أحكام الميراث - الأول

الرسالة المحمدية في أحكام الميراث الأبدية
تأليف فقيه أهل البيت (عليهم السلام)
المحدّث الشيخ يوسف آل عصفور البحراني
المتوفى سنة 1186 هـ ق
(قدس الله سره الشريف)

بسم الله الرحمن الرحيم


أما بعد حمد الملك المانح بماله من الممادح والصلاة والسلام على أبوابه الذين بهم يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح، محمد وآله الملاذ في كل معضل وفادح.
فيقول الفقير إلى ربه الكريم يوسف بن أحمد بن إبراهيم الدرازي، وفقه الله تعالى لإصلاح داريه وعمير نشأتيه.
فقد سألني الأخ الصالح، بل الميزان الراجح، الأجل الأمجد الشيخ محمد بن المرحوم الشيخ أحمد البحراني أفاض الله رواشح جوده السبحاني أن أكتب له رسالة تشتمل على جملة من أحكام الميراث على وجه الايجاز والاختصار منبهاً على ما هو الراجح عندي في كل منها والمختار على ما وصل إليه فهمي القاصر من أخبار العترة الطاهرة سالكاً فيها مع ذلك غاية البيان والايضاح ليسهل الأخذ بها لجملة الطالبين من ذوي الصلاح.
فأجبت في ذلك سؤله وحقّقتُ فيما هنالك مأموله مع ما أنا فيه من توزع البال بأنواع الاشتغال رجاء أن ينفع الله بها الطالبين من اخوان الدين وخلان اليقين وسميتها بالرسالة المحمدية في أحكام الميراث الأبدية، ومنه سبحانه أستمد الاعانة والامداد سيما الاتمام والفوز بسعادة الاختتام، وقد رتبتها على مقدمة وفصول وختام.


أما المقدمة ففيها مباحث:
المبحث الأول: موجبات الإرث على ما ذكره أصحابنا وعضدته أخبارنا اما نسب أو سبب، الأول منهما ينقسم إلى مراتب ثلاثة:

الأولى: الآباء والأولاد.
الثانية: الأجداد والأخوة.
الثالثة: الأعمام والأخوال.
ولا يرث أهل المرتبة الثانية مع وجود أحد من سابقتها، وكذا في كل مرتبة يحجب الزقرب الأبعد، فلا يرث ولد الولد مع وجود الولد، وكذا لا يرث ولد ولد الولد مع وجود ولد الولد، وكذا في المرتبة الثانية يقدم الجد على أبيه، والأخ على ابنه، وكذا الحكم في الأعمام والأخوال، لكن يرث البعيد من أحد صنفي المرتبة مع القريب من الصنف الآخر فيرث ولد الولد مع الأبوين في المرتبة الأولى، وأبو الجد مع الأخوة وأولاد الأخوة مع الجد الأقرب في المرتبة الثانية، ويدل على هذا ظاهر الآية وصحيحة ابن مريم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: (إن في كتاب علي عليه السلام إن كل ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجربه إلا أن يكون وارث أقرب إلى الميت منه فيحجبه) وغيرها أيضاً.
والثاني منهما -وهو السبب- ينقسم إلى الزوجية وولاء العتق وولاء ضمان الجريرة وولاء الامامة، وأقسام الولاء مرتبة على مراتب النسب فلا يرث الأعلى من هذه المراتب مع وجود أحد مراتب النسب ولو من الأخيرة وهذه أيضاً مرتبة فلا يرث اللاحق منهما مع وجود أحد من السابق.

المبحث الثاني: الوارث إما أن يرث بالفرض أو بالقرابة، والمراد بالأول من سمّى الله له سهماً معيناً في الكتاب العزيز، وبالثاني: من سمّى له إجمالاً كما في آية أولي الأرحام والفروض المذكورة في الكتاب ستّة:
(فمنها) النصف لأربعة، للزوج مع عدم الولد للزوجة قال الله تعالى: (ولكم نصف ما ترك أرواجكم إن لم يكن لهن ولد) والبنت الواحدة (وإن كانت واحدة فلها النصف) والأخت للأبوين والأخت للأب مع عدمها وعدم الذكر في الموضعين (إن امرئ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك) .
(ومنها) الربع لاثنين، الزوج مع وجود الولد للزوجة، (فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن)، والزوجة مع عدم الولد للزوج (ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد).
(ومنها) الثمن لواحد، الزوجة مع وجود ولد للزوج (فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم)
(ومنها) الثلثان لاثنين، البنتين فصاعداً (فإن كنّ نساء فوق اثنتين فهنّ ثلثا ما ترك)، والأختين للأبوين أو الأب مع مع فقد المقترب بالأبوين (فإن كانت اثنتين فلهما ثلثا ما ترك).
(ومنها) الثلث لاثنتين، الأم مع عدم الولد وعدم الحجب (فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمّه الثلث)، والاثنتين فصاعداً من أولاد الأم (فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث).
(ومنها) السدس لثلاثة، الأب مع الولد والأم معه (فلأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد)، وكذا الأم مع الحاجب (فإن كان له اخوة فلأمه السدس) وللواحد من كلالة الأم وله أخ وأخت فلكل واحد منهما السدس.

المبحث الثالث: الوارث إذا كان واحداً من أي الطبقات كان ورث المال كله بعضه بالفرض والباقي بالقرابة إن كان من ذوي الفروض وإلا فجميعه بالقرابة، وإن كان أكثر من واحد ولم يحجب بعضهم بعضاً، فإما أن يكون ميراث الجميع بالقرابة أو بالفرض أو بعض بهذا وبعض بهذا.
فعلى الأول يقسم على ما يأتي من التفصيل في ميراثهم، وعلى الثالث يقدم صاحب الفرض فيعطى فرضه والباقي للباقين، وعلى الثاني إما تنطبق السهام على الفريضة أو تزيد عليها وتنقص عنها.
فعلى الأول لا اشكال، وعلى الثاني يدخل النقص عندنا على الأب والبنت والبنات والاخت والأخوات للأبوين أو للأب، وضابطه عندنا أن النقص إنما يدخل على من له فرض واحد في الكتاب المجيد لأنه له الزيادة متى نقصت السهام فيكون عليه النقيصة إذا زادت دون من له فرضان، فإنه متى نزل عن الفرض الأعلى كان له الفرض الأدنى خلافاً للعامة حيث جعلوا النقص موزعاً على الجميع، وهي مسألة العول التي ابتدعها الصدر الثاني لما التقت عنده الفرائض ودفع بعضها بعضاً فقال والله ما أدري أيكم قدم الله وأيكم أخر وما أجد شيئاً أوسع من أن أقسّم عليكم المال بالحصص فأدخل على كل ذي حقّ ما دخل عليه من عول الفريضة، مثالها لو خلفت امرأة زوجها واختين لأبويها أو لأبيها فللأختين فريضة الثلثان كما تقدم أربعة من ستة، وللزوج فريضة النصف ثلاثة من ستة فالسهام قد زادت على الفريضة بواحد فالنقص عندنا يدخل في الصورة المذكورة على الاختين وعندهم يجعلون السهام على حالها ويعولون الفريضة إلى سبعة ويجعلون للاختين أربعة من سبعة وللزوج ثلاثة من سبعة وقد استفاضت أخبارنا في الرد عليهم في ذلك، ففي صحيح ابن اذينة عن أبي جعفر عليه السلام في زوج وأبوين وابنة قال للزوج الربع ثلاثة أسهم من اثني عشر سهما، وللأبوين السدسان أربعة أسهم من اثني عشر سهماً وبقي خمسة أسهم فهي للابنة، ولو كانت اثنتين فلهما خمسة من اثني عشر سهماً، قال زرارة: هذا هو الحق إذا أردت أن تلقي العول فتعجل الفريضة لا تعول فإنما يدخل النقصان على الذين لهم الزيادة من الولد والأخوات من الأب والأم، فأما الزوج والأخوة للأم فإنهم لا ينقصون ما سمّى الله لهم شيئاً…الحديث، وبمضمونه أخبار لا يسع المقام الاتيان عليها.
وعلى الثالث: فالزائد عندنا للانتساب يرد زيادة على سهامهم إذ الأقرب يحرم الأبعد، خلافاً لمخالفينا، حيث حكموا به للعصبة وهم من يتقرب بالأب من الأخوة والأعمام، مثاله رجل خلف أماً وابنة فللأم السدس واحد من ستة فريضة، وللبنت النصف ثلاثة من ستة، فالباقي – وهو اثنان- يرجع عندنا رداً على هؤلاء المذكورين، بنسبة سهامهم، فيرد عليهم أرباعاً: ربع للأم، وثلاثة أرباع للبنت على نسبة ما أخذنا، ولو اجتمع الأبوان والبنت، فلكل من الأبوين السدس، اثنان من ستة، وللبنت النصف ثلاثة من ستة، فالباقي واحد يرد عليهم ـزيضاً بنسبة ما أخذوا، فيجعل أخماساً لكل من الأبوين خمس وللبنت ثلاثة أخماس، هذا مع عدم الحاجب للأم، وإلا اختص الرد بالأب والبنت، فيصير قسمة الرد حينئذٍ أرباعاً، والطريق الأسهل تصحيح الفريضة بما يرد الفاضل أرباعاً من الأربعة وأخماساً من الخمسة، فيقال:
إن الفريضة الأولى من أربعة: للأم واحد، وثلاث للبنت، وفي الصورة الثانية من خمسة لكل من الأبوين خمس، وللبنت ثلاثة أخماس إذا لم يكن ثم حاجب كما عرفت.
وأما عند العامة فالاثنان الباقيان من الصورة الأولى والواحد الباقي من الصورة الثانية يعطى من يتقرب بالأب من الأخوة والأعمام وقد استفاضت الأخبار برد ذلك وبطلانه.
ففي صحيحة محمد بن مسلم (اقرأني أبو جعفر عليه السلام صحيفة الفرائض التي هي املاء رسول الله | وخط علي عليه السلام بيده، فوجدت فيها رجل ترك ابنته وامه، فلابنته النصف ثلاثة أسهم وللأم السدس سهم يقسم المال على أربعة أسهم، فما أصاب ثلاثة فلابنته، وما أصاب سهماً فهو للأم، ووجدت فيها رجل ترك أبويه وابنته، فلابنته النصف ثلاثة أسهم وللأبوين لكل واحد منهما سهم يقسم المال على خمسة أسهم، فما أصاب ثلاثة فللابنة، وما أصاب سهمين فللأبوين)، وفي خبر آخر عن أبي عبدالله عليه السلام وقد سئل المال لمن هو للأقرب أو للعصبة؟ فقال عليه السلام : المال للأقرب والعصبة في فيه التراب، إلى غير ذلك من الأخبار.

المبحث الرابع: موانع الارث على ما صرّح به الأصحاب رضوان الله عليهم ودلّت عليه الأخبار:
(أحدها) الكفر: فلا يرث الكافر عندنا بأنواعه وإن انتحل الاسلام مسلماً بل يرثه المسلم وإن بعد كولي نعمة وضامن جريرة، وإلا فالإمام عليه السلام ولا يرثه الكافر بحال، ويرث المسلم الكافر ويمنع ورثته الكفار وإن بعد وقربوا، ومع دم الوارث المسلم ترثه الكفّار، والأخبار بذلك متكاثرة، والحكم في المخالفين مبني على الخلاف في إسلامهم وكفرهم وأظهرها الثاني -كما أوضحناه في رسالتنا الموسومة بـالشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب] على تفصيل أوضحناه هناك.
و(ثانيها) الرق: وهو مانع من الإرث في الوارث، بمعنى أنه لا يرث الإنسان إذا كان رقاً، وإن كان الموروث مثله، بل يرثه الحر وإن كان ضامن جريرة دون الرق وإن كان ولداً، وفي المورث بمعنى أن الرق لا يورث بل ماله لمولاه بحق الملك لا بالإرث، وإن كان له ابن حر، والأخبار بذلك متظافرة، ولو كان للحر ولد رق ولذلك الولد الرق ابن حر ورث ابن الحر جدّه، ولا تحجبة رقية أبيه كما في الكافر والقاتل، فانهما لا يمنعان من يتقرّب بهما، لانتفاء المانع من دونهما، وتدل عليه رواية (مهزم): {ومن تحرر بعضه يرث بقدر ما فيه من نصيب الحرية ويمنع بقدر ما فيه من الرقية} فلو كان للميت ولد نصفه حر، وله أيضاً أخ حر فالمال بينهما أنصافاً، ويورث المبعض أيضاً كذلك، فإن كان نصفه حراً كان لمولاه نصف تركته، ولورثته الأحرار النصف الآخر، ولو لم يكن للكميت سوى المملوك اشترى من تركته ثم أعتق.
وهل يختص هذا الحكم بالأبوين خاصّة، أو مع الأولاد خاصّة، أو الأقارب مطلقاً، وكل وارث حتى الزوج والزوجة؟ أقوال: والكل منصوص، وإن ضعف بعضها السند، إلا الزوج فإني لم أقف فيه على نص، ولم ينقله ناقل من أصحابنا.
و(ثالثها) القتل: وهو مانع إذا كان عمداً ظلماً إجماعاً، وتدل عليه (صحيحة هشام بن سالم) وغيرها مما دل على ذلك خصوصاً في بعض وعموماً في آخر، ولو كان القتل عمداً بحق فلا يمنع اتفاقاً، وتدل عليه رواية (حفص بن غياث) واختلفوا في منع القتل خطأ على أقوال:
(أحدها) إن القاتل خطأ يرث مطلقاً، ويدل عليه عموم أدلة الإرث كتاباً وسنةً، خرج منه العامد الظالم فبقي الباقي، وخصوص صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله عليه السلام : في رجل قتل أمه؟ قال عليه السلام : {إن كان خطأ ورثها وإن كان عمداً لم يرثها} ونحوها (موثقة) محمد بن قيس وحسنته.
و(ثانيها) أنه لا يرث مطلقاً، واستدلوا له بعموم الأخبار المانعة من إرث القاتل مطلقاً، وخصوص رواية (الفضيل بن يسار) عن أبي عبدالله عليه السلام قال: {لا يرث الرجل الرجل إذا قتله وإن كان خطأً}.
وفيه أن تخصيص العام بالخاص شائع ولا سيما مع صحة المخصص، واستفاضة رواية الفضيل ضعيفة لا تعارض تلك الأخبار، مع إمكان حملها على التقيّة لموافقتها لمذهب العامّة، كما صرّح به الشيخ في الاستبصار].
و(ثالثها) أنه يرث مما عدا الدية، وهذا هو المشهور، واستدلّوا عليه بأن فيه جمعاً بين الأخبار، مما دل على المنع، كرواية (الفضيل) بحمله على الدية، وما دل على الإرث بحمله على ما عداها، وبأن أخذ القاتل دية نفسه ومن عاقلته غير معقول، وفيه ما عرفت في رواية الفضيل من ضعفها ومعارضتها بتلك الأخبار، واستبعاد أخذ القاتل دية نفسه لا دليل عليه،، وبه ظهرت قوّة القول الأول، إلا أن الأمر في الدية بعد لا يخلو من شوب إشكال، ويرث من تقرب بالقاتل -كما أشرنا إليه- لرواية (جميل) وغيرها.
و(رابعها) اللعان وهو يقطع نسب الولد من الأب، ويمنع التو،ارث بينهما، فلا يرث أحدهما الآخر، وكذا يمنع التوارث بينه وبين من يتقرّب بالأب من الأعمام والعمّات وأبنائهن، والأخوة والأخوات للأب خاصة وأبنائهم، وينحصر التوارث بينه وبين الأم ومن يتقرّب بها من الأخوة لها أو للأبوين من حيث الأمومة، فيشاركون أخوة الأم ويساوونهم، ولو اعترف به الأب ورثه الإبن دون العكس، للأخبار الدالة على جميع هذه الأحكام.
وهل يتعدى إرث الإبن متى أقرّ الأب به إلى أقارب الأب كأب الأب وأمه وأولاده من غير المرأة الملاعنة واخوته فيرثهم ابن الملاعنة، ولا يرثونه أو يرثونه؟ الأكثر على العدم اقتصاراً فيما خالف الأصل على مورد النص، ولأن إقرار كل أحد إنما يقبل على نفسه، فلا يتعدّى إلى غيره، فبعد اعتراف الأب يرثه الولد خاصّة، ولا يرث أقاربه ولا يرثونه، وقيل: بل يرث الولد من الأقارب المشار إليهم ولا يرثونه، وقواه (العلامة) في بعض كتبه، واستقرب في بعض آخر ان أقرباء الأب إن صدقوه على (اللعان) لم يرثهم الولد ولا يرثونه متى اعترف به الأب، وإن كذّبوه ورثهم وورثوه بعد اعترافه، ونقل عن المحقق الشيخ علي{ره} الاعتماد على هذا.
وهاهنا أشياء أخر أيضاً من الموانع أعرضنا عن ذكرها خوف التطويل، وقد أنهاها الشهيد {ره} في الدروس] إلى عشرين، فمن أحبّ الوقوف عليها فليرجع إلى مطولات أصحابنا رضوان الله عليهم.

المبحث الخامس: الحجب الواقع في الميراث على قسمين:
(أحدهما) أن يكون حجباً عن الإرث بالكلية، ويسمّى (حجب حرمان) وهو مبني على مراعاة القرب، كما أشرنا إليه في المبحث الأول من حجب كل من كان في مرتبة سابقة -وإن نزل- أصحاب المرتبة المتأخرة، حتى ينتهي إلى مرتبة الإمامة، وكذا حجب القريب في كل مرتبة البعيد فيها، كما قدّمنا الإشارة إليه أيضاً، وكذا يحجب المتقرّب بالأبوين المتقرب بالأب وحده مع تساوي الدرجة، وهكذا في سائر الطبقات يمنع الأقرب الأبعد، إلا في مسألة اجماعية ستجيء الإشارة إليها.
(وثانيها) أن يكون حجباً عن بعض الإرث، ويسمّى (حجب نقصان) ويقع في موضعين: (أحدهما) الولد -ذكراً كان أو أنثى- فإنه يحجب الزوجين عن نصيب الزوجية الأعلى إلى الأدنى منها، ويحجب أيضاً الأبوين عمّا زاد على السدسين، وكذا أحدهما عمّا زاد على السدس، إلا أن يكونا أو أحدهما مع البنت الواحدة والبنتين فصاعداً، فإنهما أو أحدهما يشاركان في الرد، فتحصل لهما الزيادة، كما سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى.
والمراد بالولد هنا ما يشمل ولد الولد، لاطلاق لفظ الولد عليه، كما حقّقناه في (محل أليق) وسيأتي ما يؤكده فيندرج حينئذ تحت عموم قوله سبحانه }فإن كان لهنّ ولد فلكم الربع وإن كان لكم ولد فلهنّ الثمن ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمّه الثلث{، ولخصوص رواية زرارة عنهما عليهما السلام في حديث قال فيه: {فإن لم يكن له ولد وكان ولد الولد ذكوراً كانوا أم أناثاً فإنّهم بمنزلة الولد ويحجبون الأبوين والزوج والزوجة عن سهمهم الأكثر وإن سفلوا ببطنين أو ثلاثة أو أكثر يرثون ما يرث ولد الصلب ويحجبون ما يحجب ولد الصلب ولو كان الولد كافراً فإنّه لا يحجب الأنساب من الأبوين وغيرهما اتفاقاً.
وهل يحجب الزوجين؟ إشكال: من دخوله في عموم لفظ الآية، فيحجب، ومن عدم حجبه ولو اجتمع مع ذي نسب وإن بعد، فليكن ذو السبب أيضاً كذلك.
(الثاني) حجب الأخوة الأم عن الثلث إلى السدس، وهو مشروط بشروط خمسة:
الأول: وجود الأب ليوفروا عليه ما حجبوها عنه، وإن لم يحصل منه شيء على المشهور، وتدل عليه رواية بكير وموثقة زرارة، ويدل عليه أيضاً ظاهر الآية، وخالف الصدوق في ذلك استناداً إلى ظاهر الآية، وهي عليه لا له، ولبعض الأخبار المشتملة على ما لا يقول به الأصحاب اتفاقاً بل هو مذهب العامّة.
الثاني: أن يكون ذكرين فصاعداً، أو أربع نساء أو ذكراً وامرأتين وهو المعروف من مذهب الأصحاب، وتدل عليه صحيحة محمد بن مسلم، وفيها الاخوان أو أربع أخوات، معللاً بأنّهن بمنزلة الأخوين، ومن هذا التعليل أستفيد حجب الأخ والأختين إذا اجتمعوا كما عليه الاتفاق.
ولكن صحيحة (ابن مسلم) المتقدمة تضمنت الحصر فيما ذكر فيها، ومثلها موثقة (البقاق) وحينئذ فالحكم لا يخلو من شوب إشكال.
الثالث: انتفاء موانع الإرث عنهم، من الكفر والرقية اجماعاً ولصحيحة محمد بن مسلم وغيرها.
وهل القتل للأخ الموروث كذلك؟ المشهور: نعم لمشاركة القتل لما ذكر من الكفر والرقية في الحجب، ونقل عن (الصدوق) و(ابن أبي عقيل) القول بالحجب وإن لم يرث، وقوفاً على عموم الآية، لعدم المخصص واختاره في المختلف وتردد فيه المحقق، وهو في محلّه.
الرابع: انفصالهم عن البطن أحياء فلا يحجب الحمل، وتدل عليه رواية (العلاء بن فضيل) وتردد فيه المحقق، ثم استظهر الاشتراط ونسبه في الدروس إلى قوله -مشيراً إلى ضعفه- وظاهرهم عدم المخالف.
الخامس: كونهم للأب، أو الأبوين، فلا تحجب الأخوة من الأم بالإجماع، والأخبار فيه مترادفة.

الفصل الأول
في ميراث الآباء والأولاد
ونعني بهم الأبوين فقط، والأولاد للصلب وأولادهم وإن نزلوا، وفيه مسائل:
(المسألة الأولى): وفيها صور:
(الأولى: في اختصاص الآباء بالإرث) لوانفرد كل من الأبوين بالإرث حاز الميراث، فإن كان الأب فهو بالقرابة، وإن كان الأم فالثلث فرضاً والباقي قرابة، وإن اجتمعا فللأم الثلث فرضاً مع عدم الحاجب من الأخوة، وإلا فالسدس، والباقي -على كلا التقديرين- للأب.

(الثانية: الإختصاص بالأولاد) لو انفرد الابن فله المال كملاً، ولو تعدد فهو بينهم بالسوية، ولو انفردت البنت فلها النصف تسمية والباقي رداً، ولو تعددت فكذلك بالسوية الثلثان فريضة والباقي رداً، ولو اجتمع الذكران والإناث فللذكر مثل حظّ الأنثيين.

(الثالثة: دخول الآباء على الأولاد) فلو دخل الأبوان أو أحدهما في الفرض الأول والثاني فلكل منهما السدس، والباقي كما تقدّم، فلو دخلا في الفرض الثالث فلكل منهما السدس فريضة، والبنت النصف فريضة، والباقي أخماساً: خمسان للأبوين وثلاثة أخماس للبنت، والفريضة من خمسة، طبق قسمة الرد، ويدل عليه رواية (زرارة) وحسنة (محمد بن مسلم) وغيرهما، هذا مع عدم الحاجب للأم من الأخوة، وإلا فيختص الرد بالأب والبنت على المشهور، فيكون أرباعاً: للأب ربعو رالبنت ثلاثة أرباع، والفريضة حينئذ تكون من أربعة.
ولو كان الداخل أحدهما فله السدس، وللبنت النصف، والباقي رداً أرباعاً، وتدل عليه أخبار عديدة: (منها) حسنة محمد بن مسلم وغيرها ولو دخلا في الفرض الرابع فلهما السدسان فريضة، والباقي هو الثلثان للباقين بالسوية.
ولو دخل أحدهما فله السدس، والثلثان لباقي الورثة، وباقي الفريضة يرد أخماساً، وخلاف (ابن جنيد) في هذه الصورة نادر، ولو دخلا أو أحدهما في الفرض الخامس فالسدسان، أو السدس والباقي للباقين، يقتسمونه كما تقدّم.

(الرابعة: دخول الأزواج على الأولاد) فلو دخل الزوج أو الزوجة في الفرض الأول والثاني فللزوج الربع وللزوجة الثمن، والباقي للولد أو الأولاد على ما تقدّم، ولو دخل أحدهما في الفرض الثالث فله فرضة الأدنى (الربع) إن كان زوجاً (والثمن) إن كان زوجة، والباقي للبنت النصف تسمية والباقي رداً، ولو دخل في الفرض الرابع فله فرضه الأدنى، والباقي للباقين كما تقدّم، وهكذا لو دخل في الفرض الخامس.

(الخامسة: دخول الأزواج على الآباء) فلو دخل أحدهما على الأب فله نصيبه الأعلى (النّصف) إن كان زوجاً و(الربع) إن كان زوجة، والباقي للأب، ولو دخل على الأم فله نصيبه المذكور أولاً، والباقي للأم ثلث الأصل فريضة والباقي رداً، ولو دخل عليهما معاً فله نصيبه كما قلنا والباقي لهما على ما تقدّم في صورة إنفرادهما.

(السادسة: دخول الأزواج على الأبوين أو أحدهما مع الأولاد) ولهم -في جميع أفراد هذه الصورة- النّصيب الأدنى: الربع إن كان زوجاً، والثمن إن كان زوجة، والباقي يقسّم بين الباقين على حسب ما تقدّم في الفروض السابقة: من التفاضل، والتّساوي، والرد وعدمه، والحجب وعدمه، فلا حاجة إلى تعداد الأفراد.

(المسألة الثانية):
قد عرفت: ان هذه المرتبة مشتملة على صنفين: الأبوين والأولاد، ومن المقرر في كلام جمهور الأصحاب أنه لا يمنع الأقرب من كل واحد من الصنفين إلا بعد الصنف الآخر، بل يمنعه من كان أقرب من صنفه، فالأب لا يمنع ولد الولد وإن نزل، وإنما يمنعه الولد الأقرب منه، وخالف فيه الصدوق فمنع ولد الولد مع وجود الأبوين أو أحدهما، قال في كتاب من لا يحضره الفقيه]: {فإذا ترك الرجل أبوين وابن ابن وابن ابنة فالمال للأبوين: للأم الثلث وللأب الثلث، لأن ولد الولد إنما يقومون مقام الولد إذا لم يكن هناك ولد ولا وارث غيره، والوارث هو الأب أو الأم}… إنتهى.
ويدل على المشهور عموم الآية، إذ لا خلاف في باب الميراث والنكاح في كون أولاد الأولاد ولداً حقيقة تجري عليهم أحكام الولد فيهما، ومن ثمة حكموا بدخولهم في عموم آيتها، ويدل على ذلك صحيحة عبدالرحمن ابن الحجاج عن أبي عبدالله عليه السلام قال: {بنات البنت يرثن إذا لم تكن بناتكنّ مكان البنت} وموثقة (اسحاق بن عمّار) عن أبي عبدالله عليه السلام قال: {ابن الابن يقوم مقام أبيه}، ورواية عبدالرحمن بن الحجاج عنه عليه السلام قال: {ابن الابن إذا لم يكن من صلب الرجل أحد قام مقام الابن} قال (وبنت البنت إذا لم يكن من صلب الرجل أحد قامت مقام البنت).
وهذه الروايات دالة على ثبوت الإرث لأولاد لاأولاد بشرط عدم الأولاد خاصّة، أعمّ من أن يكون ثمة أحد من الأبوين أم لا.
واحتج ابن بابويه بأن الأبوين أقرب فيحجب الأبعد، وبصحيحة سعد ابن أبي خلف عن أبي الحسن الأول عليه السلام قال: {بنات الابنة يقمن مقام البنت إذا لم يكن للميت ولد ولا وارث غيرهن} بحمل الوارث غيرهنّ على الأبوين.
والجواب عن الأول منع الترجيح بالأقربية هنا، إذ الأقربية الموجبة للحجب إنما تعتبر في أفراد الصنف من كل مرتبة بالنّسبة إلى بعضها مع بعض لا بالنّسبة إلى أفراد الصنف الآخر، وإلا لزم حجب الجد الأقرب أولاد الأخ، وحجب الأخ الجد الأدنى مع انه لا يقول به، وعن الخبر بعدم الصراحة فيما أراد بل ولا الظهور لتطرق الاحتمال إليه من وجوه عديدة كما أوضحناه في محل أليق، والأظهر في معنى (ولا وارث غيرهن) الحمل على ولد الصلب كما تدل عليه رواية عبدالرحمن المتقدمة.
قال بعض المتأخرين: {ولعل وجه الاجمال في الرواية مستند (الصدوق) ملاحظة التقية، فإن كثيراً من العامّة موافقون للصدوق {ره} في ذلك كما نقله (صاحب الكافي) وغيره}…انتهى، وبذلك يظهر رجحان القول المشهور.

(المسألة الثالثة):
المشهور بين أصحابنا {رضوان الله عليهم}: أن أولاد الأولاد يقومون مقام آبائهم في أخذ كل منهم نصيب من يتقرّب به، فلأبناء البنت نصيبها، ولبنات الإبن نصيبه، فلو خلّف بنت ابن عشرين ابناً من بنت، فللبنت ثلثا المال، ولأولئك العشرين ثلثه، وحكمهم مع الانفراد والاجتماع والأبوين والأزواج -ما تقدّم في المسألة الأولى من الاقتسام والرد ونحوهما.
ونقل عن جمع من الأصحاب: منهم (المرتضى) و(ابن ادريس) القول بأن أولاد الأولاد يقتسمون قسمة الأولاد، من غير ملاحظة من يقتربون به، فلو خلف الميت ابن بنت وبنت ابن، فللابن الثلثان والبنت الثلث كما هو فريضتهم لو كانوا للصلب، واستند الأولون إلى الأخبار المتقدّمة من حيث دلالتها على قيام الابن مقام أبيه والبنت مقام أمّها، يعني في الإرث وقدر النصيب.
والظاهر هو القول الثاني ويدل عليه وجوه:
(أحدها) عدم الخلاف في دخول أولاد الأولاد في اطلاق الأولاد في باب (النكاح) و(الميراث) كما أشرنا إليه آنفاً، ومن ثم حرمت حلائلهم من قوله سبحانه }وحلائل أبنائكم{، وحرمت بنات الابن والبنت بقوله تعالى في تعداد المحرمات: }وبناتكم{ وحل رؤية ذكورهم لزينة جداتهن، بقوله في تعداد من يحل اظهار الزينة له: }وأبنائهن{ بل زوجات الأجداد بقوله: }وأبناء بعولتهن{ إلى غير ذلك من المواضع المتقدمة في المبحث الخامس من المباحث المتقدمة، فيدخلون حينئذ في عموم قوله سبحانه: }يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظّ الأنثيين{ من غير نظر إلى من يتقربون به، فإن الأحكام الواردة في جميع تلك الآيات معلقة على مطلق الابن والولد، فكما دخل أولاد الأولاد فيها من حيث ذلك الاطلاق، فليكن في آية الميراث الدالة على التفاضل أيضاً كذلك.
و(ثانيها) أن استحقاقهم لأصل الميراث في القرآن إنما نشأ من الآية المشار إليها لتسميتهم فيها أولاداً، فكما يستند إليها في أصل الميراث، يستند إليها في قسمته أيضاً، فكيف يعطي أولاد الأولاد للذكر ضعف الأنثى (تارة) ومثلها (تارة) وأقل منها (أخرى)؟ كما هو مقتضى المشهور فإنه كما ترى مخالف لنص الآية.
و(ثالثها) أن المشهور بينهم -ولم يخالف إلا الشاذ منهم- أن أولاد البنت يقتسمون بالتفاضل، واستندوا في ذلك إلى عموم الآية المذكورة فإذا جاز الاستناد إليها في ذلك ففيما نحن فيه أولى.
وأما الروايات التي اعتمدها الأولون فيمكن حملها على اثبات أصل الميراث دون قدره، كما هو صريح صحيحة عبدالرحمن التي هي أول تلك الروايات، وبذلك يظهر رجحان القول الثاني، إلا أن الأحوط عند اتفاق ذلك الرجوع إلى الصلح أو الابراء بين الورثة، خروجاً من خلاف جمهور الأصحاب.

(المسألة الرابعة):
لا خلاف بين أصحابنا {رضوان الله عليهم} في أن لأكبر الذكور من الأولاد والذكر منهم مع عدم التعدد شيئاً من التركة، لكن وقع الخلاف بينهم في مواضع:
(أحدها) أن ذلك على وجه الوجوب أو الاستحباب، بمعنى أنه يستحب للورثة دفعه له.
و(ثانيها) انه على كل من القولين، فهل يدفع مجاناً أو بالقيمة؟
و(ثالثها) في تعيين المدفوع، فالمشهور عندهم أن الدفع على وجه الوجوب، وانه مجاناً وانه ثياب بدنه وخاتمه وسيفه ومصحفه، وذهب السيد المرتضى {ره} وجماعة إلى أن ذلك على جهة الاستحباب، وبعض منهم جملة بالقيمة، واختاره السيد {ره} وآخرون مجاناً، وربما لاح من كلام الصدوق {ره} في (الفقيه) زيادة الكتب والرحل والراحلة، حيث أنه روى فيه بعض الأخبار المشتملة على ذلك مع التزامه في أوله أن لايروي فيه إلا ما يفتي به ويعمل به.
وأما الأخبار الواردة في ذلك، ففي حسنة (حريز) عنه عليه السلام أنه {إذا كان هلك الرجل وترك بنين فللأكبر السيف والدرع والخاتم والمصحف} وفي صحيحة ربعي عنه عليه السلام : {إذا مات الرجل فسيفه وخاتمه ومصحفه وكتبه ورحله وراحلته وكسوته لأكبر ولده، فإن كان الأكبر إبنة فللأكبر من الذكور}، ففي موثقة شعيب العقرقوفي {فإن لابنه السيف والرحل والثياب ثياب جلده}، وجه الاستدلال بها على المشهور من حيث دلالة اللام فيها على الملك والاختصاص الذي هو معناها لغة، وهو يقتضي الوجوب، وظاهرها كون ذلك مجاناً، وإلا لزم تأخير البيان عن وقت الخطاب، والأظهر في ذلك أن يقال: التكليف بالقيمة يحتاج إلى دليل وليس، فليس احتجاج السيد ومن تبعه بالمعارضة بصريح آيات الكتاب الدالة على ميراث ذوي الفروض، فإن مورد القسمة فيها ما ترك مطلقاً، والأخبار المتعددة أيضاً في بيان حصص الأزواج والأبناء والآباء ونحوهما، فإنها شاملة باطلاقها لكل ما تركه.
فمقتضى الجمع بين الجميع حمل أخبار الحبوة على الاستحباب والاحتساب بالقيمة.
وإى هذا مال جملة من المتأخرين، منهم المولى الأردبيلي في شرح الارشاد، والفاضل محمد باقر الخراساني) في الكفاية، واحتمل (المولى) المذكور في شرح الارشاد أيضاً التخيير بين الاستحباب مجاناً والوجوب بالقيمة قال: {والجمع بين الأدلّة بهذا أولى مما ذكره السيد السند {قدس سره} والظاهر عندي هو القول المشهور لصراحة تلك الأخبار في الدلالة -كما أشرنا إليه- وعدم منافاة عمومات الكتاب وتلك الأخبار لذلك، فإن هذه الأخبار خاصّة ومقتضى القاعدة تقديمها، وتخصيص تلك العمومات بها، وفي غير موضع من أبواب الفقه قد جروا على هذه القاعدة.

الفصل الثاني
في ميراث الأجداد والأخوة

ونعني بالأول أب الأب وأب الأم وأمهما وإن علو، وبالثاني ما يعم الأخوات وأولادهم وإن نزلوا، وفيه مسائل:
(المسألة الأولى):
وفيها صور أيضاً:
(الأولى: في اختصاص الأجداد) لاخلاف بين أصحابنا {رضوان الله عليهم} في أنه متى انفرد الجد -لأب كان أو لأم- فله المال كملاً، وكذا الجدة لو انفردت، ولو اجتمعا معاً فالمال لهما أيضاً، لكن إن كانا لأب فللذكر مثل حظ الأنثيين، وإن كانا لأم كانا بالسويّة، ولا أعرف خلافاً، إلا إني لم أجد فيه نصّاً على الخصوص.
ولو اجتمع جد أو جدّة أوهما لأب مع جد أو جدّة، أو هما لأم فالمشهور بين الأصحاب أن للمتقرّب بالأم الثلث متحداً كان أو متعدداً، وللمتقرّب بالأب الثلثان متحداً كان أو متعدداً، ويقتسم متعدد كل من القبيلتين بالسوية إن كان لأم وبالتفاضل إن كان لأب، كما تقدّم:
وفي المسألة أقوال أخر:
(منها) مذهب الفضل بن شاذان، وابن أبي عقيل فيما إذا اجتمعت جدّة أم أم وجدة أم أب فلأم الأم السدس ولأم الأب النصف والباقي يردّ عليهما بالنسبة.
و(منها) قول الصدوق، فيما إذا اجتمع جدّ لأم مع جد لأب أو أخ لأب فإن للجد للأم السدس والباقي للجد للأب أو الأخ للأب.
و(منها) قول التقي، وابن زهرة والكندري بأن للجد أو الجدّة للأم السدس ولهما الثلث، ويدل على المشهور موثقة (محمد بن مسلم) قال: قال أبو جعفر عليه السلام : {إذا لم يترك الميت إلا جده أبا أبيه وجدته أم أمه فإن للجدّة الثلث وللجد الباقي} واستدلوا على ذلك أيضاً بأن المتقرّب بالأم يأخذ نصيبها اتحد أو تعدد.
ومستند الأقوال الباقية الإلحاق بالكلالة أعني الأخوة من قبل الأم، فإن للواحد منهم السدس وللمتعدد الثلث، ورد بأنه قياس محض، مع معارضته بالموثقة المذكورة، ومن ثم حكم متأخروا أصحابنا بشذوذ هذه الأقوال.
نعم قد ورد في عدّة من الأخبار -كما سيأتي شطر منها إنشاء الله تعالى- ان الجد المجتمع مع الأخوة كواحد منهم، بمعنى أن الجد من الأب ينزل منزلة الأخ من الأب أو الأبوين والجد من الأم ينزل منزلة الأخ منها خاصّة، ومقتضى ذلك أن للواحد ممن يتقرب بالأم السدس، وللأكثر الثلث بعين ما ثبت في الأخوّة من قبل الأم، إلا أن مورد تلك الأخبار اجتماع الأجداد والأخوة، والظاهر: ان مستند (الفضل بن شاذان) ومن قال بمقالته -ممن قدمنا ذكره- هذه الأخبار إلا أن الأصحاب قصروا الحكم فيها على موردها دون ما نحن فيه من اجتماع الأجداد من الجانبين بدون الأخوة، وهو كذلك، لما فيه من الجمع بين الموثقة المتقدمة وبينها.
(الصورة الثانية: في اختصاص الأخوة) لا خلاف بين أصحابنا {رضوان الله عليهم} في أنه متى انفرد الأخ أو الأخت -لأب كان أو لأم أولهما- فإن له الميراث كملاً، إلا أن الأخ أو الأخت من الأم يرث السدس فريضة والباقي رداً، والأخت للأبوين أو لأب ترث النّصف فرضاً والباقي رداً، والأخ من الأبوين أو لأب إنّما يرث بالقرابة، ومتى تعدد فمع التساوي -ذكورية أو أنوثيّة- }فللذكر مثل حظ الأنثيين{ إن كانوا للأبوين أو للأب وإن كانوا للأم فبالسوية يرثون الثلث فرضاً والباقي رداً.
ومتى اجتمعت الكلالات الثلاث حجب المتقرّب بالأبوين المتقرّب بالأب، وكان للمتقرّب بالأم السدس -إن كان واحداً- والثلث إن كان أكثر بالسوية، والباقي لمتقرّب بالأبوين بالتفاضل، والنّصوص دالة على ما ذكرنا من الأحكام خصوصاً في بعض وعموماً في بعض آخر، ولا خلاف في شيء منها -فيما أعلم- إلا في موضعين:
(أحدهما) إذا اجتمعت الأخت من الأبوين مع واحد من كلالة الأم ذكراً كان أو أنثى أو جماعة من كلالتها أيضاً، فإن للأخت من الأبوين النّصف فريضة، ولمن كان من كلالة الأم السدس فريضة إن كان واحداً، والثلث كذلك إن كان أكثر، قالباقي -وهو الثلث على الأول والسدس على الثاني- هل يرد على المتقرّب بالأبوين خاصّة، أو على الجميع أرباعاً على الأول، وأخماساً على الثاني؟ (قولان): المشهور -بل كاد أن يكون اجماعاً- الأول، وعن الفضل بن شاذان وابن أبي عقيل: الثاني.
ومثل ذلك إذا اجتمعت أختان للأبوين مع واحد كلالة الأم، فإن للأختين الثلثين فريضة، وللواحد السدس فريضة، فالباقي -وهو السدس- هل يرد على الأختين خاصة أو على الجميع أخماساً؟ والأصح هو المشهور لقوله عليه السلام في حسنة (بكير) وصحيحة (محمد بن مسلم) مشيراً إلى كلالة الأبوين والأب بعد ذكرهما مع كلالة الأم: (فهم الذين يزادون وينقصون).
و(ثانيهما) الصورة المذكورة لكن بدل المتقرب بالأبوين المتقرّب بالأب خاصة، فهل يختص الرد بالمتقرّب بالأب، أو يرد على الجميع أرباعاً أو أخماساً؟ حسبما تقدّم (قولان مشهوران)، وكل من قال بالتشريك في الرد في الموضع الأول، قال به هنا بطريق أولى، وبعض من منع ثم قال به هنا، ويدل على اختصاص الرد بالمتقرب بالأب ما تقدم من حسنة بكير وصحيحة محمد بن مسلم، ويدل عليه أيضاً موثقة محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام في ابن أخت لأب وابن أخت لأم؟ قال: {لابن الأخت للأم السدس ولابن الأخت للأب الباقي}.
وهو يستلزم كون الأم في الموضعين كذلك، لأن الولد إنما يرث بواسطتها ويأخذ حصتها كما سيأتي، لقوله عليه السلام : {وكل ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجر به}.
وحجة من قال بالتشريك هنا هو التساوي في المرتبة، فإن أحد الكلالتين يتقرّب بالزب والثانية بالأم ولا مخصص وهو اجتهاد في مقابلة النص، وأجابوا عن موثقة (محمد بن مسلم) بضعف السند بناء على جعل الموثقات من قسم الضعيف، كما هو اختيار جمع منهم، وأما ما نقلناه من حسنة بكير وصحيحة محمد بن مسلم فلم ينقلوهما في المقام بالكلية، ومما ذكونا يظهر لك رجحان القول بالاختصاص في الموضعين دون التشريك.
(الصورة الثالثة: اجتماع الأخوة والأجداد) -والمعروف من مذهب الأصحاب- على ما نقله في المسالك، أن الجد للأم هنا كالأخ لها، والجدة لها كالأخت لها، فمتى اجتمعا تقاسما بالسويّة، والجد للأب كالأخ له والجدّة له كالأخت له، فمتى اجتمعا تقاسما بالتفاضل، ونقله في الكافي] عن يونس بن عبدالرحمن، ومتى اجتمع الفريقان -أعني الأجداد والأخوة- في المتقرّب للأم فلهم الثلث بالسوية، والثلثان للمتقرّبين بالأب بالتفاضل من غير فرق بين الأجداد والأخوة والجدّات والأخوات، فاستدلّوا على ذلك بالأخبار المستفيضة:
(منها) صحيحة (الفضل) عن أحدهما عليهما السلام قال: {ان الجد مع الأخوة من الأب يصير مثل واحد من الأخوة ما بلغوا، قال قلت: رجل ترك أخاه لأبيه وأمه وجده، أو قلت: ترك جده وأخاه لأبيه أو أخه لأبيه وأمه؟ قال: الكال بينهما، فإن كنا أخوين أو مائة ألف فله مثل نصيب واحد من الأخوات، قال قلت: رجل ترك جدة وأخته؟ فقال: }للذكر مثل حظ الأنثيين{، وإن كانتا أختين فالنّصف للجد والنّصف الآخر للأختين، وإن كنّ أكثر من ذلك فعلى هذا الحساب، وإن ترك إخوة وأخوات لأب وأم أو لأب وجد فالجد أحد الأخوة المال بينهم للذكر مثل حظّ الأنثيين}.
قال زرارة: هذا مما لا يؤخذ فيه على ما قد سمعت من أبيه ومنه قبل ذلك، وليس عندنا في ذلك شك ولا اختلاف.
وصحيحة (زرارة) قال: {سألت أبا عبدالله عليه السلام عن رجل ترك أخاه لأبيه وأمّه وجدّه؟ قال: المال بينهما، ولو كانا أخوين أو مائة كان الجد معهم كواحد منهم، للجد نصيب واحد من الأخوة، قال: وإن ترك أخته فللجد سهمان، وللأخت سهم، وإن كانت أختين، فللجد النصف وللأختين النصف، قال: وإن ترك اخوة وأخوات من أب وأم كان الجد كواحد من الأخوة للذكر مثل حظ الأنثيين} إلى غير ذلك من الأخبار التي يضيق من نشرها المقام.
وطعن بعض متأخري أصحابنا في دلالة هذه الأخبار على جملة افراد المسألة، قال: فإنها إنما تدل على حكم الجد للأب، كما هو الظاهر منها مع الأخ من قبل الأبوين أو الأب، أو مع الأخت كذلك أو مع الأخوة والأخوات كذلك، ولا دلالة فيها على غير ذلك.
أقول: ما ذكره متجه بالنّسبة إلى الأخبار التي نقلها ثمة، ومنها الخبران المذكوران هنا، لكن هنا أخبار أخر لعلّها هي المستند في عموم الحكم للأجداد من الأم مع الأخوة لها كموثقة (أبي بصير) قال: {سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول في ستة اخوة وجداً، قال عليه السلام : {هو كأحدهم} وروايته أيضاً عنه عليه السلام في رجل ترك خمسة اخوة وجداً قال: {هو من ستة لكل واحد منهم سهم}، فإن اطلاق الجد والأخوة فيها شامل للمتقرّبين بالأم كما لا يخفى.
هذا… والمفهوم من كلا الأصحاب: أن المراد -بقولهم: {إذا اجتمع الأجداد والأخوة، فالجد للأم كالأخ لها} إلى آخر ما قدمنا نقله عنهم- هو ما إذا اجتمع الأجداد والاخوة واشتركوا في النّسبة إلى الأم أو الأب، كما إذا خلّف الميت أخاً وأختاً للأبوين، ومثلهما من قبل الأم، وجداً وجدةً للأب ومثلهما من قبل الأم، فإن الجد للأب كالأخ للأبوين، والجدة له كالأخت للأبوين، والجد من قبل الأم كالأخ من قبلها، وهكذا الجدّة للأم كالأخت لها فللمتقربين بالأم -في الصورة المذكورة- من الأخوة والأجداد الثلث بالسوية أرباعاً، والثلثان للأخوة للأبوين والأجداد للأب بالتفاضل.
أما لو اجتمعوا لكن اختلف النّسبة في بعض منهم، كما لو خلّف جداً أو جدة للأم واخوة وأجداداً، فإن للجد أو الجدة للأم الثلث، والباقي -وهو الثلثان- لمن تقرّب بالأب من الاخوة والأجداد بالتفاضل، فيخرج الفرض بالنّسبة إلى ميراث الجدّ والجدّة هنا عن موضوع هذه المسألة، ويرجع إلى ما قدّمناه في ميراث الأجداد في الصورة الأولى من صور المسألة: من الثلث على المشهور. السدس على القول الآخر، وأما بالنّسبة إلى الاخوة والأجداد لاشتراكهم في نسبة المتقرّب بالأب، فهو داخل في موضوع المسألة المذكورة، فلهذا كان الجد كواحد من الأخوة، وعكس هذه الصورة.
أما لو خلف جداً وجدة من الأب، وإخوة وجدين من الأم، فإن للمتقرّبين بالأم الثلث بالسوية، فكانت الأجداد هنا مثل الأخوة، لاشتراكهم في النّسبة إلى الأم، وللجد أو الجدّة للأب الثلثان كما هو ميراثهم في مادة الإنفراد عن الاخوة.
(وبالجملة) فتنزيل الجد والجدة منزلة الأخ والأخت -في مادة الاجتماع- مخصوص بما ذكرنا من الاشتراك في الانتساب إلى الأم أو الأب، وإلا فمجرّد اجتماعهم في الميراث مع كون الأجداد منفردين وبالنّسبة لا يقتضي تنزيلهم منزلة الأخوة، بل يرثون ما قررنا في مادة انفرادهم، فاتقن ذلك وحققه، فإنه محل اشتباه في كلامهم، لكونه مجملاً لا يتحصل منه هذا التفصيل إلا بمزيد تأمل، والاخوة للأب في مادة اجتماع الاخوة والأجداد يقومون مقام الاخوة للأبوين عند عدمهم.
(الصورة الرابعة: دخول الأزواج في المسألة) ولا ريب ان لكل من الزوج وازوجة هنا نصيبه الأعلى، فالنّصف للزوج والربع للزوجة، وللمتقرّب بالأم من الأجداد خاصة أو الاخوة كذلك أو مجتمعين ثلث الأصل، والباقي لمن يتقرّب من الاخوة بالأبوين والأب مع عدمه، أو الأجداد المتقربين بالأب أو الجميع، ويقتسم كل من الكلالة على ما تقدّم من الاتحاد أو التعدد مع الاشتراك في النّسبة أو عدمه.

(المسألة الثانية):
لا أعرف خلافاً بين الأصحاب {رضوان الله عليهم} في أن أولاد الاخوة والأخوات يقومون مقام من يتقربون به، ويأخذون نصيبه، ولو خلف الميت أولاد أخ للأم أو أخت لها خاصة كان المال لهم بالسويّة: السدس فرضاً والباقي رداً، من غير فرق بين الذكر منهم والأنثى، وإن تعدد من تقربوا به من الاخوة للأم أو الأخوات لها أو للجميع كان لكل فريق من الأولاد نصيب من تقرب به، ويقتسمونه بالسويّة فإن كانوا أولاد أخ للأبوين أو الأب ولا وارث سواهم كان المال بينهم بالسوية إذا اتفقوا ذكورية أو أنوثية، وإلا فبالتفاضل وإن كانوا أولاد أخت للأبوين أو للأب كان لهم النّصف فرضاً والباقي رداً، مع عدم غيرهم، وإن كانوا أولاد أختين كذلك، فالثلثان لهم فرضاً والباقي رداً مع عدم غيرهم، ويقتسمونه كما تقدّم.
ولو اجتمع أولاد الأخت للأبوين أو الأب عند عدمهم مع أولاد الأخ أو الأخت أو الاخوة أو الأخوات للأم، فللفريق الثاني السدس مع وحدة من يتقرّبون به، والثلث مع تعدده، وللفريق الأول النّصف والباقي يرد على الفريق الأول على المشهور، وعلى الفريقين القول الآخر كما تقدّم بيانه في الصورة الثانية من صور المسألة الأولى من هذا الفصل.
ولو اجتمع أولاد الكلالات الثلاث، سقط أولاد من يتقرّب بالأب، وكان امن يتقرّب بالأم السدس مع وحدة من يتقرّب به، وإلا فالثلث ولمن يتقرّب بالأبوين الباقي، ولو دخل في هذل الفرض زوج أو زوجة كان له النّصيب الأعلى والباقي ينقسم على ما تقدّم.
ويدل على حكاية أحكام هذه الفروض عموم الأخبار الدالة على أن (كل ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجربه) إلا أن يكون وارثاً أقرب إلى الميت منه فيحجبه. كما تضمنته (موثقة أبي أيوب الخزاز) ومثلها (صحيحة أبي مريم) وقوله عليه السلام في رواية (سليمان بن خالد): {وابن الأخ بمنزلة الأخ وكل ذي رحم لم يستحق له فريضة فهو على هذا النّحو} وفي صحيحة زرارة {فأولاهم بالمبيت أقربهم إليه من الرحم الذي يجر إليها}.
ويدل على بعض هذه الفروض خصوص موثقة محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام في ابن اخت لأب وابن اخت لأم قال: {لابن الاخت من الأم السدس ولابن الأخت من الأب الباقي}، وروايته أيضاً عنه عليه السلام في ابن أخ لأب وابن أخ لأم قال: {لابن الأخ من الأم السدس، وما بقي فلابن الأخ من الأب}، وأما ما رواه أيضاً قال: {قلت له بنات أخ وابن أخ، قال: المال لابن الأخ، قلت: القرابة واحدة، قال: العاقلة والدية عليهم وليس على النّساء من شيء} فهو غير معمول عليه بين الأصحاب اجماعاً، وحمله الشيخ (تارة) على التقيّة (وأخرى) على ما إذا كان ابن الأخ للأبوين وبنات الأخ للأب خاصّة.
ولو اجتمع الأجداد مع أولاد الاخوة أوالأخوات قاسموهم كما يقاسمهم الاخوة والأخوات من أي قبيل كان من الفريقين، ولا يمنع الجد وإن قرب ولد الأخ وإن بعد، وكذا لا يمنع الأخ فضلاً عن ولده الجد وإن علا، فلو خلف أولاد أخ للأبوين، وأولاد أخت مثلهم من قبل الأم، وجدّاً وجدّة من قبل الأب ومثلها من قبل الأم فلكلالة الأم مع الجدين لها الثلث، يقتسمونه أرباعاً: ربع للجد وربع للجدّة وربع لأولاد الأخ وربع لأولاد الأخت، وكل من هؤلاء الأولاد يقتسمونه بالسويّة، والباقي -وهو الثلثان- يقسّم على الباقين بالتفاضل، فثلثاه للجد من الأب ولأولاد الأخ من الأبوين انصافاً بينه وبينهم بالتفاضل بينهم، وثلثه للجدة وأولاد الاخت انصافاً بينهم وبينها كذلك، ولا فرق بين كون الأخ موافقاً للجد -في النسبة- أو مخالفاً فلو كان ابن أخ لأم مع جد لأب، فلابن الأخ السدس فريضة أبيه وللجد الباقي، ولو انعكس فكان الجد للأم وابن الأخ للأب فللجد الثلث -كما تقرر سابقاً- ولابن الأخ الباقي.
(وبالجملة): فإنّك تنزل هؤلاء الأولاد -من أي جهة كانوا- منزلة من يتقرّبون به، وتقسم عليهم حصته كما تقسم عليه، ومستند ذلك عموم الأخبار المتقدمة وغيرها، وخصوص حسنة محمد بن مسلم قال: (نشر أبو عبدالله عليه السلام صحيفته فأول ما تلقاني منها ابن أخ وجد المال بينهما نصفان -إلى أن قال عليه السلام – إن هذ الكتاب خط عليه السلام وإملاء رسول الله|} وبمضمونها أخبار عديدة.

(المسألة الثالثة):
قد تقرر في كلام أكثر الأصحاب {رضوان الله عليهم} كما أشرنا إليه آنفاً وبه نطقت الأخبار في مراتب الارث النسبي الثلاث ان ما اشتمل منها على صنفين فالأقرب من كل صنف يمنع الأبعد من ذلك الصنف، ولا يمنعه من الصنف الآخر المجامع له في المرتبة، فالابن مع وجوده يمنع ابن الابن مطلقاً لكونه الأبعد من صنفه، ولا يمنع الأب ابن الأبن، لكونه أقرب منه إلى الميت لأنه من صنف آخر، وإن كان معه مرتبة، إلا على مذهب الصدوق وقد أوضحنا فيما تقدّم ضعفه، وكذلك يمنع الأخ مع وجود ابن الأخ مطلقاً لكونه أقرب إلى الميت منه، ولا يمنع الجد -وإن علا- لأن الجد ليس من صنفه، ولا يمنع ابن الابن -وإن نزل- لكونه ليس من صنفه.
(وبالجملة): فالأقربية للميت -الموجبة للتقدّم في الإرث وحجب الأبعد- إنما تعتبر في كل صنف من الأصناف المذكورة، لا بالنّسبة إلى الصنف الآخر، وإن كان معه في مرتبة، فإن الجد الأدنى أقرب من ابن الأخ، ومع هذا لا يمنعه بل يشاركه في الإرث لكونه من صنف آخر.

إذا عرفت هذا فاعلم أنه لو اجتمع أخ من أم مع ابن أخ لأب وأم فالميراث -بناء على ما ذكرنا من القاعدة- للأخ من الأم خاصّة: السدس فرضاً والباقي رداً، وليس لابن الأخ المذكور شيء لكون الجميع من صنف واحد، والأول منهما أقرب فيحجب الأبعد من صنفه، وخالف في ذلك (الفضل بن شاذان) فجعل للأخ من الأم هنا السدس، والباقي لابن الأخ من الأبوين، والوجه في ذلك -على ما نقل عنه- أنه عد في المرتبة الثانية ثلاثة أصناف:
(أحدها) الأجداد وإن علوا.
و(ثانيها) الاخوة والأخوات من قبل الأم.
و(ثالثها) الاخوة والأخوات من قبل الأبوين أو الأب مع عدمهم.
فعلى هذا فالأخ للأم وإن كان أقرب إلى الميت من ابن الأخ للأبوين، إلا انه لا يحجبه لأنه ليس من صنفه، كما تقرر من أن الأقرب إنما يحجب الأبعد إذا كان من صنفه.
وذهب أيضاً – بناء على هذا الأصل- إلى اشتراك ابن الأخ للأم مع الأخ للأبوين أو للأب واشترا؛ ابن ابن الأخ من الأبوين أو الأب مع ابن الأخ من الأم، بل مع الأخ منها وهكذا في نظائرها مما اختلف فيه القرب والبعد بالنّسبة إلى صنفين لا إلى صنف واحد بعين ما هو المشهور في الاخوة والأخوات بالنّسبة إلى الأعلين من الأجداد والجدات وأولاد الاخوة والأخوات وإن نزلوا بالنّسبة إلى الأجداد والجدات الأدنين، وحينئذ فمحل الكلام معه يرجع إلى اثبات دعوى كون الاخوة مطلقاً صنفاً واحداً -كما هو المشهور- أو صنفين كما هو يدعيه.
ويدل على المشهور ان صدقها على الجميع مستدع لاتحاد صنفها جميعاً كاتحاد صنف الجد -لأب كان أو لأم- نظراً إلى الاطلاق لغة وعرفاً، ومتى اعتبر التعدد باعتبار جهات القرب إلى الميت لزم مثله في الأجداد وكذا في الأعمام والأخوال لعين ما ذكر، بل هو في الأعمام والأخوال -لتعدد الاسم- أظهر منه في الاخوة، للاشتراك في التسمية التي هي مناط الاتحاد في الصنفية مع الاتفاق، على أن الأعمام والأخوال صنف واحد كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

الفصل الثالث
في ميراث الأعمام والأخوال

والمراد بهم ما يشمل الذكور والاناث، ثم مع أولاد الجميع فنازلاً وفيه مسائل:
(المسألة الأولى):
وفيها صور:
(الصورة الأولى: في اختصاص الأعمام) -ولا خلاف في أن للعم المنفرد المال، وكذلك العمة المنفردة وكذا الأعمام والعمّات، ولو اجتمع الذكور منهم والاناث، فإن كانوا جميعاً من قبل الأبوين بمعنى أنهم اخوة لأب الميت من قبل أبويه اقتسموا بالتفاضل }للذكر مثل حظّ الأنثيين{ وإن كانوا جميعاً من قبل الأب خاصة فكذلك، وإن كانوا من قبل الأم خاصة اقتسموا بالسوية.
وإن اجتمعت الكلالات الثلاث سقط المتقرّب بالأب خاصّة وإن كان للأعمام من جهة الأم السدس إن كان واحداً – ذكراً كان أو أنثى- والثلث: إن كان أكثر بالسويّة، وللأعمام -من جهة الأبوين- الباقي بالتفاضل.
والظاهر: أن المستند في هذه الأحكام هو عموم آية (أولي الأرحام) والأخبار الدالة على أن (كل ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجر به) إلا أن يكون وارث أقرب إلى الميت منه.
ولما كان إرث الأعمام، إنما هو من حيث الاخوة لأب الميت فرعوا فيها على ما سبق في أحكام الاخوة من كونها من جهة الأبوين معاً، وأحدهما خاصّة، وكذا ما يتعلّق بالاتحاد والتعدد والانفراد والاجتماع.
وتنظر فيه بعض المتأخرين: أن ثبوت ذلك في الاخوة لا يستلزم ثبوته في الأعمام على نحوه، بل هو قياس، لأن الله سبحانه وتعالى إنّما سمّى تلك السهام للاخوة للميت، وتلك الأحكام إنما ترتبت عليها، فالحاق اخوة أب الميت بها قياس وهو متجه… بأن الذي يظهر عندنا من الأخبار الدالة على أن العمة بمنزلة الأب والخالة بمنزلة الأم، كما في رواية أبي أيوب الخزاز عنه عليه السلام قال: {العمة بمنزلة الأب في الميراث، والخالة بمنزلة الأم وبنت الأخ بمنزلة الأخ وكل ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجر به… الحديث}.
ومثلها رواية سليمان بن خالد وغيرها أيضا: ان العمّة والخالة فرعان على الأب والأم، تأخذان ميراثهما لو كانتا موجودتين لقيامهما مقامهما وتنزيلهما منزلتهما، وإن كان العلاقة الموجبة لذلك هي الاخوة وذلك لا يستلزم التفريع على من نزلا بمنزلته كما في أبناء الاخوة بالنّسبة إلى الاخوة، أو أبناء الأعمام والاخوة بالنّسبة إلى آبائهم، وحينئذ فاجراء أحكام الاخوة عليهم لا يخلو من الاشكال.
وربما قيل: إن الاعتماد هنا إنّما هو على (الاجماع) إلا أن فيه: ان المنقول عن (الصدوق) في (الفقيه) والفضل بن شاذان في (الكافي): أنه إن ترك أعماماً وعمّات فالمال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، وظاهره عدم الفرق بين الكلالات الثلاث، وربما دل على ذلك رواية سلمة بن محرز عن أبي عبدالله عليه السلام في عمة وعم؟ قال: {للعم الثلثان وللعمّة الثلث} فإن اطلاق الخبر دال على أن القسمة بالتفاضل، وإن كانوا جميعاً من قبل الأم، والأصحاب لا يقولون به كما عرفت.
وبالجملة: فبعض شقوق المسألة لا يخلو من اشكال كما ذكر، واما حجب المتقرّب بالأبوين هنا للمتقرّب بالأب خاصّة فتدل على صحيحة يزيد الكناسي عن أبي جعفر عليه السلام قال: {وعمّك أخو أبيك من أبيه وأمّه أولى بك من عمّك أخي أبيك من أبيه…} الخبر.
(الصورة الثانية في اختصاص الأخوال) لا خلاف في أنه لو انفرد الخال أوالخالة فله المال كملاً وكذا الأخوال والخالات إذا كانوا من نوع واحد: بأن يكونوا اخوة أم الميت للأبوين أو لاحداهما خاصّة، ولو اجتمعوا ذكوراً واناثاً -والحال كذلك- اقتسموا بالسوية، ولو تفرقوا بأن كان بعض منهم بالأبوين وبعض بالأب وآخرون بالأم، حجب المتقرب بالأب المتقرب بالأبوين، وكان لمن تقرب بالأم السدس مع الوحدة، والثلث مع الكثرة بالسوية، والباقي للمتقرّب بالأبوين أو الأب مع عدمه، والمشهور أنهم يقتسمون أيضاً بالسوية.
ونقل (الشيخ) في (الخلاف) عن بعض الأصحاب: ان الخؤولة للأبوين أو الأب يقتسمون بالتفاضل نظراً إلى أن تقربهم بأب في الجملة، ورد بأن تقرب الخؤولة للميت بالأم مطلقاً، ولا عبرة بجهة قربها.
وفيه أنه -متى كان الأمر كذلك، فالحكم في صورة التفريق- بأن للمتقرّب بالأم السدس مع الوحدة، والثلث مع التعدد، والباقي للمتقرّب بالأبوين أو الأب مع عدمه- لا وجه له، بل الواجب -على هذا- الحكم بالتساوي.
وبالجملة: فكلامهم في هذا المقام لا يخلو عن التدافع فإنه ان كان الاعتبار بالنّظر إلى تقرّب هذا الوارث إلى الميت، فتقرّب الخؤولة مطلقاً إنّما هو بالأم الموجب لاقتسام من تقرّب بها بالسوية، أعم من أن يكون التقرّب إليها بالأبوين أو أحدهما خاصة، فلا وجه لتخصيص المتقرّب إليها بالأم بالسدس، أو بل لا وجه أيضاً لسقوط المتقرب إليها بالأب بمن تقرّب لها بالأبوين.
وإن كان الاعتبار بالنّظر إلى تقرّب الوارث إلى الواسطة -أعني الأم- فلا ينبغي النّظر إلى الميت مطلقاً، وحيث أن النّص مفقود في هذا الحال فالمقام لا يخلو من اشكال، والأحوط في مثل ذلك المصالحة.

(الصورة الثالثة في اجتماع الأخوال والأعمام) والمشهور بين الأصحاب إنه إذا اجتمع الأعمام والأخوال فللواحد من الأخوال الثلث ذكراً كان أو أنثى، وللواحد من الأعمام الثلثان كذلك، وهكذا للأكثر من كل الفريقين، ويقتسم كل من الفريقين على ما تقدّم في صورة الاختصاص به، والخلاف هنا في موضعين:
(أحدهما) في صورة الاتحاد في كل من العم والخال، أو العمة والخالة فذهب (ابن أبي عقيل) إلى أن للعمّ أو العمّة النصف، وللخال أو الخالة السدس والباقي يردّ عليهما على قدر سهامهما.
(وثانيهما) مطلق اجتماعهما أعم من التعدد في الطرفين أو الاتحاد فيهما أو في أحدهما، فذهب جمع منهم ابن أبي عقيل إلى تنزيل العمومة والخؤولة منزلة الككلالة فللواحد من الخؤولة السدس وللأكثر الثلث، والباقي للأعمام، ويقتسمون على حسب ما تقدّم، والذي وقفت عليه من الأخبار في ذلك يتضمن اجتماع العمّة والخالة والعم والخال، وأن للعمّة أو العم الثلثين وللخالة أو الخال الثلث، ومورد الجميع صورة الاتحاد.
ففي رواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام فيما أخرج له من كتاب علي عليه السلام رجل مات وترك عماً وخالاً؟ قال: {للعم الثلثان وللخال الثلث}، وفي رواية (أبي مريم) عنه عليه السلام في عمّة وخالة قال: {الثلث والثلثان يعني للعمة الثلثان وللخالة الثلث}، وقوله: {يعني} الظاهر أنه من كلام الراوي.
ومثلها رواية أبي بصير أيضاً ومحمد بن مسلم، وهي صريحة في الردّ على من قال في مادة اتحاد الخال والخالة بالسدس، ولم أقف في الأخبار على الحكم مع التعدد في الطرفين أو أحدهما، لكن الظاهر أن الأصحاب رضوان الله عليهم فهموا من الأخبار المذكورة للعموم وعدم الاختصاص بموردها.

(الصورة الرابعة: دخول أحد الزوجين في هذه الصورة) ولا ريب أن له النّصيب الأعلى في كل منهما، والباقي يقسّم على الباقين من الأعمام خاصّة أو الأخوال خاصّة، أو مجتمعين على حسب ما فصل في الصورة المختصّة بكل منهم اتحاداً وتعدداً واجتماعاً وتفرقاً، ولكن ينبغي أن يعلم أن المتقرب بالأم في جميع الصور يأخذ حصته -سدساً كانت أو ثلثاً- من أصل الفريضة، إلا إذا كان أحد المتفرقين في مادة اجتماع الزوج مع الأخوال ومتفرقين أو الأعمام المتفرقين كما سيأتي، مثلاً: إذا اجتمع مع أحد الزوجين العم والخال فلأحد الزوجين نصيبه الأعلى من الأصل، وللخال أيضاً ثلث الأصل والباقي للعم، وهكذا لو كان مع العمّة والخالة.
ولو اجتمع مع الخؤولة المتفرقين فله نصيبه الأعلى، والمشهور أن للخال من الأم السدس من الأصل إن كان واحداً، والثلث إن كان أكثر، والباقي لمن تقرّب من الأخوال بالأبوين أو الأب مع عدمه، وقيل هنا: أن للخال من الأم السدس الباقي بعد حصة الزوج.
وفيه أنه قد تقرر عندهم -كما قدمنا بيانه- أن النقص بدخول الأزواج إنما يدخل على المتقرب بالأب خاصة، ويمكن خدشه بأن المراد به من المتقرّب بالأب، يعني إلى الميت كاخوته من الأبوين أو الأب، والتقرّب بالأب هنا إنما هو إلى الواسطة التي هي الأم، وقيل أيضاً أن له سدس الثلث الذي هو حصّة المتقربين بالأم، ورد أيضاً بأن الثلث إنما يكون حصة لهم إذا شاركهك الأعمام، وإلا فجميع المال لهم كما هو المفروض.
ولو اجتمع أحد الزوجين مع العموم المتفرقين فله النصيب الأعلى، وللمتقرّب بالأم من العموم سدس الأصل عندهم إن كان واحداً، وثلثه إن كان أكثر، والباقي لمن تقرّب بالأبوين أو الأب مع عدمه، ولا يخفى أن الخلاف المذكور يجري هنا أيضاً، إلا أنه لم ينقل المخالف فيما ذكرنا.
ولو اجتمع معه الأخوال المتفرقون والأعمام المتفرقون، فبعد حصة أحد الزوجين للأخوال ثلث الأصل: للمتقرب بالأم منهم سدس ذلك الثلث مع الاتحاد، وثلثه مع التعدد، والباقي للمتقرّب من الأخوال بالأبوين أو الأب مع عدمه، والباقي -بعد حصّة أحد الزوجين وحصة الأخوال- للأعمام: للمتقرّب منهم بالأم سدسه مع الوحدة، وثلثه مع التعدد، والباقي للمتقرّب بالأبوين أو الأب مع عدمه، ولم أقف في شيء من هذه الأحكام على نص خاص، والاحتياط لا يخفى.

(المسألة الثانية):
ينبغي أن يعلم أن هذه المرتبة ليست كسابقتها مشتملة على صنفين، يجتمع أعلى أحدهما مع أدنى الآخر، بال الصنفان فيها بحكم الصنف الواحد، نظراً إلى أن ارثهم إنما يكون من جهة كونهم إخوة أب الميت وأمه، كما قدمنا نقله عن الأصحاب، والاخوة صنف واحد، وكذا من يتقرّب بواسطتهم أو إلى ان ارثهم فرع على الأبوين لكونهم بمنزلتهما، كما أشارت إليه تلك الأخبار التي قدمناها، والأبوان أيضاً صنف واحد، ولهذا الصنف درجات متفاوتة صعوداً ونزولاً بحسب القرب والبعد، فالعم والعمة -مثلاً مطلقاً- أقرب من ابن العم والعمة وابن الخال والخالة مطلقاً، فلا يشاركه أحد منهم حيث وجد في مرتبته.
وهكذا الخال والخالة مع ابن الخال والخالة وابن العم والعمة، وهكذا تعتبر الأقربية فيهم وفي أولادهم للآية والأخبار: ففي رواية مسلمة ابن محرز عن أبي عبدالله عليه السلام -ابن عم وخالة- فقال: {المال للخالة…} وفي ابن عم وخال قال: {المال للخال…} وفي ابن عم وابن خالة قال: {للذكر مثل حظ الأنثيين}.
نعم خرج من هذه القاعدة صورة خاصة بالنصوص المستفيضة واجتماع الإمامية في تقديم ابن العم للأبوين على العم للأب، وهل يتعدى الحكم منها إلى ما يقاربها من الفروض، كما لو حصل التعدد في أحد الجانبين أو كليهما، إن دخل في الفروض المذكورة زوج أو زوجة، أو حصل التغيير بالذكورة أو الأنوثة، أو انضم إلى ذلك الخال والخالة؟ (خلاف) لا يليق بهذا الاملاء نشره، والأظهر الاختصار على مورد النص، حيث أن المسألة جرت على خلاف الأصول المقررة والظواهر المشتهرة، والتعدّي فيها عن مورد النص مشكل.

(المسألة الثالثة):
لايخفى أن هذه المرتبة مشتملة على طبقات متعددة:
(فالطبقة الأولى) أعمام الميت وعماته وأخواله وخالاته ثم أولادهم مع عدمهم، ثم أولاد الأولاد، وهكذا البحث المتقدم فيها خاصة، ولهذا لم تعتبر قيداً زائداً في شيء من الصور المفروضة للاحتراز عن سائر الطبقات.

(الطبقة الثانية) أعمام أبيه وأمه وعماتهما وأخوالهما وخالاتهما ثم أولادهم فنازلاً كما في سابقتها، ولا يرث أحد من الطبقة مع وجود أحد من سابقتها وإن نزل.

(الطبقة الثالثة) أعمام الجد والجدة وعماتهما وأخوالهما وخالاتهما ثم أولادهم فنازلاً، ولا يرث أحد من هذه الطبقة مع وجود من تقدمها.

(الطبقة الرابعة) أعمام أب الجد وأمه وزب الجدة وامها وعمات كل منهما وأخواله وخالاته ثم زولادهم، وهكذا كل طبقة على هذا الترتيب.
والمستند في جميع ذلك من الأولوية: المستفادة من الآية، والكلية الناطقة بتنزيل كل ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجر به كما في النصوص المتقدمة ، وعلى هذا فإذا انتقل فرض الميراث إلى الطبقة الثانية من طبقات الأعمام والأخوال فلو اجتمع عم الأب وعمّته وخاله وخالته وعم أمه وعمتها وخالها وخالتها ورثوا جميعاً لاستوائهم في الطبقة.
والمشهور في كيفية ميراثهم: أن لمن تقرّب بالأم من العم والعمّة والخال والخالة الثلث بالسويّة بينهم، والثلثان لقرابة الأب ثلثهما للخال والخلاة بالسوية وثلثاهما للعم والعمّة بالتفاضل، وقيل بل يجعل لخال الأم وخالتها ثلث الثلث بالسوية، ولعمّها وعمّتها ثلثاه بالسويّة أيضاً، والأعمام كما هو المشهور مما قدمناه.
واحتمل بعضهم أن يكون للخؤولة الأربعة من الطرفين الثلث بينهم بالسوية وفريضة الأعمام الثلثان ثلثهما لعم الأم وعمتها بالسوية أيضاً، لتقربهما بالأم، وثلثاهما لعم الزب وعمته أثلاثاً، والمسألة خالية من النص فسلوك طريق الاحتياط فيها مطلوب بصلح أو ابراء ونحوهما.

(المسألة الرابعة):
قد عرفت مما تقدّم أن أولاد كل طبقة يقومون مقام آبائهم وإن نزلوا ويقومون على من بعدهم من الطبقات المتأخرة، ويدل عليه عموم الآية والأخبار المتقدمة، وخصوص رواية الصادق عليه السلام قال: {وان اجتمع ولد العم وولد العمّة، فلولد العم -وإن كان أنثى- الثلثان، ولولد العمّة -وإن كان ذكراً- الثلث.
فلو اجتمع أولاد العمومة المتفرقين أخذ كل منهم نصيب من يتقرّب به، فلأولاد العم أؤ العمة للأم السدس إن كان واحداً، والثلث إن كان أكثر يقتسمون بالسويّة، والباقي لأولاد العم أو العمّة للأبوين، والعمومة لهما أو للأب مع عدمهم للذكر مثل حظّ الأنثيين.
ولو اجتمع أولاد الخؤولة المتفرقين، فلأولاد الخال أو الخلاة من الأم السدس، مع اتحاد من يتقرّبون به، والثلث مع تعددع بالسوية بينهم، ولأولاد الخال والخالة من الأبوين أو الأب مع عدمهم الباقي بالسوية زيضاً، لأنهم جميعاً ممن يتقرّب بالأم، ويأتي هنا ما تقدّم من الاشكال في الصورة الثانية من المسألة الأولى.
ولو اجتمع أولاد العمومة المتفرقين مع أولاد الخؤولة المتفرقين، كان ثلث المال لأولاد الخؤولة يقتسمونه على حسب ما ذكرناه في صورة تفرقهم وانفرادهم خاصّة، والثلثان لأولاد الأعمام يقتسمونه كما ذكرنا في مادة انفرادهم وتفرقهم، ولولد الخال والخالة الثلث إذا جامع أحداً من أولاد الأعمام، والخلاف المتقدّم في ميراث آبائهم في (الصورة الثالثة) جار هنا أيضاً، لكون ميراثهم متلقى من آبائهم، فكل ما يثبت لآبائهم من النّصيب يثبت لهم، ولو جامعهم أحد الزوجين، فالحكم فيه حكم اجتماعه مع ابائهم كما تقدّم في الصورة الرابعة.

(المسألة الخامسة):
قد يجتمع للوارث سببان من موجبات الإرث، فإن لم يحجب أحدهما الآخر ولم يكن ثمة من هو أقرب منه فيهما أو في أحدهما ورث بهما معاً إذا كان عمّاً وخالاً في صورة أن يتزوّج أخ الشخص من أبيه بأخته من أمّه، فهذا الشخص بالنّسبة إلى ولد هذين الزوجين عمّ، لأنه أخو أبيه من الأب، وخال لأنه أخو أمّه من الأم، فيرث نصيب العمومة والخؤولة، حيث لا مانع لع له منهما ولا من أحدهما فلو اجتمع معه عم للأبوين حجبه عن الإرث بنصيب العمومة، وكان له الثلث بنصيب الخؤولة خاصّة.
ولو كان أحد السببين يحجب الآخر، كما لو كان ابن عم هو أخ، فإنه يرث بالأخوّة الحاجبة الخاصّة، ولا يمنع ذو السبب المتعدد من هو في طبقته من ذي السبب الواحد، من حيث توهم قوة السبب بتعدده، لأن مدار الحجب إنما هو على الاختلاف في القرب والبعد بحسب البطون على وحدة القرابة وتعددها، فيأخذ ذو القرابتين مع عدم المانع من جهتي استحقاقه النّصيبين، ويأخذ ذو القرابة الواحدة من جهتها نصيب واحد، ولا يتعرض بتقديم المتقرّب بالأبوين على المتقرّب بالأب، فإن ذلك جار على خلاف الوصل، ومن ثم شاركه المتقرّب بالأم.

الفصل الرابع
في ميراث الأزواج

وفيه مطالب:
(المطلب الأول):
قد عرفت مما قدمنا: ان الزوجين يدخلان على جميع الطبقات ولا يحجبهما أحد منهم، لعموم الآية والأخبار المستفيضة، وخصوص رواية (أبي المعزا) عن أبي جعفر عليه السلام : {إنّ الله أدخل الزوج والزوجة على جميع أهل المواريث فلم ينقصهما من الربع والثمن، نعم قد يحجبان من النّصيب الأعلى إلى الأدنى} كما تقدّم بيانه في المبحث الخامس من مباحث المقدمة، فللزوج النصف مع عدم الحاجب، والربع معه، وللزوجة الربع مع عدم الحاجب، والثمن معه، ولو كنّ أكثر من واحدة فهنّ شركاء في الربع والثمن، ويمنعها من الإرث الموانع المتقدمة في المبحث الرابع من مباحث المقدمة.

(المطلب الثاني):
الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب {رضوان الله عليهم} في عدم الرد على الزوجين ما وجد وارث مناسب أو مسابب عدا الإمام عليه السلام ، أما لو انحصر الوارث في أحدهما والامام عليه السلام خاصة، فلا يخلو إما أن يكون الوارث معه عليه السلام هو الزوج أو الزوجة، فإن كان الزوج فللأصحاب -في الرد عليه أو عدمه بل يختص الباقي بعد فرضه بالامام عليه السلام – (قولان) المشهور الأول وعليه تلك الأخبار المتكاثرة.
(منها) رواية (أبي بصير) قال: {كنت عند أبي عبدالله عليه السلام فدعا بالجامعة، فنظرنا فيها فإذا فيها: امرأة هلكت، وتركت زوجها لا وارث لها غيره فالمال له كله} وبمضمونها أخبار لا يسع المقام لاتيان عليها.
ونقل عن سلار الثاني تمسكاً بعموم ظاهر الآية، وموثقة جميل عن أبي عبدالله عليه السلام قال: {لا يكون الرد على زوج ولا زوجة}.
الجواب عن الآية: بأن عمومها مخصوص بتلك الأخبار المستفيضة، والرواية قاصرة عن معارضة تلك الأخبار، ولا يبعد حملها على التقية، كما نبه عليه بعض الأصحاب، ومن ذلك يظهر قوة القول الأول، وإن كان الوارث مع الإمام عليه السلام هو الزوجة، فالمشهور بين الأصحاب هو عدم الرد عليها مطلقاً، فيكون الباقي بعد نصيبها للإمام عليه السلام وقيل يرد عليها مطلقاً، وهو منقول عن ظاهر الشيخ المفيد{ره} وقيل بالتفصيل بين غيبة الإمام عليه السلام وبين حضوره، فيرد عليها في الأول دون الثاني، وهو منقول عن الصدوق{ره} في (الفقيه) والشيخ في كتابي الأخبار، وإليه ذهب الشهيد في اللمعة وفي عدة من كتبه.
ويدل على الأول الأخبار العديدة: و(منها) رواية أبي بصير، قال: {قرأ علي أبو جعفر عليه السلام في الفرائض امرأة توفيت وتركت زوجها، قال المال للزوج، ورجل توفي وترك امرأة، قال: للمرأة الربع، وما بقي للإمام عليه السلام }، وعلى الثاني صحيحة أبي بصير عنه عليه السلام في رجل مات وترك امرأته، قال: {المال لها} ويمكن حمله على هبة الإمام عليه السلام حصته لها جمعاً بين الأخبار أو على علمه عليه السلام بأنها قريبة إليه دون غيرها، فتحوز الباقي بالقرابة، وجهة الثالث الجمع بين الأخبار: بحمل ما دل على عدم الرد على زمن الحضور، وما دل على الرد على زمن الغيبة.
وفيه أن الرواية الدالة على الراد موردها زمن الحضور، فكيف يستقيم حملها على زمن الغيبة؟ ومن ذلك ظهر أن أظهر الأقوال هو الأول.

(المطلب الثالث):
المعروف من مذهب الأصحاب أن مجرّد العقد من غير توقف على الدخول كاف في ثبوت التوارث بين الزوجين، ويدل عليه عموم الكتاب والسنّة، وخصوص رواية ابن أبي يعفور عن أبي عبدالله عليه السلام في المرأة توفيت قبل أن يدخل بها، قال: {فلها نصف المهر وهو يرثها}وفي رجل توفي قبل أن يدخل بامرأته قال: {إن كان فرض لها مهراً فلها نصفه وهي ترثه} وبمضمونها غيرها أيضاً، وعلى خصوص ارث الزوجة من الزوج قبل الدخول بها روايات متكاثرة، (منها) صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: {ليس للمريض أن يطلق، وله أن يتزوّج، فإن تزوج ودخل بها فجائز، وإن لم يدخل بها حتى مات في مرضه فنكاحه باطل ولا مهر لها ولا ميراث} وهي مخصصة لعموم الآية والأخبار.
والمراد ببطلان العقد إن مات في مرضه قبل الدخول بها، يعني عدم لزومه على وجه يترتب عليه جميع أحكام العقد حتى بعد الموت من الميراث والعدة لا البطلان وعدم الصحة حقيقة، وإلا لزم عدم جواز وطئه لها في المرض بذلك العقد، مع ان صدر الرواية يدل على خلافه، وعلى هذا فإن مات العاقد في مرض آخر بعد برئه من المرض الأول، أو مات بعد الدخول فلا ريب في صحة العقد ولزومه وترتب جملة الأحكام عليه.
ولو ماتت هي في مرضه الذي عقد فيه قبل الدخول بها ففي توريثه منها اشكال نشأ من ان صحة العقد -وازومه الموجب لترتب جملة الأحكام عليه- موقوف على الدخول أو البرء ومن أن الحكم على خلاف الأصول المقررة من الكتاب والسنّة، فيقتصر فيه على مورد النّص وهو موته خاصة.
وبالجملة فالحكم المذكور في غاية الغرابة، فإن الحكم بصحة عقد -وترتب جميع أحكام الصحة عليه مدة، ثم الحكم ببطلانه بعد موت الزوج وبطلان الأحكام المترتبة على صحته بعد ذلك- أمر غريب.

(المطلب الرابع):
لا خلاف بين أصحابنا {رضوان الله عليهم} في أن الزوجين يتوارثان ما دامت المرأة في حيال الزوج ولو بعد الطلاق إذا كانت في عدّة رجعيّة، والأخبار المستفيضة مصرحة فلو خرجت من العدّة، أو كانت بائناً فلا توارث إلا في صورة واحدة خرجت بالنّص والاجماع، وهي ما إذا طلق الرجل امرأته في مرضه الذي مات فيه، فإنها ترثه إل{ سنة من حين الطلاق، وإن كان الطلاق بائناً مالم يبرأ من مرضه أو تتزوج هي قبل تمام السنة للأخبار العديدة.
(منها) صحيحة أبي العباس عن أبي عبدالله عليه السلام قل: {إذا طلق الرجل المرأة في مرضه، ورثته مادام في مرضه، وإن انقضت عدّتها إلا أن يصح منه، قال قلت: فإن طال به المرض؟ قال: بينه وبين سنة} وفي موثقة سماعة: {وإن زاد على السنة يوماً واحداً لم ترثه}، وفي جملة من الأخبار أيضاً تصريح بارثها منه في السنة وإن كان الطلاق بائناً، ولو ماتت هي في السنة لم يرثها بعد العدة نصاً واجماعاً، واما في ضمن العدّة فإن كانت رجعيّة فظاهرهم الاتفاق على أنه يرثها فيها، وإن كانت بائناً فالمشهور عدم الارث كما هو مقتضى الأدلّة، وقيل يرثها ولا أعرف عليه دليلاً، وهل التوريث هنا لاطلاق النصوص بذلك أعم من أن يكون السبب الداعي للطلاق من جهته أو من جهتها، فإن العلّة في التوريث لمكان التهمة بالاضرار بها ومنعها عن الميراث، فقوله {حينئذ} بنقيض مطلوبه من توريثها بالمدة المضروبة ما لم تتزوج أو يبرأ؟ قولان: المشهور الأول، وعليه فيثبت الارث لها مطلقاً، وذهب الشيخ في الاستبصار رلى الثاني وعليه فينتفي الإرث متى عدم التهمة بذلك كما لو سألته الطلاق باختيارها.
ويدل على هذا القول موثقة سماعة قال: {سألته عن رجل طلق امرأته وهو مريض؟ قال: ترثه مادامت في عدتها، وإن طلقها في حال اضرار فهي ترثه إلى سنة} ورواية محمد بن القاسم الهاشمي قال: {سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: لاترث المختلعة والمباراة والمستأمرة في طلاقها من الزوج شيئاً إذا كان ذلك منهن في مرض الزوج، وإن مات في مرضه لأن العصمة قد انقطعت منهن}.
ومنه مارواه الصدوق(ره) في الفقيه عن يونس عن بعض رجاله عن أبي عبدالله عليه السلام قال: {سألته ما العلة التي من أجلها إذا طلق الرجل امرأته وهو مريض في حال الاضرار ورثته ولم يرثها؟ فقال هو الاضرار} ومعنى الاضرار هو منعه إياها ميراثها منه، فالزم الميراث عقوبة.
ويؤيد ذلك ما في صحيحة صفوان عمن حدثه، وصفوان ممن اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه من قوله عليه السلام : {وإن كانت قد تزوجت، فقد رضيت بالذي صنع ميراث لها} فإن حاصله اسقاط تزويجها للارث إنما هو لكشفه عن رضاها بالطلاق، وإلى هذا القول مال العلامةفي المختلف والارشاد، وإليه ذهب بعض المتأخرين أيضاً من أصحابنا المحدثين وهو الي يرجع عندي للأخبار المشار إليها، فتخصص بها تلك الأخبار المطلقة.

(المطلب الخامس):
اختلف الأصحاب {رضوان الله عليهم} في ثبوت التوارث في النكاح المنقطع وعدمه على أقوال:
(أحدها) انه يقتضي التوريث كالدائم مطلقاً حتى لو شرط .؟. بطل الشرط، ذهب إليه ابن البراج، ومستنده عموم الآية، فإن المتمتع بها زوجة، وإلا لم تحل للحصر، فترث حينئذ كسائر الزوجات، وفي هذا القول إعراض عن الأخبار بالكلية.
(الثاني) عدم التوارث مطلقاً، وإليه ذهب أبو الصلاح والعلامة، وهو المشهور بين المتأخرين وتدل عليه رواية سعيد بن يسار عن أبي عبدالله عليه السلام قال: {سألته عن الرجل يتزوج المرأة متعة ولم تشترط الميراث، فليس بينهما ميراث اشترط أو لم يشترط}، وليس في طريق هذه الرواية من ربما يتوقف في شأنه إلا الحسن بن موسى، فإنه مشترك بين الخشاب والحناط، والأول منهما ثقة ،والثاني وإن لم يوثق لكن نقل النجاشي ان له كتاباً، والشيخ في الفهرست قل له أصل وهو مما يؤذن بالاعتماد عليه، وضافاً إلى رواية أجلاء الأصحاب عنه في مواضع عديدة، ويدل عليه أيضاً رواية عمر بن حنظلة، قال: {سزلت أبا عبدالله عليه السلام عن شروط المتعة، فقال يشارطها ما يشاء من العطية -إلى أن قال- وليس بينهما ميراث} ورواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في المتعة، قال: {ليست من الأربع، لأنها لا تطلق ولا ترث ولا تورث، وإنما هي مستأجرة}، وفي بعض الأخبار الفروج على ثلاثة معان: فرج موروث وهو الثبات، وفرج غير موروث وهو المتعة، وملك اليمين.
(الثالث) ثبوته ما لم يشترط سقوطه، ذهب إليه المرتضى وابن أبي عقيل، أما ثبوت التوارث فلظاهر الآية، وأما السقوط مع الشرط فلعموم قوله عليه السلام : {المؤمنون عند شروطهم} ولموثقة محمد بن مسلم، قال: {سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول في الرجل يتزوج المرأة متعة انهما يتوارثان إذا لم يشترطا، وإنما الشرط بعد النكاح}، وأجاب الشيخ {ره} عن الرواية المذكورة بحمل الاشتراط في قوله عليه السلام إذا لم يشترطا على اشتراط الأجل، ولا يخلو عن قرب، فإنهما إذا لم يشترطا الأجل توارثا، لأنه يصير العقد دائماً كما هو أحد القولين وأظهرهما للرواية الدالة عليه.
(الرابع) عدم ثبوته، إلا أن يشترطا، اختاره الشيخ وأتباعه إلا القاضي، وبه قطع المحقق والشهيدان، وتدل عليه صحيحة محمد بن مسلم، قال: {سألت أبا عبدالله عليه السلام كم المهر يعني في المتعة -إلى أن قال- وان اشترطا الميراث فهما على شرطهما}، وحسنة البزنطي عن الرضا عليه السلام قال: {تزويج المتعة نكاح بميراث ونكاح بغير ميراث إن اشترط الميراث كان وإن لم يشترط لم يكن}، وروى هذه الرواية أيضاً الحميري في قرب الاسناد في الصحيح عن المرتضى عنه عليه السلام فالروايتان صحيحتا السند واضحتا الدلالة على المطلوب وبهما يترجح هذا القول على ما سواه من الأقوال، ولا معارض لهما يعتد به، سوى روايات القول الثاني، وإلا فالآية مع تسليم دلالتها فهي مخصوصة بالأخبار، وموثقة محمد بن مسلم بتعيين القول فيها بما ذكره الشيخ {ره} جمعاً بينها وبين ما ينافيها من الأخبار، فلم تبق إلا أخبار القول الثاني، والظاهر ترجيح هاتين الروايتين عليها لصحتهما وصراحتهما وقصور ما يقابلهما سنداً ودلالة أما السند فظاهر، وأما الدلالة فأما رواية سعيد بن يسار فحملها على ما ذكره الشيخ في الاستبصار من أن المراد بالاشتراط اشتراط نفي الميراث أم لم يشترط، وانها لا ترث، قال لأن ثبوته يحتاج إلى شرط لا ارتفاعه، وأما باقي الأخبار فالمراد من نفي التوارث فيها بمعنى أنه ليس ذلك من مقتضى العقد، كما في النكاح الدائم ولا ينافيه ثبوته مع الاشتراط، ويؤيد هذا أيضاً عموم قوله عليه السلام : {المؤمنون عند شروطهم}.

(المطلب السادس):
قد اجتمع الأصحاب {رضوان الله عليهم} وبه استفاضت الأخبار على أن الزوجة تحرم من بعض متروكات الزوج، وإنما وقع الخلاف هنا في موضعين آخرين: (أحدهما) في تعيين ما تحرم منه، و(الثاني) في تعيين المحرومة من أصناف الزوجات، وتحقيق المقام حسبما يستدعيه هذا الاملاء أن نقول: إن الأول من ذينك الموضعين قد اختلفت فيه كلمة الأصحاب {رضوان الله عليهم} على أقوال:
(أحدها): حرمانها من رقبة الأرض، بياضاً كانت أو مشغولة، عيناً وقيمة، ومما فيها من الدور والمساكن عيناً، وإنما تعطى قيمة الآلات والخشب والطوب ونحوها (وغيرها)، ذهب الشيخ والقاضي وابن حمزة، والظاهر أنه هو المشهور.
(الثاني) ما ذكر أولا بإضافة الشجر إلى الآلات في الحرمان من العين دون القيمة، وبه صرّح العلامة في القواعد، والشهيد في الدروس، ونقله في المسالك عن أكثر المتأخرين مدّعين أنه هو المشهور، وانه غير الأول ورده بأنه ممنوع كما يظهر من عباراتهم.
(الثالث) حرمانها من الرباع معارضة، وهي الدور والمساكن دون مطلق الأرض والبساتين والضياع، فتحرم من أرض الدور والمساكن عيناً وقيمة وتعطى من آلاتها قيمة لا عيناً، وترث مما سوى ذلك عيناً كسائر المنقولات، ذهب إليه المفيد وابن ادريس والمحقق في النافع وتلميذه شارح الرموز، وإلى هذا القول يميل كلام المولى الأردبيلي {قدّس الله سره} وتبعه الفاضل الخراساني في الكفاية، فتأول الأخبار الواردة في مسألة بتأويلات بعيدة وتحملات غير سديدة.
(الرابع) اختصاص كرمانها بأرض الرباع وابنيتها عيناً لا قيمة، فتعطى مما سوى الرباع عيناً، ومن أرض الرباع والأبنية قيمة لا عيناً، ذهب إليه المرتضى {ره} وهكذا قول المفيد، إلا انه أعطاها قيمة الأرض، والمعتمد منعها منها مطلقاً.
(الخامس) إرثها من كل شيء، ذهب إليه ابن الجنيد، ومنشأ الاختلاف بين هذه الأقوال مخالفة الأخبار الواردة في المسألة للآيات القرآنية فبعض تمسّكَ بظاهر الكتاب، وطرح الأخبار وهو القول الأخير وهو ضعيف، وآخرون ذهبوا إلى الجمع بين عموم ظواهر الآيات والأخبار الواردة في المسألة، وأخذوا ببعضها وخصّوا الحرمان بموضع خاص، تقليلاً للتخصيص بالآيات، وهو القول الثالث والرابع، وإن اختلفا في موضع الحرمان كما عرفت، وبعض عمل بالأخبار الواردة في المسألة كملاً، وخصّ بها الآيات، وهو القول المشهور، وهو المختار منها، كما سيظهر لك إن شاء الله تعالى تمام الظهور، وها نحن نسوق ما وقفنا عليه من الأخبار في المسألة، ففي صحيحة زرارة ان المرأة لا ترث من القرى والدور والسلاح والدواب شيئاً، إلى أن قال ويقوم النقض والأبواب والجذوع والقصب وتعطى حقها منه، وفيها دلالة على الحرمان من أعيان تلك الأشياء، واعطاء قيمة آلات البيوتوهي منطبقة على المشهور وعلى مذهب الشيخ المفيد في البيوت، ومنافية لمذهب السيد مرتضى حيث أثبت لها القيمة من الأرض كما علمت من مذهبه، وطعن بعضهم في هذه الروايات باشتمالها على مالا يقول به الأصحاب من الحرمان من السلاح والدّواب ويمكن الجواب بالحمل منها على السيف والفرس المعدودين في بعض الأخبار المتقدمة من الحبوة، وكيف كان فطرح بعض الخبر لمعارض أقوى لا يقتضي طرح ما لا معارض فيه، كما حقّقوه في محله، وفي رواية زرارة أنها لا ترث من الأرض ولا من العقار شيئاً، وهي ظاهرة في الرد على الشيخ المفيد حيث حكم بإرثها من غير أرض الدور والمساكن، إلا أن يقيد الأرض هنا بأرض الدور ولا دليل عليه، وهي مطلقة بالنّسبة إلى العقار فيجب حمل الحرمان فيها على العين دون القيمة وهي صريحة في الرد على الشيخ المفيد في ذلك أيضاً، وعلى السيد كما عرفت، وفي صحيحة الفضل {المرأة لا ترث من تركة زوجها من تربة دار أو أرض إلا أن يقوم الطوب والخشب قيمة فتعطى ربعها أو ثمنها إن كان له ولد من قيمة الطوب والجذوع والخشب}، والظاهر عطف قوله أو أرض على قوله تربة، فيكون فيه دلالة على المشهور من الحرمان من رقبة الأرض مطلقاً، رداً على قول الشيخ المفيد والسيّد، وفي حسنة جميل وزرارة ومحمد بن مسلم {لا ترث النساء من عقار الأرض شيئاً} وهي دالة على الحرمان من رقبة الأرض مطلقاً، رداً على ذينك الفاضلين، فإن العقار لغة بمعنى الأرض أيضاً، فتكون الإضافة بيانية، وفي رواية عبدالملك ابن أعين {ليس للنساء من الدور والعقار شيء} وظاهر الحرمان منهما عيناً وقيمة، لكن يجب تقييدها بما ورد من اعطاء قيمة الآلات والنخل والشجر فتحمل حينئذ على الحرمان من العين خاصّة، وكيف كان فهي نص في المراد على خلاف المشهور، وفي رواية يزيد الصائغ {لا يرثن من الأرض ولكن يرثن قيمة البناء} وظاهر الأرض فيها أرض البناء، وفيها دلالة على مذهب الشيخ المفيد بالنّسبة إلى الأرض مع احتمال العموم أيضاً، وفيها رد على السيد{ره}، وفي رواية أخرى له أيضاً: {إن النساء لا يرثن من الرباع شيئاً، ولكن لهن قيمة الطوب والخشب} وهي دالة على المشهور وعلى مذهب الشيخ المفيد ونافية لمذهب السيد، وفي صحيحة مؤمن الطاق {ولا يرثن النساء من العقار شيئاً ولهنّ قيمة البناء والنخل والشجر} وفيها دلالة على أن الحرمان من العقار إنما هو من العين دون القيمة، لأن العقار في اللغة الضيعة على ما نص عليه في القاموس وفي الصحاح العقار بالفتح الأرض والضياع والنخل، وقال الهروي العقار الأصل يقال لفلان عقاراي أصل مال، ومنه الحذث {من باع داراً أو عقاراً} وحينئذ فتكون هذه الرواية مقيدة لما أطلق في الأخبار في الحرمان من العقار مطلقاً، وهي صريحة في الرد على الشيخ المفيد والسيّد، حيث حكما بإرثها من أعيان هذه الأشياء المعدودة فيها، وفي رواية ميسرة {لهنّ قيمة الطوب والبناء والخشب والقصب فأما الأرض والعقار فلا ميراث لهن} والتقريب ما تقدّم في مثلها، وفي رواية محمد بن مسلم {ترث المرأة الطوب ولا ترث من الرباع شيئاً} وفيها دلالة على الحرمان من الرباع وهي لغة الدور عيناً، دون القيمة التي هي من الآلات كالطوب ونحوه، وفي حسنة حمّاد عن حريز وزرارة أو محمد بن مسلم {لا ترث النّساء من عقار الدور شيئاً، ولكن يقوم البناء والطوب فتعطى منه ثمنها أو ربعها} والمراد من العقار فيها إما بمعنى الأرض كما هو أحد معاني العقار ففيها دلالة على نفي الارث من أرض الدور عيناً وقيمة، أو بمعنى الدار فتكون الاضافة بيانية ففيها دلالة على نفي الارث من العين خاصة، وعلى كلا الوجهين ففيها رد على السيد، وفي رواية موسى بن بكر {لا ترث امرأة مما ترك زوجها من تربة دار ولا أرض، إلا أن يقوم البناء والجذوع والخشب، فتعطى نصيبها من قيمة البناء، فأما التربة فلا تعطى شيئاً من الأرض ولا من التربة} والتقريب فيها ما تقدم من صحيحة الفضلاء إلا أن هذه أصرح في الحرمان من أرض البياض لتكرر ذلك فيها مرّة بعد أخرى، فهي صريحة في الرد لما ذهب إليه المفيد والسيد{قدّس سرهما} من التخصيص المتقدم نقله عنهما، وفي ما كتبه الرضا عليه السلام إلى محمد بن سنان من أجوبة مسائله {علّة المرأة بأنها لا ترث من العقار شيئاً إلا قيمة الطوب والنقض لأن العقار لا يمكن تغييره}…الحديث، والمراد بالعقار فيها ما يشمل الأرض والضياع والدور ونحوها مما تقدم، وفيها رد لما يخالف المشهور، وفي رواية الفضل بن عبدالملك وابن أبي يعفور {يرثها وترثه من كل شيء ترك وتركت} وهي صريحة فيما ذهب إليه ابن الجنيد، إلا انها لمعارضتها الأخبار السابقة يجب حملها على التقيّة، فإن القول بحرمان الزوجة مما ذكر من منفردات الإمامية{أنار الله برهانهم} مثل مسألة الحبوة، فهذه جملة ما وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بالمسألة.
وقد ظهر لك مما ذيلنا به كل واحدة منها ان الأظهر هو القول بحرمان المرأة من الأرض بياضاً كانت أو مشغولة عيناً وقيمة، وما فيها من الدور والمساكن والنخل والشجر ونحوها عيناً لا قيمة، ومما استند إليه الآخرون من التمسك بالاية وإلقاء الأخبار بالكلية أو الجمع بينهما بالتخصيص بمادة تعليلاً للتخصيص، وعملاً بالآية حسب الإمكان، ففيه (أولاً) انه لا يخفى على المتتبع ما وقع لهم في جملة من الأحكام من تخصيص عمومات القرآن، وتقييد مطلقاته بالأخبار، وإن كانت أقل عدداً مما ذكر هنا، و(ثانياً) انه إن كانت الأخبار دليلاً شرعياً يعتمد عليه ويجب النظر في الأحكام إليه، فالقول هو المشهور وإلا فهو قول ابن الجنيد، وما بينهما من الأقوال خارجة عن جادة الاعتدال، وكفى بضعف ما ذهب إليه ابن الجنيد اجماع الطائفة سلفاً وخلفاً على خلافه، والاعراض عنها لمخالفته لما سردنا عليك من الأخبار، فيبقى القول المشهور عارياً عن القصور وهو مما نقحناه وأوضحناه.
و(أما لثاني) من ذينك الموضعين فالأصحاب فيه على قولين: (أحدهما) وهو المشهور سيما بين المتأخرين {رضوان الله عليهم} ان المحرومة مما ذكر هي من لم يكن لها من الزوج ولد، وأما من لها منه ولد فإنها ترث من جميع أعيان ما تركه من عقار وغيره جمعاً بين الأخبارالمتقدمة، وبين مقطوعة ابن اذينة وهي ما رواه الشيخ في التهذيب، والصدوق في الفقيه، في الصحيح عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة في النّساء {إذا كان لهنّ ولد أعطين من الرباع} وذهب الشيخ المفيد والسيّد المرتضى وابن ادريس والمحقق {ره} في النّافع إلى أن الحرمان عام لكل زوجة ذات ولد كانت أو غيرها، عملاً باطلاق الأخبار السابقة حيث اشتملت على حرمان المرأة بقول مطلق واستضعافاً لرواية ابن أذينة، وليس سبيلها سبيل ظاهر المضمرات والمرسلات التي يمكن حملها على الاسناد للامام عليه السلام فلا تنهض حجة في تخصيص تلك الأخبار المتكاثرة بحرمان تلك الزوجة مطلقاً، وهذا هو الأظهر عندي، ويعضد ذلك أيضاً بأبلغ وجه ما اشتمل عليه جملة منها في بيان وجه الحكمة في الحرمان، ففي رواية ميسرة المتقدمة بعد ذكر ما قدمنا نقله قال الراوي: {كيف صار هذا وإنما لهذه الثمن ولهذه الربع مسمى؟ قال: لأن المرأة ليس لها نسب ترث به وإنما هي دخيل عليهم، وإنما صار كذا لئلا تتزوج المرأة فيجيء زوجها أو ولدها من قوم آخرين فيزاحم قوماً في عقارهم}، وفي رواية محمد بن مسلم السابقة بعد ذكر ما تقدّم نقله منها، قال: {قلت كيف ترث من الفرع ولا ترث من الرباع شيئاً؟ قال لي: ليس لها منهم نسب ترث به، وإنما هي دخيل عليهم، فترث من الفرع ولا ترث من الأصل، ولا يدخل عليهم داخل بسببها}، وفي رواية حمّاد بن عثمان بعد ذكر ما نقلنا منها، قال: {وإنما ذلك لئلا يتزوجن فيفسدن على أهل المواريث مواريثهم}، وفيما روي عن الرضا عليه السلام في جواب مسائل محمد بن سنان بعد ذكر ما تقدّم: {لأن العقار لا يمكن تغييره وقلبه، والمرأة قد يجوز أن ينقطع ما بينها وبينه من العصمة، ويجوز تغييرها وتبديلها، وليس الولد والوالد كذلك، لأنه لا يمكن التقصي بينهما، والمرأة يمكن الاستبدال بها، فما يجوز أن يجيء ويذهب كان ميراثه فيما يجوز تبديله وتغييره، وكان الثابت المقيم على حاله لمن كان مثله في الثبات والقيام}.
والجميع ظاهر الدلاة متعاضد المقالة على شمول فردي الزوجة، وبذلك يظهر قوة القول الثاني دون الأول، وأنت خبير بما في هذه العلّة المكررة في هذه الأخبار من التأييد للمذهب المشهور في الموضع الأول، والرد لمذهب الشيخ المفيد والسيد المرتضى، حيث أثبتا لها الارث عيناً من بعض أفراد العقارات: كالشجر والنخل والأرض الخالية من الدور والمساكن، مع ان هذه الأخبار صريحة -كما ترى- في الحرمان حذراً من التضرر بدخول الأجانب بسبب الزوجة في مواريث الورثة.

(فوائد)

(الأولى) الظاهر من الأخبار المتقدمة أن المراد بالمساكن والأبنية ما هو أعم مما يسكن بالفعل وغيره، وما يصلح للسكون وغيره من الحمامات والخانات ونحوهما مما صدق عليه اسم البناء، فإنها على المشهور المختار لا ترث من عينه وإنما ترث من قيمته.
(الثاني) قد ذكر جملة من متأخري أصحابنا {رضوان الله عليهم} أن كيفية التقويم للبناء والآلات والشجر ونحوها على القول به أن يقوم مستحق البقاء في الأرض مجاناً إلى أن تفنى الدار كأنها مبنيّة في ملك الغير على وجه لا يستحق عليها أجرة، إلى أن تفنى وتعطى قيمة ما عدا الأرض من ذلك، وكذا الشجر ونحوه.
(الثالثة) هل القيمة في المواضع المذكورة رخصة للورثة لتسهيل الأمر عليهم أم عزيمة، فيجب على الوارث بذلها ولو على القهر؟ (وجهان) إلى الأول منهما مال المولى الأردبيلي في شرح الارشاد، وتبعه الفاضل الخراساني في الكفاية، وإلى الثاني مال المحقق الثاني في بعض أجوبة الشهيد الثاني في المسالك والمسألة موضع اشكال، ولعل الأول أقرب لأنه الأقرب للأخبار، ويتفرّع على القولين ما لو بذل الوارث الاعيان، فعلى الأول يجب عليها القبول وليس لها طلب القيمة بخلاف الثاني.
(الرابعة) إذا اجتمعت ذات ولد وغيرها، فعلى المشهور من اختصاص الحرمان بغير ذات الولد، فهل تختص بثمن الأرض أجمع وثمن عين ما حرمت منه الأخرى من الآلات والطوب والخشب ونحوها، أو يختص به الورثة، أو يكون مشتركاً بين الجميع؟(أوجه) أظهرها الأول، وهو اختياره في المسالك لأن الثمن حق الزوجة بنصّ الكتاب والسنّة، وانما تنقص عنه بمشاركة أخرى لها، فإذا انتفت المشاركة بقيت على حالها، وكل من يختص بالعين يتوجه عليه دفع القيمة، فعلى ما اخترناه يتوجه على الزوجة، فلو امتنعت رفع أمرها إلى الحاكم فيجبرها يبيع عليها بعض أموالها، كما في سائر الديون.
(الخامسة) قالوا إطلاق الواد محمول على ولد الصلب، وفي تعديته هنا إلى ولد الولد وجهان مبنيان على كونه ولداً حقيقة أم لا، أقول قد قدمنا لك ما يدل على تصريح غير واحد منهم بصدق الولد على ولد الولد في باب النكاح والميراث حقيقة كان أو مجازاً مشهوراً، وإن اختلفوا في غير هذين المقامين، فليكن هذا أيضاً كذلك.
(السادسة) لو خلف ماء في أرض مملوكة (لكونه من توابع العيون) كمياه العيوان الواقعة فيها وماء مملوكا في بئر وقناة له فعلى المشهور من تخصيص الحرمان بغير ذات الواد، والقول الثاني على العموم هل تستحق من قيمة تلك المياه دون عينها كسائر المنقولات، أو تحرم منها عيناً وقيمةً كالأرض؟ (وجوه) تنشأ من الشك في تبعية الماء لأحد هذه الأمور الموردة، ورجح بعض الأول قال لأن كونه مملوكاً بتبعيّة الأرض أقرب، ثم قال لكن المسألة محل اشكال، لعدم ورود نص فيها، وظاهر المولى الأردبيلي في شرح الارشاد اختيار الأول، ولبعض متأخري فضلاء أصحابنا {رضوان الله عليهم} في المسألة {رضوان الله عليهم} في المسألة تفصيل وجيه: (حاصلة) إن القدر الموجود منه وقت الموت ترث منه كسائر المنقولات، ومالم يكن كذلك فلا يكون تركه عند الموت، إذا الماء إنما يتجدد شيئاً فشيئاً، فهو من ماء نماء الأرض، فيكون تابعاً لها، ولا يخلو من قرب وان كان سبيل الصلح في مثل ذلك أحوط، وإنما أطلنا الكلام في هذا المقام، لكون المسألة من المهام العظام الدائرة بين الأنام في جملة الأيام مع خلوها من كلام أكثر علمائنا الأعلام عن البيان الرافع لنقاب الابهام.

الفصل الخامس
في ميراث الولاء

والولاء طبقات مترتبة (أولها) ولاء العتق، ثم ولاء ضمان الجريرة ثم ولاء الامامة، ولا يرث اللاحق منها مع وجود السابق، فهنا مقاصد ثلاثة:

(المقصد الأول)
في ولاء العتق

وفيه مسائل:
(المسألة الأولى) يشترط في الارث بالعتق شروط ثلاثة:
(احدها) فقد المناسب مطلقاً، وإلا فلا ميراث بالولاء نصاً واجماعاً ففي صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في خالة جاءت تخاصم في مولى رجل مات، فقرأ هذه الآية: }وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله{ فدفع الميراث إى الخالة ولم يعط المولى والأخبار مستفيضة لا ضرورة إلى تعدادها مع عدم المخالف.
(الثاني) أن يكون العتق تبرعاً على المشهور، فلو كان واجباً بنذر أو شبهه أو بكفارة أو انعتق قهراً بأحد الأسباب الموجبة لذلك من تنكيل أو زمانة أو قرابة، فهو سائبة لا ولاء عليه لصحيحة ابن رباب قال: {سألت أبا جعفر عليه السلام عن السائبة؟ فقال: انظروا في القرآن، فما كان فيه تحرير رقبة فتلك السائبة التي لا ولاء لأحد عليها}
ورواية الهاشمي، قال: {سزلت أبا عبدالله عليه السلام عن الرجل إذا أعتق أله أن يضع نفسه حيث شاء ويتولّى من أحب؟ فقال: إذا أعتق لله فهو مولى للذي أعتقه، وإذا أعتق وجعل سائبة فله أن يضع نفسه حيث شاء ويتولى من شاء}.
وفي صحيحة بريد العجلي عن أبي جعفر عليه السلام في {رجل كان عليه عتق رقبة فمات من قبل أن يعتق رقبة، فانطلق ابنه فابتاع رجلاً من كسبه فأعتقه وان المعتق أصاب مالاً، ثم مات وتركه، فقال: إن كانت الرقبة التي على أبيه في ظهار، أو شكر واجب عليه، فإن المعتق سائبة لا سبيل لأحد عليه -إلى أن قال- وإن كانت الرقبة على أبيه تطوعاً، كان ولاء العتق ميراثاً لجميع ولد الميت من الرجل…الحديث}.
وفي صحيحة أبي بصير عنه عليه السلام قال: {قضى أمير المؤمنين عليه السلام في من نكل بمملوكه انه حر ولا سبيل عليه سائبة يذهب فيتولى من أحب}، ويؤيده أيضاً ظاهر قوله عليه السلام : {الولاء لمن أعتق} فإنه ظاهر في ترتب الولاء على وقوع العتق من المعتق، فلا يشمل من انعتق قهراً على المالك.
ونقل عن الشيخ في المبسوط وتبعه ابن حمزه في أم الولد انهما أثبتا الولاء لورثة مولاها بعد انعتاقها من نصيب ولدها، وادّعى الشيخ عليه اجماع الأصحاب مع ان المشهور ان ميراث أم الولد إنما هو للإمام، وخالفا أيضاً في من انعتق بالقرابة، فأوجبا الولاء لمن ملك أحد قرابته فانعتق عليه، سواء ملكه باختياره كما إذا اشترى أباه مثلاً، أو كما إذا ورثه، واحتجا على ذلك بموثقة سماعة عن أبي عبدالله عليه السلام في {رجل يملك ذا رحم هل يصلح له أن يبيعه أو يستعبده؟ قال: لا يصلح أن يبيعه ولا يتخذه عبداً وهو مولاه وأخوه في الدين وأيهما مات ورثه صاحبه، إلا أن يكون وارثه أقرب إليه منه}، ولا يخفى أن الظاهر ان المراد بالارث في الخبر الحاصل بالقرابة دون الولاء، ويؤيده الحكم فيه بالتوارث من الطرفين، والخبر لا دليل فيه لهما.
(الثالث) أن لا يتبرأ المنعم من ضمان جريرته وجناية حال الاعتاق، وإلا فلا ولاء له بالإجماع، بل يكون ميراثه لمن ضمن جريرته إن كان، وإلا فالإمام عليه السلام ويدل عليه ما ي رواية زبي الربيع، قال: {سئل أبو عبدالله عليه السلام عن السائبة هو الرجل يعتق غلامه، ثم يقول اذهب حيث شئت ليس لي من ميراثك شيء، ولا عليّ من جريرتك شيء، ويشهد على ذلك شاهدين} وهل الاشهاد شرط في صحة التبري، فلو لم يشهد على ذلك لم يتحقق التبري؟ قولان: الأكثر على العدم ، والشيخ الصدوق وابن الجنيد على الأول، للأخبار الدالة على الأمر بالاشهاد، كالرواية المذكورة وغيرها أيضاً وحملها الأكثر على أن الاشهاد شرط للاثبات لو ادعى، كما ورد في جملة من الأحكام، لا لصحته في نفس الأمر.
وزاد بعض المتأخرين على هذه الثلاثة شرطاً رابعاً، وهو أن لا يكون أحد والدي المعتق حراً في الأصل، إذ لو كان أحدهما حراً أصلياً كان أولاده تابعين له في الحرية، فلا عتق ولا ولاء عليهم، والظاهر أن الشرط الأول مغن عنه، إلا أن بعض الأخبار هنا تدل على خلافه، كصحيحة عيثص بن القاسم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: {سألته عن رجل اشترى عبداً له أولاد من امرأة حرّة فأعتقه؟ قال: ولاء ولده لمن عتقه}، وبعاضدها بعض الأخبار أيضاً، وظاهرها أن الأم كانت حرة أصلية، وان الولاء ينجر إلى موالي الأب إذا اعتق والحال كذلك، ولا أعلم بمضمونه قائلاً من الأصحاب، فإن ظاهرهم الاتفاق على أن لا ولاء في الصورة المذكورة صرّح به شيخنا الشهيد الثاني{ره} في المسالك، يمكن حمل هذا الخبر وما في معناه على أم كانت معتقة، فبعد عتق الأب ينجر ولاء الأولاد من موالي الأم إلى موالي الأب، كما هو لمشهور.
(المسألة الثانية) الظاهر أنه لا خلاف بين أصحابنا {رضوان الله عليهم} في أنه متى اجتمعت الشروط المتقدمة، فإنه برئه المنعم ذكراً كان المنعم أو أنثى، ومع تعدده فلكل حصته بالنّسبة، أما لو مات المنعم فللاصحاب في تعيين الوارث أقوال ستّة لا ضرورة بنا إلى التطويل بنقلها مع ضعف حجتها، إلا ان الأقرب إلى الأخبار منها قولان: (الأول) ما هو المشهور، وهو أن الولاء للأولاد الذكور خاصة، ومع عدمهم فللعصبة إن كان المنعم رجلاً، وإن كان أنثى فلعصبتها، ويدل على الأول قوله عليه السلام في صحيحة بريد المتقدمة: {وان كان الرقبة على أبيه تطوعاً، وقد كان أبوه أمر أن يعتق عنه نسمة، فإن ولاء المعتق هو ميراث لجميع ولد الميت من الرجال …الحديث}، ورواية محمد بن عمر، انه كتب إلى أبي جعفر عليه السلام يسأله عن رجل مات، وكان مولى لرجل وقد مات مولاه قبله، وللمولى ابن وبنات، فسأله عن ميراث المولى؟ فقال: {هو للرجال دون النساء}، واستدلوا على اختصاص عصبة المنعم بالولاء مع فقد الولد الذكور بصحيحة محمد بن قيس عن الباقر عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل حرر رجلاً فاشترط ولاءه فتوفي الذي اتعق وليس له ولد إلا النّساء، ثم توفي المولى فترك مالاً، وله عصبة فاستوفى ميراث بنات مولاه وعصبته، فقضى بميراثه للعصبة الذين يعقلون عنه}، وأنت خبير بأن ظاهر قوله عليه السلام ثم توفي المولى وترك مالاً وله عصبة أن العصبة للمولى وهو العتيق لا المنعم كما هو المدعى، والاحتقاق -وهو التخاصم- إنما وقع بين بنات المنعم وعصبة العبد المعتق، فالرواية ليست من الدلالة على ما ذكروا في شيء، ويدل على الثاني صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: {قضى أمير المؤمنين عليه السلام على امرأة عتقت رجلاً واشترطت ولاءه ولها ابن، فألحق ولاءه بعصبتها الذين يعقلون عنها دون ولدها} ومثلها أخبار أخر أيضاً.
(الثاني) اشتراك أولاد المنعم إذا كان رجلاً في الولاء ذكوراً وإناثاً وإذا كان امرأة فهو لعصبتها كما تقدّم في القول الأول، وإلى ذلك مال الفاضل الخراساني، واستدل على دخول البنات في ميراث الرجل بموثقة عبدالرحمن ابن الحجاج عن أبي عبدالله عليه السلام قال: {مات مولى لحمزة بن عبدالمطلب فدفع رسول الله| ميراثه إلى بنت حمزة}، وعضده أيضاً بقوله| في رواية السكوني: {الولاء لحمة كلحمة النسب}، وطعن في صحيحة بريد الدالة على الاختصاص المذكور بأن محل الاستدلال فيها قوله: {فإن ولاء المعتق هو ميراث لجميع ولد الميت من الرجال} وهو مبني على ان من الرجال قيد للولد، مع انه يحتمل أن يكون قيداً للميت لا للولد، قال: وحينئذ لا يكون للخبر دلالة على اختصاص الولاء بالذكور من الأولاد (…انتهى).
وفيه أن اللم في الميت ليست هنا للجنس حتى يناسب بيانه بكون الميت من الرجال، بل هي للعهد الذكرى وإشارة إلى الرجل المسؤل عنه في صدر الرواية، يعرف ذلك من نظر الرواية من أولها إلى آخرها، وقدمنا شطراً من صدرها إلى الموضع المذكور في المسألة الأولى، وأجاب الأكثرون القائلون بالاختصاص المذكور عن موثقة عبدالرحمن بضعف السند، فإن فيه الحسن بن سماعة وهو واقفي، وهذا متجه على مذاق من يعد الموثق في قسم الضعيف، وإلا فالحديث موثق، والحسن بن سماعة ثقة واقفي، والشيخ في الاستبصار اختار العمل بهذه الرواية، وحمل صحيح بريد ورواية محمد بن عمر على التقية قال لأنها موافقة لمذهب العامة إذا كان المعتق رجلاً، وإن كان امرأة فلا خلاف بين الطائفة ان الميراث للعصبة دون الأولاد ذكوراً كانوا أو اناثاً انتهى.
وبالجملة فالحكم فيما إذا كان المعتق امرأة واضح من كون الولاء مع فقدها لعصبتها، وأما إذا كان التمعتق رجلاً فهو عندي محل اشكال لدلالة صحيحة بريد ومحمد بن عمر على الاختصاص بالذكور، ودلالة موثقة عبدالرحمن على دخول النساء أيضاً مؤيدة بما نقل في الكافي عن الحسن بن سماعة، مما يشعر بأن الاختصاص بالذكور من مرويات العامة، وما استدلوا به أيضاً على أنه مع عدم الولد الذكور للرجل فالميراث للعصبة من صحيحة محمد بن قيس قد عرفت ما فيه، كما عرفت.
(المسألة الثالثة) لا خلاف في أن الزوجين يأخذان نصيبهما الأعلى إذا كان الوارث المنعم أو من يتقرب به من عصبته أو أولادهم، ثم المشهور أنه مع فقد المنعم يشترك لأبوان مع الأولاد، ويقوم أولاد الأولاد مقام الأولاد مع فقدهم مع وجوب الترتيب بينهم، كما في النّسب على ما عرفت من الخلاف في اعتبار الذكورة خاصة في الأولاد أو مع الأنوثيّة، وأما في أولاد الأولاد فظاهر الأصحاب أنه لا يعتبر فيهم ذلك بل يرثون ذكوراً كانوا أم أناثاً، مع إرث من يتقربون به، وهو إنما يتم بأمرين: (أحدهما) عدم دخول أولاد الأولاد في إطلاق الأولاد كما هو أحد القولين، و(ثانيهما) كون ولد الولد إنما يرث بما يرثه أبوه، ولا يرث مستقلاً كما هو أحد القولين، وكل منهما مدخول كما عرفت، وذهب ابن الجنيد إلى تقديم الأولاد على الأبوين والجد على الأخ ولم يشاركهم معهم، وهو ضعيف مدفوع بتساويهم في الطبقة، فلا وجه للمنع والتقديم.
(المسألة الرابعة) اختلف الأصحاب -بعد اتفاقهم على أن لولاء نوروث به- في أنه هل يكون موروثاً كالمال أم لا؟ أكثر الأصحاب على العدم للأصل مع المعارض، ولأن الولاء ليس مالاً حى يقبل النقل، ومن ثم قال عليه السلام : {الولاء لحمة كلحمة النسب لايباع ولا يوهب}، وكما لا يقبل الانتقال بالبيع والهبة فكذا لا يشبهه، ويؤيد ذلك ما دل على عدم جواز شرطه في بيع كصحيحة العيص بن القاسم عن أبي عبدالله عليه السلام : {أن عائشة قالت للنبي| ان اهل بريدة اشترطوا ولاءهخا، فقال | الولاء لمن عتق}، وزبطل شرطهم، وظاهر المحقق وجماعة كونه موروثاً لأنه من الحقوق المتروكة، فكان داخلاً تحت عموم الإرث (وفيه) ان مجرد كونه حقاً لا يستلزم ذلك، لأنه ليس من الحقوق القابلة للنقل، وإلا لصح بيعه وهبته وأخذ عوضه وليس كذلك، وتظهر فائدة الخلاف فيما إذا مات المنعم وخلف وارثاً لم يكن ذلك الوارث بعينه وارثاً يرم موت العتيق، كما لو مات المنعم عن ولدين لأحدهما أولاد ثم مات الولد الذي له أولاد ثم مات العتيق، فعلى المشهور يختص ميراثه بالحي من الولدين، دون أن يشركه فيه أولاد الولد الميت، لعدم انتقال حق المنعم من الولاء بعد موته إلى أولاده، وأقرب الورثة إلى المنعم يوم موت العتيق إنما هو الولد للصلب فيختص الإرث به حينئذ، وعلى القول الآخر يشترك الولد الميت في الإرث بالمناصفة إذ بموت المنعم انتقل حق الولاء منه إلى ولذيه انصافاً بينهما، لأن مقتضى كونه موروثاً انتقاله بموت الموروث، كما ينقل غيره من الأموال والحقوق، فبعد موت ذي الزولاد منهما انتقل حقه إلى أولاده، فيشاركون بينهم فيرثون النصف بعد موت العتيق، وكما لو مات المنعم غن ابن وابن ابن، ثم مات الابن قبل موت العتيق وترك ابناً، ثم مات العتيق فإن ولدي الولد يتساويان في الإرث على المشهور، ويختص الإرث بولد من كان حيّاً عند موت أبيه على القول الآخر.

(المقصد الثاني)
في ولاء ضمان الجريرة

قد صرّح بعض الأصحاب بأن هذا عقد كان في زمن الجاهلية يتوارثون بسببه دون الأقارب، فأقرهم الله عليه في صدر الاسلام، وأنزل فيه قوله تعالى: }والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم{ ثم نسخ بالإسلام والهجرة فإذا كان للمسلم ولم يهاجر ورثه المهاجرون دون ولده وإليه الإشارة بقوله تعالى: }والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء{ ثم نسخ بالتوارث بالرحم والقرابة، وأنزل سبحانه آيات الفرائض وقوله: }وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض{.
(وبالجملة) الحكم بالإرث به ثابت مع فقد المناسب والمعتق، وأخبارنا به متظافرة، والاجماع عليه من أصحابنا منعقد، رلا انه لما كان غير معمول عليه في جملة من الأمصار، فالاشتغال بتحقيق أحكامه وتطويل الكلام بنقضه وابرامه قليل الجدوى، والاختصار في هذه الرسالة الغاية القصوى.

(المقصد الثالث)
في ولاء الإمامة

وفيه فوائد:
(الأولى) المشهور بين الأصحاب {رضوان الله عليهم} ان الميت إذا لم يكن له وارث نسبي ولا سببي حتى ضامن الجريرة فميراثه للإمام، سواء كان الإمام حاضراً أو غائباً، ويدل عليه اطلق الأخبار المستفيضة مثل قوله في صحيحة بريد المتقدمة: {وإن لم يكن توالى أحداً من المسلمين حى مات، فميراثه للإمام إمام المسلمين إن لم يكن له قريب يرثه من المسلمين}، وفي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: {من مات وليس له وارث من قبل قرابته ولا مولى عتاقه قد ضمن جريرته فماله من الأنفال} إلى غير ذلك من الأخبار التي يضيق عن نشرها هذا الاملاء، وذهب الصدوق في الفقيه إلى انه له عليه السلام إن كان حاضراً، وإلا فهو لأهل بلد الميت قال في الكفاية، ولعل مستنده الجمع بين الأخبار المتقدمة وبين رواية خلاد السندي، ورواية داود الدالتين على أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يدفع ذلك إلى (همشهرية) يعني إلى أهل بلده، بحمل تلك الأخبار على حال الظهور وهذه على حال الغيبة.
(وفيه) ان هذه الأخبار صريحة في الحضور، فإن علياً عليه السلام هو المعطي بنفسه، وحمل الشيخ هاتين الروايتين على انه عليه السلام تبرع بحقه استصلاحاً لأنه ماله، وله أن يضعه حيث شاء وهو قريب.
(وبالجملة) فما ذهب إليه الصدوق في حال الغيبة خال من المستند واطلاق الأخبار يرده، وظاهر الشيخ في الاستبصار -وهو منقول عن ابن الجنيد- ان ميراث من كان كذلك لبيت مال المسلمين، وتدل عليه رواية معاوية بن عمّار، ورواية سليمان بن خالد، وطريق الجمع بينهما وبين الأخبار المتقدمة -مع كون تلك أكثر عدداً وأصح سنداً- حمل هذين الخبرين على التقيّة لموافقتهما لمذهب العامّة.
(الثانية) اختلف الأصحاب القائلون بكون ميراث من لا وارث له للإمام عليه السلام مطلقاً فيما يفعل به حال غيبة، فظاهر بعض الأصحاب أنه يحفظ ويوصى به حتى يصل إلى الإمام عليه السلام على حد ما ذهب إليه بعضهم في حقه عليه السلام من الخمس حال الغيبة، وذهب جماعة إلى انه يقسم في الفقراء والمساكين مطلقاً، وخصّه آخرون بفقراء ومساكين بلده، وأنت خبير بأن مقتضى صحيحة محمد ابن مسلم المتقدمة الدالة على كونه من الأنفال، ومثلها أيضاًحسنة الحلبي وموثقته ومرفوعة ابن ابن تغلب وغيرها من الأخبار الدالة على كونه للرمام مع ما ورد عنهم عليهم السلام من اباحة حقوقهم لشيعتهم، كصحيحة الحرث النظري عن أبي عبدالله عليه السلام في حديث سئل فيه عن أموال وغلات له فيه حق؟ فقال عليه السلام : {فلم أحللنا إذاً شيعتنا إلا لتطيب ولايتهم من ولى آبائي فهو في حل مما في أيديهم من حقناً، فليبلغ الشاهد الغائب}، وبمضمونها أخبار صحاح صراح مستفيضة، وقد أتينا عليها في أجوبة مسائل بعض الأخلاء الأجلاء وهو الحل لجميع الشيعة، وإلى هذا مال في الكفاية أيضاً، وحينئذٍ فليكن المتولي لصرفه هو الحاكم الشرعي لأنه نائبه عليه السلام متى تعذر فلا يبعد الاكتفاء في ذلك بعدول المؤمنين.
(الثالثة) نقل بعض أصحابنا المتأخرين عن المحقق الطوسي في فرائضه أنه زاد قبل مرتبة ولاء الإمامة طبقتين أخريين للولاء، وجعل طبقاته خمساً: الأول ولاء العتق، والثاني ولاء ضمان الجريرة، الثالث ولاء من أسلم على يده كافر، فقطع ان ميراث هذا الكافر الذي مات بعد اسلامه إنما هو لمن أسلم على يده إذا لم يكن له وارث مسلم نسبي ولا معتق ولا ضامن جريرة، وهذا الحكم من منفرداته {قدس سره} إذ لم ينقل عن غيره من الأصحاب ولعل مستنده في ذلك ما رواه الشيخ في التهذيب عن السكوني، والكليني في الكافي بسند فيه سهل عن مسمع، وكلاهما عن أبي عبدالله عليه السلام قال: {قال أمير المؤمنين عليه السلام بعثني رسول الله|، فقال ياعلي لا تقاتلن أحداً حتى تدعوه وأيم الله لئن يهدي الله على يدك رجلاً خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت، ولك ولاؤه ياعلي}، وهذا الخبر مع ضعف سنده ليس صريحاً في المطلوب، لجواز أن يكون قد علم | أن ليس له وارث مسلم، فأعطى ولاءه الذي يستحقه علياً عليه السلام وربما يخدش بأن الكلام ليس من شأن أحد بخصوصه، بل مراده ان كل من دعوته فأسلم فلك ولاؤه، فهو حكم كلي.
ويمكن الجواب عن الخبر لمذكور بأن ذلك كان قبل تقرر لامواريث على الوجوه المقررة في الشريعة، ويؤيده انه لم يرد لهذا الحكم في باب الميراث عنهم عليهم السلام أثر بالكلية.
(الرابع) ولاء من اشترى من مال الزكاة لفقد مستحق غيره، لو مات من غير وارث نسبي ولا معتق ولاضامن جريرة ولا من أسلم على يده، فإن ميراثه لمستحقي الزكاة من الفقراء والمساكين، وبه أفتى الصدوقان والشيخ، وهو المشهور، بل ظاهر كلام المعتبر انه اجماع، وقيل ان ميراثه للامام عليه السلام والقائل به من القدماء مجهول، واختاره العلامة{ره} في القواعد وولده في الشرح، والأظهر الأول لموثقة عبيد بن زرارة قال: {سألت أبا عبدالله عليه السلام في رجل أخرج زكاة ماله ألف درهم فلم يجد لها موضعاً فاشترى بها مملوكاً وأعتقه، هل يجوز ذلك؟ قال: نعم لا بأس بذلك، قلت: فإنه لما أعتق وصار حراً اتجر فأصاب مالاً، ثم مات وليس له وارث، فمن يرثه إذا لم يكن له وارث؟ قال: يرثه فقراد المؤمنين الذين يستحقون الزكاة، لأنه إنما اشتري من مالهم} ويدل عليه أيضاً ما رواه الصدوق في كتاب العلل في الصحيح عن أيوب ابن الجراح أديم ابن الحر، قال: {قلت لزبي عبدالله عليه السلام مملوك يعرف هذا الأمر الذي نحن عليه، اشتريه من الزكاة وأعتقه؟ قال: اشتره واعتقه، قلت: فإن هو مات وترك مالاً؟ قال فقال: ميراثه لزهل لزكاة لأنه اشتري بسهمهم}، وفي تحقيق كون ميراثه للفقراد والمساكين كما هو مدلول الرواية الأولى، ولأهل الزكاة مطلقاً كما هو مدلول الرواية الثانية إشكال، ثم إنه رحمه الله تعالى جعل آخر طبقات الولاء ولاء الإمامة. 

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *