ج2 - مستحبات الوضوء

المطلب الثالث

في الكيفية ، وهي تشتمل على المندوب والواجب ، فبسط القول في هذا المطلب يقتضي جعله في فصلين :

الفصل الأول

في المندوب ، وهو أمور :

(منها) ـ وضع الإناء الذي يتوضأ منه على اليمين ، ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) ولم نقف له على مستند في أخبارنا. وبذلك أيضا صرح جمع من أصحابنا واستدل على ذلك ببعض الأمور الاعتبارية ، والروايات العامية (2) وفيه ما لا يخفى ولا سيما وقد ورد في بعض صحاح زرارة الواردة في حكاية الوضوء البياني (3) قال : «فدعى بقعب فيه شي‌ء من ماء ثم وضعه بين يديه ...».

هذا إذا كان الإناء واسع الرأس ، اما إذا كان ضيق الرأس يحتاج إلى الصب

__________________

(1) في الصحيفة 141.

(2) في صحيح البخاري (باب التيمن في الوضوء) عن عائشة «كان النبي (ص) يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله».

(3) المروية في الوسائل في الباب ـ 15 ـ من أبواب الوضوء.


منه ، فقد ذكر جمع من الأصحاب وضعه على اليسار ليصب منه في اليمين ، ولا ريب في كونه أيسر إلا اني لم أقف فيه على نص.

و (منها) ـ غسل اليدين ـ قبل إدخالهما الإناء ان لم يكن غسلهما سابقا حال الاستنجاء أو غيره ـ مرة من حدث البول ، ومرتين من الغائط ، ومن النوم مرة ، وظاهر المعتبر الإجماع على ذلك :

ويدل على الأولين صحيحة الحلبي المتقدمة (1) وعلى الثالث موثقة عبد الكريم بن عتبة الهاشمي (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) الى ان قال : فإنه استيقظ من نومه ولم يبل ، أيدخل يده في وضوئه قبل أن يغسلها؟ قال : لا لانه لا يدري حيث باتت يده فيغسلها». ومثلها رواية أخرى له أيضا (3).

ومما يدل على ان الأمر بذلك للاستحباب صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (4) قال : «سألته عن الرجل يبول ولم يمس يده شي‌ء ، أيغمسها في الماء؟ قال : نعم وان كان جنبا». والرواية وان كانت مختصة بالبول إلا انه لا قائل بالفرق.

ويدل على ذلك أيضا قوله (عليه‌السلام) في صحيحة زرارة الواردة في الوضوء البياني (5) حين غمس كفه في الماء من غير غسل : «هذا إذا كانت الكف طاهرة».

__________________

(1) في الصحيفة 65.

(2) المروية في الوسائل في الباب ـ 27 ـ من أبواب الوضوء.

(3) أشار إليها صاحب الوسائل في الباب ـ 27 ـ من أبواب الوضوء بقوله بعد ذكر روايته المتقدمة : «ورواه الكليني. إلخ» وهي عن الشيخ ، والمراد به في اصطلاح أهل الحديث الكاظم (ع).

(4) المروية في الوسائل في الباب ـ 7 ـ من أبواب الأسآر ، وفي الباب ـ 28 ـ من أبواب الوضوء ، وفي الباب ـ 45 ـ من أبواب الجنابة.

(5) المروية في الوسائل في الباب ـ 15 ـ من أبواب الوضوء.


وهو عام ، مضافا إلى أصالة عدم الوجوب (1).

ونقل بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين ان من الأصحاب من استحب المرتين في البول ، نظرا إلى ظاهر رواية حريز عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (2) قال : «يغسل الرجل يده من النوم مرة ، ومن الغائط والبول مرتين ، ومن الجنابة ثلاثا».

والظاهر رجحان ما هو المشهور ، لصحة مستنده ، ويؤيد برواية المشايخ الثلاثة له وتفرد الشيخ بهذه الرواية ، مع احتمال التأويل فيها باستحباب المرتين من مجموع البول والغائط بناء على التداخل واندراج الأقل تحت الأكثر مع الاجتماع ، كما صرح به الأصحاب (رضوان الله عليهم) لا من كل على الانفراد. الا ان الغائط استفيد استحباب المرتين فيه من الإجماع ومن رواية الحلبي (3) فتبقى رواية المرة في البول بلا معارض.

وحد الأصحاب اليد المغسولة هنا من الزند.

هذا. والظاهر من كلام الأصحاب استحباب غسل اليدين معا ، وفهم ذلك من الاخبار لا يخلو من نوع خفاء ، سيما وقد صرحت رواية عبد الرحمن بن كثير (4) الواردة في حكاية وضوء الأمير (صلوات الله عليه) انه اكفأ بيده اليسرى على يده اليمنى ، وهو ظاهر في ان المغسولة إنما هي اليمنى خاصة. وأيضا فإنها هي التي تحتاج إلى وضعها في الإناء للاغتراف.

ثم ان الظاهر من كلام البعض تخصيص الاستحباب بما إذا كان الوضوء من الإناء

__________________

(1) أقول : كلام ابن بابويه في الفقيه يدل على ان من كان وضوؤه من حدث النوم ونسي فأدخل يده في الماء قبل غسلها فعليه ان يصب ذلك الماء ولا يستعمله ، وان أدخلها في الماء من حدث البول والغائط قبل ان يغسلها ناسيا فلا بأس. انتهى. وهو غريب (منه رحمه‌الله).

(2) المروية في الوسائل في الباب ـ 27 ـ من أبواب الوضوء.

(3) ص 65.

(4) المروية في الوسائل في الباب ـ 16 ـ من أبواب الوضوء.


الواسع الرأس دون الضيق الرأس والكثير والجاري ، بناء على التعليل بالنجاسة الوهمية في موثقة عبد الكريم المتقدمة (1) والظاهر ـ كما صرح به آخرون ـ التعميم ، نظرا إلى إطلاق رواية حريز (2) وان الأمر بذلك محض تعبد لا للنجاسة ، مع انحصار مورد التوهم في حدث النوم خاصة.

والظاهر ـ كما استظهره شيخنا البهائي (عطر الله مرقده) في كتاب الحبل المتين ـ عدم اختصاص الحكم المذكور بالرجل وان اختص مورد الاخبار به ، إذ الظاهر عدم الخصوصية ، بل المراد به مطلق الشخص فيدخل في الحكم النساء.

و (منها) ـ التسمية والدعاء عند وضع اليد في الماء ، لما في صحيحة زرارة (3) قال : «إذا وضعت يدك في الماء فقل : بسم الله وبالله ، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ...».

وعند الصب عليها ، لما في رواية عبد الرحمن بن كثير المتقدمة (4) بما فيها من الدعاء.

وروى الصدوق في الخصال (5) بسند معتبر عن أبي بصير ومحمد بن مسلم عن الصادق (عليه‌السلام) عن آبائه (عليهم‌السلام) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) : لا يتوضأ الرجل حتى يسمى ، يقول قبل ان يمس الماء : بسم الله وبالله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين. فإذا فرغ من طهوره قال : اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، واشهد ان محمدا عبده ورسوله. فعندها يستحق المغفرة».

وربما يظهر ـ من ألفاظ الدعاء في الصحيحة المذكورة والرواية الثالثة ـ كون ذلك في وضع اليد في الماء للاستنجاء ، لتضمنه طلب الجعل من التوابين والجعل من المتطهرين أو طلب التوبة والتطهير المومى إلى الآية النازلة في شأن المستنجي بالماء : «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ

__________________

(1) ص 148.

(2) ص 149.

(3) المروية في الوسائل في الباب ـ 26 ـ من أبواب الوضوء.

(4) ص 65.

(5) ج 2 ص 166 وفي الوسائل في الباب ـ 26 ـ من أبواب الوضوء.


التَّوّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ» (1) كما تقدم في الاخبار. واما رواية عبد الرحمن فإنها صريحة في كون ذلك للاستنجاء كما تقدم ذكره (2) وحينئذ يبقى الوضع أو الصب لغير الاستنجاء خاليا من الدعاء. نعم يمكن ان يحمل ما رواه في الفقيه مرسلا (3) : «ان أمير المؤمنين (عليه‌السلام) كان إذا توضأ قال : بسم الله وبالله وخير الأسماء لله وأكبر الأسماء لله وقاهر لمن في السموات وقاهر لمن في الأرض ، الحمد لله الذي جعل من الماء كل شي‌ء حي وأحيى قلبي بالإيمان ، اللهم تب علي وطهرني واقض لي بالحسنى وأرني كل الذي أحب ، وافتح لي بالخيرات من عندك يا سميع الدعاء». على ان ذلك عند الصب أو الوضع في الوضوء بحمل قوله : «إذا توضأ» على إرادته والشروع فيه كما هو مجاز شائع.

و (منها) ـ التسمية على الوضوء ، ففي صحيحة ان أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «إذا سميت في الوضوء طهر جسدك كله ، وإذا لم تسم لم يطهر من جسدك إلا ما مر عليه الماء». ومثلها رواية أبي بصير (5).

وفي صحيحة العيص بن القاسم عنه (عليه‌السلام) (6) «من ذكر اسم الله على وضوئه فكأنما اغتسل». إلى غير ذلك من الاخبار.

والظاهر من الأخبار صدق التسمية بالإتيان بها عند ارادة الاستنجاء كما تقدم في حديث عبد الرحمن (7) وهكذا فيما بعد ذلك من مستحبات الوضوء.

وفي حسنة زرارة عن الباقر (عليه‌السلام) (8) في حكاية الوضوء البياني قال :

__________________

(1) سورة البقرة. الآية 222.

(2 و 7) في الصحيفة 65.

(3) ج 1 ص 27. وفي الوسائل في الباب ـ 26 ـ من أبواب الوضوء.

(4 و 5 و 6) المروية في الوسائل في الباب ـ 26 ـ من أبواب الوضوء.

(8) المروية في الوسائل في الباب ـ 15 ـ من أبواب الوضوء.


«ثم غرف ملأها ماء فوضعها على جبينه ثم قال : بسم الله وسد له. الحديث».

وبالجملة فالظاهر امتداد وقتها من حين الوضع أو الصب للاستنجاء إلى الشروع في غسل الوجه.

وقد صرح الأصحاب بأنه لو تركها نسيانا جاز تداركها في أثناء الوضوء ، ولو كان عمدا احتمل ذلك أيضا ، ولو تركها إلى آخر الوضوء فالظاهر صحة الوضوء ، وهو مجمع عليه فتوى والأشهر نصا.

وروى الشيخ في التهذيب (1) في الصحيح عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «ان رجلا توضأ وصلى. فقال له رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أعد صلاتك ووضوءك ، ففعل فتوضأ وصلى ، فقال له النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : أعد وضوءك وصلاتك ، ففعل فتوضأ وصلى ، فقال له النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أعد وضوءك وصلاتك ، فأتى أمير المؤمنين (عليه‌السلام) وشكى ذلك اليه ، فقال : هل سميت حين توضأت؟ فقال : لا. قال : فسم على وضوئك فسمى وصلى ، فاتى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فلم يأمره أن يعيد».

والظاهر ـ كما صرح به بعض فضلاء متأخري المتأخرين ـ كون ذلك على جهة التأديب والإرشاد ، فإن لصاحب الشريعة ـ كما تقدمت الإشارة إليه ـ السياسة بمثل ذلك وأعظم منه لئلا يتهاون الناس بالسنن.

ومن ظاهر الخبر المذكور استظهر بعض المتأخرين إعادة الوضوء والصلاة لمن ترك التسمية على وضوئه ، بل ربما يستفاد منه استحباب إعادة العبادة مطلقا بترك بعض سننها ، وفي الاخبار ما يعضده.

وحمل الشيخ (قدس‌سره) التسمية في الخبر على النية ، قال : لأن الألفاظ

__________________

(1) ج 1 ص 102 وفي الوسائل في الباب ـ 26 ـ من أبواب الوضوء.


ليست بفريضة حتى يعاد من تركها الوضوء ، وإلا لم يطهر مواضع الوضوء بتركها ، لانه لا يكون قد تطهر تاركها.

ورماه بالبعد جملة من تأخر عنه. وهو كذلك ، فإن إطلاق التسمية اللفظية على النية القلبية غير معروف ، وعروض النسيان لأصل النية ـ التي هي عبارة عن مطلق القصد إلى الفعل الذي لا يخلو عنه عاقل في فعل من أفعاله كما سيأتي إيضاحه ـ بعيد جدا نعم يحتمل ـ كما ذكره بعض محدثي متأخري المتأخرين ـ ان يراد بالنية إخطار أن هذا العمل لله بالبال لئلا يصدر عنه على الغفلة ، ولا يبعد ان يصدق عليه التسمية ، لتضمنه اسم الله سبحانه. لكن فيه انه وان أمكن احتماله في أول مرة لكن الظاهر في الدفعة الثانية بعد أمر الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بالإعادة عدم إمكانه ، فإنه لم يقصد فيها سوى امتثال امره (صلى‌الله‌عليه‌وآله) حيث ان امره أمر الله تعالى وطاعته طاعته.

واحتمل شيخنا صاحب رياض المسائل وحياض الدلائل تأويل كلام الشيخ ان مراده ـ بقوله : «ان التسمية المنسية هي النية الواجبة. إلخ» ـ أن التسمية لها فردان : (أحدهما) ـ مجرد اللفظ الذي لا يكون وسيلة إلى تحصيل القصد إلى الامتثال المسمى بالنية ، ولا ارتباط له بها ، كما هو الحاصل لمن له أدنى مسكة بعروة العقل. و (ثانيها) ـ اللفظ الذي يكون وسيلة إلى تحصيله بحيث لا يمكنه أحكام النية إلا به ، كما نجده عيانا في بعض من ابتلى بالوسوسة في النية ، ولعل صدر الإسلام لما كان قريب العهد بالجاهلية ، بعيد الطبع عن قبول الأحكام الشرعية وتعقل الأمور الذهنية ، خصوصا الاعراب منهم ، حلي لهم اللابس بحلية الملبوس ، وجلي لهم مرآة المعقول بصورة المحسوس فأمروا بالتسمية اللفظية الدالة على قصد كون الفعل المشروع فيه باسمه ، ليحصل لهم الانتقال منها إلى المعنى التي هي النية القلبية ، لوجوب فهم المعنى من اللفظ لمن علم بالوضع انتهى. وهو معنى لطيف إلا ان ملاحظة الشيخ له في غاية البعد.


و (منها) ـ الاغتراف باليمين لجميع الأعضاء المغسولة. وهو بالنسبة إلى ما عدا غسلها نفسها متجه ومتفقة عليه الاخبار.

أما بالنسبة إليها نفسها فهل يغترف لها باليسرى ويغسلها بها ، أو يغترف بها ثم يديره في اليسرى ويغسل؟

المشهور الثاني وعليه تدل صحيحة محمد بن مسلم أو ضعيفته ، بناء على تضمن سندها رواية العبيدي عن يونس عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (1) في حكاية الوضوء البياني ، حيث قال فيها : «... ثم أخذ كفا آخر بيمينه فصبه على يساره ثم غسل به ذراعه الأيمن ...».

ومثلها موثقة الأخوين بعثمان بن عيسى (2) على رواية التهذيب. حيث قال فيها : «... ثم غمس كفه اليمنى في الماء فاغترف بها من الماء فغسل يده اليمنى ...» واما الكافي ففيه «اليسرى». بدل «اليمنى» أخيرا.

وعلى الأول تدل صحاح الأخبار كصحيحة زرارة (3) حيث قال فيها : «... ثم أعاد يده اليسرى في الإناء فاسد لها على يده اليمنى ثم مسح جوانبها ...». ومثلها صحيحته الأخرى (4) وحسنة بكير (5) وصحيحتاهما (6) ومنه يظهر قوة القول الأول.

وقضية الجمع جواز الأمرين دون أفضلية الاغتراف باليمين لغسلها ، وبذلك يظهر لك ما في كلام ثاني الشهيدين في الروض ، حيث قال ـ بعد ان صرح باستحباب الاغتراف باليمين مطلقا ـ : «وفي حديث عن الباقر (عليه‌السلام) انه أخذ باليسرى فعسل اليمنى. وهو لبيان الجواز». انتهى.

و (منها) ـ السواك ، والظاهر انه لا خلاف بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) في استحبابه مطلقا وخصوصا للوضوء والصلاة ، لاستفاضة الأخبار بذلك.

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6) المروية في الوسائل في الباب ـ 15 ـ من أبواب الوضوء.


ومما يدل على الأول موثقة إسحاق بن عمار (1) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : من أخلاق الأنبياء السواك».

وروايته أيضا عنه (عليه‌السلام) (2) قال : «السواك من سنن المرسلين».

وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (3) قال : «قال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : ما زال جبرئيل (عليه‌السلام) يوصيني بالسواك حتى خفت أن أحفي أو أدرد». واحفى بالحاء المهملة وادرد بدالين مهملتين عبارة عن إذهاب الأسنان. الى غير ذلك من الاخبار.

ومما يدل على الثاني قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في صحيحة معاوية بن عمار عن الصادق (عليه‌السلام) (4) : «وعليك بالسواك عند كل وضوء».

وقول الصادق (عليه‌السلام) في رواية المعلى بن خنيس (5) حين سأله عن الاستياك بعد الوضوء قال : «الاستياك قبل ان يتوضأ. قال : قلت : أرأيت ان نسي حتى يتوضأ؟ قال : يستاك ثم يتمضمض ثلاث مرات».

وفي رواية الكسونى (6) «التسوك بالإبهام والمسبحة عند الوضوء سواك».

وفي رواية محمد بن مروان عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (7) في وصية النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لعلي صلوات الله عليه «عليك بالسواك لكل صلاة».

وعنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في رواية القداح (8) «لو لا ان أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة».

أي امرا إيجابيا وإلا فقد أمر (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لكن استحبابا. الى غير ذلك من الاخبار.

__________________

(1 و 2 و 3) المروية في الوسائل في الباب ـ 1 ـ من أبواب السواك.

(4) المروية في الوسائل في الباب ـ 3 ـ من أبواب السواك.

(5) المروية في الوسائل في الباب ـ 4 ـ من أبواب السواك.

(6) المروية في الوسائل في الباب ـ 9 ـ من أبواب السواك.

(7 و 8) المروية في الوسائل في الباب ـ 5 ـ من أبواب السواك.


وذهب البعض ـ من حيث ورود الأمر به مطلقا ـ إلى انه ليس من مستحبات الوضوء ، ولأمر الحائض والنفساء به.

وفيه ان استحبابه مطلقا ولو لمثل الحائض والنفساء لا ينافي استحبابه للوضوء والصلاة زيادة على ذلك ، فيكون فيهما مؤكدا ، فإن الأخبار الدالة على الأمر به في خصوص الموضعين ـ سيما حديث خوف المشقة على الأمة ، وقوله (عليه‌السلام) فيما رواه في الفقيه (1) مرسلا : «السواك شطر الوضوء». ـ مما يدل على ما قلناه بأوضح دلالة

و (منها) ـ المضمضة والاستنشاق على المشهور فتوى والأظهر نصا ، ونقل في المختلف عن ابن أبي عقيل انه قال : «انهما ليسا عند آل الرسول (عليهم‌السلام) بفرض ولا سنة».

والاخبار في ذلك مختلفة على وجه يعسر جمعها.

ففي رواية عبد الرحمن بن كثير المروية بطرق المشايخ الثلاثة (2) (نور الله تعالى مضاجعهم) مسندة في الكافي والتهذيب ومرسلة في الفقيه في حكاية وضوء الأمير (صلوات الله عليه): «... ثم تمضمض فقال ، وذكر الدعاء ، ثم استنشق فقال. الحديث».

وفي رواية عبد الله بن سنان (3) قال : «المضمضة والاستنشاق مما سن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله)».

وفي موثقة أبي بصير (4) حيث سأله عنهما فقال : «هما من الوضوء ، فان نسيتهما فلا تعد».

__________________

(1) ج 1 ص 32 ، وفي الوسائل في الباب ـ 3 ـ من أبواب السواك.

(2) رواها صاحب الوسائل في الباب ـ 16 ـ من أبواب الوضوء.

(3) المروية في الوسائل في الباب ـ 29 ـ من أبواب الوضوء ، والباب ـ 24 ـ من أبواب الجنابة.

(4) المروية في الوسائل في الباب ـ 29 ـ من أبواب الوضوء.


وفي حديث عهد الأمير (صلوات الله عليه) الذي كتبه إلى محمد بن أبي بكر لما ولاه مصر على ما رواه الشيخ أبو علي في مجالسه (1) «... وانظر إلى الوضوء فإنه من تمام الصلاة ، تمضمض ثلاث مرات ، واستنشق ثلاثا. الحديث ، إلى ان قال : فإني رأيت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يصنع ذلك ، واعلم ان الوضوء نصف الايمان».

ورواية عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن أبيه عن آبائه عن علي (عليهم‌السلام) (2) قال : «جلست أتوضأ ، فأقبل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال لي : تمضمض واستنشق واستن. الحديث».

وفي رواية حكم بن حكيم (3) بعد السؤال عن المضمضة والاستنشاق من الوضوء هما ، قال : «لا».

وفي حسنة زرارة (4) قال : «المضمضة والاستنشاق ليسا من الوضوء».

ورواية أبي بصير (5) حيث سأله عنهما قال : «ليس هما من الوضوء ، هما من الجوف».

ورواية الحضرمي (6) قال : «ليس عليك مضمضة ولا استنشاق ، لأنهما من الجوف».

وموثقة سماعة (7) حيث سأل عنهما فقال : «هما من السنة ، فان نسيتهما لم يكن عليك اعادة».

ورواية زرارة (8) قال : «ليس المضمضة والاستنشاق فريضة ولا سنة ، إنما عليك ان تغسل ما ظهر».

__________________

(1) ص 19 وفي الوسائل في الباب ـ 15 ـ من أبواب الوضوء.

(2) المروية في الوسائل في الباب ـ 25 ـ من أبواب الوضوء.

(3 و 4 و 5 و 6 و 7 و 8) المروية في الوسائل في الباب ـ 29 ـ من أبواب الوضوء.


ورواية علي بن جعفر في كتاب قرب الاسناد (1) حيث سأل أخاه (عليه‌السلام) عن المضمضة والاستنشاق قال : «ليس بواجب وان تركهما لم يعد لهما صلاة».

وفي كتاب الخصال (2) في حديث الأربعمائة قال : «والمضمضة والاستنشاق سنة ، وطهور للفم والأنف».

هذا ما وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بذلك ، وهي ـ كما ترى ـ على غاية من التدافع والتنافي ، والجمع بينها ممكن بأحد وجهين :

(الأول) ـ حمل ما دل على نفي كونهما من الوضوء على معنى انهما ليسا من واجباته وان كانا من سننه ، وبهذا جمع الشيخ (عطر الله مرقده) بين الاخبار ، وعليه أكثر أصحابنا (رضوان الله عليهم) ويؤيده نفي الوجوب في رواية قرب الاسناد وظاهر لفظ «ليس عليك» المشعر بنفي الوجوب في رواية الحضرمي.

ويدل على كونهما من سننه رواية عبد الرحمن بن كثير وحديث العهد ورواية عمرو بن خالد ، وحينئذ فيحمل ما دل على كونهما سنة بقول مطلق على انهما من سنن الوضوء ومستحباته.

ولا ينافي ذلك نفي كونهما فريضة أو سنة في رواية زرارة ، إذ الظاهر ان المراد بالفريضة فيها ما كان وجوبه بالكتاب ، والسنة ما كان وجوبه بالسنة النبوية ، فهي نفي للوجوب بطريقيه ، ويؤيده قوله بعد ذلك : «انما عليك. إلخ» الدال بمفهومه على انه ليس عليه مضمضة ولا استنشاق المشعر ـ كما عرفت ـ بنفي الوجوب.

ولعل المبالغة في نفي وجوبهما على وجه يوهم الناظر نفيهما مطلقا هو الرد على العامة ، من حيث مواظبتهم عليهما بل قول جملة منهم بوجوبهما ، كما نقله في المنتهى عن احمد وإسحاق وابن أبي ليلى ، وبعض منهم خص الوجوب بالاستنشاق ، وبعض خص

__________________

(1) في الصحيفة 83 وفي الوسائل في الباب ـ 29 ـ من أبواب الوضوء.

(2) ج 2 ص 157 وفي الوسائل في الباب ـ 29 ـ من أبواب الوضوء.


وجوبهما بالطهارة الكبرى (1).

(الثاني) ـ حمل النفي في تلك الاخبار على نفي كونهما من الوضوء مطلقا ، يعني لا من واجباته ولا من مستحباته ، وحمل ما عدا ذلك مما دل على كونهما سنة على ثبوت استحبابهما في حد ذاتهما لا لأجل الوضوء.

وإلى هذا جنح شيخنا المحقق صاحب رياض المسائل وحياض الدلائل وبالغ في نصرته ، فقال بعد ذكر كلام في المقام : «والتحقيق ان نقول يجب الجزم بأنهما ليسا من سنن الوضوء المنسوبة إليه المرتبطة به ، بحيث علم من الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وأهل بيته (صلوات الله عليهم) قولا أو فعلا أو تقريرا للواظبة عليهما غالبا عند ارادة الوضوء ، وتوظيفهما في ذلك الوقت من حيث الخصوص كما هو شأن السنة ، ثم استند إلى خلو الأخبار البيانية عنهما ، ثم طعن في رواية عبد الرحمن بن كثير بضعف السند ، وفي موثقتي سماعة وأبي بصير الدالة أولاهما على انهما من السنة ، بأنه أعم من المدعى ،

__________________

(1) في بدائع الصنائع ج 1 ص 21 «عند احمد بن حنبل هما فرضان في الوضوء والغسل جميعا» وكذا في تفسير ابن كثير ج 2 ص 23. وفي الميزان للشعرانى ج 1 ص 106 «اتفق الأئمة الثلاثة على استحباب المضمضة والاستنشاق في الوضوء ، وفي أشهر الروايتين عن احمد وجوبهما في الحدث الأكبر والأصغر» وفي المحلى ج 2 ص 48 ما ملخصه «المضمضة ليست فرضا فتركها عمدا أو نسيانا لا يخل بالوضوء والصلاة. واما الاستنشاق بنفسه ثم النثر بأصابعه فلا بد منه مرة لا يجزئ الوضوء ولا الصلاة دونهما لا عمدا ولا نسيانا. وفي ص 50 قال مالك والشافعي : ليس الاستنشاق والاستنثار فرضا لا في الوضوء ولا في الغسل من الجنابة. وقال أبو حنيفة : هما فرض في غسل الجنابة لا الوضوء. وقال احمد وداود : هما فرضان في الوضوء لا في غسل الجنابة ، وليست المضمضة فرضا لا في الوضوء ولا في غسل الجنابة» وفي تفسير ابن كثير ج 2 ص 23 نسب إلى أبي حنيفة وجوب للمضمضة والاستنشاق في الغسل دون الوضوء ، وذكر أيضا انه روى عنه وجوب الاستنشاق دون المضمضة. وفي شرح النووي على صحيح مسلم بهامش إرشاد الساري ج 2 ص 314 نسب إلى ابن أبي ليلى وإسحاق بن راهويه الموافقة لأحمد بن حنبل في الوجوب فيهما.


وأخراهما على انهما من الوضوء ، بالمعارضة بصحيحة زرارة (1) «انهما ليسا من الوضوء». مع قبولها للتأويل بكونهما من الوضوء اللغوي ، لأنهما طهور للفم والأنف ، ثم طعن في رواية عمرو بن خالد بضعف السند لاشتماله على رجال من العامة ، وانها تنادي بالتقية لاشتمالها على الأمر بغسل الرجلين وتخليل أصابعهما ، ثم قال : فكيف يتجرأ على الفتيا بكون شي‌ء سنة موظفة في شي‌ء مع عدم ورود ما يصلح لإثبات ذلك ، إلى ان قال : واما كونهما سنة في الجملة فالظاهر ذلك ، لما ذكرنا من موثقة سماعة (2) ثم ذكر جملة من الأخبار الدالة بظاهرها على الاستحباب مطلقا.

أقول : وفيه (أولا) ـ ان خلو اخبار الوضوء البياني عن ذلك لا يدل على نفي الاستحباب في الوضوء ، لاحتمال تخصيص البيان بما هو الواجب كما صرح به البعض ولخلوها كملا عن الأدعية الموظفة في الوضوء وعن السواك ، مع ثبوت استحبابهما إجماعا نصا وفتوى ، وخلو كثير منها عن التسمية.

و (ثانيا) ـ ان رواية عبد الرحمن وان ضعف سندها بناء على هذا الاصطلاح المحدث الذي لم يقم على اعتباره دليل ، مع ما في جملة من أحكامه من القال والقيل ، كما شرحنا بعض ذلك في المقدمة الثانية (3) إلا انها صحيحة بالدستور القديم والنهج القويم الذي عليه كافة علمائنا المتقدمين من المحدثين والمجتهدين ، سيما الثلاثة المحمدين الذين هم أساطين الدين ونخبة المعتمدين ، وقد رووها كملا في مسانيدهم ، مع تصريحهم في أوائل كتبهم بان جميع ما يروونه صحيح مقطوع على صحته ، وقد اعتمد أصحاب هذا الاصطلاح على كثير من مراسيل الفقيه بناء على ما صرح به في أول كتابه ، كما لا يخفى على من نظر في الكتب الاستدلالية ، على انهم قد قرروا في جملة اصطلاحاتهم جبر الضعف بالشهرة ، وشهرة الرواية المذكورة ـ بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) سلفا وخلفا

__________________

(1) المتقدمة في الصحيفة 157 وقد وصفها هناك بأنها حسنة.

(2) المتقدمة في الصحيفة 157.

(3) في الصحيفة 14 من الجزء الأول.


والعمل بما اشتملت عليه ـ مما لا يتجشم إنكاره ، وقد رواها البرقي في المحاسن (1) أيضا وهو مؤيد لما قلنا.

و (ثالثا) ـ ان ما ذكره ـ من انه لم يعلم من الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ولا من أهل بيته (عليهم‌السلام) توظيفهما في الوضوء ـ معارض بأنه لم يعلم منهم أيضا الإتيان بهما في غير حال الوضوء ، فإن التجأ إلى إطلاق الاخبار بأنهما من السنة ، قلنا : العام لا دلالة له على الخاص. وان قيل : الفرض نفي استحبابهما في الوضوء ، قلنا : الاستحباب قد ثبت بجملة من الاخبار المذكورة آنفا كرواية عبد الرحمن المذكورة (2) ورواية العهد (3) ورواية عمرو بن خالد (4) واشتمال آخر الأخيرة على ما يشعر بالتقية لا يقتضي بطلان الاستدلال بها على ما عدا موضع التقية ، إذ سبيلها فيما لا معارض له سبيل العام المخصوص في غير موضع التخصيص ، سيما مع الاعتضاد بما ذكرنا من الاخبار ، وهي موثقة أبي بصير وظاهر موثقة سماعة ، فإن قوله فيها : «هما من السنة» وان كان أعم من كونه في الوضوء أم لا إلا ان قوله : «فان نسيتهما. إلخ» يعين ما قلناه ، إذ لا ارتباط بين استحبابهما مطلقا وبين توهم الإعادة لهما.

وحينئذ فما عدا ما ذكرنا من الأخبار مما كان مطلقا فسبيله الحمل على المقيد رعاية للقاعدة المقررة ، وما كان متضمنا للنفي فوجهه الحمل على نفي الوجوب كما قدمنا. وعلى ذلك تنتظم الاخبار ويزول عنها غبار الغيار.

وما نقله في المختلف عن ابن أبي عقيل هو بعينه مضمون رواية زرارة المتقدمة (5) لأن من شأنه (قدس‌سره) في كتابه ـ بل جملة المتقدمين ـ التعبير بمتون الاخبار ، وحينئذ فيحمل كلامه على ما تحمل عليه الرواية ، وبذلك يتبدل الاختلاف بالائتلاف كما لا يخفى على من نظر بعين الإنصاف.

__________________

(1) في الصحيفة 45.

(2) والآتية في الصحيفة 167.

(3 و 4 و 5) في الصحيفة 157.


فائدة

قد صرح جمع من المتأخرين باستحباب المضمضة والاستنشاق بثلاثة أكف ، وانه مع إعواز الماء يكفي الكف الواحد ، وانه يشترط تقديم المضمضة أولا ، وجوز العلامة في النهاية ان يتمضمض مرة ويستنشق مرة وهكذا ثلاثا ، سواء كان الجميع بغرفة أو غرفتين أو أزيد.

واعترضهم جمع من متأخريهم بعدم وجود المستند في شي‌ء من هذه التفاصيل سوى رواية عبد الرحمن بن كثير (1) فإنها دلت على تقديم المضمضة وعطف الاستنشاق عليه ب «ثم».

أقول : وقد دلت رواية العهد المتقدمة على التثليث أيضا ، لكن أعم من ان يكون بثلاثة أكف في كل منهما أو أقل وان كان الظاهر الأول ، فيحصل من كلتا الروايتين استحباب تقديم المضمضة على الاستنشاق وتثليثهما.

و (منها) ـ الدعاء حالة المضمضة والاستنشاق بما ورد عن الأمير (صلوات الله عليه) في رواية عبد الرحمن بن كثير (2) حيث قال : «... ثم تمضمض فقال : اللهم لقني حجتي يوم ألقاك ، وأطلق لساني بذكرك ، ثم استنشق فقال : اللهم لا تحرم علي ريح الجنة واجعلني ممن يشم ريحها وروحها وطيبها ...».

و (منها) ـ كون الوضوء بمد إجماعا نصا وفتوى ، ومن الاخبار في ذلك صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (3) قال : «كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يتوضأ بمد من ماء ويغتسل بصاع». ومثله في صحيحة زرارة (4) وزاد فيها «والمد رطل ونصف ، والصاع ستة أرطال».

__________________

(1 و 2) الآتية في الصحيفة 167.

(3 و 4) المروية في الوسائل في الباب ـ 50 ـ من أبواب الوضوء.


ورواية أبي بصير (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الوضوء. فقال : كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) يتوضأ بمد ويغتسل بصاع».

وما رواه في الفقيه (2) مرسلا قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله): الوضوء مد والغسل صاع ، وسيأتي أقوام من بعدي يستقلون ذلك ، فأولئك على خلاف سنتي ، والثابت على سنتي معي في حظيرة القدس». الى غير ذلك من الاخبار.

ومما يدل على ان ذلك على جهة الاستحباب دون الوجوب إجماع الفرقة الناجية على ذلك أولا ، واستفاضة الأخبار بإجزاء مثل الدهن ثانيا ، كما سيأتي في موضعه ان شاء الله تعالى.

وهل ماء الاستنجاء داخل في المذكور؟ ظاهر شيخنا الشهيد في الذكرى ذلك حيث قال : «المد لا يكاد يبلغه الوضوء ، فيمكن ان يدخل فيه ماء الاستنجاء ، كما تضمنته رواية ابن كثير عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) (3)».

واستحسنه في المدارك ، قال : «وربما كان في صحيحة أبي عبيدة الحذاء (4) اشعار بذلك أيضا ، فإنه قال : «وضأت أبا جعفر (عليه‌السلام) بجمع وقد بال ، فناولته ماء فاستنجى ، ثم صببت عليه كفا فغسل به وجهه. الحديث». ويؤيده دخول ماء الاستنجاء في صاع الغسل على ما سيجي‌ء بيانه» انتهى.

واعترض في كتاب الحبل المتين على كلام الذكرى ، فقال : «وظني ان كلامه هنا إنما يتمشى على القول بعدم استحباب الغسلة الثانية ، وعدم كون المضمضة والاستنشاق من أفعال الوضوء الكامل ، واما على القول بذلك ـ كما هو مختاره (قدس‌سره) ـ

__________________

(1) المروية في الوسائل في الباب ـ 50 ـ من أبواب الوضوء.

(2) ج 1 ص 23 ، وفي الوسائل في الباب ـ 50 ـ من أبواب الوضوء.

(3) الآتية في الصحيفة 167.

(4) المروية في الوسائل في الباب ـ 15 ـ من أبواب الوضوء.


فلا ، فان المد على ما اعتبرناه لا يزيد على ربع المن التبريزي المتعارف في زماننا هذا بشي‌ء يعتد به ، وهذا المقدار إنما يفي بأصل الوضوء المسبغ ولا يفضل منه شي‌ء للاستنجاء فان ماء غسل اليدين كف أو كفان ، وماء كل من المضمضة والاستنشاق والغسلات الواجبة والمندوبة ثلاث أكف ، فهذه ثلاث عشرة أو أربع عشرة كفا ، وهذا ان اكتفى في غسل كل عضو بكف واحدة ، وإلا زادت على ذلك ، فأين ما يفضل للاستنجاء؟ وأيضا ففي كلامه (طاب ثراه) بحث آخر ، وهو انه ان أراد بماء الاستنجاء الذي حسبه من ماء الوضوء ماء الاستنجاء من البول وحده ، فهو شي‌ء قليل حتى قدر بمثلي ما على الحشفة ، وهو لا يؤثر في الزيادة والنقصان أثرا محسوسا ، وان أراد ماء الاستنجاء من الغائط أو منهما معا لم يتم استدلاله بالروايتين المذكورتين ، إذ ليس في شي‌ء منهما دلالة على ذلك ، بل في رواية الحذاء (1) ما يشعر بان الاستنجاء كان من البول وحده ، فلا تغفل» انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه.

واما تحقيق قدر المد فسيأتي ان شاء الله تعالى منقحا في باب غسل الجنابة.

و (منها) ـ ان يبدأ الرجل في غسل ذراعيه في الوضوء بظاهرهما والمرأة بباطنهما ، لما رواه المشايخ الثلاثة عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن الرضا (عليه‌السلام) (2) قال : «فرض الله على النساء في الوضوء ان يبدأن بباطن أذرعهن وفي الرجال بظاهر الذراع».

ومثله روى الصدوق في الخصال (3) بسنده عن جابر الجعفي عن أبي جعفر (عليه‌السلام) قال : «المرأة تبدأ في الوضوء بباطن الذراع والرجل بظاهره. الحديث».

والمشهور بين متأخري الأصحاب التفصيل في ذلك بين الغسلة الاولى والثانية ،

__________________

(1) المتقدمة في الصحيفة 163.

(2) رواها صاحب الوسائل في الباب ـ 40 ـ من أبواب الوضوء.

(3) ج 2 ص 142.


بأن يبدأ الرجل في الغسلة الأولى بظاهر ذراعيه وفي الثانية بباطنهما والمرأة بالعكس. ولم أقف له على مستند.

و (منها) ـ فتح العينين عند الوضوء ، رواه الصدوق (قدس‌سره) في الفقيه (1) مرسلا وفي كتابي العلل وثواب الأعمال مسندا عن ابن عباس قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : افتحوا عيونكم عند الوضوء لعلها لا ترى نار جهنم».

وروى الراوندي في نوادره بإسناده عن الكاظم عن آبائه (عليهم‌السلام) (2) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : اشربوا عيونكم للماء ، لعلها لا ترى نارا حامية».

وفي كتاب دعائم الإسلام مثله.

وعده الشهيد في الدروس من مستحبات الوضوء ناقلا له عن الصدوق ، ونقل عن الشيخ في الخلاف دعوى الإجماع منا على عدم وجوبه واستحبابه.

والظاهر ـ كما استظهره جملة من مشايخنا (قدس الله تعالى أرواحهم) ـ ان المراد باستحباب ذلك مجرد فتحهما استظهارا لغسل نواحيهما. دون غسلهما ، لما فيه من المشقة والمضرة ، حتى انه روى ان ابن عمر كان يفعله فعمي لذلك.

واحتمل بعض مشايخنا حمل الخبرين على التقية لما في سند الأول من جملة من رجال العامة ، حيث ان الصدوق في الكتابين المتقدمين رواه بسنده إلى السكوني عن ابن جريح عن عطاء عن ابن عباس ، والثاني ضعيف السند أيضا قال : «والقول بالاستحباب

__________________

(1) ج 1 ص 31 وفي العلل ص 103 وفي ثواب الأعمال ص 10 وفي الوسائل في الباب ـ 53 ـ من أبواب الوضوء.

(2) رواه صاحب البحار عن النوادر للراوندي وعن دعائم الإسلام ج 18 ص 80 من كتاب الطهارة ، ورواه صاحب المستدرك عن دعائم الإسلام في الباب ـ 45 ـ من أبواب الوضوء.


منسوب للشافعي (1)» ولا يخلو من قرب.

و (منها) ـ صفق الوجه بالماء ، نقله جماعة من متأخري أصحابنا (رضوان الله عليهم) عن علي بن بابويه في رسالته.

وروى ابنه في الفقيه (2) مرسلا وفي كتاب العلل مسندا في الموثق عن عبد الله ابن المغيرة عن رجل ، ومثله في التهذيب عن الصادق (عليه‌السلام) قال : «إذا توضأ الرجل فليصفق وجهه بالماء ، فإنه ان كان ناعسا فزع واستيقظ ، وان كان البرد فزع فلم يجد البرد». وهو يشعر بموافقته لأبيه (طاب ثراهما).

لكن روى الكليني (3) والشيخ عن السكوني عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : لا تضربوا وجوهكم بالماء إذا توضأتم ، ولكن شنوا الماء شنا».

وروى الحميري في كتاب قرب الاسناد (4) بسند صحيح عن أبي جرير الرقاشي

__________________

(1) في تذكرة العلامة (قده) انه أحد قولي الشافعي ، وفي خلاف الشيخ الطوسي (قده) ص 6 قال أصحاب الشافعي انه مستحب ، وفي المهذب لأبي إسحاق الشيرازي الشافعي ج 1 ص 15 «ولا يغسل العينين. ومن أصحابنا من قال يستحب غسلهما لأن ابن عمر كان يغسل عينه حتى عمى ، والأول أصح لأنه لم ينقل ذلك عن رسول الله «ص» قولا ولا فعلا فدل على انه ليس بمسنون» وفي الأم للشافعي ج 1 ص 21 «وانما أكدت المضمضة والاستنشاق دون غسل العينين للسنة ، وان الفم يتغير وكذلك الأنف وان الماء يقطع من تغيرهما وليست كذلك العينان».

(2) ج 1 ص 31 وفي العلل ص 103 وفي التهذيب ج 1 ص 102 وفي الوسائل في الباب ـ 30 ـ من أبواب الوضوء.

(3) رواه الكليني ج 1 ص 9 والشيخ ج 1 ص 12 وفي الوسائل في الباب ـ 30 ـ من أبواب الوضوء.

(4) في الصحيفة 129 وفي الوسائل في الباب ـ 15 و 30 ـ من أبواب الوضوء.


قال : «قلت لأبي الحسن (عليه‌السلام) : كيف أتوضأ للصلاة؟ قال : فقال : لا تعمق في الوضوء ، ولا تلطم وجهك بالماء لطما ، ولكن اغسله من أعلى وجهك إلى أسفله. الحديث».

ويمكن الجمع بينهما بحمل الأول على الناعس والبردان كما هو مورد الخبر ، والأخيرين على ما عداهما ، أو الأول على الجواز والأخيرين على الكراهة.

واحتمل بعض الأصحاب انه يجوز ان لا يكون الصفق في الخبر الأول مرادا به غسل الوجه الذي هو جزء من الوضوء ، بل يكون فعلا آخر سابقا على الوضوء للغرض المذكور في الرواية. وليس بذلك البعيد.

و (منها) ـ الدعاء على كل من أفعال الوضوء ، وقد جمعته رواية عبد الرحمن ابن كثير المشار إليها آنفا عن الصادق (عليه‌السلام) (1) قال : «بينا أمير المؤمنين (عليه‌السلام) ذات يوم جالس مع محمد بن الحنفية إذ قال : يا محمد ائتني بإناء من ماء أتوضأ للصلاة ، فأتاه محمد بالماء ، فأكفأ بيده اليمنى على يده اليسرى ، ثم قال : بسم الله والحمد لله الذي جعل الماء طهورا ولم يجعله نجسا ، قال : ثم استنجى فقال : اللهم حصن فرجي وأعفه واستر عورتي وحرمني على النار ، قال : ثم تمضمض فقال : اللهم لقني حجتي يوم ألقاك وأطلق لساني بذكرك ، ثم استنشق فقال : اللهم لا تحرم علي ريح الجنة واجعلني ممن يشم ريحها وروحها وطيبها ، قال : ثم غسل وجهه فقال : اللهم بيض وجهي يوم تسود فيه الوجوه ، ولا تسود وجهي يوم تبيض فيه الوجوه ، ثم غسل يده اليمنى فقال : اللهم أعطني كتابي بيميني والخلد في الجنان بيساري وحاسبني حسابا يسيرا ، ثم غسل يده اليسرى فقال : اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ولا تجعلها مغلولة إلى عنقي ، وأعوذ بك من مقطعات النيران ، ثم مسح رأسه فقال : اللهم غشني برحمتك وبركاتك ، ثم مسح رجليه فقال : اللهم ثبتني على الصراط يوم تزل فيه الاقدام ، واجعل سعيي فيما

__________________

(1) المروية في الوسائل في الباب ـ 16 ـ من أبواب الوضوء.


يرضيك عني ، ثم رفع رأسه فنظر إلى محمد فقال : يا محمد من توضأ مثل وضوئي وقال مثل قولي خلق الله له من كل قطرة ملكا يقدسه ويسبحه ويكبره فيكتب الله له ثواب ذلك إلى يوم القيامة».

أقول : لا يخفى ان كتب الاخبار قد اختلفت في جملة من مواضع هذا الخبر (منها) ـ في تقديم المضمضة على الاستنشاق ، فان الموجود في الفقيه (1) والتهذيب (2) كما هنا ، والموجود في الكافي (3) ـ وهو الذي اعتمده صاحب الوافي ـ تقديم الاستنشاق.

و (منها) ـ قوله : «فأكفأ بيده اليمنى على يده اليسرى» فان الموجود في الفقيه والكافي كما هنا ، وفي التهذيب الموجود بأيدينا «فأكفأ بيده اليسرى على يده اليمنى». وهو الذي نقله بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين عن التهذيب أيضا ، الا ان شيخنا البهائي (عطر الله تعالى مرقده) في كتاب الأربعين نقل الحديث كما هنا ، وذكر انه نقله من التهذيب من نسخة معتمدة بخط والده (طاب ثراه) وهي التي قرأها عليه ، ووالده قرأها على شيخنا الشهيد الثاني (قدس الله تعالى أرواحهم جميعا)

و (منها) ـ قوله في دعاء الاستنجاء : «وحرمني على النار». ففي الفقيه والتهذيب كما هنا ، وفي الكافي «وحرمهما». بضمير التثنية ، وعلى ذلك يحتمل عوده الى الفرج والعورة ، نظرا إلى اختلاف اللفظين. وان قرئ «عورتي» بالتشديد على صيغة التثنية فلا اشكال.

و (منها) ـ في دعاء المضمضة ، ففي الفقيه والتهذيب كما ذكرنا ، وفي الكافي «اللهم أنطق لساني بذكرك ، واجعلني ممن ترضى عنه».

و (منها) ـ في دعاء الاستنشاق ، ففي الفقيه والتهذيب كما هنا ، وفي الكافي «اللهم لا تحرم علي ريح الجنة واجعلني ممن يشم ريحها وطيبها وريحانها». وفي بعض كتب

__________________

(1) ج 1 ص 26.

(2) ج 1 ص 15.

(3) ج 1 ص 21.


الاخبار ـ كما نقله في كتاب الأربعين ـ «اللهم لا تحرمني طيبات الجنان واجعلني. إلخ». وفي أخره «ريحانها» بدل «طيبها» ، إلى غير ذلك من المواضع المعدودة في كتاب الأربعين والبحار.

ونحن قد اعتمدنا هنا في نقل الخبر المذكور على كلام شيخنا البهائي (رحمه‌الله) في أربعينه ، فنقلناه من الكتاب المذكور من نسخة معتمدة مقابلة على شيخنا العلامة أبي الحسن الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني (طيب الله تعالى مضجعه).

تتمة

روى شيخنا المجلسي في كتاب البحار (1) من كتاب الفقه الرضوي قال : «قال (عليه‌السلام) : أيما مؤمن قرأ في وضوئه «إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ...» خرج من ذنوبه كيوم ولدته امه».

وروى شيخنا المشار إليه ـ في الكتاب المذكور أيضا (2) عن كتاب اختيار السيد ابن الباقي وكتاب البلد الأمين ـ ان «من قرأ بعد إسباغ الوضوء «إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ...» وقال : اللهم إني أسألك تمام الوضوء وتمام الصلاة وتمام رضوانك وتمام مغفرتك ، لم تمر بذنب قد أذنبه إلا محته».

وروى فيه (3) أيضا عن كتاب الاختيار قال : «قال الباقر (عليه‌السلام) : من قرأ على أثر وضوئه آية الكرسي مرة ، أعطاه الله تعالى ثواب أربعين عاما ، ورفع له أربعين درجة ، وزوجه الله أربعين حوراء.

وقال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله): يا علي إذا توضأت فقل : بسم الله اللهم إني أسألك تمام الوضوء وتمام الصلاة وتمام رضوانك وتمام مغفرتك ، فهذا زكاة الوضوء».

__________________

(1) ج 18 ص 75 من كتاب الطهارة.

(2) ج 18 ص 78 من كتاب الطهارة.

(3) ج 18 ص 76. والرواية في البحار عن جامع الاخبار.


أقول : قال في الفقيه (1) «زكاة الوضوء ان يقول المتوضئ : اللهم إني أسألك تمام الوضوء وتمام الصلاة وتمام رضوانك والجنة ، فهذا زكاة الوضوء».

ويحتمل أن يكون إطلاق الزكاة عليه اما باعتبار نمو التطهير فزيادته وكماله بسببه أو باعتبار انه سبب لقبول الوضوء كما ان الزكاة سبب لقبول الصلاة والصوم.

__________________

(1) ج 1 ص 32.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *