ج12 - مصادر الخمس

كتاب الخمس وما يتبعه

وفيه فصول الأول ـ في ما يجب فيه الخمس ، وظاهر كلام جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) حصره في سبعة : غنائم دار الحرب والمعادن والكنوز والغوص والمكاسب وأرض الذمي التي اشتراها من مسلم والحرام المختلط بالحلال ، قال في المدارك : وهذا الحصر استقرائي مستفاد من تتبع الأدلة الشرعية وذكر الشهيد في البيان أن هذه السبعة كلها مندرجة في الغنيمة.

ويدل عليه صريحا قوله عليه‌السلام في كتاب الفقه الرضوي (2) بعد ذكر الآية وهي قوله عزوجل : «وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ ... الآية» (3) : «وكل ما أفاده الناس فهو غنيمة لا فرق بين الكنوز والمعادن والغوص. إلى آخره». وسيأتي نقله بتمامه إن شاء الله تعالى في الفصل الثاني.

وما رواه في الكافي في الموثق عن سماعة (4) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الخمس فقال في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير».

وما رواه فيه وفي التهذيب عن حكيم مؤذن بني عبس (5) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ

__________________

(2) مستدرك الوسائل الباب 6 من ما يجب فيه الخمس.

(3) سورة الأنفال الآية 43.

(4) الوسائل الباب 8 من ما يجب فيه الخمس.

(5) الوسائل الباب 4 من الأنفال وما يختص بالإمام.


وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى) (1) فقال أبو عبد الله عليه‌السلام بمرفقيه على ركبتيه ثم أشار بيده ثم قال : هي والله الإفادة يوما بيوم إلا أن أبي جعل شيعته في حل ليزكيهم».

وصحيحة علي بن مهزيار الطويلة عن الجواد عليه‌السلام (2) وستأتي إن شاء الله تعالى بطولها في موضعها ، وهي متضمنة لتفسير الآية بذلك ، إلى غير ذلك من الأخبار التي يقف عليها المتتبع.

وحينئذ فالكلام في هذا الفصل يقع في مقامات سبعة الأول ـ في غنائم دار الحرب ، قالوا : وهي ما حواه العسكر وما لم يحوه من أرض وغيرها ما لم يكن غصبا من مسلم أو معاهد قليلا كان أو كثيرا ، ونقل عن الشيخ المفيد في المسائل الغرية أنه قال : والخمس واجب في ما يستفاد من غنائم الكفار والكنوز والعنبر والغوص ، فمن استفاد من هذه الأربعة الأصناف عشرين دينارا أو ما قيمته ذلك كان عليه أن يخرج منه الخمس. وظاهره أنه لا بد من بلوغ قيمة الغنيمة عشرين دينارا فما زاد أو كونها كذلك.

والمشهور ما تقدم ، وهو ظاهر إطلاق الأدلة ومنها الآية الشريفة ، ومنها قوله عليه‌السلام في مرسلة حماد الطويلة (3) ـ وستأتي إن شاء الله تعالى في موضعها ـ «الخمس من خمسة أشياء : من الغنائم والغوص ومن الكنوز ومن المعادن. الحديث».

وصحيحة عبد الله بن سنان (4) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : ليس الخمس إلا في الغنائم خاصة».

وصحيحة ربعي بن عبد الله بن الجارود عن أبي عبد الله عليه‌السلام (5) قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وكان ذلك له ثم يقسم ما بقي خمسة

__________________

(1) سورة الأنفال الآية 43.

(2) الوسائل الباب 8 من ما يجب فيه الخمس.

(3 و 5) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس.

(4) الوسائل الباب 2 من ما يجب فيه الخمس.


أخماس. الحديث». وسيأتي إن شاء الله تعالى في محله ، إلى غير ذلك من الأخبار الآتية إن شاء الله تعالى.

ولم نقف للشيخ المفيد (رضي‌الله‌عنه) هنا على دليل.

ثم إن ما دل عليه صحيحة عبد الله بن سنان من حصر الخمس في الغنائم قد حمله الشيخ (قدس‌سره) تارة على أن معناه ليس الخمس بظاهر القرآن إلا في الغنائم خاصة لأن ما عدا الغنائم الذي أوجبنا فيه الخمس إنما يثبت ذلك بالسنة وتارة بشمول الغنائم لكل ما وجب فيه الخمس ، والأول منهما في التهذيب والثاني في الإستبصار وهو الأقرب ، فيكون تفسيره للآية الشريفة بالعموم كما تقدم ذكره ، وحينئذ فيكون الحصر بالنسبة إلى ما يدخل في الملك بالشراء كما لو اشترى جارية أو دارا أو طعاما أو نحو ذلك فإنه لا خمس فيه إذ لا يعد ذلك غنيمة.

بقي هنا شي‌ء وهو أنه قال شيخنا الشهيد في الدروس : ويجب في سبعة : الأول ـ ما غنم من دار الحرب على الإطلاق إلا ما غنم بغير إذن الإمام عليه‌السلام فله ، أو سرق أو أخذ غيلة فلآخذه.

وظاهره أن جميع ما يؤخذ من دار الحرب فهو غنيمة إلا أنه متى كان بغير إذن الإمام فإنه يكون للإمام عليه‌السلام وهو على إطلاقه مشكل لأن الظاهر من الأخبار وكلام الأصحاب أن الذي يكون للإمام عليه‌السلام متى كان بغير إذنه إنما هو ما يؤخذ على وجه الجهاد والتكليف بالإسلام كما يقع من خلفاء الجور وجهادهم الكفار على هذا الوجه لا ما أخذ جهرا وغلبة وغصبا ونحو ذلك من ما لم يكن سرقة ولا غيلة فإنه يكون غنيمة بغير إذنه عليه‌السلام ويكون له ، فإنه لا دليل عليه ولا قائل به في ما أعلم.

والرواية التي أوردها الأصحاب دليلا على الحكم المذكور ـ وهي رواية العباس الوراق عن رجل سماه عن أبي عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «إذا غزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا كانت الغنيمة كلها للإمام وإذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام عليه‌السلام الخمس». ـ موردها كما ترى إنما هو ما ذكرناه ، وفي عبارات الأصحاب في معنى

__________________

(1) الوسائل الباب 1 من الأنفال وما يختص بالإمام.


الغنيمة بأنها ما حواه العسكر ما يشعر بما قلناه.

وأما ما ذكره ـ من أن ما أخذ غيلة أو سرق فهو لآخذه ولا يجب فيه الخمس لأنه لا يسمى غنيمة ـ فهو أحد القولين ، وقيل بوجوب الخمس فيه.

قال في المدارك : ويدل عليه فحوى ما رواه الشيخ في الصحيح عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «خذ مال الناصب حيثما وجدته وادفع إلينا الخمس».

وعن أبي بكر الحضرمي عن المعلى (2) قال : «خذ مال الناصب حيثما وجدته وابعث إلينا بالخمس».

أقول : وفي هذا الاستدلال نظر لأن مورد الروايتين الناصب لا أهل الحرب ، وهذا الفحوى الذي ادعاه لا يخرج عن القياس إذ الخروج عن مورد الدليل إلى فرد آخر مغاير له لا معنى له.

ولعله (قدس‌سره) تبع هنا كلام ابن إدريس في السرائر حيث قال ـ بعد أن أورد صحيحة حفص المذكورة ورواية المعلى ـ ما صورته : قال محمد بن إدريس المعني بالناصب في هذين الخبرين أهل الحرب لأنهم ينصبون الحرب للمسلمين وإلا فلا يحل أخذ مال مسلم ولا ذمي على وجه من الوجوه. انتهى.

ولا يخفى ما فيه من الضعف والقصور : (أما أولا) فإن إطلاق الناصب على أهل الحرب خلاف المعروف لغة وعرفا وشرعا ، فإن الناصب لغة هو المبغض لعلي عليه‌السلام كما نص عليه في القاموس وإن كان أصل معنى النصب العداوة إلا أنه صار مختصا بالمبغض له (عليه‌السلام) وأما في الشرع فالأحاديث الدالة عليه أكثر من أن تحصى كما لا يخفى على من أحاط بها خبرا والعرف ظاهر في ذلك ، وأي داع إلى حمله على هذا المعنى البعيد الشارد وحمله على معناه المتبادر منه صحيح لا معارض له في جملة الموارد.

(وأما ثانيا) فإن إطلاق المسلم على الناصب وأنه لا يجوز أخذ ماله من

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 3 من ما يجب فيه الخمس.


حيث الإسلام خلاف ما عليه الطائفة المحقة سلفا وخلفا من الحكم بكفر الناصب ونجاسته وجواز أخذ ماله بل قتله ، وإنما الخلاف بينهم في مطلق المخالف هل يحكم بإسلامه أم بكفره؟ وهو نفسه ممن اختار القول بالكفر كما هو المشهور بين متقدمي أصحابنا ، حيث قال في مبحث صلاة الأموات : ولا تجب الصلاة إلا على المعتقدين للحق أو من كان بحكمهم من أطفالهم الذين بلغوا ست سنين على ما قدمناه ومن المستضعفين ، وقال بعض أصحابنا تجب الصلاة على أهل القبلة ومن شهد الشهادتين ، والأول مذهب شيخنا المفيد والثاني مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي ، والأول أظهر في المذهب ، ويؤيده القرآن وهو قوله تعالى : «وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً» (1) يعني الكفار ، والمخالف لأهل الحق كافر بلا خلاف بيننا. هذه عبارته بعينها فإذا حكم بكفر المخالف فكيف يحكم بإسلام الناصب؟ ما هذا إلا غفلة من هذا التحرير وسهو وقع في هذا التحرير.

وفي المقام فوائد الأولى ـ ظاهر الأكثر أن حكم مال البغاة الذي حواه العسكر حكم غنيمة دار الحرب ، فإن أرادوا باعتبار وجوب الخمس فهو محل إشكال إذ لا أعرف عليه دليلا واضحا ومورد الآية والروايات إنما هو أهل الحرب من المشركين ، وإن أرادوا باعتبار حل ذلك للمسلمين فالتخصيص بما حواه العسكر كما اشتهر عندهم محل إشكال. وسيجي‌ء تحقيق القول في ذلك إن شاء الله تعالى في محله.

الثانية ـ ظاهر كلام الأصحاب كما قدمنا نقله أن الغنيمة التي يجب فيها الخمس هي جميع أموال أهل الحرب من ما ينقل ويحول أم لا حواه العسكر أم لا ، وظاهره دخول الأراضي والضياع والدور والمساكن ونحوها.

ولا أعرف على هذا التعميم دليلا سوى ظاهر الآية فإن الظاهر من الروايات اختصاص ذلك بالأموال المنقولة :

ومنها ـ صحيحة ربعي بن عبد الله (2) المتقدمة الدالة على أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(1) سورة التوبة الآية 86.

(2) الوسائل الباب 1 من قسمة الخمس.


إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وكان له ثم يقسم ما بقي خمسة أخماس ويأخذ خمسه ثم يقسم أربعة أخماس بين الناس الذين قاتلوا عليه ثم قسم الخمس الذي أخذه خمسة أخماس يأخذ خمس الله عزوجل لنفسه ثم يقسم الأربعة الأخماس بين ذوي القربى واليتامى والمساكين وأبناء السبيل يعطي كل واحد منهم جميعا ، وكذلك الإمام يأخذ كما أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. ونحوها غيرها من الأحاديث الدالة على قسمة الخمس أخماسا أو أسداسا وإعطاء كل ذي حق حقه.

وفي بعضها (1) أنه يعطيهم على قدر كفايتهم فإن فضل منه شي‌ء فهو له وإن نقص عنهم ولم يكفهم أتمه لهم من عنده ، كما صار له الفضل كذلك لزمه النقصان.

وهذا كله كما ترى صريح في أن الخمس إنما هو في ما ينقل ويحول من غنيمة أو غيرها ، وكيف يجري هذا في الأراضي والضياع والدور ونحوها؟

وقد تتبعت ما حضرني من كتب الأخبار كالوافي والوسائل المشتمل على أخبار الكتب الأربعة وغيرها فلم أقف فيها على ما يدل على دخول الأرض ونحوها من ما قدمناه في الغنيمة التي يتعلق بها الخمس ، ولم أقف في شي‌ء منها على وجوب إخراج الخمس منها عينا أو قيمة حتى الأخبار الواردة في تفسير الآية المشار إليها فإنها ما بين صريح أو ظاهر في تخصيصها بما ينقل ويحول.

وحينئذ فيمكن تخصيص الآية بما دلت عليه هذه الأخبار مع أن الأخبار الواردة في الأراضي ونحوها بالنسبة إلى المفتوح عنوة إنما دلت على أنها في‌ء للمسلمين من وجد ومن سيوجد إلى يوم القيامة وأن أمرها إلى الإمام عليه‌السلام يقبلها أو يعمرها ويصرف حاصلها في مصالح المسلمين.

وأما ما ذكره المحقق في الشرائع في باب الجهاد ـ بالنسبة إلى هذه الأراضي بعد تقسيم الغنيمة إلى ما ينقل وما لا ينقل ، حيث قال : وأما ما لا ينقل فهو للمسلمين قاطبة وفيه الخمس والإمام مخير بين إخراج الخمس لأربابه وبين إبقائه وإخراج الخمس من ارتفاعه ـ فلا أعرف له دليلا ولا وقفت له على مستند إلا ما قدمناه من ظاهر

__________________

(1) الوسائل الباب 3 من قسمة الخمس.


الآية ، وقد عرفت أنه يمكن تخصيصها بالأخبار الدالة على انحصار مخرج الخمس في ما ينقل ويحول ، ومن الجائز خروج الأراضي ونحوها عن ما يجب فيه الخمس كما خرجت عن حكم الغنيمة بالنسبة إلى اختصاص المقاتلين بها فإنها كما اتفقوا عليه للمسلمين قاطبة من وجد ومن سيوجد إلى يوم القيامة.

وشيخنا الشهيد في المسالك لم يتعرض لنقل هذه العبارة فضلا عن إيراد دليل لها ، والظاهر أنه من حيث إن المسألة مسلمة الثبوت بينهم.

ويؤيد ما قلناه الأخبار الواردة في حكم الأرض المفتوحة عنوة ومنها خيبر وعدم التعرض فيها لذكر الخمس بالكلية مع ذكر الزكاة فيها ، ولو كان ثابتا فيها لكانت أولى بالذكر لتعلقه برقبة الأرض :

ومنها ـ ما رواه في الكافي عن البزنطي (1) قال : «ذكرنا له الكوفة وما وضع عليها من الخراج وما سار فيها أهل بيته فقال من أسلم طوعا تركت أرضه في يده. إلى أن قال : وما أخذ بالسيف فذلك إلى الإمام يقبله بالذي يرى كما صنع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بخيبر قبل سوادها وبياضها يعني أرضها ونخلها ، والناس يقولون لا تصلح قبالة الأرض والنخل (2) وقد قبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خيبر ، وعلى المتقبلين سوى قبالة الأرض العشر ونصف العشر في حصصهم. الحديث».

وما رواه في التهذيب في الصحيح عن البزنطي (3) قال : «ذكرت لأبي الحسن عليه‌السلام الخراج وما سار به أهل بيته فقال العشر ونصف العشر على من أسلم طوعا تركت أرضه في يده. إلى أن قال : وما أخذ بالسيف فذلك للإمام يقبله بالذي يرى كما صنع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بخيبر قبل أرضها ونخلها ، والناس يقولون لا تصلح قبالة الأرض والنخل إذا كان البياض أكثر من السواد وقد قبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خيبر

__________________

(1 و 3) الوسائل الباب 72 من جهاد العدو.

(2) في كتاب الأموال لأبي عبيد ص 55 أن الأرض المفتوحة عنوة حكم بعض بتخميسها وتقسيمها وأرجع بعض أمرها إلى الإمام إن شاء صنع كذلك وإن شاء تركها موقوفة على المسلمين عامة وأنه تقر في أيدي أهلها بالطسق.


وعليهم في حصصهم العشر ونصف العشر».

وبالجملة فما ذكروه لا وجود له في شي‌ء من الأخبار ، بل ظواهرها من حيث عدم التعرض لذكره ولو إشارة سيما في مقام البيان هو العدم ، بل ظاهر مرسلة حماد بن عيسى الطويلة (1) الدلالة على ما قلناه حيث قال فيها : «وليس لمن قاتل شي‌ء من الأرضين. الحديث».

الثالثة ـ قد اختلفوا في تقديم الخمس على المؤن وعدمه ، واختلفوا أيضا في تقديمه على السلب والجعائل وما يرضخه الإمام للنساء والعبيد والكفار إن قاتلوا وعدمه ، وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى في كتاب الجهاد ، إلا أن الذي حضرني من الأخبار الآن وهو صحيحة ربعي المتقدمة (2) إنما تضمنت إخراج الخمس بعد إخراج صفو المال الذي هو من الأنفال للإمام عليه‌السلام.

المقام الثاني ـ في المعادن وهي من «عدن» إذا أقام لإقامة أهله فيه دائما أو لإنبات الله عزوجل إياه فيه ، قال في القاموس : والمعدن كمجلس منبت الجواهر من ذهب ونحوه لإقامة أهله فيه دائما أو لإنبات الله عزوجل إياه فيه. وقال في المغرب : عدن بالمكان إذا أقام به ، ومنه المعدن لما خلقه الله تعالى في الأرض من الذهب والفضة لأن الناس يقيمون فيه الصيف والشتاء ، وقيل لإنبات الله تعالى فيه جوهرها وإنباته إياه في الأرض حتى عدن فيها أي نبت. وهو أعمّ من أن يكون منطبعا كالنقدين والحديد والرصاص والصفر أو غير منطبع كالياقوت والعقيق والكحل والفيروزج والبلور ونحوها أو مائعا كالقير والنفط والكبريت ، والظاهر أن مجمله ما خرج عن حقيقة الأرضية ولو بخاصية زائدة عليها. وقال في التذكرة : المعادن هي كل ما خرج من الأرض من ما يخلق فيها من غيرها من ما له قيمة. وقال في البيان بعد عد جملة من ما ذكرناه : وكل أرض فيها خصوصية يعظم الانتفاع بها كالنورة والمغرة. وقال في الدروس : حتى المغرة والجص والنورة وطين الغسل وحجارة الرحى. وقال في

__________________

(1) الوسائل الباب 41 من جهاد العدو.

(2) ص 321.


المدارك بعد نقل ذلك عنه : وفي الكل توقف. وكأنه للشك في إطلاق اسم المعدن عليها على سبيل الحقيقة. وفي البيان : وألحق به حجارة الرحى وكل أرض فيها خصوصية يعظم الانتفاع بها كالنورة والمغرة. وظاهره عدم دخولها في حقيقة المعادن. والمسألة لا تخلو من إشكال وإن كان الأقرب هو الأول ، لتناول ظاهر كلام أهل اللغة في تعريف المعدن لذلك.

ووجوب الخمس في المعدن من ما وقع الاتفاق عليه نصا وفتوى ، ومن الأخبار في ذلك صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (1) قال : «سألته عن معادن الذهب والفضة والصفر والحديد والرصاص فقال عليها الخمس جميعا».

وصحيحة الحلبي (2) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الكنز كم فيه؟ قال الخمس. وعن المعادن كم فيها؟ قال الخمس. وعن الرصاص والصفر والحديد وما كان من المعادن كم فيها؟ قال : يؤخذ منها كما يؤخذ من معادن الذهب والفضة».

وصحيحة محمد بن مسلم (3) قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الملاحة قال وما الملاحة؟ فقلت أرض سبخة مالحة يجتمع فيها الماء فيصير ملحا. فقال : هذا المعدن فيه الخمس. فقلت : والكبريت والنفط يخرج من الأرض؟ قال فقال هذا وأشباهه فيه الخمس».

وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام (4) قال : «سألته عن المعادن ما فيها؟ فقال كل ما كان ركازا ففيه الخمس. وقال ما عالجته بمالك ففيه من ما أخرج الله سبحانه من حجارته مصفي الخمس».

أقول : لفظ الركاز في الخبر محتمل لأن يحمل على الكنز وأن يحمل على المعدن ، قال ابن الأثير في نهايته (5) : في حديث الصدقة «وفي الركاز الخمس» الركاز عند أهل الحجاز كنوز الجاهلية المدفونة في الأرض وعند أهل العراق المعادن

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 3 من ما يجب فيه الخمس.

(5) مادة ركز.


والقولان تحتملهما اللغة لأن كلا منهما مركوز في الأرض أي ثابت ، يقال ركزه يركزه ركزا إذا دفنه ، وأركز الرجل إذا وجد الركاز ، والحديث إنما جاء في التفسير الأول وهو الكنز الجاهلي ، وإنما كان فيه الخمس لكثرة نفعه وسهولة أخذه ، وقد جاء في مسند أحمد في بعض طرق هذا الحديث «وفي الركائز الخمس» كأنها جمع ركيزة أو ركازة ، والركيزة والركزة القطعة من جواهر الأرض المركوزة فيها ، وجمع الركزة الركاز ومنه حديث عمر : أن عبدا وجد ركزة على عهده فأخذها منه. أي قطعة عظيمة من الذهب. وهذا يعضد التفسير الثاني. انتهى.

والظاهر إن معنى آخر الخبر إن الخمس إنما يجب في ما عولج بعد وضع مئونة العلاج ، ومرجعه إلى تقديم إخراج المئونة على الخمس ، وبه صرح جملة من الأصحاب.

ويدل عليه أيضا صحيحة ابن أبي نصر (1) قال : «كتبت إلى أبي جعفر عليه‌السلام : الخمس أخرجه قبل المئونة أو بعد المئونة؟ فكتب بعد المئونة». ويدل عليه أيضا بعض الأخبار الآتية في الأرباح إن شاء الله تعالى (2).

ثم إنه قد وقع الخلاف هنا في موضعين : أحدهما ـ في اعتبار النصاب وعدمه في المعدن ، وعلى تقدير اعتباره فهل هو عشرون دينارا أو دينار واحد؟

فذهب الشيخ في الخلاف إلى وجوب الخمس فيها ولا يراعى فيها النصاب وهو اختياره في الاقتصاد أيضا ، ونقل عن ابن البراج وابن إدريس مدعيا عليه الإجماع حيث قال : إجماعهم منعقد على وجوب إخراج الخمس من المعادن جميعها على اختلاف أجناسها قليلا كان المعدن أو كثيرا ذهبا كان أو فضة من غير اعتبار مقدار وهذا إجماع منهم بغير خلاف. ونقل عن ابن الجنيد وابن أبي عقيل والمفيد والسيد

__________________

(1) الوسائل الباب 12 من ما يجب فيه الخمس.

(2) كخبر الأشعري والنيسابوري وعلي بن مهزيار والهمداني الآتية في أول المقام الخامس.


المرتضى وابن زهرة وسلار أنهم أطلقوا وجوب الخمس ، وهو ظاهر في موافقة القول المتقدم.

واعتبر أبو الصلاح بلوغ قيمته دينارا واحدا ، ورواه ابن بابويه في المقنع ومن لا يحضره الفقيه (1).

وقال الشيخ في النهاية : ومعادن الذهب والفضة لا يجب فيها الخمس إلا إذا بلغت إلى القدر الذي تجب فيه الزكاة. ونحوه في المبسوط. واختاره ابن حمزة ، وعليه جمهور المتأخرين :

لما رواه الشيخ عن أحمد بن محمد بن أبي نصر في الصحيح (2) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن ما أخرج من المعدن من قليل أو كثير هل فيه شي‌ء؟ قال : ليس فيه شي‌ء حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا».

احتج القائلون بالقول الأول بإطلاق النصوص والإجماع الذي تقدم في كلام ابن إدريس ، وهما بمكان من الضعف : أما الإطلاق فيجب تقييده بالدليل المذكور ، وأما الإجماع فهو في موضع النزاع غير مسموع ، قال في المختلف : وكيف يدعى الإجماع في موضع الخلاف من مثل ابن بابويه والشيخ وأبي الصلاح وغيرهم.

ويدل على ما ذهب إليه أبو الصلاح ما رواه الكليني والشيخ عن أحمد بن محمد ابن أبي نصر في الصحيح عن محمد بن علي بن أبي عبد الله وهو مجهول عن أبي الحسن عليه‌السلام (3) قال : «سألته عن ما يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد وعن معادن الذهب والفضة هل فيه زكاة؟ فقال إذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس». ورواه ابن بابويه مرسلا عن الكاظم عليه‌السلام (4).

والشيخ قد جمع بين هذا الخبر وما قبله بإرجاع الجواب إلى السؤال عن ما

__________________

(1) الوسائل الباب 3 من ما يجب فيه الخمس رقم 5.

(2) الوسائل الباب 4 من ما يجب فيه الخمس.

(3 و 4) الوسائل الباب 3 من ما يجب فيه الخمس.


يخرج من البحر دون المعادن. وفيه تعسف فإن السؤال قد اشتمل عليهما ولا قرينة تؤنس بصرفه إلى بعض دون بعض. والأكثر حملوا الخبر الثاني على الاستحباب ، وبعض حمل الأول على الرخصة والتبرع منهم (عليهم‌السلام). وفي النفس من جميع هذه المحامل توقف.

فروع

الأول ـ المفهوم من كلام جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه لا يعتبر في النصاب الإخراج دفعة بل لو أخرج من المعدن في دفعات متعددة ضم بعضها إلى بعض واعتبر النصاب من المجموع وإن تخلل بين الدفعات الإعراض ، وشرط العلامة في المنتهى أن لا يكون بين الدفعات إعراض فلو أهمله معرضا ثم أخرج بعد ذلك لم يضم. وهو تقييد للنص بغير دليل فإن ظاهر النصوص المتقدمة وجوب الخمس في هذا النوع كيف اتفق الإخراج فالتقييد بهذا الشرط يحتاج إلى دليل وليس فليس.

الثاني ـ قالوا : لو اشترك جماعة في استخراج المعدن اشترط بلوغ نصيب كل واحد منهم النصاب وظاهر النص العدم ، وتتحقق الشركة بالاجتماع على الحيازة والحفر. ولو اختص أحدهم بالحيازة وآخر بالنقل وآخر بالسبك ، فإن نوى الحيازة لنفسه كان الجميع له وعليه أجرة الناقل والسابك ، وإن نوى الشركة كان بينهم أثلاثا ويرجع كل واحد منهم على الآخر بثلث أجرة عمله بناء على أن نية الحائز تؤثر في ملك غيره.

الثالث ـ صرح جملة من الأصحاب بأنه لو وجد معدنا في أرض مملوكة فهو لصاحبها ولا شي‌ء للمخرج وإن كان في أرض مباحة فهو لمخرجه وعليه الخمس.

الرابع ـ قالوا : لو أخرج خمس تراب المعدن لم يجزئه لجواز اختلافه في الجوهر ، ومقتضاه أنه لو علم التساوي جاز. ولو اتخذ منه دراهم أو دنانير أو حليا فالظاهر أن الخمس في السبائك لا غير.


المقام الثالث ـ في الكنوز والكنز لغة هو المال المذخور تحت الأرض ، ولا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في وجوب الخمس فيه.

ويدل عليه من الأخبار صحيحة الحلبي (1) «أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الكنز كم فيه؟ فقال الخمس».

وروي في الفقيه والخصال في وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام (2) قال : «يا علي إن عبد المطلب سن في الجاهلية خمس سنن أجراها الله له في الإسلام. إلى أن قال ووجد كنزا فأخرج منه الخمس وتصدق به فأنزل الله وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ ... الآية (3)».

وصحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام (4) قال : «سألته عن ما يجب فيه الخمس من الكنز؟ فقال ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس».

وروى الشيخ المفيد (طيب الله مرقده) في المقنعة مرسلا (5) قال : «سئل الرضا عليه‌السلام عن مقدار الكنز الذي يجب فيه الخمس؟ فقال ما يجب فيه الزكاة من ذلك بعينه ففيه الخمس وما لم يبلغ حد ما يجب فيه الزكاة فلا خمس فيه».

ولا خلاف أيضا بين الأصحاب في ما أعلم في اشتراط الخمس في هذا النوع ببلوغ عشرين دينارا أو مائتي درهم وهو النصاب الأول من الذهب والفضة ، ويدل عليه الخبران الأخيران ، وما عدا النقدين المذكورين فإنه يعد بهما ، وبذلك صرح العلامة في المنتهى.

إلا أن عبائر جملة من الأصحاب كالمحقق في الشرائع اقتصروا على نصاب الذهب خاصة ولعله لمجرد التمثيل ، قال في المنتهى : وليس للركاز نصاب آخر بل لا يجب الخمس فيه إلا أن يكون عشرين مثقالا فإذا بلغها وجب فيه الخمس وفي ما زاد قليلا كان أو كثيرا.

__________________

(1 و 2 و 4 و 5) الوسائل الباب 5 من ما يجب فيه الخمس.

(3) سورة الأنفال الآية 43.


قال في المدارك بعد نقل ذلك عن المنتهى : ويشكل بأن مقتضى رواية ابن أبي نصر مساواة الخمس الزكاة في اعتبار النصاب الثاني كالأول إلا أني لا أعلم بذلك مصرحا. انتهى.

أقول : لا يخفى أن المراد من السؤال في الرواية المذكورة إنما هو السؤال عن المقدار الذي يتعلق به الخمس بحيث لا يجب في ما هو أقل منه كما هو ظاهر من رواية المقنعة فأجاب عليه‌السلام بقدر ما تجب الزكاة في مثله وهو عشرون دينارا أو مائتا درهم ، لا أن المراد المساواة في النصب ليكون ما بينها عفوا لا خمس فيه كالزكاة. وبالجملة فالمقصود بالسؤال والجواب إنما هو المساواة في مبدإ تعلق الخمس كما في مبدإ تعلق الزكاة.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في إن ما يوجد في دار الحرب فإنه لآخذه وعليه الخمس أعمّ من أن يكون عليه أثر الإسلام أم لا.

قالوا : أما أنه لو أجده فلان الأصل في الأشياء الإباحة ، والتصرف في مال الغير إنما يحرم إذا كان ملكا لمحترم وهو هنا غير معلوم أو تعلق به نهي خصوصا أو عموما وهو هنا غير ثابت ، وحينئذ فيكون باقيا على مقتضى الإباحة الأصلية. وأما وجوب الخمس فلما تقدم من الأخبار.

أقول : ولك أن تقول إن المعلوم من أحاديث وجوب الخمس في الكنز وغيره من معدن وغوص ونحوهما من أصناف ما يجب فيه الخمس أن وجوب الإخراج متفرع على ملك المخرج ليتجه الخطاب له بالإخراج إذ لا يعقل الوجوب عليه في مال غيره ، فإيجاب الخمس في الصورة المذكورة بالأخبار المتقدمة مستلزم للملك البتة ، وحينئذ فتكون الأخبار المشار إليها دالة على كل من الأمرين.

وأما ما يوجد في دار الإسلام فإن لم يكن عليه أثر الإسلام فهو لواجده أيضا وعليه الخمس سواء كان في أرض مباحة أو مملوكة ولم يعترف به المالك.


والظاهر أنه لا خلاف فيه ، واستدلوا بما قدمنا نقله عنهم في الموجود في أرض دار الحرب ، ولهذا إن شيخنا الشهيد في البيان شرط وجوب الخمس في الكنز بأمرين : أحدهما النصاب عشرون دينارا وثانيهما وجوده في دار الحرب مطلقا أو دار الإسلام وليس عليه أثر الإسلام.

وإنما الخلاف والإشكال في ما وجد في دار الإسلام وعليه أثره فهل هو كما تقدم أو يكون لقطة؟ قولان مشهوران ، اختار أولهما الشيخ في الخلاف حيث قال : إذا وجد دراهم مضروبة في الجاهلية فهو ركاز ويجب فيه الخمس سواء كان ذلك في دار الإسلام أو دار الحرب ، وإن وجد كنزا عليه أثر الإسلام بأن تكون الدراهم والدنانير مضروبة في دار الإسلام وليس عليها أثر ملك يؤخذ منه الخمس. وهو ظاهر في إيجابه الخمس في ما وجد في دار الإسلام وعليه أثره أعمّ من أن يكون في أرض مباحة أو مملوكة ولم يعترف به المالك. وإلى هذا القول ذهب ابن إدريس وغيره ومنهم المحقق في كتاب اللقطة. واختار ثانيهما الشيخ في المبسوط حيث قال : الكنوز التي تؤخذ من دار الحرب من الذهب والفضة والدراهم والدنانير سواء كان عليها أثر الإسلام أم لم يكن يجب فيها الخمس وأما التي تؤخذ من بلد الإسلام فإن وجدت في ملك إنسان وجب أن يعرف أهله فإن عرفه كان له وإن لم يعرفه أو وجدت في أرض لا مالك لها ، فإن كان عليها أثر الإسلام فهي بمنزلة اللقطة سواء ، وإن لم يكن عليها أثر الإسلام أخرج منها الخمس وكان الباقي لواجدها. وإلى هذا القول ذهب جل المتأخرين : منهم ـ العلامة في المختلف والمحقق في كتاب الخمس. وظاهره في المعتبر التوقف حيث اقتصر على نقل الخلاف عن الشيخ في الكتابين المذكورين. وظاهر الشهيد في البيان الفرق بين الموجود في الأرض المباحة والموجود في المملوكة ولم يعترف المالك به حيث وافق الخلاف في الأرض المملوكة إذا لم يعترف به المالك ووافق المبسوط في الأرض المباحة ، وهو غريب.


استدل العلامة في المختلف على ما ذهب إليه من كونه لقطة قال : لنا ـ أنه مال ضائع عليه ملك إنسان ووجده في دار الإسلام فيكون لقطة كغيره.

ثم قال احتج في الخلاف بعموم ظاهر القرآن (1) والأخبار الواردة في إخراج الخمس من الكنوز (2) والتخصيص يحتاج إلى دليل. ثم أجاب بالقول بالموجب ما لم يظهر المخصص ، قال : والمخصص هنا ثابت فإنه مال يغلب على الظن أنه مملوك لمسلم فلا يحل من غير تعريف. ولا يخفى ما في هذا الجواب.

والأظهر الجواب عن ذلك بما رواه الشيخ في التهذيب في الموثق عن إسحاق ابن عمار (3) قال : «سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن رجل نزل في بعض بيوت مكة فوجد فيها نحوا من سبعين درهما مدفونة فلم تزل معه ولم يذكرها حتى قدم الكوفة كيف يصنع؟ قال يسأل عنها أهل المنزل لعلهم يعرفونها. قلت : فإن لم يعرفوها؟ قال يتصدق بها».

وهو ظاهر في كونه لقطة لا كنزا وحينئذ فيخص به إطلاق الأخبار التي استند إليها. وهذا الخبر صريح في الرد على ما اختاره في البيان من كون الموجود في الأرض المملوكة مع عدم اعتراف المالك به يكون فيه الخمس. والخبر المذكور أيضا ظاهر في الرد على صاحب المدارك في ما ذكره من المناقشة في صحة إطلاق اللقطة على المال المكنوز ، قال إذ المتبادر من معناها أنها المال الضائع على غير هذا الوجه. وهذا الخبر حجة عليه.

والأظهر في الاستدلال على القول الأول هو الاستدلال بصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (4) قال : «وسألته عن الورق يوجد في دار؟ فقال : إن كانت الدار معمورة فهي لأهلها وإن كانت خربة فأنت أحق بما وجدت».

__________________

(1) وهو قوله تعالى «وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ ...» سورة الأنفال الآية 43.

(2) الوسائل الباب 5 من ما يجب فيه الخمس.

(3 و 4) الوسائل الباب 5 من اللقطة.


وصحيحته الأخرى عن الصادق عليه‌السلام (1) قال : «سألته عن الدار يوجد فيها الورق؟ فقال إن كانت معمورة فيها أهلها فهو لهم وإن كانت خربة قد جلا عنها أهلها فالذي وجد المال أحق به».

وبهذين الخبرين استدل شيخنا الشهيد الثاني في المسالك في كتاب اللقطة للمصنف على ما ذكره من أن ما يوجد في المفاوز أو في خربة قد هلك أهلها فهو لواجده ينتفع به بلا تعريف ، وكذا ما يجده مدفونا في أرض لا مالك لها.

وفي الاستدلال على القول الثاني هو ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن قيس عن الباقر عليه‌السلام (2) قال : «قضى علي عليه‌السلام في رجل وجد ورقا في خربة أن يعرفها فإن وجد من يعرفها وإلا تمتع بها».

وهذه الرواية وإن كانت أعمّ من أن يكون ذلك الورق عليه سكة الإسلام إلا أنه يجب تخصيص عمومها بما دل على أن ما لا أثر للإسلام عليه فإن فيه الخمس ويكون لواجده ، ومثلها في ذلك موثقة إسحاق بن عمار المتقدمة.

وأنت خبير بما في هذه الأخبار من التناقض والتضاد إلا أن من قال بالقول الثاني جمع بين صحيحتي محمد بن مسلم وصحيحة محمد بن قيس بحمل الصحيحتين المذكورتين على ما لم يكن عليه أثر الإسلام وحمل صحيحة محمد بن قيس على ما إذا كان عليه أثر الإسلام. ولا يخفى ما فيه من البعد لعدم ما يدل عليه من الأخبار.

وفي المدارك حيث اختار العمل بصحيحتي محمد بن مسلم حمل صحيحة محمد بن قيس على ما إذا كانت الخربة لمالك معروف أو على ما إذا كان الورق غير مكنوز. ولا يخفى أن هذا وإن أمكن في الصحيحة المذكورة إلا أنه لا يمكن في موثقة إسحاق ابن عمار التي ذكرناها إلا أنه لم يذكرها أحد منهم في المقام.

__________________

(1) الوسائل الباب 5 من اللقطة عن أبي جعفر (ع) كما في الفروع ج 1 ص 367 والتهذيب ج 6 ص 390 أيضا.

(2) الوسائل الباب 5 من اللقطة.


وبالجملة فالمسألة عندي موضع إشكال ، على أن ظواهر الصحاح الثلاث التي ذكروها لا دلالة فيها على كون ذلك الورق كنزا ، وحينئذ فيشكل التعلق بها في المسألة ، بل ربما ظهر منها كونه لا كذلك ، وظاهر عبارة الشرائع المتقدم ذكرها ذلك حيث عطف فيها ما يجده مدفونا على ما ذكره أولا بقوله : «وما يوجد في المفاوز. إلى آخره».

وقد ذكر جمع منهم أيضا أنه لو كان في أرض مملوكة للواجد ، فإن ملكت بالإحياء كان كالموجود في المباح في كونه للواجد مع عدم أثر الإسلام عليه ومع وجود الأثر يدخل تحت الخلاف المتقدم ، وإن ملكت بالابتياع عرفه من جرت يده على الأرض فإن اعترف أحدهم به فهو له وإلا جرى فيه التفصيل المتقدم.

وبعض عبائرهم هنا اشتملت على كونه للواجد مطلقا ، ولكن نبه شيخنا الشهيد الثاني في المسالك في كتاب اللقطة على التقييد بالتفصيل ، حيث إن عبارة المصنف هنا مطلقة فقال : وإطلاق الحكم بكونه لواجده مع عدم اعتراف المالك والبائع به الشامل لما عليه أثر الإسلام وعدمه تبع لإطلاق النص كما سبق ، ومن قيد تلك بانتفاء أثر الإسلام قيد هنا أيضا لاشتراكهما في المقتضى فمعه يكون لقطة. وأشار بالنص إلى ما قدمه من صحيحتي محمد بن مسلم المتقدمتين.

وممن صرح بما ذكره شيخنا الشهيد في الدروس فقال بعد أن حكم بكون الركاز الذي فيه الخمس هو ما يوجد في دار الحرب مطلقا أو في دار الإسلام ولا أثر له ولو كان عليه أثر الإسلام فلقطة خلافا للخلاف ، ثم قال : ولو وجده في ملك مبتاع عرفه البائع ومن قبله فإن لم يعرفه فلقطة أو ركاز بحسب أثر الإسلام وعدمه. انتهى.

وبالجملة فالمتحصل من كلامهم أن ما وجد في أرض الإسلام مطلقا ولم يعلم له مالك فإنه مع عدم أثر الإسلام كنز لواجده وعليه الخمس ، ومعه يكون محل الخلاف المتقدم سواء كان في أرض مباحة أو مملوكة للواجد أو غيره مع عدم اعتراف


أحد من الملاك به.

وينبغي التنبيه هنا على فوائد

الأولى ـ قد صرح شيخنا الشهيد في الدروس بأن الظاهر أن مجرد قول المعترف كاف بلا بينة ولا يمين ولا وصف ، نعم لو تداعيا لكان لذي اليد بيمينه ولو كان مستأجرا فقولان للشيخ.

أقول : أما أن مجرد قول المعترف كاف فهو مقتضى القواعد المتفق عليها بينهم المؤيدة بالنصوص أيضا (1) فإن من ادعى شيئا ولا منازع له دفع إليه ، ويدل عليه صريحا خبر كيس الألف درهم (2) وأما مع تداعيهما معا فالحكم كما ذكره أيضا لما تبين في محله. وأما لو حصل التداعي بين المالك والمستأجر فقد أوضحه في البيان وهو محل توقف.

الثانية ـ قد صرح جملة من الأصحاب بوجوب التعريف لمن تقدم من الملاك متى كان في أرض مملوكة للغير أو للواجد مع انتقالها بالبيع أو الإرث مقدما الأقرب فالأقرب.

وقال في المدارك بعد نقل ذلك عنهم : ويمكن المناقشة في وجوب تعريفه لذي اليد السابقة إذا احتمل عدم جريان يده عليه ، لأصالة البراءة من هذا التكليف مضافا إلى أصالة عدم التقدم. ولو علم انتفاؤه عن بعض الملاك فينبغي القطع بسقوط تعريفه لانتفاء فائدته. وكذا الكلام لو كانت موروثة. انتهى.

أقول : ما ذكره لا يخلو من قرب ويؤيده صحيحة عبد الله بن جعفر الآتية في المقام (3).

الثالثة ـ قد ذكر جملة من الأصحاب في هذا المقام أنه لو اشترى دابة ووجد

__________________

(1) يمكن أن يريد بذلك إطلاق موثقة إسحاق بن عمار وصحيحة محمد بن قيس المتقدمتين.

(2) الوسائل الباب 17 من كيفية الحكم وأحكام الدعوى.

(3) ص 339.


في جوفها شيئا له قيمة عرفه البائع فإن عرفه فهو له وإن جهله فهو للمشتري وعليه الخمس. ولو ابتاع سمكة فوجد في جوفها شيئا أخرج خمسه وكان الباقي له ، وليس عليه تعريف هنا.

وبما ذكروه بالنسبة إلى مسألة الدابة وأنه يجب تعريفه ومع عدم اعتراف البائع به يكون للمشتري قد وردت

صحيحة عبد الله بن جعفر (1) قال : «كتبت إلى الرجل عليه‌السلام أسأله عن رجل اشترى جزورا أو بقرة للأضاحي فلما ذبحها وجد في جوفها صرة فيها دراهم أو دنانير أو جوهرة لمن يكون ذلك؟ فوقع عليه‌السلام عرفها البائع فإن لم يكن يعرفها فالشي‌ء لك رزقك الله تعالى إياه».

والرواية لا دلالة فيها على وجوب الخمس في ذلك المال الذي في جوف الدابة ولم ينقلوا في المقام دليلا غيرها ، وكأنهم بنوا في ذكر هاتين المسألتين هنا على أن ما يوجد في جوف الدابة والسمكة من قبيل الكنوز ، وهو بعيد فإن الكنز لغة هو المال المدفون في الأرض. نعم يمكن أن يكون ذلك داخلا في صنف الأرباح فيكون وجوب الخمس لذلك ، وحينئذ فالأنسب ذكر ذلك في ذلك المقام.

وإطلاق الخبر المذكور شامل لما لو كانت الدراهم ونحوها من ما عليه أثر الإسلام أو لم يكن ، ومقتضى عدهم ذلك في الكنز كما ذكرنا التفصيل هنا أيضا بين ما عليه أثر الإسلام أولا وجريان الخلاف المتقدم في ما عليه أثر الإسلام ، مع أن الرواية صريحة في كونه لواجده ، فتحمل عند من قال ثمة بكونه لواجده مع عدم أثر الإسلام على كون تلك الدراهم ليس عليها أثر الإسلام ، وأما عند من قال أنه لواجده مطلقا فلا إشكال بل تكون مثل صحيحتي محمد بن مسلم المتقدمتين.

وأما ما ذكره في المدارك ـ حيث قال : وإطلاق الرواية يقتضي عدم الفرق بين ما عليه أثر الإسلام وغيره ، بل الظاهر كون الدراهم في ذلك الوقت مسكوكة بسكة

__________________

(1) الوسائل الباب 9 من اللقطة.


الإسلام ، ولعل ذلك هو الوجه في إطلاق الأصحاب الحكم في هذه المسألة والتفصيل في السابقة. انتهى ـ

فظني عدم استقامته ، لأنه متى كانت هذه المسألة من قبيل مسألة الكنز الموجود في دار الإسلام ، وقد تقدم في تلك المسألة التفصيل بين ما لم يكن عليه أثر الإسلام فهو لواجده اتفاقا أو كونه عليه أثره ففيه الخلاف بين كونه لواجده أو يكون لقطة ، وحينئذ فمتى كان الظاهر كون تلك الدراهم في ذلك الوقت مسكوكة بسكة الإسلام كانت محل الخلاف ، فكيف يكون ذلك سببا في إطلاق الحكم بكونه لواجده في هذه المسألة؟ وإطلاقهم الحكم هنا كذلك إنما يصح تفرعه على عدم كونها مسكوكة بسكة الإسلام لأنه محل الوفاق على كونه لواجده لا العكس كما ذكره ولذا قال جده (قدس‌سره) في المسالك : وفي المسألتين إشكال آخر وهو إطلاقهم الحكم بكونه لواجده بعد الخمس في أي فرض ، فإن تم فإن ذلك إنما يتم مع عدم أثر الإسلام وإلا فلا يقصر عن ما يوجد في الأرض لاشتراك الجميع في دلالة أثر الإسلام على مالك سابق والأصل عدم زواله ، فيجب تقييد جواز التملك بعدم وجود الأثر وإلا كان لقطة في الموضعين. انتهى.

وكيف كان فالأظهر عندي هو ما تقدم من أن هذه المسألة بفرديها المذكورين لا ارتباط لها بهذا المقام كما ذكروه لعدم صحة إطلاق الكنز الذي هو لغة وعرفا عبارة عن المال المدفون في الأرض على ما في جوف دابة أو سمكة أو نحوهما ، وإنما الأنسب في إيجاب الخمس فيها أن تجعل في صنف الأرباح لأنها من قبيله بغير إشكال ، وفي ذلك الخروج من هذه الإشكالات والتكلفات التي ذكروها في هذه المسألة من ما ذكرناه وما لم نذكره.

ثم لا يخفى أن ظاهر الرواية المذكورة هو وجوب تعريف البائع خاصة دون من جرت يده على ذلك المبيع مطلقا ، وهو مؤيد لما ذكرناه في المسألة السابقة.

والظاهر أن مبنى كلام الأصحاب في وجوب تعريف ما في جوف الدابة


دون ما في بطن السمكة هو كون ما في جوف الدابة من قبيل ما وجد في أرض مملوكة وما في جوف السمكة كالموجود في الأرض المباحة ، ولا إشكال في إن السمك في الأصل من جملة المباحات التي لا تملك إلا بالحيازة مع النية ، والصياد إنما حاز السمكة دون ما في بطنها لعدم علمه به فلم يتوجه إليه قصد ، والملك فرع القصد المتوقف على العلم. وما أورده في المسالك من الإشكال على هذا الكلام الظاهر أنه لا أثر له وليس في التطويل بنقله كثير فائدة.

إلا أنهم لم ينقلوا في مسألة ما يوجد في جوف السمكة هنا خبرا ولا دليلا مع أن الروايات به موجودة ، وإذا كانت النصوص في كل من الموضعين دالة على الحكم المذكور فلا معنى لهذه المناقشات في المقام.

ومن الأخبار التي وقفت عليها من ما يتعلق بما في جوف السمكة ما رواه ثقة الإسلام في الكافي (1) بسنده عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه‌السلام «أن رجلا عابدا من بني إسرائيل كان محارفا. إلى أن قال : فأخذ غزلا فاشترى به سمكة فوجد في بطنها لؤلؤة فباعها بعشرين ألف درهم ، فجاء سائل فدق الباب فقال له الرجل ادخل فقال له خذ أحد الكيسين فأخذ أحدهما فانطلق ، فلم يكن بأسرع من أن دق السائل الباب فقال له الرجل ادخل فدخل ووضع الكيس في مكانه ، ثم قال كل هنيئا مريئا إنما أنا ملك من ملائكة ربك إنما أراد ربك أن يبلوك فوجدك شاكرا. ثم ذهب».

وروى سعيد بن هبة الله الراوندي في كتاب قصص الأنبياء عن حفص بن غياث عن أبي عبد الله عليه‌السلام (2) قال : «كان في بني إسرائيل رجل وكان محتاجا فألحت عليه امرأته في طلب الرزق فابتهل إلى الله في الرزق فرأى في النوم : أيما أحب إليك درهمان من حل أو ألفان من حرام؟ فقال درهمان من حل. فقال تحت رأسك. فانتبه فرأى الدرهمين تحت رأسه فأخذهما واشترى بدرهم سمكة وأقبل إلى منزله فلما

__________________

(1) الروضة ص 385 وفي الوسائل الباب 10 من اللقطة.

(2) الوسائل الباب 10 من اللقطة.


رأته امرأته أقبلت عليه كاللائمة وأقسمت أن لا تمسها ، فقام الرجل إليها فلما شق بطنها إذا بدرتين فباعهما بأربعين ألف درهم».

وروى الصدوق في الأمالي عن علي بن الحسين (عليهما‌السلام) (1) حديثا يشتمل على أن رجلا شكى إليه الحاجة فدفع له قرصتين وقال له خذهما فليس عندنا غيرهما فإن الله يكشف بهما عنك ويريك خيرا واسعا منهما ، فاشترى سمكة بإحدى القرصتين وبالأخرى ملحا فلما شق بطن السمكة وجد فيها لؤلؤتين فاخرتين ، فباع اللؤلؤتين بمال عظيم فقضى منه دينه وحسنت بعد ذلك حاله. ونحوها خبر في تفسير العسكري عليه‌السلام (2) أيضا.

الرابعة ـ روى ثقة الإسلام في الكافي والشيخ في التهذيب بسنديهما عن الحارث بن حصيرة الأزدي (3) قال : «وجد رجل ركازا على عهد أمير المؤمنين عليه‌السلام فابتاعه أبي منه بثلاثمائة درهم ومائة شاة متبع ، فلامته أمي وقالت أخذت هذه بثلاثمائة شاة أولادها مائة وأنفسها مائة وما في بطونها مائة؟ قال فندم أبي فانطلق ليستقيله فأبى عليه الرجل ، فقال خذ مني عشر شياه خذ مني عشرين شاة فأعياه ، فأخذ أبي الركاز وأخرج منه قيمة ألف شاة ، فأتاه الآخر فقال خذ غنمك وآتني ما شئت فأبى فعالجه فأعياه فقال لأضرن بك فاستعدى أمير المؤمنين عليه‌السلام على أبي فلما قص أبي على أمير المؤمنين عليه‌السلام أمره قال لصاحب الركاز : أد خمس ما أخذت فإن الخمس عليك فإنك أنت الذي وجدت الركاز وليس على الآخر شي‌ء لأنه إنما أخذ ثمن غنمه».

أقول : قوله في الخبر «فابتاعه أبي منه بثلاثمائة درهم ومائة شاة متبع» في رواية الكافي وأما رواية التهذيب (4) فليس فيها «ثلاثمائة درهم» والظاهر أنه هو

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 10 من اللقطة.

(3) الوسائل الباب 6 من ما يجب فيه الخمس.

(4) ج 2 ص 179 باب الزيادات بعد الإجارة.


الأصح كما يدل عليه سياق الخبر.

ثم إنه لا يخفى ما في هذا الخبر من الإشكال لدلالته على عدم تعلق الخمس بالعين ، وهو خلاف مدلول الآيات والأخبار وكلام الأصحاب ، والحكم في الخمس والزكاة واحد ، وقد سلف تحقيق ذلك في الزكاة بما يدل على ما ذكرناه.

المقام الرابع ـ في ما يخرج من البحر بالغوص من الدر والجواهر ، ولا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في وجوب الخمس فيه.

ويدل عليه صحيحة الحلبي (1) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن العنبر وغوص اللؤلؤ فقال عليه الخمس».

ورواية محمد بن علي عن أبي الحسن عليه‌السلام (2) قال : «سألته عن ما يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد وعن معادن الذهب والفضة ما فيه؟ قال إذا بلغ ثمنه دينارا ففيه الخمس».

وروى الصدوق في الخصال في الصحيح عن ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (3) قال : «الخمس على خمسة أشياء : على الكنوز والمعادن والغوص والغنيمة. ونسي ابن أبي عمير الخامس». ونحوه في المقنع (4).

وروى الشيخ بإسناده عن حماد بن عيسى قال رواه لي بعض أصحابنا ذكره عن العبد الصالح أبي الحسن الأول عليه‌السلام (5) قال : «الخمس من خمسة أشياء من الغنائم ومن الغوص والكنوز ومن المعادن والملاحة. وفي رواية يونس «والعنبر» أصبتها في بعض كتبه هذا الحرف وحده العنبر ولم أسمعه».

وروى الشيخ أيضا عن أحمد بن محمد قال حدثني بعض أصحابنا رفع الحديث (6) قال : «الخمس من خمسة أشياء : من الكنوز والمعادن والغوص والمغنم الذي يقاتل

__________________

(1) الوسائل الباب 7 من ما يجب فيه الخمس.

(2 و 3) الوسائل الباب 3 من ما يجب فيه الخمس.

(4 و 5 و 6) الوسائل الباب 2 من ما يجب فيه الخمس.


عليه. ولم يحفظ الخامس. الحديث».

وما ذكره في المدارك بعد نقله صحيحة الحلبي المتقدمة ـ من أنها قاصرة عن إفادة التعميم لاختصاصها بغوص اللؤلؤ إلا أن يقال أنه لا قائل بالفصل ـ ضعيف فإن رواية محمد بن علي المتقدمة اشتملت على ضم الياقوت والزبرجد وجملة الأخبار الباقية على الغوص أي ما يخرج بالغوص وهو عام.

ثم إنه لا خلاف في اعتبار النصاب فيه ، وإنما الخلاف في تقديره فالمشهور أنه ما بلغ قيمته دينارا وعليه تدل رواية محمد بن علي المتقدمة ، ونقل في المختلف عن الشيخ المفيد في المسائل الغرية تقديره بعشرين دينارا ولم نقف على مستنده.

قال في المنتهى : ولا يعتبر في الزائد نصاب إجماعا بل لو زاد قليلا أو كثيرا وجب فيه الخمس.

واعتبار الدينار في الغوص بعد المؤن كما تقدم الدليل عليه. والبحث في الدفعة والدفعات كما تقدم في المعدن ، والأظهر كما تقدم ثمة ضم الجميع وإن أعرض أو طال الزمان. قالوا : ولو اشترك في الغوص جماعة اعتبر بلوغ نصيب كل واحد منهم النصاب. ويضم أنواع المخرج بعضها إلى بعض في التقويم. والظاهر من كلامهم إجزاء القيمة فلا يتعين الإخراج من العين.

وينبغي التنبيه على أمور :

الأول ـ في ما يخرج بالغوص من الأموال التي عليها أثر الإسلام إشكال ينشأ من دلالة ظاهر روايتي الشعيري والسكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام (1) «في سفينة انكسرت في البحر فأخرج بعضه بالغوص وأخرج البحر بعض ما غرق فيها : فقال أما ما أخرجه البحر فهو لأهله الله أخرجه وأما ما أخرج بالغوص فهو لهم وهم أحق به». ويؤيدها إطلاق الغوص في الأخبار المتقدمة ، ومن أن المتبادر من ما أخرج بالغوص يعني من ما كان مقره بالأصالة تحت الماء كالأشياء المعدودة في الروايات من

__________________

(1) الوسائل الباب 11 من اللقطة.


اللؤلؤ والياقوت والزبرجد ونحوها لا ما وقع في الماء ورسب فيه ثم أخرج منه بالغوص والروايتان المشار إليهما إنما تدلان على كونه لمخرجه وأما أنه يجب فيه الخمس فلا. على أن ظاهر الخبرين غير خال من الإشكال لأن الحكم به لمخرجه مع وجود أهله من غير ناقل شرعي مشكل ، اللهمّ إلا أن يحمل ذلك على إعراض أهله عنه لعدم إمكان إخراجه ونحو ذلك وإلا فالحكم بما دلا عليه على الإطلاق مخالف للقواعد الشرعية والضوابط المرعية المتفقة على أنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا برضاء منه (1).

الثاني ـ المشهور بين الأصحاب اختصاص وجوب الخمس بما يؤخذ من البحر بالغوص فلو أخذ من غير غوص فلا خمس فيه من هذه الجهة ، وقال الشهيد في البيان : ولو أخذ منه شي‌ء من غير غوص فالظاهر أنه بحكمه.

قال في الذخيرة بعد نقل ذلك عن الشهيد : وهو غير بعيد ولعل مستنده إطلاق رواية أحمد بن محمد بن أبي نصر السابقة. وأشار بها إلى رواية محمد بن علي حيث إن الراوي عنه أحمد بن محمد بن أبي نصر.

ولا يخفى ما فيه فإن الرواية المذكورة وإن تضمنت التعبير عن ذلك بقوله «يخرج من البحر» الذي هو أعمّ من أن يكون بغوص أو غيره إلا أن جملة الروايات الباقية التي قدمناها كلها قد اشتركت في التعبير بالغوص ، فإطلاق العبارة في الرواية المذكورة مقيد بما ذكر في الأخبار الباقية والتعبير بذلك إنما وقع توسعا لظهور أنه لا يقع إخراج ذلك إلا بالغوص ، فإثبات حكم شرعي بهذا الإطلاق والحال كما ذكرنا لا يخلو عن مجازفة وبه يظهر ضعف ما ذكروه.

الثالث ـ لا ريب في وجوب الخمس في العنبر وعليه إجماع الأصحاب وقد

__________________

(1) الوسائل الباب 3 من الأنفال رقم «6» والباب 1 من الغصب عن صاحب الزمان (ع) «لا يحل لأحد أن يتصرف في مال غيره بغير إذنه». وفي المحاضرات قسم المعاملات ص 418 ذكر الحجة المقرم مصادره من طرق الشيعة والسنة فراجعه.


تقدم ذلك في صحيحة الحلبي (1) ولكن اختلف كلامهم في مقدار نصابه فذهب الأكثر إلى أنه إن أخرج بالغوص روعي مقدار دينار وإن جني من وجه الماء أو من الساحل كان له حكم المعادن.

قال في المدارك : ويشكل بانتفاء ما يدل على اعتبار الدينار في مطلق المخرج بالغوص وبالمنع من إطلاق اسم المعدن على ما يجنى من وجه الماء.

أقول : أما الإشكال الثاني فوجهه ظاهر ، وأما الأول ففيه أن الظاهر من الرواية المشتملة على ذكر الدينار أن ما ذكر فيها من ما يخرج من البحر من اللؤلؤ وما بعده من الأفراد إنما هو على جهة التمثيل لا الحصر ، وعلى هذا بني الاستدلال بها على نصاب الدينار في ما أخرج بالغوص مطلقا كما عليه اتفاق الأصحاب قديما وحديثا.

الرابع ـ قال في القاموس : العنبر من الطيب روث دابة بحرية أو نبع عين فيه ، ونقل عن ابن إدريس في سرائره أنه نقل عن الجاحظ في كتاب الحيوان أنه قال يقذفه البحر إلى جزيرة فلا يأكل منه شي‌ء إلا مات ولا ينقره طائر بمنقاره إلا نصل فيه منقاره وإذا وضع رجله عليه نصلت أظفاره. وحكى الشهيد في البيان عن أهل الطب أنهم قالوا أنه جماجم تخرج من عين في البحر أكبرها وزنه ألف مثقال. وعن الشيخ أنه نبات في البحر. وعن ابن جزلة المتطبب في كتاب منهاج البيان أنه من عين في البحر. ونقل في كتاب مجمع البحرين عن كتاب حياة الحيوان قال : والعنبر المشموم قيل أنه يخرج من قعر البحر يأكله بعض دوابه لدسومته فيقذفه رجيعا فيطفو على الماء فيلقيه الريح إلى الساحل.

وظاهر أكثر هذه العبائر أنه إنما يؤخذ من وجه الماء أو من الساحل بعد أن تقذفه الريح وأما أنه يؤخذ بالغوص فهو بعيد عن ظواهرها ، فما ذكروه من التفصيل المتقدم مع خلوه من الدليل بعيد عن ظاهر الرواية المتقدمة وكلام هؤلاء القوم.

__________________

(1) ص 343.


ويظهر من كلام الشيخ في النهاية وجوب الخمس فيه مطلقا ولعله الأظهر ولا ريب أنه الأحوط.

المقام الخامس ـ في ما يفضل عن مئونة السنة له ولعياله من أرباح التجارات والزراعات والصناعات ، ووجوب الخمس في هذا النوع هو المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) بل ادعى عليه العلامة في المنتهى والتذكرة الإجماع وتواتر الأخبار ، ونقل عن ابن الجنيد في المختصر الأحمدي أنه قال : فأما ما استفيد من ميراث أو كد يد أو صلة أخ أو ربح تجارة أو نحو ذلك فالأحوط إخراجه لاختلاف الرواية في ذلك ، ولو لم يخرجه الإنسان لم يكن كتارك الزكاة التي لا خلاف فيها. وهو ظاهر في العفو عن هذا النوع ، وحكاه الشهيد في البيان عن ظاهر ابن أبي عقيل أيضا فقال : وظاهر ابن الجنيد وابن أبي عقيل العفو عن هذا النوع وأنه لا خمس فيه والأكثر على وجوبه ، وهو المعتمد لانعقاد الإجماع عليه في الأزمنة السابقة لزمانهما واشتهار الروايات فيه. انتهى.

ومن ما يدل على الوجوب الآية الشريفة (1) بمعونة الأخبار التي وردت بتفسيرها بما هو أعمّ من غنيمة دار الحرب وقد تقدمت الإشارة إليها في أول الكتاب (2) وبه يظهر أن ما ذكره في المدارك ـ وتبعه عليه الفاضل الخراساني في الذخيرة من الطعن في دلالة الآية من أن المتبادر من الغنيمة الواقعة فيها غنيمة دار الحرب كما يدل عليه سوق الآيات ـ لا تعويل عليه فإنه بعد ورود النصوص بذلك لا مجال لهذا الكلام إذ أحكام القرآن وغيره وتفسيره وبيان مجملاته وحل مشكلاته إنما يتلقى عنهم (عليهم‌السلام) فإذا ورد التفسير عنهم بذلك فالراد له راد عليهم.

والأخبار ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن مهزيار عن محمد بن

__________________

(1) وهي قوله تعالى «وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ ...» سورة الأنفال الآية 43.

(2) ص 320.


الحسن الأشعري (1) قال : «كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني عليه‌السلام أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الضياع وكيف ذلك؟ فكتب بخطه عليه‌السلام : الخمس بعد المئونة».

وما رواه أيضا في الصحيح عن علي بن مهزيار عن علي بن محمد بن شجاع النيسابوري (2) «أنه سأل أبا الحسن الثالث عليه‌السلام عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مائة كر ما يزكى فأخذ منه العشر عشرة أكرار وذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرا وبقي في يده ستون كرا ما الذي يجب لك من ذلك؟ وهل يجب لأصحابه من ذلك عليه شي‌ء؟ فوقع عليه‌السلام : لي منه الخمس من ما يفضل من مئونته».

وما رواه في الصحيح عن علي بن مهزيار (3) قال : «قال لي أبو علي بن راشد قلت له أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقك فأعلمت مواليك ذلك فقال بعضهم وأي شي‌ء حقه؟ فلم أدر ما أجيبه؟ فقال يجب عليهم الخمس. فقلت ففي أي شي‌ء؟ فقال في أمتعتهم وضياعهم. قلت فالتاجر عليه والصانع بيده؟ فقال ذلك إذا أمكنهم بعد مئونتهم».

وما رواه في الكافي عن إبراهيم بن محمد الهمداني (4) قال : «كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام أقرأني علي بن مهزيار كتاب أبيك عليه‌السلام في ما أوجبه على أصحاب الضياع نصف السدس بعد المئونة وأنه ليس على من لم تقم ضيعته بمئونته نصف السدس ولا غير ذلك واختلف من قبلنا في ذلك فقالوا يجب على الضياع الخمس بعد المئونة مئونة الضيعة وخراجها لا مئونة الرجل وعياله؟ فكتب عليه‌السلام بعد مئونته ومئونة عياله وبعد خراج السلطان».

وما رواه في التهذيب في الصحيح عن علي بن مهزيار (5) قال : كتب إليه إبراهيم بن محمد الهمداني أقرأني على كتاب أبيك. الحديث مثل ما تقدم إلا أنه

__________________

(1 و 2 و 3 و 5) الوسائل الباب 8 من ما يجب فيه الخمس.

(4) الأصول ج 1 ص 547 وفي الوسائل الباب 8 من ما يجب فيه الخمس.


قال في آخره «فكتب عليه‌السلام وقرأه علي بن مهزيار : عليه الخمس بعد مئونته ومئونة عياله وبعد خراج السلطان».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن مهزيار (1) قال : «كتب إليه أبو جعفر عليه‌السلام وقرأت أنا كتابه إليه في طريق مكة قال : الذي أوجبت في سنتي هذه وهذه سنة عشرين ومائتين فقط لمعنى من المعاني أكره تفسير المعنى كله خوفا من الانتشار وسأفسر لك بعضه إن شاء الله تعالى : إن موالي أسأل الله صلاحهم أو بعضهم قصروا في ما يجب عليهم فعلمت ذلك فأحببت أن أطهرهم وأزكيهم بما فعلت في عامي هذا من أمر الخمس ، قال الله تعالى «خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» (2) ولم أوجب ذلك عليهم في كل عام ، ولا أوجب عليهم إلا الزكاة التي فرضها الله تعالى عليهم ، وإنما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه في الذهب والفضة التي قد حال عليها الحول ولم أوجب ذلك عليهم في متاع ولا آنية ولا دواب ولا خدم ولا ربح ربحه في تجارة ولا ضيعة إلا ضيعة سأفسر لك أمرها تخفيفا مني عن موالي ومنا مني عليهم لما يغتال السلطان من أموالهم وبما ينوبهم في ذاتهم. فأما الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام ، قال الله تعالى «وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدِيرٌ» (3) فالغنائم والفوائد يرحمك الله فهي الغنيمة يغنمها المرء والفائدة

__________________

(1) الوسائل الباب 8 من ما يجب فيه الخمس.

(2) سورة التوبة الآية 105 و 106 و 107.

(3) سورة الأنفال الآية 43.


يفيدها ، والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر ، والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن ، ومثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله ، ومثل مال يؤخذ ولا يعرف له صاحب ، ومن ضرب ما صار إلى موالي من أموال الخرمية الفسقة فقد علمت أن أموالا عظاما صارت إلى قوم من موالي ، فمن كان عنده شي‌ء من ذلك فليوصل إلى وكيلي ومن كان نائيا بعيد الشقة فليعمد لإيصاله ولو بعد حين فإن نية المؤمن خير من عمله. فأما الذي أوجب من الضياع والغلات في كل عام فهو نصف السدس ممن كانت ضيعته تقوم بمئونته ومن كانت ضيعته لا تقوم بمئونته فليس عليه نصف سدس ولا غير ذلك».

أقول : الوجه في إيجابه نصف السدس هو أنه صاحب الحق فله تحليل شيعته بما أراد من حقه ، وسيأتي تحقيق المسألة إن شاء الله تعالى على وجهها في الفصل الثاني

وما رواه في الكافي في الموثق عن سماعة (1) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الخمس فقال في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير».

وما رواه فيه أيضا عن يزيد (2) قال : «كتبت جعلت لك الفداء تعلمني ما الفائدة وما حدها؟ رأيك أبقاك الله تعالى أن تمن علي ببيان ذلك لكي لا أكون مقيما على حرام لا صلاة لي ولا صوم؟ فكتب : الفائدة من ما يفيد إليك في تجارة من ربحها وحرث بعد الغرام أو جائزة».

وما رواه الشيخ عن عبد الله بن سنان (3) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام على كل امرئ غنم أو اكتسب الخمس من ما أصاب لفاطمة (عليها‌السلام) ولمن يلي أمرها من بعدها من ذريتها الحجج على الناس فذاك لهم خاصة يضعونه حيث شاءوا وحرم عليهم الصدقة ، حتى الخياط ليخيط ثوبا بخمسة دوانيق فلنا منه دانق إلا من أحللناه من شيعتنا لتطيب لهم به الولادة. الحديث».

وما رواه بإسناده عن الريان بن الصلت (4) قال : «كتبت إلى أبي محمد عليه‌السلام

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 8 من ما يجب فيه الخمس.


ما الذي يجب علي يا مولاي في غلة رحى في أرض قطيعة لي وفي ثمن سمك وبردي وقصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة؟ فكتب يجب عليك فيه الخمس إن شاء الله تعالى».

وما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب (1) قال : «كتبت إليه في الرجل يهدي إليه مولاه والمنقطع إليه هدية تبلغ ألفي درهم أو أقل أو أكثر هل عليه فيها الخمس؟ فكتب عليه‌السلام الخمس في ذلك. وعن الرجل يكون في داره البستان فيه الفاكهة تأكله العيال إنما يبيع منه الشي‌ء بمائة درهم أو خمسين درهما هل عليه الخمس؟ فكسب : أما ما أكل فلا وأما البيع فنعم هو كسائر الضياع».

ولم نقف لما نقل عن ابن الجنيد وابن أبي عقيل على دليل معتمد سوى ما نقله في المختلف فقال احتج ابن الجنيد بأصالة براءة الذمة وبما رواه عبد الله بن سنان (2) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول ليس الخمس إلا في الغنائم خاصة». ثم قال (قدس‌سره) : والجواب عن الأول أنه معارض بالاحتياط مع أن الأصل لا يعمل به مع قيام الموجب ، وعن الثاني بالقول بالموجب فإن الخمس إنما يجب في ما يكون غنيمة وهو يتناول غنائم دار الحرب وغيرها من جميع الاكتسابات. على أنه لا يقول بذلك فإنه أوجب الخمس في المعادن والغوص وغير ذلك. انتهى.

ويمكن أن يقال ولعله الأظهر : أن الوجه في ما ذكره ابن الجنيد وابن أبي عقيل إنما هو من حيث ورود جملة من الأخبار كما سيأتي إن شاء الله تعالى في محلها بتحليل الخمس من هذا النوع كما يشير إليه قول ابن الجنيد في عبارته المتقدمة : «لاختلاف الرواية في ذلك» فكأنهما رجحا العمل بأخبار التحليل فأسقطاه هنا.

إذا عرفت ذلك فتنقيح هذا المقام يتوقف على رسم مسائل الأولى ـ المشهور

__________________

(1) الوسائل الباب 8 من ما يجب فيه الخمس ، وابن محبوب يرويه عن أحمد بن هلال عن ابن أبي عمير عن أبان بن عثمان عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع).

(2) الوسائل الباب 2 من ما يجب فيه الخمس.


بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) وجوب الخمس في جميع أنواع المكاسب من الزراعات والصناعات والتجارات عدا الميراث والصداق والهبة ، ونقل عن أبي الصلاح وجوبه في الميراث والهبة والهدية ، وأنكر ذلك ابن إدريس وقال هذا شي‌ء لم يذكره أصحابنا غير أبي الصلاح.

أقول : ويدل على ما ذهب إليه أبو الصلاح عموم رواية محمد بن الحسن الأشعري المتقدمة (1) من أن الخمس على جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب ،. وموثقة سماعة (2) لقوله عليه‌السلام فيها «في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير».

وعلى خصوص الهدية الرواية المتقدم نقلها من مستطرفات السرائر ، وإليه يشير أيضا ما رواه في الكافي عن علي بن الحسين بن عبد ربه (3) قال : «سرح الرضا عليه‌السلام بصلة إلى أبي فكتب إليه أبي هل علي في ما سرحت إلي خمس؟ فكتب إليه : لا خمس عليك في ما سرح به صاحب الخمس». فإنه يشعر بوجوب الخمس في ما يسرح به غير صاحب الخمس وإلا لكتب إليه أنه لا خمس في ما يسرح به مطلقا.

وعلى الجميع صحيحة علي بن مهزيار وقوله فيها «الفائدة يفيدها والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن».

وما في كتاب الفقه الرضوي (4) حيث ذكر الغنيمة في الآية وفسرها بهذه الأفراد : ربح التجارة وغلة الضيعة وسائر الفوائد من المكاسب والصناعات والمواريث وغيرها لأن الجميع غنيمة وفائدة.

وبالجملة فإنه متى فسرت آية الغنيمة بما هو أعمّ من غنيمة دار الحرب كما عرفته من الأخبار فإن هذه الأشياء تدخل فيها البتة وتخرج الأحاديث الواردة في هذه الأشياء على الخصوص شاهدة لذلك. وبه يظهر قوة القول المذكور.

__________________

(1) ص 347 و 348.

(2) ص 350.

(3) الوسائل الباب 11 من ما يجب فيه الخمس.

(4) مستدرك الوسائل الباب 6 من ما يجب فيه الخمس.


وأما عد الصداق في ذلك فلم أقف على قائل به ، ولو قيل به فالظاهر أنه ليس من قبيل هذه لأن الصداق عوض البضع كثمن المبيع فلا يكون من قبيل الغنيمة. ومثله ما لو دفع إليه مال يحج به كما رواه في الكافي عن علي بن مهزيار (1) قال : «كتبت إليه يا سيدي رجل دفع إليه مال يحج به هل عليه في ذلك المال حين يصير إليه الخمس أو على ما فضل في يده بعد الحج؟ فكتب : ليس عليه الخمس».

الثانية ـ الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في أن الخمس المتعلق بالأرباح إنما يجب بعد مئونة السنة له ولعياله ، وقد تقدم في الأخبار المذكورة في المقام ما يدل على كونه بعد المئونة له ولعياله ، إلا أني لم أقف على خبر صريح يتضمن كون المراد مئونة السنة ، لكن الظاهر أنه هو المتبادر من إطلاق هذه الألفاظ.

واعتبار الحول هنا ليس في الوجوب بمعنى توقف الوجوب عليه خلافا لابن إدريس كما نقله عنه في الدروس ، بل بمعنى تقدير الاكتفاء فلو علم الاكتفاء في أول الحول وجب الخمس ولكن يجوز تأخيره احتياطا له وللمستحق لجواز زيادة النفقة بسبب عارض أو نقصها كما صرح به شيخنا الشهيد في البيان.

وظاهر العلامة في التذكرة حيث نسب اعتبار السنة الكاملة إلى علمائنا أنه لا يكتفى بالدخول في الثاني عشر كما في الزكاة واستقربه الشهيد في الدروس.

وذكر غير واحد من الأصحاب أن المراد بالمئونة هنا ما ينفقه على نفسه وعياله الواجبي النفقة وغيرهم كالضيف ، ومنها الهدية والصلة لإخوانه وما يأخذه الظالم منه قهرا أو يصانعه به اختيارا والحقوق اللازمة له بنذر وكفارة ومئونة التزويج وما يشتريه لنفسه من دابة ومملوك ونحو ذلك ، كل ذلك ينبغي أن يكون على ما يليق بحاله عادة وإن أسرف حسب عليه ما زاد وإن قتر حسب له ما نقص.

وما ذكروه (نور الله تعالى مراقدهم) لا بعد فيه فإنه هو المتبادر من هذا

__________________

(1) الوسائل الباب 11 من ما يجب فيه الخمس.


اللفظ بالنظر إلى العادة الجارية والطريقة التي عليها الناس في جميع الأعصار والأمصار وظاهرهم أن ما يستثنى من ربح عامه وبه صرح بعضهم ، فلو استقر الوجوب في مال بمضي الحول لم يستثن ما تجدد من المؤن.

ولا يعتبر الحول في كل تكسب بل مبدأ الحول من حين الشروع في التكسب بأنواعه فإذا تم الحول خمس ما بقي عنده.

ولو تملك قبل الحول ما يزيد على المئونة دفعة أو دفعات تخير في التعجيل والتأخير كما ذكرنا أولا ، إلا أن ظواهر بعض الأخبار ـ مثل قوله عليه‌السلام (1) «حتى الخياط ليخيط ثوبا بخمسة دوانيق فلنا منه دانق». ـ ربما ينافي ما ذكرناه ولكن الظاهر أن هذا الخبر ونحوه ليس على إطلاقه بل يجب تقييده بأخبار استثناء المئونة المتكاثرة كما عرفت.

ولو كان له مال لا خمس فيه ففي احتساب المئونة منه أو من الربح المكتسب أو بالنسبة منهما؟ أوجه أجودها الثاني وأحوطها الأول.

وأدخل في المنتهى في الاكتساب زيادة قيمة ما غرسه لزيادة نمائه فأوجب الخمس فيها بخلاف ما لو زادت قيمته السوقية من غير زيادة فيه وهو جيد ، ومنهم من أوجب في زيادة القيمة أيضا.

وهل يكفي ظهور الربح في أمتعة التجارة أم يحتاج إلى البيع والإنضاض؟ وجهان ولعل الثاني هو الأقرب.

الثالثة ـ قال الشيخ في المبسوط العسل الذي يؤخذ من الجبال وكذلك المن يؤخذ منه الخمس ، واختاره ابن إدريس وابن حمزة وقطب الدين الكيدري وجملة من المتأخرين ، ونقل عن السيد المرتضى (رضي‌الله‌عنه) في أجوبة المسائل الناصرية عدم الوجوب.

والظاهر هو القول المشهور لكون ذلك كسبا فيدخل تحت الأخبار الدالة

__________________

(1) في رواية عبد الله بن سنان ص 350.


على وجوب الخمس في المكاسب كرواية محمد بن الحسن الأشعري المتقدمة (1) الدالة على أن الخمس على جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب ونحوها من ما تقدم.

احتج السيد على ما نقل عنه بالإجماع ، وبأن الأصل أن لا حق في الأموال ، فمن أثبت حقا في العسل أو غيره إما خمسا أو غيره فعليه إقامة الدليل ولا دليل. وضعفه ظاهر ، أما الإجماع ففيه أنه لا قائل به سواه وأما الدليل فقد ذكرناه.

ولا أعرف هنا وجها لتخصيص الكلام بالعسل والمن كما ذكره في المبسوط إلا أن يكون المراد من كلامه مجرد التمثيل ، وإلا فالحكم جار في كل ما يجتنى كالترنجبين والصمغ والشير خشك وغير ذلك لدخول الجميع تحت الاكتساب كما عرفت.

الرابعة ـ قال المحقق الشيخ حسن (قدس‌سره) في كتاب المنتقى بعد نقل صحيحة علي بن مهزيار الطويلة المتقدمة (2) ما صورته : قلت على ظاهر هذا الحديث عدة إشكالات ارتاب منها فيه بعض الواقفين عليه ، ونحن نذكرها مفصلة ثم نحلها بما يزيل عنها الارتياب بعون الله سبحانه ومشيئته :

الإشكال الأول ـ أن المعهود والمعروف من أحوال الأئمّة (عليهم‌السلام) أنهم خزنة العلم وحفظة الشرع يحكمون فيه بما استودعهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وأطلعهم عليه ، وأنهم لا يغيرون الأحكام بعد انقطاع الوحي وانسداد باب النسخ ، فكيف يستقيم قوله عليه‌السلام في هذا الحديث «أوجبت في سنتي ولم أوجب ذلك عليهم في كل عام» إلى غير ذلك من العبارات الدالة على أنه عليه‌السلام يحكم في هذا الحق بما شاء واختار.

الثاني ـ أن قوله عليه‌السلام : «ولا أوجب عليهم إلا الزكاة التي فرضها الله عليهم» ينافيه قوله بعد ذلك : «فأما الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام».

__________________

(1) ص 347 و 348.

(2) ص 349.


الثالث ـ أن قوله عليه‌السلام : «وإنما أوجب عليهم الخمس في سنتي هذه من الذهب والفضة التي قد حال عليها الحول» خلاف المعهود إذ الحول يعتبر في وجوب الزكاة في الذهب والفضة لا الخمس. وكذا قوله : «ولم أوجب ذلك عليهم في متاع ولا آنية ولا دواب ولا خدم» فإن تعلق الخمس بهذه الأشياء غير معروف.

الرابع ـ أن الوجه في الاقتصار على نصف السدس غير ظاهر بعد ما علم من وجوب الخمس في الضياع التي تحصل منها المئونة كما يستفاد من الخبر الذي قبل هذا وغيره من ما سيأتي.

إذا تقرر ذلك فاعلم أن الإشكال الأول مبني على ما اتفقت فيه كلمة المتأخرين من استواء جميع أنواع الخمس في المصرف ، ونحن نطالبهم بدليله ونضايقهم في بيان مأخذ هذه التسوية ، كيف وفي الأخبار التي بها تمسكهم وعليها اعتمادهم ما يؤذن بخلافها بل ينادي بالاختلاف كالخبر السابق عن أبي علي بن راشد (1) ويعزى إلى جماعة من القدماء في هذا الباب ما يليق أن يكون ناظرا إلى ذلك ، وفي خبر لا يخلو من جهالة في الطريق تصريح به أيضا فهو عاضد للصحيح ، والخبر يرويه الشيخ بإسناده عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن علي بن مهزيار قال حدثني محمد بن علي بن شجاع النيسابوري (2) «أنه سأل أبا الحسن الثالث عليه‌السلام عن رجل أصاب من ضيعته مائة كر ...». ثم نقل الخبر بتمامه كما قدمناه ، ثم قال : وإذا قام احتمال الاختلاف فضلا عن إيضاح سبيله باختصاص بعض الأنواع بالإمام عليه‌السلام فهذا الحديث مخرج عليه وشاهد به ، وإشكال نسبة الإيجاب فيه بالإثبات والنفي إلى نفسه عليه‌السلام مرتفع معه فإن له التصرف في ماله بأيّ وجه شاء أخذا وتركا.

وبهذا ينحل الإشكال الرابع أيضا فإنه في معنى الأول ، وإنما يتوجه السؤال عن وجه الاقتصار على نصف السدس بتقدير عدم استحقاقه للكل ، فأما مع كون

__________________

(1 و 2) ص 348.


الجميع له فتعيين مقدار ما يأخذ ويدع راجع إلى مشيئته وما يراه من المصلحة ولا مجال للسؤال عن وجهه.

أقول : لا يخفى أن الجواب عن السؤال المذكور لا ينحصر في ما ذكره (قدس‌سره) ليتخذه مستندا لما ذهب إليه من اختصاص هذا النوع به عليه‌السلام دون الأصناف الأخر ، بل يمكن الجواب بما ورد في جملة من الأخبار من أنهم (عليهم‌السلام) قد فوض إليهم كما فوض إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد عقد له في الكافي بابا على حدة.

ومن أخباره ما رواه (قدس‌سره) عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسن قال وجدت في نوادر محمد بن سنان عن عبد الله بن سنان (1) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام لا والله ما فوض الله إلى أحد من خلقه إلا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وإلى الأئمّة (عليهم‌السلام) قال الله تعالى (إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِما أَراكَ اللهُ) (2) وهي جارية في الأوصياء عليهم‌السلام».

وفي حديث آخر (3) «فما فوض الله إلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقد فوضه إلينا». وفي ثالث (4) «إن الله فوض إلى سليمان بن داود فقال (هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ) (5) وفوض إلى نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (6) فما فوض إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقد فوضه إلينا». إلى غير ذلك من الأخبار.

ويؤيد هذه الأخبار أيضا ما في رواية أبي خالد الكابلي عنه عليه‌السلام (7) قال :

__________________

(1 و 3) أصول الكافي ج 1 ص 268.

(2) سورة النساء الآية 107.

(4) أصول الكافي ج 1 ص 265 رقم 2.

(5) سورة ص الآية 39.

(6) سورة الحشر الآية 8.

(7) الوسائل الباب 2 من قسمة الخمس.


«إن رأيت صاحب هذا الأمر يعطي كل ما في بيت المال رجلا واحدا فلا يدخلن في قلبك شي‌ء فإنه إنما يعمل بأمر الله».

وحينئذ يكون ما ذكره عليه‌السلام راجعا إلى الخمس بجميع موارده لا إلى صنف منه مختص به كما يدعيه ، وسيأتي إن شاء الله تعالى ما فيه مزيد تحقيق للمقام والكلام على ما ذهب إليه بما يكشف عن المسألة غياهب الإبهام.

ثم قال (قدس‌سره) : وأما الإشكال الثاني فمنشؤه نوع إجمال في الكلام اقتضاه تعلقه بأمر معهود بين المخاطب وبينه عليه‌السلام كما يدل عليه قوله «بما فعلت في عامي هذا» وسوق الكلام يشير إلى البيان وينبه على أن الحصر في الزكاة إضافي مختص بنحو الغلات ، ومنه يعلم أن قوله عليه‌السلام : «والفوائد» ليس على عمومه بحيث يتناول الغلات ونحوها بل هو مقصور على ما سواها ، ويقرب أن يكون قوله «والجائزة» وما عطف عليه إلى آخر الكلام تفسيرا للفائدة أو تنبيها على نوعها ، ولا ريب في مغايرته لنحو الغلات التي هي متعلق الحصر هناك. ثم إن في هذه التفرقة بمعونة ملاحظة الاستشهاد بالآية وقوله بعد ذلك «فليعمد لإيصاله ولو بعد حين» دلالة واضحة على ما قلناه من اختلاف حال أنواع الخمس ، فإن خمس الغنائم ونحوها من ما يستحقه أهل الآية ليس للإمام عليه‌السلام أن يرفع فيه ويضع على حد ماله في خمس نحو الغلات وما ذاك إلا للاختصاص هناك والاشتراك هنا.

أقول : ما ذكره (قدس‌سره) هنا ـ بناء على ما اختاره من ما أشرنا إليه آنفا من أنه ليس للإمام عليه‌السلام أن يرفع ويضع في ما يستحقه أهل الآية على حد ماله ـ منظور فيه ، فإن المفهوم من الأخبار خلافه ومنها رواية أبي خالد الكابلي وما سيأتي إن شاء الله تعالى في أخبار التحليل (1) من دلالة جملة من الأخبار بعمومها على تحليل الخمس مطلقا ، وصحيحة عمر بن أذينة (2) الواردة في حمل أبي سيار مسمع بن عبد الملك

__________________

(1) الوسائل الباب 4 من الأنفال.

(2) الصحيح «عمر بن يزيد».


خمس ما استفاده من الغوص إلى أبي عبد الله عليه‌السلام (1) ورده عليه وتحليله به كملا. ويعضد ذلك الأخبار الآتية إن شاء الله تعالى فإنها دالة على أن الأرض وما خرج منها كله لهم (عليهم‌السلام) (2) ويؤكد ذلك أيضا أخبار التفويض التي تقدم ذكر بعض منها.

ثم قال (قدس‌سره) : وبقي الكلام على الإشكال الثالث ومحصله أن الأشياء التي عددها عليه‌السلام في إيجابه للخمس ونفيه أراد بها ما يكون محصلا من ما يجب له فيه الخمس فاقتصر في الأخذ على ما حال عليه الحول من الذهب والفضة ، لأن ذلك أمارة الاستغناء عنه فليس في الأخذ منه ثقل على من هو بيده ، وترك التعرض لهم في بقية الأشياء المعدودة طلبا للتخفيف كما صرح به عليه‌السلام انتهى كلامه زيد مقامه

أقول : جميع ما تكلفه في دفع هذه الإشكالات مبني على ما زعمه من اختصاص خمس الأرباح به عليه‌السلام دون شركائه المذكورين في الآية وسيأتي ما فيه. وبالجملة فالحق ما ذكره جملة من الأصحاب من أن الرواية في غاية الإشكال ونهاية الإعضال ، وأجوبته (قدس‌سره) مع كونها تكلفات ظاهرة مدخولة بما ذكرناه هنا وما سيأتي إن شاء الله تعالى.

المقام السادس ـ في أرض الذمي التي اشتراها من مسلم ، وهذه الأرض ذكرها الشيخ وأتباعه استنادا إلى صحيحة أبي عبيدة الحذاء (3) قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول أيما ذمي اشترى من مسلم أرضا فإن عليه الخمس».

وحكى العلامة في المختلف عن كثير من المتقدمين كابن الجنيد والشيخ المفيد وابن أبي عقيل وسلار وأبي الصلاح أنهم لم يذكروا هذا الفرد في ما يجب فيه الخمس وظاهرهم سقوط الخمس هنا ، ونقل عن شيخنا الشهيد الثاني في فوائد القواعد الميل

__________________

(1) الوسائل الباب 4 من الأنفال وما يختص بالإمام رقم 12.

(2) أصول الكافي ج 1 ص 407 باب إن الأرض كلها للإمام «ع».

(3) الوسائل الباب 9 من ما يجب فيه الخمس.


إلى ذلك استضعافا للرواية الواردة بذلك ، وذكر في الروضة تبعا للعلامة في المختلف أنها من الموثق.

والجميع سهو ظاهر فإن سند الرواية في أعلى مراتب الصحة لأن الشيخ قد رواها في التهذيب (1) عن سعد عن أحمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن أبي أيوب إبراهيم بن عثمان عن أبي عبيدة الحذاء ، وروى هذه الرواية في الفقيه (2) عن أبي عبيدة الحذاء ورواها المحقق في المعتبر عن الحسن بن محبوب ، وروى الشيخ المفيد في باب الزيادات من المقنعة (3) عن الصادق عليه‌السلام مرسلا قال : «الذمي إذا اشترى من المسلم الأرض فعليه فيها الخمس».

بقي الكلام في أن مصرف هذا الخمس هل هو مصرف الخمس الذي تضمنته الآية؟ ظاهر الأصحاب ذلك حيث عدوا هذه الأرض في هذا الباب.

وقال المحقق الشيخ حسن (قدس‌سره) في كتاب المنتقى بعد نقل الخبر المتقدم : قلت ظاهر أكثر الأصحاب الاتفاق على أن المراد من الخمس في هذا الحديث معناه المعهود وللنظر في ذلك مجال ، ويعزى إلى مالك (4) القول بمنع الذمي من شراء الأرض العشرية وأنه إذا اشتراها ضوعف عليه العشر فيجب عليه الخمس ، وهذا المعنى يحتمل إرادته من هذا الحديث أما موافقة عليه أو تقية ، فإن مدار التقية على الرأي الظاهر لأهل الخلاف وقت صدور الحكم ، ومعلوم أن رأي مالك كان هو الظاهر في زمن الباقر عليه‌السلام ومع قيام هذا الاحتمال بل قربه

__________________

(1) ج 1 ص 384 و 389.

(2) ج 2 ص 22.

(3) الوسائل الباب 9 من ما يجب فيه الخمس.

(4) نقل أبو عبيد في كتاب الأموال ص 90 عن أبي حنيفة أنه إذا اشترى الذمي أرض عشر تحولت أرض خراج. قال وقال أبو يوسف يضاعف عليه العشر. ثم نقل ذلك عن غيره ثم قال : فأما مالك بن أنس فكان يقول غير ذلك كله ، حدثني عنه يحيى بن بكير لا شي‌ء عليه فيها. ثم ذكر علة ذلك ثم قال : وروى بعضهم عن مالك أنه قال لا عشر عليه ولكنه يؤمر ببيعها لأن في ذلك إبطالا للصدقة.


لا يتجه التمسك بالحديث في إثبات ما قالوه ، وليس هو بمظنة بلوغ حد الإجماع ليغني عن طلب الدليل فإن جمعا منهم لم يذكروه أصلا ، وصرح بعضهم بالتوقف فيه لا لما قلناه بل استضعافا لطريق الخبر وهو من الغرابة بمكان. إلى آخر كلامه (قدس‌سره).

أقول : ويمكن أن يؤيد ما ذكره من احتمال حمل الخمس هنا على غير المعنى المشهور ما تقدم في أول الكتاب في صحيحة عبد الله بن سنان (1) من قوله عليه‌السلام «ليس الخمس إلا في الغنائم». بحمل الغنائم في الخبر على المعنى الأعم كما قدمنا بيانه وشددنا أركانه ، وهو أظهر الاحتمالين في معنى الخبر كما قدمنا ذكره ثمة ، ومن الظاهر أن ما نحن فيه هنا لا يدخل تحت الغنائم. وكذا يؤيد ذلك ما تقدم في المقام الرابع في الغوص من الأخبار الدالة بظاهرها على حصر ما فيه الخمس في خمسة أشياء ولم يذكر منها هذه الأرض.

إلا أن ما ذكره (قدس‌سره) من أن رأي مالك كان هو الظاهر في زمن الباقر عليه‌السلام لا يخلو من شي‌ء ، فإن مذهب مالك في زمن وجوده ليس إلا كمذاهب سائر المجتهدين في تلك الأوقات ، ومذهبه إنما اشتهر وصار له صيت مع مذهبي الشافعي وأحمد بن حنبل بعد الاصطلاح على تلك المذاهب أخيرا في ما يقرب من سنة خمسمائة وخمسين كما ذكره جملة من علمائنا وعلمائهم. نعم مذهب أبي حنيفة في وقته كان شائعا مشهورا وله تلامذة يجادلون على مذهبه.

وبالجملة فما ذكره المحقق المشار إليه لا يخلو من قرب ، وقريب منه ما ذكره في المدارك حيث قال ـ بعد أن ذكر أن الرواية خالية من ذكر متعلق الخمس ومصرفه صريحا ـ ما صورته : وقال بعض العامة إن الذمي إذا اشترى أرضا من مسلم وكانت عشرية ضوعف عليه العشر وأخذ منه الخمس (2) ولعل ذلك هو المراد من النص. انتهى.

__________________

(1) ص 351.

(2) ارجع إلى التعليقة 4 ص 360.


فروع

الأول ـ هل المراد بالأرض هنا أرض الزراعة خاصة أو ما هو أعمّ منها ومن الأرض المشغولة بالبناء والغرس؟ ظاهر المعتبر الأول حيث قال : والظاهر أن مراد الأصحاب أرض الزراعة لا المساكن. واختاره في المدارك. وبالثاني صرح شيخنا الشهيد الثاني جزما حيث صرح بالوجوب فيها سواء أعدت للزراعة أم لغيرها حتى لو اشترى بستانا أو دارا أخذ منه خمس الأرض عملا بالإطلاق ، وخصها في المعتبر بالأول ، وإلى ذلك أيضا يميل كلام شيخنا الشهيد في البيان ، وجزم في المدارك بضعف هذا القول. والمسألة لا تخلو من الإشكال.

الثاني ـ قالوا : لو اشتملت على أشجار وبناء فالخمس واجب في الأرض لا فيهما ويتخير في الأخذ بين الأخذ من رقبة الأرض أو ارتفاعها. والأقرب أن التخيير إنما هو في ما إذا لم تكن الأرض مشغولة بغرس أو بناء وإلا يتعين الأخذ من الارتفاع ، وطريقه أنه متى كانت مشغولة بشجر أو بناء أن تقوم الأرض مع ما فيها بالأجرة وتوزع الأجرة على ما للمالك وعلى خمس الأرض فيأخذ الإمام أو المستحق ما يخص الخمس من الأجرة.

الثالث ـ مورد الخبر كما عرفت الشراء وظاهر جملة من عباراتهم ترتب الحكم على مجرد الانتقال ، قال شيخنا الشهيد الثاني في الروضة ـ بعد قول المصنف السابع أرض الذمي المنتقلة إليه من مسلم ـ ما صورته : سواء انتقلت إليه بشراء أم غيره وإن تضمن بعض الأخبار لفظ الشراء وبذلك صرح الشهيد في البيان أيضا ، وأكثر عباراتهم على التعبير بلفظ الشراء وهو الأقرب وقوفا على مورد النص متى عمل به.

الرابع ـ لا فرق على القول بذلك بين الأرض التي فيها الخمس كالأرض المفتوحة عنوة بناء على ما هو المفهوم من كلامهم من تعلق الخمس برقبة الأرض وقد مر الكلام فيه والتي ليست كذلك كالأرض التي أسلم عليها أهلها طوعا وصارت ملكا لهم عملا بإطلاق النص. إلا أن بيع الأرض المفتوحة عنوة في مصالح العسكر


ونحوها من ما لا إشكال فيه ، وكذا من أرباب الخمس إن أخذوه منها بناء على ما عرفت من كلامهم من أن خمسها لأرباب الخمس ، وأما بيعها تبعا لآثار التصرف كما هو المشهور فاستشكله في المدارك لعدم دخولها في ملك المتصرف بتلك الآثار قطعا ومتى انتفى الملك امتنع تعلق البيع بها كما هو واضح. وسيجي‌ء تحقيق المسألة في محلها إن شاء الله تعالى.

الخامس ـ قالوا : لو باعها الذمي ذميا آخر لم يسقط الخمس إذا لم يكن قد أخذ ولو باعها على مسلم فالأقرب أنه كذلك لأن أهل الخمس استحقوه في العين. ولو شرط الذمي في البيع سقوط الخمس عنه فسد الشرط ، وهل يفسد البيع؟ إشكال وظاهرهم الحكم بفساده كما هو المشهور بينهم في كل عقد اشتمل على شرط فاسد. ولو تقايلا بعد البيع احتمل سقوط الخمس بناء على أن الإقالة فسخ عندهم ، وفيه إشكال

المقام السابع ـ في الحلال إذا اختلط بالحرام ، والقول بوجوب الخمس هنا هو المشهور ، ونقل عن الشيخ المفيد وابن أبي عقيل وابن الجنيد أنهم لم يذكروا الخمس هنا في عداد الأفراد المتقدمة كما لم يذكروه في سابق هذا المقام.

وقد ورد بالخمس هنا روايات : منها ـ ما رواه الشيخ في التهذيب عن الحسن ابن زياد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «إن رجلا أتى أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال يا أمير المؤمنين إني أصبت مالا لا أعرف حلاله من حرامه؟ فقال له أخرج الخمس من ذلك المال فإن الله عزوجل قد رضي من المال بالخمس واجتنب ما كان صاحبه يعلم».

وما رواه في الفقيه مرسلا (2) قال : «جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال يا أمير المؤمنين أصبت مالا أغمضت فيه أفلي توبة؟ قال : ائتني بخمسه فأتاه بخمسه فقال هو لك إن الرجل إذا تاب تاب ماله معه».

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 10 من ما يجب فيه الخمس.


وما رواه الصدوق في الخصال بسند قوي إلى عمار بن مروان (1) قال : «سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول في ما يخرج من المعادن والبحر والغنيمة والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه والكنوز الخمس».

وما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن السكوني عن أبي عبد الله عن آبائه عن علي (عليهم‌السلام) (2) «أنه أتاه رجل فقال إني كسبت مالا أغمضت في مطالبه حلالا وحراما وقد أردت التوبة ولا أدري الحلال منه والحرام وقد اختلط علي؟ فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام تصدق بخمس مالك فإن الله رضي من الأشياء بالخمس وسائر المال لك حلال». ورواه البرقي في المحاسن (3) والمفيد في المقنعة (4).

أقول : والكلام في هذه الأخبار يقع في مقامين الأول ـ في مخرج الخمس هنا ، ظاهر الأخبار المذكورة هو وجوب الخمس في هذا المال الممتزج حلاله بحرامه أعمّ من أن يكون علم مالكه وقدره أم لم يعلمهما أو علم القدر دون المالك أو بالعكس إلا أن الأصحاب خصوها بصورة عدم معلومية القدر والمالك ، قالوا فلو علمهما فالواجب هو دفع ما علمه لمالكه. وهذا من ما لا ريب فيه ولا إشكال يعتريه لأنه يصير من قبيل الشريك الذي يجب دفع حصته له متى أراد.

وأما إذا علم القدر دون المالك فقيل هنا بوجوب الصدقة مع اليأس من المالك سواء كان بقدر الخمس أو أزيد أو أنقص واختاره في المدارك ، وقيل بوجوب إخراج الخمس ثم الصدقة بالزائد في صورة الزيادة.

والظاهر أن مستند القول الأول هو الأخبار الدالة على الأمر بالتصدق بالمال المجهول المالك (5) ومن أجل ذلك أخرجوا هذه الصورة من عموم النصوص المتقدمة.

__________________

(1) الوسائل الباب 3 من ما يجب فيه الخمس. والرواية عن أبي عبد الله «ع».

(2) الوسائل الباب 10 من ما يجب فيه الخمس. واللفظ «عن أبي عبد الله قال أتى رجل أمير المؤمنين ...».

(3 و 4) الوسائل الباب 10 من ما يجب فيه الخمس.

(5) الوسائل الباب 47 من ما يكتسب به والباب 6 من ميراث الخنثى وما أشبهه.


ولقائل أن يقول أن مورد تلك الأخبار الدالة على التصدق إنما هو المال المتميز في حد ذاته لمالك مفقود الخبر وإلحاق المال المشترك به مع كونه من ما لا دليل عليه قياس مع الفارق ، لأنه لا يخفى أن الاشتراك في هذا المال سار في كل درهم درهم وجزء جزء منه ، فعزل هذا القدر المعلوم للمالك المجهول مع كون الشركة شائعة في أجزائه كما أنها شائعة في أجزاء الباقي لا يوجب استحقاق المالك المجهول له حتى أنه يتصدق به عنه ، فهذا العزل لا ثمرة له بل الاشتراك باق مثله قبل العزل.

فإن قيل : إنه متى كان المال مشتركا بين شريكين فإن لهما قسمته ويزول الاشتراك بالقسمة وتمييز حصة كل منهما عن الآخر.

قلنا : إنما صحت القسمة في الصورة المذكورة وذاك الاشتراك من حيث حصول التراضي من الطرفين على ما يستحقه أحدهما في مال شريكه بما يستحقه الآخر في حصته كما صرح به الأصحاب ، فهو في قوة الصلح بل هو صلح موجب لنقل حصة كل منهما للآخر ، وهذا غير ممكن في ما نحن فيه فقياس أحدهما على الآخر مع الفارق كما لا يخفى.

وأما القول الآخر وهو إخراج الخمس ثم الصدقة بالزائد في صورة الزيادة ففيه ما في سابقه بالنسبة إلى الصدقة بالزائد في الصورة المذكورة.

وبما ذكرنا يظهر أن الأظهر دخول هذه الصورة تحت إطلاق الأخبار المتقدمة وأنه لا دليل على إخراجها.

وأما إذا علم المالك دون القدر فإنهم قالوا الواجب في هذه الصورة هو التخلص منه بصلح ونحوه ، فإن أبي قال في التذكرة : دفع إليه خمسه لأن القدر جعله الله مطهرا للمال. وفيه نظر فإن جعله مطهرا إنما هو من حيث عدم ظهور المالك ومعلوميته لا مع ظهوره. قال في المدارك : والاحتياط يقتضي وجوب دفع ما يحصل به يقين البراءة ، ويحتمل الاكتفاء بدفع ما يتيقن انتفاؤه عنه. وعندي في هذه الصورة توقف من حيث احتمال ما ذكروه من وجوب التخلص منه بصلح ونحوه ومن


حيث إطلاق الأخبار المتقدمة. ولا ريب أن الاحتياط في ما ذكروه والاحتياط التام ما ذكره في المدارك من دفع ما يحصل به يقين البراءة.

وأما ما ذكره السيد السند في المدارك في الصورة المتفق عليها بينهم ـ من إن المطابق للأصول وجوب عزل ما يتيقن انتفاؤه عنه والتفحص عن مالكه إلى أن يحصل اليأس من العلم به فيتصدق به على الفقراء كما في غيره من الأموال المجهولة المالك. إلى آخره ـ ففيه أولا ـ ما عرفت من أن مورد تلك الأخبار إنما هو المال المتميز في حد ذاته لا ما كان مشتركا وأحدهما غير الآخر كما عرفت. و (ثانيا) ـ أن ما ذكره موجب لاطراح هذه النصوص رأسا ، فإنها صريحة الدلالة في وجوب إخراج الخمس وحل الباقي بذلك أعمّ من أن يتيقن انتفاء شي‌ء منه عنه أم لا ، بل التيقن البتة حاصل ولو جزء يسيرا مع أنه عليه‌السلام حكم بوجوب إخراج الخمس وحل الباقي ولم يلتفت إلى هذا التيقن بالكلية. وطرحها مع تكررها في الأصول واتفاق الأصحاب على القول بها من ما لا يجترئ عليه ذو مسكة. وبالجملة فإن الحق أن مورد تلك الأخبار غير مورد هذه فيعمل بكل منهما في ما ورد فيه ولا إشكال ولا منافاة.

المقام الثاني ـ في مصرف هذا الخمس ، جمهور الأصحاب (رضوان الله عليهم) على أن مصرفه هو مصرف غيره من المصارف التي تضمنتها الآية (1) وظاهر جملة من محققي متأخري المتأخرين المناقشة في ذلك.

قال المحدث الكاشاني في الوافي ـ بعد نقل خبر أرض الذمي أولا ثم خبر الحسن بن زياد وخبر الفقيه التي قدمناها ـ ما لفظه : وهذا الخبران والذي قبلهما لا دلالة في شي‌ء منها على أن مصرف الخمس المذكور فيه هو المصرف المذكور في آية الخمس كما فهمه جماعة من أصحابنا ، بل يحتمل أن يكون المراد بالأول تضعيف الزكاة على الذمي المشتري من المسلم أرضه أو الخراج وبالأخيرين التصدق على

__________________

(1) وهي قوله تعالى «وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ ...» سورة الأنفال الآية 43.


الفقراء والمساكين ويكون التعليل برضا الله تعالى بالخمس من المال لتعيين هذا القدر للتصدق في رضا الله ، والدليل على ذلك قوله عليه‌السلام في هذين الخبرين برواية السكوني (1) على ما يأتي في كتاب المعايش «تصدق بخمس مالك فإن الله جل اسمه رضي من الأشياء بالخمس وسائر المال لك حلال». هذا كلامه عليه‌السلام هناك وظاهر أن التصدق لا يحل لبني هاشم. وأما قوله عليه‌السلام (2) : «ائتني بخمسه». فلا دلالة فيه على أن هذا الخمس له عليه‌السلام ولعله إنما قبضه ليصرفه على أهله لأنه أعرف بمواضعه ولذا أعطاه إياه حيث وجده أهلا له. انتهى.

ويظهر من شيخنا الشهيد في البيان التردد في المسألة حيث قال : ظاهر الأصحاب أن مصرف هذا الخمس أهل الخمس وفي الرواية (3) «تصدق بخمس مالك لأن الله رضي من الأموال بالخمس». وهذه تؤذن بأنه في مصرف الصدقات لأن الصدقة الواجبة محرمة على مستحق الخمس. انتهى.

أقول : أما ما ذكره في الوافي ـ من أنه لا دلالة في الخبرين وكذلك الذي قبلهما على أن مصرف الخمس المذكور هو المصرف المذكور في آية الخمس ـ ففيه أن الأخبار المتقدمة في المعدن والكنز والغوص والأرباح كلها من هذا القبيل لم يتعرض في شي‌ء منها لبيان المصرف وإنما دلت على ما دلت عليه هذه الأخبار من أن فيه الخمس فالإيراد بهذا الوجه من ما لا وجه له. نعم ما ذكره من دلالة ظاهر رواية السكوني على خلاف ما ذكروه جيد كما أشار إليه شيخنا الشهيد أيضا.

وأما تأويله قول أمير المؤمنين عليه‌السلام (4) «ائتني بخمسه» فلا يخفى أنه خلاف الظاهر ، إذ الظاهر من طلبه له هو كونه له ومختصا به كغيره من أفراد الأخماس ، ولا ينافي ذلك رده على صاحبه لأنه من قبيل رد الصادق عليه‌السلام على مسمع بن عبد الملك خمس ما حمل إليه من الغوص كما تقدم (5) المؤذن بالتحليل ، وسيأتي في أخبار

__________________

(1) ص 364.

(2 و 4) في مرسلة الفقيه المتقدمة ص 363.

(3) المتقدمة ص 364 عن السكوني.

(5) ص 358 و 359.


التحليل في محله إن شاء الله تعالى فيكون هذا الخبر من جملتها ، ويؤيد قوله عليه‌السلام في صحيحة علي بن مهزيار المتقدمة في عد ما يجب فيه الخمس من الغنائم والفوائد قال : «ومثله مال يؤخذ ولا يعرف له صاحب» إلا أن ما ذكره يصلح وجه تأويل للجمع بينه وبين خبر السكوني ولعله الأرجح. وأما ما تضمنته صحيحة علي بن مهزيار فهو مخالف لما دلت عليه الأخبار الكثيرة من التصدق بما هذا شأنه عن صاحبه لا أنه يؤخذ منذ الخمس ويحل الباقي له ، وهذا من جملة المخالفات التي أوجبت التوقف في هذا الخبر. إلا أن الظاهر من رواية الخصال التي قدمناها (1) حيث عد الحلال المختلط بالحرام في جملة ما يجب فيه الخمس بالمعنى المعروف أنه كذلك وظهورها في هذا المعنى أمر لا ينكر ، وبه تبقى المسألة في قالب الإشكال.

وأما ما يفهم من كلام المحدث المذكور ـ ومثله شيخنا الشهيد على تقدير كون هذا الخمس صدقة من أنه يحرم على بني هاشم لأنه صدقة واجبة ـ ففيه أن المفهوم من الأخبار كما قدمنا بيانه أن المحرم عليهم من الصدقة واجبة كانت أو مستحبة إنما هو الزكاة خاصة وبذلك صرح جملة من أصحابنا كما سلف بيانه.

وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الإشكال والاحتياط بعد إخراج هذا الخمس دفعه لفقراء السادة للخروج به عن العهدة على الاحتمالين ، وأما ما ذكره الفاضلان المتقدمان فقد عرفت ما فيه.

تتمة

روى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه‌السلام (2) قال : «خذ مال الناصب حيثما وجدته وادفع إلينا الخمس». ورواه بسند آخر عن معلى بن خنيس عن أبي عبد الله عليه‌السلام مثله (3).

ويقرب منه أيضا ما رواه في الموثق عن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 2 من ما يجب فيه الخمس.

(3) الوسائل الباب 10 من ما يجب فيه الخمس.


«أنه سئل عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل؟ قال لا إلا أن لا يقدر على شي‌ء ولا يأكل ولا يشرب ولا يقدر على حيلة فإن فعل فصار في يده شي‌ء فليبعث بخمسه إلى أهل البيت عليهم‌السلام».

وهذه الأخبار صريحة كما ترى في وجوب الخمس في هذا الموضع وأن مصرفه مصرف الخمس الذي في الآية مع أن أحدا من الأصحاب لم يتعرض لذكر هذا الحكم في هذا الباب في ما أعلم. وربما أشعرت هذه الأخبار بأن الخمس مشاع في أموالهم حيث إنهم لا يرون وجوب أدائه إلى أصحابه فكل من اغتال شيئا من أموالهم أوصل الخمس إلى أهله وملك الباقي.

ومن ما يدل على وجوب الخمس هنا أيضا ما تقدم في صحيحة علي بن مهزيار (1) من قوله عليه‌السلام «ومثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله ... ومن ضرب ما صار إلى موالي من أموال الخرمية الفسقة فقد علمت أن أموالا عظاما صارت إلى قوم من موالي فمن كان عنده شي‌ء من ذلك فليوصل إلى وكيلي. الحديث». والاصطلام بمعنى الاستئصال قال في الوافي : والخرمية بالخاء المعجمة والراء المهملة أصحاب التناسخ والإباحة.

__________________

(1) ص 350.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *