحة اما لقصور أخبار التحريم عن افادة العموم أو لأنه إذا جاز تناول المفطر جاز ما هو مظنة له بطريق أولى.

أقول : لا يخفى ما في تعليل احتمال الإباحة بالوجه الأول من الضعف ، لأن الكلام من أوله مبنى على ان إطلاق النصوص يقتضي دخول الصوم المندوب. نعم التعليل الثاني متجه بناء على كلامهم ، وحيث ان الظاهر عندنا هو الإفساد به فيجوز فعله في الصوم المندوب حينئذ ولا اشكال.

الثالث ـ قد ذكر شيخنا الشهيد الثاني ان فائدة التحريم تظهر في ما لو ارتمس في غسل مشروع فإنه يقع فاسدا للنهى عن بعض أجزائه المقتضي للفساد في العبادة.

قال سبطه السيد السند في المدارك : وهو جيد ان وقع الغسل في حال الأخذ في الارتماس أو الاستقرار في الماء لاستحالة اجتماع الواجب والحرام في الشي‌ء الواحد ، أما لو وقع في حال الأخذ في رفع الرأس من الماء فإنه يجب الحكم بصحته لان ذلك واجب محض لم يتعلق به نهى أصلا فينتفي المقتضي للفساد. انتهى.

أقول : يمكن المناقشة في ما ذكره شيخنا المشار إليه بأن المعلوم من القاعدة المشهورة وهو ان النهى إذا توجه إلى العبادة أو جزئها أو شرطها يكون مبطلا لها إنما هو ما إذا توجه لها من حيث هي لا من حيث أمر خارج عنها كما حققنا ذلك بما


لا مزيد عليه في كتاب الصلاة في مسألة الصلاة في المكان والثوب المغصوبين ، والأمر هنا كما هو هناك فإن النهي هنا عن الارتماس إنما توجه للصائم من حيث الصوم اغتسل أو لم يغتسل ولم يتوجه للمغتسل ليكون الغسل منهيا عن بعض أجزائه كما أن النهى في تلك المسألة إنما توجه من حيث المنع من التصرف في المغصوب بغير اذن مالكه صلى فيه أو لم يصل. وبالجملة فالكلام في المسألتين من باب واحد.

ثم انه بناء على الإغماض عن ما ذكرناه فكلام السيد (قدس‌سره) هنا لا يخلو من شي‌ء فان الظاهر من كلامه ان الوجه في الفساد إنما هو لزوم اجتماع الواجب والحرام في الشي‌ء الواحد وهو مستحيل ، وهو إنما يتحقق في ما إذا وقعت نية الغسل في حال الأخذ في الارتماس ، فإنه مأمور به وواجب لكونه غسل جنابة مثلا ومنهي عنه من حيث النهى عن غمس الرأس فيبطل حينئذ ، اما لو وقعت نية الغسل بعد الدخول تحت الماء في حال الأخذ في رفع الرأس من الماء فإنه يجب الحكم بصحته لانتهاء النهى الموجب للتحريم حينئذ باعتبار حصول الارتماس أولا فيبقى الوجوب من غير معارض.

وفيه أولا ـ ان ما ذكره أخيرا بعينه جار في حال الاستقرار في الماء إذا نوى الغسل وحرك بدنه على وجه يحصل به الجريان عليه مع انه حكم بالبطلان فيه وجعله من قبيل الغسل حال الأخذ في الارتماس.

وثانيا ـ ان الظاهر ان الارتماس المحرم إنما هو عبارة عن الأمر الكلي الحاصل بأول دفعة فما زاد بعين ما قالوه في القيام الركني الذي هو عبارة عن ما يركع عنه المصلى طال أو قصر وكذا الوقوف بعرفات ونحو ذلك ، وحينئذ فيتوجه صدق النهى عن الارتماس في الصورة الأخيرة ويصير من قبيل الصورة الاولى.

وثالثا ـ ان ثبوت الغسل الارتماسي على الكيفية التي ذكرها من كونه في حال الأخذ في رفع الرأس من الماء من ما يمكن تطرق المناقشة إليه كما ذكره الفاضل الخراساني في كتاب الذخيرة ، حيث قال بعد نقل كلامه : وهو حسن ان كان


الغسل يتحقق بإخراج البدن من الماء ، لكن لي في ذلك تأمل لأن المتبادر من الغسل المأمور به في الاخبار غير ذلك ، وبالجملة لا يحصل اليقين بامتثال التكليف بهذا الفعل. انتهى.

الرابع ـ ذكر شيخنا الشهيد الثاني (قدس‌سره) ايضا ان المرتمس ناسيا يرتفع حدثه لعدم توجه النهي اليه ، وان الجاهل عامد.

قال سبطه في المدارك : وما ذكره (قدس‌سره) في حكم الناسي جيد ، لكن الأظهر مساواة الجاهل له في ذلك لاشتراكهما في عدم توجه النهي إليهما وان أثم الجاهل بتقصيره في التعلم على بعض الوجوه كما بيناه مرارا.

أقول : وما ذكره (قدس‌سره) من معذورية الجاهل جيد لكنه لم يقف عليه في جميع الأحكام ، وقد تقدم الكلام معه في المسألة الأولى في حكم المفطر جاهلا حيث صرح ثمة بخلاف ما ذكره هنا.

المسألة الرابعة ـ في بقية ما يجب الإمساك عنه وبيان الخلاف فيه وهي ثلاثة

الأول ـ الكذب على الله أو رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله أو الأئمة (عليهم‌السلام) وقد اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ذلك مع اتفاقهم على عدم الإفساد بغيره من أنواع الكذب ، فنقل عن الشيخين والمرتضى في الانتصار وأبى الصلاح وابن البراج انه يفسد الصوم ويوجب القضاء والكفارة. وعن المرتضى في الجمل وابن إدريس وهو المشهور بين المتأخرين عدم فساد الصوم به وان حرم ، ونقل في المختلف عن على بن بابويه انه عده في المفطرات.

احتج القائلون بعدم الإفساد كما نقله في المدارك بالأصل والحصر المستفاد من صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة (1).

وفيه ان الأصل يجب الخروج عنه بالدليل الآتي ، وصحيحة محمد بن مسلم المذكورة لا يمكن حملها على الحصر الحقيقي لخروج جملة من المضرات بالصوم عن ذلك

__________________

(1) ص 134.


فالاستناد إليها لا يخلو من مجازفة.

ويدل على القول الأول الاخبار : ومنها ـ ما رواه الشيخ عن منصور بن يونس عن أبى بصير (1) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : الكذبة تنقض الوضوء وتفطر الصائم. قال قلت هلكنا. قال ليس حيث تذهب انما ذلك الكذب على الله وعلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى الأئمة عليهم‌السلام».

وما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة (2) قال : «سألته عن رجل كذب في شهر رمضان؟ فقال قد أفطر وعليه قضاؤه وهو صائم يقضي صومه ووضوءه إذا تعمد». ورواه الكليني (3) والصدوق في معاني الاخبار (4).

وما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة أيضا (5) قال : «سألته عن رجل كذب في رمضان فقال قد أفطر وعليه قضاؤه. فقلت ما كذبته؟ فقال يكذب على الله وعلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وما رواه الصدوق عن منصور بن يونس عن أبى بصير عن أبى عبد الله عليه‌السلام (6) قال : «ان الكذب على الله وعلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى الأئمة (عليهم‌السلام) يفطر الصائم».

وما رواه احمد بن محمد بن عيسى في نوادره عن أبى بصير عن أبى عبد الله عليه‌السلام (7) قال : «من كذب على الله وعلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو صائم نقض صومه ووضوءه إذا تعمد».

ومنها ـ ما قدمناه في المسألة السابقة من روايتي الخصال وكتاب الفقه

__________________

(1 و 2 و 5 و 6 و 7) الوسائل الباب 2 من ما يمسك عنه الصائم.

(3) هذا الحديث لم يروه الكليني وانما روى في الفروع ج 1 ص 187 حديث ابى بصير المتقدم.

(4) هذا الحديث لم يروه في معاني الاخبار وانما روى فيه ص 165 حديث ابى بصير المتقدم.


الرضوي (1) الدالتين على ان ذلك يفطر الصائم.

والظاهر ان ما نقله في المختلف في مسألة الارتماس وفي هذه المسألة عن على ابن بابويه انه عد ذلك من المفطرات إنما هو حيث نقل عبارة كتاب الفقه المذكورة في رسالته جريا على ما عرفته في غير مقام من ما قدمناه ، ولكن العلامة لم ينقل صورة عبارته وانما نقل بهذا العنوان الذي ذكرناه.

وكيف كان فطرح هذه الاخبار ـ من غير معارض سوى الأصل الذي ذكروه والحصر الذي في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة مع ما عرفت فيه ـ لا يخلو من جرأة ولكنهم (رضوان الله عليهم) لم يستوفوا روايات المسألة ، والذي نقله في المدارك منها رواية أبي بصير الأولى ورواية سماعة الأولى ثم ردهما بضعف السند وانهما متضمنان لما أجمع العلماء على خلافه وهو نقض الوضوء بذلك وهذا من ما يضعف الخبر.

أقول : والطعن بضعف السند عندنا غير مسموع ولا معمول عليه ، واما الطعن بتضمنهما ما أجمع العلماء على خلافه فقد صرح هو وغيره من المحققين بان طرح بعض الخبر لمعارض أقوى لا يستلزم طرح ما لا معارض له وانه يصير من قبيل العام المخصوص.

نعم يمكن أن يقال : ان ما دل على وجوب الكفارة بالإفطار متعمدا المتبادر من الإفطار فيه إنما هو الإفساد بالأكل والشرب كما ذكره السيد السند في المدارك فيجب الحمل عليه خاصة لأن اللفظ إنما يحمل على حقيقته. وهو جيد ان ثبت ما ادعاه من ان المعنى الحقيقي للفظ الإفطار هو ما ذكره.

وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال والاحتياط في العمل بالقول الأول.

الثاني ـ الحقنة وقد اختلف الأصحاب فيها على أقوال : فقال الشيخ المفيد

__________________

(1) ص 135.


انها تفسد الصوم وأطلق وقال على بن بابويه لا يجوز للصائم أن يحتقن وأطلق. وقال السيد المرتضى في الجمل : وقد ألحق قوم من أصحابنا بما ذكرناه من وجوب القضاء والكفارة. الى أن قال : والحقنة. ولم يفصل ايضا. ثم قال : وقال قوم ان ذلك ينقص الصوم وان لم يبطله وهو الأشبه. وقالوا في اعتماد الحقنة وما يتيقن وصوله الى الجوف من السعوط وفي اعتماد القي‌ء وبلع الحصى انه يوجب القضاء من غير كفارة. وقال في المسائل الناصرية : فأما الحقنة فلم يختلف في أنها تفطر. وللشيخ أقوال : قال في النهاية يكره الحقنة بالجامدات ويحرم بالمائعات. ولم يوجب بها قضاء ولا كفارة. وكذا في الاستبصار. وأوجب في الجمل والاقتصاد القضاء بالمائعات خاصة وكره الجامدات ، وكذا في المبسوط ، وهو قول ابن البراج ، وقال في الخلاف والحقنة بالمائعات تفطر. ولم يذكر ابن أبى عقيل الحقنة بالمائعات ولا بالجامدات من المفطرات. وقال أبو الصلاح الحقنة يجب بها القضاء ولم يفصل. وقال ابن الجنيد يستحب له الامتناع من الحقنة لأنها تصل الى الجوف. وقال ابن إدريس تحرم الحقنة بالمائعات ولا يجب بها قضاء ولا كفارة وتكره بالجامدات. كذا نقله العلامة في المختلف ، ثم اختار فيه انها مفطرة مطلقا ويجب بها القضاء خاصة. واستوجه المحقق في المعتبر تحريم الحقنة بالمائع والجامد دون الإفساد ، واختاره في المدارك.

والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة منه ما رواه الكليني في الصحيح عن على بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام (1) قال : «سألته عن الرجل والمرأة هل يصلح لهما ان يستدخلا الدواء وهما صائمان؟ قال لا بأس». ورواه الشيخ أيضا بإسناده عن على بن جعفر (2) ورواه الحميري في قرب الاسناد عنه أيضا مثله (3).

وما رواه الشيخ والصدوق عن احمد بن محمد بن ابى نصر في الصحيح عن

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 5 من ما يمسك عنه الصائم.


أبي الحسن عليه‌السلام (1) «انه سأله عن الرجل يحتقن تكون به العلة في شهر رمضان؟ فقال : الصائم لا يجوز له أن يحتقن».

وما رواه الشيخ عن على بن الحسن عن أبيه في الموثق (2) قال : «كتبت الى أبى الحسن عليه‌السلام ما تقول في التلطف من الأشياف يستدخله الإنسان وهو صائم؟ فكتب : لا بأس بالجامد».

وقال في كتاب الفقه الرضوي (3) : «ولا يجوز للصائم أن يقطر في اذنه شيئا ولا يسعط ولا يحتقن».

والظاهر ان عبارة على بن بابويه مأخوذة من هنا ، والظاهر انه إنما اقتصر على الحقنة لكون البحث فيها في كلامه.

هذا ما وقفت عليه من الأخبار في المسألة ، والظاهر في وجه الجمع بينها هو حمل إطلاق صحيحة على بن جعفر على موثقة الحسن بن على بن فضال ، ومنه يعلم نفى البأس عن الحقنة بالجامد وانه غير مضر بالصوم ، وحمل صحيحة البزنطي على الحقنة بالمائع وانه غير جائز ، وكذا كلام الرضا عليه‌السلام في كتاب الفقه ، وعلى هذا تجتمع الأخبار.

وما ذكره في المدارك حيث اختار تحريم الحقنة مطلقا ـ من رد موثقة الحسن بن على بن فضال بان على بن الحسن وأباه فطحيان فلا يمكن التعويل على روايتهما ـ فهو مردود بما قدمنا نقله عنه من قبولها حيث يحتاج إليها ومدحه لهما واطرائه عليهما بما هو مذكور في كتب الرجال في شأنهما من المدح الزائد الذي اعتمد عليه ثمة.

واما ما ذكره الفاضل الخراساني في المقام من الاحتمالات الركيكة

__________________

(1) الوسائل الباب 5 من ما يمسك عنه الصائم ورواه الكليني بسند فيه سهل بن زياد.

(2) الوسائل الباب 5 من ما يمسك عنه الصائم وفي التهذيب ج 4 ص 204 من الطبع الحديث «التلطف بالأشياف».

(3) ص 16.


والتشكيكات الضعيفة فلا ينبغي الالتفات اليه ، مع انهما قد وافقا على ما ذكرناه حيث قال في المدارك واقتفاه الفاضل المذكور فيه : نعم يمكن ترجيح هذا القول ـ وأشار به الى جواز الحقنة بالجامد ـ بان المتبادر من الاحتقان ما كان بالمائع فينبغي الحمل عليه ويبقى الاحتقان بالجامد على الإباحة. انتهى.

نعم يبقى الكلام في انه لو احتقن بالمائع مع دلالة الخبر على عدم جوازه فهل يكون موجبا للقضاء أو مجرد الإثم خاصة ، إذ غاية مفاد عدم الجواز التحريم وترتب القضاء عليه يحتاج الى دليل؟ اشكال والاحتياط يقتضي القضاء.

فوائد

الأولى ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما لو صب الدواء في إحليله فوصل الى جوفه ، فذهب في المبسوط إلى انه يفطر واستقربه العلامة في المختلف ، والأكثر على عدم الإفطار وبه صرح في الخلاف.

واحتج العلامة على الإفطار بأنه قد أوصل إلى جوفه مفطرا بأحد المسكين فإن المثانة تنفذ الى الجوف فكان موجبا للإفطار كما في الحقنة. والظاهر ضعفه لأن الأصل صحة الصوم وإبطاله يتوقف على دليل واضح.

الثانية ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في تقطير الدواء في الاذن والمشهور انه غير مفطر ، وذهب أبو الصلاح إلى أنه مفطر.

والأظهر الأول لما رواه الكليني عن حماد بن عثمان في الصحيح عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «سألته عن الصائم يشتكي أذنه يصب فيها الدواء؟ قال لا بأس به».

وما رواه في الصحيح أو الحسن على المشهور عن حماد (2) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصائم يصب في اذنه الدهن؟ قال : لا بأس به».

وما رواه في الموثق عن ليث المرادي (3) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 24 من ما يمسك عنه الصائم.


عن الصائم يحتجم ويصب في اذنه الدهن؟ قال لا بأس به إلا السعوط فإنه يكره».

وروى على بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام (1) قال : «سألته عن الصائم هل يصلح له أن يصب في اذنه الدهن؟ قال : إذا لم يدخل حلقه فلا بأس».

والجمع بين هذه الرواية وما تقدمها يقتضي الكراهة مع الوصول الى الحلق ولو كانت صريحة في التحريم لحملناها على التقية لأن القول بان ذلك مفطر مذهب الشافعي وأبى حنيفة ومالك واحمد (2) كما نقله في المنتهى محتجين بأنه أوصل إلى جوفه مع ذكره للصوم مختارا فأفطر كالأكل. والعلامة أجاب عن ذلك في الكتاب المذكور بأنه قد تقدم مرارا انه ليس كل واصل الى جوفه مفطرا. انتهى. وهو جيد

الثالثة ـ قال الشيخ في المبسوط : لو طعنه غيره طعنة وصلت الى جوفه لم يفطر وان أمره هو بذلك ففعل به أو فعل هو بنفسه أفطر.

واستقر به العلامة في المختلف وقال : لنا ـ انه أوصل إلى جوفه الجامد فكان كالازدراد فوجب القضاء والأصل براءة الذمة من الكفارة. ولا يخفى ما فيه من الوهن.

الثالث ـ تعمد القي‌ء وقد اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في حكمه فالأكثر على انه موجب للقضاء خاصة ، وقال ابن إدريس انه لا يوجب قضاء ولا كفارة إلا انه محرم ، وعن السيد المرتضى انه حكى عن بعض علمائنا قولا بأنه يوجب القضاء والكفارة ، وعن بعضهم انه ينقص الصوم ولا يبطله ، قال وهو الأشبه.

__________________

(1) الوسائل الباب 24 من ما يمسك عنه الصائم.

(2) المغني ج 3 ص 105 وبدائع الصنائع ج 2 ص 93 وبداية المجتهد ج 1 ص 280 و 281 وقال في المجموع ج 6 ص 314 : لو قطر في اذنه ماء أو دهنا أو غيرهما فوصل الى الدماغ فوجهان : أصحهما يفطر وبه قطع المصنف والجمهور.


والأظهر هو ما عليه الأكثر ، ويدل عليه من الأخبار ما رواه الكليني والشيخ عنه في الصحيح عن الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «إذا تقيأ الصائم فعليه قضاء ذلك اليوم فان ذرعه من غير أن يتقيأ فليتم صومه».

وما رواه عن الحلبي ـ بإسنادين صحيحين وفي أحدهما إبراهيم بن هاشم المعدود حديثه في الحسن على المشهور ـ عن ابى عبد الله عليه‌السلام (2) قال : «إذا تقيأ الصائم فقد أفطر وان ذرعه من غير أن يتقيأ فليتم صومه».

وما رواه الشيخ عن عبد الله بن بكير في الموثق عن بعض أصحابنا عن أبى عبد الله عليه‌السلام (3) قال : «من تقيأ متعمدا وهو صائم قضى يوما مكانه».

وما رواه عن سماعة في الموثق (4) قال : «سألته عن القي‌ء في رمضان قال ان كان شي‌ء يبدره فلا بأس وان كان شي‌ء يكره نفسه عليه أفطر وعليه القضاء».

وروى الصدوق عن سماعة في الموثق عن أبى عبد الله عليه‌السلام (5) نحوا منه. وفي الموثق إلى مسعدة بن صدقة وهو عامي عن أبى عبد الله عن أبيه (عليهما‌السلام) (6) انه قال : «من تقيأ متعمدا وهو صائم فقد أفطر وعليه الإعادة فإن شاء الله عذبه وان شاء غفر له. وقال : من تقيأ وهو صائم فعليه القضاء».

وربما قيل بان مقتضى صحيحة الحلبي ورواية مسعدة ان القي‌ء مفطر ومن تعمد الإفطار لزمته الكفارة على ما دلت عليه الأخبار الكثيرة.

وأجيب بأن المتبادر من الإفطار إنما هو إفساد الصوم بالأكل والشرب فيجب الحمل عليه خاصة ، لأن اللفظ إنما يحمل على حقيقته. وقد تقدم ما فيه.

والحق ان اشتمال هذه الأخبار على تعددها على القضاء خاصة من غير تعرض لذكر الكفارة مع ان المقام مقام البيان من ما يفيد نفى الكفارة في المسألة.

احتج ابن إدريس والمرتضى بأصالة البراءة من وجوب القضاء ، وبان الصوم إمساك عن ما يصل الى الجوف لا عن ما ينفصل منه.

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6) الوسائل الباب 29 من ما يمسك عنه الصائم.


ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح الى عبد الله بن ميمون عن أبى عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «ثلاثة لا يفطرن الصائم : القي‌ء والاحتلام والحجامة».

وأجيب عن الأول بأن الأصل يرتفع بما ذكرنا من الأدلة. وعن الثاني بأنه اجتهاد في مقابلة النص فلا يكون مسموعا. وعن الرواية بالحمل على غير العامد جمعا. وهو جيد.

واما ما ذكره صاحب الذخيرة في هذا المقام ـ من الاحتمالات حتى انه ذكر ان المسألة عنده محل اشكال ـ فهو من جملة تشكيكاته الضعيفة وخيالاته السخيفة ، بل المسألة بحمد الله ظاهرة الدليل على القول المشهور بما لا يداخله القصور ولا الفتور.

وهو إنما يصول في هذا الموضع ونحوه بصحيحة محمد بن مسلم (2) الدالة على حصر المبطل للصيام في الأربعة المذكورة فيها الدالة على نفي الابطال والقضاء في هذه المسألة ونحوها.

وليت شعري ما يقول في جملة من المواضع المتقدمة التي اتفقت فيها الأخبار وكلمة الأصحاب على الإفساد ، فإن خصصها بها فللقائل أن يخصصها أيضا بأخبار هذه المسألة ونحوها ، وإلا فليقتصر في مبطلات الصوم على الأربعة المذكورة فيها.

والمشهور انه لو ذرعه أى سبقه بغير اختياره فلا شي‌ء فيه ، وظاهر كلام المدارك الاتفاق عليه.

ونقل في المختلف عن ابن الجنيد ان القي‌ء يوجب القضاء خاصة إذا تعمد فان ذرعه لم يكن عليه شي‌ء إلا أن يكون القي‌ء من محرم فيكون فيه إذا ذرع القضاء وإذا استكره القضاء والكفارة. ويدفعه ما تقدم من الأخبار.

المسألة الخامسة ـ في ما يستحب الإمساك عنه وهو أمور الأول ـ النساء

__________________

(1) الوسائل الباب 29 من ما يمسك عنه الصائم. وأبو عبد الله (ع) برؤية عن أبيه (ع) وقد تقدم ص 128.

(2) ص 134.


تقبيلا ولمسا وملاعبة ، كذا أطلقه أكثر الأصحاب.

وخصه جماعة منهم ـ كالمحقق في المعتبر والعلامة في التذكرة ، واليه مال في المدارك والذخيرة ـ بمن يحرك ذلك شهوته.

وهو الظاهر من الأخبار ومنها ـ ما رواه الكليني في الصحيح عن الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) «انه سئل عن رجل يمس من المرأة شيئا أيفسد ذلك صومه أو ينقضه؟ فقال ان ذلك يكره للرجل الشاب مخافة أن يسبقه المنى».

وما رواه عن منصور بن حازم في الصحيح (2) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ما تقول في الصائم يقبل الجارية والمرأة؟ فقال اما الشيخ الكبير مثلي ومثلك فلا بأس واما الشاب الشبق فلا لأنه لا يؤمن والقبلة إحدى الشهوتين. قلت فما ترى في مثلي تكون له الجارية فيلاعبها؟ فقال لي انك لشبق يا أبا حازم كيف طعمك؟ قلت ان شبعت أضرني وان جعت أضعفني. قال كذلك أنا. فكيف أنت والنساء؟ قلت ولا شي‌ء. قال ولكني يا أبا حازم ما أشاء شيئا أن يكون ذلك منى إلا فعلت».

وما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم وزرارة عن أبى جعفر عليه‌السلام (3) «انه سئل هل يباشر الصائم أو يقبل في شهر رمضان؟ فقال انى أخاف عليه فليتنزه عن ذلك إلا ان يثق أن لا يسبقه منيه».

وما رواه في الفقيه (4) قال : «سأل سماعة أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يلصق بأهله في شهر رمضان؟ فقال ما لم يخف على نفسه فلا بأس». الى غير ذلك من الاخبار

وفي جملة من الأخبار ما يدل على الرخصة في ذلك مثل ما رواه في الفقيه مرسلا (5) قال : «سئل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الرجل يقبل امرأته وهو صائم؟ قال هل هي إلا ريحانة يشمها».

وما رواه في التهذيب عن ابى بصير (6) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن

__________________

(1 و 3 و 4 و 5 و 6) الوسائل الباب 33 من ما يمسك عنه الصائم.

(2) الفروع ج 1 ص 191 وفي الوسائل الباب 33 من ما يمسك عنه الصائم.


الرجل يضع يده على جسد امرأته وهو صائم؟ فقال : لا بأس وان أمذى فلا يفطر».

وما رواه أيضا عن ابى بصير (1) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام الصائم يقبل امرأته؟ قال نعم ويعطيها لسانه تمصه».

وما رواه عن على بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام (2) قال : «سألته عن الرجل الصائم إله أن يمص لسان المرأة أو تفعل المرأة ذلك؟ قال لا بأس».

والجمع بين هذه الأخبار وبين ما تقدمها ممكن بحمل هذه على ما إذا وثق بنفسه كما تقدمت الإشارة إليه في صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم فلا كراهة حينئذ ، واما بالحمل على أصل الجواز وان كره ذلك مطلقا كما هو ظاهر الأكثر أو بالنسبة الى من لا يثق بنفسه كما هو ظاهر الاخبار المتقدمة.

وفي بعض الأخبار ما يدل على المنع مطلقا ولعله الحجة لظاهر قول الأكثر

مثل ما رواه عبد الله بن جعفر في كتاب قرب الاسناد عن على بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام (3) قال : «سألته عن الرجل هل يصلح له أن يقبل أو يلمس وهو يقضى شهر رمضان؟ قال لا».

ومثله روى على بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام (4) قال : «سألته عن المرأة هل يحل لها ان تعتنق الرجل في شهر رمضان وهي صائمة فتقبل بعض جسده من غير شهوة؟ قال لا بأس. قال : وسألته عن الرجل هل يصلح له وهو صائم في رمضان أن يقلب الجارية فيضرب على بطنها وفخذها وعجزها؟ قال ان لم يفعل ذلك بشهوة فلا بأس به واما بشهوة فلا يصلح».

ويمكن الجمع بينها وبين ما تقدم بحمل الأخبار المتقدمة على تأكد الكراهة وان كان أصل الكراهة يحصل بدون ذلك.

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 34 من ما يمسك عنه الصائم.

(3 و 4) الوسائل الباب 33 من ما يمسك عنه الصائم.


واما ما رواه الشيخ والصدوق في الصحيح عن رفاعة (1) ـ قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل لامس جارية في شهر رمضان فأمذى؟ قال ان كان حراما فليستغفر الله استغفار من لا يعود أبدا ويصوم يوما مكان يوم» وزاد في التهذيب (2) «وان كان من حلال فليستغفر الله ولا يعود ويصوم يوما مكان يوم».

فقد نسبه الشيخ في التهذيبين الى الشذوذ ومخالفته لفتوى أصحابنا كلهم ثم الى وهم الراوي ثم حمله على الاستحباب. ولا يخفى ما في الوجهين الأخيرين والوجه إرجاعه إلى قائله فهو أعلم بما قال.

الثاني ـ الاكتحال بما فيه مسك أو يصل الى الحلق ، والروايات في هذه المسألة مختلفة : فمنها ـ ما يدل على الترخص مطلقا مثل

ما رواه الكليني والشيخ عنه عن محمد ابن مسلم في الصحيح عن ابى جعفر عليه‌السلام (3) «في الصائم يكتحل؟ قال : لا بأس به ليس بطعام ولا شراب».

ورواه الكليني في الحسن على المشهور والصحيح على المختار عن سليم الفراء عن غير واحد عن أبى جعفر عليه‌السلام مثله (4).

وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن عبد الحميد بن أبى العلاء عن أبى عبد الله عليه‌السلام (5) قال «لا بأس بالكحل للصائم».

وما رواه عن ابن أبى يعفور (6) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الكحل

__________________

(1) الوسائل الباب 55 من ما يمسك عنه الصائم.

(2) ج 2 ص 272 و 320 من الطبع الحديث ، وفي الوسائل الباب 55 من ما يمسك عنه الصائم.

(3) الوسائل الباب 25 من ما يمسك عنه الصائم. ويظهر منه ان الشيخ يرويه من غير طريق الكليني أيضا كما يظهر ذلك ايضا من الاستبصار ج 2 ص 89.

(4 و 5 و 6) الوسائل الباب 25 من ما يمسك عنه الصائم.


للصائم؟ فقال : لا بأس به انه ليس بطعام يؤكل».

وما رواه عن الحسين بن ابى غندر (1) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام اكتحل بكحل فيه مسك وأنا صائم؟ فقال : لا بأس به».

وما رواه عن غياث بن إبراهيم عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما‌السلام) (2) قال : «لا بأس بالكحل للصائم وكره السعوط».

ورواية عبد الله بن ميمون عن أبى عبد الله عن أبيه (عليهما‌السلام) (3) في حديث «انه كان لا يرى بأسا بالكحل للصائم».

ومنها ـ ما يدل على المنع مطلقا مثل ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن أبى عبد الله عليه‌السلام (4) «انه سئل عن الرجل يكتحل وهو صائم؟ فقال : لا انى أتخوف عليه أن يدخل رأسه».

وما رواه عن الحسن بن على (5) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الصائم إذا اشتكى عينه يكتحل بالذرور وما أشبهه أم لا يسوغ له ذلك؟ فقال لا يكتحل».

وما رواه الكليني عن سعد بن سعد الأشعري في الصحيح عن أبى الحسن الرضا عليه‌السلام (6) قال : «سألته عن من يصيبه الرمد في شهر رمضان هل يذر عينه بالنهار وهو صائم؟ قال يذرها إذا أفطر ولا يذرها وهو صائم».

ومنها ـ ما يدل على التفصيل : مثل ما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما (عليهما‌السلام) (7) «انه سئل عن المرأة تكتحل وهي صائمة؟ فقال : إذا لم يكن كحلا تجد له طعما في حلقها فلا بأس».

وما رواه الكليني والشيخ عن سماعة في الموثق (8) قال : «سألته عن الكحل

__________________

(1 و 3 و 4 و 5 و 6 و 7) الوسائل الباب 25 من ما يمسك عنه الصائم.

(2) الوسائل الباب 7 و 25 من ما يمسك عنه الصائم. وفي الباب 7 انهى الرواية الى على (ع) وفي التهذيب ج 4 ص 214 كما هنا والباب 25.

(8) الوسائل الباب 25 من ما يمسك عنه الصائم. والشيخ يرويه عن الكليني.


للصائم؟ فقال : إذا كان كحلا ليس فيه مسك وليس له طعم في الحلق فليس به بأس».

وما رواه عبد الله بن جعفر الحميري في قرب الاسناد عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (1) «ان عليا عليه‌السلام كان لا يرى بأسا بالكحل للصائم إذا لم يجد طعمه».

وقال في كتاب الفقه الرضوي (2) : ولا بأس بالكحل إذا لم يكن ممسكا ، وقد روى فيه رخصة فإنه يخرج على عكدة لسانه.

ونقل ابن إدريس في كتاب السرائر هذه العبارة عن على بن بابويه في رسالته فقال : وقال ابن بابويه في سألته : ولا بأس بالكحل ما لم يكن ممسكا ، وقد روى فيه رخصة لأنه يخرج على عكدة لسانه.

أقول : يمكن الجمع بين هذه الأخبار بالحكم بالقسم الثالث على القسمين الأولين فتحمل أخبار الرخصة مطلقا على ما إذا لم يجد له طعما في الحلق ولم يكن ممسكا ويكون ذلك جائزا من غير كراهة واخبار المنع على ما إذا كان كذلك فيكون مكروها.

وجمع بعضهم بينها بحمل أخبار الترخص على الجواز المطلق وحمل أخبار المنع على الكراهة وحمل اخبار التفصيل على شدة الكراهة.

والظاهر ان ما ذكرناه أقرب لأن الجمع بين الأخبار بحمل مطلقها على مقيدها هو الشائع الذائع وتكون اخبار التفصيل سندا لهذا الجمع.

وإنما حملنا ذلك على الكراهة مع كون ظاهر النهى فيها التحريم لما علل به عليه‌السلام نفى البأس في بعض الاخبار الأولة من أنه ليس بطعام ولا شراب.

الثالث ـ السعوط وقد قيده جملة من الأصحاب بما لا يتعدى الى الحلق.

وقد اختلف كلام الأصحاب فيه فقال الشيخ في الخلاف والنهاية والجمل والاقتصاد :

__________________

(1) الوسائل الباب 25 من ما يمسك عنه الصائم.

(2) ص 26.


والسعوط مكروه. وأطلق وفصل في المبسوط فقال انه مكروه سواء بلغ الدماغ أو لم يبلغ إلا ما ينزل الى الحلق فإنه يفطر ويوجب القضاء. وقال ابن الجنيد والصدوق في المقنع لا بأس به. وقال في كتاب من لا يحضره الفقيه : ولا يجوز للصائم ان يستعط. وأوجب المفيد وسلار فيه القضاء والكفارة. وقال السيد المرتضى : وقد ألحق قوم من أصحابنا بما ذكرناه في وجوب القضاء والكفارة. الى أن قال : والسعوط ، وقال قوم انه ينقص الصوم وان لم يبطله وهو الأشبه. واختار ابن إدريس انه لا يوجب قضاء ولا كفارة ، وقال أبو الصلاح وابن البراج انه يوجب القضاء خاصة.

كذا نقله العلامة في المختلف ثم قال : والأقرب عندي انه إذا وصل الى الحلق متعمدا وجب القضاء والكفارة وإلا فلا ، ثم استدل على ذلك فقال : لنا ـ انه أوصل إلى حلقه المفطر متعمدا فكان عليه القضاء والكفارة كما لو أوصل إلى حلقه لقمة ، ولو لم يوصل لم يكن عليه شي‌ء لأن الصوم عبادة شرعية انعقدت على الوجه المأمور به شرعا فلا تبطل إلا بحكم شرعي ولم يثبت.

أقول : والدي وقفت عليه من الأخبار في هذه المسألة رواية غياث بن إبراهيم المتقدمة قريبا (1) وقوله فيها : «وكره السعوط».

ورواية ليث المرادي (2) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصائم يحتجم ويصب في اذنه الدهن؟ قال : لا بأس إلا السعوط فإنه يكره».

ورواية كتاب الفقه الرضوي المتقدمة في المسألة الرابعة (3) وقوله فيها : «لا يجوز للصائم أن يقطر في اذنه شيئا ولا يسعط».

__________________

(1) ص 153.

(2) الوسائل الباب 24 من ما يمسك عنه الصائم.

(3) ص 145.


وظاهر هذه الأخبار ـ ان حملنا الكراهة على المعنى المشهور وكذا عدم الجواز في عبارة كتاب الفقه الرضوي على ذلك ـ هو الكراهة مطلقا وصل الى الحلق أم لم يصل.

وما ذكره في المختلف تعليلا لإيجاب القضاء والكفارة ـ بأنه أوصل إلى حلقه المفطر متعمدا ، وكذا ظاهر كلام من قيد الكراهة بما لا يتعدى الى الحلق الدال بمفهومه على المنع من المتعدي ـ

فيه انه لم يقم دليل على كون مطلق الإيصال للحلق مفسدا ، كيف وظاهر كلامهم في مسألة الكحل الحكم بالكراهة في ما يجد له طعما في حلقه دون الإفساد ، والحكم في المسألتين من باب واحد.

وان حملنا الكراهة على معنى التحريم ـ كما هو أحد معنييها في الأخبار فإنها بهذا المعنى شائعة ذائعة في الأخبار ويؤيده ظاهر عبارة كتاب الفقه ـ أشكل الأمر وكان ذلك مؤيدا لمن قال ببطلان الصوم في المسألة وبالجملة فالمسألة غير واضحة الدليل كما لا يخفى.

الرابع ـ السواك بالرطب نص عليه الشيخ والحسن بن أبى عقيل على ما نقله في الدروس ، والمشهور بين الأصحاب الجواز من غير كراهة.

ويدل على الأول ما رواه الشيخ عن أبى بصير عن أبى عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «لا يستاك الصائم بعود رطب».

وما رواه عن محمد بن مسلم عن ابى عبد الله عليه‌السلام (2) قال : «يستاك الصائم أي النهار شاء ولا يستاك بسواك رطب».

وفي الصحيح أو الحسن على المشهور عن الحلبي عن أبى عبد الله عليه‌السلام (3) قال : «سألته عن الصائم أيستاك بالماء؟ قال : لا بأس به ولا يستاك بسواك رطب».

وفي الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبى عبد الله عليه‌السلام (4) «انه كره للصائم

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 28 من ما يمسك عنه الصائم.


أن يستاك بسواك رطب. وقال : لا يضر أن يبل سواكه بالماء ثم ينفضه حتى لا يبقى فيه شي‌ء».

وفي الموثق عن عمار بن موسى عن أبى عبد الله عليه‌السلام (1) «في الصائم ينزع ضرسه؟ قال : لا ولا يدمي فاه ولا يستاك بعود رطب».

ومن ما يدل على الجواز ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي (2) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام أيستاك الصائم بالماء وبالعود الرطب يجد طعمه؟ فقال : لا بأس به».

وما رواه عن موسى بن أبى الحسن الرازي عن أبى الحسن الرضا عليه‌السلام (3) قال : «سأله بعض جلسائه عن السواك في شهر رمضان قال : جائز. فقال بعضهم ان السواك تدخل رطوبته في الجوف. فقال ما تقول في السواك الرطب تدخل رطوبته في الحلق؟ فقال الماء للمضمضة أرطب من السواك بالرطب. فان قال قائل لا بد من الماء للمضمضة من أجل السنة فلا بد من السواك من أجل السنة التي جاء بها جبرئيل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وروى في كتاب قرب الاسناد بسنده عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما‌السلام) (4) قال : «قال على عليه‌السلام : لا بأس بأن يستاك الصائم بالسواك الرطب في أول النهار وآخره. فقيل لعلى عليه‌السلام في رطوبة السواك فقال المضمضة بالماء أرطب منه. فقال على عليه‌السلام فان قال قائل لا بد من المضمضة لسنة الوضوء قبل له فإنه لا بد من السواك للسنة التي جاء بها جبرئيل عليه‌السلام».

أقول : لا يخفى ما في هذه الأخبار من الإشعار بأن مجرد وصول الطعم الى الحلق من أي الأجسام كان فإنه غير مضر بالصوم ، وفيه تأييد لما ذكرناه في مسألة السعوط من أن وصول طعمه إلى الحلق غير مضر ولا مفسد للصيام.

هذا. واما ما يدل على جواز السواك بقول مطلق فهو كثير لا حاجة الى التطويل بنقله.

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 28 من ما يمسك عنه الصائم.


الخامس ـ الحجامة مع خوف الضعف ، ويدل على ذلك جملة من الاخبار :

منها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن سعيد الأعرج (1) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصائم يحتجم؟ فقال لا بأس إلا أن يتخوف على نفسه الضعف».

وفي الصحيح عن الحلبي عن أبى عبد الله عليه‌السلام (2) قال : «سألته عن الصائم أيحتجم؟ فقال إني أتخوف عليه اما يتخوف على نفسه؟ قلت ما ذا يتخوف عليه؟ قال الغشيان أو تثور به مرة. قلت : أرأيت ان قوى على ذلك ولم يخش شيئا؟ قال نعم ان شاء».

وفي الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبى عبد الله عليه‌السلام (3) قال : «لا بأس بأن يحتجم الصائم إلا في رمضان فإني أكره أن يغرر بنفسه إلا أن لا يخاف على نفسه ، وانا إذا أردنا الحجامة في شهر رمضان احتجمنا ليلا». الى غير ذلك من الأخبار التي على هذا النحو.

والأصحاب قد عبروا في هذه المسألة بإخراج الدم المضعف وكأن التعدية الى غير الحجامة من باب تنقيح المناط نظرا الى ظاهر التعليل ، فإنه يقتضي تعدية الحكم الى غيرها من ما سواها في المعنى.

وفي حكمه أيضا دخول الحمام إذا خيف منه الضعف لما رواه الكليني في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه‌السلام (4) «انه سئل عن الرجل يدخل الحمام وهو صائم؟ فقال : لا بأس ما لم يخش ضعفا».

السادس ـ الريحان وهو لغة كل نبت طيب الريح خصوصا النرجس ، وكراهة شم الرياحين من ما ظاهرهم الاتفاق عليه ، قال في المنتهى : وهو قول علمائنا أجمع.

ويدل عليه من الأخبار ما رواه الشيخ عن الحسن بن راشد عن ابى عبد الله

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 26 من ما يمسك عنه الصائم.

(4) الوسائل الباب 27 من ما يمسك عنه الصائم.


(عليه‌السلام) (1) قال : «الصائم لا يشم الريحان».

وعن الحسن الصيقل عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «سألته عن الصائم يلبس الثوب المبلول؟ فقال : لا ولا يشم الريحان».

وفي رواية أخرى للحسن بن راشد عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (3) قلت : «الصائم يشم الريحان؟ قال : لا لأنه لذة ويكره له ان يتلذذ».

وقال الصدوق في الفقيه (4) : «وكان الصادق عليه‌السلام إذا صام لا يشم الريحان فسئل عن ذلك فقال انى أكره أن أخلط صومي بلذة». ورواه في كتاب العلل مسندا (5).

وروى الصدوق مرسلا (6) قال : «سئل الصادق عليه‌السلام عن المحرم يشم الريحان؟ قال لا. قيل والصائم؟ قال لا. قيل يشم الصائم الغالية والدخنة؟ قال نعم. قيل كيف حل له أن يشم الطيب ولا يشم الريحان؟ قال : لان الطيب سنة والريحان بدعة للصائم».

واما ما يدل على تأكد ذلك في النرجس رواية محمد بن الفيض (7) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام ينهى عن النرجس للصائم فقلت : جعلت فداك لم ذلك؟ فقال : انه ريحان الأعاجم».

قال في الكافي (8) بعد نقل هذه الرواية : وأخبرني بعض أصحابنا ان الأعاجم كانت تشمه إذا صاموا وقال انه يمسك الجوع.

وذكر الشيخ المفيد ان ملوك العجم كان لهم يوم معين يصومونه ويكثرون فيه شم النرجس فنهوا (عليهم‌السلام) عن ذلك خلافا لهم.

والحق العلامة في المنتهى بالنرجس المسك لشدة رائحته ، ولما رواه الشيخ عن غياث عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (9) قال : «ان عليا عليه‌السلام كره المسك

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6 و 7 و 8) الوسائل الباب 32 من ما يمسك عنه الصائم.

(9) الوسائل الباب 32 من ما يمسك عنه الصائم. والشيخ يرويه عن الكليني.


أن يتطيب به الصائم».

واما ما يدل على الجواز فأخبار عديدة : منها ـ ما رواه الشيخ عن عبد الرحمن ابن الحجاج في الصحيح (1) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الصائم يشم الريحان أم لا ترى ذلك له؟ فقال : لا بأس به».

وما رواه الكليني والشيخ عنه في الصحيح عن محمد بن مسلم (2) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : الصائم يشم الريحان والطيب؟ قال لا بأس به».

قال في الكافي (3) وروى انه لا يشم الريحان لأنه يكره له أن يتلذذ به.

وما رواه الشيخ عن سعد بن سعد (4) قال : «كتب رجل الى ابى الحسن عليه‌السلام هل يشم الصائم الريحان يتلذذ به؟ فقال عليه‌السلام : لا بأس به».

وعن ابى بصير عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (5) قال : «الصائم يدهن بالطيب ويشم الريحان».

والظاهر انه لا خلاف نصا وفتوى في استحباب الطيب للصائم عدا المسك لما تقدم.

ويدل عليه ما رواه في الكافي عن الحسن بن راشد (6) قال : «كان أبو عبد الله (عليه‌السلام) إذا صام يتطيب بالطيب ويقول الطيب تحفة الصائم». ورواه الصدوق عن الحسن بن راشد مثله (7).

وروى الصدوق مرسلا (8) قال : «قال الصادق (عليه‌السلام) من تطيب بطيب أول النهار وهو صائم لم يكد يفقد عقله». ورواه في كتاب ثواب الأعمال مسندا (9).

والظاهر ان المراد من قوله (عليه‌السلام) «لم يكد يفقد عقله» انه لقوة دماغه لا يسفه على أحد للضعف الحاصل من الصوم.

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6 و 7 و 8 و 9) الوسائل الباب 32 من ما يمسك عنه الصائم.


وروى في الخصال عن الحسن بن على عليه‌السلام (1) قال : «تحفة الصائم أن يدهن لحيته ويجمر ثوبه وتحفة المرأة الصائمة أن تمشط رأسه وتجمر ثوبها وكان أبو عبد الله الحسين عليه‌السلام إذا صام يتطيب ويقول : الطيب تحفة الصائم». ونحوه ما تقدم في الاخبار المتقدمة.

السابع ـ بل الثوب على الجسد ، ويدل عليه رواية الحسن بن راشد (2) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام الحائض تقضى الصلاة؟ قال لا. قلت تقضى الصوم؟ قال نعم قلت من أين جاء هذا؟ قال ان أول من قاس إبليس. قلت : فالصائم يستنقع في الماء؟ قال نعم. قلت فيبل ثوبا على جسده؟ قال لا. قلت من أين جاء هذا؟ فقال من ذاك».

وعن الحسن الصيقل عن أبى عبد الله عليه‌السلام (3) قال : «سألته عن الصائم يلبس الثوب المبلول؟ فقال : لا».

وعن عبد الله بن سنان (4) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : لا تلزق ثوبك الى جسدك وهو رطب وأنت صائم حتى تعصره».

ومن ما يدل على ان ذلك على جهة الكراهة ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) (5) قال : «الصائم يستنقع في الماء ويصب على رأسه ويتبرد بالثوب وينضح المروحة وينضح البوريا تحته ولا يغمس رأسه في الماء».

الثامن ـ جلوس المرأة في الماء ، ويدل عليه ما رواه الشيخ عن حنان بن سدير عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) (6) قال : «سألته عن الصائم يستنقع في الماء فقال

__________________

(1) الوسائل الباب 32 من ما يمسك عنه الصائم.

(2 و 3 و 4) الوسائل الباب 3 من ما يمسك عنه الصائم.

(5) التهذيب ج 4 ص 26 وفي الوسائل الباب 3 من ما يمسك عنه الصائم. وتراجع الاستدراكات.

(6) التهذيب ج 4 ص 263 الطبع الحديث ، وفي الوسائل الباب 3 من ما يمسك عنه الصائم. واللفظ «سألت أبا عبد الله (ع) ...» والشيخ يرويه عن الكليني.


لا بأس ولكن لا ينغمس فيه ، والمرأة لا تستنقع في الماء لأنها تحمل الماء بفرجها».

قال في المعتبر : وحنان المذكور واقفي لكن روايته حسنة مشهورة فتحمل على الكراهة كما اختاره الشيخان.

وقال أبو الصلاح : إذا جلست المرأة في الماء الى وسطها لزمها القضاء. ونقل عن ابن البراج انه أوجب الكفارة أيضا بذلك. وهما ضعيفان.

وألحق الشهيد في اللمعة بالمرأة الخنثى والخصى الممسوح لمساواتهما لها في العلة. وفيه تأمل.

التاسع ـ الشعر ولم يذكره أكثر الأصحاب في مكروهات الصيام ، ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن حماد بن عثمان (1) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : تكره رواية الشعر للصائم والمحرم وفي الحرم وفي يوم الجمعة وان يروى بالليل. قال قلت : وان كان شعر حق؟ قال وان كان شعر حق».

وبالإسناد عن حماد بن عثمان وغيره عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «لا ينشد الشعر بالليل ولا ينشد الشعر في شهر رمضان بليل ولا نهار. فقال له إسماعيل : يا أبتاه فإنه فينا قال وان كان فينا». ورواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن حماد مثله (3) ورواه الصدوق مرسلا عن الصادق (عليه‌السلام) (4).

أقول : لا يخفى أن بإزاء هذين الخبرين من الأخبار ما هو ظاهر في المدافعة والمناقضة بالنسبة الى ما كان شعر حق من ما كان متضمنا لحكمة أو وعظ أو مدح أهل البيت (عليهم‌السلام) أو رثائهم ، ولهذا ان أصحابنا (رضوان الله عليهم) قد خصوا الكراهة بالنسبة إلى كراهة إنشاد الشعر في المسجد أو يوم الجمعة أو نحو ذلك من الأزمنة الشريفة والبقاع المنيفة بما كان من الإشعار الدنيوية الخارجة عن ما ذكرناه ، وممن صرح بذلك شيخنا الشهيد في الذكرى والشهيد الثاني في جملة من شروحه والمحقق الشيخ على والسيد السند في المدارك.

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 13 من آداب الصائم.


ومن الأخبار الظاهرة في ما ذكرناه صحيحة على بن يقطين (1) «انه سأل أبا الحسن (عليه‌السلام) عن إنشاد الشعر في الطواف فقال : ما كان من الشعر لا بأس به فلا بأس به». ومورد الخبر كما ترى في الطواف مع تصريح الخبر الأول بمنع المحرم منه وفي الحرم.

وما رواه الصدوق في كتاب عيون أخبار الرضا (عليه‌السلام) (2) في الصحيح عن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : من قال فينا بيت شعر بنى الله له بيتا في الجنة».

وروى فيه أيضا (3) بسنده فيه عنه عليه‌السلام قال : «ما قال فينا قائل بيتا من الشعر حتى يؤيد بروح القدس».

وروى فيه أيضا (4) عن الحسن بن الجهم قال : «سمعت الرضا (عليه‌السلام) يقول : «ما قال فينا مؤمن شعرا يمدحنا به إلا بنى الله تبارك وتعالى له مدينة في الجنة أوسع من الدنيا سبع مرات يزوره فيها كل ملك مقرب ونبي مرسل». ونحوها ما ورد في مراثي الحسين (عليه‌السلام) (5).

وهي كما ترى دالة على ان ذلك من أفضل الطاعات وأشرف العبادات.

وقد روى الصدوق أيضا في كتاب إكمال الدين وإتمام النعمة (6) قال : حدثنا أبي (رحمه‌الله) قال : حدثنا سعد بن عبد الله عن احمد بن محمد بن عيسى عن الحسن ابن محبوب عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم عن أبى جعفر (عليه‌السلام) قال «بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم بفناء الكعبة يوم افتتح مكة إذ أقبل إليه وفد فسلموا عليه فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من القوم؟ قالوا وفد بكر بن وائل. قال فهل

__________________

(1) الوسائل الباب 54 من الطواف ، وهو نقل بالمضمون.

(2 و 3 و 4) ج 1 ص 7.

(5) البحار ج 10 ص 166 وسفينة البحار ج 1 ص 509.

(6) ص 99 و 100.


عندكم علم من خبر قس بن ساعدة الأيادي؟ قالوا بلى يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال فما فعل؟ قالوا مات. ثم ساق الحديث الى ان قال : ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رحم الله قسا يحشر يوم القيامة أمة واحدة ، ثم قال : هل فيكم أحد يحسن من شعره شيئا؟ قال بعضهم سمعته يقول :

في الأولين الذاهبين
 

 

من القرون لنا بصائر
 

لما رأيت مواردا
 

 

للموت ليس لها مصادر
 

ورأيت قومي نحوها
 

 

تمضى الأصاغر والأكابر
 

لا يرجع الماضي الى
 

 

ولا من الباقين غابر
 

أيقنت انى لا محالة
 

 

حيث صار القوم صائر. الحديث.
 

فانظر الى هذا الخبر فإنه مع صحته صريح في جواز إنشاد شعر هذا الحكيم بين يديه صلى‌الله‌عليه‌وآله في المسجد الحرام وأمره صلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك.

وروى أمين الإسلام الشيخ أبو على الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي في كتاب الآداب الدينية للخزانة المعينية (1) عن خلف بن حماد قال : «قلت للرضا عليه‌السلام ان أصحابنا يروون عن آبائك (عليهم‌السلام) ان الشعر ليلة الجمعة ويوم الجمعة وفي شهر رمضان وفي الليل مكروه وقد هممت أن أرثي أبا الحسن (عليه‌السلام) وهذا شهر رمضان فقال إرث أبا الحسن (عليه‌السلام) في ليالي الجمع وفي شهر رمضان وفي سائر الأيام فإن الله عزوجل يكافئك على ذلك».

وبالجملة فالظاهر هو تخصيص الكراهة في جميع ما ورد فيه كراهة إنشاد الشعر من زمان شريف أو مكان منيف بما ذكرناه آنفا ، ولا يبعد عندي حمل المبالغة في الخبرين المتقدمين على التقية.

العاشر ـ في جمل من المنهيات التي وردت بها الأخبار وان لم يذكرها أصحابنا (رضوان الله عليهم) في هذا المقام ، وقد تقدم جملة منها في الفائدة

__________________

(1) ارجع الى الاستدراكات في آخر الكتاب.


السادسة من الفوائد المذكورة في صدر الكتاب :

ومنها ايضا ـ الجدال والجهل والحلف لما رواه الشيخ في الصحيح عن الفضيل ابن يسار عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «إذا صام أحدكم الثلاثة الأيام في الشهر فلا يجادلن أحدا ولا يجهل ولا يسرع الى الايمان والحلف بالله وان جهل عليه أحد فليتحمل». ورواه الكليني والصدوق مثله (2).

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 12 من آداب الصائم.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *