ج13 - بقية أقسام الصوم

المطلب الثاني

في الصوم المندوب

لا ريب ولا خلاف في استحباب الصوم في جميع أيام السنة إلا ما استثنى ، وقد تقدم في صدر الكتاب من الأخبار ما يدل عليه.

والكلام هنا إنما هو في ما يختص وقتا بعينه وذلك في مواضع : منها ـ وهو أوكدها ـ صوم ثلاثة أيام من كل شهر وهي أول خميس منه وآخر خميس وأول أربعاء من العشر الثانية.

فمن الأخبار الواردة بذلك ما رواه الصدوق في الصحيح عن حماد بن عثمان


عن أبى عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «صام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى قيل ما يفطر ثم أفطر حتى قبل ما يصوم ، ثم صام صوم داود عليه‌السلام يوما ويوما لا ، ثم قبض صلى‌الله‌عليه‌وآله على صيام ثلاثة أيام في الشهر ، وقال يعدلن صوم الدهر ويذهبن بوحر الصدر ـ وقال حماد الوحر الوسوسة ـ قال حماد فقلت وأي الأيام هي؟ قال أول خميس في الشهر وأول أربعاء بعد العشر منه وآخر خميس فيه. فقلت وكيف صارت هذه الأيام التي تصام؟ فقال لأن من قبلنا من الأمم كانوا إذا نزل على أحدهم العذاب نزل في هذه الأيام فصام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هذه الأيام لأنها الأيام المخوفة».

وما رواه الكليني عن محمد بن مسلم في الصحيح أو الحسن على المشهور عن أبى عبد الله عليه‌السلام (2) قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أول ما بعث يصوم حتى يقال ما يفطر ويفطر حتى يقال ما يصوم ، ثم ترك ذلك وصام يوما وأفطر يوما وهو صوم داود عليه‌السلام ثم ترك ذلك وصام الثلاثة الأيام الغر ، ثم ترك ذلك وفرقها في كل عشرة يوما : خميسين بينهما أربعاء ، فقبض صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يعمل ذلك».

وعن معاوية بن عمار في الصحيح (3) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول كان في وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلى عليه‌السلام ان قال : يا على أوصيك في نفسك بخصال فاحفظها عنى. ثم قال اللهمّ أعنه. وذكر جملة من الخصال الى أن قال : والسادسة الأخذ بسنتي في صلاتي وصومي وصدقتي ، أما الصلاة فالخمسون ركعة واما الصيام فثلاثة أيام في الشهر : الخميس في أوله والأربعاء في وسطه والخميس في آخره ، واما الصدقة فجهدك حتى تقول قد أسرفت ولم تسرف».

وروى الصدوق عن الحسن بن محبوب في الصحيح عن جميل بن صالح عن محمد بن مروان (4) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصوم حتى يقال لا يفطر ويفطر حتى يقال لا يصوم ، ثم صام يوما وأفطر يوما ، ثم

__________________

(1 و 2 و 4) الوسائل الباب 7 من الصوم المندوب.

(3) الوسائل الباب 4 من جهاد النفس.


صام الاثنين والخميس ، ثم آل من ذلك الى صيام ثلاثة أيام في الشهر : الخميس في أول الشهر وأربعاء في وسط الشهر وخميس في آخر الشهر. وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول ذلك صوم الدهر. وقد كان ابى عليه‌السلام يقول ما من أحد أبغض الى الله (عزوجل) من رجل يقال له كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يفعل كذا وكذا فيقول لا يعذبني الله على ان أجتهد في الصلاة والصوم ، كأنه يرى ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ترك شيئا من الفضل عجزا عنه».

وروى الصدوق عن زرارة في الموثق (1) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام بم جرت السنة من الصوم؟ فقال : ثلاثة أيام من كل شهر : الخميس في العشر الأول والأربعاء في العشر الأوسط والخميس في العشر الأخير. قال قلت هذا جميع ما جرت به السنة في الصوم؟ قال : نعم».

ورواه الكليني عن زرارة (2) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن أفضل ما جرت به السنة في التطوع من الصوم. الى آخره». وهو أوضح ، وعلى الأول فالمراد ما جرت به السنة المؤكدة».

وروى الشيخ بإسناده عن أبى بصير (3) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن صوم السنة فقال صيام ثلاثة أيام من كل شهر : الخميس والأربعاء والخميس ، يذهب ببلابل القلب ووحر الصدر الخميس والأربعاء والخميس ، وان شاء الاثنين والأربعاء والخميس ، وان شاء صام في كل عشرة أيام يوما فان ذلك ثلاثون حسنة ، وان أحب أن يزيد على ذلك فليزد».

وروى في الكافي في الصحيح ـ ومثله في الفقيه ـ عن عبد الله بن سنان عن أبى عبد الله عليه‌السلام (4) «ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سئل عن صوم خميسين بينهما أربعاء فقال : اما الخميس فيوم تعرض فيه الأعمال واما الأربعاء فيوم خلقت فيه النار ، واما الصوم فجنة».

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 7 من الصوم المندوب.


وروى عبد الله بن جعفر في قرب الاسناد عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عن آبائه (عليهم‌السلام) (1) «ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال دخلت الجنة فوجدت أكثر أهلها البله. يعني بالبله المتغافل عن الشر العاقل في الخير الذين يصومون ثلاثة أيام من كل شهر».

ورواه الصدوق في معاني الاخبار عن أبيه عن عبد الله بن جعفر الحميري مثله (2) إلا انه قال : «قلت ما البله؟ قال : العاقل في الخير الغافل عن الشر الذي يصوم في كل شهر ثلاثة أيام».

وروى الشيخ المفيد في المقنعة مرسلا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (3) انه قال : «عرضت على أعمال أمتي فوجدت في أكثرها خللا ونقصانا فجعلت مع كل فريضة مثليها نافلة ليكون من أتى بذلك قد حصلت له الفريضة ، لأن الله تعالى يستحي أن يعمل له العبد عملا فلا يقبل منه الثلث ، ففرض الله الصلاة في كل يوم وليلة سبع عشرة ركعة وسن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أربعا وثلاثين ركعة ، وفرض الله صيام شهر رمضان في كل سنة وسن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صيام ستين يوما في السنة ليكمل فرض الصوم ، فجعل في كل شهر ثلاثة أيام خميسا في العشر الأول منه وهو أول خميس في العشر وأربعاء في العشر الأوسط منه وهو أقرب الى النصف من الشهر وربما كان النصف بعينه وآخر خميس في الشهر». الى غير ذلك من الأخبار التي يضيق عن نقلها المقام

تنبيهات

الأول ـ ما ذكرناه من صوم الثلاثة المذكورة هو المشهور فتوى ورواية ، ونقل عن الشيخ التخيير بين صوم أربعاء بين خميسين أو خميس بين أربعائين ، وعن ابن أبى عقيل تخصيص الأربعاء بالأخيرة من العشر الأوسط مع موافقته في الخميسين ، وعن ابن الجنيد انه يصوم شهرا أربعاء بين خميسين والآخر خميسا بين أربعائين.

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 7 من الصوم المندوب.


ويدل على ما ذهب اليه ابن الجنيد رواية أبي بصير (1) قال : «سألته عن صوم ثلاثة أيام في الشهر؟ فقال : في كل عشرة أيام يوم خميس وأربعاء وخميس والشهر الذي يليه أربعاء وخميس وأربعاء».

وظاهر هذه الرواية دال على ما ذهب اليه ابن الجنيد والشيخ حملها على التخيير في كل شهر استنادا الى ما رواه عن إبراهيم بن إسماعيل بن داود (2) قال : «سألت الرضا عليه‌السلام عن الصيام فقال ثلاثة أيام في الشهر : الأربعاء والخميس والجمعة. فقلت ان أصحابنا يصومون أربعاء بين خميسين؟ فقال لا بأس بذلك ، ولا بأس بخميس بين أربعائين». ومن أجل هذا نسب اليه القول المتقدم.

وكيف كان فالفضل المؤكد إنما هو في الصورة المشهورة التي استفاضت بها الأخبار وكان عليها عمل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في حياته الى أن مات والأئمة (عليهم‌السلام) من بعده وان جاز العمل بما دل عليه الخبران المذكوران ، بل ظاهر رواية أبي بصير الأخرى المتقدمة انه يجزئ الإتيان في كل عشرة بيوم كائنا ما كان

الثاني ـ ان من أخرها استحب له قضاؤها كما صرح به بعض الأصحاب.

ويدل عليه ما رواه الكليني عن عبد الله بن سنان (3) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يصوم صوما قد وقته على نفسه أو يصوم من أشهر الحرم فيمر به الشهر والشهران لا يقضيه؟ فقال : لا يصوم في السفر ولا يقضي شيئا من صوم التطوع إلا الثلاثة الأيام التي كان يصومها من كل شهر ، ولا يجعلها بمنزلة الواجب إلا انى أحب لك أن تدوم على العمل الصالح. قال : وصاحب الحرم الذي كان يصومها يجزئه أن يصوم مكان كل شهر من أشهر الحرم ثلاثة أيام».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن داود بن فرقد عن أبيه (4) قال «كتب حفص

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 8 من الصوم المندوب.

(3) الوسائل الباب 10 ممن يصح منه الصوم.

(4) التهذيب ج 4 ص 239 وفي الوسائل الباب 21 ممن يصح منه الصوم والباب 10 من الصوم المندوب. واللفظ الذي أورده هو لفظ النوادر.


الأعور إلي سل أبا عبد الله عليه‌السلام عن ثلاث مسائل فقال أبو عبد الله عليه‌السلام ما هي؟ قال : من ترك صيام ثلاثة أيام في كل شهر؟ فقال أبو عبد الله عليه‌السلام من مرض أو كبر أو عطش؟ قال ما سمى شيئا. فقال ان كان من مرض فإذا برئ فليقضه وان كان من كبر أو عطش فبدل كل يوم مد». وروى هذه الرواية أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره عن فضالة عن داود بن فرقد مثله (1).

وما رواه الكليني في الموثق عن عمار بن موسى عن ابى عبد الله عليه‌السلام (2) قال : «سألته عن الرجل يكون عليه من الثلاثة أيام الشهر هل يصلح أن يؤخرها أو يصومها في آخر الشهر؟ قال : لا بأس. فقلت يصومها متوالية أو يفرق بينها؟ فقال : ما أحب ، ان شاء متوالية وان شاء فرق بينها». ونحوها روايات على بن جعفر الثلاث عن أخيه موسى عليه‌السلام (3).

قال السيد السند في المدارك : ولو كان الفوات لمرض أو سفر لم يستحب قضاؤها لما رواه الكليني في الصحيح عن سعد بن سعد الأشعري عن ابى الحسن الرضا عليه‌السلام (4) قال : «سألته عن صوم ثلاثة أيام في الشهر هل فيه قضاء على المسافر؟ قال لا». وإذا سقط القضاء عن المسافر سقط عن المريض بطريق أولى لأنه أعذر.

أقول : لا يخفى ما في هذا التعليل العليل من الوهن وعدم الصلوح لبناء الأحكام الشرعية عليه لو لم يرد ما ينافيه ، كيف ورواية داود بن فرقد المتقدم نقلها عن الشيخ وعن كتاب النوادر صريحة في القضاء. نعم الرواية المذكورة ظاهرة في سقوط القضاء عن المسافر.

__________________

(1) الوسائل الباب 11 من الصوم المندوب ، وفيه كما في الفقه الرضوي ص 62 «عن داود بن فرقد عن أخيه».

(2 و 3) الوسائل الباب 9 من الصوم المندوب.

(4) الوسائل الباب 21 ممن يصح منه الصوم.


ونحوها ما رواه الكليني عن المرزبان بن عمران (1) قال : «قلت للرضا عليه‌السلام أريد السفر فأصوم لشهري الذي أسافر فيه؟ قال : لا. قلت فإذا قدمت أقضيه؟ قال : لا ، كما لا تصوم كذلك لا تقضى». إلا انه ربما ظهر من رواية عبد الله ابن سنان المتقدمة القضاء.

وأظهر منها ما رواه الكليني عن عذافر (2) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أصوم هذه الثلاثة الأيام في الشهر فربما سافرت وربما أصابتني علة فيجب على قضاؤها؟ قال فقال لي : إنما يجب الفرض فاما غير الفرض فأنت فيه بالخيار. قلت بالخيار في السفر والمرض؟ قال فقال : المرض قد وضعه الله (عزوجل) عنك والسفر ان شئت فاقضه وان لم تقضه فلا جناح عليك».

وصاحب المدارك قد نقل هذه الرواية وطعن فيها بضعف السند.

والجمع بين الاخبار يقتضي القول بالقضاء وان لم يتأكد ذلك كغيره من الترك لا لعذر ، وربما لاح من هذه الرواية أيضا سقوط القضاء عن المريض وينبغي حملها على ما ذكر ايضا.

الثالث ـ قد ذكر جملة من الأصحاب انه يجوز تأخيرها اختيارا من الصيف الى الشتاء ويكون مؤديا للسنة متى أتى بها كذلك.

ويدل عليه ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن الحسن بن محبوب عن الحسن ابن أبي حمزة (3) قال : «قلت لأبي جعفر أو لأبي عبد الله (عليهما‌السلام) انى قد اشتد على صيام ثلاثة أيام في كل شهر أؤخره في الصيف الى الشتاء فإني أجده أهون على؟ فقال : نعم فاحفظها».

وما رواه الكليني عن الحسين بن أبي حمزة في الصحيح (4) قال : «قلت

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 21 ممن يصح منه الصوم.

(3) الوسائل الباب 9 من الصوم المندوب. ارجع الى الاستدراكات.

(4) الوسائل الباب 9 من الصوم المندوب. وفي كتب الحديث الحسين بن أبي حمزة عن أبي حمزة.


لأبي جعفر عليه‌السلام صوم ثلاثة أيام من كل شهر أؤخره إلى الشتاء ثم أصومها؟ قال : لا بأس بذلك».

الرابع ـ ان من عجز عن الإتيان بها استحب له أن يتصدق عن كل يوم بدرهم أو بمد.

ويدل عليه ما رواه الكليني في الصحيح عن عيص بن القاسم (1) قال «سألته عن من لم يصم الثلاثة الأيام من كل شهر وهو يشتد عليه الصيام هل فيه فداء؟ قال : مد من طعام في كل يوم».

وعن عقبة (2) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام جعلت فداك انى قد كبرت وضعفت عن الصيام فكيف اصنع بهذه الثلاثة الأيام في كل شهر؟ فقال يا عقبة تصدق بدرهم عن كل يوم؟ قال قلت درهم واحد؟ قال لعلها كثرت عندك وأنت تستقل الدرهم. قال قلت ان نعم الله على لسابغة. فقال يا عقبة لإطعام مسلم خير من صيام شهر».

وروى الكليني عن عمر بن يزيد (3) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ان الصوم يشتد على؟ فقال لي لدرهم تصدق به أفضل من صيام يوم. ثم قال : وما أحب أن تدعه».

وعن صفوان بن يحيى في الصحيح عن يزيد بن خليفة (4) قال «شكوت الى ابى عبد الله عليه‌السلام فقلت إني أصدع إذا صمت هذه الثلاثة الأيام ويشق على؟ قال فاصنع كما أصنع فإني إذا سافرت تصدقت عن كل يوم بمد من قوت أهلي الذي أقوتهم به».

وروى في الخصال عن ابى عبد الله عليه‌السلام في حديث (5) قال «فمن لم يقدر عليها لضعف فصدقة درهم أفضل له من صيام يوم».

وروى في المقنعة مرسلا (6) قال «سئل عليه‌السلام عن رجل يشتد عليه ان يصوم في كل شهر ثلاثة أيام كيف يصنع حتى لا يفوته ثواب ذلك؟ فقال :

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6) الوسائل الباب 11 من الصوم المندوب.


يتصدق عن كل يوم بمد من طعام على مسكين».

وقد تقدم في حديث داود بن فرقد عن أبيه (1) ما يدل على انه إذا كان الترك لمرض قضاه بعد البرء وان كان لكبر أو عطش فبدل كل يوم مد.

ويستفاد من أكثر هذه الاخبار ان الفدية في ما إذا عجز عن الصوم أو شق عليه ، وليس فيها ما يخالف ذلك إلا قوله عليه‌السلام في حديث يزيد بن خليفة «فإني إذا سافرت تصدقت» ولعل الحكم في السفر التخيير بين القضاء كما تقدم والصدقة كما في هذا الخبر وفي غيره من افراد العجز والمشقة هو الصدقة.

الخامس ـ قال السيد السند في المدارك : قال على بن بابويه (قدس‌سره) في رسالته الى ولده : إذا أردت سفرا وأردت ان تقدم من صوم السنة شيئا فصم ثلاثة أيام للشهر الذي تريد الخروج فيه. ولم نقف له في ذلك على مستند بل قد روى الكليني ما ينافيه فإنه قد روى عن المرزبان بن عمران. ثم نقل الرواية وقد تقدمت في التنبيه الثاني (2).

أقول : اما مستند الشيخ على بن بابويه في ما نقل عنه فليس إلا كتاب الفقه الرضوي كما هي عادته الجارية في ما عرفت في غير موضع من ما تقدم ويأتي ان شاء الله مثله من أخذه عبارات الكتاب المذكور والإفتاء بها ، والمتأخرون حيث لم يصل إليهم الكتاب ولم يصل لهم في الأخبار ما يدل على ما ذكره ربما طعنوا عليه بعدم المستند كما في هذا الموضع وغيره.

قال عليه‌السلام في الكتاب المذكور (3) : فإن أردت سفرا وأردت أن تقدم من السنة شيئا فصم ثلاثة أيام للشهر الذي تريد الخروج فيه.

وهو عين العبارة المنقولة واما ما ذكره من منافاة الرواية لهذا الكلام فيمكن الجواب عنه بحمل النهي في الرواية المذكورة على النهى عن الصيام في السفر لا عن تقديمه ، وهذا الكلام صريح في الرخصة في التقديم فلا منافاة ، ولعله كما رخص في القضاء رخص في التقديم. والله العالم.

__________________

(1) ص 351 و 352.

(2) ص 353.

(3) ص 25.


السادس ـ روى الصدوق في الفقيه مرسلا (1) قال : روى انه سئل العالم عليه‌السلام عن خميسين يتفقان في آخر الشهر؟ فقال : صم الأول فلعلك لا تلحق الثاني.

قال في الوافي : الآخر في نفسه أفضل والأول يصير بهذه النية أفضل فافضلية كل منهما من جهة غير جهة الآخر. انتهى.

أقول : ويمكن أن يكون الخبر محمولا على ما إذا كان الخميس الثاني يوم الثلاثين من الشهر فيجوز أن يكون ناقصا فيكون الخميس أول الشهر الذي بعد هذا الشهر فإنه لا يلحقه ، واليه يشير قوله : «فلعلك لا تلحق الثاني» واما حمل عدم لحوق الثاني على الموت قبله فالظاهر بعده.

وروى فيه أيضا عن الفضيل بن يسار في القوى عن أبى عبد الله عليه‌السلام (2) قال : «إذا صام أحدكم الثلاثة الأيام من الشهر فلا يجادلن أحدا ولا يجهل ولا يسرع الى الحلف والايمان بالله وان جهل عليه أحد فليحتمل».

ومنها ـ صوم أيام البيض كما ذكره جملة من أصحابنا بل ظاهر العلامة في المنتهى انه مذهب العلماء كافة.

قال السيد السند (قدس‌سره) في المدارك : ولم أقف فيه على رواية من طرق الأصحاب سوى ما رواه الصدوق في كتاب العلل (3) بإسناده الى ابن مسعود قال : «سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول ان آدم لما عصى ربه (عزوجل) ناداه مناد من لدن العرش يا آدم اخرج من جواري فإنه لا يجاورني أحد عصاني ، فبكى وبكت الملائكة فبعث الله (عزوجل) جبرئيل فأهبطه إلى الأرض مسودا ، فلما رأته الملائكة ضجت وبكت وانتحبت وقالت يا رب خلقا خلقته ونفخت فيه من روحك وأسجدت له ملائكتك بذنب واحد حولت بياضه سوادا ، فناداه مناد من السماء

__________________

(1) الوسائل الباب 7 من الصوم المندوب.

(2) الوسائل الباب 12 من آداب الصائم.

(3) ص 133 وفي الوسائل الباب 12 من الصوم المندوب.


صم لربك فصام فوافق يوم ثلاثة عشر من الشهر فذهب ثلث السواد ، ثم نودي يوم الرابع عشر ان صم لربك اليوم فصام فذهب ثلثا السواد ، ثم نودي يوم خمسة عشر بالصيام فصام فأصبح وقد ذهب السواد كله ، فسميت أيام البيض للذي رد الله (عزوجل) فيه على آدم بياضه. ثم نادى مناد من السماء يا آدم هذه الثلاثة الأيام جعلتها لك ولولدك فمن صامها في كل شهر فكأنما صام الدهر».

ثم قال الصدوق (قدس‌سره) بعد ان أورد هذا الخبر : قال مصنف هذا الكتاب هذا الخبر صحيح ولكن الله تبارك وتعالى فوض الى نبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر دينه فقال عزوجل (ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (1) فسن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مكان أيام البيض خميسا في أول الشهر وأربعاء في وسط الشهر وخميسا في آخر الشهر وذلك صوم السنة من صامها كان كمن صام الدهر لقول الله عزوجل (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) (2) وإنما ذكرت الحديث لما فيه من ذكر العلة وليعلم السبب في ذلك لان الناس أكثرهم يقولون ان أيام البيض إنما سميت بيضا لأن لياليها مقمرة من أولها إلى آخرها (3) انتهى كلامه زيد مقامه.

ومقتضاه ان صوم هذه الأيام كان أولا فنسخ بصوم الخميسين بينهما أربعاء ، وهو الظاهر من قوله عليه‌السلام في صحيحة محمد بن مسلم أو حسنته المتقدمة (4) بعد ان ذكر صومه صلى‌الله‌عليه‌وآله صوم داود عليه‌السلام «ثم ترك ذلك وصام الثلاثة الأيام الغر ثم ترك ذلك وفرقها في كل عشرة يوما. الحديث». فان المراد بالأيام الغر هي أيام هذه الليالي ، ووصفها بذلك باعتبار لياليها لأن اليوم يطلق على ما يشمل النهار والليل.

وأنت خبير بان ما ذكره شيخنا الصدوق من ان هذا الخبر صحيح مع كونه

__________________

(1) سورة الحشر الآية 8.

(2) سورة الأنعام الآية 162.

(3) المغني ج 3 ص 178.

(4) ص 348.


من طريق العامة (1) ورواته كلهم منهم لا اعرف له وجها ، وما تضمنه من العلة خلاف ما عليه أصحابنا قاطبة كما لا يخفى على من راجع كلامهم فإنهم إنما عللوا كونها بيضا بهذا الوجه الذي رده ، وهو ظاهر صحيحة محمد بن مسلم المذكورة كما ذكرنا فان وصفها بكونها غرا إنما يكون باعتبار لياليها لا باعتبار هذه العلة التي في هذا الخبر ، وهذه العلة التي تضمنها هذا الخبر مصرح بها في كلام العامة خاصة (2) لكون خبرها من طرقهم. وبالجملة فإن إيراده (قدس‌سره) لهذا الخبر وحكمه بصحته لأجل هذه العلة لا يخلو من مجازفة.

هذا. وقد استدل جملة من الأصحاب : منهم ـ العلامة في المنتهى بحديث الزهري المتقدم في أول الكتاب (3) وسيأتي ما في ذلك.

نعم روى الحميري في كتاب قرب الاسناد على ما نقله في الوسائل عن الحسن ابن ظريف عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (4) «ان عليا عليه‌السلام كان ينعت صيام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : صام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الدهر كله ما شاء الله ثم ترك ذلك وصام صيام داود عليه‌السلام يوما لله ويوما له ما شاء الله ثم ترك ذلك فصام الاثنين والخميس ما شاء الله ثم ترك ذلك وصام البيض ثلاثة أيام من كل شهر فلم يزل ذلك صيامه حتى قبضه الله اليه».

ونقل في الوسائل عن على بن موسى بن طاوس في الدروع الواقية نقلا من

__________________

(1) لم أقف على الحديث بلفظة في كتبهم نعم في عمدة القارئ ج 4 ص 322 «روى عن ابن عباس قال انما سمى بأيام البيض لان آدم لما اهبط الى الأرض أحرقته الشمس فاسود فأوحى الله اليه ان صم أيام البيض فصام أول يوم فابيض ثلث جسده فلما صام اليوم الثاني أبيض ثلثا جسده فلما صام اليوم الثالث أبيض جسده كله ولم نجده في مسند ابن مسعود في مسند احمد ولا في سنن البيهقي ولا في كنز العمال.

(2) في المغني ج 3 ص 178 في وجه تسميتها بأيام البيض قال وقيل ان الله تاب على آدم فيها وبيض صحيفته. ذكره أبو الحسن التميمي.

(3) ص 3 الى 7.

(4) الوسائل الباب 12 من الصوم المندوب.


كتاب تحفة المؤمن تأليف عبد الرحمن بن محمد بن على الحلواني عن على بن ابى طالب عليه‌السلام (1) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أتاني جبرئيل فقال قل لعلى صم من كل شهر ثلاثة أيام يكتب لك بأول يوم تصومه عشرة آلاف سنة وبالثاني ثلاثون ألف سنة وبالثالث مائة ألف سنة. قلت يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الى ذلك خاصة أم للناس عامة؟ فقال يعطيك الله ذلك ولمن عمل مثل ذلك. فقلت ما هي يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ قال. الأيام البيض من كل شهر وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر».

قال ابن طاوس (2) ووجدت في تأريخ نيسابور في ترجمة الحسن بن محمد ابن جعفر بإسناده الى الحسن بن على بن أبى طالب عليه‌السلام قال «سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن صوم أيام البيض فقال : صيام مقبول غير مردود».

وظاهر المحدث المذكور في كتابه الحكم بالاستحباب في هذه الأيام تبعا للقول المشهور حيث قال ـ بعد نقل كلام الصدوق المتقدم ـ ما صورته : أقول لا منافاة بين استحباب هذه الثلاثة وتلك الثلاثة وكان مراده بيان تأكد الاستحباب. انتهى أقول : التحقيق عندي في هذا المقام هو حمل هذه الاخبار على التقية (3) أما حديث قرب الاسناد فإن راويه عامي (4) والخبر ظاهر في انه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان هذا صيامه حتى قبضه الله عليه بعد تلك الأفراد المتقدمة مع ان الروايات مستفيضة ـ ما ذكرنا منها وما لم نذكر ـ في أن صيامه الذي قبضه الله عليه إنما هو صيام خميسين بينهما أربعاء. وتأويل صاحب الوسائل بالحمل على جمعهما ضعيف ، لان ظاهر

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 12 من الصوم المندوب.

(3) المغني ج 3 ص 177.

(4) راجع رجال النجاشي والخلاصة. وفي رجال الكشي ص 247 انه من العامة الذين لهم ميل إلى الأئمة (ع) وفي ميزان الاعتدال للذهبى ج 1 ص 254 عن جماعة انه ضعيف كذاب متروك الحديث.


هذا الخبر ان صيام السنة الذي استقر عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد تلك الصيامات إنما هو هذا خاصة أعنى صوم أيام البيض ، مع ان صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة (1) دلت على انه بعد ان صامها مدة من الزمان ترك ذلك وفرقها في كل عشرة يوما. الى أن قال «فقبض صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يعمل ذلك» فكيف يتم ما ذكره؟ واما الرواية الثانية فإن صاحب هذا الكتاب غير معروف فلعله من العامة وهو الأقرب وهو مجهول وحديثه مثله. والحديث الثالث كذلك بل أظهر.

واما استناده في الوسائل أيضا الى حديث الزهري تبعا لما نقلناه عن العلامة في المنتهى ففيه ان صريح كلام الامام عليه‌السلام إنما هو عد الأفراد التي خير فيها بين الصوم وعدمه ، حيث قال عليه‌السلام (2) بعد ان ذكر أولا ان أربعة عشر وجها صاحبها بالخيار ان شاء صام وان شاء أفطر : واما الصوم الذي صاحبه بالخيار فصوم يوم الجمعة والخميس والاثنين وصوم أيام البيض وصوم ستة أيام من شوال بعد شهر رمضان. الحديث.

والوجه في ذلك هو ما قدمنا نقله عن المحدث الكاشاني من ان هذه الأيام لما كانت من ما يستحب فيها الصيام عند العامة وانه صيام الترغيب والسنة عندهم ذكره عليه‌السلام وعبر عنه بالتخيير بين صومه وعدمه ردا عليهم في ما زعموا من استحباب صومها ، ولم يذكر عليه‌السلام في هذا الخبر شيئا من صيام السنة والترغيب الذي نحن بصدد الكلام عليه (3) لكونه من خصوصيات مذهبهم (عليهم‌السلام) الذي لا يفضونه إلا الى شيعتهم.

والعلامة في المنتهى إنما استدل بروايات العامة (4) ثم قال : ومن طريق

__________________

(1) ص 348.

(2) الوسائل الباب 5 من الصوم المندوب.

(3) ارجع الى الاستدراكات في آخر الكتاب.

(4) وهي حديث ابى ذر وحديث الأعرابي وحديث ملحان القيسي ، راجع سنن البيهقي ج 4 ص 294 والمغني ج 3 ص 177.


الأصحاب. ثم أشار الى رواية الزهري.

وبالجملة فإن هذا الفرد وان اتفقوا عليه إلا انه لا دليل عليه بل الأدلة ترده.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان المشهور في كلام الأصحاب ان أيام البيض هي اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر ، ونقل في المختلف عن ابن أبى عقيل أنه الأيام الثلاثة المتقدمة.

قال في المختلف : صيام أيام البيض مستحب إجماعا والمشهور في تفسيرها الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر ، سميت بيضا بأسماء لياليها من حيث ان القمر يطلع مع غروب الشمس ويغرب مع طلوعها ، قاله الشيخان والسيد المرتضى وأكثر علمائنا ، وقال ابن ابى عقيل : فأما السنة من الصيام فصوم شعبان وصيام البيض وهي ثلاثة أيام في كل شهر متفرقة أربعاء بين خميسين الخميس الأول من العشر الأول والأربعاء الأخير من العشر الأوسط وخميس من العشر الأخير. لنا ان العلة ما ذكرناها ولا تتم إلا في الأيام المذكورة. انتهى كلامه والله العالم.

ومنها ـ صوم الغدير والعيد الكبير وقد تكاثرت الاخبار بذلك :

ومنها ـ ما رواه في الكافي ومن لا يحضره الفقيه عن الحسن بن راشد عن أبى عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «قلت له جعلت فداك هل للمسلمين عيد غير العيدين؟ قال نعم يا حسن أعظمهما وأشرفهما. قلت وأى يوم هو؟ قال هو يوم نصب أمير المؤمنين عليه‌السلام علما للناس. قلت جعلت فداك وما ينبغي لنا أن نصنع فيه؟ قال تصومه يا حسن وتكثر الصلاة على محمد وآله صلى‌الله‌عليه‌وآله وتبرأ الى الله ممن ظلمهم حقهم ، فإن الأنبياء عليهم‌السلام كانت تأمر الأوصياء باليوم الذي كان يقام فيه الوصي أن يتخذ عيدا. قال قلت فما لمن صامه؟ قال صيام ستين شهرا. ولا تدع صيام يوم سبع وعشرين من رجب فإنه اليوم الذي نزلت فيه النبوة على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وثوابه مثل ستين شهرا لكم».

__________________

(1) الوسائل الباب 14 و 15 من الصوم المندوب.


وروى في الكافي عن عبد الرحمن بن سالم عن أبيه (1) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام هل للمسلمين عيد غير يوم الجمعة والأضحى والفطر؟ قال : نعم أعظمها حرمة. قلت وأى عيد هو جعلت فداك؟ قال اليوم الذي نصب فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمير المؤمنين عليه‌السلام وقال من كنت مولاه فعلى مولاه. قلت أى يوم هو؟ قال وما تصنع باليوم ان السنة تدور ولكنه يوم ثمانية عشر من ذي الحجة. فقلت وما ينبغي لنا أن نفعل في ذلك اليوم؟ فقال تذكرون الله تعالى فيه بالصيام والعبادة والذكر لمحمد وآل محمد فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أوصى أمير المؤمنين عليه‌السلام أن يتخذ ذلك اليوم عيدا وكذلك كانت الأنبياء تفعل كانوا يوصون أوصياءهم بذلك فيتخذونه عيدا».

قوله عليه‌السلام ـ : «وما تصنع باليوم» في جواب سؤال الراوي عن أى يوم هو ـ يعطي انه عليه‌السلام فهم من سؤاله أن مراده السؤال عن كونه أى يوم من أيام الأسبوع فأجابه عليه‌السلام بما ذكره من أن أيام الأسبوع تدور ولا تبقى على زمان توافق ذلك الزمان بل المعتبر تعيينه بالأشهر.

وروى الشيخ في التهذيب عن على بن الحسين العبدي (2) قال : «سمعت أبا عبد الله الصادق عليه‌السلام يقول : صيام يوم غدير خم يعدل صيام عمر الدنيا لو عاش انسان ثم صام ما عمرت الدنيا لكان له ثواب ذلك ، وصيامه يعدل عند الله (عزوجل) في كل عام مائة حجة ومائة عمرة مبرورات متقبلات وهو عيد الله الأكبر. الحديث». الى غير ذلك من الأخبار المتواترة.

ومنها ـ صوم يوم المبعث وهو اليوم السابع والعشرون من رجب.

ويدل عليه جملة من الأخبار : منها ـ رواية الحسن بن راشد المتقدمة.

وما رواه الصدوق عن الحسن بن بكار الصيقل عن أبى الحسن الرضا عليه‌السلام (3) قال : «بعث الله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله لثلاث ليال مضين من رجب وصوم ذلك اليوم

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 14 من الصوم المندوب.

(3) الوسائل الباب 15 من الصوم المندوب.


كصوم سبعين عاما». قال سعد (1) كان مشايخنا يقولون ان ذلك غلط من الكاتب وانه لثلاث بقين من رجب. الى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

ومنها ـ صوم يوم النصف من رجب أيضا.

ويدل عليه ما رواه الشيخ في المصباح عن الريان بن الصلت (2) قال : «صام أبو جعفر الثاني عليه‌السلام لما كان ببغداد صام يوم النصف من رجب ويوم السابع والعشرين منه وصام معه جميع حشمه. الحديث».

ومنها ـ صوم يوم دحو الأرض وهو اليوم الخامس والعشرون من ذي القعدة

ويدل عليه ما رواه الصدوق بإسناده عن الحسن بن راشد (3) قال : «كنت مع أبى وأنا غلام فتعشينا عند الرضا عليه‌السلام ليلة خمس وعشرين من ذي القعدة فقال له ليلة خمس وعشرين من ذي القعدة ولد فيها إبراهيم عليه‌السلام وولد فيها عيسى بن مريم عليه‌السلام وفيها دحيت الأرض من تحت الكعبة فمن صام ذلك اليوم كان كمن صام ستين شهرا». الى غير ذلك من الاخبار.

قال في المدارك : ومقتضى ذلك عد الشهور قبل الدحو واستشكله جدي (قدس‌سره) في فوائد القواعد بما علم من انه تعالى خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ، وان المراد من اليوم دوران الشمس في فلكها دورة واحدة وهو يقتضي عدم خلق السماوات قبل ذلك (4) فلا يتم عد الأشهر في تلك المدة. ثم قال : ويمكن دفعه بان الكتاب العزيز ناطق بتأخر الدحو عن خلق السماوات والأرض والليل والنهار ، حيث قال عزوجل (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها رَفَعَ سَمْكَها فَسَوّاها وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) (5) وعلى هذا فيمكن تحقق الأهلة وعد الأيام قبل ذلك. انتهى.

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 15 من الصوم المندوب.

(3) الوسائل الباب 16 من الصوم المندوب ، والراوي الحسن بن على الوشاء.

(4) ارجع الى الاستدراكات.

(5) سورة النازعات الآية 28 و 29 و 30 و 31.


ومنها ـ صوم أول يوم من ذي الحجة وصوم يوم التروية بل صيام التسعة :

فروى ثقة الإسلام في الكافي عن سهل بن زياد عن بعض أصحابنا عن أبى الحسن الأول عليه‌السلام في حديث (1) قال : «وفي أول يوم من ذي الحجة ولد إبراهيم خليل الرحمن عليه‌السلام فمن صام ذلك اليوم كتب الله له صيام ستين شهرا».

وروى الشيخ في كتاب المصباح مرسلا عن أبى الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام (2) انه قال : «من صام أول يوم من العشر عشر ذي الحجة كتب الله له صوم ثمانين شهرا».

وروى الصدوق مثله (3) وزاد «فان صام التسع كتب الله له صوم الدهر». ورواه في كتاب ثواب الأعمال مثله (4).

قال (5) : وقال الصادق عليه‌السلام «صوم يوم التروية كفارة سنة ويوم عرفة كفارة سنتين».

وقال في الكتاب المذكور (6) وروى ان في أول يوم من ذي الحجة ولد إبراهيم خليل الرحمن (على نبينا وآله وعليه‌السلام) فمن صام ذلك اليوم كان كفارة ستين سنة ، وفي تسع من ذي الحجة أنزلت توبة داود (على نبينا وآله وعليه‌السلام) فمن صام ذلك اليوم كان كفارة تسعين سنة :.

ومنها ـ صوم اليوم التاسع من ذي الحجة وهو يوم عرفة بشرط تحقق الهلال وعدم الشك فيه لئلا يكون يوم العيد وان لا يضعفه عن الدعاء.

فروى الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه‌السلام (7) قال : «سألته عن صوم يوم عرفة فقال من قوى عليه فحسن ان لم يمنعك من الدعاء فإنه يوم دعاء ومسألة فصمه ، وان خشيت ان تضعف عن ذلك فلا تصمه».

وروى بسنده عن حنان بن سدير عن أبيه عن أبى جعفر عليه‌السلام (8) قال :

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6) الوسائل الباب 18 من الصوم المندوب.

(7 و 8) الوسائل الباب 23 من الصوم المندوب.


«سألته عن صوم يوم عرفة فقلت جعلت فداك انهم يزعمون انه يعدل صوم سنة (1) فقال كان أبى لا يصومه. فقلت ولم ذاك؟ قال ان يوم عرفة يوم دعاء ومسألة وأتخوف أن يضعفني عن الدعاء واكره أن أصومه ، وأتخوف أن يكون يوم عرفة يوم أضحى وليس بيوم صوم».

وروى ثقة الإسلام في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (2) «انه سئل عن صوم يوم عرفة فقال أنا أصومه اليوم وهو يوم دعاء ومسألة».

وروى في الموثق عن محمد بن مسلم (3) قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يصم يوم عرفة منذ نزل صيام شهر رمضان». ورواه الشيخ في الموثق عن محمد بن قيس عن ابى جعفر عليه‌السلام مثله (4).

وروى الصدوق في الفقيه بإسناده عن يعقوب بن شعيب (5) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن صوم يوم عرفة فقال ان شئت صمت وان شئت لم تصم».

قال (6) وذكر ان رجلا أتى الحسن والحسين (عليهما‌السلام) فوجد أحدهما صائما والآخر مفطرا فسألهما فقالا ان صمت فحسن وان لم تصم فجائز.

وروى الصدوق بإسناده عن عبد الله بن المغيرة عن سالم عن أبى عبد الله عليه‌السلام (7) قال : «اوصى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الى على عليه‌السلام وحده واوصى على الى الحسن والحسين (عليهما‌السلام) جميعا وكان الحسن امامه ، فدخل رجل يوم عرفة على الحسن عليه‌السلام وهو يتغدى والحسين عليه‌السلام صائم ثم جاء بعد ما قبض الحسن عليه‌السلام فدخل على الحسين عليه‌السلام يوم عرفة وهو يتغدى وعلى بن الحسين عليه‌السلام صائم ، فقال له الرجل انى دخلت على الحسن عليه‌السلام وهو يتغدى وأنت صائم ثم دخلت عليك وأنت مفطر وعلى بن الحسين عليه‌السلام صائم؟ فقال ان الحسن عليه‌السلام كان إماما فأفطر لئلا يتخذ

__________________

(1) المغني ج 3 ص 174 و 175 انه كفارة سنتين.

(2 و 3 و 4 و 5 و 6 و 7) الوسائل الباب 23 من الصوم المندوب.


صومه سنة وليتأسى به الناس فلما ان قبض كنت أنا الإمام فأردت أن لا يتخذ صومي سنة فيتأسى الناس بي».

وروى في الكافي عن زرارة عن أبى جعفر وأبى عبد الله (عليهما‌السلام) (1) قالا : «لا تصم في يوم عاشوراء ولا عرفة بمكة ولا في المدينة ولا في وطنك ولا في مصر من الأمصار».

والذي يقرب عندي من التأمل في هذه الاخبار بعين الفكر والاعتبار أنها إلى الدلالة على عدم الاستحباب كما في سائر الأيام المذكورة في المقام أقرب وان كان الصيام في حد ذاته مستحبا مطلقا.

ويدل على ذلك أولا ـ الخبران الدالان على ان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد نزول شهر رمضان لم يصمها مع ما علم من ملازمته صلى‌الله‌عليه‌وآله على صيام السنة.

وثانيا ـ قول الحسين عليه‌السلام في حديث سالم المذكور : ان الحسن عليه‌السلام في وقت إمامته وكذلك هو عليه‌السلام إنما لم يصوما لئلا يتخذ الناس صومه سنة وليتأسى الناس بهما في ترك صومه ، فإنه ظاهر كما ترى في عدم الاستحباب على الوجه المذكور.

واما ما ذكره في الوسائل ـ من أن المقصود دفع توهم الناس وجوب صوم يوم عرفة لا استحبابه ـ فبعيد عن ظاهر الخبر كما لا يخفى على المتأمل فيه.

وثالثا ـ ما صرح به عليه‌السلام في حديث يعقوب بن شعيب من التخيير بين الصوم وعدمه ، ومن الظاهر منافاته للترغيب المذكور في هذه الأيام المعدودة في المقام. والسؤال ليس عن وجوبه حتى يحمل الكلام على دفع الوجوب بل السؤال عن استحبابه على وجه الترغيب كغيره من الأيام المعدودة.

ورابعا ـ النهى المؤكد في رواية زرارة الأخيرة.

والأصحاب (رضوان الله عليهم) حيث قالوا باستحبابه جمعوا بين روايات النهى وروايات الاستحباب بحمل أخبار النهى على ما إذا لزم منه الضعف عن الدعاء

__________________

(1) الوسائل الباب 21 من الصوم المندوب.


أو خوف الوقوع في صيام العيد استنادا الى الخبرين الأولين ، وفي دلالتهما على ذلك تأمل سيما الخبر الثاني.

وبالجملة فإن عده في حديث الزهري المتقدم (1) في الأيام التي يتخير بين صومها وعدمه بالتقريب الذي قدمنا بيانه يدل على ان استحباب صومه على جهة الترغيب إنما هو عند العامة (2) كما في تلك الأفراد المعدودة معه ، وما دل من الأخبار هنا صريحا على كون صيامه يعدل سنة أو نحو ذلك فيجوز خروجه مخرج التقية ، واليه يشير قول سدير لأبي جعفر عليه‌السلام : «انهم يزعمون انه يعدل صوم سنة» يعني العامة فأجاب (عليه‌السلام) بأن أبى كان لا يصومه. بمعنى انه لو كان كما يدعونه لكان أبى أولى بالمحافظة على صيامه لما علم من تهالكه (عليه‌السلام) على الوظائف المؤكدة. ثم ان الراوي لما سأله عن الوجه في عدم صيامه أجابه بهذا الوجه الإقناعي من انه يتخوف أن يضعفه عن الدعاء أو يتخوف انه ربما يكون يوم عيد. وهذا الجواب وقع عن عدم صومه مطلقا ، فهو من قبيل العلل الشرعية التي لا يشترط اطرادها ولا دوران المعلول مدارها بل يكفى وجودها في الجملة ولو في مادة لا بمعنى انه ان أضعفه عن الدعاء لم يصمه وان لم يضعفه استحب له ، وكذلك بالنسبة إلى الهلال. وبالجملة فالأقرب عندي هو ان صومه ليس إلا مثل غيره من الأيام لا مثل هذه الأيام المرغب فيها.

ومنها ـ صوم مولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو اليوم السابع عشر من ربيع الأول على المشهور ، وقال الكليني انه اليوم الثاني عشر منه وهو مذهب الجمهور (3) ونقل في

__________________

(1) ص 6.

(2) المغني ج 3 ص 174 و 175 وقد استثنى ص 176 منه صومه لمن كان بعرفة ليتقوى على الدعاء.

(3) في مرآة العقول ج 1 ص 349 : اتفقت الإمامية إلا من شذ منهم ان ولادته (ص) في سابع عشر ربيع الأول. وذهب أكثر المخالفين إلى انها في الثاني عشر منه


المدارك عن جده في فوائد القواعد الميل اليه.

ثم قال في المدارك : وليس في الباب رواية تصلح لإثبات أحد القولين. ثم قال : ويدل على استحباب صوم السابع عشر من شهر ربيع الأول والسابع والعشرين من رجب

ما رواه الشيخ بسند مشتمل على عدة من الضعفاء والمجاهيل عن إسحاق بن عبد الله العلوي العريضي عن ابى الحسن الثالث (عليه‌السلام) (1) «انه قال له يا أبا إسحاق جئت تسألني عن الأيام التي يصام فيهن وهي أربعة : أولهن يوم السابع والعشرين من رجب يوم بعث الله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى خلقه رحمة للعالمين ، ويوم مولده وهو السابع عشر من شهر ربيع الأول ، ويوم الخامس والعشرين من ذي القعدة فيه دحيت الكعبة ، ويوم الغدير فيه أقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أخاه عليا (عليه‌السلام) علما للناس واماما من بعده».

أقول : وهذا الحديث وان ضعف سنده بهذا الاصطلاح المحدث إلا انه صحيح بالاصطلاح القديم لإجماع الطائفة على العمل به قديما وحديثا وهو جابر لضعف الخبر بتصريح أرباب هذا الاصطلاح فإنه لا راد له بل الكل قائل به».

ورواه الراوندي سعيد بن هبة الله في كتاب الخرائج والجرائح عن إسحاق بن عبد الله العلوي العريضي (2) قال : ركب أبى وعمومتي الى أبى الحسن (عليه‌السلام) وقد اختلفوا في الأيام التي تصام في السنة وهو مقيم في قرية قبل سيره إلى سر من رأى فقال لهم جئتم تسألوني عن الأيام التي تصام في السنة فقالوا ما جئناك إلا لهذا فقال. ثم ساق الخبر على نحو ما تقدم.

__________________

واختاره المصنف اما اختيارا أو تقية والأخير أظهر. راجع الإمتاع للمقريزى ج 1 ص 3 وعيون الأثر لابن سيد الناس ج 1 ص 26 والسيرة الحلبية ج 1 ص 67 وتاريخ الطبري ج 2 ص 125.

(1) التهذيب ج 4 ص 305 وفي الوسائل الباب 14 من الصوم المندوب.

(2) الوسائل الباب 19 من الصوم المندوب.


ويؤيد هذا الخبر ما ذكره الشيخ في المصباح (1) قال : روى عنهم (عليهم‌السلام) انهم قالوا : من صام يوم سابع عشر من شهر ربيع الأول كتب الله له صيام سنة.

وقال شيخنا المفيد (قدس‌سره) في كتاب مسار الشيعة (2) : في اليوم السابع عشر من ربيع الأول كان مولد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يزل الصالحون من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله على قديم الأوقات يعظمونه ويعرفون حقه ويرعون حرمته ويتطوعون بصيامه. قال : وقد روى عن أئمة الهدى (عليهم‌السلام) انهم قالوا : من صام يوم السابع عشر من شهر ربيع الأول ـ وهو مولد سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ كتب الله له صيام سنة.

وقال في المقنعة (3) قد ورد الخبر عن الصادقين (عليهم‌السلام) بفضل صيام أربعة أيام في السنة. الى ان قال : يوم السابع عشر من ربيع الأول. ثم ساق الكلام وذكر ثواب صوم كل يوم من تلك الأيام. وظاهر عبارته تكاثر الأخبار عنده بذلك.

وقال محمد بن على بن الفتال الفارسي في كتاب روضة الواعظين (4) : روى ان يوم السابع عشر من ربيع الأول هو يوم مولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فمن صامه كتب الله له صيام ستين سنة.

وبذلك يظهر ان ما ذكره من المناقشة في سند الخبر المتقدم من المناقشات الواهية.

واما ما يدل على ان مولده صلى‌الله‌عليه‌وآله الثاني عشر من الشهر المذكور فلم أقف عليه في أخبارنا ولعل ما ورد بذلك انما هو من طرق العامة حيث ان هذا هو المختار عندهم (5)

ومنها ـ صوم يوم عاشوراء على وجه الحزن ، كذا قيده جملة من الأصحاب

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 19 من الصوم المندوب.

(5) ارجع الى الصفحة 367.


وكأنهم جعلوا ذلك وجه جمع بين الأخبار الواردة في صومه أمرا ونهيا (1).

وبهذا جمع الشيخ بين الاخبار في الاستبصار فقال : ان من صام يوم عاشوراء على طريق الحزن بمصاب آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله والجزع لما حل بعترته صلى‌الله‌عليه‌وآله فقد أصاب ومن صامه على ما يعتقده مخالفونا من الفضل في صومه والتبرك به والاعتقاد ببركته وسعادته (2) فقد أثم وأخطأ.

ونقل هذا الجمع عن شيخه المفيد (قدس‌سره) قال في المدارك بعد ذكر ذلك : وهو جيد. أقول : بل الظاهر بعده لما سيظهر لك ان شاء الله تعالى بعد نقل الأخبار الواردة في هذا المقام :

فاما ما يدل على استحباب صومه فمنها ـ ما رواه في التهذيب عن ابى همام عن أبى الحسن (عليه‌السلام) (3) قال : «صام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم عاشوراء».

__________________

(1) الوسائل الباب 20 و 21 من الصوم المندوب.

(2) لم نقف في اخبار العامة على ما يرجح الصوم يوم عاشوراء للتبرك والسعادة إلا على حديث ابى موسى في صحيح مسلم باب (صوم يوم عاشوراء) وفيه ان أهل خيبر كانوا يصومون يوم عاشوراء ويتخذونه عيدا ويلبسون فيه نساءهم الحلي فقال رسول الله (ص) فصوموه أنتم. وللأحاديث الواردة في صومه المشتملة على الإباضية والمرجئة والضعفاء افتى فقهاء أهل السنة باستحباب صومه ، قال العيني في عمدة القارئ ج 5 ص 347 اتفق العلماء على ان صوم يوم عاشوراء سنة وليس بواجب. نعم اختلق أعداء أهل البيت (ع) أحاديث في استحباب التوسعة على العيال يوم عاشوراء والاغتسال والخضاب والاكتحال ، وفيها يقول ابن كثير الحنبلي كان النواصب من أهل الشام يعاكسون الشيعة فيتطيبون ويغتسلون ويطبخون الحبوب ويلبسون أفخر الثياب ويتخذون ذلك اليوم عيدا يظهرون فيه السرور عنادا للروافض وقد رد هذه الأحاديث السيوطي في اللئالي المصنوعة ج 2 ص 108 الى 113 والذهبي في الميزان ج 1 ص 116 وابن حجر في مجمع الزوائد ج 3 ص 189 وفي الصواعق المحرقة ص 109.

(3) الوسائل الباب 20 من الصوم المندوب.


وما رواه عن عبد الله بن ميمون القداح عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (1) قال : «صيام يوم عاشوراء كفارة سنة».

وما رواه الشيخ عن مسعدة بن صدقة عن ابى عبد الله عن أبيه (عليهما‌السلام) (2) «ان عليا (صلوات الله وسلامه عليه وآله) قال : صوموا العاشوراء التاسع والعاشر فإنه يكفر ذنوب سنة».

وما رواه عن كثير النواء عن أبى جعفر (عليه‌السلام) (3) قال : «لزقت السفينة يوم عاشوراء على الجودي فأمر نوح (عليه‌السلام) من معه من الجن والإنس أن يصوموا ذلك اليوم. وقال أبو جعفر (عليه‌السلام) أتدرون ما هذا اليوم؟ هذا اليوم الذي تاب الله فيه على آدم وحواء (عليهما‌السلام) وهذا اليوم الذي فلق الله فيه البحر لبني إسرائيل فأغرق فرعون ومن معه ، وهذا اليوم الذي غلب فيه موسى عليه‌السلام فرعون ، وهذا اليوم الذي ولد فيه إبراهيم عليه‌السلام ، وهذا اليوم الذي تاب الله فيه على قوم يونس عليه‌السلام) وهذا اليوم الذي ولد فيه عيسى بن مريم (عليه‌السلام) وهذا اليوم الذي يقوم فيه القائم عليه‌السلام».

واما ما يدل على عدم جواز صومه ، فمنه ما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن زرارة بن أعين ومحمد بن مسلم جميعا (4) «أنهما سألا أبا جعفر الباقر عليه‌السلام عن صوم يوم عاشوراء فقال : كان صومه قبل شهر رمضان فلما نزل شهر رمضان ترك (5)».

وما رواه ثقة الإسلام في الكافي بسنده عن عبد الملك (6) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن صوم تاسوعاء وعاشوراء من شهر المحرم فقال تاسوعاء يوم حوصر فيه الحسين (عليه‌السلام) وأصحابه (رضوان الله عليهم)

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 20 من الصوم المندوب.

(4 و 6) الوسائل الباب 21 من الصوم المندوب.

(5) سنن البيهقي ج 4 ص 288.


بكربلاء واجتمع عليه خيل أهل الشام وأناخوا عليه وفرح ابن مرجانة وعمر بن سعد بتوافر الخيل وكثرتها واستضعفوا فيه الحسين وأصحابه (كرم الله وجوههم) وأيقنوا أن لا يأتي الحسين (عليه‌السلام) ناصر ولا يمده أهل العراق ، بأبي المستضعف الغريب. ثم قال : واما يوم عاشوراء فيوم أصيب فيه الحسين عليه‌السلام صريعا بين أصحابه وأصحابه صرعى حوله ، أفصوم يكون في ذلك اليوم؟ كلا ورب البيت الحرام ما هو يوم صوم وما هو إلا يوم حزن ومصيبة دخلت على أهل السماء وأهل الأرض وجميع المؤمنين ويوم فرح وسرور لابن مرجانة وآل زياد وأهل الشام (غضب الله عليهم وعلى ذرياتهم) وذلك يوم بكت عليه جميع بقاع الأرض خلا بقعة الشام ، فمن صامه أو تبرك به حشره الله مع آل زياد ممسوخ القلب مسخوطا عليه ، ومن ادخر فيه الى منزله ذخيرة أعقبه الله تعالى نفاقا في قلبه الى يوم يلقاه وانتزع البركة عنه وعن أهل بيته وولده وشاركه الشيطان في جميع ذلك».

وما رواه فيه عن محمد بن عيسى بن عبيد عن جعفر بن عيسى أخيه (1) قال : «سألت الرضا (عليه‌السلام) عن صوم يوم عاشوراء وما يقول الناس فيه فقال عن صوم ابن مرجانة تسألني ذلك يوم صامه الأدعياء من آل زياد لقتل الحسين (عليه‌السلام) وهو يوم يتشاءم به آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ويتشاءم به أهل الإسلام واليوم الذي يتشاءم به أهل الإسلام لا يصام ولا يتبرك به ، ويوم الاثنين يوم نحس قبض الله فيه نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله وما أصيب آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله إلا في يوم الاثنين فتشاءمنا به وتبرك به عدونا ، ويوم عاشوراء قتل فيه الحسين (عليه‌السلام) وتبرك به ابن مرجانة وتشاءم به آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فمن صامهما أو تبرك بهما لقي الله تبارك وتعالى ممسوخ القلب وكان محشره مع الذين سنوا صومهما والتبرك بهما».

وما رواه فيه عن زيد النرسي (2) قال : «سمعت عبيد بن زرارة يسأل

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 21 من الصوم المندوب.


أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن صوم يوم عاشوراء فقال : من صامه كان حظه من صيام ذلك اليوم حظ ابن مرجانة وآل زياد. قال قلت : وما كان حظهم من ذلك اليوم؟ قال : النار ، أعاذنا الله من النار ومن عمل يقرب من النار».

وما رواه عن نجية بن الحارث العطار (1) قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن صوم يوم عاشوراء فقال صوم متروك بنزول شهر رمضان (2) والمتروك بدعة قال نجية فسألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) من بعد أبيه (عليه‌السلام) عن ذلك فأجابني بمثل جواب أبيه ، ثم قال اما انه صوم يوم ما نزل به كتاب ولا جرت به سنة إلا سنة آل زياد بقتل الحسين بن على عليهما‌السلام».

وما رواه عن زرارة عن أبى جعفر وأبى عبد الله (عليهما‌السلام) (3) قالا : لا تصم في يوم عاشوراء ولا عرفة بمكة. الحديث وقد تقدم في صوم عرفة.

وما رواه الصدوق في كتاب المجالس عن الحسين بن أبى غندر عن أبيه عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «سألته عن صوم يوم عرفة فقال عيد من أعياد المسلمين ويوم دعاء ومسألة. قلت فصوم يوم عاشوراء؟ قال ذلك يوم قتل فيه الحسين (عليه‌السلام) فان كنت شامتا فصم. ثم قال ان آل أمية نذروا نذرا ان قتل الحسين عليه‌السلام أن يتخذوا ذلك اليوم عيدا لهم يصومون فيه شكرا ويفرحون أولادهم فصارت في آل أبى سفيان سنة الى اليوم فلذلك يصومونه ويدخلون على عيالاتهم وأهاليهم الفرح ذلك اليوم. ثم قال : ان الصوم لا يكون للمصيبة ولا يكون إلا شكرا للسلامة وان الحسين (عليه‌السلام) أصيب يوم عاشوراء فان كنت في من أصيب به فلا تصم وان كنت شامتا ممن سره سلامة بنى أمية فصم شكرا لله تعالى».

وما رواه في كتاب المجالس أيضا بإسناده إلى جبلة المكية (5) قال : «سمعت

__________________

(1 و 3) الوسائل الباب 21 من الصوم المندوب.

(2) سنن البيهقي ج 4 ص 288.

(4) الوسائل الباب 21 من الصوم المندوب ، والرواية في مجالس الشيخ لا مجالس الصدوق.

(5) الوافي باب صيام يوم عاشوراء والاثنين.


ميثم التمار يقول والله لتقتلن هذه الأمة ابن نبيها في المحرم لعشر مضين منه وليتخذن أعداء الله ذلك اليوم يوم بركة ، وان ذلك لكائن قد سبق في علم الله (تعالى ذكره) اعلم ذلك بعهد عهده الي مولاي أمير المؤمنين (عليه‌السلام) ولقد أخبرني أنه يبكي عليه كل شي‌ء حتى الوحوش في الفلوات والحيتان في البحار والطير في جو السماء وتبكي عليه الشمس والقمر والنجوم والسماء والأرض ومؤمنو الإنس والجن وجميع ملائكة السماوات ورضوان ومالك وحملة العرش ، وتمطر السماء دما ورمادا. ثم قال وجبت لعنة الله على قتلة الحسين (عليه‌السلام) كما وجبت على المشركين الذين يجعلون مع الله إلها آخر وكما وجبت على اليهود والنصارى والمجوس. قالت جبلة فقلت له يا ميثم وكيف يتخذ الناس ذلك اليوم الذي يقتل فيه الحسين بن على (عليهما‌السلام) يوم بركة؟ فبكى ميثم (رحمه‌الله) ثم قال سيزعمون بحديث يضعونه انه اليوم الذي تاب الله فيه على آدم (عليه‌السلام) وإنما تاب الله على آدم في ذي الحجة ، ويزعمون انه اليوم الذي قبل الله فيه توبة داود عليه‌السلام وإنما قبل الله توبته في ذي الحجة ، ويزعمون انه اليوم الذي أخرج الله فيه يونس عليه‌السلام من بطن الحوت وإنما أخرجه الله من بطن الحوت في ذي القعدة ويزعمون انه اليوم الذي استوت فيه سفينة نوح عليه‌السلام على الجودي وإنما استوت على الجودي يوم الثامن عشر من ذي الحجة ، ويزعمون انه اليوم الذي فلق الله فيه البحر لبني إسرائيل وإنما كان ذلك في ربيع الأول. ثم قال ميثم يا جبلة اعلمي ان الحسين بن على (عليهما‌السلام) سيد الشهداء يوم القيامة ولأصحابه على سائر الشهداء درجة ، يا جبلة إذا نظرت الى الشمس حمراء كأنها دم عبيط فاعلمي ان سيدك الحسين عليه‌السلام قد قتل. قالت جبلة فخرجت ذات يوم فرأيت الشمس على الحيطان كأنها الملاحف المعصفرة فصحت حينئذ وبكيت وقلت قد والله قتل الحسين عليه‌السلام».

أقول : وميثم التمار (رضي‌الله‌عنه) كان من حواري أمير المؤمنين عليه‌السلام وخواصه كما هو مصرح به في الاخبار وكلام علمائنا الأبرار فقوله (رضى الله عنه) مقتبس من قوله عليه‌السلام.


ثم أقول : لا يخفى عليك ما في دلالة هذه الاخبار من الظهور والصراحة في تحريم صوم هذا اليوم مطلقا وان صومه إنما كان في صدر الإسلام ثم نسخ بنزول صوم شهر رمضان (1) وعلى هذا يحمل خبر صوم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (2).

واما خبر القداح وخبر مسعدة بن صدقة الدال كل منهما على ان صومه كفارة سنة والأمر بصومه كما في ثانيهما فسبيلهما الحمل على التقية (3) لا على ما ذكروه من استحباب صومه على سبيل الحزن والجزع ، كيف وخبر الحسين بن ابى غندر عن أبيه (4) ظاهر في أن الصوم لا يكون للمصيبة وانما يكون شكرا للسلامة ، مع دلالة الأخبار الباقية على النهى الصريح عن صومه مطلقا سيما خبر نجية وقولهما (عليهما‌السلام) فيه انه متروك بصيام شهر رمضان والمتروك بدعة. وبالجملة فتحريم صيامه مطلقا من هذه الاخبار أظهر ظاهر.

واما خبر كثير النواء ـ مع كون راويه المذكور بتريا عاميا (5) قد وردت فيه الذموم الكثيرة مثل قول الصادق عليه‌السلام (6) «اللهم إني إليك من كثير النوا برئ في الدنيا والآخرة». وقوله أيضا (7) «ان الحكم بن عتيبة وسلمة وكثير النواء وأبا المقدام والتمار ـ يعنى سالما ـ أضلوا كثيرا ممن ضل من هؤلاء وانهم ممن قال الله تعالى : (وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ)» (8). ـ معارض بخبر ميثم المذكور.

__________________

(1) سنن البيهقي ج 4 ص 288.

(2) ص 370.

(3) المغني ج 3 ص 174.

(4) ص 373.

(5) فرق الشيعة للنوبختى ص 13 والتبصير للاسفراينى ص 33 ورجال الشيخ الطوسي ورجال البرقي.

(6) رجال الكشي ص 208 الطبع الحديث في النجف الأشرف.

(7) رجال الكشي ص 208 الطبع الحديث في النجف الأشرف والرواية عن ابى جعفر (ع).

(8) سورة البقرة الآية 8.


وبالجملة فإن دلالة هذه الأخبار على التحريم مطلقا أظهر ظاهر ولكن العذر لأصحابنا في ما ذكروه من حيث عدم تتبع الأخبار كملا والتأمل فيها.

نعم قد روى الشيخ (رضي‌الله‌عنه) في كتاب مصباح المتهجد (1) عن عبد الله ابن سنان عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : «دخلت عليه يوم عاشوراء فألفيته كاسف اللون ظاهر الحزن ودموعه تنحدر من عينيه كاللؤلؤ المتساقط ، فقلت يا ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مم بكاؤك لا ابكى الله عينيك؟ فقال لي أو في غفلة أنت أما علمت ان الحسين ابن على (عليهما‌السلام) أصيب في مثل هذا اليوم؟ فقلت يا سيدي فما قولك في صومه؟ فقال لي صمه من غير تبييت وأفطره من غير تشميت ولا تجعله يوم صوم كملا وليكن إفطارك بعد صلاة العصر بساعة على شربة من ماء فإنه في مثل ذلك الوقت من ذلك اليوم تجلت الهيجاء عن آل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وانكشفت الملحمة عنهم. الحديث».

وهذه الرواية هي التي ينبغي العمل عليها وهي دالة على مجرد الإمساك إلى الوقت المذكور. والمفهوم من كلام شيخنا الشهيد الثاني (قدس‌سره) في المسالك حمل كلام الأصحاب باستحباب صوم يوم عاشوراء على وجه الحزن هو صومه على هذا الوجه المذكور في هذه الرواية. وهو بعيد فان كلامهم صريح أو كالصريح في أن مرادهم صيام اليوم كملا كما في جملة أفراد الصيام. والله العالم.

ومنها ـ صوم أول يوم من المحرم بل الشهر كملا : روى الصدوق (عطر الله مرقده) مرسلا (2) قال : «روى ان في أول يوم من المحرم دعا زكريا ربه (عزوجل) فمن صام ذلك اليوم استجاب الله له كما استجاب لزكريا عليه‌السلام».

وروى في كتاب المجالس وعيون الاخبار في الصحيح عن الريان بن شبيب (3) قال «دخلت على الرضا عليه‌السلام في أول يوم من المحرم فقال لي يا ابن شبيب أصائم أنت؟

__________________

(1) ص 547 وفي الوسائل الباب 20 من الصوم المندوب.

(2 و 3) الوسائل الباب 25 من الصوم المندوب.


فقلت لا فقال ان هذا اليوم هو اليوم الذي دعا فيه زكريا ربه فقال (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ) (1) فاستجاب الله له وأمر الملائكة فنادت زكريا (وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ : أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى) (2) فمن صام هذا اليوم ثم دعا الله (عزوجل) استجاب الله له كما استجاب لزكريا عليه‌السلام».

وروى الشيخ المفيد (قدس‌سره) في المقنعة (3) عن النعمان بن سعد عن على عليه‌السلام انه قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لرجل ان كنت صائما بعد شهر رمضان فصم المحرم فإنه شهر تاب الله (عزوجل) فيه على قوم ويتوب الله فيه على آخرين».

وروى ابن طاوس (طاب ثراه) في كتاب الإقبال (4) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال «من صام يوما من المحرم فله بكل يوم ثلاثون يوما».

قال (5) وروى من طرقهم (عليهم‌السلام) «ان من صام يوما من المحرم محتسبا جعل الله تعالى بينه وبين جهنم جنة كما بين السماء والأرض».

وبإسناده عن الشيخ المفيد (قدس‌سره) في كتاب حدائق الرياض (6) عن الصادق عليه‌السلام قال : «من أمكنه صوم المحرم فإنه يعصم صائمة من كل سيئة».

وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (7) «ان أفضل الصلاة بعد الصلاة الفريضة الصلاة في جوف الليل ، وان أفضل الصوم من بعد شهر رمضان صوم شهر الله الذي يدعونه المحرم».

ومنها ـ صيام الخميس والجمعة والسبت ، روى الشيخ المفيد في المقنعة (8) عن راشد بن محمد عن أنس قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من صام من شهر حرام الخميس والجمعة والسبت كتب الله له عبادة تسعمائة سنة».

وفي رواية أسامة بن زيد (9) «ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يصوم الاثنين والخميس فسئل عن ذلك فقال ان اعمال الناس تعرض يوم الاثنين والخميس».

__________________

(1) سورة آل عمران الآية 34.

(2) سورة آل عمران الآية 35.

(3 و 4 و 5 و 6 و 7 و 8) الوسائل الباب 25 من الصوم المندوب.

(9) سنن البيهقي ج 4 ص 293.


ورواية ابن سنان عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «رأيته صائما يوم الجمعة فقلت له جعلت فداك ان الناس يزعمون انه يوم عيد (2)؟ فقال : كلا انه يوم خفض ودعة».

وروى الصدوق في الفقيه في الصحيح عن هشام بن الحكم عن ابى عبد الله عليه‌السلام (3) «في الرجل يريد أن يعمل شيئا من الخير مثل الصدقة والصوم ونحو هذا؟ قال : يستحب أن يكون ذلك يوم الجمعة فإن العمل يوم الجمعة يضاعف».

وروى في كتاب عيون الاخبار بسنده عن الرضا عليه‌السلام (4) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من صام يوم الجمعة صبرا واحتسابا أعطى ثواب صيام عشرة أيام غر زهر لا تشأ كل أيام الدنيا». ورواه الطبرسي في صحيفة الرضا عليه‌السلام (5).

وروى الصدوق عن دارم بن قبيصة عن الرضا عن آبائه (عليهم‌السلام) (6) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا تفردوا الجمعة بصوم».

وروى الشيخ بسنده عن أبي هريرة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (7) قال : «لا تصوموا يوم الجمعة إلا أن تصوموا قبله أو بعده».

قال الشيخ : هذا الخبر طريقه رجال العامة (8) لا يعمل به. وقال ان المعمول عليه هو رواية ابن سنان. يعني الرواية المتقدمة (9).

أقول : قال العلامة في المختلف قال ابن الجنيد لا يستحب افراد يوم الجمعة بصيام فان تلا به ما قبله أو استفتح به ما بعده جاز. والمشهور الاستحباب مطلقا لنا ـ ان الصوم عبادة في نفسه وقد روى زيادة ثواب الطاعة يوم الجمعة وان الحسنات تتضاعف فيه ، وما رواه ابن سنان في الصحيح. ثم نقلها كما قدمناه ثم قال احتج ابن

__________________

(1 و 3 و 4 و 5 و 6 و 9) الوسائل الباب 5 من الصوم المندوب.

(2) عمدة القارئ ج 5 ص 333.

(7) الوسائل الباب 5 من الصوم المندوب رقم 6.

(8) المغني ج 3 ص 165.


الجنيد بما رواه عبد الملك بن عمير (1) قال : «سمعت رجلا من بنى الحارث بن كعب قال : سمعت أبا هريرة يقول ليس أنا أنهى عن صوم يوم الجمعة ولكن سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال «لا تصوموا يوم الجمعة إلا أن تصوموا قبله أو بعده». والجواب ما ذكره الشيخ ان طريقه رجال العامة لا يعمل به بل الأول هو المعمول به. ثم قال (قدس‌سره) مسألة : قال ابن الجنيد وصوم الاثنين والخميس منسوخ وصوم يوم السبت منهي عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم يثبت عندي شي‌ء من ذلك ولم يذكر المشهورون من علمائنا ذلك. نعم روى جعفر بن عيسى عن الرضا عليه‌السلام. ثم ساق الرواية كما قدمناها في صيام عاشوراء (2) ثم قال : فان صح هذا السند كان صوم يوم الاثنين مكروها وإلا فلا.

أقول : والذي يقرب عندي أن صيام هذه الثلاثة الأيام أعنى الجمعة والخميس والاثنين وان جاز من حيث استحباب الصوم مطلقا إلا انه ليس من قبيل صيام الترغيب الذي نحن في صدد عد أفراده ، فإن رواية الزهري مع رواية كتاب الفقه الرضوي المتقدمتين في أول الكتاب (3) قد عد فيهما هذه الأيام الثلاثة من قبيل ما يتخير بين صومه وتركه ، وهو مؤذن ـ كما قدمنا بيانه سابقا ـ بعدم الاستحباب فيها على الوجه المذكور في صيام الترغيب.

ويؤيده ما تقدم في رواية محمد بن مروان (4) المنقولة في صيام ثلاثة أيام السنة انه كان صلى‌الله‌عليه‌وآله يصوم الاثنين والخميس أولا ثم تحول عنه الى صيام الثلاثة المذكورة. وهو مشعر بنسخها.

وما تقدم (5) في رواية جعفر بن عيسى أخي محمد بن عيسى بن عبيد من الدلالة على كراهة صوم الاثنين.

__________________

(1) التهذيب ج 4 ص 315 وفي الوسائل الباب 5 من الصوم المندوب ، وهي نفس الرواية رقم 7 ص 378.

(2 و 5) ص 372.

(3) ص 5.

(4) ص 348.


وما ورد في صحيحة على بن مهزيار (1) الواردة في من نذر أن يصوم يوما دائما ما بقي فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحى أو يوم جمعة أو أيام التشريق أو سفر أو مرض؟ فكتب عليه‌السلام في جوابه «قد وضع الله الصيام في هذه الأيام كلها».

وما رواه في الخصال عن عقبة بن بشير الأزدي (2) قال : «جئت الى أبى جعفر عليه‌السلام يوم الاثنين فقال كل. فقلت انى صائم. فقال وكيف صمت؟ قال قلت لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولد فيه. فقال : اما ما ولد فيه فلا يعلمون واما ما قبض فيه فنعم. ثم قال : فلا تصم ولا تسافر فيه».

ويمكن استثناء يوم الجمعة من هذه الثلاثة لصحة ما ورد في صيامه ورجحانه على ما عارضه. والله العالم.

ومنها ـ صوم يوم المباهلة وهو الرابع والعشرون من شهر ذي الحجة ، ولم أقف فيه على نص.

وعلله العلامة في المنتهى بأنه يوم شريف قد أظهر الله فيه نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله على خصمه وحصل فيه من التنبيه على قرب على عليه‌السلام من ربه واختصاصه به وعظم منزلته وثبوت ولايته واستجابة الدعاء به ما لم يحصل لغيره ، وذلك من أعظم الكرامات الموجبة لاخبار الله تعالى ان نفسه نفس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيستحب صومه شكرا لهذه النعم الجسيمة.

ومنها ـ صوم يوم النيروز لما رواه الشيخ في المصباح عن المعلى بن خنيس عن الصادق عليه‌السلام (3) قال : «إذا كان يوم النيروز فاغتسل والبس أنظف ثيابك وتطيب بأطيب طيبك وتكون ذلك اليوم صائما. الحديث».

__________________

(1) الوسائل الباب 10 من كتاب النذر والعهد وفيه «يوما من الجمعة دائما».

(2) الوسائل الباب 22 من الصوم المندوب.

(3) الوسائل الباب 24 من الصوم المندوب.


ومنها ـ صوم شهر رجب كلا أو بعضا ، روى الشيخ والصدوق (قدس‌سرهما) عن ابان بن عثمان قال : حدثنا كثير بياع النوى عن أبى عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «ان نوحا ركب في السفينة أول يوم من رجب فأمر من معه أن يصوموا ذلك اليوم وقال من صام ذلك اليوم تباعدت عنه النار مسيرة سنة ، ومن صام سبعة أيام منه أغلقت عنه أبواب النيران السبعة ، ومن صام ثمانية أيام فتحت له أبواب الجنان الثمانية ، ومن صام عشرة أيام منه أعطي مسألته ، ومن صام خمسة وعشرين يوما منه قيل له استأنف العمل فقد غفر لك ، ومن زاد زاده الله».

وقال الصدوق (2) «قال أبو الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام : رجب نهر في الجنة أشد بياضا من اللبن واحلى من العسل فمن صام يوما من رجب سقاه الله من ذلك النهر».

وروى الصدوق في كتاب المجالس (3) عن سلام الخثعمي عن ابى جعفر محمد ابن على الباقر (عليه‌السلام) قال : «من صام من رجب يوما واحدا من أوله أو وسطه أو آخره أوجب الله له الجنة وجعله معنا في درجتنا يوم القيامة ، ومن صام يومين من رجب قيل له استأنف العمل فقد غفر لك ما مضى ، ومن صام ثلاثة أيام قيل له قد غفر لك ما مضى وما بقي فاشفع لمن شئت من مذنبي إخوانك وأهل معرفتك ، ومن صام سبعة أيام من رجب أغلقت عنه أبواب النيران السبعة ، ومن صام ثمانية أيام من رجب فتحت له أبواب الجنة الثمانية فيدخلها من أيها شاء».

وروى الشيخ المفيد في كتاب مسار الشيعة (4) قال : «روى عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) انه كان يصوم رجبا كله ويقول رجب شهري وشعبان شهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وشهر رمضان شهر الله عزوجل». الى غير ذلك من الأخبار التي يضيق عن نقلها المقام.

__________________

(1) الوسائل الباب 26 من الصوم المندوب رقم 1 و 2.

(2 و 3 و 4) الوسائل الباب 26 من الصوم المندوب.


ومنها ـ صوم شعبان كلا أو بعضا ، روى ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن الحلبي (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) هل صام أحد من آبائك شعبان قط؟ قال : صامه خير آبائي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وروى فيه في الصحيح عن حفص بن البختري عن أبى عبد الله عليه‌السلام (2) قال : «كن نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا كان عليهن صيام أخرن ذلك الى شعبان كراهة ان يمنعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حاجته فإذا كان شعبان صمن وصام معهن ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول شعبان شهري».

وروى فيه ايضا عن عنبسة العابد (3) قال : «قبض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على صوم شعبان ورمضان وثلاثة أيام في كل شهر. أول خميس وأوسط أربعاء وآخر خميس وكان أبو جعفر وأبو عبد الله (عليهما‌السلام) يصومان ذلك».

وروى فيه أيضا في الصحيح عن الفضيل بن يسار (4) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول. وذكر حديثا الى أن قال : وفرض الله تعالى في السنة صوم شهر رمضان وسن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صوم شعبان وثلاثة أيام في كل شهر مثلي الفريضة فأجاز الله (عزوجل) له ذلك».

وروى ايضا بسنده عن أبي حمزة الثمالي عن ابى جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (5) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من صام شعبان كان له طهرا من كل زلة ووصمة وبادرة. قال أبو حمزة قلت لأبي جعفر عليه‌السلام ما الوصمة؟ قال اليمين في المعصية والنذر في المعصية. قلت فما البادرة؟ قال اليمين عند الغضب والتوبة منها الندم عليها».

وروى في الفقيه عن عبد الله بن مرحوم الأزدي (6) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول من صام أول يوم من شعبان وجبت له الجنة البتة ، ومن صام يومين نظر الله إليه في كل يوم وليلة في دار الدنيا ودام نظره إليه في الجنة ، ومن صام ثلاثة أيام زار الله في عرشه من جنته في كل يوم».

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6) الوسائل الباب 28 من الصوم المندوب.


وروى الشيخ المفيد (عطر الله مرقده) في المقنعة (1) عن محمد بن سنان عن زيد الشحام قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام هل صام أحد من آبائك شعبان؟ فقال نعم كان آبائي يصومونه وأنا أصومه وآمر شيعتي بصومه ، فمن صام منكم شعبان حتى يصله بشهر رمضان كان حقا على الله ان يعطيه جنتين ويناديه ملك من بطنان العرش عند إفطاره كل ليلة يا فلان طبت وطابت لك الجنة وكفى بك انك سررت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد موته».

قال الكليني (2) : وجاء في صوم شعبان انه سئل عليه‌السلام عنه فقال : ما صامه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا أحد من آبائي. وحمله (قدس‌سره) على نفى الفرض والوجوب وانهم ما صاموا على ذلك الوجه بل على الاستحباب ، قال : وذلك ان قوما قالوا ان صومه فرض مثل صيام شهر رمضان وان من أفطر يوما من شعبان وجبت عليه الكفارة.

وقال الشيخ (قدس‌سره) (3) بعد ان أورد جملة من الأخبار المتضمنة للترغيب في صوم شعبان ما صورته : فأما الأخبار التي وردت في النهي عن صوم شعبان وانه ما صامه أحد من الأئمة (عليهم‌السلام) فالمراد بها انه لم يصمه أحد من الأئمة (عليهم‌السلام) على ان صومه يجرى مجرى شهر رمضان في الفرض والوجوب لان قوما قالوا ان صومه فريضة وكان أبو الخطاب (لعنه الله) وأصحابه يذهبون اليه ويقولون ان من أفطر يوما منه لزمه من الكفارة ما يلزم من أفطر يوما من شهر رمضان فورد عنهم (عليهم‌السلام) الإنكار لذلك وانه لم يصمه أحد منهم على هذا الوجه. انتهى.

وروى في الكافي مسندا عن أبى الصباح الكناني ومن لا يحضره الفقيه مرسلا عن

__________________

(1) الوسائل الباب 29 من الصوم المندوب.

(2) الوسائل الباب 28 من الصوم المندوب.

(3) التهذيب ج 4 ص 309.


ابى عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «صوم شعبان وشهر رمضان متتابعين توبة من الله والله».

قال في الوافي : التوبة من العبد ان يتوب الى الله تعالى والتوبة من الله أن يقيم من العبد عبادة مقام توبته فيطهره بها من ذنوبه.

وروى في من لا يحضره الفقيه عن المفضل بن عمر عن الصادق عليه‌السلام (2) قال : «كان أبى يفصل ما بين شعبان وشهر رمضان بيوم وكان على بن الحسين عليه‌السلام يصل ما بينهما ويقول : صوم شهرين متتابعين توبة من الله».

قال (قدس‌سره) : وقد صامه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ووصله بشهر رمضان وصامه وفصل بينهما ، ولم يصمه كله في جميع سنيه إلا ان أكثر صيامه كان فيه.

قال في الوافي بعد نقل ذلك : هذا من ما يدل على ان صيام شعبان ليس من صيام السنة وإنما هو من صيام الترغيب. انتهى.

أقول : الظاهر من أكثر الأخبار انه كان يحافظ على صيامه كملا وكذا الثلاثة المتقدمة ليكون ذلك مع صوم شهر رمضان صوم الدهر ، وكذا أصحابه مثل سلمان وابى ذر ونحوهما كما وردت به الأخبار التي وصلت إلينا ، وهو اعرف بما ذكره

وروى في الكافي والفقيه عن عمرو بن خالد عن ابى جعفر عليه‌السلام (3) قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصوم شعبان وشهر رمضان يصلهما وينهى الناس أن يصلوهما وكان يقول صلى‌الله‌عليه‌وآله هما شهرا الله تعالى وهما كفارة لما قبلهما ولما بعدهما من الذنوب».

وروى في الفقيه مرسلا قال قال الصادق عليه‌السلام (4) : «من صام ثلاثة أيام من آخر شعبان ووصلها بشهر رمضان كتب الله له صوم شهرين متتابعين».

وروى في الكافي عن محمد بن سليمان عن أبيه (5) قال «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ما تقول في الرجل يصوم شعبان وشهر رمضان؟ قال هما الشهران اللذان قال الله تعالى (شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللهِ) (6) قلت : فلا يفصل بينهما؟ قال إذا أفطر من

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5) الوسائل الباب 29 من الصوم المندوب.

(6) سورة النساء الآية 95.


الليل فهو فصل ، وانما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا وصال في صيام. يعنى لا يصوم الرجل يومين متواليين من غير إفطار ، وقد يستحب للعبد ان لا يدع السحور».

أقول : ظاهر هذه الأخبار الاختلاف في أفضلية الفصل والوصل ولكن أكثرها ظاهر في استحباب الوصل ، وذكر الشيخ ان الأخبار التي تضمنت الفصل بين شهر شعبان وشهر رمضان فالمراد بها النهى عن الوصال الذي بينا في ما مضى انه محرم ، واستدل على هذا التأويل برواية محمد بن سليمان عن أبيه المذكورة. وفيه ان الرواية الدالة على الفصل وهي رواية المفضل بن عمر صريحة في كون الباقر عليه‌السلام كان يفصل بينهما بيوم يفطر فيه لا بمعنى ما ذكره من أن المراد الفصل الذي هو عدم الوصل المحرم ، ومثلها كلام الصدوق المأخوذ من النصوص البتة وقوله فيه «وصامه وفصل بينهما ولم يصمه كله في جميع سنيه» فإنه ظاهر في إفطار يوم أو أيام من آخره يتحقق بها الفصل.

واما رواية محمد بن سليمان المذكورة فالظاهر ان السائل فهم من التتابع الذي ذكره عليه‌السلام لزوم الوصل من غير إفطار وكان قد سمع النهى عن الوصال فأشكل الأمر عليه ، فاستفهم عن ذلك فأجابه بالفرق بين الأمرين وان التتابع في هذين الشهرين يحصل مع الفصل بينهما بالإفطار ليلا وليس هو من قبيل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله «لا وصال في صيام» المنهي عنه الذي هو عبارة عن أن يصوم يومين من غير إفطار.

بقي الكلام في ما دلت عليه رواية عمرو بن خالد من انه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يصل الشهرين وينهى الناس أن يصلوهما ، والصدوق بعد ذكر هذه الرواية حمل النهي في قوله : «وينهى الناس أن يصلوهما» على الإنكار والحكاية دون الاخبار ، يعنى من شاء وصل ومن شاء فصل ، واستدل عليه بخبر المفضل.

وقال المحدث الكاشاني في الوافي بعد نقل ذلك عنه ما لفظه : أقول بل الأولى أن يجعل الوصل هنا بمعنى ترك الإفطار إلى السحر حتى يصير صوم وصال


ليكون موافقا لما رواه في الفقيه (1) ايضا : انه نهى صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الوصال في الصيام وكان يواصل. الحديث. كما يأتي في الباب الآتي ولخبر سليمان الآتي في هذا الباب. وما ذكره بعيد عن سياق الكلام وما بعده جدا ، مع ان ذلك ليس من ما يتعجب منه ويستنكر إذا كان له صلى‌الله‌عليه‌وآله خصائص ليست لأمته كما يدل عليه الخبر الآتي وغيره من الأخبار. انتهى.

أقول : ما ذكره (قدس‌سره) وان كان محتملا إلا أن حمل الخبر عليه لا يخلو من بعد ، لأن أحاديث هذا الباب قد تضمن جملة منها الأمر بالوصل والندب اليه وليس هو إلا عبارة عن عدم الفصل بإفطار آخر الشهر فإخراج هذا الخبر من بينها بالحمل على ما ذكره من حيث تضمنه نهى الناس عن الوصل بعيد. والظاهر ان كلام الصدوق هنا في تأويل الخبر أقرب.

وقد عد الأصحاب جملة من الأيام التي يستحب صومها لما فيها من المزايا الشريفة ، وحيث لم نجد لها دليلا من الاخبار لم نتعرض لذكرها.

وذكر بعضهم ايضا استحباب صوم ستة أيام من شوال بعد يوم الفطر ولم أقف له على دليل ، وقد تقدم في روايتي الزهري والفقه الرضوي (2) انه من الافراد المخير بين صومها وتركه وهو مؤذن بعدم الاستحباب كما بينا آنفا.

والعلامة في المنتهى استدل على ذلك بخبر من طريق الجمهور عن أبي أيوب (3) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من صام شهر رمضان واتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر». ثم قال : ومن طريق الخاصة ما رواه الشيخ في حديث الزهري عن على بن الحسين عليه‌السلام في وجوه الصيام (4).

وأنت خبير بما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه ، مع انه قد روى الشيخ بسنده

__________________

(1) الوسائل الباب 4 من الصوم المحرم والمكروه.

(2) ص 5.

(3) سنن البيهقي ج 4 ص 292.

(4) الوسائل الباب 5 من الصوم المندوب.


عن زياد بن أبى الحلال (1) قال : «قال لنا أبو عبد الله عليه‌السلام لا صيام بعد الأضحى ثلاثة أيام ولا بعد الفطر ثلاثة أيام إنها أيام أكل وشرب».

ومثله روى في الكافي في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (2) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن اليومين اللذين بعد الفطر أيصامان أم لا؟ فقال : اكره لك أن تصومهما».

وروى الشيخ في الموثق عن حريز عنهم (عليهم‌السلام) (3) قال : «إذا أفطرت من رمضان فلا تصومن بعد الفطر تطوعا إلا بعد ثلاث يمضين».

وبذلك يظهر ان الحكم في هذه الأيام هو الكراهة ـ ان لم نقل بالتحريم ـ لا الاستحباب.

المطلب الثالث

في المنهي عنه تحريما أو كراهة

فالكلام في مقامين الأول ـ الصيام المحرم وهو افراد أحدها وثانيها ـ صوم العيدين وأيام التشريق ، قال في المعتبر والتذكرة : وعليه إجماع علماء الإسلام.

والروايات بذلك متظافرة منها ـ ما رواه في الكافي في الموثق عن سماعة (4) قال : «سألته عن صيام يوم الفطر؟ فقال لا ينبغي صيامه ولا صيام أيام التشريق».

وما رواه الشيخ في التهذيب عن قتيبة الأعشى (5) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن صوم ستة أيام : العيدين وأيام التشريق واليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان».

__________________

(1 و 3) الوسائل الباب 3 من الصوم المحرم والمكروه.

(2) الوسائل الباب 3 من الصوم المحرم والمكروه. وفي الفروع ج 1 ص 203 «سألت أبا الحسن ع».

(4 و 5) الوسائل الباب 1 من الصوم المحرم والمكروه.


وما رواه في الفقيه والتهذيب عن عبد الكريم بن عمرو (1) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام انى جعلت على نفسي أن أصوم حتى يقوم القائم (عجل الله فرجه)؟ فقال : لا تصم في السفر ولا العيدين ولا أيام التشريق ولا اليوم يشك فيه».

واستثنى الشيخ من تحريم صوم العيدين وأيام التشريق حكم القاتل في أشهر الحرم فإنه يجب عليه صوم شهرين من أشهر الحرم وان دخل فيها العيد وأيام التشريق :

لما رواه عن زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام (2) قال : «سألته عن رجل قتل رجلا خطأ في الشهر الحرام؟ قال : تغلظ عليه الدية وعليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين من أشهر الحرم. قلت فإنه يدخل في هذا شي‌ء؟ فقال وما هو؟ قلت يوم العيد وأيام التشريق. قال يصوم فإنه حق لزمه».

والمشهور بين الأصحاب هو عموم التحريم ، قال الشيخ بعد إيراد هذا الخبر انه ليس بمناف لما تضمنه الخبر الأول من تحريم صوم العيدين لان التحريم إنما وقع على من يصومهما مختارا مبتدئا فاما إذا لزمه شهران متتابعان على حسب ما تضمنه الخبر فيلزمه صوم هذه الأيام لا دخالة نفسه في ذلك.

ورد العلامة في التذكرة هذا الخبر بان في طريقه سهل بن زياد ومع ذلك فهو مخالف للإجماع. وقال في المختلف انه قاصر عن افادة المطلوب إذ ليس فيه انه يصوم العيد وإنما أمره بصوم أشهر الحرم وليس في ذلك دلالة على صوم العيد وأيام التشريق يجوز صومها في غير منى.

__________________

(1) الوسائل الباب 6 من وجوب الصوم ونيته. وقد تقدمت هذه الرواية ص 188 باللفظ الذي يرويها به في الفروع ج 1 ص 201 عن كرام ، وقد ذكرت في التعليقة 7 هناك ان الراوي كرام ويروى عنه ابن ابى عمير حيث ان رواية عبد الكريم بن عمرو المروية في التهذيب ج 4 ص 183 والفقيه ج 2 ص 79 انما هي باللفظ المذكور هنا.

(2) الوسائل الباب 8 من بقية الصوم الواجب ، والرواية للكليني في الفروع ج 1 ص 201 والشيخ يرويها عنه في التهذيب ج 4 ص 297. وفيه «تغلظ عليه العقوبة».


ولا يخفى ما فيه مع انه قد روى في الحسن بإبراهيم بن هاشم على المشهور الصحيح على المختار عن زرارة (1) قال : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام رجل قتل رجلا في الحرم؟ قال عليه دية وثلث ويصوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم ويعتق رقبة ويطعم ستين مسكينا. قال قلت يدخل في هذا شي‌ء؟ قال وما يدخل؟ قلت العيدان وأيام التشريق. قال يصوم فإنه حق لزمه».

قال المحقق الشيخ حسن في كتاب المنتقى ـ ونعم ما قال ـ بعد أن نقل هذه الرواية وأشار الى الرواية السابقة ما لفظه : وأورده الشيخ في الكتابين مصرحا بالاعتماد عليه في إثبات هذا الحكم ، وأنكره جماعة من الأصحاب استضعافا لطريق الخبر عن النهوض لتخصيص عموم ما دل على المنع من صوم هذه الأيام. وللنظر في ذلك مجال فان دليل المنع هنا منحصر في الإجماع والاخبار ، وظاهر ان مصير الشيخ الى العمل بحديث التخصيص يبعد احتمال النظر في العموم إلى الإجماع ، واما الاخبار فما هي بمقام إباء لقوة دلالة أو طريق عن قبول هذا التخصيص ، على ان الشيخ روى صوم هذه الأيام في كتاب الديات من طريقين : أحدهما من واضح الصحيح والآخر مشهوري (2) والصدوق أورد المشهوري في كتاب من لا يحضره الفقيه ايضا (3) فالعجب من قصور تتبع الجماعة حتى حسبوا انحصار المأخذ في الخبر الضعيف. انتهى.

وبذلك يظهر لك ما في كلام السيد السند في المدارك حيث انه بعد أن أورد حسنة زرارة المذكورة قال : وهذه الرواية وان كانت معتبرة الإسناد إلا ان الخروج بها عن مقتضى الأخبار الصحيحة المتضمنة لتحريم صوم هذه الأيام مشكل ، وكيف كان فالمعتمد التحريم مطلقا. انتهى.

أقول : فيه ان الأخبار الواردة بتحريم صوم العيدين ليس فيها ما هو صحيح باصطلاحه كما لا يخفى على من راجعها ، ومع تسليم ذلك فالتخصيص باب معمول

__________________

(1) الوسائل الباب 8 من بقية الصوم الواجب.

(2 و 3) الوسائل الباب 3 من ديات النفس.


عليه عندهم في غير موضع فأي مانع من تخصيص تلك الأخبار ـ وان كانت صحيحة ـ بهذه الاخبار. وبالجملة فالأصح هو العمل بما دل عليه الخبران المذكوران.

وينبغي أن يعلم ان تحريم صيام أيام التشريق إنما هو لمن كان بمنى كما يدل عليه ما رواه في الفقيه في الصحيح عن معاوية بن عمار (1) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن صيام أيام التشريق قال إنما نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن صيامها بمنى فاما بغيرها فلا بأس».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار ايضا (2) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن صيام أيام التشريق فقال اما بالأمصار فلا بأس واما بمنى فلا».

والظاهر انه من ما لا خلاف فيه وان كان بعضهم أطلق فمراده التقييد كما صرح به العلامة في المختلف ، نعم في جملة من العبارات التقييد بمن كان ناسكا ، والاخبار خالية من هذا القيد ولعل من قيد بذلك بنى على ما هو الغالب وحمل الروايات على ذلك. وهو جيد.

وقال الشهيد في الدروس : روى إسحاق بن عمار ايضا عن الصادق عليه‌السلام صيام أيام التشريق بدلا عن الهدى (3). ثم استقرب المنع. وسيأتي تحقيق المسألة في محلها ان شاء الله تعالى.

ومنها ـ صوم يوم الثلاثين من شعبان وهو يوم الشك بنية الفرض وقد تقدم تحقيق الكلام فيه ، وعلى ذلك تحمل الأخبار المتقدمة في تحريم صوم العيدين.

ومنها ـ صوم الصمت وهو أن ينوي الصوم ساكتا ، وقد أجمع الأصحاب على تحريمه لانه غير مشروع في الملة المحمدية فيكون بدعة.

ولما تقدم في أول الكتاب من حديث الزهري وكتاب الفقه الرضوي (4) من قولهما : «وصوم الوصال حرام وصوم الصمت حرام».

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 2 من الصوم المحرم والمكروه.

(3) الوسائل الباب 51 من أبواب الذبح.

(4) ص 5.


وما رواه في الفقيه (1) في الصحيح عن زرارة قال : «سأل زرارة أبا عبد الله عليه‌السلام عن صوم الدهر فقال لم يزل مكروها. وقال لا وصال في صيام ولا صمت يوما الى الليل».

وروى في الفقيه بسنده عن حماد بن عمرو وانس بن محمد عن جعفر بن محمد عن آبائه (عليهم‌السلام) في وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله المذكورة في آخر الكتاب (2) قال : «ولا صمت يوما الى الليل. الى أن قال : وصوم الصمت حرام».

والمفهوم من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان هذا الصوم يقع فاسدا لمكان النهى.

قال في المدارك بعد نقل ذلك عنهم : ويحتمل الصحة لصدق الامتثال بالإمساك عن المفطرات مع النية وتوجه النهي إلى الصمت المنوي ونيته وهو خارج عن حقيقة العبادة.

أقول : لا يخفى ان جملة من هذه الاخبار قد صرحت بان صوم الصمت حرام ، ومرجعه الى تحريم الإمساك على هذا الوجه ، فكيف يحتمل الصحة لصدق الامتثال كما ذكره؟ والنهى ليس متوجها الى الصمت المنوي كما ذكره بل متوجه الى الصوم المقترن بالصمت ، فان المراد بقوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة «ولا صمت يوما الى الليل» ليس هو النهى عن الصمت مطلقا وانما المراد الصيام صامتا وإلا لم يكن لا يراد هذا الخبر في باب الصوم وجه. ومع الإغماض عن ذلك فانا نقول ان النهى وان كان متوجها الى أمر خارج عن الصيام لكن هذا الأمر مأخوذ في النية التي هي شرط في الصحة وليس الصوم مقصودا إلا بهذا القيد المحرم ، وحينئذ فلا يمكن قصد القربة به مع كونه منهيا عنه ومتى بطلت النية التي هي شرط أو شطر بطل المشروط والكل.

__________________

(1) ج 2 ص 112 وفي الوسائل الباب 7 و 4 و 5 من الصوم المحرم والمكروه.

(2) الوسائل الباب 5 من الصوم المحرم والمكروه.


ومنها ـ صوم الوصال ، والظاهر انه لا خلاف بينهم في تحريمه.

وعليه يدل ما تقدم من خبري الزهري وكتاب الفقه وما تقدم من صحيحة زرارة.

وما رواه في الفقيه (1) بإسناده إلى منصور بن حازم عن ابى عبد الله عليه‌السلام في حديث قال : «لا وصال في صيام ولا صمت يوما الى الليل».

وما رواه في وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلى عليه‌السلام (2) المتقدمة قال : «لا وصال في صيام. الى أن قال : وصوم الوصال حرام».

قال الصدوق (رضي‌الله‌عنه) (3) «ونهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الوصال في الصيام وكان يواصل فقيل له في ذلك؟ فقال انى لست كأحدكم إني أظل عند ربي فيطعمني ويسقيني».

قال : وقال الصادق عليه‌السلام (4) «الوصال الذي نهى عنه ان يجعل الرجل عشاءه سحوره».

أقول : لا اشكال ولا خلاف في تحريم صوم الوصال وانما الخلاف والاشكال في معناه وانه عبارة عن ما ذا؟ وقد دل الخبر المنقول عن الصادق عليه‌السلام على انه عبارة عن ان يجعل الرجل عشاءه سحوره».

وعلى ذلك دل ما رواه الكليني في الصحيح عن الحلبي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (5) قال : «الوصال في الصيام أن يجعل عشاءه سحوره».

وفي الصحيح عن حفص بن البختري عن ابى عبد الله عليه‌السلام (6) قال «المواصل في الصيام يصوم يوما وليلة ويفطر في السحر».

وبمضمون هذه الروايات افتى الشيخ في النهاية وأكثر الأصحاب.

وعن الشيخ في الاقتصاد وابن إدريس انه عبارة عن ان يصوم يومين بليلة

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6) الوسائل الباب 4 من الصوم المحرم والمكروه.


بينهما وعليه تدل رواية محمد بن سليمان عن أبيه المتقدمة في صوم شعبان (1) وجعل في المعتبر هذا هو الاولى.

قال في المدارك : وكأن وجهه الاقتصار في ما خالف الأصل على موضع الوفاق. ثم قال : لكن الرواية بذلك ضعيفة جدا فكان المصير إلى الأول متعينا لصحة مستنده.

أقول : ولعل الوجه الجمع بين الأخبار هنا بتفسير الوصال بكل من الأمرين وانه محرم بكل منهما. والظاهر انه انما يتحقق الوصال بكل من الأمرين المذكورين بنية الصوم كذلك لا بوقوعه كيف اتفق ، لان العبادات صحة وبطلانا وثوابا وعقابا وتحليلا وتحريما دائرة مدار النيات والقصود ، فلو أخر عشاءه الى وقت السحور لا بهذا القصد أو ترك الأكل يومين بليلة بينهما لا كذلك فالظاهر عدم دخوله في الوصال وان كان الأولى ترك ذلك لما يستفاد من ظاهر الأخبار بان الوصال عبارة عن مجرد التأخير.

قال في المدارك في هذه المسألة : والكلام في بطلان الصوم هنا كما سبق في صوم الصمت.

أقول : قد عرفت ان الأظهر ثمة هو البطلان كما عليه الأصحاب من غير خلاف يعرف إلا منه ومن تبعه فكذا هنا ايضا بالتقريب المتقدم.

ومنها ـ صوم نذر المعصية وهو أن ينذر الصوم ان تمكن من المعصية ويقصد بذلك الشكر على تيسرها لا الزجر عنها.

ولا ريب في عدم انعقاد هذا النذر وتحريم الصوم على هذا الوجه لأنه لا بد فيه من القربة ولا يصح إلا بها وهذا من ما لا يمكن التقرب به.

ولما تقدم (2) في حديثي الزهري وكتاب الفقه الرضوي من قولهما (عليهما‌السلام): «وصوم نذر المعصية حرام».

__________________

(1) ص 384.

(2) ص 5.


وما في حديث وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلى عليه‌السلام المروي في آخر الفقيه (1) حيث قال : «وصوم نذر المعصية حرام».

وقد تقدم في حديث الثمالي في صوم شعبان (2) «من صام شعبان كان له طهرا من كل زلة ووصمة. قلت وما الوصمة؟ قال اليمين في المعصية والنذر في المعصية».

ومنها ـ صوم الواجب في السفر إلا ما استثنى ، وقد تقدم تحقيق ذلك (3).

ومنها ـ الصوم في المرض ان تضرر به ، وصوم المرأة بغير اذن زوجها ، وصوم العبد بغير اذن سيده ، وقد تقدم الكلام فيه (4).

ومنها ـ صوم الدهر ، ويدل عليه ما تقدم في حديثي الزهري والفقه الرضوي (5) حيث قالا : «وصوم الدهر حرام».

وما رواه الصدوق في الصحيح (6) قال : «سأل زرارة أبا عبد الله عليه‌السلام عن صوم الدهر فقال : لم يزل مكروها».

وما رواه في الفقيه في وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلى عليه‌السلام (7) قال : «وصوم الدهر حرام».

وما رواه في الكافي عن زرارة (8) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن صوم الدهر فقال : لم نزل نكرهه».

وما رواه في الموثق عن سماعة (9) قال : «سألته عن صوم الدهر فكرهه وقال : لا بأس أن يصوم يوما ويفطر يوما».

وظاهر الأصحاب ان التحريم الوارد في هذه الأخبار إنما هو من حيث اشتمال السنة على صوم محرم وهو صوم يومي العيدين ، واما صومه بدون هذه الأيام

__________________

(1) الوسائل الباب 6 من الصوم المحرم والمكروه.

(2) ص 382.

(3) ص 185.

(4) ص 169 و 204 و 205.

(5 و 6 و 7 و 8 و 9) الوسائل الباب 7 من الصوم المحرم والمكروه.


المحرمة فليس بمحرم بل مكروه.

أقول : لا يخفى ان ظاهر الأخبار المذكورة ان التحريم إنما نشأ من حيث كونه صوم الدهر كما يشير اليه قوله في موثقة سماعة بعد أن كرهه «لا بأس ان يصوم يوما ويفطر يوما» ولا ريب في أن الكراهة في هذه الأخبار إنما هي بمعنى التحريم فلو كان منشأ التحريم انما هو صوم يومي العيدين كما ذكروا لكان ينبغي أن يقول : «لا بأس ان أفطر العيدين» كما لا يخفى. إلا انى لم أقف على من قال بالتحريم مع إفطار يومي العيدين. وكيف كان فلا ريب ان الأحوط اجتنابه.

المقام الثاني ـ الصيام المكروه وهو أيضا افراد : منها ـ ما تقدم من صوم الضيف بدون اذن مضيفه والولد بغير اذن والده والمدعو الى طعام ، وقد تقدم (1) نقل الخلاف في ذلك وتحقيق القول في ذلك كما هو حقه.

ومنها ـ الصيام المستحب في السفر وقد تقدم (2) بيان القول فيه.

قالوا : ومن ذلك صوم عرفة لمن يضعفه عن الدعاء لقوله عليه‌السلام في صحيحة محمد بن مسلم (3) «وان خشيت أن تضعف عن ذلك فلا تصمه». أو مع الشك في الهلال كما يدل عليه قوله عليه‌السلام في رواية سدير (4) «وأكره أن أصومه وأتخوف أن يكون يوم عرفة يوم اضحى وليس بيوم صوم». وقد تقدم (5) تحقيق الكلام في المقام بما لا يحوم حوله النقض والإبرام.

ومن ذلك صوم ثلاثة أيام بعد يوم الفطر وان كان جملة من الأصحاب صرحوا باستحباب صوم ستة أيام بعد عيد الفطر ، إلا ان المفهوم من الأخبار الكراهة وقد تقدم (6) نقل الدليل على ذلك.

__________________

(1) ص 201 الى 207.

(2) ص 197.

(3 و 4) الوسائل الباب 23 من الصوم المندوب.

(5) ص 364.

(6) ص 386.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *