ج24 - القسم والنشوز والشقاق
المقصد الثالث
فهنا مقالتان ، الاولى في القسم : وهو بفتح القاف مصدر
قسم يقسم ، وبالكسر : الحظ والنصيب ، قال : في كتاب المصباح المنير (1) : قسمته قسما
من باب ضرب فرزته أجزاء فانقسم ، والموضع مقسم مثل مسجد ، والفاعل قاسم ، وقسام
مبالغة ، والاسم القسم بالكسر ، ثم أطلق على الحصة والنصيب ، فيقال هذا قسمي ،
والجمع أقسام مثل حمل وأحمال.
__________________
(1) المصباح المنير ص 690.
وعرفه في المسالك بأنه حق واجب لمن يجب الإنفاق عليه من
الزوجات.
وأورد عليه سبطه في شرح النافع بأنه ينتقض طردا بوطىء
الزوجة الواجب في أربعة أشهر ، فإن التعريف صادق عليه ، وعكسا بمن لا يجب عليه
الإنفاق من الأزواج ، كالمعسر والصغير ، فإن القسم يجب عليه مع أن النفقة غير
واجبة ، قال : ويمكن دفعها بتكلف ، والأمر في ذلك هين. انتهى ، والكلام هنا يقع في
موارد : الأول لا خلاف ولا إشكال في أن لكل من الزوجين على الآخر حقوقا واجبة
ومستحبة ، ومن الواجب على الزوج النفقة والكسوة والإسكان.
ومن الواجب عليها التمكين من الاستمتاع ، وإلى ما ذكرنا
يشير قوله عزوجل «قَدْ
عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ» (1) وقوله عزوجل «وَعاشِرُوهُنَّ
بِالْمَعْرُوفِ» (2) وقال «وَلَهُنَّ
مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ» (3) والمراد تشبيه أصل الحقوق بالحقوق لا
في الكيفية والكمية لاختلافهما.
وأما الأخبار الواردة في هذا المقام الدالة على حقوق كل
منهما على الآخر فهي مستفيضة متكاثرة ، وقد تقدم جملة منها في الفائدة السادسة عشر
من فوائد المقدمة.
ومجمل حقوق الزوج عليها كما دلت عليه الأخبار المشار
إليها أن تطيعه ولا تعصيه ولا تصدق من بيته إلا بإذنه ، ولا تصوم تطوعا إلا بإذنه
، ولا تمنعه نفسها وإن كانت على ظهر قتب ، ولا تخرج من بيته إلا بإذنه ، وعليها أن
تطيب وتزين له بأطيب طيبها وأزين زينتها ، وأن لا تبيت ليلة وهو عليها ساخط وان
كان ظالما لها.
وقال صلىاللهعليهوآله (4) «لو أمرت أحدا
أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد
__________________
(1) سورة الأحزاب ـ آية 50.
(2) سورة النساء : آية 19.
(3) سورة البقرة ـ آية 228.
(4) الكافي ج 5 ص 507 ح 6 ، الفقيه ج 3 ص 277 ح 3 ، الوسائل ج
14 ص 115 ب 81 ح 1.
لزوجها». وفي خبر آخر (1) عنه صلىاللهعليهوآله «وأكثر من ذلك
حقوقه عليها».
ومجمل حقوقها عليه أن يكسوها ويشبعها ، وإن جهلت غفر لها
، وفي خبر عنه (2) صلىاللهعليهوآله «فقلت : فليس
لها عليه شيء غير هذا؟ قال صلىاللهعليهوآله : لا ، قالت :
لا والله لا تزوجت أبدا».
وفي خبر آخر (3) «يسد جوعها
ويستر عورتها ولا يقبح لها وجها ، وإذا فعل ذلك فقد والله أدى إليها حقوقها».
إذا تقرر ذلك فالواجب على كل منهما القيام بالحق الواجب
عليه من غير أن يخرج صاحبه إلى طلبه له والاستعانة بالغير على ذلك.
الثاني : لا خلاف بين
الأصحاب في وجوب القسمة بين الزوجات لما فيه من العدل والمعروف وحسن المعاشرة
المشار إليه بقوله عزوجل «وَعاشِرُوهُنَّ
بِالْمَعْرُوفِ» (4) والتأسي به صلىاللهعليهوآله (5) فإنه كان يقسم
بين زوجاته ، حتى أنه كان في مرضه يطاف به بينهن ، وكان يقول : هذا قسمي فيما أملك
، وأنت أعلم بما لا أملك» يعني المودة والميل القلبي.
وروي (6) «أن عليا عليهالسلام كان له
امرأتان ، فكان إذا كان يوم واحدة لا يتوضأ في بيت الأخرى».
وروي في كتاب عقاب الأعمال (7) عنه صلىاللهعليهوآله «أنه قال : ومن
كانت له امرأتان
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 508 ح 7 ، الوسائل ج 14 ص 112 ح 2.
(2) الكافي ج 5 ص 511 ح 2.
(3) الكافي ج 5 ص 511 ح 5 مع اختلاف يسير ، الوسائل ج 15 ص 226
ح 1.
(4) سورة النساء ـ آية 19.
(5) مجمع البيان ج 3 ص 121 ، الوسائل ج 15 ص 84 ح 2.
(6) مجمع البيان ج 3 ص 121 ، الوسائل ج 15 ص 85 ح 3.
(7) عقاب الأعمال ص 333 ، الوسائل ج 15 ص 84 ب 4 ح 1.
فلم يعدل بينهما في القسم من نفسه
وماله جاء يوم القيامة مغلولا مائلا شقه حتى يدخل النار».
وينبغي أن يعلم أن وجوب العدل في القسم إنما هو باعتبار
المساواة فيما تقدم ذكره من الأمور الواجبة عليه من النفقة والكسوة والإسكان
والمبيت والإقامة عندها في يومها وليلتها لا بالنسبة إلى المودة التي هي أمر قلبي
، لقوله عزوجل «وَلَنْ
تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ، فَلا
تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ» الآية (1) وإليه يشير
الحديث النبوي المتقدم.
وروي في الكافي في الصحيح أو الحسن عن نوح بن شعيب ومحمد
بن الحسن (2) قال : «سأل
ابن أبي العوجاء هشام بن الحكم فقال له : أليس الله حكيما؟ قال : بل هو أحكم
الحاكمين ، قال : فأخبرني عن قول الله عزوجل «فَانْكِحُوا
ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ ، فَإِنْ خِفْتُمْ أَلّا
تَعْدِلُوا فَواحِدَةً» (3) أليس هذا فرض؟
قال : بلى ، قال : فأخبرني عن قول الله عزوجل «وَلَنْ
تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ، فَلا
تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ» أي حكيم يتكلم
بهذا؟ فلم يكن عنده جواب ، فرحل إلى المدينة إلى أبي عبد الله عليهالسلام فقال : يا
هشام في غير وقت حج ولا عمرة؟ قال : نعم جعلت فداك لأمر أهمني ، إن ابن أبي
العوجاء سألني عن مسألة لم يكن عندي فيها شيء ، قال : وما هي؟ قال : ـ فأخبره
بالقصة ـ فقال له أبو عبد الله عليهالسلام : أما قوله عزوجل «فَانْكِحُوا
ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلّا
تَعْدِلُوا فَواحِدَةً» يعني في النفقة ، وأما قوله «وَلَنْ
تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا
كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ» يعني في المودة
، قال : فلما قدم عليه هشام بهذا
__________________
(1) سورة النساء ـ آية 129.
(2) الكافي ج 5 ص 362 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 86 ح 1.
(3) سورة النساء ـ آية 3.
الجواب وأخبره قال : والله ما هذا من
عندك» (1).
وبالجملة فإنه لا خلاف في وجوب القسمة ، إنما الخلاف في
أنه هل تجب بنفس العقد والتمكين ، أم يتوقف على الشروع؟ قولان ، المشهور ـ على ما
نقله في المختلف ـ الأول ، ومبنى هذا الخلاف على أن القسمة هل هي حق للزوج خاصة أو
مشتركة بينه وبين الزوجة؟ وقال الشيخ في المبسوط : لا يجب عليه القسمة ابتداء ،
لكن الذي يجب عليه النفقة والكسوة والمهر والسكنى ، فمتى تكفل بهذا لا يلزمه القسم
، لأنه حق له ، فإذا أسقطه لا يجبر عليه ، ويجوز له تركه ، وأن يبيت في المساجد
وعنه أصدقائه ، فأما إذا أراد أن يبتدئ بواحدة منهن فيجب عليه القسمة ، لأنهن ليس
واحدة منهن أولى بالتقديم من الأخرى ، انتهى.
واعترضه في المختلف بأنا نمنع أنه حقه المختص به بحيث
يكون له تركه ، فإنه حق مشترك ، فللمرأة المطالبة بحقها منه ، والأخبار وردت مطلقة
بالأمر بالقسمة ، فإن الباقر عليهالسلام قسم للحرة
الثلثين من ماله ونفسه ، وللأمة الثلث من ماله ونفسه ، وإلى القول بما ذهب إليه
الشيخ في المبسوط ذهب المحقق في الشرائع والعلامة في التحرير ، واختاره السيد
السند في شرح النافع ، قال ـ رحمهالله ـ
__________________
(1) أقول : روى هذه القصة على بن إبراهيم في تفسيره عن أبى
جعفر الأحول وأنه سأله رجل من الزنادقة فقال : أخبرني عن قول الله «فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ
النِّساءِ
ـ الى قوله ـ فَإِنْ
خِفْتُمْ أَلّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً» وقال في آخر السورة «وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا
بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ» فبين القولين فرق ، فقال أبو جعفر
الأحول : فلم يكن عندي في ذلك جواب فقدمت المدينة فدخلت الى أبي عبد الله عليهالسلام فسألته عن الآيتين ، فقال : أما قوله «فَإِنْ خِفْتُمْ أَلّا تَعْدِلُوا
فَواحِدَةً»
فإنما عنى في النفقة ، وأما قوله «وَلَنْ
تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ» فإنما عنى في المودة ، فإنه لا يقدر
أحد أن يعدل بين امرأتين في المودة. فرجع أبو جعفر الى الرجل فأخبره فقال : هذا شيء
حملته الإبل من الحجاز ، انتهى. (منه ـ رحمهالله ـ). تفسير القمي ج 1 ص 155 طبع النجف.
بعد نقل ذلك عن هؤلاء المذكورين : وهو
المعتمد تمسكا بمقتضى الأصل السالم عما يصلح للمعارضة ، فإن الأخبار الواردة في
هذا الباب قليلة جدا وليس فيها ما يدل على وجوب القسم ابتداء بخصوصه أو إطلاقه كما
يظهر للمتتبع ، وكذا الكلام في التأسي ، فإنه لم يثبت أن النبي صلىاللهعليهوآله قسم بين نسائه
ابتداء على وجه الوجوب ليجب التأسي به في ذلك ، على أن المشهور بين الخاصة والعامة
أن القسم لم يكن واجبا عليه صلىاللهعليهوآله ، انتهى.
أقول : والحق أنه لا دليل في الأخبار على شيء من
القولين ، إلا أن ما ذهب إليه الشيخ ومن تبعه مؤيد بالأصل كما ذكره السيد السند ،
فلا يبعد ترجيحه لذلك ، وأدلة القول المشهور كلها مدخولة كما بسط عليه الكلام في
المسالك.
الثالث : ينبغي أن
يعلم أن مما يتفرع على الخلاف المتقدم كما صرح به الأصحاب أيضا أنه لو لم يكن له
إلا زوجة واحدة فعلى المشهور من وجوب القسم ابتداء ، فإن لها ليلة من أربع ليال
يبيت فيها عندها ، وثلاث له يضعها حيث يشاء ، لأن الله تعالى أباح له أن ينكح أربع
نساء لا أزيد ، فللواحدة من الأربع ليلة ، فإذا انقضت الأربع وجب أن يبيت عندها
ليلة ، ثم له ثلاث يضعها حيث يشاء وهكذا ، ومن كان له زوجتان فلكل واحدة ليلة من
الأربع ، واثنتان من الدور له ، يضعها حيث يشاء ، ومن كان له ثلاث زوجات يبقى له
من الدور ليلة يضعها حيث يشاء ، ومن كان له أربع فقد كل الدور لهن فليس له شيء
زائد ، ولم يكن له الإخلال بالمبيت عند صاحبة الليلة أبدا مع الاختيار ، وعدم
الاذن ، وكل ما فرغ الدور استأنف الدور على الترتيب الذي فعل في الدور الأول وله
أن يخص بعض الزوجات بالليلة التي له ، إلا أن الفضل المساواة بينهن.
وأما على القول الآخر من عدم الوجوب إلا إذا ابتدأه ،
فلو لم يكن عنده إلا زوجة واحدة لم يجب القسم لها مطلقا ، بل له أن يبيت عندها متى
شاء ، ويعتزلها متى شاء ، ومن كانت عنده زوجتان فإنه لا يجب عليه القسم لها ابتداء
بل له أن يبيت حيث يشاء ، فإن بات عند
واحدة منهن ليلة وجب عليه أن يبيت عند الأخرى ، مراعاة للعدل بينهما ، وعملا
بالأمر بالمعاشرة بالمعروف. ونحو ذلك من الأدلة الدالة على وجوب العدل كما تقدم ،
فإذا ساوى بينهما في المبيت كما ذكرنا جاز له اعتزالهما وترك القسمة إلى أن يبيت
عند واحدة منهما فيلزمه المبيت عند الأخرى لما تقدم ، وهكذا ، ومثله يأتي فيما لو
كان عنده ثلاث أو أربع ، فإنه بعد كمال دوره عليهن والمساواة بينهن في ذلك الدور
له الاعراض عنهن كما في الابتداء.
ومن الأخبار الواردة في المقام ما رواه الشيخ في التهذيب
(1) عن الحسن ابن
زياد عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته
عن الرجل يكون له المرأتان وإحداهما أحب إليه من الأخرى ، إله أن يفضلها بشيء؟
قال : نعم له أن يأتيها ثلاث ليال ، والأخرى ليلة ، لأن له أن يتزوج أربع نسوة ،
فليلتاه يجعلهما حيث يشاء ـ إلى أن قال : ـ وللرجل أن يفضل نساءه بعضهن على بعض ما
لم يكن أربعا».
وما رواه في الفقيه (2) في الصحيح عن العلاء عن محمد بن مسلم
قال : «سألته عن الرجل يكون عنده امرأتان إحداهما أحب إليه من الأخرى؟ قال : له أن
يأتيها ثلاث ليال والأخرى ليلة ، فإن شاء أن يتزوج أربع نسوة كان لكل امرأة ليلة ،
ولذلك كان له أن يفضل بعضهن على بعض ما لم يكن أربعا».
وما رواه في التهذيب (3) في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله
عليهالسلام قال : «سئل عن
الرجل يكون عنده امرأتان إحداهما أحب إليه من الأخرى ، أله أن يفضل إحداهما على
الأخرى؟ قال : نعم يفضل بعضهن على بعض ما لم يكن أربعا».
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 419 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 80 ح 2.
(2) الفقيه ج 3 ص 270 ح 68 ، الوسائل ج 15 ص 81 ح 3.
(3) التهذيب ج 7 ص 420 ح 3 ، الوسائل ج 15 ص 80 ح 1.
وما رواه في كتاب قرب الاسناد (1) عن علي بن
جعفر عن أخيه عليهالسلام قال : «سألته
عن رجل له امرأتان هل له أن يفضل إحداهما على الأخرى؟ قال : له أربع ، فليجعل
لواحدة ليلة ، وللأخرى ثلاث ليال ، قال : وسألته عن رجل له ثلاث نسوة ، هل له أن
يفضل إحداهن؟ قال : له أربع ليال فليجعل لواحدة إن أحب ليلتين ، وللاخرتين لكل
واحدة ليلة ، وفي الكسوة والنفقة مثل ذلك».
وغاية ما تدل عليه هذه الأخبار ونحوها هو أنه يجوز له
التفضيل بما له من ليالي الدور بمن شاء من نسائه ما لم يكن أربعا.
وأما ما نحن فيه من الخلاف فلا دلالة ولا إشارة في هذه
الأخبار إليه ، وقد عرفت أنه على المشهور يجب عليه استئناف الدور كلما فرغ وعلى
القول الآخر لا يجب عليه بل له أن يبيت حيث شاء إلى أن يبيت عند واحدة منهن ، فيجب
عليه المبيت عند الأخرى متحدة أو متعددة.
ومما يتفرع على القولين أنه لو كان عنده منكوحات لا يجب
لهن قسمة ، فعلى الأول بعد تمام الدور لا يجوز له المبيت عند واحدة منهن إلا بإذن
مستحقة تلك الليلة ، وعلى الثاني يجوز له المبيت عند كل من لا يستحق قسمته إلى أن
يبيت عند واحدة من ذوي القسم فيجب عليه إتمام الدور ، وله بعد تمام الدور أن يعدل
إلى من لا يستحق قسمة ، وذلك واضح ، والله العالم.
الرابع : لا خلاف ولا
إشكال في أن أقل أفراد القسم لو تعددت الزوجة ليلة ليلة فإنه هو المستفاد من الأخبار
ومن سيرة النبي صلىاللهعليهوآله والأئمة
الأبرار عليهمالسلام وإنما الخلاف
والاشكال في الزيادة.
فقيل : يجوز أن يجعلها أزيد من ليلة ، ونقل عن الشيخ في
المبسوط وجمع من الأصحاب للأصل وحصول الغرض حيث تحصل التسوية بينهن في الزمان ،
ولأن الحق له ، فتقديره إليه ، وحقهن إنما هو في العدل والتسوية وهو متحقق.
__________________
(1) قرب الاسناد ص 108 مع اختلاف يسير ، الوسائل ج 15 ص 88 ب 9
ح 1 و 2.
وقيل : لا يجوز الزيادة على ليلة ، وهو اختيار المحقق في
الشرائع وغيره ، والظاهر أنه المشهور بين المتأخرين تأسيا بالنبي صلىاللهعليهوآله ، ولما فيه من
الإضرار والتضرير ، إذ قد يحصل لبعضهن القسم ، ويلحقه ما يقطعه عن القسم للباقيات
، ولا يخفى ما في هذه التعليلات العليلة من الضعف والقصور لو جوزنا بناء الأحكام
الشرعية على مثلها ، وقد أوضحه شيخنا في المسالك.
وبالجملة فإنه بالنظر إلى تعليلاتهم في المقام ، فالأول
هو الأقرب ، وقد اختلفوا أيضا في أنه على تقدير جواز الزيادة ، فهل لها قدر محدود؟
ففي المبسوط قدرها بثلاث ليال ، واعتبر في الزائد عنها رضاهن.
ونقل عن ظاهر ابن الجنيد جواز جعلها سبعا ، والظاهر ـ كما
أشرنا إليه في غير موضع مما تقدم سيما في كتب المعاملات ـ أن هذه التفريعات ونحوها
الأصل فيها العامة ، والشيخ حذا حذوهم كما هي عادته في المبسوط ، ومن تأخر عن
الشيخ أخذ ذلك عنه ، وهي بمعزل عن الأخبار ، والكلام فيها بمثل هذه التخرصات
والتخريجات مشكل ، وطريق الاحتياط يقتضي الوقوف على القسمة ليلة ليلة ، من غير
زيادة ولا نقصان ، فإنه هو المعلوم من سيرته صلىاللهعليهوآله وسيرة أبنائه
الطاهرين عليهمالسلام وشيعتهم
الماضين.
الخامس : إذا أراد
القسمة سواء قلنا بوجوبها ابتداء أو بعد الاختيار ، فقد اختلف الأصحاب في كيفية
البدأة ، فهل له أن يبدأ بمن شاء منهن ، ثم يختار ثانيا وثالثا إلى أن يتم الدور
على العدد الذي عنده ، ولا يتوقف ذلك على القرعة؟ أو أنه يجب الرجوع إلى القرعة؟
قولان ، المشهور الأول ، وهو اختيار المحقق في الشرائع والشارح في المسالك ، وعلى
الثاني فمن خرج اسمها بدأ بها ، فإن كانتا اثنتين اكتفى بالقرعة مرة واحدة ، لأن
الثانية تعينت ثانيا ، وإن كن ثلاثا أقرع بين الباقين في الليلة الثانية ، وإن كن
أربعا أقرع بين الثلاث ثانيا ثم بين الاثنين ثالثا تحرزا عن التفضيل والترجيح ،
ولأنه ليس واحدة منهن أولى
بالتقدم من الأخرى ، فالتقديم بالقرعة
عدل ، ولأن تقديم واحدة بغير قرعة يقتضي الميل إليها فيدخل في الوعيد السابق من
الخبر النبوي ، ولأن النبي صلىاللهعليهوآله كان يقرع بين
نسائه إذا أراد سفرا ويصحب من أخرجتها القرعة ، ومن هذا الكلام علم أدلة القول
الثاني.
وأما الأول فاستدل عليه في المسالك بالأصل ، ولأنه على
القول بعدم وجوب الابتداء بالقسمة ، بسبيل من الاعراض عنهن جميعا ، ولما لم يبت
عند بعضهن لا يلزم شيء للباقيات ، فلا يحتاج إلى القرعة ابتداء ، قال : وهذا أقوى
، وهو الذي اختاره المصنف والأكثر.
أقول : والكلام في هذا الفرع كغيره مما تقدم مما لا نص
فيه ولا دليل عليه ، ولهم فيه تفريعات ليس في التطويل بها مزيد فائدة بعد ما عرفت
من عدم ثبوت الأصل.
السادس : قد صرح
الأصحاب بأن الواجب في القسمة هو المضاجعة ليلا دون المجامعة ، والمراد بالمضاجعة
النوم معها على فراش واحد قريبا منها عادة بحث لا يعد هاجرا وإن لم يتلاصقا ،
قالوا : ويدل عليه التأسي ، وظاهر قوله تعالى «وَعاشِرُوهُنَّ
بِالْمَعْرُوفِ».
أقول : ويشير إليه أيضا قوله عزوجل «وَجَعَلْنَا
اللَّيْلَ لِباساً» الآية ، روى الصدوق ـ رحمة الله عليه
ـ في كتاب علل الشرائع (1) بإسناده إلى
عبد الله بن زيد بن سلام «أنه سأل رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال : أخبرني
لم سمي الليل ليلا؟ قال : لأنه يلائل الرجال من النساء ، جعله الله عزوجل ألفه ولباسا ،
وذلك قول الله عزوجل «وَجَعَلْنَا
اللَّيْلَ لِباساً وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً» (2) فقال : صدقت يا محمد صلىاللهعليهوآله» الحديث.
وأما المواقعة فلا تجب عند الأصحاب إلا في كل أربعة أشهر
مرة وقد تقدم
__________________
(1) علل الشرائع ص 470 ح 33 ط النجف الأشرف.
(2) سورة النبإ ـ آية 10 و 11.
أن مورد الخبر إنما هو المرأة الشابة
لا مطلقا.
وأما النهار فالمشهور أنه لا قسمة فيه ، ووجوب القسمة
مختص بالليل لقوله سبحانه «وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً» أي لتحصيل
المعاش ، وهو وقت التردد والانتشار في الحوائج.
وربما ظهر من كلام الشيخ في المبسوط وجوب الكون مع
صاحبته الليلة نهارا ، فإنه قال : قد بينا أن القسم يكون ليلا ، وكل امرأة قسم لها
ليلا فإن لها نهار تلك الليلة ، فإن أراد أن يبتدأ بالنهار جاز ، وإن أراد أن
يبتدأ بالليل جاز ، لكن المستحب أن يبتدأ بالليل.
وقريب منه كلام العلامة في التحرير ، لكنه جعل النهار
تابعا لليلة الماضية فقال : النهار تابع لليلة الماضية فلصاحبتها نهار تلك الليلة
، لكن له أن يدخل فيه إلى غيرها لحاجة كعبادة أو دفع نفقة أو زيارتها أو استعلام
حالها ، أو لغير حاجة ، وليس له الإطالة ، والأقرب جواز الجماع ولو استوعب النهار
قضاء لصاحبة الليلة ، انتهى.
ونقل عن ابن الجنيد أنه أضاف إلى الليلة القيلولة ، ولم
نقف له على مستند بالخصوص.
أقول : والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بالمقام ما
رواه المشايخ الثلاثة (1) عن إبراهيم
الكرخي قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل له
أربع نسوة ، فهو يبيت عند ثلاث منهن في لياليهن ويمسهن ، فإذا نام عند الرابعة في
ليلتها لم يمسها ، فهل عليه في هذا إثم؟ قال : إنما عليه أن يكون عندها في ليلتها
ويظل عندها صبيحتها ، وليس عليه أن يجامعها إذا لم يرد ذلك».
وظاهر هذه الرواية تخصيص المقام عندها نهارا بصبيحة تلك
الليلة ، وهي
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 564 ح 34 ، التهذيب ج 7 ص 422 ح 11 ، الفقيه
ج 3 ص 270 ح 68 ، الوسائل ج 15 ص 84 ب 5 ح 1.
عبارة عن أول النهار ، ويحتمل على بعد
كون هذا التعبير كناية عن مجموع النهار أيضا.
وكيف كان فإنه يظهر ضعف قول من استدل بهذه الرواية لابن
الجنيد ، والأصحاب ـ لضعف الرواية بالراوي المذكور ـ حملوها على الاستحباب ، فإنه
لا قائل بها على ظاهرها ، وقد تقدمت الرواية عن علي عليهالسلام (1) «إنه كان له
امرأتان فكان إذا كان يوم واحدة لا يتوضأ في بيت الأخرى». ولعله محمول على الفضل
والاستحباب ، ثم إن ما تقدم ذكره من تخصيص القسم بالليل ليس المراد به أنه يجب
المقام عندها من أول الليل إلى آخره بل يجب الرجوع إلى ما جرت به العادة من كون
ذلك بعد قضاء الحوائج كالصلاة في المسجد ومجالسة الضيف ونحو ذلك. نعم ليس له
الدخول في تلك الليلة عند ضربتها إلا للضرورة فيما قطع به الأصحاب ، ومن الضرورة
عيادتها إذا كانت مريضة ، وقيده في المبسوط بما إذا كان المرض ثقيلا ، وإلا لم يصح
، فإن مكث عندها وجب قضاء زمانه ما لم يقصر بحيث لا يعد إقامة عرفا ، فيأثم خاصة ،
قيل : هذا كله فيمن لا يكون كسبه ليلا كالحارس وشبهه ، وإلا فعماد القسمة في حقهم
النهار ، وحكم الليل عندهم كنهار غيرهم ، والنهار كالليل عند غيرهم في جميع ما
ذكر.
السابع : إذا اجتمع
عنده حرة وأمة بالعقد فالمشهور أن للأمة ليلة وللحرة ليلتين ، وهو مبني على جواز
الجمع بينهما ، كما تقدم تحقيقه في موضعه ، فكل موضع يجوز الجمع بينهما فإن للحرة
الثلثين ، وللأمة الثلث على المشهور ، ونقل عن الشيخ المفيد (2) ـ رحمة الله
عليه ـ أن الأمة لا قسمة لها ، والأخبار ترده.
__________________
(1) مجمع البيان ج 3 ص 121 ، الوسائل ج 15 ص 85 ح 3.
(2) أقول : صورة كلامه على ما نقله في المختلف أنه قال : «وهذا
الحكم يعني القسمة في حرائر النساء ، فأما الإماء وملك اليمين منهن فله أن يقسم
بينهن كيف شاء ، ويقيم عند
ومنها ما رواه الشيخ (1) في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما
عليهماالسلام قال : «سألته
عن الرجل يتزوج المملوكة على الحرة؟ قال : لا ، فإذا كانت تحته امرأة مملوكة فتزوج
عليها حرة قسم للحرة مثلي ما يقسم للمملوكة».
وعن محمد بن قيس (2) في الموثق عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «قضى في
رجل نكح أمة ثم وجد طولا ـ يعني استغناء ـ ولم يشته أن يطلق الأمة نفسه فيها ،
فقضى أن الحرة تنكح على الأمة ، ولا تنكح الأمة على الحرة إذا كانت الحرة أولهما
عنده ، وإذا كانت الأمة عنده قبل نكاح الحرة على الأمة ، قسم للحرة الثلثين من
ماله ونفسه ـ يعني نفقته ـ وللأمة الثلث من ماله ونفسه».
وعن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليهالسلام (3) قال : «سألته
عن الرجل يتزوج الأمة على الحرة؟ قال : لا يتزوج الأمة على الحرة ويتزوج الحرة على
الأمة ، وللحرة ليلتان وللأمة ليلة».
وما رواه في الكافي (4) والتهذيب (5) عن أبي بصير
قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن نكاح الأمة
، قال : يتزوج الحرة على الأمة ـ إلى أن قال : ـ وإن اجتمعت عندك حرة وأمة فللحرة
يومان وللأمة يوم» الحديث.
وما رواه الصدوق في الفقيه (6) مرسلا قال : «قال
أبو جعفر عليهالسلام : تزوج
__________________
كل واحدة منهن ما شاء ، وليس للأخرى عليه اعتراض في ذلك بحال.
قال في المختلف : وهذا يوهم أنه لاحق للأمة المزوجة في القسم ، فان قصد شيخنا
المفيد عدم القسمة صارت المسألة خلافية والا فلا ، انتهى. (منه ـ قدسسره ـ).
(1) التهذيب ج 7 ص 421 ح 8 ، الوسائل ج 15 ص 87 ح 1.
(2) التهذيب ج 7 ص 421 ح 6 ، الوسائل ج 15 ص 87 ح 2.
(3) التهذيب ج 7 ص 421 ح 7 ، الوسائل ج 15 ص 87 ح 3.
(4) الكافي ج 5 ص 359 ح 3 ، الوسائل ج 14 ص 392 ح 2.
(5) التهذيب ج 7 ص 335 ح 4 ، الوسائل ج 14 ص 528 ح 4.
(6) الفقيه ج 3 ص 270 ح 69 ، الوسائل ج 14 ص 393 ح 7.
الأمة على الأمة ولا تزوج الأمة على
الحرة ، وتزوج الحرة على الأمة ، فإن تزوجت الحرة على الأمة فللحرة ثلثان وللأمة
الثلث ، وليلتان وليلة».
وما رواه في الكافي (1) في الصحيح عن ابن مسكان عن أبي بصير
في حديث قال : «ولا بأس أن يتزوج الحرة على الأمة ، فإن تزوج الحرة على الأمة
فللحرة يومان وللأمة يوم».
وفي رواية محمد بن الفضيل (2) عن أبي الحسن عليهالسلام فالقسم للحرة
يومان وللأمة يوم». إلى غير ذلك من الأخبار الجارية في هذا المضمار.
قال في المسالك : والمشهور أن للأمة نصف حق الحرة ، ولما
كانت القسمة لا تصح من دون ليلة كاملة جعل للحرة ليلتان ، وللأمة ليلة ، وليكن ذلك
من ثمان جمعا بين حقهما وحق الزوج ، فيكون الذي له منها خمس ليال ولهما ثلاث ،
هكذا ذكره جماعة من المتأخرين ، ولا يخلو من نظر لأن تنصيف الليلة في في القسمة
يجوز لعوارض كما سيأتي ، فإن لم يجز ابتداء فلا مانع من كونه هنا كذلك ، ولما كان
الأصل في دور القسمة أربع ليال فالعدول إلى جعله من ثمان بمجرد ذلك مشكل.
أقول : الظاهر أن منشأ هذا الكلام هو الإجمال الذي في
بعض هذه الروايات كما في صحيحة محمد بن مسلم (3) وهي التي أوردها في هذا المقام من
قوله «قسم للحرة مثلي ما قسم للمملوكة» ونحوها موثقة محمد بن قيس (4) المشتملة أيضا
على الثلثين والثلث ، فإن ذلك يمكن بجعل نصف ليلة للأمة ، وليلة كاملة للحرة فيكون
الدور من أربع ، ولا يتوقف صحة القسمة على جعل ليلة كاملة للأمة
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 360 ح 9 ، الوسائل ج 14 ص 393 ح 3.
(2) التهذيب ج 7 ص 344 ح 40 ، الوسائل ج 14 ص 393 ح 4.
(3) التهذيب ج 7 ص 421 ح 8 ، الوسائل ج 15 ص 87 ح 1.
(4) التهذيب ج 7 ص 421 ح 6 ، الوسائل ج 15 ص 87 ح 2.
وليلتين للحرة كما ذكروه ، ولما فيه
من أنه يلزم الخروج عن الدور الأول بجعل ثمان ليال.
وفيه أنه لا يخفى أن جملة من أخبار المسألة قد خرجت
مجملة كما حكيناه ، وجملة قد اشتملت على التفصيل ، وتعيين القسمة بكونها ليلتين
وليلة ، ويومين ويوما ، فإذا حمل مجملها على مفصلها ومبهمها على مبينها ظهر أن
القسمة إنما هي على ما ذكره الأصحاب لا ما ذكره هو ، وإيراده بأن الدور يلزم أن
يكون من ثمان لا خير فيه ، بعد اقتضاء ما تضمنته الأخبار له ، وحينئذ فالعمدة فيما
ذكره الأصحاب ـ من جعل القسمة ليلة وليلتين ـ إنما هو الأخبار ، والظاهر أنها لا
تصح بدون ذلك ، وإلا لوقعت الإشارة إليه فيها ، ولعل الوجه في ذلك دون أن يكون
بنصف ليلة وليلة كاملة كما ذكر أن في ذلك رفعا للاستئناس وتنقيصا للعيش مضافا إلى
تعسر ضبط النصف غالبا ، فلا يصح أن يكون مناطا للأحكام الشرعية ، وبذلك يتضح لك ما
في قوله «فالعدول إلى جعله من ثمان بمجرد ذلك مشكل» فإن العدول إنما وقع لاقتضاء
الأخبار ـ الدالة على القسمة بالليلة والليلتين ـ ذلك ، واتفاقها على ذلك بعد حمل
مجملها على مبينها لا بمجرد ما توهم.
قيل : ويجب تفريق ليلتي الحرة في الثمان الذي هو الدور ،
بأن يكون واحدة في الأربع الاولى ، والثانية في الأربع الثانية ليقع لها من كل
أربع واحدة إن لم ترض بغيره.
وفيه أن إطلاق الأخبار المذكورة يدفعه ، والله العالم.
هذا ولو اجتمع عنده حرة وزوجة كتابية ، فالمشهور بين
الأصحاب من غير خلاف يعرف أن للكتابية مثل ما للأمة في هذه الصورة ، فلها ليلة
وللحرة المسلمة ليلتان.
والمستند في ذلك ما رواه في الكافي (1) عن عبد الرحمن
بن أبي عبد الله قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام : هل للرجل أن
يتزوج النصرانية على المسلمة والأمة على الحرة؟ فقال : لا يتزوج واحدة منهما على
المسلمة ، ويتزوج المسلمة على الأمة والنصرانية ، وللمسلمة الثلثان ، وللأمة
والنصرانية الثلث».
وبذلك يظهر ما في كلام شيخنا الشهيد الثاني في المسالك
من إنكار النص في هذه المسألة حيث قال : مساواة الحرة الكتابية للأمة في القسمة لا
نص عليه ظاهرا ، لكنه مشهور بين الأصحاب ، وذكر ابن إدريس أنه مروي ، وربما استدل
له باقتضاء الإسلام أن يعلو على غيره ، ولا يعلى عليه ، فلو ساوت المسلمة لزم عدم
العلو ، وفيه نظر ، لأن مثل ذلك لا يقاوم الأدلة العامة المتناولة لها إلى آخره.
والعجب أيضا من سبطه السيد السند في شرح النافع حيث قال
ـ بعد أن أورد الرواية المذكورة مستندا للحكم المذكور ـ ما لفظه : وسندها معتبر إذ
ليس فيه من يتوقف في حاله سوى عبد الله بن محمد بن عيسى الأشعري ، فإنه غير موثق ،
لكن كثيرا ما يصف الأصحاب روايته بالصحة ، مع أن عدم ظهور الخلاف في المسألة كاف
في إثبات هذا الحكم ، انتهى.
أقول : لا يخفى ما فيه على الفطن النبيه من الوهن
والتستر بما هو أوهن من بيت العنكبوت وإنه لأوهن البيوت ، ولكن هذا عادة أصحاب هذا
الاصطلاح المحدث إذا ضاق عليهم الخناق واضطروا إلى العمل بالرواية الضعيفة
باصطلاحهم لستروا بأمثال هذه الأعذار السخيفة ، وهو أظهر دليل على ضعف اصطلاحهم
كما تقدم تحقيقه في غير موضع.
وكذا قوله «مع أن عدم ظهور الخلاف في المسألة كاف في
إثبات الحكم» فإن فيه أن غاية ما يستندون إليه مع فقد النصف بالإجماع ، وهو هنا
مما لم يدعه أحد ، ومجرد عدم ظهور الخلاف لا يدل على العدم ، والأحكام الشرعية
مطلوب فيها وجود الأدلة الشرعية ، وإلا كان قولا على الله بغير علم ، فيدخل قائله
تحت
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 359 ح 5 ، الوسائل ج 14 ص 419 ح 3.
ذم الآيات والروايات المتضمنة لذلك.
وبالجملة فإن كلامه ـ رحمة الله عليه ـ هنا بمحمل من
الضعف والقصور.
قالوا : ولو كانت الزوجة أمة كتابية ، فالظاهر أنها
تستحق من القسم نصف ما تستحقه الأمة المسلمة فيكون لها مع الحرة المسلمة ربع
القسمة ، فتصير القسمة من ستة عشر ليلة للأمة الكتابية منها ليلة ، وللحرة المسلمة
أربع ، والباقي للزوج ، حيث لا يكون له غيرهما ، ولا يخفى أن اجتماع المختلفات
يتشعب إلى صور كثيرة تعرف أحكامها بالمقايسة إلى ما ذكرناه.
الثامن : المشهور بين
الأصحاب أن البكر تختص عند الدخول بسبع ، والثيب بثلاث ، وبه صرح المحقق في
الشرائع ، وقال في النافع : وتختص البكر عند الدخول بثلاث إلى سبع ، والثيب بثلاث.
ونقل عن الشيخ في النهاية وكتابي الأخبار أن اختصاص البكر بالسبع على وجه
الاستحباب ، وأما الواجب لها ثلاث ، والظاهر أن عبارة النافع مبنية على هذا القول.
وقال ابن الجنيد : إذا دخل ببكر وعنده ثيب واحدة فله أن
يقيم عند البكر أول ما يدخل بها سبعا ثم يقسم ، وإن كان عنده ثلاث ثيب أقام عند
البكر ثلاثا حق الدخول ، فإن شاء أن يسلفها من يوم إلى أربعة تتمة سبعة ويقيم عند
كل واحدة من نسائه مثل ذلك ثم يقسم لهن جاز ، والثيب إذا تزوجها فله أن يقيم عندها
ثلاثا حق الدخول ، ثم يقسم لها ولمن عنده واحدة كانت أو ثلاثا قسمة متساوية ،
انتهى.
والأصل في ذلك الأخبار وباختلافها ، اختلفت هذه الأقوال
في مقام الجمع بينها ، فالواجب أولا نقل ما وصل إلينا من أخبار المسألة ، ثم
الكلام بما وفق سبحانه لفهمه منها ببركة أهل الذكر عليهمالسلام.
فمنها ما رواه في الكافي (1) عن عبد الرحمن
بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليهالسلام
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 565 ح 40 ، الوسائل ج 15 ص 82 ح 4.
«في الرجل تكون عنده المرأة فيتزوج
اخرى ، كم يجعل للتي يدخل بها؟ قال : ثلاثة أيام ، ثم يقسم». وهذه الرواية كما ترى
مطلقة ، وليس فيها دلالة على خصوص شيء من الفردين اللذين هما محل البحث.
وما رواه في الكافي (1) عن هشام بن سالم في الصحيح أو الحسن
عن أبي عبد الله عليهالسلام «في الرجل
يتزوج البكر ، قال : يقيم عندها سبعة أيام».
وما رواه الشيخ في التهذيب (2) عن الحضرمي عن
محمد بن مسلم قال : «قلت لأبي جعفر عليهالسلام : رجل تزوج
امرأة وعنده امرأة؟ فقال : إن كانت بكرا فيلبت عندها سبعا ، وإن كانت ثيبا فثلاثا».
وعن ابن أبي عمير عن غير واحد عن محمد بن مسلم (3) قال : «قلت :
الرجل يكون عنده المرأة يتزوج الأخرى ، أله أن يفضلها؟ قال : نعم ، إن كانت بكرا
فسبعة أيام ، وإن كانت ثيبا فثلاثة أيام». وهذه الرواية رواها الصدوق في كتابه عن
ابن أبي عمير ، وطريقه اليه صحيح ، فتكون الرواية صحيحة ، ولا يضر الإرسال إن لم
يكن مؤكدا للصحة ، لأن الرواية عن غير واحد مما يؤذن بالاستفاضة ، وهي أظهر في
الصحة عن الرواية عن الثقة المتحد ، وهذه روايات السبع.
وما رواه الشيخ في التهذيب (4) عن الحسن بن
زياد عن أبي عبد الله عليهالسلام في حديث قد
تقدم قريبا ، قال فيه : «قلت : فيكون عنده المرأة فيتزوج جارية بكرا؟ قال :
فليفضلها حين يدخل بها بثلاث ليال» الخبر.
وعن سماعة (5) في الموثق قال : «سألته عن رجل كانت
له امرأة فيتزوج عليها ، هل يحل له أن يفضل واحدة على الأخرى؟ قال : يفضل للمحدثة
حدثان
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 565 ح 39 ، الوسائل ج 15 ص 82 ح 3.
(2) التهذيب ج 7 ص 420 ح 4 ، الوسائل ج 15 ص 82 ح 5.
(3) التهذيب ج 7 ص 420 ح 4 بتفاوت في السند والمتن ، الفقيه ج
3 ص 269 ح 66 ، الوسائل ج 15 ص 81 ح 1.
(4 و 5) التهذيب ج 7 ص 410 ح 1 و 2، الوسائل ج 15 ص 82 ح 7 و 8.
عرسها بثلاثة أيام إذا كانت بكرا ثم
يسوي بينهما بطيبة نفس إحداهما للأخرى».
وعن الحلبي (1) في الصحيح عن أبي عبد الله عليهالسلام في حديث تقدم
، قال فيه :
«وقال : إذا تزوج الرجل بكرا وعنده ثيب فله أن يفضل
البكر ثلاثة أيام». وهذه الروايات الثلاث.
هذا ما وقفت عليه من الأخبار في المسألة ، والشيخ قد جمع
بينها بحمل أخبار السبع على الجواز ، والثلاث على الأفضل ، قال : لأن الأفضل أن لا
يفضل البكر أكثر من ثلاث ليال عندنا في عرسها.
أقول : ظاهر حسنة محمد بن مسلم وجوب السبع للبكر والثلاث
للثيب ، لقوله فيها «فليبت» وهو أمر باللام ، إلا أنه يعارضها في ذلك لفظ الأمر
أيضا بالتفضيل بثلاث في رواية الحسن بن زياد ، والظاهر أنه لا مندوحة عما ذكره
الشيخ من الجمع المذكور ، وأن البكر أكثر ما تفضل به السبع ، وأقله الثلاث ،
والثيب بالثلاث خاصة.
إنما يبقى الكلام في الوجوب ، وأكثر أخبار المسألة ظاهر
في الجواز مثل قوله «وله أن يفضل» ويحمل الأمر في الروايتين اللتين ذكرناهما على
على الاستحباب ، وأن أقل مراتبه الثلاث وأكثرها السبع ، ولم أقف على مصرح بالوجوب
صريحا في كلامهم.
بقي الكلام هنا في مواضع : الأول : ظاهر النص والفتوى
أنه لا فرق في الزوجة بين الحرة والأمة ، ولا في الثيب بين من ذهب بكارتها بجماع
أو غيره ، ونقل عن العلامة في النهاية أنه استقرب تخصيص الأمة بنصف ما تختص به ،
لو كانت حرة ورجح في القواعد المساواة ، والروايات كما ترى مطلقة.
الثاني ، قال في المسالك : يجب التوالي في الثلاث والسبع
، لأن الغرض لا يتم إلا به ، ويتحقق بعدم خروجه في الليل إلى عنده واحدة من نسائه
مطلقا
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 420 ح 3 ، الوسائل ج 15 ص 82 ح 6.
على حد ما يعتبر في القسمة ، ولا إلى
غيرها لغير ضرورة أو طاعة كصلاة جماعة ونحوها مما لا يطول زمانه ، وإن كان طاعة
لأن المقام عندها واجب فهو أفضل من المندوب.
أقول : ظاهر هذا الكلام وجوب السبع والثلاث ، وهو مشكل
لعدم الدليل الواضح عليه من الأخبار ، وجملة منها إنما دلت على أن له أن يفضل ،
وظاهر هذه العبارة إنما هو الجواز ، وأما بعض الأخبار الدالة على ذلك بلفظ الأمر
فقد عرفت ما فيه من تعارض الخبرين بالثلاثة في أحدهما والسبعة في الآخر ، ولا طريق
في الجمع بينهما إلا بحمل الأمر على الاستحباب والترتيب فيه بمعنى أن أقل أفراد
الفضل ثلاثة وأكثرها سبعة.
وبالجملة فالقول بالوجوب يحتاج إلى دليل من النصوص واضح
الدلالة صريح المقالة ، وظاهر كلامه أن مستنده في الوجوب إنما هو الغرض المترتب
على ذلك ، وهو إشارة منه إلى ما قدمه في صدر البحث حيث قال ـ بعد ذكر تخصيص البكر
بسبع ، والثيب بثلاث ـ ما لفظه : والمقصود منه أن ترتفع الحشمة وتحصل الألفة
والانس ، وخصت البكر بزيادة ، لأن حياءها أكثر. انتهى ، وفيه أن هذه العلة غير
منصوصة بل هي مستنبطة فلا يكون حجة.
وبالجملة فإني لا أعرف على الوجوب دليلا واضحا ، وأصالة
براءة الذمة أقوى متمسك حتى يقوم دليل واضح على ما يوجب شغلها. نعم ما ذكره من من
التوالي هو المتبادر من ظواهر الأخبار المذكورة ، وأما كونه على جهة الوجوب فغير
واضح.
ووجه استفادة التوالي منها كما ذكرنا هو قوله عليهالسلام في رواية عبد
الرحمن ابن أبي عبد الله «ثلاثة أيام ثم يقسم». وفي موثقة سماعة «ثلاثة أيام ثم
يسوي بينهما». فإن ظاهرهما هو توالي الثلاثة ثم القسمة الشرعية بعد ذلك ، على أنهم
صرحوا في مسألة ثلاثة أيام التي هي أقل الحيض وعشرة أيام الإقامة بأن المتبادر
من ذلك هو التوالي ، والظاهر أنه هنا
كذلك.
ويعضده أن التوالي هو المعمول عليه في جميع الأعصار
والأمصار من زمن النبي صلىاللهعليهوآله إلى يومنا هذا
، وإطلاق الأخبار إنما يحمل على الأفراد المتعارفة المتكررة دون الفروض النادرة
التي ربما لا توجد ، وإنما تذكر فرضا كما هنا.
الثالث : روى الصدوق في كتاب علل الشرائع (1) عن محمد بن
الحسن عن الصفار عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن الحسين بن علوان عن الأعمش
عن عباية الأسدي عن عبد الله بن عباس في حديث «أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم تزوج زينب بنت
جحش فأولم وأطعم الناس ـ إلى أن قال : ولبث سبعة أيام بلياليهن عند زينب ثم تحول
إلى بيت أم سلمة وكان ليلتها وصبيحة يومها من رسول الله صلىاللهعليهوآله».
أقول : ما دل عليه هذا الخبر من إقامته صلىاللهعليهوآلهوسلم سبعة أيام عند
زينب مع كونها ثيبا ، ظاهر المخالفة لما تقدم من الأخبار المتفقة على أن الثيب ليس
لها إلا ثلاثة أيام ، والأخبار إنما اختلفت في البكر دون الثيب ، إلا أن الخبر
سنده غير نقي كما عرفت ، فإن صح وجب قصره على مورده وتخصيصه صلىاللهعليهوآلهوسلم بذلك ، وأن
مورد تلك الأخبار ما عداه صلىاللهعليهوآلهوسلم وظاهر الخبر
المذكور أن الدخول بزينب كان في ليلة أم سلمة ، وهي حقها من القسم ، وأنه صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد إقامة
السبعة عند زينب تحول إلى بيت أم سلمة حيث كان الدخول بزينب في ليلتها ، والظاهر
أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم استمر على
القسم بعد ذلك كما كان أولا.
وظاهره في المسالك أنه لو كان التزويج في أثناء القسم
ظلم على من بقي بتأخير حقها بعد حضوره ، وأنه يجب التخلص بما ذكره في سابق هذا
الكلام ، مما لا أعرف له وجه استقامة في المقام ، فليراجع إليه من أحب الوقوف
عليه.
الرابع : ظاهر أكثر الأصحاب أنه لا فرق هنا في الزوجة
بين الأمة والحرة عملا بعموم الأدلة.
__________________
(1) علل الشرائع ص 65 ط النجف الأشرف ، الوسائل ج 15 ص 81 ح 2.
ونقل عن العلامة في التحرير أنه استقرب تخصيص الأمة بنصف
ما يختص به لو كانت حرة كالقسم في دوام النكاح ، فكما أنها في القسم إنما لها نصف
الحرة فكذا هنا ، وفي القواعد رجح المساواة.
ثم إنه على القول بالتشطير كما قربه في التحرير ففي
كيفيته وجهان :
(أحدهما) أن يكمل المنكسر فيثبت للبكر أربع ليال ،
وللثيب ليلتان.
و (ثانيهما) ـ وهو أصحهما على ما ذكره في المسالك ـ أن
للبكر ثلاث ليال ونصفا ، وللثيب ليلة ونصفا ، قال : لأن المدة قابلة للتنصيف ،
فيخرج عند انتصاف الليل إلى بيت منفردا ومتحدا ، ثم قال : وتعتبر الحرية والرقية
بحال الزفاف ، فلو نكحها وهي أمة ، وزفت إليه وهي حرة فلها حق الحرائر ، انتهى.
التاسع : المفهوم من
كلام جملة من الأصحاب سقوط القسمة بالسفر ، بمعنى أنه متى أراد سفرا وأحب أن يصحب
بعض نسائه دون بعض فإن له ذلك ، ولا يجب عليه القضاء لمن خلفهن بعد الرجوع.
واحتجوا على ذلك بأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يفعل ذلك
، ولم ينقل عنه القضاء ، ولو وقع لنقل ، وقيد بعضهم عدم القضاء بما إذا صحب من
أراده بالقرعة ، ولو صحبها بمجرد الميل القلبي قضى ، لأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ما كان يخرج
معه واحدة إلا بالقرعة ، ولهذا أنه لم يقض ، وصحبتها دون غيرها بمجرد الميل القلبي
من غير قرعة لا يخلو من الظلم لغيرها والميل على الباقين ، ومن أطلق نظر إلى أن
السفر لا حق للنساء فيه ، ومن ثم جاز انفراده به.
وأورد عليه بالفرق بين الأمرين ، فإن جواز ذلك له منفردا
لا يستلزم جواز صحبة من أراد بمجرد الميل إليها.
ثم إنه مع الإطلاق أو التقييد بالقرعة هل يعم الحكم لكل
سفر النقلة والإقامة كإرادة الانتقال إلى بلد والتوطن فيها ، وسفر الغيبة الذي
يريد الرجوع بعد قضاء غرضه إلى بلده كسفره للتجارة ونحوها؟ قولان :
(أحدهما) العموم ، معللا بأن السفر لا حق لهن فيه ، ولا
مزية لسفر على سفر ، ولأن الاشتغال بمشقة السفر وعناية يمنع من حقوق القسمة وخلوص
الصحبة ، والتفرد بالخلوة التي هي غاية القسمة.
و (ثانيهما) الاختصاص بسفر الغيبة فيقضى في سفر النقلة ،
قالوا : والفرق بينهما أن سفر النقلة لا يختص ببعضهن ، بل يحتاج إلى نقلهن جميعا ،
فلا يخصص واحدة بالاستصحاب كما في الحضر ، فإن صحب بعضهن قضى للباقين ، بخلاف
السفر الآخر ، إذ لا حق لهن فيه.
قالوا : وفي حكم سفر النقلة الإقامة في سفر الغيبة بحيث
يخرج عن اسم المسافر بالتمام أو ما في معناه : لأنه بالإقامة على ذلك الوجه يصير
كالحاضر في التمتع بالزوجة ، والخروج عن مشقة السفر.
أقول : ولم أقف بعد التتبع على نص في هذا المقام بحيث
يمكن الرجوع إليه في استنباط شيء من هذه الأحكام. نعم من المشهورات الذايعات بين
الخاصة والعامة صحبته صلىاللهعليهوآلهوسلم لبعض نسائه في
السفر ، وأن ذلك بالقرعة ، حتى أن أبا حنيفة ـ فيما نقله عنه العامة والخاصة ـ قد
رد على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في مواضع منها
هذا الموضع ، فقال : إنه كان يصحب بعض نسائه بالقرعة ، والقرعة عندي قمار ،
والظاهر أن جميع ما ذكره الأصحاب هنا تبعا للشيخ في المبسوط وغيره إنما هو من
تفريعات العامة على ما عرفت في غير مقام مما تقدم ، والاعتماد في تأسيس الأحكام
على مجرد هذه التعليلات العقلية لا يوافق أصول مذهبنا المبنية على الكتاب والسنة ،
وأن ما عداهما مما تكاثرت الآيات والأخبار بالمنع من الاعتماد عليه والرجوع في
الأحكام الشرعية إليه ، والواجب الرجوع فيما لم ترد به النصوص إلى الاحتياط
والوقوف فيه على سواء ذلك الصراط كما وردت به أخبارهم عليهمالسلام.
العاشر : من المستحبات
عند الأصحاب في هذا المقام أن يقرع بينهن إذا
أراد أن يصحب بعضهن في السفر معه
تأسيا بالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فإنه كان يقرع
بينهن لذلك كما تقدم ، وكيفية القرعة هنا أن يكتب أسماء النسوة في رقاع بعددهن ،
ويدرجها في بنادق متساوية ، ويضعها على وجه لا يتميز ويخرج منها واحدة على السفر ،
فمن خرج منها صحبها ، وإن أراد استصحاب اثنتين معه أخرج رقعة أخرى ، وهكذا. وإن
شاء أثبت الحضر في ثلاث رقاع والسفر في واحدة وأدرجها ثم يخرج رقعة على اسم واحدة
فإن خرجت رقعة السفر صحبها ، وإن خرجت من رقاع الحضر أخرج رقعة أخرى على اسم اخرى.
وهكذا حتى يبقى رقعة السفر ، فيتعين المتخلفة ، وإذا أراد السفر باثنتين أثبت
السفر في رقعتين والحضر في رقعتين ، ثم إنه بعد خروج القرعة ، على من تخرج عليه من
واحدة أو أكثر لا يكون ذلك موجبا لاستصحابها بل يجوز له أن يجعلها مع المتخلفات ،
لكن هل يجوز له مع تركها أن يستصحب غيرها؟ منع منه الشيخ في المبسوط وإلا لانتفت
فائدة القرعة.
وقيل : يجوز ذلك لأنها ليست من الملزمات ، فإن الاستصحاب
تبرع ، حيث إن زمان السفر لا يستحق الزوجات فيه القسم ، وإنما فائدة القرعة دفع
المشقة ، والشحناء عن قلوب المتخلفات حيث لم يصحبهن وصحب من يريد بمجرد الميل
والهوى ، وإذا كان صحبتها بالقرعة التي هي من الله عزوجل ارتفع ذلك من
قلوبهن ، والفرق بين تركها مع المتخلفات وعدم أخذ غيرها ، وبين تركها وأخذ غيرها ـ
حيث جاز الأول بلا خلاف دون الثاني ـ أن القرعة لا يوجب الصحبة وإنما تعين من
يستحق التقديم على تقدير إرادته ، وكيف كان فالأولى مراعاة القرعة.
ومنها استحباب التسوية بين الزوجات في الإنفاق وحسن
المعاشرة وطلاقه الوجه والجماع ونحو ذلك ، لما في ذلك من رعاية العدل والإنصاف.
ومن الأخبار الجارية في هذا المضمار ما رواه الصدوق (1) مرسلا قال : «قال
__________________
(1) الفقيه ج 3 ص 281 ح 13 و 14 وص 362 ح 11 ، الوسائل ج 14 ص
122 ح 5 و 8 و 9.
الصادق عليهالسلام : رحم الله
عبدا أحسن فيما بينه وبين زوجته ، فإن الله تعالى قد ملكه ناصيتها وجعله القيم
عليها. قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : خيركم خيركم
لنسائه ، وأنا خيركم لنسائي. قال : وقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : عيال الرجل
أسراؤه ، وأحب العباد إلى الله تعالى أحسنهم صنعا إلى أسرائه».
وروى الشيخ في التهذيب (1) عن عبد الملك
بن عتبة الهاشمي قال : «سألت أبا الحسن عليهالسلام عن الرجل يكون
له امرأتان يريد أن يؤثر إحداهما بالكسوة والعطية ، أيصلح ذلك؟ قال : قال : لا بأس
بذلك واجتهد في العدل بينهما».
وعن معمر بن خلاد (2) قال : «سألت أبا الحسن عليهالسلام هل يفضل الرجل
نساءه بعضهن على بعض؟ قال : لا ، ولكن لا بأس به في الإماء». والنهي في هذا الخبر
محمول على الكراهة جمعا بينه وبين ما تقدمه ، وقد تقدمت الرواية عن علي (3) أنه إذا كان
يوم واحدة ، لا يتوضأ في بيت الأخرى.
ومنها أن يكون صبيحة ذلك اليوم عند صاحبة الليلة لما
تقدم في المورد الخامس من رواية إبراهيم الكرخي الدالة على أنه إنما عليه أن يكون
عندها في ليلتها ، ويظل عندها صبيحتها ، وقد تقدم أن الحمل على الاستحباب إنما هو
من حيث ضعف سند الرواية ، وإلا فلو كانت صحيحة لحكم بالوجوب ، وحينئذ فمن لا يرى
العمل بهذا الاصطلاح فالحكم عنده الوجوب كما هو ظاهر كلام الشيخ في المبسوط
المتقدم ذكره ثمة.
ومنها أنه يستحب له أن يأذن لها في عيادة مرض أبيها
وأمها وحضور موتهما ونحوهما من أقاربها أيضا ، وله منعها عن ذلك ، كذا ذكره
الأصحاب.
وعللوا الأول بما في عدم ذلك من التأدية إلى الوحشة
وقطيعة الرحم.
__________________
(1 و 2) التهذيب ج 7 ص 422 ح 9 و 10، الوسائل ج 15 ص 83 ح 1 و
2.
(3) مجمع البيان ج 3 ص 121 ، الوسائل ج 15 ص 85 ح 3.
وأما الثاني فيدل عليه ما رواه الكليني (1) عن عبد الله
بن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إن
رجلا من الأنصار على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم خرج في بعض
حوائجه فعهد إلى امرأته عهدا أن لا تخرج من بيتها حتى يقدم قال : وإن أباها مرض
فبعثت المرأة إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقالت : إن
زوجي خرج وعهد إلي أن لا أخرج من بيتي حتى يقدم ، فإن أبي قد مرض ، فتأمرني أن
أعوده؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : لا اجلسي في
بيتك وأطيعي زوجك ، قال : فثقل فأرسلت إليه ثانيا بذلك ، فقالت : فتأمرني أن أعوده؟
فقال : اجلسي في بيتك وأطيعي زوجك ، قال : فمات أبوها فبعثت إليه أن أبي قد مات
فتأمرني أن أصلي عليه ، فقال : لا اجلسي في بيتك وأطيعي زوجك ، قال : فدفن الرجل
فبعث إليها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إن الله قد
غفر لك ولأبيك بطاعتك لزوجك».
أقول : ما عللوا به الحكم الأول عليل لا يصلح للاستدلال
، فإن الاستحباب حكم شرعي كالوجوب والتحريم لا يثبت إلا بدليل من الكتاب والسنة أو
الإجماع عند من يرى حجيته ، لا بمثل هذه المناسبات والتقريبات العقلية.
وبالجملة فإني لم أقف على نص يدل على استحباب ذلك له مع
عدم صراحة الرواية المذكورة في أن له المنع من ذلك.
الحادي عشر : لو وهبت إحدى
الزوجات حقها من القسم للزوج أو لبعض نسائه
جاز ، لكن لا يجب على الزوج القبول لأن الاستمتاع بها حق
له في الجملة ، فإن رضي بذلك جاز.
ويدل على جواز ذلك ما رواه الشيخ (2) عن علي بن
جعفر عن أخيه موسى ابن جعفر عليهالسلام قال : «سألته
عن رجل له امرأتان ، قالت إحداهما ليلتي ويومي
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 513 ح 1 ، الفقيه ج 3 ص 280 ح 8 ، الوسائل ج
14 ص 125 ح 1.
(2) التهذيب ج 7 ص 474 ح 110 ، الوسائل ج 15 ص 85 ح 2.
لك يوما أو شهرا أو ما كان ، أيجوز
ذلك؟ قال : إذا طابت نفسها واشترى ذلك منها فلا بأس». وظاهر الخبر حصول المعاوضة
عن الهبة المذكورة ، والتعبير بالشراء والبيع مجاز ، لأن البيع والشراء متعلقة
بالأعيان المالية ، وإن كان للشيخ قول كما تقدم في كتاب البيع بتعلقه بالمنافع
ونحوها. وكيف كان فالظاهر أن المراد المعاوضة عليه في الجملة.
هذا بالنسبة إلى هبته للزوج ، وفي معنى هذا الخبر أخبار
أخر تأتي إن شاء الله تعالى في النشوز.
وأما الهبة لبعض الزوجات فيدل عليه ما نقله في المسالك
من رواية سودة بنت زمعة زوجة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قال بعد ذكر
الحكم المذكور ، والأصل في ذلك ما روي (1) أن سودة بنت زمعة لما كبرت وهبت
ليلتها لعائشة ، وكان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يقسم لها يوما
ويوم سودة.
أقول : الظاهر أن هذه الرواية من روايات العامة فإني لم
أقف بعد التتبع عليها في شيء من كتب أخبارنا ، وعلى هذا فلو كانت الهبة لبعض
الزوجات ، فإن كانت ليلة الواهبة متصلة بليلة الموهوبة بات عند الموهوبة ليلتين
متواليتين ، وإن كانت منفصلة فالأظهر أنه تبقى على ما كان سابقا ، بمعنى أنه يبيت
عند الموهوبة فيها من غير أن يجوز له تقديمها وجعلها متصلة بليلة الموهوبة ، لأن
من الجائز رجوع الواهبة في تلك الأيام للمتوسطة ، وبالتقديم يفوت حق الرجوع ولو
كانت الهبة للزوج فهو مخير في وضعها حيث شاء ، لكن الظاهر أنه ليس تقديمها على
ووقتها ، فينظر مع ذلك في ليلة التي يريد تخصيصها بها ، فإن كانتا متواليتين فلا إشكال
، وإلا أخر المبيت بها عندها إلى ذلك الوقت ، لعين ما تقدم ، وإن وهبتها لجميع
نسوته كان القسم كما لو لم تكن ، واختص القسم بمن عداها.
بقي الكلام هنا في شيئين (أحدهما) أنه ينبغي أن يعلم أنه
لما كانت الهبة
__________________
(1) سنن ابن ماجة ج 1 ص 634 ب 48 ح 1972 ، سنن ابى داود ج 2 ص
243 ح 2135.
مشروطة برضاء الزوج كما تقدم ، وكانت
هذه الهبة في معنى الاسقاط للحق والمسامحة به ، فلزومها إنما يمكن باعتبار الزمان
الماضي بمعنى أنه لو رجعت فيما مضى لم يجب قضاؤه لخروجه عن ملكها بالهبة والقبض
وانتقاله إلى الموهوب ، وأما المستقبل فلا تلزم الهبة فيه ، بل لها الرجوع كما
عرفت ، لأنه متجدد لا يمكن قبضة وإنما هو بمعنى الاسقاط لا هبة حقيقة ، حتى أنها
لو رجعت في أثناء الليل وجب على الزوج الانتقال والخروج مع العلم من عند الموهوبة
إليها ، وما مضى فلا تأثير للرجوع فيه لجريان الهبة فيه.
و (ثانيهما) أنه لو طلبت عوضا عن هذه الهبة فأجابها
الزوج والضرات. فهل يكون العوض المذكور لازما أم لا؟ نقل عن الشيخ في المبسوط
الثاني محتجا بأن العوض إنما يكون في مقابلة عين أو منفعة ، وهذا الحق ليس عينا
ولا منفعة ، وإنما هو مأوى ومسكن فلا تصح المعاوضة عليه بالمال.
والمحقق في الشرائع نقل هذا القول بلفظ «قيل» مؤذنا
بتمريضه وتضعيفه أو تردده فيه ، ووجهه في المسالك بمنع انحصار المعاوضة في الأمرين
المذكورين ، قال : لجواز المعاوضة بالصلح على حق الشفعة والتحجير وغيرهما من
الحقوق.
أقول : قد عرفت من ظاهر رواية علي بن جعفر المتقدمة صحة
ذلك ، وإن عبر عنه بالشراء مجازا والمراد الكناية عن المعاوضة عليه ، وبذلك يظهر
قوة القول الأول.
الثاني عشر : لا قسمة
للصغيرة ولا الناشزة عند الأصحاب ، وعلل بأن القسمة كالنفقة التي هي من جملة
الحقوق الواجبة ، فمن لا يستحق النفقة لصغر أو نشوز لا تستحق القسمة.
وأما المجنونة فإن كان جنونها أدوارا فظاهرهم أن لها
نصيب من القسمة ، وإن كان مطبقا فظاهر جمع منهم إطلاق عدم القسمة لها ، وإن استحقت
النفقة ، إذ لا عقل لها حتى يدعوها إلى الانس بالزوج والتمتع به ، وفصل آخرون
فخصوا عدم القسمة بما إذا كان يخاف أذاها ، ولم يكن لها شعور بالإنس به ، وإلا قسم
لها.
وأما المسافرة فإن كان سفرها بغير إذنه في غير واجب فهي
ناشزة لا تستحق قسمة ، وإن كان واجبا مضيقا كالحج الواجب بالأصل والنذر المعين
فظاهرهم أنه لا يسقط حقها بل يجب القضاء لها بعد الرجوع ، ولو كان السفر بإذنه في
غرض لها غير الواجب أو الواجب الموسع فهل تستحق قسمة أم لا؟ قولان : أولهما
للعلامة في التحرير ، وثانيهما له في القواعد. ووجه الأول أنه بالإذن لها وإن فات
حقه ، إلا أن حقها باق فيجب القسم لها ، ووجه الثاني فوات التمكين والاستمتاع
المستحق عليها لأجل مصلحتها ، والاذن إنما يؤثر في سقوط الإثم عنها ، وفوات
التسليم المستحق عليها ، وإن كان بسبب غير مأثوم فيه ، لكنه يوجب سقوط ما يقابله
وهو القسم ، كما إذا فات تسليم المبيع قبل القبض بسبب تعذر التسليم فيه ، فإنه
يسقط تسليم الثمن ، وحيث يحكم بالوجوب في هذه المواضع أو عدم الوجوب ، فالمراد
وجوب القضاء وعدم وجوبه ، وظاهره في المسالك التوقف هنا حيث اقتصر على نقل القولين
المذكورين والوجه فيهما ولم يرجح شيئا ، ولم أقف في هذا الموضع على شيء من النصوص
إلا أن جملة من الأحكام المذكورة في المقام مما تقتضيه القواعد الشرعية والضوابط
المرعية.
المقالة الثانية في النشوز والشقاق ، والكلام فيها
يقع في مقامين :
الأول في النشوز : وهو لغة
الارتفاع ، وشرعا الخروج عن الطاعة ، يقال : نشز الرجل ينشز نشزا ، إذا كان قاعدا
فنهض قائما ، ومنه قوله عزوجل «وَإِذا
قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا» (1) أى انهضوا إلى
أمر من أمور الله تعالى.
قالوا : وسمى خروج أحد الزوجين عن طاعة الآخر نشوزا ،
لأنه بمعصيته قد ارتفع وتعالى عما أوجب الله عليه من ذلك ، ولذلك خص النشوز بما
إذا كان الخروج من أحدهما ، لأن الخارج ارتفع على الآخر ، فلم يقم بحقه أو عن
__________________
(1) سورة المجادلة : آية 11.
الحق ، ولو كان الخروج منهما معا خص
باسم الشقاق ـ كما سيأتي ـ لا النشوز ، لاستوائهما معا في الارتفاع فلم يتحقق
ارتفاع أحدهما عن الآخر.
أقول : في كتاب المصباح المنير (1) : نشزت المرأة
من زوجها نشوزا ـ من بابي قعد وضرب ـ عصت زوجها وامتنعت عليه ، ونشز الرجل من
امرأته نشوزا ـ بالوجهين ـ تركها وجفاها ، وفي التنزيل «وَإِنِ
امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً» (2) وأصله الارتفاع ، يقال : نشز من
مكانه نشوزا ـ بالوجهين ـ إذا ارتفع عنه. انتهى ، ومقتضى هذا الكلام إطلاق النشوز
لغة على المعنى الشرعي.
ونحو هذه العبارة فيما ذكرناه عبارة القاموس (3) ، وحينئذ فما
ذكره الأصحاب من أنه لغة بمعنى الارتفاع وشرعا بمعنى الخروج عن الطاعة غير جيد ،
لما عرفت من أنه يطلق لغة على المعنيين المذكورين.
إذا تقرر ذلك فاعلم أن النشوز قد يكون من الزوجة ، وقد
يكون من الزوج ، وإلى الأول يشير قوله عزوجل «وَاللّاتِي
تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ
وَاضْرِبُوهُنَّ» (4) وإلى الثاني
يشير قوله عزوجل «وَإِنِ
امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما
أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما» الآية ، فالكلام هنا يقع في موضعين :
الأول : في نشوز
المرأة ، والأصل في هذا المقام الآية المتقدمة ، وهي قوله تعالى «وَاللّاتِي
تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ» الآية ، إلا أنه قد وقع الكلام فيها
في مواضع :
الأول : إنه هل تثبت هذه الأمور المذكورة في الآية مع
تحقق النشوز أو ظهور أماراته قبل وقوعه أو معهما؟ فقيل : إن المراد بخوف النشوز
توقعه ،
__________________
(1) المصباح المنير ص 831.
(2) سورة النساء ـ آية 128.
(3) القاموس المحيط ج 2 ص 194.
(4) سورة النساء ـ آية 34.
وقال الفراء على ما نقله في كتاب مجمع
البيان (1) تعلمون نشوزهن
، قال : وقد يكون الخوف بمعنى العلم ، وهو ظاهر جملة من الأصحاب كما سيظهر لك إن
شاء الله تعالى.
الثاني : إن هذه الأمور الثلاثة المذكورة في الآية على
التخيير أو الجمع أو الترتيب بالتدرج من الأخف إلى الأثقل ، وهو جل شأنه قد ذكر
الثلاثة متعاطفة بالواو ، والمفيدة للجمع ، وقد ذهب ابن الجنيد إلى الجمع في هذه
الأمور الثلاثة كما هو ظاهر الواو ، وجعلها مترتبة على النشوز بالفعل ، ولم يتعرض
للحكم مع ظهور أماراته ، وكأنه حمل الخوف على معنى العلم كما تقدم نقله عن الفراء
، وأبقى الواو على ظاهرها من إفادة الجمع ، وذهب جمع منهم المحقق في النافع إلى أن
هذه الأمور الثلاثة مترتبة ، لكن المحقق اعتبر في الوعظ ظهور أمارة العصيان ، وفي
الهجر عدم إفادة الوعظ ، وفي الضرب عدم إفادة الهجر.
وأنت خبير بأنه إذا لم يفد الوعظ يكون النشوز متحققا
بالفعل.
والعلامة في الإرشاد جعل الأمور الثلاثة مترتبة على
النشوز بالفعل مع كونها في نفسها مرتبة وهو ظاهر كلام الثقة الجليل علي بن إبراهيم
الآتي إن شاء الله تعالى.
وظاهر جماعة منهم المحقق في الشرائع والعلامة في القواعد
جعل الأمور الثلاثة منزلة على الحالين ـ أعني ظهور أمارات النشوز ، وتحققه بالفعل
ـ فإنهم جعلوا الوعظ والهجر معلقا على ظهور أماراته ، والضرب منوطا بحصوله بالفعل
، والعلامة في التحرير وقوله جمع من الأصحاب فصلوا في المسألة تفصيلا آخر فجعلوه
الأمور الثلاثة مترتبة على مراتب ثلاثة من حالها ، فمع ظهور أمارات النشوز يقتصر
على الوعظ ، ومع تحققه قبل الإصرار ينتقل إلى الهجر ، فإن لم ينجع وأصرت انتقل إلى
الضرب ، واستقر به السيد السند في شرح النافع قال : فيكون معنى الآية «وَاللّاتِي
تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ» فَعِظُوهُنَّ) ، فإن نشزن
فاهجروهن
__________________
(1) مجمع البيان ج 3 ص 43.
في المضاجع فإن أصررن فاضربوهن ،
انتهى.
وقال الثقة الجليل علي بن إبراهيم القمي في تفسيره (1) «وَاللّاتِي
تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ
وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً» (2) وذلك إذا نشزت المرأة عن فراش زوجها
، قال زوجها ، اتقي الله وارجعي إلى فراشك ، فهذه الموعظة ، فإن أطاعته فسبيل ذلك
، وإلا سبها وهو الهجر ، فإن رجعت إلى فراشها فذلك ، وإلا ضربها ضربا غير مبرح ،
فإن رجعت وأطاعت فضاجته ، يقول الله «فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا
عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً» يقول : لا تكلفوهن الحب ، فإنما جعل
الموعظة والسب والضرب لهن في المضجع «إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً». انتهى ، وظاهره
كما ترى ترتب هذه الأمور على النشوز بالفعل لا خوفه ، وهو محمول على ما تقدم نقله
عن الفراء من أن الخوف بمعنى العلم.
الثالث : فيما هو المراد من هذه الأمور الثلاثة المذكورة
في الآية ، (أما) الوعظ فظاهر ، وهو تخويفها بالله سبحانه وذكر ما ورد من حقوق
الزوج على المرأة في الأخبار عن النبي صلىاللهعليهوآله وأبنائه
الأطهار.
و (أما) الهجر فقد اختلف فيه كلامهم ، وظاهر كلام الشيخ
علي بن إبراهيم المتقدم ، تفسيره بالسب وهو غريب ، ولم يذكره غيره فيما أعلم ولا
ريب أنه أحد معاني الهجر لكنه هنا بعيد ، بل المراد إنما هو ما يؤذن بالصد
والاعراض والقطعية ، وقيل : هو أن يحول ظهره إليها في المضجع ، وبه قال ابن بابويه
(3) ، ورواه
__________________
(1) تفسير القمي ج 1 ص 137.
(2) سورة النساء ـ آية 34.
(3) قال في المختلف : قال الشيخ في المبسوط : الهجران في
المضجع أن يترك قربها ، وقال الشيخ على بن بابويه في رسالته وابنه في مقنعه وابن
البراج : أن يجعل إليها ظهره ، وابن إدريس قال بالأول ، وجعل الثاني رواية ،
وكلامهما عندي جائز ، وتختلف ذلك باختلاف الحال في السهولة والطاعة وعدمها ،
انتهى. (منه ـ قدسسره ـ)
الطبرسي في كتاب مجمع البيان (1) عن الباقر عليهالسلام ، ونسبه في
الشرائع إلى الرواية.
وفي كتاب الفقه الرضوي (2) : وأما النشوز
ـ إلى أن قال ـ والهجران هو أن يحول إليها ظهره في المضجع والضرب بالسواك وشبهه
ضربا رفيقا ،. انتهى.
وقيل : أن يعتزل فراشها ويبيت على فراش آخر ، إختاره
الشيخ في المبسوط وابن إدريس ، وقيل : إنه كناية عن ترك الجماع.
وأما الضرب فقد تقدم في كلام علي بن إبراهيم أنه يضربها
ضربا غير مبرح ، وبه صرح غيره أيضا ، والمراد من غير المبرح ما لا يدمي لحما ، ولا
يهشم عظما ، ويكون كضرب الصبيان للتأديب بحيث يتألم منه المضروب ، ولا يوجب ضررا
في بدنه.
وفي تفسير مجمع البيان (3) عن الباقر عليهالسلام «أنه الضرب
بالسواك». ومثله ما عرفت من كلام الرضا عليهالسلام في كتاب الفقه
الرضوي.
قال في المسالك ونعم ما قال : وفي بعض الأخبار أنه
يضربها بالسواك ، ولعل حكمته توهمها إرادة المداعبة ، وإلا فهذا الفعل بعيد عن
التأديب والإصلاح ، انتهى وهو جيد.
وقيل : إن الضرب يكون بمنديل ملفوف ، أو درة ، ولا يكون
بسياط ولا خشب ،
__________________
أقول : صورة العبارة هكذا : وأما النشوز فقد يكون من الرجل ،
وقد يكون من المرأة. فأما الذي من الرجل فهو انه يريد طلاقها فنقول : أمسكني ولك
ما عليك وقد وهبت ليلتي لك. ويصطلحان على هذا ، فإذا نشزت المرأة كنشوز الرجل فهو
الخلع إذا كان من المرأة وحدها فهو أن لا تطيعه ، وهو ما قال الله تبارك وتعالى «وَاللّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ
فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ» فالهجران الى آخر ما في الأصل.
(منه ـ قدسسره ـ).
(1) مجمع البيان ج 3 ص 44.
(2) فقه الرضا ص 245.
(3) مجمع البيان ج 3 ص 44.
نقله الشيخ في المبسوط عن قوم ، وأظهر
هذه الأقوال الأول فإنه هو الذي يرجى به الرجوع إلى الطاعة. ولو حصل بالضرب تلف ،
قيل : وجب عليه الغرم لأنه قد تبين بذلك أنه إتلاف لا إصلاح بخلاف الولي إذا أدب
الطفل ، وفرق بينهما بأن تأديب المرأة لحظ نفسها ، والولد لحظه لا لحظ الولي.
وأورد عليه بأن في الفرق نظرا ، قال في شرح النافع :
وينبغي القطع بعدم غرمه لأنه بتأديب الطفل محسن ، وما على المحسنين من سبيل ، ولا
يبعد إلحاق الزوج به في ذلك ، خصوصا إن كان المقصود من الضرب تأديبها على فعل محرم
انتهى.
أقول : يمكن أن يقال : إنه إن كان الضرب المذكور ليس مما
يترتب عليه التلف بحسب العادة ، وإنما اتفق التلف بعده اتفاقا فهذا لا يترتب عليه
ضمان ، وإن كان مما يمكن ترتب التلف عليه فلا يبعد وجوب الضمان.
الثاني : في نشوز
الزوج ، وهو المشار إليه بقوله عزوجل «وَإِنِ
امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً» (1) الآية : قالوا : وهو عبارة عن أن
يتعدى الزوج عليها ويمنعها بعض حقوقها الواجبة من نفقة أو كسوة أو قسم أو نحو ذلك
أو أنه يضربها ويؤذيها بغير سبب مبيح له ذلك ، وحينئذ فترفع أمرها إلى الحاكم ،
فإن ثبت عنده ما ادعته ببينة أو اعتراف أو نحو ذلك عزره بما يراه ، وأجرى عليها
النفقة من ماله ولو ببيع عقاره عليه ، وإلا نصب بينهما ثقة يستعلم صدق ما ادعته ،
ويكون الحكم كما تقدم ، ولو لم يكن يؤذيها ولا يمنعها شيئا من حقوقها الواجبة إلا
أنه يكرهها لكبر أو مرض أو غيرهما فلا يدعوها إلى فراشه ويهم بطلاقها ، فلها أن
تسترضيه بإسقاط بعض حقوقها من القسم أو النفقة أو نحوهما ويحل له ذلك ، وهذا هو
الصلح الذي أشارت إليه الآية بقوله «وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها
نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً».
__________________
(1) سورة النساء ـ آية 128.
وعلى ذلك تدل جملة من الأخبار ، منها ما رواه في الكافي (1) في الصحيح أو
الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته
عن قول الله عزوجل «وَإِنِ
امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً» فقال : هي
المرأة تكون عند الرجل فيكرهها فيقول لها : إني أريد أن أطلقك ، فتقول له : لا
تفعل إني أكره أن تشمت بي ، ولكن انظر في ليلتي فاصنع بها ما شئت ، وما كان سوى
ذلك من شيء فهو لك ، ودعني على حالتي ، فهو قوله تبارك وتعالى «فَلا
جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً» وهذا هو الصلح».
وعن علي بن أبي حمزة (2) قال : «سألت أبا الحسن عليهالسلام عن قول الله عزوجل «وَإِنِ
امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً» فقال : إذا كان
كذلك فهم بطلاقها قالت له : أمسكني وادع لك بعض ما عليك وأحللك من يومي وليلتي ،
حل له ذلك ولا جناح عليهما».
وعن أبي بصير (3) عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته
عن قول الله عزوجل «وَإِنِ
امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً» قال : هذا تكون
عنده المرأة لا تعجبه فيريد طلاقها فتقول له : أمسكني ولا تطلقني وادع لك ما على
ظهرك ، وأعطيك من مالي وأحللك من يومي وليلتي ، فقد طاب ذلك له كله».
ما رواه في الفقيه (4) عن المفضل بن صالح عن زيد الشحام عن
أبي عبد الله
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 145 ح 2 ، التهذيب ج 8 ص 103 ح 27 ، الوسائل
ج 15 ص 90 ح 1.
(2) الكافي ج 6 ص 145 ح 1 ، العياشي ج 1 ص 278 ح 282 وفيه «عن
أبى عبد الله ـ عليهالسلام ـ قال : سألته» مع فرق يسير ، الوسائل
ج 15 ص 90 ح 2.
(3) الكافي ج 6 ص 145 ح 3 وفيه «هذا كله» ، التهذيب ج 8 ص 103
ح 28 وفيه «الحسن بن هاشم» ، الوسائل ج 15 ص 91 ح 3.
(4) الفقيه ج 3 ص 336 ب 167 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 91 ح 4.
عليهالسلام قال : «النشوز
قد يكون من الرجل والمرأة جميعا ، فأما الذي من الرجل فهو ما قال الله عزوجل في كتابه «وَإِنِ
امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما
أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ» (1) وهو أن تكون المرأة عند الرجل لا
تعجبه فيريد طلاقها فتقول له : أمسكني ولا تطلقني وادع لك ما على ظهرك ، وأحل لك
يومي وليلتي ، فقد طاب له ذلك».
وما رواه العياشي (2) في تفسيره عن أحمد بن محمد عن أبي
الحسن الرضا عليهالسلام «في قول الله عزوجل «وَإِنِ
امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً» فقال : النشوز
: الرجل يهم بطلاق امرأته ، فتقول له : ادع ما على ظهرك ، وأعطيك كذا وكذا ، وأحللك
من يومي وليلتي على ما اصطلحا ، فهو جائز».
وعن زرارة (3) قال : «سئل أبو جعفر عليهالسلام عن النهارية ـ
إلى أن قال : ـ ولكنه إن تزوج امرأة فخافت منه نشوزا أو خافت أن يتزوج عليها أو
يطلقها فصالحته من حقها على شيء من نفقتها أو قسمتها ، فإن ذلك جائز لا بأس به».
أقول : وهذه الأخبار بعد حمل مطلقها على مقيدها ومجملها
على مبينها ظاهرة الاتفاق في تخصيص صحة الصلح ـ وبراءة ذمة الزوج مما أسقطته عنه
المرأة ـ بما لو كرهها أو أراد التزويج عليها أو نحو ذلك مما لا يتضمن إخلالا
بواجب أو ارتكاب محرم.
وبذلك يظهر ضعف قول من قال : إنه لو أخل الزوج بحقوقها
الواجبة أو بعضها فتركت له بعض الحقوق جاز ذلك وبرءت ذمته ، وإن كان آثما في
نشوزها ،
__________________
(1) سورة النساء ـ آية 128.
(2) تفسير العياشي ج 1 ص 278 ح 281 ، الوسائل ج 15 ص 91 ح 6.
(3) الكافي ج 5 ص 403 ح 4 ، وفيه «المهارية» و «إذا تزوج» ،
التهذيب ج 7 ص 372 ح 68 ، تفسير العياشي ج 1 ص 278 ح 283 مع اختلاف يسير ، الوسائل
ج 15 ص 91 ح 7 وص 48 ح 3.
لأن الآية بمقتضى الروايات التي وردت
بتفسيرها أكثرها صريح في تخصيص ذلك بكراهته لها ونحو ذلك دون الإخلال بالحقوق
الواجبة عليه لها ، وما أطلق فقرائن ألفاظه ظاهر في ذلك أيضا.
وبالجملة فإن المستفاد من الآية والأخبار ـ بتقريب ما
قلناه ـ أن النشوز الموجب لصحة الصلح بإسقاط بعض الحقوق هو ما لم يتحقق إخلال
الزوج بشيء من الحقوق الواجبة عليه ، على أنه متى كان القسم والنفقة من الأمور
الواجبة عليه ، فتركت له النفقة مثلا لأجل القسم ، فإنه يكون هذا الترك لا في
مقابلة عوض ، لأن القسم واجب عليه تركت النفقة أم لم تتركها ، فيكون إسقاط النفقة
من غير سبب يوجبه قبيحا ، ولو قهرها على بذل ما تركت له فلا ريب في عدم حله. لأنه
إكراه بغير حق شرعي.
المقام الثاني في الشقاق : وهو أن يكره
كل واحد من الزوجين صاحبه ، فيكون كل واحد منهما بكراهيته للآخر في شق عنه ـ أي
ناحية ـ والحكم في ذلك ، بعث كل واحد منهما حكما من أهله حسبما يأتي تفصيله.
والأصل في هذا المقام الآية أعني قوله عزوجل «وَإِنْ
خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ
أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما» (1).
والأخبار ومنها ما رواه في الكافي (2) عن علي بن أبي
حمزة قال : «سألت العبد الصالح عليهالسلام عن قول الله عزوجل (وَإِنْ
خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ
أَهْلِها»
فقال : يشترط الحكمان إن شاءا فرقا وإن شاءا جمعا ،
ففرقا أو جمعا جاز».
وعن سماعة (3) في الموثق قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن قول الله عزوجل
__________________
(1) سورة النساء ـ آية 35.
(2) الكافي ج 6 ص 146 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 89 ح 2.
(3) الكافي ج 6 ص 146 ح 4 ، التهذيب ج 8 ص 104 ح 30 ، الوسائل
ج 15 ص 93 ح 1.
«فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ
وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها» أرأيت إن استأذن الحكمان فقالا للرجل
والمرأة : أليس قد جعلتما أمركما إلينا في الإصلاح والتفريق؟ فقال الرجل والمرأة :
نعم ، فأشهدا بذلك شهودا عليهما ، أيجوز تفريقهما عليهما؟ قال : نعم ، ولكن لا
يكون إلا على طهر من المرأة من غير جماع من الزوج ، قيل له : أرأيت إن قال أحد
الحكمين : قد فرقت بينهما ، وقال الآخر : لم أفرق بينهما ، فقال : لا يكون تفريقا
حتى يجتمعا جميعا على التفريق ، فإذا اجتمعا على التفريق جاز تفريقهما».
وعن محمد بن مسلم (1) عن أحدهما عليهماالسلام قال : «سألته
عن قول الله عزوجل «فَابْعَثُوا
حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها»؟ قال : ليس
للحكمين أن يفرقا حتى يستأمروا».
وما رواه المشايخ الثلاثة (2) عن الحلبي في
الصحيح ، وفي آخر في الحسن عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته
عن قول الله عزوجل «فَابْعَثُوا
حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها» قال : ليس
للحكمين أن يفرقا حتى يستأمرا الرجل والمرأة ، ويشترطا عليهما إن شئنا جمعنا وإن
شئنا فرقنا فإن جمعا فجائز ، وإن فرقا فجائز».
وما رواه في الكافي (3) عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام «في قول الله عزوجل «فَابْعَثُوا
حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها» قال : الحكمان
يشترطان إن شاءا فرقا وإن شاءا جمعا ، فإن جمعا فجائز ، وإن فرقا فجائز».
وفي كتاب الفقه الرضوي (4) «وأما الشقاق
فيكون من الزوج والمرأة جميعا كما
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 147 ح 5 ، الوسائل ج 15 ص 92 ح 1.
(2) الكافي ج 6 ص 146 ح 2 ، التهذيب ج 8 ص 103 ح 29 ، الفقيه ج
3 ص 337 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 89 ح 1.
(3) الكافي ج 6 ص 146 ح 3 ، الوسائل ج 15 ص 92 ح 2.
(4) فقه الرضا ص 245 ، مستدرك الوسائل ج 2 ص 613 ب 8 ح 1.
قال الله تعالى «وَإِنْ
خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ
أَهْلِها»
يختار الرجل رجلا والمرأة تختار رجلا فيجتمعان على فرقة
أو على صلح ، فإن أرادا إصلاحا أصلحا من غير أن يستأمرا ، وإن أرادا التفريق
بينهما فليس لها إلا بعد أن يستأمرا الزوج والمرأة». انتهى.
وفي تفسير العياشي (1) عن محمد بن سيرين عن عبيدة قال : «أتى
علي بن أبي طالب عليهالسلام رجل وامرأة ،
ومع كل واحد منهما فئام من الناس فقال عليهالسلام : ابعثوا حكما
من أهله وحكما من أهلها ، ثم قال للحكمين : هل تدريان ما عليكما؟ عليكما إن رأيتما
أن يجمعا جمعتما ، وإن رأيتما أن يفرقا فرقتما ، فقالت المرأة : رضيت بكتاب الله
علي ولي ، فقال الرجل : أما في الفرقة فلا ، فقال علي عليهالسلام : ما تبرح حتى
تقر بما أقرت به».
وروى في الكتاب المذكور عن زيد الشحام (2) عن أبي عبد
الله عليهالسلام «في قوله تعالى
«فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها» قال : ليس
للحكمين أن يفرقا حتى يستأمرا الرجل والمرأة».
قال : وفي خبر آخر عن الحلبي عنه عليهالسلام «ويشترط عليهما
إن شاءا جمعا وإن شاءا فرقا» فإن جمعا فجائز ، فإن فرقا فجائز ، قال : وفي رواية
فضالة «فإن رضيا وقلداهما الفرقة ففرق فهو جائز». انتهي.
هذا ما حضرني من أخبار المسألة ، وقال الشيخ علي بن
إبراهيم في تفسيره (3) «وَإِنْ
خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ
أَهْلِها»
فما حكم به الحكمان فهو جائز ، يقول الله «إِنْ
يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما» يعني الحكمان ،
فإذا كان الحكمان عدلين دخل حكم المرأة على المرأة فيقول : أخبرني ما في نفسك فإني
لا أحب أن أقطع شيئا دونك ، فإن كانت هي الناشزة قالت :
__________________
(1) تفسير العياشي ج 1 ص 241 ح 127 ، الوسائل ج 15 ص 94 ح 6.
(2) تفسير العياشي ج 1 ص 241 ح 124 و 126 ، الوسائل ج 15 ص 93 و
94 ح 3 و 5.
(3) تفسير القمي ج 1 ص 137 مع اختلاف يسير ، مستدرك الوسائل ج
2 ص 614 ب 11 ح 1.
أعطه من مالي ما شاء وفرق بيني وبينه
، وإن لم تكن ناشزة قالت : أنشدك الله أن لا تفرق بيني وبينه ، ولكن استزد لي في
نفقتي ، فإنه إلى مسيء ، ويخلو حكم الرجل بالرجل ، فيقول : أخبرني بما في نفسك ،
فإني لا أحب أن أقطع شيئا دونك ، فإن كان هو الناشز قال : خذ لي منها ما استطعت
وفرق بيني وبينها فلا حاجة لي فيها ، وإن لم يكن ناشزا قال : أنشدك الله أن لا
تفرق بيني وبينها فإنها أحب الناس إلي ، فأرضها من مالي بما شئت ، ثم يلتقي الحكمان
وقد علم كل واحد منهما ما أوصى به إليه صاحبه ، فأخذ كل واحد منهما على صاحبه عهد
الله وميثاقه لتصدقني ولأصدقنك ، وذلك حين يريد الله أن يوفق بينهما ، فإذا فعلا
وحدث كل واحد منهما صاحبه بما أفضي إليه عرفا من الناشز ، فإن كانت المرأة هي
الناشزة قالا : أنت عدوة الله الناشزة العاصية لزوجك ليس لك عليه نفقة ولا كرامة
لك وهو أحق أن يبغضك أبدا حتى ترجعين إلى أمر الله ، وإن كان الرجل هو الناشز قالا
له : يا عدو الله أنت العاصي لأمر الله المبغض لامرأته فعليك نفقتها ولا تدخل لها
بيتا ولا ترى لها وجها أبدا حتى ترجع إلى أمر الله عزوجل وكتابه.
وقال : وأتى علي بن أبي طالب عليهالسلام رجل وامرأة
على هذه الحال فبعث حكما من أهله وحكما من أهلها ، وقال للحكمين هل تدريان ما
تحكمان؟ احكما ، إن شئتما فرقتما ، وإن شئتما جمعتما ، فقال الزوج : لا أرضى بحكم
فرقة ولا أطلقها ، فأوجب عليه نفقتها ، ومنعه أن يدخل عليها ، وإن مات على ذلك
الحال الزوج ورثته ، وإن ماتت لم يرثها إذا رضيت منه بحكم الحكمين وكره الزوج ،
فإن رضي الزوج وكرهت المرأة أنزلت هذه المنزلة إن كرهت ولم يكن لها عليه نفقة ،
وإن مات لم ترثه ، وإن ماتت ورثها حتى ترجع إلى حكم الحكمين ، انتهى.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن تحقيق الكلام في المقام يقع في
مواضع :
الأول : هل المراد من
خوف الشقاق في الآية هو خشية الشقاق كما هو ظاهر اللفظ ، أو العلم به؟ قولان ،
وإلى الأول يميل كلام أمين الإسلام الطبرسي
في كتاب مجمع البيان حيث قال «وَإِنْ
خِفْتُمْ»
أي خشيتم ، وقيل علمتم ، والأول أصح ، لأنه لو علم
الشقاق يقينا لما احتيج إلى الحكمين.
وإلى الثاني يميل كلام شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ،
حيث حمل الآية أولا على المعنى الظاهر من اللفظ مع تقدير الاستمرار بمعنى أنه إن
خشيتم استمرار الشقاق ، لأن ظهور النشوز منها موجب لحصول الشقاق.
أقول : فالمراد حينئذ خوف استمراره ، ثم قال : ويجوز أن
يراد من خشية الشقاق العلم به كما سلف ، وهو أولى من إضمار الاستمرار ، وكلام سبطه
في شرح النافع يميل إلى الأول حيث قال : والظاهر أن المراد والله أعلم «إن خفتم
استمرار الشقاق بينهما» أو يقال : إن الشقاق إنما يتحقق مع تمام الكراهة بينهما ،
فيكون المراد أنه إذ حصلت كراهة كل منهما لصاحبه وخفتم حصول الشقاق بينهما «فَابْعَثُوا
حَكَماً»
وقيل : معنى خفتم علمتم.
أقول : الظاهر أن المراد من قول شيخنا الطبرسي «لأنه لو
علم الشقاق يقينا لما احتيج إلى الحكمين» هو أن الغرض من بعث الحكمين هو الإصلاح
بينهما باجتماع أو فرقة ، ومتى كان الشقاق معلوما علم أنه لا يمكن الإصلاح
بالاجتماع ، فموضع إرسالهما إنما هو في مقام يرجو فيه الاجتماع بأن يظهر الكراهة
من كل منهما لصاحبه في الجملة إلا أنه يرجى الاجتماع حينئذ ، وهو يرجع إلى المعنى
الثاني الذي ذكره في شرح النافع ، والظاهر قربه.
الثاني : اختلف
المفسرون والفقهاء في المخاطب في الآية بإنفاذ الحكمين هل هو الحاكم الشرعي؟ أو
الزوجان؟ أو أهل الزوجين؟ على أقوال ، وبالأول قطع المحقق في الشرائع والعلامة في
القواعد ، ونسبه في المسالك إلى الأكثر ، قال : وجعلوا ضمير فابعثوا في الآية
راجعا إلى الحكام.
والثاني اختيار ابن بابويه في الفقيه والمقنع وأبيه في
الرسالة والمحقق في الشرائع ، إلا أنه في النافع قال : إذا امتنعا بعثهما الحاكم.
قال في كتاب مجمع البيان (1) : «واختلف في
المخاطب بإنفاذ الحكمين من هو؟ فقيل : السلطان الذي ترافع الزوجان إليه ، عن سعيد
بن جبير والضحاك وأكثر الفقهاء ، وهو الظاهر في الأخبار عن الصادقين عليهماالسلام وقيل : إنه
الزوجان أو أهل الزوجين عن السدي ، واختلفوا في الحكمين هل لهما أن يفرقا بالطلاق
إن رأيا أم لا؟ والذي في روايات أصحابنا عنهم عليهمالسلام أنه ليس لهما
ذلك إلا بعد أن يستأمراهما ويرضيا بذلك ، وقيل : إن لهما ذلك ، عن سعيد بن جبير
والشعبي والسدي وإبراهيم ، ورووه عن علي عليهالسلام ، ومن ذهب إلى
هذا القول قال : إن الحكمين وكيلان ، انتهى.
وأنت خبير بأنه ليس في الأخبار المتقدمة ما يدل على ما
نحن فيه إلا كلام الرضا عليهالسلام في كتاب الفقه
، فإنه صريح في أن البعث من الزوجين ، وإنما نسب هذا القول إلى الصدوق في الفقيه (2) لأنه قد عبر
بهذه العبارة حيث قال : الشقاق قد يكون من المرأة والرجل جميعا ، وهو ما قال الله
تعالى «وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ
أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها» (3) فيختار الرجل رجلا وتختار المرأة
رجلا ، فيجتمعان على فرقة أو صلح ، فإن أرادا الإصلاح أصلحا من غير أن يستأمرا ،
وإن أرادا أن يفرقا فليس لهما أن يفرقا إلا بعد أن يستأمرا الزوج والمرأة ، انتهى (4).
والظاهر أن عبارة أبيه في الرسالة كذلك أيضا ، وأما
عبارة المقنع فهي
__________________
(1) مجمع البيان ج 3 ص 44.
(2) الفقيه ج 3 ص 337.
(3) سورة النساء ـ آية 34.
(4) ثم قال في تمام هذا الكلام : وهو المناسب بمقام البعث
والتحكيم واللائق بقطع التنازع والمروي. ثم ذكر القولين الآخرين وضعفهما ، وكلامه
ظاهر في اختيار هذا القول ب ـ (منه ـ قدسسره ـ).
مثل عبارته في الفقيه ، وهو نظير ما
قدمنا في غير موضع من إفتاء الصدوق وأبيه في الرسالة إليه بعبارات هذا الكتاب ، ومن
أجل ذلك اعتمدنا عليه فيما تضمنه من الأحكام وظاهر الرواية المرسلة المذكورة في
كلام علي بن إبراهيم ، هو أن المرسل هو الامام عليهالسلام حيث تضمنت أنه
بعد أن أتاه الرجل والمرأة على هذه الحالة بعث حكما من أهله وحكما من أهلها.
وأما رواية عبيدة المنقولة من تفسير العياشي فهي محتملة
لكون خطابه عليهالسلام للزوجين ، وإن
كان الخطاب بضمير الجمع فإنه غير غريب في الكلام ، ويحتمل أن يكون لأهلها ، ولعله
الأقرب.
وظاهر موثقة سماعة هو أن البعث من الزوجين أيضا كما دل
عليه كلامه عليهالسلام في كتاب الفقه
حيث قال الراوي بعد ذكر الآية : أرأيت إن استأذن الحكمان فقالا للرجل والمرأة : أليس
قد جعلتما أمركما إلينا في الإصلاح والتفريق إلى آخره ، فإنه ظاهر في كون البعث
منهما كما لا يخفى بل هو ظاهر الروايات الدالة على اشتراط الحكمين على الزوجين
قبول ما يحكمان به ، فإنه لو كان البعث إنما هو من الامام من غير تعلق بالزوجين
بالكلية كما هو ظاهر القول المشهور ، لما كان لهذا الاشتراط هنا وجه كما لا يخفى (1).
ونقل عن ابن الجنيد أن الامام يأمر الزوجين أن يبعثا
فيكون هذا قولا ثالثا ، ويدل عليه ظاهر رواية عبيدة المنقولة من تفسير العياشي
بجعل الخطاب فيها للزوجين كما قدمنا ذكره.
وأما ما ذكره في كتاب مجمع البيان من أن القول بأن البعث
من السلطان ـ يعني الإمام ـ «هو الظاهر في الأخبار عن الصادقين» فلا أعرف له وجها
، وهذه
__________________
(1) فان ظاهر هذه الاخبار أن البعث موقوف على رضاهما ومن قال
بأن البعث من الحاكم فإنه يجعله مستقلا لا يتوقف على مراجعتهما ، رضياهما بذلك أو
لا.
(منه ـ قدسسره ـ).
أخبار المسألة كملا الموجودة في الكتب
الأربعة وغيرها ، وليس فيها ما يدل على ذلك إلا المرسلة المذكورة في كلام علي بن
إبراهيم ، مع معارضتها بما عرفت من ظاهر موثقة سماعة ، وصريح كلامه عليهالسلام في كتاب الفقه
الرضوي ، وظواهر تلك الأخبار المشار إليها ، اللهم إلا أن يكون قد وصلت إليه أخبار
لم تصل إلينا.
وكيف كان فالظاهر أن وجه الجمع بين الأخبار المذكورة هو
كون البعث من الزوجين ، فإن أخلا به بعث الحاكم كما قدمنا نقله عن المحقق في
النافع ، والظاهر أنه جعله وجه جمع بين الأخبار ، ولعله إلى ذلك يشير خبر عبيدة
المنقولة عن تفسير العياشي حيث أمر عليهالسلام غيره بأن يبعث
، وهو كما عرفت محتمل لأن يكون الزوجان أو أهلهما ، ويحتمل أيضا أن يكون البعث
إنما هو من الامام ، ولكن مع تعذره فالزوجان ، وهذا أنسب بالقول المشهور من أن
الباعث إنما هو الامام ، لكن رواية عبيدة المذكورة منافرة لهذا الحمل.
الثالث : المشهور بين
الأصحاب القائلين بأن الباعث هو الامام أن ذلك على جهة التحكيم ، لا التوكيل ، بأن
يكون الامام قد نصبهما وكيلين عن الزوج والزوجة ، لأن البضع حق للزوج ، والمال حق
للزوجة ، وهما بالغان رشيدان ، فلا يكون لأحد ولاية عليهما ، فلا يكونا إلا
وكيلين.
واعترض عليه بأن حكم الشارع قد يجري على غير المحجور
عليه كالمماطل وبإصرار الزوجين على الشقاق قد صارا ممتنعين عن قبول الحق ، فجاز
الحكم عليهما.
والقول بكونه توكيلا لابن البراج في الكامل ، إلا أنه
عدل عنه في المهذب ووافق المشهور ، قال في كتاب المهذب : وقد ذكرنا في كتابنا
الكامل في الفقه في هذا الموضع أنه على طريق التوكيل ، والصحيح أنه على طريق
التحكيم ، لأنه لو كان توكيلا لكان ذلك تابعا للوكالة وبحسب شرطها ، انتهى.
وقال الشيخ في المبسوط : الذي يقتضيه مذهبنا أن ذلك حكم
لأنهم رووا أن لهما الإصلاح من غير استئذان ، وليس لهما الفرقة بالطلاق وغيره إلا
بعد
أن يستأذناهما ، ولو كان توكيلا لكان
ذلك تابعا للوكالة وبحسب شرطها ، وبه قال ابن إدريس ، والعلامة وغيرهما.
وظاهر الأصحاب الاتفاق على أنه متى كان البعث من الزوجين
فلا يكون إلا توكيلا. قال في المسالك : ولو جعلنا بعثهما من الزوجين فلا شبهة في
كونه توكيلا ، لأنهما ليسا من أهل التفويض في الحكم الكلي وإن كان متعلقة جزئيا.
أقول ـ وبالله الثقة لإدراك كل مأمول : إنه لا يخفى على
من راجع الأخبار التي قدمناها وهي أخبار المسألة التي وصلت إلينا أنها متفقة على
كون ذلك تحكيما ، سواء كان الباعث الإمام أو الزوجين ، والذي يدل على كونه تحكيما
لا توكيلا مع بعث الزوجين كلام الرضا عليهالسلام في كتاب الفقه
الرضوي (1) وهو مذهب
الصدوقين أيضا حيث عبرا بعبارته حسبما عرفت آنفا ، فإنه عليهالسلام ذكر أن
الحكمين بعد بعث الزوجين لهما يجتمعان على فرقة أو إصلاح ، فإن اجتمعا على الإصلاح
لم يحتج إلى مراجعة ، وإن اجتمعا على الفرقة فلا بد لهما أن يستأمرا الزوج والزوجة
، وهذا هو الذي دلت عليه رواية محمد بن مسلم وحسنة الحلبي فإنهما دلتا على
الاستئمار في الفرقة دون الإصلاح ، ولو كان ما يدعونه من أنه إذا كان البعث من
الزوجين فإنه لا يكون إلا توكيلا ـ كما سمعته من كلامه في المسالك ـ لكان الواجب
في كلامه عليهالسلام في كتاب الفقه
أن يجعل الحكم منوطا بما يأمران به ويعينانه لهما كما في سائر أفراد الوكالة ، لا
أنه يجعل ذلك مفوضا لهما ، وأظهر من ذلك أنه عليهالسلام قد جعل كلامه
تفسيرا للآية ، الصريحة في التحكيم دون الوكالة.
وبالجملة فإنه لا شك في دلالة كلامه عليهالسلام على أنه في
صورة بعث الزوجين تحكيم لا توكيل ، كما ادعوه ، وإن كان ظاهرهم الاتفاق عليه ، وقد
عرفت أيضا أن ظاهر موثقة سماعة هو كون الباعث الزوجين ، وقد اعترف بذلك أيضا في
المسالك ، فقال بعد إيراد الرواية : ويمكن أن يستدل بها على أن المرسل الزوجان ،
__________________
(1) فقه الرضا ص 245 ، مستدرك الوسائل ج 2 ص 613 ب 8 ح 1.
مع أنه لا ريب في أن ما اشتملت عليه
تحكيم بلا إشكال لا توكيل.
وبالجملة فإن ما ذكره ابن البراج في الكامل من كونه
توكيلا مع كون الباعث الامام ، وما ذكروه من أنه أيضا توكيل مع كون الباعث الزوجين
، لا دليل عليه سوى هذه الوجوه الاعتبارية التي لفقوها ، والأخبار كما ترى على
خلافها (1).
الرابع : المفهوم من
كلام الأصحاب أنه لا إشكال في أن الحكمين لو رأيا الصلح واجتمعا عليه ، فإنه لا
يتوقف على الاستئذان من الزوجين ، وإنما الخلاف فيما لو رأيا الفرقة بخلع أو طلاق
فهل لهما الاستقلال بذلك أم يتوقف على الاستئذان؟ قولان ، قال في المسالك بعد كلام
في المقام : ثم إن رأيا الإصلاح هو الأصلح فعلاه ، وإن رأيا الأصلح لهما الفراق
فهل يجوز لهما الاستبداد به فيباشر حكمه الطلاق وحكمها بذل عوض الخلع إن رأيا
الخلع هو الصلاح؟ أم يختص بحكمهما بالإصلاح دون الفراق؟ قولان مرتبان على كونهما
وكيلين أو حكمين ، فعلى الأول لا إشكال في وجوب مراعاة الوكالة ، فإن تناولت
الفراق فعلاه وإلا فلا.
وعلى الثاني ففي جواز الفراق أيضا قولان مبنيان على أن
مقتضى التحكيم على الإطلاق تسويغهما فعل ما يريانه صلاحا ، فيتناول الطلاق والبذل
حيث يكون صلاحا ، وبأن أمر طلاق المكلف إلى الزوج لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم (2) «الطلاق بيد من
أخذ بالساق». وهذا هو الأشهر.
أقول : لا يخفى أن ما يكررونه في هذا المقام من احتمال
التوكيل ويفرعون
__________________
(1) قال السيد السند في شرح النافع : الأقرب أن المرسل لهما ان
كان هو الحاكم كان بعثهما تحكيما ، وليس لهما التفريق قطعا ، وان كان الزوجان كان
توكيلا ، فيجوز لهما التصرف فيما تعلقت به الوكالة من صلح أو طلاق أو بذل صداق أو
غير ذلك ، وليس لهما تجاوز عما تعلقت به الوكالة. انتهى ، وظاهر كلامهم كلها على
هذا المنوال ، وفيه ما عرفت في الأصل. (منه ـ قدسسره ـ).
(2) في هامش الجامع الصغير ج 2 ص 9 عن الطبراني ط القاهرة 1373
ه.
عليه فروعا مثل ما ذكره هنا قد عرفت
ما فيه ، وليس في أخبار المسألة ما يشير إليه فضلا عن الدلالة عليه ، بل هي ظاهرة
في خلافه حيث إنهم قد ادعوا أنه متى كان البعث من الزوجين فإنه لا يكون إلا توكيلا
، مع أنا بينا دلالة كلامه عليهالسلام في كتاب الفقه
الرضوي ، ونحوه موثقة سماعة على خلافه بل هو ظاهر تلك الأخبار التي أشرنا إليه
آنفا ، وبذلك يظهر لك أن ما ذكره من البناء في الخلاف ـ الأول ـ على كونهما وكيلين
أو حكمين لا وجه له بالكلية ، والتحقيق إنما هو ما ذكره ثانيا من أن القولين
المذكورين إنما هما على تقدير كونهما حكمين ، وهذا هو الذي دلت عليه الأخبار
المتقدمة ، فإن بعضها قد دل على الاستئذان متى اختارا الفراق ، وبعضها قد دل
بظاهره على العدم.
ومن هنا علم دليل كل من القولين ، إلا أن المفهوم منها
بعد التأمل في مضامينها إنه إن شرط الحكمان على الزوجين الرضاء بكل ما فعلاه ،
وقبول كل ما رأياه من فرقة أو اجتماع فإن تفريقهما جائز لا يتوقف على المراجعة متى
رأيا ذلك صلاحا وإن لم يشترطا فإنه يجب عليهما الاستئذان في الفراق متى رأيا
المصلحة فيه ، وعلى الأول من هذين الأمرين تدل رواية علي بن أبي حمزة (1) وموثقة سماعة (2) ورواية أبي
بصير (3) فإنهما قد
اشتركت في أنه متى وقع الاشتراط كان ما فعلاه من أي الأمرين جائزا وإن لم يحصل
الاستئذان ، ألا ترى أنه في موثقة سماعة لم يستثن بعد الاشتراط إلا كونها على طهر
لو أراد الطلاق أو الخلع ، وأظهر من ذلك مرسلة فضالة المنقولة في آخر كلام العياشي
، وقوله فيها «فإن رضيا وقلداهما الفراق ففرقا فهو جائز».
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 145 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 90 ح 2.
(2) الكافي ج 6 ص 146 ح 4 ، التهذيب ج 8 ص 104 ح 30 ، الوسائل
ج 15 ص 93 ح 1.
(3) الكافي ج 6 ص 146 ح 3 ، الوسائل ج 15 ص 92 ح 2.
وعلى الثاني تدل رواية محمد بن مسلم (1) وصدر حسنة
الحلبي (2) ورواية زيد
الشحام المنقولة من تفسير العياشي (3) ، وعبارة كتاب الفقه الرضوي (4) والظاهر أن
حسنة الحلبي قد جمعت الأمرين باعتبار صدرها وعجزها ، وأن العطف بالواو في قوله «وإن
يشترطا» وقع سهوا من النساخ ، وإنما هو «بأو» المخيرة ، ويكون حاصل المعنى أنه ليس
لهما أن يفرقا حتى يستأمرا ، أو أنهما يشترطان إن شاءا جمعا وإن شاءا فرقا ، فلا يتوقف
التفريق على الاستئذان ، بل إن جمعا فجائز وإن فرقا فجائز ، وعلى تقدير العطف
بالواو كما هو الموجود فيما حضرني من نسخ الخبر لا يخلو معنى الخبر من إشكال ، لما
عرفت من الأخبار الأخر.
وبما ذكرنا يظهر أنه لا معنى للخلاف المذكور ، بل الحكم
هو ما صرحت به هذه الأخبار بالتقريب الذي ذكرناه وعليه تجتمع الأخبار.
وأما ما علله في المسالك من بناء القولين المذكورين على
ما ذكره من العلتين فكلام قشري ناش عن عدم تتبع الأخبار والتأمل فيما دلت عليه.
أما ما ذكره من تعليل جواز الفراق بغير استئذان بأن
مقتضى التحكيم على الإطلاق تسويغها ، ففيه إن جملة من الأخبار قد صرحت بوجوب
الاستئذان مع إرادة الفراق ، وحينئذ فيجب تقييد هذا الإطلاق بها فلا معنى
للاستدلال به.
وأما ما ذكره من تعليل عدم الجواز بأن الطلاق بيد الزوج
للخبر النبوي ، ففيه أنه لا عام إلا وقد خص ، على أن ما نحن فيه لا ينافي الخبر
حقيقة لأن الطلاق إنما وقع عن إذنه ، حيث إنه جعل اختياره إلى من حكمه ، وقد شرط
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 147 ح 5 ، الوسائل ج 15 ص 92 ح 1.
(2) الكافي ج 6 ص 146 ح 2 ، التهذيب ج 8 ص 103 ح 29 وفيهما «ان
شئنا جمعنا وان إلخ» ، الفقيه ج 3 ص 337 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 89 ح 1.
(3) العياشي ج 1 ص 241 ح 124 ، الوسائل ج 15 ص 93 ح 3.
(4) فقه الرضا ص 245 ، مستدرك الوسائل ج 2 ص 613 ب 8 ح 1.
عليه الحكم الذي عينه قبول الفراق إن
رأيا المصلحة فيه فرضي وقبل بذلك كما أشارت إليه الأخبار المتقدمة سيما مرسلة
فضالة.
وبالجملة فإن الظاهر عندي من الأخبار هو ما ذكرته (1) وافق كلامهم
أو خالفه.
الخامس : المشهور
بينهم أنه لا يتعين كون الحكمين من أهل الزوجين ، بأن يكون المبعوث من قبل الزوج
من أهله والمبعوث من قبل الزوجة من أهلها ، وهو قول الشيخ في المبسوط وابن البراج
وتبعهما الأكثر ، وإن دل ظاهر الآية على ذلك ، لحصول الغرض بهما وإن كانا أجنبيين
، وأجابوا عن الآية بأنها مسوقة للإرشاد ، فلا يدل الأمر فيها على الوجوب ، بل هي
من قبيل «وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ» (2).
__________________
(1) أقول : ما اخترناه نقله في المختلف عن ابن حمزة ، قال :
المشهور أنه ليس للحكمين التفريق إلا بإذن الزوجين ، وقال ابن حمزة يبعث الحاكم
حكما من أهله وحكما من أهلها لتدبير الأمر ، فإن جعل إليهما الإصلاح والطلاق أنفذا
ما رأياه صلاحا من غير مراجعة ، وأن لهما القول وحضر كل الزوجين ولم يكن أحدهما
مغلوبا على عقله ، وان كان ما رأياهما الإصلاح أصلحا من غير مراجعة ، فان رأيا
التفريق بينهما بطلاق أو خلع لم يمضيا الا بعد المراجعة ، فإن رضيا فذاك وان أبيا
ألزمهما الحاكم القيام بالواجب.
لنا
ما رواه الحلبي في الخبر ، ثم أورد حسنة الحلبي ثم قال : احتج ابن حمزة بما رواه
سماعة ، ثم ذكر موثقة سماعة ، ثم أجاب عنها بمنع صحة السند.
أقول
: قد عرفت أن المفهوم من الاخبار أن الوجه في عدم الاستئذان في الفراق انما هو من
حيث اشتراط الحكمين على الزوجين الرضا بكل ما حكما به ، وقبول الزوجين ذلك ، لا من
حيث إطلاق أمر الإمام لهما كما ذكره ابن حمزة ، وبالجملة فإن كلامهم في المقام على
غاية من البعد عن ظواهر الاخبار كما أوضحناه في الأصل. (منه ـ قدسسره ـ).
(2) سورة البقرة ـ آية 282.
وقيل : بوجوب كونهما من أهلهما ، وقوفا على ظاهر الآية ،
وهو مذهب ابن إدريس ، وقواه العلامة في المختلف فلا يتحقق الامتثال بدونه ، وأيد
بأن الأهل أعرف بالمصلحة من الأجانب.
أقول : لا يخفى أن المسألة لا تخلو من نوع إشكال ،
والاحتياط فيها مطلوب على كل حال.
ويمكن تأييد القول الثاني بأن المأمور به وجوبا أو
استحبابا إنما هو من كان من الأهل ، فإجزاء غيره يتوقف على دليل ، ومجرد ما ذكر من
الاحتمال لا ينهض قوة بالاستدلال ، وإلى ما ذكرنا يميل كلام السيد السند في شرح
النافع حيث قال : وهل يجوز كونه أجنبيا؟ قيل : نعم ، وبه قطع المصنف في الشرائع
لحصول الغرض بهما.
وقيل : يعتبر كونهما من أهلها لدلالة الآية عليه ، ولأن
الأهل أعرف بالمصلحة من الأجانب ، وهو جيد خصوصا بعد حمل الأمر على الوجوب ، ثم
نقل عن جده في المسالك أنه قال : ولو تعذر الأهل فلا كلام في جواز الأجانب ، ثم
قال : وقد يناقش فيه بعد تعلق الأمر بذلك ، انتهى وهو جيد.
السادس : قد وقع
الخلاف أيضا في أن بعث الحكمين هل هو واجب أو مستحب؟ فقيل بالأول نظرا إلى ظاهر
الأمر في الآية الذي هو حقيقة في الوجوب. وقيل بالثاني نظرا إلى أن الغرض منه
مصلحة دنيوية فيكون الأمر للإرشاد كما في قوله «وَأَشْهِدُوا
إِذا تَبايَعْتُمْ».
أقول : يمكن أن يستدل على الوجوب بما سيأتي بيانه إن شاء
الله تعالى من أن الامام يجبر المتخلف عن حكم الحكمين بعد التحكيم على القبول ،
ويعاقبه ، فإنه لو كان البعث مستحبا لما حسن ترتب هذا التكليف عليه.
وربما علل الوجوب بأن الظاهر من حال الشقاق وقوع الزوجين
أو أحدهما في المحرم فيجب تخليصهما منه حسبة ، وعلل العدم بإمكان الإصلاح
بدون ذلك فلا يكون واجبا ، وإن كان
راجحا نظرا إلى ظاهر الآية ، وفي الأول منهما نظر (1).
قال في المسالك : والوجه ـ بناء على أن البعث من وظائف
الحاكم ـ الوجوب ، ولو جعلنا متعلق الأمر الزوجين فالاستحباب أوجه ، لإمكان
رجوعهما إلى الحق بدون الحكمين. نعم لو توقف الرجوع إلى الحق عليهما وجب بعثهما
مطلقا من باب المقدمة ، انتهى.
السابع : المفهوم من
خبر عبيدة المنقول عن العياشي (2) وكذا الخبر المرسل المنقول في كلام
الشيخ الجليل علي بن إبراهيم (3) أن الامام
يجبر الزوجين على الرضا بما حكم به الحكمان ، أعم من أن يكونا مبعوثين من الامام
أو الزوجين.
أما الأول فلأنه لما رضيت المرأة بما حكم به الحكمان لها
أو عليها يعني من اجتماع أو فرقة ، وامتنع الزوج من الرضاء بالفراق فقال له عليهالسلام : لا تبرح حتى
تقر بما أقرت به ، أي ترضى بما رضيت به ، وظاهره الحبس حتى يرضى بذلك.
وأما الثاني فإنه لما علم عليهالسلام الحكمين الحكم
بأنكما إن شئتما فرقتما وإن شئتما اجتمعا ، امتنع الزوج من الحكم بالفراق فأوجب
عليه نفقتها ، ومنعه الدخول عليها وأنه إن مات الزوج على تلك الحال ورثته المرأة ،
وإن ماتت لم يرثها ، وهكذا لو كان الامتناع من جهة المرأة وهو ظاهر في أن الحكم
الشرعي فيما لو امتنع أحدهما هو حصول الفرقة من جانب الممتنع بحيث إنه لا يرث من
صاحبه لو مات ، وصاحبه يرثه ، ولم أقف على ذلك في غير الكتاب المذكور والشيخ
المذكور من الثقات المعتمدين ، وكتابه مشهور معمول عليه ، ومن الأصول
__________________
(1) وجه النظر أن الوجوب انما يترتب على تحقق الوقوع في المحرم
لا على خوف الوقوع فيه ، لإمكان عدم الوقوع كما في الثاني. (منه ـ قدسسره ـ).
(2) تفسير العياشي ج 1 ص 241 ح 127.
(3) تفسير على بن إبراهيم ج 1 ص 137 وفيه «جمعتما».
المعتمدة ، وهو ظاهر في كون ذلك مذهبه
في هذه المسألة ، ولم أقف في كلام أحد من الأصحاب على من تعرض للكلام في هذه
الصورة إلا ما يظهر من كلام ابن الجنيد حيث أوجب على الزوجين إنفاذ ما حكم به
الحكمان من فرقة أو اجتماع من غير استئذان متى اشترط الحكمان عليهما ذلك ، فإنه
يشعر بأنه مع إخلال أحدهما بهذا الواجب فعلى الامام أن يجبره على القيام به ، بل
صرح بذلك في كلامه كما سيأتي نقله إن شاء الله تعالى قريبا.
والعجب أنه مع حرص أصحابنا على نقل الأقوال وبيان الخلاف
في جميع المسائل كيف غفلوا عن نقل ذلك والتنبيه عليه وبيان ما فيه من صحة أو بطلان
، مع أن الشيخ المذكور من أساطين الفرقة الناجية ، وكتابه مشهور متداول بينهم ،
ومثل ذلك أيضا ما اشتمل عليه صدر كلامه الذي جعله تفسيرا للآية فإنه لا خلاف بين
الأصحاب في أن الشقاق عبارة عن النشوز من كل من الزوجين عن الآخر والبغض من كل
منهما لصاحبه ، وهو صريح كلام الرضا عليهالسلام في كتاب الفقه
(1) كما قدمناه ،
وهذا الكلام الذي ذكره ـ رحمهالله ـ يرجع إلى أن
النشوز إنما هو من أحدهما ، وأيضا مقتضى ما دلت عليه الأخبار وصرح به الأصحاب أن
الحكمين بعد أن يجتمعا ويتفقا على الحكم فهو إما صلح وجمع بينهما ، وإما فرقة وطلاق
، وظاهر كلامه ـ رحمة الله عليه ـ هنا أنه بعد اجتماعهما وظهور الناشز منهما وأنه
الزوج أو الزوجة فإنهما ينكران على الناشز منهما ، وأن الحكم الشرعي فيه إن كان
الناشز هو الزوج أن تجب عليه النفقة وحقوق الزوجية ولا يمكن من المرأة ، وإن كانت
الزوجة فإنها لا تستحق عليه نفقة ولا يجب لها شيء من الحقوق ، وأيد ذلك بما رواه
عن علي عليهالسلام كما قدمنا
إيضاحه ، ومن ذلك تفسيره الهجر في المضاجع بالسب كما قدمنا ذكره.
وبالجملة فإن جميع ما ذكره في هذا المقام من الأحكام
الغريبة التي لم نقف
__________________
(1) فقه الرضا ص 245 ، مستدرك الوسائل ج 2 ص 613 ب 8 ح 1.
عليها في كلام غيره ، والشيخ المذكور
كما عرفت على غاية من الجلالة وهو من أرباب النصوص ومن معاصري الأئمة عليهمالسلام ومن الظاهر
أنه لا يفتي بذلك إلا عن خبر وصل إليه.
الثامن : قال ابن
الجنيد على ما نقله العلامة في المختلف عنه : وإن كان النشوز منهما ولم يرجعا
بالوعظ من الوالي ولا الذي يتحاكمان إليه أمر الرجل بأن يختار من أهله من لا يتهم
على المرأة ولا عليه ، وكذلك تؤمر المرأة بأن تختار من أهلها ويشترط الوالي أو
المرتضي بحكمه على الزوجين أن للمختارين جميعا أن يفرقا بينهما أو يجمعا إن رأيا
ذلك صوابا ، وكذلك إن رأيا إيقاع شروط بينهما لا يردها كتاب ولا سنة ولا إجماع ،
وعلى كل واحد من الزوجين إنفاذ ذلك والرضاء به ، وأنهما قد وكلاهما في ذلك ، ومهما
فعلاه فهو جائز عليهما ، ثم يخلو كل واحد من المختارين بصاحبه ، فيعلم ذات نفسه
ويشير عليه بالصواب ثم يجتمعان فيحكمان ، وعلى الوالي إن كان التحاكم إلى غيره أن
يأخذ الزوجين بالعمل بذلك ، إلا أن يكون المختاران أو أحدهما قد تجاوز شيئا رسماه
أو رسمه صاحبه له.
قال العلامة بعد نقله : وهذا الكلام يعطي أنه توكيل ،
وأن لها أن يفرقا.
أقول : الظاهر أن قوله «وأنهما وكلاهما في ذلك» إنما خرج مخرج التجوز بمعنى أنه في حكم الوكالة ، وإلا فصدر الكلام ظاهر بل صريح في أنه تحكيم ، ثم إن في هذا الكلام دلالة على ما قدمنا ذكره في وجه الجمع بين أخبار المسألة ، من أنه متى شرط الحكمان على الزوجين الرضاء بما حكما به ، فلهما أن يفرقا بينهما من غير استئذان ، وهو جيد كما عرفت ، وإن كان خلاف المشهور بينهم ، وأما قوله «وكذلك إن رأيا إيقاع شروط بينهما لا يردها كتاب ولا سنة» فهو مما صرح به غيره أيضا ، كما إذا شرطا على الزوج أن يسكنها في البلد الفلاني ، أو المسكن الفلاني ، أو لا يسكن معها ضرة في دار واحدة أو نحو ذلك ، أو شرطا على الزوجة أن يؤجل عليه الحال من المهر إلى أجل ، أو ترد عليه ما قبضته منه قرضا أو نحو ذلك ، لعموم الأخبار الدالة على وجوب الوفاء بالشروط ، ويلزم الزوج والزوجة القيام بذلك حسبما اشترطا عليهما أولا.
وأما الشروط المخالفة للمشروع كعدم التزويج والتسري ونحو
ذلك مما تقدم الكلام فيه ، أو ترك بعض حقوقها من القسم أو النفقة أو المهر أو نحو
ذلك ، فهو غير لازم إجماعا.
وأما قوله «ثم يخلو كل واحد. إلى آخره» فإن ظاهر الأصحاب
أن هذا من مستحبات التحكيم.
قال في المسالك : وينبغي أن يخلو حكم الرجل بالرجل وحكم
المرأة بالمرأة خلوة غير محرمة ليعرفا ما عندهما ، وما فيه رغبتهما وإذا اجتمعا لم
يخف أحدهما على الآخر ليتمكنا من الرأي الصواب. انتهى ، والظاهر أن الأصل في ذلك
ما قدمنا نقله عن الثقة الجليل علي بن إبراهيم في تفسيره.
التاسع : من المستحبات
عندهم أيضا في هذا المقام ما ذكره شيخنا في المسالك : قال : وينبغي للحكمين إخلاص
النية في السعي وقصد الإصلاح ، فمن حسنت نيته فيما يتحراه أصلح الله مسعاه ، وكان
ذلك سببا لحصول مبتغاه كما ينبه عليه قوله تعالى «إِنْ
يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما» (1) ومفهوم الشرط أن عدم التوفيق بين
الزوجين يدل على فساد قصد الحكمين ، وأنهما لم يجتمعا على قصد الاصطلاح بل في نية
أحدهما أو هما فساد ، فلذا لم يبلغا المراد ، انتهى.
أقول : ومما يزيد ما ذكره تأييدا ويعليه تشييدا ما رواه
الصدوق في الفقيه في هذا الباب عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم (2) أنه تناظر هو
وبعض المخالفين في الحكمين بصفين عمرو بن العاص وأبي موسى الأشعري ، فقال المخالف
: إن الحكمين لقبولهما الحكم كانا مريدين الإصلاح بين الطائفتين ، فقال هشام ، بل
__________________
(1) سورة النساء ـ آية 35.
(2) الفقيه ج 3 ص 338 ح 2.
كانا غير مريدين للإصلاح بينهما ، قال
المخالف : من أين قلت هذا؟ قال هشام : من قول الله في الحكمين «إِنْ
يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما». فلما اختلفا
ولم يكن اتفاق على أمر واحد ولم يوفق الله بينهما ، علمنا أنهما لم يريدا الإصلاح.
العاشر : لو غاب
الزوجان أو أحدهما بعد بعث الحكمين فهل ينفذ حكمهما أم لا؟ صرح الشيخ في المبسوط
بالثاني ، فقال : لا يجوز الحكم مع غيبة أحدهما لأن الحكم حينئذ مشروط ببقاء
الشقاق والخصومة بينهما ، ومع الغيبة لا يعرف بقاء ذلك ، ولأن كل واحد منهما محكوم
له وعليه ، ولا يجوز القضاء للغائب وإنما يجوز عليه.
وجوز المحقق والمتأخرون الحكم مع الغيبة ، لأنه مقصور
على الإصلاح وهو غير متوقف على الحضور ، وأجابوا عن دليل الشيخ بأن الأصل بقاء
الشقاق استصحابا لما كان قبل الغيبة.
قال في المسالك : وفيه نظر ، لجواز أن يشمل الحكم مع
الإصلاح على شرط لأحدهما ، فيكون حكما للغائب وإن حصل معه الإصلاح.
أقول : لا يخفى أن كلام المجوزين مبني على ما تقدم نقله
عنهم من أنه لا يجوز للحكمين الحكم بالفرقة إلا بعد الاستئذان ، فلذا خصوا الجواز
بالإصلاح.
والتحقيق أنك قد عرفت أن أخبار المسألة قد خرجت على نوعين (أحدهما) ما إذا اشترط الحكمان على الزوجين قبول ما يحكمان به ، وأنه ليس في هذه الصورة مراجعة ، لا في فرقة ولا إصلاح ، كما دلت عليه الأخبار المذكورة ، وقضية ذلك جواز الحكم مع الغيبة ، لأنه بالاشتراط عليهما وقبولهما الشرط لزم قبولهما لما يحكمان به ، حضرا أو غابا كما اعترفوا به في صورة الإصلاح ، اشتمل الحكم على شروط أو لم يشتمل ، والفرق بين الحكم له وعليه لا أعرف له دليلا واضحا ، فإن قضية التحكيم قبول ما يحكم به الحكمان كيف كان ، وبأي صورة كان ، هذا مقتضى ظاهر الأخبار المذكورة.
و (ثانيهما) إذا لم يشترطا وأنه لا بد في هذه الصورة من
المراجعة في إرادة التفريق كما دلت عليه الأخبار المذكورة وقضية ذلك الجواز مع
الغيبة بالنسبة إلى الصلح خاصة دون التفريق.
هذا ما يظهر لي من الأخبار حسبما أدى إليه الفهم السقيم.
الحادي عشر : قد صرح جملة من
الأصحاب بأنه لو منعها شيئا من حقوقها الواجبة كالنفقة والقسم مثلا ، فبذلت له
مالا للخلع لم يكن ذلك إكراها وإن كان محرما ، وإنما لم يكن ذلك إكراها لأنه أمر
منفك عن طلب الخلع ، فإنه قد يفعل ذلك مع إرادته المقام معها ، وإنما منعها لحرصه
على المال ، وقلة ديانته وضعف دينه أو ميله إلى ضرتها ، وكذا لو بذلت له مالا
للخلع ، حيث إنه أغارها وتزوج عليها ، وهو أولى بعدم ترتب الإكراه عليه ، فإن
التزويج جائز بل مستحب.
وما ذكرنا من أصل الحكم المذكور صرح به الشيخ في المبسوط
والمحقق في الشرائع وغيرهما ، والظاهر أنه المشهور ، واختلف كلام العلامة في ذلك ،
ففي الإرشاد وافق الشيخ وأفتى بما ذكره ، وفي التحرير نسب القول المذكور إلى الشيخ
ساكتا عليه ، وهو يؤذن بتردده فيه أو ضعفه عنده ، وفي القواعد قيد حقوقها
بالمستحبة ، ومفهومه أنه لو منعها الحقوق الواجبة كان ذلك إكراها ، وهذا القول
نقله الشيخ في المبسوط أولا عن بعض العامة ، ثم قال : الذي يقتضي مذهبنا أن هذا
ليس بإكراه وهو المعتمد.
إلى هنا تم الجزء الرابع والعشرون حسب تجزئتنا بحمد الله ومنه ، وقد بذلنا الجهد غاية في تصحيحه ومقابلته مع النسخ المطبوعة واستخراج أحاديثه. وسيليه الجزء الخامس والعشرون في بقية كتاب النكاح وأول كتاب الطلاق بمشيئة الباري عز اسمه.