ج25 - عدة الطلاق

الفصل الثالث

في العدد

جمع عدة ، وهي على ما ذكره الجوهري (3) أيام أقراء المرأة. ونحوه في القاموس ، (4) وزاد أيام حدادها على الزوج. وفي النهاية الأثيرية (5) عدة المرأة

__________________

(1) الكافي ج 7 ص 32 ح 17 مع اختلاف يسير.

(2) الفقيه ج 3 ص 228 ح 4 ، التهذيب ج 8 ص 287 ح 48 ، الوسائل ج 13 ص 310 ب 9 ح 5 وما في المصادر اختلاف يسير.

(3) الصحاح ج 2 ص 506.

(4) القاموس ج 1 ص 324 مع اختلاف يسير.

(5) النهاية لابن الأثير ج 3 ص 190.


المطلقة والمتوفى عنها زوجها ما تعده من أيام أقرائها وأيام حملها ، أو أربعة أشهر وعشر ليال. وعرفها شيخنا الشهيد الثاني في المسالك (1) بأنها شرعا اسم لمدة معدودة تتربص فيها المرأة لمعرفة براءة رحمها أو للتعبد أو التفجع على الزوج ، وشرعت صيانة للأنساب وتحصينا لها عن الاختلاط ، والأصل في وجوب العدة قبل الإجماع الآيات القرآنية والأخبار المعصومية عليهم‌السلام.

قال عز شأنه «وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ» (2) «وَاللّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ» (3) «وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً» (4) «ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها» (5).

وأما الأخبار فهي متواترة متكاثرة وستمر بك ـ إن شاء الله تعالى ـ في الأبحاث الآتية.

قال في المسالك (6) واعلم أن المدة المستدل بمضيها على براءة الرحم تتعلق تارة بالنكاح ووطء الشبهة وتشتهر باسم العدة ، واخرى بملك اليمين ، وإما حصولا في الابتداء أو زوالا في الانتهاء ، وتشتهر باسم الاستبراء ، والنوع الأول منه ما يتعلق بفرقة بين الزوجين ، وهو حي كفرقة الطلاق واللعان والفسوخ ، ويشمله عدة الطلاق لأنه أظهر أسباب الفراق ، وحكم العدة وطء الشبهة حكمها ، وإلى ما يتعلق بفرقة تحصل بموت الزوج وهي عدة الوفاة ، انتهى.

أقول : والكلام في هذا الفصل يقع في مقامات : 

الأول : أجمع العلماء من الخاصة والعامة على أنه لا عدة على الزوجة الغير المدخول بها ، سواء بانت بطلاق أو فسخ

__________________

(1 و 6) مسالك الافهام ج 2 ص 34 مع اختلاف يسير.

(2) سورة البقرة ـ آية 228.

(3) سورة الطلاق ـ آية 4.

(4) سورة البقرة ـ آية 234.

(5) سورة الأحزاب ـ آية 49.


لأن الغرض منها براءة الرحم ، نعم خرج من هذا الحكم المتوفى عنها زوجها للاتفاق نصا وفتوى على وجوب العدة في الحال المذكور.

ومما يدل على نفي العدة في غير الوفاة الآية والأخبار المتكاثرة. قال الله عزوجل «ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها».

ومن الأخبار في ذلك ما رواه في الكافي والتهذيب (1) عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل إذا طلق امرأته ولم يدخل بها ، فقال : قد بانت منه وتزوج من ساعتها إن شاءت».

وما رواه في الكافي (2) في الصحيح عن زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام «في رجل تزوج امرأة بكرا ثم طلقها قبل أن يدخل بها ثلاث تطليقات في كل شهر تطليقة ، قال : بانت منه في التطليقة الاولى واثنتان فضل ، وهو خاطب يتزوجها متى شاءت وشاء بمهر جديد ، قيل له : فله أن يراجعها إذا طلقها تطليقة واحدة قبل أن تمضي ثلاثة أشهر؟ قال : لا ، إنما كان يكون له أن يراجعها لو كان دخل بها أولا ، فأما قبل أن يدخل بها فلا رجعة له عليها قد بانت منه ساعة طلقها».

وعن الحلبي (3) في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا طلق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها فليس عليها عدة تزوج من ساعتها إن شاءت ، وبينهما تطليقة واحدة ، وإن كان فرض لها مهرا فلها نصف ما فرض». إلى غير ذلك من الأخبار.

وأما ما ذكرنا من خروج عدة الوفاة عن هذا الضابط المذكور فستأتي

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 83 ح 1 ، التهذيب ج 8 ص 64 ح 128 ، الوسائل ج 15 ص 404 ب 1 ح 6 وما في المصادر «وتزوج ان شاءت من ساعتها».

(2) الكافي ج 6 ص 84 ح 4 ، الوسائل ج 15 ص 403 ب 1 ح 2 وفيهما اختلاف يسير.

(3) الكافي ج 6 ص 83 ح 3 ، التهذيب ج 8 ص 64 ح 130 ، الوسائل ج 15 ص 404 ب 1 ح 4 وما في المصادر «وتبينها» بدل «وبينهما».


الأخبار الدالة عليه عند ذكر المسألة إن شاء الله تعالى.

بقي الكلام هنا في مواضع بها يتم تنقيح المقام : الأول : الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب ـ إذ لم ينقل هنا خلاف في الباب ـ في أن المراد بالدخول الوطء قبلا أو دبرا وطئا موجبا للغسل.

واستدل على ذلك بقول أبي عبد الله عليه‌السلام في حسنة الحلبي (1) في رجل دخل بامرأة «إذا التقى الختانان وجب المهر والعدة». وبهذا المضمون أخبار عديدة.

وصحيحة عبد الله بن سنان (2) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «ملامسة النساء هو الإيقاع».

وفي الصحيح عن عبد الله بن سنان (3) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سأله أبي وأنا حاضر عن رجل تزوج امرأة فأدخلت إليه فلم يمسها ولم يصل إليها حتى طلقها ، هل عليها عدة منه؟ فقال : إنما العدة من الماء ، قيل له : فإن كان واقعها في الفرج ولم ينزل؟ فقال : إذا أدخله وجب الغسل والمهر والعدة».

وفي الموثق عن يونس بن يعقوب (4) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سمعته يقول : لا يوجب المهر إلا الوقاع في الفرج».

إلى غير ذلك من الأخبار التي من هذا القبيل ، وعندي فيما ذكروه ـ رحمة الله عليهم ـ من شمول الدخول المترتبة عليه هذه الأحكام المذكورة في هذه الأخبار للوطء في الدبر إشكال ، فإنى لم أقف على نص صريح في ذلك سيما مع ما تقدم من الخلاف نصا وفتوى في إيجاب الوطء في الدبر للغسل كما تقدم في كتاب الطهارة مع ترجيح العدم كما تقدم ، والاستناد في ذلك إلى هذه الأخبار

__________________

(1 و 2) الكافي ج 6 ص 109 ح 1 و 4 ، الوسائل ج 15 ص 65 ب 54 ح 3 و 2 وفيهما اختلاف يسير.

(3) الكافي ج 6 ص 109 ح 6 ، الوسائل ج 15 ص 65 ب 54 ح 1 وفيهما اختلاف يسير.

(4) التهذيب ج 7 ص 464 ح 67 ، الوسائل ج 15 ص 66 ب 54 ح 6.


ونحوها لا يخلو من غموض.

قال السيد السند في شرح النافع بعد استدلال الأصحاب بصحيحة عبد الله ابن سنان الثانية : وربما تناول هذه الرواية بإطلاقها الوطء في الدبر ، انتهى.

ويضعف بأنه من المقرر في كلامهم كالقاعدة الكلية عندهم أن الإطلاق إنما ينصرف إلى الأفراد المتكثرة الشائعة ، فإنها هي التي يحمل عليها الإطلاق ويتبادر إلى الفهم دون الفروض النادرة ، ولا ريب أن الفرد الشائع في الوطء إنما هو الجماع في القبل لأنه هو المندب إليه والمحثوث إليه سيما مع كراهة الآخر ، بل قيل بتحريمه. وبالجملة فالمسألة عندي لا تخلو من توقف وإشكال.

الثاني : نقل عن جمع من الأصحاب أنه لا فرق بين وطء الكبير والصغير وإن نقص سنه ، عن زمان إمكان التولد منه عادة لإطلاق النص.

قال في المسالك : واعلم أنه لا فرق بين وطء الصبي القاصر عن سن من يصلح للولادة له وغيره لوجود المقتضي ، وهو الوطء الذي جعل مناطا لها كوطء الكبير بتغيب الحشفة خاصة من غير إنزال ، ويتغلب جانب التعبد هنا نظرا إلى تعليق الحكم بالوجه المنضبط ، انتهى.

وعندي في المسألة نوع توقف لما عرفت من أن الطلاق في الأخبار إنما تحمل على الأفراد الشائعة المتعارفة المتكررة ، وهي هنا البالغ دون الصغير ، فإنه نادر بل مجرد فرض ، والحمل على البالغ الذي أولج من غير إنزال ـ كما ذكره ودلت عليه صحيحة عبد الله بن سنان الثانية ـ لا يخرج عن القياس.

والأحكام الشرعية كما قدمنا ذكره في غير موضع منوطة بالأدلة الصريحة الواضحة وهي هنا خفية وغير لائحة ، ويمكن الاستئناس لذلك بما تقدم في خبر الواسطي (1) المذكور في صدر الفصل الأول الدال على عدم حصول التحليل بالغلام الذي لم يحتلم حتى يبلغ ، فإن فيه إيماء إلى عدم ترتب الأحكام الشرعية على

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 76 ح 6 ، الوسائل ج 15 ص 267 ب 8 ح 1.


نكاح غير البالغ ، التي من جملتها التحليل. وبالجملة فالحكم عندي غير خال من شوب التوقف والاشكال.

الثالث : قد صرح جماعة من الأصحاب منهم شيخنا في المسالك وسبطه في شرح النافع بأنه يلحق بالوطء دخول المني المحترم في الفرج فيلحق به الولد إن فرض ، وتعتد بوضعه ، وظاهرهم عدم وجوب العدة بدون الحمل هنا ، وعندي فيه توقف أيضا لعدم الوقوف على نص يصلح دليلا لهذا الإلحاق.

الرابع : ظاهر كلام الأصحاب ـ وبه صرح في المسالك ـ وجوب العدة على مدخولة الخصي ، فإنه وإن لم ينزل ولكنه يولج فيكون بمنزلة الفحل الذي يولج ولا ينزل ، والمعتبر في هذا الباب هو الإيلاج خاصة كما عرفت ، وعليه دلت الأخبار.

ويدل على ما ذكروه من وجوب العدة هنا ما رواه في الكافي والفقيه (1) عن أبي عبيدة في الصحيح قال : «سئل أبو جعفر عليه‌السلام عن خصي تزوج امرأة وفرض لها صداقا وهي تعلم أنه خصي ، فقال : جائز ، فقيل : فإنه مكث معها ما شاء الله ثم طلقها ، هل عليها عدة؟ قال : نعم ، أليس قد لذ منها ولذت منه» (2) الحديث.

إلا أنه قد روى الشيخ في التهذيب (3) في الصحيح عن أحمد بن محمد بن عيسى

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 151 ح 1 ، الفقيه ج 3 ص 268 ح 58 ، الوسائل ج 14 ص 608 ب 13 ح 4 وما في المصادر اختلاف يسير.

(2) وتمام الخبر المذكور «. قيل له : فهل كان عليها فيما كان يكون منه وفيها غسل؟ قال : فقال : ان كانت إذا كان ذلك منه أمنت ، فإن عليها غسلا ، وقيل له : فهل له أن يرجع بشي‌ء من صداقها إذا طلقها؟ فقال : لا».

أقول : ما دلت عليه من تخصيص وجوب الغسل عليها بحصول الأمناء منها دون مجرد الإيلاج كما هو القاعدة الكلية لا يخلو من التأمل لاستفاضة الأخبار بأنه إذا أدخله فقد وجب عليه الغسل والمهر والرجم. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(3) التهذيب ج 7 ص 375 ح 80 ، الوسائل ج 15 ص 52 ب 44 ح 1 وفيهما اختلاف يسير.


عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال : «سئل الرضا عليه‌السلام عن خصي تزوج امرأة على ألف درهم ثم طلقها بعد ما دخل بها ، قال : لها الألف الذي أخذت منه ولا عدة عليها».

وجمع المحدث الكاشاني في الوافي (1) والمفاتيح بين الخبرين بحمل العدة في الخبر الأول على الاستحباب.

وفيه أن وجوب العدة هو مقتضى القواعد الشرعية والضوابط المرعية المستفادة من الأخبار المعصومية لما عرفت من دلالة الأخبار (2) على أن مناط العدة هو الإيلاج وإن لم يحصل إنزال ، وإطلاق الأخبار شامل للخصي وغيره ، مؤيدا ذلك باتفاق الأصحاب على الحكم المذكور ، وتخرج صحيحة أبي عبيدة المذكورة شاهدة على ذلك ، فالواجب جعل التأويل في جانب الرواية الثانية المخالفة لتلك القواعد المذكورة ، لا الاولى.

ولو كان الرجل مجبوبا ـ وهو مقطوع الذكر وسليم الأنثيين ـ فالمشهور أنه لا عدة على المرأة لعدم حصول الدخول الذي هو مناط ذلك.

__________________

(1) الوافي ج 3 ص 180 ب 187.

(2) ومنها ما في حسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في رجل دخل بامرأة ، قال : إذا التقى الختانان وجب الغسل والعدة».

وفي حسنة حفص بن البختري عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا التقى الختانان وجب المهر والعدة والغسل».

وفي حسنة داود بن سرحان عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا أولجه فقد وجب الغسل والجلد والرجم ووجب المهر».

وهذه الاخبار ونحوها كلها متعاضدة للدلالة على ترتب هذه الأشياء على الدخول من أى فرد كان من أفراد الرجال ، فلا وجه للفرق في ذلك بين العدة ووجوب المهر كما تضمنته صحيحة البزنطي المذكورة ، وبذلك يظهر أيضا ما في صحيحة أبي عبيدة مما قدمنا ذكره في الحاشية السابقة من جعل مناط الغسل الأمناء من المرأة دون مجرد الإيلاج. (منه ـ قدس‌سره ـ).


ونقل عن الشيخ في المبسوط وجوب العدة محتجا بإمكان المساحقة. ورد بأن مجرد الإمكان غير كاف في الوطء الكامل.

والحق في الجواب أن الحكم بالوجوب يتوقف على الدليل ، وغاية ما دلت عليه الأخبار هو إدخال الذكر على الوجه المتقدم ، وهو غير حاصل. نعم لو ظهر بها حمل لحقه الولد ، واعتدت حينئذ بوضعه كما ذكره الأصحاب.

وأما الممسوح الذي لم يبق له شي‌ء ولا يتصور منه دخول فقد صرح الأصحاب بأنه لو أتت منه بولد لم يلحقه على الظاهر ، ولا يجب على زوجته منه عدة ، وربما قيل : حكمه حكم المجبوب ، وهو بعيد.

الخامس : لا عدة للحامل من الزنا : بلا خلاف ، فيجوز لها التزويج قبل الوضع ، وأما مع عدمه فالمشهور أنه كذلك ، لأن الزنا لا حرمة له ، وبه علل الأول أيضا وأثبتها العلامة في التحرير. قال في المسالك : ولا بأس به ، حذرا من اختلاط المياه وتشويش الأنساب.

أقول : وهذا القول وإن ندر فهو المختار لما دل عليه من الأخبار ، ومنها ما رواه في الكافي (1) عن إسحاق بن جرير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قلت له : الرجل يفجر بالمرأة ثم يبدو له في تزويجها ، هل يحل له ذلك؟ قال : نعم إذا هو اجتنبها حتى تنقضي عدتها باستبراء رحمها من ماء الفجور فله أن يتزوجها ، وإنما يجوز له تزويجها بعد أن يقف على توبتها».

وما رواه الحسن بن علي بن شعبة في كتاب تحف العقول (2) عن أبي جعفر محمد بن علي الجواد عليه‌السلام «أنه سئل عن رجل نكح امرأة على زنا ، أتحل له أن يتزوجها؟ فقال : يدعها حتى يستبرئها من نطفته ونطفة غيره ، إذ لا يؤمن منها أن يكون

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 356 ح 4 ، الوسائل ج 14 ص 330 ب 11 ح 4 وج 15 ص 476 ب 44 ح 1.

(2) تحف العقول ص 454 ، الوسائل ج 15 ص 476 ب 44 ح 2.


قد أحدثت مع غيره حدثا كما أحدثت معه ، ثم يتزوج بها إذا أراد ، فإنما مثلها مثل نخلة أكل رجل منها حراما فأكل منها حلالا».

وبذلك يظهر لك ما في قولهم إن الزنا لا حرمة له ، وقد تقدم تحقيق البحث في ذلك (1) ويأتي إن شاء الله في المباحث الآتية ما يشير إليه أيضا.

السادس : المشهور أنه لا تجب العدة بالخلوة ، ونقل عن ابن الجنيد القول بالوجوب حيث قال على ما نقله عنه السيد السند في شرح النافع : الأغلب في من خلا بزوجته ، ولا مانع له عنها وقوع الوطء إن كانت ثيبا ، والالتذاذ بما ينزل به الماء إذا كانت بكرا ، وإن كان زمان اجتماعهما يمكن ذلك فيه حكم عليه بالمهر ، وعليها بالعدة إن وقع الطلاق ، إلا أنه ربما عرض أمور لا يمكن إشهادة على إيقاعه والإنسان على نفسه بصيرة.

أقول : قد تقدم تحقيق الكلام في هذا المقام في بحث المهور في كتاب النكاح (2) وملخصه أن الموجب للمهر والعدة إنما هو المواقعة دون مجرد الخلوة إلا في مقام التهمة بأن يخلو بها ، وتدل القرائن على الوقاع ، ومع هذا يعترف الزوجان بعدمه ، فإنه لا يقبل قولهما لقيام التهمة.

وأما الأخبار الدالة بظاهرها على ثبوت ذلك بمجرد الخلوة فسبيلها الحمل على التقية دون ما ذكره أصحابنا من التأويل فإنه بعيد كما أوضحناه ثمة.

المقام الثاني : في المستقيمة الحيض ، وهي تعتد بثلاثة أقراء ، وهي الأطهار على الأشهر الأظهر إذا كانت حرة سواء كانت تحت حر أو عبد. وتفصيل هذا الإجمال على وجه يتضح به الحال يقع في مواضع :

__________________

(1) أقول : تقدم ذلك في التنبيهات ـ التي بعد الإلحاق ـ المشتملة على جملة من أحكام الزنا من المقام الثاني من المطلب الثالث فيما يحرم بالمصاهرة من كتاب النكاح. (منه ـ قدس‌سره ـ). راجع الحدائق ج 23 ص 502.

(2) الحدائق ج 24 ص 505 ـ 511.


الأول : القرء ـ بالفتح والضم ـ يجمع على أقراء وقروء ، سواء كان بمعنى الطهر أو الحيض ، ونقل عن بعض أهل اللغة أنه بالفتح الطهر ويجمع على فعول كحرث وحروث وضرب وضروب ، والقرء بالضم الحيض ويجمع على أقراء مثل قفل وأقفال.

قال في المسالك (1) بعد نقل ذلك : والأشهر عدم الفرق بين الضم والفتح وأنه يقع على الحيض والطهر جميعا بالاشتراك اللفظي أو المعنوي.

أقول : في كتاب المصباح المنير (2) للفيومي : والقرء فيه لغتان : الفتح وجمعه قرء وأقراء مثل فلس وإفلاس وأفلس ، والضم ويجمع على أقراء مثل قفل وأقفال ، قال أئمة اللغة : ويطلق على الطهر والحيض ، وحكاه ابن فارس أيضا. انتهى ، وهو ظاهر في القول المشهور كما أشار إليه شيخنا المذكور.

وكيف كان فقد اختلفوا في إطلاق هذا اللفظ عليهما فقيل : إنه حقيقة في الطهر مجاز في الحيض ، فإن القرء بمعنى الجمع والطهر هو الذي يجمع الدم في بدنها ويحبسه في الرحم ، وقيل بالعكس لأن المرأة لا تسمى من ذوات الأقراء إلا إذا حاضت ، وقيل : الأشهر الأظهر أنه مشترك بينهما كسائر الأسماء المشتركة ، ورجح الأولان بأن المجاز خير من الاشتراك ، ويرده نص أهل اللغة على الاشتراك كما عرفت من عبارة المصباح المنير ، ولا رجحان للمجاز عليه بعد ثبوته.

الثاني : المراد بالمستقيمة الحيض هي من كان الحيض يأتيها على عادة النساء في كل شهر مرة ، وفي معناها من كانت تعتاد الحيض فيما دون الثلاثة أشهر ، فإن حكمها الاعتداد بالأقراء كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

وفسرها شيخنا في المسالك (3) بأنها معتادة الحيض وقتا وعددا ، وفي حكمها

__________________

(1) مسالك الافهام ج 2 ص 35.

(2) المصباح المنير ج 1 ص 687 مع اختلاف يسير.

(3) قال قدس‌سره : المراد بمستقيمة الحيض معتادة الحيض


معتادته وقتا خاصة وأورد عليه بأنه غير واضح ، لأن من اعتادت الحيض فيما زاد على ثلاثة أشهر لا تعتد بالأقراء وإن كانت لها عادة وقتا وعددا ، انتهى وهو جيد.

الثالث : لا خلاف بين العلماء من الخاصة والعامة في أن الحرة المطلقة المدخول بها ومن في معناها إذا كانت على الوجه المتقدم تعتد بثلاثة أقراء كما قال عز شأنه «وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ» (1) وهو خبر في معنى الأمر.

وإنما الخلاف في المراد من الآية وأنه أي المعنيين الطهر أو الحيض؟ لما عرفت من إطلاقه عليها ، والمعروف من مذهب الأصحاب أنه الطهر : وعليه تدل جملة من الأخبار ، وقيل : إنه الحيض ، وعليه تدل جملة منها أيضا.

فمن الأخبار الدالة على الأول ما رواه في الكافي (2) عن زرارة في الصحيح أو الحسن عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «قلت له : أصلحك الله رجل طلق امرأته على طهر من غير جماع بشهادة عدلين ، فقال : إذا دخلت في الحيضة الثالثة فقد انقضت عدتها وحلت للأزواج ، قلت له : أصلحك الله إن أهل العراق يروون عن علي عليه‌السلام أنه قال : هو أحق برجعتها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة ، فقال : كذبوا».

وعن زرارة (3) عن أبي جعفر عليه‌السلام في الصحيح قال : «المطلقة إذا رأت الدم من الحيضة الثالثة فقد بانت منه».

وعن زرارة (4) في الموثق بأسانيد عديدة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «أول دم رأته

__________________

وقتا وعددا ، وان استحيضت بعد ذلك فإنها ترجع في الحيض الى عادتها وتجعل ما سواها طهرا وفي حكمها المعتادة وقتا خاصة لأنها بحسب أوله مستقيمة الحيض ، وانما يلحق بالمضطربة في آخره. انتهى (منه ـ قدس‌سره ـ).

(1) سورة البقرة ـ آية 228.

(2) الكافي ج 6 ص 86 ح 1 ، التهذيب ج 8 ص 123 ح 25 ، الوسائل ج 15 ص 426 ب 15 ح 1 وما في المصادر اختلاف يسير.

(3 و 4) الكافي ج 6 ص 87 ح 2 و 6، الوسائل ج 15 ص 428 ب 15 ح 7 و 9.


من الحيضة الثالثة فقد بانت منه».

وعن إسماعيل الجعفي (1) في الموثق عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «قلت له : رجل طلق امرأته ، قال : هو أحق برجعتها ما لم تقع في الدم من الحيضة الثالثة».

وعن زرارة (2) في الصحيح عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «المطلقة ترث وتورث حتى ترى الدم الثالث : فإذا رأته فقد انقطع».

وعن زرارة (3) في الموثق عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «سمعته يقول : المطلقة تبين عند أول قطرة من الدم في القرء الأخير».

وعن إسماعيل الجعفي (4) في الموثق عن أبي جعفر عليه‌السلام «في الرجل يطلق امرأته ، فقال : هو أحق برجعتها ما لم تقع في الدم الثالث».

وما رواه في التهذيب (5) عن زرارة قال : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : إني سمعت ربيعة الرأي يقول : إذا رأت الدم من الحيضة الثالثة بانت منه ، وإنما القرء ما بين الحيضتين ، وزعم أنه إنما أخذ ذلك برأيه ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : كذب ، لعمري ما قال ذلك برأيه ولكنه أخذه عن علي عليه‌السلام ، قال : قلت : وما قال علي فيها؟ قال : كان يقول : إذا رأت الدم من الحيضة الثالثة فقد انقضت عدتها ولا سبيل له عليها ، وإنما القرء ما بين الحيضتين ، وليس لها أن تتزوج حتى تغتسل من الحيضة الثالثة».

وعن محمد بن مسلم (6) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يطلق امرأته متى تبين منه؟ قال : حين يطلع الدم من الحيضة الثالثة تملك نفسها ، قلت : فلها

__________________

(1 و 2) الكافي ج 6 ص 87 ح 4 و 5، الوسائل ج 15 ص 427 ب 15 ح 2 و 3.

(3 و 4) الكافي ج 6 ص 87 ح 7 و 8، الوسائل ج 15 ص 429 ب 15 ح 10 و 11.

(5) الكافي ج 6 ص 88 ح 9 ، التهذيب ج 8 ص 123 ح 28 ، الوسائل ج 15 ص 427 ب 15 ح 4 وما في المصادر «وما قال فيها على».

(6) الكافي ج 6 ص 88 ح 11 ، التهذيب ج 8 ص 124 ح 30 ، الوسائل ج 15 ص 432 ب 16 ح 1.


أن تتزوج في تلك الحال؟ قال : نعم ، ولكن لا تمكن من نفسها حتى تطهر من الدم».

وما رواه في الكافي (1) عن زرارة في الصحيح عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «المطلقة تبين عند أول قطرة من الحيضة الثالثة «قال : قلت : بلغني أن ربيعة الرأي قال : من رأيي أنها تبين عند أول قطرة ، فقال : كذب ما هو من رأيه ، إنما هو شي‌ء بلغه عن علي عليه‌السلام».

وعن زرارة (2) في الصحيح أو الحسن قال : «سمعت ربيعة الرأي يقول : إن من رأيي أن الأقراء التي سمى الله عزوجل في القرآن إنما هو الطهر بين الحيضتين ، فقال : كذب لم يقله برأيه ، ولكنه إنما بلغه عن علي عليه‌السلام ، فقلت : أصلحك الله كان علي عليه‌السلام يقول ذلك؟ فقال : نعم إنما القرء الطهر تقرأ فيه الدم فتجمعه فإذا جاء الحيض دفعته».

وعن زرارة (3) في الصحيح عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «القرء ما بين الحيضتين».

وعن محمد بن مسلم (4) عن أبي جعفر عليه‌السلام في الصحيح أو الحسن مثله.

وعن زرارة (5) عن أبي جعفر عليه‌السلام في الحسن قال : «الأقراء هي الأطهار».

وعن عبد الرحمن بن أبي عبد الله (6) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة إذا طلقها زوجها متى تكون هي أملك بنفسها؟ قال : إذا رأت الدم من الحيضة الثالثة فهي أملك بنفسها ، قلت : فإن عجل الدم عليها قبل أيام قرئها؟ فقال : إذا كان الدم قبل عشرة أيام فهو أملك بها وهو من الحيضة التي طهرت منها ، فإن

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 87 ح 3 ، الوسائل ج 15 ص 428 ب 15 ح 8 وفيهما «عن أبى عبد الله».

(2) الكافي ج 6 ص 89 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 425 ب 14 ح 4 مع اختلاف يسير.

(3 و 4) الكافي ج 6 ص 89 ح 2 و 3 ، التهذيب ج 8 ص 122 ح 22 و 23 ، الوسائل ج 15 ص 424 ب 14 ح 1 و 2.

(5) الكافي ج 6 ص 89 ح 4 وفيه «عن أبى عبد الله» ، التهذيب ج 8 ص 123 ح 24 ، الوسائل ج 15 ص 424 ب 14 ح 3.

(6) الكافي ج 6 ص 88 ح 10 ، الوسائل ج 15 ص 433 ب 17 ح 1.


كان الدم بعد العشرة أيام فهو من الحيضة الثالثة وهي أملك بنفسها».

وما رواه الفضل بن الحسن الطبرسي في كتاب مجمع البيان والعياشي في تفسيره (1) عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام «أن عليا عليه‌السلام كان يقول : إنما القرء الطهر يقرأ فيه الدم فتجمعه فإذا جاء الحيض قذفته ، قلت : رجل طلق امرأته طاهرا من غير جماع بشهادة عدلين ، قال : إذا دخلت في الحيضة الثالثة انقضت عدتها وحلت للأزواج ، قلت : إن أهل العراق يروون أن عليا عليه‌السلام يقول : إنه أحق برجعتها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة ، فقال : كذبوا».

هذا ما وقفت عليه من الأخبار الدالة على القول المشهور وهي كما ترى فيه واضحة الظهور ، وما دل منها كما هو المصرح به في أكثرها على أن انقضاء الأطهار الثلاثة تحصل بالدخول في الدم الثالث مبني على عد الطهر الذي طلقت فيه ، وأنه في الغالب يكون الحيض بعده متأخرا عنه بزمان وإن قصر ، إلا فلو فرض حصول أول الحيض بعد انقضاء صيغة الطلاق بلا فصل فإنها لا تخرج من العدة برؤية الدم الثالث حيث إنه لم يسبق لها إلا طهران خاصة ، بل لا بد من الطهر بعد الدم الثالث ، وبذلك صرح الشيخان وغيرهم كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.

وأما ما يدل على القول الآخر فمن ذلك ما رواه الشيخ في التهذيب (2) في الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «عدة التي تحيض ويستقيم حيضها ثلاثة أقراء وهي ثلاث حيض».

وعن أبي بصير (3) وهو المرادي في الصحيح مقطوعا مثله ، وحملهما الشيخ في التهذيبين تارة على التقية ، واخرى على عدم استيفاء الثالثة.

__________________

(1) مجمع البيان ج 2 ص 326 ، تفسير العياشي ج 1 ص 114 ، الوسائل ج 15 ص 431 ب 15 ح 19 وما في المصادر اختلاف يسير.

(2 و 3) التهذيب ج 8 ص 126 ح 33 و 33، الوسائل ج 15 ص 425 ب 14 ح 7 وذيله.


وعن القداح (1) في الموثق عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن أبيه عليه‌السلام قال : «قال علي عليه‌السلام : إذا طلق الرجل المرأة فهو أحق بها ما لم تغتسل من الثالثة».

وعن إسحاق بن عمار (2) عمن حدثه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «جاءت امرأة إلى عمر فسألته عن طلاقها ، قال : اذهبي إلى هذا فاسأليه ـ يعني عليا عليه‌السلام ـ فقالت لعلي عليه‌السلام : إن زوجي طلقني ، قال : غسلت فرجك؟ قال : فرجعت إلى عمر فقال : أرسلتني إلى رجل يلعب ، قال : فردها إليه مرتين كل ذلك ترجع فتقول : يلعب ، قال : فقال لها : انطلقي إليه فإنه أعلمنا ، قال : فقال لها علي عليه‌السلام : غسلت فرجك؟ قالت : لا ، قال : فزوجك أحق ببضعك ما لم تغسلي فرجك».

وعن محمد بن مسلم (3) في الصحيح عن أبي جعفر عليه‌السلام «في الرجل يطلق امرأته تطليقة على طهر من غير جماع يدعها حتى تدخل في قرئها الثالث ويحضر غسلها ثم يراجعها ويشهد على رجعتها ، قال : هو أملك بها ما لم تحل لها الصلاة».

وعن الحسن بن زياد (4) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «هي ترث وتورث ما كان له الرجعة من التطليقتين الأولتين حتى تغتسل».

هذا ما حضرني من الأخبار الدالة على القول الآخر ، والشيخ كما عرفت قد حملها على التقية ، وحمل خبر عمر على التقية في الفتوى أو في الرواية.

ونقل عن شيخه المفيد ـ رحمة الله عليه ـ أنه قال : إذا طلقها في آخر طهرها اعتدت بالحيض ، وإن طلقها في أوله اعتدت بالأطهار ، وجعله وجه جمع بين الأخبار ، ثم قال : وهذا وجه قريب غير أن الأولى ما قدمناه.

__________________

(1) التهذيب ج 8 ص 125 ح 31 ، الوسائل ج 15 ص 425 ب 14 ح 12.

(2) التهذيب ج 8 ص 125 ح 32 ، الوسائل ج 15 ص 429 ب 15 ح 13 وفيهما اختلاف يسير.

(3) التهذيب ج 8 ص 127 ح 36 ، الوسائل ج 15 ص 430 ب 15 ح 15.

(4) التهذيب ج 8 ص 127 ح 37 ، الوسائل ج 15 ص 430 ب 15 ح 16 وفيهما اختلاف يسير.


أقول : لا يخفى قرب ما قربه من تأويل الشيخ المفيد ، إلا أن الأخبار خالية من الإشارة إليه فضلا عن الدلالة عليه ، والمعتمد هو الحمل على التقية كما يشير إليه صحيح زرارة المتقدم في صدر الأخبار حيث كذب عليه‌السلام أهل العراق فيما نقلوه عن علي عليه‌السلام من جعل الأقراء هي الحيض بعد أن أسنده إليهم ، ونحوه الرواية المنقولة من كتاب مجمع البيان وتفسير العياشي.

وقد تضمنت جملة من الروايات المذكورة أن مذهب علي عليه‌السلام إنما هو كون القرء بمعنى الطهر ، ولعل ما تضمنه خبر المرأة التي سألت عمر هو مستند أهل العراق فيما نقلوه عن علي عليه‌السلام من أن القرء بمعنى الحيضة ، إلا أنه ينافيه تكذيبه عليه‌السلام فيما نقلوه.

واحتمل في التهذيبين (1) في خبر المرأة أن يكون على وجه إضافة المذهب إليهم فيكون قول أبي عبد الله عليه‌السلام : قال علي عليه‌السلام : إن هؤلاء يقولون كذلك ، لا أنه يكون مخبرا في الحقيقة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قال : وقد صرح أبو جعفر عليه‌السلام في رواية زرارة وغيرها بأنهم كذبوا على علي عليه‌السلام. انتهى ، وهو في مقام الجمع بين هذه الأخبار غير بعيد ، وبه ترتفع المنافاة المتقدم ذكرها.

وبذلك يظهر أن المعتمد هو القول المشهور لما عرفت من تضافر الأخبار به مؤيدة بفتوى الطائفة بذلك.

الرابع : لا خلاف بين الأصحاب في أنها تحتسب بالطهر الذي طلقت فيه ، فيكون أحد الأطهار الثلاثة الموجبة للخروج من العدة. قال السيد السند في شرح النافع : هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، وظاهرهم أنه موضع وفاق أقول : وتدل عليه الأخبار المتقدمة الدالة على أنها بالدخول في الدم الثالث فقد انقضت عدتها ، فإنه مني كما عرفت آنفا على الاحتساب بالطهر الذي طلقت فيه كما أوضحناه آنفا لأن هذا هو الغالب ، فمن أجل ذلك بني عليه

__________________

(1) التهذيب ج 8 ص 125 ذيل ح 32 ، الاستبصار ج 3 ص 329 ذيل ح 8.


إطلاق الأخبار ، فإن وقوع الطلاق على وجه يكون الحيض بعده بلا فصل نادر أشد الندور. ولو اتفق ذلك بأن حاضت بعد انتهاء لفظ الطلاق ولم يحصل زمان بين الطلاق والحيض صح الطلاق لوقوعه في الطهر ، ولم يحسب ذلك الطهر من العدة ، لأنه لم يعقب الطلاق بل يفتقر ذلك إلى ثلاثة قروء مستأنفة بعض الحيض.

الخامس : أطلق المحقق في النافع انقضاء العدة في رؤية الدم الثالث كما هو ظاهر إطلاق الأخبار ، وقيده في الشرائع بما إذا كانت عادتها مستقرة بالزمان ، قال : وإن اختلفت صبرت إلى انقضاء أقل الحيض آخذا بالاحتياط ، ومرجعه إلى اشتراط أن يكون أول الحيض منضبطا ، وفي ذلك إنما يكون في المعتادة وقتا وعددا وفي المعتاد وقتا ، أما لو اختلفت عادتها وقتا ولم تكن مستقرة بأن كانت تحيض تارة في أول الشهر واخرى في وسطه وتارة في آخره فإنها بالنسبة إلى أوله كالمضطربة فلا يحكم بانقضاء العدة إلا مع العلم بكونه حيضا ، وذلك بعد مضي ثلاثة أيام.

أقول : الكلام هنا مبني على ما تقدم تحقيقه في باب الحيض من كتاب الطهارة (1) من أن المبتدئة والمضطربة هل تحيض برؤية الدم؟ أو تستظهر للعبادة بأن لا تتحيض إلا بعد مضي ثلاثة أيام؟ قولان ، وفي المسألة قول ثالث اختاره السيد السند في المدارك ، وهو أنها تتحيض برؤية الدم إذا كان بصفة دم الحيض ، وإلا فإنها إنما تتحيض بعد الثلاثة الأيام ، فعلى القول بأنها تتحيض بمجرد رؤية الدم جرى الإطلاق في عبارة النافع ، وهو أنها تخرج من العدة برؤية الدم الثالث للحكم بكونه حيضا بمجرد رؤية الدم بعد الطلاق ، وعلى القول الثاني لا تخرج من العدة إلا بعد مضي الثلاثة لتحقق كونه حيضها بعدها ، واحتمال عدم الحيض قبل إتمامها.

__________________

(1) الحدائق ج 3 ص 234.


ويحتمل في عبارة الشرائع أنه وإن قلنا بأن المضطربة وأختها تتحيضان بمجرد رؤية الدم إلا أن الأحوط للعدة الأخذ بالقول الآخر ، وهذا هو الظاهر من العبارة فإن التعبير بالاحتياط إنما ينطبق على هذا المعنى ، والذي حققناه في باب الحيض كما تقدم في كتاب الطهارة أنه لا دليل على اعتبار التربص ثلاثة أيام كما قالوه ، والأخبار الواردة في المسألة صريحة في التحيض ، بمجرد رؤية الدم في المضطربة والمبتدئة ، وحينئذ فلا إشكال ، وما ادعى من الاحتياط هنا يتوقف على وجود الدليل على اعتبار الثلاثة في تلك المسألة ، وعلى هذا جرى إطلاق أخبار المسألة هنا كما لا يخفى.

السادس : قد صرح الأصحاب بأن أقل زمان تنقضي به العدة ستة وعشرون يوما ولحظتان ، واللحظة الأخيرة ليست من العدة وإنما هي دالة على الخروج.

وبيانه : أنه يمكن أن يفرض أن يطلقها وقد بقي من الطهر لحظة بعد الطلاق ، ثم تحيض أقل الحيض ثلاثة أيام ، ثم تطهر أقل الطهر عشرة ، والجميع ثلاثة عشر يوما ولحظة وقد حصل لها طهران ، ثم تحيض أقل الحيض ثلاثة أيام ، ثم تطهر أقل الطهر عشرة ، فهذه ثلاثة عشر اخرى ، والجميع ستة وعشرون يوما ولحظة ، ثم تحيض بعد تمام العشرة الأخيرة وبالحيض لحظة من أوله يتبين انقضاء الطهر الثالث وتمامه ، فتكون هذه اللحظة الأخيرة من الحيض كاشفة عن الخروج من العدة ، ولا مدخل لها في العدة لانقضائها بالطهر الثالث ، وحينئذ فأقلها في الحقيقة ستة وعشرون يوما ولحظة ، وهي التي من أولها لا غير ، وقيل بأن اللحظة الأخيرة جزء من العدة ، ونسب إلى الشيخ لتوقف انقضاء العدة عليها فكانت كغيرها من الأجزاء ، ولا ريب في ضعفه ، فإن مجرد توقف انقضاء العدة عليها لا يستلزم كونها جزء منها ، وإنما هي كاشفة عن سبق انتهاء الطهر الثالث الذي هو نهاية العدة ومظهر الخلاف في الرجوع في تلك اللحظة ، فتصح على قول الشيخ المذكور ، لأنها من العدة وتبطل على المشهور ، وكذا فيما لو


تزوجت بغيره ، فيها فيصح على المشهور ويبطل على قول الشيخ ، وفيما لو مات الزوج فيها فعلى المشهور ينتفي الإرث وعلى قول الشيخ ترث.

هذا ، ومما ذكر من أن أقل ما تنقضي به العدة المدة المذكورة مبني على الغالب ، وإن كان أيضا في حد ذاته نادرا ، إلا أنه قد يتفق أيضا فيما هو أقل من ذلك ، بأن يطلقها بعد الوضع وقبل رؤية دم النفاس بلحظة ، ثم ترى دم النفاس لحظة لأنه محسوب بحيضة وإن كان لحظة كما تقدم في بابه ، فإذا رأت بعد الطلاق دم النفاس لحظة ثم مضى لها أقل الطهر ثم رأت الدم ثلاثة أيام أقل الحيض ثم انقطع عشرة أيام ثم رأت الدم الثالث انقضت عدتها بأول لحظة من الدم الثالث ، ومجموع ذلك ثلاثة وعشرون يوما وثلاث لحظات ، والكلام في اللحظة الأخيرة هنا كما سبق من الدخول والخروج.

السابع : لو اختلف الزوجان فادعت المرأة بقاء جزء من الطهر بعد الطلاق ليكون أول الأطهار الثلاثة وتقصر بذلك العدة وأنكر الزوج ذلك بأن ادعى وقوع الحيض بعد الطلاق بلا فاصلة لتكون الأطهار الثلاثة متأخرة عن الحيض فتطول مدة العدة ليتمكن من الرجوع فيها ، والمعروف من كلام الأصحاب وعليه تدل ظواهر الآية والأخبار الدالة على الرجوع إليها في الحيض والطهر أن القول قول المرأة هنا وإن كان معه أصالة بقاء العدة واستصحاب حكم الزوجية ، إلا أنك قد عرفت أن دليل تقديم قولها أقوى ، للآية والرواية ، وهي مقدمة على دليل الاستصحاب وإن كان حجة في هذا الباب ، لأن مرجعه إلى الاستناد إلى عموم الدليل وإطلاقه.

بقي الكلام في النفقة في المدة الزائدة على تقدير دعواه ، فمقتضى ما ادعته أنها لا تستحق فيها نفقة لخروجها من العدة ، فإن كان قد دفعها إليه لم يرجع بها ، لأنه معترف باستحقاقها لذلك ، فليس له انتزاعها ، وإن لم يكن دفعها لم يكن لها المطالبة بها لاعترافها بعدم الاستحقاق.


قال في المسالك بعد ذكر نحو ذلك : ويحتمل جواز أخذها منها في الأول لما تقدم من أن شرط استحقاق المطلقة رجعيا النفقة بقاؤها على الطاعة كالزوجة ، وبادعائها البينونة لا يتحقق التمكين من طرفها ، فلا تستحق نفقة على القولين ، فله المطالبة بها حينئذ ، فلا يكون كالمال الذي لا يدعيه أحد لأن مالكه هنا معروف ، ويمكن الفرق بين عدم التمكين المستند إلى دعوى البينونة وبينه على تقدير الاعتراف ببقاء العدة بالنسبة إليه ، لأنها بزعمها ليست ناشزا في الأول بخلاف الثاني ، والأجود الأول ، انتهى.

المقام الثالث : في المسترابة ، وهي المسترابة الحيض أو الحمل ، وتسمى ذات الشهور ، وما يلحق بذلك من الأحكام ، وفيه بحوث :

الأول : في المسترابة بالحيض ، وهي التي لا تحيض مع كونها في سن من تحيض ، فإنها تعتد من الطلاق والفسخ ـ وفي معناهما وطء الشبهة ـ بثلاثة أشهر إذا كانت حرة تحت عبد أو حر ، ولا فرق عندهم في كون انقطاع حيضها خلقيا أو لعارض من حمل أو إرضاع أو مرض ، فإنها تعتد بالأشهر الثلاثة لظاهر عموم قوله عزوجل «وَاللّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللّائِي لَمْ يَحِضْنَ» (1) أي فعدتهن كذلك.

قال في كتاب مجمع البيان (2) للطبرسي «وَاللّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ» فلا تدرون لكبر ارتفع حيضهن أم لعارض «فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ» وهن اللواتي أمثالهن يحضن ، لأنهن لو كن في سن من لا تحيض لم يكن للارتياب معنى ، وهذا هو المروي عن أئمتنا عليهم‌السلام ، انتهى.

__________________

(1) سورة الطلاق ـ آية 4.

(2) مجمع البيان ج 1 ص 306.


وعلى هذا فالريبة تتحقق بأن تكون في سن من تحيض ولا تحيض ، أما من لا تحيض مثلها فلا ريبة فيها ، وحينئذ فيحمل قوله تعالى «وَاللّائِي لَمْ يَحِضْنَ» على من كان انقطع الحيض عنها خلقة وطبيعة ، والظاهر أن المراد من اليأس من الحيض في الآية ليس ما يتبادر من ظاهر اللفظ ، بل المراد منه أن ينقطع عنها الدم ثلاثة أشهر فصاعدا ، فإن الاعتداد بالأشهر هو والذي سيقت له الآية إنما يترتب على ما قلناه لا على اليأس منه بالكلية ، إذ لا عدة على اليائس.

وينبغي أن يعلم أن ظاهر الآيات والأخبار أن الأصل في عدة الحامل الأقراء وأما الاعتداد بالأشهر فإنما هو لفقد الأقراء ، قال عزوجل «وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ» وقال سبحانه «وَاللّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ» إلى قوله «وَاللّائِي لَمْ يَحِضْنَ» فاشترط في اعتدادهن بالأشهر فقد الأقراء من حيث عدم الحيض.

وأما الأخبار الواردة في المقام فهي مستفيضة ، ومنها ما رواه في الكافي والتهذيب (1) في الحسن أو الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «أمران أيهما سبق بانت به المطلقة المسترابة تستريب الحيض إن مرت بها ثلاثة أشهر بيض ليس فيها دم بانت به ، وإن مرت بها ثلاثة حيض ليس بين الحيضتين ثلاثة أشهر بانت بالحيض. قال ابن أبي عمير : قال جميل : وتفسير ذلك إن مرت ثلاثة أشهر إلا يوما فحاضت ، ثم مرت بها ثلاثة أشهر إلا يوما فحاضت ، ثم مرت بها ثلاثة أشهر إلا يوما فحاضت ، فهذه تعتد بالحيض على هذا الوجه ولا تعتد بالشهور ، وإن مرت ثلاثة أشهر بيض لم تحض فيها فقد بانت».

وما رواه في الكافي (2) عن زرارة في الموثق عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «أي

__________________

(1 و 2) الكافي ج 6 ص 98 و 100 ح 1 و 9 ، التهذيب ج 8 ص 118 ح 8 و 7، الوسائل ج 15 ص 411 ب 4 ح 5 و 3 ، وما في المصادر اختلاف يسير.


الأمرين سبق إليها فقد انقضت عدتها ، إن مرت بها ثلاثة أشهر لا ترى فيها دما فقد انقضت عدتها ، وإن مرت ثلاثة أقراء فقد مضت عدتها».

وعن الحلبي (1) في الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا ينبغي للمطلقة أن تخرج إلا بإذن زوجها حتى تمضي عدتها ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر إن لم تحض».

وعن داود بن سرحان (2) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «عدة المطلقة ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر إن لم تكن تحيض».

وعن محمد بن مسلم (3) في الصحيح عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «في التي تحيض في كل ثلاثة أشهر مرة أو في ستة أو في سبعة أشهر ، والمستحاضة التي لم تبلغ الحيض والتي تحيض مرة وترتفع مرة والتي لا تطمع في الولد والتي قد ارتفع حيضها وزعمت أنها لم تيأس والتي ترى الصفرة من حيض ليس بمستقيم ، فذكر أن عدة هؤلاء كلهن ثلاثة أشهر».

وعن أبي العباس (4) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل طلق امرأته بعد ما ولدت وطهرت وهي امرأة لا ترى دما ما دامت ترضع ، ما عدتها؟ قال : ثلاثة أشهر».

أقول : وقد اشتركت هذه الأخبار في الدلالة على ما أشرنا إليه آنفا من أن الاعتداد بالأشهر إنما هو مع عدم إمكان حصول الأقراء ، وأنه مع إمكان حصول الأقراء فأيهما سبق اعتدت به ، وبه يظهر أن المراد باليأس في الآية الذي رتب عليه الاعتداد بالأشهر إنما هو انقطاع الدم ثلاثة أشهر فصاعدا كما تقدم ذكره ، وعليه دلت الأخبار.

بقي هنا شي‌ء وهو أن ظاهر حسنة زرارة أو صحيحته وهي المتقدمة في

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 89 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 434 ب 18 ح 1.

(2) الكافي ج 6 ص 90 ح 2 ، الوسائل ج 15 ص 422 ب 12 ح 3.

(3 و 4) الكافي ج 6 ص 99 ح 5 و 7، الوسائل ج 15 ص 410 ب 4 ح 1 و 6.


صدر هذه الروايات أنه متى مرت بها ثلاثة أشهر بيض قبل الثلاث حيض تعتد بها ، ومتى مرت بها ثلاثة حيض لم يتخلل بينها ثلاثة أشهر بيض اعتدت بها.

وربما يستفاد منها الاكتفاء بثلاثة أشهر بيض وإن تخللت بين الحيضتين ، ولا تتخصص بالسبق كما يعطيه ظاهر كلام الأصحاب ، إلا أن فيه ما سيأتي التنبيه عليه إن شاء الله.

وحينئذ فلو فرض أن حيضها إنما يكون فيما زاد ثلاثة أشهر ولو ساعة وطلقت في أول الطهر فمضت الثلاثة من غير أن ترى الدم فيها اعتدت بالأشهر ، ولو فرض كونها معتادة الحيض في آخر كل ثلاثة بحيث لم تسلم لها ثلاثة أشهر بيض لم تعتد بالأشهر.

واستشكل ذلك في المسالك (1) بعد ذكر نحو ما ذكرناه قال : ويشكل على هذا بما لو كانت عادتها أن تحيض في كل أربعة أشهر مثلا مرة ، فإنه على تقدير طلاقها في أول الطهر أو ما قاربه بحيث يبقى له منه ثلاثة أشهر بعد الطلاق تنقضي عدتها بالأشهر كما تقرر ، لكن لو فرض طلاقها في وقت لا يبقى من الطهر ثلاثة أشهر تامة كان اللازم من ذلك اعتدادها بالأقراء ، فربما صارت عدتها سنة وأكثر على تقدير وقوع الطلاق في وقت لا يتم بعده ثلاثة أشهر بيضا ، والاجتزاء بالثلاثة على تقدير سلامتها ، فتختلف العدة باختلاف الطلاق الواقع بمجرد الاختيار مع كون المرأة من ذوات العادة المستقرة في الحيض ، ويقوى الاشكال لو كانت لا ترى الدم إلا في كل سنة أو أزيد ، فإن عدتها بالأشهر على المعروف في النص والفتوى ومع هذا فيلزم مما ذكروه هنا من القاعدة أنه لو طلقها في وقت لا يسلم بعد الطلاق ثلاثة أشهر أن تعتد بالأقراء وإن طال زمانها ، وهذا بعيد مناف لما قالوه من أن أطول عدة تفرض عدة المسترابة وهي سنة أو تزيد ثلاثة أشهر كما سيأتي. ولو قيل بالاكتفاء بثلاثة أشهر إما مطلقا أو بيضا كما لو خلت من الحيض ابتداء كان

__________________

(1) مسالك الافهام ج 2 ص 38.


حسنا ، انتهى كلامه.

أقول : الظاهر عندي في الجواب عن هذا الإشكال الذي عرض له ـ رحمة الله عليه ـ في هذا المجال هو أن المتبادر من المعتادة كما تقدمت الإشارة إليه في الموضع الثاني من سابق هذا المقام هي من كانت الحيض يأتيها على عادة نسائها وأمثالها في كل شهر مرة ، فإن هذا الفرد هو الغالب المتكرر المتكثر دون من تعتاد ذلك في كل أربعة أشهر أو خمسة أو أزيد ، فإن ذلك من الفروض النادرة ، وقد عرفت في غير مقام أن من القواعد المقررة بينهم حمل إطلاق الأخبار على الأفراد الشائعة المتكررة ، فإنها هي التي ينصرف إليها الإطلاق دون الفروض النادرة ، وحينئذ فجميع من ذكره من هذه الفروض النادرة إنما يعتددن بالأشهر خاصة ، وتخرج صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة شاهدة على ذلك حيث عد ممن يعتددن بالأشهر من تحيض في كل ثلاثة أشهر مرة أو في ستة أو في سبعة.

أقول : ونحوها ما زاد على ذلك ، فإن ما ذكره عليه‌السلام إنما خرج مخرج التمثيل ، ومن ثم إنه نقل في المسالك عن المصنف والعلامة في كتبه أن من كانت لا تحيض إلا في كل خمسة أشهر أو ستة أشهر عدتها بالأشهر وأطلق ، وزاد في التحرير : أنها متى كانت لا تحيض في كل ثلاثة أشهر فصاعدا تعتد بالأشهر ولم تعتد بفروض الحيض في أثنائها كما فرضناه ، ثم نقل صحيحة محمد بن مسلم المذكورة وقال بعدها : وهي تؤيد ما ذكرناه ، انتهى.

وبالجملة فإن المعتادة التي حكمها التحيض بالأقراء هي التي تعتاد الحيض في كل شهر مرة ، وفي معناها من تعتاد الحيض فيما دون الثلاثة ، وعلى هذا فلو كانت تعتاد الحيض في كل أربعة أشهر مرة مثلا وطلقت في وقت لا يسلم لها ثلاثة أشهر بيض فإنها تعتد بالأشهر ، وتحسب مبدأ الثلاثة الأشهر من طهرها من الحيض الذي عرض لها بعد الطلاق حتى يكمل الثلاثة.

بقي الإشكال هنا فيمن تحيض في كل ثلاثة أشهر مرة ، فإن ظاهر كلامه


الاكتفاء بها في الخروج من العدة كما أشار إليه بقوله «ولو قيل. إلخ»

ومما يؤيد ما ذكره من الاكتفاء بثلاثة أشهر مطلقا يعني وإن لم يكن بيضا صحيحة محمد بن مسلم الدالة على أن من تحيض في كل ثلاثة أشهر مرة فإنها تعتد بالشهور.

ونحوها صحيحة أبي مريم (1) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «عن الرجل كيف يطلق امرأته وهي تحيض في كل ثلاثة أشهر حيضة واحدة؟ فقال : يطلقها تطليقة واحدة في غرة الشهر ، فإذا انقضت ثلاثة أشهر من يوم طلقها فقد بانت منه ، وهو خاطب من الخطاب».

إلا أن ظاهر صحيحة زرارة (2) المتقدمة الاعتداد في هذه الصورة بالأقراء كما عرفته من تفسير جميل للرواية المذكورة ، ولهذا أن السيد السند في شرح النافع حمل الروايتين الأولتين على من تحيض بعد الثلاثة الأشهر ولا يخفى بعده ، فإن مفاد لفظة «في» هو الظرفية وكون الحيض في أثناء الثلاثة لا بعدها.

ومثل الروايتين أيضا رواية أبي بصير (3) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أنه قال في المرأة يطلقها زوجها وهي تحيض في كل ثلاثة أشهر حيضة ، فقال : إذا انقضت ثلاثة أشهر انقضت عدتها ، تحسب بها لكل شهر حيضة».

وظاهر هذه الروايات كما ترى هو أن من كانت عادتها في الحيض في كل ثلاثة أشهر فإنها تعتد بالأشهر ، ولا قائل به من الأصحاب بل ظاهرهم الاتفاق على اعتدادها بالأقراء كما تقدم في كلام جميل في ذيل صحيحة زرارة ، وهو ظاهر الصحيحة المذكورة وغيرها ، ولكن هذه الأخبار كما ترى على خلافه. وما تأولوها به مما قدمنا نقله عن السيد السند وكذا كما يأتي من تأويل الشيخ بعيد غاية البعد ، إلا أن الأوفق

__________________

(1) التهذيب ج 8 ص 120 ح 13 ، الوسائل ج 15 ص 423 ب 13 ح 3.

(2) الكافي ج 6 ص 98 ح 1.

(3) التهذيب ج 8 ص 120 ح 12 ، الوسائل ج 15 ص 410 ب 4 ح 2.


بالقواعد هو ما عليه الأصحاب.

وقد وقع نحو ذلك من الإشكال أيضا فيمن تعتاد الحيض في كل خمسة أشهر أو ستة أشهر مثلا مرة واحدة ، فإن المفهوم من كلام الأصحاب من غير خلاف يعرف أنها تعتد بالأشهر لحصول ثلاثة أشهر بيض في تلك المدة فتخرج بها من العدة ، وعليه تدل صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة وصحيحة زرارة أو حسنته المتقدمة أيضا وغيرهما. وأولى بالحكم المذكور منهما ما لو كانت تحيض في كل سنة أو سنتين مرة ، فإنها تعتد بالأشهر أيضا.

ويدل على ذلك ما رواه في الكافي والتهذيب (1) عن زرارة قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن التي لا تحيض إلا في ثلاث سنين أو أربع سنين ، قال : تعتد ثلاثة أشهر ثم تزوج إن شاءت».

إلا أنه قد ورد بإزائها من الأخبار ما يدل على اعتدادها بالأقراء كما رواه في التهذيب (2) عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في التي لا تحيض إلا في ثلاث سنين أو أكثر من ذلك ، قال : تنتظر مثل قروئها التي كانت تحيض إلا في استقامتها ، ولتعتد ثلاثة قروء وتزوج إن شاءت».

وعن الغنوي (3) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال «في المرأة التي لا تحيض إلا في ثلاث سنين أو خمس سنين ، قال : تنتظر مثل قروئها التي كانت تحيض فلتعتد ثم تزوج إن شاءت».

وعن أبي الصباح (4) قال : «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن التي لا تحيض إلا في

__________________

(1) لم نعثر عليه في الكافي ، الفقيه ج 3 ص 332 ح 5 ، التهذيب ج 8 ص 121 ح 16 ، الوسائل ج 15 ص 413 ب 4 ح 11.

(2) التهذيب ج 8 ص 121 ح 18 ، الوسائل ج 15 ص 414 ب 4 ح 14 وليس فيهما «تنتظر» مع اختلاف يسير.

(3 و 4) التهذيب ج 8 ص 122 ح 21 و 19 ، الوسائل ج 15 ص 415 و 414 ب 4 ح 19 و 15 وفيهما «تنتظر» مع اختلاف يسير.


ثلاث سنين ، قال : تنتظر مثل قروئها التي كانت تحيض في استقامتها ، ولتعتد ثلاثة قروء ثم تزوج إن شاءت».

وهذه الأخبار حملها في الاستبصار على المستحاضة التي كانت لها عادة مستقيمة تغيرت عن ذلك فتعمل على عادتها السابقة المستقيمة ، وحمل أخبار الأشهر على ما إذا لم تكن لها عادة بالحيض أو نسيت عادتها فإنها تعتد بالأشهر.

وفي التهذيب حمل الجميع على من كانت لها عادة مستقيمة وكانت عادتها في كل شهر مرة ، قال : وقد نبه عليه‌السلام بقوله «تحسب بها كل شهر حيضة على ذلك» يعني في خبر أبي بصير المتقدمة.

وكيف كان فالعمل على ما عليه الأصحاب ودلت عليه تلك الأخبار ، وترد هذه الأخبار إلى قائلها وهو أعلم بها.

البحث الثاني : في المسترابة بالحمل ، وهي التي ابتدأت العدة بالأشهر فرأت في الشهر الثالث أو قبله حيضا ، فإن كملت لها ثلاثة قروء بأن حصل لها قرءان بعد الأول وهو السابق على الدم فإنه محسوب بقرء كما تقدم ، ولو أزيد من ثلاثة أشهر (1) اعتدت بها وإن تأخرت الحيضة الثانية أو الثالثة فقد استرابت بالحمل.

وقد اختلف الأصحاب على قولين : أحدهما ـ وهو اختيار ابن إدريس والمحقق وهو الذي عليه الأكثر ـ : أنها تصير مدة يعلم بها براءة رحمها من الحمل وهي عندهم تسعة أشهر من حين الطلاق ، لأنها أقصى الحمل على المشهور ، فإن ظهر بها حمل اعتدت بوضعه ، وإن لم يظهر بها حمل علم براءة رحمها واعتدت بعد التسعة بثلاثة أشهر.

__________________

(1) قوله «ولو أزيد من ثلاثة أشهر» متعلق بقوله «فان كملت لها ثلاثة قروء».

(منه ـ رحمه‌الله ـ).


والأصل في هذا الحكم ما رواه الشيخ في التهذيب (1) عن سورة بن كليب «قال سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجل طلق امرأته تطليقة على طهر من غير جماع طلاق السنة وهي ممن تحيض ، فمضى ثلاثة أشهر فلم تحض إلا حيضة واحدة ، ثم ارتفعت حيضتها حتى مضت ثلاثة أشهر أخرى ، ولم تدر ما رفع حيضها ، قال : إذا كانت شابة مستقيمة الطمث فلم يطمث في ثلاثة أشهر إلا حيضة ثم ارتفع طمثها فلا تدري ما رفعها فإنها تربص تسعة أشهر من يوم طلاقها ، ثم تعتد بعد ذلك ثلاثة أشهر ثم تزوج إن شاءت».

واعترض هذا الخبر في المسالك ومثله سبطه السيد السند في شرح النافع (أولا) بضعف السند.

و (ثانيا) بأنها مخالفة للأصل في اعتبار الحمل بتسعة أشهر من حين الطلاق فإنه لا يطابق شيئا من الأقوال في أقصى الحمل ، لأن مدته معتبرة من آخر وطء يقع بها لا من حين الطلاق ، فلو فرض أنه كان معتزلا لها أزيد من ثلاثة أشهر تجاوزت مدته أقصى الحمل على جميع الأقوال ، فقد يكون أزيد من شهر فيخالف القولين بالتسعة والعشرة.

(وثالثا) أن اعتدادها بثلاثة أشهر بعد العلم ببراءتها من الحمل غير مطابق لما سلف من الأصول لأنه مع طرو الحيض قبل تمام الثلاثة ـ إن اعتبرت العدة بالأقراء وإن طالت كما يقتضيه الضابط السابق ـ لم يتم الاكتفاء بالثلاثة ، وإن اعتبر خلو ثلاثة أشهر بيض بعد النقاء فالمعتبر بعد العلم بخلوها من الحمل حصول الثلاثة كذلك ولو قبل العلم ، لأن عدة الطلاق لا يعتبر فيها القصد إليها بخصوصها ، بل لو مضت المدة وهي غير عالمة بالطلاق كفت ، فكذلك هنا.

(ورابعا) أن المستفاد من الأخبار الصحيحة الاكتفاء بمضي ثلاثة أشهر خالية من الحيض ، فلو قيل بالاكتفاء بها مطلقا كان متجها ، كذا صرح به في شرح النافع.

__________________

(1) التهذيب ج 8 ص 119 ح 10 ، الوسائل ج 15 ص 423 ب 13 ح 2 وفيهما اختلاف يسير.


(وخامسا) أنه ليس في الرواية ما يدل على أنه لمكان الحمل بل في التقييد بالتسعة ما يشعر به ، وفي تقييدها بكونها من حين الطلاق ما قد يقتضي خلافه.

أقول ـ وبه سبحانه التوفيق لإدراك كل مأمول ونيل كل مسؤول ـ : إنه لا يخفى أنه قد روى ثقة الإسلام في الكافي (1) عن عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح قال : «سمعت أبا إبراهيم عليه‌السلام يقول : إذا طلق الرجل امرأته فادعت حبلا انتظر تسعة أشهر ، فإن ولدت وإلا اعتدت بثلاثة أشهر ثم قد بانت منه».

وعن محمد بن حكيم (2) في الموثق عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : «قلت له : المرأة الشابة التي تحيض مثلها يطلقها زوجها ويرتفع حيضها ، كم عدتها؟ قال : ثلاثة أشهر قلت : فإنها ادعت الحبل بعد الثلاثة أشهر ، قال : عدتها تسعة أشهر ، قلت : فإنها ادعت الحبل بعد التسعة أشهر ، قال : إنما الحبل تسعة أشهر ، قلت : تزوج؟ قال : تحتاط بثلاثة أشهر ، قلت : فإنها ادعت بعد ثلاثة أشهر ، قال : لا ريبة عليها تزوجت إن شاءت».

وعن محمد بن حكيم (3) أيضا في الموثق عن العبد الصالح عليه‌السلام قال : «قلت له : المرأة الشابة التي تحيض مثلها يطلقها زوجها فيرتفع طمثها ، ما عدتها؟ قال : ثلاثة أشهر قلت : جعلت فداك فإنها تزوجت بعد ثلاثة أشهر فتبين لها بعد ما دخلت على زوجها أنها حامل ، قال : هيهات من ذلك يا ابن حكيم ، رفع الطمث ضربان : إما فساد من حيض فقد حل له الأزواج وليس بحامل ، وإما حامل فهو يستبين في ثلاثة أشهر لأن الله تعالى قد جعله وقتا يستبين منه الحمل ، قال : قلت : فإنها ارتابت بعد ثلاثة أشهر ، قال : عدتها تسعة أشهر ، قلت : فإنها ارتابت بعد تسعة أشهر ، قال : إنما الحمل تسعة أشهر ، قلت : فتزوج؟ قال : تحتاط بثلاثة

__________________

(1 و 2 و 3) الكافي ج 6 ص 101 ح 1 و 2 و 4 ، الوسائل ج 15 ص 442 ب 25 ح 1 و 2 و 4 وفيهما اختلاف يسير.


أشهر ، قلت : فإن ارتابت بعد ثلاثة أشهر؟ قال : ليس عليها ريبة ، تزوج».

وما رواه محمد بن حكيم (1) أيضا عن أبي عبد الله عليه‌السلام أو أبي الحسن عليه‌السلام قال : «قلت له : رجل طلق امرأته ، فلما مضت ثلاثة أشهر ادعت حبلا ، فقال : ينتظر بها تسعة أشهر ، قال : قلت : فإنها ادعت بعد ذلك حبلا ، فقال : هيهات هيهات إنما يرتفع الطمث من ضربين : إما حمل بين ، وإما فساد من الطمث ، ولكنها تحتاط بثلاثة أشهر بعد» الحديث.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن الكلام في هذا المقام يقع في مواضع :

الأول : أنه لا يخفى على المتأمل في هذه الروايات أن الاعتداد بتسعة أشهر ثم ثلاثة بعدها حكم المسترابة بالحمل ، فإنه لا فرد هنا سواها يثبت له هذا الحكم اتفاقا نصا وفتوى ، ورواية سورة المذكورة وإن لم يصرح فيها بالاسترابة كما في الروايات التي نقلها ، إلا أن إطلاقها محمول على ما صرحت به هذه الأخبار لما عرفت من الاتفاق نصا وفتوى في أنه ليس هنا فرد يثبت له هذا الحكم غير المسترابة بالحمل.

وحينئذ فجميع ما أوردوه على الرواية المتقدمة يجري في هذه الأخبار لاشتراك الجميع في محل هذه الإيرادات ، ولا فرق بين ما نقلناه من هذه الروايات وبين رواية سورة إلا من حيث إن الاسترابة مستندة في هذه الأخبار إلى دعوى المرأة الحبل ، وفي تلك الرواية إلى رؤية الدم مرة أو مرتين وانقطاعه ، وإلا فالجميع مشترك في حصول الاسترابة ، وأن حكمها هو ما ذكره في هذه الأخبار ، والظاهر أن الذي حملهم على هذه الإيرادات هو ضعف سند الرواية وعدم المعاضد لها فيما دلت عليه.

وقد عرفت مما نقلناه من هذه الأخبار التي فيها الصحيح باصطلاحهم والموثق وتعدد الخبر بذلك أن ذلك غير مختص برواية سورة ، بل هو جار في جميع هذه

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 102 ح 5 ، الوسائل ج 15 ص 443 ب 25 ح 5 وفيهما اختلاف يسير.


الأخبار ، وحينئذ فردها جميعا بهذه التشكيكات والإيرادات من غير مخالف في البين من الأخبار ولا من علمائنا الأبرار إلا الشاذ النادر غير ملتفت إليه ، بل لا يخلو من الرد على الشارع والجرأة عليه ، والواجب العمل بها وتطبيقها على الأصول والقواعد المقررة كما سيظهر لك إن شاء الله.

الثاني : أن ما ذكره من الطعن في الرواية بضعف السند ـ وهذا الإيراد من خصوصيات سبطه السيد السند ـ ففيه ما عرفت في غير موضع مما تقدم أنه غير مرضي ولا معتمد ، أما (أولا) فلانجبار ضعفها بشهرة العمل بها بين الأصحاب ، وأما (ثانيا) فلاعتضادها بما ذكره من الأخبار ، فإن الحكم بما تضمنته غير منحصر فيها كما عرفت.

الثالث : ما ذكروه من مخالفة الرواية للأصل في اعتبار الحمل تسعة أشهر من حين الطلاق ، فإن فيه أن غاية ما تدل عليه الرواية المذكورة أنها تربص تسعة أشهر من يوم طلقها ، ولا تعرض فيها لكون ذلك مدة الحمل ، ومثلها الروايات المذكورة ، على أن موثقتي ابن حكيم (1) قد صرحتا بكون هذه التسعة عدة لها ، ولا يخفى أن من شأن العدة أن يكون مبدؤها بعد الطلاق.

نعم صرح في الموثقتين المذكورتين بأنها بعد الاعتداد تسعة أشهر لا تكون مسترابة لأن أقصى الحمل تسعة أشهر ، وقد حصلت ، ولكن هذا لا يستلزم ما ذكره لجواز أن يكون المراد أنه لما مضت لها تسعة أشهر من حين الطلاق واعتدت بها فإنه لا استرابة عليها لحصول أقصى مدة الحمل ، بمعنى أن عدتها وقعت بما هو أقصى الحمل ، فلا ريبة ، غاية الأمر أن العدة الشرعية لها هنا قد وقعت بما هو أقصى الحمل وإن كان ذلك زائدا على مدة أقصى الحمل متى اعتبر من بعد الوطء.

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 101 ح 2 و 4.


وبالجملة فالغرض من ذكر التسعة بيان الاعتداد بها ، وأنها تخرج بها وإن استلزم حصول أقصى الحمل بذلك ، فلا إشكال بحمد الله المتعال (1).

الرابع : ما ذكره بقوله «إن اعتدادها بثلاثة أشهر بعد العلم ببراءتها من الحمل فإن فيه أن براءة الرحم بعد التسعة كما تضمنته الأخبار المذكورة لا ينافيه وجوب الاعتداد بعدها بالثلاثة الأشهر حتى أنه ينسب إلى مخالفة الأصول ، فإنه لا يخفى على الماهر المتأمل في العلل الواردة في الأخبار أنها ليست عللا حقيقة يدور المعلول مدارها وجودا وعدما ، وعلى تقدير كونها كذلك في بعض الموارد فإنه لا يجب اطرادها ، وكون ذلك حكما كليا. ألا ترى أنه قد ورد النص بأن مشروعية العدة للعلم ببراءة الرحم من الحمل ، مع أنه لو طلق زوجته أو مات عنها بعد عشرين سنة لم يقربها فيها بالكلية لو جبب عليها العدة في الموضعين المذكورين.

وحينئذ فتصريح الأخبار هنا بوجوب الاعتداد ثلاثة أشهر لا ينافيه معلومية براءة الرحم بمضي التسعة ، كما أنه لا منافاة بين وجوب العدة فيما فرضناه مع

__________________

(1) أقول : وبذلك يظهر ما في كلام شيخنا الشهيد الثاني في حواشيه على الروضة من أن التربص تسعة غير مروي لكن عليه أكثر الأصحاب والعمل به أقوى. إلخ ، وهو عجيب من مثله ـ قدس‌سره ـ مع نقله في المسالك رواية سورة بن كليب دليلا للقول بالتسعة ، وان اعترضها بما نقلناه عنه من الوجوه المذكورة في الأصل.

ومع قطع النظر عنها فهذه الروايات التي نقلناها ظاهرة في التربص تسعة أيضا ، ولعل ما ذكره من إنكار النص بذلك مبنى على ما مر منه في المسألة في الأصل وهي من رأت الدم في الأشهر الثلاثة مرة أو مرتين ثم احتبس ، وأن رواية سورة ضعيفة ، فهي في حكم العدم إلا أنك قد عرفت مما ذكرناه في الأصل أن مرجع رواية سورة الى ما دلت عليه الاخبار المذكورة وان اختلف وجه الاسترابة بأن استند الى تخلف الحيض كما في رواية سورة أو ادعاء المرأة الحبل كما في تلك الروايات ، وأن حكم المسترابة بأي نحو كانت هو ما ذكر من الاعتداد بالتسعة ثم الثلاثة. (منه ـ قدس‌سره ـ).


معلومية براءة الرحم بمدة تلك العشر السنين.

وأما ما ذكروه من أنه مع طرو الحيض قبل تمام الثلاثة إن اعتبرت العدة بالأقراء. إلخ فإن لقائل أن يقول : إن إطلاق الأخبار المذكورة يقتضي الاجتزاء بالثلاثة مطلقا بيضا كانت أم مشتملة على الحيض ، لأنها قد خرجت من العدة بالتسعة ، وإنما هذه الثلاثة لمزيد الاحتياط في البراءة من الحمل وهو حاصل بالثلاثة بيضا كانت أم لا.

على أنك قد عرفت في البحث الأول ورود جملة من الأخبار الدالة على أن من كان عادتها الحيض في كل ثلاثة أشهر مرة فإنها تعتد بها ، وإن لم يوافق ذلك مقتضى قواعدهم ، وإليه أشار في المسالك كما قدمنا ذكره ، وقد عرفت بعد ما تأولها به فليكن الحكم في هذه الصورة ، كذلك إذا اقتضته الأخبار بل هو أولى (1) مما دلت عليه تلك الأخبار وإن لم يوافق قواعدهم.

الخامس : أن ما ذكره في شرح النافع من أن المستفاد من الأخبار الصحيحة الاكتفاء بمضي ثلاثة أشهر خالية من الحيض. إلخ فإن فيه أن الظاهر من تلك الأخبار وإن تفاوتت ظهورا وخفاء أن المراد إنما هو بعد الطلاق ، بمعنى أن أي الأمرين سبق من ثلاثة أشهر بيض أو الأقراء الثلاثة فقد بانت به ، للاتفاق نصا وفتوى ، على أنه متى تمت ثلاثة أشهر بيض بعد الطلاق فإنها تخرج من العدة إلا أن تدعي حبلا كما دلت عليه روايات محمد بن حكيم ، أما لو عرض لها الحيض قبل تمام الثلاثة ولم يحصل بها ثلاثة أقراء متوالية فإنها تكون حينئذ مسترابة.

ففي موثقة جميل (2) عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «أي الأمرين

__________________

(1) وبيان وجه الأولوية أنه إذا صح الاعتداد بالثلاثة الأشهر المشتملة على الحيض كما دلت عليه الاخبار المشار إليها فالاعتداد بهذه الثلاثة التي إنما زيدت احتياطا ، والا فالعدة الموجبة للخروج لو حصلت بالتسعة أولا أولى بالصحة ، وهو ظاهر. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(2) الرواية المنقولة ليست بموثقة جميل بل هي موثقة زرارة التي سيرويها المصنف


سبق إليها فقد انقضت عدتها ، إن مرت بها ثلاثة أشهر لا ترى فيها دما فقد انقضت عدتها ، وإن مضت ثلاثة أقراء فقد انقضت عدتها».

وفي رواية أبي مريم (1) «فإن انقضت ثلاثة أشهر من يوم طلقها فقد بانت منه».

وفي موثقة زرارة (2) عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «أي الأمرين سبق إليها فقد انقضت عدتها ، إن مرت بها ثلاثة أشهر لا ترى فيها دما فقد انقضت عدتها ، وإن مرت بها ثلاثة أقراء فقد انقضت عدتها».

والمراد بالسبق يعني بعد الطلاق ، بمعنى أن أيهما تقدم على الآخر فقد حصلت به البينونة ، وإلا فحصول الثلاثة البيض بعد تقدم الدم مرة أو مرتين غير مجد ولا موجب للخروج من العدة لحصول الاسترابة بالحمل كما دلت عليه رواية سورة (3) فإنها قد تضمنت أنه بعد حصول حيضة لها في الثلاثة الأشهر الأول انقطع الدم عنها ثلاثة أشهر أخرى ، وقد حكم عليه‌السلام عليها بالاسترابة ، وأن تعتد بالتسعة ولم يلتفت إلى تلك الثلاثة البيض التي مرت بعد تلك الثلاثة التي فيها الدم.

نعم في صحيحة زرارة أو حسنته المتقدمة ما يوهم ذلك كما تقدمت الإشارة إليه إلا أن المفهوم من كلام الأصحاب إنما هو ما ذكرناه.

ويمكن الجواب عن الرواية المذكورة بأن غاية ما تدل عليه بالمفهوم هو أنه إن مرت بها ثلاث حيض وكان بينها ثلاثة أشهر فإنها لا تعتد بالأقراء.

وأنت خبير بأنه لا يلزم من عدم اعتدادها بتلك الثلاثة الأشهر البيض

__________________

بعد سطور ، أما موثقة جميل فليست بهذه العبارة ، راجع : الكافي ج 6 ص 98 ح 1 ، التهذيب ج 8 ص 68 ح 145 وص 118 ح 8 ، الوسائل ج 15 ص 411 و 414 ب 4 ح 5 و 12.

(1) التهذيب ج 8 ص 120 ح 13 ، الوسائل ج 15 ص 423 ب 13 ح 3.

(2) الكافي ج 6 ص 100 ح 9 ، التهذيب ج 8 ص 118 ح 7 ، الوسائل ج 15 ص 411 ب 4 ح 3 وما في المصادر اختلاف يسير.

(3) التهذيب ج 8 ص 119 ح 10 ، الوسائل ج 15 ص 423 ب 13 ح 2.


لجواز أن يرجع حكمها إلى المسترابة كما قلنا ، فتعتد بتسعة أشهر ثم الثلاثة كما دل عليه خبر سورة.

وبالجملة فإن عدم الاعتداد بالأقراء أعم من الاعتداد بتلك الثلاثة الأشهر البيض المفروضة ، ومن الانتقال إلى حكم المسترابة الذي نحن فيه كما هو ظاهر ، وحينئذ فلا منافاة في الرواية لما تدعيه (1).

السادس : ما ذكروه من أنه ليس في الرواية ما يدل على أنه لمكان الحمل ... إلخ ، والظاهر أن المراد بهذا الكلام الرد على الأصحاب فيما ذكروه من الاستدلال بالرواية على ما ادعوه مما قدمنا ذكره من أنها إذا حاضت في الثلاثة الأول ثم احتبست الحيضة الثانية أو الثالثة فقد استرابت بالحمل.

فاعترضوهم بأنه ليس في الرواية ما يدل على مكان الحمل وإن أشعر به التقييد بالتسعة ، إلا أنه يخالفه التقييد بكون التسعة من حين الطلاق.

وفيه ما عرفت آنفا من أنه وإن كان الأمر كما ذكروه بالنسبة إلى هذه الرواية إلا أنه بانضمام ما قدمناه من الأخبار الواردة في هذه المسألة معتضدة باتفاق كلمة الأصحاب فإنه يعلم أن الاعتداد بالتسعة ثم الثلاثة بعدها إنما هو في المسترابة لا غير ، وأما المنافاة التي أشار إليها فقد عرفت الجواب عنها في الموضع الثالث.

وبالجملة فإنه بعد ورود هذه الأخبار التي ذكرناها متضمنة إلى رواية سورة التي اعترضوها بهذه الوجوه لا ينبغي الالتفات إلى ما ذكروه ، لجريان ما ذكروه في الأخبار المذكورة كملا وردها بهذه التخريجات العقلية مع وضوحها في الدلالة وعدم المعارض مما لا يتجشمه محصل.

الثاني من القولين المتقدمين : أنها تصبر سنة لأنها أقصى مدة الحمل ، فإن ظهر بها

__________________

(1) أقول : وبذلك يظهر ما في كلام الفاضل الخراساني في الكفاية تبعا للسيد السند المذكور حيث قال في الكفاية : والمستفاد من صحيحة زرارة الاكتفاء بثلاثة أشهر بيض وان تخلل بين الحيضتين فالقول به متجه ، انتهى. (منه ـ قدس‌سره ـ).


حمل اعتدت بوضعه ، وإن مرت الأقراء الثلاثة بها ضمن هذه المدة اعتدت بها ، وإلا اعتدت بثلاثة أشهر بعد كمال السنة إن لم يتم الأقراء في أثنائها.

وعلى هذا القول يدل ما رواه في الكافي والتهذيب (1) عن عمار الساباطي في الموثق عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أنه سئل عن رجل عنده امرأة شابة وهي تحيض كل شهرين أو ثلاثة أشهر حيضة واحدة ، كيف يطلقها زوجها؟ فقال : أمرها شديد ، تطلق طلاق السنة تطليقة واحدة على طهر من غير جماع بشهود ، ثم يترك حتى تحيض ثلاث حيض متى حاضت ، فإذا حاضت ثلاثا فقد انقضت عدتها ، قيل له : وإن مضت سنة ولم تحض فيها ثلاث حيض؟ فقال : يتربص بها بعد السنة ثلاثة أشهر ، ثم قد انقضت عدتها ، قيل : فإن مات أو ماتت؟ فقال : أيهما مات ورثه صاحبه ما بينه وبين خمسة عشر شهرا».

وظاهر الشيخ في النهاية الجمع بين رواية عمار المذكورة ورواية سورة ابن كليب بحمل الاولى على احتباس الدم الثالث فيجب عليها الصبر إلى سنة ، والثانية على احتباس الدم الثاني فتصبر إلى تسعة ، ثم تعتد بثلاثة أشهر في كلا الحالتين.

قال ـ رحمة الله عليه ـ في كتاب النهاية (2) : وإذا كانت المرأة مسترابة فإنها تراعى الشهور والحيض ، فإن مرت بها ثلاثة أشهر بيض لم تر فيها دما فقد بانت منه بالشهور ، وإن مرت بها ثلاثة أشهر إلا يوما ثم رأت الدم كان عليها أن تعتد بالأقراء ، فإن تأخرت عنها الحيضة الثانية فلتصبر من يوم طلقها إلى تمام التسعة أشهر ، فإن لم تر دما فلتعتد بعد ذلك ثلاثة أشهر وقد بانت منه ، فإن رأت الدم فيما بينها وبين التسعة أشهر ثانيا واحتبس عليها الدم الثالث فلتصبر تمام السنة ثم

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 98 ح 1 ، التهذيب ج 8 ص 119 ح 9 ، الوسائل ج 15 ص 422 ب 13 ح 1 وما في المصادر اختلاف يسير.

(2) النهاية ص 532.


تعتد بعد ذلك بثلاثة أشهر تمام الخمسة عشر شهرا وقد بانت منه ، وأيهما مات ما بينه وبين الخمسة عشر شهرا ورثه صاحبه ، انتهى.

وفي الاستبصار صرح بالعمل برواية سورة بن كليب ، وحمل موثقة عمار على الفضل والاستحباب بمعنى أن الأفضل لها أن تعتد إلى خمسة عشر شهرا.

والمحقق في الشرائع بعد أن نقل عن الشيخ في النهاية حمل رواية عمار على احتباس الدم الثالث ، نسبة إلى التحكم ، وهو القول بغير دليل.

ووجهه أن الخبر المذكور لا تعرض فيه لكون المحتبس هو الدم الثالث ، بل غاية ما تضمنت أنها لم تحض في السنة ثلاث حيض أعم من أن تكون حاضت فيها مرة أو مرتين.

واعتذر في ذلك للشيخ ـ رحمة الله عليه ـ عما أورد عليه بأن هذا التنزيل الذي ذكره في النهاية يوافق ظاهر الخبرين ، قال : ولأنه قال في الخبر الأول ـ يعني خبر سورة ـ أنها لم تطمث في الثلاثة الأشهر إلا مرة ثم ارتفع حيضها ، وهو صريح في احتباس الثانية وأوجب التربص تسعة أشهر. إلخ. وقال في الثاني : أنه انقضت سنة ولم تحض فيها ثلاث حيض ، وهذا وإن كان شاملا لنفي الثانية أو الثالثة إلا أن طريق الجمع بينهما بحمله على احتباس الثالثة ، والقرينة قوله «لم تحض فيها ثلاث حيض» فإنها لو لم تحض إلا مرة يقال لم تحض فيها حيضتين أو إلا حيضة ، فهذا وجه مصير الشيخ إلى ما ذكره من التنزيل.

ثم اعترضه بأنه مع ذلك لا يسلم من التحكم ، لأن الفرق بين احتباس الثانية والثالثة لا مدخل له في هذه الأحكام ، فإن احتمال الحمل يوجب فساد اعتبار الاثنتين كما يوجب فساد الواحدة ، وأقصى الحمل مشترك بين جميع أفراد النساء بالتسعة أو السنة أو غيرهما ، فالفرق بين جعل مدة التربص للعلم بالبراءة من الحمل تسعة تارة وسنة أخرى يرجع إلى التحكم ، انتهى.

ثم قال : وعلى تقدير الاعتبار برواية عمار فيما ذكره الشيخ في الاستبصار


من الجمع أدخل في الحكم.

أقول : وإلى الجمع بما ذكره في الاستبصار مال في المختلف أيضا ، وكيف كان فإن الظاهر عندي هو الاعتماد على رواية سورة في هذه المسألة لاعتضادها كما عرفت بالأخبار التي قدمناها حسبما أوضحناه من التحقيق المتقدم.

وبذلك يظهر لك ما في قوله في المسالك (1) «اعلم أن طريق الروايتين قاصر عن إفادة مثل هذا الحكم خصوصا رواية سورة ، لكن الشهرة مرجحة لجانبها على قاعدتهم ، ولو قيل بالاكتفاء بالتربص مدة يظهر فيها انتفاء الحمل كالتسعة من غير اعتبار مدة اخرى كان وجها» فإنه جيد بناء على التمسك بهذا الاصطلاح المحدث وعدم المراجعة لما أسلفناه من الأخبار ، وإلا فمع ملاحظة الأخبار المذكورة سيما مع صحة سند بعضها واعتبار الباقي منها وكثرتها فإنه لا مجال للتوقف في الحكم بالثلاثة بعد التسعة ، وقد تقدم في كلام سبطه السيد السند الميل إلى الاكتفاء بالثلاثة الأشهر الخالية من الحيض ، وقد عرفت ما فيه ، والحق كما عرفت هو وجوب الجميع كما عليه الأصحاب قديما وحديثا.

تنبيهان

الأول : لا يخفى أن ما ذكرنا من الحكم المذكور مخصوص بالحرة كما تقدمت الإشارة إليه في صدر البحث الأول ، ويشير إليه الأمر بالاعتداد بثلاثة أشهر بعد التسعة أو السنة ومراعاة الأقراء الثلاثة ، فلو كانت أمة اعتبر عدتها في الأمرين.

الثاني : قال شيخنا الشهيد الثاني في الروضة (2) : وإطلاق النص والفتوى يقتضي عدم الفرق بين استرابتها بالحمل وعدمه في وجوب التربص تسعة أو سنة ثم الاعتداد بعدها حتى لو كان زوجها غائبا عنها فحكمها كذلك ، وإن كان ظاهر الحكم

__________________

(1) مسالك الافهام ج 2 ص 39.

(2) شرح اللمعة ج 2 ص 136.


يقتضي اختصاصه بالمسترابة ، ثم نقل عن المصنف أنه احتمل في بعض تحقيقاته الاكتفاء بالتسعة لزوجه الغائب محتجا بحصول مسمى العدة.

أقول : ما ذكره من إطلاق النص والفتوى في إيجاب الاعتداد بالتسعة أو السنة ثم ثلاثة أشهر بعدهما وإن لم تكن مسترابة بالحمل عندي محل نظر.

أما النص فإنه وإن كان كذلك بالنظر إلى ظاهر روايتي سورة وعمار إلا أن المفهوم أن المستفاد من جملة من الأخبار (1) ومنها روايات ابن حكيم المتقدمة أن انقطاع الحيض إما من فساد من الحيض أو حصول الحمل ، فإنه يحصل العلم بالأمرين بمرور ثلاثة أشهر بيض ، فإنها إن استرابت بالحمل صبرت إلى التسعة أو العشرة ، وإلا انقضت عدتها بتلك الأشهر الثلاثة البيض لمعلومية كون ذلك من فساد في الحيض ، والغائب عنها زوجها كما فرضه لا يقوم فيها احتمال الحمل فلا تكون مسترابة ، ويتعين أن يكون انقطاع دمها في تلك الثلاثة متى مرت بها ثلاثة أشهر بيض إنما هو لفساد في الحيض فتعتد بها وتخرج من العدة ، ولا يجب عليها انتظار التسعة أشهر أو العشرة كما توهمه ـ رحمة الله عليه.

__________________

(1) أقول : والوجه في هذه الاخبار هو أن الحيض الطبيعي الذي جعله الله سبحانه في النساء كل شهر مرة كما دلت عليه جملة من الاخبار ، منها خبر أديم بن الحر عن الصادق عليه‌السلام «أنه سمعه يقول : ان الله تبارك وتعالى حد النساء في كل شهر مرة ، وحينئذ فمتى احتبس الحيض ثلاثة أشهر فهو لا يكون الا عن مرض وفساد في الحيض أو من جهة الحمل ، ومتى انتفى احتمال الحمل بوجه من الوجوه تعين كونه من الفساد في الحيض ، والشارع لأجل ذلك قد جعل الثلاثة الأشهر البيض عوض ثلاث حيض كما صرح به عليه‌السلام في رواية أبي بصير «فقال : إذا انقضت عدتها يحسب لها بكل شهر حيضة». وحينئذ فإذا مرت بها ثلاثة أشهر بيض بعد الطلاق مع عدم الاسترابة بالحمل تعين أن تكون عدتها تلك الثلاثة الأشهر البيض تقدمت أو تأخرت ، ولا موجب للصبر الى بلوغ التسعة بوجه من الوجوه ، والله العالم. (منه ـ قدس‌سره ـ).


ومن الروايات الدالة على ما ذكرنا زيادة على ما تقدم ما رواه محمد بن حكيم (1) أيضا قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن امرأة يرتفع حيضها ، فقال : ارتفاع الطمث ضربان : فساد من حيض وارتفاع من حمل ، فأيهما كان فقد حلت للأزواج إذا وضعت أو مرت بها ثلاثة أشهر بيض وليس فيها دم».

وهي كما ترى ظاهرة بل صريحة في أنه مع العلم بعدم الحمل كما هو المفروض في كلامه بالنسبة إلى من غاب عنها زوجها فإنها تخرج من العدة بمرور ثلاثة أشهر بيض سواء كان من أول الأمر كما هو متفق عليه أو بعد ذلك كما فيما نحن فيه ، لأنها بعد أن رأت الدم مرة أو مرتين ثم انقطع ثلاثة أشهر فصاعدا مع غيبة زوجها عنها فإنه لا استرابة بالحمل فيعلم أن ذلك لفساد في الحيض ، فيكفي الثلاثة الأشهر في الخروج من العدة ، لأنه عليه‌السلام في هذا الخبر قد حكم بأنه إذا مرت بها ثلاثة أشهر بيض مع معلومية عدم الحمل خرجت بها من العدة لمعلومية أن انقطاع الحيض إنما هو لفساد في الحيض دون احتمال الحمل ، ومع معلومية الحمل فإنها تعتد بوضعه ، وهو ظاهر.

وعلى هذا فإطلاق الخبرين المذكورين محمول على احتمال الاسترابة بالحمل ، وإلا فمع تعين عدم الاسترابة فإنه لا ضرورة إلى الصبر تسعة فضلا عن العشرة.

وأما ما ادعاه من إطلاق الفتوى فهو وإن وقع في بعض العبارات اعتمادا على ظهور الحكم وأن بلوغ التسعة أو العشرة إنما هو من حيث الاسترابة بالحمل إلا أن أكثر العبارات قد اشتمل على التقييد.

أما في صدر الكلام ـ كما في عبارة الشيخ في النهاية المتقدمة ـ فإنه جعل محل البحث والكلام في المسألة المسترابة ونحوها كلام أتباعه.

__________________

(1) التهذيب ج 8 ص 130 ح 47 ، الوسائل ج 15 ص 414 ب 4 ح 16 وفيهما «سألت أبا الحسن» مع اختلاف يسير.


وأما في الأثناء كما عبر به المحقق في الشرائع حيث قال : أما لو رأت في الثالث حيضا وتأخرت الثانية أو الثالثة صبرت تسعة أشهر لاحتمال الحمل ، ثم اعتدت بعد ذلك بثلاثة أشهر. إلخ.

ونحوها عبارته في النافع أيضا (1) وهو كما ترى صريح في أن الصبر تسعة أشهر إنما هو لاحتمال الحمل ، فلو لم يكن محتملا لم يجب عليه الصبر المدة المذكورة ، ولا ما ذكر بعد ذلك.

وقال ابن إدريس في السرائر بعد نقل كلام النهاية المتقدم : والذي يقوى في نفسي أنها إذا احتبس عنها الدم الثالث بعد مضي تسعة أشهر اعتدت بعدها بثلاثة أشهر تمام السنة لأنها تستبرئ بتسعة أشهر وهو أقصى مدة الحمل ، فيعلم أنها ليست حاملا ثم تعتد بعد ذلك عدتها وهي ثلاثة أشهر. إلخ. وهو صريح أيضا فيما قلناه ، فإن الغائب عنها زوجها قد علم أنها ليست حاملا من أول الأمر فلا يحتاج إلى التربص تسعة أشهر ، وهو ظاهر ، إلى غير ذلك من عباراتهم. (2)

وبالجملة فإن ما ذكره ـ رحمة الله عليه ـ من الكلام المذكور بمحل من القصور كما عرفت ، وبذلك يظهر أيضا ما في الذي نقله عن الشهيد من الاحتمال فإنه أبعد بعيد في هذا المجال ، إذ المفهوم من الأخبار أن التسعة إنما هي من حيث احتمال الاسترابة بالحمل ، وهو الموافق للأصول كما اعترف به وعبر عنه بظاهر الحكم لا في مقام يقطع فيه بعدمه ، بل الظاهر إنما هو الخروج بالثلاثة البيض الحاصلة قبل بلوغ التسعة.

__________________

(1) أقول : قال السيد السند في شرح النافع ـ بعد قول المصنف : صبرت تسعة أشهر لاحتمال الحمل ـ ما لفظه : ويستفاد من التعليل باحتمال الحمل أنه لو علم انتفاؤه بغيبة الزوج ونحوه لم يجب عليها التربص كذلك بل تعتد بثلاثة أشهر. انتهى ، ومنه يعلم ضعف ما ذكره جده ـ قدس‌سره ـ وتوهمه من إطلاق عبارات الأصحاب. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(2) وقال في القواعد : أما لو رأت الدم في الثالث وتأخرت الحيضة الثانية والثالثة صبرت تسعة أشهر لتعلم براءة رحمها ثم اعتدت بعد ذلك ثلاثة أشهر ،. إلخ ، فانظر الى تعليله الصبر إلى التسعة بالعلم ببراءة رحمها ، فلو كان براءة الرحم معلومة كما في زوجة الغائب فإنه لا يوجب الصبر تسعة أشهر. (منه ـ قدس‌سره ـ).


البحث الثالث : قد عرفت أن المرأة إذا كانت في سن من تحيض وهي لا تحيض فإن عدتها ثلاثة أشهر بلا خلاف ، ولكن الأصحاب قد اختلفوا هنا في الصغيرة التي لم تبلغ تسع سنين إذا طلقت بعد الدخول بها وإن فعل زوجها محرما ، وكذا في اليائسة هل عليها عدة أم لا؟ وكذا في صورة الفسخ ووطء الشبهة الموجبين للعدة في غير هذا الموضع.

فالمشهور بين الأصحاب أنه لا عدة عليها ، وبه صرح الشيخان والصدوقان وسلار وأبو الصلاح وابن البراج وابن حمزة ومن تأخر عنه.

قال السيد المرتضى : الذي أذهب إليه أن على الآية ـ من الحيض والتي لم تبلغ ـ العدة على كل حال من غير شرط الذي حكيناه عن بعض أصحابنا ـ يعني بذلك أن لا تكون في سن من تحيض ـ وتبعه في ذلك ابن زهرة ، والمعتمد هو الأول كما تكاثرت به الأخبار عن الأئمة الأطهار عليهم‌السلام.

ومنها ما رواه في الكافي (1) عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : ثلاث يتزوجن على كل حال ، التي لم تحض ومثلها لا تحيض ، قال : قلت : وما حدها؟ قال : إذا اتي لها أقل من تسع سنين ، والتي لم تدخل بها ، والتي قد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض ، قال : قلت : وما حدها؟ قال : إذا كان لها خمسون سنة».

وما رواه الشيخ في التهذيب (2) في الموثق عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : ثلاث يتزوجن على كل حال ، التي قد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض قلت : ومتى تكون كذلك؟ قال : إذا بلغت ستين سنة فقد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض ، والتي لم تحض ومثلها لا تحيض ، قلت : ومتى تكون كذلك؟ قال : ما لم تبلغ تسع سنين ، فإنها لا تحيض ومثلها لا تحيض ، والتي لم يدخل بها».

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 85 ح 4 ، الوسائل ج 15 ص 406 ب 2 ح 4.

(2) التهذيب ج 7 ص 469 ح 89 ، الوسائل ج 15 ص 409 ب 3 ح 5.


وما رواه في الكافي (1) عن جميل عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما‌السلام «في الرجل يطلق الصبية التي لم تبلغ ولا تحمل مثلها وقد كان دخل بها ، والمرأة التي قد يئست من الحيض وارتفع حيضها ولا تلد مثلها ، قال : ليس عليهما عدة وإن دخل بهما».

وما رواه في الفقيه (2) عن جميل أنه قال «في الرجل ـ الحديث إلى قوله ـ عدة». فيكون الخبر صحيحا.

وما رواه في الكافي (3) في الصحيح أو الحسن عن حماد بن عثمان عمن رواه عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في الصبية التي لا تحيض مثلها والتي قد يئس من المحيض ، قال : ليس عليهما عدة وإن دخل بهما».

وعن محمد بن مسلم (4) في الموثق عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «التي لا تحبل مثلها لا عدة عليها».

وما رواه المشايخ الثلاثة (5) ـ رحمة الله عليهم ـ عن محمد بن مسلم قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول في المرأة التي قد يئست من المحيض يطلقها زوجها ، قال : قد بانت منه ولا عدة عليها».

وما رواه في التهذيب (6) في الصحيح عن حماد بن عثمان قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن التي قد يئست من المحيض ، والتي لا تحيض مثلها ، قال : ليس عليهما عدة».

وعن جميل بن دراج (7) عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما‌السلام «في الرجل

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 84 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 406 ب 2 ح 3.

(2) الفقيه ج 3 ص 331 ح 4.

(3 و 4) الكافي ج 6 ص 85 ح 2 و 3، الوسائل ج 15 ص 409 ب 3 ح 3 و 2.

(5) الكافي ج 6 ص 85 ح 5 ، الفقيه ج 3 ص 331 ح 2 ، التهذيب ج 8 ص 68 ح 139 ، الوسائل ج 15 ص 408 ب 3 ح 1.

(6 و 7) التهذيب ج 6 ص 66 ح 137 و 138 ، الوسائل ج 15 ص 405 ب 2 ح 1 و 2.


يطلق الصبية التي لم تبلغ ولا تحمل مثلها ، قال : ليس عليها عدة وإن دخل بها».

ونقل عن المرتضى ـ رحمة الله عليه ـ الاحتجاج على ما ذهب إليه بقوله تعالى «وَاللّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللّائِي لَمْ يَحِضْنَ» (1) قال : وهذا صريح في أن الآيات واللائي لم يحضن عدتهن الأشهر على كل حال.

ثم أورد على نفسه بأن في الآية شرطا وهو قوله تعالى «إِنِ ارْتَبْتُمْ» وهو منتف عنهما ، ثم أجاب بأن الشرط لا ينفع أصحابنا ، لأنه غير مطابق لما يشترطونه وإنما يكون نافعا لهم لو قال تعالى : إن كان مثلهن يحضن في الآيسات وفي اللائي لم يبلغن المحيض إذا كان مثلهن تحيض. وإذا لم يقل تعالى ذلك بل قال «إِنِ ارْتَبْتُمْ» وهو غير الشرط الذي شرطه أصحابنا فلا منفعة لهم به. ولا يخلو قوله تعالى «إِنِ ارْتَبْتُمْ» أن يريد به ما قاله جمهور المفسرين وأهل العلم بالتأويل من أنه تعالى قال : إن كنتم مرتابين في عدة هؤلاء النساء وغير عالمين بمبلغها.

ووجه المصير في هذا التأويل ما روي في سبب نزول هذه الآية أن ابي بن كعب قال : يا رسول الله إن عددا من عدد النساء لم يذكر في الكتاب الصغار والكبار وأولات الأحمال ، فأنزل الله تعالى «وَاللّائِي يَئِسْنَ» إلى قوله «وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ» فكان هذا دالا على أن المراد بالارتياب ما ذكرناه ، لا الارتياب بأنها يائسة أو غير يائسة لأنه تعالى قد قطع في الآية على اليأس من المحيض والمشكوك في حالها والمرتاب في أنها تحيض أو لا تحيض لا تكون يائسة.

ثم أطال في الكلام على عادته ـ رحمة الله عليه ـ في كل مقام ، وأجيب عن ذلك بمنع كون المراد بالريبة بالمعنى الذي ذكره إذ من المحتمل عودها إلى اليأس من المحيض ، وإنما أتى بالضمير مذكرا لكون الخطاب مع الرجال كما يدل عليه قوله «مِنْ نِسائِكُمْ» ، ولأن النساء يرجعن في معرفة أحكامهن أو إلى

__________________

(1) سورة الطلاق ـ آية 4.


رجالهن أو إلى العلماء فكأن الخطاب لهم لا للنساء.

أقول : ويؤيد ما ذكروه من رجوع الريبة إلى النساء ما رواه الشيخ (1) في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألت عن قول الله عزوجل «إِنِ ارْتَبْتُمْ» ما الريبة؟ فقال : ما زاد على شهر فهو ريبة ، فلتعتد ثلاثة أشهر ولتترك الحيض ، وما كان في الشهر لم يزد في الحيض على ثلاث حيض فعدتها ثلاث حيض».

قال الشيخ (2) ـ رحمة الله عليه ـ : الوجه فيه أنه إن تأخر الدم عن عادتها أقل من الشهر فليس لريبة الحبل بل ربما كان لعلة ، فلتعتد بالأقراء ، فإن تأخر الدم شهرا فإنه يجوز أن يكون للحبل فتعتد ثلاثة أشهر ما لم تر فيها دما ، انتهى.

وتوضيحه : أنه لما كان مقتضى الطبيعة والعادة التي جعلها الله في النساء هو الحيض في كل شهر مرة فلو انقطع عنها ذلك شهرا فصاعدا كان ذلك لريبة فلتعتد بالشهور ، وإذا مضت لها ثلاثة أشهر بيض ولا تنتظر الحيض التي كانت تعتاده سابقا إن رأت الدم في الشهر فلا ريبة هنا ، وإن تأخر عن عادتها فلتعتد بالحيض. ومرجع ذلك إلى ما تقدم من الأخبار الدالة على أن أيهما سبق من الشهور أو الأقراء اعتدت به ، وقد تقدم في صدر البحث الأول نقلا عن الطبرسي في مجمع البيان معنى آخر للريبة يرجع إلى تعلقها بالنساء أيضا ، وقد أسنده إلى أئمتنا عليهم‌السلام.

وبذلك يظهر لك أن ما ذكره ـ رحمة الله عليه ـ من المعنى الذي اعتمد فيه على تلك الرواية العامية التي نقلها ليس مما يعول عليه ولا يلتفت إليه ، ومع الإغماض عن ذلك فلا أقل أن يكون ما ذكرناه محتملا في الآية ومساويا لما ذكره من الاحتمال ، فإنه كاف في دفع تعلقه بالآية والاستناد إليها في الاستدلال. نعم ربما ظهر ما ذكره من بعض الأخبار الواردة في المقام ، ومنها :

__________________

(1) التهذيب ج 8 ص 118 ح 6 ، الوسائل ج 15 ص 410 ب 4 ح 2.

(2) الاستبصار ج 3 ص 325 ذيل ح 10.


ما رواه في الكافي والتهذيب (1) عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير قال : «عدة التي لم تبلغ المحيض ثلاثة أشهر ، والتي قد قعدت عن المحيض ثلاثة أشهر».

قال في الكافي ـ بعد ذكر الروايات التي قدمنا نقلها عنه دالة على القول المشهور ـ : وقد روي أن عليهن العدة إذا دخل بهن ـ ثم أورد هذه الرواية ثم قال : ـ وكان ابن سماعة يأخذ بها ، ويقول : إن ذلك في الإماء لا يستبرئن إذا لم يكن بلغن الحيض ، فأما الحرائر فحكمهن في القرآن ، يقول الله عزوجل «وَاللّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللّائِي لَمْ يَحِضْنَ» وكان معاوية بن حكيم يقول : ليس عليهن عدة ، وما احتج به ابن سماعة فإنما قال الله عزوجل «إِنِ ارْتَبْتُمْ» وإنما ذلك إذا وقعت الريبة بأن قد يئسن ، فأما إذا جازت الحد وارتفع الشك أنها قد يئست أو لم تكن الجارية بلغت الحد فليس عليهن عدة ، انتهى ما ذكره في الكافي.

وكلامه هنا في معنى الريبة يرجع إلى ما قدمنا نقله عن الطبرسي الذي أسنده إلى الأئمة عليهم‌السلام ، وعلى هذا فالمراد باللائي يئسن من المحيض في الآية يعني في الجملة ، فإن حصل الشك والريبة في تحققه وعدمه فالحكم الاعتداد بالأشهر الثلاثة وكذا من لم تحض لصغر كان أم لا ، فإن عدتها ثلاثة أشهر.

وبالجملة فإن الآية ظاهرة في تقييد اعتداد اليائسة بالثلاثة الأشهر بالريبة فلا تثبت بدونها ، والريبة على ما عرفت من الخبر ، وكلام هذين الفاضلين إنما ترجع إلى الشك في بلوغ السن الذي يحصل اليأس ، كما هو ظاهر كلام الفاضلين المذكورين ، أو الريبة في الحمل كما هو ظاهر الخبر ، وعلى كل منهما يسقط تعلقه بالآية ، وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر لا سترة عليه.

ثم إنه في الكافي لم يتعرض للجواب عن الخبر المذكور مع رده له ، والمتأخرون

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 85 ح 5 ، التهذيب ج 8 ص 67 ح 142 ، الوسائل ج 15 ص 407 ب 2 ح 6.


قد ردوه بضعف السند بجماعة من رواته مع أنها غير مستندة إلى إمام ، فلا يعارض بها تلك الأخبار المتقدمة.

وقال الشيخ في الكتابين (1) : هذا الخبر نحمله على من يكون مثلها تحيض لأن الله تعالى شرط ذلك وقيده بمن يرتاب بحالها ، قال الله تعالى «وَاللّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللّائِي لَمْ يَحِضْنَ» فشرط في إيجاب العدة ثلاثة أشهر بأن تكون مرتابة ، وكذلك كان التقدير في قوله «وَاللّائِي لَمْ يَحِضْنَ» أي فعدتهن ثلاثة أشهر ، وهذا أولى مما قاله ابن سماعة لأنه قال : تجب العدة على هؤلاء كلهن ، وإنما سقط عن الإماء العدة ، لأن هذا تخصيص منه في الإماء من غير دليل ، والذي ذكرناه مذهب معاوية بن حكيم من متقدمي فقهاء أصحابنا وجميع الفقهاء المتأخرين ، وهو مطابق لظاهر القرآن وقد استوفينا تأويل ما يخالف ما أفتينا به مما ورد من الأخبار فيما تقدم ، انتهى.

أقول : وما ذكره من التأويل للخبر المذكور ظاهر بالنسبة إلى التي قعدت عن المحيض ، وهي اليائسة بمعنى أنها قعدت عن المحيض والحال أن مثلها تحيض.

أما بالنسبة إلى الصغيرة التي عبر عنها بأنها لم تبلغ الحيض فهو مشكل ، لأن المتبادر منها أنها التي لم تبلغ التسع ، وحينئذ فلا يتجه قوله «إن مثلها تحيض» إلا أن يحمل قوله «لم تبلغ المحيض» أي لم تحض بالفعل ، وهو وإن كان بعيدا إلا أنه في مقام الجمع غير بعيد لضرورة الجمع بين الأخبار. وكيف كان فإنه ينافيه الخبر الآتي.

ومنها ما رواه في التهذيب (2) عن محمد بن حكيم قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام فقلت : المرأة التي لا تحيض مثلها ولم تحض كم تعتد؟ قال : ثلاثة أشهر ، قلت : فإنها ارتابت ، قال : تعتد آخر الأجلين تعتد تسعة أشهر ، قلت : فإنها ارتابت

__________________

(1) التهذيب ج 8 ص 68 ذيل ح 143 الاستبصار ج 3 ص 338 ذيل ح 4 ويظهر أن المصنف نقله بالمعنى.

(2) التهذيب ج 8 ص 68 ح 146 ، الوسائل ج 15 ص 414 ب 4 ح 18.


قال : ليس عليها ارتياب ، لأن الله تعالى جعل للحبل وقتا فليس بعده ارتياب».

والخبر كما ترى ظاهر في أن من لم تحض ولا تحيض مثلها فإنها تعتد ثلاثة أشهر وهو صادق على الصغيرة واليائسة ، ولا وجه للجواب عنها إلا بالحمل على زيادة «لا» في قوله «التي لا تحيض مثلها» من قلم الشيخ أو النساخ. إلا أن في الخبر إشكالا من وجه آخر ، وهو أن السائل قال : «قلت : فإن ارتابت ـ يعني بعد الثلاثة أشهر ـ قال عليه‌السلام : تعتد تسعة أشهر» وحينئذ فمتى حملنا الخبر على الصغيرة التي لم تبلغ التسع فكيف يمكن فرض الارتياب فيها باحتمال الحبل وهي لم تبلغ التسع؟

وبالجملة فالخبر على ظاهره غير مطابق للقواعد الشرعية والضوابط المرعية ، فلا أوسع من رده إلى قائله عليه‌السلام.

ومنها ما رواه في الكافي والتهذيب (1) عن عبد الله بن سنان في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال في الجارية التي لم تدرك الحيض ، قال : يطلقها زوجها بالشهور ، وقيل : فإن طلقها تطليقة ثم مضى شهر ثم حاضت في الشهر الثاني؟ قال : فقال : إذا حاضت بعد ما طلقها بشهر ألقت ذلك الشهر واستأنفت العدة بالحيض ، فإن مضى لها بعد ما طلقها شهران ثم حاضت في الثالث أتمت عدتها بالشهور ، فإذا مضى لها ثلاثة أشهر فقد بانت منه ، وهو خاطب من الخطاب ، وهي ترثه ويرثها ما كانت في العدة».

وهو ظاهر كما ترى في وجوب العدة بالشهور على الصغيرة التي لم تدرك الحيض أي لم تبلغ. ويمكن الجواب عنه بحمل قوله «لم تدرك الحيض» أي لم يقع بها حيض وإن كانت في سن من تحيض ، وباب المجاز واسع.

ولكن يبقى في الخبر أيضا إشكال من وجه آخر ، حيث إنه حكم بأنه إذا

__________________

(1) لم نعثر عليه في الكافي ، التهذيب ج 8 ص 138 ح 81 ، الوسائل ج 15 ص 407 ب 2 ح 7 وفيهما اختلاف يسير.


مضى لها شهران بعد ما طلقها ثم حاضت في الثالث فقد انقضت عدتها ، وقد مضى نظيره في الأخبار التي تقدمت في البحث الأول من هذا المقام ، إلا أن يحمل قوله «ثم حاضت في الثالث» يعني بعد الثالث ، فلا يبعد حمل ما تضمن وجوب العدة على الصغيرة واليائسة من الأخبار على التقية لما صرح به في الوسائل (1) من موافقتها لمذاهب المخالفين ، فإن ثبت فإنه لا مندوحة عنه ، بل وإن لم يثبت إذ ليس بعد دلالة ظاهر الآية على ما ذكرناه واستفاضة الأخبار به كما عرفت واتفاق علماء الفرقة الناجية إلا من شذ على ذلك إلا خروج هذه الأخبار مخرج التقية بالمعنى المشهور أو المعنى الآخر الذي تقدمت الإشارة إليه مرارا.

تنبيهات

الأول : قال السيد السند في شرح النافع : واعلم أن المصنف وجمعا من الأصحاب صرحوا بأن المراد بالصغيرة من نقص سنها عن التسع ، ومورد الروايات التي لا تحيض مثلها ، وهي تتناول من زاد سنها على التسع إذا لم يحض مثلها ، وقد وقع التصريح في صحيحة جميل بعدم وجوب العدة على من لم يحمل مثلها وإن كان قد دخل بها الزوج ، مع أن الدخول بمن دون التسع محرم ، وحمله على الدخول المحرم خلاف الظاهر ، ولو قيل بسقوط العدة عن الصبية التي لم يحمل مثلها وإن كانت قد تجاوزت التسع لم يكن بعيدا من الصواب وإن كان الاحتياط يقتضي المصير إلى ما ذكروه ، انتهى.

وفيه نظر ، وذلك لأنه وإن كان قد ورد في بعض الأخبار التعبير بالتي لا تحيض مثلها كما ذكره ، إلا أنهم قد فسروه عليهم‌السلام في جملة من الأخبار بمن لم تبلغ التسع كما في رواية عبد الرحمن بن الحجاج (2) وهي الاولى من الروايات

__________________

(1) الوسائل ج 15 ص 407 ب 2 ذيل ح 6.

(2) الكافي ج 6 ص 85 ح 4 ، الوسائل ج 15 ص 406 ب 2 ح 4.


المتقدمة ، فإنه لما عد عليه‌السلام من جملة الثلاث اللائي يتزوجن على كل حال التي لا تحيض ومثلها لا تحيض سأله السائل : ما حدها؟ قال : إذا أتى لها أقل من تسع سنين ومثلها موثقته (1) وهي الثانية من الروايات ، وحينئذ فيجب حمل ما أطلق من الأخبار على هذين الخبرين ليرتفع التنافي بينهما والتدافع.

وأما ما اعتضد به من صحيحة جميل (2) الدالة على الدخول بمن لا تحمل مثلها من أن الدخول بها حرام وأن الحمل على الدخول المحرم خلاف الظاهر ففيه أن مرسلة جميل وهي الأخيرة من الروايات المتقدمة قد تضمنت بأن الرجل يطلق الصبية التي لم تبلغ ولا تحمل مثلها فقال عليه‌السلام «ليس عليها عدة وإن دخل بها» ومعلوم أن الدخول بها محرم.

ونحوها مرسلة جميل (3) الأخرى وهي الثالثة من الروايات في الرجل يطلق الصبية التي لم تبلغ ولا تحمل مثلها وقد كان دخل بها ، ومن المعلوم أن الدخول بها حرام.

وفي معنا هما صحيحة حماد بن عثمان أو حسنته (4) عمن رواه عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

وبذلك يظهر لك أن استبعاده الحمل على الدخول المحرم ـ باعتبار إطلاق الرواية التي ذكرها ـ ليس في محله ، بل إطلاق الرواية المذكورة محمول على تقييد هذه الأخبار.

ومنه يظهر أن الحق ما قاله الأصحاب من أن محل البحث هي الصغيرة التي لم تبلغ التسع وإن دخل بها وارتكب المحرم في الدخول بها. وأن ما توهمه من سقوط العدة عمن بلغت التسع إذا لم تحمل مثلها في غاية البعد عن الصواب لمنافاته

__________________

(1) التهذيب ج 8 ص 67 ح 141 وص 137 ح 77 ، الوسائل ج 15 ص 401 ب 33 ح 4 وح 2 ص 581 ب 31 ح 6.

(2) الكافي ج 6 ص 84 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 406 ب 2 ح 3.

(3) التهذيب ج 8 ص 66 ح 138 ، الوسائل ج 15 ص 405 ب 2 ح 2.

(4) الكافي ج 6 ص 85 ح 2 ، الوسائل ج 15 ص 409 ب 3 ح 3.


لما دلت عليه أخبار الباب. وبالجملة فإن ما ذكره مجرد وهم نشأ عن قصور التتبع للأخبار كما عرفت.

الثاني : اختلف الأصحاب في تحديد السن الذي به تكون المرأة يائسة لاختلاف الأخبار ، ونحن قد حققنا الكلام في ذلك بما لا مزيد عليه في باب الحيض من كتاب الطهارة (1) فمن أحب الوقوف عليه فليرجع إلى الكتاب المذكور.

الثالث : قد صرح الأصحاب بأنه لو رأت المطلقة الحيض مرة ثم بلغت اليأس أكملت العدة بشهرين.

واستدلوا عليه بما رواه ثقة الإسلام في الكافي والشيخ عنه في التهذيب (2) عن هارون بن حمزة عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في امرأة طلقت وقد طعنت في السن فحاضت حيضة واحدة ثم ارتفع حيضها ، فقال : تعتد بالحيضة وشهرين مستقبلين ، فإنها قد يئست من المحيض».

وعلل أيضا بأن الوجه في ذلك حكم الشارع عليها بوجوب العدة قبل اليأس وقد كانت حينئذ من ذوات الأقراء ، فإذا تعذر إكمالها لليأس المقتضي انتفاء حكم الحيض مع تلبسها بالعدة أكملت بالأشهر لأنها بدل عن الأقراء كما تقرر فيجعل لكل قرء شهر.

والأولى أن يجعل هذه وجها للخبر المذكور لا علة مستقلة لما قدمنا لك في غير موضع من أن أمثال هذه التعليلات لا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية ، ولو فرض بلوغها حد اليأس بعد أن حاضت حيضتين احتمل إكمال العدة بشهر كما هو مقتضى ما دلت عليه الرواية المذكورة ، ولكن الأصحاب اقتصروا على مورد الرواية ، ولا تكاد توجد عدة ملفقة من الأمرين إلا هذه ، وإنما لم تجعل من انقطع

__________________

(1) الحدائق ج 3 ص 171.

(2) الكافي ج 6 ص 100 ح 11 ، التهذيب ج 8 ص 121 ح 15 ، الوسائل ج 15 ص 416 ب 6 ح 1.


دمها قبل تمام العدة لعارض كذلك لأن عود الدم هنا ممكن واحتسابه من الحيض جائز ، بخلاف اليأس الذي تبين به انقطاع الحيض بالمرة.

البحث الرابع : في جملة من الأحكام الملحقة بهذا المقام.

الأول : قال المحقق في الشرائع (1) : ولو استمر الدم مشتبها رجعت إلى عادتها في زمان الاستقامة واعتدت به ولو لم يكن لها عادة اعتبرت صفة الدم واعتدت بثلاثة أقراء ، ولو اشتبه رجعت إلى عادة نسائها ، ولو اختلفن اعتدت بالأشهر ، انتهى.

والمراد باستمراره أي تجاوزه العشرة ، والمراد باشتباهه في هذا المقام هو أنه بعد تجاوز العادة متى كانت ذات عادة إلى أن يتجاوز العشرة محتمل لأن يكون حيضا وعدمه ، وإن كان مع الانقطاع قبل العشرة أو تجاوزها يكون غير مشتبه ، وما ذكر من الرجوع بعد تجاوز العشرة إلى العادة متى كانت ذات عادة والاعتداد بها وكذا لو لم تكن ذات عادة بل كانت مبتدئة أو مضطربة من العمل بالتمييز إذا حصلت شرائطه المتقدمة في باب الحيض مما لا إشكال فيه ولا خلاف.

إنما الإشكال في قوله «ولو اشتبه رجعت إلى عادة نسائها» فإنه على إطلاقه ـ وإن

__________________

(1) أقول. بهذه العبارة التي عبر بها المحقق عبر الشيخ في النهاية ، ومثله العلامة في القواعد والتحرير من غير فرق بين المبتدئة والمضطربة ، وقال في الإرشاد : والمضطربة يرجع الى أهلها أو التميز ، فان فقدت فإلى الأهل ، هذا حكم المضطربة ، ولم يذكر المبتدئة بالكلية مع أن الأمر كما عرفت في الأصل على العكس ، وزاد عطف التميز على الأهل ب «أو» الموجبة للتخيير.

وابن إدريس بعد أن نقل عبارة الشيخ في النهاية المتضمنة لتقديم التميز على عادة الأهل قال : والاولى تقديم العادة على اعتبار صفة الدم ، لأن العادة أقوى ، فان لم يكن لنسائها عادة رجعت الى اعتبار صفة الدم ، فقدم الرجوع الى النساء على التميز ، ولم يفرق بين المبتدئة والمضطربة كما لم يفرق غيره أيضا.

وبالجملة فإن كلامهم هنا لا يخلو من الاضطراب ، وليس لهذا الاختلاف هنا أصل يمضى عليه ، والمعمول على ما تقدم في باب الحيض من التحقيق في ذلك. (منه ـ قدس‌سره ـ).


كان قد صرح به الشيخ قبله والعلامة في أكثر كتبه بعده ـ محل إشكال ، وذلك لأن من لم يكن لها عادة واعتبرت صفة الدم مراد بها المبتدئة والمضطربة كما عرفت ، ومقتضى العبارة أنهما مع فقد التميز ترجعان إلى عادة نسائهما ، وهذا في المبتدئة جيد لما تقدم في باب الحيض من الأخبار الدالة عليه ، وقول الأصحاب به. وأما المضطربة فلا دليل عليه فيها ، ولا قائل به إلا ما ينقل عن أبي الصلاح ، وهو شاذ مردود بعدم الدليل عليه ، بل الحكم فيها أنها مع فقد التميز ترجع إلى الروايات ، وليس لحكم الحيض في العدة أمر يقتضي هذا بخصوصه.

وبالجملة فإن تصريحهم بذلك هنا ـ على خلاف ما قرروه واتفقوا عليه إلا الشاذ منهم كما عرفت في باب الحيض ـ لا يخلو من تدافع.

نعم مقتضى ما قرروه في باب الحيض أن المبتدئة مع فقد التميز وفقد عادة النساء ، والمضطربة مع فقد التميز ترجعان إلى التحيض بالروايات المتقدمة في باب الحيض.

وأما هنا فإن الأخبار قد صرحت بأنها تعتد بالأشهر الثلاثة في موضع الأخذ بالروايات ثمة التي تنقص عن الثلاثة الأشهر.

ومن الأخبار المشار إليها ما رواه في الكافي (1) عن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «عدة المرأة التي لا تحيض والمستحاضة التي لا تطهر ثلاثة أشهر ، وعدة التي تحيض ويستقيم حيضها ثلاثة قروء».

وعن أبي بصير (2) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «عدة التي لم تحض والمستحاضة التي لم تطهر ثلاثة أشهر ، وعدة التي تحيض ويستقيم حيضها ثلاثة قروء».

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 100 ح 8 ، التهذيب ج 8 ص 118 ح 6 ، الوسائل ج 15 ص 412 ب 4 ح 7.

(2) الكافي ج 6 ص 99 ح 3 ، التهذيب ج 8 ص 117 ح 5 ، الوسائل ج 15 ص 413 ب 4 ح 9.


وما رواه في التهذيب (1) عن زرارة قال : «إذا نظرت فلم تجد الأقراء إلا ثلاثة أشهر ، فإذا كانت لا يستقيم لها حيض تحيض في الشهر مرارا فإن عدتها عدة المستحاضة ثلاثة أشهر ، وإذا كانت تحيض حيضا مستقيما فهو في كل شهر حيضة بين كل حيضتين شهر ، وذلك القرء».

قال في الوافي : «فلم تجد الأقراء إلا في ثلاثة أشهر» أي لم تجد الأطهار الثلاثة إلا في ثلاثة أشهر ، وهذا ينقسم إلى قسمين كما فصله ، انتهى.

وما رواه المشايخ الثلاثة (2) عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما عليهما‌السلام «أنه قال في التي تحيض في كل ثلاثة أشهر مرة أو في ستة أو في سبعة أشهر والمستحاضة التي لم تبلغ الحيض ، والتي تحيض مرة وترتفع مرة ، والتي لا تطمع في الولد والتي قد ارتفع حيضها وزعمت أنها لم تيأس ، والتي ترى الصفرة من حيض ليس بمستقيم ، فذكر أن عدة هؤلاء كلهن ثلاثة أشهر».

وبهذه الأخبار خرجت المستحاضة المستمر دمها بالنسبة إلى العدة عن الحكم التي تقرر لها في باب الحيض فحكمها بالنسبة إلى العدة الاعتداد ثلاثة أشهر ، وأما بالنسبة إلى العبادات فترجع فيها إلى الروايات المتقدمة في باب الحيض.

قال في المسالك : ويمكن أن تكون حكمة العدول عن الروايات إلى الأشهر انضباط العدة بذلك ، دون الروايات من حيث إنها تتخير في تخصيص العدد بما شاءت من الشهر ، وذلك يوجب كون العدة بيدها زيادة ونقصانا ، وذلك غير موافق لحكمة العدة ، انتهى.

ومن جملة أخبار المسألة ما رواه الشيخ (3) عن جميل عن بعض أصحابه عن أحدهما

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 100 ح 10 ، ولم نعثر عليه في التهذيب ، الوسائل ج 15 ص 411 ب 4 ح 4.

(2) الكافي ج 6 ص 99 ح 5 ، الفقيه ج 3 ص 332 ح 6 ، التهذيب ج 8 ص 119 ح 11 ، الوسائل ج 15 ص 410 ب 4 ح 1.

(3) التهذيب ج 8 ص 127 ح 38 ، الوسائل ج 15 ص 415 ب 5 ح 1.


عليهما‌السلام قال : «تعتد المستحاضة بالدم إذا كان في أيام حيضها ، أو بالشهور إن سبقت لها ، فإن اشتبه فلم تعرف أيام حيضها من غيرها فإن ذلك لا يخفى ، لأن دم الحيض دم عبيط حار وأن دم الاستحاضة دم أصفر بارد».

أقول : وفي هذه الرواية دلالة على ما تقدم نقله عن الأصحاب من العمل بالتميز مبتدئة كانت أو مضطربة بحمل عدم المعرفة على ما هو أعم من وجود أيام حيض لها سابقا ، ولكن أضلتها أو لم تكن بالكلية ، ومرجعه إلى توجه التقي إلى القيد والمقيد ، أو القيد خاصة ، ويحتمل اختصاصها بالمضطربة.

وما رواه في الفقيه (1) عن محمد بن مسلم في الصحيح «أنه سأل أبا جعفر عليه‌السلام عن عدة المستحاضة ، قال : تنظر قدر أقرائها فتزيد يوما أو تنقص يوما ، فإن لم تحض فلتنظر إلى بعض نسائها فلتعتد بأقرائها».

وفي هذا الخبر دلالة على ما تقدم أيضا من أن ذات العادة مع استمرار الدم ترجع إلى عادتها السابقة ، والمبتدئة تنظر إلى حيض نسائها وتعتد بأقرائهن.

وأما ما ذكروه هنا من جريان هذا الحكم في المضطربة فقد عرفت ما فيه ، وأنه لا دليل عليه لا في باب الحيض ولا في هذا الباب.

الثاني : قد صرح الأصحاب بأنه متى طلقت في أول الهلال وكانت تعتد بالأشهر اعتدت بثلاثة أشهر هلالية ، لأن الشهر حقيقة في الهلالي ، وهو مما لا خلاف فيه.

إنما الخلاف فيما لو طلقت في أثناء الشهر فقيل : إنها متى طلقت في أثناء الشهر وانكسر ذلك الشهر اعتبر بعده شهران هلاليان وأكمل المنكسر ثلاثين يوما.

(أما) الأول فلما عرفت من أن الشهر متى أطلق فإنه حقيقة في الهلالي.

(وأما) الثاني فلأنه لما امتنع في الشهر الأول أن يكون هلاليا لفوات بعضه وجب الانتقال إلى الشهر العرفي وهو الثلاثون.

__________________

(1) الفقيه ج 3 ص 333 ح 9 وفيه «سأله محمد بن مسلم» ، الوسائل ج 15 ص 416 ب 5 ح 2.


وقيل بأنه تجبر الأول بقدر ما فات منه ، ووجهه أن إطلاق الشهر محمول على الهلالي ، فإذا فات بعضه أكمل من الرابع بقدر الفائت ، فلو فرض كونه تسعة وعشرين يوما وطلقها وقد مضى منه عشرون يوما أكمله بتسعة من الشهر الرابع وقيل : إنه ينكسر الجميع فيسقط اعتبار الأهلة في الثلاثة ، ووجهه أن المنكسر أولا يتمم مما يليه فينكسر أيضا وهكذا.

وإلى القول الأول مال المحقق في الشرائع والشهيد الثاني في شرحه ، وتحقيق الكلام في المقام قد مر مستوفى في باب السلم من كتاب المعاملات (1) فليرجع إليه من أحب الوقوف عليه.

قال في المسالك : واعلم أن انطباق الطلاق ونحوه من العقود على أول الشهر يتصور بأن يبتدأ في اللفظ قبل الغروب من ليلة الهلال بحيث يقترن بأول الشهر لا بابتدائه في أول الشهر ، لأنه إلى أن يتم لفظه يذهب جزء من الشهر فينكسر.

أقول : لا يخفى ما فيه من العسر وتعذر معرفة ذلك على سائر الناس ، مع أن الذي صرح به في كتاب السلم إنما هو بناء الابتداء على العرف ، فلا يقدح فيه اللفظة ولا الساعة ، وهو ظاهر غيره أيضا كما قدمنا ذكره في كتاب السلم.

قال في كتاب السلم : يعتبر في أولية الشهر وأثنائه العرف لا الحقيقة لانتفائها دائما أو غالبا إذ لا يتفق المقارنة المحضة بغروب ليلة الهلال ، فعلى هذا لا يقدح فيه نحو اللحظة ، ويقدح فيه نصف الليل ونحوه ، وحيث كان المرجع إلى العرف فهو المعيار ، والظاهر أن الساعة غير قادحة. انتهى وهو جيد ، لا ما ذكره في هذا الكتاب من اعتبار الأولية الحقيقية.

الثالث : لا خلاف بين الأصحاب في أنه لو ارتابت بالحمل بأن وجدت علامة تفيد الظن به بعد العدة نكحت أو لم تنكح جاز لها التزويج ، وكان نكاحها صحيحا

__________________

(1) الحدائق ج 19 ص 131.


للحكم شرعا بانقضاء العدة المبيح للتزويج ، فلا يعارضه الظن الطارئ بالريبة ، ومرجعه إلى أن الشك لا يعارض اليقين ، وهي قاعدة كلية متفق عليها.

إنما الخلاف فيما لو حصلت الريبة قبل انقضاء العدة ، فهل يجوز لها التزويج بعد انقضاء العدة أم لا؟

وبالثاني قال الشيخ في المبسوط ، فإنه حكم بأنه لا يجوز لها أن تنكح بعد انقضاء العدة إلى أن يتبين الحال ، وعلله بأن النكاح مبني على الاحتياط.

وبالأول صرح المحقق والعلامة لوجود المقتضي ، وهو الخروج من العدة وانتفاء المانع ، إذ الريبة بذاتها لا توجب الحكم بالحمل ، والأصل عدمه.

أقول : ويمكن تأييد ما ذهب إليه الشيخ هنا بروايات محمد بن حكيم المتقدمة (1) وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (2) المتقدمة أيضا ، والتقريب فيها أنها دلت على أن المسترابة بعد الثلاثة الأشهر التي هي العدة لذات الشهور تعتد بتسعة أشهر ، بناء على كون مدة الحمل هي التسعة أو سنة كما في موثقة عمار (3) بناء على كونها سنة ، ثم إنها تحتاط بعد المدة المذكورة بثلاثة أشهر ، ولعل تعبير الشيخ بالاحتياط وقع تبعا لما صرحت به الروايات المذكورة ، فإنها صرحت بأنها بعد التسعة أو العشرة لا ريبة عليها ، ولكن تحتاط بالصبر ثلاثة أشهر ، وأنه لا يجوز لها التزويج إلا بعد مضي الثلاثة الأخيرة مع الحكم بانتفاء الريبة عنها بعد التسعة أو السنة ، إلا أنه يمكن تخصيص محل البحث بما لو حصلت الريبة في الثلاثة الأشهر التي هي العدة لذات الشهور ، وإلا فإنها بعد تمام الثلاثة وعدم الريبة يجوز لها التزويج كما يدل عليه ما رواه في الكافي عن محمد بن حكيم (4) في الحسن عن

__________________

(1) التهذيب ج 8 ص 129 ح 44 و 46 و 47 ، الوسائل ج 15 ص 442 ب 25 ح 2 و 4.

(2) التهذيب ج 8 ص 128 ح 42 ، الوسائل ج 15 ص 421 ب 11 ح 1.

(3) التهذيب ج 8 ص 119 ح 9 ، الوسائل ج 15 ص 422 ب 13 ح 1.

(4) الكافي ج 6 ص 102 ح 4 ، الوسائل ج 15 ص 442 ب 25 ح 4 وفيهما اختلاف يسير.


العبد الصالح عليه‌السلام قال : «قلت له : المرأة الشابة التي تحيض مثلها يطلقها زوجها فيرتفع طمثها ، ما عدتها؟ قال : ثلاثة أشهر ، قلت : جعلت فداك فإنها تزوجت بعد ثلاثة أشهر ، فتبين لها بعد ما دخلت على زوجها أنها حامل ، قال : هيهات من ذلك يا ابن حكيم ، رفع الطمث ضربان : إما فساد من حيضة فقد حل لها الأزواج وليس بحامل ، وإما حامل فهو يستبين في ثلاثة أشهر ، لأن الله تعالى قد جعله وقتا يستبين فيه الحمل ، قال : قلت : فإنها ارتابت بعد ثلاثة أشهر ، قال : عدتها تسعة أشهر ، قلت : فإنها ارتابت بعد تسعة أشهر ، قال : إنما الحمل تسعة أشهر ، قلت : فتزوج؟ قال : تحتاط بثلاثة أشهر ، قلت : فإنها ارتابت بعد ثلاثة أشهر ، قال : ليس عليها ريبة ، تزوج».

المقام الرابع في عدة الحامل : والمشهور في كلام الأصحاب أن عدتها وضع الحمل حيا كان أو ميتا تاما كان أو ناقصا إذا تحقق أنه مبدأ نشو آدمي ، ويدل عليه قوله عزوجل «وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ» وهي بإطلاقها شاملة لما ذكرناه من الأفراد ، ويدل على ذلك الأخبار أيضا ، منها :

ما رواه في الكافي (1) عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إذا طلقت المرأة وهي حامل فأجلها أن تضع حملها وإن وضعت من ساعتها».

وما رواه في الفقيه في الصحيح والكليني (2) في الموثق عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم عليه‌السلام قال : «سألته عن الحبلى إذا طلقها زوجها فوضعت سقطا ثم أو لم يتم فقد انقضت عدتها ، أو إن كان مضغة ، قال : كل شي‌ء وضعته يستبين أنه حمل ثم أو لم يتم فقد انقضت عدتها وإن كان مضغة». وهو صريح فيما ذكرناه من الأفراد المتقدمة.

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 82 ح 11 ، الوسائل ج 15 ص 419 ب 9 ح 7 وما في المصادر اختلاف يسير.

(2) الكافي ج 6 ص 82 ح 9 ، الفقيه ج 3 ص 330 ح 6 ، الوسائل ج 15 ص 421 ب 11 ح 1.


وما رواه في التهذيب (1) عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل طلق امرأته وهي حبلى وكان في بطنها اثنان فوضعت واحدا وبقي واحد ، قال : تبين بالأول ولا تحل للأزواج حتى تضع ما في بطنها».

وعن عبد الله بن سنان (2) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن المرأة تضع ، أيحل لها أن تتزوج قبل أن تطهر؟ قال : إذا وضعت تزوجت ، وليس لزوجها أن يدخل بها حتى تطهر».

وعن الحلبي (3) في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «طلاق الحبلى واحدة ، وإن شاء راجعها قبل أن تضع ، وإن وضعت قبل أن يراجعها فقد بانت منه وهو خاطب من الخطاب».

وما رواه في الكافي (4) عن إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «طلاق الحامل واحدة ، فإذا وضعت ما في بطنها فقد بانت منه».

ورواه الصدوق عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام وطريقه إليه في المشيخة صحيح ، فيكون الخبر صحيحا.

وقال الصدوق في الفقيه : واعلم أن أولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن وهو أقرب الأجلين ، فإذا وضعت أو أسقطت يوم طلقها أو بعده متى كان فقد بانت منه وحلت للأزواج فإذا مضى بها ثلاثة أشهر من قبل أن تضع فقد بانت منه ولا تحل للأزواج حتى تضع ، انتهى ونقل ذلك عن ابن حمزة أيضا.

وقال العلامة في المختلف : المشهور أن عدة الحامل وضع الحمل في الطلاق ، وقال الصدوق ـ ثم أورد العبارة المذكورة ثم قال : ـ وقال السيد المرتضى : مما

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 82 ح 10 ، التهذيب ج 8 ص 73 ح 162 ، الوسائل ج 15 ص 420 ب 10 ح 1.

(2) التهذيب ج 7 ص 489 ح 173 ، الوسائل ج 15 ص 481 ب 49 ح 1.

(3) التهذيب ج 8 ص 71 ح 155 ، الوسائل ج 15 ص 419 ب 9 ح 8.

(4) الكافي ج 6 ص 81 ح 3 ، الفقيه ج 3 ص 329 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 418 ب 9 ح 4 و 1.


يظن أن الإمامية مجمعة عليه ومنفردة به القول إن عدة الحامل المطلقة أقرب الأجلين ، بمعنى أن المطلقة إذا كانت حاملا ووضعت قبل مضي الأقراء الثلاثة فقد بانت بذلك ، وإن مضت الأقراء الثلاثة قبل أن تضع حملها بانت بذلك أيضا ، وقد بينا في جواب المسائل الواردة من أهل الموصل المتضمنة أنه ما ذهب جميع أصحابنا إلى هذا المذهب ، ولا أجمع العلماء منا عليه ، وأكثر أصحابنا يفتي بخلافه ، وإنما عول من خالف من أصحابنا على خبر يرويه زرارة عن الباقر عليه‌السلام وقد بينا أنه ليس بحجة ، ثم سلمناه وتأولناه.

وقال ابن إدريس : وقد ذهب بعض أصحابنا إلى أن الحامل عدتها أقرب الأجلين من جملتهم ابن بابويه ، ومعنى ذلك أنه إن مرت بها ثلاثة أشهر فقد انقضت عدتها ولا تحل للأزواج حتى تضع ما في بطنها ، وإن وضعت الحمل بعد طلاقه بلا فصل بانت منه وحلت للأزواج ، وتعجب منه ، انتهى.

أقول : ظاهر كلامي المرتضى وابن إدريس ذهاب جملة من الأصحاب إلى هذا القول وأن منهم الصدوق ، وظاهر كلام المتأخرين تخصيص الخلاف بالصدوق.

والذي يدل على هذا القول ما رواه في الكافي والتهذيب (1) عن أبي الصباح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «طلاق الحامل واحدة وعدتها أقرب الأجلين».

وعن الحلبي (2) في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «طلاق الحبلى واحدة ، وأجلها أن تضع حملها ، وهو أقرب الأجلين».

ورواه في الكافي (3) أيضا عن ابن مسكان عن أبي بصير في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام مثله.

والسيد السند في شرح النافع إنما استدل لهذا القول برواية أبي الصباح ،

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 81 ح 2 ، التهذيب ج 8 ص 70 ح 151 ، الوسائل ج 15 ص 418 ب 9 ح 3.

(2 و 3) الكافي ج 6 ص 82 ح 8 و 6، الوسائل ج 15 ص 419 و 418 ب 9 ح 6 و 2.


ثم ردها بضعف السند لاشتماله على محمد بن الفضيل وهو مشترك ، مع أنك قد عرفت ورود هذين الخبرين الصحيحين بذلك.

والتحقيق عندي في الجواب أن هذه الأخبار غير صريحة بل ولا ظاهرة فيما ادعاه الصدوق ـ رحمة الله عليه ـ لأن المفهوم من أخبار المسألة كملا بعد ضم بعضها إلى بعض هو أن عدة الحامل وضع الحمل ، فإنه أقرب الأجلين كما هو مدلول صحيحتي الحلبي وأبي بصير ، وإنما وصف وضع الحمل بأنه أقرب الأجلين لجواز حصوله بعد الطلاق بلحظة أو أيام يسيرة ، ونحو ذلك بخلاف التحديد بالثلاثة الأشهر فإنه لا قرب فيها بالكلية ، وحينئذ فمعنى قوله في رواية الكناني «وعدتها أقرب الأجلين» أن عدتها هو وضع الحمل الذي هو أقرب الأجلين ، فهو صفة لموصوف محذوف لا أن المراد ما توهمه ـ رحمة الله عليه ـ ومن معه من أن المعنى أقرب العدتين ، بمعنى أن أيهما سبق اعتدت به ، فإنه مردود بالآية والأخبار المتكاثرة كما عرفت.

وعلى تقدير ما ذكرناه تجمع الآية وأخبار المسألة كملا ويرتفع التنافي من البين.

وأما ما ذكره المرتضى من دلالة رواية زرارة عن الباقر عليه‌السلام على قول الصدوق فإنا لم نقف فيما وصل إلينا من الأخبار عليها ، وإنما الذي وصل إلينا ما ذكرناه من الروايات الثلاث المنقولة ، وتمام تحقيق الكلام في المقام يتم برسم مسائل :

الأولى : ـ اختلف الأصحاب فيما لو كانت حاملا باثنين فولدت واحدا فهل تبين بوضع الأول ، وإن لم ينكح إلا بعد وضع الثاني؟ أو أنها لا تبين إلا بوضعهما معا؟ قولان :

(أولهما) للشيخ في النهاية وابن البراج وابن حمزة وابن الجنيد وعليه تدل رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله (1) المتقدمة.

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 82 ح 10 ، الوسائل ج 15 ص 420 ب 10 ح 1.


وقال أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي في كتاب مجمع البيان (1) «وروى أصحابنا أن الحامل إذا وضعت واحدا انقطعت عصمتها من الزوج ، ولا يجوز لها أن تعقد على نفسها لغيره حتى تضع الآخرة». ويحتمل إرادة الرواية المذكورة ونقلها بالمعنى ، ويحتمل أن يكون رواية أخرى بهذا اللفظ ، ولعله الأقرب.

(وثانيهما) للشيخ في الخلاف والمبسوط وابن إدريس والعلامة والمحقق ، وادعى في الخلاف إجماع أهل العلم عليه ، واختاره في المسالك وسبطه السيد السند في شرح النافع تمسكا بظاهر الآية ، فإنه مع بقاء شي‌ء من الحمل في الرحم لا يصدق وضع حملهن ، واستضعافا للرواية ، قال : والرواية واضحة المتن ، لكن في طريقها عدة من الواقفية والمجاهيل ، وذلك مما يمنع العمل بها.

وأنت خبير بأنه وإن كان ظاهر الآية كما ذكروه إلا أن مقتضى كلامه ـ رحمة الله عليه ـ أنه لو صح الخبر لأمكن تخصيص الآية به ، وحينئذ فمن لا يرى العمل بهذا الاصطلاح المحدث ويحكم بصحة الأخبار جريا على ما جرت عليه متقدمو علمائنا الأبرار ، فإنه له أن يخصص الآية المذكورة به إذ لا معارض له في البين إلا إطلاق الآية ، والجمع بين الدليلين بما ذكرنا أولى من طرح أحدهما كما هي القاعدة المطردة في كلامهم.

وممن ذهب إلى ما اخترناه المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي في كتاب الوسائل.

الثانية : ظاهر الآية والأخبار المتقدمة أن انقضاء العدة إنما يحصل بخروجه أجمع ، فلو خرج نصفه أو أزيد متصلا أو منفصلا فإنه لا يصدق وضع الحمل المترتب عليه الخروج من العدة في الآية والأخبار ، فتبقى أحكام الزوجية من الرجعة في الرجعية والميراث لو مات أحدهما ، ونحو ذلك وهو ظاهر.

الثالثة : لا خلاف ولا إشكال في أنه لا يكفي وضعه نطفة مع عدم استقرارها

__________________

(1) مجمع البيان ج 10 ص 307 ، الوسائل ج 15 ص 421 ب 10 ح 2.


في الرحم ، وأما معه فظاهر الشيخ الحكم بانقضاء العدة بها مطلقا ، وفيه إشكال للشك في كونه قد صار حملا ، ويأتي مثل ذلك في العلقة من الدم التي لا تخطيط فيها ، ووافق الشيخ هنا جماعة من الأصحاب منهم المحقق.

قال في المسالك : وهو قريب مع العلم بأنها مبدأ نشو آدمي ، وإلا فلا ، ولو سقطت مضغة فالأقرب كما استقربه في المسالك أيضا أنها تكفي في العلم بذلك.

الرابعة : قال في المسالك : يشترط في الحمل كونه منسوبا إلى من العدة منه ، إما ظاهرا أو احتمالا ، فلو انتفى عنه شرعا لم يعتد به ، وإمكان تولده منه بأن يكون فحلا أو مجبوبا له بقية أو لا معها ، لما تقدم من لحوق الحمل به ، ولو انتفى عنه شرعا بأن ولدته تاما لدون ستة أشهر من يوم النكاح أو لأكثر وبين الزوجين مسافة لا تقطع في تلك المدة لم تنقض به العدة. وكذا لا يلحق بالممسوح على الأظهر وإن أمكنت المساحقة في حقه لفقد آلة التولد ، انتهى وهو جيد.

الخامسة : قد صرح الأصحاب بأنه لو طلقت المرأة فادعت الحمل صبر عليها أقصى الحمل ، وهو تسعة أشهر عند بعض ، وهو المشهور كما تقدم ، وسنة عند آخر ، وعشرة أشهر عند ثالث ، ثم لا يقبل دعواها ، وقد تقدمت جملة من الروايات الدالة على هذا الحكم في صدر البحث الثاني من سابق هذا المقام ، وهي صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (1) وروايات محمد بن حكيم ، (2) وهي متفقة في الدلالة على التسعة ، وموثقة عمار المتقدمة في المذكور آنفا وهي دالة على القول بالسنة. وأما القول بالعشرة فلم نقف له على خبر.

واستدل شيخنا في المسالك ونقله سبطه السيد السند في شرح النافع على القول بالسنة بصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المشار إليها ، وهي ما رواه في الصحيح «قال : سمعت أبا إبراهيم عليه‌السلام يقول : إذا طلق الرجل امرأته وادعت أنها حبلى انتظر تسعة أشهر ، فإن ولدت وإلا اعتدت بثلاثة أشهر ثم قد بانت منه».

__________________

(1 و 2) الكافي ج 6 ص 101 ح 1 و 2 و 4 و 5.


قال في شرح النافع : وهذه الرواية صريحة في وجوب التربص سنة ، لكنها لا تدل صريحا على أن ذلك أقصى الحمل. انتهى ، ونحوه كلام جده في المسالك.

وأنت خبير بما فيه ، فإن الظاهر أن مرجع هذه الرواية إلى ما دلت عليه روايات محمد بن حكيم المتقدمة من أنها بعد الاسترابة أو ادعاء الحمل بعد الثلاثة فإنها تصبر تسعة أشهر ، فإن ظهر الحمل فيها وإلا اعتدت بعدها بثلاثة أشهر ، إلا أن أكثر روايات محمد بن حكيم صرحت بأن تلك التسعة أقصى مدة الحمل ، وهذه الرواية فيها نوع إجمال ، إلا أنها عند التأمل ترجع إلى ذلك ، لأن قوله «انتظر تسعة أشهر فإن ولدت وإلا اعتدت» ظاهر في أن التسعة أقصى مدة الحمل ، وإلا فلا معنى لفرض الولادة فيها ، ولو كان أقصى الحمل سنة كما يدعون دلالة هذا الخبر عليه لكان تخصيص هذا الفرض بالتسعة لاغيا ، لأن محله السنة لا التسعة ، والثلاثة التي بعد التسعة قد عرفت آنفا أنها هي العدة الشرعية بعد تيقن براءة الرحم بمضي التسعة.

وبالجملة فإن روايات محمد بن حكيم وهذه الرواية قد اشتركت في الدلالة على أنها بالاسترابة ودعوى الحمل بعد الثلاثة تصبر تسعة أشهر ، فإن ظهر بها حمل وإلا اعتدت بعدها بثلاثة أشهر ، غاية الأمر أن أكثر روايات ابن حكيم صرحت بكون التسعة أقصى مدة الحمل ، وهذه وإن لم تكن صريحة في ذلك إلا أنها ظاهرة فيه. ومع تسليم عدم ظهورها وأنها مطلقة في ذلك فإنه يجب تقييد إطلاقها على ما قيد به تلك الأخبار ، وإلا كان ذكر التسعة في البين لغوا.

والدليل على القول بالسنة إنما هو موثقة عمار (1) كما تقدم ، ولكنها حيث دلت على التربص سنة ثم الاعتداد بثلاثة أشهر فيكون الجميع خمسة عشر شهرا. مع أنه لا قائل بكون الحمل كذلك أطرحوها. وكيف كان فالعمل

__________________

(1) التهذيب ج 8 ص 119 ح 9 ، الوسائل ج 15 ص 422 ب 13 ح 1.


على القول بالتسعة.

السادسة : (1) قد صرح الأصحاب بأنه لو طلقها رجعيا ثم مات استأنف عدة الوفاة ، أما لو كانت بائنا فإنها تقتصر على إتمام عدة الطلاق. وعلل بأن المطلقة رجعيا بحكم الزوجة فيثبت لها ما يثبت للزوجة من الأحكام كالتوارث بينهما والظهار والإيلاء وغيرهما من أحكام الزوجية. ومنها ما هنا من وجوب استئناف عدة الوفاة وعدم البناء على ما تقدم بخلاف البائنة ، فإنها في حكم الأجنبية.

ويدل على ما ذكروه من الحكم الأول جملة من الأخبار.

ومنها ما رواه في الكافي (2) في الصحيح أو الحسن عن جميل عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما‌السلام «في رجل طلق امرأته طلاقا يملك فيه الرجعة ثم مات عنها قال : تعتد بأبعد الأجلين أربعة أشهر وعشرا».

وعن هشام بن سالم (3) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في رجل كانت تحته امرأة فطلقها ثم مات قبل أن تنقضي عدتها ، قال : تعتد أبعد الأجلين عدة المتوفى عنها زوجها».

وعن زرارة (4) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «عدة المتوفى عنها زوجها آخر الأجلين لأن عليها أن تحد أربعة أشهر وعشرا ، وليس عليها في الطلاق أن تحد».

__________________

(1) أقول : هذه المسألة وان لم تكن مناسبة بعنوان البحث في هذا المقام حيث ان موضوعه في عدة الحامل ، والمفروض فيها انما هو عدة من مات عنها زوجها وهي في عدة الطلاق ، فلا مناسبة ، الا أن أصحابنا قد صرحوا بهذا الحكم في هذا الموضع فحذونا حذوهم وجرينا على ما جروا عليه ، فلا يظن بنا ظان الغفلة عن ذلك. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(2) الكافي ج 6 ص 120 ح 1 ، التهذيب ج 8 ص 149 ح 113 ، الوسائل ج 15 ص 463 ب 36 ح 5.

(3) الكافي ج 6 ص 121 ح 5 ، التهذيب ج 8 ص 149 ح 115 ، الوسائل ج 15 ص 463 ب 36 ح 5.

(4) الكافي ج 6 ص 114 ح 4 ، التهذيب ج 8 ص 150 ح 119 ، الوسائل ج 15 ص 456 ب 31 ح 4.


أقول : قوله «عدة المتوفى عنها زوجها» يعني إذا كانت مطلقة آخر الأجلين أي أبعدهما ، وفيه تعليل استئناف عدة الوفاة بأنها يجب عليها الحداد فيها وهي أربعة أشهر وعشرا ، فلا بد من الحداد فيها من أولها إلى آخرها ، بخلاف عدة الطلاق فإنه ليس فيه حداد ، ومن ثم وجب عليها استئناف عدة الوفاة.

وما رواه في الكافي والتهذيب (1) في الصحيح عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «سمعته يقول : أيما امرأة طلقت ثم توفي عنها زوجها قبل أن تنقضي عدتها ولم تحرم عليه فإنها ترثه ، ثم تعتد عدة المتوفى عنها زوجها ، وإن توفيت وهي في عدتها ولم تحرم عليه فإنه يرثها ـ وزاد في التهذيب ـ وإن قتل ورثت من ديته ، وإن قتلت ورث من ديتها ، ما لم يقتل أحدهما الآخر».

وما رواه في الفقيه (2) عن سماعة في الموثق قال : «سألته عن رجل طلق امرأته ثم إنه مات قبل أن تنقضي عدتها ، قال : تعتد عدة المتوفى عنها زوجها ولها الميراث».

وعن محمد بن مسلم (3) قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل طلق امرأته تطليقة من غير جماع ثم توفي عنها وهي في عدتها ، قال : ترثه ، ثم تعتد عدة المتوفى عنها زوجها» الحديث.

وأما الحكم الثاني وهو أنه متى كان الطلاق بائنا فإنها تقتصر على إتمام عدة الطلاق ، فيدل عليه الأصل السالم من المعارض لأن ما تقدم من الروايات بعد ضم مطلقه إلى مقيده تقتضي اختصاص الاستئناف بالموت العدة الرجعية ، ويدل عليه أيضا مفهوم قوله في صحيحة محمد بن قيس «ولم تحرم عليه» الذي هو كناية عن الطلاق بائنا.

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 121 ح 6 ، التهذيب ج 8 ص 80 ح 194 وص 149 ح 116 الوسائل ج 15 ص 464 ب 36 ح 3 و 4 وما في المصدرين الأخيرين اختلاف يسير.

(2) الفقيه ج 3 ص 353 ح 4 ، الوسائل ج 15 ص 465 ب 36 ح 9.

(3) التهذيب ج 8 ص 81 ح 195 ، الوسائل ج 17 ص 531 ب 13 ح 5 وفيهما «تطليقة على طهر ثم.» مع اختلاف يسير.


وأما ما رواه في الكافي (1) عن علي بن إبراهيم عن بعض أصحابنا «في المطلقة البائنة إذا توفي عنها زوجها وهي في عدتها قال : تعتد بأبعد الأجلين». فردها المتأخرون بضعف السند ، قال في شرح النافع : وضعف هذه الرواية يمنع من العمل بها ، وحمله بعض محدثي متأخري المتأخرين (2) على الاستحباب وفيها ما لا يخفى ، ولا يحضرني الآن وجه وجيه تحمل عليه.

بقي هنا شي‌ء وهو أنه لا إشكال فيما ذكرنا من وجوب استئناف عدة الوفاة لو مات الزوج في عدة الرجعية فيما إذا زادت عدة الوفاة على عدة الطلاق كما هو الغالب ، إنما الإشكال فيما لو انعكس الفرض كالمسترابة التي عدتها في الطلاق تسعة أشهر أو سنة ثم ثلاثة أشهر بعد ذلك ، فإن عدة الطلاق هنا أزيد من عدة الوفاة التي هي أربعة أشهر وعشرة أيام.

وحينئذ فهل تجتزي في هذه الحال بعدة الوفاة نظرا إلى عموم أدلة عدة الوفاة وأنه لا فرق بين المسترابة وغيرها؟ أو تعتبر بأبعد الأجلين من أربعة أشهر وعشرة أيام ومن مدة يعلم فيها انتفاء الحمل لأنها بالاسترابة تكون في معرض الحمل وفرض الحامل المتوفى عنها زوجها الاعتداد بأبعد الأجلين كما سيأتي ذكره إن شاء الله؟ أو أنه يجب عليها إكمال عدة المطلقة بثلاثة أشهر بعد التسعة أو السنة أو أربعة أشهر وعشرة أيام بعدهما عوض الثلاثة الأشهر؟ أوجه :

رجح في القواعد الأول على إشكال. واستوجهه السيد السند في شرح النافع قصرا لما خالف الأصل على موضع النص.

وقال في المسالك في توجيه الأوجه المذكورة من إطلاق الحكم بانتقالها إلى عدة الوفاة : ولا دليل فيها على اعتبار ما زاد عن أبعد الأجلين ، ثم يتجه فيها

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 120 ح 2 وفيه «توفى عنها وهي.» ، الوسائل ج 15 ص 464 ب 36 ح 6.

(2) هو المحدث الحر في كتاب الوسائل (منه ـ قدس‌سره ـ).


الاكتفاء بأربعة أشهر وعشرة ما لم يظهر الحمل لأصالة العدم ومن أن انتقالها إلى عدة الوفاة انتقال إلى الأقوى والأشد ، فلا يكون سببا في الأضعف.

ووجه الثالث أن التربص بها مدة يظهر فيها عدم الحمل لا يحتسب من العدة كما سبق ، وإنما تعتد بعدها ومن ثم وجب للطلاق ثلاثة أشهر ، فيجب للوفاة أربعة أشهر وعشرة ، والحق الاقتصار في الحكم المخالف للأصل على مورده ، والرجوع في غيره إلى ما تقتضيه الأدلة ، وغايتها هنا التربص بها إلى أبعد الأجلين من الأربعة الأشهر وعشرة والمدة التي يظهر فيها عدم الحمل ولا يحتاج بعدها إلى أمر آخر ، ودعوى الانتقال هنا إلى الأقوى مطلقا ممنوع ، وإنما الثابت الانتقال إلى عدة الوفاة كيف اتفق. انتهى.

أقول : والمسألة لا تخلو من شوب الاشكال ، لعدم الدليل الواضح في هذا المجال وتدافع التعليلات وقيام الاحتمال ، إلا أنه يمكن أن يقال ـ ولعله الذي تجتمع عليه الأخبار ـ : إن مقتضى أخبار عدة الوفاة هو وجوب إلغاء عدة الطلاق والعمل بعدة الوفاة ، ومقتضى أخبار المسترابة هو التربص تسعة أشهر أو سنة ، ثم الثلاثة الأشهر بعد أي منهما ، والجمع بين روايات الطرفين يقتضي الانتقال إلى عدة الوفاة ، بأن يكون في الثلاثة الأخيرة بعد إتمام التسعة أو السنة ، لأن عدة الطلاق في المسترابة إنما هي الثلاثة الأشهر الأخيرة ، دون التسعة أو السنة كما مر تحقيقه ، والتسعة أو السنة إنما هي لاستبراء الرحم ، وإن أطلق عليها لفظ العدة في بعض الأخبار توسعا وتجوزا ، وحينئذ فلو مات في ضمن التسعة أو السنة وجب إتمامها ثم الاعتداد بعدة الوفاة ، ولو مات في ضمن الثلاثة وجب استئناف عدة الوفاة.

وبالجملة فإن روايات استئناف عدة الوفاة دلت على أن ذلك إذا وقع الموت في ضمن العدة الرجعية ، والعدة بالنسبة إلى المسترابة إنما هي الثلاثة الأخيرة كما عرفت فيختص الحكم بها ، ويؤيده أن ذلك هو الأحوط ، وفيه عمل بروايات الطرفين وعدم إلغاء شي‌ء منها في البين.

السابعة : قد تقدم (1) أنه يشترط في الحمل الذي تنقضي العدة بوضعه كونه منسوبا إلى من العدة منه ، وعلى هذا فلو حملت من الزنا ثم طلقها الزوج بأن يعلم انتفاؤه عن الفراش بكونه غائبا عنها تلك المدة ، أو تلد تاما لدون ستة أشهر من يوم النكاح فإنها تعتد بما كانت تعتد به لو لا الزنا ، فإن لم يجامع حملها حيض اعتدت بالأشهر ، وإن جامعه وقلنا بجواز حيضها كما هو أظهر القولين اعتدت بالأقراء وبانت بانقضاء الأشهر أو الأقراء ، وإن لم تضع حملها فإن الزنا لا حرمة له ، حملت منه أو لم تحمل ، ولذا أيضا أنه لو حملت من الزنا ولم تكن ذات بعل فإنه يجوز لها التزويج قبل أن تضع ، وعليه ظاهر اتفاق كلمة الأصحاب.

أما لو لم تحمل من الزنا فظاهر الأكثر أنها كذلك. وقرب في التحرير أن عليها مع عدم الحمل العدة وهو الظاهر عندي.

وعليه يدل ما رواه في الكافي (2) عن إسحاق بن جرير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قلت له : الرجل يفجر بالمرأة ثم يبدو له في تزويجها ، هل يحل له ذلك؟ قال : نعم إذا هو اجتنبها حتى تنقضي عدتها باستبراء رحمها من ماء الفجور فله أن يتزوجها» الخبر.

وفي معناه رواية كتاب تحف العقول (3) للحسن بن علي بن شعبة ، وقد تقدمت.

__________________

(1) تقدم ذلك في المسألة الرابعة من هذه المسائل. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(2) الكافي ج 5 ص 356 ح 4 ، الوسائل ج 14 ص 331 ب 11 ح 4.

(3) وهي ما رواه في الكتاب المذكور عن أبى جعفر محمد بن على الجواد عليه‌السلام «أنه سئل عن رجل نكح امرأة على زنا ، أيحل له أن يتزوجها؟ فقال : يدعها حتى يستبرئها من نطفته ونطفة غيره ، إذ لا يؤمن منها أن تكون قد أحدثت مع غيره كما أحدثت معه ، ثم يتزوج بها إذا أراد» الحديث. (منه ـ قدس‌سره ـ).


وتؤيدهما الأخبار (1) الدالة على أنه إذا أدخله فقد وجبت العدة والمهر والرجم والغسل.

ولو كان الوطء بشبهة وحملت ثم طلقها فلا يخلو إما أن يكون إلحاق الولد بالزوج من حيث الفراش أم لا ، بل بالواطئ لبعد الزوج عنها في تلك المدة فلا يمكن إلحاقه به ، وحينئذ فيجب عليها عدة الطلاق خاصة (2) على الأول ، وعلى الثاني يجب عليها كما صرحوا به عدتان بأن تعتد أولا من الواطئ بوضع الحمل ثم من الزوج عدة الطلاق. قالوا : ولا يتداخلان عندنا لأنهما حقان مقصودان للآدميين كالدين ، فتداخلهما على خلاف الأصل.

وأنت خبير بما في هذا التعليل وأمثاله كما عرفت في غير موضع مما تقدم وقد تقدم في كتاب النكاح اختلاف الروايات في اتحاد العدة أو تعددها في مثل هذا الموضع ، وهو نكاح الشبهة ، وأن المشهور بين الأصحاب بل كاد يكون إجماعا هو التعدد ، مع أن المفهوم من جملة من الأخبار أن التعدد مذهب العامة ومقتضاه حمل أخبار التعدد على التقية ، وأن القول بالاتحاد هو الأظهر.

ومن الأخبار المشار إليها ما رواه المشايخ الثلاثة (3) عن زرارة قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن امرأة نعي إليها زوجها فاعتدت وتزوجت ، فجاء زوجها الأول ففارقها وفارقها الآخر ، كم تعتد للناس؟ قال : ثلاثة قروء ، وإنما يستبرء رحمها بثلاثة قروء ، وتحل للناس كلهم ، قال زرارة : وذلك أن أناسا قالوا : تعتد عدتين من كل واحد عدة ،

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 109 ح 1 و 2 و 3 و 6 ، الوسائل ج 15 ص 75 ب 58 ح 17 و 18.

(2) ما ذكر حكم ما لو تقدم وطء الشبهة على الطلاق ، أما لو انعكس الأمر بأن طلقها ثم وطئت بالشبهة فإنهم صرحوا بأن ما مضى بعد الطلاق من المدة قبل الوطء يحسب من العدة وتعتد من الوطء بوضع الحمل ثم تعود إلى إتمام بقية عدة الطلاق بعد الوضع ، حيث انه لا تداخل في العدتين. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(3) الكافي ج 6 ص 150 ح 1 ، الفقيه ج 3 ص 356 ح 6 ، التهذيب ج 7 ص 489 ح 171 ، الوسائل ج 15 ص 468 ب 38 ح 1 وما في المصادر اختلاف يسير.


فأبى ذلك أبو جعفر عليه‌السلام وقال : تعتد ثلاثة قروء وتحل للرجال».

وما رواه في الكافي (1) عن يونس عن بعض أصحابه «في امرأة نعي إليها زوجها وتزوجت ، ثم قدم الزوج الأول ، فطلقها وطلقها الآخر قال : فقال إبراهيم النخعي عليها أن تعتد عدتين ، فحملها زرارة إلى أبي جعفر عليه‌السلام فقال : عليها عدة واحدة». وبالجملة فإنهم لقصور تتبعهم للأخبار يقعون في مثل هذا وأمثاله.

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 151 ح 2 ، الوسائل ج 15 ص 468 ب 38 ح 2.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *