ج19 - أحكام بيع الثمار

الفصل الثامن

في بيع الثمار

من النخل والفواكه والخضر وما يلحق ذلك من الأحكام ، والبحث في هذا الفصل في مطالب أربعة.

الأول ـ في ثمرة النخل ، وتحقيق الكلام فيها أنه لا خلاف بين الأصحاب ، (رضوان الله عليهم) ـ في جواز بيعها بعد ظهور صلاحها ، وانما الخلاف فيما قبله ، وتفصيل القول فيه أنه اما ان يكون قبل ظهورها ، أو بعده قبل بدو الصلاح ، وعلى الأول فاما أن يكون عاما واحدا أو أزيد ، ثم انه على تقدير بيعها عاما واحدا هل يجوز مع الضميمة أم لا؟ فهيهنا مقامات أربعة.

الأول ـ في بيعها عاما واحدا قبل ظهورها مع عدم ضميمة ، والمشهور بين الأصحاب ـ بل ادعى عليه العلامة في التذكرة الإجماع ، ومثله الشهيدان في الدروس والمسالك أنه لا يجوز بيعها قبل ظهورها عاما واحدا من غير ضميمة ، والمراد بالظهور هو بروزها الى الخارج وان كانت في طلعها ، كما تضمنته موثقة سماعة ، ورواية يعقوب بن شعيب الاتيتان إنشاء الله تعالى.

والمفهوم من كلام الشيخ في كتابه الأخبار القول هنا بالكراهة ، قال (قدس‌سره) بعد نقل أخبار المسألة : قال محمد بن الحسن : الأصل في هذا أن الأحوط أن لا يشترى الثمرة سنة واحدة إلا بعد أن يبدو صلاحها ، فان اشتريت فلا تشترى الا بعد أن يكون معها شي‌ء آخر ، فان خاست كان رأس المال فيما بقي ، ومتى اشترى من غير ذلك لم يكن البيع باطلا ، لكن يكون قد فعل مكروها ، وقد صرح بذلك ـ في الاخبار التي قدمناها ـ أبو عبد الله (عليه‌السلام).


منها حديث الحلبي (1) «ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نهى عن ذلك لأجل قطع الخصومة الواقعة بين الأصحاب ولم يحرمه». وكذلك ذكر ثعلبة عن بريد (2) وزاد فيه «انما نهاه ذلك العام دون سائر الأعوام» ، وفي حديث يعقوب بن شعيب (3) «ان أبا عبد الله (عليه‌السلام) كان يكره ذلك ، ولم يقل أنه «كان يحرمه» وعلى هذا الوجه لا تنافي بين الاخبار انتهى.

والواجب أولا ذكر الأخبار الواردة في المسألة ، ثم بيان ما هو الظاهر منها فمنها ما رواه المشايخ الثلاثة (نور الله مراقدهم) عن سماعة (4) في الموثق قال : «سألته (عليه‌السلام) عن بيع الثمرة هل يصلح شراؤها قبل أن يخرج طلعها ، قال : لا الا أن يشترى معها شيئا غيرها رطبة أو بقلا فيقول : أشترى منك هذه الرطبة وهذا النخل وهذا الشجر بكذا وكذا ، فان لم تخرج الثمرة كان رأس مال المشترى في الرطبة والبقل» الحديث.

وما رواه في الفقيه والتهذيب عن أبى الربيع الشامي (5) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : كان أبو جعفر (عليه‌السلام) يقول إذا بيع الحائط فيه النخل والشجر سنة واحدة فلا يباعن حتى تبلغ ثمرته ، وإذا بيع سنتين أو ثلاثا فلا بأس ببيعه بعد ان يكون فيه شي‌ء من الخضرة».

وما رواه الشيخ في التهذيب عن يعقوب بن شعيب (6) في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن شراء النخل ، فقال : كان أبى يكره شراء النخل قبل ان تطلع ثمرة السنة ، ولكن السنتين والثلاث كان يقول : ان لم يحمل في هذه السنة حمل في السنة الأخرى ، قال يعقوب : وسألته «قال : سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام)

__________________

(1 و 2) الكافي ج 5 ص 175 التهذيب ج 7 ص 85.

(3) التهذيب ج 7 ص 87.

(4) الكافي ج 5 ص 176 التهذيب ج 7 ص 84 الفقيه ج 3 ص 133.

(5) الفقيه ج 3 ص 157.

(6) التهذيب ج 7 ص 87.


عن الرجل يبتاع النخل والفاكهة قبل ان تطلع فيشتري سنتين أو ثلاث سنين أو أربعا فقال : لا بأس ، إنما يكره شراء سنة واحدة قبل ان تطلع مخافة الافة حتى تستبين».

وعن سليمان بن خالد (1) في الصحيح قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام): لا تشترى النخل حولا واحدا حتى يطعم وان كان يطعم ، وان شئت ان تبتاعه سنتين فافعل». هكذا نقل الخبر في الوافي عن التهذيب ، ثم قال : الظاهر سقوط لفظ «لم» من قوله «يطعم» : انتهى ، وقال بعض مشايخنا (عطر الله مراقدهم) : ان الواو في قوله «وان كان يطعم» ليست في بعض النسخ الصحيحة).

أقول : ويؤيده ان الذي في الاستبصار (2) «وان شئت ان تبتاعه» وبالجملة فمن عرف طريقة الشيخ في الكتاب المذكور لا يستنكر من وقوع التحريف منه في الخبر المذكور ، ومعنى الخبر على تقدير زيادة الواو والنهى عن اشتراء النخل حولا واحدا حتى يطعم وان كان من شأنه بأن بلغ ذلك المبلغ ، وان شئت أن تبتاعه أزيد فلا بأس.

وما رواه الشيخ عن ابى بصير (3) عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) «انه قال : لا تشتر النخل حولا واحدا حتى يطعم ، وان شئت ان تبتاعه سنتين فافعل».

وعن ابى بصير (4) عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سئل عن النخل والتمر يبتاعهما الرجل عاما واحدا قبل ان تثمر قال : لا حتى تثمر وتأمن ثمرتها من الافة ، فإذا أثمرت فابتعها أربعة أعوام ان شئت مع ذلك العام أو أكثر من ذلك أو أقل».

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 88.

(2) الاستبصار ج 3 ص 85.

(3 و 4) التهذيب ج 7 ص 88.


وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن بريد بن معاوية (1) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن الرطبة تباع قطعة أو قطعتين أو ثلاث قطعات؟ فقال : لا بأس ، قال : وأكثرت السؤال عن أشباه هذا فجعل يقول : لا بأس به فقلت : أصلحك الله ـ استحياء من كثرة ما سألته وقوله (عليه‌السلام) لا بأس به ـ ان من بيننا يفسدون علينا هذا كله ، فقال : أظنهم سمعوا حديث رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في النخل ، ثم حال بيني وبينه رجل فسكت ، فأمرت محمد بن مسلم ان يسأل أبا جعفر (عليه‌السلام) عن قول رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في النخل فقال أبو جعفر (عليه‌السلام) خرج رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فسمع ضوضاء فقال : ما هذا؟ فقيل له : تبايع الناس بالنخل فقعد النخل العام فقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : أما إذا فعلوا فلا يشتروا النخل العام حتى يطلع فيها شي‌ء ، ولم يحرمه».

ورواه الشيخ في التهذيبين عن ثعلبة بن زيد (2) بدل عن بريد والظاهر أنه من قبيل ما قدمنا ذكره من حال الشيخ (رحمة الله عليه) وما وقع له من التحريف والتغيير في متون الاخبار وأسانيدها.

وما رواه ثقة الإسلام في الكافي. في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (3) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سئل عن شراء الكرم والنخل والثمار ثلاث سنين أو أربع سنين فقال : لا بأس به يقول : ان لم يخرج في هذه السنة أخرج في قابل ، وان اشتريته سنة واحدة فلا تشتره حتى يبلغ ، فان اشتريته ثلاث سنين قبل أن يبلغ فلا بأس ، وسئل (عليه‌السلام) عن الرجل يشتري الثمرة المسماة من ارض فهلك

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 174 التهذيب ج 7 ص 86.

(2) التهذيب ج 7 ص 86 وفيه عن ثعلبة بن زيد عن بريد.

(3) الكافي ج 5 ص 175 التهذيب ج 7 ص 85 الفقيه ج 3 ص 132.


ثمرة تلك الأرض كلها ، فقال : قد اختصموا في ذلك الى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فكانوا يذكرون ذلك فلما رآهم لا يدعون الخصومة ، نهاهم عن ذلك البيع حتى تبلغ الثمرة ولم يحرمه ، ولكن فعل ذلك من أجل خصومتهم». ورواه الصدوق مثله ، الا أنه ترك قوله وان اشتريته ثلاث سنين قبل أن تبلغ فلا بأس.

وما رواه أيضا في الكتاب المذكور في الصحيح عن ربعي (1) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) ان لي نخلا بالبصرة فأبيعه وأسمى الثمن وأستثنى الكر من التمر أو أكثر أو العذق من النخل؟ قال : لا بأس ، قلت : جعلت فداك نبيع السنتين؟ قال : لا بأس ، قلت : جعلت فداك ان ذا عندنا عظيم ، قال : أما انك ان قلت ذاك لقد كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أحل ذلك فتظالموا فقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لا تباع الثمرة حتى يبدو صلاحها». وما رواه الصدوق في حديث المناهي المذكور في آخر كتاب الفقيه (2) عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) قال : «ونهى أن تباع الثمار حتى تزهو».

وما رواه عبد الله ابن جعفر الحميري في كتاب قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده على بن جعفر (3) عن أخيه موسى بن جعفر (عليه‌السلام) قال : «سألته عن بيع النخل أيحل إذا كان زهوا؟ قال : إذا استبان البسر من الشيص حل بيعه وشراؤه». وعنه أيضا (4) قال : سألته عن السلم في النخل قبل ان يطلع؟ قال : لا يصلح السلم في النخل».

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 175 التهذيب ج 7 ص 85.

(2) الفقيه ج 4 ص 4.

(3) الوسائل الباب ـ 1 من أبواب بيع الثمار الرقم ـ 17.

(4) الوسائل الباب ـ 1 من أبواب بيع الثمار الرقم ـ 18.


ورواه على بن جعفر في كتابه (1) وكذا الذي قبله ، وزاد فيه «سألته عن شراء النخل سنتين أيحل؟ قال : لا بأس ، يقول : ان لم يخرج العام شيئا أخرج القابل إنشاء الله (تعالى). قال : وسألته عن شراء النخل سنة واحدة أيصلح؟ قال لا يشترى حتى يبلغ».

أقول : هذا ما حضرني من الاخبار المتعلقة بالمسألة ، وقد عرفت كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ذلك ، والذي يلوح لي ـ من صحيحة بريد بن معاوية وقوله فيها «ان من بيننا يفسدون علينا ذلك ، فقال : أظنهم سمعوا حديث رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله)» الى آخر الخبر وقوله في صحيحة ربعي «ان هذا عندنا عظيم ، فقال : أما انك ان قلت» الى آخره ـ أن مذهب العامة يومئذ تحريم بيع الثمرة قبل ظهورها عاما أو عامين ، كما هو مذهب أصحابنا (رضوان الله عليهم) إجماعا كما يدعونه في العام الواحد ، وبناء على المشهور في الأزيد ، كما يأتي ذكره إنشاء الله (تعالى) وعلى هذا فلا يبعد حمل اخبار التحريم مما يكون صريحا فيه على التقية.

وكيف كان فإن صحيحة بريد ، وصحيحة الحلبي وحسنته ـ انما هو بإبراهيم ابن هاشم المتفق على قبول حديثه وان عدوه حسنا ـ وصحيحة ربعي صريحة في الحل وعدم الحرمة ، فيتعين العمل بها لصحتها وصراحتها ، فلا بد من ارتكاب التأويل فيما كان ظاهرا في منافاتها ، اما بالحمل على الكراهة كما ذكروه ، أو التقية كما أشرنا اليه ، والى هذا القول يميل كلام جملة من محققي متأخري المتأخرين كالمحقق الأردبيلي والفاضل الخراساني.

المقام الثاني ـ المسألة الأولى بحالها الا أن المبيع مع الضميمة ، وقد اختلف الأصحاب في ذلك ، قال في المسالك بعد أن ادعى عدم الخلاف في المنع مع

__________________

(1) الوسائل الباب ـ 1 من أبواب بيع الثمار الرقم ـ 20 ـ 21.


عدم الضميمة : والمشهور المنع مع الضميمة أيضا ، حيث لا تكون الضميمة هي المقصودة بالبيع ، لانه غرر انتهى. والمفهوم منه التفصيل بين كون الضميمة هي المقصودة بالبيع والثمرة تابعة ـ فيصح البيع كما لو باعه الأصل والثمرة ـ أو لا تكون مقصودة ، بل جعلت تابعة ، كسائر الضمائم التي ذكروها في غير موضع مثل ضميمة الآبق ونحوها ، فلا يصح.

وأنت خبير بأنه قد تقدم في موثقة سماعة التصريح بالصحة مع الضميمة مع ظهور كون الضميمة تابعة ، فان ضم الرطبة أو البقل الى الثمرة ظاهر بل صريح في التبعية وعدم المقصودية ، ويعضد ذلك اتفاقهم على الصحة مع الضميمة المعلومة تبعيتها في غير موضع ، مما يحكمون فيه ببطلان العقد لو لا الضميمة ، وأظهر تأييدا في ذلك ما عرفت آنفا من صحة البيع مع عدم الضميمة بالكلية ، كما اخترناه وصرح به من قدمناه.

وبالجملة فإن ما ذكروه لا أعرف له وجه استقامة بعد ما عرفت. ولا سيما بعد ما رجحناه من صحة البيع مع عدمها بالكلية.

المقام الثالث ـ في بيعها قبل الظهور أزيد من عام واحد ، قال في المختلف المشهور أنه لا يجوز بيع الثمرة قبل ظهورها ، لا عاما واحدا ولا عامين أما العام الواحد فبالإجماع ، ولانه بيع عين معدومة ، فلا يصح وأما بيع عامين فالمشهور أنه كذلك ، وادعى ابن إدريس الإجماع فيه أيضا ، قال : وقد يشتبه على كثير من أصحابنا ذلك ، ويظنون أنه يجوز بيعها سنتين وان كانت فارغة لم يطلع بعد وقت العقد ، قال : وهذا بخلاف ما يجدونه في تصانيف أصحابنا وخلاف إجماعهم واخبار أئمتهم وفتاويهم ، وهذا غلط في النقل ، فان الصدوق قال في المقنع : بالجواز (1) والمعتمد الأول ، لنا انه بيع عين مجهولة معدومة ، فلا يصح كغيرها

__________________

(1) حيث قال بعد المنع من البيع سنة واحدة : ومع الانضمام إلى سنة


من المجهولات ، ولقول الباقر (عليه‌السلام) في حديث أبى الربيع الشامي : «وإذا بيع سنتين أو ثلاثة فلا بأس ببيعه بعد أن يكون فيه شي‌ء من الخضرة». انتهى كلامه زيد مقامه.

أقول : المشهور في كلامهم نسبة الخلاف في هذه الصورة الى الصدوق خاصة (1) مع أن ظاهر العلامة في التذكرة القول بذلك أيضا ، وكذا نقله بعض المحققين عن الشيخ أيضا ، ومما يدل على القول المذكور ما تقدم في صحيحة يعقوب بن شعيب وصحيحة سليمان بن خالد بالتقريب الذي ذكرناه ذيلها ورواية أبي بصير الاولى وصحيحة الحلبي أو حسنته وصحيحة ربعي وصحيحة على بن جعفر المذكور في كتابه ، معللا ذلك في رواية يعقوب بن شعيب ، وصحيحة الحلبي أو حسنته وصحيحة على بن جعفر ـ بأنه ان لم يخرج العام أخرج في القابل.

وما رواه في الكافي والتهذيب عن معاوية بن ميسرة (2) قال : «سألته عن بيع النخل سنتين؟ قال : لا بأس به» الحديث.

وبذلك يظهر قوة قول المذكور ، وأنه المؤيد المنصور ، قال في المختلف ـ بعد ذكر ما قدمنا نقله ـ : احتج ابن بابويه بما رواه يعقوب بن شعيب في الصحيح ،

__________________

أخرى يجوز لما رواه الحلبي في الحسن ثم ساق الرواية ، ثم نقل صحيحة يعقوب بن شعيب منه رحمه‌الله.

(1) حيث قال : والمشهور عدم جوازه أكثر من عام ، ولم يخالف فيه الا الصدوق لصحيحة يعقوب بن شعيب ، وحملت على عدم بدو الصلاح انتهى ، وهو ظاهر في انه لا مخالف الا الصدوق ، ولا دليل له الا صحيحة يعقوب المذكورة ، وقد عرفت مما ذكرنا وجود المخالف غير الصدوق وتعدد الاخبار الصحيحة الصريحة زيادة على الرواية المذكورة ـ منه رحمه‌الله.

(2) الكافي ج 5 ص 177 التهذيب ج 7 ص 86.


ثم ساق الرواية كما قدمناه ، ثم قال : والجواب أنه محمول على ظهور الثمرة قبل تأبيرها.

وأنت خبير بما في هذا الجواب ، وان تبعه فيه الشهيد في الدروس ، كيف لا والسؤال الثاني من الرواية المذكورة انما وقع عن الثمرة قبل أن تطلع ، ومع هذا أجاب (عليه‌السلام) بنفي البأس ، ويرد ما ذكروه أيضا التعليل المذكور في تلك الروايات أنه ان لم يخرج العام يخرج في العام الأخر ، فإنه إشارة إلى الوجه المصحح للبيع في هذه الصورة ، قال في المسالك ـ بعد قول المصنف : و «في جواز بيعها كذلك عامين فصاعدا تردد ، والمروي الجواز» وبعد استدلاله للقول المشهور بمفهوم الشرط في رواية أبي بصير الثانية ، ولرواية أبي الربيع ـ ما لفظه : لكن في الرواية الأولى ضعف ، والثانية من الحسن ، وأشار المصنف بقوله «والمروي الجواز» إلى صحيحة يعقوب بن شعيب ، ثم ساقها الى آخرها ، ثم قال : وعمل بمضمون الرواية الصدوق ، ويظهر من المصنف الميل اليه ، وهو قوي ـ إذ لم يثبت الإجماع على خلافه ـ لصحة روايته وترجيحها على ما يخالفها من الروايات ، مع إمكان حمل روايات المنع على الكراهة جمعا. انتهى.

وفيه أن وصفه رواية أبي الربيع بالحسن سهو منه (قدس‌سره) فان الرجل المذكور غير موثق ولا ممدوح ، وأن الدليل على الجواز غير منحصر في صحيحة يعقوب المذكورة ، لما عرفت من الاخبار التي أشرنا إليها ، وهي متكاثرة صحيحة صريحة في الحكم المذكور ، لا يعارضها ما ذكره ، سيما مع قيام التأويل في المعارض ، كما أشار اليه ، وبالجملة فالقول بالصحة في الصورة المذكورة مما لا مجال لإنكاره بعد ما عرفت والله العالم.

المقام الرابع ـ في بيعها بعد الظهور وقبل بدو صلاحها ، والمشهور أنه لا يجوز الا أن يضم إليها ما يجوز بيعه (1) أو بشرط القطع أو عامين فصاعدا ولو بيعت من

__________________

(1) في قوله ما يجوز بيعه إشارة إلى أنه يجب في الضميمة أن يكون شيئا


دون أحد الشروط المذكورة ، فهل يكون جائزا على كراهة ، أو يكون باطلا ، أو يراعى السلامة؟ أقوال ثلاثة ، وبالأول ـ قال الشيخ في كتابي الاخبار ، والشيخ المفيد وسلار وابن إدريس والعلامة في التذكرة ، وبالثاني قال في النهاية والمبسوط والخلاف ، وادعى عليه الإجماع ، وبه قال الصدوق ، وابن الجنيد ، وأبو الصلاح ، وابن حمزة ، وبالثالث قال سلار في ظاهر كلامه ، واستدل القائلون بالتحريم إلى رواية أبي بصير الثانية من روايتيه المتقدمتين ، وما رواه في الكافي والفقيه ، عن الوشاء (1) في الضعيف في الأول ، والحسن في الثاني قال : «سألت الرضا (عليه‌السلام) هل يجوز بيع النخل إذا حمل فقال : لا يجوز بيعه حتى يزهو ، قلت : وما الزهو جعلت فداك؟ قال : يحمر ويصفر وشبه ذلك». وما رواه في الكافي والتهذيب عن على بن حمزة (2) قال سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) الى أن قال : «وسألته عن رجل اشترى بستانا فيه نخل ليس فيه غير بسر أخضر؟ فقال : لا حتى يزهو ، قلت : وما الزهو؟ قال : يتلون». ويدل عليه أيضا ما تقدم في حديث المناهي المنقول عن الفقيه ، وما في رواية قرب الاسناد.

ويعارض هذه الاخبار ما قدمنا ذكره من الروايات الصحيحة الصريحة في جواز البيع قبل الظهور بالكلية من غير شرط ، فبعده قبل بدو الصلاح بطريق أولى ، مضافا ذلك الى عمومات الكتاب والسنة في حل البيع ، ووجوب الوفاء بالعهود ،

__________________

يمكن افراده بالبيع بأن يكون معمولا جامعا لجميع شرائط البيع وان كان قليلا بالنسبة إلى العادة الجارية بين الناس في أمثاله كما تقدم. منه رحمه‌الله.

(1 و 2) الوسائل الباب ـ 1 ـ من أبواب بيع الثمار الرقم 3.


وحمل الأخبار النافية على الكراهة ، كما ذكره الأصحاب غير بعيد (1) لان ما تشعر به من احتمال تطرق الافة قبل بدو الصلاح لا يصلح للمانعية ، ألا ترى أنه يمكن ذلك في أكثر المبيعات ، مثل الحيوانات وبيع الثمرة سنتين مثلا ، بل بعد بدو الصلاح يمكن تطرقها أيضا.

ونقل العلامة في التذكرة المنع من المذاهب الأربعة ، وكذا ابن إدريس في كتاب السرائر حيث قال : وانما يجوز عندنا خاصة بيعها إذا طلعت قبل بدو الصلاح سنتين ، وعند المخالفين لمذهب أهل البيت (عليهم‌السلام) لا يجوز ، وعلى هذا فلا يبعد حمل هذه الاخبار على التقية ، ولعله الأظهر.

قال في المسالك بعد ذكر الشروط الثلاثة المتقدمة : وألحق العلامة بالثلاثة بيعها على مالك الأصل ، وبيع الأصول مع استثناء الثمرة ، وفي الأخير نظر ، إذ ليس هناك بيع ولا نقل الثمرة بوجه ، ودليل الأول غير واضح ، والتبعية للأصل انما يجرى لو بيعا معا. انتهى وهو جيد.

ثم انه ينبغي أن يعلم ان الوجه في اشتراط الضميمة ـ وكذا في اشتراط الزيادة عن سنة ـ ظاهرة أما في اشتراط القطع فهو لا يخلو عن نوع غموض ، لان الظاهر أن الاشتراء انما يكون بشي‌ء يمكن الانتفاع به ، ومجرد ظهور الثمرة ـ قبل بدو الصلاح ـ لا يترتب عليها بعد القطع منفعة ـ يعتد بها بين العقلاء ـ حتى انه تقطع لأجلها ، وانما

__________________

(1) أقول : ويمكن تأييد القول بالكراهة بما تضمنته صحيحة الحلبي المتقدمة أو حسنته حيث انه ذكر في صدرها وان اشتريته في سنة واحدة فلا تشتره حتى يبلغ ، وهو ظاهر بالبيع حتى تدرك الثمرة ، ثم أنه نقل حديث رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، وذكر أنه انما هم لما وقعوا في الخصومة ولم يحرمه ومنه يظهر ان نهيه (عليه‌السلام) أولا انما هو نهى تنزيه وكراهة لا نهى تحريم منه رحمه‌الله.


المنافع المترتبة بعد صيرورة النخل بسرا ، أو ثمرة الكرم حصرما ونحو ذلك ، واما قبل ذلك فلا ، فإطلاق اشتراط القطع لا يخلو من غموض واشكال والله العالم.

وتمام تحقيق الكلام في المقام يتوقف على رسم فائدتين ، الأولى ـ بدو الصلاح ـ المجوز لبيع الثمرة على القول بالمنع قبله ـ هل هو عبارة عن الاحمرار أو الاصفرار؟ أو هو عبارة عن ان تبلغ مبلغا يؤمن عليها من الافة والمرجع فيه الى أهل الخبرة قولان.

ونقل في التذكرة عن بعض العلماء ان حده طلوع الثريا ، محتجا عليه برواية عن النبي (1) (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، وردت بعدم ثبوت النقل ، والروايات المتقدمة بعضها قد اشتمل على الأول ، وبعضها على الثاني.

ومما يدل على الأول صحيحة ربعي وحديث المناهي المنقول من الفقيه ، ورواية قرب الاسناد ، وحسنة الرشا ، ورواية على بن أبي حمزة.

ومما يدل على الثاني صحيحة سليمان بن خالد وفيها حتى يطعم ، وفي الصحاح «أطعمت النخلة إذا أدركت ثمرتها ، وأطعمت البسر : اى صار لها طعم» ومثلها رواية أبي بصير الاولى ، وفي روايته الثانية حتى يثمر ، وتؤمن ثمرتها من الافة.

ونحو هذه الرواية أيضا ما رواه في الكافي عن يعقوب ابن شعيب (2) في الصحيح قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : إذا كان الحائط فيه ثمار مختلفة فأدرك بعضها فلا بأس ببيعه جميعا».

وما رواه في الكافي والتهذيب في الموثق عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي (3)

__________________

(1) وهي ان ابن عمر روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله انه نهى عن بيع الثمار حتى يذهب العاهة فقال له عثمان بن عبد الله سراقة ومتى ذلك قال : إذا طلعت الثريا ، ورد بأن هذه التتمة من كلام ابن عمر لأقول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) منه رحمه‌الله.

(2 و 3) الكافي ج 5 ص 175 التهذيب ج 7 ص 85.


عن بيع الثمرة قبل أن تدرك؟ فقال : إذا كان في تلك الأرض بيع له غلة قد أدركت فبيع ذلك كله حلال». أقول قوله «بيع» بمعنى «مبيع» وهذا الإطلاق شائع في الاخبار ، وقوله «له غلة» أي ثمرة.

وما رواه في التهذيب والفقيه عن على بن أبي حمزة (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل اشترى بستانا فيه شجرة ونخل ، منه ما قد أطعم ومنه ما لم يطعم : قال : لا بأس به إذا كان فيه ما قد أطعم». وبما ذكرناه هنا يظهر لك ما في كلام شيخنا الشهيد الثاني (قدس‌سره) في المسالك حيث قال : بعد قول المصنف «وبدو الصلاح أن يصفر أو يحمر أو يبلغ مبلغا يؤمن عليه العاهة» : بدو صلاح ثمرة النخل أحد الأمرين المذكورين ، عملا بما دلت عليه الروايات ، فان كثيرا منها دل على الأول ، وفي رواية أبي بصير ما يدل على الثاني ، واقتصر جماعة من الأصحاب على العلامة الأولى لصحة دليلها ، وقيل بالثاني خاصة ، والأقوى اعتبار العلامة الأولى خاصة لما ذكرناه.

واعترضه المحقق الأردبيلي هنا في دعواه صحة دليل العلامة الأولى حيث ، انه انما أورد روايتي الوشاء وعلى بن أبي حمزة ، ثم قال : وما رأيت غيرهما وليس فيهما شي‌ء صحيح ، فقول شارح الشرائع «واكتفى الأكثر به لصحة دليله» محل التأمل انتهى.

وفيه أن من جملة أدلة هذه العلامة صحيحة ربعي كما ذكرناه ، ولكنه غفل عنها كما ينبئ عنه كلامه ، وانما وجه الدخل في كلام شيخنا المذكور دعواه أن كثير من الروايات دل على العلامة الاولى ، وأن فيها الصحيح والعلامة الثانية انما دل عليها خبر أبى بصير خاصة ، فمن ثم رجح العلامة الاولى ، والأمر كما عرفت مما ذكرناه ليس كذلك ، وأن الروايات الدالة على العلامة الثانية أكثر عددا وصحاحا

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 84 الفقيه ج 3 ص 133.


والظاهر ـ بمعونة ما قدمناه من جواز البيع قبل الظهور ـ ترتب هذه الاخبار في مراتب الكراهة ، فالأولى قبل الظهور ، والثانية بعد الظهور وقبل التلون ، والثالثة بعد التلون وقبل أن تدرك وتطعم ، وأما إذا بلغت هذا المبلغ فلا إشكال في الجواز بغير كراهة ، وقد تقدم أيضا احتمال الحمل على التقية في بعض هذه المراتب. والله العالم.

الثانية قالوا إذا أدرك بعض ثمرة البستان جاز بيعها اجمع ، ولو أدركت ثمرة بستان فهل يجوز أن يضم اليه بستان لم يدرك ويباع جميعا أم لا؟ قولان.

أقول : أما الحكم الأول فالظاهر أنه موضع اتفاق نصا وفتوى ، لان بيع ما لم يدرك جائز مع الضميمة كما تقدم ، وما أدرك من الثمرة ضميمة هنا لما لم يدرك ، وقد تقدمت صحيحة يعقوب بن شعيب وصحيحة إسماعيل بن الفضل الهاشمي ، ورواية على بن أبي حمزة مصرحة بذلك.

وأما الثاني فالمشهور الجواز ايضا لمكان الضميمة ، وأيد ذلك بصحيحة الهاشمي المتقدمة أيضا ، بناء على ظاهر إطلاق الأرض فيها ، فإنه أعم من أرض ذلك البستان الذي أدرك بعضه ، أو أرض بستان آخر.

ونقل عن الشيخ في المبسوط والخلاف المنع ، لان لكل بستان حكم نفسه المتعدد ، ولما رواه عن عمار (1) في الموثق عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) أنه سئل عن الفاكهة متى يحل بيعها؟ قال : إذا كانت فاكهة كثيرة في موضع واحد فأطعم بعضها فقد حل بيع الفاكهة كلها ، فإذا كان نوعا واحدا فلا يحل بيعه حتى يطعم ، فان كان أنواعا متفرقة فلا يباع منها شي‌ء حتى يطعم كل نوع منها وحده ، ثم تباع تلك الأنواع». ورد في المسالك الرواية بالضعف ، وتردد المحقق في الشرائع في الحكم المذكور ، والظاهر عندي أن الرواية المذكورة ليست من قبيل ما نحن

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 92.


فيه ، فان ظاهر الخبر أن التفرق انما هو في أنواع الفاكهة ، وان كانت في بستان واحد ، لا في المكان الذي فيه الفاكهة كما هو محل البحث ، وهذا الخبر على ظاهره كما ذكرناه لا قائل به ، لما عرفت في الحكم الأول من أن البستان الواحد إذا أدرك بعض ثمره جاز بيع الجميع ، ويدلك على ما قلناه قوله (عليه‌السلام) في صدر الخبر «إذا كانت فاكهة كثيرة في موضع واحد» ثم انه فصل في تلك الفاكهة بين كونها نوعا واحدا أو أنواعا متعددة ، فأثبت لكل نوع منها حكم نفسه ، وحكمه في صدر الخبر بحل بيع الفاكهة كلها إذا أطعم بعضها مبنى على كونها من نوع واحد كما ينادى به التفصيل المذكور ، وحينئذ يكون الخبر المذكور من قبيل سائر اخبار عمار المشتملة على الغرائب ، كما طعن عليه بذلك المحدث الكاشاني في الوافي في غير موضع.

وبالجملة فإن القول الأول هو الأوفق بالقواعد المتقدمة ، ويعضده إطلاق الصحيحة المذكورة.

المطلب الثاني

في أثمار سائر الأشجار ، الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في عدم جواز بيعها قبل الظهور سنة واحدة بغير ضميمة ، ولم أقف هنا على نص صريح يدل على الجواز في الصورة المذكورة ، وانما ورد ذلك في ثمرة النخل كما تقدم ، الا أن ظاهر جملة من الأصحاب منهم شيخنا الشهيد الثاني في المسالك أن الخلاف هنا على حسب الخلاف في ثمرة النخل.

وقال في التذكرة على ما نقله المحقق الأردبيلي في جميع مسائل ثمرة الشجر : الخلاف هنا كالخلاف في ثمرة النخل ، ثم قال موردا عليه : الا أنه اختار في ثمر النخل جواز بيعه بعد الظهور قبل البدو عامين ، وفي ثمر الشجر قال : لا يجوز.


أقول : وهو ظاهر العلامة في الإرشاد ، حيث ذكر في عبارته الأحكام المتقدمة في النخل وطردها في الجميع (1).

والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بالشجر ما تقدم في المقام الأول من المطلب الأول في صحيحة الحلبي أو حسنته ، حيث إن السؤال فيها وقع عن شراء الكرم والنخل والثمار ، وقد تضمنت أنه لا بأس ببيعه ثلاث سنين ، أو أربع ، وتضمنت أنه ان اشتريته سنة واحدة فلا تشتره حتى يبلغ ، وتضمنت السؤال عن اشتراء الثمرات فتهلك ، وهو أعم من ثمرة النخل وغيرها ، فأجاب (عليه‌السلام) بحديث رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الدال على جواز شراء الثمرة قبل ظهورها عاما واحدا ، ويستفاد منه على هذا جواز الشراء سنة واحدة قبل الظهور على كراهية ، وجواز الشراء أزيد من سنة قبل الظهور أيضا.

ومنها ما رواه في الكافي. والتهذيب عن عمار الساباطي (2) في الموثق عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته عن الكرم متى يحل بيعه؟ فقال : إذا عقد وصار عروقا». والعرق اسم الحصرم بالنبطية ، كذا في الكافي. وفي التهذيب «عقودا» والعقد اسم الحصرم بالنبطية ، وهو أظهر.

أقول : وهذا الخبر من قبيل الاخبار المتقدمة في النخل ، وأنه لاتباع ثمرته بعد الظهور حتى يبدو صلاحها ، اما بالاحمرار أو الاصفرار ، أو بأن يؤمن

__________________

(1) وهذه صورة عبارته «الأول في بيع الثمار : انما يجوز بيعها بعد ظهورها ، وفي اشتراط بدو الصلاح الذي هو الاحمرار والاصفرار ، أو بلوغ غاية يؤمن غلتها الفساد ، أو ينعقد حب الزرع أو الشجر أو الضميمة أو بشرط القطع ، قولان» ولم يفصل في ذلك بين النخل وغيره من الشجر والموجود في أكثر العبارات التفصيل والفرق بين النخل وغيره من الأشجار كما في الشرائع وغيره ـ منه رحمه‌الله.

(2) الكافي ج 5 ص 178 التهذيب ج 7 ص 84.


عليها العاهة.

ومنها ما تقدم في رواية أبي الربيع الشامي المشتملة على الحائط فيه النخل والشجر ، وقد تضمنت النهى عن بيعه سنة واحدة حتى يبلغ ثمرته ، وتضمنت جواز بيعه أزيد من سنة واحدة بعد أن يكون فيه شي‌ء من الخضرة.

ومنها ما تقدم أيضا في صحيحة يعقوب بن شعيب (1) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : وسألته عن الرجل يبتاع النخل والفاكهة قبل أن تطلع فيشترى سنتين أو ثلاث سنين أو أربعا؟ قال : لا بأس ، إنما يكره شراء سنة واحدة قبل ان يطلع مخافة الافة حتى تستبين ، وهي ظاهرة في ان حكم شجر الفاكهة حكم النخل فيما ذكرنا من كراهة شراء سنة واحدة وجوازه أزيد من سنة واحدة من غير ضميمة ، حسبما تقدم في النخل.

ومنها ما رواه في التهذيب عن محمد بن شريح (2) عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) في حديث قال : «وبلغني أنه قال في ثمر الشجر : لا بأس بشرائه إذا صلحت ثمرته فقيل له : وما صلاح ثمرته؟ فقال : إذا عقد بعد سقوط ورده».

ومنها موثقة عمار المتقدمة في الفائدة الثانية ، وفيها النهى عن بيع الفاكهة حتى تطعم.

أقول : والذي يقرب عندي من هذه الاخبار بعد ضم بعضها الى بعض وهو مساومة حكم الشجر للنخل ، الا أن في جواز بيعه سنة واحدة قبل الظهور توقف ، لعدم ظهوره صريحا منها ، وكذا في جواز بيعه بعد الظهور وقبل البلوغ بأحد الشروط الثلاثة المتقدمة ، فإنه لا دلالة لشي‌ء من هذه الاخبار عليه ، بل ظاهرها هو الجواز بعد الانعقاد ، كما دلت عليه رواية محمد بن شريح من غير اشتراط شي‌ء.

واما ما دل على اشتراط أن تطعم ـ كما في موثقة عمار الثانية ، ونحوه بلوغ

__________________

(1 و 2) التهذيب ج 7 ص 88 و 91.


الثمرة في موثقة سماعة ، أو صيرورته حصرما كما في موثقة عمار الاولى ـ فيحمل على الأفضل والاولى ، وكراهة ما قبل ذلك ، وان ترتبت في الكراهة كما تقدم في النخل.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان المفهوم من كلام الأصحاب رضوان (الله عليهم) هو المنع من البيع قبل الظهور عاما واحدا بغير ضميمة إجماعا ، ومعها على المشهور والبيع أزيد من عام فقولان.

وأما بعد الظهور فقيل : بالجواز وقيل : بأنه يتوقف على بدو الصلاح ، وانما الكلام في بدو الصلاح ، هل هو عبارة عن انعقاد الحب خاصة ـ وعلى هذا يتحد الظهور وبدو الصلاح ، إذ لا واسطة بينهما ـ أو انه يشترط مع الانعقاد تناثر الورد؟ ذكره الشيخ في النهاية وجماعة ، أو أن بدو الصلاح كما ذكره في المبسوط حيث قال : بدو الصلاح مختلف ، فان كانت الثمرة مما تحمر أو تسود أو تصفر ، فبدو الصلاح فيهما حصول هذه الألوان ، وان كانت مما تبيض بأن يتموه ، وهو أن ينمو فيه الماء الحلو ويصفو لونه ، وان كان مما لا يتلون مثل التفاح فبان يحلو ويطيب أكله ، وان كان مثل البطيخ فبان يقع فيه النضج.

قال : وقد روى أصحابنا أن التلون يعتبر في ثمرة النخل خاصة ، فأما ما يتورد فبدو صلاحه أن ينثر الورد وينعقد ، وفي الكرم أن ينعقد الحصرم ، وان كان مثل القثاء والخيار الذي لا يتغير طعمه ولا لونه ، فان ذلك يؤكل صغارا فبدو صلاحه فيه أن يتناهى عظم بعضه. انتهى.

وقال ابن إدريس بدو الصلاح يختلف بحسب اختلاف الثمار ، فان كانت ثمرة النخل وكانت مما تحمر أو تسود أو تصفر فبدو الصلاح فيها ذلك ، وان كان خلاف ذلك فحين ينمو فيها الماء الحلو ويصفر لونها ، ولا يعتبر التلون والتموه والحلاوة عند أصحابنا إلا في ثمرة النخل خاصة ، وان كانت الثمرة مما يتورد فبدو صلاحها أن ينثر الورد وينعقد ، وفي الكرم أن ينعقد الحصرم ، وان كان غير


ذلك فحين يحلو ويشاهد وقال بعض المخالفين : ان مثل القثاء والخيار الذي لا يتغير طعمه ولا لونه فبدو صلاحه أن يتناهى عظم بعضه ، وقد قلنا ان أصحابنا لم يعتبروا بدو الصلاح الا فيما اعتبروه من النخل والكرم ، وانتثار الورد في الذي يتورد. انتهى كلامه (زيد مقامه).

وقال العلامة في المختلف بعد نقل كلامي الشيخ وابن إدريس المذكورين : وهذا كله عندي لا عبرة به ، لأنا قد جوزنا بيع الثمرة قبل بدو صلاحها ، نعم بشرط ظهورها. انتهى.

أقول : والظاهر من كلام الشيخ هو المنع من بيع البطيخ والقثاء والخيار ونحوها بعد الظهور وقبل بدو الصلاح الذي ذكره الا بشرط القطع ، وهذا الشرط وان لم يذكره هنا ، الا انه قد صرح به في موضع آخر من الكتاب المذكور.

والتحقيق هو ما ذكره ابن إدريس عن أصحابنا من ان بدو الصلاح انما يشترط ويعتبر في الثلاثة المذكورة فإنه هو الذي وردت به الاخبار ، وأما غيرها فحين يتحقق خلقه ويصير معلوما والله العالم.

المطلب الثالث في الخضر.

والمشهور بل الظاهر انه لا خلاف فيه انه لا يجوز بيعها قبل ظهورها ، وانما يجوز بعد ظهورها لقطة ولقطات ، (1) وجزة وجزات فيما يجز كالبقول ، وفيما

__________________

(1) قال في الدروس والمرجع في اللقطة والجزة والخرطة إلى العرف ، أقول : الظاهر ان مراده بالنسبة إلى إدراك ذلك الجنس وعدمه مما كان فيه صلاحية الجزة واللقطة وعدمها ، كما إذا كان صغارا لم يبلغ أو ان الانتفاع به لصغره منه رحمه‌الله.


يخترط كالحناء والتوت (1) ـ خرط وخرطات أو أربع ـ خرطات ، ويدل عليه ما رواه المشايخ الثلاثة في الموثق عن سماعة (2) في حديث تقدم اوله قال فيه : «وسألته عن ورق الشجر هل يصلح شراؤه ثلاث خرطات أو أربع خرطات؟ فقال : إذا رأيت الورق في شجرة فاشتر منه ما شئت من خرطة». وهو ظاهر في انه انما يشترى بعد ظهوره ، وانه يجوز شراؤه خرطة واحدة وخرطات متعددة.

وما رواه في الكافي والتهذيب عن معاوية بن ميسرة (3) قال : «سألته عن بيع النخل سنتين؟ قال : لا بأس به ، قلت : فالرطبة يبيعها هذه الجزة وكذا وكذا جزة بعدها؟ قال : لا بأس به ، ثم قال : قد كان أبى (عليه‌السلام) يبيع الحناء كذا وكذا خرطة».

أقول : وهذا الخبر وان كان مطلقا في الظهور وعدمه ، الا أنه مما يجب حمله على الأول ، حمل المطلق على المقيد ، وأما ما نقل عن ابن حمزة مما يشعر بجواز بيع الجزة الثانية أو الثالثة على حدة ، حيث قال : يجوز بيع الرطبة وأمثالها الجزة ، أو الثانية أو جميعا فهو مردود بالخبر الأول الدال صريحا على أنه لا يجوز البيع الا بعد الظهور جزة أو جزات ، ومقتضى ما ذكره جواز البيع قبل الظهور ، وهو بيع مجهول ، فلا يصح بانفراده بخلاف ما لو ضمها الى الموجود كما دل عليه الخبر.

__________________

(1) التوت بالتائين المنقطتين نقطتين ، من فوق ، وقيل بالتاء والثاء المثلة منه رحمه‌الله.

(2) الكافي ج 5 ص 176 التهذيب ج 7 ص 86 الفقيه ج 3 ص 143.

(3) الكافي ج 5 ص 177 التهذيب ج 7 ص 86.


المطلب الرابع في الأحكام

وفيه مسائل الاولى لو باع الأصول بعد انعقاد الثمرة لم تدخل في المبيع الا بالشرط ، وأما قبله فتدخل وان كان وردا خلافا للشيخ (1) ومتى لم تدخل في المبيع فالواجب على المشترى إبقاؤها إلى أو ان بلوغها ، ويرجع في ذلك الى ما هو المتعارف في تلك الأشجار من حد البلوغ ، هذا على المشهور في غير النخل.

أما النخل إذا بيع فإنه يفرق فيه بالتأبير وعدمه ، فإن أبرت ثمرته فهي للبائع وان كان قبل التأبير فهي للمشتري ، والظاهر أنه لا خلاف فيه.

ويدل عليه ما رواه في الكافي والتهذيب عن يحيى بن أبى العلاء (2) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : من باع نخلا قد لقح فالثمرة للبائع الا أن يشترط المبتاع ، قضى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بذلك».

وعن غياث بن إبراهيم (3) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) : من باع نخلا قد أبره فثمرته «للذي باع» الا أن يشترط المبتاع ، ثم قال : ان عليا (عليه‌السلام) قال : قضى به رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله)».

وما رواه في الكافي عن عقبة بن خالد (4) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «

__________________

(1) قال في الدروس : وفي دخول الورد قبل انعقاد الثمرة في بيع الأصول خلاف ، فأدخله الشيخ في الظاهر ، ومنعه الفاضل انتهى. منه رحمه‌الله.

(2 و 3) الكافي ج 5 ص 177 التهذيب ج 7 ص 87.

(4) الكافي ج 5 ص 178 التهذيب ج 7 ص 87.


قضى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أن ثمر النخل للذي أبرها الا أن يشترط المبتاع».

وانما الخلاف فيما عدا النخل ، وفي النخل في الانتقال بغير المبيع ، فان ظاهر المشهور هو ما قلناه من أن الثمرة للبائع ، لا تدخل في المبيع ، للأصل وعدم شمول اللفظ لها ، الا ان يصرح بدخولها.

وقال الشيخ في النهاية : إذا باع نخلا قد أبر ولقح فثمرته للبائع الا أن يشترط المبتاع الثمرة ، فإن شرط كان على ما شرط ، وكذلك الحكم فيما عدا النخل من شجر الفواكه ، وكذا قال الشيخ المفيد على ما نقل عنه في المختلف ، وظاهره كما ترى اجراء الحكم المذكور في غير النخل ، وتأول ابن إدريس في السرائر كلامه بأن قصد الشيخ من ذلك أن الثمرة للبائع ، لأنه ما ذكر الا ما يختص بالبائع ، ولا اعتبار عند أصحابنا بالتأبير إلا في النخل ، فأما ما عداه متى باع الأصول وفيها ثمرة فهي للبائع الا ان يشترطها المشترى ، سواء لقحت وأبرت أو لم تلقح.

وأنت خبير بان كلامه في المبسوط لا يقبل ما ذكره من التأويل ، حيث قال : إذا باع القطن وقد خرجت جوزته فان كان قد تشقق فالقطن للبائع الا أن يشترطه المشترى ، وان لم يكن تشقق فهو للمشتري ، قال : وما عدا النخيل والقطن فهو على أقسام أربعة أحدها ـ ما يكون ثمرتها بارزة لا في كمام ولا ورد ، كالعنب والتين ، فإذا باع أصلها فإن كانت الثمرة قد خرجت فهي للبائع ، والا فهي للمشتري.

الثاني ـ أن يخرج الثمرة في ورد ، فان باع الأصل بعد خروج وردها فان تناثر الورد وظهرت الثمرة فهي للبائع ، وان لم يتناثر وردها ولم تظهر الثمرة ولا بعضها فهي للمشتري.

الثالث ـ ان يخرج في كمام كالجوز واللوز مما دونه قشر يواريه إذا ظهر ثمرته


فالثمرة للبائع.

الرابع ـ ما يقصد ورده كشجرة الورد والياسمين ، فإذا بيع الأصل فإن كان ورده قد تفتح فهو للبائع ، وان لم يكن تفتح وانما هو جنبذ فهو للمشتري. وتبعه في ذلك ابن البراج ، وابن حمزة عمم الحكم أيضا في النخل والشجر ، ومحل المخالفة في القطن بعد خروج جوزته وقبل تشققها وفي الورد قبل تفتحه ، والا فباقى كلامه موافق لما عليه الأصحاب من التفصيل بالظهور وعدمه.

وقال في المبسوط أيضا : إذا باع نخلا قد طلع فان كان قد أبر فثمرته للبائع ، وان لم يكن قد أبر فثمرته للمشتري ، وكذلك إذا تزوج بامرأة على نخلة مطلعة ، أو يخالع امرأة على نخلة مطلعة ، أو يصالح رجلا في شي‌ء على نخلة مطلعة أو يستأجر دارا مدة معلومة بنخلة مطلعة ، قال : فجميع ذلك ان كان قد أبر فثمرته باقية على ملك المالك الأول ، وان لم يكن قد أبر فهو لمن انتقل اليه النخل بأحد هذه العقود. انتهى.

وتبعه ابن البراج في ذلك ، وهو ظاهر في قياس ما عدا البيع في النخل ـ من عقود المعاوضات ـ على البيع ، مع ان مورد النص كما تقدم انما هو البيع خاصة والأصل كما عرفت بقاء الثمرة على ملك مالكها ، خرج منه ما دل النص عليه ، وهو البيع خاصة ، فيبقى الباقي على أصله.

ولهذا اعترضه ابن إدريس هنا ، فقال بعد نقل كلامه المذكور : قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب : وهذا الذي ذكره (رحمة الله عليه) مذهب المخالفين لأهل البيت (عليهم‌السلام) لان جميع هذه العقود الثمرة فيها للمالك الأول ، سواء أبر أم لم يؤبر ، بغير خلاف بين أصحابنا ، والمخالف حمل باقي العقود على عقد البيع وقاسها عليه ، والقياس عندنا باطل بغير خلاف بيننا الى آخره.

المسألة الثانية ـ الظاهر أنه لا خلاف في جواز أن يشترط استثناء ثمرة شجرة


أو شجرات بعينها ، أو يستثني حصة مشاعة كالنصف أو الثلث مثلا ، وكذا استثناء جزء معين من شجرة ، كغدق معين من نخلة ، والمشهور جواز استثناء أرطال معينة ، خلافا لأبي الصلاح ، مستندا الى حصول الجهل بقدر المبيع حيث لا يعرف قدره جملة.

ويدل على المشهور ما رواه في الفقيه عن حماد بن عيسى عن ربعي (1) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) في الرجل يبيع الثمرة ثم يستثني كيلا وتمرا قال : لا بأس به؟ قال : وكان مولى له عنده جالسا فقال المولى : انه ليبيع ويستثني أوساقا ـ يعني أبا عبد الله (عليه‌السلام) ـ قال : فنظر اليه ولم ينكر ذلك من قوله».

وحينئذ فإن سلمت الثمرة فالأمر واضح بأن يأخذ المستثنى ما استثناه ، وللمشتري الباقي ، وان خاست وتلف بعضها فان كان ذلك في صورة استثناء شجرة أو شجرات فلا اشكال ، لامتياز المبيع منها ، وأما في صورة الحصة المشاعة فالأمر أيضا واضح.

وأما في صورة الأرطال المعلومة فإن الساقط يكون بالنسبة بأن يخمن ثمرة البستان على تقدير السلامة تنسب إليه الأرطال المعلومة ، ثم تؤخذ بتلك النسبة من الباقي ، فإذا خمن بقدر معلوم على تقدير السلامة نسبت إليه الأرطال المعلومة ، بأن يكون ربعا أو خمسا أو نحو ذلك ، ثم يؤخذ بتلك النسبة من الثمرة الباقية ، بأن يؤخذ ربعها أو خمسها كما في المثال المذكور.

المسألة الثالثة

قالوا إذا باع ما بدا صلاحه فأصيب قبل قبضه كان من مال بايعه ، وكذا لو

__________________

(1) الفقيه ج 3 ص 132.


أتلفه البائع ، وان أصيب البعض أخذ السليم بحصته من الثمن ، ولو أتلفه أجنبي كان كان المشترى بالخيار بين فسخ البيع ومطالبة المتلف ، ولو كان بعد القبض ـ وهو التخلية ـ لم يرجع على البائع بشي‌ء على الأشبه ، ولو أتلفه المشترى في يد البائع استقر العقد ، وكان الإتلاف كالقبض ، وكذا لو اشترى جارية وأعتقها قبل قبضها.

أقول : والكلام في هذه المسألة يقع في مواضع الأول ما ذكر من أن تلفه قبل القبض يكون من مال البائع إذا كان التلف بآفة ونحوها ، فإنه مبنى على القاعدة المشهورة ، من أنه مضمون على البائع قبل القبض ، والمعنى أنه ينفسخ العقد من حينه ، وتقدم الكلام في ذلك في المسألة الخامسة من المقام الثاني في أحكام الخيار (1) وذكرنا ثمة معارضة هذه القاعدة بالقاعدة الدالة على أن المشترى يملك المبيع بالعقد.

وأما ما ذكر من أن الحكم كذلك لو أتلفه البائع فهو خلاف ما هو المشهور بينهم ، كما قدمناه ذكره في المسألة المشار إليها من أن الحكم هنا انما هو تخير المشترى بين الرجوع بالثمن بأن يفسخ العقد ، وبين مطالبة المتلف بالمثل أو القيمة سواء كان البائع أو الأجنبي ، ولهذا قال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك هنا بعد ذكر القول المذكور : والأقوى تخير المشترى بين الفسخ ، وإلزام البائع بالمثل ، أما الفسخ فلان المبيع مضمون على البائع قبل القبض ، واما إلزامه بالعوض فلأنه أتلف ماله ، لان المبيع قد انتقل إلى المشترى وان كان مضمونا على البائع كما لو أتلفه الأجنبي ، تمسكا بأصالة بقاء العقد ، واقتصارا بالانفساخ على موضع الوفاق. انتهى.

أقول : وقد تقدم في المسألة المشار إليها آنفا ما في هذا الكلام من تطرق الإيراد ، فإن قضية كونه قبل القبض مضمونا على البائع الاقتصار على الفسخ وعدم

__________________

(1) ص 77.


الرجوع بالمثل لبطلان العقد بالتلف ، وقضية كون المبيع ينتقل بالعقد إلى المشترى ـ ويكون ملكا له ـ هو عدم الرجوع على البائع بوجه ، الا أنه حيث كان ظاهرهم الإجماع على كل من القاعدتين جمعوا بينهما بما ذكر ، كما يشير اليه قوله «واقتصارا بالانفساخ على موضع الوفاق».

الثاني ـ ما ذكر «من أنه لو كان بعد القبض وهو التخلية» الى آخره فإنه لا ريب أن مقتضى قاعدة البيع أنه بعد القبض لا يرجع على البائع بشي‌ء ، وهو المشهور في كلامهم بأي نوع كان من أنواع التلف المذكورة ، الا أنه قد نقل في المسالك عن بعض الأصحاب أنه ذهب هنا الى أن الثمرة على الشجرة مضمونة على البائع وان أقبضها بالتخلية ، نظرا الى أن بيعها بعد بدو صلاحها بغير كيل ولا وزن على خلاف الأصل ، لأن شأنها بعده النقل ، والاعتبار بالوزن أو الكيل بالقوة القريبة من الفعل ، وانما أجيز بيعها كذلك للضرورة ، ويراعى فيها السلامة وعلى هذا فيحتمل أن يكون قوله «على الأشبه» متعلقا بقوله «لم يرجع» ويكون إشارة الى هذا القول ، ويحتمل أن يكون متعلقا بقوله «وهو التخلية ،» حيث أنه كما تقدم قد وقع الخلاف في القبض ، هل هو عبارة عن التخلية مطلقا ، أو من الكيل أو الوزن في المكيل والموزون؟ وهذه الثمرة بعد بدو صلاحها قد صارت صالحة للاعتبار بهما ، وحينئذ فيكون فيه تنبيه على اختياره القول بالتخلية مطلقا ، كما هو أحد القولين المذكورين.

الثالث ما ذكره بقوله «ولو أتلفه المشترى في يد البائع» الى آخره ، لا يخفى ان إتلاف المشتري في الصورة المذكورة ان كان بإذن البائع فهو قبض ، يترتب عليه أحكام القبض مطلقا ، وان كان بغير اذنه وهو الظاهر من العبارة ، فهو قبض من حيث انتقال الضمان إلى المشتري بالإتلاف وان لم يكن باقي أحكام القبض مترتبة عليه ، لان الغرض هنا بيان عدم الرجوع على البائع ، وحيث انتقل الضمان اليه فلا رجوع.


قيل : وانما شبه الإتلاف هنا بالقبض ولم يجعله قبضا لأن الإتلاف قد يكون بمباشرة المشتري ، فيكون قبضه حقيقة ، وقد يكون بالتسبيب فيكون في حكم القبض خاصة.

الرابع ـ ما ذكره من قوله «وكذا لو اشترى جارية» الى آخره والغرض منه التنبيه على ان العتق مثل الإتلاف في كونه قبضا ، ويكون العتق صحيحا لتقدم الملك والله العالم.

المسألة الرابعة ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في جواز بيع الثمرة في أصولها بالأثمان والعروض ، ولا اشكال فيه ، وعليه يدل عموم الأخبار المتقدمة ، وانما الممنوع منه بيع ثمرة النخل بمثلها من تلك النخلة ، أو غيرها على الخلاف الاتى ، وكذا الزرع بحنطة منه أو غيره ، وهو المسمى بالمحاقلة والمزابنة وتفصيل هذا الإجمال يقع في مواضع

الأول ـ ينبغي ان يعلم ان المزابنة مفاعلة من الزبن وهو الدفع ، ومنه الزبانية ، لأنهم يدفعون الناس في النار ، قيل : سميت هذه المعاملة بذلك لأنها مبنية على التخمين ، والغبن فيها كثير ، فكل من البائع والمشترى يريد دفعه عن نفسه إلى الأخر فيتدافعان.

والمحاقلة مفاعلة من الحقل : وهي الساحة التي يزرع فيها ، قيل : سميت هذه المعاملة بذلك لتعلقها بزرع في حقل ، فأطلق اسم الحقل على الزرع مجازا ، من باب إطلاق اسم المحل على الحال ، أو المجاور على مجاورة ، فكأنه باع حقلا بحقل ، وتحريمهما في الجملة إجماعي منصوص.

الثاني المفهوم من كلام أكثر الأصحاب ، وكذا من كلام جملة من أهل اللغة أن المزابنة مختصة بالنخل ، والمحاقلة بالزرع ، والمفهوم من صحيحة عبد الرحمن ابن أبى عبد الله (1) وموثقته الآتيتين عكس ما ذكروه ، وهو أن المحاقلة في النخل ، والمزابنة في الزرع ، وكأن الأصحاب وكذا أهل اللغة بنوا فيما ذكروه على وجه

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 143.


المناسبة المذكور في الموضع الأول ، وبعض مشايخنا المحدثين من المتأخرين (1) لذلك ـ حمل موثقة عبد الرحمن ـ الصريحة في ذلك ـ على السهو من الراوي ، ولله در المحدث الكاشاني في الوافي حيث قال ذيل الموثقة المذكورة : عكس ابن الأثير في نهايته هذا التفسير ، ولا ينبئك مثل خبير.

والعجب من صاحب الوسائل انه تبع الأصحاب فيما ذكروه ، فقال : باب أنه لا يجوز بيع ثمرة النخل بتمر منه ، وهي المزابنة ، ولا بيع الزرع بحب منه وهي المحاقلة ، ثم أورد في الباب روايتي عبد الرحمن (2) المشار إليهما ، ولم يجب عنها بشي‌ء ، مع أنها ظاهرتان في خلاف ما عنون به الباب ، نعم أورد في الباب أيضا رواية من كتاب معاني الأخبار مسندة برجال من العامة عن ابى عبيد القاسم بن سلام (3) بإسناده إلى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) انه نهى عن بيع المحاقلة والمزابنة ، فالمحاقلة بيع الزرع وهو في سنبله بالبر ، والمزابنة ، بيع الثمر في رؤوس النخل بالتمر.

أقول : من المحتمل قريبا ان هذا التفسير انما هو عن ابى عبيد المذكور ، كما صرح به الصدوق في غير موضع من الكتاب المذكور ، ومع تسليم كونه من النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فهو لا يعارض ما قدمناه من الاخبار ، خصوصا مع كون سنده انما هو رجال العامة.

__________________

(1) هو شيخنا الشيخ على بن سليمان البحراني في حواشيه على التهذيب حيث قال : المعروف عند أهل اللغة ـ على خلاف بينهم وكذا عند الفقهاء من الخاصة والعامة ـ ان المزابنة بيع ثمر النخل والشجر من جنسه ، والمحاقلة بيع الزرع بحنطة أو شعير ، فلعل ما في الرواية سهو من الراوي والله يعلم. انتهى منه رحمه‌الله.

(2) الوسائل الباب ـ 13 ـ من أبواب بيع الثمار.

(3) الوسائل الباب ـ 13 ـ من أبواب بيع الثمار.


الثالث ـ لا خلاف بين الأصحاب في تحريم بيع الثمرة بتمر منه ، والزرع بعد بدو صلاحه بحنطة منه ، وانما الخلاف فيما إذا كان من غيره ، فقيل بالاختصاص وهو المتفق عليه ، وخصوا المزابنة والمحاقلة المتفق على تحريمها بذلك ، وقيل بالعموم ، وأن الاسمين المذكورين مراد بهما الأعم مما إذا كان منه أو من غيره ولو كانت مطروحة على الأرض ، والظاهر أنه المشهور.

واستند القائلون بالعموم إلى صحيحة عبد الرحمن بن أبى عبد الله عن أبى عبد الله (1) (عليه‌السلام) قال : «نهى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن المحاقلة والمزابنة ، قلت وما هو؟ قال أن تشترى حمل النخل بالتمر ، والزرع بالحنطة». وموثقته عن ابى عبد الله (عليه‌السلام ،) قال : نهى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن المحاقلة والمزابنة فقال : المحاقلة بيع النخل بالتمر والمزابنة بيع السنبل بالحنطة». وهما ظاهرتان في كون كل من التمر والحنطة أعم من أن يكونا من المبيع أو غيره والثانية صريحة فيما قدمناه من ان المحاقلة انما هي في النخل ، والمزابنة في الزرع ، خلاف ما هو المشهور بين الأصحاب.

واستند القائلون بالتخصيص الى ما دل على جواز البيع بتمر غير ما في المبيع ومنه حسنة الحلبي (2) أو صحيحته قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) في رجل قال لاخر : بعني ثمرة نخلك هذا الذي فيها بقفيزين من تمر أو أقل أو أكثر يسمي ما شاء فباعه؟ قال : لا بأس به».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن بيع حصائد الحنطة والشعير وسائر الحصائد؟

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 143.

(2) الكافي ج 5 ص 176.

(3) التهذيب ج 7 ص 205.


قال : حلال فليبعه بما شاء». وهو وان كان عاما لما لو كان الثمن من جملة المبيع الا انه يجب استثناؤه بالنص والإجماع ، وجملة الأخبار الدالة على التحريم فيما لو كان من المبيع ، والجواز من غيره.

ومنه ما رواه الشيخ في الحسن عن الحسن بن على الوشاء (1) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الرجل اشترى من رجل أرضا جريانا معلومة بمأة كر على أن يعطيه من الأرض ، فقال : حرام ، قال : فقلت له فما تقول جعلت فداك أن اشترى منه الأرض بكيل معلوم وحنطة من غيرها؟ قال : لا بأس». والمراد زراعة الأرض ، ورواه بسند آخر أيضا عنه (عليه‌السلام) قال : سألت الرضا (عليه‌السلام) الحديث.

ومما يدل أيضا على الجواز فيما لو كان من غير المبيع أيضا ما رواه الشيخ في الموثق عن الكناني (2) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : ان رجلا كان له على رجل خمسة عشر وسقا من تمر وكان له نخل فقال له : خذ ما في نخلي بتمرك فأبى أن يقبل ، فأتى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال : يا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان لفلان علي خمسة عشر وسقا من تمر ، فكلمه أن يأخذ ما في نخلي بتمره ، فبعث اليه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقال : يا فلان خذ ما في نخله بتمرك ، فقال يا رسول الله لا يفي وأبى أن يفعل ، فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لصاحب النخل : اجذذ نخلك ، فجذه ، فكال له خمسة عشر وسقا ، فأخبرني بعض أصحابنا عن ابن رباط ولا أعلم الا انى قد سمعته منه أن أبا عبد الله (عليه‌السلام) قال : ان ربيعة الرأي لما بلغه هذا عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال : هذا ربا : قلت : أشهد بالله انه لمن الكاذبين قال : صدقت».

والشيخ حمل هذا الخبر على الصلح دون البيع ، وكذا العلامة في المختلف ،

__________________

(1 و 2) التهذيب ج 7 ص 195.


وأنت خبير بما فيه ، لان الدليل غير منحصر في الخبر المذكور ، ليخرج بتأويله عن الإشكال ، فإن الخبرين الأولين صريحان في البيع ، والمسألة كما ترى محل اشكال.

وبعض المحققين احتمل في روايتي عبد الرحمن أن يكون التمر والحنطة بمعنى تمرة وحنطة فيكون الالف واللام عوضا عن الضمير المضاف اليه ، قال : بل هو المتبادر ، ولو أراد العموم لكان التنكير أولى ، وهو بتمر وحنطة. انتهى وهو احتمال قريب لا بأس به في مقام الجمع بين الاخبار ، لشيوع هذا الاستعمال في الكلام.

ومن أخبار المسألة ما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن يعقوب بن شعيب (1) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته عن الرجل يكون له على الأخر مأة كر تمر وله نخل فيأتيه فيقول أعطني نخلك هذا بما عليك فكأنه كرهه». والمراد تمر نخلك وظاهر هذا الخبر كراهة بيع الثمرة بجنسها من غير المبيع.

ويمكن حينئذ الجمع بين الاخبار بتخصيص التحريم بما كان من المبيع ، والجواز على كراهة بما كان من غيره ، ويحمل النهي في روايتي عبد الرحمن على ما هو الأعم من التحريم أو الكراهة ، وليس فيه الا ما ربما يقال من عدم جواز استعمال المشترك في معنييه ، وهو وان اشتهر بينهم الا أنه في الاخبار كثير شائع ، كما نبهنا عليه في جملة من المواضع في كتاب العبادات ، وقد نقلنا ثمة عن الذكرى أيضا جواز ذلك.

ومن أخبار المسألة ما رواه في الكافي والتهذيب في الحسن عن الحلبي (2) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) في حديث قال : «لا بأس أن تشترى زرعا قد سنبل وبلغ بحنطة». وهذا الخبر كما ترى يدل على جواز المزابنة ، وان كان الثمن من

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 193 التهذيب ج 7 ص 125 الفقيه ج 3 ص 142.

(2) الكافي ج 5 ص 274 التهذيب ج 7 ص 142.


المبيع ، نظرا إلى إطلاق الخبر ، وقد تقدم مثله في صحيحة إسماعيل بن الفضل الهاشمي (1) الا أن يقيد إطلاقه بالإجماع ، وروايتي عبد الرحمن المتقدمين ، ويمكن حمل النهي في روايتي عبد الرحمن على الكراهة جمعا كما احتمله في الوافي أيضا.

الرابع قد استند جملة من الأصحاب القائلين بالعموم الى لزوم الربا في المعاملتين المذكورتين ، وهو حرام ، فيكون مستند التحريم هو لزوم الربا ، لانه بيع ثمرتين ربويتين وهو مكيل ، والغالب التفاوت فيحصل شرط الربا ، ولان بيع الربوي مشروط بالعلم بالمساواة ، ومعلوم انها غير ظاهرة هنا ، وفيه ان الثمرة ما دامت على النخل والحنطة في الزرع ليس بمكيل ، لانه لا تباع كيلا وانما تباع بالمشاهدة.

وقد عرفت من الروايات المتقدمة جواز البيع بالجنس الذي من غير المبيع وهو ظاهر في عدم الربا في الصورة المذكورة ، بل صرح في رواية الكناني بذلك ، حيث انها دلت على ان ربيعة الرأي جعل ذلك رأيا ، وقد كذبه (عليه‌السلام) بتقريره الراوي على ما قاله ، وقوله له صدقت ، وأجاب عنه في المختلف بضعف السند ، قال : لأن في طريقه الحسن بن محمد بن سماعة ، وهو ضعيف ، سلمنا لكن لا دلالة فيه على البيع ، بل هو دال على نوع من الصلح والاستيفاء ، ونحن نقول بجوازه.

وفيه ان الرجل المذكور وان كان واقفيا الا انه ثقة ، فحديثه في الموثق وهو يعمل به في غير موضع ، والحمل على الصلح قد عرفت ما فيه.

الخامس ـ قد اختلفت عبائر الأصحاب (رضوان الله عليهم) وكذا النصوص في التعبير عن المبيع في المحاقلة ، ففي بعض عبر بالزرع ، وفي آخر بالسنبل ،

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 205.


والظاهر ان مراد من عبر بالأول انما هو مع وجود الحب ، بان تكون سنبلا ، فيرجع الى الثاني لأنه قبل انعقاد الحب علف يجوز بيعه بكل شي‌ء.

ولهذا قال في المسالك بعد نقل مثل ذلك : ويظهر من كلامهم الاتفاق على ان المراد به السنبل وان عبروا بالأعم ، وقال في التذكرة لو باع الزرع قبل ظهور الحب بالحب فلا بأس ، لأنه حشيش ، وهو غير مطعوم ولا مكيل ، سواء تساويا جنسا أو اختلفا ، ولا يشترط التقابض في الحال. انتهى.

ثم انه على تقدير التعبير بالسنبل فهل المراد منه الحنطة بالخصوص ، أو ما هو أعم منها ومن الشعير والدخن والأرز وغيرها؟ فيدخل الجميع في المحاقلة إشكال ، وبعض تعاريف الأصحاب للمحاقلة بأنها بيع السنبل بحب منه أو من غيره يعطى العموم ، وبعض تعاريفها بأنها الحنطة في سنبله بحنطة اما منها أو من غيرها يعطى التخصيص ، وظاهره في التذكرة ان أكثر تعاريف الأصحاب من هذا القبيل وعلى هذا يدخل فيه الشعير ان جعلناه من جنس الحنطة كما تقدم بيانه سابقا ، وعلل المنع بالربا ، والا فلا (1).

أقول : والذي يظهر من روايتي عبد الرحمن المتقدمتين حيث ان الاولى تضمنت تفسير المزابنة ببيع الزرع بالحنطة ، والثانية السنبل بالحنطة ـ وهي وان سميت في الخبرين بالمزابنة الا أنها هي المحاقلة عند الأصحاب ـ هو التخصيص بالحنطة دون غيرها من افراد الحبوب ، وليس غير هاتين الروايتين في الباب فإلحاق ما ذكروه من الافراد بالحنطة مشكل.

__________________

(1) قال في التذكرة ان أكثر تفاسير المحاقلة انها بيع الحنطة في السنبل بحنطة اما منها أو من غيرها ، فيختص بالحنطة ويدخل فيه الشعير ان جعلناه من جنس الحنطة أو عللنا المنع بالربا ، والا فلا ، قال : وفي بعض ألفاظ علمائنا هي بيع الزرع بالحب من جنسه ، فيكون ذلك محاقلا. انتهى منه رحمه‌الله.


نعم من علل بالربا فيمكن الإلحاق إلا انك قد عرفت ما فيه.

السادس هل ينسحب حكم النخل الى غيره من ثمار أشجار الفواكه وغيرها؟ قولان : والأقرب العدم ، والوجه فيه ان ما ورد في الاخبار وكلامي متقدمي الأصحاب في تعريف المزابنة يقتضي التخصيص بالنخل ، فيبقى غيره على عموم الجواز اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع النص والوفاق وبطلان القياس.

وذهب جمع منهم الشهيد في اللمعة والدروس والشهيد الثاني في المسالك ـ بل نقل أنه ظاهر الأكثر ـ إلى انسحاب الحكم في غير النخل من الشجر ، مستندين في ذلك الى أن علة النهي انما هي عدم الأمن من الربا ، لانه بيع أحد المتجانسين بالاخر ، وهما مكيلان أو موزونان ، واحتمال المساواة في الخرص نادر ، فيحرم للتفاضل غالبا ، مع أن العلة منصوصة في المنع من بيع الرطب بالتمر ، وهي نقصانه عند الجفاف ، وهي قائمة فيما نحن فيه ، وقد عرفت الجواب عن ذلك.

نعم يبقى الكلام في العلة المنصوصة في المنع من بيع الرطب بالتمر ، وهي نقصانه عند الجفاف ، فإنها قائمة هنا ، فمن ترجح عنده العمل بالعلة المنصوصة يعدى الحكم إلى المساوي في العلة المذكورة ، الا أن العمل بالعلة المنصوصة محل كلام ، قد تقدم تحقيقه في مقدمات الكتاب في صدر كتاب الطهارة (1) والله العالم.

المسألة الخامسة ـ قد اتفق القائلون بالعموم في المزابنة على استثناء العرية ، وهي النخلة تكون للإنسان في دار رجل آخر ، وقال أهل اللغة وجملة من المتقدمين : أو بستانه ، واستحسنه جملة من المتأخرين ، بل قال في المسالك : أنه متفق عليه ، فيجوز بيعها بخرصها تمرا من غيرها ، وفي جوازه مع كونه التمر منها إشكال يأتي التنبيه عليه.

وأنت خبير بأنه على ما اخترناه من تفسير المزابنة ببيع ثمرة النحل بتمر

__________________

(1) ج 1 ص 63.


منها ، وأنه هو المحرم ، فلا معنى لهذا الاستثناء ، بل يكون الرواية الدالة على الجواز في العرية ـ من قبيل الاخبار التي قدمناها ـ دالة على جواز بيع الثمرة النخل بتمر من غيرها ، ولكن اشتهر هذا الاستثناء لشهرة القول بالعموم بين الخاصة والعامة.

والأصل في العرية ما رواه في الكافي والتهذيب عن السكوني (1) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «رخص رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في العريا أن تشتريها بخرصها تمرا ثم قال : والعرايا جمع عرية ، وهي النخلة تكون للرجل في دار رجل آخر فيجوز له أن يبيعها بخرصها تمرا ولا يجوز ذلك في غيره».

وما رواه الصدوق في كتاب معاني الاخبار عن محمد بن هارون الزنجاني عن على بن عبد العزيز عن القاسم بن سلام بإسناد متصل إلى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أنه رخص في العرايا ، واحدتها عرية وهي النخلة التي يعريها صاحبها رجلا محتاجا ، والإعراء أن يبتاع تلك النخلة من المعرا بتمر لموضع حاجته ، قال : وكان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) إذا بعث الخراص قال : خففوا الخرص فان في المال العرية والوصية (2)».

أقول : والروايتان المذكورتان في طريقهما رجال العامة ، والحكم بالعموم في المزابنة واستثناء العرية منه مذهب العامة ، الا أن الحكم أيضا في الموضعين مشهور بين أصحابنا على ما تقدم من الخلاف في الأول ، وقوله في الخبر الأول «ولا يجوز ذلك في غيره» يحتمل أن يكون المراد : أي في غير ما يكون في دار رجل آخر ، وعلى هذا ففيه دلالة على ضعف ما تقدم نقله عنهم من اضافة البستان الى الدار ، ويحتمل أن يكون المراد : أى غير النخل إذا كان في دار رجل آخر ، وعلى هذا ففيه دلالة على اختصاص العرية بالنخل دون غيره من الشجر ، والظاهر أنه موضع اتفاق ، وتمام تحقيق الكلام في المقام يتوقف على بسطه في فوائد.

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 275 التهذيب ج 7 ص 143.

(2) الوسائل الباب ـ 13 ـ من أبواب بيع الثمار الرقم ـ 5.


الاولى ـ قد شرطوا في بيع العرية شروطا أحدها ـ كون البيع على ذي الدار والبستان لا على غيرهما ، وثانيها ـ كونها واحدة في كل بستان أو دار ، فلو كان لمالك واحد اثنتان في دار أو بستان ، لم يجز بيع ثمرتهما ولا ثمرة أحدهما ، لعدم صدق العرية في هذه الصورة نعم لو تعددت الدار أو البستان جاز تعددها من الواحد.

وثالثها ـ والخرص والتخمين في ثمرة النخلة ، كما دل عليه الخبر.

رابعها ـ عدم التفاضل وقت العقد ، لظاهر الخبر الدال على اعتبار المساواة ولزوم الربا مع التفاضل ، ولأن الأصل المنع الا فيما دل عليه النص المذكور ، ولا يضر ذلك بعد الجفاف لإطلاق الخبر.

وخامسها ـ أن يكون الثمن حالا فلا يجوز تأجيله ، وان لم يقبض في المجلس ، خلافا للشيخ في المبسوط حيث شرط التقابض (1) وهو ضعيف.

وسادسها ـ كون الثمرة على رأس النخلة فلو قطعت لم يجز بيعها الا كغيرها من الموزون والمكيل.

أقول : والظاهر الاستغناء عن هذا الشرط ، لان فرض المسألة في العرية ، وهي التي تباع ثمرتها بالخرص ، وهو ظاهر.

وسابعها ـ كون الثمن من ثمرة النخل ، وفيه ما في سابقه من انه مستغنى عنه

__________________

(1) قال في المبسوط : شرط بيع العرية أمران ، أحدهما المماثلة من طريق الخرص بين ثمرة النخلة عند صيرورتها تمرا وبين التمر الذي هو الثمن ، والثاني التقابض قبل التفرق وقال ابن إدريس لا يشترط التقابض نعم يشترط الحلول. احتج الشيخ بأن ما فيه الربا لا يجوز التصرف فيه قبل التقابض ومنع ابن إدريس ذلك إلا في الصرف ، قال في المختلف : وهو الأقوى. لنا الأصل عدم الاشتراط. انتهى. أقول : الأمر الأول في عبارته إشارة إلى الشرط الرابع الذي ذكرناه منه رحمه‌الله.


ايضا ، لما عرفت في تعريف العرية.

وثامنها ـ كون الثمن من غيرها قال في المسالك : وهو المعروف في المذهب ، ونقل في المختلف عن ابن حمزة ان ظاهر كلامه تحريم العرية بتمر منها ، بل يجوز بغيرها ، ثم قال : ولا بأس به ، والا لزم ان يكون الثمن والمثمن واحد ، ثم احتمل الجواز عملا بإطلاق الاذن ، ولوجود المقتضى وهو الرخصة انتهى (1) وهو جيد فان قوله في الخبر «يبيعها بخرصها تمرا» متناول لموضع النزاع ، أو هو أعم من كونه منها أو من غيرها ، ولهذا يظهر من المحقق الأردبيلي الميل الى ذلك لو صح النص الوارد في المسألة.

الثانية ـ قد عرفت ان مورد الخبر الأول بالنسبة إلى موضع النخلة انما هو الدار والأصحاب كما تقدم ألحقوا البستان أيضا وهو محل اشكال ، وان كان ظاهرهم الاتفاق على ذلك ، كما يشعر به كلامه في المسالك.

نعم خبر كتاب معاني الأخبار مطلق ، فيمكن الاستناد إلى إطلاقه في ذلك ، ثم انهم صرحوا بان المراد بالدار أو البستان ما هو أعم من المملوك والمستأجر والمستعار ، لصدق الإضافة في الجميع ، وزاد في المسالك اشتراك الجميع في العلة ، وهي مشقة دخول الغير عليهم.

أقول : هذا التعليل الأخير انما يتم في الدار دون البستان ، كما هو ظاهر ، وفيه نوع تأييد لما قدمناه من الاقتصار في الحكم على الدار ، ويؤيد أنه حكم

__________________

(1) قال : ولو وجدت صحيحة صريحة لجاز الاستثناء من المزابنة بالمعنى الذي قلناه أيضا تعبدا ، ولكن ما رأيتها ، فلا يجوز هذا الاستثناء الأعلى المعنى العام القائل به العامة الذين هم أصل هذه المسألة. انتهى أقول والمراد بالمعنى الذي قاله هو ما اختاره من تفسير المزابنة بالمعنى الأخص ـ منه رحمه‌الله.


على خلاف الأصل فيقتصر فيه على القدر المتحقق.

الثالثة ـ إطلاق النص والفتوى يقتضي أنه لا يجب التماثل في الخرص بين ثمرتها بعد الجفاف وثمنها ، بمعنى أنه لا يجب مطابقة ثمرتها جافة للتمر بل المعتبر في الجواز بيعها بظن الخارص وتخمينه لها تمرا ، يعنى أن ما فيها من البسر والرطب إذا جف يبلغ هذا القدر تمرا فتباع ثمرتها بهذا المقدار تمرا من غيرها أو منها مع الاحتمال المتقدم ، ولا يجب مطابقة هذا التقدير الثمرة بعد الجفاف ، بحيث أنه لو زادت أو نقصت عن ذلك بطل البيع ، بل البيع صحيح ، وان لم تحصل المطابقة وقيل : يعتبر المطابقة فلو اختلفا تبين بطلان البيع ، والظاهر ضعفه لإطلاق النص بما ذكرناه ، ويأتي على هذا القول أنه لا يجوز التصرف في ثمرة التخلة بالأكل ونحوه ، حتى يستعلم المطابقة وعدمها بالجفاف ، وإطلاق النص بدفعه ، هذا هو المشهور في معنى عدم وجوب المماثلة بين ثمرتها وثمنها.

وقال العلامة في التذكرة : ان المعتبر المماثلة بين ما عليها رطبا ، وبين الثمن تمرا ، فيكون بيع رطب بتمر متساويا ، وجعل هذا مستثنى من بيع الرطب بالتمر متساويين.

الرابعة الظاهر أنه لا خلاف في عدم العرية في غير النخل ، بل نقل في المسالك الاتفاق على ذلك ، قال : وانما يظهر الفائدة لو منعنا من بيع ثمر باقي الشجر بجنسه جافا كما هو المختار ، وأما على ما ذهب اليه المصنف من الجواز ، فمتى نفى العرية أنه لا خصوصية لها حتى يتقيد بقيودها ، بل يجوز بيع الثمرة اتحد الشجر أم تعدد ، في الدار وغيرها بجنس ثمرها متماثلا انتهى. وملخصه أن العرية كما عرفت مستثناه من المزابنة ، والاستثناء انما يتجه على القول بالعموم في المزابنة للنخل وغيره ، كما اختاره (قدس‌سره) وقبله الشهيد حسبما قدمنا ذكره والله العالم.

المسألة السادسة ـ لو كان بين اثنين أو أكثر نخل أو شجر فيتقبل بعضهم


بحصة الباقين بشي‌ء معلوم كان جائزا ، وليس هذا من قبيل البيع ، وانما هي معاوضة مخصوصة تسمى بالقبالة وهي مستثناة من المزابنة والمحاقلة.

والأصل فيها جملة من الاخبار ، منها ما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) بطرق عديدة فيها الصحيح وغيره ، عن يعقوب بن شعيب (1) عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته عن الرجلين يكون بينهما النخل ، فيقول أحدهما لصاحبه اما ان تأخذ هذا النخل بكذا وكذا كيلا مسمى أو تعطيني نصف هذا الكيل زاد أو نقص ، واما ان آخذه انا بذلك؟ وأرده عليك قال : لا بأس بذلك» وفي بعض روايات الخبر بحذف «وأرد عليك».

وما رواه في الكافي. في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (2) «قال أخبرني أبو عبد الله (عليه‌السلام) ان أباه (عليه‌السلام) حدثه ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) اعطى خيبرا بالنصف أرضها ونخلها فلما أدركت الثمرة بعث عبد الله بن رواحة ، فقوم عليهم قيمة ، فقال لهم : اما ان تأخذوه وتعطوني نصف الثمن ، واما ان أعطيكم نصف الثمن وآخذه ، فقالوا بهذا قامت السموات والأرض». وفي التهذيب عوض «الثمن» في الموضعين «الثمرة» والظاهر ان ما في التهذيب هو الأقرب قال في الوافي بعد ذكر ذلك : والثمن أوفق للقيمة ، والثمرة انسب بالخرص ، كما يأتي.

وعن ابى الصباح الكناني (3) في الصحيح قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لما افتتح خبير تركها في أيديهم على النصف فلما بلغت الثمرة بعث عبد الله بن رواحة إليهم فخرص عليهم فجاؤوا إلى النبي

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 193 مع اختلاف يسير التهذيب ج 7 ص 91 الفقيه ج 3 ص 142.

(2) الكافي ج 5 ص 266 التهذيب ج 7 ص 193.

(3) الكافي ج 5 ص 267.


(صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقالوا له : قد زاد علينا فأرسل الى عبد الله بن رواحة فقال : ما يقول هؤلاء فقال : قد خرصت عليهم بشي‌ء فإن شاؤوا يأخذون بما خرصنا وان شاؤوا أخذنا ، فقال رجل من اليهود : بهذا قامت السموات والأرض».

والظاهر أن ما اشتملت عليه هذه الروايات بالدخول تحت الصلح أنسب ، وبذلك صرح في الدروس : قال في المسالك : وظاهر الأصحاب ان الصيغة تكون بلفظ القبالة ، وان لها حكما خاصا زائدا على البيع والصلح ، بكون الثمن والمثمن واحدا وعدم ثبوت الربا زاد أو نقص ، ووقوعه بلفظ التقبيل ، وهو خارج عن صيغتي العقدين وفي الدروس أنه نوع من الصلح ، ولا دليل عليه ، كما لا دليل على ابقاعه بلفظ التقبيل أو اختصاصه به ، وانما المعلوم من الرواية أنه معاملة على الثمرة ، وانه لازم بحيث يملك المتقبل الزائد ، ويلزمه لو نقص. انتهى.

أقول : اما نفى البيع عن هذه المعاملة فظاهر لما ذكره ، واما نفى الصلح فغير ظاهر ، لانه لا ينحصر في لفظ الصلح وان اشتهر ذلك بينهم ، بل يصح ذلك بأي لفظ أفاد فائدته ، ومرجع هذه المعاملة إلى التراضي بين الشريكين بأن يأخذ كل منهما نصف ذلك المشترك مثلا ، بمعنى ان ما يستحقه أحد الشريكين في ذلك النصف الذي لشريكه ، عوض ما يستحقه الأخر في النصف الأخر ، وهذا هو الصلح بلا اشكال ، والربا مخصوص بالبيع كما تقدم ، فلا يضر في هذه المعاملة ونحوها.

ثم ان جملة من الأصحاب ـ منهم العلامة في الإرشاد والشهيد في الدروس قيدوا هذه المعاملة بشرط السلامة ، قال المحقق الأردبيلي (قدس‌سره) في شرح الإرشاد في شرح قول المصنف «والتقييد بشرط السلامة» ما لفظه : ظاهر المتن أنه مشروط لزومه بالسلامة من الافة ، فلو نقص بها له أن لا يعطي إلا حصة الشريك مما حصل ، وان زاد فالزيادة له ، ويحتمل أن يكون المراد بالشرط عدم الافة ، بحيث تذهب بالكلية (1)

__________________

(1) قال : ويجوز تقبيل الشريك بحصة صاحبه من الثمرة بخرص معلوم وان كان منها ، وهو نوع من الصلح لا بيع ، وقراره مشروط


وهو بعيد ، والظاهر أن المراد الأعم ، لكن لا يشمل النقص الذي حصل من التخمين والغلط فيه ، مع انه محتمل ، ويحتمل ان يكون السلامة كناية عن الموافقة من غير زيادة ونقصان ، فيكون النقص والزيادة مشتركا بينهما والظاهر من الرواية هو اللزوم مطلقا ، فكأنه راجع الى معاملة تكون بحسب الطالع النقص والزيادة سواء بسواء ، انتهى ، وما ذكره من الظاهر من الرواية هو الظاهر الذي يقتضيه إطلاق النصوص المتقدمة.

وأورد ابن إدريس على أصل الحكم بأن هذا التقبيل ان كان بيعا لم يصح ، لكونه مزابنة ، وان كان صلحا لم يصح ، لكون العوض مشروطا من نفس الثمرة للغرر وان كان في الذمة فهو لازم ، سواء بقيت الثمرة أو تلفت.

وأجيب بالتزام كونه صلحا والغرر محتمل للنص ، وحينئذ فإذا تلف منه شي‌ء يلزم تلف بعض العوض المشروط ، فإذا لم يتحقق ضمانه لم يجب العوض ، وأجيب أيضا بالتزام انه ليس بصلح ولا بيع ، بل هو معاملة خاصة ورد بها النص فلا يسمع ما يرد على طرفي الاحتمال لخروجها عنهما.

أقول : والجواب الثاني لا يخلو من قوة وان كان الأول أيضا بالتقريب الذي قدمناه ممكن ، والله العالم.

المسألة السابعة ـ المشهور انه يجوز بيع الزرع قائما على أصوله ، سواء بلغ الحصاد أم لا ، أو قصد قصلة أم لا ، لانه عين مملوكة قابلة للنقل ، ونقل عن الصدوق المنع الا ان يكون سنبلا أو قصد قطعه ، وكذا يجوز بيعه محصودا وان لم يعلم


قدر ما فيه ، لأنه حينئذ غير موزون ومكيل ، فيكفي فيه المشاهدة ، وكذا يجوز بيعه قصيلا اى يباع بشرط القطع ، لعلف الدواب ونحوه ، وحينئذ فإذا باعه كذلك وجب على المشترى قصله حسب الشرط ، فلو يقصله تخير البائع بين قصله وتفريغ أرضه منه ، لانه ظالم «ولا عرق لظالم» (1) وبين تركه والمطالبة بأجرة الأرض عن المدة التي بقي فيها بعد إمكان قصله مع الإطلاق ، أو المدة التي تراضيا على اشتراطها للقصل مع التعيين.

ولو وقع الشراء لأجل الفصل قبل أو ان قصله ، وجب على البائع الصبر إلى أوانه مع الإطلاق ، أو الى المدة المعينة ان وقع التعيين ، ومقتضى إطلاق كلام الأكثر جواز تولى البائع القطع مع امتناع المشترى ، ووجوبه عليه وان قدر على الحاكم ، ورجح بعضهم توقفه على اذن الحاكم ، حيث يمتنع المشترى ان أمكن وجود الحاكم ، والا جاز له مباشرة القطع دفعا للضرر ، أو إبقاؤه والمطالبة بأجرة الأرض كما تقدم.

والذي وقفت عليه من الاخبار في هذا المقام ما رواه ثقة الإسلام والشيخ في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (2) عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : لا بأس بأن تشتري زرعا أخضر ثم تتركه حتى تحصده إن شئت أو تعلقه من قبل ان يسنبل وهو حشيش ، وقال : لا بأس ايضا ان تشترى زرعا قد سنبل وبلغ بحنطة».

وعن حريز عن بكير بن أعين (3) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) أيحل شراء الزرع الأخضر؟ قال : نعم لا بأس به».

وبالإسناد عن حريز عن زرارة (4) مثله ، «وقال : لا بأس ان اشترى الزرع

__________________

(1) المستدرك ج 3 ص 149.

(2 و 3 و 4) الكافي ج 5 ص 274 التهذيب ج 7 ص 142.


أو القصيل أخضر ثم تتركه إن شئت حتى يسنبل ثم تحصده ، وان شئت ان تعلف دابتك قصيلا فلا بأس به قبل ان يسنبل ، فاما إذا سنبل فلا تعلفه رأسا فإنه فساد». أقول : رأسا يعنى حيوانا.

وعن زرارة (1) عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) «في زرع بيع وهو حشيش ثم سنبل؟ قال : لا بأس إذا قال : ابتاع منك ما يخرج من هذا الزرع ، فإذا اشتراه وهو حشيش فان شاء أعفاه ، وان شاء تربص به».

وما رواه في التهذيب عن سليمان بن خالد (2) عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «لا بأس بأن تشتري زرعا أخضر ، فان شئت تركته حتى تحصده ، وان شئت بعته حشيشا».

وما رواه المشايخ الثلاثة (نور الله تعالى مراقدهم) عن سماعة (3) في الموثق قال : «سألته عن شراء القصيل يشتريه الرجل فلا يقصله ويبدو له في تركه حتى يخرج سنبله شعيرا أو حنطة ، وقد اشتراه من أصله «على أن ما به من خراج فهو على العلج» فقال : ان كان اشترط حين اشتراه ان شاء قطعه وان شاء تركه ، كما هو حتى يكون سنبلا ، والا فلا ينبغي له أن يتركه حتى يكون سنبلا».

أقول : في قوله «على أن ما به من خراج فهو على العلج» اختلافات في الكتب الأربعة وما هنا في التهذيب وفي الاستبصار «على أربابه خراج أو هو على العلج» وفي الكافي «على أربابه فهو على العلج» وفي الفقيه. وما كان على أربابه من خراج فهو على العلج ، والمعاني متقاربة ومرجع الجميع إلى أنه اشتراه على أن يكون الخراج على البائع ، دون المشترى فان الزراع والأكرة كانوا يومئذ من كفار

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 275.

(2) التهذيب ج 7 ص 144.

(3) الكافي ج 5 ص 275 ولكن فيه «على أن ما به من خراج على العلج» التهذيب ج 7 ص 142 الفقيه ج 3 ص 148.


العجم ، وهم المعروفون بالعلوج.

وروى هذا الخبر أيضا في الكافي. والتهذيب بسند صحيح إلى سماعة (1) وزاد فيه «فان فعل فان عليه طسقه ونفقته ، وله ما خرج منه».

وما رواه المشايخ الثلاثة عن سماعة (2) في الموثق قال : «سألته عن رجل زرع زرعا مسلما كان أو معاهدا وأنفقه فيه نفقه ، ثم بدا له في بيعه لنقلة ينتقل من مكانه أو لحاجة ، قال : يشتريه بالورق فإن أصله طعام».

وما رواه في التهذيب. عن معلى بن خنيس (3) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) اشترى الزرع فقال : إذا كان قدر شبر».

وعن معاوية بن عمار (4) في الموثق قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : لا تشترى الزرع ما لم يسنبل فإذا كنت تشتري أصله فلا بأس بذلك أو ابتعت نخلا فابتعت أصله ولم يكن فيه حمل لم يكن به بأس».

وما رواه في الفقيه. عن أبى بصير (5) عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته عن الحنطة والشعير أشترى زرعه قبل أن يسنبل وهو حشيش؟ قال : لا ، الا ان تشتريه لقصيل تعلفه الدواب ثم تتركه ان شاء حتى يسنبل».

وما رواه في الكافي ، والتهذيب عن إسماعيل بن الفضل (6) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن بيع حصائد الحنطة والشعير وسائر الحصائد قال : حلال فليبعه ان شاء».

والكلام في هذه الاخبار يقع في مواضع الأول ظاهر أكثر هذه الاخبار الدلالة على صحة ما هو المشهور بين الأصحاب مما قدمنا نقله عنهم ، والظاهر

__________________

(1 و 2) الكافي ج 5 ص 275 التهذيب ج 7 ص 142.

(3 و 4) التهذيب ج 7 ص 144.

(5) الفقيه ج 3 ص 149.

(6) الكافي ج 5 ص 277 التهذيب ج 7 ص 141.


أن مستند الصدوق فيما تقدم نقله عنه هو رواية أبي بصير المذكورة ، حيث انها دلت على النهى عن شراء الزرع قبل أن يسنبل الا أن تشتريه للقصل ، فإنه يجوز وان تركه بعد ذلك حتى يسنبل ، وأنت خبير بأنها معارضة بجملة مما تقدم من اخبار المسألة ، مثل صحيحة الحلبي أو حسنته ، ورواية بكير بن أعين ورواية زرارة الاولى والثانية ونحوها ، فإنها قد اشتركت في الدلالة على جواز الشراء قبل أن يسنبل ، وان لم يقصد قصله ، بل ظاهر صحيحة الحلبي أو حسنته تجويز شرائه بقصد بقائه حتى يحصد ، أو بقصد قطعه لعلف الدواب.

وبالجملة فإن الظاهر هو القول المشهور ، والرواية المذكورة لا تبلغ قوة في معارضة ما ذكرنا من الاخبار ، ولم أقف على من تعرض للجواب عنها ، بل قل من نقل خلاف الصدوق في هذا المقام ، ولا يحضرني الان وجه للجواب عن الرواية المذكورة ، إلا الحمل على الكراهة ، بناء على قواعد الأصحاب في هذا الباب.

الثاني ـ ما دل عليه موثقة سماعة الأول ـ من أنه متى اشتراه قصيلا ثم يبدو له في تركه حتى يخرج سنبله ، فإنه لا يجوز ذلك الا أن يكون اشترط الإبقاء ، أو الاختيار بين قطعه وإبقائه ، والا فلا يجوز له أن يتركه ـ هو مستند الأصحاب فيما قدمنا نقله عنهم من أنه متى بيع لأجل القصل فإنه يجب إزالته على الوجه المتقدم ، مضافا الى الاخبار العامة في منع التعدي والتصرف في ملك الغير بغير الوجه المشروع.

وأما الرضا بذلك وأخذ الأجرة على بقائه تلك المدة فيستفاد من أدلة آخر في أمثاله ، ولفظ لا ينبغي في الخبر المذكور مراد به التحريم ، كما هو شائع الاستعمال في الاخبار.

الثالث ـ ما دل عليه موثق معاوية بن عمار من النهى عن شراء الزرع ما لم


يسنبل ربما أوهم مذهب الصدوق المتقدم ذكره ، وليس كذلك ، بل المراد بالزرع فيه انما هو الحاصل ، وقد تقدم أنه لا يجوز بيعه قبل بدو صلاحه ، وأما إذا اشترى أصله يعني ما ظهر منه فلا بأس ، لكن لا بد من اشتراط إبقائه على البائع ، وصحة البيع في هذه الصورة مما لا اشكال فيها ، لان المبيع موجود مشاهد ، وما يحصل منه تابع.

وقيل ان المراد بأصل في قوله «فإذا كنت تشتري أصله» انما هو البذر المزروع وفي ذكر مثال النخل إشارة الى ذلك ، بمعنى ان شراء البذر المزروع مثل شراء النخل في تبعية الحاصل للأصل. أقول : وكيف كان فلا بد من اشتراط البقاء ليترتب عليه أخذ الحاصل.

الرابع ـ ما دل عليه خبر إسماعيل بن الفضل من صحة بيع حصائد الحنطة والشعير ، يمكن أن يكون مستندا لما تقدم نقله عنهم من أنه يجوز بيع الزرع محصودا وان لم يعلم قدر ما فيه ، لانه على تلك الحال ليس بمكيل ولا موزون ، وما دل عليه من جواز بيعه بحنطة أو شعير منه ـ وهي المزابنة المنهي عنها ، الا أن يخصص بما دل على المنع ، وقد عرفت مما تقدم في المسألة واختلاف الاخبار فيها ما في ذلك من الاشكال.

الخامس ـ ما دلت عليه موثقة سماعة الثانية من الأمر بشراء الزرع بالورق ، معللا بأن أصله الطعام ـ إشارة إلى حصول الربا المعنوي ـ ينبغي حمله على ما إذا سنبل وبدا صلاحه ، لانه قبل ذلك حشيش لا مانع من بيعه بأي شي‌ء كان ، كما تقدم ذكره في الموضع الخامس من المسألة الرابعة ، وحينئذ فلا بد من حمله على المحاقلة ، وهو بيع السنبل بحنطة منه أو من غيره ، وأنه لا يباع الا بالورق ونحوه ، لئلا يكون محاقلة.

إلا أنك قد عرفت ورود جواز ذلك في النصوص ، ومنها هنا قوله في آخر صحيح الحلبي أو حسنته «ولا بأس بأن يشترى زرعا قد سنبل بحنطة» وقوله في رواية


إسماعيل بن الفضل «في حصائد الحنطة أو الشعير فليبعه بما شاء» الا أن يخصص المحاقلة المحرمة بما إذا كان الحنطة من ذلك الزرع المبيع ، وتحمل هذه الاخبار على ما إذا كان من غيره ، أو يحمل هذا الخبر ونحوه على الكراهة جمعا ، وقد تقدم تحقيق القول في ذلك.

السادس ـ ينبغي أن يعلم أن ما ذكر في شراء الزرع قصيلا يجري أيضا فيما لو اشترى نخلا بشرط القطع ثم لم يقطعه حتى أثمر ، فإن الأحكام المتقدمة جارية فيه.

والى ذلك يشير قوله في موثق معاوية بن عمار «أو ابتعت نخلا فابتعته أصله ولم يكن فيه حمل».

ومن الاخبار الواردة في خصوص النخل ما رواه الشيخ في الصحيح عن هارون ابن حمزة (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) الرجل يشترى النخل ليقطعه للجذوع فيغيب الرجل ويدع النخل كهيئة لم يقطع ، فيقدم الرجل وقد حمل النخل ، فقال : له الحمل يصنع به ما شاء الا أن يكون صاحب النخل كان يسقيه ويقوم عليه». ورواه الكليني مثله ، وعن هارون بن حمزة في الموثق (2) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : الرجل يشترى النخل ليقطعه للجذوع فيدعه فيحمل النخل ، قال : هو له الا ان يكون صاحب الأرض سقاه وقام عليه». وروى في الفقيه (3) مرسلا قال : «سأله سماعة أن اشترى رجل نخلا ليقطعه» الحديث.

وبمضمون هذه الاخبار قال الشيخ في النهاية. فقال : إذا اشترى نخلا على أن يقطعه أجذاعا فتركه حتى أثمر ، فثمرته له دون صاحب الأرض ، وان كان صاحب الأرض ممن قام بسقيه ومراعاته كان له أجرة المثل ، وتبعه ابن البراج وهو قول

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 297 التهذيب ج 7 ص 206.

(2) التهذيب ج 7 ص 90.

(3) الفقيه ج 3 ص 150 مع تفاوت يسير.


ابن الجنيد أيضا ، وأبى جعفر بن بابويه في المقنع ، وقال : ابن إدريس لا يستحق صاحب الأرض أجرة على السقي والمراعاة ، لأنه متبرع بذلك ، الا أن يأمره صاحب النخل ، فيكون له أجرة المثل وتبعه على ذلك من تأخر عنه ، لأنه الا وفق بالقواعد الشرعية ، ولهذا انه اعتذر في المختلف. للشيخ ـ بعد استدل له بالرواية الأولى ـ بأنه ليس في كلام الشيخ ولا الرواية ذكر التبرع ، فيحمل على ما إذا كان العمل بإذنه ، أو تحمل الأجرة على أجرة الأرض لا العمل. انتهى.

قال : بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين (1) ولعل عدم ذكر الأجرة هنا لانه كان للمالك أن يقطع النخل ، فلما يقطعه فكأنه رضي ببقائه مجانا ، والمشهور بين الأصحاب استحقاق الأجرة ، انتهى.

وفيه أن رضاه ببقائه لعله انما هو لقصد أخذ الأجرة ، وتحصيل النفع بذلك ، ومن ثم كان المشهور الحكم باستحقاق الأجرة كما تقله.

وينبغي أن يعلم أن الجاري في كلام الأصحاب ذكر مسألة جواز أكل المار بالثمار منها وعدمه في هذا الموضع ، ونحن قدمناها في مسائل المقدمة الرابعة ، وهي المسألة الخامسة منها ، فليرجع إليها من أحب الوقوف عليها والله العالم.

الفصل التاسع في بيع الحيوان

وتحقيق البحث فيه يتعلق بمن يصح تملكه ومن لا يصح ، والأحكام المترتبة على الابتياع ، وما يلحق بذلك ويترتب عليه ، فالكلام يقع هنا في مقصدين. الأول فيمن يصح تملكه ومن لا يصح ، وفيه مسائل الأولى ـ كل حيوان مملوك أناسي أو غيره يصح بيعه أجمع ، وبيع جزء منه معلوم مشاع ، كنصف

__________________

(1) وهو الأردبيلي ، منه رحمه‌الله.


أو ثلث ونحوهما ، لا معين كيده ورجله ونحوهما ، ودليل الأول ـ بعد الإجماع ـ العمومات والأصل وورود ذلك في خصوص بعض الافراد وعدم المانع شرعا ـ ، ودليل الثاني ـ بعد الإجماع على العدم ـ عدم إمكان الانتفاع بذلك الجزء المعين ، إلا ما سيأتي ـ إنشاء الله تعالى ـ في استثناء الرأس والجلدة من الحيوان الغير الأناسي ، وهو ظاهر ـ الا مع وجود مانع كالاستيلاد والوقف والإباق من غير ضميمة ، وعدم القدرة على التسليم ، والأناسي من الحيوان أن يملك بالسبي مع الكفر الأصلي وخرق الذمة ان كان ذميا ، واحترز بالكفر الأصلي عن كفر المرتد فإنه وان كان بحكم الكافر في جملة من الأحكام الا أنه لا يجوز سبيه ، وفي جواز بيع المرتد الملي قول قواه في الدروس. أما الفطري فلا قولا واحدا فيما أعلم. والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بهذا المقام ما رواه

في الكافي في الصحيح عن رفاعة النخاس (1) قال : «قلت لأبي الحسن (عليه‌السلام) : ان الروم يغيرون على الصقالبة فيسرقون أولادهم من الجواري والغلمان فيعمدون الى الغلمان فيخصونهم ثم يبعثون بهم الى بغداد الى التجار فما ترى في شرائهم؟ ونحن نعلم أنهم قد سرقوا وانما أغاروا عليهم من غير حرب كانت بينهم؟ فقال : لا بأس بشرائهم ، إنما أخرجوهم من الشرك الى دار الإسلام». ورواه الشيخ مثله (2)

وعن إبراهيم بن عبد الحميد (3) «عن أبى الحسن (عليه‌السلام) في شراء الروميات؟ فقال : اشترهن وبعهن».

وعن زكريا بن آدم (4) قال : «سألت الرضا (عليه‌السلام) عن قوم من العدو الى أن قال ـ قال : وسألته عن سبى الديلم يسرق بعضهم من بعض ، ويغير المسلمون

__________________

(1 و 2 و 4) الكافي ج 5 ص 210.

(3) الكافي ج 5 ص 210.


عليهم بلا امام ، أيحل شراؤهم؟ قال : إذا أقروا بالعبودية فلا بأس بشرائهم».

وفي هذه الاخبار دلالة على جواز شراء ما يسبيه الظالم من أهل الحرب ويسرقه».

وما رواه في الكافي عن زكريا بن آدم (1) عن الرضا (عليه‌السلام) في حديث قال : «وسألته عن قوم من أهل الذمة أصابهم جوع فأتاه رجل بولده فقال : هذا لك فأطعمه وهو لك عبد ، فقال : لا تبتع حرا فإنه لا يصلح لك ولا من أهل الذمة». ورواه الشيخ مثله (2) وهو ظاهر في تحريم استرقاق أهل الذمة متى كانوا قائمين شرائط الذمة.

وعن عبد الله اللحام (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل يشترى من رجل من أهل الشرك ابنته فيتخذها؟ قال : لا بأس».

وبهذا الاسناد (4) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يشتري امرأة رجل من أهل الشرك يتخذها أم ولد فقال : لا بأس».

وخص الشيخ وغيره هذين الخبرين بأهل الحرب ، كثير من أصحابنا إنما عبروا في هذا المقام بأهل الحرب.

وينبغي أن يعلم انه ليس المراد بأهل الحرب يعنى من نصب القتال للمسلمين كما هو ظاهر اللفظ ، بل المراد انما هو من خرج عن طاعة الله ورسوله بثبوته على الكفر وان لم يقع منه الحرب ، بمعنى القتال.

قيل : والى هذا المعنى أشار قوله تعالى (5) «إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ» الاية وحينئذ فلا فرق في ذلك بين الذمي الغير القائم بشرائط الذمة ، ولا غيره من الكفار والمشركين ، وحيث يملكون بالسبي بما قد قدمنا ذكره ، فإنه يسري الرق في أعقابهم وان أسلموا بعد الأسر ، ما لم يعرض لهم سبب موجب للحرية

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 210.

(2 و 3 و 4) التهذيب ج 7 ص 77.

(5) سورة المائدة الآية ـ 33.


من عتق أو كتابة أو تنكيل أو نحو ذلك ، ولا خلاف في ذلك نصا وفتوى!.

والمسبي في حال الغيبة وان كان للإمام خاصة ، لأنه مغنوم بغير اذنه وكلما كان كذلك فهو من الأنفال ، الا أنهم أذنوا للشيعة خاصة في تملكه ، وكذا في غيره من أموال الأنفال وغيرها.

وأما غير الشيعة فالذي يفهم من كلام الأصحاب أنه يحكم لهم بظاهر الملك للشبهة كتملك الخراج والمقاسمة ، فلا يؤخذ منه بغير رضاه مطلقا ، وهذا الحكم منهم (رضوان الله عليهم) جار على الحكم بإسلامهم ، وإجراء أحكام الإسلام عليهم والمفهوم من الاخبار خلافه ، الا مع عروض الخوف والتقية (والله العالم).

المسألة الثانية ـ الظاهر أنه لا خلاف في أنه لا يستقر للرجل ملك أصوله ولا فروعه ولا المحارم من الإناث ، بمعنى أنه وان ملكهم الا أنهم ينعتقون عليه بالشراء وربما عبروا بأنه لا يملكهم ، والمراد ملكا مستقرا والا فإن الانعتاق فرع الملك فكأنه يدخل في الملك آنا ما بعد الشراء ، ثم ينعتق ، قيل : ولو لا مراعاة القاعدة المشهورة من أنه لا عتق إلا في ملك لأمكن الحكم بالعتق بنفس الشراء ، كما هو ظاهر الاخبار ، كذا ذكره بعض المحققين ، وأنت خبير بأنه وان كان ظاهر بعض الاخبار ما ذكره من أنه ينعتق بنفس الشراء ، الا أن ظاهر بعض آخرها أيضا ترتب العتق على الملك ، بمعنى أنه بالشراء ، يملكه ، وبالملك يحصل العتق ، كما أشرنا إليه مثل قوله (عليه‌السلام) (1) «في بعضها إذا ملك الرجل والديه أو أخته أو عمته عتقوا» الخبر. وقوله (2) «إذا ملكهن عتقن». ونحوهما غيرهما مما رتب فيه العتق على الملك لا على مجرد الشراء وحينئذ فيحمل ما أطلق من الاخبار على المقيد ، وبه يتم ما أشرنا اليه أو لا.

والمراد بأصول الرجل الأبوان وآبائهما وان علوا ، وفروعه الأولاد ذكورا

__________________

(1 و 2) التهذيب ج 8 ص 243.


وإناثا وان نزلوا ، وبالمحارم مثل العمة والخالة (1) والأخت وبنات الأخت ، وبنات الأخ.

وهل ينسحب الحكم الى الرضاع؟ قولان : فذهب الشيخ في النهاية الى ان كل من ينعتق عليه من جهة النسب لا يصح تملكه من جهة الرضاع ، وبه قال ابن البراج ، وابن حمزة ، والصدوق في كتاب المقنع في باب العتق منه.

وقال في الخلاف : إذا ملك أمه أو أباه أو أخته أو بنته أو عمته أو خالته من الرضاع عتقن كلهن ، وخالف جميع الفقهاء في ذلك ، وذهب اليه بعض أصحابنا.

وقال المفيد في المقنعة في باب السراري ولا بأس ان يملك الإنسان امه من الرضاعة ، وأخته منه وابنته وخالته ، وعمته منه ، لكن يحرم عليه وطئهن ، وبنحو ذلك صرح أيضا في ابتياع الحيوان من الكتاب المذكور ، وتبعه في ذلك سلار وابن إدريس.

وقال ابن ابى عقيل : لا بأس بملك الام والأخت من الرضاعة وبيعهن ، انما يحرم منهن ما يحرم في النسب في وجه النكاح فقط ، وهو كما ترى يرجع الى مذهب الشيخ المفيد ، وظاهر ابن الجنيد انه لا يملك من يحرم عليه من الرضاع تملك العبيد ، فان ملكهم لم يبعهم الا عند ضرورة إلى أثمانهم ، وجعله آخر ما يباع في الدين عليه ، والى القول الأول ذهب العلامة في المختلف وغيره والمحقق ، والظاهر انه المشهور بين المتأخرين ، وهو الأظهر كما سيظهر لك إنشاء الله.

وتملك المرأة كل قريب عدا الإباء وان علوا ، والأولاد وان سفلوا ، اتفاقا في النسب ، وفي من كان كذلك رضاعا قولان : كما تقدم ، والخلاف الخلاف

__________________

(1) والمراد بالعمة والخالة ما هو أعم من ان يكون عمته أو عمة أبيه أو عمة جده ، أو عمة امه أو عمة أبيها اوجدتها وهكذا في الخالة ومرجع الجميع الى تحريم أولاد الجد والجدة ، منه رحمه‌الله.


والفتوى كما سبق ، وأما ما عدا من ذكر في الرجل والمرأة ، فإنه يصح تملكه. والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بهذا المسألة منها ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابى بصير وابى العباس وعبيد كلهم (1) عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : إذا ملك الرجل والدية أو أخته أو عمته أو خالته أو بنت أخيه أو بنت أخته ، وذكر أهل هذه الآية (2) «مِنَ النِّساءِ» عتقوا جميعا ويملك عمه وابن أخيه والخال ، ولا يملك امه من الرضاعة ، ولا أخته ولا عمته ولا خالته فإنهن إذا ملكن عتقن ، وقال : ما يحرم من النسب ، فإنه يحرم من الرضاعة ، وقال : يملك الذكور ما خلا والدا وولدا ولا يملك من النساء ذوات رحم محرم ، قلت : يجري في الرضاع مثل ذلك؟ قال : نعم يجري في الرضاع مثل ذلك» ،. ورواه الصدوق بأسانيده عن ابى بصير وابى العباس وعبيد بن زرارة مثله.

ومنها ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي وابن سنان (3) عن أبا عبد الله (عليه‌السلام) «عن امرأة أرضعت ابن جاريتها قال : تعتقه». ورواه الكليني في الصحيح أو الحسن مثله (4).

وما رواه في الكافي عن عبيد بن زرارة في الصحيح (5) «قال سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عما يملك الرجل من ذوي قرابته فقال : لا يملك والديه ولا أخته ، ولا ابنة أخيه ولا ابنة أخته ، ولا عمته ولا حالته ، ويملك ما سوى ذلك من الرجال من ذوي قرابته ، ولا يملك أمه من الرضاعة». والظاهر ان ذكر الام خرج مخرج التمثيل ، لا الاختصاص ، كما سيظهر لك إنشاء الله تعالى.

__________________

(1) التهذيب ج 8 ص 243.

(2) سورة النساء الآية 23.

(3 و 4) الوسائل الباب 8 من أبواب العتق الرقم 1.

(5) الوسائل الباب 7 من أبواب العتق الرقم ـ 4.


وما رواه عن محمد بن مسلم (1) في الصحيح عن أحدهما (عليهما‌السلام) قال : «إذا ملك الرجل والديه أو أخته أو عمته أو خالته عتقوا عليه ، ويملك أخاه وعمه وخاله من الرضاعة».

وعن محمد بن مسلم (2) في الصحيح عن أبى جعفر (عليه‌السلام) قال : «لا يملك الرجل والدية ولا ولده ولا عمته ولا خالته ، ويملك أخاه وغيره من ذوي قرابته من الرجال».

وعن عبد الله سنان (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن امرأة ترضع غلاما لها من مملوكة حتى تفطمه ، يحل لها بيعه؟ قال : لا ، حرم عليه ثمنه ، قال : ثم قال : أليس قد قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ، أليس قد صار ابنها ، فذهبت أكتبه فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) ليس مثل هذا يكتب».

والظاهر أن المنع من كتابته لكونه ظاهرا لا يحتاج إلى الكتابة ، ووصف هذه الرواية في المسالك بالصحة ، وليس كذلك ، لان الشيخ رواه عن الحسن بن محمد ابن سماعة ، وطريقه اليه غير معلوم.

وعن أبي حمزة الثمالي (4) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المرأة ما تملك من قرابتها؟ قال : كل أحد الا خمسة ، أبوها وأمها وابنها وابنتها وزوجها». والظاهر ان جعل الزوج هنا من قبيل هؤلاء باعتبار بقاء الزوجية والا فإنها تملكه وتبطل الزوجية إجماعا.

وروى في الكافي عن ابن سنان (5) في الصحيح عن أبى عبد الله (عليه‌السلام)

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب ـ 7 ـ من أبواب العتق الرقم 1.

(3) الوسائل الباب ـ 8 ـ من أبواب العتق الرقم 3.

(4) الوسائل الباب ـ 9 ـ من أبواب العتق الرقم ـ 1.

(5) الكافي ج 5 ص 446.


قال : «سئل وأنا حاضر عن امرأة أرضعت غلاما

مملوكا لها من لبنها حتى قطعته هل لها ان تبيعه؟ فقال : لا هو ابنها من الرضاعة ، حرم عليها بيعه وأكل ثمنه ، ثم قال : أليس رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب». ورواه الشيخ مثله (1).

وروى الصدوق في المقنع (2) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : في امرأة أرضعت ابن جاريتها : انها تعتقه». قال وروى «في مملوكة أرضعتها مولاتها بلبنها ، انه لا يحل بيعها».

وما رواه على بن جعفر (3) في كتابه عن أخيه موسى (عليه‌السلام) قال : «سألته عن امرأة أرضعت مملوكها ما حاله؟ قال : إذا أرضعته عتق».

وما رواه في الكافي في الصحيح عن عبد الرحمن بن ابى عبد الله (4) في حديث قال : «وسألته عن المرأة ترضع عبدها أتتخذه عبدا؟ قال : تعتقه وهي كارهة». ورواه الشيخ (5) بسند آخر مثله ، الا ان فيه «يعتقونه وهم لها كارهون».

أقول : وهذه الروايات كما ترى ظاهرة الاتفاق فيما قدمنا ذكره من العلاقة النسبية ، وان العلاقة الرضاعية ملحقة بها ، وجارية في ذلك مجراها كما هو مقتضى مذهب الشيخ ومن تبعه ، معللا في جملة منها بالخبر النبوي.

وبذلك يظهر ما في كلام ابن ابى عقيل المتقدم ذكره من تخصيصه الحديث النبوي بالنكاح ، فإنه ناش عن الغفلة عن ملاحظة هذه الاخبار هذا.

واما ما يدل على القول الثاني من الاخبار وهو مذهب الشيخ المفيد ومن تبعه فمنها ما رواه الشيخ عن عبد الله بن سنان (6) عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «إذا اشترى الرجل أباه أو أخاه فملكه فهو حر الا ما كان من قبل الرضاع».

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب ـ 17 ـ من أبواب ما يحرم بالرضاع.

(4 و 5) الوسائل الباب ـ 8 ـ من أبواب العتق ـ الحديث ـ 2.

(6) التهذيب ج 8 ص 245.


وعن الحلبي (1) في الصحيح عن ابى عبد الله عليه‌السلام «في بيع الام من الرضاعة؟ قال : لا بأس بذلك إذا احتاج».

وعن أبي عتيبة (2) عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «قلت له : غلام بيني وبينه رضاع يحل لي بيعه؟ قال : انما هو مملوك إن شئت بعته وان شئت أمسكته ، ولكن إذا ملك الرجل أبويه فهما حران».

وأجاب الشيخ عن الخبرين الأولين بعد ذكرهما قال : فهذان الخبران لا يعارضان الأخبار التي قدمناها ، لأنها أكثر وأشد موافقة بعضها لبعض ، فلا يجوز ترك تلك والعمل بهذه ، مع ان الأمر على ما وصفناه ، على أنه يمكن ان يكون الوجه فيه انه إذا كان الرضاع لم يبلغ الحد الذي يحرم ، فإنه والحال على ذلك يجوز بيعها على جميع الأحوال ، على ان الخبر الثاني يحتمل ان لا يكون المراد «بإلا» الاستثناء ، بل يكون «الا» قد استعملت بمعنى الواو ، وذلك معروف في اللغة ، فكأنه قال : إذا ملك الرجل أباه فهو حر وما كان من جهة الرضاع.

واما الخبر الأول فيحتمل ان يكون إنما أجاز بيع الام من الرضاع لأبي الغلام حسبما قدمناه في خبر إسحاق بن عمار عن العبد الصالح ولا يكون المراد بذلك انه يجوز ذلك للمرتضع ، وليس في الخبر تصريح بذلك ، بل هو محتمل لما قلناه ، وإذا كان كذلك لم يعارض ما قدمناه انتهى.

قال المحقق الأردبيلي بعد نقله : وهذه التأويلات وان كانت بعيدة ـ الا انه لما قوى الحكم الأول والطرح غير مستحسن عنده وان كانت الأخبار ضعيفة ونادرة ـ فليس ببعيد ارتكابها ، ولكن لا بد من حمل عدم تملك الأخ في الخبر الثاني أيضا. انتهى.

أقول : والأقرب عندي هو حمل هذه الاخبار على التقية لما تقدم في كلام

__________________

(1 و 2) التهذيب ج 8 ص 245.


الشيخ في الخلاف. من ان ذلك مذهب جميع الفقهاء ، وحينئذ فلا يحتاج الى هذه التكلفات السخيفة التي تمجها الافهام ويبعد نسبتها لهم (عليهم‌السلام).

واما الخبر الثالث من الاخبار المذكورة فالظاهر منه انما هو الأخ الرضاعي وهو ليس من محل الاشكال ، ويؤيده استثناء الأبوين من الرضاعة في الخبر.

وأما ما يدل على تملك من عدا العمودين للرجل من الرجال الأقارب من الاخبار وان كان على كراهية ، بمعنى ان الأفضل عتقهم ، فمن ذلك ما تقدم في صحيحة محمد بن مسلم (1) من قوله عليه‌السلام «ويملك ابن أخيه وعمه وخاله ، ويملك أخاه وعمه وخاله من الرضاعة».

وقوله في صحيحة أبي بصير وابى العباس وعبيد المتقدمة (2) «ويملك عمه وابن أخيه وابن أخته والخال الى أن قال : ـ ويملك الذكور ما عدا الولد». الى آخره.

وقوله عليه‌السلام ، في صحيحة عبيد بن زرارة المتقدمة أيضا بعد ذكره العمودين والإناث المحارم «ويملك ما سوى ذلك من الرجال من ذوي قرابته».

وفي خبر محمد بن مسلم (3) عن ابى جعفر (عليه‌السلام) قال فيه : و «يملك أخاه وغيره من ذوي قرابته من الرجال».

وعن عبد الرحمن بن ابى عبد الله (4) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يتخذ أباه وامه أو أخاه أو أخته عبيدا فقال : اما الأخت فقد عتقت حين يملكها ، واما الأخ فيسترقه ، واما الأبوان فقد عتقا حين يملكهما». (5).

__________________

(1 و 2) التهذيب ج 8 ص 241.

(3 و 4) التهذيب ج 8 ص 240.

(5) أقول وهذا الخبر ايضا ظاهر فيما قدمنا ذكره من ان العتق بعد الدخول في الملك ، لا بنفس الشراء منه رحمه‌الله.


وفي رواية كليب الأسدي (1) عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) «إذا ملكت الأبوين فقد عتقا ، وقد يملك اخوته فيكونون مملوكين ولا يعتقون».

واما ما ورد في رواية العبيد بن زرارة (2) قال : «لا يملك الرجل أخاه من النسب ويملك ابن أخيه» الحديث. فقد حمله الشيخ على الاستحباب.

وكذا ما رواه الصدوق عن سماعة (3) في الموثق عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) «في رجل يملك ذا رحمه هل يصلح له أن يبيعه أو يستعبده؟ قال : لا يصلح له بيعه ولا يتخذه عبدا وهو مولاه وأخوه في الدين ، وأيهما مات ورثه صاحبه الا ان يكون له وارث أقرب إليه منه».

وما رواه الشيخ في التهذيب عن سماعة (4) في الموثق ايضا قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل يملك ذا رحم هل يحل له ان يبيعه أو يستعبده؟ قال : لا يصلح له أن يبيعه وهو مولاه واخوه ، فان مات ورثه دون ولده ، وليس له أن يبيعه ولا يستعبده».

والظاهر حمل الخبرين المذكورين على من لا ينعتق عليه من المحارم ، كالأخ والعم ونحوهما ، والمراد حينئذ كراهية بيعه واستخدامه ، لا أنه ينعتق عليه بقرينة قوله في الخبر الثاني «فان مات ورثه دون ولده» إذ لا يمكن هذا الا مع بقاء المالكية.

ويمكن حمل النهي في الخبر الأول على الأعم من الحرمة والكراهة ، فيكون شاملا للعمودين ونحوهما من النساء المحارم ، الا أن ظاهر قوله هو (مولاه) الى آخر الخبر مما يعضد المعنى الأول ، فإن حاصله أنه مولاه ، اى وارثه ، والميراث في موت العبد ظاهر ، وفي موت الحر إذا لم يكن له وارث حر ، فإنه حينئذ يشترى ويورث ، الا أن يكون له وارث أقرب ، فإنه حينئذ يشترى الأقرب.

وكيف كان فان الحكم المذكور لاتفاق الأصحاب عليه ، وتكاثر الاخبار

__________________

(1 و 2) التهذيب ج 8 ص 241.

(3) الفقيه ج 3 ص 80.

(4) التهذيب ج 8 ص 242.


به كما عرفت مما لا اشكال فيه ، ولا شبهة تعتريه ، فيجب ارتكاب التأويل في هذه الاخبار الأخيرة بما قلناه.

وقد صرح بعض الأصحاب بأن قرابة الشبهة بحكم الصحيح ، بخلاف قرابة الزنا على الأقوى ، قال : لان الحكم الشرعي يتبع الشرع ، لا اللغة وهو جيد.

ويفهم من إطلاق كلام الأصحاب الرجل والمرأة في هذا المقام أن الصبي والصبية لا يعتق عليهم لو ملكوه ، الى أن يبلغوا والاخبار مطلقة في الرجل والمرأة كذلك ، ويعضده أصالة البراءة كذا صرح به شيخنا الشهيد الثاني (قدس‌سره) في الروضة.

المسألة الثالثة ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه يملك اللقيط من دار الحرب إذا لم يكن فيها مسلم يمكن انتسابه اليه ولو كان أسيرا ، والا حكم بحريته ، لإطلاق الحكم بحرية اللقيط في النصوص ، خرج منه ما علم انتفاؤه عن المسلم ، فيبقى الباقي.

أقول : والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بهذا المقام ما رواه في الكافي (1) عن عبد الله (عليه‌السلام) قال : اللقيط لا يشترى ولا يباع».

وما رواه في التهذيب عن محمد بن مسلم (2) في الصحيح عن أحدهما (عليهما‌السلام) قال : «سألته عن اللقيط؟ قال : لا يباع ولا يشترى». وما رواه في الكافي. في الصحيح أو الحسن عن محمد بن مسلم (3) قال : سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن اللقيط؟ فقال : حر لا يباع ولا يوهب».

وما رواه في الكافي عن حاتم بن إسماعيل المدائني (4) عن ابى عبد الله

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 224.

(2) التهذيب ج 8 ص 227.

(3 و 4) الكافي ج 5 ص 224 التهذيب ج 7 ص 78.


(عليه‌السلام) قال : «المنبوذ حرفان أحب أن يوالي غير الذي رباه والاه ، فان طلب منه الذي رباه النفقة وكان موسرا رد عليه ، وان كان معسرا كان ما أنفق عليه صدقة».

ونحوه عن عبد الرحمن العزرمي (1) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) عن أبيه (عليه‌السلام) قال : «المنبوذ حر فإذا كبر فان شاء تولى الذي التقطه ، والا فليرد عليه النفقة ، وليذهب فليوال من شاء».

أقول : واللقيط والمنبوذ هو المولود الذي ينبذ ، وظاهر هذه الاخبار الحكم بالحرية مطلقا ، وكان مستند استثناء الأصحاب لقيط دار الحرب على الوجه المتقدم هو الإجماع.

ويؤيده ما تقدم ذكره في غير موضع من أن إطلاق الاخبار انما تحمل على الافراد المتكثرة الشائعة ، ووجود اللقيط في دار الحرب بالشرط المتقدم نادر ، بل انما وقع مجرد فرض المسألة ، فلا يدخل حينئذ في إطلاق الاخبار المذكورة.

ثم انهم ذكروا أيضا أنه لو بلغ من حكم بحريته ظاهرا لكونه ملقوطا من دار الإسلام ، أو دار الفكر بالشرط المتقدم فأقر بالرق ، فهل يقبل إقراره أم لا؟ قولان.

اختار ثانيهما ابن إدريس ، ونقله عن محصلي الأصحاب فقال : لا يقبل إقراره عند محصلي أصحابنا ، وهو الصحيح لان الشارع حكم عليه بالحرية.

وقال : بعضهم : يقبل ، لأن «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» كما روى عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) (2). واختاره العلامة في المختلف ، فقال ـ بعد نقل قول ابن إدريس

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 225 التهذيب ج 7 ص 77.

(2) الوسائل الباب ـ 3 ـ من أبواب الإقرار الرقم ـ 2.


والاحتجاج على ما ذهب اليه ـ ما لفظه : وحكم الشارع بالحرية ـ بناء على الأصل ـ ما لم يعترف بالعبودية ، ولا فرق بين اللقيط وغيره من المجهول ، ولو جاء رجل لا يعرف فأقر بالعبودية يقبل ، وقد كان على مذهبه لا يقبل ، لانه محكوم عليه بالحرية شرعا ، فلا يقبل إقراره بالعبودية ، وهذا كله غلط انتهى.

والى هذا القول ذهب المحقق في الشرائع والشهيد الثاني في المسالك وغيرهم في هذه الصورة وفي صورة مجهول الحال.

أما معروف النسب فيقبل قطعا ، والظاهر أنه المشهور بين المتأخرين ، وهو الأظهر للخبر المذكور ، ولصحيحة عبد الله بن سنان (1) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : كان على بن أبى طالب (عليه‌السلام) «يقول : الناس كلهم أحرار الا من أقر على نفسه بالعبودية وهو مدرك من عبد أو أمة ، ومن يشهد عليه بالرق صغيرا كان أو كبيرا» ، وهو ظاهر في عموم الحكم لمحل البحث.

وفيه إشارة الى أن الأصل في الناس الحرية كما هو ظاهر الاتفاق ، ويمكن أن يرجح عدم القبول في اللقيط بعدم علمه بحال نسبه ، الا أنه يمكن معارضته باستفادته ذلك بعد البلوغ من اخبار من يوجب له العلم بذلك ، أو نحو ذلك.

وبالجملة فالأظهر العمل بإطلاق الخبرين المذكورين ، ولا فرق في قبول إقراره بين كون المقر مسلما أو كافرا ، وسواء كان المقر له مسلما أو كافرا ، وان بيع عليه قهرا كما تقدم.

ثم انه مما يدل على الحكم المذكور زيادة على ما ذكرناه ما رواه في التهذيب عن الفضل (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل حر أقر أنه عبدا قال يؤخذ بما أقر به». وبهذا المضمون رواية محمد بن الفضل الهاشمي (3) وصحيحة إسماعيل بن الفضل الهاشمي (4).

__________________

(1) الوسائل الباب ـ 29 ـ من أبواب العتق الرقم ـ 1.

(2 و 3 و 4) الوسائل الباب ـ 29 ـ من أبواب العتق الرقم ـ 2.


بقي الكلام في أنه هل يعتبر رشده وقت الإقرار أم لا؟ فمنهم من اشترطه وهو ظاهر اختيار شيخنا الشهيد الثاني في المسالك.

ومنهم من لم يشترطه من غير تعرض لعدمه ، والعلامة في التذكرة في هذا الباب اشترطه ، وفي باب اللقطة اكتفى بالبلوغ والعقل ، قيل ووجه اشتراطه واضح ، لان غير الرشيد لا يعتبر قوله في المال ، وهو نفسه مال ، ووجه العدم أن إقراره بالرقية ليس إقرارا بنفس المال وان ترتب عليه ، كما يسمع إقراره بما يوجب القصاص ، وان أمكن رجوعه الى المال بوجه ، ويشكل بما لو كان بيده مال ، فإن إقراره على نفسه بالرقية ، يقتضي كون المال للمقر له ، الا أن يقال : بثبوته تبعا لثبوت الرقية ، لا لأنه إقرار بالمال ، والأظهر الاستناد في العدم الى ظاهر الروايات المتقدمة ، فإن ظاهرها الاكتفاء بمجرد العقل ، كما يشير اليه قوله في صحيحة عبد الله بن سنان وهو مدرك أى بالغ عاقل ، وربما قسر بكونه رشيدا والظاهر بعد والله العالم.

المسألة الرابعة ـ الظاهر أنه لا خلاف في أنه لو ملك أحد الزوجين صاحبه فإنه ينفسخ الزوجية ، ويستقر المالك لمنافات الملك العقد ، لان المالك ان كان هو الزوجة ، فإنه يحرم وطؤ مملوكها لها ، وان كان الزوج استباحها بالملك ، ولان التفصيل يقطع الشركة (1) وعلل ـ مع ذلك ـ بأن بقاءه يستلزم اجتماع علتين على معلول واحد شخصي ـ ورد بأن علل الشرع معرفة ـ وبأن اختلاف الأسباب يقتضي اختلاف المسببات ، ورد بجواز ذلك في أسباب الشرع ، وبعدم تماميتها

__________________

(1) بمعنى أن التفصيل في حال الوطي بكونه اما بالعقد أو بالملك أو بالتحليل أو نحو ذلك يقطع الشركة في الأسباب لأن كلا منها سبب مستقل برأسه فمتى حصل الملك يعنى ملك الزوج للزوجة كان النكاح بالملك وارتفعت الزوجية لما عرفت ـ منه رحمه‌الله.


في جانب الزوجة.

أقول والأظهر الاعراض عن هذه التعليلات الواهية ، والرجوع في ذلك الى الاخبار ، فإنها في الدلالة على المراد مكشوفة القناع ، وهي أولى بالمراعاة والاتباع سيما مع تأيدها بالاتفاق كما أشرنا اليه.

ومن الاخبار المشار إليها ما رواه في الكافي في الحسن أو الصحيح وفي الفقيه في الصحيح عن محمد بن قيس (1) عن أبى جعفر (عليه‌السلام) قال : «قضى أمير المؤمنين (عليه‌السلام) في سرية رجل ولدت لسيدها ثم اعتزل عنها ، فأنكحها عبده ثم توفى سيدها وأعتقها فورث ولدها زوجها من أبيه ثم توفى ولدها فورثت زوجها من ولدها فجاءا يختلفان يقول الرجل : امرأتي ولا أطلقها وتقول المرأة عبدي ولا يجامعني ، فقالت المرأة يا أمير المؤمنين ان سيدي تسراني فأولدني ولدا ثم اعتزلني فأنكحني من عبده هذا ، فلما حضرت سيدي الوفاة أعتقني عند موته وأنا زوجة هذا وانه صار مملوكا لولدي الذي ولدته من سيدي ، وان ولدي مات فورثته ، فهل يصلح له ان يطأني؟ فقال لها : هل جامعك منذ صار عبدك وأنت طائعة؟ قالت : لا يا أمير المؤمنين (عليه‌السلام) قال : لو كنت فعلت لرجمتك ، اذهبي فإنه عبدك ليس له عليك سبيل ، ان شئت ان تبيعي ، وان شئت ان ترقى ، وان شئت ان تعتقي».

وما رواه في الكافي عن عبد الله بن سنان (2) في الصحيح قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول في رجل زوج أم ولد له مملوكه ثم مات الرجل فورثه ابنه فصار له نصيب في زوج أمه ، ثم مات الولد أترثه امه؟ قال : نعم قلت : فإذا

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 484 الفقيه ج 3 ص 352 وفيه (لأوجعتك) بدل (لرجمتك).

(2) الكافي ج 5 ص 484 و 485.


ورثته كيف تصنع وهو زوجها؟ قال : تفارقه وليس له عليها سبيل وهو عبدها».

وعن إسحاق بن عمار (1) في الموثق عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «في امرأة لها زوج مملوك فمات مولاه فورثته ، قال : ليس بينهما نكاح».

وعن سعيد بن يسار (2) في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن امرأة حرة تكون تحت المملوك فتشتريه هل يبطل نكاحه؟ قال : نعم ، لانه عبد مملوك لا يقدر على شي‌ء».

قالوا وملك البعض كملك الكل ، للمنافاة واستحالة تبعض البضع وقطع الشركة بالتفصيل أقول : الأجود الاستدلال عليه بصحيحة عبد الله بن سنان المذكورة ، فإن موردها التبعيض.

بقي الكلام في قوله عليه‌السلام في صحيحة ابن قيس المذكورة «لو كنت فعلت لرجمتك» مع أنها ليست ذات بعل بعد انفساخ العقد ، لتستحق الرجم ، وحملها بعض مشايخنا (عطر الله مراقدهم) على التهديد على وجه المصلحة تورية أو الرجم بمعنى الشتم والإيذاء كما يطلق عليه لغة ، يقال : رجمته بالقول : اى رميته بالفحش ، وكيف كان فلا بد من الحمل على خلاف الظاهر من الخبر لما عرفت. والله العالم.

المسألة الخامسة ـ قد تقدم في المسألة الثالثة إن الأظهر الأشهر ان من أقر على نفسه بالعبودية متى كان مكلفا فإنه يقبل منه ويحكم بكونه رقا ، وحينئذ فلا يقبل منه رجوعه عن ذلك لاشتماله على تكذيب نفسه ، وإبطال ما أقر به أولا ورفع ما ثبت عليه حتى لو أقام بينة لم تسمع ، لأنه بإقراره أولا قد كذبها ، كذا قطع به العلامة في التذكرة.

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 485.

(2) الكافي ج 5 ص 485.


وأورد عليه بأنه يشكل ذلك فيما لو أظهر لإنكاره تأويلا محتملا ، كان قال : انى تولدت بعد انعتاق أحد أبوي وما كنت اعلم بذلك حين أقررت ، فإنه ينبغي القبول ، وسيأتي له نظائر.

وأولى بالقبول ما لو أقر بالرقية لشخص معين فأنكر المقر له ، وسيأتي مثله في الإقرار ، كما إذا أقر لأحد بمال فأنكر المقر له ، فادعاه المقر حين إنكاره ، وعلى هذا فينبغي سماع بينته بطريق اولى ، وهو جيد وكذا لو اشترى عبدا ثابت العبودية فادعى الحرية ، فإنه لا يقبل دعواه ، الا ان هذا يقبل دعواه بالبينة ، بخلاف الأول.

وتفصيل الكلام في المقام انه متى وجد عبدا أو أمة تباع في الأسواق ، فإن ظاهر اليد والتصرف يقتضي الملك ، ويدل عليه ما رواه المشايخ الثلاثة «نور الله تعالى مراقدهم) عن حمزة بن حمران (1) «قال : قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) ادخل السوق فأريد ان اشترى جارية فتقول لي انى حرة فقال اشترها الا ان تكون لها بينة». ووصف هذه الرواية العلامة في التذكرة والشهيد الثاني في المسالك بالصحة ، وهو سهو محض فإن حمزة بن حمران لم يذكره أحد بالتوثيق ، بل ولا بالمدح ، حتى انه في الخلاصة لم يذكره بالكلية ، والنجاشي ذكره ولم يصفه بمدح ولا ذم ،.

وما رواه في التهذيب والفقيه في الصحيح عن العيص بن القاسم (2) عن أبى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «سألته عن مملوك ادعى انه حر ولم يأت ببينة على ذلك أشتريه؟ قال : نعم».

اما لو وجد في يده وادعى رقيته ولم يعلم شراؤه ولا بيعه ، فان كان كبيرا

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 211 التهذيب ج 7 ص 74.

(2) التهذيب ج 7 ص 74.


وصدقه على ذلك فكذلك ، لما تقدم من الاخبار الدالة على إلزامه بما أقر به ، وان كذبه لم يقبل دعواه إلا بالبينة ، عملا بأصالة الحرية ، كما تقدم في صحيحة عبد الله بن سنان (1) من قول أمير المؤمنين (عليه‌السلام) «الناس كلهم أحرار الا من أقر على نفسه بالعبودية ، أو من شهد عليه بالرق». ومثلها غيرها.

وان سكت أو كان صغيرا فإشكال ، قال العلامة في التذكرة : العبد الذي يوجد في الأسواق يباع ويشترى يجوز شراؤه ، وان ادعى الحرية لم يقبل منه ذلك إلا بالبينة وكذا الجارية الى أن قال : أما لو وجد في يده وادعى رقيته ولم يشاهد شراءه له ولا بيعه إياه فان صدقه حكم عليه بمقتضى إقراره ، وان كذبه لم يقبل دعواه الرقية إلا بالبينة ، عملا بأصالة الحرية وان سكت من غير تصديق ولا تكذيب فالوجه أن حكمه حكم التكذيب ، إذ قد يكون السكوت لا من غير الرضا ، وان كان صغيرا فإشكال ، أقربه الحرية فيه. انتهى.

ويمكن المناقشة في حكمه في صورة السكوت بأن حكمه حكم التكذيب ، بأن يقال : انه متصرف وصاحب يد ، ويدعى أمرا ممكنا وللأخبار الكثيرة الدالة على من ادعى دعوى لا معارض لها ولأراد لها كمن ادعى مالا ولا معارض له في دعواه أنه يحكم له بذلك ، أو ادعى زوجية امرأة ولم تكذبه ، فإنه يحكم له بها ، والظاهر أنه لهذا ذهب في التحرير الى الحكم باليد ، كما نقل عنه ، وحينئذ فيقبل مجرد دعواه

وأما قبولها مع البينة فالظاهر لا اشكال فيه ، وأما ما استقربه من الحرية في الصغير فهو جيد ، عملا بالأخبار الدالة على أصالة الحرية حتى يثبت الملك. الا أنه يشكل حينئذ شراء العبيد الأطفال من يد البياع ، مع دلالة الاخبار والاتفاق على جواز الشراء ، والحكم المذكور لا يخلو من شوب الاشكال ، كما أشرنا إليه آنفا.

وقد وقع في عبائر بعض الأصحاب انه لا يقبل ادعاء الحرية من المشهور

__________________

(1) الوسائل الباب ـ 29 ـ من أبواب العتق الرقم ـ 1.


بالرقية ، وفيه إشكال ، لأن مجرد الشهرة لا تعارض أصالة الحرية المتفق عليها نصا وفتوى ، الا أن تحمل الشهرة على ما قدمنا ذكره من رؤيته يباع في الأسواق ونحوه ، ولا يخلو من بعد ، ويمكن أن يستدل للقول المذكور بظاهر صحيحة العيص المذكورة ، بأن يحمل المملوك على من يكون كذلك بحسب الظاهر من الشهرة ، الا أنه يحتمل كون ذلك بثبوته بالإقرار أولا أو البينة أو الرؤية يباع في الأسواق ونحو ذلك مما يفيد التملك. والله العالم.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *