ج5 - حكم نجاسة الكافر

الفصل السابع

في الكافر

قالوا : وضابطه من خرج من الإسلام وبائنة أو انتحله وجحد ما يعلم من الدين ضرورة. والأول شامل للكافر كفرا أصليا أو ارتداديا كتابيا أو غير كتابي ، والثاني كالغلاة والخوارج والنواصب.

وقد حكي عن جماعة دعوى الإجماع على نجاسة الكافر بجميع أنواعه المذكورة كالمرتضى والشيخ وابن زهرة والعلامة في جملة من كتبه ، إلا ان المفهوم من كلام المحقق في المعتبر الإشارة إلى الخلاف في بعض هذه المواضع ، حيث قال : الكفار قسمان يهود ونصارى ومن عداهما ، اما القسم الثاني فالأصحاب متفقون على نجاستهم ، واما الأول فالشيخ في كتبه قطع بنجاستهم وكذا علم الهدى والاتباع وابنا بابويه ، وللمفيد قولان ، أحدهما النجاسة ذكره في أكثر كتبه ، والأخر الكراهة ذكره في الرسالة الغرية.

قال في المعالم : وعزى غير المحقق الى الشيخ في النهاية وابن الجنيد الخلاف في هذا المقام ايضا ، اما الشيخ فلانه قال في النهاية : يكره ان يدعو الإنسان أحدا من الكفار الى طعامه فيأكل معه فان دعاه فليأمره بغسل يديه ثم يأكل معه ان شاء. واما ابن الجنيد فإنه قال في مختصره : ولو تجنب من أكل ما صنعه أهل الكتاب من ذبائحهم وفي آنيتهم وكل ما صنع في أواني مستحلي الميتة ومؤاكلتهم ما لم يتيقن طهارة أوانيهم وأيديهم كان أحوط. ثم قال : وعندي في نسبة الخلاف الى الشيخ باعتبار عبارته المحكية نظر ، قال لانه قال قبلها بأسطر : ولا يجوز مؤاكلة الكفار على اختلاف مللهم ولا استعمال أوانيهم إلا بعد غسلها بالماء ، ثم قال وكل طعام تولاه بعض الكفار بأيديهم وباشروه بنفوسهم لم يجز أكله لأنهم أنجاس ينجس الطعام بمباشرتهم إياه. وهذا الكلام صريح في الحكم بنجاستهم فلا بد من حمل الكلام الآخر على خلاف ظاهره ، إذ من المستبعد جدا الرجوع عن الحكم في هذه المسافة القصيرة وإبقاؤه مثبتا في الكتاب ، ولعل مراده المؤاكلة التي لا تتعدى معها النجاسة كأن يكون الطعام جامدا أو في أواني متعددة ويكون وجه الأمر بغسل يديه ارادة تنظيفهما من آثار القذارات التي لا ينفك عنها الكافر في الغالب فمواكلته على هذه الحالة بدون غسل يديه مظنة حصول النفرة. وقد تعرض المحقق في نكت النهاية للكلام على هذه العبارة فذكر على جهة السؤال : انه ما الفائدة في الغسل واليد لا تطهر به؟ وأجاب بأن الكفار لا يتورعون عن كثير من النجاسات فإذا غسل يده فقد زالت تلك النجاسة ، ثم قال ويحمل هذا على حال الضرورة أو على مؤاكلة اليابس وغسل اليد لزوال الاستقذار النفساني الذي يعرض من ملاقاة النجاسات العينية وان لم يفد طهارة اليد ، ثم قال وروى العيص بن القاسم (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن مؤاكلة اليهودي والنصراني؟ فقال لا بأس إذا كان من طعامك. وسألته عن مؤاكلة المجوسي؟ فقال إذا توضأ فلا بأس». قال المحقق : والمعنى بتوضئه هنا غسل اليد. انتهى كلامه. وهو ـ كما ترى ـ صريح في ان كلام الشيخ محمول على خلاف ظاهره وانه ليس بمخالف لما حكم به أولا ، وان الحامل له على ذكر هذه المسألة ورود مضمونها في الرواية ، وحينئذ فلا ينبغي ان يذكر الشيخ في عداد

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 53 من الأطعمة المحرمة.


من عدل عن المشهور هنا. واما عبارة ابن الجنيد فظاهرها القول بطهارة أهل الكتاب وله في بحث الأسآر عبارة أخرى تقرب من هذه حكيناها هناك. وقد تحرر من هذا ان نجاسة من عدا أهل الكتاب ليست موضع خلاف بين الأصحاب معروف بل كلام المحقق يصرح بالوفاق كما رأيت ، واما أهل الكتاب فابن الجنيد يرى طهارتهم على كراهية والمفيد في أحد قوليه يوافقه على ذلك في اليهود والنصارى منهم على ما حكاه عنه المحقق ، والباقون ممن وصل إلينا كلامه على نجاستهم. انتهى ما ذكره في المعالم في المقام وهو جيد ، وانما أطلنا بنقله بطوله لعظم نفعه وجودة محصوله.

أقول : الظاهر ان من ادعى الإجماع من أصحابنا في هذه المسألة على النجاسة بنى على رجوع المفيد باعتبار تصريحه فيما عدا الرسالة المذكورة من كتبه بالنجاسة وعدم الاعتداد بخلاف ابن الجنيد لما شنعوا عليه به من عمله بالقياس إلا انه نقل القول بذلك في باب الأسآر عن ابن ابي عقيل (قدس‌سره) ثم العجب ان الشيخ (قدس‌سره) في التهذيب نقل إجماع المسلمين على نجاسة الكفار مطلقا مع مخالفة الجمهور في ذلك (1) حتى ان المرتضى (رضي‌الله‌عنه) جعل القول بالنجاسة من متفردات الإمامية.

وكيف كان فالواجب الرجوع الى الأدلة في المسألة وبيان ما هو الظاهر منها فنقول احتج القائلون بالنجاسة بالآية والروايات ، اما الآية فهي قوله عزوجل : «إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا» (2) وأورد عليه (أولا) ـ ان

__________________

(1) في المغني ج 1 ص 49 «الآدمي طاهر وسؤره طاهر سواء كان مسلما أو كافرا عند عامة أهل العلم» وفي عمدة القارئ للعيني الحنفي ج 2 ص 60 «الآدمي الحي ليس بنجس العين ولا فرق بين الرجال والنساء» وفي المحلى لابن حزم ج 1 ص 183 «الصوف والوبر والقرن والسن من المؤمن طاهر ومن الكافر نجس» ونسب الشوكانى في نيل الأوطار نجاسة الكافر الى مالك ، وأغرب القرطبي في نسبة نجاسة الكافر إلى الشافعي.

(2) سورة التوبة ، الآية 28.


النجس مصدر فلا يصح وصف الجثة به إلا مع تقدير كلمة «ذو» ولا دلالة في الآية معه ، لجواز ان يكون الوجه في نسبتهم الى النجس عدم انفكاكهم عن النجاسات العرضية لأنهم لا يتطهرون ولا يغتسلون ، والمدعى نجاسة ذواتهم. و (ثانيا) ـ عدم افادة كلام أهل اللغة كون معنى النجس لغة هو المعهود شرعا وانما ذكر بعضهم انه المستقذر وقال بعضهم هو ضد الطاهر ، ومن المعلوم ان المراد بالطهارة في إطلاقهم معناها اللغوي ، فعلى هذين التفسيرين لا دلالة لها على المعنى المعهود في الشرع فتتوقف إرادته على ثبوت الحقيقة الشرعية أو العرفية المعلوم وجودها في وقت الخطاب ، وفي الثبوت نظر. و (ثالثا) ـ انه على تقدير التسليم فالآية مختصة بمن صدق عليه عنوان الشرك والمدعى أعم منه.

أقول : والجواب عن الأول انه لا ريب في صحة الوصف بالمصدر إلا انه مبني على التأويل ، فمنهم من يقدر كلمة «ذو» ويجعل الوصف بها مضافا الى المصدر فحذف المضاف وأقيم المضاف اليه مقامه وعلى هذا بني الإيراد المذكور ، ومنهم من جعله واردا على جهة المبالغة باعتبار تكثر الفعل من الموصوف حتى كأنه تجسم منه. وهذا هو الأرجح عند المحققين من حيث كونه أبلغ ، وعليه حمل قول الخنساء «فإنما هي إقبال وادبار» كما ذكره محققوا علماء المعاني والبيان ، وعليه بنى الاستدلال بالآية المذكورة.

وعن الثاني بأن النجس في اللغة وان كان كما ذكره إلا انه في عرفهم (عليهم‌السلام) كما لا يخفى على من تتبع الأخبار وجاس خلال تلك الديار انما يستعمل في المعنى الشرعي ، والحمل على العرف الخاص مقدم على اللغة بعد عدم ثبوت الحقيقة الشرعية ، وتنظر المورد في ثبوت الحقيقة العرفية في زمن الخطاب ـ بمعنى ان عرفهم (عليهم‌السلام) متأخر عن زمان نزول الآية عليه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فلا يمكن حمل الآية عليه ـ مردود بان عرفهم (عليهم‌السلام) في الأحكام الشرعية وفتاويهم وأمرهم ونهيهم في ذلك راجع في الحقيقة إليه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فإنهم نقلة عنه وحفظة


لشرعه وتراجمة لوحيه كما استفاضت به اخبارهم.

وعن الثالث بصدق عنوان الشرك على أهل الكتاب بقوله سبحانه : «وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ... الى قوله سُبْحانَهُ عَمّا يُشْرِكُونَ» (1) وبالجملة فإن دلالة الآية على النجاسة كنجاسة الكلاب ونحوها مما لا اشكال فيه كما عليه كافة الأصحاب إلا الشاذ النادر في الباب ، ومناقشة جملة من أفاضل متأخري المتأخرين كما نقلنا عنهم مردودة بما عرفت.

واما الاخبار فمنها ـ ما رواه الصدوق في الموثق عن سعيد الأعرج (2) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن سؤر اليهود والنصارى أيؤكل ويشرب؟ قال لا». ورواه الكليني والشيخ في الحسن عن سعيد عنه (3) لكن بإسقاط قوله «أيؤكل ويشرب».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (4) قال : «سألته عن رجل صافح مجوسيا؟ قال يغسل يده ولا يتوضأ».

وعن ابي بصير عن الباقر (عليه‌السلام) (5) «انه قال في مصافحة المسلم لليهودي والنصراني قال من وراء الثياب فان صافحك بيده فاغسل يدك».

وصحيحة محمد بن مسلم (6) قال : «سألت أبا جعفر عن آنية أهل الذمة والمجوس؟ فقال لا تأكلوا من طعامهم الذي يطبخون ولا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر».

وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (7) قال : «سألته عن فراش اليهودي والنصراني أينام عليه؟ قال لا بأس ولا يصلى في ثيابهما ، وقال لا يأكل المسلم مع المجوسي في قصعة واحدة ولا يقعده على فراشه ولا مسجده ولا يصافحه. قال وسألته عن رجل اشترى ثوبا من السوق ليس يدري لمن كان هل تصلح الصلاة فيه؟ قال

__________________

(1) سورة التوبة. الآية 30.

(2) رواه في الوسائل في الباب 54 من الأطعمة المحرمة.

(3 و 4 و 5 و 6 و 7) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب النجاسات.


ان اشتراه من مسلم فليصل فيه وان اشتراه من نصراني فلا يصل فيه حتى يغسله».

وما رواه في الكافي عن علي بن جعفر عن ابي الحسن موسى (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن مؤاكلة المجوسي في قصعة واحدة وأرقد معه على فراش واحد وأصافحه؟ فقال لا».

ورواية هارون بن خارجة (2) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) اني أخالط المجوس وآكل من طعامهم فقال لا». ورواية سماعة (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن طعام أهل الكتاب ما يحل منه؟ قال الحبوب».

ومنها ـ صحيحة علي بن جعفر (4) «انه سأل أخاه موسى (عليه‌السلام) عن النصراني يغتسل مع المسلم في الحمام؟ فقال إذا علم انه نصراني اغتسل بغير ماء الحمام إلا ان يغتسل وحده على الحوض فيغسله ثم يغتسل. وسألته عن اليهودي والنصراني يدخل يده في الماء أيتوضأ منه للصلاة؟ قال لا إلا ان يضطر إليه».

أقول : الظاهر ان المعنى في صدر هذا الخبر انه سأله عن النصراني والمسلم يجتمعان في الحمام لأجل الغسل ـ والمراد بالحمام ماؤه الذي في حياضه الصغار التي هي أقل من كر ـ فقال (عليه‌السلام) ان علم انه نصراني وقد وضع يده فيه أو يريد ذلك اغتسل بغير ذلك الماء من الحمام أو غيره إلا ان يكون بعد اغتسال النصراني ويريد الاغتسال وحده فإنه يغسل الحوض لنجاسته بملاقاة النصراني له وأخذه الماء منه ثم يجري عليه الماء من المادة ، وهو يشعر بعدم اتصال المادة حال اغتسال النصراني منه. واما ما ذكره في آخر الخبر من قوله : «إلا ان يضطر اليه» فالظاهر حمل الاضطرار على ما توجبه التقية.

قال في العالم بعد ذكر الرواية المذكورة : والمعنى في صدر هذه الرواية لا يخلو

__________________

(1 و 2 و 4) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب النجاسات.

(3) المروية في الوسائل في الباب 51 من الأطعمة المحرمة.


من خفاء وكأن المراد به ان اجتماع المسلم والنصراني حال الاغتسال موجب لاصابة ما يتقاطر من بدن النصراني لبدن المسلم فينجسه. ولازم ذلك عدم صحة الغسل بماء الحمام حينئذ وتعين الاغتسال بغيره ، واما إذا اغتسلا منفردين فليس بذلك بأس ولكن مع تقدم مباشرة النصراني للحوض يغسل المسلم الحوض من اثر تلك المباشرة ثم يغتسل منه ، وبهذا يظهر ان الحكم مفروض في حوض لا يبلغ حد الكثير وتكون المادة فيه منقطعة حال مباشرة النصراني له ويكون للمسلم سبيل إلى إجرائها ليتصور إمكان غسل الحوض كما لا يخفى ، ولانه مع كثرة الماء واتصال المادة به لا وجه للحكم بالتنجيس اللهم إلا ان يراد نجاسة ظاهر الحوض بما يتقاطر من بدن النصراني ، وعلى كل حال لا بد أن يراد من الاغتسال ما يكون بالأخذ من الحوض وإلا فمع كونه بالنزول الى الماء لا سبيل إلى النجاسة مع الكثرة أو اتصال المادة ولا معنى لغسل الحوض مع القلة ، وقوله في الرواية : «يغتسل على الحوض» مشعر بذلك ايضا وإلا لأتى ب «في» بدل «على» واما استثناء حال الاضطرار في الحكم بالمنع من الوضوء مما يدخل اليهودي والنصراني يده فيه كما وقع في عجز الرواية فربما كان فيه دلالة على الطهارة وان المنع محمول على الاستحباب فلا يتم الاحتجاج به على النجاسة ، وقد أشار الى ذلك في المعتبر على طريق السؤال عن وجه الاحتجاج به وأجاب بأنه لعل المراد بالوضوء التحسين لا رفع الحدث ، قال ويلزم من المنع منه للتحسين المنع من رفع الحدث بل اولى. ولا يخفى ما في هذا الجواب من التعسف. ويمكن ان يقال ان استثناء حال الضرورة إشارة إلى تسويغ استعماله في غير الطهارة عند الاضطرار. انتهى كلامه. وفي بعض مواضعه نظر يعلم مما قدمناه.

هذا ما حضرني من الأخبار الدالة على القول بالنجاسة وربما وقف المتتبع على ما يزيد على ذلك أيضا.


واما ما استدل به على القول بالطهارة فوجوه : (الأول) ـ أصالة الطهارة حتى يقوم دليل النجاسة.

(الثاني) ـ قوله عزوجل. «... وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ ...» (1)فإنه شامل لما باشروه وغيره ، وتخصيصها بالحبوب ونحوها مخالف للظاهر لاندراجها في الطيبات ، ولان ما بعدها : «وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ» شامل للجميع قطعا ، ولانتفاء الفائدة في تخصيص أهل الكتاب بالذكر فإن سائر الكفار كذلك.

(الثالث) ـ الاخبار ، ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن العيص بن القاسم (2) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن مؤاكلة اليهودي والنصراني؟ فقال لا بأس إذا كان من طعامك. وسألته عن مؤاكلة المجوسي؟ فقال إذا توضأ فلا بأس». وهذه الرواية قد تقدمت في كلام المحقق مستشهدا بها لما ذكره الشيخ (قدس‌سره) في النهاية.

وفي الصحيح عن إبراهيم بن ابي محمود (3) قال : «قلت للرضا (عليه‌السلام) الجارية النصرانية تخدمك وأنت تعلم أنها نصرانية لا تتوضأ ولا تغتسل من جنابة؟ قال لا بأس تغسل يديها».

وصحيحة إبراهيم بن ابي محمود ايضا (4) قال : «قلت للرضا (عليه‌السلام) الخياط أو القصار يكون يهوديا أو نصرانيا وأنت تعلم انه يبول ولا يتوضأ ما تقول في عمله؟ قال لا بأس».

وصحيحة إسماعيل بن جابر (5) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام)

__________________

(1) سورة المائدة ، الآية 7.

(2) رواه في الوسائل في الباب 53 من الأطعمة المحرمة.

(3) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب النجاسات.

(4) المروية في الوافي في باب (التطهير من مس الحيوانات) من أبواب الطهارة من الخبث.

(5) المروية في الوسائل في الباب 54 من الأطعمة المحرمة.


ما تقول في طعام أهل الكتاب؟ فقال لا تأكله ، ثم سكت هنيئة ثم قال لا تأكله ، ثم سكت هنيئة ثم قال لا تأكله ولا تتركه تقول انه حرام ولكن تتركه تنزها عنه ، ان في آنيتهم الخمر ولحم الخنزير». قال شيخنا الشهيد الثاني على ما نقله عنه ولده في المعالم : تعليل النهي في هذه الرواية بمباشرتهم النجاسات يدل على عدم نجاسة ذواتهم إذ لو كانت نجسة لم يحسن التعليل بالنجاسة العرضية التي قد تتفق وقد لا تتفق.

وحسنة الكاهلي (1) قال : «سأل رجل أبا عبد الله (عليه‌السلام) وانا عنده عن قوم مسلمين حضرهم رجل مجوسي أيدعونه الى طعامهم؟ قال اما انا فلا ادعوه ولا أؤاكله واني لأكره ان أحرم عليكم شيئا تصنعونه في بلادكم».

ورواية زكريا بن إبراهيم (2) قال : «دخلت على ابي عبد الله (عليه‌السلام) فقلت اني رجل من أهل الكتاب واني أسلمت وبقي أهلي كلهم على النصرانية وانا معهم في بيت واحد لم أفارقهم فآكل من طعامهم؟ فقال لي يأكلون لحم الخنزير؟ فقلت لا ولكنهم يشربون الخمر ، فقال لي كل معهم واشرب».

وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) (3) «وقد سأله عن اليهودي والنصراني يدخل يده في الماء أيتوضأ منه للصلاة؟ قال لا إلا ان يضطر اليه». وقد تقدمت في أدلة القول بالتنجيس وتقدم الجواب عنها.

ورواية عمار الساباطي عن الصادق (عليه‌السلام) (4) قال «سألته عن الرجل هل يتوضأ من كوز أو إناء غيره إذا شرب منه على انه يهودي؟ فقال نعم. قلت من ذلك الماء الذي يشرب منه؟ قال نعم».

أقول : اما الاستدلال بالأصل كما ذكروه فيجب الخروج عنه بالدليل وهو

__________________

(1 و 2) المروية في الوسائل في الباب 53 من الأطعمة المحرمة.

(3) المروية في الوسائل في الباب 14 من أبواب النجاسات.

(4) المروية في الوسائل في الباب 3 من أبواب الأسآر.


ما قدمناه من الآية والروايات.

واما الاستدلال بالآية فإن الظاهر من الأخبار المؤيدة بكلام جملة من أفاضل أهل اللغة هو تخصيص ذلك بالحنطة وغيرها من الحبوب اما حقيقة أو تغليبا بحيث غلب استعماله فيها. فأما الأخبار. فمنها ـ صحيحة هشام بن سالم عن الصادق (عليه‌السلام) (1) «في قول الله عزوجل (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ)؟ قال العدس والحمص وغير ذلك». أقول : قوله وغير ذلك يعني من الحبوب كما يدل عليه الخبر الآتي ، ومنها صحيحة قتيبة (2) قال : «سأل رجل أبا عبد الله (عليه‌السلام) فقال له الرجل : (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ؟) فقال كان ابي يقول انما هي الحبوب وأشباهها». وموثقة سماعة (3) وفيها «العدس وغير ذلك» ،. وموثقة أخرى له ايضا (4) قال : «سألته عن طعام أهل الذمة ما يحل منه؟ قال الحبوب». وفي رواية أبي الجارود عن الباقر (عليه‌السلام) (5) «الحبوب والبقول». وبذلك يعلم ان ما ذكره بعض أفاضل متأخري المتأخرين من الإشكال في حمل الطعام في الآية على الحبوب كما نقله في المعالم لا يلتفت اليه بعد ورود الأخبار بتفسير الآية بذلك كما سمعت ، مع اعتضادها بكلام جملة من أفاضل أهل اللغة ، فمن ذلك ما نقل عن صاحب مجمل اللغة انه قال بعض أهل اللغة ان الطعام البر خاصة ، وذكر حديث ابي سعيد (6) «كنا نخرج صدقة الفطرة على عهد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) صاعا من طعام أو صاعا من كذا.». وقال صاحب الصحاح ربما خص اسم الطعام بالبر. وقال في المغرب : الطعام اسم لما يؤكل وقد غلب على البر ومنه حديث ابى سعيد. ونقل ابن الأثير في النهاية عن الخليل ان الغالب في كلام العرب ان الطعام هو البر خاصة. وقال الفيومي في المصباح المنير : وإذا أطلق أهل الحجاز لفظ الطعام عنوا به البر خاصة ، وفي العرف الطعام اسم لما يؤكل مثل الشراب اسم لما يشرب.

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5) المروية في الوسائل في الباب 51 من الأطعمة المحرمة.

(6) تيسير الوصول ج 2 ص 130 «واللفظ كنا نخرج زكاة الفطرة.».


وقال في شمس العلوم بعد ان ذكر ان الطعام الزاد المأكول : وقال بعضهم الطعام البر خاصة واحتج بحديث ابي سعيد «كنا نخرج صدقة الفطرة على عهد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) صاعا من طعام أو صاعا من شعير.» انتهى. فهذه جملة من كلمات أهل اللغة متطابقة الدلالة على ما دلت عليه الأخبار المذكورة.

بقي الكلام هنا في الأخبار ومعارضتها بالأخبار المتقدمة ، والحق عندي هو الترجيح لاخبار النجاسة وذلك من وجوه :

(الأول) ـ اعتضادها بظاهر القرآن بالتقريب الذي قدمنا بيانه في معنى الآية وهي قوله سبحانه : «إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ...» وقد عرفت الجواب عما أوردوه على الاستدلال بالآية المذكورة ، وهذا أحد وجوه الترجيحات المروية عن أهل العصمة (عليهم‌السلام) في مقام تعارض الأخبار في الأحكام الشرعية.

(الثاني) ـ كون أخبار الطهارة موافقة لمذهب العامة بلا خلاف ولا اشكال كما صرح به جملة من الأصحاب حتى ان المرتضى ـ كما قدمنا ذكره ـ جعل القول بالنجاسة هنا من متفردات الإمامية ، ومما يشير إلى التقية قوله (عليه‌السلام) في حسنة الكاهلي المسوقة في جملة أدلة القول بالطهارة : «اما انا فلا ادعوه ولا أؤاكله واني لأكره ان أحرم عليكم شيئا تصنعونه في بلادكم» فان مرمى هذه العبارة ان ذلك حرام شرعا ولكنه يكره ان يأمرهم به لما يخاف عليهم من لحوق الضرر بهم في ذلك ، وإلا فلو كان حلالا شرعا فإنه لا معنى لاختصاص ذلك بهم (عليهم‌السلام) وهذا أيضا أحد وجوه الترجيحات المنصوصة من عرض الاخبار في مقام الاختلاف على مذهب العامة والأخذ بخلافهم.

(الثالث) ـ اعتضاد أخبار النجاسة باتفاق الأصحاب إلا الشاذ النادر الذي لا يعبأ بمخالفته ، قال في المعالم : ثم ان مصير جمهور الأصحاب (رضوان الله عليهم) الى القول بالتنجيس مقتض للاستيحاش في الذهاب الى خلافه بل قد ذكرنا ان جماعة


ادعوا الإجماع على عموم الحكم بالتنجيس لجميع الأصناف ، وكلام العلامة في المنتهى ظاهر فيه ، وكأنهم لم يعتبروا الخلاف المحكي في ذلك ، اما من جهة المفيد فلانه موافق في أحد قوليه ولعلهم اطلعوا على انه المتأخر ، واما ابن الجنيد فلأن المشهور عنه العمل بالقياس فلا التفات الى خلافه. انتهى. وقال في الذخيرة : والتحقيق انه لولا الشهرة العظيمة بين العلماء وادعاء جماعة منهم الإجماع على نجاسة أهل الكتاب لكان القول بالطهارة متجها لصراحة الأخبار الدالة على الطهارة على كثرتها في المطلوب وبعد حمل الكلام على التقية وقرب التأويل في اخبار النجاسة بحملها على الاستحباب والكراهة فإنه حمل قريب. انتهى. أقول : اما ما ذكره من التأييد بالشهرة العظيمة فجيد كما ذكرنا ومؤيد لما اخترناه. واما ما ذكره ـ من اتجاه القول بالطهارة لولا ما ذكره لبعد الحمل على التقية وقرب التأويل في اخبار النجاسة بحملها على الاستحباب والكراهة ـ فهو وان سبقه اليه السيد في المدارك إلا انه اجتهاد محض في مقابلة النصوص وجرأة تامة على أهل الخصوص ، لما عرفت من انهم (عليهم‌السلام) قد قرروا قواعد لاختلاف الاخبار ومهدوا ضوابط في هذا المضمار ومن جملتها العرض على مذهب العامة والأخذ بخلافه ، والعامة هنا كما عرفت متفقون على القول بالطهارة أو هو مذهب المعظم منهم (1) بحيث لا يعتد بخلاف غيرهم فيه ، والأخبار المذكورة مختلفة باعترافهم ، فعدولهم عما مهده أئمتهم الى ما أحدثوه بعقولهم واتخذوه قاعدة كلية في جميع أبواب الفقه بآرائهم من غير دليل عليه من سنة ولا كتاب جرأة واضحة لذوي الألباب ، وليت شعري لمن وضع الأئمة (عليهم‌السلام) هذه القواعد المستفيضة في غير خبر من أخبارهم إذا كانوا في جميع أبواب الفقه انما عكفوا في الجمع بين الأخبار في مقام الاختلاف على هذه القاعدة والغوا العرض على الكتاب العزيز والعرض على مذهب العامة كما عرفت هنا؟ وهل وضعت لغير هذه الشريعة أو ان المخاطب بها غير العلماء الشيعة؟ ما هذا إلا عجب

__________________

(1) راجع التعليقة 1 ص 146.


عجاب من هؤلاء الفضلاء الأطياب.

فرع

الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب في عموم النجاسة من الكافر لما تحله الحياة منه وما لا تحله الحياة إلا ما يأتي من كلام المرتضى (رضي‌الله‌عنه) في الفصل الثامن والتاسع من حكمه بطهارة ما لا تحله الحياة من نجس العين.

وظاهر صاحب المعالم المناقشة في هذا المقام والميل إلى الطهارة حيث قال : نص جمع من الأصحاب على عدم الفرق في نجاسة الكافر بين ما تحله الحياة وما لا تحله الحياة ، وظاهر كلام العلامة في المختلف عدم العلم بمخالف في ذلك سوى المرتضى فإنه حكم بطهارة ما لا تحله الحياة من نجس العين ، وقد مرت حكاية خلافه آنفا وبينا ان الحجة المحكية عنه في ذلك ضعيفة ، ولكن الدليل المذكور هناك للحكم بالتسوية بين جميع الاجزاء لا يأتي هنا لخلو الأخبار عن تعليق الحكم بالتنجيس على الاسم كما وقع هناك ، وقد نبهنا على ما في التمسك بالآيتين من الاشكال فلا يتم التعلق بهما في هذا الحكم ، حيث وقع التعليق فيهما بالاسم ، وحينئذ يكون حكم ما لا تحله الحياة من الكافر خاليا من الدليل ، فيتجه التمسك فيه بالأصل الى ان يثبت المخرج عنه. انتهى.

أقول : فيه (أولا) ـ ان الأخبار التي قدمناها دالة على نجاسة اليهود والنصارى قد علق الحكم فيها على عنوان اليهودي والنصراني الذي هو عبارة عن الشخص أو الرجل المنسوب الى هاتين الذمتين ، ولا ريب ان الشخص والرجل عبارة عن هذا المجموع الذي حصل به الشخص في الوجود الخارجي ، ولا ريب في صدق هذا العنوان على جميع اجزاء البدن وجملته كصدق الكلب على اجزائه ، ومتى ثبت الحكم بالعموم في أهل الكتاب ثبت في غيرهم ممن يوافق على نجاستهم بطريق اولى.

و (ثانيا) ـ انه قد روى الكليني في الحسن عن الوشاء عمن ذكره عن الصادق


(عليه‌السلام) (1) «انه كره سؤر ولد الزنا واليهودي والنصراني والمشرك وكل من خالف الإسلام. وكان أشد ذلك عنده سؤر الناصب». ولا اشكال ولا خلاف في ان المراد بالكراهة هنا التحريم والنجاسة ، وقد وقع ذلك معلقا على هذه العناوين المذكورة ومنها المشرك ومن خالف الإسلام. وكل من هذه العنوانات أوصاف لموصوفات محذوفة قد شاع التعبير بها عنها من لفظ الرجل أو الشخص أو الذات أو نحو ذلك ، ولا ريب في صدق هذه الموصوفات على جملة البدن وجميع اجزائه كصدق الكلب على جملته كما اعترف به فكما ان الكلب اسم لهذه الجملة فالرجل ايضا كذلك ونحوه الشخص.

و (ثالثا) ـ انا قد أوضحنا سابقا دلالة إحدى الآيتين المشار إليهما في كلامه على النجاسة في المقام وبينا ضعف ما أورد عليها من الإلزام وبه يتم المطلوب والمرام. والله العالم.

وتمام تحقيق القول في هذا الفصل يتوقف على رسم مسائل (الأولى) المشهور بين متأخري الأصحاب هو الحكم بإسلام المخالفين وطهارتهم ، وخصوا الكفر والنجاسة بالناصب كما أشرنا إليه في صدر الفصل وهو عندهم من أظهر عداوة أهل البيت (عليهم‌السلام) والمشهور في كلام أصحابنا المتقدمين هو الحكم بكفرهم ونصبهم ونجاستهم وهو المؤيد بالروايات الإمامية ، قال الشيخ ابن نوبخت (قدس‌سره) وهو من متقدمي أصحابنا في كتابه فص الياقوت : دافعو النص كفرة عند جمهور أصحابنا ومن أصحابنا من يفسقهم. إلخ. وقال العلامة في شرحه اما دافعو النص على أمير المؤمنين (عليه‌السلام) بالإمامة فقد ذهب أكثر أصحابنا إلى تكفيرهم لان النص معلوم بالتواتر من دين محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فيكون ضروريا اي معلوما من دينه ضرورة فجاحده يكون كافرا كمن يجحد وجوب الصلاة وصوم شهر رمضان. واختار ذلك في المنتهى فقال في كتاب الزكاة في بيان اشتراط وصف المستحق بالايمان ما صورته : لأن الإمامة

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 3 من الأسآر.


من أركان الدين وأصوله وقد علم ثبوتها من النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ضرورة والجاحد لها لا يكون مصدقا للرسول في جميع ما جاء به فيكون كافرا. انتهى. وقال المفيد في المقنعة : ولا يجوز لأحد من أهل الايمان ان يغسل مخالفا للحق في الولاية ولا يصلي عليه. ونحوه قال ابن البراج. وقال الشيخ في التهذيب بعد نقل عبارة المقنعة : الوجه فيه ان المخالف لأهل الحق كافر فيجب ان يكون حكمه حكم الكفار إلا ما خرج بالدليل. وقال ابن إدريس في السرائر بعد ان اختار مذهب المفيد في عدم جواز الصلاة على المخالف ما لفظه : وهو أظهر ويعضده القرآن وهو قوله تعالى : «وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً ..(1) يعني الكفار ، والمخالف لأهل الحق كافر بلا خلاف بيننا. ومذهب المرتضى في ذلك مشهور في كتب الأصحاب إلا انه لا يحضرني الآن شي‌ء من كلامه في الباب. وقال الفاضل المولى محمد صالح المازندراني في شرح أصول الكافي : ومن أنكرها ـ يعني الولاية ـ فهو كافر حيث أنكر أعظم ما جاء به الرسول وأصلا من أصوله. وقال الشريف القاضي نور الله في كتاب إحقاق الحق : من المعلوم ان الشهادتين بمجردهما غير كافيتين إلا مع الالتزام بجميع ما جاء به النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من أحوال المعاد والإمامة كما يدل عليه ما اشتهر من قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (2) «من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية». ولا شك ان المنكر لشي‌ء من ذلك ليس بمؤمن ولا مسلم لأن الغلاة والخوارج وان كانوا من فرق المسلمين نظرا إلى الإقرار بالشهادتين إلا انهما من الكافرين نظرا الى جحودهما ما علم من الدين وليكن منه بل من أعظم أصوله إمامة أمير المؤمنين (عليه‌السلام). وممن صرح بهذه المقالة أيضا

__________________

(1) سورة التوبة ، الآية 85.

(2) رواه الكليني في أصول الكافي ج 1 ص 376 الطبع الحديث بطرق متعددة عن الصادق (ع) عن رسول الله (ص) واللفظ في بعضها «من مات وليس عليه امام.». وفي آخر «من مات وليس له امام.». وفي ثالث «من مات لا يعرف امامه.».


الفاضل المولى المحقق أبو الحسن الشريف ابن الشيخ محمد طاهر المجاور بالنجف الأشرف حيا وميتا في شرحه على الكفاية حيث قال في جملة كلام في المقام في الاعتراض على صاحب الكتاب حيث انه من المبالغين في القول بإسلام المخالفين : وليت شعري أي فرق بين من كفر بالله تعالى ورسوله ومن كفر بالأئمة (عليهم‌السلام) مع ان كل ذلك من أصول الدين؟ الى ان قال : ولعل الشبهة عندهم زعمهم كون المخالف مسلما حقيقة وهو توهم فاسد مخالف للاخبار المتواترة ، والحق ما قاله علم الهدى من كونهم كفارا مخلدين في النار ، ثم نقل بعض الأخبار في ذلك وقال والاخبار في ذلك أكثر من ان تحصى وليس هنا موضع ذكرها وقد تعدت عن حد التواتر. وعندي ان كفر هؤلاء من أوضح الواضحات في مذهب أهل البيت (عليهم‌السلام) انتهى.

هذا ، والمفهوم من الأخبار المستفيضة هو كفر المخالف الغير المستضعف ونصبه ونجاسته ، وممن صرح بالنصب والنجاسة أيضا جمع من أصحابنا المتأخرين : منهم ـ شيخنا الشهيد الثاني في بحث السؤر من الروض حيث قال بعد ذكر المصنف نجاسة سؤر الكافر والناصب ما لفظه : والمراد به من نصب العداوة لأهل البيت (عليهم‌السلام) أو لأحدهم وأظهر البغضاء لهم صريحا أو لزوما ككراهة ذكرهم ونشر فضائلهم والاعراض عن مناقبهم من حيث انها مناقبهم والعداوة لمحبيهم بسبب محبتهم ، وروى الصدوق ابن بابويه عن عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه‌السلام) (1) قال : «ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت لأنك لا تجد أحدا يقول انا أبغض محمدا وآل محمد ولكن الناصب من نصب لكم وهو يعلم انكم تتولونا وانكم من شيعتنا». وفي بعض الأخبار (2) «ان كل من قدم الجبت والطاغوت فهو ناصب». واختاره بعض الأصحاب إذ لا عداوة أعظم من تقديم المنحط عن مراتب الكمال وتفضيل المنخرط في سلك الأغبياء والجهال

__________________

(1) عقاب الأعمال ص 4 وفي البحار عنه ج 3 من المجلد 15 ص 13.

(2) رواه في البحار عن مستطرفات السرائر ج 3 من المجلد 15 ص 14 وسيأتي ص 185.


على من تسنم أوج الجلال حتى شك في انه الله المتعال. انتهى. ونحوه في شرحه على الرسالة الألفية. وممن صرح بالنصب جماعة من متأخري المتأخرين : منهم ـ السيد نعمة الله الجزائري في كتاب الأنوار النعمانية حيث قال : واما الناصبي وأحواله وأحكامه فإنما يتم ببيان أمرين : (الأول) ـ في بيان معنى الناصب الذي وردت الروايات انه نجس وانه شر من اليهودي والنصراني والمجوسي وانه كافر بإجماع الإمامية ، والذي ذهب إليه أكثر الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان المراد به من نصب العداوة لآل محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وتظاهر ببغضهم كما هو الموجود في الخوارج وبعض ما وراء النهر ، ورتبوا الأحكام في باب الطهارة والنجاسة والكفر والايمان وجواز النكاح وعدمه على الناصبي بهذا المعنى ، وقد تفطن شيخنا الشهيد الثاني من الاطلاع على غرائب الأخبار فذهب الى ان الناصبي هو الذي نصب العداوة لشيعة أهل البيت (عليهم‌السلام) وتظاهر في القدح فيهم كما هو حال أكثر المخالفين لنا في هذه الأعصار في كل الأمصار. إلى آخر كلامه زيد في مقامه. وهو الحق المدلول عليه بأخبار العترة الاطهار كما ستأتيك ان شاء الله تعالى ساطعة الأنوار.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان من جملة من صرح بطهارة المخالفين ـ بل ربما كان هو الأصل في الخلاف في هذه المسألة في القول بإسلامهم وما يترتب عليه ـ المحقق في المعتبر حيث قال : أسآر المسلمين طاهرة وان اختلفت آراؤهم عدا الخوارج والغلاة ، وقال الشيخ في المبسوط بنجاسة المجبرة والمجسمة ، وصرح بعض المتأخرين بنجاسة من لم يعتقد الحق عدا المستضعف ، لنا ـ ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لم يكن يجتنب سؤر أحدهم وكان يشرب من المواضع التي تشرب منها عائشة وبعده لم يجتنب علي (عليه‌السلام) سؤر أحد من الصحابة مع مباينتهم له ، ولا يقال ان ذلك كان تقية لأنه لا يصار إليها إلا مع الدلالة ، وعنه (عليه‌السلام) (1) «انه سئل أيتوضأ من فضل جماعة المسلمين أحب إليك

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 8 من الماء المضاف.


أو يتوضأ من ركو أبيض مخمر؟ فقال بل من فضل وضوء جماعة المسلمين فإن أحب دينكم الى الله تعالى الحنيفية السمحة» ذكره أبو جعفر بن بابويه في كتابه. وعن العيص ابن القاسم عن الصادق (عليه‌السلام) (1) «ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يغتسل هو وعائشة من إناء واحد». ولأن النجاسة حكم مستفاد من الشرع فيقف على الدلالة ، اما الخوارج فيقدحون في علي (عليه‌السلام) وقد علم من الدين تحريم ذلك ، فهم بهذا الاعتبار داخلون في الكفر لخروجهم عن الإجماع وهم المعنيون بالنصاب. انتهى كلامه زيد مقامه وقال في الذخيرة بعد نقل ملخصه انه يمكن النظر في بعض تلك الوجوه لكنها بمجموعها توجب الظن القوى بالمطلوب.

أقول : وعندي فيه نظر من وجوه : (الأول) ـ انه لا يخفى انه انما المراد بالمخالف له في هذه المسألة الذي أشار إليه بقوله : «وصرح بعض المتأخرين» ابن إدريس ، ولا ريب ان مراد ابن إدريس بالحق الذي صرح بنجاسة من لم يعتقده انما هو الولاية كما سيأتيك بيانه ان شاء الله تعالى في الأخبار فإنها معيار الكفر والايمان في هذا المضمار ، ويؤيد ذلك استثناء المستضعف كما سيأتيك التصريح به في الأخبار ايضا ، ولا ريب ايضا ان الولاية إنما نزلت في آخر عمره (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في غدير خم والمخالفة فيها المستلزمة لكفر المخالف انما وقع بعد موته (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فلا يتوجه الإيراد بحديث عائشة والغسل معها من إناء واحد ومساورتها كما لا يخفى ، وذلك لأنها في حياته (صلى‌الله‌عليه‌وآله) على ظاهر الايمان وان ارتدت بعد موته كما ارتد ذلك الجم الغفير المجزوم بإيمانهم في حياته (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ومع تسليم كونها في حياته من المنافقين فالفرق ظاهر بين حالي وجوده (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وموته حيث ان جملة المنافقين كانوا في وقت حياته على ظاهر الإسلام منقادين لأوامره ونواهيه ولم يحدث منهم ما يوجب الارتداد ، واما بعد موته فحيث ابدوا تلك الضغائن البدرية وأظهروا

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 7 من الأسآر.


الأحقاد الجاهلية ونقضوا تلك البيعة الغديرية التي هي في ضرورتها أظهر من الشمس المضيئة فقد كشفوا ما كان مستورا من الداء الدفين وارتدوا جهارا غير منكرين ولا مستخفين كما استفاضت به أخبار الأئمة الطاهرين (عليهم‌السلام) فشتان ما بين الحالتين وما أبعد ما بين الوقتين ، فأي عاقل يزعم ان أولئك الكفرة اللئام قد بقوا على ظاهر الإسلام حتى يستدل بهم في هذا المقام والحال انه قد ورد عنهم عليهم الصلاة والسلام (1) «ثلاثة (لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ) تعالى (يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) : من ادعى امامة من الله ليست له ومن جحد اماما من الله ومن زعم ان لهما في الإسلام نصيبا»؟. نعوذ بالله من زلات الافهام وطغيان الأقلام.

(الثاني) ـ ان من العجب الذي يضحك الثكلى والبين البطلان الذي أظهر من كل شي‌ء وأجلي ان يحكم بنجاسة من أنكر ضروريا من سائر ضروريات الدين وان لم يعلم ان ذلك منه عن اعتقاد ويقين ولا يحكم بنجاسة من يسب أمير المؤمنين (عليه‌السلام) وأخرجه قهرا مقادا يساق بين جملة العالمين وأدار الحطب على بيته ليحرقه عليه وعلى من فيه وضرب الزهراء (عليها‌السلام) حتى أسقطها جنينها ولطمها حتى خرت لوجهها وجبينها وخرجت لوعتها وحنينها مضافا الى غصب الخلافة الذي هو أصل هذه المصائب وبيت هذه الفجائع والنوائب ، ما هذا إلا سهو زائد من هذا النحرير وغفلة واضحة عن هذا التحرير ، فيا سبحان الله كأنه لم يراجع الأخبار الواردة في المقام الدالة على ارتدادهم عن الإسلام واستحقاقهم القتل منه (عليه‌السلام) لولا الوحدة وعدم المساعد من أولئك الأنام ، وهل يجوز يا ذوي العقول والأحلام ان يستوجبوا القتل وهم طاهر والأجسام؟ ثم اي دليل دل على نجاسة ابن زياد ويزيد وكل من تابعهم في ذلك الفعل الشنيع الشديد؟ واي دليل دل على نجاسة بني أمية الأرجاس وكل من حذا حذوهم من كفرة بني العباس الذين قد ابادوا الذرية العلوية وجرعوهم كؤوس الغصص

__________________

(1) رواه في أصول الكافي ج 1 ص 373 الطبع الحديث.


والمنية؟ واي حديث صرح بنجاستهم حتى يصرح بنجاسة أئمتهم ، واي ناظر وسامع خفي عليه ما بلغ بهم من أئمة الضلال حتى لا يصار اليه الا مع الدلالة؟ ولعله (قدس‌سره) ايضا يمنع من نجاسة يزيد وأمثاله من خنازير بني أمية وكلاب بني العباس لعدم الدليل على كون التقية هي المانعة من اجتناب أولئك الأرجاس.

(الثالث) ـ ان ما استند اليه من الاستدلال بحديث أفضلية الوضوء من سؤر المسلمين لا يخلو من نوع مصادرة ، فان الحكم بإسلام المخالفين أول البحث والحاكم بالنجاسة إنما حكم بذلك لثبوت الكفر والنصب المستلزمين للنجاسة ، على انا لا نسلم ان المراد بالإسلام هنا المعنى الأعم كما استند اليه بل المراد انما هو المعنى المرادف للايمان كما فسره به بعض علمائنا الأعيان حيث قال : والوجه في التعليل كون الوضوء بفضل جماعة المسلمين أسهل حصولا ، الى ان قال مع ما فيه من التبرك بسؤر المؤمن وتحصيله الألفة بذلك.

(الرابع) ـ ان ما فسر به النواصب من انهم الخوارج خاصة مما يقضى منه العجب العجاب لخروجه عن مقتضى النصوص المستفيضة في الباب وعدم موافق له في ذلك لا قبله ولا بعده من الأصحاب.

وبالجملة فإن كلامه في هذا المقام لا اعرف له وجها وجيها من اخبارهم (عليهم‌السلام) بل هي في رده وبطلانه أظهر من البدر ليالي التمام.

هذا ، واما الأخبار الدالة على كفر المخالفين عدا المستضعفين فمنها ما رواه في الكافي (1) بسنده عن مولانا الباقر (عليه‌السلام) قال : «ان الله عزوجل نصب عليا (عليه‌السلام) علما بينه وبين خلقه فمن عرفه كان مؤمنا ومن أنكره كان كافرا ومن جهله كان ضالا.».

وروى فيه (2) عن أبي إبراهيم (عليه‌السلام) قال : «ان عليا (عليه‌السلام) باب من أبواب الجنة فمن دخل بابه كان مؤمنا ومن خرج من بابه كان كافرا ومن لم يدخل

__________________

(1) الأصول ج 1 ص 437 الطبع الحديث.

(2) الأصول ج 2 ص 389.


فيه ولم يخرج منه كان في الطبقة الذين لله عزوجل فيهم المشيئة».

وروى فيه (1) عن الصادق (عليه‌السلام) قال : «. من عرفنا كان مؤمنا ومن أنكرنا كان كافرا ومن لم يعرفنا ولم ينكرنا كان ضالا حتى يرجع الى الهدي الذي افترضه الله عليه من طاعتنا الواجبة فان مات على ضلالته يفعل الله به ما يشاء».

وروى الصدوق في عقاب الأعمال (2) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) «ان الله تعالى جعل عليا (عليه‌السلام) علما بينه وبين خلقه ليس بينهم وبينه علم غيره فمن تبعه كان مؤمنا ومن جحده كان كافرا ومن شك فيه كان مشركا».

ورواه البرقي في المحاسن مثله (3). وروى فيه ايضا عن الصادق (عليه‌السلام) (4) قال : «ان عليا (عليه‌السلام) باب هدى من عرفه كان مؤمنا ومن خالفه كان كافرا ومن أنكره دخل النار».

وروى في العلل بسنده الى الباقر (عليه‌السلام) قال : «ان العلم الذي وضعه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عند علي (عليه‌السلام) من عرفه كان مؤمنا ومن جحده كان كافرا».

وروى في كتاب التوحيد وكتاب إكمال الدين وإتمام النعمة عن الصادق (عليه‌السلام) (5) قال : «الامام علم بين الله عزوجل وبين خلقه من عرفه كان مؤمنا ومن أنكره كان كافرا».

وروى في الأمالي بسنده فيه عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (6) انه قال لحذيفة اليماني «يا حذيفة ان حجة الله عليكم بعدي علي بن ابي طالب (عليه‌السلام) الكفر

__________________

(1) الأصول ج 1 ص 187 الطبع الحديث.

(2) ص 5.

(3) ص 89.

(4) المحاسن ص 89 واللفظ : «علي باب الهدى من خالفه كان كافرا ومن أنكره دخل النار».

(5) رواه في البحار ج 7 ص 27.

(6) رواه في البحار عنه ج 9 ص 283.


به كفر بالله سبحانه والشرك به شرك بالله سبحانه والشك فيه شك في الله سبحانه والإلحاد فيه إلحاد في الله سبحانه والإنكار له إنكار لله تعالى والايمان به ايمان بالله تعالى لأنه أخو رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ووصيه وامام أمته ومولاهم. وهو حبل الله المتين وعروته الوثقى التي لَا انْفِصامَ لَها ... الحديث».

وروى في الكافي (1) بسنده الى الصحاف قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن قوله تعالى : «فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ» (2) فقال عرف الله تعالى ايمانهم بموالاتنا وكفرهم بها يوم أخذ عليهم الميثاق وهم ذر في صلب آدم».

وروى فيه (3) بسنده عن الصادق (عليه‌السلام) قال : «أهل الشام شر من أهل الروم وأهل المدينة شر من أهل مكة وأهل مكة يكفرون بالله تعالى جهرة».

وروى فيه بسنده عن أحدهما (عليهما‌السلام) (4) «ان أهل مكة ليكفرون بالله جهرة وأهل المدينة أخبث من أهل مكة ، أخبث منهم سبعين ضعفا».

وروى فيه (5) عن ابي مسروق قال : «سألني أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن أهل البصرة ما هم؟ فقلت مرجئة وقدرية وحرورية. قال لعن الله تعالى تلك الملل الكافرة المشركة التي لا تعبد الله على شي‌ء». الى غير ذلك من الأخبار التي يضيق عن نشرها المقام ومن أحب الوقوف عليها فليرجع إلى الكافي ولا سيما في تفسير الكفر في جملة من الآيات القرآنية.

وأنت خبير بان التعبير عن المخالفة في الإمامة في جملة من هذه الاخبار بالإنكار في بعض والجحود في بعض دلالة واضحة على كفر هؤلاء المخالفين من قبيل كفر الجحود والإنكار الموجب لخروجهم عن جادة الإسلام بكليته واجراء حكم الكفر عليهم برمته

__________________

(1) الأصول ج 1 ص 426 الطبع الحديث.

(2) سورة التغابن ، الآية 2.

(3 و 5) الأصول ج 2 ص 409 الطبع الحديث.

(4) الأصول ج 2 ص 410 الطبع الحديث.


وان مخالفتهم في ذلك انما وقع عنادا واستكبارا لقيام الأدلة عليهم في ذلك وسطوع البراهين فيما هنالك لديهم ، لان الجحود والإنكار إنما يطلقان في مقام المخالفة بعد ظهور البرهان كما صرح به علماء اللغة الذين إليهم المرجع في هذا الشأن. وبذلك يظهر ما في جواب شيخنا المحدث الصالح الشيخ عبد الله بن صالح البحراني حيث انه ممن تبع المشهور بين المتأخرين في الحكم بإسلام المخالفين ، فإنه أجاب عن إطلاق الكفر عليهم في الاخبار بالحمل على الكفر الحقيقي وان كانوا مسلمين ظاهرا فهم مسلمون ظاهرا فتجري عليهم أحكام الإسلام من الطهارة وجواز المناكحة وحقن المال والدم والموارثة ونحو ذلك وكفار حقيقة وواقعا فيخلدون في النار يوم القيامة ، ثم احتمل حمل كفرهم على أحد معاني الكفر وهو كفر الترك فكفرهم بمعنى ترك ما أمر الله تعالى به كما ورد «ان تارك الصلاة كافر» (1). و «تارك الزكاة كافر» (2). و «تارك الحج كافر» (3). و «مرتكب الكبائر كافر» (4). وفيه ان ما ذكره من الكفر بالمعنى الأول من انهم مسلمون ظاهرا وكفار حقيقة بمعنى اجتماع الكفر والإسلام بهذين المعنيين لم يقم عليه دليل في غير المنافقين في وقته (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وإنكاره بمجرد دعوى الإسلام لأولئك المخالفين أول البحث ، ومن المعلوم ان المتبادر من إطلاق الكفر حيث يذكر انما هو ما يكون مباينا للإسلام ومضادا له في الأحكام إذ هو المعنى الحقيقي للفظ ، وهكذا كل لفظ أطلق فإنما يحمل على معناه الحقيقي إلا ان يصرف عنه صارف ولا صارف هنا إلا مجرد هذه الدعوى وهي ممنوعة بل هي أول البحث لعدم الدليل عليها بل قيام الأدلة المتعاضدة في دفعها وبطلانها كما أوضحناه في كتاب الشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب وما يترتب

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 11 من أعداد الفرائض ونوافلها.

(2) رواه في الوسائل في الباب 4 من ما يجب فيه الزكاة.

(3) رواه في الوسائل في الباب 7 من أبواب وجوب الحج.

(4) رواه في الوسائل في الباب 2 من مقدمة العبادات.


عليه من المطالب. واما ما ذكره من الحمل على ترك ما أمر الله تعالى فإنه لا يخفى على من تأمل الأخبار التي أوردناها ان الكفر المنسوب إلى هؤلاء انما هو من حيث الإمامة وتركها وعدم القول بالإمامة. ولا يخفى ان الترك لشي‌ء من ضروريات الدين ان كان انما هو ترك استخفاف وتهاون فصاحبه لا يخرج عن الايمان كترك الصلاة والزكاة ونحوهما وان أطلق عليه الكفر في الاخبار كما ذكره تغليظا في المنع من ذلك ، وان كان عن جحود وإنكار فلا خلاف في كفر التارك كفرا حقيقيا دنيا وآخرة ولا يجوز إطلاق اسم الإسلام عليه بالكلية كمن ترك الصلاة ونحوها كذلك ، والأخبار المتقدمة كما عرفت قد صرحت بكون كفر هؤلاء انما هو من حيث جحود الإمامة وإنكارها لا ان ذلك استخفاف وتهاون مع اعتقاد ثبوتها وحقيتها كالصلاة ونحوها فإنه لا معنى له بالنسبة إلى الإمامة كما لا يخفى ، وحينئذ فليختر هذا القائل اما ان يقول بكون الترك هنا ترك جحود وإنكار فيسقط البحث ويتم ما ادعيناه واما ان يقول ترك استخفاف وتهاون فمع الإغماض عن كونه لا معنى له فالواجب عليه القول بإيمان المخالفين لان الترك كذلك لا يوجب الخروج عن الايمان كما عرفت ولا أراه يلتزمه.

واما ما يدل على نصبهم فمنه ما تقدم نقله في كلام شيخنا الشهيد الثاني من حديث عبد الله بن سنان (1) ونحوه ايضا ما رواه الصدوق في معاني الأخبار (2) بسند معتبر عن معلى بن خنيس قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت لأنك لا تجد أحدا يقول انا أبغض آل محمد ولكن الناصب من نصب لكم وهو يعلم انكم تتولونا وتتبرؤون من أعدائنا». وروى ابن إدريس في مستطرفات السرائر مما استطرفه من كتاب مسائل الرجال ومكاتباتهم لمولانا ابي الحسن علي بن محمد الهادي (عليه‌السلام) في جملة مسائل محمد بن علي بن عيسى (3) قال : «كتبت اليه

__________________

(1) ص 177.

(2) ص 104.

(3) رواه عنه في البحار ج 3 من المجلد 15 ص 14 وفي الوافي ج 2 ص 56.


اسأله عن الناصب هل احتاج في امتحانه الى أكثر من تقديمه الجبت والطاغوت واعتقاده بإمامتهما؟ فرجع الجواب : من كان على هذا فهو ناصب».

والمستفاد من هذه الأخبار ان مظهر النصب المترتب عليه الأحكام والدليل عليه اما تقديم الجبت والطاغوت أو بغض الشيعة من حيث التشيع فكل من اتصف بذلك فهو ناصب تجري عليه أحكام النصب ، نعم يجب ان يستثني من خبر تقديم الجبت والطاغوت المستضعف كما عرفت من الاخبار المتقدمة وغيرها ايضا فيختص الحكم بما عداه ، وعموم ذلك لجميع المخالفين بعد إخراج هذا الفرد مما لا يعتريه الريب والشك بالنظر الى الاخبار المذكورة كما عليه أكثر أصحابنا المتقدمين الحاكمين بالكفر وكثير من متأخري المتأخرين كما قدمنا نقل كلام بعضهم.

واما ما أجاب به الشيخ المحدث الصالح المتقدم ذكره ـ من ان الناصب يطلق على معان : (أحدها) ـ من نصب العداوة لأهل البيت (عليهم‌السلام) وعلى هذا يحمل ما ورد من حل مال الناصب ونحوه. و (ثانيها) ـ من قدم الجبت والطاغوت كما تضمنه خبر السرائر. و (ثالثها) ـ من نصب للشيعة ـ فهو ناشى‌ء من ضيق الخناق وانا لم نجد لهذا المعنى الأول دليلا ولم نجد لهم دليلا على هذا التقسيم سوى دعواهم إسلام المخالفين فأرادوا الجمع بين الحكم بإسلامهم وبين هذه الاخبار بحمل النصب على ما ذكروه في المعنى الأول وهو أول البحث في المسألة فإن الخصم يمنع إسلامهم ويقول بكفرهم.

وبالجملة فإنه لا خلاف بيننا وبينهم في ان الناصب هو العدو لأهل البيت والنصب لغة هو العداوة وشرعا بل لغة ايضا على ما يفهم من القاموس هو العداوة لأهل البيت (عليهم‌السلام) انما الخلاف في ان هؤلاء المخالفين هل يدخلون تحت هذا العنوان أم لا؟ فنحن ندعى دخولهم تحته وصدقه عليهم وهم يمنعون ذلك ، ودليلنا على ما ذكرنا الأخبار المذكورة الدالة على ان الأمر الذي يعرف به النصب ويوجب الحكم به على من اتصف به هو تقديم الجبت والطاغوت أو بغض الشيعة ولا ريب في صدق ذلك على


هؤلاء المخالفين ، وليس هنا خبر يدل على تفسير الناصب بأنه المبغض لأهل البيت (عليهم‌السلام) كما يدعونه بل الخبران المتقدمان صريحان في انك لا تجد أحدا يقول ذلك. وبالجملة فإنه لا دليل لهم ولا مستند أزيد من وقوعهم في ورطة القول بإسلامهم فتكلفوا هذه التكلفات الشاردة والتأويلات الباردة ، على انا قد حققنا في الشهاب الثاقب بالأخبار الكثيرة بغض المخالفين المقدمين للجبت والطاغوت غير المستضعفين لأهل البيت (عليهم‌السلام) واليه يشير كلام شيخنا الشهيد الثاني المتقدم نقله من الروض.

ومن أظهر ما يدل على ما ذكرناه ما رواه جملة من المشايخ عن الصادق (عليه‌السلام) قال : «الناصبي شر من اليهودي. فقيل له وكيف ذلك يا ابن رسول الله؟ قال ان الناصبي يمنع لطف الإمامة وهو عام واليهودي لطف النبوة وهو خاص». فإنه لا ريب ان المراد بالناصبي هنا مطلق من أنكر الإمامة كما ينادي به قوله «يمنع لطف الإمامة» وقد جعله (عليه‌السلام) شرا من اليهودي الذي هو من جملة فرق الكفر الحقيقي بلا خلاف. ومن أراد الإحاطة بأطراف الكلام والوقوف على صحة ما ادعيناه من اخبار أهل البيت (عليهم‌السلام) فليرجع الى كتابنا المشار اليه آنفا فإنه قد أحاط بأطراف المقال ونقل الأقوال والأدلة الواردة في هذا المجال.

واما ما يدل على نجاسة الناصب الذي قد عرفت انه عبارة عن المخالف مطلقا إلا المستضعف منه فمنه ـ ما رواه في الكافي بسنده عن عبد الله بن ابي يعفور عن الصادق (عليه‌السلام) (1) قال : «لا تغتسل من البئر التي تجتمع فيها غسالة الحمام فان فيها غسالة ولد الزنا وهو لا يطهر إلى سبعة آباء وفيها غسالة الناصب وهو شرهما ، ان الله لم يخلق خلقا شرا من الكلب وان الناصب أهون على الله تعالى من الكلب». وما رواه فيه ايضا عن خالد القلانسي (2) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) ألقى الذمي

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 11 من الماء المضاف.

(2) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب النجاسات.


فيصافحني؟ قال امسحها بالتراب أو بالحائط. قلت فالناصب؟ قال اغسلها». وعن الوشاء عن من ذكره عن الصادق (عليه‌السلام) (1) «انه كره سؤر ولد الزنا وسؤر اليهودي والنصراني والمشرك وكل من خالف الإسلام ، وكان أشد ذلك عنده سؤر الناصب». ورواية علي ابن الحكم عن رجل عنه (عليه‌السلام) (2) وفيها «لا تغتسل من ماء غسالة الحمام فإنه يغتسل فيه من الزنا ويغتسل فيه ولد الزنا والناصب لنا أهل البيت وهو شرهم». وما رواه الصدوق في العلل في الموثق عن عبد الله ابن ابي يعفور عن الصادق (عليه‌السلام) (3) في حديث قال فيه بعد ان ذكر اليهودي والنصراني والمجوسي قال : «والناصب لنا أهل البيت وهو شرهم ، ان الله لم يخلق خلقا أنجس من الكلب وان الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه». ولجملة من أصحابنا في هذا المقام ـ حيث نقلوا عن ابن إدريس القول بنجاسة من لم يعتقد الحق عدا المستضعف وعن المرتضى (رضي‌الله‌عنه) القول بنجاسة غير المؤمن وزيفوا لهما حججا واهية ـ كلام واه في الجواب عن ذلك لا يستحق النظر اليه كما لا يخفى على من تأمل فيما ذكرناه وتدبر ما سطرناه فإنه هو الحجة في المقام لا ما زيفه أولئك الأعلام

فرعان

(الأول) ـ لا يخفى انه على تقدير القول بالنجاسة كما اخترناه فلو ألجأت ضرورة التقية إلى المخالطة جازت المباشرة دفعا للضرر كما أوجبته شرعية التقية في غير مقام من الأحكام إلا انه يتقدر بقدر الضرورة فيتحرى المندوحة مهما أمكن. بقي الكلام في انه لو زالت التقية بعد المخالطة والمباشرة بالبدن والثياب فهل يجب تطهيرها أم لا؟ إشكال ينشأ من حيث الحكم بالنجاسة وانما سوغنا مباشرتها للتقية وحيث زالت التقية فحكم النجاسة باق على حاله فيجب إزالتها إذ لا مانع من ذلك ، ومن حيث

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 3 من الأسآر.

(2 و 3) المروية في الوسائل في الباب 11 من الماء المضاف.


تسويغ الشارع المباشرة وتجويزه لها أولا فما اتى به من ذلك أمر جائز شرعا وهو حكم الله تعالى في حقه في تلك الحال وعود الحكم بالنجاسة على وجه يوجب التطهير بعد ذلك يحتاج الى دليل ، وبالجملة فالمسألة لا تخلو عندي من نوع توقف لعدم الدليل الظاهر في البين والاحتياط فيها ظاهر. والله العالم.

(الثاني) ـ ينبغي ان يعلم ان جميع من خرج عن الفرقة الاثني عشرية من افراد الشيعة كالزيدية والواقفية والفطحية ونحوها فان الظاهر ان حكمهم كحكم النواصب فيما ذكرنا لان من أنكر واحدا منهم (عليهم‌السلام) كان كمن أنكر الجميع كما وردت به اخبارهم ، ومما ورد من الأخبار الدالة على ما ذكرنا ما رواه الثقة الجليل أبو عمرو الكشي في كتاب الرجال بإسناده عن ابن ابي عمير عن من حدثه (1) قال : «سألت محمد بن علي الرضا (عليه‌السلام) عن هذه الآية «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ عامِلَةٌ ناصِبَةٌ» (2) قال وردت في النصاب ، والزيدية والواقفية من النصاب». وما رواه فيه بسنده الى عمر بن يزيد (3) قال : «دخلت على ابي عبد الله (عليه‌السلام) فحدثني مليا في فضائل الشيعة ثم قال ان من الشيعة بعدنا من هم شر من النصاب. فقلت جعلت فداك أليس ينتحلون مودتكم ويتبرأون من عدوكم؟ قال نعم. قلت جعلت فداك بين لنا لنعرفهم فلعلنا منهم. قال كلا يا عمر ما أنت منهم انما هم قوم يفتنون بزيد ويفتنون بموسى». وما رواه فيه ايضا (4) قال : «ان الزيدية والواقفية والنصاب بمنزلة واحدة». وروى القطب الراوندي في كتاب الخرائج والجرائح عن احمد بن محمد بن مطهر (5) قال : «كتب بعض أصحابنا الى ابي محمد (عليه‌السلام) من أهل الجبل يسأله عن من وقف على ابى الحسن موسى (عليه‌السلام) أتولاهم أم أتبرّأ منهم؟ فكتب لا تترحم على عمك لا رحم الله عمك وتبرأ منه ، انا الى الله بري‌ء منهم فلا تتولهم ولا تعد مرضاهم ولا تشهد جنائزهم (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً) سواء ، من جحد اماما من الله تعالى أو زاد اماما ليست إمامته من الله

__________________

(1 و 4) ص 149.

(2) سورة الغاشية الآية 2 و 3.

(3) ص 286.

(5) كشف الغمة ص 309.


أو قال ثالث ثلاثة ، ان الجاحد أمر آخرنا جاحد أمر أولنا والزائد فينا كالناقص الجاحد أمرنا». وكأن هذا السائل لم يعلم ان عمه كان منهم فأعلمه بذلك. وهي ـ كما ترى ـ ظاهرة في المراد عارية عن وصمة الإيراد ، ولهذا نقل شيخنا البهائي (قدس‌سره) في مشرق الشمسين ان متقدمي أصحابنا كانوا يسمون تلك الفرق بالكلاب الممطورة أي الكلاب التي أصابها المطر مبالغة في نجاستهم والبعد عنهم. والله العالم.

(المسألة الثانية) ـ المشهور بين الأصحاب سيما المتأخرين القول بطهارة ولد الزنا والحكم بإسلامه ودخول الجنة ، وعن ابن إدريس القول بكفره ونجاسته ، ونقل العلامة في المختلف القول بالكفر عن المرتضى وابن إدريس ، ونقل جملة منهم عن الصدوق ايضا القول بالنجاسة والكفر ، قال في المختلف في باب السؤر : قال الشيخ أبو جعفر بن بابويه لا يجوز الوضوء بسؤر اليهودي والنصراني وولد الزنا والمشرك وجعل ولد الزنا كالكافر ، وهو المنقول عن المرتضى وابن إدريس ، وباقي علمائنا حكموا بإسلامه ، وهو الحق وسيأتي بيان ذلك. وقال المحقق في المعتبر وربما تعلل المانع ـ يعني من سؤر ولد الزنا ـ بأنه كافر ونحن نمنع ذلك ونطالبه بدليل دعواه ، ولو ادعى الإجماع كما ادعاه بعض الأصحاب كانت المطالبة باقية فإنا لا نعلم ما ادعاه. قال في المعالم بعد نقل الأقوال المذكورة : إذا عرفت ذلك فاعلم ان المعتمد عندي هو القول بالطهارة لكونها مقتضى الأصل والمخرج عنه غير معلوم. وقال في الذخيرة : ويدل على الطهارة الأصل وكونه محكوما عليه بالإسلام ظاهرا وان سؤره طاهر لما أشرنا إليه من العمومات فيلزم العموم لعدم القائل بالفصل. انتهى.

واحتج في المنتهى للقول بكفره بمرسلة الوشاء المتقدمة (1) قال : ووجهه انه لا يريد بلفظ «كره» المعنى الظاهر له وهو النهي عن الشي‌ء نهى تنزيه لقوله «واليهودي» فان الكراهة فيه تدل على التحريم فلم يبق المراد إلا كراهة التحريم ،

__________________

(1) ص 188.


ولا يجوز ان يرادا معا وإلا لزم استعمال المشترك في كلا معنييه أو استعمال اللفظ في معنيين الحقيقة والمجاز وذلك باطل ، ثم انه أجاب عن الاحتجاج بالمنع من الحديث فإنه مرسل ، سلمنا لكن قول الراوي «كره» ليس إشارة إلى النهي بل الكراهة التي في مقابلة الإرادة وقد تطلق على ما هو أعم من المحرم والمكروه ، سلمنا لكن الكراهة قد تطلق على النهي المطلق فيحمل عليه. انتهى.

وقال شيخنا أبو الحسن الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني في بعض تحقيقاته وقد سأل عن ولد الزنا : هل يحتمل ان يدخل الجنة مع إمكان ان يكون مؤمنا متشرعا؟ فأجاب (قدس‌سره) بما ملخصه ان جواز ايمانه وإمكان تدينه عقلا مما لا خلاف فيه كيف ولو لم يكن كذلك لزم التكليف بالمحال وهو باطل عقلا ونقلا ، وانما الخلاف في الوقوع هل يقع منه الايمان والتدين أم يقطع بعدم وقوع ذلك؟ والمنقول عن رئيس المحدثين ابي جعفر محمد بن علي بن بابويه والمرتضى علم الهدى وابي عبد الله ابن إدريس الحلي روح الله أرواحهم وقدس أشباحهم هو الثاني وهو انه لا يكون إلا كافرا بمعنى انه لا يختار إلا الكفر. وهم لا ينكرون انه لو فرض ايمانه وتدينه أمكن دخول الجنة بل وجب وان كان عندهم ان هذا الفرض غير واقع لانه لا بد وان يختار من قبل نفسه الكفر ، وفي ظواهر الاخبار ما يشهد بهذا القول مثل قوله (عليه‌السلام) (1) «ولد الزنا شر الثلاثة». ومثل قوله (عليه‌السلام) (2) «لا يبغضك يا علي إلا ولد الزنا». ثم نقل خبرا عن الكافي (3) يتضمن قوله : «ان الله حرم الجنة على كل فحاش بذي قليل الحياء لا يبالي بما قال ولا ما قيل له فإنك إن فتشته لم تجده إلا لغية أو شرك شيطان. فقيل يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وفي الناس شرك شيطان؟ فقال اما تقرأ قول الله عزوجل :

__________________

(1) البحار ج 8 ص 212 وسفينة البحار ج 1 ص 560.

(2) سفينة البحار ج 1 ص 560 و 561.

(3) الأصول ج 2 ص 323 الطبع الحديث.


(وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ)» (1). قال فان ظاهره تحريم الجنة على الصنف المذكور تحريما مؤبدا ، الى ان قال : ولا يخفى انه يمكن حمل الخبر علي تحريم الجنة عليهم زمانا طويلا أو تحريم جنة خاصة معدة لغير هذا الصنف كما احتمله شيخنا البهائي في شرح الأربعين ، ثم ذكر جملة من الأخبار الدالة على كون حب علي (عليه‌السلام) علامة على طيب الولادة وبغضه علامة على الزنا ، إلى ان قال وبالجملة الأخبار المشعرة بهذا المعنى كثيرة إلا أنها قابلة للتأويل غير خالية عن قصور في سند أو دلالة والقائل بمضمونها قليل نادر ، وأكثر أصحابنا على إسلامه وطهارته وإمكان تدينه وعدالته وصحة دخوله الجنة ، وانا في هذه المسألة متوقف وان كان القول الثاني لا يخلو من قوة ومتانة. وهو فتوى الشيخين والفاضلين والشهيدين وكافة المتأخرين ، ويعضده الأصل والنظر الى عموم سعة رحمة الله تعالى وتفضله بالألطاف الربانية والعنايات السبحانية على كافة البرية. انتهى ملخصا.

أقول : ونحن نبسط الكلام في الإيراد على كلام شيخنا المذكور ونبين ما فيه من القصور وبه يتضح ايضا ما في القول المشهور ، فنقول : لا يخفى ان شيخنا قد دخل في هذه المسألة من غير الطريق وعرج على الاستدلال فيها من واد سحيق ولم يمعن النظر فيها بعين التحقيق ولا الفكر الصائب الدقيق ولم يورد شيئا من أخبارها اللائقة بها حسبما يراد فلذا صار كلامه معرضا للإيراد ، وبيان ذلك يظهر من وجوه النظر التي تتوجه على كلامه الظاهرة في تداعي ما بنى عليه وانهدامه.

فأحدها ـ جعله محل الخلاف في المسألة انه هل يقع من ابن الزنا الايمان والتدين أم يقطع بعدمه؟ وحمله القول بكفره على معنى انه لا يقع منه إلا الكفر وإلا فإنهم لا ينكرون انه لو فرض ايمانه وتدينه أمكن دخوله الجنة بل وجب. فإنه ليس في محله بل هؤلاء القائلون بكفره يقولون به وان أظهر الايمان وتدين به كما هو ظاهر النقل عنهم ، وبه صرح جملة من أصحابنا : منهم ـ شيخنا خاتمة المحدثين غواص بحار الأنوار

__________________

(1) سورة بني إسرائيل ، الآية 64.


حيث قال فيه : ونسب الى الصدوق والمرتضى وابن إدريس (قدس الله أسرارهم) القول بكفره وان لم يظهره ، ثم قال : وهذا مخالف لأصول العدل إذ لم يفعل باختياره ما يستحق به العقاب فيكون عقابه ظلما وجورا وليس بظلام للعبيد. انتهى. أقول : وهذا الذي نقله عن المشايخ الثلاثة هو الذي تدل عليه الأخبار وهي التي أوجبت مصيرهم اليه كما ستمر بك ان شاء الله تعالى فإنها صريحة في حرمانه الجنة وان أظهر التدين والايمان ، نعم ما ذكره من القول بالكفر انما هو وجه تأويل حيث حمل القائلون بإسلام ولد الزنا الأخبار الدالة على عدم دخوله الجنة على انه لكونه يظهر الكفر فجعلوه جوابا عن الاخبار المذكورة مع انها صريحة في رده ايضا كما سيظهر لك لا ان ذلك مذهب القائلين بكفره.

وثانيها ـ ما نقله من الأدلة للقائلين بالكفر وقوله في آخر الكلام : وبالجملة فالأخبار المشعرة بهذا المعنى كثيرة إلا أنها قابلة للتأويل. فإنه مسلم بالنسبة إلى إخباره التي أوردها لكنها ليست هي أدلة هذا القول كما توهمه بل أدلته ما سنذكره من الروايات الصحيحة الصريحة المستفيضة الغير القابلة للتأويل ، والعجب منه (قدس‌سره) مع سعة دائرته في الاطلاع وكونه ممن لا يجارى في سعة الباع كيف غفل عن الوقوف عليها مع كثرتها وانتشارها وتكررها واشتهارها حتى اعتمد في الاستدلال على هذه الاخبار البعيدة عن المقام بمراحل لا تنطبق عليه إلا بمزيد تكلف كما لا يخفى على الخبير الكامل.

وثالثها ـ ما ذكره من قوله : ان أكثر أصحابنا على إسلامه وطهارته وإمكان تدينه وعدالته وصحة دخوله الجنة ، وميله الى هذا القول بعد توقفه وقوله انه لا يخلو من من قوة ومتانة ، ومن الكلام على هذا الوجه يظهر لك ما في القول المشهور ايضا من القصور فان فيه ان ما صاروا اليه هنا في هذه المواضع مخالف لجملة الأخبار الواردة عن العترة الطاهرة في جملة من موارد الأحكام :


فمنها ـ دعوى الطهارة مع ان ظواهر الأخبار تدل على النجاسة ، ومنها ـ ما تقدم في آخر المسألة المتقدمة وهي رواية عبد الله بن ابي يعفور (1) الدالة على النهي عن الاغتسال من البئر الذي يجتمع فيه غسالة الحمام فان فيه غسالة ولد الزنا مع اشتمالها على المبالغة في نجاسته بأنه لا يطهر إلى سبعة آباء ، ومرسلة الوشاء (2) وان تمحل في المنتهى لتأويلها بما قدمنا ذكره إلا انه انما يصار اليه مع تسليم صحته مع وجود المعارض ، ورواية حمزة بن احمد عن ابي الحسن الأول (عليه‌السلام) (3) في حديث قال فيه : «ولا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها ماء الحمام فإنه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب وولد الزنا والناصب لنا أهل البيت وهو شرهم». وليس في الأخبار ما يعارض هذه الاخبار سوى مجرد دعواهم الإسلام وسيظهر لك ما فيه في المقام ، ورواية علي بن الحكم ، فهذه جملة من الأخبار ظاهرة في نجاسته مع تأيدها بما يأتي من الأخبار في تلك الأحكام.

ومنها ـ دعوى العدالة ولا يخفى ان المواضع التي يشترط فيها العدالة هي الإمامة في الصلاة وقد اتفقت كلمة الأصحاب والاخبار على اشتراط طهارة المولد فيها وانها لا تنعقد بابن الزنا وان تدين بالإسلام وكان منه في أعلى مقام ، والشهادة وقد استفاضت الأخبار بأنه لا تقبل شهادته ، والقضاء وقد اتفقت كلمة الأصحاب على انه لا يجوز له تولي القضاء ، وحينئذ فأي ثمرة لهذه العدالة التي ادعاها في المقام؟ والاخبار الواردة في هذه المواضع التي أشرنا إليها معلومة لمن وقف على الأخبار ومن لم يقف فليراجع ، فلا ضرورة إلى التطويل بنقلها وكذا نقل كلام الأصحاب في هذه الأبواب.

ومما يؤيد الحكم بكفره ما ورد في ديته وانها كدية اليهود والنصارى ثمانمائة درهم كما ورد في رواية عبد الرحمن بن عبد الحميد (4) ومرسلة جعفر بن بشير (5) ورواية إبراهيم بن عبد الحميد (6) وفي رواية عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه‌السلام) (7)

__________________

(1 و 2) ص 187 و 188.

(3) المروية في الوسائل في الباب 11 من الماء المضاف.

(4 و 5 و 6 و 7) المروية في الوسائل في الباب 15 من ديات النفس.


قال : «سألته كم دية ولد الزنا؟ قال يعطى الذي أنفق عليه ما أنفق عليه». وقد حكم بمضمون هذه الاخبار الصدوق والمرتضى وابن إدريس بناء على مذهبهم في المسألة ، والمشهور بناء على الحكم بإسلامه ان ديته دية المسلم مع انه لا معارض لهذه الاخبار في المقام.

ومنها ـ دعوى دخول الجنة فإن الأخبار مستفيضة بردها ، ومنها ما رواه الصدوق في العلل بسنده عن سعد بن عمر الجلاب (1) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) ان الله عزوجل خلق الجنة طاهرة مطهرة فلا يدخلها إلا من طابت ولادته ، وقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) طوبى لمن كانت امه عفيفة». وروى في الكتاب المذكور (2) بسنده فيه الى محمد بن سليمان الديلمي عن أبيه رفع الحديث الى الصادق (عليه‌السلام) قال : «يقول ولد الزنا يا رب فما ذنبي؟ فما كان لي في امري صنع ، قال فيناديه مناد فيقول أنت شر الثلاثة أذنب والداك فنبت عليهما وأنت رجس ولن يدخل الجنة إلا طاهر». أقول : انظر الى صراحة هذا الخبر في ان منعه وطرده عن الجنة انما هو من حيث كونه ابن زنا حيث انه احتج بان لا ذنب لي يوجب بعدي وطردي من الجنة فلو كان كافرا لم يحتج بهذا الكلام ولو احتج به لأتاه الجواب بان طرده من الجنة لكفره ، وما رواه في الكافي وغيره بسنده عن ابي خديجة عن الصادق (عليه‌السلام) (3) قال : «لو كان أحد من ولد الزنا نجا لنجا سائح بني إسرائيل. فقيل له وما سائح بني إسرائيل؟ قال كان عابدا فقيل له ان ولد الزنا لا يطيب ابدا ولا يقبل الله تعالى منه عملا ، قال فخرج يسبح في الجبال ويقول ما ذنبي؟». وروى البرقي في المحاسن بسنده عن سدير الصيرفي (4) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) من طهرت ولادته دخل الجنة». وروى فيه ايضا بسنده عن عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه‌السلام) (5) قال : «خلق الله تعالى الجنة طاهرة مطهرة لا يدخلها إلا من طابت ولادته». وهذه الاخبار كما ترى صريحة في ان منع ابن الزنا من الجنة انما هو من حيث خبث الولادة لا من

__________________

(1 و 2) ص 188.

(3) المحاسن ص 108.

(4 و 5) ص 139.


حيث الكفر الذي زعموا حمل الاخبار عليه كما قدمنا الإشارة اليه ، وروى في المحاسن ايضا بسنده عن أيوب بن الحر عن ابي بكر (1) قال : «كنا عنده ومعنا عبد الله بن عجلان فقال عبد الله بن عجلان معنا رجل يعرف ما نعرف ويقال انه ولد زنا؟ فقال ما تقول؟ فقلت ان ذلك ليقال فقال ان كان ذلك كذلك بني له بيت في النار من صدر يرد عنه وهج جهنم ويؤتى برزقه». قال بعض مشايخنا بعد نقل هذا الخبر : قوله من صدر اي يبنى له ذلك في صدر جهنم وأعلاه ، والظاهر انه تصحيف الصبر بالتحريك وهو الجمد ، وروى في الكافي بسنده عن ابن ابي يعفور (2) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) ولد الزنا يستعمل ان عمل خيرا جزي به وان عمل شرا جزى به». أقول هذا الخبر موافق للقول المشهور من ان ولد الزنا كسائر الناس يجزى بما يعمل إلا انه مع إجماله لا يعارض الأخبار المتقدمة ، ومما يؤكد هذا ايضا ما رواه الصدوق في عقاب الأعمال والبرقي في المحاسن بسنديهما عن ابي بصير ليث المرادي عن الصادق (عليه‌السلام) (3) قال : «ان نوحا حمل في السفينة الكلب والخنزير ولم يحمل فيها ولد الزنا وان الناصب شر من ولد الزنا». وما رواه في ثواب الأعمال في الموثق عن زرارة (4) قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول لا خير في ولد الزنا ولا في بشره ولا في شعره ولا في لحمه ولا في دمه ولا شي‌ء منه يعني ولد الزنا». وبالجملة فالمفهوم من الاخبار التي سردناها ان ابن الزنا له حالة ثالثة غير حالتي الايمان والكفر ، لان ما تقدم من الاخبار الدالة على أحكامه في الدنيا من النجاسة وعدم العدالة مع الاتصاف بشروطها وحكم ديته وكذا اخبار عدم دخوله الجنة وكذا الأخبار الأخيرة لا يجامع الحكم بالايمان بوجه ، وأسباب الكفر الموجبة للحكم بكونه كافرا غير موجودة لأن الفرض انه متدين بظاهر الايمان كما عرفت من ظاهر الاخبار المذكورة.

__________________

(1) ص 149.

(2) رواه في الوافي ج 12 ص 218.

(3) المحاسن ص 185.

(4) عقاب الأعمال ص 38.


وكيف كان فالحق عندي في المسألة ما افاده شيخنا غواص بحار الأنوار ومستخرج ما فيها من لئالئ الاخبار ، حيث قال بعد نقل جملة من الاخبار الدالة على عدم دخوله الجنة ما صورته «أقول يمكن الجمع بين الاخبار على وجه يوافق قانون العدل بان يقال لا يدخل ولد الزنا الجنة لكن لا يعاقب في النار إلا بعد ان يظهر منه ما يستحقه ومع فعل الطاعة وعدم ارتكاب ما يحبطه يثاب في النار على ذلك ولا يلزم على الله تعالى ان يثيب الخلق في الجنة ، ويدل عليه خبر عبد الله بن عجلان ولا ينافيه خبر عبد الله بن ابي يعفور إذ ليس فيه تصريح بان جزاءه يكون في الجنة ، واما العمومات الدالة على ان من يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله الله الجنة فيمكن ان تكون مخصصة بتلك الاخبار» انتهى كلامه زيد مقامه.

والذي يقرب عندي ان مقتضى هذه الاخبار الكثيرة المستفيضة التي تلوناها في أحكامه دنيا وأخره سيما الأخبار الأخيرة الدالة على انه شر من الكلب والخنزير وانه لا خير في شعره ولا بشره. إلخ. انه في الغالب والأكثر لا يطيب ولا يكون مؤمنا وان كان مؤمنا فايمانه يكون مستعارا وان ثبت على ايمانه وكان مستقرا يكون ثوابه في النار على الوجه الذي ذكره شيخنا المشار اليه. وبما حققناه في المقام وكشفنا عنه نقاب الإبهام يظهر لك ما في كلام علمائنا الاعلام في المسألة لعدم وقوفهم على ما ورد من اخبارهم (عليهم‌السلام) والله الهادي لمن يشاء.

(المسألة الثالثة) ـ قال في المعالم : «ظاهر كلام جماعة من الأصحاب ان ولد الكافرين يتبعهما في النجاسة الذاتية بغير خلاف لأنهم ذكروا الحكم جازمين به غير متعرضين لبيان دليله كما هو الشأن في المسائل التي لا مجال للاحتمال فيها ، وممن ذكر الحكم كذلك العلامة في التذكرة ولكنه في النهاية أشار الى نوع خلاف أو احتمال فيه فقال : الأقرب في أولاد الكفار التبعية لهم. وأنت إذا أحطت خبرا بما قررناه في نجاسة الكافر وجدت للتوقف في الحكم بالنجاسة هنا على الإطلاق مجالا ان لم يثبت انعقاد الإجماع عليه. وربما استدل له بأنه حيوان متفرع من حيوانين نجسين فيثبت له


حكمهما كالكلب والخنزير. ويشكل بان الظاهر كون المقتضي لثبوت الحكم في المتولد من الحيوانين النجسين هو صدق اسم الحيوان النجس عليه لا مجرد التولد ، وبهذا صرح العلامة في أثناء كلام له في المنتهى فقال ان ولد الكلب ليس نجسا باعتبار تولده من النجس بل باعتبار صدق اسم الكلب عليه. وقد عرفت استشكاله في جملة من كتبه للحكم بنجاسة المتولد من الكلب والخنزير إذا كان مباينا لهما ، وحينئذ يكون الحكم في ولد الكافر موقوفا على صدق عنوان الكفر عليه» انتهى.

أقول : يمكن الاستدلال للقول المشهور من تبعية ولد الكافر لأبويه في الكفر بما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن جعفر بن بشير ـ وطريقه إليه في المشيخة صحيح ـ عن عبد الله بن سنان (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن أولاد المشركين يموتون قبل ان يبلغوا الحنث؟ قال كفار والله اعلم بما كانوا عاملين يدخلون مداخل آبائهم». وروى فيه عن وهب بن وهب عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما‌السلام) (2) قال : «قال علي (عليه‌السلام) أولاد المشركين مع آبائهم في النار وأولاد المسلمين مع آبائهم في الجنة».

ولا ينافي ذلك ما ورد من الاخبار الدالة على انه تؤجج لهم نار ويؤمرون بدخولها فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما وكان من أهل الجنة ومن امتنع كان في النار كما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن هشام عن الصادق (عليه‌السلام) (3) قال : «ثلاثة يحتج عليهم : الأبكم والطفل ومن مات في الفترة ، فترفع لهم نار فيقال لهم ادخلوها فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما ومن ابى قال الله تعالى هذا قد أمرتكم فعصيتموني». وروى فيه ايضا عن سهل عن غير واحد رفعوه (4) «انه سئل عن الأطفال

__________________

(1 و 2) باب (حال من يموت من أطفال المشركين والكفار) من كتاب النكاح.

(3) الفروع ج 1 ص 249 الطبع الحديث.

(4) الفروع ج 1 ص 248 الطبع الحديث.


فقال إذا كان يوم القيامة جمعهم الله تعالى وأجج لهم نارا وأمرهم أن يطرحوا أنفسهم فيها فمن كان في علم الله تعالى انه سعيد رمى بنفسه فيها وكانت عليه بردا وسلاما ومن كان في علمه سبحانه انه شقي امتنع فيأمر الله تعالى بهم الى النار فيقولون يا ربنا تأمر بنا الى النار ولم تجر علينا القلم؟ فيقول الجبار قد أمرتكم مشافهة فلم تطيعوني فكيف لو أرسلت رسلي بالغيب إليكم؟». ثم قال في الكافي وفي حديث آخر «اما أطفال المؤمنين فإنهم يلحقون بآبائهم وأولاد المشركين يلحقون بآبائهم ، وهو قول الله تعالى بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم».

لأنا نقول لا ريب ان مقتضى الخبرين المتقدمين وكذا الخبر المرسل من الكافي أخيرا الدلالة على اللحوق بالآباء من كل من أولاد المؤمنين والمشركين ، والجمع بينهما وبين ما ذكر من اخبار تأجيج النار ممكن بأحد وجهين ، اما بحمل أخبار تأجيج النار على ان الذين يدخلون النار ويطيعون هم أولاد المؤمنين والذين يمتنعون هم أولاد الكفار والمشركين وحينئذ فيلحق كل من الفريقين بالآباء في الجنة أو النار بعد الامتحان المذكور ، واما بحمل أخبار تأجيج النار على غير أطفال المؤمنين والكفار بناء على ما ثبت بالأخبار الصحيحة من تقسيم الناس الى مؤمن ومسلم وكافر فأهل الوعدين وهم المؤمنون والكفار لا يقفون في الحساب ولا تنشر لهم الدواوين ولا تنصب لهم الموازين وانما يساقون بعد البعث إلى الجنة ان كانوا مؤمنين والنار ان كانوا كافرين ، وهذان الفريقان يلحق بهم أولادهم في الجنة والنار كما صرحت به تلك الاخبار ، واما المسلمون وهم أهل المحشر الذين يقفون في الحساب وتنشر لهم الدواوين وتنصب لهم الموازين فهؤلاء الذين تأجج لأولادهم النار ، ومما يشير الى هذا الوجه تصريح اخبار الإلحاق بالمؤمنين والكافرين وإجمال اخبار التأجيج بالأطفال بقول مطلق فيحمل على هذا الفرد الذي ذكرنا ، ومما يؤكده قول صاحب الكافي بعد نقل خبر التأجيج المتضمن للأطفال بقول مطلق : وفي حديث آخر «اما أطفال المؤمنين وأولاد المشركين» فان فيه إيماء الى ان


خبر التأجيج انما هو لغير أطفال المؤمنين والمشركين وهم أطفال المسلمين الذين هم أصحاب الحساب.

واما جمع صاحب الوافي بين الأخبار ـ بحمل اخبار اللحوق على البرزخ واخبار التأجيج على يوم القيامة ـ فالظاهر بعده فان ظاهر الاخبار المذكورة ان ما ذكر في كل من اخبار الطرفين انما هو يوم القيامة ولا سيما ان صحيحة عبد الله بن سنان قد صرحت بالكفر ، ثم انه مع تسليم الجمع بما ذكره فإنه لا ينافي اعتضادنا بالأخبار المذكورة لأن حاصله هو الحكم بالكفر على أولاد المشركين والايمان على أولاد المؤمنين إلى يوم القيامة حتى انهم في البرزخ يلحقون بهم في الجنة والنار ممتدا ذلك الى يوم القيامة فيقع التكليف لهم والامتحان بالنار ، وبذلك يتميز أصحاب الجنة الأخروية الموجبة للخلود والنار كذلك ، وحينئذ فالاستدلال بهذه الأخبار على ما ادعيناه حاصل على جميع الاحتمالات ، على انه لا خلاف بينهم في الحكم بإيمان أولاد المؤمنين وإجراء أحكامه عليهم من الطهارة ونحوها وجواز الإعطاء من الزكاة التي لا يجوز دفعها إلا الى المؤمن ، وبذلك صرحت الاخبار من غير خلاف لا في الأخبار ولا في كلام الأصحاب ، ولا وجه للحكم هنا بالايمان إلا مجرد الإلحاق لأن ترتب ذلك على العقائد غير ظاهر حيث لا تكليف قبل البلوغ فكذلك أولاد المشركين والكفار فإنه يحكم بكفرهم إلحاقا لهم بالآباء بعين ما ثبت في أولاد المؤمنين وتخرج الأخبار المذكورة شاهدة على ذلك.

وإذ قد ثبت بما ذكرنا من الأخبار صدق عنوان الكفر على أولاد الكفار كصدق عنوان الايمان على أولاد المؤمنين ظهر لك ما في قول صاحب المعالم في آخر كلامه المتقدم من قوله : «وحينئذ يكون الحكم في ولد الكافر موقوفا على صدق عنوان الكفر عليه» فإنه قد ثبت ذلك من هذه الأخبار بما لا يداخله الشك ولا يتطرق اليه.

ثم قال في المعالم على اثر الكلام المتقدم ذكره من غير فاصل : إذا عرفت هذا فاعلم ان بعض الأصحاب استثنى من الحكم بنجاسة ولد الكافر هنا ما إذا سباه المسلم


واستشكل ذلك في بحث الجهاد بعدم الدليل عليه واقتضاء الاستصحاب بقاءه على النجاسة الى ان يثبت المزيل ، ثم ذكر ان ظاهر الأصحاب عدم الخلاف بينهم في طهارته والحال هذه وانما اختلفوا في تبعيته للمسلم في الإسلام بمعنى ثبوت أحكام المسلم له وهذا أمر آخر زائد على الحكم بالطهارة كما لا يخفى ، وصرح الشهيد في الذكرى ببناء الحكم بطهارته أو نجاسته على الخلاف في تبعيته للمسلم وعدمها حيث قال : ولد الكافر نجس ولو سباه مسلم وقلنا بالتبعية طهر وإلا فلا. والتحقيق ان احتمال بقاء النجاسة بعد سبي المسلم له ضعيف لما قد ظهر من انحصار المقتضى للتنجيس قبله في الإجماع ان ثبت ولا ريب في انتفائه بالنظر الى ما بعده ، والتمسك باستصحاب النجاسة مردود بمنع العمل بالاستصحاب في مثله كما بيناه في محله من مقدمة الكتاب ، وبه يظهر جودة احتجاج العلامة وجماعة للحكم بطهارته حينئذ بأصالة الطهارة السالمة عن معارضة يقين النجاسة ، وضعف مناقشة بعض الأصحاب فيه بان الأمر بالعكس لأن النجاسة تحققت بمجرد الولادة فيجب استصحابها وهو أصل سالم عن معارضة يقين الطهارة ، وتوضيح وجه الجودة والضعف انه لا ريب في ان الأصل في الأشياء كلها الطهارة الى ان يقوم على خلافها دليل وحيث ان الدليل المخرج عن حكم الأصل في موضع النزاع مخصوص بالحالة السابقة على السبي فالقدر المتحقق من المخالفة لأصالة الطهارة هو ذاك وما عداه باق على حكم الأصل لعدم قبول الاستصحاب إذا كان دليل الحكم المستصحب مقيدا بحال كما مر. انتهى.

أقول : ما ذكره واختاره وقبله صاحب المدارك ـ من القول بالطهارة بعد السبي بناء على عدم عموم دليل الكفر وشموله لما بعد السبي ـ جيد بناء على ما ذكروه من عدم الدليل على الكفر إلا الإجماع وهو غير شامل لموضع النزاع ، واما على ما ذكرناه من الأخبار الواضحة المنار فإنه لا يصح هذا الكلام ولا ما ابتنى عليه في المقام فان ظاهر الأخبار كما ترى تبعية الولد لأبويه في الكفر الى يوم القيامة فيخلد معه في النار أو يمتحن بتأجيج نار له ، وبه يضمحل هذا البحث الذي أكثروا فيه من القيل والقال والجواب


والسؤال ويزول الاشكال من هذا المجال ، ويبطل ما ذكروه من التبعية للمسلم السابي له في الإسلام أو الطهارة خاصة لعدم الدليل الشرعي ، ودليل النجاسة الذي ذكرناه واضح الدلالة طافح المقالة على عموم النجاسة وبقائها سبي أم لا الى يوم القيامة فضلا عن أيام الدنيا ، ولكنهم (رضوان الله عليهم) معذورون لعدم حضور هذه الأخبار لهم بالبال بل ولا مرت لهم في الخيال ، والله الهادي لمن يشاء والعالم بحقيقة الحال.

(المسألة الرابعة) ـ نقل المحقق في المعتبر عن الشيخ في المبسوط انه حكم بنجاسة المجبرة والمجسمة من فرق المسلمين ولم يرتضه بل ذهب الى الطهارة محتجا بأن النجاسة حكم مستفاد من الشرع فيقف على الدلالة ، وادعى دلالة ظواهر بعض الاخبار على الطهارة.

ووافق الشيخ في المجسمة جماعة من الأصحاب : منهم ـ المحقق الشيخ علي والشهيد الثاني في شرح الرسالة ، واختلف كلام العلامة في ذلك ، فقال في المنتهى بعد ان ذكر ان حكم الناصب والغالي حكم الكافر لانكارهما ما علم ثبوته من الدين ضرورة : وهل المجسمة والمشبهة كذلك؟ الأقرب المساواة لاعتقادهم انه تعالى جسم وقد ثبت ان كل جسم محدث. وصرح بهذا القول في التحرير والقواعد ايضا ، واستقرب في التذكرة والنهاية القول بالطهارة. ومثل ذلك وقع للشهيد فإنه في الذكرى استضعف كلام الشيخ وفي البيان عد المجسمة بالحقيقة والمشبهة كذلك في أقسام الكافر المنتحل للإسلام وهو جاحد لبعض ضرورياته بعد ان حكم بنجاسة الكافر بجميع أنواعه ، وفي الدروس أطلق نجاسة المجسم ولم يقيده بالحقيقي وبذلك جزم. وقال الشهيد الثاني في الروض بعد ان عد المجسمة : وهم قسمان مجسمة بالحقيقة وهم الذين يقولون ان الله تعالى جسم كالأجسام ولا ريب في كفر هذا القسم وان تردد فيه بعض الأصحاب ، ومجسمة بالتسمية المجردة وهم القائلون بأنه جسم لا كالأجسام ، وفي نجاسة هذا القسم تردد وكأن الدليل الدال على نجاسة الأول دال على الثاني فإن مطلق الجسمية توجب الحدوث وان غاير بعضها بعضا. انتهى. وجزم في شرح الرسالة بالعموم فقال : ومن ضروب الكفار المجسمة


ولو بالتسمية. وما ذكره في الروض من الدليل الدال على النجاسة في المجسم الحقيقي جار في المجسم بالمعنى الثاني فإن مطلق الجسمية توجب الحدوث ، واعترضه ابنه في المعالم فقال : وعندي في الدليل نظر لان ظاهره كون المقتضي للنجاسة هو القول بالحدوث لا مجرد التجسيم ومن البين ان المجسم ينفي الحدوث قطعا فكأنه يتخيل برأيه الفاسد عدم المنافاة بين الجسمية والقدم. انتهى. وحينئذ فلا يلزم من القول بالجسمية الحدوث.

واما المجبرة فإنه قد نقل غير واحد عن الشيخ القول بنجاستهم واعترضوه بالضعف ولم ينقلوا له دليلا على ذلك ، وقال في المنتهى في باب الأسآر : يمكن ان يكون مأخذ الشيخ في حكمه بنجاسة سؤر المجبرة والمجسمة قوله تعالى : «... كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ)» (1) والرجس النجس ، ثم قال : وتنجيس سؤر المجبرة ضعيف وفي المجسمة قوة. ورد هذا الاستدلال للشيخ بالآية جملة ممن تأخر عنه بالضعف ، قال في المعالم : ولعل نظر الشيخ الى ما ذكره بعض المفسرين من دلالة قوله تعالى : «سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْ‌ءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ... الآية» (2) على كفر المجبرة. أقول : الظاهر انه أشار ببعض المفسرين الى صاحب الكشاف حيث انه من المعتزلة واستدل بهذه الآية على كفر المجبرة من الأشاعرة فلعل الشيخ هنا استند الى هذه الآية ، وتوجيه الاستدلال بها على ما ذكره في الكشاف أنها إخبار عما سوف يقوله المشركون ثم لما قالوه قال سبحانه «وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْ‌ءٍ» (3) يعنون بكفرهم وتمردهم ان شركهم وشرك آبائهم وتحريمهم ما أحل الله بمشيئة الله وإرادته ولو لا مشيئة الله لم يكن شي‌ء من ذلك كمذهب المجبرة بعينه ، قال ومعنى قوله سبحانه : «كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ» جاءوا بالتكذيب المطلق لان الله تعالى ركب في العقول وانزل في الكتب ما دل على

__________________

(1) سورة الانعام ، الآية 125.

(2) سورة الانعام ، الآية 149.

(3) سورة النحل. الآية 35.


غناه وبراءته من مشيئة القبائح وارادتها والرسل أخبروا بذلك فمن علق وجود القبائح من الكفر والمعاصي بمشيئة الله وإرادته فقد كذب التكذيب كله وهو تكذيب الله عزوجل وكتبه ورسله ونبذ أدلة العقل والسمع وراء ظهره.

قال في الذخيرة بعد الكلام في المقام ونقل الخلاف وذكر نحو مما ذكرناه : وإذ قد عرفت ان العمدة في إثبات نجاسة الكفار على أصنافها هو الإجماع وهو غير جار في محل النزاع كان القول بالنجاسة هنا عاريا عن الدليل ، ولا يبعد القول بالطهارة تمسكا بظاهر ما رواه ابن بابويه في كتابه (1) حيث قال : «سئل علي (عليه‌السلام) أيتوضأ من فضل وضوء جماعة المسلمين أحب إليك أو يتوضأ من ركو أبيض مخمر؟ فقال لا بل من فضل جماعة المسلمين فإن أحب دينكم الى الله الحنيفية السمحة السهلة». إذ هذه الرواية معتضدة بالأصل سالمة عن المعارض والظاهر ان المسلم شامل لمن أظهر الشهادتين إلا من خرج بالدليل ، إذ يلزم منه طهارة سؤرهم ثم يلزم عموم الحكم إذ الظاهر عدم القائل بالفصل. انتهى. أقول : الظاهر ان هذه الرواية هي التي أشار إليها المحقق فيما قدمنا نقله عنه صدر المسألة من انه ادعى دلالة ظواهر بعض الأخبار على الطهارة وقد تقدمت أيضا في كلامه الذي قدمناه في المسألة الاولى. ثم أقول : لا يخفى ان ما طول به الأصحاب المقال في هذا المجال وتعسفوه من الاستدلال وكثرة الأقوال مع ما فيه من الاشكال بل الاختلال كله انما نشأ من القول بإسلام المخالفين وإلا فإنه على القول بكفرهم ونصبهم ونجاستهم كما أوضحناه فيما تقدم لا ثمرة لهذا البحث والاختلاف ولا خصوصية لهذه الفرق في البحث دون غيرهم من ذوي الخلاف ، وما ذكره صاحب الذخيرة جريا على مذهبه وتصلبه ومبالغته في القول بإسلام المخالفين فهو أوهن من بيت العنكبوت وانه لأوهن البيوت ، وقد تقدم تحقيق البحث في المسألة الأولى مستوفى بحمد الله تعالى وتقدم الكلام في خبره المذكور في الكلام على كلام المحقق الذي هو الأصل في هذا القول المنكور. والله هو العالم.

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 8 من الماء المضاف.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *