ج17 - الهدي وأحكامه

الفصل الثاني

في الذبح

وتحقيق الكلام فيه يقع في مقامات :

المقام الأول

في الهدي

وفيه مسائل :

الأولى :

لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) في وجوب الهدي على المتمتع وعدم وجوبه على غيره من الفردين الآخرين حكاه العلامة في التذكرة والمنتهى.


اما الأول فلقوله عزوجل (1) «فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ» والاخبار الكثيرة.

ومنها قول أبي جعفر (عليه‌السلام) في حديث زرارة في المتمتع (2) «وعليه الهدى ، قال زرارة : فقلت : وما الهدى؟ قال : أفضله بدنة وأوسطه بقرة وأخسه شاة».

وما رواه في الكافي عن سعيد الأعرج (3) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : من تمتع في أشهر الحج ثم أقام بمكة حتى يحضر الحج فعليه شاة ، ومن تمتع في غير أشهر الحج ثم يجاور بمكة حتى يحضر الحج فليس عليه دم انما هي حجة مفردة». وهو ظاهر في أن المتمتع يجب عليه الهدى وغيره لا يجب عليه.

وما رواه في التهذيب عن إسحاق بن عبد الله (4) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن المعتمر المقيم بمكة يجرد الحج أو يتمتع مرة أخرى ، فقال : يتمتع أحب إلي ، وليكن إحرامه من مسيرة ليلة أو ليلتين ، فان اقتصر على عمرته في رجب لم يكن متمتعا ، وإذا لم يكن

__________________

(1) سورة البقرة : 2 ـ الآية 196.

(2) الوسائل ـ الباب ـ 10 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 5. وفيه «وأخره شاة» ونقله في الباب ـ 5 ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث 3 وفيه «أخفضه شاة» كما في التهذيب ج 5 ص 36 ـ الرقم 107.

(3) الوسائل ـ الباب ـ 1 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 11.

(4) ذكر صدره في الوسائل في الباب ـ 4 ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث 20 وتمامه في التهذيب ج 5 ص 200 ـ الرقم 664.


متمتعا لا يجب عليه الهدى».

وعن محمد بن مسلم في الصحيح (1) عن أحدهما (عليه‌السلام) قال : «سألته عن المتمتع كم يجزؤه؟ قال : شاة».

وروى ابن إدريس في مستطرفات السرائر من نوادر احمد بن محمد بن أبي نصر عن جميل (2) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) «أنه سأله عن المتمتع كم يجزؤه؟ قال شاة».

وأما الثاني ـ وهو أنه لا يجب على غير المتمتع قارنا كان أو مفردا مفترضا أو متنفلا ـ فالأصل وعدم ما يوجب الخروج عنه وما تقدم في رواية سعيد الأعرج (3) ورواية إسحاق بن عبد الله (4) وقوله (عليه‌السلام) في حسنة معاوية (5) في المفرد : «وليس عليه هدى ولا أضحية».

ونقل في المختلف عن سلار أنه عد في أقسام الواجب سياق الهدى للمقرن والمتمتع ، واحتج له بما رواه عيص بن القاسم في الصحيح (6) عن الصادق (عليه‌السلام) «أنه قال في رجل اعتمر في رجب واقام بمكة حتى يخرج منها حاجا فقد وجب عليه الهدى وإن خرج من مكة حتى يحرم من غيرها فليس عليه هدى». ثم أجاب عنها بالحمل على الاستحباب أو على من اعتمر في رجب واقام بمكة إلى أشهر الحج ثم تمتع فيها بالعمرة

__________________

(1 و 2) الوسائل ـ الباب ـ 1 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 1.

(3 و 4) المتقدمان في ص 26.

(5) الوسائل ـ الباب ـ 2 ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث 1.

(6) الوسائل ـ الباب ـ 1 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 2.


إلى الحج. انتهى.

أقول : وربما قيل : إن هذا الهدي جبران من كان عليه أن يحرم بالحج من خارج وجوبا أو استحبابا فأحرم من مكة ، فإن خرج حتى يحرم عن موقفه فليس عليه هدي ، ولا بعد فيه ، فإنه قد ورد به روايات.

ولعله إلى هذا المعنى أشار في الدروس حيث قال : «وفي صحيح العيص يجب على من اعتمر في رجب واقام بمكة وخرج منها حاجا ، لا على من خرج فأحرم من غيرها ، وفيه دقيقة». انتهى. فان الظاهر أن الدقيقة المشار إليها هي ما ذكرناه من جعل الهدي جبرانا في الصورة المذكورة.

وقد تقدمت جملة من الأخبار دالة على أن المجاور بمكة إذا أراد الحج إفرادا فإنه يخرج من أول ذي الحجة إلى الجعرانة أو التنعيم ، فيهل بالحج ويبقى إلى يوم التروية ، ويخرج إلى الحج ، وهذه الرواية دلت على أن من خرج وعقد الحج من خارج مكة فليس عليه هدي ، ومن لم يخرج وأحرم من مكة فعليه الهدي جبرانا لحجة ، حيث أخل بالخروج إلى خارج مكة ، ويدل على الهدي في الصورة المذكورة بعض الاخبار التي لا يحضرني الآن موضعها.

والحمل على التقية أيضا غير بعيد ، لأنه مذهب أبي حنيفة واتباعه كما نقله في المنتهى.

وبالجملة فإن هذه الرواية معارضة بما هو أوضح دلالة وأصرح مقالة وأوفق بمطابقة الأصول واتفاق الأصحاب كما عرفت ، عدا القائل المذكور فتعين تأويلها بأحد الوجوه المذكورة وإلا فطرحها ، والله العالم.


الثانية :

اختلف الأصحاب في حكم المكي لو تمتع هل يجب عليه هدي أم لا؟ فالمشهور الأول ، لعموم الأدلة الدالة على وجوب الهدي في حج التمتع مطلقا ، وقال الشيخ في بعض كتبه بالثاني.

واحتج الشيخ بقوله تعالى (1) «ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ» فان معناه أن الهدي لا يلزم إلا من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ، قال : «ويجب أن يكون قوله ذلك راجعا إلى الهدي لا إلى التمتع ، ولو قلنا : إنه راجع إليهما وقلنا : إنه لا يصح منهم التمتع أصلا لكان قويا» انتهى.

وأجاب عنه في المختلف بأن «عود الإشارة إلى الأبعد أولى ، لما عرفت من أن النحاة فصلوا بين الرجوع إلى القريب والبعيد والأبعد في الإشارة ، فقالوا في الأول : «ذا» وفي الثاني «ذاك» وفي الثالث «ذلك» قال : مع أن الأئمة (عليهم‌السلام) استدلوا على أن أهل مكة ليس لهم متعة بقوله تعالى (2) «ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ» والحجة في قولهم» انتهى. وهو جيد.

وقد تقدمت الروايات (3) التي أشار إليها قدس‌سره في استدلال الأئمة

__________________

(1 و 2) سورة البقرة : 2 ـ الآية 196.

(3) راجع ج 14 ص 322 ـ 324.


صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين في المقدمة الرابعة في أقسام الحج (1).

والمحقق في الشرائع قد وافق الشيخ في مقدمات كتاب الحج في المقدمة المتضمنة لتقسيم الحج ، فقال بعد ذكر الخلاف في جواز التمتع لأهل مكة : «ولو قيل بالجواز لم يلزمهم هدي» ووافق المشهور في باب الهدي من الكتاب المذكور ، فقال : «ولو تمتع المكي وجب عليه الهدي».

ونقل شيخنا الشهيد في الدروس عن المحقق قولا ثالثا في المسألة ، وهو الوجوب إن تمتع ابتداء ، لا إذا عدل إلى التمتع ، قال : «ولو تمتع المكي فثالث الأوجه وجوبه عليه إن تمتع ابتداء لا إذا عدل إلى التمتع ، وهو منقول عن المحقق ، ويحتمل وجوبه إذا كان لغير حج الإسلام» انتهى.

أقول ما ذكره قدس‌سره من الاحتمال إنما يتم لو سلم دلالة الآية على سقوط الهدي عن المكي كما ادعاه الشيخ ، لأن موردها حج الإسلام ، ويثبت وجوب الهدي في غيره بالعمومات ، إلا أن دلالة الآية على ذلك ممنوعة ، فلا وجه لهذا الاحتمال حينئذ.

الثالثة :

لو تمتع المملوك باذن مولاه تخير المولى بين أن يهدي عنه وأن يأمره بالصوم ، وعليه اتفاق الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم).

__________________

(1) ج 14 ص 311.


وعليه يدل جملة من الأخبار كصحيحة جميل بن دراج (1) قال : «سأل رجل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل أمر مملوكه أن يتمتع ، قال : فمره فليصم ، وإن شئت فاذبح عنه».

وصحيحة سعد بن أبي خلف (2) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) قلت : أمرت مملوكي أن يتمتع ، قال : إن شئت فاذبح عنه ، وإن شئت فمره فليصم».

وموثقة إسحاق بن عمار (3) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن غلمان لنا دخلوا مكة بعمرة وخرجوا معنا إلى عرفات بغير إحرام ، قال : قل لهم : يغتسلون ثم يحرمون ، واذبحوا عنهم كما تذبحون عن أنفسكم».

وموثقة سماعة (4) «أنه سأله عن رجل أمر غلمانه أن يتمتعوا ، قال : عليه أن يضحّي عنهم ، قلت : فإن أعطاهم دراهم فبعضهم ضحى وبعضهم أمسك الدراهم وصام ، قال : قد أجزأ عنهم ، وهو بالخيار إن شاء تركها ، ولو أنه أمرهم وصاموا كان قد أجزأ عنهم».

فأما ما رواه الشيخ في الموثق عن الحسن العطار (5) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل أمر مملوكه أن يتمتع بالعمرة إلى

__________________

(1 و 2) الوسائل ـ الباب ـ 2 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 1.

(3) الوسائل ـ الباب ـ 2 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 7. عن الحسن بن عمار على ما في الطبع الحديث من الوسائل ، وفي الكافي ج 4 ص 304 إسحاق بن عمار.

(4 و 5) الوسائل ـ الباب ـ 2 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 8 ـ 3.


الحج أعليه أن يذبح عنه؟ قال : لا ، إن الله يقول (عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ) (1)». فقد حمله الشيخ على أنه لا يجب عليه الذبح ، وهو مخير بينه وبين أن يأمره بالصوم ، لما مر.

أقول : لا يخفى أن الحمل المذكور في حد ذاته جيد ، إلا أن إيراد الآية هنا لا ملائمة فيه لذلك ، ولعل الوجه في إيرادها أن السائل توهم وجوب الهدي على المملوك ، وأنه لعدم إمكانه منه يذبح عنه مولاه ، فرد (عليه‌السلام) هذا الوهم بالآية ، وأنه لا يجب عليه ولا على مولاه تعيينا ، بل يتخير بين الذبح عنه وأمره بالصيام.

وأما ما رواه أيضا عن علي (2) والظاهر أنه ابن أبي حمزة عن أبي إبراهيم (عليه‌السلام) قال : «سألته عن غلام أخرجته معي فأمرته فتمتع ثم أهل بالحج يوم التروية ولم اذبح عنه أفله أن يصوم بعد النفر؟ قال : ذهبت الأيام التي قال الله ، ألا كنت أمرته أن يفرد الحج؟ قلت : طلبت الخير ، قال : كما طلبت الخير فاذهب فاذبح عنه شاة سمينة ، وكان ذلك يوم النفر الأخير». فحمله الشيخ على أفضلية الذبح حينئذ ، بمعنى أن التخيير وان كان باقيا إلا أن الأفضل في هذه الصورة الذبح عنه.

وهو وان كان بعيدا عن سياق الخبر إلا أنه لا مندوحة عنه في مقام الجمع بين الاخبار.

وأما ما رواه في الصحيح عن محمد بن مسلم (3) عن أحدهما (عليهما‌السلام) في حديث قال : «سألته عن المتمتع المملوك ، فقال : عليه مثل ما على الحر ،

__________________

(1) سورة النحل : 16 ـ الآية 75.

(2 و 3) الوسائل ـ الباب ـ 2 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 4.


إما أضحية وإما صوم». وفي الصحيح عن معاوية بن عمار (1) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته عن المملوك المتمتع ، فقال : عليه ما على الحر ، إما أضحية وإما صوم». فحملهما الشيخ في التهذيبين على محامل بعيدة غاية البعد.

والأقرب ما ذكره في المدارك من أن المراد بالمماثلة في كمية ما يجب عليه وإن كانت كيفية الوجوب مختلفة ، بمعنى أنه لا بد من أحدهما إما أضحية يضحي عنه مولاه وإما صوم يصومه بنفسه ، والإجمال هنا وقع اعتمادا على ما ظهر من التفصيل في غيرهما.

وأما ما رواه عن يونس بن يعقوب (2) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : معنا مماليك لنا قد تمتعوا أعلينا أن نذبح عنهم؟ قال : المملوك لا حج له ولا عمرة ولا شي‌ء».

فقد حمله الشيخ على عدم إذن المولى ، ولو لم يذبح المولى عنه تعين عليه الصوم ، ولا يتوقف على إذنه ، وليس له منعه عنه لأنه أمره بالعبادة ، فوجب عليه إتمامها لقوله عزوجل (3) : «وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ».

وبالجملة فالوجوب ثابت عليه بالأخبار المتقدمة ، وسقوطه يحتاج إلى دليل ، وليس فليس.

ولو أدرك المملوك أحد الموقفين معتقا لزمه البدي كالحر ، ومع تعذره

__________________

(1) أشار إليه في الوسائل ـ الباب ـ 2 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 5 وذكره في التهذيب ج 5 ص 481 ـ الرقم 1709.

(2) الوسائل ـ الباب ـ 6 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 6.

(3) سورة البقرة : 2 ـ الآية 196.


الانتقال إلى الصوم ، ولا خلاف فيه ، والوجه فيه ظاهر ، لدخوله بذلك في حكم الأحرار ، فتجري عليه الأحكام الجارية عليهم.

الرابعة :

قالوا : والنية شرط في الذبح ، لأنه عبادة ، وكل عبادة يشترط فيها النية ، ولأن جهات إراقة الدماء متعددة ، ولا يتمحض المذبوح هنا إلا بالقصد.

ويجوز أن يتولاها عنه الذابح ، لأنه فعل تدخله النيابة ، واستدل عليه أيضا بصحيحة علي بن جعفر (1) عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما‌السلام) قال : «سألته عن الضحية يخطئ الذي يذبحها فيسمى غير صاحبها اتجزئ عن صاحب الضحية؟ فقال : نعم ، إنما له ما نوى».

أقول : والأمر في النية ـ على ما عرفت فيما قدمنا في غير موضع ـ أظهر من أن يحتاج إلى التعرض لها وذكرها بالمرة.

الخامسة :

المشهور بين متأخري الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) أنه لا يجزئ الواحد في الواجب إلا عن واحد ، وبه صرح الشيخ في مواضع من الخلاف وابن إدريس والشهيد في الدروس والمحقق في الشرائع وغيرهم.

قال في الخلاف : «الهدي الواجب لا يجزئ إلا واحد عن واحد ،

__________________

(1) الوسائل ـ الباب ـ 29 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 1.


وإن كان تطوعا يجزئ عن سبعة إذا كانوا من أهل بيت واحد ، وإن كان من أهل بيوت شتى لا يجزئ».

وقال في النهاية والمبسوط والجمل وموضع من الخلاف : «إنه يجزئ الهدي الواجب عند الضرورة عن خمسة وعن سبعة وعن سبعين ـ وقال ـ تجزئ البقرة عن خمسة إذا كانوا أهل بيت».

وقال سلار : «تجزئ بقرة عن خمسة نفر» وأطلق.

وقال ابن البراج : «ولا يجزئ الهدي الواحد عن أكثر من واحد إلا في حال الضرورة ، فإنه يجزئ عن أكثر من ذلك».

وقال علي بن بابويه : «تجزئ البقرة عن خمسة نفر إذا كانوا من أهل بيت ، وروي (1) أن البقرة لا تجزئ إلا عن واحد ،. وأنه إذا عزت الأضاحي بمنى أجزأت شاة عن سبعين».

وقال ابن إدريس : «لا يجزئ إلا واحد عن واحد مع الاختيار ، ومع الضرورة والعدم الصيام».

وقال في موضع آخر من الخلاف : «يجوز اشتراك سبعة في بدنة واحدة أو بقرة واحدة إذا كانوا متفرقين وكانوا أهل خوان واحد ، سواء كانوا متمتعين أو قارنين».

نقل هذه الأقوال كملا العلامة في المختلف ، واختار فيه الاجزاء عند الضرورة عن الكثير دون الاختيار ، وهو ظاهره في المنتهى أيضا.

والروايات في المسألة لا تخلو من اختلاف ومن ثم ـ اختلفت كلمة الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم).

__________________

(1) المستدرك ـ الباب ـ 16 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 4.


(فمنها) ما رواه الصدوق عن محمد الحلبي في الصحيح (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن النفر تجزؤهم البقرة؟ قال : أما في الهدي فلا ، وأما في الأضحى فنعم».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (2) عن أحدهما (عليهما‌السلام) قال : «لا تجوز البدنة والبقرة إلا عن واحد بمنى».

وفي الصحيح عن الحلبي (3) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «تجزئ البدنة والبقرة في الأمصار عن سبعة ، ولا تجزئ بمنى إلا عن واحد».

وهذه الاخبار ظاهرة في الدلالة على ما هو المشهور بين المتأخرين من عدم الاجزاء عن أكثر من واحد.

(ومنها) ما رواه في الكافي عن عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح (4) قال : «سألت أبا إبراهيم (عليه‌السلام) عن قوم غلت عليهم الأضاحي وهم متمتعون وهم مترافقون وليسوا بأهل بيت واحد وقد اجتمعوا في مسيرهم ومضربهم واحد ، ألهم أن يذبحوا بقرة؟ فقال : لا أحب ذلك إلا من ضرورة».

وعن حمران في الحسن (5) قال : «عزت البدن سنة بمنى حتى بلغت البدنة مأة دينار فسئل أبو جعفر (عليه‌السلام) عن ذلك ، فقال : اشتركوا فيها ، قلت : كم؟ قال : ما خف فهو أفضل ، قلت : عن كم تجزئ؟

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5) الوسائل ـ الباب ـ 18 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 3 ـ 4 ـ 1 ـ 10 ـ 11.


قال : عن سبعين».

أقول : المراد بالتخفيف قلة عدد الشركاء.

وعن زيد بن جهم (1) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) متمتع لم يجد هديا ، فقال : أما كان معه درهم يأتي به قومه فيقول أشركوني بهذا الدرهم؟!».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (2) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «تجزئ البقرة عن خمسة بمنى إذا كانوا أهل خوان واحد».

وعن يونس بن يعقوب في الموثق (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن البقرة يضحى بها ، فقال : تجزئ عن سبعة».

وما رواه في كتاب من لا يحضره الفقيه والتهذيب عن أبي بصير في الموثق (4) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «البدنة والبقرة تجزئ عن سبعة إذا اجتمعوا من أهل بيت واحد ومن غيرهم».

وما رواه الشيخ عن السكوني (5) عن أبي عبد الله عن أبيه عن علي (عليهم‌السلام) قال : «البقرة الجذعة تجزئ عن ثلاثة من أهل بيت واحد ، والمسنة تجزئ عن سبعة نفر متفرقين ، والجزور يجزئ عن عشرة متفرقين».

وعن سوادة القطان وابن أسباط (6) عن أبي الحسن الرضا (عليه‌السلام)

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل ـ الباب ـ 18 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 13 ـ 5 ـ 2.

(4 و 5 و 6) الوسائل ـ الباب ـ 18 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 6 ـ 7 ـ 9.


قالا : «قلنا له : جعلنا فداك عزت الأضاحي علينا بمكة أفيجزئ اثنين أن يشتركا في شاة؟ فقال : نعم وعن سبعين».

وروي في الفقيه (1) قال : «سأل يونس بن يعقوب أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن البقرة يضحى بها؟ فقال : تجزئ عن سبعة نفر. وقال فيه أيضا (2). : وروي أن الجزور يجزئ عن عشرة نفر متفرقين ، وإذا عزت الأضاحي أجزأت شاة عن سبعين».

وقال في كتاب الفقه الرضوي (3) : «وتجزئ البقرة عن خمسة ، وروى عن سبعة إذا كانوا من أهل بيت واحد ، وروى أنها لا تجزئ إلا عن واحد ، وروى أن شاة تجزئ عن سبعين إذا لم يوجد شي‌ء».

أقول : وظاهر هذه الأخبار كما ترى الدلالة على القول بالجواز مع الضرورة ، حملا لمطلقها على مقيدها ، وتقييد الأخبار الثلاثة المتقدمة بها أيضا قريب بحمل عدم الاجزاء فيها على حال الاختيار ، واحتمال التطوع في كثير من أحاديث الجواز أيضا ممكن ، ولهذا أن الشيخ في كتابي الأخبار حمل أخبار الجواز على التطوع تارة وعلى الضرورة أخرى ، وبعض الاخبار المذكورة ظاهر في الحمل الأول وبعضها ظاهر في الحمل الثاني.

وبذلك يظهر قوة القول بالجواز مع الضرورة أو في التطوع وعدم الجواز في الواجب اختيارا.

__________________

(1 و 2) الوسائل ـ الباب ـ 18 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 2.


ثم إنه على تقدير القول بالواحدة ينتقل إلى الصوم لو لم يجد.

وأما التفصيل في ذلك بين البقرة وغيرها ـ بأن يقال بالاجزاء في البقرة عن خمسة دون غيرها كما صار إليه في المدارك استنادا إلى صحيحة معاوية بن عمار (1) المتقدمة ـ فهو لا يتم إلا مع طرح غيرها من الروايات الدالة على الاجزاء حال الضرورة مطلقا ، بقرة كان الهدي أو غيرها ، خمسة كانوا أم أكثر. و (منها) حسنة حمران (2) وصحيحة عبد الرحمن ابن الحجاج (3) وغيرهما من الاخبار المتقدمة.

والذي ينبغي أن يقال في ذلك أن ذكر الخمسة في بعض (4) والسبعة في آخر (5) والعشرة في ثالث (6) كل محمول على الأفضل ، لما دلت عليه حسنة (7) حمران من أن كل ما خف فهو أفضل والا فالشاة الواحدة في مقام الضرورة تجزئ عن السبعين ، كما تضمنته رواية سوادة وابن أسباط (8) ومرسلة الفقيه (9) والمرسلة المذكورة في كتاب الفقه الرضوي (10) وحسنة حمران (11) وان كان موردها البدنة.

وعلى ما ذكرناه تجتمع الاخبار على وجه واضح المنار.

والظاهر أنه لا خلاف في الاجزاء في هدي التطوع أضحية كان أو

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5) الوسائل ـ الباب ـ 18 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 5 ـ 11 ـ 10 ـ 5 ـ 2.

(6 و 7 و 8 و 9 و 11) الوسائل ـ الباب ـ 18 ـ من أبواب الذبح ـ 7 ـ 11 ـ 9 ـ 17 ـ 11.

(10) المستدرك ـ الباب ـ 16 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 4.


مبعوثا به من الأقطار أو متبرعا بسياقه مع عدم تعيينه بالإشعار أو التقليد إما الهدي في الحج المندوب فإنه يصير واجبا بوجوب الحج بعد الدخول فيه ، فيصير حكمه حكم الهدي في الحج الواجب بالأصل ، قال العلامة في التذكرة : «أما التطوع فيجزئ الواحد عن سبعة وعن سبعين حال الاختيار ، سواء كان من الإبل ، أو البقر أو الغنم إجماعا».

ومن أخبار المسألة ما رواه الصدوق في العلل والعيون عن الحسين بن خالد (1) عن أبي الحسن الرضا (عليه‌السلام) قال : «قلت له : عن كم تجزئ البدنة؟ قال عن نفس واحدة ، قلت : فالبقرة؟ قال : تجزئ عن خمسة إذا كانوا يأكلون على مائدة واحدة ، قلت : كيف صارت البدنة لا تجزئ إلا عن واحد والبقرة تجزئ عن خمسة؟ قال : إن البدنة لم يكن فيها من العلة ما كان في البقرة ، إن الذين أمروا قوم موسى بعبادة العجل كانوا خمسة ، وكانوا أهل بيت يأكلون على خوان واحد ، وهم الذين ذبحوا البقرة» الحديث.

ورواه في الخصال مثله ، وفي المحاسن أيضا مثله. وما رواه في كتابي الخصال والعلل عن يونس بن يعقوب (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن البقرة يضحى بها ، قال : فقال : تجزئ عن سبعة نفر متفرقين».

وفي العلل والمقنع «وروي (3) أن البقرة لا تجزئ إلا عن واحد».

وما رواه علي بن جعفر (4) في كتابه قال : «سألته عن الجزور والبقرة كم يضحى بها؟ قال : يسمي رب البيت نفسه ، وهو يجزئ عن أهل

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل ـ الباب ـ 18 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 18 ـ 19 ـ 20 ـ 22.


البيت إذا كانوا أربعة أو خمسة».

أقول : قد عرفت مما قدمنا سابقا من الوجه الذي اجتمعت عليه الاخبار هو أنه لا يجزئ الواحد في الواجب إلا عن واحد في حال الاختيار فالظاهر حينئذ حمل هذه الاخبار على هدي التطوع ، كما هو ظاهر أكثرها والتعليل المذكور في الرواية الأولى إنما هو بالنسبة إليه ، ويحمل إجزاء البدنة عن نفس واحدة على الأفضل ، والرخصة في البقرة للعلة المذكورة.

السادسة :

قال الشيخ في النهاية : «جميع ما يلزم المحرم المتمتع وغير المتمتع من الهدي والكفارات في الإحرام لا يجوز ذبحه ولا نحره إلا بمنى ، وكل ما يلزمه في إحرام العمرة فلا ينحره إلا بمكة».

وقال علي بن بابويه : «كلما أتيته من الصيد في عمرة أو متعة فعليك أن تنحر أو تذبح ما يلزمك من الجزاء بمكة عند الجزورة قبالة الكعبة موضع النحر ، وإن شئت أخرته إلى أيام التشريق فتنحره بمنى إذا وجب عليك في متعة ، وما أتيته مما يجب عليك فيه الجزاء في حج فلا تنحره إلا بمنى ، وان كان عليك دم واجب وقلدته أو جللته أو أشعرته فلا تنحره الا يوم النحر بمنى».

وقال ابن البراج : «وكل من كان محرما بالحج وجب عليه جزاء صيد اصابه وأراد ذبحه أو نحره فليذبحه أو ينحره بمنى ، وإن كان معتمرا فعل ذلك بمكة أي موضع شاء منها ، والأفضل أن يكون فعله لذلك بالجزورة ،


مقابل الكعبة ، وما يجب على المحرم بعمرة مفردة من كفارة ليست كفارة صيد فإنه يجوز له ذبحها أو نحرها بمنى».

وقال أبو الصلاح : «ويذبح وينحر من الفداء لما قتله من الصيد في إحرام المتعة أو العمرة المبتولة بمكة قبالة الكعبة وفي إحرام الحج بمنى».

وقال سلار : «كلما يجب من الفدية على المحرم بالحج فإنه يذبحه أو ينحره بمنى ، وإن كان محرما بالعمرة ذبح أو نحر بمكة».

وقال ابن إدريس : «لا يجوز أن يذبح الهدي الواجب في الحج والعمرة المتمتع بها إلى الحج إلا بمنى في يوم النحر أو بعده ، فان ذبح بمكة أو بغير منى لم يجز ، وما ليس بواجب جاز ذبحه أو نحره بمكة ، وإذا ساق هديا في الحج فلا يذبحه أيضا إلا بمنى. فان ساقه في العمرة المبتولة نحره بمكة قبالة الكعبة بالجزورة».

وقال في المختلف بعد نقل هذه الأقوال : «والذي رواه الشيخ في هذا الباب حديثان : (أحدهما) عن إبراهيم الكرخي (1) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) «في رجل قدم بهديه مكة في العشر ، فقال : إن كان هديا واجبا فلا ينحره إلا بمنى ، وإن كان ليس بواجب فلينحره بمكة إن شاء ، وإن كان قد أشعره أو قلده فلا ينحره إلا يوم الأضحى». و (الثاني) رواية معاوية بن عمار (2) في الحسن قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام): إن أهل مكة أنكروا عليك أنك ذبحت هديك في منزلك ، فقال : إن مكة كلها منحر». قال الشيخ : الوجه في الحديث الحمل على الهدي المستحب فإنه يجوز ذبحه بمكة» انتهى.

__________________

(1 و 2) الوسائل ـ الباب ـ 4 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 1 ـ 2.


أقول : أما الكلام في غير الهدي من فداء الصيد ونحوه فقد تقدم تحقيق البحث فيه مستوفى في بعض مسائل البحث الخامس في اللواحق بأحكام الصيد (1) وأما الهدي الذي نحن الآن بصدد البحث عنه فالظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) في أن ما وجب منه في الحج يجب ذبحه بمنى.

قال في المدارك بعد قول المصنف : «ويجب ذبحه في منى» : «هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، وأسنده العلامة في التذكرة إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه» ثم نقل عنه الاستدلال على ذلك بأدلة أظهرها رواية إبراهيم الكرخي (2) المتقدمة.

ثم قال : «ويدل عليه أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن منصور بن حازم (3) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) «في الرجل يضل هديه فيجده رجل آخر فينحره ، قال : إن كان نحره بمنى فقد أجزأ عن صاحبه الذي ضل عنه ، وإن كان نحره في غير منى لم يجز عن صاحبه». ـ قال ـ : وإذا لم يجز المذبوح في غير منى عن صاحبه مع الضرورة فمع الاختيار أولى ـ ثم قال ـ : ولا ينافي ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (4)».

ثم أورد الرواية المتقدمة في كلام العلامة ، ثم ذكر جواب الشيخ

__________________

(1) راجع ج 15 ص 328 ـ 339.

(2) الوسائل ـ الباب ـ 4 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 1.

(3) الوسائل ـ الباب ـ 28 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 2.

(4) الوسائل ـ الباب ـ 4 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 2.


المتقدم ، ونقل عن الشيخ في التهذيب أنه قال : «إن هذا الخبر مجمل ، والخبر الأول ـ يعني خبر الكرخي المتقدم ـ مفصل ، فيكون الحكم به أولى».

أقول : ما ذكره الشيخ (ره) وتبعه عليه الجماعة وإن احتمل إلا أن الظاهر حمل الخبر المذكور على العمرة لا الحج ، وهدي العمرة محله مكة بلا إشكال.

والذي يدل على ذلك ما رواه الشيخ في الموثق عن إسحاق بن عمار (1) «أن عباد البصري جاء إلى أبي عبد الله (عليه‌السلام) وقد دخل مكة بعمرة مبتولة وأهدى هديا فأمر به فنحر في منزله ، فقال له عباد : نحرت الهدي في منزلك وتركت أن تنحره بفناء الكعبة وأنت رجل يؤخذ منك فقال له : ألم تعلم أن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نحر هديه بمنى وأمر الناس فنحروا في منازلهم؟ وكان ذلك موسعا عليهم ، فكذلك هو موسع على من ينحر الهدي بمكة في منزله إذا كان معتمرا». على أنه لو كان الخبر صريحا في الهدي الواجب في الحج لوجب حمله على التقية ، لأن القول بجواز نحره في مكة مذهب جمهور الجمهور ، فإنهم لم يوجبوا الذبح في منى.

قال في المنتهى : «نحر هدي المتمتع يجب بمنى ، ذهب إليه علماؤنا ، وقال أكثر الجمهور : إنه مستحب ، والواجب نحره بالحرم ، وقال بعض الشافعية : لو ذبحه في الحل وفرقه في الحرم أجزأ».

هذا والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بالمقام والداخلة في سلك

__________________

(1) الوسائل ـ الباب ـ 52 ـ من أبواب كفارات الصيد ـ الحديث 1.


هذا النظام زيادة على ما ذكر ما رواه الشيخ في الصحيح عن مسمع (1) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «إذا دخل بهديه في العشر فان كان أشعره أو قلده فلا ينحره إلا يوم النحر ، وإن كان لم يقلده ولم يشعره فلينحره بمكة إذا قدم في العشر».

وعن عبد الأعلى (2) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام): لا هدي إلا من الإبل ، ولا ذبح إلا بمنى».

أقول : تخصيص الهدي بالإبل محمول على الفضل والاستحباب مثل : «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» (3).

وروى الكليني والشيخ في الموثق عن شعيب العقرقوفي (4) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : سقت في العمرة بدنة فأين أنحرها؟ قال : بمكة ، قلت : أي شي‌ء أعطي منها؟ قال : كل ثلثا واهد ثلثا وتصدق بثلث».

وروى الكليني عن معاوية بن عمار (5) في الصحيح قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : من ساق هديا في عمرة فلينحره قبل أن يحلق ومن ساق هديا وهو معتمر نحر هديه بالمنحر ، وهو بين الصفا والمروة ، وهي الجزورة ، قال : وسألته عن كفارة المعتمر أين تكون؟ قال : بمكة إلا أن يؤخرها إلى الحج فتكون بمنى ، وتعجيلها أفضل وأحب إلي». ورواه الصدوق مرسلا إلى قوله : «وهي الجزورة».

__________________

(1 و 2 و 4 و 5) الوسائل ـ الباب ـ 4 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 5 ـ 6 ـ 3 ـ 4.

(3) الوسائل ـ الباب ـ 2 ـ من أبواب أحكام المساجد ـ الحديث 1 ـ من كتاب الصلاة.


وروى الشيخ في الحسن عن مسمع (1) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «منى كلها منحر ، وأفضل المنحر كله المسجد».

وقال في كتاب الفقه الرضوي (2) : «وكل ما أتيته من الصيد في عمرة أو متعة فعليك أن تذبح أو تنحر ما لزمك من الجزاء بمكة عند الجزورة قبالة الكعبة موضع النحر ، وإن شئت أخرته إلى أيام التشريق ، فتنحره بمنى ، وقد روي ذلك أيضا ، وإذا وجبت عليك في متعة ، وما أتيته مما يجب عليك الجزاء في حج فلا تنحره إلا بمنى ، فان كان عليك دم واجب قلدته أو جللته أو أشعرته فلا تنحره إلا في يوم النحر بمنى».

ومن هذه العبارة أخذ علي بن الحسين بن بابويه عبارة رسالته المتقدمة على العادة المعروفة والطريقة المألوفة.

والمستفاد من هذه الاخبار وضم بعضها إلى بعض ـ وبه يحصل التوفيق بين ما ربما يتوهم منه المخالفة ـ أن هدي الحج الواجب لا ينحر أو يذبح إلا بمنى ، وكذا ما أشعر وقلد وجوبا أو استحبابا ، والهدي المستحب يجوز نحره بمكة رخصة ، وهدي العمرة نحره بمكة واجبا كان أو مستحبا وأن مكة كلها منحر وإن كان أفضلها الجزورة ، ومنى كلها منحر وإن كان أفضلها حوالي المسجد».

ثم إنه من المحتمل قريبا أن قوله (عليه‌السلام) في كتاب الفقه :

__________________

(1) الوسائل ـ الباب ـ 4 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 7.

(2) البحار ـ ج 99 ص 289 وذكر ذيله في المستدرك ـ الباب ـ 3 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 1.


«وقد روي ذلك أيضا» إشارة إلى الزيادة التي في صحيحة معاوية بن عمار (1) برواية الكليني ، أعني قوله : قال : «وسألته عن كفارة المعتمر أين تكون؟». الى آخره ، والله العالم.

السابعة :

اختلف الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) فيما لو ضل هديه فذبحه عنه غيره ، فقيل بعدم إجزائه عنه ، وذلك بأنه لم يتعين بالشراء للذبح ، وإنما يتعين بالنية ، فلا تقع من غير المالك أو وكيله ، وبه صرح المحقق في الشرائع ، ونسبه شيخنا الشهيد الثاني في المسالك إلى المشهور.

وقيل باجزائه عنه ، وهو الذي افتى به العلامة في المنتهى من غير نقل خلاف في ذلك ، واختاره الشهيد في الدروس وشيخنا المشار إليه في المسالك وسبطه في المدارك ، ونقله أيضا عن الشيخ وجمع من الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم).

وهو الأصح لما تقدم سابق هذه المسألة من صحيحة منصور بن حازم (2) وصحيحة محمد بن مسلم (3) عن أحدهما (عليهما‌السلام) قال : «إذا وجد الرجل هديا ضالا فليعرفه يوم النحر واليوم الثاني والثالث ثم ليذبحها عن صاحبها عشية الثالث».

__________________

(1) الوسائل ـ الباب ـ 4 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 4.

(2 و 3) الوسائل ـ الباب ـ 28 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 2 ـ 1.


وروى الصدوق (رحمه‌الله) في الصحيح عن معاوية بن عمار (1) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «إذا أصاب الرجل بدنة ضالة فلينحرها ويعلم أنها بدنة».

ولو ذبحها الواجد عن نفسه لم تجز عن واحد منهما اتفاقا ، أما الواجد فلكونه غاصبا متعديا ، وأما عن صاحبها فلعدم نيته وقصده حال الذبح.

ومثله الحكم فيما لو اشترى هديا فنحره ثم ظهر له مالك ، فإنه لا يجزئ عن واحد منهما.

وعليه يدل ما رواه في الكافي عن جميل عن بعض أصحابه (2) عن أحدهما (عليهما‌السلام) «في رجل اشترى هديا فنحره ، فمر بها رجل فعرفها ، فقال : هذه بدنتي ضلت مني بالأمس وشهد له رجلان بذلك ، فقال : له لحمها ولا تجزئ عن واحد منهما ـ ثم قال ـ : ولذلك جرت السنة بإشعارها وتقليدها».

أقول : وبذلك صرح الشيخ في التهذيب أيضا ، فقال : «ومن اشترى هديا فذبحه فمر به رجل فعرفه فقال : هذا هديي ضل منى فأقام بذلك شاهدين فان له لحمه ، ولا يجزئ عن واحد منهما» ثم استدل بالخبر المذكور.

بقي الكلام فيما دلت عليه صحيحة محمد بن مسلم (3) من الأمر بالتعريف الأيام المذكورة هل هو على جهة الوجوب أو الاستحباب؟ ظاهر

__________________

(1) الوسائل ـ الباب ـ 28 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 4.

(2) الوسائل ـ الباب ـ 33 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 1.

(3) الوسائل ـ الباب ـ 28 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 1.


عبارة العلامة في المنتهى الثاني ، حيث قال : «ينبغي لواجد الهدي الضال أن يعرفه ثلاثة أيام ، فإن عرفه صاحبه والا ذبحه عنه» ثم أورد صحيحة محمد بن مسلم.

وقال في المسالك : «إنه لم يصرح أحد بالوجوب» ، وفي الدروس «أنه مستحب ، ولعل عدم الوجوب لاجزائه عن مالكه فلا يحصل بترك التعريف ضرر عليه ، ويشكل بوجوب ذبح عوضه عليه ما لم يعلم بذبحه ، ويمكن أن يقال بعدم الوجوب قبل الذبح ، لكن يجب بعده ليعلم المالك فيترك الذبح ثانيا أخذا بالجهتين» انتهى.

أقول : ما ذكره (قدس‌سره) أخيرا بقوله : «ويمكن» إلى آخره جيد بالنسبة إلى الخروج عن الإشكال الذي ذكره من عدم تصريح أحد بالوجوب ، وبيان الوجه فيه وما يرد عليه من الاشكال المذكور ، لكن فيه خروج عن النص المذكور ، حيث إنه (عليه‌السلام) أمر بالتعريف قبل الذبح ، وأنه يؤخر الذبح إلى عشية الثالث بعد التعريف في تلك المدة ، فكيف يتم القول بالوجوب بعد ، ولا مستند له؟! إذ الرواية إنما تضمنت الأمر بالتعريف قبل الذبح ، فان قيل بها لم يتم ما ذكره ، وإن عدل عنها فلا مستند له.

وبالجملة فعدم وجود القائل بالوجوب لا يمنع من القول به إذا اقتضاه الدليل من غير معارض في البين.

على أن المفهوم من كلام سبطه في المدارك أن القول بالوجوب ظاهر الشيخ في النهاية ، واليه يميل كلامه في الكتاب المذكور ، حيث قال : «ولا يبعد وجوب التعريف ، كما هو ظاهر اختيار الشيخ في النهاية عملا بظاهر الأمر» انتهى.


وكيف كان فلا ريب أن الاحتياط يقتضيه.

ثم إنه قال في المدارك على أثر الكلام المذكور : «ولو قلنا بجواز الذبح قبل التعريف لم يبعد وجوبه بعده ليعلم المالك ، فيترك الذبح ثانيا».

أقول : قد تبع جده (قدس الله روحيهما) فيما قدمنا نقله عنه في المقام ، وفيه ما عرفت آنفا ، ونزيده هنا بأن نقول : إن ما ذكره من العلة لا تصلح لأن تكون مستندا للوجوب الذي هو حكم شرعي يترتب على الإخلال به الإثم والعقوبة ، فهو يتوقف على الدليل الشرعي والنص القطعي المنحصر عندنا في الكتاب العزيز والسنة النبوية ، والركون إلى تعليل الأحكام الشرعية وبنائها على مثل هذه التعليلات العليلة مجازفة ظاهرة ، والنص المذكور كما عرفت لا ينطبق على هذا القول.

قال في المسالك : «ثم إنه على تقدير الاجزاء لا إشكال في وجوب الصدقة والإهداء ، أما الأكل فهل يقوم الواجد مقام المالك فيجب عليه أن يأكل منه أم يسقط؟ فيه نظر ، ولعل السقوط أوجه».

وجزم سبطه في المدارك ـ بعد أن استظهر وجوب الصدقة والإهداء ـ بسقوط وجوب الأكل قطعا ، قال : «لتعلقه بالمالك».

أقول : ما ذكراه (نور الله تعالى مرقديهما) من وجوب الصدقة والإهداء لا يخلو عندي من توقف وإشكال ، لأن غاية ما دلت عليه الاخبار المتقدمة هو الذبح عنه خاصة ، والاخبار الدالة على الصدقة والإهداء والأكل (1) إنما وردت بالنسبة إلى المالك إذا ذبحه ، فإنه يجب عليه أن يقسمه أثلاثا على الوجه المذكور ، وبعين ما قالوه في عدم وجوب الأكل

__________________

(1) الوسائل ـ الباب ـ 40 ـ من أبواب الذبح.


على الواجد من أن الآمر بالأكل إنما تعلق بالمالك يجري في الفردين الآخرين ، فإن الأمر بالصدقة والإهداء إنما تعلق في الاخبار الدالة عليهما بالمالك ، ولا بعد في جواز الاكتفاء به عن صاحبه بمجرد الذبح نيابة عنه إذا اقتضاه الدليل بإطلاقه ، وتقييده يحتاج إلى دليل ، وليس إلا الأخبار التي موردها المالك ، وهي لا تصلح للتقييد.

وبالجملة فإن مقتضى إطلاق النصوص المتقدمة الاكتفاء بمجرد الذبح عنه وإن كان ما ذكره أحوط ، والله العالم.

الثامنة :

اختلف الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) في كيفية قسمة الهدي ، وهل هي على جهة الوجوب أو الاستحباب؟ فقال الشيخ (رحمه‌الله) : «من السنة أن يأكل من هديه لمتعته ، ويطعم القانع والمعتر ثلثه ، ويهدي للأصدقاء ثلثه».

وقال أبو الصلاح : «والسنة أن يأكل بعضها ويطعم الباقي».

وقال ابن البراج : «وينبغي أن يقسم ذلك ثلاثة أقسام ، فيأكل أحدها إلا أن يكون الهدي لنذر أو كفارة ، ويهدي قسما آخر ، ويتصدق بالثالث».

قال في المختلف بعد نقل ذلك : «وهذه العبارات توهم الاستحباب».

وقال ابن أبي عقيل : «ثم انحر واذبح وكل وأطعم وتصدق».

وقال ابن إدريس : «وأما هدي المتمتع والقارن فالواجب أن يأكل


منه ولو قليلا ، ويتصدق على القانع والمعتر ولو قليلا للآية (1) وهو قوله تعالى (فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ)».

قال في المختلف بعد نقله : «وهو الأقرب للأمر ، وأصل الأمر للوجوب ، وما رواه معاوية بن عمار (2) عن الصادق (عليه‌السلام) قال : «إذا ذبحت أو نحرت فكل وأطعم ، كما قال الله تعالى (فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ». ـ ثم نقل حجة الآخرين بأن الأصل عدم الوجوب ، وأجاب ـ بأنه لا دلالة للأصل مع وجود الأمر».

قال في المنتهى : «ينبغي أن يقسم أثلاثا : يأكل ثلثه ويهدي ثلثه ويتصدق على الفقراء بثلثه ، وهذا على جهة الاستحباب ـ ثم قال : ـ قال بعض علمائنا بوجوب الأكل ، وقال آخرون باستحبابه ، والأول أقوى للآية».

وظاهر كلامه في المختلف هو اختيار مذهب ابن إدريس في وجوب الأكل ولو قليلا والصدقة ولو قليلا ، وأما الإهداء فلم يتعرضا له ، وفي المنتهى وجوب الأكل خاصة للآية ، ويلزمه وجوب الصدقة ايضا للاية ، وعلى كل من القولين فالقسمة أثلاثا إنما هو على جهة الاستحباب ، وبه صرح أيضا في الإرشاد.

وقال الصدوق (رحمه‌الله) في من لا يحضره الفقيه : «ثم كل وتصدق واطعم وأهد إلى من شئت ، ثم احلق رأسك» وهو مطلق في القدر وفي كونه وجوبا أو استحبابا.

وقال الشهيد (رحمه‌الله) في الدروس : «ويجب أن يصرفه في الصدقة

__________________

(1) سورة الحج : 22 ـ الآية 36.

(2) الوسائل ـ الباب ـ 40 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 1.


والإهداء والأكل ، وظاهر الأصحاب الاستحباب».

والظاهر أن مراده من هذه العبارة هو وجوب قسمته أثلاثا ، لكل من هذه المذكورات ثلث ، ليحصل به صرف الهدي فيها. وقد عرفت أن أكثر الأقوال المتقدمة أن ذلك على جهة الاستحباب كما ذكره قدس‌سره.

وأما ما ذكره في المدارك بعد نقل صدر عبارته ـ من أنه لم يعين للصدقة والإهداء قدرا ـ فهو وإن كان كذلك ، لكن قوله بعد هذه العبارة : «وظاهر الأصحاب الاستحباب» ينبه على أن المراد قسمته أثلاثا ، لأن هذا هو الذي صرحوا باستحبابه ، كما عرفت من عبارتي الشيخ والعلامة في المنتهى وغيرهما.

وقال المحقق في الشرائع : «ويستحب أن يقسمه أثلاثا : يأكل ثلثه ، ويتصدق بثلثه ، ويهدي ثلثه ، وقيل : يجب الأكل منه ، وهو الأظهر».

وقال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك بعد نقل العبارة المذكورة : «بل الأصح وجوب الأمور الثلاثة والاكتفاء بمسمى الأكل وإهداء الثلث والصدقة بالثلث».

وهو يرجع إلى ظاهر عبارة شيخنا الشهيد في الدروس كما عرفت.

وظاهر كلام المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد أن هذا هو المشهور بين المتأخرين ، حيث إنه بعد أن نقل قول الشيخ المتقدم قال : «ظاهره الاستحباب ، والمشهور بين المتأخرين وجوب القسمة أثلاثا ، ووجوب ما يصدق عليه الأكل من الثلث ، ووجوب التصدق بالثلث على الفقير المؤمن المستحق للزكاة ، والهدية بالثلث الآخر إلى المؤمن ـ ثم قال ـ : واستفادة ذلك كله من الدليل مشكل».


وقال السيد السند في المدارك : «والمعتمد وجوب الأكل منه والإطعام» واستند إلى الآية (1) المتقدمة وإلى رواية معاوية بن عمار (2) الآتية ، وهو يرجع إلى مذهب ابن إدريس والعلامة في المختلف.

أقول : والذي وقفت عليه من الأدلة المتعلقة بالمسألة الآية المتقدمة ، وهي قوله عزوجل (3) «فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ» وقوله عزوجل (4) : «وَأَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ ـ إلى قوله ـ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ ، فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن سيف التمار (5) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : إن سعد بن عبد الملك قدم حاجا فلقي أبي ، فقال : إني سقت هديا فكيف اصنع؟ فقال له أبي : أطعم أهلك ثلثا ، واطعم القانع والمعتر ثلثا ، واطعم المساكين ثلثا ، فقال : المساكين : هم السؤال؟ فقال : نعم ، وقال : القانع : هو الذي يقنع بما أرسلت إليه من البضعة فما فوقها ، والمعتر ينبغي له أكثر من ذلك : هو اغنى من القانع يعتريك فلا يسألك».

وما رواه في الكافي عن أبي الصباح الكناني (6) قال : «سألت أبا عبد الله

__________________

(1 و 3) سورة الحج : 22 ـ الآية 36.

(2) الوسائل ـ الباب ـ 40 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 1.

(4) سورة الحج : 22 ـ الآية 27 و 28.

(5) الوسائل ـ الباب ـ 40 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 3.

(6) الوسائل ـ الباب ـ 40 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 13.


(عليه‌السلام) عن لحوم الأضاحي ، فقال : كان علي بن الحسين (عليهما‌السلام). ورواه الصدوق (رحمه‌الله) مرسلا (1) فقال : كان علي بن الحسين ـ وأبو جعفر (عليهما‌السلام) يتصدقان بثلث : على جيرانهم وثلث يمسكانه لأهل البيت».

ورواه الصدوق (رحمه‌الله) في كتاب العلل بسنده عن أبي جميلة (2) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) مثله ، إلا أنه قال : «بثلث على جيرانهما وثلث على المساكين».

وموثقة شعيب العقرقوفي (3) المتقدمة في المسألة السادسة ، وفيها «كل ثلثا ، واهد ثلثا ، وتصدق بثلث».

وما رواه الشيخ عن معاوية بن عمار (4) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «إذا ذبحت أو نحرت فكل واطعم ، كما قال الله تعالى (5) «فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ» فقال : القانع : الذي يقنع بما أعطيته ، والمعتر : الذي يعتريك ، والسائل : الذي يسألك في يديه ، والبائس : الفقير».

وما رواه في الكافي عن معاوية بن عمار (6) في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) «في قول الله عزوجل «فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ» قال : القانع : الذي يقنع بما أعطيته ، والمعتر : الذي يعتريك ، والسائل : الذي يسألك في يديه ، والبائس :

__________________

(1 و 2) الوسائل ـ الباب ـ 40 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 13.

(3 و 4 و 6) الوسائل ـ الباب ـ 40 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 18.

(5) سورة الحج : 22 ـ الآية 36.


هو الفقير».

ورواه الصدوق (رحمه‌الله) مرسلا (1) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) إلى قوله : «الذي يعتريك».

وقال في كتاب الفقه الرضوي (2) : «وإذا نحرت أضحيتك أكلت منها وتصدقت بالباقي».

أقول : لا يخفى ما في أدلة المسألة من الاشكال وعدم الانطباق على شي‌ء من الأقوال إلا بمزيد تكلف في الاحتمال ، ومعظم إشكال المسألة من حيث التثليث وأن أحد الأثلاث يعطى هدية ، وإلا فالأكل والصدقة في الجملة مما لا إشكال فيه ، لدلالة الآية والروايات على ذلك.

والظاهر أن بناء القول المشهور بين المتأخرين على رواية أبي الصباح الكناني (3) بحمل الصدقة على الجيران على الهدية ، وحمل الأضحية فيها على الهدي الواجب ، لإطلاق ذلك عليه في الأخبار (4) وموثقة (5) شعيب العقرقوفي (6) المتقدمة.

إلا أنه قد أورد على هذه الرواية أن موردها هدي السياق في العمرة ،

__________________

(1) الفقيه ج 2 ص 294 ـ الرقم 1456.

(2) المستدرك ـ الباب ـ 35 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 13.

(3) الوسائل ـ الباب ـ 40 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 13.

(4) الوسائل ـ الباب ـ 1 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 3 و 11 والباب ـ 39 ـ منها ـ الحديث 7 والباب ـ 40 ـ منها ـ الحديث 9 و 15.

(5) عطف على قوله (قده) «رواية أبي الصباح الكناني».

(6) الوسائل ـ الباب ـ 40 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 18.


فلا يمكن التعلق بها في هدي حج التمتع ، لجواز الافتراق بينهما ، كما افترقا في موضع الذبح.

وفيه أن ظاهر كلامهم أن محل الخلاف في المسألة هو الهدي الواجب في عمرة أو حج بلا فرق بينهما.

وصحيحة (1) سيف التمار (2) المتقدمة حيث تضمنت التثليث أيضا ، وإن خالفت الروايتين المذكورتين في ثلث الهدية باعتبار التصدق به في هذه الرواية ، ويمكن الجمع بينهما في ذلك باعتبار التخيير في ثلث الهدية بين أن يهديه أو يتصدق به على هؤلاء المذكورين في هذا الخبر.

وكأنه لما في هذه الاخبار من التفصيل حملوا عليها إجمال الآية والاخبار الباقية ، لأن غايتها أنها بالنسبة إلى الهدية وإلى كيفية القسمة مطلقة ، فيقيد إطلاقها بهذا التفصيل.

وأما القول بأن الواجب هو الأكل والصدقة ولو بقليل فهو ظاهر الآيتين (3) المتقدمتين وظاهر خبر معاوية بن عمار (4) وظاهر عبارة كتاب الفقه (5) وبذلك تمسك هذا القائل ، وحمل ما زاد في تلك الاخبار من اعتبار التثليث والهدية بالثلث على الاستحباب جمعا ، والأول أوفق بالقواعد الشرعية ، كما أشرنا إليه في غير موضع مما تقدم.

وأما ما ذكره في المدارك ـ من الاستدلال للقائلين بوجوب إهداء الثلث

__________________

(1) عطف على قوله (قده) : «رواية أبي الصباح الكناني».

(2 و 4) الوسائل ـ الباب ـ 40 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 3.

(3) سورة الحج : 22 ـ الآية 28 و 36.

(5) المستدرك ـ الباب ـ 35 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 13.


والصدقة بالثلث بصحيحة سيف التمار (1) ثم اعترض عليها بما هو مذكور ثمة ـ فليس في محله ، كيف والرواية المذكورة لا تعرض فيها للهدية ، بل دليل القول المذكور إنما هو موثقة شعيب (2) ورواية أبي الصباح (3) بالتقريب المذكور فيهما ، كما لا يخفى.

وأما ما ذكره بعد الطعن في رواية معاوية بن عمار (4) ـ بعد أن استدل بها على ما ذهب إليه كما قدمنا نقله عنه ـ بأن في طريقها النخعي ، وهو مشترك بين الثقة والضعيف ، ثم قال : وقد روى الكليني نحو هذه الرواية في الصحيح عن معاوية بن عمار (5) ثم ساق الصحيحة المتقدمة (6).

ثم إنه بعد أن اعترض على صحيحة سيف التمار (7) ـ وأجاب عنها أولا بأن هذه الرواية إنما دلت على اعتبار القسمة كذلك في هدي السياق لا في هدي التمتع الذي هو محل النزاع ـ قال : «وثانيا أنها معارضة بروايتي معاوية بن عمار المتقدمتين الدالتين بظاهرهما على عدم وجوب القسمة كذلك ، فتحمل هذه على الاستحباب».

وظاهر كلامه (قدس‌سره) أن الصحيحة المذكورة في معنى روايته الاولى وأنهما دالتان على ما ذكره من عدم وجوب القسمة كذلك.

ولا يخفى ما فيه ، فان غاية ما دلت عليه الصحيحة المذكورة هو تفسير القانع والمعتر خاصة من غير تعرض فيها لحكم المسألة نفيا أو إثباتا ، بخلاف الرواية الأولى ، حيث قال فيها : «إذا ذبحت أو نحرت فكل وأطعم ، كما قال الله تعالى» الى آخرها.

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 7) الوسائل ـ الباب ـ 40 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 3 ـ 18 ـ 13 ـ 1 ـ 14 ـ 3.

(6) هكذا في النسخ المخطوطة الأربعة التي راجعتها ، ولكن في العبارة ـ من قوله : «وأما ما ذكره بعد الطعن» إلى «الصحيحة المتقدمة» ـ نقص وتشويش.


وحينئذ فحمل الصحيحة المذكورة على الرواية المشار إليها ودعوى أن مدلولهما واحد كما توهمه عجيب منه (قدس‌سره) نعم ذلك مدلول الآية التي فيها لا الرواية ، ولعله من هنا حصل الاشتباه والالتباس.

وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال وإن كان القول المشهور بين المتأخرين لا يخلو من قرب ، ولا ريب أنه أقرب إلى الاحتياط.

وأما القول باستحباب الأكل فهو أضعف الأقوال ، لما فيه من طرح الآية والاخبار ، وظاهر الشيخ أبي علي الطبرسي في تفسير مجمع البيان حمل الأمر بالأكل في الآية على الاستحباب ، حيث قال : «(فَكُلُوا مِنْها) : أي من بهيمة الانعام ، وهذه إباحة وندب ، وليس بواجب».

وهو مشكل سيما مع انضمام الاخبار إليها وأمره (عليه‌السلام) في رواية معاوية بن عمار (1) بالأكل والإطعام واستدل بالآية المذكورة.

وفي رواية علي بن أسباط عن مولى لأبي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «رأيت أبا الحسن الأول (عليه‌السلام) دعا ببدنة فنحرها ، فلما ضرب الجزار عراقيبها فوقعت على الأرض وكشفوا شيئا من سنامها قال : اقطعوا فكلوا منها وأطعموا ، فإن الله عزوجل يقول (3) (فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا)» ،. والله العالم.

__________________

(1 و 2) الوسائل ـ الباب ـ 40 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 1 ـ 20.

(3) سورة الحج : 22 ـ الآية 36.


فائدة :

قد دلت إحدى الآيتين المتقدمتين على أن الواجب إطعام البائس الفقير والأخرى إطعام القانع والمعتر.

والبائس على ما ذكره في كتاب مجمع البيان : الذي ظهر عليه أثر البؤس من الجوع والعرى ، قال : «وقيل : البائس : الذي يمد يده بالسؤال ويتكلف للطلب».

وفسره في صحيحة معاوية بن عمار (1) المتقدمة بالفقير ، وفسر القانع فيها بالذي يقنع بما أعطيته ، والمعتر الذي يعتريك.

وفي رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله البصري (2) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) في تفسير الآية المذكورة قال : «القانع : الذي يرضى بما أعطيته ، ولا يسخط ولا يكلح ولا يلوي شدقه غضبا ، والمعتر المار بك لتطعمه».

والمفهوم من الخبرين المذكورين أن القانع الذي يرضى بما أعطيته سأل أو لم يسأل ، والمعتر هو الذي يعتريك ويمرّ بك للتعرض لما تعطيه من غير أن يسألك ، رضي بما أعطيته أو سخط ، وحينئذ فبينهما عموم وخصوص من وجه.

وفي صحيحة سيف التمار (3) المتقدمة أنه أغنى من القانع.

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل ـ الباب ـ 40 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 1 ـ 12 ـ 3.


وأما البائس فالظاهر أنه اجهد منهما ، ولعل تفسيره في الخبر المذكور بالفقير يعني بالظاهر الفقير ، ليرجع إلى ما ذكره في كتاب مجمع البيان.

وعلى كل تقدير فينبغي أن تقيد آية القانع والمعتر بآية البائس الفقير ، ليندفع التنافي بين ظاهر الآيتين.

وعلى هذا فيختص الدفع بالمسكين الذي هو أجهد من الفقير ، إلا أن الأصحاب قاطعون بكون مصرف هذه الصدقة كغيرها من المواضع الفقير بقول مطلق.

وكيف كان فيجب تقييده بالمؤمن ، كما عليه ظاهر اتفاق كلمة الأصحاب.

وأما ما ورد في رواية هارون بن خارجة (1) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) «أن علي بن الحسين (عليهما‌السلام) كان يطعم من ذبيحته الحرورية قلت : وهو يعلم أنهم حرورية قال : نعم». فهو محمول على الهدي المستحب كما ذكره بعض الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) وحمله في الوافي على أنه لتأليف قلوبهم.

وقد روى في الكافي في الصحيح عن عبد الله بن سنان (2) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) «أنه كره أن يطعم المشرك من لحوم الأضاحي». والظاهر أن الكراهة هنا بمعنى التحريم.

__________________

(1 و 2) الوسائل ـ الباب ـ 40 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 8 ـ 9.


التاسعة :

قال في المنتهى : «ولا يجوز له الأكل من كل واجب غير هدي التمتع ، ذهب إليه علماؤنا أجمع» ثم نقل أقوال العامة وخلافهم.

أقول : ويجب أن يعلم أن هدي السياق وإن وجب بالاشعار والتقليد في عقد الحج به ووجب ذبحه إلا أنه متطوع به بحسب الأصل ، فهو داخل في هدي التطوع الذي يجوز الأكل منه بلا خلاف ولا إشكال.

ويدل على ما ذكره في المنتهى من عدم جواز الأكل إلا من هدي التمتع روايات :

منها ما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن فداء الصيد يأكل صاحبه من لحمه؟ قال : يأكل من أضحيته ، ويتصدق بالفداء». ورواه الصدوق في الفقيه مرسلا (2).

وما رواه الشيخ عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله البصري (3) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته عن الهدي ما يؤكل منه؟ قال : كل هدي من نقصان الحج فلا تأكل منه ، وكل هدي من تمام الحج فكل».

__________________

(1) الوسائل ـ الباب ـ 40 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 15.

(2) أشار إليه في الوسائل ـ الباب ـ 40 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 15. وذكره في الفقيه ـ ج 2 ص 295 ـ الرقم 1460.

(3) الوسائل ـ الباب ـ 40 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 4 مع زيادة في الوسائل. وذكره بعينه في الاستبصار ج 2 ص 273 ـ الرقم 967.


وما رواه في الكافي عن أبي بصير (1) قال : «سألته عن رجل اهدى هديا فانكسر ، قال إن كان مضمونا ـ والمضمون ما كان في يمين ، يعني نذرا أو جزاء ـ فعليه فداؤه ، قلت : أيأكل منه؟ قال : لا ، إنما هو للمساكين ، فان لم يكن مضمونا فليس عليه شي‌ء ، قلت : يأكل منه ، قال : يأكل منه».

قال في الكافي : وروي (2) ايضا «أنه يأكل منه مضمونا كان أو غير مضمون». وقال الصدوق في من لا يحضره الفقيه : وفي رواية حماد عن حريز (3) في حديث يقول في آخره : «إن الهدي المضمون لا يأكل منه إذا عطب ، فإن أكل منه غرم».

وما رواه عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب الاسناد عن السندي بن محمد عن أبي البختري (4) عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) «إن علي بن أبي طالب (عليه‌السلام) كان يقول : لا يأكل المحرم من الفدية ولا الكفارات ولاجزاء الصيد ، ويأكل مما سوى ذلك».

وقد تقدم ما يدل على جواز الأكل بل وجوبه أو استحبابه من هدي التمتع من الآية (5) والروايات (6).

وقد ورد بإزاء هذه الاخبار ما يدل على جواز الأكل مما منعت منه.

فمن ذلك ما رواه الشيخ في الحسن عن عبد الله بن يحيى الكاهلي (7)

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل ـ الباب ـ 40 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 16 ـ 17 ـ 26 ـ 27.

(5) سورة الحج : 22 ـ الآية 36.

(6 و 7) الوسائل ـ الباب ـ 40 ـ من أبواب الذبح 0 ـ 6.


عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «يؤكل من الهدي كله مضمونا كان أو غير مضمون».

وعن جعفر بن بشير في الصحيح (1) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته عن البدن التي تكون جزاء الايمان والنساء ولغيره يؤكل منها؟ قال : نعم يؤكل من كل البدن».

وعن عبد الملك القمي (2) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «يؤكل من كل هدي نذرا كان أو جزاء».

والشيخ بعد ذكر الخبرين الأولين حملهما على حال الضرورة وألزم صاحبها فداءها مستدلا بما رواه عن السكوني (3) عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) قال : «إذا أكل الرجل من الهدي تطوعا فلا شي‌ء عليه ، وإن كان واجبا فعليه قيمة ما أكل».

أقول : ما دل عليه هذا الخبر من وجوب الفداء في الأكل من الهدي الواجب ينبغي حمله على هدي النقصان ، ليكون إيجاب القيمة تتمة للفداء للنقصان بأكله ، جمعا بين هذا الخبر وبين رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله البصري (4) المتقدمة.

قال في المدارك بعد إيراد خبري الكاهلي وجعفر بن بشير ونقل تأويل الشيخ لهما كما ذكرناه : «ولا بأس بالمصير إلى هذا الحمل وإن كان بعيدا ، لأن هاتين الروايتين لا يصلحان لمعارضة الإجماع والاخبار الكثيرة» انتهى.

أقول : لا يخفى ما في كلامه (قدس‌سره) من المجازفة والخروج عن

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل ـ الباب ـ 40 ـ من أبواب الذبح الحديث 7 ـ 10 ـ 5 ـ 4.


قاعدته المألوفة ، فإنه نقل الخبرين المذكورين بلفظ رواية فلان ولم يصفها بحسن ولا صحة ، مع أن الأولى كما عرفت حسنة والثانية صحيحة ، بل في أعلى مراتب الصحة ، والروايات الأولى كلها ضعيفة باصطلاحه ، ليس فيها إلا رواية الحلبي (1) التي هي عنده من قسم الحسن.

وحينئذ فالتعارض في الحقيقة بناء على قاعدته واصطلاحه وقع بين حسنة الحلبي وبين حسنة الكاهلي وصحيحة جعفر بن بشير ومقتضى قاعدته ترجيح الروايتين المذكورتين.

بقي الكلام في الإجماع ، وكلامه فيه كما تقدم مختبط كما في العمل بالروايات أيضا على ما عرفته في غير موضع مما تقدم.

ويظهر من المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد الميل الى العمل بخبري الكاهلي وجعفر بن بشير حيث طعن في روايات القول المشهور بالضعف ، وحمل حسنة الحلبي على الاستحباب ، وادعى التأييد بالأصل ، وعدم دليل صحيح صريح ، وأن الموجود في أكثر الأخبار وجوب الدم والبدنة من غير ذكر التصدق ، وقد مر في تلك الاخبار ما يدل على الأكل. انتهى.

أقول : ومن أخبار المسألة أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (2) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته عن رجل أهدى هديا فانكسرت ، فقال : إن كانت مضمونة فعليه مكانها ، والمضمون ما كان نذرا أو جزاء أو يمينا ، وله أن يأكل منها ، فان لم تكن مضمونة فليس عليه شي‌ء».

وهذا الخبر مما يؤيد خبر الكاهلي وجعفر بن بشير ، وقد تقدم في خبر

__________________

(1) الوسائل ـ الباب ـ 40 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 15.

(2) الوسائل ـ الباب ـ 25 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 2.


أبي بصير (1) أن المضمون لا يجوز الأكل منه وإنما هو للمساكين ، وفي هذه الصحيحة جواز الأكل منه.

والشيخ (رحمه‌الله) حمل الصحيحة المذكورة على كون الهدي تطوعا ، قال ، قوله (عليه‌السلام) : «وله أن يأكل منها» محمول على ما إذا كان تطوعا دون ان يكون واجبا ، لأن ما يكون واجبا لا يجوز الأكل منه.

واعترضه المحقق الشيخ حسن في المنتقى بأنه غير مستقيم قال : «لأن فرض التطوع مذكور في آخر الحديث ، والكلام المأول سابق عليه مرتبط بما فرض فيه الوجوب فكيف يحمل على التطوع؟ والوجه حمله على كون الهدي الواجب غير متعين ولو بالإشعار ، فإنه بالتعيب يجب إبداله كما هو صريح صدر الخبر ، وله التصرف في المتعيب ولو بالبيع ، كما يفيده خبر الحلبي (2) المتضمن لحكم ضلال الهدي ، فيجوز له الأكل منه بتقدير ذبحه له» انتهى.

وهو جيد إلا أنه معارض بخبر أبي بصير (3) المتقدم ورواية حريز (4) المتقدمة المنقولة من الفقيه.

وكيف كان فالأظهر عندي هو القول المجمع عليه بين أصحابنا (رضوان الله تعالى عليهم) عملا بالأخبار المتقدمة المعتضدة بإجماعهم.

وأما الاخبار المنافية من صحيحة جعفر بن بشير وحسنة الكاهلي ورواية عبد الملك القمي فالأظهر حملها على التقية ، فإن الجمهور وإن اختلفوا في

__________________

(1 و 3) الوسائل ـ الباب ـ 40 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 16.

(2) الوسائل ـ الباب ـ 27 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 1.

(4) الوسائل ـ الباب ـ 40 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 26.


المسألة أيضا إلا أن جمعا منهم قائلون بجواز الأكل مما عدا هدي التمتع.

على أن الحمل على التقية عندي لا يشترط فيه وجود القول به منهم ، لما تقدم تحقيقه في مقدمات الكتاب (1) وغيرها ، ويؤيده موافقته الاحتياط أيضا.

ومما يدل على جواز الأكل من الهدي ما تقدم في رواية السكوني (2) بل قال في المنتهى : «هدي التطوع يستحب الأكل منه بلا خلاف ، لقوله تعالى (3) «فَكُلُوا مِنْها» وأقل مراتب الأمر الاستحباب ، ولأن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وعليا (عليه‌السلام) أكلا من بدنهما كما ورد في عدة من الأخبار (4)».

العاشرة :

المفهوم من كلام أكثر الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) أنه لا يجوز إخراج شي‌ء من لحم الهدي الواجب عن منى ، بل يجب صرفه فيها في المصارف الموظفة.

أقول : والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بالهدي ليس إلا صحيحة معاوية بن عمار (5) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام):

__________________

(1) راجع ج 1 ص 5 ـ 8.

(2) الوسائل ـ الباب ـ 40 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 5.

(3) سورة الحج : 22 ـ الآية 36.

(4) الوسائل ـ الباب ـ 40 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 2 و 11 و 21.

(5) الوسائل ـ الباب ـ 42 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 2.


لا تخرجن شيئا من لحم الهدي».

وموثقة إسحاق بن عمار (1) عن أبي إبراهيم (عليه‌السلام) قال : «سألته عن الهدي أيخرج شي‌ء منه من الحرم؟ فقال : بالجلد والسنام والشي‌ء ينتفع به قلت : انه بلغنا عن أبيك أنه قال : لا يخرج من الهدي المضمون شيئا ، قال : بل يخرج بالشي‌ء ينتفع به ـ وزاد فيه أحمد ـ ولا يخرج بشي‌ء من اللحم من الحرم». أقول : وأحمد هو أحد رواة الحديث عن حماد عن إسحاق.

والظاهر أنه لا ريب في التحريم بنا على وجوب قسمته أثلاثا ووجوب التصدق بثلث وإهدا ثلث وأن يأكل ويطعم عياله ثلثا.

وأما على القول باستحباب ذلك ، وأن الواجب إنما هو الأكل والصدقة ولو قليلا ، أو القول بالاستحباب مطلقا ، فيشكل ذلك كما لا يخفى ، إلا أن تحمل الروايتان على الكراهة بناء على القول بالاستحباب.

وحينئذ فيكون الكلام في هاتين الروايتين تابعا لما ثبت ثمة ، فإن ثبت وجوب التثليث والصرف في المصارف الثلاثة فالروايتان المذكورتان على ظاهرهما من تحريم الإخراج ، وإلا فالحمل على الكراهة.

وأما على تقدير القول بوجوب التثليث والتصدق بالثلث وإهداء الثلث فلم يقل أحد بوجوب أكل الثلث ، بل الواجب الأكل في الجملة ولو قليلا فيمكن أن يقال : إنه وإن صرح بعضهم بذلك لكن المفهوم من الروايات ما قلناه ، كما دلت عليه موثقة شعيب العقرقوفي (2) من قوله (عليه‌السلام):

__________________

(1) الوسائل ـ الباب ـ 43 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 6.

(2) الوسائل ـ الباب ـ 40 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 18.


«كل ثلثا ، وأهد ثلثا ، وتصدق بثلث». وصحيحة سيف التمار (1) لقوله (عليه‌السلام) فيها : «أطعم أهلك ثلثا». إلى آخرها. وقوله (عليه‌السلام) في رواية أبي الصباح الكناني (2) حكاية عن علي بن الحسين وأبي جعفر الباقر (عليهما‌السلام): «وثلث يمسكانه لأهل البيت». والعمل عندنا على الاخبار لا على الأقوال.

وأما ما ذكره في المدارك في هذا المقام حيث قال بعد قول المصنف (رحمه‌الله) : «إنه لا يجوز إخراج شي‌ء مما يذبحه عن منى» ما صورته «هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا ، واستدل عليه في التهذيب بما رواه في الصحيح عن محمد بن مسلم (3) عن أحدهما (عليهما‌السلام) قال : «سألته عن اللحم أيخرج به من الحرم؟ فقال : لا يخرج منه شي‌ء إلا السنام بعد ثلاثة أيام». وفي الصحيح عن معاوية بن عمار (4) قال : قال أبو عبد الله (عليه‌السلام): «لا تخرجن شيئا من لحم الهدي». وعن علي بن أبي حمزة (5) عن أحدهما (عليهما‌السلام) قال : «لا يتزود الحاج من أضحيته ، وله أن يأكل بمنى أيامها». ثم قال الشيخ (رحمه‌الله) : فأما ما رواه محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن جميل عن محمد بن مسلم (6) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته عن إخراج لحوم الأضاحي من منى ، فقال : كنا نقول : لا يخرج شي‌ء لحاجة الناس إليه ، فأما اليوم فقد كثر الناس ، فلا بأس

__________________

(1 و 2) الوسائل ـ الباب ـ 40 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 3 ـ 14.

(3 و 4 و 5 و 6) الوسائل ـ الباب ـ 42 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 1 ـ 2 ـ 3 ـ 5.


بإخراجه». فلا ينافي الأخبار المتقدمة ، لأن هذا الخبر ليس فيه أنه يجوز إخراج لحم الأضحية مما يضحيه الإنسان أو مما يشتريه ، وإذا لم يكن في ظاهره حملناه على أن من اشترى لحوم الأضاحي فلا بأس أن يخرجه ، ثم استدل على ذلك بما رواه الحسين بن سعيد عن احمد بن محمد عن علي (1) عن أبي إبراهيم (عليه‌السلام) قال : «سمعته يقول : لا يتزود الحاج من أضحيته وله أن يأكل منها أيامها إلا السنام ، فإنه دواء ـ قال أحمد ـ : ولا بأس أن يشتري الحاج من لحم منى ويتزوده». وللنظر في هذا الجمع مجال ، إلا انه لا خروج عما عليه الأصحاب» انتهى كلامه زيد مقامه.

وفيه (أولا) أنه كم قد خرج عما عليه الأصحاب ، ونازعهم في جملة من الأبواب ، باعتبار عدم اعتماده على الدليل في ذلك الباب ، وهو من جملة للواضع التي وقع له فيها الاضطراب.

و (ثانيا) أن استدلال الشيخ بهذه الروايات في هذا المقام ليس بالنسبة إلى لحم الهدي الذي هو محل البحث ، وانما كلامه وأخباره في هذا المقام كلها إنما هو في لحم الأضحية ، حيث قال : «ولا يجوز أن يخرج لحم الأضاحي من منى» روى فضالة عن العلاء عن محمد بن مسلم (2) عن أحدهما (عليهما‌السلام) قال : «سألته.». وساق الكلام كما ذكره.

ولا ريب أن مسألة لحم الأضحية غير مسألة لحم الهدي ، كما اعترف به هو (قدس‌سره) حيث إنه في هذا المقام الذي هو في لحم الهدي قال بعد قول المصنف ما سمعته : «هذا مذهب الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) لا اعلم فيه مخالفا» يعني تحريم إخراج لحم الهدي ، وقال في باب الأضحية

__________________

(1 و 2) الوسائل ـ الباب ـ 42 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 4 ـ 1.


بعد قول المصنف : «ويكره أن يخرج به من منى» : «ولا بأس بإخراج ما يضحيه غيره ويدل على ذلك روايات منها ما رواه الشيخ عن أحمد بن محمد عن علي (1) عن أبي إبراهيم (عليه‌السلام)» ثم أورد الرواية المتقدمة الدالة على أنه لا يتزود الحاج من أضحيته إلى آخرها.

وظاهر الشيخ في التهذيب في هذه المسألة هو تحريم إخراج لحوم الأضاحي ، فلهذا جمع بين الاخبار بما ذكره ، وليس من الكلام في لحم الهدي في شي‌ء بالكلية ، فايراده كلام الشيخ ورواياته المذكورة دليلا لمسألة الهدي ليس في محله.

ومن هنا يظهر سقوط اعتراضه عليه في الجمع بين الأخبار بقوله : «وللنظر فيه مجال» لأنه ليس من محل البحث في حال من الأحوال.

نعم إن الشيخ قد أورد في ضمن رواياته التي استدل بها صحيحة معاوية بن عمار المتضمنة للهدي ، وهو محمول على خلط الشيخ واستعجال قلمه ، كما لا يخفى على من له أنس بطريقته.

وبالجملة فإن إيراده لكلام الشيخ في هذا المقام غفلة واضحة ، كما لا يخفى على ذوي الأفهام.

والتحقيق في المسألة المذكورة هو ما قدمنا ذكره في صدر الكلام.

وأما الكلام في حكم لحوم الأضاحي وجواز إخراجها وعدمه والروايات الواردة في ذلك والجمع بين مختلفاتها فسيأتي إنشاء الله تعالى في باب الأضحية.

ثم العجب أيضا هنا من صاحب الوافي حيث إنه قال : «باب ادخار لحوم الهدي وإخراجها من منى» وأورد في الباب خبري الهدي المتقدمين

__________________

(1) الوسائل ـ الباب ـ 42 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 4.


في صدر البحث وأخبار الأضاحي ، والاختلاف في الأخبار إنما هو في اخبار الأضاحي ، كما سيأتي إنشاء الله تعالى في محلها ، وكأنه فهم منها الحمل على الهدي ، وهو غلط ، فان حكم كل من مسألة الهدي غير مسألة الأضحية كما هو المذكور في كلام الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم). وأنه أما أراد بالهدي في عنوانه الأضحية فأبعد.

قال في المدارك : «واعلم أن أقصى ما تدل عليه هذه الروايات عدم جواز إخراج شي‌ء من اللحم من منى».

وقال الشارح (قدس‌سره) : «إنه لا فرق في ذلك بين اللحم والجلد وغيرهما من الأطراف والأمعاء ، بل يجب الصدقة بجميع ذلك ، لفعل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وفيه نظر لأن الفعل لا يقتضي الوجوب ، كما حقق في محله ، نعم يمكن الاستدلال عليه بما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الإهاب فقال : تصدق به ، أو يجعل مصلى ينتفع به في البيت ، ولا تعطي الجزارين ، وقال : نهى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أن يعطى جلالها أو جلودها أو قلائدها الجزارين ، وأمر أن يتصدق بها». وروى أيضا في الصحيح عن علي بن جعفر (2) عن أخيه موسى (عليه‌السلام) قال : «سألته عن جلود الأضاحي هل يصلح لمن ضحى بها أن تجعل جرابا؟ فقال : لا يصلح أن يجعلها جرابا إلا أن يتصدق بثمنها». انتهى.

أقول : أما قوله : «لأن الفعل لا يقتضي الوجوب» فهو وإن كان كذلك لكنك قد عرفت من كلامه في غير موضع مما قدمنا نقله عنه أنه

__________________

(1 و 2) الوسائل ـ الباب ـ 43 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 5 ـ 4.


يستند في الوجوب إلى التأسي ويستدل به ، وكلامه هنا يناقض ذلك ، وهذا من جملة ما اضطرب فيه كلامه.

ثم إن مما يدل أيضا على حكم الجلود والجلال والقلائد ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن حفص بن البختري (1) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «نهى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أن يعطى الجزارين من جلود الهدي ولا جلالها شيئا».

قال في الكافي : وفي رواية معاوية بن عمار (2) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «تنتفع بجلد الأضحية وتشترى به المتاع ، وإن تصدق به فهو أفضل ، وقال : نحر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بدنة ، ولم يعط الجزارين من جلودها ولا قلائدها ولا جلالها ، ولكن تصدق به ، ولا تعط السلاخ منها شيئا ، ولكن أعطه من غير ذلك».

وروى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن معاوية بن عمار (3) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «ذبح رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن أمهات المؤمنين بقرة بقرة ، ونحر هو ستا وستين بدنة ، ونحر علي (عليه‌السلام) أربعا وثلاثين بدنة ، ولم يعط الجزارين من جلالها ولا من قلائدها ولا من جلودها ، ولكن تصدق به».

__________________

(1 و 2) الوسائل ـ الباب ـ 43 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 1 ـ 2.

(3) ذكر ذيله في الوسائل ـ الباب ـ 43 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 3 وتمامه في التهذيب ج 5 ص 227 ـ الرقم 770 وفي الاستبصار ج 2 ص 275 ـ الرقم 979.


وقد تقدم في موثقة إسحاق بن عمار (1) «أنه يخرج بالجلد والسنام والشي‌ء ينتفع به».

وروى الصدوق (رحمه‌الله) مرسلا عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والأئمة (صلوات الله عليهم) «أنه إنما يجوز للرجل أن يدفع الأضحية إلى من يسلخها بجلدها ، لأن الله تعالى يقول «فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا» (2) والجلد لا يؤكل ولا يطعم ، ولا يجوز ذلك في الهدي». كذا نقله عنه في كتاب الوسائل (3) ولم أقف عليه في كتاب من لا يحضره الفقيه ، ولعله في غيره أو في موضع آخر غير بابه (4).

وروى في كتاب العلل عن صفوان بن يحيى الأزرق (5) قال : «قلت لأبي إبراهيم (عليه‌السلام) : الرجل يعطي الأضحية من يسلخها بجلدها ، قال : لا بأس به ، إنما قال الله عزوجل «فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا» والجلد

__________________

(1 و 3 و 5) الوسائل ـ الباب ـ 43 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 6 ـ 7 ـ 8.

(2) سورة الحج : 22 ـ الآية 28.

(4) الفقيه ج 2 ص 130 إلا أن الظاهر منه أن هذه العبارة من الشيخ الصدوق (قده) وليس بنقل عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والأئمة (عليهم‌السلام). ويحتمل أن النسخة التي كانت عند صاحب الوسائل (قده) ورد نقل ذلك فيها عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والأئمة (عليهم‌السلام) كما أن العبارة التي قبل هذه الجملة أيضا أسندها صاحب الوسائل إلى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والأئمة (عليهم‌السلام) راجع الباب ـ 18 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 14.


لا يؤكل ولا يطعم».

أقول : والمستفاد من هذه الأخبار بضم بعضها إلى بعض أن الأفضل هو الصدقة بهذه الأشياء أو بثمنها ، وأنه يكره إعطاء الجزار شيئا من ذلك أجرة ، وإلا فلو أعطاه ذلك صدقة فالظاهر أنه لا بأس به.

وبذلك يظهر أن ما ذهب إليه شيخنا الشهيد الثاني وسبطه (عطر الله تعالى مرقديهما) من وجوب الصدقة ممنوع ، لدلالة صحيحة معاوية بن عمار (1) التي نقلها في المدارك على جواز جعل الجلد مصلى في البيت ، ودلالة مرسلته (2) التي في الكافي على جواز أن يشتري به المتاع وأن ينتفع به مع تصريحها بأفضلية الصدقة ، ودلالة موثقة إسحاق بن عمار (3) على جواز إخراجه معه يعني لأجل الانتفاع به ، وحينئذ فتحمل الصدقة بثمنه إذا جعله جرابا كما في صحيحة علي بن جعفر (4) على الفضل والاستحباب.

وكيف كان فجملة روايات المسألة أولا وآخرا لا دلالة فيها على حكم ما ذكره شيخنا الشهيد الثاني من الأطراف والأمعاء ، وأنه يجب التصدق بها ، فان مورد جملة روايات المسألة إنما هو اللحم والجلد والجلال والقلائد ، وما عداها فلم أقف فيه على نص ، والظاهر أن السكوت عنها في الأخبار إنما هو من حيث عدم الرغبة فيها يومئذ من حيث وجود اللحوم وكثرتها.

والعجب من صاحب المدارك أنه بعد أن اعترض على جده بما ذكره وافقه واستدل له بالروايتين المذكورتين ، وموردهما أخص من المدعى ، وما ادعاه من فعل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ذلك لم نقف عليه ، والله العالم.

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل ـ الباب ـ 43 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 5 ـ 2 ـ 6 ـ 4.


الحادية عشر :

الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) في أن الزمان الذي يجب فيه ذبح الهدي ونحره هو يوم النحر وهو عاشر ذي الحجة ، وأنه يجوز إلى تمام ذي الحجة.

قال في المنتهى : «ووقت ذبحه يوم النحر» ثم ذكر أقوال العامة بجواز تقديمه على ذي الحجة ، فقال بعد ذلك : «لنا أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نحر يوم النحر وكذا أصحابه ، وقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله): خذوا عني مناسككم (1)». وعلى هذا الدليل اقتصر في المدارك فقال : «إما وجوب ذبحه يوم النحر فهو قول علمائنا وأكثر العامة ، لأن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نحر في هذا اليوم وقال : خذوا عني مناسككم». (2).

ومرجعه إلى التمسك بالتأسي ، وقد عرفت في سابق هذه المسألة إنكاره له.

وأما حديث «خذوا عني مناسككم» فلم أقف عليه في أخبارنا ، ومع تسليمه فإن الأخذ عنه وجوبا إنما يجب فيما علم وجوبه ، وإلا فمجرد فعله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أعم من الواجب والمستحب ، كما لا يخفى.

نعم يمكن أن يقال : إن العبادات لما كانت توقيفية فيجب الوقوف فيها على ما بينه صاحب الشريعة ورسمه بقول أو فعل ، والذي ثبت عنه هو النحر في هذا اليوم ، فلا تبرأ الذمة ويحصل الخروج عن العهدة إلا بمتابعته فيه.

وأما هدي السياق إذا قلده أو أشعره فإنه قد دلت الأخبار على نحره

__________________

(1 و 2) تيسير الوصول ـ ج 1 ص 312.


يوم الأضحى.

ففي رواية إبراهيم الكرخي (1) المتقدمة عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) في رجل قدم بهديه مكة في العشر ، فقال : إذا كان هديا واجبا فلا ينحره إلا بمنى ، وإن كان ليس بواجب فلينحره بمكة إن شاء ، وإن كان قد أشعره أو قلده فلا ينحره إلا يوم الأضحى».

وفي رواية مسمع (2) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «إذا دخل بهديه في العشر فان كان قد أشعره أو قلده فلا ينحره إلا يوم النحر بمنى ، وإن كان لم يشعره ولم يقلده فلينحره بمكة إذا قدم في العشر».

والظاهر أن مرادهم بوجوب النحر يوم الأضحى هو أن هذا اليوم مبدأ النحر فلا يجوز قبله ، كما ذهب إليه جملة من العامة.

بقي الكلام في أنه هل يجوز التأخير عنه اختيارا إلى تمام ذي الحجة ، أو يجزئ ذلك وإن أثم أو يختص التأخير بالعذر؟ احتمالات وأقوال :

ظاهر الشيخ في المصباح كما نقله عنه في المدارك الأول ، حيث قال : «إن الهدي الواجب يجوز ذبحه ونحره طول ذي الحجة ، ويوم النحر أفضل» وهو ظاهر عبارة المحقق في الشرائع كما نبه عليه في المدارك ، ومثله عبارة العلامة في المنتهى.

وظاهر كلام المحقق الأردبيلي الآتي الثاني.

وظاهر كلام الدروس الثالث حيث قال : «وزمانه يوم النحر ، فان فات أجزأ في ذي الحجة».

__________________

(1 و 2) الوسائل ـ الباب ـ 4 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 1 ـ 5.


قال العلامة في المنتهى في باب الهدي : «أيام النحر بمنى أربعة أيام : يوم النحر وثلاثة بعده ـ ثم ساق البحث وذكر الأخبار الآتية إلى أن قال ـ : إذا عرفت هذا فإنه يجب تقديم الذبح على الحلق بمنى ، ولو أخره أثم وأجزأ وكذا لو ذبحه في بقية ذي الحجة جاز».

وظاهر هذا الكلام أن الذبح في الأيام المذكورة إنما هو على جهة الأفضلية وإلا فالتأخير جائز اختيارا كما أشرنا إليه آنفا.

وقال المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد بعد قول المصنف : «وذبحه يوم النحر» ما ملخصه : «أما زمان الذبح فظاهر الأصحاب أنه لمن كان بمنى يوم النحر وثلاثة أيام بعده ، وزمان الأضحية في غير منى يوم النحر ويومان بعده ، ودليلهم عليه مثل صحيحة علي بن جعفر (1) ـ إلى أن قال ـ ويعلم منها أنه يجوز تأخير باقي أفعال منى إلى آخر أيام التشريق مثل الحلق والطواف ، حيث إن الذبح مقدم عليهما ، وفيه تأمل».

ثم الظاهر أن هذه الأيام أيام الذبح بمعنى الوجوب فيها لا بمعنى الاجزاء فيها وعدم الاجزاء في غيرها. قال في المنتهى : «ولو ذبح في بقية ذي الحجة أجزأ وأثم ، وكأنه لا خلاف عندهم في ذلك ، ويؤيده كون ذي الحجة بكماله من أشهر الحج ، كما يفهم من الآية (2) والأخبار (3) وما في الرواية المعتبرة (4) من ان «من لم يجد هديا وعنده ثمنه يخلّف عند

__________________

(1) الوسائل ـ الباب ـ 6 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 1.

(2) سورة البقرة : 2 ـ الآية 197.

(3) الوسائل ـ الباب ـ 6 ـ من أبواب الذبح.

(4) الوسائل ـ الباب ـ 44 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 1.


واحد من أهل مكة يشتري له هديا يذبحه طول ذي الحجة وإن لم يتفق ففي القابل في ذلك الشهر». فتأمل» انتهى.

أقول : والروايات المشار إليها في كلامهم (منها) ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر (1) عن أخيه موسى (عليه‌السلام) قال : «سألته عن الأضحى كم هو بمنى؟ فقال : أربعة أيام ، وسألته عن الأضحى في غير منى ، فقال : ثلاثة أيام ، فقلت : فما تقول في رجل مسافر قدم بعد الأضحى بيومين إله أن يضحي في اليوم الثالث؟ قال : نعم».

وما رواه في التهذيب والفقيه في الموثق عن عمار (2) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته عن الأضحى بمنى ، فقال : أربعة أيام ، وعن الأضحى في سائر البلدان ، فقال : ثلاثة أيام». وزاد في الفقيه «وقال : لو أن رجلا قدم إلى أهله بعد الأضحى بيومين يضحي في اليوم الثالث الذي قدم فيه».

وما رواه في الكافي والفقيه عن كليب الأسدي (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن النحر ، قال : أما بمنى فثلاثة أيام ، وأما في البلدان فيوم واحد».

وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن محمد بن مسلم (4) عن أبي جعفر (عليه‌السلام) قال : «الأضحى يومان بعد يوم النحر ، ويوم واحد بالأمصار».

وما رواه في التهذيب ومن لا يحضره الفقيه عن منصور بن حازم (5)

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5) الوسائل ـ الباب ـ 6 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 1 ـ 2 ـ 6 ـ 7 ـ 5.


عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سمعته يقول : النحر بمنى ثلاثة أيام ، فمن أراد الصوم لم يصم حتى تمضي الثلاثة الأيام ، والنحر بالأمصار يوم ، فمن أراد أن يصوم صام من الغد».

وبهذه الرواية الأخيرة جمع الصدوق (قدس‌سره) بين خبري عمار وكليب المذكورين ، فقال بعد نقلهما : «قال مصنف هذا الكتاب (رضي‌الله‌عنه) : هذان الحديثان متفقان غير مختلفين ، وذلك أن خبر عمار هو للتضحية وحدها وخبر كليب للصوم وحده ، وتصديق ذلك ما رواه سيف بن عميرة عن منصور بن حازم» ثم ساق الخبر المذكور.

ومعناه أن خبر عمار ومثله أيضا صحيحة علي بن جعفر موردهما الزمان الذي يستحب فيه التضحية أو يجب فيه الهدي في منى أو التضحية في الأمصار وخبر كليب ومثله صحيحة محمد بن مسلم مراد به الزمان الذي يجوز صومه فلا يجوز في منى إلا بعد ثلاثة أيام ، وفي الأمصار يجوز الصوم بعد يوم النحر حسب ما دل عليه خبر منصور المذكور ، ويفهم منه جواز صوم اليوم الثالث عشر مع أنه من أيام التشريق التي سيأتي إنشاء الله تعالى ورود الاخبار بتحريم صومها في منى ، واتفاق الأصحاب على ذلك.

والأظهر كما ذكره السيد السند (قدس‌سره) في المدارك حمل صحيحة منصور على الصوم بدلا من الهدي ، لما سيأتي إنشاء الله تعالى من أن الأظهر جواز الصوم يوم الحصبة ـ وهو يوم النفر ـ في بدل الهدي ، قال : «والأجود حمل روايتي محمد بن مسلم وكليب الأسدي على أن الأفضل ذبح الأضحية في الأمصار يوم النحر ، وفي منى في يوم النحر أو في اليومين الأولين من أيام التشريق» انتهى.


وقد تقدمه في الحمل على ذلك شيخه المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد ، وتبعهما المحقق الشيخ حسن في كتاب المنتقى ، فقال بعد نقل صحيحة محمد بن مسلم : «وينبغي أن يكون وجه الجمع بين هذا وبين خبر علي بن جعفر المتضمن لكون الأضحى في غير منى ثلاثة أيام ارادة الفضيلة في اليوم والاجزاء في الزائد ، لا ما ذكره الشيخ من حمل هذا الخبر على إرادة الأيام التي لا يجوز فيها الصوم» انتهى.

أقول : ومما يدل على ما ذكروه (نور الله تعالى مراقدهم) ما رواه الشيخ عن غياث بن إبراهيم (1) عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم‌السلام) قال : «الأضحى ثلاثة أيام ، وأفضلها أولها». وبه يزول الاشكال المشار إليه آنفا.

وأما أن الذبح يجوز إلى تمام ذي الحجة وإن أثم بتأخيره فلم أقف فيه على خبر صريح إلا ما عرفته من كلام المحقق المشار إليه واستدلاله الذي اعتمد عليه ، مع أنه قد روى الكليني والشيخ في التهذيب عن أبي بصير (2) عن أحدهما (عليهما‌السلام) قال : «سألته عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي حتى إذا كان يوم النفر وجد ثمن شاة أيذبح أو يصوم؟ قال : بل يصوم ، فإن أيام الذبح قد مضت».

وحمله الشيخ في الاستبصار على من لم يجد الهدي ولا ثمنه وصام الثلاثة الأيام ثم وجد ثمن الهدي فعليه أن يصوم السبعة.

قال في الدروس : «ويشكل بأنه إحداث قول ثالث إلا أن يبنى على

__________________

(1) الوسائل ـ الباب ـ 6 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 4.

(2) الوسائل ـ الباب ـ 44 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 3.


جواز صيامه في أيام التشريق».

أقول : وفيه أيضا أن الشيخ نفسه قد روى هذه الرواية في التهذيب بسند آخر (1) وفيها : «عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي ولم يصم الثلاثة الأيام».

وهي صريحة في رد هذا الحمل وبطلانه.

وظاهر الصدوق في الفقيه الإفتاء بمضمون هذه الرواية ، حيث قال : «وإذا لم يصم الثلاثة الأيام فوجد بعد النفر ثمن الهدي فإنه يصوم الثلاثة الأيام ، لأن أيام الذبح قد مضت».

والمسألة لا تخلو من شوب الاشكال ، وسيأتي إنشاء الله تعالى ما ينتظم في سلك هذا المقال.

فائدتان

الأولى : قال العلامة في المنتهى بعد ذكر الكلام المتقدم نقله عنه : «فرع : الليالي المتخللة لأيام النحر قال أكثر فقهاء الجمهور إنه يجزئ فيها ذبح الهدي ، لأن هاتين الليلتين داخلتان في مدة الذبح ، فجاز الذبح فيها كالأيام ، احتجوا بقوله تعالى (2) «وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيّامٍ مَعْلُوماتٍ» والليالي تدخل في اسم الأيام» ثم أجاب بالمنع من ذلك.

__________________

(1) الوسائل ـ الباب ـ 44 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 4.

(2) سورة الحج : 22 ـ الآية 28.


وظاهر شيخنا في الدروس الجواز ، حيث قال : «لو ذبح ليالي التشريق فالأشبه الجواز ، وإن منعناه فهو مقيد بالاختيار ، فيجوز مع الاضطرار ، نعم يكره اختيارا وكذا الأضحية».

أقول : والمسألة عندي محل توقف في حال الاختيار ، لعدم النص الوارد في ذلك.

الثانية :

روى الشيخ (رحمه‌الله) في الصحيح عن عبد الله بن سنان (1) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «لا بأس أن يرمي الخائف بالليل ويضحي ويفيض بالليل».

وروى الكليني في الصحيح أو الحسن عن زرارة ومحمد بن مسلم (2) عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (عليه‌السلام) «في الخائف أنه لا بأس أن يضحى بالليل» الحديث.

أقول : ويستفاد منهما جواز تقديم الذبح على وقته ـ وهو يوم النحر ـ في مقام العذر عن الإتيان به في وقته. ومنهما يستفاد أيضا الجواز في الفائدة السابقة في مقام الاضطرار أيضا ، والله العالم.

الثانية عشر :

قد ذكر الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) أنه لا يجب بيع ثياب التجمل في الهدي إذا لم يجد ثمنه ، بل يقتصر على الصوم.

__________________

(1 و 2) الوسائل ـ الباب ـ 7 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 1 ـ 2.


واستدل عليه الشيخ في التهذيب بما رواه عن علي بن أسباط عن بعض أصحابه (1) عن أبي الحسن الرضا (عليه‌السلام) قال : «قلت له : رجل تمتع بالعمرة إلى الحج وفي عيبته ثياب إله أن يبيع من ثيابه شيئا ويشتري بدنة؟ قال : لا ، هذا يتزين به المؤمن ، يصوم ولا يأخذ من ثيابه شيئا».

قال في المدارك بعد نقل ذلك : «والرواية ضعيفة السند بالإرسال وغيره ، ولكن لا ريب في عدم وجوب بيع ما تدعو الضرورة إليه من ذلك وغيره».

وفيه (أولا) أن الطعن بضعف السند لا يقوم حجة على الشيخ وأمثاله ، كما عرفت في غير مقام مما تقدم.

و (ثانيا) أنه قد روى الشيخ في التهذيب عن أحمد بن محمد بن عيسى عن احمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي (2) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن المتمتع يكون له فضول من الكسوة بعد الذي يحتاج إليه ، فتسوى تلك الفضول مائة درهم يكون ممن يجب عليه؟ فقال : له بد من كراء ونفقة؟ فقلت : له كراء وما يحتاج إليه بعد هذا الفضل من الكسوة ، قال : وأي شي‌ء كسوة بمأة درهم؟ هذا مما قال الله عزوجل (3) : (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ)». وطريق الشيخ إلى أحمد بن محمد بن عيسى في مشيخة الكتاب صحيح ، فتكون الرواية

__________________

(1 و 2) الوسائل ـ الباب ـ 57 ـ من أبواب الذبح ـ الحديث 2 ـ 1.

(3) سورة البقرة : 2 ـ الآية 196.


صحيحة صريحة في المدعى.

بقي الكلام فيما لو باع والحال هذه من الثياب المذكورة واشترى هديا فهل يجزئ عنه؟ إشكال من أن ظاهر الخبرين المذكورين انتقال فرضه إلى الصيام في هذه الحال فلا يجزؤه ، لتعين الصوم عليه ، ومن انه يحتمل أن يكون ذلك على وجه الرخصة ونفي اللزوم ، قال الشيخ في التهذيب : «لا يلزمه بيعها ـ أي ثياب الزينة ـ في ثمن الهدي ، بل يجزوه الصوم» وهو ظاهر في الرخصة.

وقال في المدارك بعد قصره الحكم على ما تدعو الحاجة إليه باعتبار طعنه في الرواية ـ كما قدمنا نقله عنه ـ ما لفظه : «ولو باع شيئا من ذلك مع الحاجة إليه واشترى بثمنه هديا قيل أجزأ ، كما لو تبرع عليه متبرع بالهدي ، ويمكن المناقشة فيه بأن الآتي بذلك آت بغير ما هو فرضه ، إذ الفرض الإتيان بالبدل والحال هذه ، والحاقه بحال التبرع قياس مع الفارق».

أقول : بل الوجه في أحد طرفي الاشكال إنما هو ما ذكرناه من الاحتمال وهو مما لا مدفع له في هذا المجال ، والله العالم.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *