ج9 - أحكام سجدتي السهو
خاتمة
اختلف الأصحاب (رضوان الله
عليهم) في موجب سجدتي السهو على أقوال متعددة واراء متفرقة ، فقال ابن ابى عقيل :
الذي تجب فيه سجدتا السهو عند آل الرسول صلىاللهعليهوآله شيئان :
الكلام ساهيا خاطب المصلى نفسه أو غيره ، والآخر دخول الشك عليه في أربع ركعات أو
خمس فما عداها.
والشيخ المفيد في المقنعة قد عد ثلاثة مواضع تجب فيها
سجدتا السهو أحدها ـ السهو عن سجدة حتى يفوت محلها ، ومن نسي التشهد ولم يذكر حتى
يركع في الثالثة ، ومن تكلم ناسيا. ولم يذكر شيئا آخر ولم ينص على عدد.
وقال في الرسالة الغرية : لو نسي التشهد الأول وذكره بعد
الركوع مضى في صلاته فإذا سلم من الرابعة سجد سجدتي السهو ، وكذلك ان تكلم ناسيا
في صلاته فليسجد بعد التسليم سجدتي السهو ، وان لم يدر أزاد سجدة أو نقص سجدة أو
زاد
ركوعا أو نقص ركوعا ولم يتيقن ذلك
وكان الشك له فيه حاصلا بعد تقضى وقته وهو في الصلاة سجد سجدتي السهو ، قال وليس
لسجدتي السهو موضع في الشك في الصلاة إلا في هذه الثلاثة المواضع والباقي بين مطرح
أو متدارك بالجبران أو فيه اعادة
وقال ثقة الإسلام في الكافي بعد تقسيمه مواضع السهو
الواردة في الأخبار الى ما يجب على الساهي فيه اعادة الصلاة وهي سبعة مواضع ثم
عدها ، وما لا يجب فيها إعادة الصلاة وتجب فيها سجدتا السهو : الذي يسهو فيسلم في
الركعتين ثم يتكلم من غير ان يحول وجهه وينصرف عن القبلة ، قال فعليه أن يتم صلاته
ثم يسجد سجدتي السهو ، والذي ينسى تشهده ولا يجلس في الركعتين وفاته ذلك حتى يركع
في الثالثة فعليه سجدتا السهو وقضاء تشهده إذا فرغ من صلاته ، والذي لا يدرى أربعا
صلى أو خمسا عليه سجدتا السهو ، والذي يسهو في بعض صلاته فيتكلم بكلام لا ينبغي له
مثل أمر ونهى من غير تعمد فعليه سجدتا السهو ، فهذه أربعة مواضع تجب فيها سجدتا
السهو. الى آخر كلامه.
وقال الشيخ في المبسوط : واما ما يوجب الجبران بسجدتي
السهو فخمسة مواضع : من تكلم في الصلاة ساهيا ، ومن سلم في الأولتين ناسيا ، ومن
نسي التشهد الأول حتى يركع في الثالثة ، ومن ترك واحدة من السجدتين حتى يركع في ما
بعد ، ومن شك بين الأربع والخمس ، قال وفي أصحابنا من قال ان من قام في حال قعود
أو قعد في حال قيام فتلافاه كان عليه سجدتا السهو. وقال في الجمل ما يوجب الجبران
بسجدتي السهو أربعة مواضع ، وعد ما تقدم وأسقط التشهد.
وقال في الخلاف : وسجدتا السهو لا تجبان في الصلاة إلا
في أربعة مواضع (أحدها) إذا تكلم في الصلاة ناسيا. و (الثاني) إذا سلم في الصلاة
في غير موضع السلام ناسيا. و (الثالث) إذا نسي سجدة واحدة ولا يذكر حتى يركع في
الركعة التي بعدها. و (الرابع) إذا نسي التشهد الأول ولا يذكر حتى يركع في الثالثة
، فإن هذه المواضع يجب عليه المضي في الصلاة ثم سجدتا السهو بعد التسليم ، قال
واما
ما عدا ذلك فهو كل سهو يلحق الإنسان
ولا يجب عليه سجدتا السهو فعلا كان أو قولا زيادة كان أو نقصانا متحققة كانت أو
متوهمة وعلى كل حال ، قال وفي أصحابنا (رضوان الله عليهم) من قال عليه سجدتا السهو
في كل زيادة ونقصان. وفي الاقتصاد مثل الجمل.
وقال السيد المرتضى في الجمل : تجب سجدتا السهو في خمسة
مواضع : في نسيان السجدة والتشهد ولم يذكر حتى يركع ، وفي الكلام ساهيا ، وفي
القعود حالة القيام وبالعكس ، وفي الشك بين الأربع والخمس.
وقال أبو جعفر بن بابويه ، ولا تجب سجدتا السهو إلا على
من قعد في حال قيام أو قام في حال قعود أو ترك التشهد أو لم يدر أزاد أو نقص. ثم
قال في موضع آخر : وان تكلمت في صلاتك ناسيا فقلت «أقيموا صفوفكم» فأتم صلاتك
واسجد سجدتي السهو.
وقال في المقنع : واعلم ان السهو الذي تجب فيه سجدتا
السهو هو انك إذا أردت أن تقعد قمت وإذا أردت أن تقوم قعدت ، قال وروى أنه لا يجب
عليك سجدتا السهو إلا ان سهوت في الركعتين الأخيرتين لأنك إذا شككت في الأولتين
أعدت الصلاة ، قال وروى ان سجدتي السهو تجب على من ترك التشهد. وأوجب أبوه سجدتي
السهو في نسيان التشهد وفي الشك بين الثلاث والأربع إذا ذهب وهمه إلى الرابعة.
وأوجب سلار سجدتي السهو في نسيان التشهد والسجدة والكلام
ناسيا والقعود في حالة القيام وبالعكس. وأوجبهما أبو الصلاح على من شك في كمال
الفرض وزيادة ركعة عليه فيلزمه أن يتشهد ويسلم ويسجد بعد التسليم سجدتي السهو وعلى
من جلس ساهيا في موضع قيام وبالعكس وعلى من تكلم ساهيا وعلى الساهي عن سجدة وعلى
من يسهو عن ركعة أو اثنتين ويسلم ثم يذكر ذلك قبل ان ينصرف فيلزمه التلافي وسجدتا
السهو والتسليم. وابن البراج أوجبهما في ما أوجبهما السيد
المرتضى وزاد التسليم في غير موضعه ،
وكذا ابن حمزة إلا انه أسقط التسليم في غير موضعه وجعل عوضه السهو عن سجدتين من
الأخيرتين.
وقال ابن إدريس : اختلف أصحابنا في ما يوجب سجدتي السهو
فذهب بعضهم إلى أنها أربعة مواضع وقال آخرون في خمسة مواضع وقال الباقون الأكثرون
المحققون في ستة مواضع ، قال وهو الذي اخترناه لما فيه من الاحتياط لان العبادات
يجب أن يحتاط لها ولا يحتاط عليها. والمواضع التي عدها نسيان السجدة والتشهد
والكلام ناسيا والتسليم في غير موضعه والقعود حالة القيام وبالعكس والشك بين
الأربع والخمس.
وقال المحقق في المعتبر بوجوبهما في نسيان السجدة
والتشهد والسلام والكلام والشك بين الأربع والخمس ، وحكى القيام والقعود ورده
برواية سماعة الآتية ان شاء الله تعالى ، وحكى الزيادة والنقصان والخلاف فيه
والمستمسك من الجانبين ولم يرجح شيئا في البين. وقال ابن عمه نجيب الدين في الجامع
بمقالته وحكى القيام والقعود.
وقال العلامة في المنتهى بوجوبهما في الكلام سهوا
والتسليم في غير موضعه كالأولتين من الرباعيات والثلاثية والأولة من الثنائية ،
والشك بين الأربع والخمس والقعود في حال قيام وبالعكس (1) والسهو عن
السجدة الواحدة. وفي المختلف أنهاه إلى ستة مواضع : الكلام ناسيا والتسليم في غير
موضعه وترك التشهد ناسيا وترك السجدة كذلك ومن شك بين الأربع والخمس ومن شك فلا
يدرى زاد أو نقص.
هذا ما وقفت عليه من كلام الأصحاب واختلافهم في هذا
الباب والواجب ان نبين من ذلك مما ذكره الأصحاب كلا أو بعضا ما اقترن بالأخبار
عنهم (عليهمالسلام) ودلت عليه
الأدلة في المقام وذلك في مواضع :
(الأول) الكلام ناسيا ، والمشهور بين الأصحاب وجوبهما بل
نقل العلامة
__________________
(1) سيأتي في الموضع السابع حكاية عدم الوجوب فيهما عن
المنتهى.
في المنتهى إجماع الأصحاب عليه إلا
انه نقل في الذخيرة عن المختلف والذكرى انهما نقلا خلاف ابني بابويه في ذلك. وأنت
خبير بأنه قد تقدم النقل عن ابن بابويه بان قال : «وان تكلمت في صلاتك ناسيا فقلت «أقيموا
صفوفكم» فأتم صلاتك واسجد سجدتي السهو» إلا ان يحمل كلامه على وجوب سجدتي السهو في
خصوص هذا الكلام كما هو ظاهر عبارته لا مطلق الكلام كما فهمه الأصحاب من الخبر
الوارد بهذه العبارة ، نعم عبارة أبيه ظاهرة في عدم عد الكلام في ما يوجب سجود
السهو حيث اقتصر على ذينك الموضعين. إلا انه يمكن القول بان كلامه غير دال على
الحصر في الموضعين المذكورين وغايته أن يكون مطلقا بالنسبة الى غير ذينك الموضعين
لما ستعرف ان شاء الله تعالى من دلالة الأخبار على جملة من المواضع الزائدة عليهما
فيبعد منه الاقتصار على ذينك الموضعين والحصر فيهما.
ويدل على المشهور ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن
بن الحجاج (1) قال : «سألت
أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل
يتكلم ناسيا في الصلاة يقول «أقيموا صفوفكم»؟ قال يتم صلاته ثم يسجد سجدتين. فقلت
سجدتا السهو قبل التسليم هما أو بعد؟ قال بعد» والظاهر فيه كما فهمه الأصحاب ان
ذكر قوله «أقيموا صفوفكم». إنما خرج مخرج التمثيل فيكون الخبر دالا على السجود
لمطلق الكلام لا التخصيص كما هو ظاهر عبارة الصدوق المتقدمة.
ورواية عبد الله بن ابى يعفور المتقدمة في المسألة
الثامنة (2) وقوله فيها : «وان
تكلم فليسجد سجدتي السهو».
والظاهر انه لا فرق في وجوب السجود بين التكلم في الصلاة
ناسيا أو ظانا الخروج من الصلاة.
ويدل على ذلك ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن
سعيد الأعرج (3)
__________________
(1) الوسائل الباب 4 و 5 من الخلل في الصلاة والشيخ يرويه عن
الكليني.
(2) ص 237 و 238.
(3) الفروع ج 1 ص 99 والتهذيب ج 1 ص 234 وفي الوسائل الباب 3
من الخلل في الصلاة.
قال : «سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول صلى رسول
الله صلىاللهعليهوآله ثم سلم في
ركعتين فسأله من خلفه يا رسول الله صلىاللهعليهوآله أحدث في
الصلاة شيء؟ فقال وما ذاك؟ قالوا إنما صليت ركعتين. فقال أكذلك يا ذا اليدين؟ ـ وكان
يدعى ذا الشمالين ـ فقال نعم. فبنى على صلاته فأتم الصلاة أربعا. وقال ان الله عزوجل هو الذي أنساه
رحمة للأمة ، ألا ترى لو ان رجلا صنع هذا لعير وقيل ما تقبل صلاتك ، فمن دخل عليه
اليوم ذلك قال قد سن رسول الله صلىاللهعليهوآله وصارت أسوة.
وسجد سجدتين لمكان الكلام».
إلا انه قد ورد في مقابلة هذا الخبر في خصوص السجدتين
المذكورتين ما رواه الشيخ في الموثق بعبد الله بن بكير عن زرارة (1) قال : «سألت
أبا جعفر عليهالسلام هل سجد رسول
الله صلىاللهعليهوآله سجدتي السهو
قط؟ فقال لا ولا يسجدهما فقيه».
قال في التهذيب : الذي افتى به ما تضمنه هذا الخبر واما
الأخبار التي قدمناها من ان النبي صلىاللهعليهوآله سها فسجد
فإنها موافقة للعامة وانما ذكرناها لأن ما تتضمنه من الأحكام معمول بها على ما
بيناه.
ثم ان مما يدل على عدم السجدتين في هذا الموضع عدة أخبار
أيضا : منها ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر عليهالسلام (2) «في الرجل يسهو
في الركعتين ويتكلم؟ قال يتم ما بقي من صلاته تكلم أو لم يتكلم ولا شيء عليه».
وعن زيد الشحام (3) قال : سألته عن الرجل. ثم ساق الخبر
كما في صحيح زرارة المذكور (4) الى ان قال :
وان هو استيقن انه صلى ركعتين أو ثلاثا ثم انصرف وتكلم فلم يعلم انه لم يتم الصلاة
فإنما عليه ان يتم الصلاة ما بقي منها فإن نبي الله صلىاللهعليهوآله صلى بالناس
ركعتين ثم نسي حتى انصرف فقال له ذو الشمالين يا رسول الله صلىاللهعليهوآله أحدث
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 3 من الخلل في الصلاة.
(3) الوسائل الباب 3 و 14 من الخلل في الصلاة.
(4) ص 233 وخبر الشحام تقدم صدره في ص 247 و 303.
في الصلاة شيء؟ فقال ايها الناس أصدق
ذو الشمالين؟ فقالوا نعم لم تصل إلا ركعتين. فقام فأتم ما بقي من صلاته.
وعن الفضيل بن يسار في الصحيح (1) قال : «قلت
لأبي جعفر عليهالسلام أكون في
الصلاة فأجد غمزا في بطني أو أذى أو ضربانا؟ فقال انصرف ثم توضأ وابن على ما مضى
من صلاتك ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمدا وان تكلمت ناسيا فلا شيء عليك فهو
بمنزلة من تكلم في الصلاة ناسيا. الحديث».
وعن محمد بن مسلم في الصحيح (2) «في رجل صلى
ركعتين من المكتوبة فسلم وهو يرى انه قد أتم الصلاة وتكلم ثم ذكر انه لم يصل غير
ركعتين؟ فقال يتم ما بقي من صلاته ولا شيء عليه».
وأنت خبير بان هذه الأخبار غير صريحة بل ولا ظاهرة في
المنافاة لاحتمال قوله «ولا شيء عليه» يعنى من إعادة الصلاة وصحيحة الفضيل ظاهرة
في هذا المعنى ، أو لا شيء عليه من الإثم. والأول أقرب. واما حمل الروايات
المتقدمة على الاستحباب كما اختاره بعض الأصحاب فظني بعده لما عرفت ما في هذا
الحمل في غير باب ، ويعضد الأخبار المتقدمة شهرة العمل بها بين الأصحاب وانها
الأوفق بالاحتياط وعدم ظهور الأخبار الأخيرة في المنافاة.
واما ما أريد به بعضهم القول بالعدم ـ من حديث على بن
النعمان الرازي (3) المشتمل على
انه سلم في المغرب في الركعتين الأولتين سهوا وتكلم فأعاد أصحابه الصلاة وهو لم
يعد بل أتم بركعة ، حيث ان ظاهره انه لم يسجد سجدتي السهو وإلا لذكر والصادق عليهالسلام صوب فعله ـ ففيه
ما قدمنا بيانه في المقام الثاني في ما يبطل الصلاة من المطلب الأول في قواطع
الصلاة (4) وبالجملة
فالأظهر عندي هو القول المشهور لما عرفت. والله العالم.
__________________
(1) الوسائل الباب 1 من قواطع الصلاة.
(2) الوسائل الباب 3 من الخلل في الصلاة.
(3 و 4) ص 24.
(الثاني) ـ من سلم في غير موضعه ناسيا ، والمشهور وجوب
السجود فيه بل نقل العلامة في المنتهى الاتفاق على ذلك ونسبه المحقق إلى علمائنا
مؤذنا بدعوى الإجماع عليه.
وأنت خبير بأنه يظهر من عبائر جملة ممن قدمنا كلامهم
سقوط السجود في هذا الموضع كابن ابى عقيل والشيخ المفيد والمرتضى وابن زهرة وسلار
وابن حمزة.
احتج العلامة في المختلف على ذلك بأنه لما كان في غير
موضعه كان كلاما غير مشروع صدر نسيانا من المصلى فيدخل في مطلق الكلام. واحتج على
ذلك في بعض كتبه بصحيحة سعيد الأعرج المتقدمة بالتقريب الذي ذكره في المختلف.
وفيه ان الظاهر من الصحيحة المذكورة ان المراد بالكلام
فيها انما هو ما تكلم صلىاللهعليهوآله به بعد
التسليم وخاطب به القوم لا نفس التسليم.
واحتج المحقق بما رواه عمار في الموثق عن ابى عبد الله عليهالسلام (1) «انه سأله عن
رجل صلى ثلاث ركعات فظن انها اربع فسلم ثم ذكر انها ثلاث؟ قال يبنى على صلاته متى
ما ذكر ويصلى ركعة ويتشهد ويسلم ويسجد سجدتي السهو».
وقال في كتاب الفقه الرضوي (2) : «وكنت يوما
عند العالم ورجل سأله عن رجل سها فسلم في ركعتين من المكتوبة ثم ذكر انه لم يتم
صلاته؟ قال فليتمها ويسجد سجدتي السهو».
فان الظاهر ان المراد بالسهو في الركعتين يعنى التسليم
على الركعتين لقوله «ثم ذكر انه لم يتم صلاته» وحينئذ فيكون ذلك دالا على وجوب
سجدتي السهو للتسليم في غير موضعه.
إلا انه يمكن تطرق القدح إلى دلالة رواية عمار بأنه يجوز
ان يكون السجود لغير التسليم وذلك فإنه قد جلس في الثالثة وتشهد وسلم وكل من
الجلوس والتشهد صالح لان يكون سببا للسجود فيجوز ان يكون السجود لأجل الجلوس في
موضع
__________________
(1) الوسائل الباب 3 من الخلل في الصلاة.
(2) ص 10.
القيام أو لزيادة التشهد فلا يكون
الخبر ظاهرا في المدعى. وبنحو ذلك يمكن القول في عبارة كتاب الفقه (1).
ويدل على عدم الوجوب في هذه الصورة صحيحة محمد بن مسلم
المتقدمة في سابق هذا الموضع ورواية على بن النعمان الرازي المشار إليها ثمة
ورواية زيد الشحام (2) وفيه ما عرفت
مما قدمنا ذكره.
نعم يمكن ان يستدل على ذلك بصحيحة الحارث بن المغيرة
ورواية أبي بكر الحضرمي وحسنة الحسين بن ابى العلاء المتقدم جميع ذلك في صدر
المسألة الرابعة من المطلب الثاني (3).
إلا انه يمكن الجواب عن ذلك بان مساق الأخبار المذكورة
انما هو في بيان صحة الصلاة وعدم بطلانها بذلك ومقام البيان فيها إنما تعلق بذلك ،
فغايتها ان تكون مطلقة بالنسبة إلى وجوب سجدتي السهو. إلا ان صحة هذا الكلام يتوقف
على وجود المخصص وقد عرفت ان رواية عمار قاصرة عن ذلك. والاحتياط لا يخفى قال في
المدارك ـ بعد نقل الاتفاق في الصورة المذكورة على وجوب السجود عن العلامة في
المنتهى ـ ما لفظه : واستدل عليه بصحيحة سعيد الأعرج الواردة في حكاية تسليم النبي
صلىاللهعليهوآله على ركعتين في
الرباعية وتكلمه مع ذي الشمالين في ذلك حيث قال في آخرها : «وسجد سجدتين لمكان
الكلام» وفي الدلالة نظر إذ من المحتمل ان يكون الموجب للسجود التكلم الواقع بعد
التسليم كما هو مذهب الكليني (رضى الله عنه) ولا ينافي ذلك ما رواه الشيخ في
الصحيح عن محمد بن مسلم ، ثم ساق الرواية كما قدمناه ، ثم قال لأنا نجيب عنه
بالحمل على نفى الإثم أو الإعادة كما تقدم ولو لا الاتفاق على هذا الحكم لأمكن
الجمع بين الروايتين بحمل الأولى على الاستحباب. انتهى كلامه زيد مقامه.
وفيه (أولا) ان جعله ما ذكره احتمالا في الرواية مشعر
بكون الظاهر من
__________________
(1) سيأتي في موضعين من ص 319 تأييد ظهورهما.
(2) ص 316 و 125 و 315.
(3) ص 125 و 126.
الرواية هو ما ذكره العلامة من حمل
الكلام على التسليم لان هذه العبارة إنما ترمى في هذا المقام ، مع انه ليس الأمر
كذلك عند النظر في الخبر بعين التحقيق بل هذا الاحتمال الذي ذكره هو ظاهر الخبر بل
ربما يدعى تعينه ، فان المتبادر من الكلام إنما هو الكلام الأجنبي من الصلاة لا
اجزاء الصلاة المعدودة منها وأما اجزاء الصلاة فإنه لو أريد التعبير عنها فإنما
يعبر عنها بصورتها من سجود أو تسليم أو تشهد أو نحو ذلك مع التقييد بالسهو أو
العمد ، والمراد به في الخبر انما هو كلامه صلىاللهعليهوآله مع ذي الشمالين
أو مع الصحابة ومخاطبته لهم ، فركونه (قدسسره) الى ما ذكروه
من المعنى السحيق البعيد عن جارة التحقيق حتى انه يجعل ما قابله احتمالا مخالفا
للظاهر ليس مما ينبغي ، بل الرواية المذكورة ظاهرة الدلالة في ان المراد انما هو
كلامه صلىاللهعليهوآله مع المأمومين.
والظاهر ان الحامل لهم على الاستدلال بهذه الرواية انما هو ضيق الخناق بعد دعوى
الاتفاق في عدم الدليل من الأخبار مع ما عرفت من ظهور الدلالة في موثقة عمار إلا
انها لم تجر يومئذ على خواطرهم فالتجأوا الى هذه الرواية بالتقريب المتقدم في كلام
المختلف.
و (ثانيا) ـ ان هذه الرواية قد تضمنت وقوع السهو منه صلىاللهعليهوآله مع اتفاقهم
على عدم جوازه عليه صلىاللهعليهوآله وردهم لأخباره
أو حملهم لها على التقية وطعنهم على الصدوق وشيخه ابن الوليد حيث جوزا ذلك ، فكيف
قبلوها هنا واعتمدوا في الاستدلال عليها وحكموا انه صلىاللهعليهوآله سها وسجد
للسهو؟ ما هذا إلا تناقض ظاهر كما لا يخفى على كل ناظر.
و (ثالثا) ـ دلالة موثقة عمار المتقدمة على الحكم
المذكور وظهورها فيه تمام الظهور ولقد كانت هي الأولى بالإيراد والاستدلال بها على
المراد مع اعتضادها بكلامه عليهالسلام في كتاب الفقه
وقد قدمنا بيانه.
و (رابعا) ـ قوله «ولو لا الاتفاق على هذا الحكم» نظرا
الى دعوى العلامة ذلك مع انه في غير موضع من شرحه طعن في أمثال هذه الدعاوي وناقش
في هذه
الإجماعات ولا سيما مع ظهور المخالف
هنا كما اعترف به من ان مذهب ثقة الإسلام في المقام هو نفى السجود في هذه الصورة
وهو من قدماء المحدثين ورؤساء أساطين الدين وهو أعرف من العلامة (رضوان الله
عليهما) بمواقع الأحكام في تلك الأيام لأنه في عصرهم (عليهمالسلام) فإنه قال في
الكتاب المذكور ـ في ضمن عده ما يجب فيه سجدتا السهو وما لا يجب ـ ما صورته :
ومنها مواضع لا يجب لها سجدتا السهو. الى ان قال والذي يسلم في الركعتين الأولتين
ثم يذكر فيتم قبل أن يتكلم فلا سهو عليه. وهو ظاهر الجماعة الذين قدمنا ذكرهم في
صدر الكلام.
و (خامسا) ـ ما ذكر من الحمل على الاستحباب الذي اتخذوه
ذريعة في هذه الأبواب مع ما فيه من الخروج عن جادة التحقيق والصواب. والله العالم.
(الثالث) ـ من شك بين الأربع والخمس ، وقد تقدم تحقيق
البحث في ذلك في المسألة العاشرة في بيان الخلاف في المسألة ونقل الأخبار الدالة
على القول المشهور وقد عرفت من جملة من العبارات المتقدمة عدم ذكر هذا الموضع في
موجبات سجود السهو. ولم نقف للنافين على دليل والعلامة في المختلف انما استدل لهم
بأصالة البراءة ثم رده بأن الأصل يخرج عنه بالدليل المنافي. وهو جيد.
وقد تقدم في المسألة الثامنة (1) رواية أبي
بصير الدالة على سجود السهو في الشك بين الاثنتين والأربع وقد تقدم تحقيق القول في
ذلك.
(الرابع والخامس) ـ نسيان السجدة الواحدة وذكرها بعد
تجاوز المحل ونسيان التشهد وذكره بعد تجاوز المحل
، وقد تقدم تحقيق القول في ذلك في المسألة الرابعة من
مسائل المطلب الثاني من هذا المقصد (2).
(السادس) ـ الشك بين الثلاث والأربع مع غلبة الظن
بالأربع ، قال الصدوق بوجوب سجدتي السهو في الموضع المذكور. ونسب في الذكرى الى
الصدوقين القول بوجوبهما في كل شك ظن الأكثر وبنى عليه ، قال في الذكرى : لو ظن
الأكثر
__________________
(1) ص 238.
(2) في المسألة الخامسة ص 150 و 154.
بنى عليه لما سلف ولا يجب معه سجدتا
السهو للأصل ولعدم ذكرهما في أحاديث الاحتياط هنا ولا يجوز تأخير البيان عن وقت
الحاجة. وأوجبهما الصدوقان ولعله لرواية إسحاق بن عمار عن ابى عبد الله عليهالسلام (1) قال : «إذا
ذهب وهمك الى التمام ابدا في كل صلاة فاسجد سجدتين بغير ركوع أفهمت؟ قلت نعم». وحملت
على الاستحباب. انتهى.
أقول : روى ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح أو الحسن عن
الحلبي عن ابى عبد الله عليهالسلام (2) في حديث قال :
«وان كنت لا تدري ثلاثا صليت أم أربعا ولم يذهب وهمك إلى شيء فسلم ثم صل ركعتين
وأنت جالس تقرأ فيهما بأم الكتاب وان ذهب وهمك الى الثلاث فقم فصل الركعة الرابعة
ولا تسجد سجدتي السهو ، فان ذهب وهمك إلى الأربع فتشهد وسلم ثم اسجد سجدتي السهو».
وهذا الحديث كما ترى مع صحة سنده صريح في ما ذكره الصدوقان وبه يحصل الجواب عما
ذكره في الذكرى من عدم ذكر السجدتين في هذا الموضع في أحاديث الاحتياط فان هذا من
أحاديث الاحتياط وهو صريح في ذلك مع اعتضاده بخبر إسحاق بن عمار المذكور في كلامه.
ثم ان الظاهر ان ما نقله عن الصدوقين في المقام انما
استندا فيه الى كتاب الفقه الرضوي حيث انه أفتى فيه بمضمون صحيحة الحلبي أو حسنته
المذكورة كما هي عادتهما المعروفة وطريقتهما المألوفة كما عرفت وستعرف ان شاء الله
تعالى حيث قال عليهالسلام (3) «وان لم تدر
ثلاثا صليت أم أربعا ولم يذهب وهمك إلى شيء فسلم ثم صل ركعتين واربع سجدات وأنت
جالس تقرأ فيهما بأم القرآن ، وان ذهب وهمك إلى الثالثة فقم فصل الركعة الرابعة
ولا تسجد سجدتي السهو ، وان ذهب وهمك إلى الأربع فتشهد وسلم واسجد سجدتي السهو». انتهى
__________________
(1) الوسائل الباب 7 من الخلل في الصلاة.
(2) الوسائل الباب 10 من الخلل في الصلاة.
(3) ص 10.
وقد ظهر من ذلك انه قد تطابق على هذا الحكم صحيحة الحلبي
أو حسنته ورواية إسحاق بن عمار وكلامه عليهالسلام في هذا الكتاب
فلا مجال للتوقف فيه مع عدم المنافي
وبذلك يظهر ما في كلام شيخنا المجلسي في البحار حيث قال
ـ بعد ذكر رواية إسحاق وحسنة الحلبي أو صحيحته وان الحكم بذلك لا يخلو من قوة ـ ما
لفظه : ولكن موثقة أبان عن ابى العباس ظاهرة في عدم الوجوب فيمكن حمله على
الاستحباب. انتهى. والرواية التي أشار إليها هي ما رواه الراوي المذكور عن ابى عبد
الله عليهالسلام (1) قال : «إذا لم
تدر ثلاثا صليت أو أربعا ووقع رأيك على الثلاث فابن على الثلاث وان وقع رأيك على
الأربع فسلم وانصرف وان اعتدل وهمك فانصرف وصل ركعتين وأنت جالس».
وأنت خبير بأن غاية هذه الرواية ان تكون مطلقة بالنسبة
إلى الحكم المذكور فيجب تقييدها بالأخبار المتقدمة وحملها عليها من قبيل حمل
المطلق على المقيد فلا منافاة. ولا يخفى على المتتبع ان أحكام المسألة الواحدة لا
تكاد تجتمع في خبر واحد وإنما تؤخذ من مجموع اخبارها بضم بعضها الى بعض وحمل
مطلقها على مقيدها ومجملها على مفصلها وعامها على خاصها ونحو ذلك.
وبما حققناه يظهر قوة القول المذكور وان كان خلاف ما هو
المشهور لاعتضاده بالدليل المأثور. والله العالم.
(السابع) ـ القيام في موضع قعود وبالعكس ، صرح به الصدوق
والمرتضى وسلار وأبو الصلاح وابن البراج وابن حمزة وابن إدريس والعلامة ، وخالف
فيه الشيخان والكليني والشيخ على بن بابويه وابن ابى عقيل وابن الجنيد والمحقق
وابن عمه الشيخ نجيب الدين في الجامع وهو اختيار العلامة في المنتهى وقد تقدم ذلك
في عبائر الجماعة المذكورة ، والأخبار في المسألة ايضا ظاهرة الاختلاف.
احتج في المختلف بأنه زاد على صلاته وكل من زاد على
صلاته وجب عليه
__________________
(1) الوسائل الباب 7 من الخلل في الصلاة.
سجود السهو ، اما الصغرى فظاهرة واما
الكبرى فلان الشك في الزيادة والنقيصة يقتضي وجوب السجدتين كما تقدم فاليقين بهما
اولى. انتهى.
ومما يدل على الوجوب من الأخبار ما رواه الشيخ عن منهال
القصاب (1) قال : «قلت
لأبي عبد الله عليهالسلام أسهو في
الصلاة وانا خلف الإمام؟ فقال إذا سلم فاسجد سجدتين ولا تهب».
قال في المختلف بعد إيراده دليلا على ذلك : وجه
الاستدلال انه علق وجوب السجدتين على السهو المطلق وهو يتناول صورة النزاع.
وعن عمار الساباطي في الموثق (2) قال : «سألت
أبا عبد الله عليهالسلام عن السهو ما
يجب فيه سجدتا السهو؟ فقال إذا أردت أن تقعد فقمت أو أردت ان تقوم فقعدت أو أردت
أن تقرأ فسبحت أو أردت أن تسبح فقرأت فعليك سجدتا السهو وليس في شيء مما تتم به
الصلاة سهو».
إلا ان في هذه الرواية ما يضعف الاحتجاج بها حيث قال بعد
السؤال الأول وهو ما قدمناه (3) «وعن الرجل إذا
أراد ان يقعد فقام ثم ذكر من قبل ان يقوم شيئا أو يحدث شيئا؟ قال ليس عليه سجدتا
السهو حتى يتكلم بشيء». وهذه المناقضة في الخبر قد أوردها جملة من مشايخنا
المحققين من متأخري المتأخرين.
ويمكن الجواب عنها بأنه لما استفيد من السؤال الأول ان
سجود السهو انما هو بالإتيان بالقيام كملا في موضع القعود وبالعكس سأل ثانيا بأنه
لو ذكر قبل ان يأتي بشيء من القيام بالكلية أو يفعل شيئا مطلقا أجاب عليهالسلام بأنه لا سجود
للسهو هنا إلا ان يتكلم بشيء. وهو معنى صحيح لا منافاة فيه للحكم الأول كما لا
يخفى.
بقي الكلام في ما ذكره عليهالسلام من عد التسبيح
في موضع القراءة أو القراءة في موضع التسبيح ساهيا من الموجبات ، ويمكن حمله على
ان السجود حينئذ لوقوع
__________________
(1) الوسائل الباب 24 من الخلل في الصلاة.
(2 و 3) الوسائل الباب 32 من الخلل في الصلاة.
القراءة أو التسبيح في غير محلهما
وزيادتهما في الصلاة ، هذا إذا كان الذكر في موضع السهو وتلافى ما أخل به وان كان
بعد التجاوز فيكون لنقصان القراءة أو التسبيح ، والجميع مبنى على وجوب السجدتين
لكل زيادة ونقيصة كما سيأتي ان شاء الله تعالى.
ثم ان القراءة في موضع التسبيح يمكن حمله على الأخيرتين
بناء على تعين التسبيح كما هو ظاهر الأخبار المتقدمة في المسألة وبه قال بعض
الأصحاب إلا انه خلاف المشهور من التخيير ، وسجود السهو هنا متى حملنا الخبر على
هذا الموضع لا يتجه إلا على ما ذكرناه إذ مع التخيير لا معنى لسجود السهو. ويحتمل
على بعد الحمل على تسبيح الركوع والسجود بأن يقرأ ساهيا في الموضعين أو أحدهما.
ووجوب سجدتي السهو هنا نقله في الخلاف عن الشافعي (1).
ومنها ـ ما رواه ثقة الإسلام بسند فيه محمد بن عيسى عن
يونس ـ وهو ضعيف عند جمع وصحيح عند آخرين ـ عن معاوية بن عمار (2) قال : «سألته
عن الرجل يسهو فيقوم في حال قعود أو يقعد في حال قيام؟ قال يسجد سجدتين بعد
التسليم وهما المرغمتان ترغمان الشيطان».
ومما يدل على خلاف ما دلت عليه هذه الأخبار ما رواه في
الكافي عن سماعة في الموثق (3) قال : «من حفظ
سهوه وأتمه فليس عليه سجدتا السهو انما السهو على من لم يدر أزاد في صلاته أم نقص
منها». ورواه في الفقيه عن ابى عبد الله عليهالسلام مثله (4).
__________________
(1) لم أقف عليه بالخصوص في ما اطلعت عليه من كتب العامة إلا
انه يفهم من ما ذكره الشيرازي الشافعي في المهذب ج 1 ص 90 حيث قال «وان قرأ في غير
موضع القراءة سجد لانه قول في غير موضعه فصار كالسلام» بضميمة ما تقدم ج 8 ص 271
التعليقة 1 من منع الجمهور من القراءة في الركوع والسجود ، وكذا يفهم من عبارة
الأم ج 1 ص 114 «قال الشافعي سجود السهو كله عندنا في الزيادة والنقصان قبل السلام
وهو الناسخ والآخر من الأمرين» بالضميمة المتقدمة.
(2) الوسائل الباب 32 من الخلل في الصلاة.
(3 و 4) الوسائل الباب 23 من الخلل في الصلاة.
وما رواه الشيخ في الصحيح عن إسماعيل بن جابر عن ابى عبد
الله عليهالسلام (1) «في رجل نسي أن
يسجد السجدة الثانية حتى قام فذكر وهو قائم انه لم يسجد؟ قال فليسجد ما لم يركع
فإذا ركع فذكر بعد ركوعه انه لم يسجد فليمض على صلاته حتى يسلم ثم يسجدها فإنها
قضاء». وفي مضمونها صحيحة أبي بصير مع اشتمالها زيادة على هذه الرواية على قوله : «وليس
عليه سهو» فهي صريحة في نفى سجدتي السهو وقد تقدمتا في المسألة الرابعة من المطلب
الثاني من هذا المقصد (2).
وبالجملة فإن جملة روايات نسيان السجدة وكذا روايات
نسيان التشهد وانه يرجع إليهما ما لم يركع ما بين ظاهر وصريح في نفى السجدتين ،
وروايات السجدة وذكر انها بعد الركوع ظاهرة ايضا في قضاء السجدة خاصة من غير سجود
وان كان المشهور في كلامهم وجوب السجود كما تقدم.
واستدل العلامة في المنتهى على ما اختاره فيه من عدم
السجود بما رواه الشيخ في الموثق عن الحلبي (3) قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يسهو
في الصلاة فينسى التشهد؟ فقال يرجع فيتشهد. فقلت أيسجد سجدتي السهو؟ فقال لا ليس
في هذا سجدتا السهو». قال : وهذا من صورة النزاع.
أقول : الاستدلال بهذا الخبر إنما يتم مع الحمل على
التشهد الأول اما مع الحمل على الثاني فلا ، والاستدلال مستند هنا إلى إطلاق
الخبر. والجمع بين الأخبار في هذا المقام لا يخلو من الإشكال ، وجملة من متأخري
المتأخرين جمعوا بين الأخبار هنا بحمل اخبار السجود على الاستحباب كما هي القاعدة
المطردة عندهم في جميع الأحكام والأبواب. ولا يبعد عندي حمل اخبار السجود على
التقية فإن القول بوجوب السجود هنا مذهب أبي حنيفة والشافعي وأتباعهما (4) والله العالم.
__________________
(1) الوسائل الباب 14 من السجود.
(2) في المسألة الخامسة ص 136.
(3) الوسائل الباب 9 من التشهد.
(4) البحر الرائق ج 2 ص 105 والمحلى ج 4 ص 160 والمبسوط ج 1 ص
220 والمهذب للشيرازي الشافعي ج 1 ص 90 ويفهم ايضا مذهب الشافعي في ذلك مما تقدم
في التعليقة 1 ص 324.
الثامن ـ كل زيادة ونقيصة ، وهذا القول نقله الشيخ في
الخلاف عن بعض الأصحاب كما تقدم في نقل عبارته ، وظاهر الأكثر عدم عده في موجبات
السجود وجملة عبائر من قدمنا نقل كلامه خالية من ذلك ، وقال في الدروس انه لم يظفر
بقائله ولا بمأخذه مع انه من القائلين به في اللمعة وجعله في الألفية أحوط ونقله
في الذكرى عن الفاضل واختاره بعد ذلك من بين الأقوال ، ونقله شيخنا الشهيد الثاني
في شرح اللمعة عن الصدوق ايضا واختاره في كتاب الروض ، ونقل هذا القول عن الصدوق
قد وقع في التحرير للعلامة ثم قال : وهو الأقوى عندي.
ويمكن ان يستدل عليه بما رواه الشيخ عن ابن ابى عمير عن
بعض أصحابنا عن سفيان بن السمط عن ابى عبد الله عليهالسلام (1) قال : «تسجد
سجدتي السهو في كل زيادة تدخل عليك أو نقصان». وردها جملة من متأخري المتأخرين
بضعف الاسناد
وربما استدل على ذلك أيضا بصحيحة الحلبي الواردة في الشك
بين الأربع والخمس (2) وقوله عليهالسلام فيها «أم نقصت
أم زدت» فإنه إذا وجب السجود بالشك في الزيادة والنقيصة ففي صورة اليقين اولى.
ويظهر من المبسوط ان قولهم بالسجود للزيادة والنقصان
شامل للمستحبات وظاهر العلامة تخصيصه بالواجبات ، وقال ابن الجنيد بوجوبهما في
خصوص القنوت ان تركه ، وعد أبو الصلاح من جملة موجباتهما لحن القراءة سهوا.
وأنت خبير بأن جملة الأخبار المتقدمة الدالة على عدم
سجدتي السهو في المواضع المتقدمة كلها دالة على عدم الوجوب ، ومنها أخبار السجدة
والتشهد وذكرهما قبل الركوع أو بعده ، فإن أخبارهما في الحالتين دالة على عدم
الوجوب. نعم اخبار التشهد دلت على السجود لنقص التشهد لا لزيادة القيام الذي ذكره
قبل ركوعه أو
__________________
(1) الوسائل الباب 32 من الخلل في الصلاة.
(2) ص 328.
بعده ، ومنها اخبار نسيان القراءة في
الصلاة كصحيحة محمد بن مسلم وصحيحة زرارة وموثقة منصور بن حازم ورواية معاوية بن
عمار وغيرها من الأخبار الدالة على ذلك ، ومنها اخبار الجهر والإخفات كصحيحة زرارة
والأخبار الواردة في نسيان ذكر الركوع ، الى غير ذلك من الأخبار الواردة في جملة
من الأحكام مما تدل على عدم السجود في هذه المقامات ، وبعض منها صريح في المطلوب
وبعض باعتبار عمومه وإطلاقه وبعض باعتبار السكوت عن سجدتي السهو في مقام البيان.
ومنه يظهر قوة القول المشهور إلا ان الاحتياط يقتضي الإتيان بالسجود حيث لا محمل
للخبر المذكور ظاهرا مع احتمال حمله على الزيادة والنقصان في الركعات لا مطلقا ،
وكيف كان فهو مردود إلى قائله عليهالسلام ، والله
العالم.
التاسع ـ الشك في الزيادة والنقيصة. ذهب إليه العلامة
كما تقدم في عبارته في المختلف ، قيل وهو ظاهر ما نقله الشيخ في الخلاف عن بعض
الأصحاب. وفيه ما لا يخفى ، وكلام الصدوق في الفقيه يحتمله وقد تقدم نقل عبارته في
المقام. ويحتمل ان يكون مراده زيادة الركعة أو نقصانها. والى هذا القول مال شيخنا
الشهيد الثاني في الروض وكذا الى ما قبله كما قدمنا ذكره. وذهب المفيد في الغرية
كما قدمناه في عبارته الى وجوبهما ان لم يدر زاد سجدة أو نقص سجدة أو زاد ركوعا أو
نقص ركوعا ولم يتيقن ذلك وكان الشك بعد تقضى وقته. والمشهور بين الأصحاب هو عدم
الوجوب في جميع ما ذكر.
أقول : ويدل على هذا القول جملة من الأخبار : منها ـ ما
رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن الفضيل بن يسار (1) «انه سأل أبا
عبد الله عليهالسلام عن السهو فقال
من حفظ سهوه فأتمه فليس عليه سجدتا السهو وانما السهو على من لم يدر أزاد في صلاته
أم نقص منها».
وما رواه الكليني والشيخ عنه عن سماعة في الموثق (2) قال قال «من
حفظ
__________________
(1) الوسائل الباب 23 من الخلل في الصلاة.
(2) الوسائل الباب 23 من الخلل في الصلاة.
سهوه فأتمه فليس عليه سجدتا السهو
إنما السهو على من لم يدر أزاد في صلاته أم نقص منها».
وعن زرارة في الصحيح أو الحسن (1) قال : «سمعت
أبا جعفر عليهالسلام يقول قال رسول
الله صلىاللهعليهوآله إذا شك أحدكم
في صلاته فلم يدر أزاد أم نقص فليسجد سجدتين وهو جالس وسماهما رسول الله صلىاللهعليهوآله المرغمتين». وإطلاق
هذه الأخبار شامل للافعال والاعداد.
واحتج جملة من الأصحاب لهذا القول أيضا بصحيحة الحلبي عن
ابى عبد الله عليهالسلام (2) قال : «إذا لم
تدر أربعا صليت أم خمسا أم نقصت أم زدت فتشهد وسلم واسجد سجدتين بغير ركوع ولا
قراءة تتشهد فيهما تشهدا خفيفا».
وأنت خبير بان هذه الرواية محتملة لوجهين (أحدهما) حمل
الزيادة والنقيصة على أن يكونا من أسباب سجدتي السهو كما دلت عليه الأخبار
المتقدمة ، وحينئذ فتكون الرواية مشتملة على سببين من الأسباب المذكورة وهي الشك
بين الأربع والخمس والشك في الزيادة والنقيصة. و (ثانيهما) ان يكون المراد انما هو
بيان نوع واحد من الأسباب المذكورة وهو الشك بين الأربع والخمس والنقيصة عن الأربع
والزيادة عن الخمس ، فيكون تقدير الكلام إذا لم تدر أربعا صليت أم خمسا أم نقصت من
الأربع أم زدت على الخمس ، وحينئذ فيشمل كل شك بين الأربع والخمس والأزيد منهما
والأنقص كالشك بين الثلاث والأربع والخمس والست والشك بين الاثنتين والأربع والخمس
والسبع مثلا. نعم لا بد من استثناء ما تعلق به الشك في الأولتين بالأخبار الدالة
على الإبطال ويبقى ما سوى ذلك ، وعلى هذا الاحتمال فلا تصلح الرواية هنا
للاستدلال. والظاهر هو الاحتمال الأول المؤيد بالأخبار المذكورة ، وعلى هذا فتجب
سجدتا السهو في جميع صور الشكوك المتقدمة.
وتمام الكلام في المقام يتوقف على بسطه في مقامات (الأول)
المشهور بين
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 14 من الخلل في الصلاة.
الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان موضع
السجدتين المذكورتين بعد التسليم سواء كانتا لزيادة أو نقصان ، ونقله في المختلف
عن ابن ابى عقيل والشيخ في المبسوط والشيخ المفيد والسيد المرتضى ، قال وهو الظاهر
من كلام على بن بابويه وابى الصلاح وهو قول سلار والصدوق ابن بابويه. وقيل انهما
ان كانتا للزيادة فمحلهما بعد التسليم وان كانتا للنقيصة فمحلهما قبله ، ونسبه في
المعتبر الى قوم من أصحابنا ونقله في المختلف عن ابن الجنيد ، قال وقال ابن الجنيد
ان كان السهو للزيادة كان محلهما بعد التسليم وان كان للنقصان كان قبل التسليم.
والشهيد في الذكرى نقل كلام ابن الجنيد ولم يذكر هذه العبارة التي ذكرها في
المختلف ، ثم قال وليس في هذا كله تصريح بما يرويه بعض الأصحاب ان ابن الجنيد قائل
بالتفصيل ، نعم هو مذهب أبي حنيفة من العامة (1) والظاهر ان ذكر العلامة هذه العبارة
انما وقع من كلامه بناء على اشتهار النقل بذلك عن ابن الجنيد. واحتمال ان يكون ابن
الجنيد قال ذلك في غير الموضع الذي نقله عنه في الذكرى بعيد. ونقل المحقق في
الشرائع قولا بان محلهما قبل التسليم مطلقا قال في المدارك والقول بأنهما قبل
التسليم منقول عن بعض علمائنا ولم نظفر بقائله.
ثم انه مما يدل على القول المشهور وهو المؤيد المنصور
جملة من الأخبار :
منها ـ صحيحة ابن ابى يعفور الواردة في نسيان التشهد (2) حيث قال فيها «وان
لم يذكر حتى يركع فليتم صلاته ثم يسجد سجدتين وهو جالس قبل ان يتكلم».
وصحيحة عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليهالسلام (3) قال : «إذا
كنت لا تدري
__________________
(1) المذكور في كتب العامة ـ كالمحلى ج 4 ص 171 وعمدة القارئ ج
3 ص 738 ونيل الأوطار ج 3 ص 135 وبدائع الصنائع ج 1 ص 172 والفقه على المذاهب
الأربعة ج 1 ص 350 وكذا كتب الخاصة كالمنتهى ج 1 ص 418 ـ نسبة التفصيل المذكور الى
مالك وان أبا حنيفة يقول بان محله بعد السلام والشافعي يقول بأنه قبل السلام.
(2) الوسائل الباب 7 من التشهد.
(3) الوسائل الباب 14 من الخلل في الصلاة.
أربعا صليت أم خمسا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثم سلم
بعدهما».
ورواية أبي بصير عن ابى عبد الله عليهالسلام (1) قال : «إذا لم
تدر خمسا صليت أم أربعا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك وأنت جالس ثم سلم بعدهما».
وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (2) قال : «سألت
أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل
يتكلم ناسيا في الصلاة يقول «أقيموا صفوفكم»؟ فقال يتم صلاته ثم يسجد سجدتين. فقلت
سجدتا السهو قبل التسليم هما أو بعد؟ قال بعد».
ورواية عبد الله بن ميمون القداح عن جعفر بن محمد عن
أبيه عن على (عليهمالسلام) (3) قال : «سجدتا
السهو بعد التسليم وقبل الكلام».
الى غير ذلك من الأخبار المتقدمة في مواضع وجوب سجدتي
السهو.
ومما يدل على القول بالتفصيل ما رواه الشيخ في الصحيح عن
سعد بن سعد الأشعري (4) قال : «قال
الرضا عليهالسلام في سجدتي
السهو إذا نقصت قبل التسليم وإذا زدت فبعده». قال شيخنا الصدوق إني افتى به في حال
التقية (5).
واما القول بأنهما قبل التسليم مطلقا فربما كان مستنده
ما رواه الشيخ عن محمد ابن سنان عن ابى الجارود (6) قال : «قلت
لأبي جعفر عليهالسلام متى اسجد سجدتي
السهو؟ قال قبل التسليم فإنك إذا سلمت فقد ذهبت حرمة صلاتك».
وأجاب الشيخ في الاستبصار عن هذه الرواية ورواية سعد بن
سعد بالحمل على ضرب من التقية ، قال لأنهما موافقان لمذهب كثير من العامة (7) ونقل عن ابن
بابويه انه قال إنما أفتي بهما في حال التقية. وهو جيد.
واما ما ذكره في الذخيرة ـ من قوله ويمكن الجمع بين
الأخبار بالتخيير أيضا
__________________
(1) الوسائل الباب 14 من الخلل في الصلاة.
(2) الوسائل الباب 4 و 5 من الخلل في الصلاة.
(3 و 4 و 6) الوسائل الباب 5 من الخلل في الصلاة.
(5) ارجع الى التعليقة 1 ص 329.
(7) ارجع الى التعليقة 1 ص 329 والى الاستدراكات.
إلا ان الترجيح للتأويل المذكور ـ فضعيف
لان التخيير (أولا) فرع قيام المعارض بالمعارضة والأمر هنا ليس كذلك كما عرفت. و (ثانيا)
عدم وجود المحمل الشرعي وقد عرفت ان الحمل على التقية أحد المحامل الشرعية
المنصوصة عن أهل العصمة (عليهمالسلام) فلا معدل عنه
الى هذه الوجوه التخريجية. والله العالم.
(الثاني) ـ المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم)
استحباب التكبير فيهما واستدلوا عليه بما رواه الصدوق في الموثق عن عمار الساباطي
عن ابى عبد الله عليهالسلام (1) قال : «سألته
عن سجدتي السهو هل فيهما تكبير أو تسبيح؟ فقال لا إنما هما سجدتان فقط فان كان
الذي سها هو الإمام كبر إذا سجد وإذا رفع رأسه ليعلم من خلفه انه قد سها ، وليس
عليه ان يسبح فيهما ولا فيهما تشهد بعد السجدتين».
وأنت خبير بما في الدلالة من القصور لاختصاص ذلك بالإمام
مضافا الى ما دلت عليه من نفى التسبيح فيهما والتشهد مع دلالة الأخبار على ذلك ،
وبالجملة فإن ما يقولون به لا تدل عليه وما تدل عليه الرواية لا يقولون به فلا وجه
للتعلق بها
(الثالث) ـ المشهور وجوب التشهد فيهما والتسليم ، بل قال
الفاضلان في المعتبر والمنتهى انه قول علمائنا اجمع ، واستدلا على وجوب التشهد بقول
الصادق عليهالسلام (2) في صحيحة
الحلبي «واسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة تتشهد فيهما تشهدا خفيفا». وعلى وجوب
التسليم بقوله عليهالسلام في صحيحة ابن
سنان (3) «إذا كنت لا
تدري أربعا صليت أم خمسا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثم سلم بعدهما».
أقول : ومما يدل على ذلك موثقة أبي بصير (4) قال : «سألته
عن الرجل ينسى ان يتشهد؟ قال يسجد سجدتين يتشهد فيهما».
ورواية على بن أبي حمزة (5) قال : «قال
أبو عبد الله عليهالسلام إذا قمت في
الركعتين
__________________
(1) الوسائل الباب 20 من الخلل في الصلاة.
(2) ص 328.
(3) الوسائل الباب 14 من الخلل في الصلاة.
(4) الوسائل الباب 7 من التشهد.
(5) الوسائل الباب 26 من الخلل في الصلاة.
الأولتين ولم تتشهد. الى ان قال :
فإذا انصرفت سجدت سجدتين لا ركوع فيهما ثم تشهد التشهد الذي فاتك». والمعنى انه
ينوي بتشهده في السجدتين قضاء ما فاته من التشهد كما قدمنا تحقيقه في المسألة.
ورواية الحسن الصيقل عن ابى عبد الله عليهالسلام (1) «في الرجل يصلى
الركعتين من الوتر ثم يقوم فينسى التشهد حتى يركع ويذكر وهو راكع؟ قال يجلس من
ركوعه فيتشهد ثم يقوم فيتم. قال قلت أليس قلت في الفريضة إذا ذكره بعد ما ركع مضى
ثم سجد سجدتين بعد ما ينصرف يتشهد فيهما؟ قال ليس النافلة مثل الفريضة».
وصحيحة على بن يقطين (2) قال : «سألت أبا الحسن عليهالسلام عن الرجل لا
يدرى كم صلى واحدة أو اثنتين أو ثلاثا؟ قال : يبنى على الجزم ويسجد سجدتي السهو
ويتشهد خفيفا».
ورواية سهل بن اليسع عن الرضا عليهالسلام (3) انه قال : «يبنى
على يقينه ويسجد سجدتي السهو بعد التسليم ويتشهد تشهدا خفيفا».
وقال العلامة في المختلف : الأقرب عندي ان ذلك كله
للاستحباب بل الواجب فيه النية لا غير ، واستدل عليه بأصالة البراءة ورواية عمار
المتقدمة.
قال في المدارك : ويؤيده انتفاء الأمر بالتسليم في صحيحة
الحلبي والأمر بالتشهد في صحيحة ابن سنان مع ورودهما في مقام البيان. انتهى.
وفيه ان أصل الدليل عليل لا اعتماد عليه ولا تعويل فلا
ينفع هذا التأييد مع بطلان ما يبنى عليه ، اما الأصل فإنه يجب الخروج عنه بالدليل
وقد عرفته مما أوردناه من الأخبار المذكورة. واما رواية عمار فهي مردودة بما اعترف
به في المقام من ضعفها فلا تنهض حجة في مقابلة تلك الأخبار ، مضافا الى ما في
متنها
__________________
(1) الوسائل الباب 8 من التشهد.
(2) الوسائل الباب 15 من الخلل في الصلاة.
(3) الوسائل الباب 13 من الخلل في الصلاة.
من التهافت والمخالفات كما سيأتي
إيضاحه ان شاء الله تعالى. ووجود هذه الأحكام في اخبار متفرقة وعدم اجتماعها في
خبر واحد لا يمنع من العمل بها لوجود النظير في جملة من المسائل بأن يضم بعض أخبار
المسألة الى بعض فيجتمع من المجموع جملة الأحكام ، وغاية ما فيها إطلاق بعض
بالنسبة إلى الآخر فيحمل المطلق على المقيد عملا بالقاعدة المقررة. وما ادعاه من
ان المقام البيان فيجب فيه ذكر جملة الأحكام ممنوع كما سيأتي بيانه ان شاء الله
تعالى في المقام.
وبالجملة فإن ما ذكره بمحل من الضعف وان كان قد تبعه في
ذلك صاحب الذخيرة فقال ـ بعد الإشارة الى بعض الأخبار الدالة على وجوب ذكرهما وما
دل على عدم ذكرهما مع وروده في مقام البيان ـ ما صورته : فيحصل الجمع بين الأخبار
بحمل ما دل على التشهد والتسليم على الاستحباب فإذا قول المصنف في المختلف قوى.
انتهى
(الرابع) ـ المشهور وجوب الذكر فيهما وتردد فيه المحقق
في الشرائع ، قال في المدارك منشأ التردد من إطلاق قوله عليهالسلام (1) «فاسجد سجدتي
السهو بعد تسليمك ثم سلم بعدهما». وقوله عليهالسلام (2) «واسجد سجدتين
بغير ركوع ولا قراءة تتشهد فيهما تشهدا خفيفا». وغير ذلك من الأخبار الكثيرة
المتضمنة لإطلاق الأمر بالسجود من غير تعرض للذكر ولو كان واجبا لذكر في مقام
البيان. ويدل على عدم الوجوب صريحا رواية عمار المتقدمة حيث قال : «وليس عليه ان
يسبح فيهما». ومن رواية الحلبي الصحيحة عن الصادق عليهالسلام (3) الدالة
بظاهرها على الوجوب. الى ان قال وجزم المصنف في النافع والمعتبر بعدم وجوب الذكر
مطلقا وهو غير بعيد وان كان العمل بمضمون هذه الرواية أولى وأحوط. انتهى.
وتبعه في ذلك في الذخيرة كما هي عادته غالبا فقال : وهل
يجب فيهما الذكر مطلقا؟ المشهور نعم خلافا للمحقق في المعتبر والمصنف في المنتهى
وهو لا يخلو من قوة
__________________
(1) ص 329 و 330.
(2) ص 328.
(3) ص 334.
نظرا إلى إطلاق الأمر بالسجود من غير
تعرض للذكر في مقام البيان.
أقول ـ وبالله التوفيق إلى هداية الطريق ـ الأظهر عندي
هو القول المشهور من وجوب الذكر في السجدتين المذكورتين وان المراد به الذكر
المخصوص في هذا الموضع لا مطلق الذكر.
والمستند في ما قلناه ما رواه في الكافي والتهذيب عن
الحلبي في الصحيح عن ابى عبد الله عليهالسلام (1) قال «يقول في
سجدتي السهو بسم الله وبالله اللهم صل على محمد وآل محمد. قال الحلبي وسمعته مرة
أخرى يقول فيهما بسم الله وبالله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته». ورواه
الصدوق في الفقيه (2) في الصحيح عن
الحلبي. الحديث إلا ان فيه «وصلى الله على محمد وآل محمد». وفي بعض نسخ الفقيه مثل
ما نقلناه عن الكافي أيضا ، ورواه الشيخ عن عبيد الله الحلبي في الحسن عن ابى عبد
الله عليهالسلام (3) مثل ما في
الفقيه لكن فيه «والسلام» بإضافة الواو؟ والظاهر اجزاء الكل إلا ان تطرق السهو إلى
زيادة هذه الواو في رواية الشيخ غير بعيد لما علم من عدم محافظته على ضبط الأخبار
فالأحوط ان لا يؤتى بها.
وقال عليهالسلام في كتاب الفقه
الرضوي (4) : «وقال يقول
في سجدتي السهو بسم الله وبالله وصلى الله على محمد وآل محمد وسلم. وسمعته مرة
أخرى يقول بسم الله وبالله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته».
__________________
(1) الفروع ج 1 ص 99 وفي الوسائل الباب 20 من الخلل في الصلاة
، وقد سقط النقل عن الكافي في الطبع الحديث من الوسائل. والظاهر ان كلمة «التهذيب»
في المتن هنا من سهو القلم أو زيادة النساخ لان لفظ الحديث في التهذيب يختلف عن
لفظه في الكافي وسينقله عن التهذيب مستقلا.
(2) ج 1 ص 226 وفي الوسائل في الباب 20 من الخلل في الصلاة.
(3) التهذيب ج 1 ص 191 ولفظه هكذا «قال سمعت أبا عبد الله «ع»
يقول في سجدتي السهو.» وفي الوسائل في الباب 20 من الخلل في الصلاة.
(4) ص 10.
واما ما يتوهم ـ من إطلاق سجدتي السهو في تلك الأخبار
التي استند إليها المحقق الذي هو منشأ هذا الخلاف فتبعه من تبعه فيه من الاسلاف
والاخلاف استنادا إلى انه لو كان الذكر واجبا فيهما لذكر لان المقام مقام البيان
وحيث لم يذكر علم انه غير واجب ـ
ففيه ان المقام وان كان مقام بيان إلا انه ليس لبيان
سجدتي السهو وكيفيتهما وأحكامهما كما توهموه وانما هو لبيان أحكام أخر وذكر سجدتي
السهو انما وقع استطرادا لبيان أحكام تلك المسائل.
وها أنا أسوق لك جملة من أخبارهم التي استندوا إليها
ليظهر لك صحة ما ذكرناه : ففي صحيحة الحلبي (1) «إذا لم تدر
أربعا صليت أم خمسا أم نقصت أم زدت فتشهد وسلم واسجد سجدتين بغير ركوع ولا قراءة
تتشهد فيهما تشهدا خفيفا».
وفي رواية عبد الله بن سنان (2) «فان كنت لا
تدري أربعا صليت أم خمسا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثم سلم بعدهما».
وفي حسنة زرارة (3) «إذا شك أحدكم
في صلاته فلم يدر أزاد أم نقص فليسجد سجدتين وهو جالس. الحديث».
وفي موثقة إسحاق بن عمار (4) «إذا ذهب وهمك
الى التمام ابدا في كل صلاة فاسجد سجدتين بغير ركوع». الى غير ذلك من الأخبار التي
ذكر فيها سجود السهو.
فإنه لا يخفى ان المقام انما هو في بيان تلك الموجبات
للسجود وان من جملة ما يترتب على حصول تلك الأسباب سجود السهو ، فذكر سجود السهو
انما وقع استطرادا لما يترتب على الأسباب لا ان المقام مقام بيان سجود السهو وما
يترتب عليه ويتعلق به من الأحكام. نعم ربما عبروا (عليهمالسلام) بمجرد
الإتيان بالسجدتين وربما أضافوا الى ذلك بعض أحكامهما من كونهما بعد التسليم وكونه
يسلم فيهما وكونه يتشهد
__________________
(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 14 من الخلل في الصلاة.
(4) الوسائل الباب 7 من الخلل في الصلاة.
فيهما ، وحينئذ فغاية الأخبار
المذكورة ان تكون مطلقة بالنسبة إلى أحكام السجدتين حيث لم يتعرض لذكر شيء منها
فيهما والقاعدة تقتضي حمل مطلقها على مقيدها.
واما صحيحتا الحلبي الواردتان بالذكر فيهما فان المقام
فيهما مقام البيان لسجدتي السهو وما يجب فيهما من الذكر وانما سيقتا لذلك فيجب
تقييد إطلاق تلك الأخبار بهما.
وبالجملة فإنك إذا لاحظت روايات المسألة كملا وضممت
مطلقها الى مقيدها ومجملها الى مفصلها ظهر لك صحة ما قلناه وقوة ما ادعيناه.
واما رواية عمار (1) فهي لا تبلغ حجة في معارضة صحيحتي
الحلبي ولا غيرهما من الأخبار المشار إليها آنفا ، مضافا الى نفى التشهد فيها مع
استفاضة الأخبار به كما عرفت ، وما تضمنته من إيجاب التكبير على الإمام إذا سها مع
انهم لا يقولون به ، مع ما في روايات عمار من الغرائب التي قد تقدم الطعن عليه
بذلك من جملة من الأصحاب. وحملها بعض الأصحاب على التقية لموافقة ما اشتملت عليه
لجملة من العامة (2) وهو جيد. على
ان الرواية إنما تضمنت نفى التسبيح فيهما يعنى مثل تسبيح سجود الصلاة وهو كذلك ،
وهو لا يستلزم نفى غيره من الذكر الذي اشتملت عليه صحيحتا الحلبي. وبالجملة
فالأظهر عندي هو القول المشهور لما عرفت.
ثم ان المحقق في المعتبر طعن في صحيحة الحلبي بأنها
منافية للمذهب من حيث تضمنها وقوع السهو من الامام ، قال ثم لو سلمناه لما وجب
فيهما ما سمعه لاحتمال ان يكون ما قاله على وجه الجواز لا اللزوم.
__________________
(1) ص 331.
(2) اشتملت الرواية على متابعة المأموم للإمام في السجود إذا
كان السهو من الامام وقد تقدم في ص 285 انه مذهب العامة. وقد اختلفوا في التشهد
والسلام لهما على أقوال كما في عمدة القارئ ج 3 ص 745 و 746 وفيه ايضا ج 3 ص 738
التكبير مشروع لسجود السهو بالإجماع.
ورد بان سماع ذلك من الإمام لا يستلزم وقوع السهو منه
لجواز كونه اخبارا عما يقال فيهما بل الظاهر انه هو المراد لقوله عليهالسلام في الرواية
المتقدمة (1) بنقل صاحبي
الكافي والفقيه قال : «يقول في سجدتي السهو بسم الله. الحديث».
واما ما ذكره ـ من انه لو سلم وجوب الذكر فيهما فإنه لا
يتعين فيهما ما سمعه لاحتمال ان يكون على وجه الجواز لا اللزوم ـ ففيه ما حققناه
في مسألة الابتداء بالأعلى في غسل الوجه من كتاب الطهارة من ان فعله عليهالسلام إذا وقع بيانا
للمجمل وجب اتباعه وتعين فعله والأمر هنا كذلك. وقد تقدم تحقيق المسألة في الموضع
المذكور. والله العالم.
وقد تلخص مما حققناه في المقام ان الواجب فيهما هو الذكر
المذكور في الأخبار ـ وجوز الشيخ في المبسوط فيهما ما شاء من الأذكار ولا اعرف له
دليلا ـ والتشهد والتسليم ، ونقل عن ابى الصلاح هنا انه ينصرف منهما بالسلام على
محمد صلىاللهعليهوآله ولم ينقلوا
عليه دليلا. والمراد بالتشهد الخفيف فيهما هو الاقتصار على الواجب منه كما ذكره
بعض الأصحاب. ويحتمل ـ ولعله الأقرب ـ الحمل على التشهد الخالي من الأذكار الطويلة
المستحبة في التشهد وان اشتمل على بعض المستحبات.
(الخامس) ـ قال في المدارك : ويجب فيهما السجود على
الأعضاء السبعة ووضع الجبهة على ما يصح السجود عليه ، لانه المعهود من لفظ السجود
في الشرع فينصرف اليه اللفظ عند الإطلاق. وفي وجوب الطهارة والستر والاستقبال
قولان أحوطهما الوجوب. انتهى.
أقول : لا يخفى ان دعوى ان المعهود من لفظ السجود ما
ذكره لا يخلو من بعد ، لأن هذا انما يتم في سجود الصلاة حيث انه اشترط فيه ذلك لا
مطلق السجود ، كيف؟ وهو قد قال في سجود التلاوة : وفي اشتراط وضع الجبهة على ما
يصح السجود عليه والسجود على الأعضاء السبعة واعتبار المساواة بين المسجد
__________________
(1) ص 334.
والموقوف نظر ، ولا ريب ان اعتبار ذلك
أحوط. انتهى. وما نحن فيه كذلك ولو تم ما ذكره هنا لجرى في سجود التلاوة أيضا لأن
المسألتين من باب واحد وهو قد تنظر فيه وإنما تمسك بالاحتياط فكذا القول في هذه
المسألة ، لأن المسألة خالية من النص ولفظ السجود من حيث هو لا يدل على ذلك. لكن
يقين البراءة من التكليف الثابت بيقين يقتضي ما ذكره. واما ما ذكره من وجوب
الطهارة والستر والاستقبال فالأمر فيه كذلك ايضا لعدم النص إلا ان المفهوم من ظاهر
النصوص الدالة على الفورية والمبادرة بهما بعد التسليم وقبل الكلام (1) ذلك بناء على
ما هو الغالب من حال المكلف من بقائه على الحال التي كان عليها في الصلاة.
وبالجملة فإنه لا مستمسك في هذا المقام زيادة على الاحتياط ويقين البراءة من
التكليف الثابت. والله العالم.
(السادس) ـ المشهور بين الأصحاب انه لو تركهما عمدا لم
تبطل صلاته ووجب عليه الإتيان بهما وان طالت المدة ، إذ غاية ما يفهم من الأخبار
هو وجوبهما لا اشتراط صحة الصلاة بهما.
ونقل عن الشيخ في الخلاف اشتراط صحة الصلاة بهما ، قال
في الذخيرة وهو أحوط ، ثم قال وتحقيق الأمر مبنى على ان الصلاة اسم للأركان مطلقا
أو مقيدا باستجماعها شرائط الصحة ، وعلى الأول يقوى الأول وعلى الثاني الثاني
لتوقف اليقين بالبراءة عليه. انتهى.
وفيه انه لا ريب ان الصلاة اسم لهذه الأفعال المخصوصة
التي مفتاحها التكبير وتحليلها التسليم (2) وهو اتفاقي نصا وفتوى ، ولا ريب ان
المكلف متى سلم فقد تمت صلاته ومضت على الصحة ما لم يعرض لها شيء من القواطع
المتقدمة ، وإيجاب الشارع بعد ذلك بعض الأفعال ـ تداركا لخلل واقع فيها غير مبطل
لها مثل صلاة الاحتياط وقضاء السجدة أو التشهد على القول به أو سجود السهو مثلا ـ لا
يدل على
__________________
(1) ص 330.
(2) الوسائل الباب 1 من التسليم.
اشتراط صحتها به وانه ان لم يأت به
بطلت صلاته لعدم الدليل على ذلك ، ومجرد الأمر بتلك الأشياء لا يدل عليه بل غايته
التأثيم بالإخلال بذلك كما تقدم تحقيقه.
ويدل على وجوب الإتيان بهما متى نسيهما ثم ذكر بعد ذلك ما
رواه الشيخ في الموثق عن عمار عن ابى عبد الله عليهالسلام (1) قال : «سألته
عن الرجل إذا سها في الصلاة فينسى أن يسجد سجدتي السهو؟ قال يسجدهما متى ذكر».
والمفهوم من الأخبار كما تقدمت الإشارة إليه وجوبهما
فورا لاشتمال الاخبار على ان محلهما بعد التسليم وقبل الكلام إلا انه قد روى الشيخ
عن عمار في الموثق عن ابى عبد الله عليهالسلام (2) قال : «سألته
عن الرجل يسهو في صلاته فلا يذكر ذلك حتى يصلى الفجر كيف يصنع؟ قال لا يسجد سجدتي
السهو حتى تطلع الشمس ويذهب شعاعها». والظاهر انه لا قائل به من الأصحاب (رضوان
الله عليهم).
(السابع) ـ قال في الذكرى : لو جلس في موضع قيام ناسيا
ولما يتشهد كالجلوس على الأول أو الثالثة صرف إلى جلسة الاستراحة ولا سجود عليه
على الأقوى ، وان تشهد وجب السجود للتشهد لا للجلوس على الأصح. وفي الخلاف ان كان
الجلوس بقدر الاستراحة ولم يتشهد فلا سجود عليه وان تشهد أو جلس بقدر التشهد سجد
على القول بالزيادة والنقيصة وفي المختلف ان جلس ليتشهد ولم يتشهد فالزائد على
جلسة الاستراحة يوجب السجود والظاهر انه مراد الشيخ. ولكن في وجوب السجود للزائد
عن قدرها للتشهد إشكال لأن جلسة الاستراحة لا قدر لها بل يجوز تطويلها وتركه فان
صرف الجلوس للتشهد إليها فلا يضر طولها وان لم يصرف فلا ينفع قصرها في سقوط سجود
السهو. انتهى كلامه زيد إكرامه
أقول : لا يخفى ان الأفعال تابعة للقصود والنيات فيها
تصير عبادة تارة ولغوا اخرى ، وهذا الجالس في أحد هذين الموضعين ان قصد بجلوسه
جلسة الاستراحة خاصة طول أو قصر فلا اشكال ، وان قصد به التشهد ولم يأت بالتشهد
فالحق ما قاله
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 32 من الخلل في الصلاة.
في المختلف من ان ما زاد على جلسة
الاستراحة يوجب سجدتي السهو بناء على القول بأنهما لكل زيادة ونقيصة لتحقق حصول
الزيادة. وقول شيخنا (قدسسره) هنا ـ ولكن
في وجوب السجود للزائد عن قدرها للتشهد إشكال. الى آخره ـ مردود بأنه انما قصد
الجلوس للتشهد وبهذا القصد يكون هذا الجلوس زيادة في الصلاة حيث انه غير محل
التشهد ، نعم استثنى منه قدر ما يحصل به جلوس الاستراحة حيث انه لا يشترط في
الإتيان به قصد الاستراحة به بل يكفي الإتيان به كيف اتفق وبه تتحقق سنة الاستراحة
ولو اتفق وقوعه سهوا. وقوله ـ فان صرف الجلوس للتشهد إليها. الى آخره ـ لا اعرف له
وجها فان المفروض ان هذا الجلوس جميعه انما وقع بقصد التشهد مع زيادته على ما هو
المتعارف من جلسة الاستراحة لا انه صرف جلوس التشهد الزائد إلى جلسة الاستراحة
ونوى به انه من الاستراحة والفرق بين الأمرين واضح. والله العالم.
(الثامن) ـ اختلف الأصحاب في ما لو تعدد الموجب للسجود
فهل يتداخل مطلقا أو لا مطلقا أو التداخل ان تجانس السبب وإلا فلا؟ أقوال : والى
الأول ذهب في المبسوط وجعل التعدد أحوط ، والى الثاني ذهب العلامة في المختلف وجمع
من المتأخرين ، والى الثالث ذهب ابن إدريس ، قال في كتابه : ان تجانس اكتفى
بالسجدتين لعدم الدليل ولقولهم (عليهمالسلام) (1) «من تكلم في
صلاته ساهيا تجب عليه سجدتا السهو» ولم يقولوا دفعة واحدة أو دفعات ، فاما إذا
اختلف الجنس فالأولى عندي بل الواجب الإتيان عن كل جنس بسجدتي السهو لعدم الدليل
على تداخل الأجناس بل الواجب إعطاء عن كل جنس ما يتناوله اللفظ لانه قد تكلم وقام
في حال قعود وقالوا (عليهمالسلام) «من تكلم تجب
عليه سجدتا السهو (2) ومن قام في
حال قعود تجب عليه سجدتا السهو» (3) وهذا قد فعل الفعلين فيجب عليه
__________________
(1 و 2) هذا مضمون ما يدل على ذلك راجع ص 314.
(3) هذا مضمون ما استدل به لذلك راجع ص 323.
امتثال الأمر ، ولا دليل على التداخل
لان الفرضين لا يتداخلان بلا خلاف محقق. انتهى.
واستدل العلامة في المختلف على ما ذهب اليه من عدم
التداخل وأطال بما لا يرجع الى طائل ، ومرجعه الى وجوب تعدد المسبب بتعدد السبب
وإلا لزم تخلف المعلول عن علته التامة لغير مانع أو تعدد العلل المستقلة على
المعلول الواحد الشخصي وكل واحد منهما محال فالملزوم محال ، ثم أطال في بيان هذه
المقدمات.
وأنت خبير بان هذا انما يجرى في العلل العقلية لا العلل
الشرعية فإنها ليست من قبيل العلل العقلية التي يدور المعلول مدارها وجودا وعدما
وانما هي معرفات كما تقدم التصريح به في غير موضع ، وهذا أمر ظاهر لمن تدبر
الأخبار المنقولة في كتاب علل الشرائع وما اشتملت عليه من العلل لتلك الأحكام.
وقال في الذكرى : والأقرب عدم التداخل لقيام السبب
واشتغال الذمة ، ولما روى عن النبي صلىاللهعليهوآله (1) قال : «لكل
سهو سجدتان».
وفيه انه لو ثبت الخبر المذكور لكان حجة واضحة إلا ان
الظاهر انه ليس من طرقنا وانما هو من طريق العامة. واما التعليل بما ذكره فستعرف
ما فيه مما يبين عن ضعف باطنه وخافية.
والأقرب ـ كما استقربه جمع من أفاضل متأخري المتأخرين ـ هو
القول بالتداخل مطلقا لما روى عنهم (عليهمالسلام) (2) بأسانيد عديدة
«إذا اجتمعت لله عليك حقوق أجزأك عنها حق واحد». وما ذكره العلامة من وجوب تعدد
المسببات بتعدد الأسباب انما هو في الأسباب الحقيقية التي يدور المسبب فيها مدار
السبب وجودا وعدما ، وكذا قولهم «انه لا يجوز اجتماع علتين على معلول واحد» انما
هو في تلك العلل العقلية لا الشرعية ، ألا ترى انه قد ورد في تعليل وجوب
__________________
(1) في سنن ابى داود ج 1 ص 374 «لكل سهو سجدتان بعد ما يسلم»
..
(2) الوسائل الباب 43 من الجنابة.
العدة على المطلقة ان ذلك لاستبراء
الرحم من الولد (1) مع وجوب العدة
وان كان قد فارقها قبل الطلاق بعشر سنين مثلا ، وورد في علة استحباب غسل الجمعة ان
الأنصار كانت تحضر الصلاة وتأتى من نواضحها فيتأذى الناس بريح آباطهم فأمر صلىاللهعليهوآله بالغسل لذلك (2) مع ما عرفت من
عموم الاستحباب لمن كان ريحه أطيب من ريح المسك بل جواز تقديمه وقضائه ، الى غير
ذلك من العلل التي يقف عليها المتتبع
وقال في الذخيرة حيث اختار التداخل :
لنا ان الأمر مطلق فيحصل الامتثال بفرد واحد من المأمور به ، فإنهم (عليهمالسلام) قالوا «إذا
تكلم سجد للسهو (3). وإذا سلم في
غير موضعه سجد للسهو» (4). وليس في أحد
النصين تقييد للسجود بكونه سجودا مغايرا لسجود يتدارك به خلل آخر بل النص مطلق
فيحصل امتثال كل من التكليفين بكل ما كان فردا للسجود.
ويمكن تطرق المناقشة إليه بأن المتبادر من قوله «إذا
تكلم سجد للسهو» مثلا هو ان ذلك السجود للكلام خاصة والاكتفاء به عن السلام وغيره
يحتاج الى دليل ومجرد عدم التقييد للسجود بكونه سجودا مغايرا لسجود يتدارك به خلل
آخر لا يكفي في الاكتفاء به ، فإنه متى انصرف هذا السجود الى الكلام مثلا بهذا
الخبر وتعين ترتبه عليه فدخول غيره من الأسباب ومشاركته لهذا السبب يتوقف على
الدليل. وبالجملة فالأظهر انما هو الاستناد الى ما ذكرنا من عموم النص المتقدم.
ومما يستأنس به لذلك ـ بل يمكن أن يكون دليلا واضحا في
المقام وان لم يخطر ببال أحد من علمائنا الأعلام رفع الله تعالى أقدارهم في دار
السلام ـ
__________________
(1) الوسائل الباب 30 من العدد.
(2) الوسائل الباب 6 من الأغسال المسنونة.
(3) هذا مضمون ما يدل على ذلك راجع ص 314.
(4) يمكن ان يكون ذكر هذا المضمون من باب المثال إذ ورود ما
يدل على ذلك محل الكلام كما تقدم في الأمر الثاني ص 317 وكما تقدم من صاحب الذخيرة
في المسألة الثانية من المسائل التي عقدها تعليقا على بيان العلامة «قدسسره» أسباب سجود السهو.
موثقة عمار عن ابى عبد الله عليهالسلام (1) «انه سأله عن
رجل صلى ثلاث ركعات فظن انها اربع فسلم ثم ذكر انها ثلاث؟ قال يبنى على صلاته
ويصلى ركعة ويتشهد ويسلم ويسجد سجدتي السهو».
والتقريب فيها انه جلس في موضع قيام وهو أحد موجبات سجود
السهو كما تقدم ودلت عليه جملة من الأخبار ، وتشهد وهو أحد الموجبات بناء على
القول بالزيادة والنقصان (2) وسلم وهو كذلك
، فهذه موجبات ثلاثة للسجود مع انه عليهالسلام لم يأمره إلا
بسجود واحد.
ونحوها عبارة كتاب الفقه المتقدمة مع هذه الرواية في
الموضع الثاني من صدر الخاتمة (3).
إلا ان الاستدلال بهذين الخبرين انما يقوم دليلا واضحا
مع اتفاق الأخبار على سببية هذه الأسباب الثلاثة وقد عرفت الاختلاف في كل واحد من
المواضع الثلاثة. والله العالم.
(التاسع) ـ قال شيخنا الشهيد (عطر الله مرقده) في الذكرى
: ينبغي ترتيبه بترتيب الأسباب. ولو كان هناك ما يقضى من الاجزاء قدمه على سجدتي
السهو وجوبا على الأقوى. ولو تكلم ونسي سجدة سجدها أو لا ثم سجد لسهوها وان كان
متأخرا عن الكلام لارتباطه بها ، ويحتمل تقديم سجود الكلام لتقدم سببه. ولو ظن ان
سهوه كلام فسجد له فتبين انه كان نسيان سجدة فالأقرب الإعادة بناء على ان تعيين
السبب شرط وهو اختيار الفاضل. ولو نسي سجدات اتى بها متتاليا وسجد للسهو بعدها
وليس له ان يخلله بينها على الأقرب صونا للصلاة عن الأجنبي. انتهى.
__________________
(1) الوسائل الباب 3 من الخلل في الصلاة.
(2) الظاهر منه «قدسسره» عند تحريره لهذه المسألة ص 154 انه
بنفسه موجب للسجود وان لم يجب لكل زيادة ونقصان.
(3) ص 317.
وفي أكثر هذه الأحكام تأمل سيما بعد ما عرفت من ان عمدة
ما يقضى عندهم من الأجزاء المنسية هو السجدة ، والتشهد ، وقد عرفت ان الروايات
الواردة بقضاء السجدة ليس فيها ما يدل على سجود السهو بل الذي فيها انما يدل على
عدمه ، والروايات الواردة في التشهد لا دلالة فيها على قضاء التشهد كما يدعونه
وانما تضمنت سجود السهو خاصة ، ومع الإغماض عن ذلك والنظر الى استدلالهم فما اشتمل
منها على قضاء التشهد ليس فيه تعرض للسجود بالكلية وما اشتمل منها على السجود ليس
فيه تعرض لذكر القضاء بالكلية.
(العاشر) ـ المشهور بين الأصحاب (عطر الله مراقدهم) ان
وجوب السجدتين المذكورتين فوري مستندين الى كون الأمر للفور. وفيه منع ظاهر لما
صرح به محققوا الأصوليين في المسألة من عدم ذلك كما لا يخفى على من راجع كتبهم.
واستندوا ايضا الى الأخبار المتقدمة الدالة على إيقاعهما
جالسا قبل ان يتكلم وانهما بعد السلام وقبل الكلام (1).
وأورد عليه بان غاية ما تدل عليه كون إيقاعهما قبل
الكلام ولا تلازم بينه وبين الفورية.
أقول : لا يخفى انه وان كان هذا الوجه لا يصلح دليلا إلا
ان إشعاره بالفورية ظاهر ، فان المتبادر ـ من كونه بعد السلام وقبل الكلام كما
اشتمل عليه بعض الأخبار مع حمل البعدية على البعدية القريبة كما هو المتبادر من
الإطلاق ـ هو الفورية به
وظاهر الشهيد في الألفية جعل الفورية مستحبة فيهما حيث
قال : ولا يجب فعلهما في الوقت ولا قبل الكلام والاولى وجوبه. قال شيخنا الشهيد
الثاني في الشرح : لورود أخبار كثيرة وفيها إشعار بالفورية ، ولما كانت الأخبار
ليست سليمة من الطعن لم يكن التزام مدلولها متعينا بل اولى. ثم نقل القول بالفورية
عن الذكرى. وظاهر كلامه (قدسسره) ان سبب
العدول الى استحباب الفورية
__________________
(1) ص 330.
دون الوجوب إنما هو من حيث عدم سلامة
الأخبار المشار إليها من الطعن. والظاهر ان مراده الطعن في الدلالة لما قدمنا ذكره
وإلا فجملة من الأخبار المشار إليها لا طعن فيها من حيث السند.
ثم انه على القولين المذكورين لا يقدح تأخيرهما في صحة
الصلاة ويجب الإتيان بهما وان طالت المدة.
ونقل ايضا عن ظاهر العلامة في النهاية استحباب الفورية.
وظاهر جملة من الأصحاب تحريم سائر المنافيات قبلهما ،
وربما كان التفاتهم الى ان الأمر بهما بعد التسليم وقبل الكلام الذي هو من
المنافيات وتخصيصه بالذكر حيث ان الغالب وقوعه بعد الفراغ وذكره انما خرج مخرج
التمثيل لذلك. وبه يظهر ما في رد بعض المتأخرين لما ذكروه بأنه غير مستفاد من
الأخبار. وكيف كان فالاحتياط يقتضيه البتة.
وذهب جماعة من الأصحاب إلى وجوب إيقاعهما في وقت الصلاة
التي لزمتا بسببها ولم يذكروا له دليلا معتمدا ، وظاهر الألفية كما تقدم في
عبارتها الاستحباب. وظاهر أكثر الأصحاب الاتفاق على انه لو أخل بالفور أو الوقت أو
تكلم عمدا أو سهوا لا تبطل الصلاة به ولا يسقط السجود إذ لا دليل يدل على اشتراط
صحة الصلاة به كما تقدم ذكره ، وتدل عليه رواية عمار المتقدمة في المقام السادس
وكذا روايته الثانية المذكورة ثمة (1) إلا ان موردهما النسيان. وظاهر
الثانية وقوع السهو في الصلاة السابقة على الفجر.
تتمة تشتمل على فائدتين
(الأولى) ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب في التخيير
في النافلة بين البناء على الأكثر أو الأقل لو عرض له الشك فيها مع أفضلية البناء
على الأقل ، قال في المدارك : لا ريب في أفضلية البناء على الأقل لأنه المتيقن ،
واما جواز البناء على
__________________
(1) ص 339.
الأكثر فقال المصنف في المعتبر انه
متفق عليه بين الأصحاب ، واستدل عليه بان النافلة لا تجب بالشروع فكان للمكلف
الاقتصار على ما أراد. ثم قال في المدارك : وهو استدلال ضعيف إذ ليس الكلام في
جواز القطع وانما هو في تحقق الامتثال بذلك وهو يتوقف على الدليل إذ مقتضى الأصل
عدم وقوع ما تعلق به الشك. انتهى. وهو جيد.
أقول يمكن ان يستدل لافضلية البناء على الأقل هنا بما
رواه ثقة الإسلام في الكافي مرسلا (1) قال «وروى انه إذا سها في النافلة
بنى على الأقل». والظاهر من إيراده هذا الخبر هو التنبيه على الفرق بين الفريضة
والنافلة ، فإن حكم الفريضة ـ كما قدمنا تحقيقه ـ هو البناء على الأكثر مطلقا وما
ورد فيها من البناء على الأقل فقد بينا وجهه ، واما النافلة فإن الحكم فيها هو
البناء على الأقل لهذا الخبر. واما ما ذكره أصحابنا من جواز البناء على الأكثر
فالظاهر انه لا مستند له إلا ما يدعونه من الاتفاق كما سمعت من عبارة المعتبر.
قال في المدارك : واعلم انه لا فرق في مسائل السهو والشك
بين الفريضة والنافلة إلا في الشك في الأعداد فإن الثنائية من الفريضة تبطل بذلك
بخلاف النافلة ، وفي لزوم سجود السهو فإن النافلة لا سجود فيها بفعل ما يوجبه في
الفريضة للأصل وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) (2) قال : «سألته
عن السهو في النافلة؟ قال ليس عليك سهو». انتهى. وهو جيد. والظاهر من صحيحة محمد
بن مسلم المذكورة ان السهو في النافلة لا يوجب ما يوجبه السهو في الفريضة من سجدتي
السهو أو غيرهما فمعنى قوله «ليس عليك سهو» رفع أحكام السهو بالكلية.
واما ما ورد في بعض الأخبار من الإعادة بالشك في الوتر
فحمله الأصحاب
__________________
(1) الوسائل الباب 18 من الخلل في الصلاة.
(2) الوسائل الباب 18 من الخلل في الصلاة ، وفيه هكذا «ليس
عليك شيء» وكذا في الفروع ج 1 ص 100 والتهذيب ج 1 ص 234 والوافي باب «من لا يعتد
بشكه.».
على الاستحباب دون البطلان وقد تقدم
ذكره.
وروى الشيخ في الصحيح عن عبيد الله الحلبي (1) قال : «سألته
عن رجل سها في ركعتين من النافلة فلم يجلس بينهما حتى قام فركع في الثالثة؟ قال
يدع ركعة ويجلس ويتشهد ويسلم ثم يستأنف الصلاة بعد».
وهذا الخبر مؤيد لما ذكرناه في معنى صحيحة محمد بن مسلم
من العموم فإنه في هذه الصورة المفروضة قد صلى النافلة ثلاث ركعات ولم يذكر إلا في
حال ركوعه في الثالثة فأمره عليهالسلام بإلغاء الركعة
الثالثة والبناء على الركعتين الأولتين ولم يحكم ببطلان النافلة للزيادة كما حكموا
به في الفريضة. وفي معناها رواية الحسن الصيقل المتقدمة في المقام الثالث (2) والله العالم.
(الثانية) ـ روى ثقة الإسلام والصدوق عن السكوني عن ابى
عبد الله عليهالسلام (3) قال : «أتى
رجل النبي صلىاللهعليهوآله فقال يا رسول
الله أشكو إليك ما القى من الوسوسة في صلاتي حتى لا أدرى ما صليت من زيادة أو
نقصان؟ فقال : إذا دخلت في صلاتك فاطعن فخذك الأيسر بإصبعك اليمنى المسبحة ثم قل :
بسم الله وبالله توكلت على الله أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم. فإنك
تنحره وتطرده».
وروى الصدوق في الفقيه (4) عن عمر بن
يزيد في الصحيح انه قال «شكوت الى ابى عبد الله عليهالسلام السهو في
المغرب فقال صلها بقل هو الله أحد وقل يا ايها الكافرون ففعلت ذلك فذهب عنى».
وعن أبي حمزة الثمالي عن ابى عبد الله عليهالسلام (5) قال : «اتى
النبي صلىاللهعليهوآله رجل فقال يا
رسول الله لقيت من وسوسة صدري شدة وانا رجل معيل مدين محوج؟ فقال له كرر هذه
الكلمات «توكلت على الحي الذي لا يموت والحمد لله الذي لم يتخذ
__________________
(1) الوسائل الباب 18 من الخلل في الصلاة.
(2) ص 332.
(3) الوسائل الباب 31 من الخلل في الصلاة.
(4 و 5) ج 1 ص 224.
صاحبة ولا ولدا ولم يكن له شريك في
الملك ولم يكن له ولى من الذل وكبره تكبيرا» قال فلم يلبث ان عاد اليه فقال يا
رسول الله صلىاللهعليهوآله اذهب الله عنى
وسوسة صدري وقضى ديني ووسع رزقي». نسأل الله ان يذهب عنا وسوسة الصدور وينجينا من
عداوة الشيطان الرجيم في الورود والصدور ويقضى عنا ديون الدنيا والآخرة ويصلح لنا
الأمور ويوسع في أرزاقنا ويقينا كل محذور.
الى هنا انتهى الكلام في المجلد الثالث (1) من كتاب الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة ويتلوه ان شاء الله تعالى المجلد الرابع في صلاة الجمعة وما يتبعها من الصلوات والملحقات وفق الله تعالى لإتمامه والفوز بسعادة ختامه ودفع عنا عوائق هذه الأيام وما تبديه ولا سيما عروض الأمراض والأسقام وبوائقها التي لا تنيم ولا تنام. وكان ذلك في الأرض المقدسة التي على التقوى مؤسسة كربلاء المعلى على ساكنها وأجداده وأبنائه صلوات ذي العلاء في اليوم الأول من الشهر المبارك شهر رمضان ختم بالخير والعافية والرضوان من السنة الثامنة والسبعين بعد المائة والألف من الهجرة النبوية على مهاجرها وآله أفضل التحية.
__________________
(1) هذا بحسب تقسيمه «قدسسره» واما بحسب تقسيمنا فهذا هو الجزء التاسع وينتهى ـ حفظا للتوازن بين الاجزاء ـ بنهاية المطلب الأول في بيان حكم صلاة الجمعة في زمن الغيبة ، ويبتدئ الجزء العاشر من المطلب الثاني في شروط وجوب الجمعة.