الحقائق ج1 - كتاب الايلاء
وهو لغة الحلف مأخوذ من آلى يؤلي إيلاء والية والجمع الألايا مثل عطية وعطايا ويقال ائتلا يأتلي ائتلاء، ومنه قوله تعالى ” ولا يأتل اولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا اولي القربى ” (1). وشرعا الحلف على الامتناع من وطء الزوجة مطلقا أو أكثر من أربعة أشهر وقد جاء القرآن به كما في قوله تعالى ” للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر ” إلى قوله ” وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم ” (2). وقد جاءت الأخبار في تفسير هذه الآية شاهدة بأن المراد بالايلاء هو المعنى الشرعي، وهو من باب تسمية الجزء باسم الكل، وقد كان طلاقا في الجاهلية كالظهار فغير الشارع حكمه وجعل له أحكاما خاصة، فإن جمع الشرائط وإلا فهو يمين يعتبر فيه ما يعتبر في اليمين ويلحقه حكمه.
وقد اشتمل هذا الكتاب على مقصدين:
الأول
في أركانه
وهي أربعة:
الاول الحالف: وهو المؤلي، ويعتبر فيه العقل والبلوغ والاختيار والقصد، ولا يراعى فيه
(1) وسرة النور – آيه 22. (2) سورة البقرة – آية 226 و 227.
[ 44 ]
الحرية، فيقع من المملوك لعموم الكتاب والسنة سواء كانت زوجته حرة أو أمة لمولى أو لغيره، لكن إذا كانت أمة للمولى أو لغيره وشرط مولاه رقية الولد فقد ينقدح عدم وقوع الايلاء منه لأن الحق فيه لمولاه فيتوقف على إذنه، ووجه الوقوع عموم الآية، وأن المولى ليس له إجباره على الوطء مطلقا. والأقوى عندي اشتراط رضا المولى وإذنه في أصل الايلاء، لأنه إن كان يمينا فلا يمين لمملوك مع سيدة كما دلت عليه النصوص والاجماع من غير فرق بين اليمين المطلقة أو الخاصة، وإن كان إيقاعا خاصا كالطلاق والظهار فقد دل الكتاب والسنة على الحجر عليه في نفسه وماله لأنه عبد مملوك لا يقدر على شئ والايلاء شئ، وقد تقدمت تلك الأخبار الصحاح في الطلاق وإن كان الأكثر قيدوها بما إذا كان أمة للمولى وجعلوا طلاق الحرة بيده، والأقوى أن طلاقه موقوف على رضا المولى كما جاء في صحيح زرارة (1) عن أبي جعفر عليه السلام وأبي عبد الله عليه السلام ” قال: المملوك لا يجوز طلاقه ولانكاحه إلا بإذن سيده، قلت: فإن السيد زوجه بيد من الطلاق، قال: بيد السيد ” ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ ” (2) أفشئ الطلاق ؟ ” وظاهر استدلاله عليه السلام بالآية اعتبار عموم حكمها فيكون إطلاق الحكم في الايلاء مقيدا بهذه الآية وبهذه الأخبار، وكذلك بالأخبار الواردة في اليمين وهي مستفيضة، والعجب من الأصحاب هنا كيف غفلوا عن ذلك وأطلقوا الحكم كما ترى. وكذلك يقع من الذمي وغيره من الكفار المقرين بالله ولا ينحل بالاسلام خلافا لمالك من العامة، ولم يخالف هناالشيخ في صحته من الذمي وقد خالف في الظهار مع أن المقتضي واحد، وقد وافق الشيخ هناك القاضي ابن البراج
(1) التهذيب ج 7 ص 347 ح 50، الفقيه ج 3 ص 350 ح 2، الوسائل ج 15 ص 343 ب 45 ح 1 وما في المصادر اختلاف يسير. (2) سورة النحل – آية 75.
[ 45 ]
وظاهر ابن الجنيد وابن شهر اشوب وظاهر المبسوط أيضا الاجماع على المنع في ذلك، وقد استدل على المنع بأنه حكم شرعي فكيف يصح بمن لايقر به وبأن من لوازمه التكفير إذا عاد وهو عبادة لا تصح منه ! فكان عليه أن يقول بالمنع هنا للمشاركة في هذا المقتضى وإن كان ضعيفا حذرا من التحكم. ويقع أيضا من الخصي السالم الانثيين، ففي الأخبار أنه يولج أشد من إيلاج الفحل، ومن المجبوب إن بقي له ما يطأ به على القطع، أما لو لم يبق له ففيه إشكال من العموم فيدخل، ومن عدم إمكان الوطء فينتفي لعدم إجباره بالفئة هنا، ومن انتفاء الاضرار من كونه مبتنيا على ترك الممتنع والمستحيل كأن يحلف لايصعدن السماء، والأول خيرة المبسوط والتحرير والارشاد والتبصرة والتخليص (1) والشرايع، والثاني خيرة المختلف، وعلى الأول – وهو الأقوى – تكون فئته كالعاجز عن الفئة ويكفي في فئته بأن يقول باللسان إني لو قدرت لفعلت، إلا أن المريض يقول إذا قدرت فعلت لأن قدرته متوقعة، وأورد عليه أن شرط الصحة مفقود فيه وهو مخصوص لعموم الآية مع ظهور الفرق بينه وبين المريض لتوقع زوال عذره دونه ولامكان مرافعته وضرب المدة له، وقوله باللسان، ذلك غير نافع لأنه في حكم العبث الذي لا يليق بمحاسن الشرع. وأما الأشل ومن بقي من ذكره بعد الجب ما دون قدر الحشفة فهو كالمجبوب جميعه، ولو عرض الجب بعد الايلاء فوجهان، وهنا أولى بالوقوع لوجود الشرط حالة الايلاء وكان قصد الاضرار والايلاء صحيحا منه في الابتداء. وقوى ثاني الشهيدين هنا بطلان اليمين لاستحالة بقائها مع استحالة الحنث ومجرد المطالبة باللسان، وضرب المدة لذلك قبيح كالمجبوب ابتداء، والاحتياط في جميع هذه الصور الأخذ بحكم الايلاء في وجوب التكفير عند إمكان الفئة وإن تخلف بعض اللوازم.. أما العنن فهو داخل في المرض ويقع من المطلق رجعيا، كما في المبسوط
(1) كذا، والظاهر (التلخيص).
[ 46 ]
ناقلا عليه الوفاق لبقاء الزوجية، ويحتسب زمان العدة من زمان التربص كما ذكره في المبسوط والخلاف والشرايع، وإنما يتم إن كان ابتداؤها من اليمين – كما هو أحد القولين في المسألة – فإنه أذا كانت من المرافعة لم يتصور أذا لم تستحق الاستمتاع بدون المراجعة فلا يحتسب مدة العدة منها كما أفتى به في التحرير، وسيجئ تحقيق هذا الحكم في أحكام الايلاء المتفرعة على أركانه. وكذا لو طلق رجعيا بعد الايلاء ثم راجع فيحتسب زمان العدة من المدة إن ابتدأت المدة من اليمين أو رفعت أمرها قبل الطلاق، ويقع عند جماعة من علمائنا من المظاهر فإنه أولى من المطلق لتمام الزوجية، وعند هؤلاء يقع الظهار من المولى أيضا، وقد تكلموا على المسألة في الايلاء وتركوها في الظهار، وقد سمعت الخبرين المرويين عن علي عليه السلام كما في الفقيه والجعفريات، وقد تقدم الكلام عليهما إلا أنه قبل الوقوف على كلامهم في الايلاء. وسنذكره إن شاء الله تعالى في الفروع الآتية.
الثاني في المحلوف عليه: ويدخل فيه المولى منها وهو ترك جماع زوجته الدائمة قبلا للاضرار أكثر من أربعة أشهر أو مطلقا، وسيجئ بيان فائدة هذه القيود في هذا الفصل، ويشترط كونها منكوحة بالعقد الدائم فلا يقع بالمستمتع بها على الأقوى. وقد تقدم الكلام في نكاح المتعة ولا بالموطوءة بالملك وكذلك المحللة له من الاماء. ويدل على اعتبار هذه الشروط قوله تعالى ” للذين يؤلون من نسائهم ” (1) لأن المتبادر من النساء الدائمات ولتخصيصها بقوله ” فإن عزموا الطلاق ” بعد قوله ” للذين يؤلون من نسائهم ” وللأخبار المفسرة للايلاء في الآية وغيرها. ففي صحيحة أبي بصير (2) كما في تفسير القمي عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: الايلاء
(1) سورة البقرة – آية 226. (2) تفسير القمى ج 1 ص 73، الوسائل ج 15 ص 541 ب 8 ح 6.
[ 47 ]
هو أن يحلف الرجل على امرأته أن لا يجامعها، فإن صبرت عليه فلها أن تصبر وإن رفعته الى الامام إنظره أربعة أشهر ثم يقول له بعد ذلك إما أن ترجع إلى المناكحة وإما أن تطلق، فإن أبى حسنة أبدا “. وفي صحيحته الاخرى (1) وموثقته (2) كما في الكافي والتهذيب عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: سألته عن الايلاء ما هو ؟ قال: هو أن يقول الرجل لامرأته والله لا اجامعك كذا وكذا، ويقول والله لأغيظنك فيتربص بها أربعة أشهر ثم يؤخذ فيوقف بعد الأربعة الأشهر، فإن فاء – وهو أن يصالح أهله – فإن الله عفور رحيم، فإن لم يف جبر على أن يطللق، فلا يقع طلاق فيما بينهما ولو كان بعد أربعة أشهر ما لم ترفعه إلى الامام “. وصحيحة بريد العجلي (3) كما في الكافي والتهذيب والعياشي ” قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في الايلاء: إذا آلى الرجل أن لا يقرب امرأته ولا يمسها ولايجمع رأسه ورأسها فهو في سعة ما لم تمض أربعة أشهر، فإن مضت أربعة أشهر وقف، فإما أن يفئ فيمسها وإما أن يعزم على الطلاق فيخلي عنها ” الحديث. وفي موثقته (4) كما في الكافي عن أبي جعفر عليه السلام وأبي عبد الله عليه السلام ” أنهما قالا: إذا آلى الرجل أن لا يقرب امرأتة فلس لها قول ولاحق في أربعة إشهر، ولا إثم عليه في كفه عنها في إربعة أشهر، فإن مضت أربعة أشهر قبل أن يمسها فسكتت
(1) الكافي ج 6 ص 132 ح 9، التهذيب ج 8 ص 3 ح 4، الوسائل ج 15 ص 541 ب 9 ح 1. (2) الكافي ج 6 ص 131 ح 3، التهذيب ج 8 ص 2 ح 2، الوسائل ج 15 ص 542 ب 9 ح 2 وما في المصادر اختلاف يسير. (3) الكافي ج 6 ص 130 ح 1، التهذيب ج 8 ص 3 ح 3، تفسير العياشي ج 1 ص 113 ح 342، الوسائل ج 15 ص 543 ب 10 ح 1 وما في المصادر اختلاف يسير. (4) الكافي ج 6 ص 131 ح 3، الوسائل ج 15 ص 536 ب 2 ح 1.
[ 48 ]
ورضيت فهو في حل وسعة، فإن رفعت أمرها قيل له إما أن تفئ فتمسها وإما أن تطلق وعزم الطلاق أن تخلي عنها “. وصحيحة الحلبي (1) عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث ” قال: أيما رجل آلى من امرأته – والايلاء أن يقول والله لا اجامعك كذا وكذا، والله لأغيظنك – ثم يغاضبها فإنه يتربص أربعة فيوقف، فإذا فاء – وهو أن يصالح أهله – فإن الله غفور رحيم، وإن لم يف اجبر على الطلاق، ولا يقع بها الطلاق حتى يوقف “. ومثلها حسنته (2) وخبر أبي الصباح الكناني (3) وخبر سماعة (4) وخبر أبي بصير (5) كلها بهذه المنزلة في الدلالة على اشتراط الزوجية. وأما ما يدل على انتفائه عن الأمة المملوكة صريحا فصحيحة أبي نصر البزنطي (6) كما في قرب الأسناد عن الرضا عليه السلام ” قال: سألته عن الرجل يؤلي من من أمته ؟ قال: كيف يؤلي وليس لها طلاق “. ويشترط أن يكون مدخولا بها كما عليه إجماع الطائفة، وليس هو موضع خلاف كما في الظهار، ويدل عليه صحيح محمد بن مسلم (7) عن أحد هما عليهما السلام ” قال: في غير المدخول بها: لا يقع عليها الايلاء ولاظهار “. ورواية أبي الصباح الكناني (8) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: لا يقع الايلاء إلا على امرأة قد دخل بها زوجها “.
(1) الكافي ج 6 ص 130 ح 2، الوسائل ج 15 ص 539 ب 8 ح 1 وفيهما اختلاف يسير. (2) الفقيه ج 3 ص 339 ح 1، الوسائل ج 15 ص 539 ب 8 ح 1 وفيهما اختلاف يسير. (3) الكافي ج 6 ص 132 ح 7، الوسائل ج 15 ص 542 ب 9 ح 3. (4) التهذيب ج 8 ص 8 ح 24، الوسائل ج 15 ص 542 ب 9 ح 4. (5) التهذيب ج 8 ص 2 ح 2، الوسائل ج 15 ص 442 ب 9 ح 2. (6) قرب الاسناد ص 160، الوسائل ج 15 ص 539 ب 7 ح 1. (7) التهذيب ج 8 ص 21 ح 40، الوسائل ج 15 ص 516 ب 8 ح 2 وفيهما اختلاف يسير. (8) التهذيب ج 8 ص 7 ح 16، الوسائل ج 15 ص 538 ب 6 ح 2.
[ 49 ]
وصحيحة زرارة (1) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: لا يكون مؤليا حتى يدخل “. وخبر أبي الصباح الكناني (2) أيضا ” قال: سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن رجل آلى من امرأته ولم يدخل بها، فقال: أرأيت لو أن رجلا حلف أن لايبني بأهله سنتين أو أكثر من ذلك كان يكون إيلاء ؟ “. وموثقة أبي بصير (3) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: قلت له: الرجل يؤلي من امرأته قبل أن يدخل بها، فقال: لا يقع الايلاء حتى يدخل بها “. وصحيحة الفضل بن يسار (4) ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل مملك ظاهر من امرأته، فقال: لا يكون ظهار ولا إيلاء حتى يدخل بها “. وخبر محمد بن مسلم (5) عن أبي جعفر عليه السلام ” لا تكون الملاعنة ولا الايلاء إلا بعد الدخول “. والعجب من أصحابنا كيف يختلفون في الظهار ولا يختلفون في الايلاء مع اشتراكهما في الاخبار الصحيحة المعتبرة الدالة على اشتراط الدخول مع أن المانع من اشترطه استند إلى عموم الآية وهو وارد في الايلاء أيضا ولكن لم ينقلوا فيه خلافا ! والمناسب إما نفي الخلاف عنهما أو إنباته فيهما. ونقل في المسالك عن بعضهم الخلاف أيضا هنا لكنه نادر ولعله للعامة. واعتذر الفاضل الهندي عن ذلك في كتابه شرح القواعد بأنه لما كانت الأخبار المشترطة للدخول في الايلاء أكثر منها في الظهار اوجبت ذلك، وليس بعيد من الاعتذار، وأيضا لقوله
(1) الكافي ج 6 ص 134 ح 3، الوسائل ج 15 ص 538 ب 6 ح 1. (2) الكافي ج 6 ص 134 ح 4، الوسائل ج 15 ص 538 ب 6 ح 3 وفيهما ” ولم يدخل بها، قال: لا ايلاء حتى يدخل بها، فقال: أرأيت لو – أكان يكون “. (3) الكافي ج 6 ص 134 ح 2، الوسائل ج 15 ص 539 ب 6 ح 4. (4) الكافي ج 6 ص 158 ح 21 وفيه ” الفضيل بن يسار “، الوسائل ج 15 ص 516 ب 8 ح 1. (5) الكافي ج 6 ص 162 ح 2، الوسائل ج 15 ص 591 ب 2 ح 5.
[ 50 ]
تعالى فإن فاءوا ” فإن الله غفور رحيم ” (1) فإن المراد بالفئة الرجوع إلى النكاح كما تدل عليه الأخبار وكلام المفسرين، ولا يتأتى فيمن لم يدخل بها فتكون الأخبار الواردة في الايلاء مطابقة للقرآن بخلافها في الظهار لعدم دلالة آيتها على الدخول. ويقع بالزوجة الحرة والمملوكة لعموم الأخبار والآية، وحيث كانت الزوجة أمة للغير فحق المطالبة بضرب المدة وبالفئة إليها لأن حق الاستمتاع بها لها لا للمولى، ويعتبر في الكافرة أن تكون ذمية، ومن هنا قيدبها لأنه لا يحل التزويج بغير الذمية لتحريم نكاح غيرها على المسلم ابتداء واستدامة. نعم يمكن فرضه في غير الكتابية كما إذا آلى منها بعد ان أسلم قبلها وهي في العدة، لكنه نادر، فتلحقها أحكام الايلاء هنا لمكان إسلامه وإسلامها. وأما اشتراط تقييد الايلاء والامتناع من الوطء بالتأبيد والاطلاق أو التقييد بمدة تزيد على أربعة أشهر كما هو المتفق عليه لا ما دون الأربعة ولابقدرها بعد الاجماع والأخبار الواردة في بيان ذلك وبيان إطلاق الآية مثل صحيحة الحلبي (2) عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث ” قال: أيما رجل آلى من امرأته فإنه يتربص بها أربعة أشهر ثم يؤخذ بعد أربعة أشهر “. وساق الحديث إلى أن قال: ” فإن لم يف جبر على الطلاق “. ومثله صحيحته الاخرى كما في الفقيه (3) وخبر القاسم بن عروة (4) عن أبي جعفر عليه السلام ” قال: قلت له: رجل آلى أن لا يقرب امرأته ثلاثة أشهر، قال: فقال: لا يكون إيلاء حتى يحلف على أكثر من أربعة أشهر “.
(1) سورة البقرة – آية 226. (2) الكافي ج 6 ص 130 ح 2، الوسائل ج 15 ص 539 ب 8 ح 1. (3) الفقيه ج 3 ص 339 ح 1. (4) التهذيب ج 8 ص 6 ح 12، الوسائل ج 15 ص 538 ب 5 ح 2.
[ 51 ]
وصحيحة بريد بن معاوية العجلي (1) عن أبي جعفر عليه السلام وأبي عبد الله عليه السلام أنهما قالا: ” إذا آلى الرجل أن لا يقرب امرأته فليس لها قول ولاحق في أربعة أشهر، ولا إثم عليه في كفه عنها في أربعة أشهر، فإن مضت الأربعة الأشهر قبل أن يمسها فسكتت ورضيت فهوفي حل وسعة، فإن رفعت أمرها قيل له إما أن تفئ فتمسها وإما أن تطلق ” الحديث. ومثلها صحيحة أبي بصير ليث المرادي (2) عن أبي عبد الله عليه السلام كما في تفسير القمي ” قال: الايلاء هو أن يحلف الرجل على امرأته أن لا يجامعها، فإن صبرت عليه فلها أن تصبر وإن رفعته إلى الامام أنظره أربعة أشهر “. وعلى هذا فيكون لفظ ” كذا وكذا ” في صحيحة ليث المرادي (3) عن أبي عبد الله عليه السلام حيث قال في تعريف الايلاء ” هو أن يقول الرجل لامرأته لا اجامعك كذا و كذا ” كناية عن المدة الزائدة عن أربعة أشهر. وكذا في رواية أبي بصير (4) المتقدمة وفي كل خبر عبر بهذه العبارة بدليل قوله أخيرا فيها ” فيتربص به أربعة أشهر ثم يؤخذ فيوقف بعد أربعة أشهر ” وهكذا في خبر أبي بصير أيضا. كما أن التعبير في خبر أبي الصباح الكناني (5) وغيره بإطلاق الايلاء غير مقيد بمدة زائدة عن الأربعة ولامحدودة بالدوام، والتأبيد مجز في ذلك كما انطبق عليه الفتوى وأكثر أخبار الباب.
(1) الكافي ج 6 ص 131 ح 4، الوسائل ج 15 ص 536 ب 2 ح 1 وفيهما اختلاف يسير. (2) تفسير القمى ج 1 ص 73، الوسائل ج 15 ص 541 ب 8 ح 6. (3) الكافي ج 6 ص 132 ح 9، التهذيب ج 8 ص 3 ح 4، الوسائل ج 15 ص 541 ب 9 ح 1. (4) الكافي ج 6 ص 131 ح 1، التهذيب ج 8 ص 2 ح 2، الوسائل ج 15 ص 542 ب 9 ح 2. (5) الكافي ج 6 ص 134 ح 4، الوسائل ج 15 ص 538 ب 6 ح 3.
[ 52 ]
فتلخص من هذا أن المؤلي إما أن يطلق الامتناع فيحمل على التأبيد فيه فيكون مؤليا، وإما أن يقيده بالتأبيد فهو ضرب من التأكيد، وإما أن يقيده بالتوقيت إما بزمان مقدر أو بالتعليق بأمر مستقبل لا يتعين وقته، فهاهنا أيضا قسمان:
الأول: أن يقدره بزمان، فإن كان أربع فلينظر، فإن كان أربعة أشهر فما دونها لم يكن مؤليا والذي جرى يمين ويتحلل بعد المدة وليس لها المطالبة كما إذا امتنع من غير يمين بالكلية، والحكمة في تقدير المهلة بهذه المدة وعدم توجه المطالبة إذا حلف على الامتناع أربعة أشهر فما دونها أن المرأة تصبر عن الزوج مدة أربعة أشهر بعد ذلك يفنى صبرها، أو ليس عليها الصبر، ويكفي في الزيادة عن الأربعة مسماها ولولحظة، ولا يشترط كون الزيادة بحيث تتأتى المطالبة في مثلها، لكن إذا قصرت كذلك لم تتأتى المطالبة لأنها إذا مضت تنحل اليمين ولا مطالبة بعد انحلالها، وأثر كونه مؤليا في هذه الصورة أنه يأثم بإيذائها، والاضرار بها يقطع طمعها بالتخلف عن الوطء في المدة المذكورة، ولو فرض كونه تاركا وطؤها مدة قبل الايلاء فعل حراما بالنسبة إلى ما زاد عن أربعة أشهر من حين الوطء لأنه لا يجوز ترك وطء الزوجة أكثر من ذلك، ولا تنحل بذلك اليمين لأن الايلاء لا ينحل بذلك.
الثاني: أن يقيد الامتناع عن الوطء بأمر مستقبل لا يتعين وقته، وحينئذ فينظر فيه فإن كان المعلق به أمرا يعلم عادة التأخر فيه عن أربعة أشهر كما لو قال حتى يقدم فلان أو حتى يأتي مكة والمسافة بعيدة لا تقطع في أربعة أشهر أو يستعبد في الاعتقاد أن حصوله في أربعة أشهر وإن كان محتملا، كذا لو قال حتى يخرج الدجال أو يأجوج ومأجوج أو تطلع الشمس من المغرب فهو مؤول قطعا نظر إلى التعيين بحصول الشرط وهي مضي أربعة أشهر قبل مجئ الغاية في الأول وغلبة الظن بوجوده في الثاني وإن كان محتملا في نفسه، ومثله قوله ما بقيت
[ 53 ]
فإنه وإن كان محتملا لموته في كل وقت ولاظن يقتضي بقاء أربعة أشهر إلا أن ذلك موجب لحصول اليأس مدة العمر، فهو كما لو قال لا اجامعك أبدا فإن أبد كل إنسان عمره. ولو قال ما بقي فلان فو جهان: (أحد هما) أنه كذلك لأن الموت المعجل كالمستبعد في الاعتقادات فيلحق بتعليقه على خروج الدجال ونحوه ” والثاني ” عدمه لأنه كالتعليق بالمرض ودخول الدار وهو ممكن على السواء في كل وقت. وينبغي الفرق بين من يغلب على الظن بقاؤه أو موته في المدة فما دون أو تساوي الاحتمالان بحسب القرائن الحالية، وإن كان المعلق به مما يتحقق وجوده قبل أربعه أشهر كذبول البقل وجفاف الثوب وتمام الشهر، أو يغلب على الظن وجوده كمجئ المطر في وقت غلبه الإمطار ومجئ زيد من القرية ومن عادته حضور الجمعات أو قدوم القافلة والغالب ترددها في كل شهر لم يقع الايلاء الشرعي ولكن تنعقد اليمين بشروطها، ولو كان المعلق ما لايستعبد حصوله في أربعة أشهر ولا يتحقق ولا يظن حصوله كما لو قال حتى أدخل الدار وأخرج من البلد أو أمرض أو يمرض فلان أو يقدم وهو على مسافة قريبة قد يقدم فيها وقدلايقدم لم يحكم بكونه مؤليا وإن اتفق مضي الأربعة ولم يوجد المعلق به بل يكون يمينا لأنه لم يتحقق قصد المضارة في الابتداء وأحكام الايلاء لا بمجرد اتفاق الضرر للامتناع من الوطء كما لو امتنع من غير يمين، وحينئذ فيرتفع اليمين لو وجد المعلق به قبل الوطء، وتجب الكفارة لو وطأ قبل وجوده حيث ينعقد اليمين، وربما قيل إن التعليق بخروج الدجال ونحوه يلحق بالامور المحتملة للأمرين فلا يقع به أيلاء والاقوى الاول لكون المرء متعبدا بظنه ومعتقداته وقرائن الاحوال والعادات، ولو قال والله لا اوطئنك حتى أدخل هذه الدار لم يكن إيلاء لأنه يمكنه التخلص من الوطء بالدخول لأن الايلاء موجب بالتحريم إلى أن يكفر، والاضرار بالمرأة لم يتحقق حيث قد علقه على شرط يمكنه فعله ورفعه كقوله لا اوطئنك حتى أدخل الدار فإنه يمكنه في كل وقت دخول الدار
[ 54 ]
فيتخلص من اليمين ولا يحصل لها الاضرار بذلك. نعم لو كان دخوله الدار ممتنعا عادة لعارض لا يزول قبل أربعة أشهر ولو ظنا وقع الايلاء كما سبق، وإنما أطلق من أطلق هذا الحكم بناء على الغالب من عدم المانع من دخول الدار، وأما أنه لا يقع إلا في إضرار كما هو متفق عليه، فلو أنه لو وقع لصلاح اللبن أو التدبير في مرض لم يكن إيلاء وكان كالأيمان، وهذا الحكم دليله الاجماع المدعى كما نقله غير واحد وإن أسنده المتأخرون إلى المشهور بين الأصحاب حيث لم يظهر في الحكم مخالف يعتد به. ويدل عليه من الأخبار رواية السكوني (1) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: أتى رجل أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين إن امرأتي أرضعت غلاما وإني قلت لها لاأقربك حتى تفطميه، فقال: ليس في الاصلاح إيلاء “. ومثله ما في كتاب الجعفريات (2) بإسناده المشهور إلى علي عليه السلام قال: وذكر مثله. ويدل عليه أيضا ما تقدم في صحيحة الحلبي (3) عن ابي عبد الله عليه السلام ” قال: الايلاء أن يقول والله لا اجامعك كذا وكذا، والله لاغيظنك ثم يغاضبها “. ومثلها صحيحة بريد (4) وصحيحة ليث المرادي (5) وصحيحة أبي الصباح الكناني (6) وقد تقدمتا، فإن الاغضاب قرينة الاضرار وهو الذي بني عليه حكم الايلاء، وأما ضعف المستند على الاصطلاح الجديد فهو عندهم منجبر بالشهرة
(1) الكافي ج 6 ص 132 ح 6، الوسائل ج 15 ص 537 ب 4 ح 1 وفيهما ” وانى قلت: لا أقربك “. (2) قرب الاسناد ص 115 مع اختلاف يسير. (3) الكافي ج 6 ص 130 ح 2، الوسائل ج 15 ص 539 ب 8 ح 1. (4) الكافي ج 6 ص 130 ح 1، الوسائل ج 15 ص 543 ب 10 ح 1. (5) الكافي ج 6 ص 131 ح 3، الوسائل ج 15 ص 542 ب 9 ح 2. (6) الكافي ج 6 ص 132 ح 7، الوسائل ج 15 ص 542 ب 9 ح 3.
[ 55 ]
والاجماع كما ذكره ثاني الشهيدين في المسالك وهاهنا فروع:
الأول: لو قال لأربع نساء عنده ” والله لا وطأتكن ” لم يكن مؤليا في في الحال، فإنه إنما التزم عدم جمعهن في الوطء ولأن المؤلي لا يجامع إلا بضرر ولاضرر عليه هنا الآن بل له وطء ثلاث من غير حنث، فإذا وطأهن تعين التحريم في الرابعة، ويثبت لها الايلاء بعد وطئهن ولها المرافعة حينئذ، وليس لهن ولا لأحد منهن المرافعة قبل ذلك إذ لا يتعين للايلاء إلا الرابعة وهي غير معينة قبل ذلك، ولا إيلاء من البواقي، وتجب الكفارة بوطء الجميع، ولو وطأ واحدة قرب من الحنث وهو محذور غير محظور فلا يصير به مؤليا خلافا لبعض العامة، ولو ماتت إحداهن قبل الوطء انحلت اليمين بخلاف ما لو طلق إحداهن أو ثلاثا لأن حكم اليمين ثابت البواقي ولامكان وطء المطلقات ولو بالشبهة، ولو وطأهن أو بعضهن حراما فالأقرب ثبوت الايلاء في البواقي لصدق الجمع في الوطء، ويحتمل العدم تنزيلا للاطلاق على المقصود شرعا بخلاف ما لو وطأ الميتة إذ لاحكم لوطئها لالتحاقها با لجمادات، ولذا لا يوجب المصاهرة على إشكال في ذلك وخروجها عن الدخول في الخطاب لتركب الانسان من جزءين والعمدة في الخطاب هو الجزء العاقل وإن كان الوطء يتعلق بالبدن وهو خيرة المبسوط و الشرايع ومن الاطلاق الواقع في الفتوى والأدلة.
الثاني: لو قال ” لا وطأت واحدة منكن ” وأراد لزوم الكفارة بوطء أي واحدة كانت بأن أراد عموم التزام السبب تعلق الايلاء بالجميع وضربت المدة لهن عاجلا من غير أن ينتظر وطء واحدة، فإن وطأ واحدة حنث وانحلت اليمين في البواقي لأن الحنث لا يتكرر، فظهر أن المؤلي منها هي التي وطأها أولا، ولو طلق واحدة أو اثنتين أو ثلاثة قبل الوطء كان الايلاء ثابتا في الباقي، وكذا إن مات بعضهن قبل الوطء بقي الايلاء في الباقية لتعلقه بكل منهن، ولا يحنث بوطء الميتة ولا تنحل يمينه في غيرها على الأظهر، ويحتمل الحنث به فتنحل
[ 56 ]
يمينه في غيرها. ولو قال هنا ” أردت واحدة معينة ” قبل قوله في تعينها لاحتمال اللفظ له وهو أعرف بنيته، ويحتمل عدم القبول في الظاهر لوقوع المختار على كل منهن واتهامه في التعيين، وعلى القبول يؤمر بالبيان فإن بين ولم تنازعه الباقيات اختص حكم الايلاء بالمعينة وإلا فالقول قوله مع اليمين، وإن صدق الاخرى اخذ بإقراره ولم يقبل رجوعه عنها ولاعن الاولى، ولو أراد واحدة مبهمة ففي كونه مؤليا إشكال من العموم ومن الأصل، وأن حكم الايلاء أن يكون للمؤلي منها المطالبة وهو هنا مفقود، فإن أثبتناه كان له أن يعين واحده فيخص الايلاء بها كما في الطلاق عند من جوزه فلا يقع الايلاء إلا من حين التعيين فالمدة تحسب من حين اليمين لا التعيين لما مر في الطلاق المبهم لأنه يقع من حين الايقاع ويقول في التعيين ” هي التي أردتها الآن أو أنشأت تعيينها عن الابهام ” ويجوز تعلقه بكل من الارادة والانشاء، ويحتمل أن لا يكون مؤليا بنفس الحلف بل بعد التعيين إذا أراد مبهمة كما في طلاق المبهمة، بل وإذا أراد معينة أيضا لأن كل واحدة منهن ترجو أن لا تكون هي المعينة بعد الابهام أو في اليمين فلا يمكنها المطالبة ما لم تتعين ومن حكم الايلاء المطالبة، ولو أطلق اللفظ فعلى أي الاحتمالين من عموم السلب يحصل إشكال من ظهور النكرة في سياق النفي في العموم ومن الأصل والاحتمال.
الثالث: لو قال ” لا وطأت كل واحدة منكن ” كان مؤليا من كل واحدة كما لو آلى من كل واحدة بانفرادها فمن طلقها وفاها حقها ولم ينحل اليمين عن البواقي فإنها بمنزلة أن يؤلي من كل منهن منفردة، وكذا لو وطأها قبل الطلاق لزمته الكفارة وكان الايلاء باقيا في البواقي، كذا ذكر الأصحاب وغيرهم وهو مبني على أن يكون دخول (كل) بعد النفي يفيد عموم النفي مثل ” إن الله لا يحب كل مختال فخور ” (1) لكنه خلاف الظاهر لا يصار إليه إلا بالقرائن، فلا يفيد إلا
(1) سورة لقمان – آية 18.
[ 57 ]
نفي العموم كقوله (لا وطأتكن). ولو قال (لا وطأتك سنة إلا مرة) لم يكن عندنا مؤليا في الحال لأن له الوطء من غير تكفير، والايلاء لا ينعقد إلا إذا كان بحيث إذا وطأ لزمته الكفارة، خلافا لبعض العامة، فإن وطأ وقد بقي من السنة أكثر من أربعة أشهر صح الايلاء وكان لها المرافعة وإلا بطل حكمه، ووحدة المرة وتعددها مبني على الايلاج والنزع الكامل، ولو لم يطأها في السنة أصلا لم تلزمه كفارة، فإنه إنما خلف على عدم الوطء أكثر من مرة، واحتمل الوجوب بناء على أنه حلف على كل من النفي والاثبات.
الرابع: لو قال ” لا جامعتك إلا عشر مرات ” لم يكن مؤليا ما لم يستوف العدد، فإذا استوفى كان مؤليا إن بقيت من السنة المدة أي أزيد من أربعة أشهر. ولو قال ” والله لا جامعتك مدة كذا إن شئت ” فقال شئت انعقد الايلاء عند مجوزي تعليقه بالشرط، والأقوى عدمه، وعلى الجواز فهل تختص المشيئة بالمجلس ؟ ففي المبسوط: أنه الأقوى عندنا ليكون جوابا لكلامه كالقبول في البيع. وفيه نظر، لأنه ليس الايلاء مشروطا فلا يتوقف إلا على تحقق شرطه، ولا دليل على اتحاد المجلس، فمتى وجد الشرط تحقق الايلاء، وأما احتمال تعلق المشيئة ببقية المدة عندنا خيرها فلا يتحقق الشرط، مثلا إذا قال ” لا جامعتك سنة إن شئت ” كان المعنى إن شئت لااجامعك في السنة، فإن مضت أيام أو شهور ثم قالت ” شئت أن لاتجامعني ” لم يفهم منه تعلق المشيئة بما مضى من الزمان، وإن قالت ” كنت قد شئت ذلك حين قلت وإن لم اصرح به ” لم يقبل منه لأنه إقرار في حق الغير، وهذا هو المختار وفاقا لتحرير.
الركن الثالث في الصيغة: ولا ينعقد عندنا إلا بأسماء الله تعالى لقوله صلى الله على واله في المستفيضة (1) (من كان
(1) صحيح مسلم ج 11 ص 106 ح 3.
[ 58 ]
حالفا فليحلف بالله أو فليصمت “. وفي صحيحة محمد بن مسلم (1) كما في العياشي ” قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: لا تتبعوا خطوات الشيطان، قال: كل يمين بغير الله فهو من خطوات الشيطان “. وفيه في الصحيح عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله (2) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: كل يمين بغير الله فهو من خطوات الشيطان “. وفي خبر السكوني (3) عن علي عليه السلام ” قال: إذا قال الرجل: أقسمت أو حلفت فليس بشئ حتى يقول أقسمت بالله أو حلفت “. وفي صحيحة علي بن مهزيار (4) كما في الفقيه عن أبي جعفر الثاني عليه السلام في حديث ” قال: إن الله عز وجل يقسم من خلقه بما شاء وليس لخلقه أن يقسموا إلا به عز وجل “. وفي صحيحة محمد بن مسلم (5) كما في الكافي عن أبي جعفر عليه السلام ” قال في حديث: إن لله عز وجل أن يقسم من خلقه بما شاء وليس لخلقه أن يقسموا إلا به “. وصحيحة الحلبي (6) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: لا أرى للرجل أن يحلف إلا بالله “. وفي خبر سماعة (7) عن أبي عبد الله عليه السلام: ” قال: لا أرى للرجل أن يحلف إلا بالله “.
تفسير العياشي ج 1 ص 74 ح 150، الوسائل ج 16 ص 142 ب 16 ح 4 وفيهما ” فهى من خطوات “. (2) تفسير العياشي ج 1 ص 73 ح 249 وفيه ” سألت أبا عبد الله عن رجل حلف أن ينحر ولده، فقال: ذلك من خطوات الشيطان “، الوسائل 16 ص 142 ب 15 ح 5. (3) التهذيب ج 8 ص 301 ح 111، الوسائل ج 16 ص 142 ب 15 ح 3. (4) الفقيه ج 3 ص 236 ح 51، لوسائل ج 16 ص 159 ب 30 ح 1. (5) الكافي ج 7 ص 449 ح 1، الوسائل ج 16 ص 160 ب 30 ح 3. (6) الكافي ج 7 ص 449 ح 2، الوسائل ج 16 ص 160 ب 30 ح 4. (7) الكافي ج 7 ص 450 ح 3، الوسائل ج 16 ص 160 ب 30 ح 5.
[ 59 ]
وهذه الأخبار مستفيضة، وقد دلت بعمومها على المنع في الايلاء وغيره من الأقسام أن يقع بغير الله، ويدل عليه بالخصوص في الايلاء صحيحة الحلبي (1) عن أبي عبد الله عليه السلام أنه ” قال: والايلاء أن يقول والله لااجامعك كذا وكذا والله لأغضبنك ثم يغاضبها “. ورواية أبي الصباح الكناني (2) ” قال: الايلاء ان يقول الرجل لامرأته والله لأغضبنك ولأسوأنك ثم يغضبها ولا يجامعها “. وصحيحة ليث المرادي (3) عن أبي عبد الله عليه السلام وقد تقدمت مرارا ” قال: سألته عن الايلاء ما هو ؟ قال: أن يقول الرجل لامرأته والله لا اجامعك كذا وكذا، ويقول والله لاغضبنك فيتربص “. وخبر أبي بصير (4) ” قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إذا آلى الرجل من امرأته – والايلاء أن يقول والله لا اجامعك كذا وكذا – ثم يغاضبها “. والنصوص بهذا مستفيضة، فيحمل ما اطلق فيه الحلف من الأخبار على ذلك ولابد من التلفظ بالجملة القسمية، فلو قال لأتركن وطؤك لم يقع وإن أتى باللام الموطية إتباعا للمنصوص، ويقع بأي لسان كان للعموم، ولا يقع إلا مع القصد لأن الأعمال بالنيات ولخبر رفع الخطأ والنيسان وما استكر هو اعليه، ولو حلف بغير الله تعالى أو بغير أسمائه المختصة أو الغالبة لم ينعقد كما لو حلف بالعتاق والظهار والصدقة والتحريم.
(1) الكافي ج 6 ص 130 ح 2 وفيه ” لا والله لااجامعك ويقول والله “، الوسائل ج 15 ص 539 ب 8 ح 1 وفيهما ” والله لاغيضنك “. (2) الكافي ج 6 ص 132 ح 7، الوسائل ج 15 ص 542 ب 9 ح 3 وفيهما ” لاغيضنك ثم يهجرها “. (3) الكافي ج 6 ص 132 ح 9، الوسائل ج 15 ص 541 ب 9 ح 1 وفيهما ” فقال: هو أن – لاغيضنك “. (4) الكافي ج 6 ص 131 ح 3، الوسائل ج 15 ص 542 ب 9 ح 2 وفيهما ” والله لاغيضنك “.
[ 60 ]
ويدل على الأول خبر أبي الصباح الكناني (1) 0 قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قوله تعالى ” لا يؤاخذكم الله باللغو في إيمانكم ” (2) قال: هو لا والله وبلى والله وكلا والله لا يعقد عليها أو لا يعقد على شئ “. وخبر مسعدة بن صدقة (3) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: سمعته يقول في قول الله عز وجل ” لا يؤاخذ كم الله باللغو في إيمانكم ” اللغو قول الرجل لا والله وبلى والله ولا يعقد على شئ “. وصحيحة عبد الله بن سنان (4) كما في تفسير العياشي عن أبي عبد الله عليه السلام مثله. ويدل على الثاني ما في نوادر أحمد بن محمد بن عيسى (5) في الصحيح عن أبي الحسن عليه السلام ” قال: سألته عن الرجل يستكره على اليمين ويحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك، أيلزمه ذلك ؟ فقال: لا، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله، وضع عن امتي ما اكرهوا عليه وما لا يطيقون وما اخطأوا “. وفي رواية السكوني (6) كما في التهتذيب عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام ” قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله: كل يمين فيها كفارة إلا ما كان من طلاق أو عتاق أو أو عهد أو ميثاق “. وفي صحيحة الحلبي (7) كما في الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث ” قال: سألته
(1) تفسير العياشي ج 1 ص 112 ح 341، الوسائل ج 16 ص 145 ب 17 ح 5. (2) سورة البقرة – آية 225. (3) الكافي ج 7 ص 443 ح 1، الوسائل ج 16 ص 144 ب 17 ح 1. (4) تفسير العياشي ج 1 ص 336 ح 163 وفيه ” هو قول الرجل – ولا يعقد قلبه “، الوسائل ج 16 ح 144 ب 17 ح 1. (5) الوسائل ج 16 ص 144 ب 16 ح 6. (6) التهذيب ج 8 ص 292 ح 73، الوسائل ج 16 ص 140 ب 14 ح 7. (7) الكافي ج 7 ص 441 ح 12، الوسائل ج 16 ص 141 ب 15 ح 1 وفيهما ” الذى يوفى به “.
[ 61 ]
عن امرأة جعلت مالها هديا لبيت الله إن أعارت متاعها لفلانة، فأعار بعض أهلها بغير أمرها، فقال: ليس عليه هدي، إنما الهدي ما جعل الله هديا للكعبة، فذلك الذي يؤتى به إذا جعل لله ” وساق الحديث إلى أن قال: ” وعن الرجل يقول علي ألف بدنة وهو محرم بألف حجة، قال: ذلك من خطوات الشيطان “. أما لعمر الله وقوله لاها الله فذلك داخل في اليمين، ومثله وأيم الله فينعقد به الايلاء لصحيحة الحلبي (1) عن أبي عبد الله عيله السلام قال: لاأرى للرجل أن يحلف إلا بالله ” وساق الحديث إلى أن قال: ” فأما قوله لعمر الله وقوله لاها الله فإنما ذلك بالله تعالى). وفي صحيحتة الاخرى (2) كما في الفقيه ” فأما قولك لرجل لعمر الله وايم الله فإنما هو بالله “. ومثله رواية علي بن جعفر (3) وصحيحته كما في قرب الأسناد وكتاب المسائل له. وكذا لا ينعقد بالكعبة والنبي صلى الله عليه واله والأئمة عليهم السلام وإن أثم بهتكه حرمة أسمائهم، وكذا بالتزام صوم أو صلاة أو صدقة وغير ذلك كأن يقول: إن أوطأتك فعلي صوم لم ينعقد الايلاء ولاوجب ما التزمه إذ ليس من صيغ الالتزام. وكذا لا ينعقد إن أتى بصيغة الالتزام بأن يقول مثلا: إن وطأتك علي صلاة أو صوم فإنه ليس من الايلاء في شئ، لكن يلزمه ما التزمه حيث يكون هذا النذر مستجمع الشرائط، ولو قال: إن وطأتك فعبدي حر عن الظهار لم يكن إيلاء قصد به إنشاء التحرير معلقا بالوطء أولا ظاهرأم لا، لكن لو وطأ الزم بعتق العبد لاقراره بعتقه عن الظهار، فإن كلامه في صورة الخبر فهو إقرار بالظهار وبأنه التزم
(1) الكافي ج 7 ص 449 ح 2، الوسائل ج 16 ص 160 ب 30 ح 4. (2) الفقيه ج 3 ص 230 ح 16، الوسائل ج 16 ح 160 ب 30 ح 4. (3) قرب الاسناد ص 121، الوسائل ج 16 ص 160 ب 30 ح 4.
[ 62 ]
عتق العبد عنه إن وطأها فيؤاخذ بإقراره. وهل يلزم بعتقه معجلا بعد الوطء ؟ الأقرب المنع وفاقا للقواعد لأن الظهار لا يوجب الالتزام بالتكفير إلا مع مطالبتها، وإذا وطأ لم تبق مطالبة ثم لا يوجب الالتزام بعتق عبد بعينه، والتزام الاعتاق إن وطأها لا يفضى إليه بعبده، ويحتمل الالتزام لأن كفارة الظهارة تصير معجلة بالوطء، وقد تعينت هنا في عتق هذا العبد بالالتزام، ولأن الالتزام إذا تعلق بحق الغير لزمت المبادرة إليه والعتق كذلك، ويجوز أن يريد بالتعجيل الايقاع بعد الوطء بعد مدة التربص للظهار أو عند العزم على الوطء. ووجه القرب أنه لا يتعين عليه بالظهار عتق هذا العبد وإنما التزم عتقه بعد الوطء فإنما يتعين بعده، واحتمال أن لا يكون ظاهرا إلا معلقا بالوطء. وهل يشترط تجريد هذه الصيغة عن الشرط ؟ قولان، أقواهما العدم وفاقا للمبسوط والمختلف أخذا بعموم الكتاب والسنة، فهو أشبه شئ بالظهار، وقد ثبت فيه جواز التعليق، ولا يقاس على الطلاق والعتاق حيث لا يقعان معلقين بصفة معينة لأنه منعنا منه النص والاجماع، وليس هاهنا ما يمنع منه، والظواهر تتناوله ولأنهما إيقاعان والتعليق ينافي الايقاع والايلاء يمين والتزام. والقول الآخر للشيخ في الخلاف وابن حمزة وابن زهرة وابن إدريس وابن سعيد والعلامة في التحرير والارشاد والتلخيص للاجماع المنقول في الخلاف وللأخبار التي ادعاها فيه أيضا ولأصالة البراءة عند التعليق، ولعل المراد بالأخبار ما تضمنت تفسير الايلاء وليس في شئ منها تعليقه بشرط أو صفة، وبالاجماع للاجماع على وقع غير معلق، ولا دليل على وقوعه مشروطا، لكن ابن زهرة ادعى الاجماع على اشتراط التجريد وهو ظاهر السرائر، ولو آلى من زوجة مستكملا للشرائط وقال للاخرى شركتك معها لم يكن إيلاء في الثانية وإن نواه لعدم نطقه بالله تعالى، ولاعبرة بالكناية في الوطء إذ لا يمين إلا بصريح اسمه تعالى.
[ 63 ]
الركن الرابع في متعلق الصيغة: ولفظه الصريح بالنسبة إلى المحلوف عليه وهو تغييب الحشفة أو الفرج أو مرادفاته في الفرج و هو القبل وذكر الحشفة اختصارا على أقل المسمى والايلاج كذلك أو مرادفاته ومثله النيك، وتختص البكر بالافتضاض، ونفاه في المبسوط والخلاف بناء على اشتراط الدخول، وفيه أن الدخول المشترط يحصل بالوطء في الدبر ولا دليل على اشتراط القبل. نعم يجوز المناقشة فيه بنفي صراحة لكون الافتضاض يعم ما بالوطء أو الاصبع ونحوه ذلك. أما الجماع والوطء فإنه صريح في العرف وإن لم يكن حقيقة في الأصل في ذلك فيقع معه الايلاء إن قصد، والأخبار الناطقة بالجماع كثيرة، و قد مر كثير منها. ففي صحيحة ابن مسكان كما في تفسير القمي عن ليث المرادي (1) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: الايلاء هو أن يحلف الرجل على امرأته أن لا يجامعها ” الحديث. ومثلها صحيحته الاخرى (2) وقد تقدمت أيضا وفيها ” الايلاء هو أن يقول الرجل لامرأته والله لااجامعك كذا وكذا “. وخبر أبي بصير (3) وفيه ” والايلاء هو أن يقول والله لا اجامعك كذا وكذا ثم يغاضبها “. وخبر سماعة (4) وقد تقدم وفيه ” الايلاء أن يقول الرجل لامرأته لا اجامعك كذا وكذا “. وصحيحة الحلبي (5) ” قال: الايلاء أن يقول والله لا اجامعك كذا وكذا “.
(1) تفسير القمى ج 1 ص 73، الوسائل ج 15 ص 541 ب 8 ح 6. (2) الكافي ج 6 ص 132 ح 9، الوسائل ج 15 ص 541 ب 9 ح 1. (3) الكافي ج 6 ص 131 ح 3، الوسائل ج 15 ص 542 ب 9 ح 2. (4) التهذيب ج 8 ص 8 ح 24، الوسائل 15 ص 542 ب 9 ح 4. (5) الكافي ج 6 ص 130 ح 2، الوسائل ج 15 ص 539 ب 8 ح 1.
[ 64 ]
ومثلها صحيحته الاخرى (1) كما في الفقيه. وبالجملة: فالأخبار بهذا المضمون مستفيضة. أما المباضعة والملامسة والمباشرة مع النية ففيها خلاف أقربه الوقوع وفاقا للمبسوط والخلاف والسرائر لاشتهارها في ذلك المعنى وورود الأخبار بالوقوع بأخفى منها كما سيجئ، ويحتمل العدم للأصل الخفاء فإنها وإن اشتهرت في ذلك لكنها ليست نصا فيه، أما الأخيرتان فظاهرتان، وأما الاولى فلأنها من البضع أي الشق أو البضعة أي الطائفة من اللحم لما في الجماع من نوع شق ومباشرة بضعة ببضعة. وفيه نظر فإنها وإن أشتقت من ذلك لكنها لا تستعمل إلا في الجماع فلا تكون أخفى من الجماع، ولو قال ” لاجمع رأسي ورأسك مخدة أو لاساقفتك أو لاطيلن غيبتي عنك ولأسوأنك ” ففي المبسوط والشرايع يقع مع القصد وهو خيرة التحرير والتلخيص والمختلف كصحيحة بريد بن معاوية (2) عن الصادق عليه السلام ” قال: إذا آلى الرجل أن لا يقرب امرأته ولا يمسها ولا يجتمع رأسه ورأسها فهو في سعة ما لم تمض أربعة أشهر ” الحديث. وفي خبر الصباح الكناني (3) عن الصادق عليه السلام ” قال: الايلاء أن يقول الرجل لامرأته: والله لاغيضنك ولأسوانك “. وفي صحيحة الحلبي (4) وخبر أبي بصير (5) المتقدمين ” الايلاء أن يقول: لا والله لا اجامعك كذا وكذا والله لاغيضنك “. وفي السرائر أنه لا يقع، وهو خيرة الارشاد للأصل مع الخفاء وخصوص
(1) الفقيه ج 3 ص 339 ح 1، الوسائل ج 15 ص 539 ب 8 ح 1. (2) الكافي ج 6 ص 130 ح 1، الوسائل ج 15 ص 543 ب 10 ح 1. (3) الكافي ج 6 ص 132 ح 7، الوسائل ج 15 ص 542 ب 9 ح 3. (4) الكافي ج 6 ص 130 ح 2، الوسائل ج 15 ص 539 ب 8 ح 1. (5) الكافي ج 6 ص 131 ح 3، الوسائل ج 15 ص 542 ب 9 ح 2.
[ 65 ]
اللفظ الأول، وزاد في التحرير الوقوع بقوله لا أجنبت منك أو لا أغتسل منك وأراد لا أجامعك لأغتسل أولا اجامعك إلا في الدبر ولا اغب الحشفة أجمع، ولو قال ” لا وطأتك في الحيض ولا في النفاس أو في دبرك ” فهو محسن وليس بمؤول وما على المحسنين من سبيل.
المقصد الثاني
في أحكامه
وفيه مسائل:
الاولى: إذا وقع الايلاء على الوجه المعتبر الجامع للشرائط المعتبرة كما دلت عليه الصحاح المعتبرة فإن صبرت فلا بحث، وإن رفعت أمرها إلى الحاكم أنظره أربعة أشهر لينظر في أمره، فإن وطأ لزمته الكفارة وخرج عن الايلاء فلا يجب عليه بالوطء مرة اخرى كفارة، وإن أتى به مؤبدا أو كان الوطء الثاني في مدة الايلاء اتفاقا لحصول الحنث فلا يحصل مرة اخرى وإن أمكن أن يقال تعلق اليمين بكل جزء من أجزاء المدة والحنث في الوطء في جزء غيره بالوطء في جزء آخر، وكذا يخرج عنه إن طلقها وليس للزوجة مطالبته بالفئة أو الطلاق في هذه المدة، وهذه الأحكام كلها متفق عليها، وقد دلت عليها الأخبار الكثيرة وقد تقدم طائفة منها. ففي صحيحة بريد بن معاوية العجلي (1) عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام ” إنهما قالا: إذا آلى أن لا يقرب من امرأته فليس لها قول ولا حق في أربعة أشهر ولا إثم عليه في كفه عنها في الأربعة الأشهر، فإن مضت الأربعة الأشهر قبل أن يمسها فسكتت ورضيت فهوفي حل وسعة، فإن رفعت أمرها قيل له: إما أن تفئ فتمسها وإما أن تطلق، وعزم الطلاق أن يخلي عنها، فإذا حاضت وطهرت طلقها وهو أحق برجعتها ما لم تمض ثلاثة قروء لهذا الايلاء الذي أنزل الله تعالى
(1) الكافي ج 6 ص 131 ح 4، الوسائل ج 15 ص 536 ب 2 ح 1 وفيهما اختلاف يسير.
[ 66 ]
في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه واله “. وفي صحيحة الحلبي (1) المروية في طرق عديدة وقد تقدمت عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قد مر صدره وفيه ” فإنه يتربص به أربعة أشهر، فإذا فاء – وهو أن يصالح أهله – فإن الله غفور رحيم، وإن لم يف اجبر على الطلاق، ولا يقع بها طلاق حتى يوقف وإن كان أيضا بعد الأربعة الأشهر، ثم يجبر على أن يفئ أو يطلق “. وصحيحة أبي بصير (2) عن أبي عبد الله عليه السلام كما في تفسير القمي ” قال: الايلاء هو أن يحلف الرجل على امرأته أن لا يجامعها، فإن صبرت عليه فلها أن تصبر، وإن رفعته إلى الامام أنظره أربعة أشهر، ثم يقول له بعد ذلك: إما أن ترجع إلى المناكحة ” الحديث. وصحيحة الاخرى (3) كما في الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال سألته عن الايلاء ما هو ؟ ” فساق الحديث كما تقدم إلى أن قال: ” فيتربص بها أربعة أشهر ثم يؤخذ فيوقف بعد الأربعة أشهر، فإن فاء – وهو أن يصالح أهله – فإن الله غفور رحيم، وإن لم يف اجبر على الطلاق ” الحديث. وخبر أبي بصير (4) ” قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إذا آلى الرجل من امرأته ” وساق الحديث كما تقدم إلى أن قال: ” ثم يتربص بها أربعة أشهر، فإن فاء والايفاء أن يصالح أهله أو يطلق عند ذلك “. وخبر أبي الصباح الكناني (5) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: سألته عن رجل
(1) الكافي ج 6 ص 130 ح 2، الوسائل ج 15 ص 539 ب 8 ح 1 وفيهما ” ولا يقع بينهما ” مع اختلاف يسير. (2) تفسير القمى ج 1 ص 73، الوسائل ج 15 ص 541 ب 8 ح 6. (3) الكافي ج 6 ص 132 ح 9، الوسائل ج 15 ص 541 ب 9 ح 1. (4) الكافي ج 6 ص 131 ح 3، الوسائل ج 15 ص 542 ب 9 ح 2. (5) الكافي ج 6 ص 132 ح 7، الوسائل ج 15 ص 542 ب 9 ح 3.
[ 67 ]
آلى من امرأته ” وساق الحديث إلى أن قال: ” إذا مضت أربعة أشهر وقف وإن كان بعد حين، فإن فاء فليس بشئ وهي امرأته، وإن عزم الطلاق فقد عزم. وقال: الايلاء أن يقول الرجل لامرأته والله لاغيضنك ولأسوأنك ثم يهجرها ولا يجامعها حتى تمضي أربعة أشهر فقد وقع الايلاء، وينبغي للامام أن يجبره على أن يفئ أو يطلق “. ومثله خبر سماعة (1) وفيه ” والايفاء أن يصالح أهله أو يطلق، فإن لم يفعل جبر على ذلك “. وفي خبر أبي مريم (2) عن أبي جعفر عليه السلام ” قال: المؤلي يوقف بعد الأربعة الأشهر فإن شاء أمسك بمعروف أو أسرح بإحسان، فإن عزم الطلاق فهي واحدة “. وأما ما جاء في خبر أبي الجارود (3) ” أنه سمع أبا جعفر عليه السلام يقول في الايلاء: يوقف بعد سنة، فقلت: بعد سنة ؟ فقال: نعم يوقف بعد سنة ” فلا ينافي ما قدمناه لأنه لم يذكر أنه قبل ذلك لم يوقف وإنما يدل بمفهوم الخطاب، ودليل الخطاب لا يعارض الصريح. وكذا ما في خبر أبي مريم (4) ” أنه سأله عن رجل آلى من امرأته أنه قال: يوقف قبل الأربعة الأشهر وبعدها ” فيجب حمله على ما قاله الشيخ من أنه يوقف قبل أربعة أشهر لضرب المدة لا لالزامه بالطلاق والفئة، وجوز حمله على اجتماع الظهار والايلاء لأنه مدة الظهار ثلاثة أشهر. وأما ما في خبر عثمان بن عيسى (5) عن أبي الحسن عليه السلام ” أنه سأله عن رجل
(1) التهذيب ج 8 ص 8 ح 24، الوسائل ج 15 ص 542 ب 9 ح 4 وفيهما ” أن يصالح أهله فان الله غفور رحيم وان لم يف بعد أربعة أشهر حتى يصالح أهله أو يطلق جبر “. (2) التهذيب ج 8 ص 5 ح 8، الوسائل ج 15 ص 543 ب 10 ح 2 وفيهما اختلاف يسير. (3) التهذيب ج 8 ص 5 ح 9، الوسائل ج 15 ص 540 ب 8 ح 2. (4) التهذيب ج 8 ص 5 ح 10، الوسائل ج 15 ص 540 ب 8 ح 3. (5) التهذيب ج 8 ص 8 ح 23، الوسائل ج 15 ص 540 ب 8 ح 4.
[ 68 ]
آلى من امرأته متى يفرق بينهما ؟ قال: إذا مضت أربعة أشهر “.
الثانية: لو وطأ في مدة التربص وهي الأربعة الأشهر المضروبة له لزمته الكفارة إجماعا، وكذا بعدها وفاقا للخلاف والنهاية والشرايع والبيان ومجمع البيان وتفسير روض الجنان وأحكام القرآن للراوندي وهو ظاهر الأكثر. وحكى الشيخ في الخلاف عليه الوفاق المخالفة اليمين فتشمله العمومات ولخبر منصور بن حازم (1) عن أبي عبد الله عليه السلام ” في رجل آلى من امرأته أربعة أشهر يوقف فإن طلق بانت منه وعليها عدة المطلقة، وإلا كفر عن يمينه وأمسكها “. ومرسل تفسير العياشي (2) عن أبي عبد اله عليه السلام ” سئل: إذا بانت المرأة من الرجل هل يخطبها مع الخطاب ؟ قال: يخطبها على تطليقتين ولا يقربها حتى يكفر عن يمينه “. وما ارسل عن الصادق عليه السلام كما في الكتب المعتمدة ” قال: إذا فاء المؤلي فعليه الكفارة “. وخالف الشيخ في المبسوط فنفى الكفارة بعد الأربعة، وربما كان وجهه أن المؤلي قد صار بعد المدة مأمورا بالوطء ولو تخيرا فلا تجب بفعله كفارة، لأن المحلوف عليه إذا كان تركه أرجح جازت المخالفة من غير كفارة، ويضعف بأن يمين الايلاء تخالف غيرها من الأيمان في هذا المعنى ومن ثم انعقدت ابتداء وإن كان تركه أرجح أو كان واجبا كما لو آلى في وقت يجب فيه الوطء.
الثالثة: لو وطأ ساهيا أو مجنونا أو مشتبهة بغيرها بطل الايلاء وانحل يمينه – كما في المبسوط – لحصول المخالفة واشتراط القصد غير معلوم وإن لم يحنث بذلك، وجعله في المبسوط نظير أن الذمية إذا كانت تحت مسلم وانقطع
(1) التهذيب ج 8 ح 21، الوسائل ج 15 ص 547 ب 12 ح 3 وفيهما اختلاف يسير. (2) تفسير العياشي ج 1 ص 113 ح 347، الوسائل ج 15 ص 547 ب 12 ح 4 وفيهما ” يكفر يمينه “.
[ 69 ]
حيضها كلفت الاغتسال، فإذا فعلت حل له وطؤها وإن كان هذا الغسل لا يجزيها في حق الله وإن أجزأ في حق الآدمي، وقد يقال بعدم الانحلال لخروج مثل ذلك من متعلق اليمين كخروج الوطء في الدبر ولا كفارة عليه بهذا الحلف اتفاقا لعدم الحنث ولا بما يفعله بعده عامدا على ما اختاره لانحلال اليمين، وربما يقال عليه الكفارة بعد ذلك وإن قلنا ببطلان الايلاء بناء على بناء بطلان الايلاء على أنه ليس لها المطالبة بالفعل لأنه وفاها حقها لكنه لم يحنث وعليه الكفارة إذا حنث.
الرابعة: لافرق بين الحر والعبد ولا بين الحرة والأمة في مدة التربص في إطلاق الكتاب والسنة والاجماع عندنا، خلافا لمالك في العبد ولأبي حنيفة في الأمة فينصفان المدة وهي حق للزوج كما تدل عليه الآية والرواية، فليست محلا للفئة كما دلت عليها الأخبار المتقدمة المستفيضة فإن فارقها فيها فقد أحسن وإنما وقت الفئة ما بعدها، ثم إنها إذا انقضت لم تطلق بانقضائها، خلافا لأبي حنيفة فقد جعل المدة وقت الفئة وقال: إذا لم يف فيها طلقت تطليقة بائنة. وكأن موثقة أبي بصير (1) عن أبي عبد الله عليه السلام كما في التهذيب ” في الرجل يؤلي من امرأته فمكث أربعة أشهر فلم يف فهي تطليقة ثم يوقف، فإن فاء فهي عنده على تطليقتين، فإن عزم فهي بائنة منه ” وخبر منصور بن حازم (2) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: المؤلي إذا وقف فلم يف طلق تطليقة بائنة ” قد جاءتا تقية لموافقتهما مذهب أبي حنيف في كل من الأمرين، أعني أن انقضاء المدة تطليقة والطلاق الذي يوقعه بعد المدة لا يكون إلا بائنا. وقد سمعت في صحيحة بريد العجلي (3) التي مر صدرها ما ينفي ذلك كله
(1) التهذيب ج 8 ص 4 ح 7، الوسائل ج 15 ص 544 ب 10 ح 4. (2) التهذيب ج 8 ص 4 ح 6، الوسائل ج 15 ص 544 ب 10 ح 5. (3) التهذيب ج 8 ص 3 ح 3، الوسائل ج 15 ص 543 ب 10 ح 1.
[ 70 ]
حيث قال: ” فهو في سعة ما لم تمض الأربعة الأشهر فإذا مضت أربعة أشهر وقف، فإما يفي فيمسها وإما أن يعزم على الطلاق فيخلي عنها، حتى إذا حاضت وتطهرت من حيضها طلقها تطليقة قبل أن يجامعها بشهادة عدلين، ثم هو أحق برجعتها ما لم تمض الثلاثة الأقراء “. وكذلك خبر أبي مريم (1) عن أبي جعفر عليه السلام ” قال: المؤلي يوقف بعد الأربعة أشهر، فإن شاء أمسك بمعروف أو سرح بإحسان، فإن عزم الطلاق فهي واحدة وهو أملك برجعتها “. وأما ما في صحيحة منصور بن حازم (2) ” قال: إن المؤلي يجبر على أن يطلق تطليقة بائنة ” وفي الكافي بعد هذا الكلام وعن غير منصور ” أنه يطلق تطليقة يملك الرجعة، فقال له بعض أصحابه: إن هذا منتقض، فقال: لا، التي تشكو فتقول تخيرني وتمنعني من الزوج يجبر على أن يطلقها تطليقة بائنة، والتي تسكت ولا تشكوا إن شاء طلق فيها تطليقة يملك فيها الرجعة “. ورواه الشيخ في الخلاف واقتصر على رواية منصور وحذف الرواية الاخرى والتوجيه، ثم حمله على من يرى الامام إجباره على طلاق بائن بأن يباريها ثم يطلقها، وأن يكون مختصا بمن تكون عند الرجل على تطليقة واحدة فيكون طلاقها بائنا. واحتمل محدث الوسائل كون لفظ البائن مستعملا في المعنى اللغوي فإن كل طلاق فهو بائن يوجب التحريم على الزوج ما لم يرجع. وهذه المحامل كلها بعيدة، فالأليق بها الحمل على التقية.
الخامسة: يستفاد من صحيحة الحلبي وصحيحة ليث المرادي ورواية أبي بصير وغيرها من الأخبار بأن المؤلي لو أراد طلاق الزوجة لم يكن له ذلك إلا بعد
(1) التهذيب ج 8 ص 5 ح 8، الوسائل ج 15 ص 543 ب 10 ح 2 وفيهما اختلاف يسير. (2) الكافي ج 6 ص 131 ح 5، الوسائل ج 15 ص 544 ب 10 ح 3.
[ 71 ]
المرافعة وإن كان بعد الأربعة الأشهر، حيث قال في الاولى (1) ” ولا يقع بها طلاق حتى يوقف وإن كان بعد الأربعة الأشهر ثم يجبر على أن يفئ أو يطلق “. وفي صحيحة ليث المرادي (2) ” ولا يقع طلاق فيما بينهما ولو كان بعد أربعة أشهر ما لم ترفعه إلى الامام “. وفي رواية أبي بصير (3) ” ولا يقع بينهما طلاق حتى يوقف وإن كان بعد الأربعة الأشهر “. وفي رواية سماعة (4) ” ولا يقع طلاق فيما بينهما حتى يوقف وإن كان بعد الأربعة الأشهر، فإذا أبى فرق بينهما الامام “.
السادسة: لو آلى مدة ودافع بعد المرافعة حتى انقضت سقط الايلاء وإن أثم ولا كفارة مع الوطء بعدها، ولو أسقطت حقها من المطالبة لم تسقط بالكلية حتى لا يجوز لها تجديدها لتجدده في كل وقت، وهي إنما أسقطت ما مضى أذ لا معنى لا سقاط ما لم يثبت في الذمة.
السابعة: قد اختلفت كلمة الأصحاب في مبدأ المدة المضروبة للايلاء وهي الأربعة أشهر، ففي النهاية والمبسوط والغنية والسرائر والجامع وظاهر غيرها أ يضا أنها من حين الترافع لامن حين الايلاء، وظاهر المبسوط الاجماع عليه. وقال ابن أبي عقيل وابن الجنيد إنها من حين الايلاء، واختاره في المختلف وولده في شرح القواعد وإليه مال المحقق واختاره في المسالك. واحتج للأول بخبر العباس بن هلال (5) المروي في العياشي عن الرضا عليه السلام ” قال: إن أجل الايلاء أربعة أشهر بعدما يأتيان السلطان “.
(1) الكافي ج 6 ص 130 ح 2، الوسائل ج 15 ص 539 ب 8 ح 1 وفيهما ” ولا يقع بينهما ” مع اختلاف يسير. (2) الكافي ج 6 ص 132 ح 9، الوسائل ج 15 ص 541 ب 9 ح 1. (3) الكافي ج 6 ص 131 ح 3، الوسائل ج 15 ص 542 ب 9 ح 2. (4) التهذيب ج 8 ص 8 ح 24، الوسائل ج 15 ص 542 ب 9 ح 4. (5) تفسير العياشي ج 1 ص 113 ح 346، الوسائل ج 15 ص 541 ب 8 ح 7 وفيهما ” قال: ذكر لنا أن أجل “.
[ 72 ]
وبصحيحة أبي بصير (1) كما في تفسير القمي عن الصادق عليه السلام وقد تقدمت لقوله عليه السلام فيها ” وإن رفعته إلى الامام أنظره أربعة أشهر، ثم يقول له بعد: إما أن تراجع إلى المناكحة وإما أن تطلق، فإن أبى حبسه أبدا “. وصحيحة البزنطي (2) كما في قرب الأسناد عن الرضا عليه السلام ” قال: سألته عن الايلاء فقال عليه السلام: أن يوقف إذا قدمته إلى السلطان فيوقفه السلطان أربعة أشهر ثم يقول له: أما أن تطلق وأما أن تمسك “. واحتج للقول الثاني بإطلاق القرآن وإطلاق الأخبار وبخصوص صحيحة بريد بن معاوية (3) عن الصادق عليه السلام قال: لا يكون إيلاء ” وساق الخبر إلى أن قال: ” وهو في سعة ما لم تمض الأربعة الأشهر، فإذا مضت أربعة أشهر وقف، فإما أن يفئ وإما أن يعزم على الطلاق “. وصحيحة الحلبي (4) وقد مر ذكرها بطرق عديدة عن أبي عبد الله عليه السلام وفيهما ” لكنه يتربص به أربعة أشهر فيوقف فإذا فاء – وهوأن يصالح أهله – فإن الله غفور رحيم وإن لم يف اجبر على الطلاق “. وخبر أبي الصباح الكناني (5) وفيه ” ولا يجامعها حتى تمضي أربعة أشهر فقد وقع الايلاء، وينبغي للامام أن يجبره أما أن يفئ أو يطلق “. وقال فيه أيضا بعد ما
(1) تفسير القمى ج 1 ص 73، الوسائل ج 15 ص 541 ب 8 ح 6 وفيهما ” له بعد ذلك ” مع اختلاف يسير. (2) قرب الاسناد ص 159، الوسائل ج 15 ص 541 ب 8 ح 5 وفيهما ” سأله صفوان وأنا حاضر “. (3) الكافي ج 6 ص 130 ح 1، الوسائل ج 15 ص 543 ب 10 ح 1 وفيهما ” فاما أن يفئ فيمسها واما “. (4) الكافي ج 6 ص 130 ح 2، الوسائل ج 15 ص 539 ب 8 ح 1 وفيهما اختلاف يسير. (5) الكافي ج 6 ص 132 ح 7، الوسائل ج 15 ص 532 ب 9 ح 3.
[ 73 ]
سئل عن رجل آلى من امرأته بعد ما دخل بها ” قال: إذا مضت أربعة أشهر وقف وإن كان بعد حين “. وخبر أبي بصير (1) ” قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: الايلاء أن يقول والله لا اجامعك كذاوكذا ثم يغاضبها، ثم يتربص بها أربعة أشهر، فإن فاء وهو وهو أن يصالح أهلهأو يطلق عند ذلك “. وصحيحة ليث المرادي (2) كما في التهذيب والكافي قد تقدم صدرها مرارا وفيها بعد صدور الايلاء ” فيتربص بها أربعة أشهر ثم يؤخذ فيوقف بعد الأربعة أشهر فأن فاء وهو أن يصالح أهله ” الحديث. وخبر سماعة (3) وفيه ” الايلاء أن يقول الرجل والله لا اجامعك كذا وكذا فإنه يتربص أربعة أشهر، فإن فاء والايفاء أن يصالح أهله أو يطلق “. وصيححة منصور (4) وخبره ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل آلى من امرأته فمرت أربعة أشهر، قال: يوقف فإن عزم الطلاق بانت منه وعليها عدة المطلقة وإلا كفر عن يمينه وأمسكها “. ومرسلة تفسير القمي (5) ” قال: وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه بنى حظيرة من قصب وجعل فيها رجلا آلى من امرأته بعد أربعة أشهر وقال: إما أن ترجع إلى المناكحة وإما أن تطلق “.
(1) الكافي ج 6 ص 131 ح 3، الوسائل ج 15 ص 542 ب 9 ح 2. (2) الكافي ج 6 ص 132 ح 9، التهذيب ج 8 ص 3 ح 4، الوسائل ج 15 ص 541 ب 9 ح 1. (3) التهذيب ج 8 ص 8 ح 24، الوسائل ج 15 ص 542 ب 9 ح 4. (4) التهذيب ج 8 ص 8 ح 21، الوسائل ج 15 ص 547 ب 12 ح 3. (5) تفسير القمى ج 1 ص 73، الوسائل ج 15 ص 546 ب 11 ح 6 وفيهما اختلاف يسير.
[ 74 ]
وخبر أبي مريم (1) عن أبي جعفر عليه السلام ” قال: المؤلي يوقف بعد الأربعة الأشهر فإن شاء أمسك بمعروف أو سرح بإحسان “. وصحيحة الحلبي الاخرى (2) قال: أيما رجل آلى من امرأته فإنه يتربص به أربعة أشهر ثم يؤخذ بعد الأربعة الأشهر ” إلى أن قال: ” فإن لم يف اجبر على الطلاق “. وفي الجعفريات (3) بإسنادها المشهور عن علي عليه السلام ” أنه كان يقول: إذا آلى الرجل من امرأته فلا شئ عليه حتى تمضي أربعة أشهر، فإن قامت المرأة تطلب إذا مضت الأربعة الأشهر وقف، فإما أن يفئ أو يطلق مكانه، وإن لم تقم المرأة تطلب حقها فليس لها شئ “. وفي صحيحة بريد بن معاوية (4) أيضا عن أبي جعفر عليه السلام وأبي عبد الله عليه السلام ” أنهما قالا: إذا آلى الرجل أن لا يقرب امرأته فليس لها قول ولاحق في أربعة أشهر ولا إثم عليه في كفه عنها في أربعة أشهر، فإن مضت الأربعة الأشهر قبل أن يسمها فسكتت ورضيت فهو في حل وسعة، وإن رفعت أمرها قيل له أما أن تفي فتمسها وإماأن تطلق، وعزم الطلاق أن يخلي عنها ” الحديث. وأما ما تقدم في خبر يونس بن يعقوب عن أبي مريم (5) من قوله عليه السلام ” قال: يوقف قبل الأربعة أشهر وبعدها ” فقد عرفت الجواب عنها من أنه يوقف لضرب المدة لا لالزامه.
(1) التهذيب ج 8 ص 5 ح 8، الوسائل ج 15 ص 543 ب 10 ح 2 وفيهما اختلاف يسير. (2) الفقيه ج 3 ص 339 ح 1، الوسائل ج 15 ص 539 ب 8 ح 1. (3) قرب الاسناد ص 115، مستدرك الوسائل ج 3 ص 30 ب 5 ح 1. (4) الكافي ج 6 ص 131 ح 4، الوسائل ج 15 ص 536 ب 2 ح 1. (5) التهذيب ج 8 ص 5 ح 10، الوسائل ج 15 ص 540 ب 8 ح 3.
[ 75 ]
ومثل هذا الأخبار في الدلالة على أن الأربعة من الايلاء خبر عثمان بن عيسى (1) عن أبي الحسن عليه السلام ” أنه عن رجل آلى من امرأته متى يفرق بينهما ؟ قال: إذا مضت أربعة أشهر وقف “. وبالجملة: فالأخبار بهذا المذهب مستفيضة مع مساعدتها بظاهر القرآن ولمطابقتها للمدة المضروبة في إيجاب النكاح للمرأة وهو الأربعة أشهر في غير الايلاء ولهذا يلزم بالنكاح بعد الأربعة أشهر وإن لم يكن مؤليا، وأما الأخبار الاولة فيمكن رجوعها إلى هذا المعنى لأنها لم تكن نصا في الأول. والذي يدل على إلزامه بذلك وإن لم يكن مؤليا صحيحة حفص بن البختري (2) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: إذا غاضت المرأة الرجل فلم يقربها من غير يمين أربعة أشهر استعدت عليه، فإما أن يفئ وإما أن يطلق، فإن تركها من غير مغاضبة أو يمين فليس بمؤل “. وأما ما احتجوا به من أن ضرب المدة حكم شرعي فهو باق على العدم الأصلي فيتوقف ثبوته على حكم الحاكم ولأصالة عدم التسلط على الزوج بحبس أو غيره لأجل الفئة أو الطلاق إلا مع تحقق سببه فمدفوع بمنع احتياج المدة إلى الضرب، بل مقتضى الحكم الشرعي الثابت بالآية والرواية ترتبه على مضي المدة المذكورة من حين الايلاء، وإثبات توقفها على المرافعة متوقف على الدليل وهو منفي لقبوله للتأويل، وهذا الدليل الصريح أخرجه عن حكم العدم الأصلي، وأصالة عدم التسليط قد انقطعت بالايلاء المقتضي له بالآية والرواية والاجماع، فتوقفه على أمر آخر خلاف الأصل.
الثامنة: لو اختلفنا في انقضاء المدة فالقول قول من يدعي بقاءها للأصل في عدم انقضائها، لأن مرجع دعوى انقضائها إلى تقدم زمان الايلاء إن جعلنا المدة من حينه أو زمان المرافعة إن جعلناها منها، والأصل عدم تقدم كل منهما.
(1) التهذيب ج 8 ص 8 ح 23، الوسائل ج 15 ص 540 ب 8 ح 4. (2) الكافي ج 6 ص 133 ح 12، الوسائل ج 15 ص 535 ب 1 ح 2 وفيهما ” إذا غاضب الرجل امرأته “.
[ 76 ]
ومثله ما لو اختلفنا في زمان إيقاع الايلاء فالقول قول مدعي تأخره لأصالة عدم التقدم وفائدته حيث يجعل المدة من حينه أو يكون الايلاء مقدرا بمدة، فمدعي تقدمه يحاول انحلال اليمين، وليس هذه المسائل منصوصة بالخصوص وإنما رجعت إلى القواعد الكلية في الدعوى وهي ثابته لا يجوز التخلف عنها إلا بدليل خاص، وليس فليس.
التاسعة: المفهوم من الأخبار والفتوى أن الفئة الواجبة على الزوج بعد الايلاء وانقضاء المدة من القادر هو غيبوبة الحشفة في القبل فلا يكفي الدبر هنا لأنه الفرد الظاهر من الوطء الواجب المزوجة وإن قام مقامه في مواضع لاطلاق النصوص، وفئة العاجز إظهار العزم على الوطء عند القدرة على ذلك بأن يقول أو يكتب أنه يفي إذا قدر أو يشير إليه إشارة مفهمة، ويمهل العاجز إلى زوال عذره والقادر إن استمهل ما جرت العادة بإمهاله كخفة المأكول والأكل إذا كان جائعا أو في حال الأكل والراحة والتعب ومنه السهر والانتباه إذا كان نائما، وما قضى الشرع بإمهاله كالفراغ من الصوم والصلاة والاحرام والتقدير بثلاثة أيام من أقوال العامة وليس هو مذهبا لأحد من أصحابنا، وقد عبر الشارع عن هذا الوطء بالصلح، ولهذا رتب عليه الكفارة كما مر في الفتوى والأدلة لا مجرد الامساك بمعروف فإنها باقية على الزوجية، وإنما منع من النكاح لأن الايلاء على خلاف الأصل عقوبة إليه بإرادته الاضرار كما وقع في الظهار وإن كان حقه أن لا ينعقد.
العاشرة: لو انقضت مدة التربص وهناك ما يمنع من وطئها وهي عالمة بذلك كالحيض والمرض لم يكن لها المطالبة – عند الشيخ – فيما إذا كان العذر من جهتها فلا يطالب بالفئة القولية كالعاجز عنده. وقال المحقق في الشرايع وتبعه جماعه من المتأخرين، يجب عليه فئة العاجز لأنه لامانع منها بل هي ممكنة وإنما المانع من الله تعالى، وعلى كل تقدير فلا يجب لها المطالبة بالفئة فعلا إجماعا لمعذوريته والحال هذه ولامضارة، ومثله ما لو كانت محرمة أو حائضا أو نفساء أو صائمة أو
[ 77 ]
معتكفه برضائه. ولو تجددت إعذارها في إثناء العدة قال في المبسوط: تنقطع الاستدامة كذلك إلاالحيض والمراد بانقطاعها عدم احتسابها من المدة، فإذا زال ذلك العذر ثبت على ما مضى من المدة قبل العذر. ووجهه أن الحق لها والعذر من قبلها ومدة التربص حق له فلا يحتسب له منها ما لا يقدر على الفئة فيها، وإنما استثني من ذلك الحيض حيث إنه لا يقطعها إجماعا لأنه لو قطع لم تسلم مدة التربص أربعة أشهر لتكرره في كل شهر غالبا، والأكثر لا يفرقون بينه وبين غيره في عدم قطع الاستدامة لقيام فئة العاجز مقام الوطء من القادر وهو في حكم العاجز، وهذا أقوى من أعذار الرجل، فلا يقطع المدة ابتداء ولا استدامة إجماعا لاطلاق النصوص في الانتظار أربعة أشهر من غير استفصال لأن حق المهلة له والعذر منه، وكذا لايمنع المرافعة له لو اتفقت على رأس المدة فيؤمر بفئة العاجز أو الطلاق كما تقدم، وسيجئ أيضا.
الحادية عشرة: إذا جن المؤلي بعد ضرب المدة احتسب المدة عليه وإن كان مجنونا، فإذا انقضت المدة والجنون باق لم يرافع ولم يكلف بأحد الأمرين لارتفاع القلم عنه بل يتربص به حتى يفيق ثم يحكم عليه بذلك، بخلاف ما لو انقضت المدة وبه عذر آخر غيره لا يرفع التكليف كالمرض فإنه يؤمر بفئة العاجز إذا انقضت المدة وهو محرم ألزمه نفسه الزم بفئة المعذور، وكذا لو اتفق صائما، ولو واقع أتى بالفئة وإن أثم، وكذا في كل وطء محرم كالوطء في الحيض لكنه لا يلزم بالوطء المحرم وإن أثم بفعله من نفسه وحصلت له الفئة لحصول الغرض سواء وافقته على ذلك أم أكرهها، ولا يجوز له موافقته لأنها معاونة على العدوان المنهي عنه، واحتمل بعضهم جوازه لها لأنه ليس محرما من طرفها، ومثله ما لو مكنت المسافرة ومن طهرت من حيضها في أثناء النهار للصائم، ولو ارتد لاعن فطرة احتسب زمان الردة عليه وفاقا للمحقق وجماعة لتمكنه من الوطء بالرجوع إلى الاسلام فهى ليست عذرا، خلافا للشيخ وجماعة لجريانها إلى البينونة فليست
[ 78 ]
كأهلية الزوجية، وزمان عدتها مخالف لزمان التربص، فإن انقضاءه يقتضي البينونة وانقضاء زمان التربص يقتضئ المطالبة بالفئة وتضاد الأثرين يقتضي تضاد المؤثرين، ولأن الامتناع من الوطء للردة لا للايلاء، ويندفع جميع ذلك بما ذكرنا وبعموم النصوص مع أن انقضاء العدة إنما يقتضي البينونة إذا استمر الارتداد.
الثانية عشرة: إذا رفعت أمرها إلى الحاكم بعد ضرب المدة لها خيرها بين الفئة والطلاق، فإن طلق خرج من حقها ويقع الطلاق رجعيا إن لم يكن ما يقتضي البينونة للأصل والعمومات والخصوصات، وهي كثيرة جدا كصحيحتي بريد العجلي (1) وقد تقدمتا وفيهما ” إذا مضت الأربعة أشهر ووقف فإما أن يفي فيمسها وإما أن يعزم على الطلاق فيخلي عنها، حتى إذا حاضت وطهرت من محيضها طلقها قبل أن يجامعها بشهادة عدلين، ثم هو أحق برجعتها ما لم تمض الثلاثة الأقراء “. وفي خبر أبي مريم (2) المتقدم عن أبي جعفر عليه السلام ” قال: المؤلي يوقف بعد الأربعة أشهر، فإن شاء أمسك بمعروف أو تسريح بأحسان، فإن عزم الطلاق فهي واحدة وهو. أملك برجعتها “. وربما بان طلاقها لا يكون إلا بائنا وإن كان أول طلقة لصحيحة منصور (3) وغيرها، وقد مر الجواب عنها، وحملها على التقية هو أقرب محاملها. ثم إنه إن فاء أيضا خرج من حقها كما تضمنته الآية والروايات المستفيضة ووجب عليه الكفارة، وقد مر جميع ذلك وبينا ما فيه من الخلاف، ولو امتنع من الأمرين
(1) الكافي ج 6 ص 130 ح 1 وص 131 ح 4، الوسائل ج 15 ص 543 ب 10 ح 1 وص 536 ب 2 ح 1. (2) الكافي ج 6 ص 132 ح 8، الوسائل ج 15 ص 543 ب 10 ح 2 وفيهما ” امساك بمعروف “. (3) التهذيب ج 8 ص 4 ح 6، الوسائل ج 15 ص 544 ب 10 ح 5.
[ 79 ]
حبس وضيق عليه في المطعم والمشرب على وجه لا يمكنه الاقامة عليه والصبر عادة حتى يفي أو يطلق، وسيأتي في الأخبار ما يدل على أنه يطعمه ربع القوت فإن أبى بعد ذلك إذا كان الأمر عليه إمام المسلمين وامتنع ضربت عنقه أو اضرم عليه النار في الحظيرة التي احبس فيها. وهذا الحكم مجمع عليه في الجملة والأخبار به مستفيضة. فمنها خبر حماد بن عثمان (1) كما في الكافي والتهذيب عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال في المؤلي إذا أبى أن يطلق قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يجعل له خطيرة من قصب ويحسبه فيها ويمنعه من الطعام والشراب حتى يطلق “. وصحيحة خلف بن حماد (2) المرفوعة إلى أبي عبد الله عليه السلام كما في الكافي والتهذيب ” في المؤلي إما أن يفئ أو يطلق، فإن فعل وإلا ضربت عنقه “. ومنها خبر غياث بن إبراهيم (3) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا أبى المؤلي أن يطلق جعل له حظيرة من قصب وأعطاه ربع قوته حتى يطلق “. ومرسلة صفوان (4) الصحيحة إليه كما في العياشي عن أبي عبد الله عليه السلام ” في المؤلي إذا أبى أن يطلق، قال: كان علي عليه السلام يجعل له حظيرة من قصب ويحسبه فيها ويمنعه من الطعام والشراب حتى يطلق “.
(1) الكافي ج 6 ص 133 ح 10، التهذيب ج 8 ص 6 ح 13، الوسائل ج 15 ص 545 ب 11 ح 1. (2) الكافي ج 6 ص 133 ح 11، التهذيب ج 8 ص 6 ح 14، الوسائل ج 15 ص 545 ب 11 ح 2. (3) الكافي ج 6 ص 133 ح 13، التهذيب ج 8 ص 6 ح 15، الوسائل ج 15 ص 545 ب 11 ح 3. (4) تفسير العياشي ج 1 ص 114 ح 348، الوسائل ج 15 ص 546 ب 11 ح 7.
[ 80 ]
ومرسل الفقيه (1) ” قال: روي أنه إن فاء وهو أن يراجع الجماع وإلا حبس في حظيرة من قصب وشدد عليه في المأكل والمشرب حتى يطلق “. وفيه مرسلا (2) ” قال: روي أنه متى أمره إمام المسلمين بالطلاق فامتنع ضربت عنقه لامتناعه على إمام المسلمين “. ومرسلة تفسير القمي (3) عن أمير المؤمنين عليه السلام ” أنه بنى حظيرة من قصب وجعل فيها رجلا آلى من امرأته أربعة أشهر، فقال: إما أن ترجع إلى المناكحة وإما أن تطلق وإلا أحرقت عليك الحظيرة “. وينبغي حمل الأخبار الدالة على القتل على ما لو جحد الحكم من أصله بعد خطاب إمام الزمان إليه به، ولا يجبره الامام على أحدهما عينا بل تخيرا كما تقدم في الظهار، ولا ينافي الاجبار الشرعي عينا أو تخييرا وقوع الطلاق كما سبق، وقد روي أنه إن أبى فرق بينهما الامام، ويمكن أن لا يريد به الطلاق، وقد وقع التصريح بذلك أيضا في خبر سماعة (4).
الثالثة عشرة: وجوب العدة على هذه المطلقة بالايلاء إذا كانت من أهل الاعتداد، متفق عليه في النصوص والفتوى، ففي صحيحة محمد بن مسلم (5) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: سألته عن رجل آلى من امرأته حتى مضت أربعة أشهر، قال: يوقف فإن عزم الطلاق اعتدت كما تعتد المطلقة، وإن أمسك فلا بأس “.
(1) الفقيه ج 3 ص 339 ح 2 وفيه ” يرجع الى الجماع “، الوسائل ج 15 ص 545 ب 11 ح 4. (2) الفقيه ج 3 ص 340 ح 3، الوسائل ج 15 ص 545 ب 11 ح 5. (3) تفسير القمى ج 1 ص 73 مع اختلاف يسير، الوسائل ج 15 ص 546 ب 11 ح 6. (4) التهذيب ج 8 ص 8 ح 24، الوسائل ج 15 ص 542 ب 9 ح 4. (5) التهذيب ج 8 ص 7 ح 20، الوسائل ج 15 ص 546 ب 12 ح 1 وفيهما اختلاف يسير.
[ 81 ]
وصحيحة عبد الله بن سنان (1) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: سألته عن الايلاء، قال: إذا مضت أربعة أشهر ووقف، فإما أن يفئ وإما أن يطلق، قلت: فإن طلق تعتد عدة المطلقة ؟ قال: نعم “. وصحيحة منصور بن حازم (2) وروايته كما في الفقيه والتهذيب ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل آلى من امرأته فمرت أربعة أشهر، قال: يوقف فإن عزم الطلاق بانت منه وعليها عدة المطلقة وإلا كفر عن يمينه وأمسكها “. ويدل عليه أيضا ما تقدم في صحيحتي بريد العجلي (3) و (4) حيث قال في آخر هما ” ثم هو أحق برجعتها ما لم تمض الثلاثة الاقراء “.
الرابعة عشرة: إذا ادعى الاصابة منها في الأربعة أو بعدها فأنكرت فالقول قوله مع يمينه لتعذر البينة، وهذا الحكم مما خولف فيه القواعد المقررة من تقديم قول المدعي، وإنما أخرجوه منها لتعذر إقامة البينة عليه أو لتعسرها غالبا مع كونه من فعله الذي لا يعلم إلا من جهته وأصالة بقاء النكاح وعدم التسلط على الاجبار على الطلاق، ولخبر إسحاق بن عمار (5) عن الباقر عليه السلام ” أن عليا عليه السلام سئل عن المرأة تزعم أن زوجها لا يمسها ويزعم أنه يمسها، قال: يحلف ويترك. ويقول الصادق عليه السلام فيما ارسل عنه كما في بعض الكتب المعتمدة ” قال: في فئة المؤلي: إذا قال قد فعلت وأنكرت المرأة فالقول قول الرجل ولا إيلاء “.
(1) التهذيب ج 8 ص 7 ح 19، الوسائل ج 15 ص 546 ب 12 ح 2 وفيهما اختلاف يسير. (2) الفقيه ج 2 ص 340 ح 4 مع زيادة، التهذيب ج 8 ص 8 ح 21، الوسائل ج 15 ص 547 ب 12 ح 3. (3) التهذيب ج 8 ص 3 ح 3، الوسائل ج 15 ص 543 ب 10 ح 1. (4) الكافي ج 6 ص 131 ح 4، الوسائل ج 15 ص 536 ب 2 ح 1. (5) التهذيب ج 8 ص 8 ح 25، الوسائل ج 15 ص 547 ب 13 ح 1 وفيهما اختلاف يسير.
[ 82 ]
ومثله في تقديم قوله في الاصابة مع مخالفة الأصل المذكور مالو ادعى العنين إصابتها في المدة أو بعدها ثم إذا حلف على الاصابة وطلق وأراد الرجعة بدعوى الوطء الذي حلف عليه، قال في التحرير: الأقرب أنه لا يمكن وكان القول قولها في نفي العدة الوطء على قياس الخصومات من أن البينة على المدعي واليمين على من أنكر، وإنما خالفناه في دعوى الاصابة لما ذكر من العلة وهي منتفية هنا كما لو اختلفنا في الرجعة ابتداء. وهذا التفريع لابن الحداد من الشافعية ووافقه الأكثر واستقر به العلامة في التحرير، وأورد عليه شهيد المسالك أنه مشتمل على الجمع بين المتناقضين وهو غير تام على اصولنا من اشتراط الدخول في صحة الايلاء، ولهذا قال الشهيد الأول – رحمه الله – في نكت الارشاد: ما سمعنا فيه خلافا، وإنما فرعوه على أصلهم من عدم اشتراطهم الدخول، ومع ذلك فلهم وجه آخر لأنه يمكن من الرجعة ويصدق في الاصابة في الرجعة، كما يصدق فيها لدفع التفريق لأن في الرجعة استيفاء ذلك النكاح أيضا، وهذا أوجه.
الخامسة عشرة: إذا ظاهر ثم آلى صح الأمران عند جماعة وكذلك بالعكس فيكون هذا الفرع مرتبا على مطلق الجمع بين الظهار والايلاء فيلزمه حكمهما سواء قدم الظهار على الايلاء – كما وقع في كلام الأكثر – أم أخره لبقاء الزوجية الصالحة لايقاع كل منهما عليه وإن كانت قد حرمت بالسبب المتقدم فتحرم بالجهتين ولاتستباح بدون الكفارتين، لكن قد عرفت اختلاف المدتين في إمهاله لهما، فإن مدة الظهار ثلاثة أشهر ومدة الايلاء أربعة أشهر، فإذا انقضت مدة الظهار فرافعته الزم بحكم الظهار خاصة، فإن اختار الطلاق فقد خرج من الأمرين، وإن اختار العود وعزم على الوطء لزمته كفارة الظهار، فإذا كفر ووطأ لزمته كفارة الايلاء أيضا بحنثه في يمينه، وإن توقفت كفارة الظهار على مدة تزيد على مدة الايلاء كما لو كان فرضه التكفير
[ 83 ]
بالصوم أو لم يتفق له التكفير بإحدى الخصلتين إلى أن انقضت مدة الايلاء أو كان الظهار متأخرا عنه بحيث انقضت منه قبل التخلص منه طولب بالأمرين معا ولزمه حكمهما، لكن قد يختلف حكمهما فيما لو انقضت مدة الايلاء ولما يكمل كفارة الظهار فإن حكم الايلاء إذا لم يختر الطلاق إلزامه يفئة العاجز لأن الظهار مانع شرعي من الوطء قبل التكفير، فتجمع الكفارتان بالعزم على الوطء إحداهما للفئة والاخرى للعزم عليه، ولو أراد الوطء في هذه قبل التكفير للظهار حرم عليه تمكينها منه كما سبق وإن ابيح لها من حيث الايلاء، ولو فعل حراما ووطأ حصلت الفئة ولزمته كفارة الظهار. والأخبار خالية عن تفاصيل هذا الحكم إذا لم يرد في هذه المسألة إلا الخبران المتقدمان في أحكام الظهار أحد هما خبر السكوني (1) عن علي عليه السلام كما في النهاية والآخر خبر الجعفريات (2) عنه عليه السلام أيضا، إلا أنهما مجملان متشابهان لأنهما صورتهما هكذا ” في رجل آلى من امرأته وظاهر منها في كلمة واحدة، قال: عليه كفارة واحدة ” وهما كما ترى مشعران بوحدة الكفارة، وقد احتملنا فيهما محامل كثيرة ويمكن ردهما إلى هذا التفصيل ويكون وحدتهما باعتبار كل واحد منهما عند حصول فئة والأخذ بما فصلوه أنسب وأظهر.
السادسة عشرة: لو آلى من الأمة المتزوج بها ثم اشتراها انهدم النكاح كما تقدم في الظهار، فلو نكحها بملك اليمين لم يكن عليه شئ لخروجه من حكم الايلاء لبينونة هذه، وكذا لو أعتقها وتزوجها لم يعد إيلاء عندنا لأنه تابع للزوجية فيزول بزوالها، وكذا لو اشترته الزوجة حيث يكون مملوكا وأعتقته ثم تزوجت به، وللعامة قول بعود الايلاء فيهما، أما لو طلق رجعيا فرجع بها في العدة عاد حكم الايلاء ووجبت عليه الكفارة بالفئة بعد المراجعة، وقد تقدم ما يدل عليه
(1) الفقيه ج 3 ص 344 ح 14، الوسائل ج 15 ص 534 ب 19 ح 1. (2) الجعفريات ص 115، مستدرك الوسائل ج 3 ص 29 ب 14 ح 1.
[ 84 ]
من خبر منصور وصحيحة، أما لو بانت وعقد عليها بعد العدة فليس عليه حكم الايلاء، وأما ما جاء في مرسل العياشي (1) عن أبي عبد الله عليه السلام ” أنه سئل إذا بانت المرأة من الرجل هل يخطبها مع الخطاب ؟ قال: يخطبها على تطليقتين ولا يقربها حتى يكفر ” فهو محمول على الاستحباب أو التقية.
السابعة عشرة: لا تتكرر الكفارة بتكرر الايلاء هنا سواء قصد الثانية التأكيد للاولى أو المغايرة مع اتحاد الزمان كأن يقول والله لا وطأتك، أو يصرح بالتأبيد فيهما أو قال والله لا وطأتك خمسة أشهر والله لا وطأتك خمسة أشهر فإن اليمين إنما هي مبالغة في الفعل أو الترك المحلوف عليه وإنما تغايرا بتغاير المحلوف عليه فإذا كررها على فعل واحد محلوف عليه فإنما زاد في التأكيد والمبالغة ولا يجدي نفعا قصد المغايرة، والأصل البراءة من التكليف. ويصدق الايلاء بالواحد والمتعدد على السواء وإن اختلف الزمان كأن يقول والله لا أصبتك خمسة أشهر فإذا انقضت فو الله لا أصبتك خمسة أشهر والله لا أصبتك ستة، فإن أوقعنا الايلاء معلقا فهما إيلاءان ويتداخلان في الأول في خمسة وينفرد الثاني بباقي السنة أو الستة فيتربص به أربعة أشهر، ثم إن فاء أو دافع حتى انقضت السنة انحل وليس عليه بالفئة إلا كفارة واحدة، وإن دافع حتى انقضت مدة الأول بقي حكم مدة الثاني وإن طلق ثم راجع أو جدد العقد عليها وأبطلنا مدة التربص بالطلاق، فإن لم يبق من مدة الثاني بعد الرجعة إلا الأربعة أشهر أو أقل انحل الثاني أيضا وإلا طالبته بعد التربص. وفي المبسوط وجمله أن مدة الايلاء إذا طالت ووقف بعد أربعة أشهر، فإن طلقها طلقة رجعية فقدوفاها حقها لهذه المدة، فإن راجعها ضربنا له مدة اخرى، فإذا انقضت وقف أيضا، فإن طلق ثم راجع ضربنا له مدة اخرى، فإذا مضت أوقفناه، فإن طلقها بانت منه لأنه قد استوفى الثلاث، وعلى هذا أبدا وفي الثاني
(1) العياشي ج 1 ص 113 ح 347، الوسائل ج 15 ص 547 ب 12 ح 4.
[ 85 ]
لا تداخل بل هما إيلاءان متباينان لكل منهما حكم، فإن انقضت أربعة أشهر طالبته، فإن فاء في الخامس أو طلق وفاها حقها من الأول، وبقي الثاني إن واقع حتى انقضى الخامس انحل الأول وبقي الثاني، ئم له التربص في الثاني أربعة أشهر إن لم يكن طلقها أو راجعها واحتسبنا العدة من المدة أو بقي أزيد من أربعة أشهر.
الثامنة عشرة: لا خلاف في أن كفارة الايلاء كفارة يمين كما دل عليها الكتاب والسنة والاجماع، وسيجي بيانها في كتاب الكفارات إن شاء الله تعالى.