ج23 - أولياء العقد

المقصد الثاني

في الأولياء للعقد

وما يتعلق بهم في المقام ، وفيه مسائل.

الاولى : المشهور بين الأصحاب انه لا ولاية في عقد النكاح لغير الأب والجد للأب وإن علا ، والمولى والوصي والحاكم الشرعي.

وقد وقع الخلاف هنا في مواضع (أحدها) في الزيادة على هؤلاء بعد ولاية الأم وآبائها ، ذهب إليه ابن الجنيد قال : فأما الصبية غير البالغة فإن عقد إليها أبوها فبلغت لم يكن لها اختيار ، وليس ذلك لغير الأب وآبائه في حياته ، والام وأبوها يقومان مقام الأب في ذلك ، لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر نعيم بن نجاح أن يستأمر أم ابنته في أمرها ، وقال «وامروهن في بناتهن». انتهى ، وهو ضعيف وحديثه عامي ، وأخبارنا ظاهرة في خلافه كما سيأتيك إن شاء الله في المسائل الآتية.

و (ثانيها) قول ابن عقيل في نقصان الجد من هؤلاء المذكورين ، فإنه قال :

الولي الذي أولى بنكاحهن هو الأب دون غيره من الأولياء ، ولم يذكر للجد ولاية وظاهر هذه العبارة المنقولة عنه حصر الولاية في الأب ، فيصير خلافه شاملا لمن عد الجد أيضا من الأولياء المذكورين.

و (ثالثها) الوصي ، وسيأتي تحقيق الكلام فيه في بعض المسائل الآتية إن شاء الله تعالى.

بقي الكلام هنا في مواضع الأول : أنه هل يشترط في ولاية الجد حياة الأب أم لا؟

المشهور الثاني ، وأنه لا فرق بين حياة الأب وموته بل يثبت له الولاية مطلقا ، وهو ظاهر الشيخ المفيد والمرتضى وسلار حيث أطلقوا الحكم بولاية الجد ، وبه قطع ابن إدريس ومن تأخر عنه.

وذهب الشيخ في النهاية إلى أن حياة الأب شرط في ولاية الجد على البكر


البالغة والصغيرة ، وموته مسقط لولايته عليهما ، ونقله في المختلف أيضا عن ابن الجنيد وأبى الصلاح وابن البراج والصدوق في الفقيه ، وأما ابن أبي عقيل فقد عرفت أنه ينكر ولاية الجد مطلقا.

ويدل على القول المشهور أنه لا ريب أن للجد ولاية المال ، فيثبت له ولاية النكاح ، لما رواه عبد الله بن سنان (1) في الصحيح عن الصادق عليه‌السلام قال : «الذي بيده عقدة النكاح هو ولي أمرها».

ولا خلاف في أن الجد ولي أمر الصغير فيكون بيده عقدة النكاح ، واستدل على ذلك أيضا بأن ولاية الجد أقوى من ولاية الأب ، لتقدم مختار الجد على الأب عند التعارض ، كما دلت عليه النصوص الآتية في محلها إن شاء الله تعالى ، وإذا كانت أقوى فلا يؤثر فيها موت الأضعف ، وأورد عليه بأنه يجوز أن يكون قوة الولاية مشروطة بحياة الأب ، كما هو مفروض الروايات المشار إليها ، فلا يلزم قوتها مطلقا.

واستدل الشيخ في التهذيب على ما ذهب إليه بما رواه عن الفضل بن عبد الملك (2) قال : «إن الجد إذا زوج ابنة ابنه وكان أبوها حيا وكان الجد مرضيا جاز ، قلنا : فإن هوي أبو الجارية هوى ، وهوى الجد هوى ، وهما سواء في العدل والرضا ، قال : أحب إلي أن ترضى بقول الجد».

واعترض على ذلك في المسالك بأن فيه ـ مع ضعف السند ـ ضعف الدلالة ، قال : فإنها بالمفهوم الوصفي ، وهو غير معتبر عند المحققين.

ورد الثاني منهما سبطه السيد السند في شرح النافع بأن هذا المفهوم مفهوم شرط ، وهو حجة عندهم ، ثم قال : لكن يمكنه أن يقال حجية المفهوم إنما يثبت إذا لم يظهر للتقييد وجه سوى نفى الحكم عن السكوت عنه.

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 392 ح 46 ، الوسائل ج 14 ص 212 ح 2.

(2) الكافي ج 5 ص 396 ح 5 ، التهذيب ج 7 ص 391 ح 40 ، الوسائل ج 14 ص 218 ح 4.


وربما كان الوجه في هذا التقييد التنبيه على الفرد الأخفى ، وهو جواز عقد الجد مع وجود الأب ، وكيف كان فهذه الرواية قاصرة عن إثبات هذا الشرط. انتهى.

أقول : والمسألة لا يخلو من شوب الاشكال ، وإن كان القول المشهور لا يخلو من قوة ، لأصالة عدم الشرط المذكور ، مضافا إلى ظاهر صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة ، إلا أن ظاهر رواية الفضل باعتبار كون المفهوم فيها مفهوم شرط ، وهو حجة عند المحققين ، كما أوضحناه بالأخبار الدالة على ذلك في المقدمات المذكورة في أول جلد كتاب الطهارة ما ينافي ذلك.

وما ذكره السيد السند من الفائدة في هذا التقييد الظاهر أنه لا يخلو من بعد فإن هذا الفرد الذي اشتملت عليه الرواية ليس هو الأخفى ، بل هو الظاهر ، لاستفاضة الروايات به ، ووقوع الاتفاق عليه ، وإنما الأخفى هو العكس ، ولهذا صار مطرح الخلاف في المسألة واشتبه الدليل بالنسبة إليه.

الثاني : لو ذهبت بكارة الصغيرة بوطى‌ء أو نحوه فإن ثبوت الولاية عليها للأب والجد باقية لا تزول بزوالها ، لأن مناط الولاية عليها كما دلت عليه النصوص هو الصغر ، أعم من أن تكون باقية على بكارتها أم لا ، وإنما يفترق الحكم فيهما بالنسبة إلى البالغة كما صرحت به النصوص وهو ظاهر لا إشكال فيه.

الثالث : ظاهر الأصحاب الاتفاق على أنه لا خيار للصبية بعد البلوغ إذا عقد عليها الأب أو الجد ، وإنما الخلاف في الصبي ، فإن المشهور أنه كذلك ليس له الخيار.

وقيل : بان له الخيار بعد البلوغ ذهب إليه الشيخ في النهاية ، ونقله في المختلف أيضا عن ابن إدريس وابن البراج وابن حمزة والخلاف هنا ناش من اختلاف الأخبار في المسألة ، ونحن نذكر جملة الأخبار المتعلقة بهذا المقام.

فأما ما يدل على حكم الصبية ، وأنه ليس لها الخيار في الصورة المذكورة


فأخبار عديدة :

منها : صحيحة عبد الله بن الصلت (1) المروية في الكافي والتهذيب قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الجارية الصغيرة يزوجها أبوها ، ألها أمر إذا بلغت؟ قال :

لا» وزاد في الكافي «ليس لها مع أبيها أمر».

وما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) عن محمد بن إسماعيل بن بزيع (2) قال : «سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن الصبية يزوجها أبوها ثم يموت وهي صغيرة فتكبر قبل أن يدخل بها زوجها ، أيجوز عليها التزويج أو الأمر إليها؟ قال : يجوز عليها تزويج أبيها».

وما رواه في التهذيب عن علي بن يقطين (3) في الصحيح قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام ، أتزوج الجارية وهي بنت ثلاث سنين؟ أو يزوج الغلام وهو ابن ثلاث سنين؟ وما أدنى حد ذلك الذي يزوجان فيه؟ فذا بلغت الجارية فلم ترض فما حالها؟ قال : لا بأس بذلك إذا رضي أبوها أو وليها».

وسيأتي أيضا ما يدل على خلاف ذلك ، ولهذا نسبه المحقق في الشرائع إلى أشهر الروايتين.

وأما ما يدل على حكم الصبي فمنه ما رواه الصدوق في الصحيح عن الحلبي (4) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ، الغلام له عشر سنين فيزوجه أبوه في صغره ، أيجوز طلاقه وهو ابن عشر سنين؟ قال : فقال : أما التزويج فصحيح ، وأما طلاقه فينبغي أن يحبس عليه امرأته حتى يدرك ، فيعلم أنه كان قد طلق ، فإن أقر بذلك وأمضاه

__________________

(1 و 2) الكافي ج 5 ص 394 ح 6 و 9، التهذيب ج 7 ص 381 ح 16 و 17.

(3) التهذيب ج 7 ص 381 ح 18.

(4) الفقيه ج 4 ص 227 ح 3.

وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 207 ح 3 و 1 وص 208 ح 7 وج 17 ص 528 ح 4.


فهي واحدة بائنة وهو خاطب من الخطاب ، وإن أنكر ذلك وأبى أن يمضيه فهي امرأته» الحديث.

وهو ظاهر في المراد ولم أقف على من استدل به من الأصحاب بل ولا غيره من الأخبار ، واستدلوا في هذا المقام ، بأن عقد الولي عقد صدر من أهله في محله ، فكان لازما كسائر العقود المالية.

ولا يخفى ما فيه من تطرق الإيراد إليه ، وتوجه الاعتراض عليه ، فإن الخصم يمنع ذلك في هذه الصورة ، وهل هو إلا أصل المدعى ، فيكون مصادرة.

وعن محمد بن مسلم (1) في الصحيح عن أبي جعفر عليه‌السلام «في الصبي يزوج الصبية يتوارثان؟ قال : إذا كان أبواهما اللذان زوجاهما فنعم ، قلت : فهل يجوز طلاق الأب؟ قال : لا» (2).

وما رواه في كتاب بحار الأنوار عن كتاب الحسين بن سعيد بسنده فيه عن عبيد بن زرارة (3) عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الصبي يتزوج الصبية ، هل يتوارثان؟ فقال إن كان أبواهما اللذان زوجاهما حيين فنعم ، قلنا : فهل يجوز طلاق الأب قال : لا». والمراد بحياة أبويهما الإشارة إلى كون التزويج وقع منهما دون غيرهما والتقريب فيهما أنه رتب عليه‌السلام التوارث الذي هو ثمرة النكاح الصحيح ـ ولو كان التوارث قبل بلوغ كل منهما بأن ماتا صغيرين ـ على مجرد كون تزويجهما من

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 388 ح 32 ، الوسائل ج 14 ص 220 ب 12.

(2) أقول : ومما يدل على عدم التوارث لو ماتا صغيرين بناء على هذا القول صحيحة الحذاء المذكورة ، لأن هذه الصحيحة من أدلة هذا القول كما ذكرناه في الأصل ، وقد دلت على أنهما لو ماتا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما ولا مهر الا أن يكونا قد أدركا ورضيا ، وحينئذ فما دلت عليه الرواية من أنهما يتوارثان إذا كان أبواهما زوجاهما الشامل لما وقع الموت قبل البلوغ ظاهر في عدم التوقف على الاختيار فيه وأنه لا خيار للصبي إذا زوجه أبوه. (منه ـ رحمه‌الله ـ).

(3) البحار ج 103 ص 330 ح 7 ، الوسائل ج 17 ص 528 ح 3.


الأبوين ، ولو توقف صحته على الاختيار بعد البلوغ كما يدعيه ذلك القائل لما حسن ذلك ولا صح ، وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر للناظرين.

وعن محمد بن مسلم في الصحيح (1) ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الصبي يتزوج الصبية؟ قال : إذا كان أبواهما اللذان زوجاهما فنعم جائز ، ولكن لهما الخيار إذا أدركا ، فإن رضيا بذلك فإن المهر على الأب ، قلت : فهل يجوز طلاق الأب على ابنه في صغره؟ قال : لا».

وهذه الرواية ظاهرة كما ترى في القول المخالف للمشهور بالنسبة إلى الصبي والصبية ، إلا أنها معارضة بما ذكرناه أولا من أخبار الصبية الصحيحة الصريحة في عدم تخيرها ، وكذا الأخبار الواردة في الصبي الظاهرة في ذلك أيضا.

والشيخ في التهذيب قد أجاب عن صحيحة محمد بن مسلم (2) المذكورة فقال : ليس في هذا الخير ما ينافي ما قدمناه ، لأن قوله عليه‌السلام «لكن لهما الخيار إذا أدركا» يجوز أن يكون أراد أن لهما ذلك بفسخ العقد ، إما بالطلاق من جهة الزوج واختياره ، أو مطالبة المرأة له بالطلاق ، أو ما يجرى مجرى ذلك مما يفسخ العقد ولم يرد بالخيار هيهنا عدم إمضاء العقد ، وأن العقد موقوف على خيارهما ، قال : والذي يكشف عما ذكرناه قوله في الخبر «إن كان أبواهما اللذان زوجاهما فنعم جائز» فلو كان العقد موقوفا على رضاهما لم يكن بين الأبوين وغيرهما في ذلك فرق ، وكان ذلك أيضا جائزا لغير الأبوين ، وقد ثبت به فرق في الموضعين ، فعلمنا أن المراد ما ذكرنا. هذا كلامه (قدس‌سره).

وأورد عليه السيد السند في شرح النافع ـ بعد الطعن بالبعد ، وشدة

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 382 ح 19 ، الوسائل ج 14 ص 208 ح 8.

(2) أقول : والعلامة قد أجاب عنها في المختلف بالحمل على ما إذا زوجهما الولي بغير كفو أو بذي عيب ، وهو راجع الى كلام الشيخ المشار اليه بنحو ذلك ، قال في المسالك بعد ذكر الحملين المذكورين : وهو بعيد لكنه خير من اطراح أحد الجانبين. (منه ـ قدس‌سره ـ).


المخالفة للظاهر ـ أن ما جعله كاشفا عن ذلك لا يكشف عنه ، فإن الفرق بين عقد الولي وغيره على هذا التقدير يتحقق أيضا لأن عقد غير الولي يتوقف على إجازة الصبي ، وعقد الولي لا يتوقف على الإجازة وإنما يجوز للصبي فسخه ، وأحدهما غير الآخر ، والمسألة محل الاشكال ، وطريق الاحتياط واضح انتهى.

أقول : ما ذكره (قدس‌سره) من أن عقد الولي لا يتوقف على الإجازة ، وإنما يجوز للصبي فسخه ، فيه أن الظاهر من أخبار المسألة هو أنه يتخير الصبي بعد البلوغ بين الإمضاء والفسخ ، فإن أمضاه وأجازه كان صحيحا لازما ، وإن فسخه ولم يرض به كان باطلا ، وهذا حكم العقد الفضولي ، إلا أن العقد صحيح يترتب عليه أحكام الصحة ، إلا أن يفسخه الصبي كما هو حكم الخيار في سائر العقود على ما ادعاه ، ويشير إلى ما ذكرناه ما يأتي في صحيحة الحذاء من قوله عليه‌السلام «وإن ماتا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما ولا مهر إلا أن يكونا قد أدركا ورضيا» ، وكذا قوله في باقي الرواية فإنه من هذا القبيل ، وهو كما ترى ظاهر ، بل صريح في أنه إنما يكون صحيحا لازما بالرضاء والقبول بعد البلوغ ، فلو لم يرضيا وماتا قبل البلوغ بطل العقد فلا ميراث ولا مهر ، ومقتضى كلامه هو الصحة وترتب أحكامها ما لم يفسخ الصبي قبل البلوغ ، وحينئذ فاللازم القول بالتوارث ووجوب المهر لو ماتا قبل البلوغ لصحة العقد وعدم فسخه ، والنص كما ترى على خلافه.

وبالجملة فكلامه وإن كان مما يتراءى منه الصحة بحسب الظاهر إلا أنك بالنظر إلى الروايات والرجوع إليها يظهر لك صحة ما ذكرناه ، نعم ما ذكره من أن المسألة محل إشكال جيد كما سيظهر لك إن شاء الله.

وما رواه الشيخ عن يزيد الكناسي (1) قال : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام في حديث طويل قال فيه قلت : فالغلام يجري في ذلك مجرى الجارية ، فقال يا أبا خالد إن

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 383 ح 20 ، الوسائل ج 14 ص 209 ح 9.


الغلام إذا زوجه أبوه ولم يدرك كان له الخيار إذا أدرك وبلغ خمسة عشر سنة ، أو يشعر في وجهه أو ينبت في عانته قبل ذلك» الحديث.

أقول : وهذا الخبر هو مستند من ذهب إلى الفرق بين الصبي والصبية ، فخص الخيار بالصبي دونها مع أن هذا الخبر ضعيف السند بجهالة الراوي وخبر محمد بن مسلم المتقدم دال على اشتراكهما في الخيار ، والشيخ قد أجاب عن هذا الخبر بما تقدم نقله في الجواب عن صحيحة محمد بن مسلم ، قال : في المسالك بعد ذكر صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة ، ولو عمل الجماعة بهذا الخبر الصحيح وأثبتوا الخيار لهما لكان أولى من تخصيصهم الخيار بالولد استنادا إلى الرواية الضعيفة. انتهى.

وفيه ما عرفت في غير مقام مما تقدم أن هذا الكلام إنما يتجه اعتراضا على أصحاب هذا الاصطلاح المحدث لا على مثل الشيخ وأمثاله من المتقدمين فإن الأخبار باصطلاحهم كلها صحيحة ولكن الظاهر أنهم لم يخطر ببالهم الصحيحة المذكورة.

وما رواه في الكافي في الصحيح والتهذيب في الموثق عن أبي عبيدة الحذاء (1) قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن غلام وجارية زوجهما وليان لهما وهما غير مدركين ، فقال : النكاح جائز وأيهما أدرك كان له الخيار ، وإن ماتا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما ولا مهر إلا أن يكونا قد أدركا ورضيا قلت : فإن أدرك أحدهما قبل الآخر؟ قال : يجوز ذلك عليه إن هو رضي ، قلت : فإن كان الرجل الذي أدرك قبل الجارية ورضي بالنكاح ثم مات قبل أن تدرك الجارية أترثه؟ قال : نعم يعزل ميراثها منه حتى تدرك فتحلف بالله ما دعاها إلى أخذ الميراث إلا رضاها بالتزويج ، ثم يدفع إليها الميراث ونصف المهر ، قلت : فإن ماتت الجارية ولم تكن

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 401 ح 4 ، التهذيب ج 7 ص 388 ح 31 ، الوسائل ج 17 ص 527 ح 1.


أدركت أيرثها الزوج المدرك؟ قال : لا ، لأن لها الخيار إذا أدركت ، قلت : فإن كان أبوها هو الذي زوجها قبل أن تدرك؟ قال : يجوز عليها تزويج الأب ويجوز على الغلام ، والمهر على الأب للجارية».

أقول : وهذه الرواية بالنظر إلى صدرها ظاهرة الدلالة على القول الثاني الذي هو خلاف المشهور إلا أن قوله في آخره «فإن كان أبوها هو الذي زوجها» مما ينافي ذلك وبعجز الخبر المذكور استدل السيد السند في شرح النافع للقول المشهور ولم يتعرض للكلام فيما دل عليه صدره.

ويمكن أن يقال ولعله الظاهر أن المراد بالوليين في صدر الخبر غير الشرعيين فإن إطلاق الولي في الأخبار على هذا المعنى غير عزيز ، وحينئذ يكون من قبيل الفضولي ، ولا إشكال حينئذ فيما ترتب عليه من الأحكام ، لأن العقد الفضولي في النكاح صحيح عندنا ، وأما ما عداه فالأظهر بطلانه كما تقدم تحقيقه في كتاب البيع وعلى هذا لا إشكال في الخبر ، وبذلك يكون باعتبار ما دل عليه عجزه من جملة أدلة القول المشهور ، وحينئذ تنحصر المخالفة في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة.

وقد عرفت ما أجيب به عنها ، وما فيه من البعد ، ولا يحضرني الآن أقوال العامة في المسألة.

وبالجملة فإن المسألة من أجل هذه الرواية ، وعدم توجه محمل تحمل عليه لا تخلو من الاشكال ، وإن كان القول المشهور هو الأوفق بالأصول المقررة في هذا المجال ، مضافا إلى ما دل عليه من الأخبار الواضحة المقال ، والله العالم.

المسألة الثانية : لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في استقلال البكر البالغة بالولاية على مالها وكذا لا خلاف في ولايتها في النكاح مع فقد الأب والجد أو وجودهما ، وانتفاء شرائط الولاية عنهما ، واتفاقهم أيضا على أن حكم الثيب بغير النكاح والموطوءة دبرا حكم البكر في الخلاف الآتي.

وإنما الخلاف في ولاية البكر أو الثيب بغير الجماع البالغة الرشيدة ـ في النكاح


مع وجود الأب أو الجد ، واتصافهما بشرائط الولاية ـ على أقوال خمسة (1) :

(أحدها) وهو المختار ، استمرار الولاية عليها مطلقا ، ونقله شيخنا الشهيد في شرح نكت الإرشاد عن الشيخ في أكثر كتبه ، والصدوق وابن أبي عقيل ، ونقله أيضا عن ظاهر القاضي والصهرشتي.

أقول : وقواه السيد السند في شرح النافع ، وإليه كان يذهب والدي (قدس‌سره) وهو ظاهر المحدث الكاشاني في الوافي ، وبه جزم شيخنا المحقق المدقق العلامة الشيخ أحمد بن محمد بن يوسف المقالي البحراني (نور الله مرقده).

و (ثانيها) وهو المشهور بين المتأخرين ، استقلالها بالعقد دونهما مطلقا ، ونقل عن الشيخ في التبيان والمرتضى والشيخ المفيد في أحكام النساء وابن الجنيد وسلار وابن إدريس وهو مذهب المحقق والعلامة ، وقواه شيخنا أبو الحسن الشيخ سليمان ابن عبد الله البحراني في بعض أجوبته عن مسائل سئل عنها ، منها المسألة المذكورة.

و (ثالثها) التشريك بينهما وبين الولي ، وهو منقول عن أبي الصلاح والشيخ المفيد في المقنعة ، واختاره المحدث الشيخ محمد بن الحر العاملي في الوسائل.

هذه هي الأقوال المشهورة بينهم كما ذكره شيخنا الشهيد في شرح نكت الإرشاد.

و (رابعها) استمرار الولاية عليها في الدائم دون المنقطع ، وهو مذهب الشيخ في كتابي الأخبار.

و (خامسها) عكسه وهو ثبوت الولاية عليها في المنقطع دون الدائم ، وهذا القول نقله المحقق في الشرائع ، وحكى شيخنا الشهيد في شرح نكت الإرشاد أن المحقق سئل عن قائله فلم يجب ، قال في المسالك ـ بعد نقل هذه الأقوال الخمسة ـ :

__________________

(1) واعلم أن العامة أيضا مختلفون في هذه المسألة ، والمشهور بينهم استقلالها دونهما ، وهو المنقول عن الشافعي ومالك وأحمد ، وأما أبو حنيفة فإنه حكم باستقلالهما كما نقله في التذكرة. (منه ـ قدس‌سره ـ).


وزاد بعضهم قولا سادسا ، وهو أن التشريك في الولاية تكون بين المرأة وأبيها خاصة دون غيره من الأولياء ، ونسبه إلى المفيد.

واعلم أن الأصل في هذه الأقوال واختلافها في هذا المجال هو اختلاف الأخبار الواردة في ذلك عنهم عليهم‌السلام واختلاف الإدراكات فيما دلت عليه والأفهام ، ومن أجل ذلك صارت المسألة منتصلا لسهام النقض والإبرام.

وقد عدها الأصحاب من أمهات المسائل ومعضلات المشاكل ، وقد صنفت فيها الرسائل وكثر السؤال عنها والسائل ، وأطنب جملة من الأصحاب فيها الاستدلال لهذه الأقوال وأكثروا فيها من القيل والقال بإيراد آية لا دلالة فيها على المراد أو خبر عامي ليس في إيراده إلا مجرد تكثير السواد ، ودليل اعتباري لا يمنع من تطرق المناقشة إليه والإيراد.

ونحن نقتصر على الأخبار الواصلة إلينا في هذا الباب كما هي العادة الجارية التي بنينا عليها في الكتاب فنردف كل قول من هذه الأقوال بما يدل من الأخبار عليه ونوشحه بالبحث عن كل خبر ، وما يتطرق من الكلام إليه ، ومنه تعالى أستمد الهداية لتحقيق ما هو الحق والصواب والنجاة من الوقوع في مهاوي الزيغ والارتياب.

فأقول الأول من هذه الأقوال : وهو الذي عليه المعول باستقلال الولي وأنه ليس لها معه أمر ، ويدل عليه جملة من الأخبار.

منها ما يدل على استقلاله نصا بحيث لا يقبل التأويل والاحتمال.

ومنها ما يدل على ذلك ظاهرا كما هو المعتمد في الاستدلال فلا يلتفت إلى ما قابله من التأويل والاحتمال.

فمنها ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن عبد الله بن الصلت (1) قال : «سألت

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 394 ح 6 ، التهذيب ج 7 ص 381 ح 16 ، الوسائل ج 14 ص 207 ح 3.


أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن الجارية الصغيرة زوجها أبوها ، ألها أمر إذا بلغت؟ قال : لا ، ليس لها مع أبيها أمر ، قال : وسألته عن البكر إذا بلغت مبلغ النساء ، ألها مع أبيها أمر؟ قال : ليس لها مع أبيها أمر ما لم تثيب».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي (1) عن الصادق عليه‌السلام قال : «سألته عن البكر إذا بلغت مبلغ النساء ، ألها مع أبيها أمر؟ قال : ليس لها مع أبيها أمر ما لم تثيب». وهي كالأولى متنا ودلالة.

وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن محمد بن مسلم (2) عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «لا تستأمر الجارية إذا كانت بين أبويها ليس لها مع الأب أمر ، وقال : تستأمرها كل أحد ما عدا الأب».

لا يقال : إنها غير صريحة في البلوغ والرشد ، لأنا نقول : وجوب الاستيمار على كل أحد لها ما عدا الأب لا يكون إلا مع البلوغ والرشد كما هو ظاهر.

ومنها ما رواه علي بن جعفر في كتابه (3) ـ وهو من الأصول المشهورة ـ عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يصلح له أن يزوج ابنته بغير إذنها قال نعم ، ليس يكون للولد مع الوالد أمر ، إلا أن تكون امرأة قد دخل بها قبل ذلك فتلك لا يجوز نكاحها إلا أن تستأمر».

وهذه الروايات مع صحتها صريحة الدلالة واضحة المقالة في نفي ولايتها استقلالا وشركة الموجب لاستقلال الأب بالولاية ، ولا مجال فيها للاحتمال والحمل على خلاف ذلك بالكلية.

ومنها ما رواه في الكافي والتهذيب عن الحلبي (4) في الصحيح «عن الصادق عليه‌السلام

__________________

(1) الوسائل ج 14 ص 203 ح 11.

(2) الكافي ج 5 ص 393 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 380 ح 13 ، الوسائل ج 14 ص 205 ح 3.

(3) الوسائل ج 14 ص 215 ح 8 ، بحار الأنوار ج 1. ص 253.

(4) الكافي ج 5 ص 393 ح 4 ، التهذيب ج 7 ص 381 ح 15 ، الوسائل ج 14 ص 215 ح 7.


في الجارية يزوجها أبوها بغير رضا منها ، قال : ليس لها مع أبيها أمر ، إذا أنكحها جاز نكاحه وإن كانت كارهة».

وزاد في الكافي قال : «وسئل عن رجل يريد أن يزوج أخته؟ قال : يؤامرها ، فإن سكتت فهو إقرارها ، وإن أبت لم يزوجها».

وأما ما اعترض به في المسالك ـ من أن هذه الرواية رواها الشيخ عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي ، وحماد هذا مشترك بين الثقة وغيره ، فلا يكون صحيحة ـ فإنه غفلة محضة وتوهم صرف ، فإن المعروف المتكرر في مثل هذا السند هو حماد بن عثمان للتصريح به في مواضع عديدة من التهذيب ، ولرواية ابن أبي عمير عنه في كتب الرجال.

بل صرح به الكليني في سند هذا الخبر على ما نقله بعض الأعلام ، وقد صرح في التهذيب بعد هذا الحديث ، وقبله بيسير برواية ابن أبي عمير عن حماد بن عثمان عن الحلبي ، والجميع في باب واحد ، ومثله في باب الاشهاد على الوصية ، وبالجملة فإنه لا يخفى على الممارس صحة ما قلناه وضعف ما طعن به لا يقال : إنه يحتمل حمل الجارية في الخبر على الصغيرة ، لأنا نقول : لا يخفى على من نظر في قرائن الكلام ، وتدبر سياق الخبر التدبر التام ، أن قول السائل «بغير رضا منها» وقوله عليه‌السلام «وإن كانت كارهة» ظاهر في بلوغ تلك الجارية المسؤل عنها وقت التزويج ، لأنه لا مجال لاعتبار الرضا من غير البالغة وكذا إطلاق الكراهة بالنسبة إليها ، والحمل على عدم الرضا ، والكراهة بعد البلوغ ، ووقوع العقد قبله يرده صدر الخبر حيث إن قوله «بغير رضا. إلى آخره» وقع حالا من قوله «يزوجها» مع وجوب اتحاد زمان الحال وعامله كما قرر في محله.

وحينئذ فتكون هذه الرواية ـ بناء على ما قلناه من الدلالة بظاهرها على المطلوب ـ قد دلت عليه بأبلغ وجه وآكد من حيث الجمع فيها بين جواز نكاح الأب لها وإن كانت كارهة ، وبين نفي أمرها معه في ذلك بالمرة.


ومنها ما رواه الشيخان المذكوران عن زرارة (1) في الصحيح بطريق الكافي قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : لا ينقض النكاح إلا الأب». والتقريب فيه من حيث حصر نقض النكاح فيه ، وهو لا يجامع الاستقلال ولا الشركة ، ولو كان للبكر استقلال لما كان للأب نقضه ، ولو كانت شريكة لما انحصر النقض فيه أيضا.

فإن قيل : إن الحصر هنا غير مراد ، لأن الجد أيضا ينقض النكاح ، ولخروج الثيب والمذكر البالغ منه أيضا ، قلنا : إنهم قد صرحوا بأن العام المخصوص حجة في الباقي ، فخروج الأفراد المذكورة بدليل من خارج لا ينافي حجية الخبر فيما بقي من الأفراد داخلا تحت عموم اللفظ أو إطلاقه.

ومنها ما رواه في الكافي والفقيه عن ابن أبي يعفور (2) في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا تزوج ذوات الآباء من الأبكار إلا بإذن آبائهن».

وهذه الرواية صريحة في المنع من استقلالها من حيث دلالتها على فساد النكاح بدون إذن الأب ، لكنها غير صريحة في المنع من الشركة ، إذ غاية ما تدل عليه أنه ليس لها الانفراد.

واعترض على هذه الرواية في المسالك من حيث السند بأن في طريقها علي بن الحكم ، وهو مشترك بين الثقة وغيره وذلك يمنع من الحكم بصحتها ، ومن حيث الدلالة بأن «من» في قوله «من الأبكار» كما يمكن حملها على البيانية فتعم الصغيرة والكبيرة يمكن حملها على التبعيضية ، فلا تدل على محل النزاع ، لأن بعض الأبكار من الصغار لا يتزوج إلا بإذن أبيها إجماعا.

وفيه أن علي بن الحكم هنا هو الكوفي الثقة بقرينة رواية أحمد بن محمد بن

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 392 ح 7 ، التهذيب ج 7 ص 379 ح 8 ، الوسائل ج 14 ص 205 ح 1.

(2) الكافي ج 5 ص 393 ح 1 ، التهذيب ح 7 ص 379 ح 7 ، الفقيه ج 3 ص 250 ح 1 ، الوسائل ج 14 ص 208 ح 5.


عيسى عنه ، كما هو متكرر في هذه الأسانيد مع احتمال اتحاد غيره به كما اختاره الميرزا محمد في كتاب الرجال ، على أن الصدوق (قدس‌سره) أورد هذا الخبر عن العلاء عن ابن أبي يعفور ، وله إلى العلاء طرق صحيحة غير مشتملة على علي بن الحكم.

وأما ما ذكره من حيث الدلالة فلا يخفى ما فيه من البعد على الناظر المنصف ، مع أن ذلك يقتضي عدم الفائدة في التقييد بالأبكار ، لأن الصغيرة الثيب حكمها كذلك.

ومنها ما رواه في الكافي عن الفضل بن عبد الملك (1) في الموثق عن الصادق عليه‌السلام قال : «لا تستأمر الجارية التي بين أبويها إذا أراد أبوها أن يزوجها هو أنظر لها ، وأما الثيب فإنها تستأذن وإن كانت بين أبويها إذا أرادا أن يزوجاها».

وما رواه في التهذيب عن إبراهيم بن ميمون (2) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا كانت الجارية بين أبويها فليس لها مع أبويها أمر ، وإذا كانت قد تزوجت لم يزوجها إلا برضى منها».

وعن عبيد بن زرارة (3) قال : «لا تستأمر الجارية في ذلك إذا كانت بين أبويها ، فإذا كانت ثيبا فهي أولى بنفسها».

والتقريب في هذه الأخبار الثلاثة أن قرينة المقابلة بالثيب المشروط فيها الاستئذان إجماعا يدل على أن المراد بالجارية فيها هي البكر البالغ الرشيدة بقرينة ما عرفت من الأخبار المتقدمة المتفقة على استقلال الأب بالولاية عليها ، وأنه لا أمر لها معه.

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 394 ح 5 ، الوسائل ج 14 ص 202 ح 6.

(2 و 3) التهذيب ج 7 ص 380 ح 12 وص 385 ح 23 ، الوسائل ج 14 ص 214 ح 3 وص 204 ح 13 ..


ومنها ما رواه في الكافي (1) عن الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في المرأة الثيب ، قال : هي أملك بنفسها ، تولي أمرها من شاءت إذا كان كفوا بعد أن تكون قد نكحت رجلا قبله».

والتقريب فيها من حيث قوله «بعد أن تكون قد نكحت. إلخ» الدال على تقييد أملكيتها بنفسها وتوليتها أمر نفسها بما إذا كان ذلك بعد نكاحها رجلا قبله ، فلو كانت الثيوبة الحاصلة لها لا عن نكاح فليست أملك بنفسها وليس لها أن تولي أمرها من شاءت لرجوع أمرها إلى الولي حينئذ كالبكر ، إذ لا فرق في ثبوت الولاية عند مثبتها بين كونها بكرا أو ثيبا بغير نكاح كما تقدم ذكره في صدر المسألة ، ودلالة الرواية وإن كانت بالمفهوم إلا أنه في معنى مفهوم الشرط كما صرح به في الخبر الذي بعده.

ومنها ما رواه الشيخ في الموثق عن عبد الله بن بكير (2) عن رجل عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا بأس أن تزوج المرأة نفسها إذا كانت ثيبا بغير إذن أبيها إذا كان لا بأس بما صنعت».

والتقريب فيها تعليق نفى البأس على الثيوبة فينتفي بانتفائها عملا بالمفهوم الشرط الذي هو حجة عند المحققين ، وعليه دلت الأخبار أيضا كما قدمناها في مقدمات الكتاب.

ومنها ما رواه الشيخ (رحمه‌الله) عن سعد بن إسماعيل عن أبيه (3) قال : «سألت الرضا عليه‌السلام عن رجل تزوج ببكر أو ثيب لا يعلم أبوها ولا أحد من قرابتها ، ولكن تجعل المرأة وكيلا فيزوجها من غير علمهم ، قال : لا يكون ذا» (4).

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 392 ح 5 ، الوسائل ج 14 ص 202 ح 4.

(2 و 3) التهذيب ج 7 ص 386 ح 25 وص 385 ح 24، الوسائل ج 14 ص 204 ح 14 و 15.

(4) قال الشيخ في التهذيب : قوله عليه‌السلام «لا يكون ذا» محمول على أنه لا يكون


وجه الاستدلال أن يقال : أن الثيب قد ثبت بالدليل استقلالها فيجب إخراجها من الخبر ، ويبقى البكر حتى يقوم الدليل على استثنائها ، والمتحقق مما قدمنا من الأدلة إنما هو بقاؤها.

ومنها ما رواه في كتاب البحار عن كتاب الحسين بن سعيد عن ابن أبي يعفور (1) في الصحيح قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : يتزوج الرجل الجارية متعة؟ فقال ، نعم ، إلا أن يكون لها أب ، والجارية يستأمرها كل أحد إلا أبوها».

ومما يؤيد ذلك جملة من الأخبار الواردة في اختلاف الأب والجد وتقديم الجد.

ومنها صحيحة محمد بن مسلم (2) «عن أحدهما عليهما‌السلام إذا زوج الرجل بنت ابنه فهو جائز على ابنه ، ولابنه أيضا أن يزوجها».

وموثقة عبيد بن زرارة (3) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الجارية يريد أبوها أن يزوجها من رجل ، ويريد جدها أن يزوجها من رجل آخر قال : الجد أولى بذلك ما لم يكن مضارا إن لم يكن الأب زوجها قبله ، ويجوز عليها تزويج الأب والجد».

وموثقة الفضل بن عبد الملك (4) قال : «إن الجد إذا زوج ابنة ابنه وكان أبوها حيا وكان الجد مرضيا جاز ، قلنا : فإن هوي أبو الجارية هوى ، وهوى

__________________

في البكر خاصة ، دون أن يكون متناولا للثيب ، ولا يمتنع أن يسئل عن شيئين فيجيب عن أحدهما ويعدل عن الجواب عن الأخر لضرب من المصلحة ، ولو كان راجعا الى الثيب لجاز أن يحمل على ضرب من الاستحباب أو التقية. انتهى ، وهو جيد. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(1) المستدرك ج 2 ص 589 ب 10 ح 3 ، البحار ج 103 ص 330 ح 5.

(2 و 3) التهذيب ج 7 ص 390 ح 37 و 36، الوسائل ج 14 ص 217 ح 1 وص 218 ح 2.

(4) التهذيب ج 7 ص 391 ، ح 40 ، الوسائل ج 14 ص 218 ح 4.


الجد (1) وهما سواء في العدل والرضا؟ قال : أحب إلي أن ترضى بقول الجد».

والتقريب فيها أن ما دلت عليه ، وإن كان أعم من المدعى إلا أنه يخرج بدليل ويبقى الباقي.

وأوضح من ذلك دلالة رواية الفضل بن عبد الملك (2) عن الصادق عليه‌السلام في حديث «قال : إذا زوج الرجل ابنه فذلك الى ابنه فإذا زوج الابنة جاز». والمقابلة قرينة واضحة ظاهرة في إرادة البلوغ في الموضعين ، وبتقدير العدم فالإطلاق كاف ، وإن خرج ما خرج بدليل فيبقي حجة في الباقي ، هذا ما وقفت عليه مما يصلح للدلالة على القول المذكور.

ومنها ما هو نص لا يقبل التأويل كما عرفت ، ومنها ما هو ظاهر الدلالة ، واضحة المقالة ، والجميع ظاهر في شمول التزويج دواما ومتعة ، وأصحابنا (رضوان الله تعالى عليهم) لم ينقلوا في مقام الاستدلال لهذا القول إلا القليل من الروايات الأخيرة.

وأما الروايات الأولة الصريحة في المدعي فلم يتعرضوا لها ولم ينقلوا شيئا منها ، والعلامة في المختلف لم ينقل إلا صحيحة ابن أبي يعفور ، ورواية إبراهيم بن ميمون ، وصحيحة محمد بن مسلم ، وحملها على كراهة تفردها بالعقد ، وأولوية استئذان الأب جمعا بين الأدلة ، وفيه ما سيظهر لك إن شاء الله.

الثاني : القول باستقلالها كما هو المشهور بين المتأخرين ، واستدل عليه بجملة من الأخبار :

(أحدها) ما رواه في الكافي والفقيه عن الفضيل بن يسار ومحمد بن مسلم وزرارة

__________________

(1) هكذا في النسخ هنا ولكنه قد نقل الرواية سابقا هكذا فإن هوي أب الجارية هوى وهوى الجد هوى إلى آخر الرواية وسقط كلمة «هوى» لتوهم التكرار أو أسقط من النساخ بعض الألفاظ مما هنا. والله العالم. (منه ـ رحمه‌الله ـ).

(2) التهذيب ج 7 ص 389 ح 35 ، الوسائل ج 14 ص 207 ح 2.


وبريد بن معاوية (1) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «المرأة التي ملكت نفسها غير السفيهة ولا المولى عليها تزويجها بغير ولي جائز».

واعترض على الاستدلال بهذه الرواية السيد السند في شرح النافع ، وقبله جده (عطر الله مرقديهما) في المسالك بأن الحكم فيها بسقوط الولاية وقع منوطا بأن ملكت نفسها ، فإدخال البكر فيها عين المتنازع ، وكذا قوله غير المولى عليها ، فإن الخصم يدعي كون البكر مولى عليها ، فكيف يستدل به على زوال الولاية.

ثم أنه في المسالك أجاب عن ذلك ، فقال : ويمكن التخلص من دعوى كون البكر مولى عليها وأن الاستدلال بها عين النزاع ، بأن يقال : إن البكر الرشيدة الحرة لما كانت غير مولى عليها في المال صدق سلب الولاية عليها في الجملة ، فيصدق أن البكر الرشيدة الحرة مالكة نفسها غير سفيهة ولا مولى عليها فتدخل في الحكم ، وهو جواز تزويجها. إلى آخره ، وهو حسن أيضا. انتهى.

واعترضه سبطه السيد السند في شرح النافع فقال : إنه ضعيف ، لأن الولاية في المال أخص من مطلق الولاية ، ونفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم ، ثم قال ونعم ما قال : والذي يظهر لي أن المراد بالمالكة نفسها غير المولى عليها البكر التي لا أب لها ، والثيب كما يدل عليه قوله عليه‌السلام في رواية أبي مريم (2) «الجارية البكر التي لها أب لا تتزوج إلا بإذن أبيها ، وقال : إذا كانت مالكة لأمرها تزوجت متى شاءت». وفي صحيحة الحلبي (3) «في الثيب تخطب إلى نفسها؟ قال : هي أملك بنفسها». وعلى هذا فلا دلالة في الرواية على المطلوب. انتهى.

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 391 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 277 ح 1 ، الفقيه ج 3 ص 251 ح 8 ، الوسائل ج 14 ص 201 ح 1.

(2) الكافي ج 5 ص 391 ح 2 ، الوسائل ح 14 ص 202 ح 7.

(3) الكافي ج 5 ص 392 ح 5 ، التهذيب ج 7 ص 377 ح 3 ، الوسائل ج 14 ص 202 ح 4.


أقول : وكيف كان فلا أقل أن يكون ما ذكرناه في معنى الرواية مساويا لما ذكروه من الاحتمال ، وبه يبطل الاعتماد عليها في الاستدلال.

و (ثانيها) ما رواه الشيخ عن منصور بن حازم (1) في الصحيح قال : «تستأمر البكر وغيرها ، ولا تنكح إلا بأمرها». وأورد على الاستدلال بهذه الرواية كما ذكره السيد السند وقبله جده (عطر الله مرقديهما) بأن أقصى ما تدل عليه عدم استقلال الأب بالولاية ، لا جواز انفرادها واستقلالها كما هو المدعى ، وحينئذ فلا تنفي التشريك الذي هو أحد الأقوال في المسألة.

واحتمل بعض المحققين حملها على بكر ليس لها أب جمعا بينها وبينما تقدم من الأخبار الصحيحة الصريحة في استقلاله كما عرفت ، وهو جيد.

ويمكن الجمع أيضا بما ذكره الشيخ في التهذيب من الحمل على الاستحباب فإنه قال بعد نقل الخبر المذكور : فهذا الخبر محمول على الأفضل فيما يختص الأب من أمر البكر ، وما يختص غيره محمول على ظاهره من الوجوب وأنه لا يجوز العقد عليها إلا بأمرها. انتهى.

وهذا الحمل أيضا لا بأس به في مقام معارضته ما ترجح عليه سندا وعددا ودلالة (2).

و (ثالثها) ما رواه الشيخ في التهذيب عن زرارة (3) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إذا كانت المرأة مالكة أمرها تبيع وتشتري وتعتق وتشهد وتعطي من مالها ما شاءت

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 380 ح 11 ، الوسائل ج 14 ص 203 ح 10.

(2) قال في المسالك بعد البحث في الرواية وذكر ما يرد عليها وما أجاب به وطول الكلام فيه : وقد ظهر من جميع ما حققناه أن دلالة الرواية قريبة الأمر ، الا أنها مشتملة على شبهات كثيرة لا يقاوم ما سيأتي مما يدل صريحا على ثبوت الولاية من النصوص الصحيحة. انتهى وفيه إشارة إلى صحة القول الذي اخترناه وترجيحه له. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(3) التهذيب ج 7 ص 378 ح 6 ، الوسائل ج 14 ص 215 ح 6.


فإن أمرها جائز ، تزوج إن شاءت بغير إذن وليها ، وإن لم يكن كذلك فلا يجوز تزويجها إلا بأمر وليها».

وهذه الرواية ظاهرة في أن المالكة أمرها هي المرفوع عنها حجر التصرف المالي بناء على أن جملة «تبيع وتشتري. إلى آخره» وقعت تفسيرا لقوله «مالكة أمرها» وحينئذ فيكون رفع الولاية عنها في النكاح يدور وجودا وعدما مدار رفع الولاية عنها في المال ، وبذلك يتم الاستدلال بها هنا ، إلا أن بعض المحققين من متأخري المتأخرين احتمل أن تكون جملة «تبيع وتشري. إلى آخره» خبرا ثانيا لكان ، لا تفسيرا كما قيل ، فعلى هذا لا يكفى ارتفاع الحجر المالي بل لا بد من مالكية الأمر الذي هو عبارة عما قدمناه من كونها ثيبا أو غير ذات أب ، وهو ينتظم مع ما تقدم في أخبار القول الأول من أن البكر البالغة الرشيدة ليس لها مع أبيها أمر ، فكيف تكون مالكة أمرها ، وهو جمع حسن بين الأخبار ، وإن كان الأول أنسب بالسياق.

وعلى تقدير تسليم أن المالكية عبارة عن ارتفاع الحجر المالي كما هو مطلوب المستدل (1) ، فإنه يمكن أن يقال : إن موضوع هذا الخبر أعم من موضوع تلك الأخبار الصحيحة المتقدمة لأن موضوعه حينئذ المرأة المرتفع عنها الحجر المالي ، وموضوع تلك الأخبار الصحيحة البكر التي بين أبويها.

ومقتضى القاعدة تخصيص العموم المذكور بتلك الأخبار ، وحينئذ فيخص عموم هذه الرواية بما عدا البكر التي بين أبويها كالثيب والبكر التي لا أب لها ، وهذا بحمد الله واضح لا سترة عليه.

__________________

(1) توضيحه : أن المرأة التي ارتفع عنها الحجر المالي شاملة للبكر البالغ الرشيدة التي بين أبويها والثيب والبكر البالغ التي لا أب لها. وقد صرح الخبر بأن أمرها بيدها ، وتلك الاخبار الصحاح صرحت بأن البكر البالغة الرشيدة إذا كانت بين أبويها فلا أمر لها ولا اختيار فيجب تخصيص هذا العموم بما عداها من الفردين الآخرين (منه ـ قدس‌سره ـ).


وبالجملة فإنه لما صرحت تلك الأخبار المتقدمة باستقلال الأب على وجه لا يمكن دفعه وتأويله مع كثرتها وصحتها فالواجب تطبيق هذا الخبر عليها لضعفه عن المعارضة سندا وعددا ودلالة.

و (رابعها) ما رواه في الكافي عن أبي مريم (1) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «الجارية البكر التي لها أب لا تتزوج إلا بإذن أبيها ، وقال : إذا كانت مالكة أمرها تزوجت من شاءت». وجه الاستدلال بها أن تحمل البكر في صدر الرواية على الصغيرة أو غير الرشيدة ، والمالكة أمرها في عجز الرواية على البكر البالغة الرشيدة.

وفيه أن الأول تخصيص لعموم اللفظ من غير دليل ، بل الدليل كما عرفت على خلافه واضح السبيل ، والثاني مصادرة على المطلوب ، فالأظهر في معنى الرواية إنما هو إبقاء صدرها على عمومه ، وحمل «المالكة أمرها» على الثيب أو البكر التي لا أب لها بقرينة المقابلة بالبكر التي لها أب لما عرفت من النصوص على أنها لا تزوج إلا بإذن أبيها فهي بالدلالة على ما تدعيه من استقلال الأب أنسب ، وإلى ما ذكرناه أقرب.

وكيف كان فإنه لا يتم الاستدلال بها مع هذا الإجمال ، وقيام ما ذكرناه من الاحتمال الذي إن لم يكن هو الأظهر فلا أقل أن يكون مساويا ، وبه يبطل الاستدلال.

و (خامسها) ما رواه الشيخ عن سعدان بن مسلم (2) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : لا بأس بتزويج البكر إذا رضيت من غير إذن أبيها».

أقول : وهذه الرواية وإن كانت صريحة فيما يدعونه ، وليس في أخبار هذا القول سواها ، إلا أنها لضعف السند وقوة المعارض لها في الباب لا تبلغ قوة المعارضة فلا يترك لأجلها تلك الأخبار المتكاثرة الصحيحة.

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 391 ح 2 ، الوسائل ج 14 ص 202 ح 7.

(2) التهذيب ج 7 ص 380 ح 14 ، الوسائل ج 14 ص 214 ح 4.


على أن من قاعدة أصحاب هذا الاصطلاح من المتأخرين أنهم لا يجمعون بين الأخبار إلا مع التعارض ، ومتى ضعف أحد الطرفين عن المعارضة أطرحوه أو حملوه على ما ينتظم به مع ذلك الطرف الراجح.

وحينئذ فالواجب بمقتضى هذه القاعدة ، إما طرح هذه الرواية أو تأويلها بما يرجع به إلى تلك الأخبار.

والشيخ (رحمه‌الله) حملها تارة : على المتعة كما سيأتي إن شاء الله تعالى من الأخبار الدلالة على الرخصة بذلك بالشرائط المقررة ، وتارة : على ما إذا عضلها الأب ، ولم يزوجها من كفو ، وثالثا : على التقية ولعله الأقرب.

لا يقال : إن مذهب جمهور العامة استمرار الولاية على البالغة الرشيدة ، وحينئذ فيمكن حمل أخبار القول باستقلال الأب على التقية فإن ذلك مذهب الشافعي ومالك وأحمد كما قدمنا ذكره وعلى هذا تبقى أخبار القول الثاني سالمة من المعارض.

لأنا نقول فيه أولا : أن مذهب الشافعي وأحمد عدم الفرق في استمرار الولاية بين البكر والثيب ، ومذهب أبي حنيفة أنه بالبلوغ تستقل بالولاية بكرا كانت أو ثيبا ، فالأول قائل باستمرار الولاية إلى ما بعد البلوغ مطلقا ، والثاني ناف للاستمرار مطلقا.

وأنت قد عرفت من جملة الأخبار التي قدمناها في أدلة القول الأول ، التفرقة بين البكر والثيب كصحيحة عبد الله بن الصلت (1) وصحيحة الحلبي (2) وموثقة الفضل بن عبد الملك (3) ، ورواية إبراهيم بن ميمون (4) ، ورواية عبيد بن زرارة (5)

__________________

(1 و 2 و 3) الكافي ج 5 ص 394 ح 6 و 4 و 5. الوسائل ج 14 ص 207 ح 3.

(4 و 5) التهذيب ج 7 ص 380 ح 12 وص 385 ح 23. الوسائل ج 14 ص 202 ح 6.

وهذه الروايات في الوسائل ج 14 ص 207 ح 3 وص 215 ح 7 وص 214 ح 3 وص 202 ح 6 وص 204 ح 13.


وحينئذ فهذه الروايات لا يمكن حملها على مذهب القائل منهم بالاستقلال مطلقا ولا الاستمرار مطلقا.

وأما احتمال التقية باعتبار أنه مذهب المالك ، وإن احتمل إلا أن العمل بما خالف الثلاثة وإن وافق واحدا منهم أقرب إلى جادة الرشاد وأدخل في قالب السداد ، كما دلت عليه مقبولة عمر بن حنظلة من قوله «ينظر إلى ما هم إليه أميل حكامهم وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالآخر».

وثانيا : أنه من القواعد المقررة عندهم أنه إنما يصار إلى الترجيح عند حصول المعارضة على وجه لا يمكن تطبيق الأخبار بعضها على بعض بوجه من الوجوه.

وأنت قد عرفت ـ بما ذيلنا به أكثر أخبار القول الثاني ـ أنه لا منافاة بينها وبين أخبار القول الأول وأنه لا صراحة بل ولا ظاهرية في شي‌ء منها في المعارضة سوى رواية سعدان التي قد عرفت القول فيها ، وأنها لا تبلغ قوة ولا تنهض حجة بمعارضة تلك الأخبار وحملها على التقية كما ذكره الشيخ أقرب فإن أبا حنيفة قائل بارتفاع الولاية بالبلوغ في جميع التصرفات حتى النكاح.

ولا يخفى على المتتبع للسير أن مذهب أبي حنيفة في وقته كان في غاية القوة بخلاف باقي المذاهب الأربعة ، وهو جار في كل ما أوهم استقلال البكر أو توقف التزويج على رضاها.

وثالثا : أن الترجيح بالتقية وإن ورد في الأخبار ، إلا أنه بهذا المعنى (1) المشهور بين أصحابنا في مثل هذه الأعصار لا يخلو من الاشكال ، وذلك فإن مذهب العامة في الصدر الأول كانت على وجه يعسر ضبطها وتتعذر الإحاطة بها لما ذكره علماء الفريقين من أن مدار مذاهبهم في الأعصار السابقة على من نصبه خلفاء الجور

__________________

(1) إشارة إلى أنه بالمعنى الأخر الذي قدمنا ذكره في مقدمات الكتاب في صدر جلد كتاب الطهارة ، وهو أنهم (عليهم‌السلام) يوقعون المخالفة بين الشيعة تقية وان لم يكن ذلك مذهب أحد من العامة لا اشكال فيه (منه ـ رحمه‌الله ـ).


للقضاوة فترجع إليه الفتوى في جميع أقطار البلدان ولهذا قيل : إن المعتمد في زمن هارون الرشيد على فتاوي أبي يوسف تلميذ أبي حنيفة ، قالوا قد استقضاه الرشيد واعتنى به حتى لم يقلد في بلاد العراق والشام ومصر إلا من أشار إليه أبو يوسف.

وفي زمن المأمون على يحيى بن أكثم القاضي ، وفي زمن المعتصم على أحمد بن داود القاضي ، وهكذا ، وهذه الأربعة المشهورة الآن ليست في الزمن السابق إلا كغيرهم من المجتهدين الذين ليس لهم مزيد ذكر ، ولا مذهب منتشر ، والاجتماع على هؤلاء الأربعة إنما وقع في حدود سنة خمس وستين وستمائة باصطلاح خليفة ذلك الوقت واستمرت إلى الآن ، وحينئذ فكيف يمكن الترجيح بالتقية والحال هذه.

الثالث : القول بالتشريك ، والظاهر أن وجهه عند القائل به هو الجمع بين الأخبار ، وهي في رده وعدم قبوله كالشمس في دائرة النهار ، وهو أضعف الأقوال في المسألة لعدم الدليل الواضح عليه ، مع أن أخبار القولين المتقدمين صريحة في رده لتصريح الاولى منهما باستقلال الأب النافي للشركة واستقلال البكر ، وتصريح الثانية بحسب ظاهرها باستقلال البكر الموجب لعدم شركة الأب واستقلاله ، نعم فيه احتياط بالخروج عن مخالفة أخبار كل من الطرفين ، ولعله لهذا توهم القائل به أن فيه جمعا بين الأخبار ، وهو غلط محض ، فإن أحدهما غير الآخر.

وربما توهم الاستدلال عليه ببعض الأخبار مثل موثقة صفوان (1) قال : «استشار عبد الرحمن موسى بن جعفر عليه‌السلام في تزويج ابنته لابن أخيه؟ فقال : افعل ويكون ذلك برضاها ، فإن لها في نفسها نصيبا ، قال : واستشار خالد بن داود موسى بن جعفر عليه‌السلام في تزويج ابنته على بن جعفر عليه‌السلام؟ فقال : افعل ويكون ذلك

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 379 ح 10 ، الوسائل ج 14 ص 214 ح 2.


برضاها فإن لها في نفسها حظا».

وفيه أن الخبر مطلق في كون الابنة بكرا أو ثيبا ، والأخبار المتقدمة صريحة في حكم البكر ومختصة بها وأنها ليس لها مع الأب أمر ، كما في أخبار القول الأول ، وأنها تتزوج بغير إذن أبيها كما في أخبار القول الثاني.

ومقتضى القاعدة تقديم العمل بالخاص وتقييد العام به ، وحينئذ فيجب حمل عموم هذا الخبر أو إطلاقه على تلك الأخبار جمعا فيحمل على الثيب حينئذ المأمور باستئذانها ، وأنها لا تتزوج إلا برضاها.

ومثل صحيحة منصور بن حازم (1) المتقدمة في أدلة القول الثاني ، فإن البكر المأمور باستيمارها أعم من التي لها أب أو لا أب لها.

وأخبار القول الأول صريحة في أن التي لها أب ليس لها مع أبيها أمر ، فلا تستأمر حينئذ.

وطريق الجمع حمل إطلاق الخبر المذكور على ما صرحت به تلك الأخبار فيخص بالبكر التي لا أب لها ، وعليه حمل الخبر المذكور كما تقدم ، ووجهه ما ذكرناه.

والمراد بالاستيمار يعني استيمار من عدا الأب ، لأن الأب غير مذكور في الخبر بنفي ولا إثبات وإنما هو مطلق فيحمل على غير الأب.

ومثل صحيحة ابن أبي يعفور (2) المتقدمة في أدلة القول الأول ، وغاية الأمر فيها أنها لا تدل على نفيه ، لا أنها تدل عليه ، ومرجع ذلك إلى احتمال التشريك وهذا احتمال ضعيف لا يقاوم ما دل صريحا من الروايات على نفيه واستقلال الأب بذلك.

__________________

(1 و 2) التهذيب ج 7 ص 380 ح 11 وص 379 ح 7 ، الوسائل ج 14 ص 214 ح 1 وص 208 ح 5.


الرابع : القول باستمرار الولاية عليها في الدائم دون المنقطع ، والظاهر أن وجهه الجمع بين أخبار القول الأول الدالة على استمرار الولاية عليها مطلقا وبين ما دل من الأخبار على استقلالها في المنقطع كرواية أبي سعيد القماط عمن رواه (1) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جارية بكر بين أبويها تدعوني إلى نفسها سرا من أبويها ، أفأفعل ذلك؟ قال : نعم ، واتق موضع الفرج ، قال : قلت : وإن رضيت بذلك؟ قال : وإن رضيت بذلك ، فإنه عار على الأبكار».

ورواية الحلبي (2) قال : «سألته عن التمتع من البكر إذا كانت بين أبويها بلا إذن من أبويها قال : لا بأس ما لم يقتض ما هناك لتعف بذلك».

ورواية أبي سعيد (3) قال : «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن التمتع من الأبكار اللواتي بين الأبوين ، فقال : لا بأس ، ولا أقول كما يقول هؤلاء الأقشاب».

وربما دل هذا الخبر على أن المنع من ذلك كان مذهب العامة يومئذ ، وبهذه الأخبار يخصص عموم تلك الأخبار المتقدمة فيخص القول باستمرار الولاية بالعقد الدائم كما ذهب إليه القائل المذكور ، إلا أن ذلك لا يخلو من نوع إشكال لأن هذه الأخبار لضعفها لا تقوم بمعارضة تلك الأخبار الكثيرة الصحيحة فيما دلت عليه من العموم.

سيما مع معارضتها بصحيحة أبي مريم (4) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «العذراء التي لها أب لا تتزوج متعة إلا بإذن أبيها».

وصحيحة البزنطي عن الرضا عليه‌السلام قال : «البكر لا تتزوج متعة إلا بإذن أبيها».

وهذه الرواية رواها في كتاب قرب الاسناد (5) عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عنه عليه‌السلام.

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) التهذيب ج 7 ص 254 ح 21 و 23 و 22 و 24 ، الوسائل ج 14 ص 458 ح 7 وص 459 ح 9 وص 458 ح 6 وص 459 ح 12.

(5) قرب الاسناد ص 159 ، الوسائل ج 14 ص 458 ح 5.


وفي هذين الصحيحتين أيضا رد للقول الثاني بالنسبة إلى المتعة ، ويمكن أن يقال في دفع ما ذكر من الإشكال بأن الطعن بضعف هذه الأخبار إنما يتجه عند أصحاب هذا الاصطلاح المحدث ، وأنتم لا تعملون عليه ، والأخبار كلها صحيحة عندكم والروايتان المذكورتان وإن كانتا صحيحتين إلا أن المفهوم من رواية أبي سعيد المذكورة أن القول بالتحريم بدون إذن الأب مذهب العامة ، ولهذا أن الشيخ حمل صحيحة أبي مريم على الكراهة ، وجوز الحمل على التقية لما عرفت.

وحينئذ فيمكن أن يقال في الجمع بين هذه الأخبار تحاشيا عن إطراح شي‌ء منها من البين ، وإعمالا بقدر المقدور للدليلين كما هو ظاهر طريقة الشيخ (رحمه‌الله) في الكتابين بإبقاء هذا القول المذكور على ما ذكره قائله ، وتخصيص تلك الأخبار المتقدمة بهذه الأخبار الثلاثة المذكورة ، وحمل الصحيحتين المذكورتين على التقية ، ولعله الأقرب ، أو على استحباب استئذان الأب ، وكراهة ذلك بدونه دفعا للعيب والعار على أهلها ، فمع رضا الأب لا بأس.

ويؤيد هذا التفصيل ما صرح به في صحيحة حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في الرجل يتزوج البكر متعة ، قال : يكره للعيب على أهلها».

ويؤيد الحمل على التقية رواية مهلب الدلال (1) «أنه كتب إلى أبي الحسن عليه‌السلام : امرأة كانت معي في الدار ثم إنها زوجتني نفسها سرا ، وأشهدت الله وملائكته على ذلك ، ثم إن أباها زوجها من رجل آخر فما تقول؟ فكتب عليه‌السلام التزويج الدائم لا يكون إلا بولي وشاهدين ، ولا يكون تزويج متعة ببكر ، استر على نفسك ، واكتم رحمك الله».

وحاصل جوابه عليه‌السلام ، أنه إن كان تزويجك هذا دواما فإن الدائم لا يكون إلا بولي وشاهدين ، وإن كان متعة فإن البكر لا يجوز تزويجها متعة ، فالنكاح باطل على التقديرين ، وهو ظاهر في أن هذه الفتوى إنما خرجت مخرج التقية

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 255 ح 26 ، الوسائل ج 14 ص 459 ح 11.


في كلا الموضعين ، فيجب حمل ما دل عليه الصحيحان المذكوران على التقية أيضا ، وكيف كان فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال ، والاحتياط لا يخفى على كل حال

الخامس : القول بثبوت الولاية لها في الدائم دون المنقطع ، وهو القول المجهول القائل.

والظاهر أن الوجه في ثبوت الولاية لها في الدائم هو أخبار القول الثاني بحملها على الدائم دون المنقطع ، وسلب الولاية عنها في المنقطع وهو صحيحتا أبي مريم (1) والبزنطي (2) المتقدمتان وهو قول ضعيف مرغوب عنه لما عرفت في أخبار القول الثاني من عدم الدلالة ، ورجوع أكثرها إلى أخبار القول الأول ، ومع الإغماض عن ذلك وتسليم العمل بها فتخصيصها بالدائم بعد ما عرفت من الكلام في الصحيحتين المذكورتين ، ومعارضتهما بعموم الروايات المتقدمة في أدلة القول الأول ، وخصوص هذه الروايات الثلاثة المذكورة هنا وما حملا عليه لذلك محل إشكال.

وكيف كان فالاحتياط في أصل المسألة المذكورة بالرضا من الطرفين والإجازة من الجانبين مما لا ينبغي إهماله ، لما تكاثر في الأخبار من تشديد الأمر في الاحتياط في الفروج ، وأن منها يكون التناسل إلى يوم القيامة ، والله العالم بحقائق أحكامه ونوابه القائمون بمعالم حلاله وحرامه ، صلوات الله عليهم أجمعين.

تنبيهات

الأول : المفهوم من كلام أكثر الأصحاب فرض هذه المسألة في الأب والجد مع البكر ، والخلاف في أنهما متى كانا متصفين بشرائط الولاية ، فهل الولاية

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 254 ح 24 ، الوسائل ج 14 ص 459 ح 12.

(2) قرب الاسناد ص 159 ، الوسائل ج 14 ص 458 ح 5.


لهما أو لها؟ والأخبار التي وردت في هذا المقام أكثرها كما قدمنا ذكره إنما اشتملت على الأب خاصة ، وأن موضوع المسألة إنما هو الخلاف بينها وبينه دون الجد ، ولهذا ذهب بعضهم كما هو القول السادس في المسألة إلى الجمع بين أخبار المسألة (1) بتخصيص الحكم بالأب وقوفا على مورد هذه الاخبار ، وحمل أخبار ولايتها على ما عدا الأب ، فعلى هذا يكون أولى من الجد.

والمحقق في الشرائع فرض المسألة كما هو المشهور في الأب والجد ، وفي النافع خصها بالأب ، لأنه في هذا الكتاب كثيرا ما يدور مدار الأخبار وهو ظاهر السيد السند السيد محمد (قدس‌سره) في شرح الكتاب (2) أيضا ، وبعض متأخري المتأخرين تكلف لا لإدخال الجد في هذا المقام بحمل قولهم عليهم‌السلام في تلك الأخبار «بين أبويها» على أن المراد الأب والجد ، فإن الجد أب شرعا.

أقول : قوله ـ يمكن أيضا حمل الأب في هذه الأخبار على ما هو أعم من الأب والجد لأنه قد ثبت بالآيات والروايات كون الجد أبا ـ لا يخلو من بعد إلا أنه في مقام الجمع والتأويل ليس ببعيد لأنه قد ثبت بالأخبار الواردة في اختلاف الأب والجد أن ولاية الجد أقوى ، وهي كما تدل على كون الجد وليا كالأب ، تدل

__________________

(1) وملخص ذلك أن الاخبار انما تعارضت في الأب خاصة بمعنى أنه هل الولاية له أولها؟ وذلك لان أخبار أولويتها دلت على أنها هي الاولى ، وأخبار أولويته دلت على أنه هو الأولى ، فينبغي أن يقيد أخبار أولويتها بما عدا الأب ، بمعنى أنها هي الاولى من كل أحد إلا الأب ، وفيه أن ما كان صريحا في ثبوت ولايتها مثل رواية سعدان الدالة على نفى البأس عن تزويجها بغير إذن أبيها لا يقبل هذا الحمل ، وما لم يكن صريحا كما عرفت فإنه يمكن حمله على الاخبار الدالة على القول الأول كما أوضحناه في الكتاب ، وبالجملة فهو قول ضعيف مرغوب عنه ، والله العالم. (منه ـ رحمه‌الله ـ).

(2) حيث قال : أجمع الأصحاب على جواز انفراد البالغ الرشيدة بالعقد إذا لم يكن لها أب أو كان ولم يكن بشرائط الولاية ، وانما الخلاف مع وجود الأب الجامع لشرائط الولاية ، وهو ظاهر كما ترى في جعله محل الخلاف في المسألة انما هو الأب مع البكر دون الجد. (منه ـ قدس‌سره ـ).


على كونه أرجح منه ومقدما عليه ، وحينئذ فإذا انتفت ولايتها مع الأضعف بناء على القول المختار في المسألة فانتفاؤها مع الأقوى بطريق أولى.

على أنه من المحتمل قريبا أن هذه الروايات المصرحة بالأب أو الأبوين إنما خرجت مخرج التمثيل لا الحصر.

ويؤيده ما تقدم في مسألة تزويج الصبي والصبية ، وأنه لا خيار لهما بعد البلوغ فإن مورد أخبارها (1) على كثرتها إنما هو الأب أو الأبوين ولم يذكر الجد في شي‌ء منها مع أنه لا قائل هنا بالانحصار في الأب.

الثاني : الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في أنه لو عضلها الولي سقط اعتبار رضاه ، وجاز لها الاستقلال بالعقد على نفسها ، بل نقل الإجماع على ذلك جملة من الأصحاب ، والعضل في اللغة : المنع ، والمراد هنا منعها من التزويج بالكفو إذا طلبت (2) ذلك ، وفي معنى العضل الغيبة المنقطعة التي يحصل معها المشقة الشديدة من اعتبار استيذان الولي على ما ذكره الشيخ في الخلاف ، ولا بأس به

ويدل عليه خبر (3) «لا ضرر ولا ضرار». ورفع الحرج ، وسعة الشريعة

__________________

(1) ونحو ذلك أيضا الأخبار الواردة في من بيده عقدة النكاح وأنه له العفو عن شي‌ء من المهر ، فإنها إنما اشتملت على الأب خاصة مع الوصي والأخ والوكيل ولم يذكر في شي‌ء منها الجد بالكلية مع أنه لا خلاف في كونه وليا له العفو أيضا كالأب بل هو أولى من هؤلاء المذكورين سيما ما عدا الأب ، وليس كذلك الا لما ذكرناه في الأصل ، اما من حيث إطلاق الأب على الجد أو من حيث ان الغرض من العد مجرد التمثيل دون الحصر في من ذكر. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(2) ثم انه قد صرح غير واحد منهم بأنه لا فرق بين تحقق العضل إذا منع الولي تزويجها من الكفو بين أن يكون النكاح بمهر المثل أم لا : لان المهر حقها فلا اعتراض للأب عليها ، ونحوه فيه ، ولهذا أنه لو أسقطته بعد ثبوته سقط كله فبعضه أولى وحينئذ فليس له أن يعضلها لتحصيل مهر المثل مع رضاها بدونه. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(3) الكافي ج 5 ص 292 ح 2 ، الوسائل ج 17 ص 341 ح 3.


السمحة السهلة ، والظاهر أن ذلك أيضا هو المستند في العضل ، فإني لم أقف على خبر فيه بخصوصه ، والأشهر عند العامة أن المتولي لتزويجها حينئذ هو الحاكم لأن عبارتها عندهم مسلوبة في النكاح مطلقا ومنهم من جوز لها أن تتولى العقد ، واضطرب كلام العلامة هنا في التذكرة ففي بعض المواضع جوز لها الاستقلال ، ونقله عن جميع علمائنا مصرحا بعدم اشتراط مراجعة الحاكم ، وفي آخر اشترط إذنه وإثبات العضل عنده ، وإلا لم يكن لها التزويج وهو قول العامة.

ولو منعها الولي من غير الكفو لم يكن ذلك عضلا ، قال في المسالك : ولو فرض إرادتها زوجها وإرادة الولي غيره قدمت إرادتها عند القائل بأولويتها مطلقا إذا كان كفوا ، وعند من اعتبر ولاية الأب ولو على بعض الوجوه ففي تقديم مختاره نظرا إلى أن رأيه في الأغلب أكمل ، ولأنه الولي على تقديره ، أو مختارها لأنه أقرب لعفتها؟ وجهان : أجودهما الثاني. انتهى.

أقول : لا أعرف لهذه الأجودية ولا لهذه التعليلات الاعتبارية وجها بعد دلالة النصوص على استقلال الأب ، وأنه ليس لها مع أبيها أمر ، وتخصيصها بخروج هذا الفرد منها يحتاج إلى مخصص ، وليس فليس.

وكأنهم جعلوا مورد تلك الروايات ومحل الخلاف في المسألة إنما هو بالنسبة إلى التزويج وعدمه بأن يريد الأب تزويجها وهي غير مريدة للتزويج ، أو بالعكس دون ما إذا أراد أبوها رجلا ، وأرادت هي آخر.

وفيه أن إطلاق الروايات المذكورة شامل للأمرين كما لا يخفى على من تأملها ، وأن قولهم عليهم‌السلام في جملة من تلك الروايات «لا يستأمر البكر إذا كانت بين أبويها» أعم من أن يكون في أصل التزويج بشخصه لا بعينه وإن أرادت هي غيره ، وكذا قولهم «ليس لها مع الأب أمر» شامل لكل من الفردين المذكورين ، لا سيما مع قوله عليه‌السلام في بعضها «ما لم تثب» الدال على حصر المخالفة لأمر أبيها


في صورة الثيوبة خاصة ، فلو كان فردا آخر كما يقولونه لاستثني أيضا في الخبر ، وكذا قوله عليه‌السلام «إذا أنكحها جاز نكاحه ولو كانت كارهة» ونحو ذلك من الألفاظ التي اشتملت عليها تلك الأخبار ، فإنها ظاهرة في العموم وتخصيصها يحتاج إلى دليل.

الثالث : اتفق الأصحاب على أنه لا ولاية للأب والجد على الذكر البالغ الرشيد ، والمشهور أنه لا ولاية على الثيب البالغة الرشيدة ، خلافا لابن أبي عقيل حيث أثبت ولاية الأب عليها.

والذي يدل على الأول ـ وان كان اتفاقيا ـ جملة من الأخبار.

منها ما رواه الشيخ عن ابن أبي يعفور (1) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قلت : إني أريد أن أتزوج امرأة وإن أبوي أرادا أن يزوجاني غيرها ، قال : تزوج التي هويت ، ودع التي هوى أبواك».

وعن زرارة (2) في الموثق عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث قد تقدم قال فيه «أنه أراد أن يتزوج امرأة قال : فكره ذلك أبي فمضيت فتزوجتها» الحديث.

وعن أبان (3) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا زوج الرجل ابنه كان ذلك إلى ابنه ، وإذا زوج ابنته جاز ذلك». بحمل الابن على البالغ لما تقدم من ثبوت الولاية على الصغير.

وأما الذي يدل على الثاني فجملة وافرة من الأخبار نذكر بعضها روما للاختصار.

منها ما رواه

في الكافي في الصحيح عن الحلبي (4) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أنه

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 401 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 392 ح 44 الوسائل ج 14 ص 220 ح 1.

(2 و 3) التهذيب ج 7 ص 466 ح 76 وص 393 ح 52 ، الوسائل ج 14 ص 221 ح 2 و 3.

(4) الكافي ج 5 ص 392 ح 5 ، الوسائل ج 14 ص 202 ح 4.


قال في المرأة الثيب تخطب إلى نفسها ، قال : هي أملك بنفسها تولي أمرها من شاءت إذا كان كفوا بعد أن تكون قد نكحت رجلا قبله».

ورواه في الفقيه عن عبد الحميد بن عواض عن عبد الخالق (1) عن أبي عبد الله عليه‌السلام مثله ، وفي هذا الخبر ونحوه مما دل على اشتراط نكاح رجل قبله إشارة إلى كون الثيبوبة غير موجبة للاستقلال بالولاية إلا أن تكون عن نكاح كما تقدمت الإشارة إليه.

وما رواه الشيخ عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله (2) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ، عن الثيب تخطب إلى نفسها؟ قال : نعم هي أملك بنفسها تولي أمرها من شاءت إذا كانت قد تزوجت زوجا قبله». إلى غير ذلك من الأخبار التي تقدمت جملة منها في المسألة ، ولم أقف لما نقل عن أبي عقيل على دليل إلا أنه في المسالك نسبه إلى الاستناد إلى رواية عامة عامية ، قال : ورواياتنا خاصة خاصية ، وهي مقدمة عند التعارض. انتهى.

أقول : لا يخفى أنه لا تعارض هنا بالكلية إذ هذه الرواية عندنا في حكم العدم ، وكأنهم (رضوان الله عليهم) يراعون في مثل هذه العبارات التقية حيث إنهم في بلدان المخالفين ، ومع هذا قد وقع عليه وعلى الشهيد الأول (طيب الله مرقديهما) ما وقع من القتل.

الرابع : لا خلاف في ثبوت ولايتهما على المجنون من الأولاد ذكرا كان أو أنثى بكرا كانت أو ثيبا ، هذا مع استمرار الجنون من الصغر إلى ما بعد البلوغ ، أما لو طرء بعد البلوغ والرشد فالمشهور في كلامهم انقطاع ولايتهما لزوالها بالبلوغ والرشد ، فموردها يتوقف على دليل.

__________________

(1) الفقيه ج 3 ص 251 ح 6 ، الوسائل ج 14 ص 201 ح 2.

(2) التهذيب ج 7 ص 384 ح 21 ، الوسائل ج 14 ص 204 ح 12.


وقيل بثبوتها أيضا عملا بإطلاق النص بثبوت ولايتهما عليه ، ولم أقف على نص يدل على ما ذكروه ، بل الظاهر من النصوص إنما هو القول الأول.

ومنها قوله عليه‌السلام في رواية هشام بن سالم (1) «وان احتلم ولم يؤنس منه رشد وكان سفيها أو ضعيفا فليمسك عنه وليه ماله».

ونحوه ما رواه في الفقيه (2) عن الصادق عليه‌السلام «أنه سئل عن قول الله تعالى (3) (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ) ، قال : إيناس الرشد حفظ المال».

ونقل في كتاب مجمع البيان (4) عن الباقر عليه‌السلام تفسيره بالعقل وإصلاح المال ، والمفهوم من ذلك هو اتصال الجنون أو السفه بعد البلوغ بالصغر ، فالولاية عليه إنما ثبتت في هذه الصورة خاصة ، وهذه الأخبار وإن كان موردها ولاية المال إلا أنه لا فرق بين المال والنكاح في ذلك ، ولا قائل بالفرق فيما أعلم.

وظاهر النصوص الاتحاد ، مثل قول الصادق عليه‌السلام في صحيحة عبد الله بن سنان (5) «(الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) هو ولي أمرها». يعني المتولي لأمرها في المال بيعا وشراء ، ونحوها غيرها.

وقد تقدم شطر من الكلام في هذه المسألة في كتاب التجارة في المسألة الخامسة من المقام الثاني من مقامات الفصل الأول في البيع وأركانه (6) ومتى ثبت عدم ولايتهما في هذه الصورة ، فالولاية للحاكم حينئذ ، وحيث ثبت الولاية على المجنون فلا خيار له بعد الإفاقة ، ونقل عليه في المسالك الإجماع ، والله العالم.

__________________

(1) الكافي ج 7 ص 68 ح 2 ، الفقيه ج 4 ص 163 ح 1 ، الوسائل ج 13 ص 430 ح 9.

(2) الفقيه ج 4 ص 164 ح 7 ، الوسائل ج 13 ص 143 ح 4.

(3) سورة النساء ـ آية 5.

(4) ج 2 ص 9 طبع صيدا.

(5) التهذيب ج 7 ص 398 ح 46 ، الوسائل ج 14 ص 212 ح 2.

(6) ج 18 ص 376.


المسألة الثالثة : لا خلاف بين الأصحاب (رضي‌الله‌عنهم) في أن من جملة الأولياء المولى والحاكم ، وأما الوصي فالأظهر أنه كذلك ، فالكلام هنا يقع في مقامات ثلاثة :

الأول : المولى ، فأن له أن يزوج مملوكته صغيرة كانت أو كبيرة ، عاقلة أو مجنونة ، ولا خيار لها معه ، وكذا الحكم في العبد ، ولا يجوز ذلك بغير إذنه : ونقل على ذلك الإجماع غير واحد منهم.

والوجه في ذلك أن منافع المملوك مملوكة للمولى (1) «والناس مسلطون على أموالهم». فله نقله إلى من شاء ، ولا فرق في ذلك بين تولي المولى عن المملوك الصيغة أو إجباره بها ، ولا يقدح الإكراه هنا لأنه بحق.

ولو تحرر بعض العبد والأمة امتنع الإجبار لعدم ملكية البعض فلا يتسلط عليه المولى.

الثاني : الحاكم ، والمراد به أصالة الإمام العادل : ومع تعذره فالمأذون من جهته عموما أو خصوصا ، والفقيه الجامع للشرائط مع تعذرهما ، ونائبه في حكمه ، وثبت ولايته على من تجدد جنونه أو سفهه بعد البلوغ من غير إشكال عندهم ولا خلاف ، وتنتفي عن الصغير مطلقا عند الأصحاب ، وعللوه بأنه لا حاجة له إلى النكاح بخلاف البالغ الفاسد العقل ، والأصل عدم ثبوت ولايته فيه وتنظر في ذلك في المسالك ولم يبين وجه النظر ، وقال سبطه السيد السند في شرح النافع ـ بعد أن نقل عبارة المصنف الدالة على أنه ليس للحاكم ولاية إلا على من بلغ فاسد العقل ما لفظه ـ : وهذا التفصيل أعني اختصاص ولايته بمن بلغ فاسد العقل هو المعروف من مذهب الأصحاب ولم نقف لهم في هذا التفصيل على مستند ، والحق أنه إن اعتبرت الإطلاقات والعمومات المتضمنة لثبوت ولاية الحاكم وجب القول بثبوت ولايته في النكاح على الصغير والمجنون مطلقا كما في ولاية المال ، وإلا

__________________

(1) البحار ج 2 ص 272 ح 7.


وجب نفيها كذلك ، أما التفصيل فلا وجه له ولعلهم نظروا في ذلك إلى أن الصغير لا حاجة له إلى النكاح بخلاف من بلغ فاسد العقل ، وهو غير واضح ، فإن حاجة الكبير وإن كانت أوضح لكنها ليست منتفية في حق الصغير خصوصا الأنثى ، والمسألة محل إشكال ، وللنظر فيها مجال. انتهى.

أقول : مما يدل على عدم ولاية الحاكم في النكاح على الصغيرة ما تقدم في الموضع الثالث من التنبيهات التي في المسألة الأولى من قوله عليه‌السلام في صحيحة محمد بن مسلم (1) «في الصبي يتزوج الصبية يتوارثان؟ قال : إذا كان أبواهما اللذان زوجاهما ، فنعم».

ونحوها صحيحة عبيد بن زرارة (2) ، وصحيحة محمد بن مسلم الثانية (3) وفيها «الصبي يتزوج الصبية؟ قال : إذا كان أبواهما اللذان زوجاهما ، فنعم جائز».

فإنها دالة بمفهوم الشرط الذي هو حجة عند محققي الأصوليين وعندنا للأخبار الدالة عليه كما تقدمت في مقدمات الكتاب ، على أنه إذا لم يكن أبواهما اللذان زوجاهما فلا توارث لبطلان النكاح وأنه غير جائز ، كما دلت عليه صحيحة محمد بن مسلم الثانية ، وهي شاملة بعمومها للحاكم وغيره ، وهو أظهر ظاهر في رد ما ذكره.

وما ادعاه من الحاجة إلى النكاح في الصغير أيضا خصوصا الأنثى لا أعرف له وجها ، فإن هذه الحاجة إنما هي باعتبار كسر الشهوة الحيوانية ، وهي في الصغيرة والصغير معدومة.

وأما ما ذكره من أنه إن اعتبرت الإطلاقات والعمومات المتضمنة لثبوت ولاية الحاكم. إلى آخره ، فيه إني لم أقف بعد التتبع للأخبار على شي‌ء

__________________

(1 و 2 و 3) التهذيب ج 7 ص 388 ح 32 وج 9 ص 382 ح 1 وج 7 ص 382 ح 19 ، الوسائل ج 14 ص 220 ب 12 وج 15 ص 326 ح 2 وج 14 ص 208 ح 8.


من هذه العمومات والإطلاقات لا في النكاح ، ولا في المال ، وإن كان ذلك مشهورا في كلامهم ، ومسلما بينهم ومتداولا على رؤوس أقلامهم.

ونقل في المسالك خبرا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (1) «أنه قال : السلطان ولي من لا ولي له».

وهذا الخبر لم نقف عليه في أخبارنا ، والظاهر أنه عامي ، ومع تسليمه فالحكم مختص بالإمام ، إذ المتبادر من السلطان هو إمام الأصل كما لا يخفى ، وليس هنا مما ربما يتوهم منه ذلك ، إلا الروايات الدالة على الترافع إلى الحاكم الشرعي ، كمقبولة عمر بن حنظلة (2) ونحوها ، وغاية ما تدل عليه الترافع إليه في الحكم والفتوى ، وأنه منصوب من قبلهم عليهم‌السلام لذلك لا بالنسبة إلى الولاية على مال يتيم أو نكاح بالغ غير رشيد ، أو من تجدد له الجنون أو السفه بعد البلوغ أو نحو ذلك ، فإنه لا أثر لشي‌ء من ذلك في الأخبار وإنما ذلك في كلامهم.

وبالجملة فإن عد الحاكم الشرعي في جملة الأولياء كما ذكروا وإن كان مسلما بينهم ومتفقا عليه عندهم ، إلا أنه خال عن الدليل من الأخبار ، نعم يمكن تخصيص ذلك بالإمام عليه‌السلام من حيث الولاية العامة ، وأنه أولى بالناس من أنفسهم.

وأما من بلغ سفيها فظاهر كلام أكثرهم أن حكمه حكم من تجدد سفهه في أن الولاية فيه للحاكم وهو على إطلاقه لا يخلو من الاشكال.

والأنسب بقواعدهم هو التفصيل بأن يقال : إن من بلغ فاسد العقل لا يخلو إما أن يكون الأب والجد موجودا أم لا؟ فإن كان أحدهما موجودا فإن الأظهر أن الولاية له ، لأن ولايته متحققة قبل البلوغ اتفاقا ، ولا مانع من استصحابها في الصورة المذكورة بخلاف ما لو تجدد السفه أو الجنون بعد البلوغ حيث إن

__________________

(1) الترمذي كتاب النكاح الباب 15 ، وأبى داود كتاب النكاح الباب 16.

(2) الكافي ج 7 ص 412 ح 5 ، الوسائل ج 18 ص 3 ح 4.


ولايته زالت بالبلوغ عاقلا فرجوعها يحتاج إلى دليل ، وإن لم يكن أحدهما موجودا فيمكن القول بكونها للحاكم حينئذ.

ولكن ظاهر كلامهم هو الحكم بالولاية للحاكم مطلقا سواء كان أحدهما موجودا أم لا؟ وتخصيص ولاية الأب أو الجد بحال الصغر خاصة.

وبالجملة فالأظهر بالنظر إلى قواعدهم هو التفصيل في أنه مع وجود الأب أو الجد ، فإن بلغ فاسد العقل فالولاية لهما ، وإن تجدد السفه أو الجنون بعد البلوغ فالولاية للحاكم ، وإلى ذلك يميل كلامه في المسالك (1).

ولا خلاف بينهم أيضا في انتفاء ولاية الحاكم على البالغ الرشيد ذكرا كان أو أنثى ، وتدخل في هذا الحكم البكر البالغة الرشيدة فإنه لا ولاية للحاكم عليها ، ولو قلنا بالولاية للأب والجد مع وجودهما ، فإنه مع عدمهما تستقل بالولاية ، وليس للحاكم الشرعي عليها ولاية في هذه الحال أيضا كما نبهوا عليه في مسألة العضل وقد تقدم : والحكم لا خلاف فيه ولا إشكال.

الثالث : اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ولاية الوصي من الأب أو الجد على تزويج الصغيرة ، فقيل بولايته مطلقا ، وقيل بالعدم مطلقا ، وقيل إنما تثبت مع نص الموصي على ذلك ، وقيل إنما تثبت على من بلغ فاسد العقل خاصة إذا كان به ضرورة إلى النكاح.

أقول : القولان الأولان للشيخ في المبسوط فإنه قال في فصل ما يجوز للوصي أن يصنعه في أموال اليتامى في الكتاب المذكور : لا تستفاد ولاية النكاح بالوصية لأصالة العدم ، وللتهمة ، وجزم في موضع آخر كما نقله عنه في المختلف ، وغيره في غيره بأن للوصي ولاية النكاح على الصغيرة.

__________________

(1) حيث قال : والتسوية بينهما في التفصيل باتصال السفه ، وتجدده ، فيكون الولاية في الأول للأب والجد ، وفي الثاني للحاكم مطلقا وسيأتي في كلام المصنف ما يدل على أن الولاية على السفيه مطلقا للحاكم ، حيث جعل الاذن في تزويجه اليه من غير قيد. انتهى. (منه ـ قدس‌سره ـ).


والقول الثالث له أيضا في الخلاف حيث قال : إذا أوصى إلى غيره أن يزوج بنته الصغيرة صحت الوصية وكان له تزويجها ويكون صحيحا سواء عين الزوج أم لا ، وإن كانت كبيرة لم تصح الوصية ، ومنع منه بعض الأصحاب. انتهى.

واختاره العلامة في المختلف والشهيد في شرح نكت الإرشاد ، والمحقق الشيخ علي في شرح القواعد ، وظاهر عبارة الشيخ المذكورة أن القول بالمنع متقدم عليه أيضا.

والقول الرابع هو المشهور بين المتأخرين ، وهو مذهب المحقق والعلامة في غير المختلف فإنهم منعوا من ذلك.

وإن أوصى له بخصوص التزويج قال في التذكرة : إنما تثبت ولاية الوصي في صورة واحدة عند بعض علمائنا ، وهي أن يبلغ الصبي فاسد العقل ، ويكون له حاجة إلى النكاح وضرورة إليه.

وعللوا ذلك على ما نقله في المسالك بثبوت الضرورة ، وعجز المحتاج عن المباشرة ، فأشبه ذلك الإنفاق عليه.

وأكثرهم لم يذكروا هنا شيئا من الأخبار ، وإنما عللوا هذه الأقوال بتعليلات عقلية ، والواجب نقل ما وقفنا عليه في المسألة ، ثم الكلام بما يسر الله فهمه فيها.

ومنها ما رواه في الكافي عن الحلبي (1) في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث قال فيه : «وقال في قول الله عزوجل (2) «أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ» قال : هو الأب والأخ والرجل يوصي إليه ، والرجل يجوز أمره في مال المرأة فيبيع لها ويشتري لها ، فإذا عفى فقد جاز».

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 106 ح 3 ، الوسائل ج 15 ص 62 ح 1.

(2) سورة البقرة ـ آية 237.


وما رواه في الكافي والفقيه في الصحيح عن الحلبي وأبي بصير وسماعة (1) «عن أبي عبد الله عليه‌السلام. في قول الله عزوجل «إِلّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ» قال : هو الأب أو الأخ أو الرجل يوصي إليه ، والذي يجوز أمره في مال المرأة فيبتاع لها ويتجر ، فإذا عفا فقد جاز».

وما رواه في التهذيب عن عبد الله بن مسكان عن أبي بصير (2) في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن (الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ)؟ قال : هو الأب والأخ والرجل يوصي إليه ، والذي يجوز أمره في مال المرأة ، فيبتاع لها ويشتري ، فأي هؤلاء عفا فقد جاز».

وما رواه في التهذيب أيضا عن أبي بصير ومحمد بن مسلم (3) في الصحيح عن أبي جعفر عليه‌السلام «في (الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) ، فقال : هو الأب والأخ والموصى إليه ، والذي يجوز أمره في مال المرأة من قرابتها فيبيع لها ويشتري قال؟ فأي هؤلاء عفا فعفوه جائز» الحديث.

وأنت خبير بأن هذه الأخبار مع صحة أسانيدها ظاهرة الدلالة في القول الأول لاتفاقها على عد الموصى إليه في جملة من بيدهم عقدة النكاح الذي هو بمعنى الولاية في التزويج كالأب.

والظاهر من إطلاق الموصى إليه هو من جعله الميت وصيا على أمواله وأطفاله ووصاياه وإن لم يصرح له بخصوصية الوصية في النكاح ، فإنه أحد من بيده عقدة النكاح.

هذا هو المتبادر من الروايات المذكورة المنساق إلى الذهن منها ، ومن

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 106 ح 2 ، الفقيه ج 3 ص 327 ح 6 ، الوسائل ج 15 ص 62 ح 1.

(2 و 3) التهذيب ج 7 ص 393 ح 49 الا أن في التهذيب «الجديد والقديم» عبد الله بن المغيرة عن أبى بصير وص 484 ح 154، الوسائل ج 14 ص 213 ح 4 و 5.


ثم مال إلى هذا القول من محققي متأخري المتأخرين السيد السند في شرح النافع ، وقبله جده في المسالك وإن لم يذكرا من هذه الروايات إلا الروايتين الأخيرتين إلا أنه في شرح النافع زاد على الصغير والصغيرة ـ اللذين هما محل البحث ـ من بلغ فاسد العقل كما ذكره المانعون مستندا إلى أن الحاجة قد تدعوا إلى ذلك ، ولعموم «فَمَنْ بَدَّلَهُ». وبالجملة فإن هذه الروايات واضحة فيما قلناه ، ظاهرة فيما ادعيناه ، إلا أنه

قد روى ثقة الإسلام (نور الله تعالى مرقده) عن محمد بن إسماعيل بن بزيع (1) في الصحيح قال : «سأله رجل عن رجل مات وترك أخوين والبنت والابنة صغيرة ، فعمد أحد الأخوين الوصي فزوج الابنة من ابنه ، ثم مات أبو الابن المزوج ، فلما أن مات قال الآخر : أخي لم يزوج ابنه فزوج الجارية من ابنه ، فقيل للجارية : أي الزوجين أحب إليك الأول أو الآخر؟ قالت : الآخر ، ثم إن الأخ الثاني مات ، وللأخ الأول ابن أكبر من الابن المزوج ، فقال للجارية : اختاري أيهما أحب إليك الزوج الأول أو الزوج الآخر؟ فقال : الرواية فيها إنها للزوج الأخير ، وذلك أنها قد كانت أدركت حين زوجها ، وليس لها أن تنقض ما عقدته بعد إدراكها».

وهي كما ترى ظاهرة في أن عقد الوصي غير لازم لها ، وإنما هو فضولي يقف على الإجازة.

والسيد السند في شرح النافع لم يتعرض لنقل هذه الرواية ، والظاهر أنه لم يقف عليها ، وإلا لأجاب عنها ، ومن ثم جزم بالقول بثبوت الولاية مطلقا كما هو ظاهر الأخبار المذكورة ، والعلامة في المختلف قد نقل هذه الرواية حجة للقول

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 397 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 387 ح 30 مع اختلاف يسير ، الوسائل ج 14 ص 212 ح 1.


الثاني ، ولم يجب عنها بشي‌ء ، بل اختار مذهب الشيخ في الخلاف ، واستدل عليه برواية أبي بصير ، وغض النظر عن الجواب عنها ، وغيره من الأصحاب لم ينقلوا روايات المسألة ولم يتعرضوا لها.

ومن أجل هذه الرواية إختار المحدث الحر العاملي في الوسائل القول بالمنع كما دلت عليه ـ وارتكب فيما نقله من الروايات المتقدمة وهو بعضها ـ التأويلات البعيدة بالحمل على الوصاية الخاصة بالنكاح أو الحمل على البنت الكبير الغير الرشيدة أو التقية ، ولا يخفى ما في الأخيرين من البعد.

أما الأول فيمكن أن يكون وجه جمع بين هذه الرواية والروايات المتقدمة بأن يحمل إطلاقها على التخصيص بصورة الوصاية إليه بالنكاح ويحمل إطلاق هذه الرواية على الوصاية العامة من غير تخصيص بالنكاح ، ويجعل ذلك دليلا للقول الثالث الرواية على الوصاية العامة من غير تخصيص بالنكاح ، ويجعل ذلك دليلا للقول الثالث وهو جمع حسن بين الأخبار المذكورة.

وأما العمل بظاهر الرواية المذكورة من المنع مطلقا وإن صرح الموصي بالولاية في النكاح ، ففيه إطراح لتلك الأخبار مع صحتها وصراحتها في أن الموصى إليه من جملة من بيده عقدة النكاح الذي هو بمعني الولاية فيه ، ومن ذلك يظهر أن الأقرب من الأقوال المذكورة هو القول الثالث (1) هذا.

__________________

(1) أقول : لا يخفى أن غاية ما استدل به لهذا القول أعنى القول الثالث هو ما ذكره شيخنا الشهيد في شرح نكت الإرشاد ، قال : لأن الحاجة قد تمس اليه وربما تعذر الكفو ، فالحكمة تقتضي ثبوتها تحصيلا للمصلحة ، ولأنه قائم مقام الأب والجد ، ولجريانه مجرى البالغ فاسد العقل أو سفيها ، ولعموم «فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ». انتهى. وفيه ما لا يخفى كما عرفت مما أسلفنا ذكره في غير مقام.

وأما الآية فان الاستدلال بها جيد ، واستدل في المختلف على ذلك بصحيحة أبي بصير المتقدمة ، وفيه أن إطلاقها أعم مما ذكره ، فإنها ظاهرة في الجواز مطلقا لا بخصوص التنصيص على النكاح ، وهو لا يقول به ، ولهذا نقل عنه الشهيد في شرح الإرشاد ظاهر مذهبه أن الوصي مطلقا يتولى العقد. (منه ـ قدس‌سره ـ).


وأما القول الذي عليه المتأخرون من تخصيص ولايته بمن بلغ فاسد العقل فلا أعرف له وجها وجيها ، ولهذا قال السيد السند في شرح النافع : ولم أقف للقائلين باختصاص ولايته بمن بلغ فاسد العقل على مستند ، والمتجه إما ثبوت ولايته على الجميع ، أو نفيها رأسا وهو جيد.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه قد ذكر السيد السند المذكور في الكتاب المشار إليه ـ بعد اختياره في المسألة القول بثبوت الولاية للوصي مطلقا كما قدمنا نقله عنه ما صورته ـ : وعلى القول بثبوت ولايته فهل يثبت بتعميم الوصية أم لا بد من التصريح بالوصية في النكاح؟ الأظهر الثاني ، لأن النكاح ليس من التصرفات التي ينتقل إليها عند الإطلاق فيتوقف على التصريح به. انتهى.

أقول : ظاهر كلامه (قدس‌سره) رجوع القول بثبوت الولاية مطلقا إلى القول بالتنصيص على النكاح ، وأن من أطلق من الأصحاب فإنما مراده التقييد ، فيرجع القولان إلى قول واحد لما ذكره من التعليل.

وفيه أن جده (قدس‌سره) في المسالك ممن اختار القول بالإطلاق ، وصرح بالتعدد ، حيث إنه قال في الاستدلال على القول بالإطلاق : ووجه الثبوت مطلقا أن الوصي العام قد فوض إليه الموصي مما كان له فيه الولاية ، وتصرفاته كلها منوطة بالغبطة وقد يتحقق الغبطة في نكاح الصغير من ذكر أو أنثى بوجود كفو لا يتفق في كل وقت ، ويخاف بتأخره فوته.

ولا نسلم أن مثل هذه الولاية لا يقبل النقل فإن تصرفات الوصي كلها فيما كان للموصي فعله حيا لم ينقطع بموته مع انقطاع تصرفه.

وتخصيص هذا النوع الذي هو محل النزاع بدعوى عدم قبوله النقل غير مسموع ولعموم قوله تعالى (1) «فَمَنْ بَدَّلَهُ» ولصحيحة محمد بن مسلم وأبي بصير (2).

__________________

(1) سورة البقرة ـ آية 181.

(2) تقدم في ص 242.


ثم أورد الرواية الرابعة من الروايات المتقدمة ، ثم الثالثة ، إلى أن قال : ولو نص الموصي على التزويج فهو أولى بالحكم ، وربما قيل : باختصاص القول الثاني بذلك ، والدلائل عامة. انتهى.

وقوله «وربما قيل. إلى آخره» إشارة إلى ما اختاره سبطه هنا من تقييد الإطلاق في تلك العبارات بما إذا نص الموصى على التزويج ، ثم رده بأن الأدلة الدالة على ثبوت الولاية بالوصاية عامة لما لو نص أو لم ينص ، وهو كذلك ، فإن الروايات الأربع التي قدمناها ظاهرة في ذلك كما أشرنا إليه ذيلها.

ودعوى أن النكاح ليس من التصرفات التي ينتقل إليه الذهن عند الإطلاق ممنوعة ، وسند المنع ما أوضحه جده في كلامه المذكور ، والله العالم.

المسألة الرابعة : ظاهر كلام الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) ـ من غير خلاف يعرف ـ هو أن المحجور عليه للسفه والتبذير لا يجوز له أن يتزوج ، لأنه ممنوع من التصرفات المالية ، ومن جملتها النكاح ، لما يترتب عليه من المال من مهر أو نفقة فيمنع منه مع عدم حاجته ، وفسروا الحاجة بداعي الشهوة ، أو الحاجة إلى الخدمة وعلى هذا فإن أوقع عقدا والحال هذه كان فاسدا لفقد شرط الصحة ، ثم ان كانت المرأة عالمة بالحال فلا شي‌ء لها وإن دخل ، وإن كانت جاهلة (1) فلها مع الدخول مهر المثل ، لأنه وطئ بشبهة ، وإن اضطر إلى التزويج لخدمة

__________________

(1) أقول : ما ذكر من التفصيل هنا لو جهلها ، أحد الأقوال في المسألة ، والظاهر أنه المشهور بين المتأخرين. وقيل : بوجوب مهر المثل مطلقا ، ونقل عن الشيخ في المبسوط ، وقيل : لا شي‌ء لها مطلقا نقله في المبسوط عن قوم ، وقال : انه أقوى لأنها المتلفة لمنفعة بضعها بتسليم نفسها ، وتنظر فيه المحقق الثاني بأن التسليم ليس إتلافا ، وانما المتلف من استوفى المنفعة ، ثم انه على تقدير القول بالتفصيل بالجهل وعدمه فان فيه بحث وظاهرهم أن المراد الجهل بالسفه وزاد العلامة في المختلف أيضا الجهل بالحكم ، فلو علمت بالسفه وجهلت بالحكم فكالجاهلة بالسفه قواه المحقق الثاني ، وفيه أنه مناف لما صرحوا به في غير موضع من عدم معذورية الجاهل إلا في الموضعين المشهورين. (منه ـ قدس‌سره ـ).


أو شهوة أو غيرهما من الضرورات ، جاز للولي تزويجه ، مقتصرا على ما تندفع به الحاجة كما وكيفا.

أقول : لم أقف لهم في هذا المقام على نص يعتمد إليه ولا مستند شرعي يلجأ إليه أزيد مما ذكروه كما عرفت.

مع ما عرفت من استفاضة الأخبار باستحباب النكاح ، والحث عليه ، وما فيه من الفضل زيادة على الصلاة وذم العزاب على أبلغ وجه ، وأن فائدته غير منحصرة في كسر الشهوة الحيوانية بل له فوائد جمة منها : تكثير النسل ، والمباهاة بهم يوم القيامة ، ومنها جلب الرزق ، ومنها شفاعة الطفل لأبويها ، ومنها زيادة الثواب في عبادته ونحو ذلك.

ولا ريب أن المحجور عليه هنا وإن كان سفيها مبذرا إلا أنه بالغ عاقل مكلف بالتكاليف الشرعية واجباتها ومستحباتها داخل تحت هذه الأخبار التي ذكرناها ، وهي شاملة له كغيره من المكلفين ، ولا دليل لهم على استثنائه وخروجه عنها.

وغاية ما تدل عليه أدلة الحجر كما تقدمت في كتاب الحجر هو عدم تمكينه من المال خوفا أن يصرفه في غير المصارف الشرعية أو العرفية مما يوجب التبذير المنهي عنه لا أنه يبطل ما يأتي به من المستحبات المتوقفة على دفع المال كالتزويج مثلا ، وإنما يجوز له مع الضرورة والحاجة خاصة.

وقد تقدم في كتاب الحجر ما فيه مزيد إيضاح لما ذكرناه وتأييد بموافقة بعض المحققين لما اخترناه في المسألة الخامسة من المطلب الثاني في الأحكام من الكتاب المشار إليه.

وبذلك يظهر لك تطرق المنع في قولهم «لأنه ممنوع من التصرفات المالية» فإنه على إطلاقه ممنوع ، والتحقيق إنما هو المنع عما يحصل منه التبذير والإسراف المنهي عنه ، والحجر عليه إنما هو بسبب خوف صرفه المال في ذلك.


ويشير إلى ما ذكرناه قوله عليه‌السلام في بعض تلك الأخبار (1) «إذا علم الرجل أن امرأته سفيهة مفسدة وولده سفيه مفسد لا ينبغي له أن يسلط واحدا منهم على ماله». فإنه ظاهر في أن النهي عن تسليطهم إنما هو لخوف صرفهم المال في الفساد ، وهي الأمور الغير الجائزة.

وكذا قوله عليه‌السلام في بعضها (2) «لا تعطوهم حتى تعرفوا منهم الرشد». إنما هو لخوف صرف المال فيما هو خلاف الرشد ، وعلى هذا فلا تعلق للحجر بما لو كان الصرف في الأمور الشرعية ، وحينئذ فالواجب بمقتضى ما قلناه على الولي أن يدفع له من المال ـ متى أراد التزويج لضرورة كان أم لا ـ ما يقوم بذلك مهرا ونفقة ونحوها.

وبذلك يظهر لك ما في تفريعاتهم في المسألة ، ثم إنهم قالوا : إنه لو اضطر إلى التزويج لخدمة أو شهوة أو غيرهما من الضرورات جاز للولي تزويجه مقتصرا على ما يندفع به الحاجة كما وكيفا.

وهل يشترط تعيين الزوجة؟ فيه وجهان بل قولان : (أحدهما) ـ واختاره العلامة في كتبه والمحقق في الشرائع ـ العدم ، فيجوز للولي أن يأذن له في التزويج وإن لم يعين له الزوجة ، لأنه مقيد بمراعاة المصلحة ، فلو تجاوزها فسد ، وعلى هذا فيصح الاذن المطلق ، وينكح من شاء بمهر المثل أو أقل ، فلو نكح والحال هذه شريفة تستغرق مهر مثلها ماله أو معظمه لم يصح لأنه على خلاف المصلحة

و (ثانيهما) أنه لا بد من تعيين الزوجة بخصوصها أو حصرها في قوم أو قبيلة أو تعيين المهر ، لأن المقتضي للحجر عليه هو حفظ ماله وصيانته عن الإتلاف ، فلو جوزنا إطلاق الإذن ، لم يؤمن أن ينكح من يستغرق مهر مثلها ماله ، ولا يكفي

__________________

(1) مستدرك الوسائل ج 2 ص 496 ح 2.

(2) تفسير العياشي ج 1 ص 220 ح 23 ، الوسائل ج 13 ص 434 ح 10.


لدفع المحذور كون النكاح فاسدا في هذه الحالة ، لأنه بالدخول يجب مهر المثل مع جهلها فيلزم الوقوع في المحذور.

وأنت خبير بأن إطلاق الاذن في القول الأول مقيد عندهم بالمصلحة كما عرفت ، فلو تجاوزها فسد العقد ، ومع فساد العقد يلزم مهر المثل مع جهل الزوجة أيضا.

وبذلك يظهر أن هذا الاختلاف لا ثمرة له هنا ، بل لو لم يأذن الولي بالكلية الموجب عندهم لبطلان العقد قطعا فإنهم صرحوا بوجوب مهر المثل في صورة جهل الزوجة أيضا.

ثم اعلم أنه قد وقع في جملة من عباراتهم مثل عبارة الشرائع ونحوها القواعد وغيرهما ما ظاهره المنافاة في المتولي للعقد متى جوزنا التزويج ، فإنه في الشرائع قال : فإن اضطر إلى النكاح جاز للحاكم أن يأذن له ، سواء عين الزوجة أو أطلق ، ثم قال : ولو بادر قبل الاذن والحال هذه صح العقد ، وفي القواعد : ومع الحاجة يأذن له الحاكم مع تعيين الزوجة وبدونه ، وليس الاذن شرطا ، ونحو ذلك عبارته في الإرشاد (1).

ووجه الاشكال فيها هو أن مقتضى ذكر إذن الحاكم هنا توقف صحة العقد عليه ، ولا يظهر لذكره فائدة هنا إلا بذلك ، وإلا فلا فائدة في اعتباره.

ومقتضى قوله في القواعد «وليس الاذن شرطا» وقوله في الشرائع «ولو بادر قبل الاذن صح» هو عدم اشتراط إذن الحاكم بالكلية.

قال المحقق الشيخ علي في شرح القواعد : واعلم أن ظاهر قوله «وليس الاذن شرطا» مناف لقوله «ومع الحاجة يأذن له الحاكم» لأن الظاهر أن المراد من قوله «يأذن له الحاكم» اعتبار ذلك في صحة نكاحه ، وعدم الاعتداد به من

__________________

(1) حيث قال : وليس للمحجور عليه للتبذير التزويج الا مع الضرورة فيستأذن الحاكم فان عقد بدونه بمهر المثل صح والا يطلق الزائد (منه ـ قدس‌سره).


دونه ، أي ومع الحاجة يأذن الحاكم ولا يستقل من دون إذنه ، ولو لا ذلك لم يكن للحجر معنى ، فإنه إذا استقل السفيه ببعض التصرفات وأحسن بإمضائها كان ذلك سببا في الاقدام على أي تصرف كان ، ووسيلة إلى إتلاف المال ، ومتى كان هذا هو المراد ، كان قوله «وليس الاذن شرطا» منافيا له ، لأن مقتضاه جواز الاستقلال من دونه ، وسيأتي في كتابه. انتهى.

وظاهره في المسالك الجواب عن ذلك باعتبار ترتب الإثم وعدمه بمعنى أنه مع إذن الحاكم يكون صحيحا ولا إثم عليه ، وبدونه يكون صحيحا وإن أثم قال : لأن النهي في مثل ذلك لا يترتب عليه فساد. انتهى.

وفيه أن قضية الحجر الفساد بدون إذن الولي ، وبطلان التصرف في كل شي‌ء تعلق به الحجر من نكاح أو بيع أو شراء أو نحو ذلك كما تقدم في كتاب الحجر (1) ولا ريب أن الحجر قد تعلق هنا بالنكاح لما قدمنا في صدر المسألة ، لكن لما استثنى من ذلك صورة الضرورة والحاجة إلى النكاح وجب الرجوع في ذلك إلى الولي وهو الحاكم الشرعي ، ولهذا أنه (قدس‌سره) ذكر في آخر كلامه تفصيلا حسنا بناء على قواعدهم ، فقال : والأجود توقف تزويجه على إذن الحاكم مع وجوده فإن تعذر جاز له التزويج بدونه مع الحاجة مقتصرا على ما يليق به بمهر المثل فما دون ، فإن زاد عليه بطل الزائد ، وصح النكاح لأن الخلل في المهر لا يقتضي فساد النكاح كما في غيره ، ويظهر فائدة التوقف على إذن الولي مع إمكانه في فساد العقد ، وعدم استحقاق المهر شيئا لو كانت عالمة بالحال. انتهى ، والله العالم.

المسألة الخامسة : لو وكلت المرأة المالكة أمرها أحدا في تزويجها فإن عينت له الزوج فلا إشكال ، وإن أطلقت بأن قالت : أنت وكيلي في تزويجي أو

__________________

(1) ج 20 ص 342.


وكيلي في تزويجي برجل أو كفو ، فالمفهوم من كلام الأكثر أنه كالأول في أنه إنما يتبادر إلى غير الوكيل ، فإنه وإن كان من حيث الإطلاق صالحا لدخوله فيه كغيره إلا أن المفهوم عرفا من كونه مأمورا بتزويجها أن الزوج غيره فلا يدخل حينئذ عملا بشاهد الحال ، واحتمل في التذكرة جواز تزويجها من نفسه مع الإطلاق معللا بإطلاق الاذن ومساواته لغيره.

ولو عممت الاذن فقالت : زوجني لمن شئت ، فهل يكون كالمطلق من حيث اشتراكهما في الصلاحية لكل واحد ممن يصلح لتزويجها ، واقتضاء المغايرة بين الزوج والمزوج فلا يدخل في الإطلاق ، أو يدخل هنا في العموم من حيث إن العام أقوى من المطلق ، لأنه ناص على جزئياته؟ قولان.

واعترض على ذلك في المسالك ، ومثله سبطه في شرح النافع بأن الفرق هنا لا يخلو من نظر من حيث إن الوكيل داخل في الإطلاق ، كما هو داخل في العموم وإن كان العموم أقوى دلالة ، إلا أنهما مشتركان في أصل الدلالة.

ولو عممت الاذن على وجه يتناول الوكيل نصا وكذا لو دلت القرائن مع الإطلاق أو التعميم على تناوله فلا إشكال في دخوله ، والمشهور بين الأصحاب أنه يجوز له تزويجها من نفسه حينئذ ، وقيل : بالعدم حتى لو قالت زوجني من نفسك ، فإنه لا يجوز أيضا.

أقول : والذي حضرني من الروايات في هذا المقام ما رواه في الكافي عن الحلبي (1) في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في امرأة ولت أمرها رجلا ، فقالت : زوجني فلانا فقال : إني لا أزوجك حتى تشهدي لي أن أمرك بيدي ، فأشهدت له ، فقال عند التزويج للذي يخطبها : يا فلان عليك كذا وكذا قال : نعم ، فقال هو للقوم : إشهدوا أن ذلك لها عندي ، وقد زوجتها نفسي ، فقالت المرأة : لا ،

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 397 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 391 ح 41 ، الوسائل ج 14 ص 216 ح 1.


ولا كرامة وما أمري إلا بيدي ، وما وليتك أمري إلا حياء من الكلام ، قال : تنزع منه ويوجع رأسه».

والظاهر من هذه الرواية هو من الفرد الأول من الأفراد المذكورة وهو تعيين الزوج لأن المرأة في أول الأمر قد عينت له الزوج ولكنه لأجل خدعها والمكر بها طلب منها أن تشهد له على الوكالة المطلقة ليوصل بذلك إلى إدخال نفسه ، ومع ذلك فقد صرحت بعدم إرادته ، ومن أجل ذلك أمر عليه‌السلام بأن يوجع رأسه ، كناية عن تعزيره ، وإهانته.

وما رواه الشيخ في الموثق عن عمار الساباطي (1) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن امرأة تكون في أهل بيت فتكره أن يعلم بها أهل بيتها ، أيحل لها أن توكل رجلا يريد أن يتزوجها تقول له : قد وكلتك فاشهد على تزويجي؟ قال : لا ، قلت له : جعلت فداك وإن كانت أيما؟ قال : وإن كانت أيما ، قلت : فإن وكلت غيره بتزويجها منه؟ قال : نعم».

وهذه الرواية كما ترى صريحة في المنع من تزويج الوكيل لها ، وإن عينته وخصته كما هو أحد القولين في المسألة ، والظاهر أنه لا وجه لذلك إلا من حيث كونه موجبا قابلا بكما علل به الشيخ (رحمه‌الله) حيث ذهب إلى المنع من ذلك.

والمشهور بين المتأخرين الجواز وطرح الرواية المذكورة ، وردها بضعف السند ، وطعن في دلالتها أيضا الشهيد الثاني في المسالك ، وقبله المحقق الشيخ علي في الشرح على القواعد باحتمال رجوع النهي إلى قوله «قد وكلتك فاشهد على تزويجي».

قال في المسالك : والرواية ضعيفة السند قاصرة الدلالة لجواز كون المنفي هو قولها «وكلتك فأشهد» فإن مجرد الاشهاد غير كاف. انتهى.

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 378 ح 5 ، الوسائل ج 14 ص 217 ح 4.


أقول : لا يخفى أن المسؤول عنه في الرواية والمستفهم عنه إنما هو أن توكل من يريد تزويجها ، هل يحل لها توكيله أم لا؟ فالجواب بالنهي إنما وقع عن ذلك.

وبالجملة فالرواية ظاهرة في المدعي ، ولا معارض لها فالظاهر هو العمل بها.

نعم يمكن المناقشة فيما قدمناه من أن دلالتها على المنع إنما هو من حيث لزوم كونه موجبا قابلا ، فإنه حيث لم يقم عليه دليل في أنه مانع لا في هذا المقام ولا غيره ، مع جوازه في الأب والجد بلا خلاف ، فإن لكل منهما أن يتولى طرفي العقد ، فلا وجه لتقييد الخبر به مع دلالته على المنع مطلقا ، فلا يزول بتوكيله غيره ، بخلاف ما لو جعلنا العلة في المنع هو ما ذكرناه ، فإنه يزول بذلك.

وبالجملة فإنه لا معارض للرواية هنا إلا أصالة الجواز ، وهو مما يجب الخروج عنه بالدليل ، والدليل موجود ولو كانت الرواية صحيحة باصطلاحهم لقالوا بمضمونها ، ومن لا يرى العمل بهذا الاصطلاح كالمتقدمين وأكثر متأخري المتأخرين ، فإنه يجب تخصيص الأصل المذكور بها ، والله العالم.

المسألة السادسة : لو زوج الولي الصغيرة بدون مهر المثل ، فهل لها الاعتراض بعد الكمال أم لا؟ قولان : وبالأول قال المحقق في المحقق في الشرائع بعد التردد ، والعلامة في القواعد ، والثاني مذهب الشيخ في الخلاف.

وإطلاق كلامهم شامل لما لو كان تزويجها بدون مهر المثل على وجه المصلحة بها بأن وجد الولي في ذلك الوقت كفوا صالحا وربما لا يحصل في غير ذلك الوقت إلا أنه لم يبذل لها من المهر إلا ما هو أقل من مهر المثل ، أم لم يكن فيه مصلحة لها ولا مفسدة.

وشامل أيضا لما لو كان هناك نوع مفسدة بأن لا يكون الزوج من الأكفاء


الراجحين بحيث لو لا العقد عليه لحصل من هو أرجح منه وأولى ، ومع ذلك كان العقد بدون مهر المثل.

والمراد باعتراضها فيه هو أن لها فسخ المسمى فيرجع إلى مهر المثل مع الدخول.

ثم إن المتبادر من الاعتراض هنا هو الاعتراض في المهر المذكور في العقد ، واحتمل بعضهم أن المراد في أصل العقد أيضا.

وبذلك يظهر أن مرجع الخلاف إلى أنه هل يصح العقد مطلقا ولا اعتراض بالكلية ، أو الاعتراض في المسمى أو في أصل العقد؟ (1) وعلل الأول بأن المفروض أن الزوج كفو ، والولي له العقد شرعا ، والمهر عندهم غير شرط في صحة العقد ، والنكاح ليس معاوضة محضة ، لأن البضع ليس مالا في الحقيقة ، والغرض الأصلي من النكاح إنما التحصين والنسل ، وليس الغرض منه المهر ، ولأن الولي يجوز له العفو عن بعض المهر بعد ثبوته ، فإسقاطه ابتداء أولى ، ومع تحقق الكفاءة لا يشترط في صحة العقد وجود المصلحة بل انتفاء المفسدة ، وهو موجود بالفرض.

وأنت خبير بأن ظاهر هذا التعليل مؤذن بإرادة العموم من الأول الذي تقدمت الإشارة إليه.

__________________

(1) أقول : نقل المحقق الثاني في شرح القواعد عن الشيخ في المبسوط بأنه حكم ببطلان المسمى لأن الأموال يراعى قيمتها قيمة المثل فكذا في البضع ، ثم قال : وضعفه ظاهر ، فان الغرض وجود المصلحة المجوزة ، والفرق قائم كما بيناه. انتهى.

أقول : وهذا قول رابع في المسألة ، ومقتضاه بطلان العقد من أصله كما في البيع لو كان الثمن أقل من ثمن المثل ، ورده بأن الغرض وجود المصلحة التي هي المدار في الصحة ، فلا يبطل حينئذ ، والفرق بين النكاح والبيع قائم كما أشرنا إليه في الأصل فلا يقاس عليه ، ويمكن إرجاع هذا القول المحكي الى ما ذكرناه في الأصل من الاحتمال ، وهو احتمال اعتراضها في أصل العقد بمعنى أن لها فسخه من أصله بالتقريب المذكور فيه ، وجوابه ما عرفت ولا سيما ما ذكر في الأصل والله العالم. (منه ـ قدس‌سره ـ).


وعلل الثاني وهو جواز الاعتراض في المسمى مطلقا بأن النكاح عقد معاوضة في الجملة ، وإن لم تكن معاوضة محضة ، ومقابلة البضع بأقل من عوض مثله ينجبر بالتخيير ، ومجرد المصلحة في ذلك غير كاف في عدم الاعتراض ، كما لو باع الوكيل بدون ثمن المثل ، وإن كان هناك مصلحة للموكل.

والفرق بين البيع والنكاح ـ حيث حكم بصحة العقد بخلاف البيع بأقل من ثمن المثل ـ هو أن المهر ليس ركنا في النكاح كما تقدمت الإشارة إليه ، فلا مدخل له في صحته ولا فساده ، وإنما جبر نقصه بالتخيير في فسخه ، والرجوع إلى مهر المثل ، والتعليل بجواز عفو الولي لا يدل على المدعى ، لأن عفوه ثبت على خلاف الأصل في موضع خاص ، وهو كونه بعد الطلاق قبل الدخول ، فلا يتعدى إلى غيره ، لأن الأصل في تصرفه مراعاة المصلحة للمولى عليه.

وعلل جواز الاعتراض في العقد أيضا بأن العقد المأذون فيه شرعا على وجه اللزوم هو العقد بمهر المثل ، ومن ثم لم يجب الالتزام بمجموع ما حصل عليها هذا العقد.

ثم إن التراضي إنما وقع هنا على العقد المشتمل علي المسمى فمتى لم يكن ماضيا كان لها فسخه من أصله ، والأصل في هذا البناء أن الواقع أمر واحد ، وهو العقد المشخص بالمهر المذكور ، وإذا لم يكن ذلك لازما لها فسخت العقد.

وأورد عليه بأن أصل العقد صحيح ، وإنما المانع من قبل المهر ، ويمكن جبره بفسخه خاصة والرجوع إلى مهر المثل ، ولا نسلم أنهما واحد ، بل هما اثنان لا تلازم بينهما فإذا حصل الخلل في أحدهما لا ينقض الآخر.

نعم يتجه على تقدير اختيارها الفسخ في المسمى ثبوت الخيار للزوج في فسخ العقد وإمضائه لأنه لم يرض بالعقد إلا على ذلك الوجه المخصوص ، والحال أنه لم تتم له ، وإلزامه بمهر المثل على وجه القهر ضرر منفي إلا أن يكون


عالما بالحال والحكم فيقوى عدم تخيره لقدومه على عقد يجوز أن يؤل إلى ذلك ، كذا حققوه (رضوان الله عليهم).

ولا يخفى عليك أن المسألة عارية من النص ، والاعتماد في تأسيس الأحكام الشرعية على مثل هذه التعليلات العقلية قد عرفت ما فيه في غير مقام مما تقدم سيما مع تعارضها وتدافعها.

وكيف كان فالظاهر ضعف القول الثالث كما أوضحوه في ذيله ، وإنما يبقى الإشكال في القولين الأولين ، ويمكن ترجيح الأول منهما بما ورد من «أن الصغيرة إذا زوجها أبوها فليس لها بعد بلوغها مع أبيها أمر» فإنه شامل بإطلاقه لأصل النكاح والمهر وأنه لا اعتراض لها في شي‌ء من الأمرين ولا غيرهما إلا ما قام دليل على إخراجه واستثنائه كأن يكون بغير الكفو مثلا ونحوه.

وتفصيل صور المسألة على ما ذكره شيخنا الشهيد الثاني في المسالك يرجع إلى ست صور :

الأولى : أن يعقد عليها من كفو بمهر المثل على وجه المصلحة ولا اعتراض لها في شي‌ء مطلقا.

الثانية : الصورة بحالها لكن ، لا على الوجه المصلحة ، والأصح أنه كالأولى.

الثالثة : كذلك بدون مهر المثل على وجه المصلحة ، والأقوى أنه لا اعتراض لها مطلقا مع احتماله في المسمى.

أقول : وهذه هي الصورة التي هي مطرح البحث المتقدم ، وهو (قدس‌سره) قد اختار فيها القول الأول مع احتمال القول الثاني ، وجزم بنفي الثالث.

الرابعة : كذلك ، لكن بدون المصلحة فلها الاعتراض في المسمى خاصة ، فلو فسخته اتجه تخيير الزوج في أصل العقد.

الخامسة : أن يزوجها من غير كفو بمهر المثل فلها الخيار في أصل العقد مع احتمال


بطلانه من رأس ، والوجهان مبنيان على حكم عقد الفضولي في النكاح ، وسيأتي البحث فيه.

السادسة : كذلك بدون مهر المثل فلها الخيار في كل منهما ، فإن فسخت العقد انتفيا ، وإن فسخت المهر خاصة رجعت إلى مهر المثل.

المسألة السابعة : المشهور بين الأصحاب صحة عقد النكاح فضولا كما في غيره من العقود ، ولزومه موقوف على الإجازة ، وادعى المرتضى الإجماع على صحته في النكاح ، وهو ظاهر ابن إدريس أيضا حيث قال في السرائر ما ملخصه : إنه لا خلاف في أن النكاح يقف على الإجازة إلا في العبد والأمة ، فإن بعضهم يوقف العقد على إجازة الموليين ، وبعضهم يبطله. انتهى.

ونقل عن الشيخ في الخلاف القول ببطلانه من أصله فلا تصححه الإجازة وهو قول الشيخ فخر الدين بن العلامة في جميع العقود من نكاح وبيع وغيرهما.

والأظهر هنا هو القول المشهور ، أما في البيع ونحوه فقد تقدم تحقيق القول فيه في كتاب التجارة ، وأن الحق الذي دلت عليه الأخبار هو القول بالبطلان.

ومما يدل على الصحة هنا ما رواه في الكافي عن محمد بن مسلم (1) عن أبي جعفر عليه‌السلام «أنه سئل عن رجل زوجته امه وهو غائب قال : النكاح جائز إن شاء المتزوج قبل ، وإن شاء ترك ، فإن ترك المتزوج تزويجه فالمهر لازم لامه».

وما رواه الكليني والشيخ في الحسن عن زرارة (2) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «سألته عن مملوك تزوج بغير إذن سيده ، فقال : ذاك إلى سيده إن شاء أجازه ، وإن شاء فرق بينهما ، قلت : أصلحك الله إن الحكم بن عتيبة وإبراهيم النخعي وأصحابهما

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 401 ح 2 ، الوسائل ج 14 ص 211 ح 3.

(2) الكافي ج 5 ص 478 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 351 ح 63 ، الوسائل ج 14 ص 523 ح 1.


يقولون : إن أصل النكاح فاسد ولا تحل إجازة السيد له ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : إنه لم يعص الله انما عصى سيده فإذا أجازه فهو له جائز».

وما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) عن زرارة (1) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل تزوج عبده بغير إذنه ، فدخل بها ثم اطلع على ذلك مولاه؟ فقال : ذلك إلى مولاه ، إن شاء فرق بينهما ، وإن شاء أجاز نكاحهما ، فإن فرق بينهما فللمرأة ما أصدقها ، إلا أن يكون اعتدى فأصدقها صداقا كثيرا ، وإن أجاز نكاحه فهما على نكاحهما الأول ، فقلت لأبي جعفر عليه‌السلام : فإن أصل النكاح كان عاصيا ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : إنما أتى شيئا حلالا ، وليس بعاص الله إنما عصى سيده ، ولم يعص الله إن ذلك ليس كإتيان ما حرم الله عزوجل عليه من نكاح في عدة وأشباهه».

وما رواه في الكافي والتهذيب عن معاوية بن وهب (2) في الصحيح قال : «جاء رجل إلى أبي عبد الله عليه‌السلام فقال : إني كنت مملوكا لقوم وإني تزوجت امرأة حرة بغير إذن مولاي ثم أعتقوني بعد ذلك ، فأجدد نكاحي إياها حين أعتقت؟ فقال له : أكانوا علموا أنك تزوجت امرأة وأنت مملوك لهم؟ فقال : نعم وسكتوا عني ولم يعيروا علي ، فقال : سكوتهم عنك بعد علمهم إقرار منهم أثبت على نكاحك الأول».

ورواه الشيخ في التهذيب عن الحسن بن زياد الطائي (3) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني كنت رجلا مملوكا» الحديث ، على اختلاف في ألفاظه. ورواه في الخلاف عن أبان بن عثمان أن رجلا يقال له ابن زياد الطائي قال : «

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 478 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 351 ح 62 ، الفقيه ج 3 ص 283 ح 1 ، الوسائل ج 14 ص 523 ح 2.

(2) الكافي ج 5 ص 478 ح 4 ، التهذيب ج 7 ص 351 ح 62 ، الوسائل ج 14 ص 525 ب 26 ح 1.

(3) التهذيب ج 7 ص 343 ح 37 ، الوسائل ج 14 ص 526 ح 3.


قلت لأبي عبد الله» الحديث ، كما في التهذيب بأدنى تفاوت.

وما رواه الشيخ في التهذيب عن علي بن جعفر (1) عن أخيه موسى عليه‌السلام عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام عن علي عليه‌السلام «أنه أتاه رجل بعبده ، فقال : إن عبدي تزوج بغير إذني ، فقال علي عليه‌السلام لسيده : فرق بينهما ، فقال السيد لعبده : يا عدو الله طلق ، فقال علي عليه‌السلام : كيف قلت له؟ قال : قلت له : طلق ، فقال علي عليه‌السلام للعبد : أما الآن فإن شئت فطلق ، وإن شئت فأمسك ، فقال السيد : يا أمير المؤمنين أمر كان بيدي فجعلته بيد غيري؟ قال : ذاك لأنك حيث قلت له طلق أقررت له بالنكاح» (2).

واستدل في المسالك لهذا القول بصحيحة أبي عبيدة الحذاء (3) قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن غلام وجارية زوجهما وليان لهما وهما غير مدركين ، فقال : النكاح جائز ، وأيهما أدرك كان له الخيار». الحديث ، وقد تقدم ، ثم قال : لا يقال الرواية متروكة الظاهر ـ لتضمنها أن عقد الولي يقع موقوفا وأنتم لا تقولون به ،

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 352 ح 64 ، الوسائل ج 14 ص 526 ح 1.

(2) قال الشهيد في شرح نكت الإرشاد بعد نقل خبر على بن جعفر المذكور : قد اشتمل هذا الحديث على لطائف :

الأول : أن نكاح العبد بغير اذن السيد لا يقع باطلا ، بل موقوفا ، ودل عليه ظاهر قوله «فرق بينهما» فإنه ليس المراد به إيجاب التفريق ، بل ظاهره إثبات أن له التفريق.

أقول : الأظهر في الدلالة على ما ذكره ما تقدم في الاخبار الأولة من قوله في حسنة زرارة «ذاك الى سيده الى آخره» فإنه صريح في كونه موقوفا لا باطلا ، فما نقله فيه عن العامة ، وقد رده عليه‌السلام «بأنه لم يعص الله ، وانما عصى سيده» ونحوها من الاخبار.

ثم قال (قدس‌سره) : الثانية : أن الاعتراف بالتابع أو اللازم المساوي اعتراف بالمطبوع والملزوم ، كطلب منكر البيع الإقالة أو الفسخ بالثمن ، وعليه دل قوله «أما الان فإن شئت فطلق» الخبر.

الثالثة : الإجازة ليست على الفور ، بل له أن يجيز ما لم يفسخ لان قوله «طلق» كان بعد مكث ، وفي هذه نظر. انتهى (منه ـ قدس‌سره ـ).

(3) الكافي ج 5 ص 401 ح 4 ، الوسائل ج 17 ص 527 ح 1.


فلا يصح الاستدلال بها على موضع النزاع لسقوط اعتبارها بذلك ـ لأنا نقول : لا يلزم من ثبوت الولاية لأحد على الأطفال أن يجوز له تزويجهم ، لأن ولاية التزويج أخص من مطلق الولاية ، وعدم الأخص أعم من عدم الأعم.

ووجه خصوصه يظهر في الحاكم والوصي فإنهما وليان على الأطفال ، وليس لهما تزويجهم كما مر ، فيكون حمل الولي هنا على ذلك بقرينة جعل الخيار لهما إذا أدركا.

وفي المختلف حمل الولي هنا على غير الأب والجد ، كالأخ والعم فإن كلا منهما يطلق عليه اسم الولي (1) لكنه ولي غير مجبر.

وفي بعض عبارات الشيخ في المبسوط البكر إن كان لها ولي الإجبار مثل الأب والجد فلا يفتقر نكاحها إلى إذنها ، وإن لم يكن له الإجبار كالأخ وابن الأخ والعم فلا بد من إذنها ، والغرض من ذلك أنه سمي من ذكر من الأقارب وليا ، وإن لم يكن له ولاية النكاح.

وما فرضناه خال من التكلف ، والشواهد من الأخبار كثيرة ، وإن لم يكن مثلها في قوة السند.

ثم أورد جملة من الروايات العامة الدالة على ما دلت عليه صحيحة أبي عبيدة المذكورة ، ثم أورد حسنة زرارة المتقدمة.

والعجب منه (قدس‌سره) في استناده إلى روايات العامة ، ورواياتنا كما عرفت مما تلوناه بذلك متظافرة ، وهو لم يذكر منها إلا صحيحة أبي عبيدة وحسنة زرارة.

__________________

(1) أقول : مما يدل على إطلاق الولي على الأخ ما ورد في حديث المرأة التي أنكرت ولدها ، ويقرب منه ما هو مروي في الكافي ، قال فيه «ثم قال لها ـ يعني أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ : ألك ولى؟ قالت : نعم ، هؤلاء إخوتي ، فقال لإخوتها : أمري فيكم وفي أختكم جائز؟ فقالوا : نعم ، ثم انه عليه‌السلام زوجها من الغلام ـ الحديث». (منه ـ قدس‌سره ـ) ، الكافي ج 7 ص 423 ح 6 ، الوسائل ج 18 ص 206 ح 2.


وأعجب من ذلك ما وقع له والعلامة في المختلف قبله من الاستشكال في الاستدلال بصحيحة أبي عبيدة حتى استشهدا على ما ذكراه من حمل الولي في صدرها على غير الأب والجد بما صرحا به ، مع أن عجز الرواية أوضح شاهد بما ذكراه حيث قال في عجزها «فإن كان أبوها الذي هو زوجها قبل أن تدرك قال : يجوز عليها تزويج الأب ، ويجوز على الغلام والمهر على الأب للجارية».

والتقريب فيها أنه لو لم يحمل صدرها على غير الأب والجد للزم المنافاة والمضادة بين ما دل عليه صدرها وعجزها ، ونحن قدمنا الرواية بتمامها وبينا الوجه فيها في آخر المسألة الاولى من هذا المقصد.

احتج الشيخ على ما نقله في المسالك على البطلان من رأس بما روي عن عائشة (1) «أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل».

ورواية أبي موسى الأشعري (2) «أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لا نكاح إلا بولي».

ورواية ابن عمر (3) «أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أيما عبد نكح بغير إذن مواليه فنكاحه باطل».

ورواية الفضل البقباق (4) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام الرجل يتزوج الأمة بغير إذن أهلها قال : هو زنا إن الله تعالى يقول (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ)». وبأن العقود الشرعية تحتاج إلى الأدلة وهي منتفية في محل النزاع.

ثم قال في المسالك : ووافقه على البطلان الشيخ فخر الدين مضيفا إليه سائر العقود مستدلا عليه بأن العقد سبب الإباحة ، ولا يصح صدوره من غير معقود عليه أو وليه ، وبأن رضى المعقود عليه أو وليه شرط ، والشرط متقدم.

ثم رده بأن الأولى منهما مصادرة والثانية لا تفيد لأن الرضا شرط اللزوم

__________________

(1 و 2 و 3) سنن البيهقي ج 7 ص 125.

(4) التهذيب ج 7 ص 348 ح 55 ، الوسائل ج 14 ص 527 ح 1.


وهو متأخر عنه لا العقد الذي هو المتنازع فيه ، ثم أجاب عن روايات الشيخ بأنها كلها عامية قال : وقد أتينا بخبر منها ومثلها فتكون رواياتنا أرجح ـ إلى أن قال ـ : والرواية الأخيرة الخاصة بنا ظاهرة في أن زوج الأمة وطأها بذلك العقد من غير إجازة المولى ، ولا شبهة في كونه زنا ، ولو ادعى عدم الوطي حمله على ما لو فعله كذلك ، جمعا بينها وبين ما سلف ، وهو جيد.

والعجب من الشيخ ـ مع روايته للروايات المتقدمة في كتبه الصريحة في المدعي ـ كيف يدعي أن الأدلة منتفية في محل النزاع.

وبقي الكلام في الروايات الاولى وما دلت عليه ، من أن المهر لازم لامه مع عدم قبوله ورضائه بالتزويج.

والشيخ في النهاية قد أفتى بمضمون الرواية فقال : إذا عقدت الام بابن لها على امرأة كان مخيرا في قبول العقد والامتناع منه فإن قبل لزمه المهر ، فإن أبي لزمها هي المهر ، وتبعه ابن البراج.

وقال ابن إدريس : حمل ذلك على الأب قياس ، فإن الام غير والية على الابن فإنما هذا النكاح موقوف على الإجازة أو الفسخ ، فإن بلع الابن ورضي لزمه المهر وإن أبي انفسخ النكاح ، ولا يلزم الام من المهر شي‌ء بحال ، إذ هي والأجانب سواء فكما لو عقد عليه أجنبي كان الحكم ما ذكرناه بغير خلاف ، فلا دليل على لزوم المهر ، لأن الأصل براءة الذمة ، شغلها يحتاج إلى دليل. انتهى.

أقول : لا يخفى أن ما أفتى به الشيخ هنا إنما استند فيه إلى الرواية المذكورة ، والرواية ظاهرة في أن الابن بالغ عاقل ، وإنما كان غائبا فعقدت الام عنه فضولا ، وكلام ابن إدريس يشعر بأنه توهم أن المعقود عليه صغير ، ولا ولاية للأم عليه كما للأب ، فلا يلزمها المهر كما يلزم الأب لو عقد على ابنه الصغير ، وهو بمعزل واضح عن ظاهر الرواية ، وكلام الشيخ المبنى عليها وإن كانت عبارة


الشيخ مجملة هنا.

بقي الكلام في ضمانها المهر مع كون عقدها فضوليا ، وقضية ذلك أنه إن أجاز لزمه المهر ، وإلا فلا مهر ، والعلامة في المختلف وقبله شيخه المحقق في الشرائع حملا الضمان على ما إذا ادعت الأم الوكالة ولم يثبت ، فإنها تضمن المهر لأنها قد فوتت البضع على الزوجة فضمنت ، وهو جيد.

ويدل عليه جملة من الأخبار ، وقد تقدم تحقيق القول في ذلك في كتاب الوكالة في المسألة الثانية من المطلب السابع في التنازع (1) من الكتاب المذكور.

وأما ما ذكره في المسالك بعد ذكر حمل المحقق والعلامة حيث قال : وفيه نظر لأن ضمان البضع بالتفويت مطلقا ممنوع ، وإنما المعلوم ضمانه بالاستيفاء على بعض الوجوه لا مطلقا ، والأقوى عدم وجوب المهر على مدعى الوكالة مطلقا إلا مع ضمانه فيجب حسبما يضمن عن الجميع أو البعض. انتهى.

ففيه ما ذكره في الموضع المشار إليه من ورود الأخبار وفيها الصحيح بالضمان ، وأن الظاهر أن الوجه فيه إنما هو العقوبة للوكيل حيث ضيع حق المرأة بعدم الاشهاد على الوكالة فليرجع إليه من أحب الاطلاع عليه ، والله العالم.

المسألة الثامنة : المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) من غير خلاف يعرف إلا من ابن إدريس أنه يجزي في إجازة البكر وإذنها سكوتها ، ويعتبر في الثيب النطق ، وقال ابن إدريس ـ بعد أن حكى قول الشيخ في النهاية أن الأخ إذا أراد العقد على أخته البكر استأمرها فإن سكت كان ذلك رضا منها ، ما صورته ـ : المراد بذلك أنها تكون قد وكلته في العقد.

وإن قيل : إذا وكلته في العقد فلا حاجة به إلى استيمارها قلنا : بل يستحب أن يستأمرها عند العقد بعد ذلك ، وكذلك الأب إذا لم يكن وليا

__________________

(1) ج 22 ص 109.


عليها ، ولا له إجبارها على النكاح ، وولت أمرها إليه فإنه يستحب له أن يستأمرها إذا أراد العقد عليها ، وهذا معنى ما روي «أن إذنها صماتها» وإلا السكوت لا يدل في موضع من المواضع على الرضا.

والذي يدل على القول المشهور وهو المؤيد المنصور جملة من الأخبار الواضحة المنار.

ومنها ما رواه في الكافي عن الحلبي (1) عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث قال : «وسئل عن رجل يريد أن يزوج أخته ، قال : يؤامرها ، فإن سكتت فهو إقرارها وإن أبت لم يزوجها» الحديث.

وما رواه في الكافي عن أحمد بن محمد بن أبي نصر (2) قال : «أبو الحسن عليه‌السلام «في المرأة البكر إذنها صماتها والثيب أمرها إليها». ورواه الحميري في كتاب قرب الاسناد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر مثله.

وما رواه في الكافي والفقيه عن داود بن سرحان (3) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في رجل يريد أن يزوج أخته ، قال : يؤامرها فإن سكتت فهو إقرارها وإن أبت لم يزوجها».

ويؤيده ما تقدم في سابق هذه المسألة من حكمه عليه‌السلام في صحيحة معاوية بن وهب ، «بأن سكوت موالي العبد الذي تزوج بغير إذن منهم ، إقرار له على التزويج».

وهذه الروايات كما ترى ظاهرة بل صريحة في القول المشهور ، وليس في شي‌ء منها ما يشير إلى حصول الوكالة التي ادعاها ابن إدريس ، بل هي ظاهرة في خلاف ذلك ، وما ادعاه من استحباب استيمارها بعد الوكالة مجرد عدوى ألجأه إليه

__________________

(1 و 2) الكافي ج 5 ص 393 ح 4 وص 394 ح 8 ، قرب الاسناد ص 159 ، الوسائل ج 14 ص 20 ح 4 وص 206 ح 1.

(3) الكافي ج 5 ص 293 ح 3 ، الوسائل ج 14 ص 201 ح 3.


ضيق الخناق في الخروج عما وقع عليه الاتفاق ، فإنا لم نقف لذلك على دليل عقلي ولا نقلي كما لا يخفى.

وينبغي تقييد الاكتفاء بالسكوت عن اللفظ الصريح بما إذا لم يكن ثمة قرينة دالة على عدم الرضاء ، وإلا لم يفد السكوت الاذن.

قيل : ولو ضحكت عند استئذانها فهو إذن ، لأنه أدل على الرضاء من السكوت.

وفيه توقف إذ ربما يكون الضحك عن استهزاء وتعجب ، لا عن فرح وسرور ، مع خروجه عن موضع النص المخالف للأصل ، فيجب الاقتصار على مورد النص.

ونقل عن ابن البراج أنه ألحق بالسكوت والضحك البكاء وهو أبعد ، بل ربما كان ذلك قرينة ظاهرة على الكراهة.

والظاهر أن وجه الحكمة فيما دلت عليه هذه الأخبار من الاكتفاء بالسكوت هو أن البكر غالبا تستحي من الكلام والجواب باللفظ ، هذا كله في البكر.

أما الثيب فيعتبر نطقها إجماعا ، ويؤيد ما عرفت من وجه الحكمة في البكر وأن الثيب بسبب الثيوبة ومخالطة الرجال يزول عنها الحياء.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه لا إشكال في حصول الثيوبة الموجبة لوجوب النطق بالجماع ، لعقد كان أو ملك أو شبهة أو زنا ، كبيرة كانت أو صغيرة ، لصدق الثيوبة في الجميع ولزوال الحياء بممارسة الرجال.

وإنما الإشكال في حصول الثيوبة بغير ذلك من طفرة ووثبة وسقطة ، أو بالإصبع ونحو ذلك ، فظاهر العلامة إلحاق من كانت ثيوبتها بأحد هذه الأمور بالبكر لوجود معنى البكر فيمن ذكر حيث لم تخالط الرجال فيبقى الحياء بحاله.

ونفى عنه البعد السيد السند في شرح النافع ، مع أن جده اعترضه في المسالك


بأن فيه نظر من حيث إطلاق النصوص الشامل لمن ذكر ، قال : والاقتصار على الحكمة غير لازم ، ومن الجائز كونها حكمة في الحكم الكلي ، وإن تخلفت في بعض جزئياته.

ومثله كثير في القواعد الشرعية المترتبة على أمور حكمية تضبط بضوابط كلية ، وإن تخلفت الحكمة في بعض مواردها الجزئية كما جعلوا السفر موجبا للقصر نظرا إلى المشقة بالإتمام فيه غالبا مع تخلفها في كثير من المسافرين المترفهين ووجودها في كثير من الحاضرين ، وكترتب العيب المجوز للرد ، على نقصان الخلفة وزيادتها ، نظرا إلى كون ذلك مما يوجب نقصان القيمة غالبا ، وقد تخلف في مثل العبد إذا وجد خصيا ، فأبقى على القاعدة وإن زادت قيمته أضعافا مضاعفة. انتهى ، وهو جيد.

ومن جملة ما ذكره أيضا ما صرحت به الأخبار من العلة في العدة هو أن وجه الحكمة فيها استبراء الرحم ، مع وجوبها في مواضع عديدة يقطع ببراءة الرحم كمن سافر عن زوجته عشر سنين ثم طلقها في سفره أو مات عنها ، ونحوه.

وما ورد من أن مشروعية غسل الجمعة كان لتأذى الناس من روائح اباط الأنصار في المسجد إذا حضروها ، فأمر بالغسل لذلك مع استحباب الغسل أو وجوبه مطلقا ، بل استحباب تقديمه وقضائه ، وإن كان روائح المصلين أطيب من ريح المسالك ، الى غير ذلك من العلل المذكورة في كتاب علل الأخبار.

ونقل في المسالك عن الشهيد في بعض فوائده أن الثيوبة على أحد الوجوه المتقدمة الخارجة عن الجماع حكمها كالثيوبة الحاصلة بالجماع ، واختاره في المسلك أيضا قال : لا طلاق النص ، والمسألة لا تخلو من نوع إشكال ، وإن كان ما اختاره الشهيدان لا تخلو من قرب ورجحان.

قال في المسالك : وفي الموطوء في الدبر وجهان : من صدق البكارة ، وزوال الحياء ، واختار في التذكرة اعتبار النطق فيها. انتهى.


أقول : لا يخفى أن مقتضى تعليق الاكتفاء بالسكوت على البكارة في النصوص المتقدمة هو الاكتفاء بالسكوت في المنكوحة دبرا لثبوت البكارة ، وهذه العلة التي ذكروها هنا غير منصوصة ، بل هي مستنبطة فترجيح العمل بها على إطلاق النص لا يخلو من الاشكال ، والله العالم.

المسألة التاسعة : قد عد جملة من الأصحاب مسقطات الولاية وهي أربعة : الكفر ، وعدم الكمال بالبلوغ والرشد ، والرقية ، والإحرام.

فتحقيق الكلام في المقام يقع في مواضع أربعة (أحدها) الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضي‌الله‌عنهم) في اشتراط الإسلام في الولاية فلا تثبت للكافر ـ أبا كان أوجدا أو غيرهما ـ الولاية على الولد المسلم صغيرا أو مجنونا ذكرا كان أو أنثى ، ويتصور إسلام الولد في هذه الحال بإسلام امه أو جده على قول ، وكذا يتصور إذا أسلم بعد بلوغه ثم جن ، أو كانت أنثى على القول بثبوت الولاية على البكر البالغ ، واستندوا في عدم الولاية في هذه الصورة إلى قوله عزوجل (1) «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ».

وظاهر بعضهم اشتراط ذلك أعم من أن يكون المولى عليه مسلما أو كافرا ، والحكم في الأول إجماعي.

واستدل عليه زيادة على ما سبق بقوله عزوجل (2) «وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً» وقوله (3) «الإسلام يعلو ولا يعلى عليه».

وأما الثاني وهو أن المولى عليه متى كان كافرا فإنه يشترط في الولي عليه الإسلام ، فلا يجوز ولاية الكافر على الكافر.

فقال في المسالك : إن وجه المنع غير ظاهر ، وعموم الأدلة متناولة وقوله

__________________

(1) سورة التوبة ـ آية 71.

(2) سورة النساء ـ آية 141.

(3) الوسائل ج 17 ص 376 ح 11.


تعالى (1) «فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ» يشهد له.

بل قال الشيخ في المبسوط : إن ولي الكافرة لا يكون إلا كافرا ، فلو كان لها وليان أحدهما مسلم والآخر كافر ، كان الذي يتولى تزويجها الكافر دون المسلم لقوله (2) «وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ».

ومنه يظهر ضعف ما نقل عن ظاهر بعضهم من اشتراط الإسلام في الولي وإن كان المولى عليه كافرا ، وأن الأجود هو أن يتولى الكافر نكاح الكافرة مطلقا إذا لم يكن لها ولي مسلم ، وإلا فالمسلم مع وجوده أولى ، خلافا لما ذكره في المبسوط.

ويتصور ولاية المسلم على ولد الكافر فيما إذا كان الأب والجد كافرين فأسلم الجد بعد بلوغ الولد ثم عرض الجنون للولد ، أو يكون الولد البالغ أنثى وقلنا بالولاية على البكر البالغ.

أقول : لم أقف في المقام على نص مخصوص ، ولا أعرف لهم مستندا فيه سوى ما يظهر من اتفاقهم على الحكم المذكور.

وأما الآيات التي ذكروها في المقام فهي لا تنهض حجة في مقام الخصام ، فإن الظاهر من الآية الأولى والثالثة إنما هو النصرة والمحبة والمساعدة في الأمور ، ولهذا عقب الآية الأخيرة بقوله «إِلّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ» لا الولاية بالمعنى المدعى هنا ، وأما آية «وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً» فإن المراد بالسبيل المنفي إنما هو من جهة الحجة والدليل ، كما روي عن الرضا عليه‌السلام في تفسير الآية المذكورة لا ما توهمه أصحابنا.

واستدلوا عليه بالآية في غير موضع من الأحكام حسبما صرح به الخبر المشار إليه وأوضح بطلانه ، وقد تقدم الكلام في ذلك في غير موضع من الكتاب.

__________________

(1) سورة النساء ـ آية 25.

(2) سورة الأنفال ـ آية 73.


و (ثانيها) في اشتراط الكمال بالبلوغ والرشد ، فلا ولاية للصبي ولا المجنون ولا المغمى عليه ولا السكران الموجب سكره لذهاب عقله ، قالوا : والوجه في ذلك هو أن هؤلاء لعجزهم عن اختيار الأزواج والنظر في أحوالهم وإدراك التفاوت بينهم المطلوب من الولي لا تثبت لهم الولاية نعم لو زال الجنون والإغماء والسكر عادت الولاية.

وربما قيل بأن الجنون المنقطع كالمطبق في رفع الولاية وهو ظاهر عبارة القواعد ، قال الشارح المحقق : والأول أقرب مع قصر زمانه ، ثم قال : والإغماء إن كان مما يدوم يوما أو يومين أو أكثر تزول الولاية حال الإغماء. لكن إذا زال عادت مع وجود مقتضاها كالأبوة والجدودة ، وإن قصر زمانها غالبا فهي كالنوم لا تزول به الولاية. انتهى (1).

وأشار بقوله «مع وجود مقتضاها» ـ بمعنى أن عود الولاية إنما يكون مع وجود المقتضي لها بكونه أبا أوجدا ـ إلى أنه لو كان وصيا لم تعد الولاية ، وقد نبه على ذلك في آخر كلامه في المقام ، فقال : إذا عرفت ذلك فإذا زال المانع عادت الولاية ، وهذا في الأبوة والجدودة ظاهر ، وأما في الوصاية فلأنها إذا بطلت لا تعود الولاية إلا بنص الموصي على عودها بعد زوال المانع. انتهى.

ومرجع ذلك إلى أن الولاية في الأب والجد مترتبة على الأبوة والجدودة ، وهي موجودة في محل الفرض ، والولاية في الوصاية ليست كذلك بل منفكة عنها فزوالها بالإغماء لا يعود بمجرد بقاء الوصاية ، لانفكاكها عنها ، بل يحتاج إلى نص من الموصي على العود ، إذ لا بد من دليل على عودها ، وليس إلا ذلك ،

__________________

(1) أقول : ظاهره في المسالك أنه لا فرق بين قصر الجنون والإغماء أو طولهما في زوال الولاية بهما وعودها بعد زوالهما ، قال بعد الكلام في المقام : ولا فرق بين طول زمان الجنون والإغماء وقصره ، لقصور حالته ، ووجود الولاية في الأخر ، وانما يفرق بين الطول والقصر عند من يجعل ولاية الجد مشروطة بفقد الأب كالشافعي فيجعل المانع القصير غير مبطل للولاية ، ولا ناقل لها إلى إلا بعد كالنوم. انتهى. (منه ـ قدس‌سره ـ).


ولا يخفى أن هذا الكلام إنما يتجه على تقدير القول في مسألة ولاية الوصي المتقدمة بأن ولايته مخصوصة بنص الموصي على الولاية.

وأما على القول بأنها تثبت بمجرد الوصاية وإن لم ينص عليها كما هو مختار جمع من المحققين فإنه لا فرق حينئذ بين الأب والجد وبين الوصي لبقاء الوصاية التي هي الموجبة للولاية كالأبوة والجدودة.

و (ثالثها) اشتراط الحرية في الولي ، فلا ولاية للمملوك على ولده حرا كان الولد أو مملوكا ، لمولى الأب أو لغيره ، وهكذا الجد أيضا ليس له ولاية ، وعلل سلب الولاية عنهما بأن الرق ليس أهلا لذلك ، فنقصه بالرقية المقتضي لكونه لا يقدر على شي‌ء ، فإنه لا يستطيع تزويج نفسه بغير ولي ، ولأن الولاية تستدعي البحث والنظر ، والعبد مشغول بخدمة سيده لا يفرغ لذلك.

وبذلك صرح العلامة في جملة من كتبه ، إلا أن ظاهره في المختلف القول بصحة ولايته ، حيث نقل عن ابن الجنيد عدم جواز ولاية الكافر والعبد ثم قال : أما قوله في الكافر فجيد ، لقوله تعالى (1) «وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً» ، وأما العبد فالأقوى صحة ولايته لأنه بالغ رشيد ، فأشبه الحر ، وكونه مولى عليه لا ينافي ولايته. انتهى.

هذا إذا لم يأذن له مولاه ، وإلا فإنه يصح مع إذنه ، إلا أنه ينبغي أن يعلم أن موضع الصحة ما إذا كان الولد مملوكا فأذن له مولاه أيضا في تزويجه.

أما لو كان حرا صغيرا ، فإن ثبوت ولايته عليه بإذن المولى له مشكل ، لأن المقتضي لسلب ولايته هو الرقية ولا يزول بالاذن.

قالوا : ولا فرق في مملوكية الأب أو الجد بين كونه قنا أو مكاتبا أو مدبرا ، ولو تحرر بعضه فكالقن.

__________________

(1) سورة النساء ـ آية 141.


أقول : هذا خلاصة كلامهم في المقام ، والمسألة خالية من النص فيما أعلم ، إلا أنه لما دل الدليل على كونه مولى عليه بالنسبة إليه نفسه ، فلا اختيار له في تزويج ولا غيره إلا بإذن السيد ، فبالنسبة إلى غيره بطريق أولى ، ولظاهر الآية المشار إليها أيضا ، وبالجملة فإن الحكم لا إشكال فيه.

و (رابعها) الإحرام ، وهو يسلب ولاية عقد النكاح إيجابا وقبولا بغير خلاف وعلى ذلك يدل جملة من الأخبار.

منها صحيحة عبد الله سنان (1) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «ليس للمحرم أن يتزوج ولا يزوج ، فإن تزوج أو زوج محلا فتزويجه باطل». وفي معناها غيرها.

وكما يحرم عليه العقد إيجابا وقبولا فكذلك يحرم عليه شهادة العقد وإن وقع من محلين ، إلا أنه هنا لا يوجب بطلان العقد كما في الأول وإن أثم بالحضور والشهادة ، لأن الشهادة عندنا ليست شرطا في النكاح.

ولا خلاف في جواز الطلاق للمحرم ومراجعة المطلقة وشراء الا ماء ، أما الأول فيدل عليه صحيحة أبي بصير (2) ورواية حماد بن عثمان (3) وأما الثاني فللأصل السالم من المعارض حيث إن مورد أخبار النهي إنما هو النكاح ، والمراجعة ليست ابتداء نكاح ، وأما الثالث فيدل عليه مضافا إلى الأصل صحيحة سعد بن سعد (4) وتمام تحقيق الكلام في هذا المقام قد تقدم في كتاب الحج ، والله العالم.

المسألة العاشرة : قد عرفت مما تقدم أن الأب والجد يشتركان في الولاية على الصغيرين ، فلو بادر كل منهما وعقد على شخص غير من عقد عليه الآخر مع علم صاحبه أو غير علمه ، فإنه يقدم عقد السابق منهما أبا كان أو جدا ، وهذا ثمرة

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 328 ح 41 ، الوسائل ج 9 ص 89 ح 1.

(2 و 3 و 4) الكافي ج 4 ص 372 ح 6 وص 373 ح 7 وج 4 ص 373 ح 8 ، الوسائل ج 9 ص 93 ح 1 و 2 وص 92 ب 16.


الاشتراك لكن ولاية الجد أقوى وإن اشتركا في أصل الولاية ، ولهذا أنه إذا اختار الجد زوجا واختار الأب الآخر قدم مختار الجد ، ولا ينبغي للأب معارضته في ذلك.

وأظهر من ذلك أنه لو بادر كل منهما وعقد على زوج غير الآخر من غير علم صاحبه أو مع علمه واتفق العقدان في وقت واحد بأن تقترن قبولها معا ، قدم عقد الجد في هذه الصورة ، وعلى كل من الأمرين أعني أولوية الجد وتقديم عقده مع الاقتران تدل الأخبار الواردة في هذه المسألة.

ومنها ما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن عبيد بن زرارة (1) في الموثق قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الجارية يريد أبوها أن يزوجها من رجل ، ويريد جدها أن يزوجها من رجل آخر ، فقال : الجد أولى بذلك ما لم يكن مضارا إن لم يكن الأب زوجها قبله ، ويجوز عليها تزويج الأب والجد».

ورواه في الفقيه عن ابن بكير عن عبيد بن زرارة (2) بدون قوله «ما لم يكن مضارا» وبدون قوله «ويجوز عليها تزويج الأب والجد».

وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن محمد بن مسلم (3) عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «إذا زوج الرجل ابنة ابنه فهو جائز على ابنه ، ولابنه أيضا أن يزوجها ، فقلت : فإن هوى أبوها رجلا وجدها رجلا؟ قال : الجد أولى بنكاحها».

وما رواه في الكافي عن عبيد بن زرارة (4) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إني كنت يوما عند زياد بن عبيد الله الحارثي إذ جاء رجل يستعدي على أبيه فقال : أصلح الله

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 395 ح 1 ، الوسائل ج 14 ص 218 ح 2.

(2) الفقيه ج 3 ص 250 ح 3 ، الوسائل ج 14 ص 218 ح 2.

(3) الكافي ج 5 ص 395 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 390 ح 37 ، الوسائل ج 14 ص 217 ح 1.

(4) الكافي ج 5 ص 395 ح 3 ، الوسائل ج 14 ص 218 ح 5.


الأمير إن أبي زوج ابنتي بغير إذني فقال زياد لجلسائه الذين عنده : ما تقولون فيما يقول هذا الرجل؟ قالوا : نكاحه باطل ، قال : ثم أقبل علي فقال : ما تقول يا أبا عبد الله؟ فلما سألني أقبلت على الذين أجابوه فقلت لهم : أليس فيما تروون أنتم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن رجلا جاء يستعديه على أبيه في مثل هذا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت ومالك لأبيك؟ قالوا : بلى ، فقلت لهم : فكيف يكون هذا ، وهو وماله لأبيه ولا يجوز نكاحه ، قال : فأخذ بقولهم وترك قولي».

وما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) عن هشام بن سالم ومحمد بن حكيم (1) في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال إذا زوج الأب والجد كان التزويج للأول ، فإن كانا جميعا في حال واحدة فالجد أولى».

وما رواه في الكافي والتهذيب عن الفضل بن عبد الملك (2) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إن الجد إذا زوج ابنة ابنه وكان أبوها حيا وكان الجد مرضيا جاز قلنا : فإن هوي أبو الجارية هوى ، وهوى الجد هوى ، وهما سواء في العدل والرضاء ، قال : أحب إلي أن ترضى بقول الجد».

وما رواه الحميري في قرب الاسناد بإسناده عن علي بن جعفر (3) عن أخيه موسى عليه‌السلام ورواه علي بن جعفر في كتابه أيضا عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : «سألت عن رجل أتاه رجلان يخطبان ابنته ، فهوي جده أن يزوج أحدهما ، وهوى أبوها الآخر ، أيهما أحق أن ينكح؟ قال : الذي هوى الجد أحق بالجارية لأنها وأباها

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 395 ح 4 ، التهذيب ج 7 ص 390 ح 38 ، الفقيه ج 3 ص 250 ح 4 ، الوسائل ج 14 ص 218 ح 2.

(2) الكافي ج 5 ص 396 ح 5 ، التهذيب ج 7 ص 391 ح 40 ، الوسائل ج 14 ص 218 ح 3.

(3) قرب الاسناد ص 119 باب ما جاء في الأبوين ، الوسائل ج 14 ص 219 ح 8.


للجد.

أقول : وهذه الأخبار على تعددها قد اشتركت في الدلالة على أولوية الجد وأنه ينبغي للأب وكذا الجارية الرضاء بمن اختاره الجد ، ولا يتقدم واحد منهما في الاختيار عليه ، كل ذلك على جهة الفضيلة والاستحباب.

وأما مع اقتران العقدين على الوجه الذي قدمناه ، فإنه يقدم عقد الجد (1) كما تضمنته صحيحة هشام بن سالم ومحمد بن حكيم.

وخالفنا العامة في هذا الحكم ، فجعلوا الأب أولى من الجد على معنى أن الجد لا ولاية له مع وجود الأب ، لأن الأب يتولى بنفسه ، والجد يتولى بواسطة الأب ، وعورض دليلهم بأن للجد ولاية على الأب لوجوب طاعته وامتثال أمره فيكون أولى.

أقول : ومن هنا تضمن خبر عبيد بن زرارة الثاني إفتاء علماء العامة للوالي ببطلان نكاح الجد ، وموافقة الوالي لهم وإعراضه عن فتوى الامام عليه‌السلام مع اعترافهم بالحديث الذي ألزمهم به ، كل ذلك عنادا للحق.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن المتبادر من الأخبار المتقدمة هو أن المراد بالأب فيها هو الذي تولدت تلك الجارية من صلبه بلا واسطة ، والمتبادر من الجد فيها هو الأب لهذا الأب المذكور وهل يتعدى الحكم هنا إلى أب الجد وجد الجد وإن

__________________

(1) والعجب من شيخنا الشهيد الثاني (قدس‌سره) في الروضة حيث قال ـ بعد قول المصنف «لو زوجها الأبوان برجلين واقترنا قدم عقد الجد» ما صورته ـ : لا نعلم فيه خلافا ، وتدل عليه من الاخبار رواية عبيد بن زرارة ، ثم ساق الرواية الاولى من الروايات التي ذكرناها في الكتاب ، ثم كتب في الحاشية : أن هذه الرواية من الموثق ويشكل الحكم بمجردها إلا أنها من المشاهير ان لم يكن حكمها إجماعيا. انتهى.

ثم انه في المسالك قد ذكر من روايات المسألة أيضا صحيحة محمد بن مسلم وصحيحة هشام بن سالم ومحمد بن حكيم وما ذكره في الروضة انما ذلك من الاستعجال وعدم المراجعة لكتب الاخبار. (منه ـ قدس‌سره ـ).


علا مع الأب أو هو من أدنى منه حتى يكون أبا الجد أولى من الجد وجد الجد أولى من الجد.

قال في المسالك : وجهان : من زيادة البعد ووجود العلة ، ويقوى تقديم الجد وإن علا على الأب فيقدم عقده مع الاقتران لشمول النص له ، فإن الجد وإن علا يشمله اسم الجد ، لأنه مقول على الأعلى والأدنى بالتواطؤ.

وأما إقامة الجد مع أبيه مقام الأب مع الجد فعدمه أقوى لفقد النص الموجب له مع اشتراكهما في الولاية ، وأن الجد لا يصدق عليه اسم الأب إلا مجازا كما أسلفناه فلا يتناوله النص.

ومن جعله أبا حقيقة كما ذهب إليه جمع من الأصحاب يلزمه تعدي الحكم إليه ، ففي الأول يبطل العقد لاستحالة الترجيح بغير مرجح ، واجتماع الضدين كما لو زوجها الوكيلان ، وعلى الثاني يقدم عقد الأعلى. انتهى.

أقول : قد عرفت مما قدمناه في غير مقام ، ولا سيما في كتاب الخمس قوة القول الثاني وأن الجد يطلق عليه الأب حقيقة ، كما يطلق الابن على ابن ابنه وإن سفل حقيقة ، وحينئذ فيقدم عقد الأعلى في الصورة التي فرضها ، والله العالم.

المسألة الحادية عشر : قالوا : إذا زوجها الولي بالمجنون أو الخصي صح ولها الخيار ، وكذا لو زوج الطفل من كان بها أحد العيوب الموجبة للفسخ ، ولو زوجها بمملوك لم يكن لها الخيار إذا بلغت ، وكذا لو زوج الصغير بمملوكة وقيل : بالمنع هنا.

أقول : وتفصيل هذا الإجمال على وجه يتضح منه الحال.

أما بالنسبة إلى الحكم الأول ، فإنهم عللوه بأن كل واحد من المجنون والخصي كفو ، والعيوب المذكورة لا تنافي الكفاءة فلا تنافي الصحة ، وإنما المانع من الصحة هو تزويجها بغير الكفو ، ولأن الأصل الصحة ، ولأنها لو كانت


كاملة كان لها أن تتزوج بمن ذكر ، وهكذا بالنسبة إلى الطفل الذي زوج بمن بها أحد العيوب.

وأما ثبوت الخيار في الموضعين فلمكان العيب الموجب له لو كان هو المباشر للعقد جاهلا ، وفعل الولي له حال صغره. بمنزلة الجهل.

ونقل عن الشيخ في الخلاف أنه أطلق جواز تزويج الولي الصغيرة بعبد أو مجنون أو مجهول أو مجذوم أو أبرص أو خصي ، محتجا بأن الكفاءة ليس من شرطها الحرية ولا غير ذلك من الأوصاف ، ولم يذكر الخيار ، والأوضح ما ذكره غيره من الأصحاب لما عرفت.

وظاهر إطلاق الأصحاب الصحة هنا يدل على أن تزويج الولي لا يناط بالمصلحة والغبطة بل يكفي وقوعه بالكفو ، والفرض أن لا مفسدة في ذلك إذ لا يترتب عليه فيه حق مالي ، والنقص منجبر بالخيار.

وللشافعية وجه بعدم صحة العقد المذكور من حيث إنه لا حظ للمولى عليه تزويج المعيب سواء علم الولي أو لم يعلم.

ووجه ثالث بالتفصيل بعلم الولي بالعيب فيبطل ـ كما لو اشتري له المعيب مع علمه بالعيب ـ أو الجهل فيصح ويثبت الخيار للولي على أحد الوجهين أولها عند البلوغ.

قال في المسالك بعد نقل ذلك : وهذا الوجه الأخير موجه.

وأما بالنسبة إلى الحكم الثاني وهو ما لو زوجها بمملوك إلى آخره ، فإن الوجه عندهم أنه لما كانت الكفاءة غير مشترطة بالحرية وليست الرقية من العيوب المجوزة للفسخ صح للولي أن يزوج الصغيرة بمملوك لتحقق الكفاءة ، ولا خيار لها بعد البلوغ لعدم موجبه إذ الفرض أنه لا عيب هنا ، وهكذا القول في الطفل إذا زوجه الولي بمملوكة إن جوزنا للحر تزويج الأمة مطلقا ، ولا خيار له


بعد البلوغ.

وإن قلنا باشتراطه بالشرطين المشهورين ، وهما عدم الطول وخوف العنت لم يصح هنا لفقد الشرط الثاني ، لأن العنت هنا بالنسبة إلى الطفل مأمون ، وسيأتي تمام الكلام في ذلك إن شاء الله.

المسألة الثانية عشر : أجمع الأصحاب (رضي‌الله‌عنهم) وغيرهم على أنه لا يجوز التمتع بأمة الذكر إلا بإذن المالك ، وإنما الخلاف في التمتع بأمة المرأة ، فذهب الأكثر إلى أنها كأمه الرجل ، بل قال ابن إدريس : إنه لا خلاف في ذلك إلا رواية شاذة رواها سيف بن عميرة (1) أوردها شيخنا في نهايته ورجع عنها في المسائل الحائريات. انتهى.

وقال الشيخ في النهاية والتهذيب : يجوز التمتع بأمة المرأة بغير إذنها.

والواجب أولا نقل ما وصل إلينا من أخبار المسألة.

ومنها ما رواه في الكافي عن ابن أبي نصر (2) في الصحيح أو الحسن عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : «لا يتمتع بالأمة إلا بإذن أهلها».

وعن عيسى بن أبي منصور (3) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «لا بأس بأن يتزوج الأمة متعة بإذن مولاها».

وما رواه التهذيب في الصحيح عن ابن أبي نصر (4) «قال سألت الرضا عليه‌السلام يتمتع بالأمة بإذن أهلها؟ قال : نعم إن الله تعالى يقول (5) (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ)». وبهذا الاسناد قال : «سألت الرضا عليه‌السلام عن الرجل يتمتع بأمة رجل بإذنه؟

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 257 ح 39 ، الوسائل ج 14 ص 463 ب 14 ح 1.

(2 و 3) الكافي ج 5 ص 463 ح 1 و 2. الوسائل ج 14 ص 463 ب 15 ح 1 و 2.

(4) التهذيب ج 7 ص 257 ح 35 ، الوسائل ج 14 ص 464 ح 3.

(5) سورة النساء ـ آية 24.


قال : نعم».

وما رواه في الكافي والتهذيب عن محمد بن إسماعيل بن بزيع (1) قال : «سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام هل للرجل أن يتمتع من المملوكة بإذن أهلها وله المرأة حرة؟ قال : نعم إذا رضيت الحرة» الحديث.

وأنت خبير بأن غاية ما تدل عليه هذه الأخبار عدا الأول منها هو أن التمتع بالأمة بإذن أهلها جائز وصحيح ، وهذا مما لا نزاع فيه ، ولا تعلق له بما نحن فيه نفيا وإثباتا.

نعم الخبر الأول منها ظاهر في عدم جواز التمتع بالأمة إلا بإذن أهلها ذكرا كان أهلها أو أنثى ، فهي ظاهرة في رد القول المتقدم ذكره.

ويؤيدها أن وطئ الأمة تصرف في مال الغير ، وهو موقوف على الاذن كسائر التصرفات.

ورواية أبي العباس (2) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يتزوج الأمة بغير علم أهلها قال : هو زنا ، إن الله يقول : (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ)».

ونحوها روايته الثانية.

وما رواه ثقة الإسلام (عطر الله مرقده) عن سيف بن عميرة (3) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال لا بأس بأن يتمتع الرجل بأمة المرأة بغير إذنها ، فأما أمة الرجل فلا يتمتع بها إلا بأمره».

وما رواه في التهذيب في الصحيح عن سيف بن عميرة عن داود بن فرقد (4) عن

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 463 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 257 ح 37 ، الوسائل ج 14 ص 464 ح 1.

(2) الفقيه ج 3 ص 286 ح 5 ، الوسائل ج 14 ص 527 ح 1.

(3) الكافي ج 5 ص 464 ح 4 ، الوسائل ج 14 ص 463 ح 1.

(4) التهذيب ج 7 ص 258 ح 40 ، الوسائل ج 14 ص 463 ح 3.


أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يتزوج بأمة بغير إذن مواليها فقال : إن كانت لامرأة فنعم ، وإن كانت لرجل فلا».

وبهذا الاسناد عن سيف بن عميرة عن علي بن المغيرة (1) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يتمتع بأمة امرأة بغير إذنها ، قال : لا بأس به».

قال في المسالك بعد نقل الثالثة من هذه الروايات : وهذه مع مخالفتها لأصول المذهب ولظاهر القرآن ـ مضطربة السند ، فإن ابن عميرة تارة يرويها عن الصادق عليه‌السلام بغير واسطة ، وتارة بواسطة علي بن المغيرة ، وتارة بواسطة داود بن فرقد واضطراب السند يضعف الرواية وإن كانت صحيحة فكيف بمثل هذه الرواية. انتهى.

أقول : لا يخفى أنه لا مانع من أن يرويها الراوي المذكور على هذه الوجوه المذكورة سيما مع اختلاف المتن ، وعد مثل ذلك اضطرابا ـ يوجب رد الرواية ممنوع.

وإلى ما ذكرنا يشير كلام سبطه أيضا في شرح النافع أيضا ، فقال بعد نقل ذلك عن جده : أقول : في تسمية الاختلاف الواقع في السند على هذا الوجه اضطرابا نظر ، نعم ما ذكره ـ من مخالفتها لأصول المذهب وهو قبح التصرف في مال الغير إلا بإذنه ، ومخالفتها لظاهر القرآن وهو قوله عزوجل «فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ» فإنه بإطلاقه شامل للذكر والأنثى ـ جيد ، إلا أنه لا يخفى على المتتبع للأحكام وما وقع لهم فيها في أمثال هذا المقام أنه مع ورود النص الصحيح المخالف لما ذكروه في كثير من المواضع قد خصصوا به إطلاق الآيات (2) وقيدوا به تلك

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 257 ح 39 ، الوسائل ج 14 ص 463 ح 2.

(2) أقول : ومن ذلك أخبار الحبوة ، فإن مقتضى عموم الآيات وأخبار الميراث هو كون ذلك ميراثا لجميع الورثة ، مع أنهم قد خصوها بالولد الأكبر لهذه الاخبار.


القواعد كما تقدم منا التنبيه عليه في غير مقام سيما في كتاب الوصايا في المقصد الثاني في الموصي من الكتاب المذكور.

وإلى ما ذكرنا يشير كلام شيخنا الشهيد (نور الله مرقده) في شرح نكت الإرشاد حيث قال ـ بعد أن ذكر أن أكثر الأصحاب أعرضوا عن العمل بها لمنافاتها الأدلة ، وربما ضعف بعضهم سيفا ، ـ والصحيح أنه ثقة ، فإن الشيخ المفيد (رحمه‌الله) (1) بالغ في إنكار مضمونها ، وكذا ابن إدريس ، وأن الشيخ في النهاية عمل

__________________

ومنها أخبار منع الزوجة من إرث أصول الأبنية والعقارات ، فان مقتضى الآيات وجملة من الاخبار هو أنها ترث من جميع التركة مع أنهم خصوها بهذه الاخبار.

ومنها من عقد على امرأة ومات في مرضه قبل الدخول بها ، فان مقتضى الآيات والروايات وأصول المذهب أنها ترثه ، لأنها زوجته بلا خلاف ، مع أن صحيح زرارة قد دل على المنع فقالوا بذلك وخصصوا بها تلك الأدلة.

ومنها ما لو طلق هو امرأته في مرض موته فإنها ترث إلى سنة ، وان خرجت من العدة أو كانت بائنة ما لم يبرء من مرضه أو تزوج هي ، فإن مقتضى الأصول والقواعد كتابا وسنة أنه لا ميراث هنا ، لأنها صارت أجنبية لا سبب لها ولا نسب فكيف ترثه ، مع أن الرواية قد دلت على الإرث ، وقالوا بمضمونها ، الى غير ذلك من المواضع التي يطول بنقلها الكلام ، وما نحن فيه من هذا القبيل ، فكيف يطعنون هنا في هذه الروايات بما نقلنا عنهم مع قولهم في هذه المسائل بما نقلنا عنهم فتأمل وأنصف. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(1) قال شيخنا المفيد ـ رحمه‌الله ـ : في جملة المسائل التي سأله عنها محمد بن محمد على الحائري وهي معروفة مشهورة عند الأصحاب ، سأله عن الرجل يتمتع بجارية المرأة من غير علم منها ، هل يجوز ذلك له؟ فأجاب : لا يجوز ذلك ، ولو تمتع كان آثما عاصيا ، ووجب عليه بذلك الحد.

وقد ظن قوم لا بصيرة لهم ممن يفتري على الشيعة ويميل إلى الإمامية أن ذلك جائز لحديث رووه «ولا بأس أن يتمتع الرجل من جارية امرأة من غير اذنها». وهذا حديث شاذ نادر ، والوجه فيه أنه يطأها بعد العقد عليها بغير اذنها من غير أن يستأذنها في الوطي لموضع الاستبراء ، فأما جارية الرجل فلم يأت فيه حديث نقل ذلك عنه ابن إدريس في السرائر. (منه ـ قدس‌سره ـ).


بمضمونها ما صورته :

واعلم أنه لا معارض لهذه الرواية في الحقيقة إلا الدليل العقلي الدال على تحريم التصرف في مال الغير بغير إذنه ، ولكن الأحكام الشرعية أخرجت كثيرا من الأصول العقلية عن الأدلة ، كجواز أحد مال الممتنع عن الأداء مقاصة بشروطه بغير إذنه وجواز أكل المار على النخل والشجر على المشهور ونحو ذلك.

فحينئذ لا يمتنع جواز مثل هذه المسألة من غير إذن المرأة ، إما لمصلحة خفية لا نعلمها أو لما يلحق الأمة من المشقة بترك الوطي عند المرأة ، الذي هو إضرار ولا يزول إلا بالوطء ، ولا سبيل في الزنا ولا إلى العقد الدائم لما فيه من شدة السلطنة والإضرار بمولاتها مع إمكان زوال الضرر بدونه فتعين جواز عقد المتعة وهو ظاهر فيما قلناه ومؤيد لما ادعيناه ، إلا أن ظاهر كلامه بعد ذلك الجمود على القول المشهور حيث إنه بعد هذا الكلام خص الجواز بشدة الضرر في أقل زمان يمكن فيه زوالها : قال : لقيام الدليل الدال على الخطر فيما عداه ، والمشهور بل المعتمد تحريم ذلك كله كأمه الرجل. انتهى.

أقول : الظاهر أن الذي أوجب له الجمود على القول المشهور ـ بعد ذكره هذا الكلام الذي نقلناه عنه مع ظهور قوته وعدم تعرض لرده أو الطعن في شي‌ء من مقدماته ـ إنما هو الاعتماد على الشهرة والتمسك بها ، وإلا فإن ما ذكره جيد متين مؤيد بما قدمنا ذكره من المواضع العديدة الجارية هذا المجرى في الأحكام الشرعية.

وبالجملة فإن المسألة وإن كانت لا تخلو من توقف إلا أن هذا القول عندي لا يخلو من قرب بالتقريب الذي أشرنا إليه وإن كان الاحتياط في الوقوف على القول المشهور.

وقال بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين : يمكن أن يقال


في تأويل الأحاديث الأخيرة أن يحمل قوله من غير إذن المولى ـ إن كانت امرأة كما تضمنته الأحاديث ـ على الاذن الصريح ، بل يكفي الإذن العادي المفيد للعلم بالقرائن ، باعتبار جرى العادة أن النساء كن يتخذن الإماء يتمتعن للانتفاع بأجورهن ، فهذه العادة المستقرة كافية لأنها تفيد العلم ولا حاجة إلى ضرورة الإذن الصريح ، والله أعلم. انتهى كلامه زيد مقامه.

وظاهر كلامه أن العادة في الزمن السابق أن النساء كن يتخذن الإماء ، ويطلقن لهن في التمتع بمن شاء وشاؤا لأجل الانتفاع بأجورهن.

فهذه العادة جارية مجرى الاذن الصريح ، ومفيدة للعلم والرضاء بذلك كما يفيده الاذن الصريح ، وهو جيد إن ثبتت هذه الدعوى ، ولكن ثبوتها محل إشكال حيث لا نعلم من ادعاها سواه ، ولا دليلا دل عليها.

قال السيد السند (قدس‌سره) في شرح النافع : ويمكن حمل الرواية الاولى والثالثة على أن المراد بالتمتع بأمة المرأة بغير إذنها الانتفاع بها بالوطء بعد انتقالها إليه من المرأة من غير توقف على إخبار المرأة باستبرائها ، ويكون ذلك هو المراد من الأذن ، وأما الرواية الثانية فمتروكة الظاهر لاقتضائها جواز التزويج ولا قائل به. انتهى.

أقول : أما الرواية التي ذكر أنها متروكة الظاهر فقد أجاب عنها الشهيد في شرح الإرشاد بناء على نصرته لهذا القول كما قدمناها عنه قال : وأما لفظة التزويج في الثانية والمراد به ـ والله يعلم ـ المتعة إطلاقا للفظ العام على الخاص وهو وإن كان مجازا إلا أنه يصار إليه بقرينة ، وهي هنا موجودة ، وهي الحديثان المذكوران. انتهى وهو جيد.

ولا ريب في أنه أقرب من تأويله الذي ارتكبه في هذه الروايات ، وظاهر كلامه هو انتقال الأمة إليه ببيع ونحوه ، وأن له الانتفاع بالجماع لها بعد


الانتقال من غير توقف على إخبار المرأة باستبرائها ، وأن المراد بجواز التمتع بها بغير إذن إنما هو ذلك.

ولا يخفى أن هذا لا يتوقف على الانتقال بالبيع بل يكفى العقد عليها بإذن المالكة لها ، وأنه بعد العقد يجوز الانتفاع بالوطء من غير استبراء.

ولا يخفى ما في كل منهما من التكلف والبعد الظاهر ، إلا أنه مع ذلك لا مندوحة عنه إذ ليس مع عدم ذلك إلا طرح الرواية المذكورة عندهم.

وأما على ما حققناه من وجود النظائر العديدة لهذه المسألة وقولهم فيها بما أنكروه هنا وطعنوا به على هذه الروايات فلا ضرورة إلى ارتكاب هذه التمحلات البعيدة والتكلفات الغير السديدة ، إلا أنه لما كان قولهم هو الأوفق بالاحتياط كما عرفت فينبغي الوقوف عليه.

ولا فرق في المرأة المالكة عندنا بين كونها مولى عليها ـ بالنسبة إلى النكاح كالبكر البالغ الرشيد عند من قال بثبوت الولاية عليها ـ أو لم يكن مولى عليها ، لأن المنع ثمة إنما هو بالنسبة إلى نفسها ، كما دلت عليه تلك النصوص المتقدمة في المسألة فلا يتعدى إلى غيرها كما ، لا يتعدى إلى التصرف المالي إجماعا ، وهذا من توابعه.

وأكثر العامة على إلغاء عبارة المرأة في النكاح مطلقا حتى في نكاح أمتها ، فيولي نكاحها أولياء المرأة على قول ، والحاكم على قول آخر ، وأخبارنا على خلافه كما عرفت. والله العالم.

المسألة الثالثة عشر : إذا زوج الأبوان الصغيرين لزمهما العقد ، فإن مات أحدهما ورثه الآخر على الأشهر الأظهر ، ولو كان المزوج لهما غير الأبوين ومات أحد الزوجين قبل البلوغ بطل العقد وسقط المهر والإرث ، ولو بلغ أحدهما فرضي بالعقد لزم العقد من جهته ، فإن مات والحال هذه عزل من تركته نصيب الآخر ،


فإن بلغ وأجاز أحلف أنه لم يجز لطمع الميراث والرغبة فيه ، فإن حلف ورث ، ولو مات الذي لم يجز بطل العقد ولا ميراث.

وتفصيل هذه الجملة يقع في الموضعين الأول : فيما إذا كان المزوج للصغيرين الأبوين

فإن المشهور عدم الفرق هنا بين الصبي والصبية في لزوم العقد وثبوت التوارث بينهما.

وذهب جماعة منهم الشيخ في النهاية ومن تبعه ثبوت الخيار للصبي بعد البلوغ وقد تقدم تحقيق الكلام في هذا المقام في المسألة الأولى من مسائل هذا المقصد ، ونقل الأقوال والأخبار المتعلقة بذلك.

وعلى تقدير القول المذكور من لزوم عقد الصبية وتوقف عقد الصبي على الإجازة لو ماتت الصبية قبل البلوغ ، فإن كان قبل بلوغ الصبي أيضا عزل ميراثه إلى أن يبلغ ، فإن رضي بالنكاح وأجازه أحلف أنه لم يجز طمعا في الميراث وورث وإن كان موتها وقد بلغ وأجاز فلا إشكال في استحقاقه الميراث وإن بلغ ولم يظهر منه الإجازة ولا عدمها فكالأول في الحلف إن أجاز.

وإن مات الزوج قبل البلوغ فالظاهر بطلان النكاح ، لأن صحته من جهته متوقفة على إجازته بعد البلوغ وعلى هذا لا ترثه الصبية.

الثاني : فيما لو كان العاقد عليهما غير الأبوين ، ولا ريب أنه يكون من قبيل العقد الفضولي ، فإن قلنا ببطلان العقد الفضولي في النكاح فلا إشكال.

وإن قلنا بصحته كما هو الأشهر الأظهر وقف في لزومه على الإجازة فإن كأن هناك ولي لهما وأجاز فلا إشكال أيضا.

وإن لم يكن ثمة ولي أو كان ولكن لم يجزه ولم يرض به وقف على إجازتهما بعد البلوغ.

فإن ماتا أو أحدهما قبل البلوغ بطل النكاح ولا إرث لعدم الإجازة.


وإن بلغ أحدهما مع كون الآخر حيا فأجاز العقد لزم العقد من جهته ، وبقي من جهة الآخر موقوفا على الإجازة ، فإن اتفق بلوغه والآخر حي وأجاز العقد لزم ، وإن فرض موت المجيز أولا قبل أن يبلغ الآخر أو بعد بلوغه وقبل إجازته.

فإن أجاز بعد ذلك أحلف أنه لم يجز طمعا في الميراث ، وأنه لو كان الآخر حيا لرضي به بتزويجه وورث نصيبه منه.

والأصل في هذه الأحكام صحيحة أبي عبيدة (1) المروية في الكافي قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن غلام وجارية زوجهما وليان لهما ، وهما غير مدركين ، فقال : النكاح جائز وأيهما أدرك كان له الخيار ، وإن ماتا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما ولا مهر إلا أن يكونا قد أدركا ورضيا ، قلت : فإن أدرك أحدهما قبل الآخر؟ قال يجوز ذلك عليه إن هو رضي ، قلت : فإن كان الرجل الذي قد أدرك قبل الجارية ورضي بالنكاح ثم مات قبل أن تدرك الجارية أترثه؟ قال : نعم يعزل ميراثها منه حتى تدرك فتحلف بالله ما دعاها إلى أخذ الميراث إلا رضاها بالتزويج ، ثم يدفع إليها الميراث ونصف المهر ، قلت : فإن ماتت الجارية ولم تكن أدركت أيرثها الزوج المدرك؟ قال : لا ، لأن لها الخيار إذا أدركت ، قلت : فإن كان أبوها هو الذي زوجها قبل أن تدرك قال : يجوز عليها تزويج الأب ويجوز على الغلام والمهر على الأب للجارية».

وقد اعترض على الاستدلال بهذه الرواية بشيئين : (أحدهما) فرض الحكم في الرواية في تزويج الوليين ، وهو ماض على الولد ، ولا تجري فيه هذه الأحكام.

أقول : وهذا الإيراد قد تقدم الجواب عنه فلا حاجة إلى إعادته.

و (ثانيهما) حكمه عليه‌السلام فيها بنصف المهر للمرأة على تقدير موته ، فإن الأشهر

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 401 ح 4 ، الوسائل ج 17 ص 527 ح 1.


أن الموت يقتضي تقرير جميع المهر وإن كان قبل الدخول ، وإنما ينتصف بالطلاق قبله.

والجواب عنه أنه قد ورد بنحو هذه الرواية جملة من الأخبار أيضا وأفتى بمضمونها جملة من الأصحاب ولا اختصاص لذلك بهذه الرواية مع احتمال حمل الرواية على أنه كان قد دفع نصف المهر كما هو المعتاد من تقديم شي‌ء قبل الدخول وأن الباقي هو النصف خاصة.

قال في المسالك : وهذا الحمل وإن كان لا يخلو من البعد إلا أنه محتمل لضرورة الجمع.

أقول : وسيأتي تحقيق الكلام في المسألة عند ذكرها إن شاء الله.

بقي الكلام هنا في مواضع أحدها : أن مورد النص تزويج الوليين الفضوليين للصغيرين ، فلو كانا والحال هذه كاملين قالوا : في انسحاب الحكم المذكور في الخبر وجهان : (أحدهما) ذلك للمساواة في المعنى ، وهو كون العقد الواقع بينهما فضوليا ، ولا مدخل للصغر والكبر في ذلك و (ثانيهما) العدم فإن الحكم بصحة العقد إذا مات أحد المعقود عليهما بعد إجازته وقبل إجازة الآخر على خلاف الأصل ، لأن الإجازة جزء السبب (1) ولم يحصل بعد ، وحينئذ فيحكم ببطلان العقد فكما أنه يبطل العقد لو مات أحد المتعاقدين قبل القبول كذلك يبطل بموت أحد المتعاقدين قبل تحقق الذي يترتب عليه أثره.

وإلى هذا الوجه مال في المسالك ونحوه سبطه السيد السند في شرح النافع وغيرهما ، والظاهر أنه المشهور بينهم. وهو الأنسب بقواعدهم.

قال المحقق الثاني في شرح القواعد : فإن قيل هذا إنما يستقيم (2) على

__________________

(1) قوله : لأن الإجازة جزء السبب أي إجازة الأخر منهما. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(2) قوله : هذا انما يستقيم أى بطلان العقد في الصورة المفروضة ، وقوله في آخر العبارة : «وهذا وجه القرب» إشارة إلى قول المصنف في عبارة الكتاب بعد ذكر البطلان وهو الأقرب. (منه ـ قدس‌سره ـ).


القول بأن الإجازة في الفضولي جزء السبب ، أما على القول بأنها كاشفة فلا ، لأن الإجازة تكشف سبق النكاح على الموت فكيف لا يثبت الإرث.

قلنا : قد عرفت أن الإجازة وحدها لا تكفي في ثبوت العقد إذ لا يتحقق النكاح بمجردها بل لا بد من اليمين ، وثبوت الإرث باليمين مخالف للأصل فلا يتعدى مورده ، وهذا وجه القرب وهو المفتي به. انتهى.

وثانيها : لو تغير مورد النص بكون العاقد على الصغيرين أحدهما الولي ، والآخر فضولي ، فمات من عقد له الولي أولا قبل بلوغ الآخر ، فهل الحكم المذكور في الخبر من أنه ينتظر بلوغ الآخر وإجازته ويورث بعد يمينه أم لا؟ احتمالان : للثاني أنه خلاف مورد النص ، ويؤيده ما تقدم في كلام المحقق الثاني من أن ثبوت الإرث باليمين مخالف للأصل ، فيجب الاقتصار فيه على مورد النص.

وللأول منهما ـ وهو مختار شيخنا الشهيد الثاني ـ ما ذكره في المسالك قال : لأن هذا لا يزيد على مورد النص إلا بلزوم أحد الطرفين وكون المزوج الولي وهذا لا دخل له في الفرق ، بل الحكم فيه أولى ، لأن الجائز من الطرفين أضعف حكما من اللازم من أحدهما ، فإذا ثبت الحكم في الأضعف ثبت في الأقوى بطريق أولى.

وظاهر سبطه السيد السند في شرح النافع التوقف في ذلك من حيث إنه خلاف مورد النص ، ومما ذكره جده (قدس‌سرهما) من التعليل فإنه قال بعد نقل ملخص كلام جده المذكور ، ـ : وجزم جدي (قدس‌سره) بالثاني وهو يتوقف على ثبوت التعليل ، انتهى ، وهو جيد لما أسلفنا لك في غير مقام من عدم صلاحية أمثال هذه التعليلات لتأسيس الأحكام الشرعية.

وما اختاره شيخنا الشهيد الثاني هنا من الصحة في الصورة المذكورة هو


اختيار العلامة في القواعد ، والمحقق الشيخ علي في شرحه معللا بالتعليل المذكورة في المسالك.

ونحو هذه الصورة ما لو كان أحدهما بالغا رشيدا عقد على نفسه ، والآخر فضولي عن الصغير فمات الأول منهما ، فإنه يعزل نصيب الصغير من الميراث إلى أن يبلغ ويجيز فيعطى ذلك بعد اليمين على القول المذكور ، وكيف كان فالظاهر أنه لا خلاف في البطلان لو مات الثاني قبل البلوغ أو بعده وقبل الإجازة.

وثالثها : لو كانا بالغين فأوقع أحدهما العقد لنفسه مباشرة والآخر زوجه الفضولي ، قال في المسالك في انسحاب الحكم الوجهان السابقان من تعدى صورة النص ، ومن الأولوية بلزوم أحد الطرفين فيكون أقوى كالسابقة وإن كانت أبعد من جهة الخروج عن النصوص في كونهما مع صغيرين ، إلا أن ذلك يجبر بالأولوية المذكورة ، ويظهر منهم الجزم بالحكم في هذا أيضا وهو متجه. انتهى. وفيه ما عرفت من التوقف على ثبوت هذه الأولوية.

بقي الكلام في أنه لو كان العقد الفضولي وقع عن الزوجة مثلا والعقد مباشرة وقع من الزوج ، فإنه لا ريب في لزوم العقد وإن كان للزوجة من حيث إن عقدها فصولي فسخه.

وقضية ذلك أنه قبل الفسخ منها أو الإجازة يثبت في حق الزوج تحريم المصاهرة فليس له أن يتزوج بخامسة لو كان المعقود عليها رابعة ، وإلا لزم الجمع بين خمس زوجات في حال واحد ، وهو حرام اتفاقا.

وليس له أيضا أن يتزوج بأخت الزوجة ، وإلا لكان جامعا بين الأختين ، ولا بأم الزوجة ولا بنتها وإلا لكان جامعا بين الام والبنت ، وكل ذلك محرم إجماعا.

أما لو فسخت الزوجة ولم يجز ذلك العقد الفضولي ، فإن التحريم في هذه


المواضع ينتفي لانتفاء مقتضيه.

وهذا واضح في الأخت ، فإنها لا تحرم إلا جمعا لا عينا ، وقد انفسخ النكاح الأول وزال فلا مانع من التزويج بالأخت ، وكذا البنت ـ أي بنت المعقود عليها ـ حيث إنها بعد فسخ الام العقد لا تحرم ، فإنها لا تحرم عينا إلا مع الدخول بأمها ، ولم يحصل هنا فلا تحرم عليه بعد فسخ أمها.

أما الأم لو كان المعقود عليها البنت وفسخت النكاح فإنها عند الأصحاب محل إشكال ، ينشأ من أن الأم تحرم بنفس العقد اللازم على بنتها وقد حصل ، لأن العقد من طرف المباشر صحيح لازم كما عرفت ، فيتعلق به تحريم الام ، ومن أن العقد إنما يتم من الطرفين ، فإذا لم تجز المرأة العقد عليها ، وفسخته جرى مجرى عدمه ، فلا ينشر التحريم إلى الأم.

والظاهر من كلام بعض المحققين ولعله الأقرب أن المباشرة من أحد الطرفين لا تقتضي ثبوت النكاح من ذلك الطرف ، لأن النكاح أمر واحد لشي‌ء لا يعقل ثبوته إلا من الجانبين.

والحكم بثبوت المصاهرة إنما كان ، لأن العقد الواقع نقل من المحل الذي كان قبله ، وإن كان سببيته وعدم سببيته الآن غير معلوم ، فلم يبق حكم الأصل كما كان.

ومثله ما لو اشتبهت الزوجة المعقود عليها عقدا صحيحا لازما بغيرها ، فإن تحريم المصاهرة ثابت بالنسبة إليهما ، وكذا القول لو اشتبه الطاهر بالنجس ، والحلال بالحرام ، قال : وبهذا البيان يظهر أنه بعد الفسخ يتبين أن لا عقد أصلا ولا تحريم أصلا ، وهذا هو الأصح. انتهى.

ومرجعه إلى أن تحريم المصاهرة في الصورة المذكورة إنما هو من حيث وقوع الشبهة بهذا العقد في أن المعقود عليها قبل الإجازة أو الفسخ زوجة أم لا ،


لا أن العقد كان لازما من جهة المباشرة كما ذكروه ، فيترتب عليه أحكام المصاهرة.

والحق أن العقد في الصورة المذكورة يكون موقوفا لا يحكم عليه بلزوم ولا بطلان إلى أن تلحقه الإجازة أو الفسخ فيظهر حاله بذلك ، والحكم باللزوم بمجرد كونه من أحد الطرفين لا يخلو من مناقشة وإشكال.

ورابعها : قد عرفت أن ثبوت الميراث للمجيز المتأخر متوقف على يمينه بعد الإجازة ، فعلى هذا لو لم يحلف فلا إرث وإن كان تأخر الحلف لعارض من موت أو جنون أو غيبة أو نحو ذلك ، لأن ثبوت الإرث هنا على خلاف الأصل كما تقدم فيقتصر فيه على مورد النص.

نعم لو كان العارض المانع من الحلف مما يرجى زواله كالغيبة والجنون والإغماء فإنه يعزل نصيبه من الميراث إلى أن يزول المانع فيحلف ويأخذ نصيبه أو يحصل اليأس من البرء أو يوجب التأخير ضررا على الوارث بتأخير المال فلا يبعد حينئذ جواز دفعه إلى الوارث مع ضمانه لو ظهر استحقاق الحالف له ، فإن في ذلك جمعا بين الحقين ودفعا للضرر من البين.

وربما احتمل في أصل المسألة في صورة موته قبل اليمين بثبوت الإرث ، لأنه دائر مع العقد الكامل ، والعقد هنا قد كمل بالإجازة من الطرفين ، فوجب أن يثبت الإرث ولا يسقط بعدم اليمين.

ومن هذا الوجه مع ما قدمناه من الوجه الموجب للعدم استشكل العلامة في القواعد فقال : فإن مات بعد الإجازة وقبل اليمين فإشكال.

والظاهر ضعف الاحتمال المذكور ، أما (أولا) فإنه لو كان كذلك لم يتوقف على اليمين ابتداء مع أن النص دل عليها مضافا إلى الاتفاق على ذلك.

وأما (ثانيا) فلأن الإجازة المكملة للعقد إنما يكون مع معلومية تعلق


الإجازة بالنكاح واحتمال التهمة بكون الإجازة هنا إنما هي لطمع الميراث دون النكاح قائم ، بل ظاهر.

وبالجملة فإن الإجازة على الوجه المذكور لا يعلم كونها مطابقة للواقع ونفس الأمر إلا باليمين الدافعة للتهمة ، فالمكمل للعقد الموجب لترتب الميراث عليه الإجازة المقرونة باليمين.

هذا مع كون الحكم بالميراث هنا على خلاف الأصل ، فكيف يتوهم ثبوته بدونه مع التعذر أو اشتراطه مع الإمكان.

وخامسها : لو كان المتأخر هو الزوج بعد أن أجازت المرأة وماتت ثم إنه أجاز ونكل عن اليمين ولم يحلف ، فهل يلزمه المسمى في العقد أم لا؟ إشكال.

وعلى تقدير اللزوم فهل يرث منه مقدار نصيبه أم لا؟ إشكال ثان.

ووجه الإشكال الأول ينشأ من أن المهر فرع ثبوت النكاح المتوقف على اليمين ولم يثبت ، ومن أنه بإجازته معترف بثبوته و «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (1). ، وإنما منع من الميراث لتعلقه بحق غيره وحصول التهمة فيه بخلاف المهر وإلى هذا الوجه مال في المسالك فقال : والأقوى ثبوته بمجرد إجازته.

ووجه الإشكال الثاني ينشأ من توقف إرثه من المرأة المذكورة على اليمين ولهذا لا يرث شيئا من باقي تركتها قطعا ، وأن الزوجية لم تثبت شرعا ، والإرث فرع ثبوتها ولا يلزم من ثبوت المهر في ذمته بإقراره إرثه منه ، لأن ذلك متعلق بحق غيره بخلاف ثبوت أصل المهر ، فإن حقه عليه ، فيقبل إقراره فيه.

ومن استلزام إجازته استحقاق نصيبه منه على كل تقدير ، لأنه إن كان صادقا في إجازته فإرثه لنصيبه منه ثابت في ضمن إرثه بجملة الميراث وإن كان كاذبا ، فكل المهر مختص به ، فمقدار نصيبه ثابت على التقديرين.

__________________

(1) الوسائل ج 16 ص 111 ح 2.


وبعبارة اخرى أنه لو قلنا بلزوم المهر ومنعنا الإرث منه لزم التنافي بين الحكمين ، وذلك لأن العقد في نفس الأمر إما صحيح أو باطل ، فإن كان صحيحا لزمه المهر وورث ، وإن كان باطلا فلا مهر ولا ميراث ، فالحكم بلزوم المهر وعدم إرثه منه مما لا يجتمعان.

وبعبارة ثالثة هو أن العقد إن كان صحيحا ملك الحصة من المهر وغيره وإن كان باطلا لم يلزمه المهر ، وكان بأجمعه باقيا على ملك مالكه ، فملكه لمقدار الحصة من المهر مقطوع به على كل واحد من التقديرين.

واختار في المسالك الوجه الثاني هنا أيضا فقال بعد الكلام في المسألة : وقد ظهر بذلك أن القول بإرثه من المهر مقدار نصيب الزوج متعين.

أقول : والمسألة لعدم الدليل الواضح محل تأمل وإشكال ، إلا أن الأقرب إلى قواعدهم والأنسب بمقتضى ضوابطهم هو عدم المهر في الصورة الأولى لأن ثبوت المهر فرع ثبوت النكاح ولم يثبت ، ومجرد إجازته النكاح مع عدم تأثيرها في ثبوته لا يترتب عليه فائدة.

وتوضيحه : أن الإجازة لما كانت محتملة لأن يكون للطمع في الميراث كما تقدم ذكره ، لا النكاح ، فإنها لا تصلح لأن يترتب عليها شي‌ء من لوازم النكاح مهرا كان أو ميراثا أو غيرهما ، ومعلومية كونها للنكاح إنما يثبت باليمين بعدها فمع عدم اليمين لا أثر لها شرعا ، ولا يترتب عليها أمر من الأمور.

وبذلك يسقط الاستناد إلى حديث «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز». فإن الإجازة على الوجه المذكور من حيث قيام الاحتمال المتقدم فيها لا يستلزم الإقرار وإنما تستلزم الإقرار لو تمحضت لإجازة النكاح خاصة وهو لا يتحقق إلا باليمين معها.

وبذلك يظهر اندفاع الإشكال الثاني ، لأنه يترتب على ثبوت المهر ولزومه


وقد عرفت أنه لا وجه له ، والله العالم.

وسادسها : لو انتفت التهمة بالطمع في الميراث بأن يكون ما يلزمه من المهر بعد الحلف بمقدار ما يرثه منها أو أزيد ، فهل يتوقف الحكم المذكور على اليمين إشكال ، من انتفاء فائدة اليمين على هذا التقدير ، لأن العلة فيها هي التهمة ولا تهمة على هذا التقدير ، ومن إطلاق النص والفتوى بتوقف الإرث على اليمين.

ويؤيده ما تقدم قريبا من أن علل الشرع ليست عللا حقيقية يدور المعلول مدارها وجودا وعدما ، بل هي معرفات أو بيان لوجه الحكمة ، ولا يجب إطرادها في أفراد جميع المعلول ، بل يكفي وجودها في الأغلب الأكثر ، والله العالم.

المسألة الرابعة عشر : إذا أذن المولى لعبده في العقد صح ، لكن يبقى الكلام هنا في موضعين :

الأول : أنه إذا أذن له ، فإما ان يعين له الزوجة أم لا ، وعلى كل منهما إما أن يعين له قدر المهر أم لا ، فهنا أقسام أربعة :

الأول : أن يعينهما معا ، ولا إشكال في أنهما يتعينان بذلك ، فلو تعدى عنهما أو عن أحدهما كان موقوفا على الإجازة إن قلنا بصحة العقد الفضولي وإلا بطل.

الثاني : أن يطلق فيهما معا ، وحينئذ فله أن يتزوج بمن أراد من حرة وأمة وشريفة ووضيعة لكن بمهر المثل أو دونه ، بشمول الإطلاق لذلك صرح العلامة في التذكرة على ما نقل عنه ، قال : وإذا أطلق الإذن تناول الإذن الحرة والأمة أو في تلك البلد أو غيره ، إلا أنه ليس له الخروج إلى غير بلد مولاه إلا بإذنه.

وربما استشكل ذلك من حيث اقتضائه تسلط العبد على من يريد مع تفاوت المهر للقلة والكثرة تفاوتا فاحشا ، وإيجاب ما يختاره العبد على السيد


بالاذن المطلق وإن كثر ، ورد بأن التقصير في ذلك من السيد حيث إنه أطلق الاذن مع علمه بتناول ذلك ، فالضرر مستند إليه.

بقي الكلام في تقييد إطلاق المهر بمهر المثل قالوا : والعلة فيه أنه بمنزلة ثمن المثل من البيع فيحمل عليه كما لو أذن له في البيع والشراء وأطلق ، فإنه يجب حمل ذلك على ثمن المثل ، إلا أن الفرق بينهما أنه لو تجاوزه هنا لم يوجب بطلان العقد ، لأنه مأذون في أصل النكاح ولا ارتباط لصحته بالمهر ، لكن يلزم المولى مهر المثل والزائد يتبع به العبد بعد تحريره.

وأما لو تجاوزه في البيع والشراء بأن أذن له المولى في البيع والشراء مطلقا فتجاوز ثمن المثل فإنه يتوقف على الإجازة من المولى فإن حصلت الإجازة وإلا بطل ، لأن الثمن شرط في صحة البيع والشراء ، وأنت خبير بما في هذا الدليل من الوهن ـ أعني الحمل على ثمن المثل في البيع والشراء ـ وأنه إنما وجب تقييد إطلاق المهر في إذن المولى بمهر المثل حملا على ثمن المثل فإنه لا يخرج عن القياس الموجب للوقوع في ظلمة الالتباس.

نعم يمكن الاستدلال على ذلك بما رواه المشايخ الثلاثة عن زرارة (1) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل تزوج عبده بغير إذنه فدخل بها ثم اطلع على ذلك مولاه ، فقال : ذلك إلى مولاه ، إن شاء فرق بينهما وإن شاء أجاز نكاحهما فإن فرق بينها فللمرأة ما أصدقها إلا أن يكون اعتدى فأصدقها صداقا كثيرا فإن أجاز نكاحه فهما على نكاحهما الأول» الحديث.

فإن الظاهر من الاعتداء بإصداقها صداقا كثيرا إنما هو باعتبار زيادته عن صداق مثلها ، لأن القلة والكثرة لا حد لهما إلا بالإضافة إلى حال تلك

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 478 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 351 ح 62 ، الوسائل ج 14 ص 523 ح 2.


المرأة كما لا يخفى.

وينبغي حمل استحقاقها الصداق على ما إذا كانت جاهلة بالحال ، وإلا فلو علمت بأنه مملوك وأن التزويج بغير إذن سيده فإنه لا صداق لها.

ومع هذا ففيه أيضا ما أورده المحقق الثاني في شرحه على القواعد قال : ولقائل أن يقول : إن كان العبد أهلا لأن يثبت شي‌ء من المهر في ذمته فليثبت جميعه.

ثم قال : مع أن هنا إشكالا آخر ، وهو أن الزوجة إنما رضيت بمهر مستحق يمكن المطالبة به فلا يلزمها النكاح ، وبعض المسمى إنما يستحقه إذا أعتق العبد ، وقد كان المناسب للقواعد القول بوقوف النكاح والصداق على إجازة المولى ، فإن فسخ الصداق ثبت مهر المثل بالدخول وتخير المرأة. انتهى.

وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك الجواب عما ذكره المحقق المشار إليه حيث قال في تقرير وجه الإشكال الذي ذكره المحقق المذكور أولا :

ويشكل هذا في جانب المرأة إذا لم تكن عالمة بالحال ، فإنها إنما قدمت على مهر ثبتت في ذمة المولى معجلا ولم يحصل ، ثم قال في دفعه : ويندفع الاشكال بمنع كون نكاح العبد مطلقا يوجب كون المهر معجلا في ذمة المولى أو غيره ، بل قد يكون كذلك وقد لا يكون كما في هذه الصورة ، والمرأة إنما قدمت على نكاح العبد بمهر يرجع في أمره إلى التنازع والتقصير منها ، حيث لم تعرف الحكم ، فإنه لما كان من المعلوم أن العبد لا يملك شيئا فتعلقها بثبوت المهر في ذمة المولى أو ذمته معجلا قدوم على غير معلوم ، فالضرر جاء من قبلها. انتهى.

ولا يخفى ما فيه على الفطن النبيه ، فإن المستفاد من الأخبار أن السيد إذا زوج عبده فإن المهر لازم للمرأة على السيد أو العبد معجلا.


وقوله ـ قد يكون معجلا وقد لا يكون كما في هذه الصورة ـ فيه أن هذه الصورة محل البحث والنزاع ، ولم يقم فيها دليل على التأجيل في ذمة العبد لو كان زائدا عن مهر المثل كما ادعوه حتى أنه يتمسك بها.

والمستفاد من رواية زرارة المتقدمة أن لها الصداق مع الدخول بها في الصورة المذكورة ، بشرط كونه مهر المثل ، كما ذكرناه.

وأما مع زيادته على مهر المثل فليس في الخبر تعرض لحكمه ، وأنه لازم للعبد في ذمته ، بل الظاهر منها هو وقوفه على إجازة المولى ، وأنه لو لم يجزه بطل وانتفى بالكلية كما هو ظاهر كلام المحقق المذكور.

وروى في الفقيه والتهذيب عن الحسن بن محبوب عن علي بن أبي حمزة (1) عن أبي الحسن عليه‌السلام «في رجل زوج مملوكا له من امرأة حرة على مائة درهم ، ثم إنه باعه قبل أن يدخل عليها ، قال : فقال : يعطيها سيده من ثمنه نصف ما فرض لها إنما هو بمنزلة دين لو كان استدانه بإذن سيده».

والتقريب فيه هو أن ظاهره وجوب المهر على السيد ، ولكن لما حصلت الفرقة بسببه فلها نصف المهر حيث إنه لم يدخل بها.

إلى غير ذلك من الأخبار التي يقف عليها المتتبع ، فإنها ظاهرة في تعجيل الصداق وهو مقتضى النكاح كما في غير هذه الصورة.

والقول بالتأجيل كما ادعوه في هذه الصورة ، وبقاءه في ذمة العبد إلى أن يتحرر يحتاج إلى الدليل.

فقوله ـ : إنها في نكاحها العبد إنما قدمت على نكاح العبد بمهر يرجع في أمره إلى التنازع وأن التقصير منها بذلك ـ كلام مموه ، فإن المعلوم من الشارع

__________________

(1) الفقيه ج 3 ص 289 ح 19 ، التهذيب ج 7 ص 485 ح 158 ، الوسائل ج 15 ص 79 ح 1.


عليه‌السلام بهذه الأخبار التي ذكرنا بعضها هو أن مهرها معجل لا تأخير فيه.

وبالجملة فإن ما يدعونه ـ من أنه مع تزويجه بالزيادة على مهر المثل بتبع بالزيادة بعد تحريره ، فيجب على المرأة الصبر ـ يتوقف على الدليل ، ولا دليل عليه كما عرفت ، والله العالم.

الثالث : أن يعين المرأة ويطلق المهر ، ولا إشكال في أنه بالنسبة إلى المرأة لا يجوز له التخطي إلى غير المعينة ، فإن تخطى كان فضوليا يترتب عليه ما عرفت من الخلاف في الفضولي.

وأما بالنسبة إلى المهر فإنه بإطلاقه عندهم كما تقدم محمول على مهر المثل أو أقل ، وأنه إن زاد تبع بالزائد بعد عتقه.

الرابع : عكسه ، وهو أن يعين المهر ويطلق المرأة ، فيتخير في تزويج من شاء بذلك المهر المعين ، هذا مقتضى الاذن فلو تخطى وتزوج بأزيد من ذلك ، قالوا : إنه يتعلق الزائد بذمته كالزائد عن مهر المثل وإن كانت الزيادة هنا لا يتجاوز مع المعين مهر المثل.

هذا إذا كان المعين بقدر مهر مثل مهر المرأة التي اختارها العبد أو أقل ، أما لو كان أكثر من مهر مثلها ، فهل يلزم العقد والمسمى نظرا إلى كونه مأذونا وأنه يتعلق الزائد عن مهر المثل بذمته ويتبع به بعد التحرير كما لو زاد في المطلق من حيث إن التجاوز عن مهر المثل حكمه ذلك ، وتعين المهر مع إطلاق الزوجة لا ينافيه؟ وجهان : إختار في التذكرة الأول ، واستشكل في المسالك وهو يؤذن باختياره الثاني.

الموضع الثاني : اختلف الأصحاب في محل المهر المتعلق بالمولى من المعين لو عينه أو مهر المثل مع الإطلاق ، وكذا في نفقة الزوجة ، فالمشهور وهو أحد قولي الشيخ أن جميع ذلك يتعلق بذمة المولى ، وذهب في المبسوط إلى


أنه يتعلق بكسب العبد بمعنى أنه يجب الاكتساب عليه للمهر والنفقة.

ونقل عن ابن حمزة التفصيل بأنه إن كان العبد مكتسبا فهو في كسبه ، وإلا فهو على السيد ، ونقله بعض أفاضل متأخري المتأخرين عن العلامة في المختلف ولم أجده فيه لا في هذا المقام ولا في باب نكاح الإماء.

احتج من قال بالقول المشهور بأن الاذن في النكاح يستلزم الاذن في توابعه ولوازمه ، كما لو أذن له في الإحرام بالحج فإنه يكون إذنا في توابعه من الأفعال وإن لم يذكر ، ومع تعيين المهر أولى.

وحيث كان المهر والنفقة لازمين للنكاح ، والعبد لا يملك شيئا وكسبه من جملة أموال المولى كان الاذن فيه موجبا لالتزام ذلك من غير أن يتقيد بنوع خاص من ماله كباقي ديونه ، فيتخير بين بذله من ماله وبين كسب العبد إن وفي ، وإلا وجب عليه الإكمال ، كذا قرره شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ، وهو جيد ، وتخرج الأخبار المتقدمة شاهدة عليه ، فإنها وإن كان موردها المهر خاصة ، إلا أنه لا قائل بالفرق بين المهر والنفقة.

احتج من قال بالقول الثاني بأن ذلك يجب في مقابلة عوض يستوفيه العبد في الحال ، والسيد لم يلتزمه في ذمته ، ولا هو مستوف بدله ، ويأتي بناء على هذا القول أنه يجب على المولى تخلية العبد للاكتساب نهارا والاستمتاع بها ليلا ، إلا أن يختار الإنفاق عليه وعلى زوجته من ماله ، فله استخدامه حينئذ.

وأنت خبير بأن القول المذكور بمحل من القصور فلا فائدة في تطويل الكلام بما يتفرع عليه كما ذكروه.

وأما القول بالتفصيل فوجهه يعلم من القولين الأولين ، إلا أنك قد عرفت ما في الثاني منهما من الضعف في البين.


تذنيبان

الأول : قالوا : من تحرر بعضه ليس للمولى إجباره على النكاح ، لأنه صار شريكا لمولاه في المتعلق برقبته ، فليس لأحد منهما التصرف إلا بإذن الآخر ومنه النكاح.

ويؤيده ما رواه الشيخ عن عبيد بن زرارة (1) «عن أبي عبد الله عليه‌السلام في عبد بين رجلين زوجه أحدهما والآخر لا يعلم ، ثم إنه علم بعد ذلك ، إله أن يفرق بينهما؟ قال : للذي لم يعلم ولم يأذن أن يفرق بينهما ، وإن شاء تركه على نكاحه».

والتقريب فيها أن قضية الشركة عدم صحة تصرف أحد الشريكين إلا بإذن الآخر ، وحينئذ فليس للمولى إجبار العبد المذكور نظرا إلى جهة ملكه له لمعارضة ذلك بجانب الحرية ، والحر لا يجبر على ذلك.

وكذلك ليس للعبد الاستقلال به نظرا إلى جانب الحرية لمعارضتها بجانب الرقية ، بل لا بد من اتفاقهما على ذلك ، وصدور النكاح عن رأيهما ، ويكون المهر والنفقة بالنسبة ، ولو زاد البعض عن مهر المثل أو المعين تعلق الزائد عندهم بجزئه الحر.

الثاني : لو كانت الأمة لمولى عليه بصغر أو جنون أو نحوهما فقد صرح الأصحاب بأن نكاحها بيد وليه ، فإذا زوجها لزم ، وليس عليه مع زوال الولاية الفسخ.

والوجه في ذلك أن الولي له التصرف شرعا في أموال المولى عليه بأنواع

__________________

(1) التهذيب ج 8 ص 207 ح 38 ، الوسائل ج 14 ص 525 ح 1.


التصرفات المنوطة بالمصلحة ، ومن جملتها نكاح أمته وإنكاحه أيضا من الولي المخصوص للنكاح ، وعلى هذا فليس له الاعتراض بعد زوال الولاية عنه فيما فعله الولي من إنكاح أمة أو غيره ، والظاهر أنه لا خلاف في ذلك بين أصحابنا ، وإنما نبهوا بذلك هذا الحكم على خلاف لبعض العامة حيث إن منهم من منع من تزوج أمة المولى عليه مطلقا ، لأنه ينقص قيمتها ، وقد تحبل وتهلك.

ومنهم من شرط في جواز تزويج الولي كون المولى عليه ممن يجوز له مباشرة التزويج بعد نقل ذلك ، والكل عندنا ساقط ، والفرق بين التصرفين ظاهر ، واشتراط التصرف بالمصلحة يرفع احتمال النقص. انتهى ، والله العالم.

المسألة الخامسة عشر : قالوا ، يستحب للمرأة إذا كانت ثيبا أن تستأذن أباها في العقد ، وكذا لو كانت بكرا ، وقلنا باستقلالها كما هو أحد الأقوال في المسألة ، وعلل ذلك بأن الأب في الأغلب أخبر بالأنسب من الرجال ، وأعرف بأحوالهم من المرأة ، ولا سيما إذا كانت بكرا.

أقول : لم أقف فيه على نص والتجاؤهم إلى هذا التعليل مشعر بذلك أيضا.

قالوا : ويستحب لها أن توكل أخاها إذا لم يكن لها أب ولا جد ، ولم أقف في ذلك على نص أيضا ، وغاية ما عللوا به أن الأخ مع فقد الأب والجد أخبر بذلك منها غالبا وأن عليه غضاضة لو لم تعمل باختياره كالأب.

وأيد بما تقدم في رواية أبي بصير (1) أن الأخ من جملة من بيده عقدة النكاح ،. قال في المسالك : وحمله على الاستحباب حسن ، وربما كان أولى من حمله على كونه وصيا.

أقول : وفيه ما فيه ، فإن الاستحباب من جملة الأحكام الشرعية المتوقفة على الدليل الواضح ، وإثباته بمثل هذه التخرصات الوهمية مجازفة.

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 393 ح 49 ، الوسائل ج 14 ص 213 ح 4.


والرواية المذكورة وغيرها قد اشتملت على عد من يبيع لها ويشتري في جملة من بيده عقدة النكاح ، ومقتضى كلامه أنه يستحب لها أيضا توكيله ، وهو لا يقول به ولا غيره.

والحق أن الأخ ونحوه مما ذكرناه لا بد من حمله في عده في هذا المقام على الوصي أو الوكيل ، والحمل على الاستحباب يحتاج إلى ثبوت ذلك بدليل من خارج ، وليس فليس.

قالوا : ويستحب أن تقول على الأكبر من الاخوة لو تعددوا وإن اختلف والأصغر في الاختيار تخيرت خيرة الأكبر ، وعلل باختصاص الأكبر من الاخوة بمزيد الفضيلة وقوة النظر والاجتهاد في الأصلح ، وبما سيأتي من الخبر الدال على ترجيح عقد الأكبر.

وفيه ما لا يحفي ، ولا سيما إذا كان مختار الأصغر في مقام الاختلاف أكمل وأرجح على أن أكملية رأي الأكبر مطلقا ممنوعة ، والخبر المشار إليه يأتي الكلام فيه.

المسألة السادسة عشر : قد عرفت مما تقدم أن حكم الأخ بالنسبة إلى تزويج أخته حكم الأجنبي وإن استحب لها توكيله عندهم ، وعلى هذا فلو زوجها الأخوان برجلين ، فإما أن يكونا وكيلين أم لا ، وعلى الأول فالعقد للسابق منهما ، ولو دخل بها الثاني والحال هذه فحملت منه الحق به الولد ولزمه مهرها إن كانا جاهلين بالحال أو التحريم وردت إلى السابق بعد العدة.

ولو اقترن العقدان واتفقا في حالة واحدة قيل بتقديم عقد الأكبر منها والمشهور بين المتأخرين البطلان.

وأما لو لم يكونا وكيلين كانا فضوليين ، وتتخير في إجازة عقد أيهما شاءت ، وبأيهما دخلت قبل الإجازة كان العقد له ، وتفصيل هذه الجملة يقع في مواضع :


الأول : ما لو كانا وكيلين مع سبق أحدهما ، ولا ريب في صحة عقد السابق منهما وبطلان المتأخر ، لأنه إنما وقع بعد أن دخلت في عصمة الزوج الأول ، وحينئذ فالحكم فيها أنه إن لم يدخل بها الثاني سلمت للأول.

وإن دخل بها فإن كانا عالمين بالحال فهما زانيان فلا مهر للمرأة لأنها بغي ولا ولد للزوج لو كان ثمة ولد ، لأنه من زنا.

وإن علمت المرأة خاصة فلا مهر لها والحق الولد بأبيه ، وإن علم هو خاصة لم يلحق به الولد وكان لها المهر.

وإن كانا جاهلين فالحكم كما تقدم من أن لها على الواطئ مهر المثل والحق الولد بها وعليها العدة كغيره من وطئ الشبهة الموجب لذلك ثم ترد إلى الأول ولها عليه المسمى فلها الصداقان معا ، وإن اختص الجهل بأحدهما لتحقق وطئ الشبهة الموجب للعدة ، فتعتد عدة الطلاق عند الأصحاب ثم ترد إلى الأول وظاهر الأصحاب أنه مع علمها وكون النكاح زنا فلا عدة.

ومن أصحابنا وإن كان خلاف المشهور من أوجب العدة من الزنا باستبراء الرحم بحيضة أو خمسة وأربعين يوما ، وهو يأتي هنا على هذا القول ، ولا بأس به لظاهر بعض الأخبار مع أوفقيته بالاحتياط.

والذي وقفت عليه من الأخبار الداخلة في حيز هذا المقام والمنتظمة في في سلك هذا النظام ما رواه

في الكافي في الصحيح أو الحسن عن محمد بن قيس (1) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في امرأة أنكحها أخوها رجلا ثم أنكحتها أمها بعد ذلك رجلا وخالها أو أخ لها صغير ، فدخل بها فحبلت فاحتكما فيها فأقام الأول الشهود فألحقها بالأول ، وجعل لها الصداقين جميعا ومنع زوجها التي حقت له أن يدخل بها حتى تضع حملها ، ثم الحق الولد بأبيه».

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 396 ح 1 ، الوسائل ج 14 ص 211 ح 2.


والخبر محمول على ما ذكره الشيخ من جعلها أمرها إلى أخيه ، قال : إذ لا ولاية لغير الأب والجد.

قيل (1) ولو جهل السابق أو نسي احتمل القرعة لأنه أمر مشكل للعلم بثبوت نكاح أحدهما ، ولا طريق إلى استعلامه ، والتربص إلى التذكر مع عدم العلم بحصوله فيه إضرار بالمرأة ، فإذا أقرع بينهما فمن أخرجته القرعة أمر بتجديد النكاح ، ويؤمر الآخر بالطلاق.

ويحتمل إجبار كل منهما على الطلاق لدفع الضرر عن المرأة ، ويحتمل فسخ الحاكم بالنسبة إلى كل منهما لأن فيه دفع الضرر مع السلامة من ارتكاب الإجبار على الطلاق ، ومن القرعة التي لا مجال لها في الأمور التي هي مناط الاحتياط التام ، وهي الأنكحة التي تتعلق بها الأنساب والإرث والمحرمية ، وقوى العلامة في القواعد هذا الاحتمال ، ونفى عنه الشارح البأس.

الثاني : المشهور بين الأصحاب بطلان العقدين فيما لو كانا وكيلين واقترن عقداهما في القبول لامتناع الحكم بصحتها معا من حيث تباينهما وامتناع الحكم بصحة أحدهما لأنه ترجيح من غير مرجح.

وذهب الشيخ في النهاية إلى الحكم بعقد الأكبر من الأخوين ، وتبعه ابن البراج وابن حمزة استنادا إلى ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن وليد بياع الاسقاط (2) ، وهو مجهول قال : «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام وأنا حاضر عنده عن جارية كان لها أخوان زوجها الأكبر بالكوفة وزوجها الأصغر بأرض أخرى ، قال : الأول أحق بها إلا أن يكون الأخير قد دخل بها ، فإن دخل بها فهي امرأته ونكاحه جائز».

__________________

(1) والقائل المذكور هو السيد السند في شرح النافع وجده في المسالك والمحقق الثاني في شرح القواعد. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(2) التهذيب ج 7 ص 387 ح 29 الكافي ج 5 ص 396 ح 2 ، الوسائل ج 14 ص 211 ح 4.


والشيخ في التهذيبين حمل هذه الرواية على ما إذا جعلت المرأة أمرها إلى أخويها ، واتفق العقدان في حالة واحدة فيكون عقد الأكبر أولى ما لم يدخل الذي عقد عليه الأصغر.

وفيه (أولا) إن ما ادعاه من المقارنة ينافيه ظاهر قوله في الخبر «الأول أحق بها إلا أن يكون الأخير قد دخل بها» فإنه مع المقارنة لا يتحقق هنا أول ولا أخير ، وهو ظاهر.

و (ثانيا) إن الحكم بأحقية الأول كما دل عليه الخبر الذي هو كناية عن تقديم عقد الأكبر كما ادعاه الشيخ يوجب إلغاء العقد الآخر ، فكيف يصححه الدخول بالمرأة بعد إلغائه؟ وهو نوع اضطراب ترد به الرواية.

و (ثالثا) إنه كيف يمكن فرض الاتفاق في العقدين بأن يكون قولهما في ساعة واحدة ، والمفروض في الرواية أن الأكبر زوجها بالكوفة والأصغر زوجها ببلدة اخرى وأرض أخرى ، فالحمل على ما ذكر والحال هذه سفسطة ظاهرة.

و (رابعا) إن التقييد بالاقتران خلاف ظاهر كلامه في النهاية ، حيث إن ظاهر كلامه ثمة إنما هو الحكم للأكبر أعم من أن يقترن العقدان أم لا كما سيأتي بذلك نقل عبارته.

وبالجملة فإن الرواية مطلقة بالنسبة إلى عقد كل من الأخوين في كونه ناشئا عن الإجازة أو فضوليا ، ومطلقة أيضا بالنسبة إلى الاقتران وعدمه في العقدين مع ما عرفت من الإشكالات في حملها على الاقتران.

وحينئذ فالأقرب في معناها كما صرح به جملة من أفاضل متأخري المتأخرين هو الحمل على ما إذا كان الأخوان فضوليين ، ويكون معنى أحقية الأول بها كون تلك الأحقية أحقية فضل واستحباب ، بمعنى أن الأفضل لها ترجيح مختار الأكبر إلا أن يكون الآخر ، وهو الذي اختاره الأصغر قد دخل بها ، فإن الدخول يكون كاشفا عن الرضا بالعقد.

الثالث : ما لو لم يكونا وكيلين أو كانا أجنبيين فإنه لا ريب أنهما فضوليان فتختار من تشاء منهما وإن كان الأفضل لها عند الأصحاب كما تقدم اختيار عقد الأكبر من الأخوين متقدما كان أو مقارنا أو متأخرا.

هذا مع عدم الدخول بأحدهما بعد العلم بالعقد وإلا كان الدخول إجازة ، إلا أنه ينبغي تقييد استحباب اختيارها عقد الأكبر بما إذا تساوى مختارهما في الكمال أو ترجح مختار الأكبر ، أما لو ترجح مختار الأصغر فإن الأولى لها اختياره.

الرابع : المشهور بين الأصحاب في تقرير محل الخلاف في هذه المسألة أن محلها ما لو اتفق العقدان في وقت واحد فالمشهور بينهم البطلان كما تقدم ، ونقلوا عن الشيخ في النهاية القول بصحة عقد الأكبر ، ونقلوا عنه الاحتجاج على ذلك بالخبر المتقدم.

واعترضهم في المسالك بأن كلام الشيخ في النهاية وعبارته لا تساعد على ما ادعوه ، قال : بل ظاهرها تقديم عقد الأكبر مطلقا ، وكذلك روايته التي هي مستند الحكم بل الرواية ظاهرة في عدم الاقتران ، لأن عقد كل منهما واقع في بلد فيبعد العلم باقترانهما ، وكيف كان فالعبارة أعم منه.

ثم نقل عبارة الشيخ في النهاية ، قال : وهذا لفظ الشيخ في النهاية : وإن كان لها أخوان وجعلت الأمر إليهما ثم عقد كل واحد منهما عليها لرجل كان الذي عقد عليها له أخوها الكبير أولى بها من الآخر ، فإن دخل بها الذي عقد عليها أخوها الصغير كان العقد ماضيا ، ولم يكن للأخ الكبير أمر مع الدخول بها فإن كان الأخ الكبير سبق بالعقد ، ودخل الذي عقد له الأخ الصغير بها فإنها ترد إلى الأول ، وكان لها الصداق بما استحل من فرجها وعليها العدة فإن جاءت بولد كان لا حقا بأبيه.

ثم قال : وإطلاقها الشامل لحالة الاقتران والاختلاف واضح ، والرواية المتقدمة بمعنى ما ذكره ، وحاصل فتواه في النهاية تقديم الأكبر مطلقا إلا مع دخول من زوجه الأصغر في حالة لم يكن الأكبر متقدما بالعقد ، وهذا القيد الأخير زائد على الرواية.

وفي كتابي الأخبار حمل الرواية على ما إذا جعلت المرأة أمرها إلى أخويها واتفق العقدان في حالة واحدة ، فيكون عقد الأكبر أولى ما لم يدخل الذي عقد عليه الأصغر ، وهذا قول آخر للشيخ غير ما قاله في النهاية لأنه جعل تقديم الأكبر مع الاقتران خاصة بشرط أن لا يدخل بها من زوجه الأصغر.

والقولان للشيخ مغايران لما نقله المصنف ، لأنه جعل تقديم الأكبر مع الاتفاق مطلقا إلى آخر كلامه زيد إكرامه.

أقول : أما الرواية فقد عرفت الكلام فيها وأن تقييدها بالاقتران باطل من وجوه عديدة كما عرفت.

بقي الكلام في عبارة النهاية ، ولا ريب في أنها وإن كانت ظاهرة فيما ذكره إلا أن من حملها على الاقتران في العقد لعله اعتمد على تطبيقها على الأصول والقواعد الشرعية التي من جملتها أنه لو سبق الأصغر بالعقد مع كونهما وكيلين كما هو المفروض فلا ريب في صحة عقده وبطلان عقد الأكبر ، فلا معنى لأولوية عقد الأكبر هنا ، فيجب إخراجه عن الإطلاق ، وكذا لو سبق الأكبر كما هو مصرح به في الخبر ، فيبقى اختصاص الخبر بالاتفاق في العقدين والمقارنة بينهما.

وحيث إنه لا يفهم من القواعد الشرعية ترجيح في البين حصل الحكم فيه أن عقد الكبير أولى إلا أن يسبق من عقد عليه الصغير بالدخول قبل العلم بعقد الكبير.

وبالجملة فإن لما عدا صورة الاقتران من سبق الكبير أو الصغير يجب الوقوف فيه على القواعد الشرعية الموجبة لصحة عقد المتقدم وبطلان المتأخر.

وأما صورة الاقتران ـ وإن بعد فرضها ـ فالقائلون بالمشهور من البطلان اعتمدوا على الدليل العقلي الذي قدمنا ذكره ، والشيخ ومن تبعه اعتمدوا على الرواية بناء على الاقتران.

وقد عرفت عدم قبول الرواية لهذا الحمل ، وأن الأولى والأظهر حملها على ما قدمنا نقله عن جملة منهم من كون الأخويين فضوليين ، والله العالم.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *