ج2 - أسباب الوضوء

الفصل الثاني

في الأسباب وهي البول والغائط والريح والنوم الغالب على الحاستين وبعض أقسام الاستحاضة ، وتحقيق الكلام فيها يقتضي بسطه في أبحاث.

(الأول) ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في سببية الثلاثة الأول مع الخروج من الموضع الطبيعي وان لم يحصل الاعتياد ، بل الخروج أول مرة يكون موجبا للوضوء وان تخلف أثره لفقد شرط كالصغر ، وكذا لو اتفق المخرج من غير الموضع المعتاد خلقة كما ادعى عليه في المنتهى الإجماع ، وكذا لو انسد الطبيعي وانفتح غيره كما ذكره في المنتهى مدعيا عليه الإجماع أيضا ، وظاهرهم ان في الجميع لا يشترط الاعتياد. اما لو لم ينسد الطبيعي وانفتح غيره فأقوال :

أحدها ـ المشهور وهو عدم النقض إلا مع الاعتياد.

وثانيها ـ ما نقل عن الشيخ في المبسوط والخلاف من النقض بما يخرج من تحت المعدة دون ما فوقها.

__________________

(1) المروية في الوسائل في الباب ـ 38 ـ من أبواب أحكام الخلوة.


وثالثها ـ النقض بخروج هذه الأشياء مطلقا من فوق المعدة أو تحتها مع الاعتياد وعدمه ، واليه ذهب ابن إدريس.

ورابعها ـ عدم النقض مطلقا ، وإلى هذا القول صار بعض فضلاء متأخري المتأخرين (1) ويدل على أصل المسألة الأخبار المستفيضة ، كصحيحة زرارة (2) قال : «قلت لأبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما‌السلام) : ما ينقض الوضوء؟ فقالا : ما يخرج من طرفيك الأسفلين من الدبر والذكر : غائط أو بول أو مني أو ريح والنوم حتى بذهب العقل».

وصحيحة سالم أبي الفضل عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «ليس ينقض الوضوء إلا ما خرج من طرفيك الأسفلين الذين أنعم الله عليك بهما».

وصحيحة زرارة عن أحدهما (عليهما‌السلام) (4) قال : «لا ينقض الوضوء إلا ما خرج من طرفيك أو النوم».

وصحيحته أيضا عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (5) قال : «لا يوجب الوضوء إلا غائط أو بول أو ضرطة تسمع صوتها أو فسوة تجد ريحها».

ورواية زكريا بن آدم (6) قال : «سألت الرضا (عليه‌السلام) عن الناسور أينقض الوضوء؟ فقال : إنما ينقض الوضوء ثلاث : البول والغائط والريح».

الى غير ذلك من الاخبار والظاهر ان الحصر في هذه الاخبار إضافي بالنظر إلى ما يخرج من الأسفلين غير هذه الأشياء كالمذي وأشباهه ، وإلى ما لا يخرج منهما كالرعاف والقي‌ء ونحوهما مما ذهب العامة إلى النقض به (7) ولعل ذلك في مقام الرد عليهم ، والى ذلك تشير رواية زكريا

__________________

(1) هو الفاضل ملا محمد باقر الخراساني صاحب الذخيرة والكفاية (منه قدس‌سره).

(2 و 3 و 6) المروية في الوسائل في الباب ـ 2 ـ من أبواب نواقض الوضوء.

(4) المروية في الوسائل في الباب ـ 2 و 3 ـ من أبواب نواقض الوضوء.

(5) المروية في الوسائل في الباب ـ 1 ـ من نواقض الوضوء.

(7) سيأتي الكلام فيما ذهب العامة إلى انتقاض الوضوء به مما ليس بناقض عند الخاصة عند تعرض المصنف (قده) لذلك.


ابن آدم المتقدمة وموثقة أبي بصير المرادي المروية في كتاب الخصال (1) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته عن الحجامة والقي‌ء وكل دم سائل. فقال : ليس فيه وضوء ، إنما الوضوء مما خرج من طرفيك الذين أنعم الله بهما عليك». واما حمل الحصر على معنى ان الأصل في النقض ينحصر في الخارج من السبيلين ـ واما غيره من النوم ومزيل العقل فإنما هو لكونه مظنة لخروج شي‌ء من تلك النواقض ـ فظني بعده ، إذ الظاهر ـ كما سيأتي ان شاء الله ـ حدثية النوم بنفسه لا لكونه كذلك.

حجة القول الأول ـ على ما ذكره الشهيد في الذكرى ـ انه مع العادة يشمله عموم الآية ، وقول الصادق (عليه‌السلام) (2) : «ليس ينقض الوضوء إلا ما خرج من طرفيك الذين أنعم الله بهما عليك». لتحقق النعمة بها. واما مع الندور ، فللأصل والخبر ، إذ ليس من الطرفين.

والظاهر ان مراده بالآية قوله تعالى : «أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ ...» (3) ومورد الآية وان كان التيمم إلا ان ظاهرها يدل على وجوب التطهير بالماء مع وجوده وان الانتقال إلى التيمم إنما هو لعدمه.

وأورد عليه بالمنع من شمول الآية لهذا الفرد ظاهرا ، بل هي إما ظاهرة في المتعارف المعتاد لأكثر الناس وهو التغوط من الموضع المعتاد ، أو مجملة بالنسبة اليه وإلى الأعم منه ومن المعتاد لبعض ، وعلى التقديرين لا يثبت المدعى. واما شمول الرواية فغير ظاهر

__________________

(1) في الصحيفة 17 وفي الوسائل في الباب ـ 2 ـ من أبواب نواقض الوضوء. ورواها أيضا بطريق آخر عن التهذيب في الباب ـ 2 و 7 ـ من أبواب نواقض الوضوء ولكن بإبدال القي‌ء بالرعاف.

(2) في صحيحة سالم أبي الفضل المتقدمة في الصحيفة 87 وقد وصف الطرفان فيها بالأسفلين.

(3) سورة النساء والمائدة الآية 43 و 60.


لأن الأصل في الإضافة العهد وكذا الموصول ، وحينئذ فالظاهر ان يكونا إشارة إلى الطرفين المتعارفين المعهودين. وأيضا الظاهر ان الأنعام إنما يتحقق في الطرفين الطبيعيين واما غيرهما فليس من باب النعمة بل النقمة.

وحجة الثاني ـ على ما نقل عن الشيخ في المبسوط ـ عموم قوله : «أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ ...» (1) وما يروى من الأخبار ـ ان الغائط ينقض الوضوء ـ يتناول ذلك ، ولا يلزم ما فوق المعدة ، لأن ذلك لا يسمى غائطا.

وجوابه يعلم مما سبق. واما قوله : «ان ما فوق المعدة لا يسمى غائطا» فأورد عليه المحقق في المعتبر انه ضعيف قال : «لأن الغائط اسم للمطمئن من الأرض نقل الى الفضلة المخصوصة ، فعند هضم المعدة الطعام وانتزاع الاجزاء الغذائية منه يبقى الثقل ، فكيف خرج يتناوله الاسم ولا اعتبار بالمخرج في تسميته».

وأجاب عنه شيخنا البهائي في كتاب الحبل المتين بان غرض الشيخ (رحمه‌الله) انه إنما يسمى غائطا بعد انحداره من المعدة إلى الأمعاء وخلعه الصورة النوعية الكيلوسية التي كان عليها في المعدة ، اما قبل الانحدار عن المعدة فليس بغائط إنما هو من قبيل القي‌ء ، وليس مراده وقوع المخرج فيما سفل عن المعدة أو فيما علاها ، إذ لا عبرة بتحتية نفس المخرج وفوقيته ، بل بخروج الخارج بعد انحداره عن المعدة وصيرورته تحتها أو قبل ذلك ، غايته انه ـ رحمه‌الله ـ عبر عما يخرج قبل الانحدار عنها بما يخرج من فوقها وعما يخرج بعده بما يخرج من تحتها ، والأمر فيه سهل. ولا يخفى بعده من كلام الشيخ.

وأنت خبير بأنه على هذا التوجيه الذي ذكره (قدس‌سره) يرتفع الخلاف بين الشيخ وبين ابن إدريس ويصير القولان قولا واحدا.

وحجة القول الثالث ـ على ما نقل عن قائله ـ عموم الآية والاخبار ، ولعله أشار بالأخبار إلى ما ورد منها مطلقا بنقض الثلاثة من غير تقييد بالمخرج الطبيعي ،

__________________

(1) سورة النساء والمائدة. الآية 43 و 60.


كصحيحة زرارة الأخيرة ورواية زكريا بن آدم (1).

وفي الآية ما تقدم. واما الاخبار فمن الظاهر البين ان الحكم فيها ليس معلقا على ذات الخارج حتى يكون الحكم دائرا مدارها ، بل على صفة متعلقة بها وهي الخروج فينصرف إلى المعهود الغالب ، كما يقال بظهور «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ ...» (2) في تحريم الأكل.

وحجة القول الرابع يعلم من القدح في أدلة الأقوال المتقدمة.

قال شيخنا صاحب رياض المسائل (رحمه‌الله تعالى) (3) ـ بعد نقل الأقوال الثلاثة المتقدمة ونفي الوقوف على دليل يشهد للشيخ ـ ما لفظه : «اما قول ابن إدريس فغير بعيد عن الصواب عند صدق هذه الأسماء على الخارج عرفا ، لموافقة ظاهر الكتاب «أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ ...» (4) ولا قائل بالفرق ، وما ورد في بعض الاخبار ـ من التقييد بالطرفين الأسفلين ونحو ذلك ـ غير صالح لتقييد إطلاق الكتاب ، لكونه خرج مخرج الغالب» انتهى.

أقول : وتحقيق المقام ـ بتوفيق الملك العلام وبركة أهل الذكر عليهم الصلاة والسلام ـ ان الاستدلال بالآية هنا ـ بعد تسليم صحة الاستدلال بظواهر القرآن بغير ورود نص في تفسيرها ـ لا يخلو من خفاء ، إذ ما ذكر في توجيه الاستدلال بها نوع تخريج وتخمين لا يمكن الاعتماد عليه في تأسيس حكم شرعي ، واما الروايات فهي دائرة بين مطلق ناقضية الثلاثة في الجملة وبين حاصر للنقض فيما خرج من الأسفلين ، فيحتمل حينئذ حمل مطلقها على مقيدها ، فلا دلالة فيها حينئذ على ما ذهبوا اليه من النقض.

إلا انه يقدح فيه قوة احتمال حمل الحصر على الإضافي ـ كما قدمنا ـ ردا على العامة ويحتمل ـ وهو الأظهر ـ حملها على ما تقدم من التعبير بالفرد الغالب ، فإنه لا يخفى ـ على

__________________

(1) في الصحيفة 87.

(2) سورة المائدة. الآية 4.

(3) وهو الشيخ احمد ابن الشيخ محمد الخطى البحراني.

(4) سورة المائدة والنساء. الآية 43 و 6.


المتتبع لموارد الأخبار والمتصفح لمضامين الآثار ـ ان الأحكام المودعة فيها إنما هي مقصورة على ما هو الشائع المتعارف لا على الفروض النادرة ، ومع عدم أظهرية هذا الاحتمال فلا أقل من الإجمال الموجب لعدم جواز الاعتماد عليها في الاستدلال وبقاء المسألة في قالب الشك والاشكال ، وحينئذ فالواجب التمسك بيقين الطهارة ، لقوله (عليه‌السلام) في صحيحة زرارة (1) : «حتى يجي‌ء من ذلك أمر بين ، وإلا فإنه على يقين من وضوئه ، ولا ينقض اليقين ابدا بالشك ، ولكن ينقضه بيقين آخر».

وما أجاب به بعض فضلاء متأخري المتأخرين ـ من عدم دلالة الحديث المذكور على مثل هذه الصورة ، قال : «الذي أفهم من الخبر المذكور عدم حصول الانتقاض بالشك في وجود ما ثبت كونه حدثا ، ولا يدخل فيه الشك في حدثية ما يتيقن وجوده» وقال في موضع آخر : «ان المقطوع به من الخبر هو ما ثبت كونه ناقضا لو شك في وجوده وعدمه ، فإنه لا يرفع يقين الطهارة قبله. واما الشك في فردية بعض الأشياء لما هو ناقض فلا دلالة في الخبر عليه» ـ فيه ما تقدم في المقدمة الحادية عشرة (2).

وبما ذكرنا يظهر لك توجه المناقشة في الفردين الآخرين المدعى عليهما الإجماع أعني ما لو اتفق المخرج من غير الموضع المعتاد خلقة أو بعد انسداد المعتاد ، فإنه مع إلغاء الإجماع ـ كما هو الحق الحقيق بالاتباع ـ والرجوع إلى الاخبار مع كون المراد منها ما ذكرنا من الحمل على الفرد الغالب المتعارف ـ يبقى حكم الفردين المذكورين مغفلا.

قال السيد السند (قدس‌سره) في المدارك ـ بعد قول المصنف : «ولو اتفق المخرج في غير الموضع المعتاد نقض» ـ ما هذا لفظه : «هذا الحكم موضع وفاق ، وفي الاخبار بإطلاقها ما يدل عليه ، وفي حكمه ما لو انسد المعتاد وانفتح غيره» انتهى.

وفيه انه قبل هذا الكلام ـ بعد ان نقل كلامي الشيخ وابن إدريس واستدلالهما

__________________

(1) المروية في الوسائل في الباب ـ 1 ـ من أبواب نواقض الوضوء.

(2) في الصحيفة 145.


بالآية ـ قال : وهما ضعيفان ، لأن الإطلاق إنما ينصرف إلى المعتاد ، ولما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة ، وساق الرواية الأولى مما أسلفناه من رواياته (1) ثم أردفها برواية سالم أبي الفضل (2) وحينئذ فإذا كان إطلاق الآية إنما ينصرف إلى المعتاد فإطلاق الروايات كذلك ان لم يكن اولى ، لما ذكره من الروايات المصرحة بالفرد المعتاد. نعم صرح المحدث الأمين الأسترآبادي (قدس‌سره) انه يمكن إثبات ذلك من باب تنقيح المناط ، قال : «فإن أحد فرديه مقبول عندنا وهو ما يفيد اليقين ، فان مقتضاه هنا ان الفضلة المعينة إذا اندفعت نقضت سواء دفعتها الطبيعة من الموضع الطبيعي أو من غيره» وحينئذ فيتجه على هذا التقدير قولا الشيخ وابن إدريس ، إلا ان ما ادعاه (قدس‌سره) من الاستدلال بهذا الدليل وافادته اليقين لا يخلو من اشكال. والاحتياط بالعمل بما ذهب اليه ابن إدريس مما لا ينبغي تركه.

تنبيهات :

(الأول) ـ ما ذكر من البحث هنا هل يأتي في الدماء الثلاثة والمني؟ اما الأول فلم نقف فيه على كلام لأحد من الأصحاب واما الثاني فقد صرحوا فيه بما يأتي ذكره في موضعه ان شاء الله تعالى.

(الثاني) ـ هل يتمشى الخلاف في خبثية هذا الخارج كما في حدثيته أم لا؟

لم أقف لأحد من أصحابنا (رضوان الله عليهم) على كلام في المقام سوى شيخنا المحقق صاحب رياض المسائل (عطر الله مرقده) فإنه قرب فيه الحكم بالخبثية وان لم نقل بالحدثية ، قال : «لعدم وجود ما يعارض عمومات الأخبار الكثيرة الدالة على وجوب ازالة ما يسمى بولا وغائطا بالمطهرات من غير تقييد بالخروج من الطرفين» انتهى

(الثالث) ـ وقع في جملة من الأخبار الواردة بنقض الريح التقييد بسماع صوتها

__________________

(1 و 2) المتقدمة في الصحيفة 87.


أو وجدان ريحها (1) وعلل في بعضها (2) بأن إبليس يجلس بين أليتي الرجل فيشككه. ومقتضاها عدم النقض بدون أحد الوصفين.

والظاهر حملها على موضع الشك دون ما إذا تيقن الخروج ، فإنه ينتقض طهره وان لم يجد شيئا من ذلك.

ويدل عليه ما رواه علي بن جعفر عن أخيه في كتاب المسائل (3) قال : «سألته عن رجل يكون في صلاته فيعلم ان ريحا قد خرجت ولا يجد ريحها ولا يسمع صوتها. قال : يعيد الوضوء والصلاة ، ولا يعتد بشي‌ء مما صلى إذا علم ذلك يقينا». وما رواه في كتاب فقه الرضا (4) قال (عليه‌السلام): «فان شككت في ريح انها خرجت منك أو لم تخرج فلا تنقض من أجلها الوضوء إلا ان تسمع صوتها أو تجد ريحها ، وان استيقنت انها خرجت منك فأعد الوضوء سمعت وقعها أو لم تسمع وشممت ريحها أو لم تشم».

(الرابع) ـ الاعتياد الذي يتحقق به النقض على القول المشهور هل هو عبارة عن التكرر مرتين فينقض في الثالثة. أو عن التكرر ثلاث مرات فينقض في الرابعة ، أو يرجع فيه إلى العرف؟ أقوال.

اختار ثالثها المحقق الثاني في شرح القواعد ، وبه جزم في المدارك. وبالأول صرح الشهيد الثاني في الروض. وبالثاني صرح بعض أفاضل المتأخرين.

ونقل المحدث الأمين الأسترآبادي عن الفاضل الشيخ إبراهيم القطيفي في حاشية الإرشاد انه قال : «وهل ينضبط صدق اسم العادة عرفا في عدد؟ وجهان أقربهما ذلك

__________________

(1) رواها صاحب الوسائل في الباب ـ 1 ـ من أبواب نواقض الوضوء.

(2) وهو خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن الصادق (عليه‌السلام) المروي في الوسائل في الباب ـ 1 ـ من أبواب نواقض الوضوء.

(3) رواه في قرب الاسناد ص 92 وفي الوسائل في الباب ـ 1 ـ من أبواب قواطع الصلاة.

(4) في الصحيفة 1.


وما هو الأقرب النقض بالرابعة مع عدم تطاول الفصل زمانا في الخروج ، وفي النقض بالثالثة احتمال قوي ، لصدق العود بالثانية» ثم قال بعد نقله : «قلت : الظاهر ان تحقق العادة ملزوم للنقض فلا يتوقف النقض على زيادة» انتهى.

(الخامس) ـ المفهوم من كلام جملة من الأصحاب ـ منهم : العلامة في التحرير ـ جريان ما تقدم من البحث في الريح من الموافقة للحدثين الآخرين في المواضع المجمع عليها وشرط الاعتياد في محل الخلاف ، ومن كلام آخرين ـ منهم : العلامة ف التذكرة والمختلف ـ تخصيص البحث بالحدثين الآخرين ، حيث ذكروا الفروض المذكورة فيهما ولم يتعرضوا للريح بالكلية ، وجملة من الأصحاب قد صرحوا بنقضها بالخروج من قبل الرجل والمرأة من غير تقييد بالاعتياد مع التقييد به في الحدثين الآخرين ، وبعض خصه بقبل المرأة ، وعلله بان له منفذا إلى الجوف فيمكن الخروج من المعدة اليه ، ومن عمم في القبلين كأنه لحظ إطلاق الاخبار بالانتقاض من الخروج من الطرفين الأسفلين. وبعض منع من النقض بها من غير الدبر. والمنقول من خلاف الشيخ في المبسوط وابن إدريس في السرائر إنما هو في الحدثين الآخرين ، بل نقل بعض أفاضل متأخري المتأخرين عن ظاهر ابن إدريس في السرائر عدم النقض بالريح الخارج من غير الدبر. وأنت خبير ـ بعد الإحاطة بما قدمناه ـ بالحكم في ذلك.

(البحث الثاني) ـ المشهور بين الأصحاب وجوب الوضوء بالنوم الغالب على حاستي السمع والبصر على اي حال كان : مضطجعا أو قاعدا ، منفرجا أو متلاصقا وربما ظهر من كلام علي بن بابويه في الرسالة وابنه في المقنع عدم النقض به مطلقا ، لحصرهما ما يجب اعادة الوضوء به وما ينقضه في البول والمني والغائط والريح. وهو بعيد من المذهب إلا ان يحمل كلامهما على الناقض مما يخرج من الإنسان ، كما يشعر به قوله في المقنع بعد حصر النقض في الأربعة المذكورة : «وما سوى ذلك ـ من القي‌ء والقلس والقبلة والحجامة والرعاف والمذي والودي ـ فليس فيه اعادة وضوء».


ويدل على الحكم المذكور الأخبار المستفيضة ، كقول الصادقين (عليهما‌السلام) في صحيحة زرارة (1) حيث سألهما عما ينقض الوضوء فقالا : «ما يخرج من طرفيك الأسفلين : من الدبر والذكر : غائط أو بول أو مني أو ريح ، والنوم حتى يذهب العقل».

وقوله (عليه‌السلام) في صحيحة عبد الحميد بن عواض (2) : «من نام وهو راكع أو ساجد أو ماش على اي الحالات فعليه الوضوء».

وقول الرضا (عليه‌السلام) في صحيحة ابن المغيرة (3) حين سئل عن الرجل ينام على دابته فقال : «إذا ذهب النوم بالعقل فليعد الوضوء».

وقول الصادق (عليه‌السلام) في حسنة إسحاق بن عبد الله الأشعري (4) : «لا ينقض الوضوء إلا حدث ، والنوم حدث».

وقوله (عليه‌السلام) في رواية الكناني (5) حين سأل عن الرجل يخفق وهو في الصلاة فقال : «ان كان لا يحفظ حدثا منه ـ ان كان ـ فعليه الوضوء واعادة الصلاة وان كان يستيقن انه لم يحدث فليس عليه وضوء ولا اعادة».

وقول أحدهما (عليهما‌السلام) في صحيحة زرارة المضمرة (6) حين قال له : «الرجل ينام وهو على وضوء ، أتوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء؟ فقال : يا زرارة قد تنام العين ولا ينام القلب والاذن ، فإذا نامت العين والاذن والقلب وجب الوضوء قلت : فان حرك إلى جنبه شي‌ء ولم يعلم به؟ قال : لا حتى يستيقن انه قد نام ، حتى يجي‌ء من ذلك أمر بين ، وإلا فإنه على يقين من وضوئه ، ولا ينقض اليقين ابدا بالشك ، ولكن ينقضه بيقين آخر».

الى غير ذلك من الأخبار.

__________________

(1) المروية في الوسائل في الباب ـ 2 ـ من أبواب نواقض الوضوء.

(2 و 3 و 4 و 5) المروية في الوسائل في الباب ـ 3 ـ من أبواب نواقض الوضوء.

(6) المروية في الوسائل في الباب ـ 1 ـ من أبواب نواقض الوضوء ، وقد أسندها إلى الباقر (عليه‌السلام) في الصحيفة 143 من الجزء الأول.


واما ما يدل بظاهره على خلاف ذلك ـ كموثقة سماعة المضمرة في الفقيه (1) حيث «سأله عن الرجل يخفق رأسه وهو في الصلاة قائما أو راكعا قال : ليس عليه وضوء».

وما رواه فيه أيضا (2) مرسلا قال : «سئل موسى بن جعفر (عليه‌السلام) عن الرجل يرقد وهو قاعد ، هل عليه وضوء؟ فقال : لا وضوء عليه ما دام قاعدا ما لم ينفرج».

ورواية عمران بن حمران (3) انه سمع عبدا صالحا (عليه‌السلام) يقول : «من نام وهو جالس لم يتعمد النوم فلا وضوء عليه».

ورواية بكر بن أبي بكر الحضرمي (4) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) هل ينام الرجل وهو جالس؟ فقال : كان أبي (عليه‌السلام) يقول : إذا نام الرجل وهو جالس مجتمع فليس عليه وضوء ، وإذا نام مضطجعا فعليه الوضوء» ـ.

فالجواب عنه (أولا) ـ بأن الأخبار السابقة أصح سندا ، وأكثر عددا وأصرح دلالة ، وأشهر عملا ، وأظهر لمذهب الجمهور مخالفة (5) وللقرآن العزيز موافقة ،

__________________

(1 و 2) ج 1 ص 38 وفي الوسائل في الباب ـ 3 ـ من أبواب نواقض الوضوء.

(3 و 4) المروية في الوسائل في الباب ـ 3 ـ من أبواب نواقض الوضوء.

(5) قال ابن قدامة الحنبلي في المغني ج 1 ص 173 : «والنوم على ثلاثة أقسام : (الأول) ـ نوم المضطجع ، ناقض قليله وكثيرة (الثاني) ـ نوم القاعد ، ان كان كثيرا نقض رواية واحدة ، وان كان يسيرا لا ينقض ، وبه قال حماد والحكم ومالك والثوري وأصحاب الرأي ، وقال الشافعي لا ينقض وان كان كثيرا (الثالث) ـ نوم القائم والراكع والساجد فعن احمد روايتان : إحداهما ينقض ، وبه قال الشافعي وثانيتهما لا ينقض إلا إذا كثر. وذهب أبو حنيفة إلى ان النوم لا ينقض مطلقا ، واختلفت الرواية عن أحمد في القاعد المستند والمحتبى ، وان الاتكاء الشديد ينقض ، ولا حد للكثرة فإنها على ما جرت به العادة» وقال في بدائع الصنائع ج 1 ص 31 : «لا خلاف بين الفقهاء ان النوم مضطجعا في الصلاة وغيرها يكون ناقضا ، فإنه إذا نام مضطجعا استرخت مفاصله ، وكذا إذا


لما رواه ابن بكير في الموثق (1) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : قوله تعالى : «إذا قمتم إلى الصلاة.» ما يعني بذلك إذا قمتم إلى الصلاة؟ قال : إذا قمتم من النوم قلت : ينقض النوم الوضوء؟ فقال : نعم إذا كان يغلب على السمع ولا يسمع الصوت». بل نقل العلامة في المنتهى والشيخ في التبيان إجماع المفسرين على ذلك ، وحينئذ فيحمل ما ظهر في المخالفة على التقية ، ولعل في نسبته (عليه‌السلام) في الخبر الأخير ذلك إلى أبيه نوع اشعار بذلك ، أو على ما إذا لم يبلغ إلى ما يوجب ذهاب العقل كما حمله الشيخ

__________________

نام على أحد وركيه ، لأن مقعده يكون متجافيا عن الأرض فكان في معنى النوم مضطجعا لوجود سبب الحدث بواسطة استرخاء المفاصل وزوال مسكة اليقظة ، وفي غير هاتين الحالتين لا يكون النوم حدثا سواء غلبه النوم أو تعمده كان في الصلاة أو غيرها ، وقد روي عنه (ص) «إذا نامت العينان استطلق الوكاء». أشار إلى كون النوم حدثا ، حيث جعله علة لاستطلاق الوكاء» ثم فرع على هذا مسألة النوم في الصلاة قائما أو راكعا أو ساجدا فإنه لا يكون فيه استطلاق الوكاء. وكذا إذا كان خارج الصلاة فنام قائما أو راكعا أو جالسا على الأرض غير مستند إلى شي‌ء أو كان مستندا إلى جدار أو سارية أو رجل أو متكئا على يديه إذا كانت أليته مستوثقة من الأرض فإنه لا وضوء عليه. انتهى. وقال ابن حزم في المحلى ج 1 ص 222 : «النوم في ذاته حدث ينقض الوضوء ، سواء قل أو كثر ، قاعدا أو قائما في صلاة أو غيرها أو راكعا أو ساجدا أو متكئا أو مضطجعا. أيقن من حواليه انه لم يحدث أو لم يوقنوا. وذهب الأوزاعي إلى ان النوم لا ينقض الوضوء كيف كان. وقال مالك واحمد ابن حنبل : من نام نوما يسيرا وهو قاعد أو راكب لم ينتقض وضوؤه ، وما عدا هذه الأحوال فالقليل والكثير من النوم ينقض الوضوء. وقال الشافعي : جميع النوم بنقض الوضوء قليله وكثيرة إلا من نام جالسا غير زائل عن مستوي الجلوس فلا ينتقض وضوؤه. وقال أبو حنيفة : النوم لا ينقض الوضوء إلا ان يضطجع أو يتكى‌ء على إحدى أليتيه أو احدى وركيه فقط ، ولا ينقضه ساجدا أو قائما أو قاعدا أو راكعا. طال ذلك أو قصر».

(1) رواه صاحب الوسائل في الباب ـ 3 ـ من أبواب نواقض الوضوء.


عليه في التهذيبين ، وذلك هو ظاهر الرواية الأولى. فإن مجرد خفق الرأس سيما في حال الاشتغال بالصلاة لا يعبر به عن النوم المزيل للعقل بل من السنة المتقدمة له ، كما تشعر به صحيحة زرارة المتقدمة (1) ويدل عليه ما في الصحاح ، حيث قال : «خفق : حرك رأسه وهو ناعس».

واما ما نقل عن الصدوق في الفقيه ـ من عدم النقض بالنوم إلا حالة الانفراج ، بناء على ما رواه فيه من خبري سماعة وما أرسله عن الكاظم (عليه‌السلام) (2) ـ ففيه انه (قدس‌سره) قد صدر الباب بصحيحة زرارة المذكورة هنا (3) في صدر الروايات الدالة على النقض بالنوم من حيث كونه مذهبا للعقل ، لتعليق الحكم على الوصف المشعر بالعلية ، واحتمال عمله بالروايات الأخيرة مخصصة بصحيحة زرارة ـ كما فهمه عنه من نقل عنه القول بذلك في الكتاب المذكور ـ ليس اولى من عمله بالصحيحة المذكورة ، حيث صدر بها الباب. وحمل ما عداها من رواية سماعة على ما هو الظاهر منها من النعاس دون النوم كما ذكرنا ، ومن المرسلة الثانية على التقية. ولا ينافيه ما ذكره في أول كتابه من كونه إنما قصد إيراد ما يفتي به ويحكم بصحته ، إذ من المحتمل قريبا ان مراده بما يفتي به يعني يجزم بصحته ووروده عن المعصوم وان كان له نوع تخريج وتأويل ، فيصير عطف الجملة الثانية في كلامه للتفسير. وحمل مجرد روايته لبعض الأخبار الظاهرة المخالفة للمذهب كهذه الرواية ورواية الوضوء بماء الورد (4) ونحوهما على كون ذلك مذهبا له ـ سيما مع إيراد المعارض كما هنا ـ بعيد جدا.

وكيف كان فالقول بذلك مردود وقائله أعلم به.

ومما يدل على النقض في خصوص هذا الموضع ـ زيادة على ما تقدم ـ

__________________

(1 و 3) في الصحيفة 95.

(2) المتقدمين في الصحيفة 96.

(4) وهي رواية محمد بن عيسى المتقدمة في الصحيفة 394 من الجزء الأول.


صحيحة معمر بن خلاد (1) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن رجل به علة لا يقدر على الاضطجاع والوضوء يشتد عليه وهو قاعد مستند بالوسائد ، فربما أغفى وهو قاعد على تلك الحال. قال : يتوضأ. قلت له : ان الوضوء يشتد عليه لحال علته؟ فقال : إذا خفي عليه الصوت فقد وجب الوضوء عليه ...».

وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الخفقة والخفقتين. فقال : ما ادري ما الخفقة والخفقتان؟ ان الله تعالى يقول : «بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ» (3) ان عليا (عليه‌السلام) كان يقول : من وجد طعم النوم قائما أو قاعدا فقد وجب عليه الوضوء».

فوائد :

(الأولى) ـ ظاهر الاخبار المتقدمة ان سببية النوم للوضوء إنما هي من حيث كونه حدثا موجبا لذلك ، وبه جزم بعض أفاضل متأخري المتأخرين ، ونقل ان الظاهر انه هو المشهور بين الأصحاب ، لا باعتبار احتمال الحدث حالته كما ربما يفهمه بعض عبائر الأصحاب ، وهذا هو المعنى المراد من حسنة إسحاق بن عبد الله الأشعري المتقدمة (4) إذ الظاهر ان غرضه (عليه‌السلام) بيان ان ناقضية النوم من حيث انه حدث لا من جهة أنه مظنة للحدث كما زعمته العامة (5) فيكون الغرض من الخبر الرد عليهم في ذلك. وظني ان ما توهمه جملة من متأخري أصحابنا ومتأخريهم (رضوان الله عليهم) في معنى الخبر ـ من الاختلال ولزوم الإشكال في ترتيب الاشكال التي

__________________

(1) المروية في الوسائل في الباب ـ 4 ـ من أبواب نواقض الوضوء.

(2) المروية في الوسائل في الباب ـ 3 ـ من أبواب نواقض الوضوء.

(3) سورة القيامة. الآية 15.

(4) في الصحيفة 95.

(5) تقدم فيما نقلناه عن بدائع الصنائع في التعليقة 5 ص 96 ما يؤيد ذلك وان كان قول ابن حزم في المحلى فيما نقلناه عنه في التعليقة المذكورة : «النوم في ذاته حدث» ينافي ذلك.


يبتني عليها الاستدلال حتى أوسعوا في المخرج عن ذلك دائرة الاحتمال ـ ليس بذلك المراد في المقام ولا المقصود لهم (عليهم‌السلام) إذ لا يخفى على المتتبع لجملة اخبارهم والمتطلع في أحكامهم وآثارهم ان غرضهم من إلقاء الكلام إنما هو إفادة الأحكام الشرعية وبيان المعارف الدينية دون التنبيه على الدقائق اللغوية وما لا نفع له في الدين والدنيا بالكلية وان أباه من توفرت رغبته في العلوم العقلية ، وحينئذ فما ربما يشعر به ظاهر رواية الكناني المتقدمة (1) ـ من ترتب الوضوء على عدم حفظ الحدث منه الموهم بان نقض النوم إنما هو لاحتمال الحدث حالته ـ مما يجب ارتكاب التأويل فيه جمعا ، بان يجعل عدم حفظ الحدث منه ـ ان كان ـ دليلا على غلبة النوم على العقل كعدم سماع الصوت مثلا.

لكن روى الصدوق (قدس‌سره) في العلل والعيون (2) بسند معتبر عن الفضل بن شاذان في العلل التي رواها عن الرضا (عليه‌السلام) قال : «فان قال قائل : فلم وجب الوضوء مما خرج من الطرفين خاصة ومن النوم دون سائر الأشياء؟ قيل : لان الطرفين هما طريق النجاسة ، إلى ان قال : واما النوم فإن النائم إذا غلب عليه النوم يفتح كل شي‌ء منه واسترخى ، فكان أغلب الأشياء فيما يخرج منه الريح ، فوجب عليه الوضوء لهذه العلة. الحديث».

وهو ـ كما ترى ـ صريح في الدلالة على ان نقض النوم انما هو لاحتمال خروج الحدث ، وهو مشكل ، لان قصارى ما يفيده احتمال خروج الناقض بالنوم ، وهو لا ينقض يقين الطهارة ، لما ثبت بالأخبار المستفيضة من عدم نقض اليقين بالشك ، ولا سيما موثقة ابن بكير (3) الدالة على المنع من الوضوء حتى يستيقن الحدث.

ولا ريب ان الترجيح لهذه الأخبار لصحتها سندا ، وصراحتها دلالة ،

__________________

(1) في الصحيفة 95.

(2) رواه في العلل في الصحيفة 96 ، وفي العيون في الصحيفة 290 ، وفي الوسائل في الباب ـ 3 ـ من أبواب نواقض الوضوء.

(3) الآتية في الصحيفة 101.


واعتضادها بعمل الفرقة الناجية بها سلفا وخلفا في مواضع عديدة.

والظاهر في الخبر المذكور ان ذكر احتمال خروج الحدث ليس على جهة العلية في النقض بل لبيان الحكمة في نقض النوم ، كما في سائر العلل التي نقلها ، فإن أكثر العلل الواردة في الاخبار اما لتقريب الافهام القاصرة بالنكت البينة الظاهرة ، أو لبيان الداعي إلى الفعل ، أو لبيان وجه المصلحة ، أو نحو ذلك ، وحينئذ فلا يلزم استناد النقض إلى احتمال الحدث ليترتب عليه الاشكال المذكور.

(الثانية) ـ قال في التذكرة : «لو شك في النوم لم تنتقض طهارته ، وكذا لو تخايل له شي‌ء ولم يعلم انه منام أو حديث النفس ، ولو تحقق أنه رؤيا نقض» انتهى.

وقال في المدارك بعد نقله : «وهو كذلك» انتهى.

أقول : فينبغي ان يراد بالشك الذي لا يعارض به اليقين ما هو أعم منه ومن الظن ، لانه المستفاد من الاخبار :

ومنها ـ صحيحة زرارة المتقدمة (1) آخر الروايات الاولى.

وموثقة عبد الله بن بكير (2) قال : «إذا استيقنت أنك أحدثت فتوضأ ، وإياك ان تحدث وضوء ابدا حتى تستيقن انك قد أحدثت».

وصحيحة زرارة الطويلة (3) وفيها «قلت : فان ظننت أنه أصابه ولم أتيقن ذلك فنظرت فلم أر شيئا ثم صليت فرأيت فيه؟ قال : تغسله ولا تعيد الصلاة ، قلت : لم ذلك

__________________

(1) في الصحيفة 95.

(2) المروية في الوسائل في الباب ـ 1 ـ من أبواب نواقض الوضوء ، وفي الباب ـ 44 ـ من أبواب الوضوء. والرواية ـ كما في كتب الحديث ـ يرويها عبد الله بن بكير عن أبيه عن الصادق (عليه‌السلام).

(3) المروية في الوسائل بنحو التقطيع في الباب ـ 7 و 37 و 41 و 42 و 44 ـ من أبواب النجاسات.


قال : لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت ، فليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك ابدا. الحديث».

وحينئذ فما يظهر من كلام بعض من إلحاق الظن باليقين ليس بجيد.

ثم ان في قوله : «ولو تحقق أنه رؤيا نقض» نظرا نبه عليه بعض محققي متأخري المتأخرين ، قال : «إذ يمكن ان تتحقق الرؤيا مع عدم إبطال السمع والعقل إذا قوي الخيال كما تشهد به التجربة ، وحينئذ فالحكم بالنقض مشكل» انتهى. وهو جيد.

(الثالثة) ـ روى الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (1) «في الرجل هل ينقض وضوؤه إذا نام وهو جالس؟ قال : ان كان يوم الجمعة وهو في المسجد فلا وضوء عليه ، وذلك انه في حال ضرورة».

وظاهر الخبر ـ كما ترى ـ لا يخلو من الاشكال ، وحمله الشيخ (رحمه‌الله) على عدم التمكن من الوضوء وان عليه التيمم ، قال : «لان ما ينقض الوضوء لا يختص بيوم الجمعة ، والوجه فيه انه يتيمم ويصلي فإذا انفض الجمع توضأ وأعاد الصلاة ، لأنه ربما لا يقدر على الخروج من الزحمة».

واعترضه المحقق الشيخ حسن صاحب المنتقى في الكتاب المذكور بان فيما ذكره (رحمه‌الله) بعدا قال : «ولعل الوجه في ذلك مراعاة التقية بترك الخروج للوضوء في تلك الحال ، أو عدم تحقق القدر الناقض من النوم مع رجحان احتماله بحيث لو كان في غير الموضع المفروض لحسن الاحتياط بالإعادة ، وحيث انه في حال ضرورة فالاحتياط ليس بمطلوب منه» انتهى.

واعترضه أخوه لأمه الفاضل السيد نور الدين في شرحه على المختصر ، فقال بعد نقل هذا الكلام : «ولا يخفى ان ما استبعده من حمل الشيخ ليس بأبعد من هذا الحمل على كلا توجيهيه (اما الأول) فلان تحقق التقية في مثله في غاية الندور ، لانه

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب ـ 3 ـ من أبواب نواقض الوضوء.


موقوف على انحصار سبب الوضوء في ذلك عند من يتقى منه ، ومتى يحصل هذا الحصر مع تجويز خلافه من الحدث الذي قد لا يدركه غير صاحبه؟ ولا شك ان الدخول في الصلاة بغير طهارة كيف كان لم يعهد جوازه في الشرع ولو مع الضرورة ، كما يدل عليه ما رواه الصدوق (رحمه‌الله) عن مسعدة بن صدقة (1) ان قائلا قال لجعفر بن محمد (عليهما‌السلام): «جعلت فداك إني أمر بقوم ناصبية وقد أقيمت لهم الصلاة وانا على غير وضوء ، فان لم أدخل معهم في الصلاة قالوا ما شاءوا ان يقولوا ، أفأصلي معهم ثم أتوضأ وأصلي إذا انصرفت؟ فقال جعفر (عليه‌السلام) : سبحان الله اما يخاف من يصلي على غير وضوء ان تأخذه الأرض خسفا؟». على انه لو تم ذلك فلا يلائم عدم وجوب الإعادة مطلقا ، للاتفاق على بطلان الصلاة مع فقد الطهارة ، وربما كانت تلك الصلاة واجبة كما هو الظاهر. و (اما الثاني) ـ فلان حمله على عدم تيقن النقض لا يوافق تقييده بالضرورة ، لأنه على هذا التقدير لا شبهة في عدم وجوب الوضوء مطلقا ، بل لا يسوغ الاحتياط بفعله ، للنهي عن نقض اليقين بالشك وانه لا ينقض إلا بيقين آخر ، كما دلت عليه(رواية زرارة المتقدمة (2) وموثقة بكير بن أعين (3) صريحة في ذلك ، حيث قال في آخرها : إياك ان تحدث وضوء ابدا حتى تستيقن انك قد أحدثت». انتهى كلامه زيد مقامه.

وفيه (أولا) ـ ان ما ذكره ـ في التوجيه الأول من معنى التقية ـ الظاهر انه ليس بمراد ذلك القائل ، بل الظاهر ان مراده إنما هو الخوف الناشئ من التهمة بترك الصلاة لخروجه من المسجد في أثناء الصلاة ، سيما مع استلزامه التخطي بين الصفوف

__________________

(1) ج 1 ص 251 ، وفي الوسائل في الباب ـ 2 ـ من أبواب الوضوء.

(2) وقد تقدمت في الصحيفة 95.

(3) المروية في الوسائل في الباب ـ 1 ـ من أبواب نواقض الوضوء ، وفي الباب ـ 44 ـ من أبواب الوضوء ، وقد تقدمت في الصحيفة 101.


المحظور عندهم ، ولعل في قوله : «في تلك الحال» إشارة إلى هذا المعنى الذي ذكرناه لا التقية بالنقض بالنوم من حيث انه ليس بناقض عندهم كما توهمه. نعم ينقدح عليه ما ذكره من لزوم الدخول في الصلاة بغير وضوء مع ورود الخبر المذكور بالمنع منه وان كان تقية. إلا ان الخبر المشار اليه لا يخلو أيضا من الاشكال الموجب لضعف الاستدلال و (ثانيا) ـ ان ما طعن به على التوجيه الثاني غير موجه ، وذلك فان الظاهر ان مراد ذلك القائل ان التقييد بالضرورة إنما هو للاحتياط بالوضوء وعدمه كما هو صريح آخر كلامه ، فقول المعترض : ـ «لانه على هذا التقدير. إلخ» ـ ليس في محله.

قوله ـ : «بل لا يسوغ الاحتياط بفعله. إلخ» ـ مردود (أولا) ـ بعموم اخبار الاحتياط الشاملة لما نحن فيه.

و (ثانيا) ـ بان ما استند اليه من الأخبار محمول على الوضوء بقصد الوجوب ، فإنه المستلزم لنقض اليقين لا مطلقا ، وإلا لانتقض بالوضوء المجدد مع ثبوته إجماعا نصا وفتوى

(الرابعة) ـ المشهور ـ بل ادعى عليه غير واحد من متأخري أصحابنا الإجماع ـ على عد مزيل العقل من إغماء وسكر وجنون ونحوها من جملة الأسباب الموجبة للوضوء ، والمذكور في كلام الشيخين في المقنعة والتهذيب ـ وهو الذي ادعى عليه في التهذيب الإجماع ـ المرض المانع من الذكر ، كالمرة التي ينغمر بها العقل والإغماء ، والمراد بالمانع من الذكر ـ كما استظهره بعض الفضلاء من كلامه ـ ان لا يكون الإنسان معه ضابطا لما يكون منه من حدث.

واما ذكر الجنون والسكر ـ والاستدلال عليهما بصحيحة معمر بن خلاد (1) التي استدل بها في التهذيب على ما ذكره ـ فهو من زيادات العلامة والشهيد (رحمهما‌الله تعالى)

قال في التهذيب بعد نقل الرواية المذكورة : قوله (عليه‌السلام): «إذا خفي عنه

__________________

(1) المتقدمة في الصحيفة 99.


الصوت فقد وجب الوضوء عليه». يدل على ما ذكره من اعادة الوضوء من الإغماء والمرة وكل ما يمنع من الذكر. انتهى.

وأورد عليه ان الإغماء لغة بمعنى النوم. فقوله (عليه‌السلام) : «إذا خفي عنه الصوت فقد وجب الوضوء عليه» في قوة قوله : «إذا خفي عنه الصوت في حال اغفائه فقد وجب عليه الوضوء».

وأجيب بأن كلامه (عليه‌السلام) مطلق فلا يتقيد بالمقدمة الخاصة.

ورد بان المحدث عنه هو ذلك الرجل الذي غفي وهو قاعد. فلا يكون مطلقا بل مقيدا بالنوم. وحينئذ فلا دلالة للخبر على المدعى.

وتمحل بعض متأخري المتأخرين في لفظ الإغفاء ، فاستظهر حمله في الرواية على الإغماء مستندا إلى دلالة «ربما» على التكثير ، قال : «بل هو الغالب فيها كما صرح به في مغني اللبيب ، بل ذكر الشيخ الرضي (رحمه‌الله) ان التكثير صار لها كالمعنى الحقيقي والتقليل كالمعنى المجازي المحتاج إلى القرينة ، والذي يكثر في حال المرض هو الإغماء دون النوم» انتهى. ولا يخفى ما فيه.

وكيف كان فالخبر المذكور أخص من المدعى ، لاختصاصه بما خفي فيه الصوت ، فلا يتناول مثل الجنون والسكر ونحوهما مع عدم خفاء الصوت.

وربما استدل أيضا بتعليق نقض النوم بذهاب العقل فيما تقدم من الأخبار ، كقوله (عليه‌السلام) في صحيحة زرارة عن الصادقين (عليهما‌السلام) (1) : «والنوم حتى يذهب العقل ...». وفي صحيحة ابن المغبرة (2) : «إذا ذهب النوم بالعقل ...».

ورد بأن غاية ما تدل عليه تلك الأخبار هو نقض النوم عند ذهاب العقل وعدم نقضه قبله ، وبمجرد هذا الدوران لا تثبت العلية ، لجواز أن لا يكون له دخل في العلية

__________________

(1) المروية في الوسائل في الباب ـ 2 ـ من أبواب نواقض الوضوء.

(2) المروية في الوسائل في الباب ـ 3 ـ من أبواب نواقض الوضوء.


أصلا ، أو تكون خصوصية النوم شرطا في النقض أيضا ، فلا تثبت العلية له مجردا.

وصار بعض إلى الاستدلال على ذلك بما دل على حكم النوم من باب التنبيه والأولوية ، قال : «فإنه إذا وجب الوضوء بالنوم الذي يجوز معه الحدث كما تدل عليه إناطته بإزالة العقل وجب بالإغماء والسكر بطريق أولى» انتهى.

وفيه انك قد عرفت مما سبق ان ظاهر الأخبار كون النوم من حيث هو ناقضا لا من حيث احتمال طرو الحدث حالته ، وان ما دل على خلاف ذلك فإنه ـ مع عدم الصراحة ـ معارض بما هو أقوى منه. والأولوية التي ادعاها انما تثبت لو ثبت ان العلة في نقض النوم ما ادعاه.

وظاهر المحدث الأمين الأسترآبادي (قدس‌سره) الاستدلال على ذلك بصحيحة معمر بن خلاد (1) وتعدية الحكم إلى ما خفي فيه الصوت من سكر ونحوه ـ لا في الجنون ولا في كل افراد السكر ـ بطريق تنقيح المناط كما قدمنا الإشارة اليه.

وفيه ما عرفت من جواز مدخلية خصوص النوم في العلية ، وإلغاؤها ـ ليثبت الحكم كليا كما هو معنى تنقيح المناط ـ يحتاج إلى دليل. والعجب منه (رحمه‌الله) في ادعائه فيما تقدم من كلامه قطعية أحد فردي تنقيح المناط وعده ما هنا وهناك من قبيل ذلك من غير إيراد برهان واضح على ما ادعاه من القطعية ، بل ولا الإشارة إلى ذلك بالكلية ، مع كونه لا يعتمد على الظن وان كان مستفادا من الدليل ، بل يمنع من سلوك تلك السبيل وينسب من سلكه إلى الضلال والتضليل ، كما أطال به في الفوائد المدنية التشنيع والتسجيل.

والتحقيق في المقام ان يقال : انك إذا رجعت إلى الروايات المتقدمة في المسألة وضممت بعضها إلى بعض وجدتها متفقة على النقض بالنوم ، لكن ربما حصل الاشكال

__________________

(1) المتقدمة في الصحيفة 99.


فيما به يتحقق ذلك ، ومن ثم كثر السؤال عنه في الأخبار ، كما يدل عليه أخبار الخفقة والخفقتين ونحوها ، فجعلوا (عليهم‌السلام) له مناطا يعلم به وحدّا يرجع اليه ، وهو غلبته على العقل تارة وعدم السماع اخرى ، وربما جمعوا بينهما ، وحينئذ فهذه الأشياء لا تصلح لعلية النقض مطلقا ، لان الشارع إنما جعلها مناطا لاستعلام الناقض ، فتعدية النقض إليها ـ وإلغاء خصوصية النوم من البين ـ أمر لا أثر له في الأخبار ولا عين.

وبعض فضلاء متأخري المتأخرين ـ حيث ضاق عليه المجال في المقام بما وقع فيه من النقض والإبرام ـ تشبث بذيل الإجماع. وأنت خبير بما فيه من المناقشة والنزاع

نعم روى في كتاب دعائم الإسلام (1) عن جعفر بن محمد عن آبائه (عليهم‌السلام): «ان الوضوء لا يجب إلا من حدث ، وان المرء إذا توضأ صلى بوضوئه ذلك ما شاء من الصلوات ما لم يحدث أو ينم أو يجامع أو يغم عليه أو يكون منه ما يجب منه اعادة الوضوء». إلا ان الكتاب المذكور قد عرفت ما في الاعتماد عليه فيما سبق (2).

هذا ما يقتضيه النظر في أدلة المسألة ، والاحتياط مما لا تهمل المحافظة عليه.

واما بعض أقسام المستحاضة الذي هو أحد أسباب الوضوء فسيأتي تحقيقه في محله

(البحث الثالث) ـ الأشهر الأظهر انه لا يوجب الوضوء غير ما قدمنا ذكره وههنا أشياء قد اختلفت فيها الأخبار ، وبذلك وقع الاختلاف فيها بين علمائنا الأبرار.

(فمنها) ـ المذي ، والمشهور عدم إيجابه الوضوء ، وذهب ابن الجنيد إلى انه متى كان من شهوة أوجب الوضوء ، وربما أشعر كلام الشيخ في التهذيب بموافقته له فيما إذا كان كثيرا خارجا عن المعتاد ، لكن الظاهر انه لا يثبت بمجرد ذلك كونه مذهبا له ، فإنه ذكره في مقام الاحتمال للجمع بين الأخبار ، ومثله لو عد مذهبا له لم تنحصر مذاهبه.

والأخبار الدالة على القول المشهور متكاثرة :

__________________

(1) ج 1 ص 123.

(2) ص 44.


و (منها) ـ الأخبار الدالة على الحصر في الأسباب المتقدمة حسبما قدمنا (1)

و (منها) ـ حسنة زرارة عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «ان سال من ذكرك شي‌ء من مذي أو ودي وأنت في الصلاة ، فلا تغسله ولا تقطع له الصلاة ولا تنقض له الوضوء وان بلغ عقبيك ، فإنما ذلك بمنزلة النخامة. الحديث».

وعلى هذا المنوال صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع (3) وحسنة بريد بن معاوية (4) وحسنة محمد بن مسلم (5) وصحيحة زيد الشحام وزرارة ومحمد بن مسلم (6) وصحيحة ابن أبي عمير عن غير واحد من أصحابنا (7) وفيها تصريح بكون المذي من الشهوة ، وموثقة إسحاق بن عمار (8) ورواية عمر بن حنظلة (9) ورواية عنبسة بن مصعب (10) ومرسلة ابن رباط (11) وظاهرها تخصيص المذي بما يخرج من الشهوة.

ويدل على ما ذكره ابن الجنيد روايات : (منها) ـ صحيحة محمد بن إسماعيل ابن بزيع (12) قال : «سألت الرضا (عليه‌السلام) عن المذي فأمرني بالوضوء منه ، ثم أعدت عليه في سنة أخرى فأمرني بالوضوء منه. وقال : ان علي ابن ابى طالب (عليه‌السلام) أمر المقداد بن الأسود ان يسأل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) واستحيي أن يسأله ، فقال : فيه الوضوء».

ويرد على الاستدلال بهذه الرواية (أولا) ـ ان موثقة إسحاق بن عمار المشار إليها آنفا عن الصادق (عليه‌السلام) «تضمنت ان عليا (عليه‌السلام) كان رجلا مذاء

__________________

(1) في الصحيفة 87.

(2 و 3 و 4 و 5 و 6 و 8 و 9 و 11 و 12) المروية في الوسائل في الباب ـ 12 ـ من أبواب نواقض الوضوء.

(7) المروية في الوسائل في الباب ـ 9 ـ من أبواب نواقض الوضوء.

(10) المروية في الوسائل في الباب ـ 12 ـ من أبواب نواقض الوضوء ، وفي الباب ـ 4 و 7 ـ من أبواب الجنابة.


واستحيي أن يسأل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لمكان فاطمة ، فأمر المقداد أن يسأله وهو جالس ، فسأله فقال : ليس بشي‌ء». والترجيح لهذه الرواية لاعتضادها بالأخبار المستفيضة المتقدمة.

و (ثانيا) ـ ان الراوي المشار اليه بعينهروى في الصحيح عن أبي الحسن (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن المذي فأمرني بالوضوء منه ، ثم أعدت عليه سنة أخرى ، فأمرني بالوضوء منه ، وقال : ان عليا (عليه‌السلام) أمر المقداد أن يسأل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) واستحيي أن يسأله ، فقال : فيه الوضوء. قلت : فان لم أتوضأ؟ قال لا بأس». ومن القواعد المقررة عندهم انه إذا روي الخبر تارة مع زيادة واخرى بدونها عمل على تلك الزيادة ما لم تكن مغيرة ، وهذا الخبر مما يدل على ان الأمر بالوضوء فيما تضمنه من تلك الأخبار على الاستحباب.

ثم ان الظاهر ان هذه الرواية لا تصلح مستندا لما ذهب اليه ابن الجنيد لتخصيصه الناقض من المذي بما يخرج بشهوة ، وهذه الرواية مطلقة ، وحملها على الخارج بشهوة ليس أولى من الحمل على الاستحباب لما علمت.

ومما يدل أيضا على ما ذهب إليه صحيحة علي بن يقطين (2) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن المذي أينقض الوضوء؟ قال : ان كان من شهوة نقض».

ورواية أبي بصير (3) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : المذي يخرج من الرجل؟ قال : أحد لك فيه حدا؟ قال : قلت : نعم جعلت فداك. قال : ان خرج منك على شهوة فتوضأ ، وان خرج منك على غير ذلك فليس عليك فيه وضوء».

ونحوهما رواية الكاهلي (4).

والاستدلال بهذه الروايات أيضا لا يخلو من الإشكال :

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) المروية في الوسائل في الباب ـ 12 ـ من أبواب نواقض الوضوء.


(اما أولا) ـ فلان ظاهر مرسلة ابن رباط المتقدمة (1) ـ حيث قال فيها : «واما المذي فإنه يخرج من الشهوة». ـ اختصاص المذي بالخارج عن شهوة ، ويؤيده ما ذكره في الفقيه (2) حيث قال : «والمذي ما يخرج قبل المني». وكلام أهل اللغة أيضا ، حيث خصوه بذلك أيضا ، ولذلك عرفه شيخنا الشهيد الثاني بأنه ماء رقيق لزج يخرج عقيب الشهوة ، ونظم ذلك بعض متأخري علمائنا فقال :

المذي ماء رقيق اصفر لزج
 

 

خروجه بعد تفخيذ وتقبيل
 

x

وحينئذ فما اشتملت عليه هذه الأخبار ـ من وجود فرد له ليس عن شهوة ـ مشكل

و (ثانيا) ـ انه قد روى يعقوب بن يقطين في الصحيح (3) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الرجل يمذي وهو في الصلاة من شهوة أو من غير شهوة. قال : المذي منه الوضوء». فإنها دالة على ثبوت الوضوء منه وان لم يكن عن شهوة. وحمل الشيخ (رحمه‌الله) ـ الخبر المذكور على التعجب والاستفهام الإنكاري ـ لا يخلو من بعد.

وظاهر جماعة من متأخري متأخرينا (رضوان الله عليهم) حمل هذه الأخبار كلا على الاستحباب جمعا ، وأيدوه بصحيحة ابن بزيع الثانية (4) وهو وان احتمل إلا ان الظاهر ان الأقرب الحمل على التقية :

(أما أولا) ـ فلأنها ـ كما ذكرنا سابقا ـ هي الأصل في اختلاف الأخبار ، والعامة كلهم إلا الشاذ منهم على النقض به (5).

__________________

(1) تقدمت الإشارة إليها في الصحيفة 108.

(2) ج 1 ص 39.

(3) رواه صاحب الوسائل في الباب ـ 12 ـ من أبواب نواقض الوضوء.

(4) المتقدمة في الصحيفة 109.

(5) كما في بدائع الصنائع للكاساني الحنفي ج 1 ص 25 ، والمغني لابن قدامة الحنبلي ج 1 ص 170 ، والام للشافعي ج 1 ص 14. وفي شرح النووي على صحيح مسلم على هامش إرشاد الساري ج 2 ص 344 حكى عن أبي حنيفة والشافعي واحمد والجماهير انه يوجب الوضوء. وفي كتاب رحمة الأمة في اختلاف الأئمة على هامش الميزان للشعرانى ج 1 ص 12


(لا يقال) : انهم لا يخصون النقض بالخارج عن الشهوة كما هو ظاهر الأخبار.

(لأنا نقول) : قد عرفت مما حققناه سابقا انه لا يشترط في الحمل على التقية وجود القائل بذلك ، مع ان بعض هذه الأخبار المخالفة قد تضمنت النقض بكلا الفردين كما عرفت ، وبعضا به مطلقا.

و (اما ثانيا) ـ فلأنها أحد طرق الترجيح عند تعارض الأخبار دون الحمل على الاستحباب والكراهة وان اشتهر بين أصحابنا الجمع بين الأخبار بذلك وإلغاء تلك واما الرواية أعني صحيحة محمد بن إسماعيل فيمكن حملها على ان نفي البأس عن عدم الوضوء بسببه مع عدم التقية ، وهو لا ينافي الأمر به تقية ، فتحمل أوامره (عليه‌السلام) بالوضوء أولا مع النقل المذكور على التقية ، ونفي البأس عن عدم الوضوء منه على عدمها. ولعل قرائن الحال في وقت السؤال كانت دالة على ذلك وان خفي علينا الآن العلم بذلك ومثله في الأخبار غير عزيز.

وربما احتمل بعض فضلاء متأخري المتأخرين (رضوان الله عليهم) حمل مطلق الأخبار الواردة في المسألة على مقيدها ، فيجب الوضوء مما خرج بشهوة.

وفيه ان تقييد المطلق ارتكاب لما هو خلاف الظاهر فيه البتة ، فلو أمكن التأويل في المقيد ولم يكن في ارتكابه خلاف الظاهر أو كان أقل مرتبة من الخلاف الذي في جانب المطلق ، تعين التأويل في جانب المقيد ولم يرتكب حمل المطلق عليه. وما نحن فيه

__________________

«والمذي ينقض الوضوء إلا عند مالك» وفي عمدة القارئ للعيني شرح البخاري ج 2 ص 26 «لا خلاف في وجوب الوضوء منه ولا خلاف في عدم وجوب الغسل» ثم نقل عن القاضي عياض المالكي «أن المذي المتعارف ـ وهو الخارج عند ملاعبة الرجل اهله لما يجري من اللذة أو لطول العزوبة ـ لا خلاف بين المسلمين في إيجاب الوضوء منه وإيجاب غسله لنجاسته» وفي بداية المجتهد لابن رشد المالكي ج 1 ص 30 دعوى الاتفاق على ناقضيته إذا كان خروجه على وجه الصحة لا المرض. ويظهر الاتفاق على ذلك من (الفقه على المذاهب الأربعة) ج 1 ص 77 حيث ذكرت ناقضيته ولم يذكر خلاف المذاهب فيها.


من قيل الثاني ، لأن المذي ان لم نقل بأنه مخصوص بما يخرج عقيب الشهوة كما أسلفنا ، وحينئذ فلا يكون من قبيل تعارض المطلق والمقيد ، فلا أقل من ان يكون الغالب منه هو ما يكون عقيب الشهوة. وحينئذ فحمل تلك الأخبار المستفيضة المتكاثرة على ما هو الفرد النادر الغير المتعارف أشد خلافا للظاهر البتة من حمل تلك الروايات المخالفة على التقية كما اخترناه ، أو الاستحباب كما نقلناه.

و (اما ثالثا) ـ فلأن صحيحة ابن أبي عمير (1) دلت على نفي الوضوء في المذي من الشهوة. وإرسالها غير ضائر ، لما تقرر عندهم من عد مراسيله في جملة المسانيد ، فلا ينافي إرسالها الصحة سيما مع كونه رواها عن غير واحد من أصحابنا مما يؤذن باستفاضة الحكم بذلك. هذا ما اقتضاه النظر. والاحتياط في كل مقام من أعظم المهام.

و (منها) ـ التقبيل ، ومس الفرجين ظاهرا أو باطنا من محلل أو محرم ، والقهقهة ولو في الصلاة ، والحقنة والدم الخارج من السبيلين المشكوك في مصاحبة الناقض له خلافا لابن الجنيد في الأول مقيدا بكونه عن شهوة وكونه لمحرم ، وفي الثاني مقيدا له بالباطن في فرجيه وبالباطن في فرج الغير بشرط الشهوة من المحلل والمحرم ، وللصدوق أيضا في الثاني بالنسبة إلى الإنسان نفسه في باطن دبره وإحليله ، ولابن الجنيد في الثالث مقيدا له بكونه في الصلاة متعمدا لنظر أو سماع ما أضحكه ، وفي الرابع والخامس ، مع انه سلم ان الدم الخارج من السبيلين إذا علم خلوه من النجاسة لا يعد ناقضا.

واحتج على الأول برواية أبي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «إذا قبل الرجل المرأة من شهوة أو مس فرجها أعاد الوضوء».

وعلى الثاني بالرواية المذكورة ، وبموثقة عمار (3) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يتوضأ ثم يمس باطن دبره. قال : نقض وضوءه. وان مس باطن

__________________

(1) تقدمت الإشارة إليها في الصحيفة 108.

(2 و 3) المروية في الوسائل في الباب ـ 9 ـ من أبواب نواقض الوضوء.


إحليله فعليه ان يعيد الوضوء ، وان كان في الصلاة قطع الصلاة ويتوضأ ويعيد الصلاة ، وان فتح إحليله أعاد الوضوء وأعاد الصلاة».

وبمضمون هذه الرواية عبر في الفقيه (1) فقال : «وإذا مس الرجل باطن دبره أو باطن إحليله فعليه ان يعيد الوضوء ، وان كان في الصلاة قطع الصلاة وتوضأ وأعاد الصلاة ، وان فتح إحليله أعاد الوضوء والصلاة» انتهى.

وعلى الثالث برواية سماعة (2) قال : «سألته عما ينقض الوضوء. قال : الحدث تسمع صوته أو تجد ريحه ، والقرقرة في البطن إلا شي‌ء تصبر عليه ، والضحك في الصلاة ، والقي‌ء».

واما الرابع فلم نقف له على دليل ، والعلامة في المختلف مع تكلفه نقل الأدلة لما ينقله فيه من الأقوال نقله ولم يذكر له دليلا ، ويمكن استناده فيه إلى إطلاق بعض الأخبار الدالة على نقض ما يخرج من السبيلين.

واما الخامس فنقل في المختلف عنه الاستدلال بأنه بعد خروج الدم المشكوك في ممازجته للنجاسة شاك في الطهارة. فلا يجوز له الدخول في الصلاة ، لأن المأمور به الدخول بطهارة يقينية.

والجواب عن ذلك (أولا) ـ بالمعارضة بالأخبار (3) الدالة على حصر الأسباب الموجبة فيما قدمناه مما أسلفنا ذكره وأوسعنا نشره.

و (ثانيا) ـ اما عن الأول فبالمعارضة بصحيحة الحلبي (4) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن القبلة تنقض الوضوء؟ قال : لا بأس».

__________________

(1) ج 1 ص 39.

(2) المروية في الوسائل في الباب ـ 6 ـ من أبواب نواقض الوضوء.

(3) المتقدمة في الصحيفة 87.

(4) المروية في الوسائل في الباب ـ 9 ـ من أبواب نواقض الوضوء.


وصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (1) قال : «ليس في القبلة ولا في المباشرة ولا مس الفرج وضوء».

ومثلها صحيحة زرارة الأخرى (2) ورواية عبد الرحمن ابن أبي عبد الله (3). واما عن الثاني فبالمعارضة بصحيحة زرارة المذكورة وموثقة سماعة (4) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يمس ذكره أو فرجه أو أسفل من ذلك وهو قائم يصلي ، أيعيد وضوءه؟ فقال : لا بأس بذلك ، إنما هو من جسده».

وصحيحة معاوية بن عمار (5) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يعبث بذكره في الصلاة المكتوبة. قال : لا بأس».

ومثلها رواية عبد الرحمن ابن أبي عبد الله وصحيحة زرارة.

واما عن الرابع فبعدم الدليل ، وضعف الاستناد إلى ما احتملناه له ظاهرا.

واما عن الخامس فيما ذكره العلامة في المختلف ، وحاصله ان ذلك يرجع إلى الشك في الحدث مع تيقن الطهارة.

والتحقيق حمل ما تمسكوا به من الأخبار على التقية ، حيث ان كثيرا من العامة بل الأكثر ـ كما يفهم من التذكرة ـ قائلون بمضمون ذلك (6) واما الحمل على الاستحباب

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) المروية في الوسائل في الباب ـ 9 ـ من أبواب نواقض الوضوء.

(5) المروية في الوسائل في الباب ـ 9 ـ من أبواب نواقض الوضوء والباب ـ 26 ـ من قواطع الصلاة.

(6) اما التقبيل ففي المغني لابن قدامة الحنبلي ج 1 ص 192 «المشهور من مذهب احمد ان لمس النساء بشهوة ينقض الوضوء ولا ينقضه لغير شهوة ، وهذا قول علقمة وابى عبيدة والنخعي والحكم وحماد ومالك والثوري وإسحاق والشعبي ، فإنهم قالوا : يجب الوضوء على من قبل لشهوة ولا يجب على من قبل لرحمة. وممن أوجب الوضوء في القبلة ابن مسعود وابن عمر والزهري وزيد بن أسلم ومكحول ويحيى الأنصاري وربيعة والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز والشافعي» وفي المدونة لمالك ج 1 ص 13 ما يوافق ذلك. واما مس الفرجين ففي المحلى لابن حزم ج 1 ص 235 ذكر في مقام بيان نواقض الوضوء : مس الرجل ذكر نفسه عمدا بأي شي‌ء كان سوى مسه بالفخذ والساق والرجل من نفسه ، ومس المرأة فرجها عمدا كذلك ،


فظني بعده وان صرح به جملة من الأصحاب واعتمدوه جمعا بين الأخبار في جملة الأبواب بل صرح بعضهم بترجيح الجمع به بين الأخبار وان أطبق العامة على القول المخالف ، وهو اجتهاد بحت في مقابلة النصوص ، وتخريج صرف ، بل خروج عن الطريق المنصوص

__________________

ومس الرجل ذكر غيره صغيرا كان أو كبيرا حيا أو ميتا ، بأي عضو مسه عمدا من جميع جسده ، من ذي رحم محرمة أو من غيره ، ومس المرأة فرج غيرها عمدا كذلك ، وانه لا دخل للذة في شي‌ء من ذلك ، وفي ص 227 منه نسب الحكم بناقضية مس الفرج إلى سعد ابن ابى وقاص وابن عمر وعطاء وعروة وسعيد بن المسيب وجابر بن زيد وابان بن عثمان وابن جريح والأوزاعي والليث والشافعي وداود واحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وغيرهم ، وذكر ان الشافعي والأوزاعي خصا الوضوء من المس بباطن الكف دون ظاهرها ، وان عطاء ابن ابى رباح لا يرى انتقاض الوضوء بمس الفرج بالفخذ والساق ويحكم بانتقاضه بالمس بالذراع.

واما القهقهة ففي البدائع للكاساني الحنفي ج 1 ص 22 انها ناقضة للوضوء إذا كانت في الصلاة التي لها ركوع وسجود ، فلا تكون حدثا خارج الصلاة ولا في صلاة الجنازة وسجدة التلاوة ، وان التبسم ليس بحدث. وفي المغني ج 1 ص 177 نسب إلى أصحاب الرأي انه يجب الوضوء من القهقهة داخل الصلاة دون خارجها ، وقال : «وروى ذلك عن الحسن والنخعي والثوري».

واما الحقنة ففي كتاب الأم للشافعي ج 1 ص 14 «ان جميع ما خرج من ذكر أو دبر أو حقنة ذكر أو دبر فخرج على وجهه أو يخلطه شي‌ء غيره ففيه كله الوضوء ، لانه خارج من سبيل الحدث» وفي المغني ج 1 ص 170 «ان كان المحتقن قد أدخل رأس الزراقة ثم أخرجه نقض الوضوء ، وكذلك لو ادخل فيه ميلا أو غيره ثم خرج نقض الوضوء ، لانه خارج من السبيل فنقض كسائر الخارج. ولو احتقن في دبره فرجعت اجزاء خرجت من الفرج نقض الوضوء».

واما الدم الخارج من السبيلين ففي المغني ج 1 ص 169 نسبة الحكم بانتقاض الوضوء به إلى الثوري والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي. ويقتضي ذلك عموم عبارة الام


و (منها) ـ القي‌ء ولو عمدا ، والرعاف ، والحجامة ، والشي‌ء الخارج من غير السبيلين أو منهما غير مختلط بناقض ، وإنشاد الشعر وان كان باطلا أو فوق الأربعة أبيات ، وغيبة المسلم ، والأخذ من الشعر أو الظفر ولو بحديد ، ومصافحة الكافر ، ومس الكلب ، وشرب ألبان الإبل والبقر وأكل لحومهما ، والودي الخارج بعد البول. وما ورد في بعضها محمول على التقية ، لقول العامة بالنقض بذلك (1).

__________________

المتقدمة في الحقنة. وفي شرح المنهاج لابن حجر ج 1 ص 58 الحكم بناقضية كل خارج. وفي بدائع الصنائع ج 1 ص 25 علل ناقضية البول والغائط والمذي والودي والمنى ودم الحيض والنفاس ودم الاستحاضة بأنها كلها أنجاس وقد انتقلت من الباطن إلى الظاهر فوجد خروج النجس من الآدمي الحي فيكون حدثا.

(1) اما القي‌ء ففي بدائع الصنائع ج 1 ص 25 «القي‌ء ان كان مل‌ء الفم يكون حدثا وان كان أقل من مل‌ء الفم لا يكون حدثا. وعند زفر يكون حدثا قل أو كثر» ثم ذكر انه لا فرق بين أقسام القي‌ء ، وان الصحيح في تفسير مل‌ء الفم ان يكون عاجزا عن إمساكه ورده. وفي المغني ج 1 ص 186 «والقلس كالدم ينقض الوضوء منه ما فحش ، وحكى عن احمد الوضوء إذا ملأ الفم» والقلس ـ كما في مقاييس اللغة لابن فارس ـ القي‌ء. وفي الصحاح ما يخرج من الحلق مل‌ء الفم أو دونه وليس بقي‌ء وان عاد فهو قي‌ء. وفي شرح الزرقانى على مختصر ابى الضياء في الفقه المالكي ج 1 ص 91 نسبة ناقضية القي‌ء والقلس إلى ابى حنيفة.

واما الرعاف فيقتضي ناقضيته التعليل المتقدم عن بدائع الصنائع في التعليقة 6 ص 114 في الدم الخارج من السبيلين ، وإطلاق كلام ابن قدامة في المغني ج 1 ص 184 ، حيث ذكر ناقضية الخارج من البدن من غير السبيل إذا كان نجسا وان ذلك مروي عن ابن عباس وابن عمر وسعيد بن المسيب وعلقمة وعطاء وقتادة والثوري وإسحاق وأصحاب الرأي ، ونسب إلى ابى حنيفة ناقضية الدم إذا سال. وفي ص 186 ذكر ان القيح والصديد كالدم.

واما الحجامة فقد نسبت ناقضيتها في الحاجم والمحتجم إلى ابى حنيفة في شرح الزرقانى على مختصر ابى الضياء ج 1 ص 91.

واما الشي‌ء الخارج من غير السبيلين فيظهر الحال فيه بما ذكرناه في الرعاف


تذنيب

الخارج من الإحليل خمسة : البول ، والمني كظبي وصبي ، والمذي على المثالين المذكورين ، وزيد فيه أيضا الكسر مع التخفيف ، قيل : وأشهرها الاولى ثم الثانية ، وقد عرفت معناه ، والوذي بالمعجمة على المثالين الأولين : ما يخرج بعد إنزال المني ، كما صرح به جملة من الأصحاب ، ومنهم ـ صاحب كتاب مجمع البحرين فيه. قال : «وذكر الوذي مفقود في كثير من كتب اللغة» والودي بالمهملة على المثالين المتقدمين أيضا ، وقيل ان ثانيهما أصح وأفصح : البلل اللزج الذي يخرج من الإحليل بعد البول.

__________________

واما ما يخرج منهما غير مختلط بناقض فيظهر الحال فيه بمراجعة ما ذكرناه في الحقنة وفي الدم الخارج من السبيلين في التعليقة 6 ص 114 واما إنشاد الشعر ففي شرح الزرقانى على مختصر ابى الضياء ج 1 ص 91 نسبة ناقضيته إلى قوم.

واما الأخذ من الشعر والظفر فقد نسب في بدائع الصنائع ج 1 ص 33 الحكم بانتقاض الوضوء بقلم الظفر وجز الشعر وقص الشارب إلى إبراهيم النخعي واما مصافحة الكافر ففي الميزان للشعرانى ج 1 ص 102 نسبة ناقضية مس الكافر إلى بعض العلماء.

واما شرب ألبان الإبل ففي المغني ج 1 ص 190 «وفي شرب لبن الإبل روايتان إحداهما انه ينقض الوضوء والأخرى لا ينقضه» واما أكل لحوم الإبل ففي المغني ج 1 ص 187 «وأكل لحم الإبل ينقض الوضوء على كل حال نيا ومطبوخا عالما أو جاهلا ، وبه قال جابر بن سمرة ومحمد بن إسحاق وإسحاق وأبو خيثمة ويحيى بن يحيى وابن المنذر وهو أحد قولي الشافعي قال الخطابي : ذهب إلى هذا عامة أصحاب الحديث» وفي شرح الزرقانى ج 1 ص 91 نسبة ذلك إلى أحمد.

واما الودي فقد نص على ناقضيته في بدائع الصنائع ج 1 ص 25 وفي بداية المجتهد لابن رشد المالكي ج 1 ص 30 وفي الفقه على المذاهب الأربعة ج 1 ص 77 مع عدم ذكر خلاف المذاهب فيه ، وفي الأم للشافعي ج 1 ص 14 وفي شرح المنهاج لابن حجر ج 1 ص 58 ، الا انه في الأخيرين ذكر بنحو العموم.


فاما البول والمذي فقد عرفت حكمهما ، واما المني فسيأتي ان شاء الله تعالى حكمه في بابه ، واما الاثنان الباقيان فطهارتهما وعدم انتقاض الوضوء بهما متفق عليه فتوى ، وهو الأشهر نصا.

ومن الأخبار المشتملة على تفصيل ذلك مرسلة ابن رباط المشار إليها آنفا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «يخرج من الإحليل المني والمذي والوذي والودي فأما المني فهو الذي تسترخي له العظام ويفتر منه الجسد ، وفيه الغسل ، واما المذي فإنه يخرج من الشهوة ولا شي‌ء فيه ، واما الودي فهو الذي يخرج بعد البول ، واما الوذي فهو الذي يخرج من الأدواء ، ولا شي‌ء فيه» قوله (عليه‌السلام) : «يخرج من الأدواء». جمع داء وهو المرض ، ولعل المعنى انه يخرج بسبب الأمراض ، ونقل بعض مشايخنا عن بعض نسخ الاستبصار : «الأوداج» بدل «الأدواء» قال : «وكأنه أريد بها العروق مطلقا وان كان الودج في الأصل عرق العنق» انتهى.

وقال الصدوق في الفقيه (2) : «وهي أربعة أشياء : المني والمذي والوذي والودي إلى ان قال : والمذي ما يخرج قبل المني ، والوذي ما يخرج بعد المني على أثره ، والودي ما يخرج على اثر البول. إلخ».

وإبهام حكم الودي في الخبر المذكور ـ وعدم التعرض لحكمه ـ غير ضائر بعد إجماع الفرقة المحقة على طهارته وعدم نقضه ، كما هو صريح كلام شيخنا الصدوق هنا وغيره ، ودلالة ما قدمنا (3) من الأخبار الحاصرة الدالة على عدم النقض بأمثاله ، لكن روى الشيخ في الصحيح عن ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «ثلاث يخرجن من الإحليل ، وهن : المني ومنه الغسل ، والودي ومنه الوضوء ، لانه يخرج من دريرة البول ، قال : والمذي ليس فيه وضوء ، إنما هو بمنزلة ما يخرج من الأنف».

__________________

(1 و 4) المروية في الوسائل في الباب ـ 12 ـ من أبواب نواقض الوضوء.

(2) ج 1 ص 39.

(3) في الصحيفة 87.


وحمله الشيخ على ما إذا لم يكن قد استبرأ من البول ، مستدلا بالتعليل بخروجه من دريرة البول اى محل سيلانه ، وذلك لانه لا يخرج إلا ومعه شي‌ء من البول. وهو جيد.

فذلكة

ما ذكرنا من الأحداث المتقدمة قد يعبر عنها بالأسباب تارة باعتبار استلزامها لذاتها الطهارة وجوبا أو ندبا. فلا يرد حدث الصبي والمجنون والحائض ، فإن حدثهم بحسب ذاته مستلزم للطهارة وإنما تخلف لعارض ، وهو فقد الشرط في الأولين ووجود المانع في الثالث ، وتخلف الحكم لفقد شرط أو وجود مانع لا يقدح في السببية ، وقد يعبر عنها بالموجبات باعتبار إيجابها الطهارة عند المخاطبة بواجب مشروط بالطهارة فيما يجب لغيره على المشهور ، وعند وجود السبب على القول بالوجوب النفسي ، وقد يعبر عنها بالنواقض باعتبار نقضها لما تعقبه من الطهارة. والمشهور ان السبب أعم مطلقا ، اما من الناقض فلاجتماعهما في حدث تعقب طهارة وتخلف السبب فيما عدا ذلك. واما من الموجب فلاجتماعهما في حال اشتغال الذمة بمشروط بالطهارة ، وانفراد السبب بحال براءة الذمة من ذلك. والنسبة بين الناقض والموجب العموم من وجه ، لصدق الناقض بدون الموجب في حدث تعقب طهارة صحيحة مع خلو الذمة من مشروط بها ، وصدق الموجب بدون الناقض في الحدث الحاصل عقيب التكليف بصلاة واجبة من غير سبق طهارة واعترض بعض المتأخرين على ذلك بان الجنابة ناقضة للوضوء وليست سببا له ، وكذا وجود الماء بالنسبة إلى التيمم ، فلا يكون بين الناقض والسبب عموم مطلق بل من وجه.

وأجيب بأن الكلام إنما هو في أسباب الطهارات وموجباتها ونواقضها ، كما هو المصرح به في بعض عباراتهم ، فالنقض بالجنابة غير جيد ، لأنها سبب في الطهارة ، ويمكن التزام ذلك في وجود الماء أيضا ، لأنه معرف لوجوبها.


ثم انه يرد أيضا ان النقض بالأمرين غير مستقيم ، فان البحث ان كان في أسباب الوضوء ونواقضه وموجباته فلا يرد الثاني ، وان كان في الأعم فلا يرد الأول.

واستظهر السيد السند في المدارك ان النسبة بين الثلاثة الترادف ، قال : «فان وجه التسمية لا يجب اطراده» انتهى. وهو مبني على ان الظاهر من الأسباب ما من شأنه أن يتسبب للوجوب ، وكذلك الظاهر من الناقض ما من شأنه النقض ، وكذلك الموجب ، وظاهر ما تقدم من كلامهم اعتبار ذلك في السبب خاصة دون الآخرين ، وهو تحكم

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *