ج8 - أحكام السجود
الفصل السادس
وهو لغة الخضوع والانحناء وشرعا عبارة عن وضع الجبهة على
الأرض أو ما أنبتت مما لا يؤكل ولا يلبس ، فهو خضوع وانحناء خاص فيكون مجازا لغويا
أو حقيقة شرعية ، والسجدة بالفتح الواحدة وبالكسر الاسم.
ووجوبه في الصلاة ثابت بالنص والإجماع ، قال الله تعالى «ارْكَعُوا
وَاسْجُدُوا» (4) وقد تقدمت جملة
من الأخبار في سابق هذا الفصل دالة على وجوبه وركنيته في الصلاة.
ويجب في كل ركعة سجدتان هما ركن في الصلاة تبطل بالإخلال
بهما في الركعة الواحدة عمدا وسهوا ، وقال في المعتبر انه مذهب العلماء. قال في
المدارك : والوجه فيه ان الإخلال بالسجود مقتض لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه
فيبقى المكلف تحت العهدة إلى ان يتحقق الامتثال.
__________________
(4) سورة الحج ، الآية 76.
ويدل عليه صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليهالسلام) (1) «لا تعاد
الصلاة إلا من خمسة : الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود».
ويظهر من كلام الشيخ في المبسوط انهما ركن في الأوليين
وثالثة المغرب بناء على ان ناسيهما في الركعتين الأخيرتين من الرباعية يحذف الركوع
ويعود إليهما. وسيجيء تحقيق البحث في ذلك في محله من أحكام السهو.
والمشهور بين الأصحاب ان الركن من السجود هو مجموع
السجدتين. وأورد عليه لزوم بطلان الصلاة بفوات السجدة الواحدة لفوات المجموع بفوات
الجزء وهو خلاف النص والفتوى.
وأجاب الشهيد (قدسسره) بان الركن
مسمى السجود وهو الأمر الكلي الصادق بالواحدة ومجموعهما ولا يتحقق الإخلال به إلا
بتركهما معا لحصول المسمى بالواحدة وفيه (أولا) ان فيه خروجا عن محل البحث فان
الكلام مبني على كون الركن مجموع السجدتين كما هو المدعى أولا لا ان الركن المسمى
فإنه قول آخر. و (ثانيا) لزوم البطلان أيضا بزيادة السجدة الواحدة لحصول المسمى.
وهو خلاف النص والفتوى.
والتحقيق انه لا مناص في الجواب بعد القول بركنية
المجموع إلا باستثناء هذا الفرد الذي ذكرنا من القاعدة لدلالة النصوص على صحة
الصلاة مع فوات السجدة سهوا وكذا لو قلنا بان الركن المسمى يكون زيادة السجدة
الواحدة سهوا مستثنى من القاعدة بالنص ، وله نظائر كثيرة كما لو سبق المأموم إمامه
بالركوع سهوا فإنه يرفع ويعيد معه ، ونحو ذلك.
واما ما يدل من النصوص على صحة الصلاة مع نقصان السجدة
فأخبار عديدة :
منها ـ صحيحة إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (2) «في رجل
__________________
(1) الوسائل الباب 29 من القراءة و 10 من الركوع.
(2) الوسائل الباب 14 من السجود.
نسي أن يسجد السجدة الثانية حتى قام
فذكر وهو قائم انه لم يسجد؟ قال فليسجد ما لم يركع فإذا ركع فذكر بعد ركوعه انه لم
يسجد فليمض في صلاته حتى يسلم ثم يسجدها فإنها قضاء».
وصحيحة عبد الله بن مسكان عن أبي بصير (1) ـ وهو ليث
المرادي بقرينة رواية عبد الله بن مسكان عنه ـ قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عمن نسي أن
يسجد سجدة واحدة فذكرها وهو قائم؟ قال يسجدها إذا ذكرها ما لم يركع فان كان قد ركع
فليمض على صلاته فإذا انصرف قضاها وحدها وليس عليه سهو». ونحوهما غيرهما كما سيأتي
ان شاء الله تعالى في باب السهو.
وذهب ابن أبي عقيل ـ على ما نقل عنه ـ إلى ركنية السجدة
الواحدة وان الصلاة تبطل بالإخلال بها ولو سهوا استنادا إلى رواية المعلى بن خنيس (2) قال : «سألت
أبا الحسن الماضي (عليهالسلام) في الرجل ينسى
السجدة من صلاته؟ قال إذا ذكرها قبل ركوعه سجدها وبنى على صلاته ثم سجد سجدتي
السهو بعد انصرافه ، وان ذكرها بعد ركوعه أعاد الصلاة. ونسيان السجدة في الأوليين
والأخيرتين سواء».
والجواب المعارضة بما هو أصح سندا وأكثر عددا وأصرح
دلالة ، مع ان في رواية المعلى بن خنيس عن الكاظم (عليهالسلام) اشكالا لم
أقف على من تنبه له في هذا المقام ، فان المعلى بن خنيس قتل في زمن الصادق (عليهالسلام) وقضيته
مشهورة فكيف روى عن الكاظم (عليهالسلام) (3) ولا سيما بهذه
العبارة المشعرة بتأخره عن الكاظم (عليهالسلام) لان قوله «سألت
أبا الحسن الماضي» يدل على ان هذا الأخبار بعد مضيه وموته (عليهالسلام).
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 14 من السجود.
(3) ذكر بعضهم في وجه ذلك احتمال روايته عنه «ع» في زمان أبيه «ع»
فإنه قتل وللكاظم «ع» ست أو سبع سنين كما يحتمل ان يكون لفظ (الماضي) من زيادة
الرواة.
إذا عرفت ذلك فاعلم ان السجود يشتمل على الواجب والمستحب
وان له أحكاما تتعلق به ، وحينئذ فتحقيق الكلام فيه يتوقف على بسطه في مقامات
ثلاثة :
(الأول) ـ في واجباته وهي أمور (أحدها) انه يجب السجود
على سبعة أعظم : الجبهة والكفين والركبتين وإبهامي الرجلين ، هذا هو المشهور بل
قيل انه لا خلاف فيه ، وفي التذكرة انه مذهب علمائنا اجمع ، مؤذنا بدعوى الإجماع
عليه.
ونقل عن المرتضى انه جعل عوض الكفين المفصل عند الزندين.
أقول وبذلك صرح ابن إدريس في السرائر ، قال : ويكون السجود على سبعة أعظم : الجبهة
ومفصل الكفين عند الزندين وعظمي الركبتين وطرفي إبهامي الرجلين ، والإرغام بطرف
الأنف مما يلي الحاجبين من السنن الأكيدة. انتهى.
والذي يدل على القول المشهور من الأخبار ما رواه الشيخ
عن زرارة في الصحيح (1) قال : «قال
أبو جعفر (عليهالسلام) قال رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) السجود على
سبعة أعظم : الجبهة واليدين والركبتين والإبهامين ، وترغم بأنفك إرغاما ، فأما
الفرض فهذه السبعة واما الإرغام بالأنف فسنة من النبي (صلىاللهعليهوآله)».
وما تقدم (2) في صحيحة حماد بن عيسى من قوله «وسجد على ثمانية أعظم : الكفين
والركبتين وأنامل إبهامي الرجلين والجبهة والأنف ، وقال سبعة منها فرض يسجد عليها
وهي التي ذكرها الله عزوجل في كتابه فقال
«وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً» (3) وهي الجبهة
والكفان والركبتان والإبهامان ووضع الأنف على الأرض سنة».
وما رواه عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب قرب الاسناد
عن محمد بن عيسى عن عبد الله بن ميمون القداح عن جعفر بن محمد (عليهماالسلام) (4) قال : «يسجد
ابن آدم على سبعة أعظم : يديه ورجليه وركبتيه وجبهته».
__________________
(1 و 4) الوسائل الباب 4 من السجود.
(2) ص 2.
(3) سورة الجن الآية 18.
وروى الفضل بن الحسن الطبرسي في كتاب مجمع البيان (1) قال : «روى ان
المعتصم سأل أبا جعفر محمد بن علي بن موسى الرضا (عليهالسلام) عن قوله
تعالى (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً)؟ فقال هي
الأعضاء السبعة التي يسجد عليها».
أقول : وهذه الرواية التي أشار إليها في كتاب مجمع
البيان هي ما رواه العياشي عن أبي جعفر الثاني (عليهالسلام) (2) «انه سأله
المعتصم عن السارق من اي موضع يجب ان تقطع يده؟ فقال ان القطع يجب ان يكون من مفصل
أصول الأصابع فيترك الكف. قال وما الحجة في ذلك؟ قال قول رسول الله (صلىاللهعليهوآله) السجود على
سبعة أعضاء : الوجه واليدين والركبتين والرجلين. فإذا قطعت يده من الكرسوع أو
المرفق لم يبق له يد يسجد عليها ، وقال الله «(وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ) ـ يعنى به هذه
الأعضاء السبعة التي يسجد عليها ـ فلا تدعوا مع الله أحدا» وما كان لله فلا يقطع.
الخبر».
وفي كتاب الفقيه (3) في وصية أمير المؤمنين (عليهالسلام) لابنه محمد
بن الحنيفة «قال الله (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ). يعني
بالمساجد الوجه واليدين والركبتين والإبهامين».
واما القول الآخر فلم نقف له على دليل وبذلك صرح في
المدارك أيضا فقال ولم نقف للمرتضى في اعتبار المفصل على حجة.
فوائد
(الاولى) ـ الظاهر من كلام الأصحاب من غير خلاف يعرف انه
يكفي في ما عدا الجبهة من هذه الأشياء المعدودة ما يصدق به الاسم ولا يجب
الاستيعاب ، قال في المدارك : ولا نعرف فيه خلافا. وقال في الذخيرة : ولم نجد
قائلا بخلاف ذلك ، ثم قال ويدل عليه حصول الامتثال بذلك وعموم صحيحة زرارة
المشتملة على حصر ما تعاد
__________________
(1) الوسائل الباب 4 من السجود.
(2) مستدرك الوسائل الباب 4 من السجود وفي الوسائل الباب 4 من
حد السرقة.
(3) ج 2 ص 381 طبع النجف وفي البحار ج 18 الصلاة ص 261.
منه الصلاة (1) مضافا إلى
الأصل. انتهى.
والعجب ان العلامة مع تصريحه في أكثر كتبه بهذا الحكم
تردد في المنتهى في الكفين فقال هل يجب استيعاب جميع الكف بالسجود؟ عندي فيه تردد
، والحمل على الجبهة يحتاج إلى دليل لورود النص في خصوصية الجبهة ، والتعدي
بالاجزاء في البعض يحتاج إلى دليل.
(الثانية) ـ هل يجوز
السجود على ظاهر الكفين؟ إطلاق الأخبار يدل على ذلك لأنها وردت بلفظ اليدين في بعض
والكفين في آخر ، إلا ان المفهوم والمتبادر انما هو بطن الكفين ، وقد عرفت في غير
موضع مما تقدم ان إطلاق الأخبار يجب حمله على الافراد المعهودة الشائعة المتكثرة ،
وحينئذ يجب تقييد إطلاق الأخبار بذلك.
وقال في المدارك : والاعتبار في الكفين بباطنهما للتأسي.
وفيه ما عرفت في غير مقام وبه صرح هو في غير موضع من ان التأسي لا يصلح ان يكون
دليلا للوجوب في حكم من الأحكام.
وصرح العلامة في النهاية والشهيدان بعدم الاجتزاء
بالظاهر ، ونقله في الذكرى عن الأكثر ، ونقل في النهاية عن ظاهر علمائنا إلا
المرتضى وجوب تلقى الأرض بباطن راحتيه. وفي المنتهى لو جعل ظهور كفيه إلى الأرض
وسجد عليها ففي الإجزاء نظر ، اما ظاهر الإبهامين في الرجلين لو سجد عليهما
فالأقرب عندي الجواز. انتهى.
(الثالثة) ـ الظاهر الاكتفاء في الإبهامين بالظاهر
والباطن لإطلاق الأخبار وان كان السجود على رؤوسهما أفضل لظاهر خبر حماد ، وقد
تقدم في عبارة ابن إدريس التصريح بطرفي إبهامي الرجلين والظاهر انه أراد به
الاستحباب.
وقال الشيخ في المبسوط : ان وضع بعض أصابع رجليه أجزأه.
وقال ابن زهرة يسجد على أطراف القدمين. وقال أبو الصلاح أطراف أصابع الرجلين. ونقل
في
__________________
(1) ص 274.
الذكرى عن نهاية الشيخ ذكر الإبهامين
في هذا المقام ورؤوس الأصابع في باب التحنيط وجمع بينهما ، قال في النكت لما كانت
المساجد لا تنفك ان يجامعها في السجود غيرها مسح عليه وان لم يجب السجود عليه ،
وتسمى مساجد لاتفاق السجود عليها لا لوجوبه. ثم انه قال في الذكرى : والوجه تعين
الإبهامين نعم لو تعذر السجود عليهما لعدمهما أو لقصرهما أجزأ على بقية الأصابع.
انتهى.
أقول : لا يخفى ان اخبار المسألة بعض منها بلفظ
الإبهامين وآخر بلفظ الرجلين ، وحمل مطلقها على مقيدها يقتضي القول بالإبهامين ،
وحينئذ فلا وجه للقول الآخر ولا دليل عليه.
(الرابعة) ـ قالوا ويجب الاعتماد على مواضع الأعضاء
بإلقاء ثقله عليها فلو تحامل عنها لم يجزئ. وعلل بأن الطمأنينة لا تحصل بهذا
القدر.
أقول : الظاهر ان الوجه فيه انما هو من حيث كون ذلك هو
المتبادر من الأمر بالسجود على الأعضاء.
ويؤيده ما تقدم في صحيحة علي بن يقطين عن الكاظم (عليهالسلام) (1) قال : «وتجزئك
واحدة إذا أمكنت جبهتك من الأرض».
ورواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهالسلام) (2) قال : «سألته
عن الرجل يسجد على الحصى ولا يمكن جبهته من الأرض؟ قال يحرك جبهته حتى يتمكن فينحي
الحصى عن جبهته ولا يرفع جبهته».
ويعضده أنه الأوفق بالاحتياط ، فلو سجد على مثل الصوف
والقطن وجب ان يعتمد عليه حتى تثبت الأعضاء إن أمكن وإلا فلا يصلي عليه إلا ان
يتعذر غيره ، ولا يجب المبالغة في الاعتماد بحيث يزيد على قدر ثقل الأعضاء.
(الخامسة) ـ قيل يجب ان يجافي بطنه عن الأرض فلو أكب على
وجهه ومد
__________________
(1) الوسائل الباب 4 من الركوع.
(2) الوسائل الباب 8 من السجود.
يديه ورجليه ووضع جبهته على الأرض
منبطحا لم يجزئه على ما صرح به العلامة وغيره لانه لا يسمى ذلك سجودا.
أقول : ان عدم الاجزاء في الصورة المذكورة ليس من عدم
مجافاة البطن عن الأرض بل من حيث ان هذه الهيئة والكيفية لا تسمى سجودا وانما تسمى
نوما على وجهه أو انبطاحا ، اما لو لصق بطنه بالأرض مع كونه على هيئة الساجد مع
وضع باقي المساجد على كيفيتها الواجبة فيها فالظاهر الصحة وان كان خلاف الأفضل.
(الثاني) ـ وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه ، وقد
تقدم تحقيق ما يجوز السجود عليه وما لا يجوز السجود عليه في المسألة السادسة من
المقدمة السادسة في المكان (1) وملخص ذلك هو
الأرض أو ما أنبتت مما لا يؤكل ولا يلبس إلا القرطاس خاصة أو ما أوجبته الضرورة ،
وحينئذ فلو سجد على كور عمامته لم يجزئ لكونه مما يلبس وأطلق الشيخ في المبسوط
المنع من السجود على ما هو حامل له ككور العمامة ، قال في الذكرى : فان قصد لكونه
من جنس ما لا يسجد عليه فمرحبا بالوفاق ، وان جعل المانع نفس الحمل كمذهب العامة (2) طولب بدليل
المنع.
واختلف الأصحاب هنا في ما يجب وضعه على الأرض ونحوها من
الجبهة فالمشهور الاكتفاء بالمسمى وما يصدق به الاسم كغيرها من الافراد الأخر ،
وقال الصدوق في موضعين من الفقيه وابن إدريس بتحديده بقدر الدرهم.
ومما يدل على القول المشهور ما رواه الصدوق في الصحيح عن
زرارة عن أحدهما (عليهماالسلام) (3) قال : «قلت له
الرجل يسجد وعليه قلنسوة أو عمامة؟ فقال إذا مس شيء من جبهته الأرض في ما بين
حاجبيه وقصاص شعره فقد أجزأ عنه».
وعن عمار بن أبي عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «ما بين
قصاص الشعر إلى طرف الأنف مسجد اي ذلك أصبت به الأرض أجزأك».
__________________
(1) ج 7 ص 245.
(2) ج 7 ص 258.
(3 و 4) الوسائل الباب 9 من السجود.
وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن زرارة عن أبي
جعفر (عليهالسلام) (1) قال : «الجبهة
كلها من قصاص شعر الرأس إلى الحاجبين موضع السجود فأيما سقط من ذلك إلى الأرض
أجزأك مقدار الدرهم ومقدار طرف الأنملة».
وما رواه في التهذيب عن زرارة عن أبي جعفر (عليهالسلام) (2) قال : «سألته
عن حد السجود؟ قال ما بين قصاص الشعر إلى موضع الحاجب ما وضعت منه أجزأك».
وعن بريد بن معاوية عن أبي جعفر (عليهالسلام) (3) قال : «الجبهة
إلى الأنف أي ذلك أصبت به الأرض في السجود أجزأك والسجود عليه كله أفضل».
وما رواه ابن بابويه في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليهالسلام) (4) قال : «سألته
عن المريض كيف يسجد؟ فقال على خمرة أو على مروحة أو على سواك يرفعه اليه وهو أفضل
من الإيماء ، إنما كره من كره السجود على المروحة من أجل الأوثان التي كانت تعبد
من دون الله وانا لم نعبد غير الله قط فاسجدوا على المروحة وعلى السواك وعلى عود».
ولم نقف للقول الآخر على دليل معتمد ، قيل لعل مستند ابن
بابويه وابن إدريس ما رواه الكليني في الحسن عن زرارة عن أبي جعفر (عليهالسلام). ثم ذكر
رواية زرارة الثانية ثم قال : وغالب استعمال الاجزاء في أقل الواجب ، ثم أجاب بأن
طرف الأنملة أقل من مقدار الدرهم فلا دلالة فيها على المدعى بل هي بالدلالة على
نقيضه أشبه ، سلمنا لكنها محمولة على الفضيلة جمعا بين الأدلة. انتهى. وهو جيد.
وبذلك قطع الشهيد في الذكرى في باب المكان ثم رجع عنه في
هذا المقام ، فقال والأقرب ان لا ينقص في الجبهة عن درهم لتصريح الخبر وكثير من
الأصحاب به فيحمل المطلق من الأخبار وكلام الأصحاب على المقيد.
__________________
(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 9 من السجود.
(4) الوسائل الباب 15 من ما يسجد عليه.
وفيه أولا ان الكثير من الأصحاب انما قالوا بالمسمى ولم
ينقل القول بمقدار الدرهم إلا عن ابن بابويه وابن إدريس و (ثانيا) ان ما ذكره من
الحمل جيد لو وجد ما يدل على القول بالدرهم ولم نقف في الباب إلا على رواية زرارة
الثانية وقد عرفت اشتمالها على ما ينافي ذلك من قوله «ومقدار طرف الأنملة» وحينئذ
فلا بد من حمل قوله فيها «أجزأك مقدار الدرهم» على الفضل والاستحباب وإلا فلو حمل
على وجوبه وتعينه لم يكن لقوله بعده «ومقدار طرف الأنملة» معنى بل يلزم اشتمال
الخبر على حكمين متناقضين كما لا يخفى. وبه يظهر انه لا دليل للقول المذكور وان
المعتمد هو القول المشهور.
وربما يتوهم الاستناد في ذلك إلى ما رواه الشيخ في الصحيح
عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليهالسلام) (1) قال : «سألته
عن المرأة تطول قصتها فإذا سجدت وقع بعض جبهتها على الأرض وبعض يغطيه الشعر هل
يجوز ذلك؟ قال لا حتى تضع جبهتها على الأرض». وهذه الرواية في الحقيقة غير دالة
على ذلك إذ لا تعرض فيها لذكر الدرهم بوجه وانما غاية ما تدل عليه هو وضع الجبهة
كملا وهو مما وقع الاتفاق على عدم وجوبه والأخبار المتقدمة صريحة في خلافه فلا بد
من حملها على وجه الفضل والاستحباب كما صرح به جملة من الأصحاب.
والتحقيق عندي في هذا المقام ان الصدوق (رضياللهعنه)
لم يستند في ما ذهب اليه من هذا القول المنقول عنه هنا إلى شيء من هذه الأخبار
التي تكلفوها مستندا له ، وانما مستنده في ذلك كتاب الفقه الرضوي على النهج الذي
عرفته في غير مقام إلا انه مع ذلك لا يخلو من الاشكال ، وتفصيل هذا الإجمال هو ان
يقال لا ريب ان الصدوق في كتاب الفقيه قد ذكر هذه المسألة في موضعين (أحدهما) في
باب (ما يسجد عليه وما لا يسجد عليه) فإنه نقل في هذا الباب عن أبيه في رسالته
اليه قال : وقال أبي في رسالته الي : اسجد على الأرض أو على ما أنبتت ، وساق كلامه
إلى ان قال : ويجزئك في
__________________
(1) الوسائل الباب 14 من ما يسجد عليه.
موضع الجبهة من قصاص الشعر إلى
الحاجبين مقدار درهم. الى آخره ، ثم نقل في الباب أيضا صحيحة زرارة المشتملة على
اجزاء قدر الدرهم ومقدار طرف الأنملة (1) ، ثم نقل أيضا رواية عمار المتقدمة (2) الدالة على ان
ما بين قصاص الشعر إلى طرف الأنف مسجد فما أصاب الأرض منه فقد أجزأك. و (ثانيهما)
في باب (وصف الصلاة من فاتحتها إلى خاتمتها) فإنه قال فيه أيضا : ويجزئك في موضع
الجبهة من قصاص الشعر إلى الحاجبين مقدار درهم. وهذه عين العبارة المتقدمة التي
نقلها عن أبيه في رسالته اليه. ولا يخفى ان هذه العبارة وما بعدها من الكلام كله
مأخوذ من كتاب الفقه الرضوي على النهج الذي قدمناه ذكره في غير مقام وسيأتي أمثاله
ان شاء الله تعالى في جملة من الأحكام ومنه يعلم ان مستند الصدوقين انما هو الكتاب
المذكور ، والأصحاب لعدم اطلاعهم على ما ذكرناه تكلفوا لهم الاستدلال بهذه الأخبار
وقد عرفت انها غير صالحة للدلالة.
بقي هنا شيء وهو ان الأصحاب ينسبون إلى الصدوق في
الفقيه المذاهب في المسائل الشرعية بنقله الروايات ، وقد عرفت انه بعد ذكر ما نقله
عن والده المؤذن بإفتائه به كما نسبوه اليه نقل أيضا صحيحة زرارة وموثقة عمار
الظاهرتين ـ ولا سيما الثانية ـ في الاكتفاء بالمسمى ولم يتعرض للقدح فيهما ولا
الجواب عنهما مع انهما في مخالفة ما ذكره أولا ظاهرتان كما عرفت آنفا ، وبالجملة
فإن نقل القول عنه بذلك مع نقله الخبرين المذكورين لا يخلو من اشكال. والله
العالم.
(الثالث) ـ ان ينحني حتى يساوي موضع جبهته موقفه إلا ان
يكون العلو يسيرا بقدر لبنة بفتح اللام وكسر الباء وبكسر اللام وسكون الباء ،
والمراد بها ما كانت معتادة في زمن الأئمة (عليهمالسلام) وقدرها
الأصحاب بأربع أصابع تقريبا ، ويؤيده اللبن الموجود الآن في ابنية بني العباس في
سر من رأى فان الآجر الذي في أبنيتها بهذا المقدار تقريبا.
__________________
(1) تقدمت ص 281.
(2) ص 280.
وأسند هذا التحديد اعني تحديد العلو الجائز باللبنة في
المعتبر والمنتهى إلى الشيخ (قدسسره) ثم قال في
المنتهى «وهو مذهب علمائنا» مؤذنا بدعوى الإجماع عليه ، وكذا أسنده في الذكرى إلى الأصحاب
، قال في المعتبر : لا يجوز ان يكون موضع السجود أعلى من موقف المصلى بما يعتد به
مع الاختيار وعليه علماؤنا لأنه يخرج بذلك عن الهيئة المنقولة عن صاحب الشرع.
أقول : ويدل على ما ذكروه من التحديد باللبنة ما رواه
الشيخ عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «سألته
عن السجود على الأرض المرتفعة فقال إذا كان موضع جبهتك مرتفعا عن موضع بدنك قدر
لبنة فلا بأس». ومفهومه ثبوت البأس مع الزيادة على قدر اللبنة ، ومفهوم الشرط حجة
شرعية كما تقدم تحقيقه في مقدمات كتاب الطهارة.
واعترض هذه الرواية في المدارك فقال انه يمكن المناقشة
في سند الرواية بان من جملة رجالها النهدي وهو مشترك بين جماعة منهم من لم يثبت
توثيقه ، مع ان عبد الله بن سنان روى في الصحيح (2) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن موضع جبهة
الساجد أيكون ارفع من مقامه؟ قال لا وليكن مستويا». ومقتضاها المنع من الارتفاع
مطلقا ، وتقييدها بالرواية الأولى مشكل. انتهى.
أقول : فيه ان الظاهر ان النهدي الذي في سند هذه الرواية
هو الهيثم بن أبي مسروق بقرينة رواية محمد بن علي بن محبوب عنه والرجل المذكور
ممدوح في كتب الرجال فحديثه معدود في الحسن وله كتاب يرويه عنه جملة من الأجلاء :
منهم ـ محمد بن علي بن محبوب وسعد بن عبد الله ومحمد بن الحسن الصفار.
ويؤيد الخبر المذكور أيضا شهرة العمل به بين الطائفة
وعدم الراد له سواه ، وكذا يؤيده ما يأتي من موثقة عمار.
__________________
(1) الوسائل الباب 11 من السجود.
(2) الوسائل الباب 10 من السجود.
وحينئذ فيجب الجمع بينه وبين الصحيحة المذكورة بحمل
الصحيحة المشار إليها على الفضل والاستحباب ، ويشير إلى ذلك ما رواه الشيخ في
الصحيح عن عاصم بن حميد عن أبي بصير (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل
يرفع موضع جبهته في المسجد؟ فقال اني أحب ان أضع وجهي في موضع قدمي وكرهه». وروى
هذه الرواية شيخنا المجلسي (قدسسره) في كتاب
البحار (2) من كتاب عاصم
بن حميد عن أبي بصير مثله إلا انه قال : «في مثل قدمي وكره ان يضعه الرجل». وسياق
هذه العبارة يعطي الأفضلية كما لا يخفى.
فوائد
(الأولى) ـ ظاهر كلام المتقدمين في هذه المسألة جواز
المساواة وانخفاض موضع السجود مطلقا وارتفاعه بقدر اللبنة ، والحق الشهيدان
بالارتفاع الانخفاض فقيداه بقدر اللبنة أيضا ومنعا من الزيادة على ذلك.
ويدل عليه موثقة عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (3) «في المريض
يقوم على فراشه ويسجد على الأرض؟ فقال إذا كان الفراش غليظا قدر آجرة أو أقل
استقام له ان يقوم عليه ويسجد على الأرض وان كان أكثر من ذلك فلا».
ومما يدل على جواز الانخفاض بقول مطلق ما رواه الشيخ عن
صفوان عن محمد بن عبد الله عن الرضا (عليهالسلام) (4) في حديث «انه
سأله عن من يصلي وحده فيكون موضع سجوده أسفل من مقامه؟ فقال إذا كان وحده فلا بأس».
وهي مطلقة في قدر اللبنة وأزيد كما هو ظاهر كلام
المتقدمين إلا انه يجب تقييدها بالموثقة المذكورة جمعا ، وبه يظهر قوة ما ذكره
الشهيدان. ويمكن تقييد كلام المتقدمين بذلك أيضا.
__________________
(1 و 4) الوسائل الباب 10 من السجود.
(2) ج 18 الصلاة ص 362.
(3) الوسائل الباب 11 من السجود.
واما ما ذكره في الذخيرة هنا ـ حيث قال : والحق الشهيد
الانخفاض بالارتفاع وتبعه على ذلك الشهيد الثاني ولم أجده في كلام غيرهما من
المتقدمين عليهما بل المستفاد من كلامهم استحباب المساواة وعدم جواز الارتفاع
بالمقدار المذكور حسب ، وصرح المصنف في النهاية بجواز الانخفاض ، ونقل في التذكرة
الإجماع عليه ، ويدل عليه صدق السجود معه فيحصل الامتثال ، واستدل الشهيد بما رواه
الشيخ في الموثق عن عمار ، ثم ساق الرواية كما قدمنا ، ثم قال وهي غير ناهضة
بإثبات التحريم. انتهى ـ فهو من جملة تشكيكاته الواهية المبنية على أصوله المخترعة
التي هي لبيت العنكبوت ـ وانه لأوهن البيوت ـ مضاهية ، فاني لا اعرف لعدم ثبوت
التحريم وجها إلا ما صرح به في غير موضع من كتابه ونقلناه عنه في غير موضع مما
تقدم من دعواه عدم دلالة الأمر في أخبارنا على الوجوب وكذا النهي غير دال على
التحريم ، وقد عرفت بطلان ذلك في غير مقام مما تقدم وانه موجب لخروج قائله من
الدين من حيث لا يشعر.
والعجب هنا ان السيد السند في المدارك ـ بعد ان اعترض
رواية عبد الله بن سنان المتقدمة الدالة على جواز ارتفاع موضع الجبهة بقدر اللبنة
ورجح العمل بالصحيحة الدالة على المساواة ـ قال هنا بعد ان نقل عن الشهيد إلحاق
الانخفاض بالارتفاع قدر لبنة : وهو حسن ويشهد له موثقة عمار ثم ساق الرواية كما
ذكرناه.
وأنت خبير بما فيه من المناقضة الظاهرة حيث انه استشكل
في تقييد الصحيحة المذكورة بالرواية الاولى وهو مؤذن بجموده على ظاهر الصحيحة من
مساواة الموقف للمسجد وهذه الموثقة دالة على انخفاض موضع الجبهة ، وبموجب استحسانه
المذكور يلزم تقييد الصحيحة المذكورة بهذه الموثقة ، مع انك قد عرفت ان الرواية الأولى
حسنة.
وبالجملة فإن الظاهر من الأخبار المذكورة في المقام بضم
بعضها إلى بعض وحمل بعضها على بعض هو أفضلية المساواة وجواز الارتفاع والانخفاض
بقدر اللبنة وضعف هذه المناقشات الواهية.
(الثانية) ـ صرح الشهيد بإجراء الحكم المذكور في جميع
المساجد ، قال في
الذكرى في تعداد مستحبات السجود :
ومنها مساواة مساجده في العلو والهبوط ، وجعله في الروض وفي المدارك أحوط. ولم أقف
فيه على نص والذي وقفت عليه من نصوص المسألة هو ما ذكرته ، قال في الذخيرة :
واعتبر الشهيد ذلك في بقية المساجد ولم أجده في كلام من تقدم عليه إلا ان المصنف
في النهاية قال : يجب تساوي الأعالي والأسافل أو انخفاض الأعالي وهو ظاهر في ما
ذكره والاحتياط فيه وان كان إثبات وجوبه محل اشكال. انتهى.
وصرح جملة منهم بأنه لا فرق في جواز الارتفاع والانخفاض
بقدر اللبنة والمنع مما زاد بين الأرض المنحدرة وغيرها لإطلاق النص. وهو جيد.
(الثالثة) ـ المفهوم من كلام الأصحاب من غير خلاف يعرف
إلا من صاحب المدارك ومن تبعه كالفاضل الخراساني انه لو وقعت جبهته حال السجود على
ما لا يصح السجود عليه مما هو أزيد من لبنة ارتفاعا أو انخفاضا أو غيره مما لا يصح
السجود عليه فإنه يرفع رأسه ويضعه على ما يصح السجود عليه ، وان كان مما يصح
السجود عليه ولكنه لا على الوجه الأكمل وأراد تحصيل الفضيلة وما هو الأفضل في
السجود فإنه يجر جبهته ولا يرفعها لئلا يلزم زيادة سجود ثان.
وقال في المدارك : لو وقعت جبهته على موضع مرتفع بأزيد
من اللبنة فقد قطع المصنف وغيره بأنه يرفع رأسه ويسجد على المساوي لعدم تحقق
السجود معه ، ولرواية الحسين بن حماد (1) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) اسجد فتقع
جبهتي على الموضع المرتفع؟ فقال ارفع رأسك ثم ضعه». وفي السند ضعف ، والاولى جرها
مع الإمكان لصحيحة معاوية بن عمار (2) قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) إذا وضعت
جبهتك على نبكة فلا ترفعها ولكن جرها على الأرض». والنبكة بالنون والباء الموحدة
مفتوحتين واحدة النبك وهي اكمة محدودة الرأس ، وقيل النباك التلال الصغار.
__________________
(1) الوسائل الباب 8 من السجود.
(2) الوسائل الباب 8 من السجود.
وجمع المصنف في المعتبر بين الروايتين
بحمل هذه الرواية على مرتفع يصح معه السجود فيجب السحب لئلا يزيد في السجود. وهو
بعيد. ولو وقعت الجبهة على ما لا يصح السجود عليه جرها إلى ما يسجد عليه ولا
يرفعها مع الإمكان ومع التعذر يرفعها ولا شيء عليه. انتهى.
أقول : لا يخفى ان ما ذكره الأصحاب هو الأوفق بالقواعد
الشرعية والضوابط المرعية ، واستبعاده هنا لا اعرف له وجها وجيها إلا مجرد صحة سند
رواية معاوية بن عمار وضعف ما عداها من الرواية التي نقلها فمن أجل ذلك جمد على
إطلاقها ، وهذه قاعدته (قدسسره) كما أشرنا
إليه في غير موضع مما تقدم انه يدور مدار الأسانيد فمتى صح السند غمض عينيه ونام
عليه واضرب عن متن الخبر سواء خالف الأصول أو وافقها ، ولم أقف على هذه الطريقة
إلا في كلامه وكلام من اقتفاه وإلا فأصحاب هذا الاصطلاح يراعون متون الأخبار صح
السند أو ضعف كما في هذا الموضع وغيره
وبالجملة فما ذكره الأصحاب هو الأظهر ، لأنه متى كان
السجود باطلا بان يكون على موضع مرتفع بأزيد من لبنة أو كان على شيء لا يصح
السجود عليه فإنه لا يعتبر به ولا يعد سجودا شرعيا ، فرفع الرأس منه إلى ما يصح
السجود عليه غير ضائر ولا مانع منه شرعا بخلاف ما لو وقعت جبهته على ما يصح السجود
عليه فإنه بالرفع عنه والسجود مرة ثانية يلزم زيادة سجدة في الصلاة ويكون موجبا
لبطلانها ، وحينئذ يجب حمل صحيحة معاوية ابن عمار على ما ذكره في المعتبر.
ومن روايات المسألة أيضا رواية الحسين بن حماد الثانية (1) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل
يسجد على الحصى؟ قال يرفع رأسه حتى يستمكن». والظاهر حملها على عدم استقرار الجبهة
وعدم حصول السجود الواجب فلا يضر رفع رأسه والسجود مرة ثانية.
ومنها ـ صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليهالسلام) (2) قال : «سألته
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 8 من السجود.
عن الرجل يسجد على الحصا فلا يمكن
جبهته من الأرض؟ فقال يحرك جبهته حتى يتمكن فينحي الحصا عن جبهته ولا يرفع رأسه». وهي
محمولة على حصول السجود الواجب بمجرد الوضع على الحصا واستقرار الجبهة عليه فلذا
منعه من الرفع ، وانما أمره بالتحريك لأجل تحصيل الفضيلة في وقوع الجبهة كملا على
الأرض.
ومنها ـ رواية ثالثة للحسين بن حماد أيضا عن أبي عبد
الله (عليهالسلام) (1) قال : «قلت له
أضع وجهي للسجود فيقع وجهي على حجر أو على شيء مرتفع أحول وجهي إلى مكان مستو؟
قال نعم جر وجهك على الأرض من غير ان ترفعه». والتقريب فيها كما تقدم في نظيرها.
ومنها ـ ما رواه الشيخ في كتاب الغيبة والطبرسي في
الاحتجاج (2) فرواه في كتاب
الغيبة عن محمد بن احمد بن داود القمي قال : «كتب محمد بن عبد الله بن جعفر
الحميري إلى الناحية المقدسة يسأل عن المصلي يكون في صلاة الليل في ظلمة فإذا سجد
يغلط بالسجادة ويضع جبهته على مسح أو نطع فإذا رفع رأسه وجد السجادة هل يعتد بهذه
السجدة أم لا يعتد بها؟ فوقع (عليهالسلام) : ما لم يستو
جالسا فلا شيء عليه في رفع رأسه لطلب الخمرة».
وظاهره لا يخلو من اشكال لما يعتريه من غشاوة الإجمال
وفيه دلالة على جواز الرفع لتحصيل السجادة ثم السجود عليها مرة أخرى لعدم الاعتداد
بالسجود الأول لكونه وقع على ما لا يصح السجود عليه. إلا ان التقييد بالاستواء
جالسا وعدمه لا اعرف له وجها.
(الرابع) ـ الذكر حال السجود وقد تقدم الكلام في ذلك في
الركوع ، والبحث في هذه المسألة حسبما تقدم ثمة خلافا واستدلالا واختيارا.
(الخامس) ـ الطمأنينة وقد تقدم البحث فيها ثمة أيضا ،
وقال في المدارك : اما وجوب الطمأنينة بقدر الذكر الواجب فهو قول علمائنا اجمع
وتدل عليه مضافا إلى التأسي
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 8 من السجود.
روايتا حريز وزرارة المتقدمتان.
انتهى. وفيه ان التأسي لا يصلح دليلا على الوجوب كما تقدم ذكره في غير مقام وصرح
به جملة الاعلام وان اضطرب كلامه فيه كما عرفته في ما تقدم. واما ما ذكره من
الروايتين المشار إليهما فلم يتقدما في كلامه والظاهر انه من سهو رؤوس اقلامه ،
ونحن قد أسلفنا في فصل الركوع انهم لم يأتوا بدليل على وجوب الطمأنينة زيادة على
الاتفاق على الحكم المذكور ، وقد قدمنا ثمة (1) صحيح زرارة أو حسنه الدال على انه (صلىاللهعليهوآله) رأى رجلا
يصلي فلم يتم ركوعه ولا سجوده فقال : «نقر كنقر الغراب لئن مات هذا وهكذا صلاته
ليموتن على غير ديني». وهو واضح الدلالة على وجوب الطمأنينة في كل من الموضعين ،
ومثله ما رواه البرقي في المحاسن قال وفي رواية عبد الله بن ميمون القداح عن أبي
عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «أبصر
علي بن أبي طالب (عليهالسلام) رجلا ينقر
صلاته فقال منذ كم صليت بهذه الصلاة؟ فقال له الرجل منذ كذا وكذا. فقال مثلك عند
الله كمثل الغراب إذا ما نقر لو متّ متّ على غير ملة أبي القاسم محمد (صلىاللهعليهوآله) ، ثم قال (عليهالسلام) ان أسرق
الناس من سرق من صلاته».
(السادس) ـ رفع الرأس بعد السجدة الاولى والجلوس مطمئنا ،
وهو مذهب العلماء كافة ونقل عليه الإجماع جملة من الاعلام وتدل عليه النصوص قولا
وفعلا ، ولا حد لهذه الطمأنينة بل بما يحصل مسماها.
(المقام الثاني) ـ في مستحبات السجود : منها ـ التكبير
للأخذ فيه والرفع منه على المشهور ، وقد تقدم البحث في ذلك في فصل الركوع والخلاف
الخلاف والدليل الدليل وقد تقدم تحقيق القول في المسألة.
ومنها ـ ان يكبر قائما قبل السجود لقوله (عليهالسلام) في صحيحة
زرارة المتقدمة في صدر الباب (3) «فإذا أردت أن
تسجد فارفع يديك بالتكبير وخر ساجدا».
__________________
(1) ص 242.
(2) الوسائل الباب 9 من أعداد الفرائض.
(3) ص 3.
وفي رواية المعلى بن خنيس (1) «يكبر هاويا». وقد
تقدم تحقيق الكلام في ذلك في المقام الثاني في مستحبات الركوع.
ومنها ـ ان يبدأ بيديه فيضعهما على الأرض قبل ركبتيه ونقل
عليه الإجماع.
وعليه يدل قوله (عليهالسلام) في صحيح
زرارة المذكور (2) «وابدأ بيديك
فيضعهما على الأرض قبل ركبتيك تضعهما معا».
ويدل على ذلك أيضا صحيحة محمد بن مسلم (3) قال : «رأيت
أبا عبد الله (عليهالسلام) يضع يديه قبل
ركبتيه إذا سجد وإذا أراد ان يقوم رفع ركبتيه قبل يديه».
ورواية الحسين بن أبي العلاء (4) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يضع
يديه قبل ركبتيه في الصلاة؟ قال نعم».
وصحيحة محمد بن مسلم (5) قال : «سئل عن الرجل يضع يديه على
الأرض قبل ركبتيه؟ قال نعم يعني في الصلاة».
واما ما رواه الشيخ في الموثق عن أبي بصير عن أبي عبد
الله (عليهالسلام) ـ (6) قال : «لا بأس
إذا صلى الرجل ان يضع ركبتيه على الأرض قبل يديه».
وعن عبد الرحمن بن أبي عبد الله في الصحيح عن أبي عبد
الله (عليهالسلام) (7) قال : «سألته
عن الرجل إذا ركع ثم رفع رأسه أيبدأ فيضع يديه على الأرض أم ركبتيه؟ قال لا يضره بأي
ذلك بدأ هو مقبول منه».
فحملهما الشيخ في التهذيبين على الضرورة ومن لا يتمكن.
والأظهر حملهما على الجواز لأن المقام مقام استحباب فلا ينافيه جواز خلافه.
بقي الكلام في ان ظاهر هذه الأخبار ولا سيما الاولى انه
يضع اليدين دفعة
__________________
(1) ص 265.
(2) ص 3.
(3 و 4 و 5 و 6 و 7) الوسائل الباب 1 من السجود.
واحدة من غير ترتيب بينهما ، وفي
رواية عمار (1) انه يضع
اليمنى قبل اليسرى ، ونقل عن الجعفي. والعمل بالمشهور أظهر لما عرفت من الأخبار
الصحيحة المذكورة.
ومنها ـ ان يكون حال سجوده مجنحا بالجيم ثم النون المشددة
والحاء المهملة أي رافعا مرفقيه عن الأرض جاعلا يديه كالجناحين ، ونقل على استحباب
التجنيح الإجماع.
ويدل على ذلك قوله (عليهالسلام)
في صحيح زرارة المشار اليه آنفا (2) «ولا تفترش
ذراعيك افتراش السبع ذراعيه ولا تضعن ذراعيك على ركبتيك وفخذيك ولكن تجنح بمرفقيك.
الحديث».
وفي حديث حماد (3) «ولم يستعن بشيء
من جسده على شيء منه في ركوع ولا سجود وكان مجنحا ولم يضع ذراعيه على الأرض». أقول
: قوله «وكان مجنحا» يعني في ركوعه وسجوده ، وقوله «ولم يضع ذراعيه على الأرض» عطف
تفسيري على قوله «مجنحا».
وروى في الكافي عن حفص الأعور عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «كان
علي (عليهالسلام) إذا سجد
يتخوى كما يتخوى البعير الضامر يعني بروكه». قال المحدث الكاشاني في الوافي : كذا
في النسخ التي رأيناها من باب التفعل وضبطه أهل اللغة من باب التفعيل ، قال في
النهاية : فيه «انه كان إذا سجد خوى» اي جافى بطنه عن الأرض ورفعه وجافى عضديه عن
جنبيه حتى يخوى ما بين ذلك ، ومنه حديث علي (عليهالسلام) «إذا سجد
الرجل فليخو وإذا سجدت المرأة فلتحتفز». وفي
__________________
(1) أشار إلى هذه الرواية في البحار ج 18 الصلاة ص 184 بعد ان
حكى عن الذكرى رواية السبق باليمنى إجمالا. وقد أشار المتأخرون عن المجلسي إلى
رواية عمار في المقام إلا انى لم أعثر عليها في كتب الأخبار بعد الفحص في مظانها.
(2) ص 3.
(3) الوسائل الباب 1 من أفعال الصلاة.
(4) الوسائل الباب 3 من السجود.
القاموس : خوى في سجوده تخوية تجافى
وفرج ما بين عضديه وجنبيه. انتهى وهو التجنيح الذي دلت عليه الأخبار المذكورة.
وروى في البحار (1) عن جامع البزنطي نقلا من خط بعض
الأفاضل عن الحلبي عن الصادق (عليهالسلام) قال : «إذا
سجدت فلا تبسط ذراعيك كما يبسط السبع ذراعيه ولكن جنح بهما فان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كان يجنح
بهما حتى يرى بياض إبطيه».
ونقل في الذكرى عن ابن الجنيد انه قال : لو لم يجنح
الرجل كان أحب الي. وهو محجوج بالأخبار المذكورة.
ومنها ـ مماسة كفيه الأرض حال سجوده لقوله (عليهالسلام) في الصحيح
المشار اليه (2) : «وان كان
تحتهما ثوب فلا يضرك وان أفضيت بهما إلى الأرض فهو أفضل».
وما رواه الشيخ عن السكوني عن أبي عبد الله عن أبيه عن
آبائه (عليهمالسلام) (3) «ان النبي (صلىاللهعليهوآله) قال ضعوا
اليدين حيث تضعون الوجه فإنهما يسجدان كما يسجد الوجه».
وما رواه في الفقيه عن السكوني عن الصادق عن أبيه (عليهماالسلام) (4) «إذا سجد أحدكم
فليباشر بكفيه الأرض لعل الله تعالى يدفع عنه الغل يوم القيامة».
وروى في التهذيب عن أبي حمزة (5) قال «قال أبو
جعفر (عليهالسلام) لا بأس ان
تسجد وبين كفيك وبين الأرض ثوبك». وهو محمول على الجواز كما تضمنه صحيح زرارة
المتقدم.
__________________
(1) ج 18 الصلاة ص 363.
(2) ص 3.
(3) الوسائل الباب 10 من السجود.
(4) الوسائل الباب 4 من السجود.
(5) الوسائل الباب 5 من ما يسجد عليه.
ومنها ـ ضم الأصابع بعضها إلى بعض مستقبلا بها القبلة
حال وضعها على الأرض لقوله (عليهالسلام) في الصحيح المذكور
(1) «ولا تفرجن بين
أصابعك في سجودك ولكن ضمهن جميعا». وفي صحيح حماد (2) «وبسط كفيه
مضمومتي الأصابع بين يدي ركبتيه حيال وجهه».
وظاهر الخبرين المذكورين شمول الضم للأصابع الخمس بعضها
إلى بعض. ونقل في كتاب الذكرى عن ابن الجنيد تفريق الإبهام عنها ونقله في كتاب
الحبل المتين عن بعض علمائنا ، قال ولم أظفر بمستنده.
واما استقبال القبلة بالأصابع فقد ذكره الشيخان وابن
الجنيد وغيرهم ولم أظفر بمستنده إلا في كتاب الفقه الرضوي (3) حيث قال : «وضم
أصابعك وضعها مستقبل القبلة».
وقد روى أيضا التفريق في وضع الأصابع رواه زيد النرسي في
كتابه عن سماعة ابن مهران (4) «انه رأى أبا
عبد الله (عليهالسلام) إذا سجد بسط
يديه على الأرض بحذاء وجهه وفرج بين أصابع يديه ويقول انهما يسجدان كما يسجد الوجه».
ويمكن حمله على الجواز جمعا أو لعذر أو خصوص الإبهام كما ذهب اليه ابن الجنيد.
ومنها ـ السجود على الأرض لأنه أبلغ في التذلل والخضوع
ولا سيما على التربة الحسينية (على مشرفها أفضل التحية) وقد تقدم تحقيق البحث في
ذلك في آخر المسألة السادسة من كتاب المكان (5) فليراجع.
ومنها ـ الإرغام بأنفه اى إلصاق الأنف بالرغام وهو
التراب ، وادعى الإجماع على استحبابه جملة من الأصحاب ، وظاهر الصدوق في من لا
يحضره الفقيه الوجوب حيث قال : الإرغام سنة في الصلاة فمن تركه متعمدا فلا صلاة
له.
قال في المدارك : ويدل على الاستحباب مضافا إلى الإجماع
صحيحتا زرارة وحماد
__________________
(1) ص 4.
(2) ص 3.
(3) ص 7.
(4) مستدرك الوسائل الباب 20 من السجود.
(5) ج 7 ص 259.
المتقدمتان (1) وموثقة عمار عن
الصادق عن آبائه عن علي (عليهمالسلام) (2) انه قال «لا
تجزئ صلاة لا يصيب الأنف ما يصيب الجبين». وهي محمولة على نفي الاجزاء الكامل.
انتهى.
وفيه ان ما أورده من الأخبار لا دلالة فيه على الاستحباب
بل هو بالدلالة على خلافه أشبه. أما صحيحة زرارة فإن الذي فيها «فاما الفرض فهذه
السبعة واما الإرغام بالأنف فسنة من النبي صلىاللهعليهوآله». واما صحيحة
حماد فإن الذي فيها «وسجد على ثمانية أعظم ، ثم عدها وقال سبع منها فرض يسجد عليها
وهي التي ذكرها الله عزوجل في كتابه قال (وَأَنَّ
الْمَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) (3) ووضع الأنف
على الأرض سنة».
وروى الصدوق في كتاب الخصال في الصحيح أو الحسن بإبراهيم
عن زرارة عن أبي جعفر (عليهالسلام) (4) قال : «السجود
على سبعة أعظم : الجبهة والكفين والركبتين والإبهامين ، وترغم بأنفك. اما المفترض
فهذه السبعة واما الإرغام فسنة».
وأنت خبير مما أسلفنا تحقيقه في غير مما تقدم ان لفظ
السنة وان كان من الألفاظ المشتركة بين ما ثبت وجوبه بالسنة وبين المستحب إلا انه
متى قوبل بالفرض ترجح كونه بالمعنى الأول ، فهو ان لم يكن بمعنى الواجب هنا فلا
أقل من تساوى الاحتمالين الموجب لبطلان الاستدلال به في البين.
واما موثقة عمار التي نقلها فهي ظاهرة الدلالة في خلاف
مدعاه ولهذا احتاج إلى ارتكاب التأويل في الاستدلال بها.
ونحوها أيضا ما رواه في الكافي عن علي بن إبراهيم عن
أبيه عن عبد الله بن
__________________
(1) تقدمتا ص 2 و 3.
(2) الوسائل الباب 4 من السجود. وفي التهذيب ج 1 ص 221 والوافي
باب السجود والوسائل هكذا «عن جعفر عن أبيه «ع» قال قال على «ع».».
(3) سورة الجن ، الآية 18.
(4) الوسائل الباب 4 من السجود.
المغيرة (1) قال : «أخبرني
من سمع أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول لا صلاة
لمن لم يصب انفه ما يصيب جبينه».
وبذلك يظهر قوة ما نقل عن الصدوق إلا انه يمكن الاستدلال
للقول المشهور برواية محمد بن مصادف (2) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول انما
السجود على الجبهة وليس على الأنف سجود». وضعف سنده بهذا الاصطلاح المحدث مجبور
بشهرة العمل به حتى ادعى الإجماع عليه كما عرفت.
وقضية الجمع بين الأخبار حمل السنة في الصحيحتين
الأوليين على معنى المستحب وحمل الخبرين الأخيرين على تأكيد الاستحباب كقوله (عليهالسلام) (3) «لا صلاة لجار
المسجد إلا في المسجد».
فوائد
(الأولى) ـ ظاهر كلام الأصحاب ان المراد بالإرغام
المستحب في هذا المقام هو وضع الأنف على الرغام وهو التراب أو ما يصح السجود عليه
مطلقا ، صرح بذلك الشهيدان ومن تأخر عنهما.
ويظهر من بعض الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان الإرغام
بالأنف غير السجود على الأنف وانهما سنتان ، قال شيخنا البهائي (قدسسره) في تفسير
حديث حماد من كتاب الأربعين الحديث : ما تضمنه الحديث من سجوده (عليهالسلام) على الأنف
الظاهر انه سنة مغايرة للإرغام المستحب في السجود ، فإنه وضع الأنف على الرغام
بفتح الراء وهو التراب ، والسجود على الأنف ـ كما روى عن علي (عليهالسلام) (4) «لا تجزئ صلاة
لا يصيب الأنف ما يصيب الجبين». ـ يتحقق بوضعه على ما يصح السجود عليه وان لم يكن
ترابا. وربما قيل الإرغام يتحقق بملاصقة الأنف الأرض
__________________
(1 و 2 و 4) الوسائل الباب 4 من السجود.
(3) الوسائل الباب 2 من أحكام المساجد.
وان لم يكن معه اعتماد ، ولهذا فسره
بعض علمائنا بمماسة الأنف التراب ، والسجود يكون معه اعتماد في الجملة ، فبينهما
عموم من وجه. وفي كلام شيخنا الشهيد ما يعطى أن الإرغام والسجود على الأنف أمر
واحد مع انه عد في بعض مؤلفاته كلا منهما سنة على حدة. ثم على تفسير الإرغام بوضع
الأنف على التراب هل تتأدى سنة الإرغام بوضعه على مطلق ما يصح السجود عليه وان لم
يكن ترابا؟ حكم بعض الأصحاب بذلك وجعل التراب أفضل. وفيه ما فيه ، فليتأمل. انتهى.
أقول : وجه التأمل على ما ذكره في الحاشية انه قياس مع
الفارق. ثم أقول لا يخفى ان ما ذكره شيخنا المشار اليه ورجحه ـ من المغايرة بين
الإرغام والسجود على الأنف وان بينهما عموما من وجه ـ ليس كذلك فان الظاهر ان هذه
التعبيرات في الأخبار من لفظ الإرغام في بعض ولفظ السجود في بعض انما خرج مخرج
المسامحة في التعبير وإلا فالمراد أمر واحد وهو وضع الأنف على ما يصح السجود عليه
من إرغام وغيره ، وذكر الإرغام انما هو من حيث أفضلية السجود على الأرض بالجبهة
والأنف تابع لها في ذلك ومما يشير إلى ذلك التعبير في موثقة عمار (1) بقوله (عليهالسلام) «لا تجزئ
صلاة لا يصيب الأنف ما يصيب الجبين». ونحوها مرسلة عبد الله بن المغيرة (2) ألا ترى انه
عبر هنا بمجرد الإصابة التي هي أعم من السجود المأخوذ فيه الاعتماد؟ وبمقتضى كلامه
ينبغي ان يكون هذا قسما ثالثا وليس كذلك بل انما هو مبني على التوسع في التعبير.
(الثانية) ـ إطلاق الأخبار المتقدمة يقتضي حصول السنة
بإصابة أي جزء من الأنف ، ونقل عن المرتضى (رضياللهعنه) اعتبار اصابة الطرف
الأعلى الذي يلي الحاجبين ، وهو صريح عبارة ابن إدريس التي قدمنا نقلها في صدر
المقام الأول. وقال ابن الجنيد يماس الأرض بطرف الأنف وخديه إذا أمكن ذلك للرجل
والمرأة.
أقول : وربما يشير إلى قول المرتضى ما في بعض الأخبار
التي لا يحضرني الآن
__________________
(1) الوسائل الباب 4 من السجود.
(2) ص 295 ـ 296.
موضعها عن بعض الأصحاب من انه رأى علي
بن الحسين (عليهماالسلام) وعنده من
يأخذ من لحم عرنينه (1) والعرنين طرف
الأنف الأعلى. والظاهر ان الأخذ منه لكونه بكثرة السجود عليه قد مات لحمه فيكون من
قبيل الثفنات التي كانت في بدنه (عليهالسلام) كالجبهة
والركبتين.
ويمكن تأييد القول المشهور زيادة على إطلاق الأخبار بقوله
(عليهالسلام) في كتاب
الفقه الرضوي (2) «وترغم بأنفك
ومنخريك في موضع الجبهة». والتقريب فيها ان المنخرين عبارة عن ثقبي الأنف والثقبان
ممتدان من رأس الأنف الأسفل إلى أعلاه فالارغام يحصل من أسفل الأنف إلى أعلاه فأي
جزء باشر به الأرض ونحوها حصلت به سنة الإرغام.
(الثالثة) ـ ظاهر الأخبار وكلام الأصحاب ان الإرغام
المستحب والسجود على الأنف يشترط فيه ما يشترط في الجبهة مما يصح السجود فيها عليه
فلا يجزئ السجود به على ما يضع عليه سائر المساجد الباقية ، واحتمل بعض مشايخنا
المحققين من متأخري المتأخرين الاكتفاء بما يضع عليه سائر المساجد والظاهر ضعفه.
ومنها ـ الدعاء حال السجود ولا سيما بالمأثور ، روى
الكليني عن عبد الرحمن ابن سيابة (3) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) أدعو وانا
ساجد؟ قال نعم فادع للدنيا والآخرة فإنه رب الدنيا والآخرة».
وعن عبد الله بن عجلان (4) قال : «شكوت
إلى أبي عبد الله (عليهالسلام) تفرق أموالنا
وما دخل علينا فقال عليك بالدعاء وأنت ساجد فإن أقرب ما يكون العبد إلى الله
__________________
(1) سيأتي ص 300 في حديث الفضل بن عبد الله عن أبيه حكاية ذلك
عن موسى بن جعفر (ع).
(2) ص 9.
(3) الوسائل الباب 17 من السجود.
(4) الوسائل الباب 17 من السجود وفي فروع الكافي ج 1 ص 89 والوسائل
«عبد الله بن هلال».
عزوجل وهو ساجد؟ قال
قلت فأدعو في الفريضة وأسمي حاجتي؟ فقال نعم قد فعل ذلك رسول الله (صلىاللهعليهوآله) فدعا على قوم
بأسمائهم وأسماء آبائهم وفعله علي (عليهالسلام) بعده». ورواه
ابن إدريس في مستطرفات السرائر من كتاب محمد بن علي ابن محبوب (1).
وعن زيد الشحام عن أبي جعفر (عليهالسلام) (2) قال : «ادع في
طلب الرزق في المكتوبة وأنت ساجد : يا خير المسؤولين ويا خير المعطين ارزقني وارزق
عيالي من فضلك فإنك ذو الفضل العظيم».
وعن محمد بن مسلم في الصحيح (3) قال : «صلى
بنا أبو بصير في طريق مكة فقال وهو ساجد وقد كانت ضلت ناقة لجمالهم : اللهم رد على
فلان ناقته. قال محمد فدخلت على أبي عبد الله (عليهالسلام) فأخبرته فقال
وفعل؟ فقلت نعم قال وفعل؟ قلت نعم. قال فسكت. قلت فأعيد الصلاة؟ فقال لا».
وعن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «إذا
سجدت فكبر وقل : اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت وعليك توكلت وأنت ربي سجد وجهي
للذي خلقه وشق سمعه وبصره الحمد لله رب العالمين تبارك الله أحسن الخالقين ، ثم قل
سبحان ربي الأعلى (5) «ثلاث مرات»
فإذا رفعت رأسك فقل بين السجدتين : اللهم اغفر لي وارحمني وأجرني وادفع عني إني
لما أنزلت الي من خير فقير تبارك الله رب العالمين».
وعن أبي عبيدة الحذاء في الصحيح (6) قال : «سمعت
أبا جعفر (عليهالسلام) يقول وهو
ساجد : أسألك بحق حبيبك محمد (صلىاللهعليهوآله) إلا بدلت
سيئاتي حسنات وحاسبتني حسابا يسيرا. ثم قال في الثانية : أسألك بحق حبيبك محمد (صلى
الله
__________________
(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 17 من السجود.
(4 و 6) الوسائل الباب 2 من السجود.
(5) في الكافي ج 1 ص 88 والوسائل «وبحمده».
عليه وآله) إلا كفيتني مؤنة الدنيا
وكل هول دون الجنة. وقال في الثالثة : أسألك بحق حبيبك محمد (صلىاللهعليهوآله) لما غفرت لي
الكثير من الذنوب والقليل وقبلت مني عملي اليسير. ثم قال في الرابعة : أسألك بحق
حبيبك محمد (صلىاللهعليهوآله) لما أدخلتني
الجنة وجعلتني من سكانها ولما نجيتني من سعفات النار برحمتك وصلى الله على محمد وآله».
الى غير ذلك مما هو مذكور في مظانه.
ومنها ـ استحباب زيادة التمكن في السجود لتحصيل أثره الذي
مدح الله تعالى عليه بقوله عزوجل «سِيماهُمْ
فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ» (1).
وروى السكوني عن الصادق (عليهالسلام) (2) قال «قال علي (عليهالسلام) اني لأكره
للرجل أن أرى جبهته جلحاء ليس فيها اثر السجود».
وروى إسحاق بن الفضل عن الصادق (عليهالسلام) (3) «ان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كان يحب ان
يمكن جبهته من الأرض».
وروى الصدوق في كتاب العلل عن جابر عن أبي جعفر (عليهالسلام) (4) قال «ان أبي
علي بن الحسين (عليهماالسلام) كان اثر
السجود في جميع مواضع سجوده فسمى السجاد لذلك».
وروى في الكافي عن محمد بن إسماعيل بن موسى بن جعفر عن
أبيه عن آبائه عن الباقر (عليهمالسلام) (5) قال : «كان
لأبي (عليهالسلام) في موضع
سجوده آثار نابتة وكان يقطعها في السنة مرتين في كل مرة خمس ثقبات فسمى ذا الثقبات
لذلك».
وروى الصدوق في كتاب عيون الأخبار بسنده عن عبد الله بن
الفضل عن أبيه (6) في حديث «انه
دخل على ابي الحسن موسى بن جعفر (عليهماالسلام) قال فإذا
__________________
(1) سورة الفتح الآية 29.
(2 و 4 و 5 و 6) الوسائل الباب 21 من السجود.
(3) الوسائل الباب 17 من ما يسجد عليه.
انا بغلام اسود بيده مقص يأخذ اللحم من جبينه وعرنين
انفه من كثرة سجوده».
ومنها ـ انه يستحب للمرأة ان ترفع شعرها عن جبهتها وان
كانت تصيب ببعضها الأرض لزيادة التمكين :
لما رواه علي بن جعفر في الصحيح عن أخيه (عليهالسلام) (1) قال : «سألته
عن المرأة تطول قصتها فإذا سجدت وقع بعض جبهتها على الأرض وبعض يغطيه الشعر هل
يجوز ذلك؟ قال لا حتى تضع جبهتها على الأرض». هذا مع ما دل على عدم وجوب استيعاب
الجبهة بالسجود بل يكفي المسمى كما تقدم بيانه.
وقال ابن الجنيد : لا يستحب للمرأة ان تطول قصتها حتى
يستر شعرها بعض جبهتها عن الأرض أو ما تسجد عليه.
و (منها) ـ كشف باقي الأعضاء ، قال في المبسوط : ولم نقف
على مستنده. واما الجبهة فلا ريب في وجوب كشفها.
ومنها ـ نظره في حال سجوده إلى طرف انفه ، قال في الذكرى
: قاله جماعة من الأصحاب. وهو يؤذن بعدم وقوفه على مستنده ، وبذلك صرح غيره أيضا.
ومستنده الذي وقفت عليه ما في كتاب الفقه الرضوي (2) حيث قال (عليهالسلام): «ويكون بصرك
في وقت السجود إلى انفك وبين السجدتين في حجرك وكذلك في وقت التشهد».
أقول : والمتأخرون قد نقلوا هذا الحكم وكذلك استحباب
النظر في حال التشهد إلى حجره واعترفوا بعدم وجود المستند وانما عللوا ذلك ـ بعد
كراهة التغميض في الصلاة ـ بأنه أبلغ في الخشوع والإقبال على العبادة. والخبر
المذكور كما ترى صريح في ذلك والظاهر انه مستند الحكم عند المتقدمين سيما الصدوقين
كما عرفت في غير مقام.
ومنها ـ ان يكون نظره في حال جلوسه بين السجدتين إلى
حجره ، لما عرفته
__________________
(1) الوسائل الباب 14 من ما يسجد عليه.
(2) ص 8.
من عبارة كتاب الفقه الرضوي المذكور ،
قال في الذكرى في تعداد مستحبات السجود : ومنها ـ ان يكون نظره في حال جلوسه بين
السجدتين إلى حجره ، قاله المفيد وسلار ، وأطلق ابن البراج ان الجالس ينظر إلى
حجره. انتهى. وهو مؤذن بما ذكرناه آنفا كما لا يخفى.
ومنها ـ مساواة مسجده لموقفه لقول الصادق (عليهالسلام) في ما تقدم (1) : اني أحب ان
أضع وجهي في موضع قدمي. وكره رفع الجبهة عن الموقف.
وقد تقدم انه يجوز الارتفاع والانخفاض بقدر اللبنة وان
كان الأفضل المساواة وقال ابن الجنيد : ولا نختار ان يكون موضع السجود إلا مساويا
لمقام المصلي من غير رفع ولا هبوط فان كان بينهما قدر أربع أصابع مقبوضة جاز ذلك
مع الضرورة لا الاختيار ولو كان علو مكان السجود كانحدار التل ومسيل الماء جاز ما
لم يكن في ذلك تحرف وتدريج وان تجاوز أربع أصابع لضرورة. انتهى.
ومنها ـ وضع اليدين حال السجود حيال المنكبين لقوله (عليهالسلام) في صحيحة
زرارة (2) «ولا تلزق كفيك
بركبتيك ولا تدنهما من وجهك بين ذلك حيال منكبيك». اي اجعلهما بين ذلك حيال
منكبيك.
أو حيال وجهه كما هو ظاهر صحيح حماد (3) حيث قال فيه :
«ثم سجد وبسط كفيه مضمومتي الأصابع بين يدي ركبتيه حيال وجهه وقال سبحان ربي
الأعلى وبحمده. الحديث».
ومنها ـ ان يجلس بعد السجدة الثانية مطمئنا على المشهور
وهي جلسة الاستراحة وقال ابن الجنيد إذا رفع رأسه من السجدة الثانية في الركعة
الاولى والثالثة حتى يماس ألياه الأرض أو اليسرى وحدها يسيرا ثم يقوم جاز ذلك.
وقال على بن بابويه : لا بأس ان لا يقعد في النافلة ، كذا ذكره في الذكرى.
__________________
(1) ص 285.
(2) ص 4.
(3) ص 3.
وذهب المرتضى (رضياللهعنه) الى وجوب الجلوس هنا محتجا
بالإجماع والاحتياط ، واحتج له العلامة في المختلف بما رواه الشيخ عن أبي بصير عن
أبي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «إذا
رفعت رأسك من السجدة الثانية في الركعة الأولى حين تريد ان تقوم فاستو جالسا ثم قم».
قال فان ظاهر الأمر الوجوب.
واعترضه في المدارك بأنه معارض بما رواه الشيخ عن زرارة (2) قال : «رأيت
أبا جعفر وأبا عبد الله (عليهماالسلام) إذا رفعا
رؤوسهما من السجدة الثانية نهضا ولم يجلسا». قال والسندان متقاربان ثم قال : ويدل
على الاستحباب مضافا إلى ما سبق صحيحة عبد الحميد بن عواض (3) «انه رأى أبا
عبد الله (عليهالسلام) إذا رفع رأسه
من السجدة الثانية من الركعة الأولى جلس حتى يطمئن ثم يقوم». انتهى.
أقول : الظاهر ان عمدة أدلتهم على الاستحباب هو رواية
زرارة المذكورة والذي يظهر لي إنما خرجت مخرج التقية (4) :
لما رواه الشيخ في التهذيب عن الأصبغ بن نباتة (5) قال : «كان
أمير المؤمنين (عليهالسلام) إذا رفع رأسه
من السجود قعد حتى يطمئن ثم يقوم فقيل له يا أمير المؤمنين كان من قبلك أبو بكر
وعمر إذا رفعوا رؤوسهم من السجود نهضوا على صدور اقدامهم كما تنهض
__________________
(1 و 2 و 3 و 5) الوسائل الباب 5 من السجود.
(4) في فتح الباري ج 2 ص 304 «قال الشافعي وطائفة من أهل
الحديث بمشروعية جلسة الاستراحة وعن احمد روايتان ، وذكر الخلال أن أحمد رجع إلى
القول بها ولم يستحبها الأكثر» وفي المغني ج 1 ص 529 «اختلفت الرواية عن احمد هل
يجلس للاستراحة؟ فروى عنه لا يجلس وهو اختيار الخرقي وروى ذلك عن عمر وعلى وابن
مسعود وابن عمر وابن عباس وبه قال مالك والثوري وإسحاق وأصحاب الرأي ، وقال أحمد
أكثر الأحاديث على هذا ، وقال الترمذي عليه العمل عند أهل العلم ، وقال أبو الزناد
تلك السنة. والرواية الثانية أنه يجلس اختارها الخلال وهو أحد قولي الشافعي».
الإبل؟ فقال أمير المؤمنين (عليهالسلام) انما يفعل
ذلك أهل الجفاء من الناس ان هذا من توقير الصلاة».
ونحوه ما رواه زيد النرسي في كتابه (1) قال : «سمعت
أبا الحسن (عليهالسلام) يقول إذا
رفعت رأسك من آخر سجدتك في الصلاة قبل ان تقوم فاجلس جلسة ثم بادر بركبتيك إلى
الأرض قبل يديك وابسط يديك بسطا واتك عليهما ثم قم فان ذلك وقار المؤمن الخاشع
لربه ، ولا تطش من سجودك مبادرا إلى القيام كما يطيش هؤلاء الأقشاب في صلاتهم».
ويؤكده ما رواه الصدوق في كتاب الخصال بسند معتبر عن أبي
بصير ومحمد ابن مسلم عن أبي عبد الله عن آبائه (عليهمالسلام) (2) قال : «قال
أمير المؤمنين (عليهالسلام) اجلسوا في
الركعتين حتى تسكن جوارحكم ثم قوموا فان ذلك من فعلنا».
واما ما رواه الشيخ في التهذيب عن رحيم (3) ـ قال : «قلت
لأبي الحسن الرضا (عليهالسلام) جعلت فداك
أراك إذا صليت فرفعت رأسك من السجود في الركعة الاولى والثالثة تستوي جالسا ثم
تقوم فنضع كما تصنع؟ قال لا تنظروا إلى ما أصنع أنا اصنعوا ما تؤمرون». ـ فالظاهر
عندي ان السائل في هذه الرواية من المخالفين فلذا منعه من الاقتداء به وامره بما
هم عليه من المبادرة إلى القيام وعدم الجلوس ، وإلا فلو كان من الشيعة كيف يمنعه
من العمل بما صنع هو (عليهالسلام) والحال انه
السنة المأمور بها ويأمره بخلاف ذلك مما يوهم انه مأمور به مع انه ليس بمأمور به
عندنا وانما ذلك عند مخالفينا؟ وقد نقل القول بذلك في المنتهى عن جمهور المخالفين
ولم ينقل خلافه إلا في رواية عن الشافعي ورواية عن احمد وفي الروايتين الأخيرتين
وفاقا للأكثر القيام من غير جلوس (4) ومتى ثبت خروج الخبر المذكور مخرج
التقية انتفى المعارض لما دلت عليه رواية
__________________
(1 و 2) مستدرك الوسائل الباب 5 من السجود.
(3) الوسائل الباب 5 من السجود.
(4) ص 303 التعليقة (4).
أبي بصير من الأمر بالجلوس وتؤكده
الروايات الباقية.
وبالجملة فإن الأخبار المذكورة بعد حمل خبر زرارة على ما
ذكرناه غير منافية لما ذهب اليه السيد المرتضى (قدسسره) بل قابلة
للانطباق عليه ، فان منها ما دل على حكاية فعلهم (عليهمالسلام) في الجلوس ،
ومنها ما دل على الأمر به ، وغاية ما استدلوا به رواية زرارة وقد عرفت الوجه فيها.
ومن العجب قول السيد السند (قدسسره) : «ويدل على
الاستحباب مضافا إلى ما سبق صحيحة عبد الحميد بن عواض.» وذلك فان فعله (عليهالسلام) لذلك أعم من الوجوب
والاستحباب بل يلزم ـ بما ذكره في غير موضع من الاستدلال بالتأسي على الوجوب ـ دلالة
الرواية المذكورة على الوجوب فأين الدلالة على الاستحباب؟
ومنها ـ التورك في الجلوس بين السجدتين وفي جلسة
الاستراحة وكذا في التشهد كما سيأتي ان شاء الله تعالى ، بان يجلس على وركه الأيسر
ويخرج رجليه جميعا من تحته ويجعل رجله اليسرى على الأرض وظاهر قدمه اليمنى على
باطن قدمه اليسرى ويفضي بمقعدته إلى الأرض ، هكذا فسره الشيخ (قدسسره) ومن تبعه من
المتأخرين. ونقل عن المرتضى في المصباح انه قال : يجلس مماسا بوركه الأيسر مع ظاهر
فخذه اليسرى للأرض رافعا فخذه اليمنى على عرقوبه الأيسر وينصب طرف إبهام رجله
اليمنى على الأرض ويستقبل بركبتيه معا القبلة. وقال ابن الجنيد في الجلوس بين
السجدتين انه يضع ألييه على بطن قدميه ولا يقعد على مقدم رجليه وأصابعهما ولا يقعي
إقعاء الكلب. وقال في تورك التشهد يلزق ألييه جميعا ووركه الأيسر وظاهر فخذه
الأيسر بالأرض ولا يجزئه غير ذلك ولو كان في طين ، ويجعل باطن ساقه الأيمن على
رجله اليسرى وباطن فخذه الأيمن على عرقوبه الأيسر ويلزق طرف إبهام رجله اليمنى مما
يلي طرفها الأيسر بالأرض وباقي أصابعها عاليا عليها ولا يستقبل بركبتيه جميا
القبلة.
أقول : والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بذلك ما
تقدم في صحيحة حماد (1) حيث قال : «ثم
قعد على فخذه الأيسر وقد وضع ظاهر قدمه الأيمن على بطن قدمه الأيسر وقال : «استغفر
الله ربي وأتوب إليه» ثم كبر وهو جالس وسجد السجدة الثانية».
وما تقدم في صحيحة زرارة (2) قال : «وإذا
قعدت في تشهدك فألصق ركبتيك بالأرض وفرج بينهما شيئا وليكن ظاهر قدمك اليسرى على
الأرض وظاهر قدمك اليمنى على باطن قدمك اليسرى والياك على الأرض وطرف إبهامك
اليمنى على الأرض ، وإياك والقعود على قدميك فتتأذى بذلك ولا تكون قاعدا على الأرض
فيكون انما قعد بعضك على بعض فلا تصبر للتشهد والدعاء».
والظاهر هو القول الأول من الأقوال الثلاثة المتقدمة
لظاهر هذين الخبرين ولا سيما الثاني ، قال في الذكرى : ومنها التورك بين السجدتين
بان يجلس على وركه الأيسر ويخرج رجليه جميعا من تحته ويجعل رجله اليسرى على الأرض
وظاهر قدمه اليمنى على باطن قدمه اليسرى ويفضي بمقعدته إلى الأرض كما في خبر جماد.
ولا يستحب عندنا الافتراش وهو ان يثني رجله اليسرى فيبسطها ويجلس عليها وينصب رجله
اليمنى ويخرجها من تحته ويجعل بطون أصابعه على الأرض معتمدا عليها ليكون أطرافها
إلى القبلة ، ويظهر من خبر زرارة عن الباقر (عليهالسلام) (3) كراهته حيث
قال : «وإياك والقعود على قدميك فتتأذى بذلك ولا تكون قاعدا على الأرض انما قعد
بعضك على بعض». انتهى.
ومنها ـ الدعاء بعد الجلوس من السجدة الأولى ، قال في
المنتهى : إذا جلس عقيب السجدة الأولى دعا مستحبا ذهب إليه علماؤنا.
وقد تقدم في صحيحة الحلبي أو حسنته عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (4)
__________________
(1) ص 3.
(2 و 3) ص 4.
(4) ص 299.
«فإذا رفعت رأسك فقل بين السجدتين :
اللهم اغفر لي وارحمني وأجرني. الدعاء إلى آخره».
وقال في كتاب الفقه الرضوي (1) «وقل بين
سجدتيك اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني فإني لما أنزلت الي من خير فقير ، ثم
اسجد الثانية».
وفي صحيح حماد (2) «ثم رفع رأسه
من السجود فلما استوى جالسا قال الله أكبر. وقال استغفر الله ربي وأتوب إليه ، ثم
كبر وهو جالس وسجد السجدة الثانية».
ومنها ـ ان يدعو عند القيام معتمدا على يديه سابقا برفع
ركبتيه ، وهو مما لا خلاف فيه بين الأصحاب (رضوان الله عليهم).
والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذا المقام ما
رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم في حديث قد تقدم قريبا (3) قال : «وإذا
أراد ان يقوم رفع ركبتيه قبل يديه».
وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي
عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «إذا
سجد الرجل ثم أراد ان ينهض فلا يعجن بيديه في الأرض ولكن يبسط كفيه من غير ان يضع
مقعدته على الأرض». قال في الوافي : ولعل المراد بقوله (عليهالسلام) : «من غير ان
يضع مقعدته على الأرض» ترك الإقعاء.
وعن أبي بكر الحضرمي (5) قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) إذا قمت من
الركعة فاعتمد على كفيك وقل : بحول الله وقوته أقوم واقعد ، فإن عليا (عليهالسلام) كان يفعل ذلك».
وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي
عبد الله (عليهالسلام) (6) «إذا قمت من
السجود قلت : اللهم ربي بحولك وقوتك أقوم واقعد ، وان
__________________
(1) ص 8.
(2) ص 3.
(3) ص 291.
(4) الوسائل الباب 19 من السجود.
(5 و 6) الوسائل الباب 13 من السجود.
شئت قلت واركع واسجد».
وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «إذا
قام الرجل من السجود قال بحول الله أقوم واقعد».
وما رواه الحميري في كتاب قرب الاسناد عن عبد الله بن
الحسن عن جده علي ابن جعفر عن أخيه (عليهالسلام) (2) قال : «سألته
عن القيام من التشهد من الركعتين الأوليين كيف يصنع يضع ركبتيه ويديه على الأرض ثم
ينهض أو كيف يصنع؟ قال ما شاء صنع ولا بأس».
وما رواه الطبرسي في الاحتجاج (3) قال : «كتب
الحميري.». ورواه الشيخ في كتاب الغيبة عن جماعة من مشايخه عن محمد بن احمد بن
داود القمي عن محمد بن عبد الله الحميري (4) «انه كتب إلى
القائم (عليهالسلام) يسأله عن
المصلي إذا قام من التشهد الأول إلى الركعة الثالثة هل يجب عليه ان يكبر ، فان بعض
أصحابنا قال لا يجب عليه التكبير ويجزئه ان يقول بحول الله وقوته أقوم واقعد؟ فوقع
(عليهالسلام) ان فيه
حديثين : أما أحدهما فإنه إذا انتقل من حالة إلى حالة اخرى فعليه التكبير. واما
الآخر فإنه روى انه إذا رفع رأسه من السجدة الثانية فكبر ثم جلس ثم قام فليس عليه
في القيام بعد القعود تكبير وكذلك التشهد الأول يجري هذا المجرى. وبأيهما أخذت من
جهة التسليم كان صوابا».
وما رواه في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب محمد بن علي
بن محبوب بسنده عن سعد الجلاب عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (5) قال : «كان
أمير المؤمنين (عليهالسلام) يبرأ من
القدرية في كل ركعة ويقول بحول الله وقوته أقوم واقعد».
وما رواه عنه أيضا من الكتاب المذكور عن عبد الله بن
سنان في الصحيح عن
__________________
(1 و 3 و 4 و 5) الوسائل الباب 13 من السجود.
(2) الوسائل الباب 1 من السجود.
أبي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «إذا
قمت من السجود قلت اللهم بحولك وقوتك أقوم واقعد واركع واسجد».
وما رواه في كتاب دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد (عليهماالسلام) (2) قال : «إذا
أردت القيام من السجود فلا تعجن بيديك يعني تعتمد عليهما وهي مقبوضة ولكن ابسطهما
بسطا واعتمد عليهما وانهض قائما».
وعن علي (عليهالسلام) (3) «انه كان يقول
إذا نهض من السجود إلى القيام اللهم بحولك وقوتك أقوم واقعد».
وما رواه في كتاب زيد النرسي عن أبي الحسن موسى (عليهالسلام) (4) «انه كان إذا
رفع رأسه في صلاته من السجدة الأخيرة جلس جلسة ثم نهض للقيام وبادر بركبتيه من
الأرض قبل يديه وإذا سجد بادر بهما الأرض قبل ركبتيه».
أقول : قد اشتملت هذه الأخبار على جملة من الأحكام : (الأول)
الابتداء في الجلوس بوضع اليدين قبل الركبتين ، وقد مر انه إجماعي وتقدم ما يدل
عليه من الأخبار.
(الثاني) ـ استحباب الابتداء عند القيام برفع الركبتين
قبل اليدين وهو أيضا إجماعي.
(الثالث) ـ كراهة العجن باليدين عند القيام بان يقبضهما
ويقوم عليهما مقبوضتي الأصابع بل ينبغي ان يبسطهما ويقوم عليهما كما تضمنه صحيح
الحلبي وخبر كتاب دعائم الإسلام.
(الرابع) ـ رجحان الإتيان بجلسة الاستراحة وقد تقدم
تحقيق القول فيها.
__________________
(1) الوسائل الباب 13 من السجود.
(2) مستدرك الوسائل الباب 16 من السجود.
(3) مستدرك الوسائل الباب 11 من السجود.
(4) مستدرك الوسائل الباب 1 من السجود.
(الخامس) ـ استحباب الدعاء عند القيام ، قال في الذكرى
في تعداد مستحبات السجود : ومنها ـ الدعاء في جلسة الاستراحة بقوله «بحول الله
تعالى وقوته أقوم واقعد واركع واسجد» قال في المعتبر : والذي ذكره علي بن بابويه
وولده والجعفي وابن الجنيد والمفيد وسلار وأبو الصلاح وابن حمزة ـ وهو ظاهر الشيخ (قدسسره) ـ ان هذا
القول يقوله عند الأخذ في القيام وهو الأصح ، ثم استدل بجملة من الروايات
المتقدمة. وهو جيد
(السادس) ـ التخيير بين الأدعية المذكورة في الأخبار في
كل من القيام عن التشهد وعن جلسة الاستراحة.
(السابع) ـ ما دل عليه خبر التوقيع المذكور من التكبير
عند القيام من التشهد الأول ، والمشهور بين الأصحاب عدم مشروعيته ، ونقل عن الشيخ
المفيد (قدسسره) استحباب
التكبير هنا وعدم استحبابه في القنوت. واعترض عليه الشيخ في التهذيب والشهيد في
الذكرى بأنه يكون حينئذ عدد التكبير في الصلاة أربعا وتسعين مع ورود الرواية بأن
عددها خمس وتسعون ، قال الشهيد (قدسسره) مع انه روى
بعدة طرق : منها ـ رواية محمد بن مسلم عن الصادق (عليهالسلام) (1) في القيام من
التشهد يقول «بحول الله وقوته أقوم واقعد» وفي بعضها «بحولك وقوتك» وفي بعض «واركع
واسجد». ولم يذكر في شيء منها التكبير فالأقرب سقوطه للقيام وثبوته للقنوت وبه
كان يفتي المفيد (قدسسره) وفي آخر عمره
رجع عنه ، قال الشيخ ولست اعرف بقوله هذا حديثا أصلا. انتهى.
وقال السيد السند في المدارك ـ بعد ان أورد صحيحتي عبد
الله بن سنان ومحمد بن مسلم المتقدمتين ـ ما لفظه : ويستفاد من هذه الرواية وغيرها
عدم مشروعية التكبير عند القيام من التشهد وهو اختيار الشيخ وأكثر الأصحاب ، وقال
المفيد (قدسسره) انه يقوم
بالتكبير ، وهو ضعيف (أما أولا) فلما أوردناه من النقل و (اما ثانيا) فلأن تكبيرات
__________________
(1) الوسائل الباب 13 من السجود.
الصلاة منحصرة في خمس وتسعين : خمس
للافتتاح وخمس للقنوت والبواقي للركوع والسجود فلو قام إلى الثالثة بالتكبير لزاد
أربعا ، ويدل على هذا العدد روايات : منها ـ ما رواه الشيخ في الحسن عن معاوية بن
عمار عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «التكبير
في صلاة الفرض في الخمس صلوات خمس وتسعون تكبيرة : منها ـ تكبيرة القنوت خمس». انتهى
أقول : لقائل أن يقول ان غاية ما يستفاد من هذه الروايات
التي ذكروها هو عدم الدلالة على المشروعية لا الدلالة على العدم فإنها مطلقة ولا
دلالة فيها على نفيه ولا المنع منه ، والمستلزم لعدم المشروعية انما هو الثاني لا
الأول. واما الاستناد إلى حصر التكبيرات في خمس وتسعين تكبيرة كما ذكروه ففيه انه
انما يتم لو كان الحصر المذكور حقيقيا والظاهر انه ليس كذلك ، لان الست الافتتاحية
المضافة إلى تكبيرة الإحرام مما لا خلاف في استحبابها نصا وفتوى مع انها غير
مذكورة ، وكذا استحباب الافتتاح بإحدى وعشرين تكبيرة كما رواه زرارة في الصحيح عن
الباقر (عليهالسلام) (2) من ان من
استفتح بها أول صلاته أجزأه عن كل تكبير في الصلاة إذا نسيه. وينبغي القول بما دلت
عليه وان لم ينص عليه أحد في ما أعلم لصحة مستنده وصراحته ، وحينئذ فمتى كان الحصر
إضافيا فلا دلالة في الأخبار المذكورة فتحمل على التكبيرات المؤكدة والوظائف
اللازمة. نعم لو احتجوا على هذه الدعوى بان العبادات توقيفية والقول بشيء منها من
غير دليل إدخال في الدين ما ليس منه فيكون تشريعا محرما لكان له وجه وجيه. إلا انه
يجاب حينئذ عن ذلك بخبر التوقيع المذكور. ويمكن ان يكون الشيخ المفيد (عطر الله
مرقده) انما استند اليه ، ومن المقطوع ان مثله (قدسسره) لا يعدل عما
كان عليه إلا لوضوح الدليل لديه ، وعدم اطلاع الشيخ كما ذكره لا يدل على العدم ،
وظاهر خبر التوقيع المذكور ان الخلاف في المسألة يومئذ كان موجودا ونسبة السائل
__________________
(1) الوسائل الباب 5 من تكبيرة الإحرام.
(2) الوسائل الباب 6 من تكبيرة الإحرام.
المحالفة إلى بعض الأصحاب يؤذن بأن
الأكثر كان يومئذ على القول بالاستحباب كما لا يخفى.
(الثامن) ـ ما يدل عليه الخبر المذكور من التخيير في
مقام اختلاف الأخبار كما نص عليه جملة من أصحابنا (رضوان الله عليهم) وجعلوه وجه
جمع بين الأخبار. وهو جيد لهذا الخبر ونحوه في بعض الأخبار أيضا.
(التاسع) ـ قوله (عليهالسلام) في التوقيع
المذكور «واما الآخر فإنه روى أنه إذا رفع رأسه من السجدة الثانية فكبر ثم جلس.
إلخ» فإنه ربما يشعر بظاهره بان تكبير الرفع من السجدة الثانية قبل ان يستوي جالسا
وهو خلاف المفهوم من كلام الأصحاب ، ونحوه في ذلك قوله في خبر حماد (1) «ثم رفع رأسه
من السجود فلما استوى جالسا قال الله أكبر ثم قعد على جانبه الأيسر وقد وضع ظاهر
قدمه اليمنى على باطن قدمه اليسرى». قال شيخنا المجلسي (قدسسره) في البحار في
شرح حديث حماد : هذا يوهم ان التورك بعد التكبير ولم يقل به أحد وليس في رواية
أخرى مثله.
أقول : في هذه الرواية كما ترى مثله ، وقد مر له نظير في
تكبير الأخذ في السجدة الأولى فإن أكثر الأخبار ـ وهو الذي صرح به الأكثر ـ انه
حال القيام وقيل يهوى بالتكبير وعليه دل بعض الأخبار المتقدمة.
ثم ان شيخنا المشار اليه احتمل ان «ثم» هنا ليست للتراخي
الزماني بل للتراخي الرتبي والترتيب المعنوي.
(المقام الثالث) ـ في الأحكام وفيه مسائل (الأولى) قد
عرفت في ما تقدم استحباب التورك في جلوس الصلاة وبيان كيفيته ، وقد صرح الأصحاب
بكراهة الإقعاء في جلوس الصلاة إلا انه قد وقع الخلاف في حكمه وكيفيته فلا بد من
الكلام في الموضعين
فاما في حكمه فالمشهور بين الأصحاب هو القول فيه
بالكراهة بل ادعى الشيخ في الخلاف
__________________
(1) ص 3.
عليه الإجماع ، ونقل القول بالكراهة
المحقق في المعتبر عن معاوية بن عمار ومحمد بن مسلم من القدماء.
ونقل عن الشيخ في المبسوط والمرتضى (رضياللهعنهما) انهما
ذهبا إلى عدم الكراهة ، قال في المبسوط حيث ذكر الجلوس بين السجدتين وبعد الثانية
: الأفضل ان يجلس متوركا وان جلس بين السجدتين أو بعد الثانية مقعيا كان أيضا
جائزا إلا انه في موضع آخر ـ حيث عد التروك المسنونة ـ قال : ولا يقعي بين
السجدتين. وقال في النهاية : لا بأس ان يقعد متربعا أو يقعي بين السجدتين ولا يجوز
ذلك في حال التشهد. وفي الخلاف الإقعاء مكروه.
وقال الصدوق : لا بأس بالإقعاء فيما بين السجدتين ولا
بأس به بين الاولى والثانية وبين الثالثة والرابعة ولا يجوز الإقعاء في موضع
التشهدين لأن المقعي ليس بجالس انما يكون بعضه قد جلس على بعض فلا يصبر للدعاء
والتشهد ، وقال ابن إدريس : لا بأس بالإقعاء بين السجدتين من الاولى والثانية
والثالثة والرابعة ، وتركه أفضل ، ويكره أشد من تلك الكراهة في حال الجلوس
للتشهدين. وقد يوجد في بعض كتب أصحابنا : ولا يجوز الإقعاء في حال التشهدين. وذلك
يدل على تغليظ الكراهة لا الحظر لأن الشيء إذا كان شديد الكراهة قيل «لا يجوز»
ويعرف ذلك بالقرائن.
وإلى هذا يميل كلام العلامة (قدسسره) في المختلف
حيث قال : والأقرب عندي كراهة الإقعاء مطلقا وان كان في التشهد آكد. وظاهر هذا
الكلام هو ثبوت الكراهة في كل جلوس وهو ظاهر الشهيدين أيضا وبه صرح العلامة في
النهاية على ما نقل عنه. وأكثر الأخبار الآتية ان شاء الله تعالى المشتملة على
النهي مختصة بالجلوس بين السجدتين والأخبار انما تقابلت نفيا وإثباتا في هذا
الموضع كما ستمر بك ان شاء الله تعالى واما الكلام في كيفيته فقد وقع الخلاف في
ذلك بين الفقهاء وأهل اللغة ، قال في الصحاح : أقعى الكلب إذا جلس على استه مفترشا
رجليه وناصبا يديه ، وقد جاء
النهي عن الإقعاء في الصلاة وهو ان
يضع ألييه على عقبيه بين السجدتين ، وهذا تفسير الفقهاء ، واما أهل اللغة فالإقعاء
عندهم ان يلصق الرجل ألييه بالأرض وينصب ساقيه ويتساند إلى ظهره. وقال ابن الأثير
في النهاية : فيه «انه نهى عن الإقعاء في الصلاة» الإقعاء أن يلصق الرجل ألييه
بالأرض وينصب ساقيه وفخذيه ويضع يديه على الأرض كما يقعي الكلب. وقيل هو ان يضع
ألييه على عقبيه بين السجدتين ، والقول الأول ومنه الحديث «انه (صلىاللهعليهوآله) أكل مقعيا». أراد
انه كان يجلس عند الأكل على وركيه مستوفزا غير متمكن.
وقال في القاموس : أقعى في جلوسه تساند إلى ما وراءه
والكلب جلس على استه.
وقال المطرزي في المغرب : الإقعاء أن يلصق ألييه بالأرض
وينصب ساقيه ويضع يديه على الأرض كما يقعي الكلب. وتفسير الفقهاء ان يضع ألييه على
عقبيه بين السجدتين وقال في كتاب المصباح المنير : أقعى إقعاء ألصق ألييه بالأرض
ونصب ساقيه ووضع يديه على الأرض كما يقعي الكلب. وقال الجوهري الإقعاء عند أهل
اللغة ، وأورد نحو ما تقدم وجعل مكان «وضع يديه» «ويتساند إلى ظهره» وقال ابن
القطاع : أقعى الكلب جلس على ألييه ونصب فخذيه وأقعى الرجل جلس تلك الجلسة. انتهى.
فهذه جملة من كلام أهل اللغة متفقة على تفسيره بإقعاء
الكلب على النحو المذكور في كلامهم.
واما الفقهاء فقال المحقق (عطر الله مرقده) في المعتبر :
ويستحب الجلوس بين السجدتين متوركا ، وقال في المبسوط : الأفضل ان يجلس متوركا ولو
جلس مقعيا بين السجدتين وبعد الثانية جاز. وقال الشافعي وأبو حنيفة واحمد يجلس
مفترشا لرواية أبي حميد الساعدي (1) وكيفية التورك ان يجلس على وركه
الأيسر ويخرج رجليه جميعا ويفضي بمقعدته إلى الأرض ويجعل رجله اليسرى على الأرض
وظاهر قدمه اليمنى على باطن
__________________
(1) الأم للشافعي ج 1 ص 100.
قدمه اليسرى ، وكيفية الافتراش ان
يجلس على رجله اليسرى ويخرج رجله اليمنى من تحته وينصبها ويجعل بطون أصابعها على
الأرض معتمدا عليها إلى القبلة. وقال علم الهدى (قدسسره) : يجلس مماسا
بوركه الأيسر مع ظاهر فخذه اليسرى الأرض رافعا فخذه اليمنى على عرقوبه الأيسر
وينصب طرف إبهام رجله اليمنى على الأرض ويستقبل بركبتيه معا القبلة. وما ذكره
الشيخ اولى. ثم قال (قدسسره) : يكره
الإقعاء بين السجدتين قاله في الجمل وبه قال معاوية بن عمار منا ومحمد بن مسلم
والشافعي وأبو حنيفة واحمد (1) وقال الشيخ
بالجواز وان كان التورك أفضل وبه قال علم الهدى. لنا ـ ما رووه عن علي (عليهالسلام) (2) قال : «قال
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) لا تقع بين
السجدتين». وعن انس (3) قال : «قال
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) إذا رفعت
رأسك من السجود فلا تقع كما يقعي الكلب». ومن طريق الأصحاب ما رواه أبو بصير عن
ابي عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «لا تقع
بين السجدتين إقعاء». والدليل على ان النهي ليس للتحريم ما رواه عبيد الله بن علي
الحلبي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (5) قال : «لا بأس
بالإقعاء في الصلاة في ما بين السجدتين». والإقعاء أن يعتمد بصدور قدميه على الأرض
ويجلس على عقبيه. وقال بعض أهل اللغة هو ان يجلس على ألييه ناصبا فخذيه مثل إقعاء
الكلب. والمعتمد الأول لأنه تفسير الفقهاء وبحثهم على تقديره. وعلى هذا الكلام من
أوله إلى آخره جرى العلامة في المنتهى وقريب منه الشهيد في الذكرى.
وبالجملة فكلام الفقهاء متفق على تفسير الإقعاء بما
اختاره المحقق وبين انه المعمول
__________________
(1) في المغني ج 1 ص 524 «يكره الإقعاء وهو ان يفترش قدميه
ويجلس على عقبيه قال به علي (ع) وأبو هريرة وقتادة ومالك والشافعي وأصحاب الرأي
وعليه العمل عند أكثر أهل العلم».
(2 و 3) المغني ج 1 ص 524 عن ابن ماجة.
(4 و 5) الوسائل الباب 6 من السجود.
عليه بين الفقهاء وان بحثهم على
تقديره. بقي الكلام في اخبار المسألة ، والواجب نقلها ثم الكلام في المقام بما سنح
بتوفيق الملك العلام وبركة أهل الذكر عليهم الصلاة والسلام :
فمن أخبار المسألة ما تقدم في كلام المحقق من روايتي أبي
بصير والحلبي ، وما رواه في التهذيب في الصحيح عن معاوية بن عمار ومحمد بن مسلم
والحلبي (1) قالوا : «لا
تقع في الصلاة بين السجدتين كإقعاء الكلب».
وما رواه في كتاب معاني الأخبار عن عمرو بن جميع (2) قال : «قال
أبو عبد الله (عليهالسلام) لا بأس
بالإقعاء في الصلاة بين السجدتين وبين الركعة الاولى والثانية وبين الركعة الثالثة
والرابعة ، وإذا أجلسك الإمام في موضع يجب ان تقوم فيه فتجاف ولا يجوز الإقعاء في
موضع التشهدين إلا من علة لأن المقعي ليس بجالس انما جلس بعضه على بعض. والإقعاء
أن يضع الرجل ألييه على عقبيه في تشهديه. فأما الأكل مقعيا فلا بأس به فان رسول
الله (صلىاللهعليهوآله) قد أكل مقعيا».
وما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب
حريز عن زرارة (3) قال : «قال
أبو جعفر (عليهالسلام) لا بأس
بالإقعاء في ما بين السجدتين ولا ينبغي الإقعاء في موضع التشهد انما التشهد في
الجلوس وليس المقعي بجالس».
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الإقعاء بالمعنى الذي عليه
الفقهاء قد صرحت به رواية عمرو بن جميع إلا انها دلت على المنع منه في التشهدين
ونفى البأس عما عداهما ، والإقعاء بالمعنى الذي صرح به أهل اللغة قد أشارت إليه
صحيحة المشايخ الثلاثة معاوية بن عمار ومحمد بن مسلم والحلبي ودلت على النهي عنه
بين السجدتين ، وحينئذ فيكون كل من المعنيين قد ورد في الأخبار لكن على الوجه الذي
عرفت ، وعلى هذا فيمكن الجمع بين الروايات بحمل روايات النهي على الإقعاء المنقول
عن أهل اللغة ـ وهو الجلوس على
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 6 من السجود.
(3) الوسائل الباب 1 من التشهد.
الأليين ناصبا فخذيه واضعا يديه على
الأرض مثل إقعاء الكلب ، ورواية أبي بصير الدالة على النهى عنه بين السجدتين وان
كانت مطلقة إلا ان رواية للمشايخ الثلاثة المصرحة بالنهي في الصورة المذكورة قد
صرحت بأنه بهذا المعنى فتحمل رواية أبي بصير عليها في ذلك ـ وروايات الجواز على
الإقعاء بالمعنى الذي عند الفقهاء كما صرحت به رواية عمرو بن جميع ، ورواية عبيد
الله بن علي الحلبي المتقدمة الدالة على نفى البأس عنه بين السجدتين وان كانت
مطلقة في معنى الإقعاء إلا انه يجب حملها على رواية عمرو بن جميع التي اشتركت معها
في نفي البأس عنه في الصورة المذكورة حيث صرحت بتفسيره. وفي هذا وقوف على ظاهر
الروايات من كل من الطرفين وتقييد مجملها بمفصلها وحمل مطلقها على مقيدها.
هذا بالنسبة إلى الجلوس بين السجدتين الذي هو مورد
اختلاف الأخبار فإنها إنما تقابلت فيه خاصة.
واما التشهد فظاهر روايتي معاني الأخبار والسرائر هو
المنع من الإقعاء ، وليس لهاتين الروايتين بالنسبة إلى التشهد معارض في الأخبار بل
فيها ما يؤيدهما مثل قوله (عليهالسلام) في صحيحة
زرارة الدالة على النهى عن القعود على قدميه وانه يتأذى بذلك ولا يكون قاعدا على
الأرض وانما قعد بعضه على بعض فلا يصبر للتشهد والدعاء (1) وما توهمه
صاحب المدارك ـ من تعدية الحكم فيها إلى الجلوس بين السجدتين ، قال فإن العلة التي
ذكرها في التشهد تحصل في غيره فيتعدى الحكم اليه ـ ممنوع بان الذكر والدعاء في
التشهد أكثر منهما بين السجدتين كما لا يخفى فلا يثبت تعدي الحكم ، ورواية السرائر
وان أجمل فيها الإقعاء إلا انه مفسر في رواية عمرو بن جميع فيحمل إجمالها على
تفسير هذه.
نعم يبقى الكلام في انه قد تقدم ان ظاهر الأخبار وكلام
الأصحاب هو استحباب التورك في جلوس الصلاة مطلقا. والوجه في الجواب عن ذلك ما ذكره
الشيخ من حمل اخبار الجواز على الرخصة والجواز وان كان خلاف الأفضل.
__________________
(1) ص 4.
ثم انه من المحتمل قريبا أيضا ـ ولعله الاولى والأرجح في
المقام ـ حمل روايات نفى البأس عن الإقعاء بمعنى الجلوس على العقبين كما ذكرنا على
التقية ، حيث ان مذهب جماعة من العامة استحبابه ونقلوا عن ابن عباس أنه السنة ،
وعن طاوس قال : رأيت العبادلة يفعلون ذلك : عبد الله بن عمر وابن عباس وابن الزبير
(1).
وقال بعض شراح صحيح مسلم في باب الإقعاء (2) بعد نقل حديث
ابن عباس انه سنة : اعلم ان الإقعاء ورد فيه حديثان ففي هذا الحديث انه سنة وفي
حديث آخر النهي عنه ، رواه الترمذي وغيره من رواية علي (عليهالسلام) ، وابن ماجة
من رواية انس ، واحمد بن حنبل من رواية سمرة وأبي هريرة ، والبيهقي من رواية سمرة
وانس وأسانيدها كلها ضعيفة. وقد اختلف العلماء في حكم الإقعاء وفي تفسيره اختلافا
كثيرا لهذه الأحاديث ، والصواب الذي لا معدل عنه ان الإقعاء نوعان : (أحدهما) ان
يلصق ألييه بالأرض وينصب ساقيه ويضع يديه على الأرض كإقعاء الكلب ، هكذا فسره أبو
عبيدة معمر بن المثنى وصاحبه أبو عبيد القاسم بن سلام وآخرون من أهل اللغة ، وهذا
النوع هو المكروه الذي ورد فيه النهي. و (النوع الثاني) ان يجعل ألييه على عقبيه
بين السجدتين ، وهذا هو مراد ابن عباس انه سنة ، وقد نص الشافعي على استحبابه في
الجلوس بين السجدتين : وحمل حديث ابن عباس عليه جماعات من المحققين : منهم ـ البيهقي
والقاضي عياض وآخرون ، قال القاضي وقد ورد عن جماعة من الصحابة والسلف انهم كانوا
يفعلونه ، قال وكذا جاء مفسرا عن ابن عباس من السنة ان تمس عقبيك ألييك ، فهذا هو
الصواب في تفسير حديث ابن عباس ، وقد ذكرنا ان الشافعي نص على استحبابه في الجلوس
بين السجدتين. انتهى. ومما ذكرناه يظهر قرب حمل اخبار الجواز على التقية.
__________________
(1) المغني ج 1 ص 524.
(2) شرح صحيح مسلم للنووي ج 5 ص 19.
وقد عرفت مما قدمناه ان المراد بالإقعاء في اخبار الجواز
هو الإقعاء الذي جعلوه هنا سنة وهو الجلوس على العقبين معتمدا على صدور الرجلين ،
هذا بالنسبة إلى ما بين السجدتين وإلا فقد عرفت ان الإقعاء في التشهد مما لا معارض
للقول بالمنع منه.
ولا يخفى ان ما ذكره الأصحاب ـ من جواز الإقعاء على
كراهة في جلوس الصلاة مطلقا مع تفسيرهم الإقعاء بالجلوس على العقبين معتمدا على
صدور قدميه ـ ظاهر في صحة الصلاة بجلوسه على هذه الكيفية ، وهو مشكل فان صدق
الجلوس شرعا أو عرفا على هذه الكيفية لا يخلو من بعد سيما مع تصريح الخبر بأن
المقعي ليس بجالس. والظاهر ان ما ذكره في الفقيه وصرحت به رواية عمرو بن جميع من
عدم الجواز مراد به ظاهره لا المبالغة في الكراهة كما صرح به ابن إدريس ، لما عرفت
من ان الجالس على عقبيه مع اعتماده على صدور رجليه لا يصدق عليه انه جالس كما صرحت
به الرواية وحينئذ فيجب حمل لفظ «لا ينبغي» في رواية السرائر على معنى التحريم وهو
أكثر كثير في الأخبار كما تقدم ذكره في غير مقام.
وبالجملة فالذي يتلخص مما فهمنا من اخبار المسألة هو
كراهة الإقعاء بمعنى الجلوس على الأليين كإقعاء الكلب بحمل روايات النهي على هذه
الصورة كما عرفت واما روايات الجواز فهي محمولة على الإقعاء بالمعنى الثاني ولكن
رواياته انما خرجت مخرج التقية وموردها بين السجدتين الذي قد عرفت من كلامهم انه
سنة ، والظاهر هو عدم جوازه لعدم صدق الجلوس معه إلا في حال التقية وان كان ذلك
خلاف ما عليه الأصحاب كما عرفت. والله العالم.
(المسألة الثانية) ـ المشهور بين الأصحاب ان من كان في
موضع سجوده دمل أو جراحة أو دم يمنع من السجود عليه فان أمكنه أن يحفر حفيرة أو
يعمل شيئا مجوفا من طين أو خشب أو نحوهما ليقع السليم من الجبهة على ما يصح السجود
عليه وجب وان تعذر لاستغراق الجبهة بالمرض أو غير ذلك سجد على أحد الجبينين فان
تعذر فعلى ذقنه.
وقال الشيخ في المبسوط ان كان هناك
دمل أو جراحة ولم يتمكن من السجود عليه سجد على أحد جانبيه فان لم يتمكن سجد على
ذقنه وان جعل لموضع الدمل حفيرة يجعلها فيه كان جائزا. وفيه تصريح بعدم وجوب
الحفيرة أولا ونحوه في النهاية. وقال ابن حمزة يسجد على أحد جانبيها فان لم يتمكن
فالحفيرة فان لم يتمكن فعلى ذقنه فقدم السجود على أحد الجانبين على الحفيرة. وقال
الشيخ علي بن بابويه يحفر حفيرة للدمل وان كان بجبهته علة تمنعه من السجود سجد على
قرنه الأيمن من جبهته فان عجز فعلى قرنه الأيسر من جبهته فان عجز فعلى ظهر كفه فان
عجز فعلى ذقنه. ونحوه كلام ابنه الصدوق (قدسسره).
واما الأخبار التي وقفت عليها في هذه المسألة فمنها ـ ما
رواه الشيخ في الموثق عن إسحاق بن عمار عن بعض أصحابه عن مصادف (1) قال «خرج بي
دمل فكنت اسجد على جانب فرأى أبو عبد الله (عليهالسلام) أثره فقال ما
هذا؟ فقلت لا أستطيع ان اسجد من أجل الدمل فإنما اسجد منحرفا. فقال لي لا تفعل ذلك
ولكن احفر حفيرة واجعل الدمل في الحفيرة حتى تقع جبهتك على الأرض».
وما رواه في الكافي عن علي بن محمد بإسناده (2) قال : «سئل
أبو عبد الله (عليهالسلام) عن من بجبهته
علة لا يقدر على السجود عليها قال يضع ذقنه على الأرض ان الله تبارك وتعالى يقول (يَخِرُّونَ
لِلْأَذْقانِ سُجَّداً)» (3).
وما رواه الثقة الجليل علي بن إبراهيم في كتابه في
الموثق عن أبيه عن الصباح عن إسحاق بن عمار (4) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليهالسلام) رجل بين
عينيه قرحة لا يستطيع ان يسجد عليها؟ قال يسجد ما بين طرف شعره فان لم يقدر سجد
على حاجبه الأيمن فان لم يقدر فعلى حاجبه الأيسر فان لم يقدر فعلى ذقنه. قلت على
ذقنه؟
__________________
(1 و 2 و 4) الوسائل الباب 12 من السجود.
(3) سورة بني إسرائيل ، الآية 108 وهي فيما وقفنا عليه من
النسخ تبعا للكافي والوافي والوسائل هكذا «ويخرون.» والصحيح «يخرون.» والواو من
زيادة النساخ.
قال : نعم اما تقرأ كتاب الله عزوجل (يَخِرُّونَ
لِلْأَذْقانِ سُجَّداً)» (1).
وقال (عليهالسلام) في كتاب
الفقه الرضوي (2) «فإن كان في
جبهتك علة لا تقدر على السجود أو دمل فاحفر حفيرة فإذا سجدت جعلت الدمل فيها ، وان
كان على جبهتك علة لا تقدر على السجود من أجلها فاسجد على قرنك الأيمن فان لم تقدر
عليه فعلى قرنك الأيسر فان لم تقدر عليه فاسجد على ظهر كفك فان لم تقدر عليه فاسجد
على ذقنك لقول الله تبارك وتعالى (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى
عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً). إلى قوله (وَيَزِيدُهُمْ
خُشُوعاً)» (3).
هذا ما وقفت عليه من اخبار المسألة ووصل الي منها ،
والمذكور في كتب الأصحاب منها رواية مصادف المشتملة على الحفيرة خاصة ومرسلة
الكليني عن علي بن محمد المشتملة على الوضع على الذقن من أول الأمر خاصة ، ولذا
احتاج في المعتبر وتبعه في المدارك ـ في تتميم الاستدلال على القول المشهور من
الانتقال إلى الجبينين بعد تعذر الحفيرة ـ إلى تعليل عقلي فقال في المعتبر بان
الجبينين مع الجبهة كالعضو الواحد فيقوم أحدهما مقامها للعذر ، وان السجود على أحد
الجبينين أشبه بالسجود على الجبهة من الإيماء وان الإيماء سجود مع تعذر الجبهة
فالجبين اولى. ونقله في المدارك عنه أيضا وجمد عليه حيث لم يقف على دليل سواه
يستند اليه.
وأنت خبير بما في الاستناد إلى هذه التعليلات العقلية من
عدم الصلاحية لتأسيس الأحكام الشرعية كما نبهت عليه في غير مقام مما تقدم.
والأظهر الاستدلال على ذلك بما في موثقة علي بن إبراهيم
بحمل الحاجب الأيمن والأيسر على الجبينين مجازا ، وأظهر منها عبارة كتاب الفقه
الرضوي التي منها أخذ كلام الصدوقين كما عرفت ، فان المراد بالقرن الأيمن والأيسر
هما الجبينان بلا إشكال ، إلا انها اشتملت على الترتيب بينهما فالواجب القول به.
__________________
(1) سورة بني إسرائيل ، الآية 108.
(2) ص 9.
(3) سورة بني إسرائيل ، الآية 108 و 109.
واما السجود على الذقن فاستدل عليه في المدارك تبعا
لصاحب المعتبر وغيره بمرسلة الكليني ، قال في المدارك بعد نقلها والاستدلال بها :
وهذه الرواية وان ضعف سندها إلا ان مضمونها مجمع عليه بين الأصحاب.
وفيه انه كيف يكون مضمونها مجمعا عليه بين الأصحاب وهي
قد دلت على الانتقال من أول الأمر إلى السجود على الذقن والأصحاب قائلون بالحفيرة
أولا ثم مع تعذرها فالجبينان ثم مع تعذرهما فالذقن ، فالسجود على الذقن انما هو
مرتبة ثالثة والرواية دالة على انه من أول الأمر. ولكن ضيق الخناق في هذا الاصطلاح
الذي هو إلى الفساد أقرب من الصلاح أوجب الوقوع في أمثال هذه التمحلات ، والخبر
حيث كان ضعيفا باصطلاحه أراد التستر في العمل به على خلاف قاعدته بما ذكره ، على
انه كم قد خالف الأصحاب وناقشهم في أمثال ذلك كما لا يخفى على من له انس بطريقته.
وبالجملة فالظاهر من هذه الأخبار التي نقلناها باعتبار
ضم بعضها إلى بعض هو القول بالحفيرة أولا ان أمكن عملا برواية مصادف ، ونحوها
كلامه (عليهالسلام) في كتاب
الفقه. واما مع تعذر ذلك فالروايات قد تصادمت ههنا ، فاما مرسلة الكليني فإنها دلت
على الانتقال إلى الذقن ، واما موثقة إسحاق بن عمار المروية في تفسير علي ابن
إبراهيم فقد تضمنت الحاجب الأيمن ثم الأيسر ثم الذقن ، واما عبارة كتاب الفقه فقد
تضمنت القرن الأيمن ثم القرن الأيسر ، وهاتان الروايتان اتفقتا على تأخير الذقن
فالعمل بهما اولى من المرسلة المذكورة وينبغي حمل الحاجب في موثقة إسحاق على
الجبينين مجازا جمعا بين الخبرين فيتم الاستدلال بهما للقول المشهور لكن باعتبار
الترتيب لا كما هو ظاهرهم من التخيير بين الجبينين لعدم المستند له في هذه
الأخبار.
واما ما ذكره في الذخيرة ـ من قوله : ولا ترتيب بين
الجبينين لإطلاق الرواية لكن الاولى تقديم الأيمن خروجا عن خلاف ابن بابويه ـ ففيه
انه لم يذكر في هذا البحث كغيره من الأصحاب إلا رواية مصادف ومرسلة الكافي وشيء
منهما لم يشتمل على الجبينين كما
عرفت. ووجوب السجود على أحد الجبينين
انما علله بعد دعوى انه لا خلاف فيه بما نقلناه عن المعتبر وزاد عليه توقف يقين
البراءة من التكليف الثابت عليه ، فأي رواية هنا يعتمد في التخيير على إطلاقها؟
وبالجملة فإن كلامه هنا سهو ظاهر كما لا يخفى على الخبير الماهر.
ومع عدم إمكان الجبينين فالذقن وهو المرتبة الثالثة
والروايات متفقة عليه في الجملة وان اختلفت فيما قبله ، وما اشتملت عليه عبارة
كتاب الفقه من السجود على ظهر الكف بعد تعذر الجبينين فهو غريب مرجوع إلى قائله (عليهالسلام).
والمراد بالذقن مجمع اللحيين ، وهل يجب كشفه لأجل السجود
عليه؟ صرح شيخنا الشهيد الثاني بذلك استنادا إلى ان اللحية ليست من الذقن فيجب
كشفه لتصل البشرة إلى ما يصح السجود عليه. وقيل لا يجب لإطلاق الخبر. واختاره سبطه
في المدارك قال في الذخيرة ولعله أقرب.
والمراد بالعذر هنا وفي أمثاله المشقة الشديدة التي لا
تتحمل عادة وان أمكن تحملها بعسر.
ثم انه مع تعذر جميع ذلك ينتقل إلى الإيماء كما تقدم في
بحث القيام. والله العالم.
(المسألة الثالثة) ـ قد صرح جملة من الأصحاب بكراهة
النفخ في موضع السجود في الصلاة.
ومن الأخبار في ذلك ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن
محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال «قلت له
الرجل ينفخ في الصلاة موضع جبهته؟ فقال لا».
وما رواه الشيخ عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال «لا بأس
بالنفخ في الصلاة في موضع السجود ما لم يؤذ أحدا».
وعن إسحاق بن عمار في الموثق عن رجل (3) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن المكان
يكون عليه الغبار فأنفخه إذا أردت السجود فقال لا بأس».
__________________
(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 7 من السجود.
وروى الصدوق مرسلا (1) قال : «سأل رجل الصادق (عليهالسلام). وذكر الحديث
ثم قال وروى عن الصادق (عليهالسلام) انه قال :
انما يكره ذلك خشية أن يؤذي من إلى جانبه».
وروى الصدوق بإسناده إلى شعيب بن واقد عن الحسين بن زيد
عن الصادق عن آبائه (عليهمالسلام) عن النبي (صلىاللهعليهوآله) في حديث
المناهي (2) قال : «ونهى
ان ينفخ في طعام أو شراب وان ينفخ في موضع السجود».
وروى في كتاب العلل عن ليث المرادي في الصحيح (3) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) الرجل يصلي
فينفخ في موضع جبهته؟ فقال ليس به بأس إنما يكره ذلك ان يؤذي من إلى جانبه».
وروى في كتاب المجالس بسنده عن عبد الله بن الحسين بن
زيد بن علي عن أبيه عن الصادق عن آبائه (عليهمالسلام) (4) قال : «قال
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ان الله كره
لكم أيتها الأمة أربعا وعشرين خصلة ونهاكم عنها. إلى ان قال وكره النفخ في الصلاة».
ورواه في الفقيه بإسناده عن سليمان بن جعفر عن عبد الله بن الحسين ابن زيد مثله (5).
وعن الحسين بن مصعب (6) قال : «قال أبو عبد الله (عليهالسلام) : يكره النفخ
في الرقى والطعام وموضع السجود».
وبإسناده عن علي (عليهالسلام) في حديث
الأربعمائة (7) قال : «لا
ينفخ الرجل في موضع سجوده ولا ينفخ في طعامه ولا في شرابه ولا في تعويذه».
وأنت خبير بان ظاهر خبر الحضرمي ومرسلة الصدوق وصحيح ليث
المرادي ان الكراهة انما هي من حيث استلزام إيذاء أحد وهو مؤذن بعدم الكراهة من
حيث الصلاة. ويمكن تقييد إطلاق صحيح محمد بن مسلم وكذا أخبار المناهي بها إلا ان
ظاهر
__________________
(1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 6 و 7) الوسائل الباب 7 من السجود.
اخبار المناهي والمتبادر منها ان
الكراهة انما هي من حيث الصلاة ، وحينئذ فيمكن ان يقال بأنه وان كان مكروها من حيث
الصلاة إلا أنه أشد كراهة باعتبار الإيذاء ، ونفى البأس في باقي الأخبار يحمل على
أصل الجواز وهو غير مناف للكراهة بل ربما ايدها لقولهم : نفى البأس مؤذن بالبأس.
تذنيب يشتمل على مقامين
(الأول) ـ في سجدات القرآن وهي خمس عشرة : منها أربع
عزائم ، وها أنا أولا ابدأ بذكر الأخبار المتعلقة بذلك ثم أعطف الكلام على ما يظهر
منها من الأحكام بتوفيق الملك العلام وبركة أهل الذكر عليهمالسلام :
(الأول) ـ ما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن عبد
الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «إذا
قرأت شيئا من العزائم التي يسجد فيها فلا تكبر قبل سجودك ولكن تكبر حين ترفع رأسك.
والعزائم أربع : حم السجدة ، وتنزيل ، والنجم ، واقرأ باسم ربك».
(الثاني) ـ ما روياه أيضا عن أبي بصير (2) قال قال : «إذا
قرئ شيء من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد وان كنت على غير وضوء وان كنت جنبا وان
كانت المرأة لا تصلي ، وسائر القرآن أنت فيه بالخيار ان شئت سجدت وان شئت لم تسجد».
(الثالث) ـ ما روياه أيضا عن عبد الله بن سنان (3) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجل سمع
السجدة تقرأ؟ قال لا يسجد إلا ان يكون منصتا لقراءته مستمعا لها أو يصلي بصلاته ،
فاما ان يكون يصلي في ناحية وأنت تصلي في ناحية أخرى فلا تسجد لما سمعت».
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 42 من قراءة القرآن.
(3) الوسائل الباب 43 من قراءة القرآن.
(الرابع) ـ ما رواه في التهذيب في الموثق عن سماعة (1) قال : «قال
أبو عبد الله (عليهالسلام) إذا قرأت
السجدة فاسجد ولا تكبر حتى ترفع رأسك».
(الخامس) ـ ما رواه أيضا في الموثق عن عمار الساباطي عن
أبي عبد الله (عليهالسلام) (2) «في الرجل يسمع
السجدة في الساعة التي لا تستقيم الصلاة فيها قبل غروب الشمس وبعد صلاة الفجر؟
فقال لا يسجد».
(السادس) ـ ما رواه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي
جعفر (عليهالسلام) (3) قال : «سألته
عن الرجل يعلم السورة من العزائم فتعاد عليه مرارا في المقعد الواحد؟ قال عليه ان
يسجد كلما سمعها وعلى الذي يعلمه أيضا ان يسجد».
(السابع) ـ ما رواه في الكافي في الصحيح عن أبي عبيدة
الحذاء عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «إذا
قرأ أحدكم السجدة من العزائم فليقل في سجوده : سجدت لك يا رب تعبدا ورقا لا
مستكبرا عن عبادتك ولا مستنكفا ولا متعظما بل انا عبد ذليل خائف مستجير».
(الثامن) ـ ما رواه في الفقيه مرسلا (5) قال : «وروى
انه يقول في سجدة العزائم : لا إله إلا الله حقا حقا لا إله إلا الله ايمانا
وتصديقا لا إله إلا الله عبودية ورقا سجدت لك يا رب تعبدا ورقا لا مستنكفا ولا
مستكبرا بل انا عبد ذليل خائف مستجير. ثم يرفع رأسه ثم يكبر».
(التاسع) ـ ما رواه علي بن جعفر في كتاب المسائل عن أخيه
موسى (عليهالسلام) (6) قال : «سألته
عن الرجل يكون في صلاة في جماعة فيقرأ إنسان السجدة
__________________
(1) الوسائل الباب 42 من قراءة القرآن.
(2 و 6) الوسائل الباب 43 من قراءة القرآن.
(3) الوسائل الباب 45 من قراءة القرآن.
(4 و 8) الوسائل الباب 46 من قراءة القرآن.
كيف يصنع؟ قال يومئ برأسه. قال :
وسألته عن الرجل يكون في صلاته فيقرأ آخر السجدة؟ قال يسجد إذا سمع شيئا من
العزائم الأربع ثم يقوم فيتم صلاته إلا ان يكون في فريضة فيومى برأسه إيماء».
(العاشر) ـ ما رواه في مستطرفات السرائر من كتاب النوادر
لمحمد بن علي ابن محبوب عن غياث عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهمالسلام) (1) قال : «لا
تقضي الحائض الصلاة ولا تسجد إذا سمعت السجدة».
(الحادي عشر) ـ ما رواه أيضا بسنده عن عمار الساباطي (2) قال : «سئل
أبو عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل إذا
قرأ العزائم كيف يصنع؟ قال ليس فيها تكبير إذا سجدت ولا إذا قمت ولكن إذا سجدت قلت
ما تقول في السجود».
(الثاني عشر) ـ ما رواه في كتاب العلل في الصحيح عن
الحلبي عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «سألته
عن الرجل يقرأ السجدة وهو على ظهر دابته؟ قال يسجد حيث توجهت به ، فان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كان يصلي على
ناقته وهو مستقبل المدينة يقول الله عزوجل (فَأَيْنَما
تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) (4)». ورواه
العياشي عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليهالسلام) مثله (5).
(الثالث عشر) ـ ما رواه في كتاب مجمع البيان (6) قال : «روى
عبد الله ابن سنان عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال العزائم
الم تنزيل ، وحم السجدة ، والنجم إذا هوى ، واقرأ باسم ربك ، وما عداها في جميع
القرآن مسنون وليس بمفروض».
(الرابع عشر) ـ منه أيضا (7) قال : «عن
أئمتنا (عليهمالسلام) ان السجود
__________________
(1) الوسائل الباب 36 من الحيض.
(2) الوسائل الباب 46 من قراءة القرآن.
(3) الوسائل الباب 49 من قراءة القرآن.
(4) سورة البقرة ، الآية 109.
(5) البحار ج 18 الصلاة ص 270.
(6 و 7) الوسائل الباب 42 من قراءة القرآن.
في سورة (فصلت) عند قوله (إِنْ
كُنْتُمْ إِيّاهُ تَعْبُدُونَ)» (1).
(الخامس عشر) ـ ما رواه في كتاب عوالي اللئالئ مرسلا (2) قال : «روى في
الحديث انه لما نزل قوله تعالى «وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ» (3) سجد النبي (صلىاللهعليهوآله) فقال في
سجوده : أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا احصي ثناء عليك
أنت كما أثنيت على نفسك».
(السادس عشر) ـ ما رواه في مستطرفات السرائر من كتاب
النوادر لأحمد ابن محمد بن أبي نصر عن الوليد بن صبيح عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «في من
قرأ السجدة وعنده رجل على غير وضوء؟ قال يسجد».
(السابع عشر) ـ ما رواه فيه أيضا من الكتاب المذكور في
الصحيح عن الحلبي (5) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) يقرأ الرجل
السجدة وهو على غير وضوء؟ قال يسجد إذا كانت من العزائم».
(الثامن عشر) ـ ما رواه في كتاب الخصال في الصحيح عن داود
بن سرحان عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (6) قال : «ان
العزائم أربع : اقرأ باسم ربك الذي خلق ، والنجم ، وتنزيل السجدة ، وحم السجدة».
(التاسع عشر) ـ ما رواه في المعتبر نقلا من جامع البزنطي
عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليهالسلام) (7) «في من يقرأ
السجدة من القرآن من العزائم لا يكبر حين يسجد ولكن يكبر إذا رفع رأسه».
(العشرون) ـ ما رواه في مستطرفات السرائر نقلا من نوادر
احمد بن محمد
__________________
(1) سورة فصلت ، الآية 37.
(2) مستدرك الوسائل الباب 39 من القراءة في غير الصلاة.
(3) سورة العلق ، الآية 19.
(4 و 5 و 6 و 7) الوسائل الباب 42 من قراءة القرآن.
ابن أبي نصر عن العلاء عن محمد بن
مسلم (1) قال : «سألته
عن الرجل يقرأ بالسورة فيها السجدة فينسى فيركع ويسجد سجدتين ثم يذكر بعد؟ قال
يسجد إذا كانت من العزائم ، والعزائم أربع : ألم تنزيل ، وحم السجدة ، والنجم ،
واقرأ باسم ربك. وكان علي بن الحسين (عليهماالسلام) يعجبه ان
يسجد في كل سورة فيها سجدة».
(الحادي والعشرون) ـ ما رواه في كتاب العلل بسنده عن
جابر عن ابي جعفر (عليهالسلام) (2) قال : «ان أبي
علي بن الحسين (عليهالسلام) ما ذكر لله
نعمة عليه إلا سجد ولا قرأ آية من كتاب الله عزوجل فيها سجود إلا
سجد. الى ان قال فسمى السجاد لذلك».
(الثاني والعشرون) ـ ما رواه في كتاب دعائم الإسلام (3) قال : مواضع
السجود في القرآن خمسة عشر موضعا أولها آخر الأعراف ، وفي سورة الرعد «وَظِلالُهُمْ
بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ» (4) وفي النحل «وَيَفْعَلُونَ
ما يُؤْمَرُونَ» (5) وفي بني
إسرائيل «وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً» (6) وفي كهيعص «خَرُّوا
سُجَّداً وَبُكِيًّا» (7) وفي الحج «إِنَّ
اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ» (8) وفيها «وَافْعَلُوا
الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» (9) وفي الفرقان «وَزادَهُمْ
نُفُوراً» (10) وفي النمل «رَبُّ
الْعَرْشِ الْعَظِيمِ» (11) وفي تنزيل
السجدة «وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ» (12) وفي ص «وَخَرَّ
راكِعاً وَأَنابَ» (13) وفي حم السجدة
«إِنْ كُنْتُمْ إِيّاهُ تَعْبُدُونَ» (14) وفي آخر النجم
وفي إذا السماء انشقت «وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا
يَسْجُدُونَ» (15) وآخر «اقْرَأْ
بِاسْمِ رَبِّكَ».
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 44 من قراءة القرآن.
(3) البحار ج 18 الصلاة ص 371.
(4) الآية 16.
(5) الآية 50.
(6) الآية 109.
(7) الآية 59.
(8) الآية 19.
(9) الآية 76.
(10) الآية 61.
(11) الآية 26.
(12) الآية 15.
(13) الآية 23.
(14) الآية 37.
(15) الآية 21.
وروينا عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهماالسلام) (1) انه قال : «العزائم
من سجود القرآن أربع : في «الم تنزيل السجدة» و «حم السجدة» والنجم «واقرأ باسم
ربك» قال فهذه العزائم لا بد من السجود فيها وأنت في غيرها بالخيار ان شئت فاسجد
وان شئت فلا تسجد ، قال وكان علي بن الحسين (عليهماالسلام) يعجبه ان
يسجد فيهن كلهن».
وعن جعفر بن محمد (عليهماالسلام) (2) انه قال : «من
قرأ السجدة أو سمعها من قارئ يقرأها وكان يستمع قراءته فليسجد ، فان سمعها وهو في
صلاة فريضة من غير الإمام أومأ برأسه ، وان قرأها وهو في الصلاة سجد وسجد معه من
خلفه ان كان اماما ، ولا ينبغي للإمام ان يتعمد قراءة سورة فيها سجدة في صلاة
فريضة».
وعنه (عليهالسلام) (3) انه قال : «ومن
قرأ السجدة أو سمعها سجد اي وقت كان ذلك مما تجوز الصلاة فيه أو لا تجوز عند طلوع
الشمس وعند غروبها ويسجد وان كان على غير طهارة ، وإذا سجد فلا يكبر ولا يسلم إذا
رفع وليس في ذلك غير السجود ، ويدعو في سجوده بما تيسر من الدعاء».
وعنه (عليهالسلام) (4) انه قال : «إذا
قرأ المصلي سجدة انحط فسجد ثم قام فابتدأ من حيث وقف فان كانت في آخر السورة
فليسجد ثم يقوم فيقرأ بفاتحة الكتاب ويركع ويسجد».
وعن ابي جعفر بن علي (عليهماالسلام) (5) انه قال : «إذا
قرأت السجدة وأنت جالس فاسجد متوجها إلى القبلة وإذا قرأتها وأنت راكب فاسجد حيث
توجهت ، فان رسول الله (صلىاللهعليهوآله) كان يصلي على
راحلته وهو متوجه إلى المدينة بعد انصرافه من مكة يعني النافلة ، قال وفي ذلك قول
الله عزوجل (فَأَيْنَما
تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ» (6). انتهى.
__________________
(1 و 2 و 3 و 4 و 5) البحار ج 18 الصلاة ص 371.
(6) سورة البقرة ، الآية 109.
أقول : والكلام في ما اشتملت عليه هذه الأخبار يقع في
مواضع (الأول) وجوب السجود في العزائم الأربع المذكورة في هذه الأخبار بقراءتها أو
استماعها مما انعقد عليه إجماع الأصحاب ، وعليه دل الخبر الثاني والرابع والسادس
والثاني عشر والسادس عشر والسابع عشر والعشرون والثاني والعشرون.
واما ما ذكره الفاضل الخراساني في الذخيرة ـ بناء على
أصله الغير الأصيل وقاعدته الخالية من الدليل من ان هذه الأخبار وان لم تكن مصرحة
بالوجوب كما نبهنا عليه كثيرا لكن انضمام عمل الأصحاب وفهمهم يقتضي المصير إلى
الوجوب ـ ففيه ما عرفت مما أوضحناه في غير مقام مما تقدم. والتجاؤه هنا إلى عمل
الأصحاب وفهمهم انما نشأ من ضيق الخناق ، وإلا فالواجب على الفقيه هو العمل
بالأحكام الشرعية بمقتضى الأدلة الواضحة الجلية لا تقليد العلماء وما فهموه فإنها
مرتبة المقلدين القاصرين عن رتبة الاستنباط والاستدلال ، والواجب عليه بمقتضى
قاعدته وعدم ثبوت الوجوب عنده من الأخبار هو نفي الوجوب لعدم الدليل في أمثال هذا
الموضع وهو خروج من الدين بما لا يشعر به قائله وكفى به شناعة.
وكيف كان فكما انعقد الإجماع على الوجوب في هذه المواضع
الأربعة انعقد أيضا على الاستحباب في باقي الخمس عشرة ، وعليه يدل الخبر الثالث
عشر والعشرون والحادي والعشرون وبذلك يظهر لك ما في قول صاحب المدارك هنا حيث قال
: واما استحباب السجود في غير هذه الأماكن الأربعة من المواضع الخمس عشرة فمقطوع
به في كلام الأصحاب مدعى عليه الإجماع ولم أقف فيه على نص يعتد به. انتهى. فان فيه
انه ان أراد بالنص الذي يعتد به ما كان صحيح السند بناء على اصطلاحه فالخبر
العشرون صحيح السند لأن البزنطي صاحب الكتاب رواه عن العلاء عن محمد بن مسلم
والثلاثة ثقات بالاتفاق ، على انه في غير موضع من كتابه يعمل بالخبر الضعيف في
السنن ومتى ظن في خبر ظاهره الوجوب أو التحريم بضعف السند حمله على الاستحباب أو
الكراهة
تفاديا من طرحه فلا معنى لرده هنا
يضعف السند. وبالجملة فالعذر له ظاهر حيث ان نظره مقصور على اخبار الكتب الأربعة
وعدم الفحص عن غيرها وهذه الأخبار خارجة عنها ، وإلا فهذه الأخبار كما ترى ظاهرة
الدلالة على ذلك وفيها الصحيح باصطلاحه لكن الحق هو الاعتذار عنه بما ذكرناه.
(الثاني) ـ لا خلاف بين الأصحاب في ان السجدات خمس عشرة
كما فصلها في كتاب دعائم الإسلام وادعى عليه الشهيد (قدسسره) الإجماع ،
قال في الذكرى : أجمع الأصحاب على ان سجدات القرآن خمس عشرة : ثلاث في المفصل وهي
في النجم وانشقت واقرأ ، واثنتا عشرة في باقي القرآن وهي في الأعراف والرعد والنحل
وبني إسرائيل ومريم والحج في موضعين والفرقان والنمل والم تنزيل وص وحم فصلت :
انتهى. ونقل عن الصدوق ابن بابويه انه يستحب ان يسجد في كل سورة فيها سجدة ، وعلى
هذا فيدخل فيها آل عمران لقوله تعالى «يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ
وَاسْجُدِي» (1) وغيرها ،
ويومئ اليه الخبر الحادي والعشرون. ولا بأس بالعمل به احتياطا.
(الثالث) ـ لا خلاف بين الأصحاب في وجوب السجود على
القارئ والمستمع وهو المنصت ، وانما الخلاف في الوجوب على السامع من غير إصغاء ،
فذهب الشيخ إلى عدم الوجوب عليه ونقل عليه الإجماع في الخلاف ، وإلى هذا القول ذهب
جمع من الأصحاب : منهم ـ المحقق في الشرائع والعلامة في المنتهى. وقال ابن إدريس
انه يجب على السامع وذكر انه إجماع الأصحاب ، واليه يميل كلامه في الذكرى وبه صرح
في المسالك وعليه الأكثر من الأصحاب. وهو الأقرب كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى
استدل الشيخ بعد الإجماع بالخبر الثالث ، واحتج ابن إدريس بعد الإجماع الذي ادعاه
بعموم الأمر وبالخبر الثاني.
قال في الذكرى بعد ذكر القولين والدليلين : وطريق
الرواية التي ذكرها الشيخ
__________________
(1) سورة آل عمران ، الآية 38.
فيه محمد بن عيسى عن يونس ، مع أنها
تقتضي وجوب السجود إذا صلى بصلاة التالي لها وهو غير مستقيم عندنا إذ لا يقرأ في
الفريضة عزيمة على الأصح ولا يجوز القدوة في النافلة غالبا ، وقد نقل ابن بابويه
عن ابن الوليد انه لا يعتمد على حديث محمد بن عيسى عن يونس. وروى العامة عدم سجود
السامع عن ابن عباس وعثمان (1) ولا شك عندنا
في استحبابه على تقدير عدم الوجوب.
أقول : ما ذكره من الإشكال في مضمون الخبر جيد إلا ان
الظاهر حمله على الائتمام بالمخالف ، مع ان القدوة في بعض النوافل كالاستسقاء
والغدير والعيدين مع اختلال الشرائط جائزة.
ثم انه مما يدل أيضا على الاكتفاء. بمجرد السماع زيادة
على الخبر الثاني الخبر التاسع ، ويؤيد ما دل عليه الخبر الثالث قوله في بعض أخبار
الدعائم المتقدمة «أو سمعها من قارئ يقرأها وكان يستمع قراءته» اي ينصت لها.
وبالجملة فالأخبار من الطرفين ظاهرة الدلالة على كل من
القولين ، قال في المدارك بعد ذكر ما دل على السماع وما دل على الاستماع : وانا في
هذه المسألة من المتوقفين. والحق ان الجمع بين أخبار المسألة دائر بين أمرين : اما
حمل ما دل على الأمر بالسجود بمجرد السماع على الفضيلة والاستحباب ، واما حمل ما
دل على التخصيص بعد القراءة بالاستماع دون السماع على التقية لموافقته لمذهب
العامة وهو الأرجح. والاحتياط لا يخفى.
(الرابع) ـ قد صرح جملة من الأصحاب بأن الظاهر ان موضع
السجود في هذه الأربعة بعد الفراغ من الآية ، وذهب المحقق في المعتبر إلى ان موضعه
في حم السجدة
__________________
(1) المغني ج 1 ص 624 «يسن السجود للتالي والمستمع لا نعلم في
هذا خلافا واما السامع غير القاصد للسماع فلا يستحب له. روى ذلك عن عثمان وابن
عباس وعمران وبه قال مالك ، وقال أصحاب الرأي عليه السجود ، وقال الشافعي لا أوكد
عليه السجود وان سجد فحسن».
عند قوله تعالى «وَاسْجُدُوا
لِلّهِ» (1) ونقله عن الشيخ في الخلاف.
وقال في الذكرى : موضع السجود عند التلفظ به في جميع
الآيات والفراغ من الآية فعلى هذا يسجد في فصلت عند «تَعْبُدُونَ» (2) وهو الذي ذكره
في الخلاف والمبسوط واحتج عليه بالإجماع وقال قضية الأصل الفور ، ونقل في المعتبر
عن الخلاف انه عند قوله تعالى «وَاسْجُدُوا لِلّهِ» واختاره مذهبا
، وليس كلام الشيخ صريحا فيه ولا ظاهرا بل ظاهره ما قلناه لانه ذكر في أول المسألة
ان موضع السجود في «حم» عند قوله تعالى «وَاسْجُدُوا لِلّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ
إِنْ كُنْتُمْ إِيّاهُ تَعْبُدُونَ» (3) ثم قال وأيضا
قوله «وَاسْجُدُوا لِلّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ» أمر والأمر
يقتضي الفور عندنا وذلك يقتضي السجود عقيب الآية ومن المعلوم ان آخر الآية «تَعْبُدُونَ» ولأن تخلل
السجود في أثناء الآية يؤدى إلى الوقوف على المشروط دون الشرط وإلى ابتداء القارئ
بقوله «إِنْ كُنْتُمْ إِيّاهُ تَعْبُدُونَ» وهو مستهجن عند
القراء ولانه لا خلاف فيه بين المسلمين ، انما الخلاف في تأخير السجود إلى «يَسْأَمُونَ» فإن ابن عباس
والثوري وأهل الكوفة والشافعي يذهبون اليه والأول هو المشهور عند الباقين (4) فاذن ما
اختاره في المعتبر لا قائل به ، فان احتج بالفور قلنا هذا القدر لا يخل بالفور
وإلا لزم وجوب السجود في باقي آي العزائم عند صيغة الأمر وحذف ما بعده من اللفظ
ولم يقل به أحد. انتهى. وهو جيد ، ويؤيده الخبر الرابع عشر وما ذكره صاحب كتاب
دعائم الإسلام من السجود بعد تمام الآيات المشتملة على لفظ السجدة ومنها سورة حم
فصلت.
أقول : لا يخفى ان ظواهر الأخبار التي قدمناها هو السجود
عند ذكر السجدة لتعليق السجود في جملة منها على سماع السجدة أو قراءتها أو
استماعها والمتبادر منها هو
__________________
(1 و 2 و 3) الآية 27.
(4) عمدة القارئ ج 3 ص 507 وأحكام القرآن للجصاص الحنفي ج 3 ص
474 وبدائع الصنائع ج 1 ص 194.
لفظ السجدة ، والحمل على تمام الآية
يحتاج إلى تقدير في تلك العبارات بان يراد سماع آية السجدة إلى آخرها. إلا ان ظاهر
الأصحاب الاتفاق على ان محل السجود بعد تمام الآية كما عرفت ، واليه يشير قول
شيخنا الشهيد في آخر عبارته : وإلا لزم وجوب السجود. إلى قوله ولم يقل به أحد.
وبالجملة فإني لا أعرف لإطلاق الأخبار المذكورة مخصصا سوى ما يدعى من الاتفاق في
المقام.
قال شيخنا في كتاب البحار : رأيت في بعض تعليقات شيخنا
البهائي (قدسسره) قول بعض
الأصحاب بوجوب السجود عند التلفظ بلفظ السجدة في جميع السجدات الأربع ولم أر هذا
القول في كلام غيره ، وقد صرح في الذكرى بعدم القول به فلعله اشتباه. انتهى.
أقول : لا ريب في قوة هذا القول بالنظر إلى ما ذكرناه من
التقريب إلا ان الخروج عما ظاهرهم الاتفاق عليه مشكل سيما مع عدم إخلال ذلك بالفور
الواجب في المقام كما أشار إليه شيخنا الشهيد (قدسسره) في ما تقدم
من كلامه ، نعم ظاهر الخبر الرابع عشر وما ذكره في كتاب دعائم الإسلام مؤيد لما
ذكره الأصحاب.
(الخامس) ـ الظاهر ـ كما استظهره جملة من الأصحاب ـ ان
الطهارة من الحدث غير شرط في هذا السجود ، وعليه يدل الخبر الثاني والخبر السادس
عشر والسابع عشر والثاني والعشرون.
ونحو هذه الأخبار موثقة أبي عبيدة الحذاء (1) قال : «سألت
أبا جعفر (عليهالسلام) عن الطامث
تسمع السجدة قال ان كانت من العزائم فلتسجد إذا سمعتها».
ومنع الشيخ في النهاية عن سجود الحائض ونقل في الذكرى عن
ابن الجنيد ان ظاهره اعتبار الطهارة.
ويدل عليه الخبر العاشر ، ونحوه أيضا ما رواه الشيخ في
الصحيح عن عبد الرحمن
__________________
(1) الوسائل الباب 36 من الحيض.
ابن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «سألته
عن الحائض هل تقرأ القرآن وتسجد سجدة إذا سمعت السجدة؟ قال تقرأ ولا تسجد».
وحمله الشيخ في الاستبصار على جواز الترك ، وحمله على
الاستفهام الإنكاري غير بعيد بمعنى انه يجوز لها قراءة القرآن الذي من جملته
العزائم ولا يجب عليها السجود بل تسجد كما أنها تقرأ. واما خبر غياث المتقدم (2) فهو يضعف عن
معارضة ما ذكرناه من الأخبار. ولا يبعد عندي حمل الخبرين على التقية فإن العلامة
قد نقل في المنتهى عن أكثر الجمهور اشتراط الطهارة من الحدثين (3).
واما ستر العورة والطهارة من الخبث واستقبال القبلة
فظاهر الأكثر انه لا خلاف في عدم اشتراطها ، قال في الذكرى اما ستر العورة
واستقبال القبلة فغير شرط ، وكذا لا يشترط خلو البدن والثوب من النجاسة لإطلاق
الأمر بها فالتقييد خلاف الأصل. انتهى أقول : قد تقدم في ما ذكره في كتاب الدعائم
مما رواه عن جعفر (عليهالسلام) التفصيل بين
ما إذا قرأها وهو جالس فإنه يستقبل القبلة أو قرأها وهو راكب فحيث ما توجه. إلا ان
الكتاب على ما قدمنا ذكره لا تصلح اخباره للاستدلال وانما قصارها التأييد سيما مع
ما نقله في المنتهى عن العامة من اشتراط الاستقبال فيها (4) فيضعف
الاعتماد عليها وتقييد إطلاق الأخبار كملا بها.
(السادس) ـ اختلف الأصحاب في باقي المساجد غير الجبهة هل
يشترط السجود عليها أيضا أم لا ، وكذا في السجود على الجبهة هل يجب وضعها على ما
يصح السجود عليه في الصلاة أم يكفي على اي شيء كان؟ والأخبار المتقدمة كما عرفت
مطلقة لا اشعار فيها بالتقييد بشيء مما ذكروه في الموضعين المذكورين.
قال في الذكرى : وفي اشتراط السجود على الأعضاء السبعة
أو الاكتفاء بالجبهة
__________________
(1) الوسائل الباب 36 من الحيض.
(2) ص 327.
(3 و 4) المغني ج 1 ص 620.
نظر من انه السجود المعهود ومن صدقه
بوضع الجبهة ، وكذا في السجود على ما يصح السجود عليه في الصلاة من التعليل هناك
بان الناس عبيد ما يأكلون ويلبسون وهو مشعر بالتعميم. انتهى.
أقول : أشار بالتعليل المذكور إلى ما رواه الصدوق في
الصحيح عن هشام بن الحكم (1) «انه قال لأبي عبد
الله (عليهالسلام) أخبرني عما
يجوز السجود عليه وعما لا يجوز؟ قال السجود لا يجوز إلا على الأرض أو على ما أنبتت
الأرض إلا ما أكل أو لبس. فقال له جعلت فداك ما العلة في ذلك؟ قال لأن السجود خضوع
لله عزوجل فلا ينبغي ان
يكون على ما يؤكل أو يلبس لأن أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون والساجد في
سجوده في عبادة الله عزوجل فلا ينبغي ان
يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين اغتروا بغرورها».
وعندي في ما ذكره من التعليل في كل من الموضعين نظر ،
اما ما علل به اشتراط باقي المساجد من انه السجود المعهود فإنه على إطلاقه ممنوع
نعم هو معهود بالنسبة إلى الصلاة لا مطلقا ، وبالجملة فإنه قد اعترف بصدق السجود
بمجرد وضع الجبهة وهو كاف في التمسك بإطلاق الأخبار المذكورة وأصالة عدم ما زاد
حتى يقوم عليه دليل. واما الخبر المذكور فمورده أيضا انما هو سجود الصلاة ، وما
تضمنه من العلة لا يخفى انه ليس من قبيل العلل الحقيقية التي يدور المعلول مدارها
وجودا وعدما ويجب اطرادها ، فان هذه العلل انما هي معرفات وبيان حكمة شرعية أو
مناسبة جلية للتقريب للإفهام. وبالجملة فأصالة البراءة أقوى دليل في المقام حتى
يقوم الدليل الصريح والبرهان الصحيح الموجب للخروج عنه إذ لا تكليف إلا بعد البيان
ولا حجة إلا بعد البرهان.
(السابع) ـ المشهور بين الأصحاب عدم التكبير لها وقال
أكثر العامة بوجوب التكبير قبلها (2) نعم يستحب التكبير عند الرفع ، وظاهر
الشيخ في المبسوط
__________________
(1) الوسائل الباب 1 من ما يسجد عليه.
(2) المغني ج 1 ص 621.
والخلاف والشهيد في الذكرى الوجوب.
ويدل على التكبير ما تقدم في الخبر الأول (1) وقد تضمن
النهي عن التكبير قبل السجود والأمر به حين رفع الرأس ، والخبر الرابع (2) وفيه «ولا
تكبر حتى ترفع رأسك» والخبر الثامن (3) لقوله «ثم يرفع رأسه ثم يكبر» والخبر
التاسع عشر (4) وفيه «لا يكبر
حين يسجد ولكن يكبر إذا رفع رأسه».
ولعل من يظهر منه القول بوجوب التكبير نظر إلى لفظ الأمر
به في هذه الأخبار إلا ان ظاهر الخبر الحادي عشر (5) عدم التكبير
مطلقا حيث قال فيه «ليس فيها تكبير إذا سجدت ولا إذا قمت ـ يعني رفعت من السجود ـ ولكن
إذا سجدت قلت ما تقول في السجود» فإنه ظاهر في انه ليس فيها شيء غير الذكر ،
ونحوه خبر الدعائم وقوله فيه «وإذا سجد فلا يكبر ولا يسلم إذا رفع وليس في ذلك غير
السجود» والواجب حملهما على نفي الوجوب جمعا ، وبه يظهر ضعف قول من ادعى وجوب
التكبير المذكور. وكيف كان فالأحوط عدم تركه. ثم ان ظاهر الأخبار الدالة عليه انه
بعد الرفع وقبل الجلوس إلا ان يحمل على التجوز في العبارة.
(الثامن) ـ يستحب الذكر فيها بما تيسر وأفضله المأثور ،
ومنه ما تقدم في الخبر السابع والخبر الثامن (6) وظاهر الخبر الحادي عشر (7) انه يقول ما
يقول في سجود الصلاة ، وفي خبر الدعائم (8) ما تيسر من الدعاء ، وقال في المنتهى
يستحب ان يقول في سجوده «آمنا بما كفروا وعرفنا منك ما أنكروا وأجبناك إلى ما دعوا
فالعفو العفو» وقال في : الفقيه : ويستحب ان يسجد الإنسان في كل سورة فيها سجدة
إلا ان الواجب في هذه العزائم الأربع ، قال ومن قرأ شيئا من هذه العزائم الأربع
فليسجد وليقل «إلهي آمنا بما كفروا. الى آخر ما تقدم» قال ثم يرفع رأسه ويكبر.
(التاسع) قال العلامة في المنتهى : يجوز فعلها في
الأوقات كلها وان كانت
__________________
(1) ص 225.
(2 و 3 و 6) ص 326.
(4) ص 328.
(5 و 7) ص 327.
(8) ص 330.
مما يكره فيه النوافل ، وهو قول
الشافعي واحمد في إحدى الروايتين ومروي عن الحسن والشعبي وسالم وعطاء وعكرمة ،
وقال أحمد في الرواية الأخرى انه لا يسجد وبه قال أبو ثور وابن عمر وسعيد بن
المسيب وإسحاق ، وقال مالك يكره قراءة السجدة في وقت النهي (1). انتهى. وظاهر
تشاغله بنقل أقوال العامة خاصة انه لا مخالف في هذا الحكم من أصحابنا.
ويدل على الحكم المذكور إطلاق أكثر الأخبار المتقدمة ،
وخصوص رواية كتاب الدعائم حيث قال (2) «ومن قرأ
السجدة أو سمعها سجد اي وقت كان ذلك مما تجوز الصلاة فيه أو لا تجوز وعند طلوع
الشمس وعند غروبها». إلا ان الخبر الخامس (3) قد دل على النهي عن السجود إذا كان
في تلك الساعات.
والعلامة في المنتهى قد احتج على الحكم المذكور بإطلاق
الأمر بالسجود المتناول للأوقات كلها ، قال ولأنها ذات سبب فجاز فعلها في وقت
النهي عن النوافل كقضاء النوافل الراتبة. ثم اعترض على نفسه برواية عمار المذكورة (4) ثم أجاب بأن
رواتها فطحية فلا تعارض ما ثبت بغيرها من الأخبار.
وأنت خبير بان الحكم المذكور لا يخلو من اشكال لعدم
المعارض للموثقة المذكورة سوى إطلاق الأخبار الذي يمكن تقييده بالرواية المذكورة
كما هو مقتضى القاعدة ، ورواية كتاب الدعائم لا تبلغ قوة في رد هذه الموثقة إلا
انها بانضمام اتفاق الأصحاب على القول بمضمونها لا تقصر عن معارضتها ، مضافا إلى
ما في روايات عمار مما نبهت عليه في غير موضع. وبالجملة فللتوقف في الحكم مجال.
(العاشر) ـ الظاهر انه لا خلاف في فوريتها وقد نقلوا
الإجماع على ذلك ، ولو أخل بها حتى فاتت الفورية فهل تكون أداء أو قضاء؟ قال في
الذكرى يجب قضاء العزيمة مع الفوات ويستحب قضاء غيرها ، ذكره الشيخ في المبسوط
والخلاف لتعلق الذمة ، بالواجب أو المستحب فتبقى على الشغل. وهل ينوي القضاء؟
ظاهره ذلك لصدق حد القضاء عليها ، وفي المعتبر
__________________
(1) المغني ج 1 ص 623.
(2) ص 320.
(3 و 4) ص 326.
ينوي الأداء لعدم التوقيت. وفيه منع
لأنها واجبة على الفور فوقتها وجود السبب فإذا فات فقد فعلت في غير وقتها ولا نعني
بالقضاء إلا ذلك. انتهى.
أقول : فيه ان الظاهر ان المراد من الوقت للشيء ما كان
ظرفا له يقع الإتيان به فيه كاوقات الصلوات الخمس ونحوها ، والظاهر هنا بالنسبة
إلى قراءة العزيمة انما هو كونها سببا لوجوب السجود بحيث متى اتى بها اشتغلت الذمة
بالسجود كالزلزلة فإنها سبب لوجوب الصلاة وان قصر وقتها عن الإتيان بالصلاة فتجب
الصلاة بحصولها ، وقد حققنا ان الوقت في الزلزلة هو العمر فتبقى أداء مطلقا إذ لا
وقت لها فكذلك السجدة هنا تكون أداء مطلقا لعدم التوقيت فيها ، وقراءة العزيمة
انما هو سبب لوجوب الإتيان بها لا وقت له كما ذكره لأن الإتيان بها لا يقع إلا بعد
مضي القراءة وانقضائها وقضية الوقتية الوقوع في أثناء الوقت كما عرفت ، وبذلك يظهر
ان ما ذكره في المعتبر هو الأقوى والمعتبر.
هذا كله بناء على وجوب الإتيان بنية الوجه كما هو
المشهور بينهم واما على ما نختاره وهو الأصح في المسألة فالواجب الإتيان به مطلقا
من غير تعرض لنية قضاء ولا أداء.
ونظير الزلزلة في ما ذكرنا الحج أيضا فإنه بالاستطاعة
يصير واجبا فيبقى وجوبه مستقرا في جميع الأزمان فلا وقت له يوجب الإتيان به في
خارجه بنية القضاء ، ونسبة قراءة السجدة إلى وجوب السجود كنسبة الاستطاعة إلى الحج
والزلزلة إلى الصلاة في كون الجميع من قبيل الأسباب.
(الحادي عشر) ـ قال في الذكرى : تتعدد السجدة بتعدد
السبب سواء تخلل السجود أو لا لقيام السبب وأصالة عدم التداخل وروى محمد بن مسلم ،
ثم أورد الخبر السادس (1).
أقول : لا إشكال في التعدد مع تخلل السجود واما مع عدمه
فهو مبني على ما اشتهر
__________________
(1) ص 326.
بينهم من أصالة عدم تداخل الأسباب ،
وقد عرفت في مسألة تداخل الأغسال من كتاب الطهارة ما يبطل هذا الأصل للأحبار
الكثيرة الدالة على انه إذا اجتمعت عليك حقوق أجزأك عنها حق واحد (1) واما خبر محمد
بن مسلم الذي استند اليه فلا دلالة فيه على ما ادعاه ، إذ غاية ما يدل عليه انه
متى قرأ السجدة وجب عليه السجود تحقيقا للفورية التي لا خلاف فيها ، واما انه لو
قرأ مرارا متعددة من غير تخلل السجود فهل الواجب عليه سجدة واحدة أو سجدات متعددة
بعدد القراءة فلا دلالة في الخبر عليه. والله العالم
(المقام الثاني) ـ في سجدة الشكر وهي مستحبة عقيب الصلاة
شكرا على التوفيق لأدائها ، قال في التذكرة انه مذهب علمائنا اجمع خلافا للجمهور (2).
ويدل عليه من الأخبار ما يكاد يبلغ حد التواتر المعنوي ،
ومنها ما رواه الشيخ وابن بابويه في الصحيح عن مرازم عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «سجدة
الشكر واجبة على كل مسلم تتم بها صلاتك وترضى بها ربك وتعجب الملائكة ، منك وان
العبد إذا صلى ثم سجد سجدة الشكر فتح الرب تبارك وتعالى الحجاب بين العبد
والملائكة فيقول يا ملائكتي انظروا إلى عبدي أدى فرضي وأتم عهدي ثم سجد لي شكرا
على ما أنعمت به عليه ، ملائكتي ما ذا له عندي؟ قال فتقول الملائكة يا ربنا رحمتك.
ثم يقول الرب تبارك وتعالى ثم ما ذا له؟ فتقول الملائكة يا ربنا جنتك. فيقول الرب
تبارك وتعالى ثم ما ذا له؟ فتقول الملائكة يا ربنا كفاية مهمه. فيقول الله تبارك
وتعالى. ثم ما ذا؟ فلا يبقى شيء من الخير إلا قالته الملائكة فيقول الله تبارك
وتعالى يا ملائكتي ثم ما ذا؟ فتقول الملائكة ربنا لا علم لنا. قال فيقول الله
تبارك وتعالى اشكر له كما شكر لي واقبل
__________________
(1) الوسائل الباب 43 من غسل الجنابة.
(2) في الفقه على المذاهب الأربعة ج 1 ص 425 «المالكية قالوا
سجدة الشكر مكروهة. الحنفية قالوا سجدة الشكر مستحبة ويكره الإتيان بها عقب الصلاة
لئلا يتوهم العامة انها سنة أو واجبة».
(3) الوسائل الباب 1 من سجدتي الشكر.
إليه بفضلي وأريه وجهي».
أقول : في التهذيب (1) «رحمتي» مكان «وجهي»
وقال في الفقيه (2) : من وصف الله
تعالى ذكره بالوجه كالوجوه فقد كفر وأشرك ووجهه أنبياؤه وحججه (صلوات الله عليهم)
وهم الذين يتوجه بهم الإنسان إلى الله عزوجل وإلى معرفته
ومعرفة دينه ، والنظر إليهم في يوم القيامة ثواب عظيم يفوق كل ثواب.
وروى الشيخ في التهذيب والصدوق في الفقيه عن إسحاق بن
عمار (3) قال : «سمعت
أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول كان
موسى بن عمران إذا صلى لم ينفتل حتى يلصق خده الأيمن بالأرض وخده الأيسر بالأرض».
وروى في الفقيه مرسلا (4) قال : «قال
أبو جعفر (عليهالسلام) اوحى الله
تعالى إلى موسى بن عمران أتدري لما اصطفيتك بكلامي دون خلقي؟ قال موسى لا يا رب.
قال يا موسى اني قلبت عبادي ظهرا وبطنا فلم أجد منهم أحدا أذل نفسا لي منك يا موسى
انك إذا صليت وضعت خديك على التراب».
وروى في الكافي عن جعفر بن علي (5) قال : «رأيت
أبا الحسن (عليهالسلام) وقد سجد بعد
الصلاة فبسط ذراعيه على الأرض وألصق جؤجؤه بالأرض في دعائه». أقول الجؤجؤ كهدهد ،
الصدر.
وعن عبد الرحمن بن خاقان (6) قال : «رأيت
أبا الحسن الثالث (عليهالسلام) سجد سجدة
الشكر فافترش ذراعيه وألصق صدره وبطنه بالأرض فسألته عن ذلك فقال كذا نحب».
وفي الكافي والفقيه عن ابن جندب (7) قال : «سألت
أبا الحسن الماضي (عليه
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 1 من سجدتي الشكر.
(3 و 4) الوسائل الباب 3 من سجدتي الشكر.
(5 و 6) الوسائل الباب 4 من سجدتي الشكر.
(7) الفروع ج 1 ص 90 والفقيه ج 1 ص 217 والوسائل الباب 6 من
سجدتي الشكر.
السلام) عما أقول في سجدة الشكر فقد
اختلف أصحابنا فيه؟ فقال قل وأنت ساجد اللهم إني أشهدك وأشهد ملائكتك وأنبياءك
ورسلك وجميع خلقك انك أنت الله ربي والإسلام ديني ومحمد نبيي وفلان وفلان إلى
آخرهم أئمتي بهم أتولى ومن عدوهم أتبرّأ. اللهم إني أنشدك دم المظلوم (ثلاثا) وزاد
في الفقيه «اللهم إني أنشدك بإيوائك على نفسك لأعدائك لتهلكنهم بأيدينا وأيدي
المؤمنين» ثم اشترك الكتابان في قوله بعد ذلك «اللهم إني أنشدك بإيوائك على نفسك
لأوليائك لتظفرنهم على عدوك وعدوهم ان تصلي على محمد وعلى المستحفظين من آل محمد»
في الفقيه (ثلاثا) ثم اشتركا «اللهم إني أسألك اليسر بعد العسر (ثلاثا) ثم ضع خدك
الأيمن على الأرض وتقول : يا كهفي حين تعييني المذاهب وتضيق على الأرض بما رحبت
ويا بارئ خلقي رحمة بي وقد كنت عن خلقي غنيا صل على محمد وعلى المستحفظين من آل محمد
، ثم ضع خدك الأيسر وتقول : يا مذل كل جبار ويا معز كل ذليل قد وعزتك بلغ مجهودي (ثلاثا)
ثم تقول : يا حنان يا منان يا كاشف الكرب العظام (ثلاثا) ثم تعود للسجود فتقول
مائة مرة «شكرا شكرا» ثم تسأل حاجتك ان شاء الله تعالى».
قال في الوافي (1) صرح في الفقيه بأسماء الأئمة (عليهمالسلام) هكذا : وعلي
امامي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر
وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والحجة ابن الحسن بن علي
أئمتي. ومعنى أنشدك «أسألك بالله» من النشد والمراد هنا أسألك بحقك أن تأخذ بدم
المظلوم يعني الحسين (عليهالسلام) وتنتقم من
قاتليه وممن أسس أساس الظلم عليه وعلى أبيه وعلى أخيه (صلوات الله عليهم).
والإيواء بالمثناة التحتانية والمد : العهد ، والمستحفظين بصيغة الفاعل أو المفعول
بمعنى استحفظوا الإمامة أي حفظوها أو استحفظهم الله تعالى إياها. «يا كهفي حين
تعييني المذاهب» اي يا ملجأي حين تعييني مسالكي إلى الخلق وتردداني إليهم في
__________________
(1) باب سجود الشكر.
تحصيل بغيتي وتدبير أموري و «تعييني»
بيائين مثناتين من تحت من الإعياء أو بنونين أولهن مشددة وبينهما مثناة تحتانية من
التعنية بمعنى الإيقاع في العناء. «بِما رَحُبَتْ» اي بسعتها وما
مصدرية.
وروى في الكافي عن سليمان بن حفص (1) قال : «كتبت
إلى أبي الحسن (عليهالسلام) في سجدة
الشكر فكتب الي مائة مرة شكرا شكرا وان شئت عفوا عفوا».
وعن محمد بن سليمان عن أبيه (2) قال : «خرجت مع
أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهالسلام) الى بعض
أمواله فقام إلى صلاة الظهر فلما فرغ خر لله ساجدا فسمعته يقول بصوت حزين وتغرغر
دموعه : رب عصيتك بلساني ولو شئت وعزتك لأخرستني وعصيتك ببصري ولو شئت وعزتك
لأكمهتني وعصيتك بسمعي ولو شئت وعزتك لأصممتني وعصيتك بيدي ولو شئت وعزتك لكنعتني
وعصيتك برجلي ولو شئت وعزتك لجذمتني وعصيتك بفرجي ولو شئت وعزتك لعقمتني وعصيتك
بجميع جوارحي التي أنعمت بها علي وليس هذا جزاؤك مني. قال ثم أحصيت له ألف مرة وهو
يقول العفو العفو ، قال ثم ألصق خده الأيمن بالأرض فسمعته وهو يقول بصوت حزين :
بؤت إليك بذنبي عملت سوء وظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب غيرك يا مولاي «ثلاث
مرات» ثم ألصق خده الأيسر بالأرض فسمعته يقول : ارحم من أساء واقترف واستكان
واعترف (ثلاث مرات) ثم رفع رأسه».
وروى في التهذيب في الصحيح وكذا في الفقيه عن سعد بن سعد
الأشعري عن أبي الحسن الرضا (عليهالسلام) (3) قال : «سألته
عن سجدة الشكر فقال اي شيء سجدة الشكر؟ فقلت له ان أصحابنا يسجدون بعد الفريضة
سجدة واحدة ويقولون هي سجدة الشكر. فقال ان الشكر إذا أنعم الله على عبد النعمة أن
يقول : (سُبْحانَ الَّذِي
__________________
(1 و 2) الوسائل الباب 6 من سجدتي الشكر.
(3) الوسائل الباب 1 من سجدتي الشكر.
سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنّا لَهُ
مُقْرِنِينَ وَإِنّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ) (1) والحمد لله رب
العالمين».
وروى الطبرسي في كتاب الاحتجاج في ما كتبه الحميري إلى
القائم (عليهالسلام) (2) «يسأله عن سجدة
الشكر بعد الفريضة فإن بعض أصحابنا ذكر أنها بدعة فهل يجوز ان يسجدها الرجل بعد
الفريضة؟ وان جاز ففي صلاة المغرب هي بعد الفريضة أو بعد الأربع ركعات النافلة؟
فأجاب (عليهالسلام) سجدة الشكر
من الزم السنن وأوجبها ولم يقل ان هذه السجدة بدعة إلا من أراد ان يحدث في دين
الله بدعة. واما الخبر المروي فيها بعد صلاة المغرب. الحديث». وقد تقدم في المقدمة
الثانية من مقدمات هذا الكتاب (3).
وروى الصدوق في كتاب المجالس (4) بسنده عن أبي
بصير عن أبي عبد الله (عليهالسلام) قال : «بينا
رسول الله (صلىاللهعليهوآله) يسير مع بعض
أصحابه في بعض طرق المدينة إذ ثنى رجله عن دابته ثم خر ساجدا فأطال ثم رفع رأسه
فعاد ثم ركب فقال له أصحابه يا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) رأيناك ثنيت
رجلك عن دابتك ثم سجدت فاطلت السجود؟ فقال ان جبرئيل (عليهالسلام) أتاني
فأقرأني السلام من ربي وبشرني انه لن يخزيني في أمتي فلم يكن لي مال فأتصدق به ولا
مملوك فأعتقه فأحببت أن أشكر ربي عزوجل».
وروى الصدوق في العلل وفي العيون في الموثق عن علي بن
الحسن بن فضال عن أبيه عن أبي الحسن الرضا (عليهالسلام) (5) قال : «السجدة
بعد الفريضة شكر لله تعالى على ما وفق له العبد من أداء فرضه ، وادنى ما يجزئ فيها
من القول ان يقول شكرا لله شكرا لله
__________________
(1) سورة الزخرف ، الآية 12.
(2) الوسائل الباب 31 من التعقيب.
(3) ج 6 ص 60.
(4) ص 304 المجلس 76 وفي الوسائل الباب 7 من سجدتي الشكر.
(5) الوسائل الباب 1 من سجدتي الشكر.
شكرا لله (ثلاث مرات) قلت فما معنى
قوله شكرا لله؟ قال : يقول هذه السجدة مني شكر لله عزوجل على ما وفقني
له من خدمته وأداء فرضه والشكر موجب للزيادة فإن كان في الصلاة تقصير لم يتم
بالنوافل تم بهذه السجدة».
وروى الشيخ أبو علي بن شيخنا الطوسي في كتاب المجالس
بسنده عن جميل عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «اوحى
الله تعالى إلى موسى بن عمران أتدري يا موسى لم انتجبتك من خلقي واصطفيتك لكلامي؟
فقال لا يا رب. فأوحى الله اليه اني اطلعت إلى الأرض فلم أجد عليها أشد تواضعا لي
منك فخر موسى ساجدا وعفر خديه في التراب تذللا منه لربه عزوجل فأوحى الله
اليه ان ارفع رأسك يا موسى وأمر يدك في موضع سجودك وامسح بها وجهك وما نالته من
بدنك فإنه أمان من كل سقم وداء وآفة وعاهة».
وروى في كتاب العلل بسنده عن جابر بن يزيد الجعفي (2) قال : «قال
أبو جعفر محمد بن علي الباقر (عليهالسلام) ان أبي علي
بن الحسين ما ذكر لله نعمة عليه إلا سجد ولا قرأ آية من كتاب الله عزوجل فيها سجود إلا
سجد ولا دفع الله عنه سوء يخشاه أو كيد كائد إلا سجد ولا فرغ من صلاة مفروضة إلا
سجد ولا وفق لإصلاح بين اثنين إلا سجد ، وكان اثر السجود في جميع مواضع سجوده فسمى
السجاد لذلك».
أقول : وفي هذا المقام فوائد يحسن التنبيه عليها ويهش
خاطر الذاكر الشاكر إليها
(الاولى) ـ قد أنكر هذه السجدة بعد الصلاة العامة وشددوا
في إنكارها مع ورودها في اخبارهم (3) والظاهر ان السبب في ذلك مراغمة
الشيعة (4) حيث شددوا في
استحبابها والملازمة عليها كما استفاضت به اخبارهم ، وعلى ذلك يحمل صحيح سعد بن
__________________
(1) الوسائل الباب 5 من سجدتي الشكر.
(2) الوسائل الباب 7 من سجدتي الشكر.
(3) لم نعثر على خبر من طرقهم يدل على السجود بعد الصلاة وقد
تقدم في التعليقة (2) ص 341 ان المالكية كرهوا سجدة الشكر مطلقا والحنفية كرهوا
سجدة الشكر بعد الصلاة.
(4) ارجع إلى ج 4 ص 124 التعليقة 1 فإنك تجد هناك ما يؤيد
كلامه (قدسسره).
سعد المتقدم عن الرضا (عليهالسلام) المتضمن
لإنكارها فإنه إنما خرج مخرج التقية كما ينادي به الخبر الذي بعده بلا فصل.
وهي بعد تمام التعقيب والفراغ منه كما ينادي به ما رواه
الصدوق (1) «ان الكاظم (عليهالسلام) كان يسجد بعد
ما يصلي الفجر فلا يرفع رأسه حتى يتعالى النهار».
(الثانية) ـ يستحب فيها ان يفترش ذراعيه ويلصق صدره
بالأرض كما تقدم في رواية جعفر بن علي ، وفي رواية عبد الرحمن بن خاقان (2) و «بطنه» أيضا.
(الثالثة) ـ يستحب فيها تعفير الخدين وهو وضعهما على
العفر الذي هو التراب ، وقد تقدم في خبر إسحاق بن عمار (3) نقلا عن موسى
بن عمران ومثله اخبار أخر غيره أيضا مما ذكرنا هنا وما لم نذكره.
وقد ذكر جملة من الأصحاب : منهم ـ الشهيدان والسيد في
المدارك استحباب تعفير الجبينين أيضا وهما المكتنفان للجبهة. واستدل عليه في
المدارك بالخبر المشهور في ان من علامات المؤمن خمسا ، وعد منها تعفير الجبين (4).
وعندي في ذلك إشكال إذا لم أقف في اخبار السجود على
تعددها وكثرتها على ما يدل عليه ، والاستدلال بهذا الخبر على ذلك غير ظاهر إذ من
المحتمل بل هو الظاهر ان المراد بالجبين هو الجبهة كما مر نظيره في باب التيمم من
كثرة هذا الإطلاق في الأخبار ويؤيده التعبير في الخبر بالجبين مفردا والمراد حينئذ
انما هو استحباب السجود على الأرض. وجعل ذلك من علامات المؤمن من حيث ان المخالفين
لا يرون استحباب سجدة الشكر كما عرفت (5) كما جعل (عليهالسلام) من جملة ذلك
التختم باليمين
__________________
(1) الوسائل الباب 2 من سجدتي الشكر.
(2 و 3) ص 342.
(4) رواه الشيخ في التهذيب ج 2 ص 17 وقد تقدم في الصفحة 167 ما
يتعلق به.
(5) التعليقة (2) ص 341.
ردا على المخالفين الذين يستحبون
التختم باليسار (1) ومثله الجهر
ببسم الله الرحمن الرحيم في مواضع إخفات القراءة فإنه في مقام الرد عليهم كما تقدم
ذكره في المسألة المذكورة وأيضا فإنه لا دلالة في الخبر المذكور على انه بعد
السجود أو لا ليحصل به الفصل بين السجدتين وتعددهما كما ذكروه قياسا على تعفير
الخدين فان الخبر لا يدل على ذلك كما لا يخفى. وبالجملة فإن فهم ما ذكروه من هذه
الرواية في غاية من الخفاء والاشكال إلا ان يكون لهم خبر آخر ولم يوردوه ولم أقف
عليه في اخبار السجود ، والذي صرحوا به دليلا لهذا الحكم انما هو هذه الرواية كما
في المسالك والمدارك وغيرهما والحال كما ترى.
(الرابعة) ـ قد دل خبر جميل المروي في كتاب مجالس الشيخ
أبي علي على استحباب وضع اليد بعد السجود على محل السجود وان يمسح بها وجهه وما
نالته من بدنه وان لم يكن به علة ولا مرض لدفع ما عساه يعرض من الأمراض في هذه
الأماكن.
وقد روى في كتاب مكارم الأخلاق عن إبراهيم بن عبد الحميد
(2) «ان الصادق (عليهالسلام) قال لرجل إذا
أصابك هم فامسح يدك على موضع سجودك ثم أمر يدك على وجهك من جانب خدك الأيسر وعلى
جبهتك إلى جانب خدك الأيمن ثم قل بسم الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة
الرحمن الرحيم اللهم أذهب عني الهم والحزن (ثلاثا)».
وقال شيخنا المفيد (عطر الله مرقده) في المقنعة : يضع
باطن كفه الأيمن موضع سجوده ثم يرقعها فيمسح بها وجهه من قصاص شعر رأسه إلى صدغيه
ثم يمرها على باقي وجهه ويمرها على صدره فان ذلك سنة وفيه شفاء ان شاء الله تعالى
، وقد روى عن
__________________
(1) راجع رسالة «يوم الأربعين عند الحسين ع» للعلامة الحجة
السيد عبد الرزاق المقرم ومقتل الحسين «ع» له أيضا ص 442 الطبعة الثانية فقد نقل
من كتب الحنابلة والحنفية والمالكية ترك الجهر بالبسملة ومن كتب المالكية استحباب
ان يكون التختم باليسار وكان البغوي من الشافعية يقول آخر الأمرين التختم باليسار.
(2) البحار ج 18 الصلاة ص 478.
الصادقين (عليهمالسلام) (1) انهم قالوا «ان
العبد إذا سجد امتد من عنان السماء عمود من نور إلى موضع سجوده فإذا رفع أحدكم
رأسه من السجود فليمسح بيده موضع سجوده ثم يمسح بها وجهه وصدره فإنه لا تمر بداء
إلا نقته ان شاء الله تعالى». انتهى.
وقال في الذكرى : يستحب إذا رفع رأسه منها ان يمسح يده
على موضع سجوده ثم يمرها على وجهه من جانب خده الأيسر وعلى جبهته إلى جانب خده
الأيمن ويقول بسم الله. الدعاء كما تقدم. ثم قال ورواه الصدوق عن إبراهيم بن عبد
الحميد عن الصادق (عليهالسلام) (2) فإنه يدفع
الهم قال وفي مرفوع اليه (عليهالسلام) (3) «إذا كان بك
داء من سقم أو وجع فإذا قضيت صلاتك فامسح بيدك على موضع سجودك من الأرض وادع بهذا
الدعاء وأمر يدك على موضع وجعك (سبع مرات) تقول : يا من كبس الأرض على الماء وسد
الهواء بالسماء واختار لنفسه أحسن الأسماء صل على محمد وآل محمد وافعل بي كذا وكذا
وارزقني كذا وكذا وعافني من كذا وكذا».
(الخامسة) ـ قال في الذكرى : ليس في سجود الشكر تكبير
الافتتاح ولا تكبير السجود ولا رفع اليدين ولا تشهد ولا تسليم ، وهل يستحب التكبير
لرفع رأسه من السجود؟ أثبته في المبسوط. وهل يشترط فيه وضع الجبهة على ما يصح
السجود عليه في الصلاة؟ في الأخبار السالفة إيماء اليه والظاهر انه غير شرط لقضية
الأصل. اما وضع الأعضاء السبعة فمعتبر قطعا ليتحقق مسمى السجود. ويجوز على الراحلة
اختيارا لأصالة الجواز. انتهى.
أقول : اما ما ذكره الشيخ في المبسوط من استحباب التكبير
للرفع من هذه السجدة فالظاهر انه حمله على سجدة التلاوة كما عرفت من دلالة أخبارها
على التكبر للرفع وإلا فأخبار سجدة الشكر على كثرتها لا تعرض فيها لذلك كما لا
يخفى على المتتبع.
واما ما اختاره في الذكرى من عدم اشتراط وضع الجبهة على
ما يصح السجود عليه
__________________
(1) المقنعة ص 17.
(2 و 3) الوسائل الباب 5 من سجدتي الشكر.
في الصلاة فجيد لقضية الأصل وعدم وجود
ما يوجب الخروج عنه. وورود بعض الأخبار بحكاية حال في ذلك لا دلالة فيه على الحصر
والاختصاص ، وهذا هو الذي أشار إليه بالإيماء في كلامه.
واما ما اختاره من اشتراط وضع المساجد السبعة لأن به
يتحقق مسمى السجود فمحل اشكال لما تقدم في سجود التلاوة من اعترافه بصدق السجود
بمجرد وضع الجبهة والأخبار مطلقة وتقييدها بما زاد على وضع الجبهة مع صدق السجود
بذلك يحتاج إلى دليل. ودعوى ان السجود لا يتحقق إلا بوضع المساجد السبعة ممنوعة
مخالفة لما اعترف به سابقا من صدق ذلك بمجرد وضع الجبهة. قال شيخنا البهائي في
كتاب الحبل المتين : وهل يشترط السجود على الأعضاء السبعة أم يكتفى بوضع الجبهة؟
كل محتمل وقطع شيخنا في الذكرى بالأول وعلله بان مسمى السجود يتحقق بذلك. واما وضع
الجبهة على ما يصح السجود عليه فالأصل عدم اشتراطه. انتهى. وهو جيد.
(السادسة) قال شيخنا البهائي (عطر الله مرقده) في كتاب
الحبل المتين : أطبق علماؤنا (رضوان الله عليهم) على ندبية سجود الشكر عند تجدد
النعم ودفع النقم ، وقد روى (1) «ان النبي (صلىاللهعليهوآله) كان إذا جاءه
شيء يسره خر ساجدا». وروى (2) «انه سجد يوما
فأطال فسئل عنه فقال أتاني جبرئيل (عليهالسلام) فقال من صلى
عليك مرة صلى الله عليه عشرا فخررت شكرا لله». وروى (3) «ان أمير
المؤمنين (عليهالسلام) سجد يوم
النهروان شكرا لما وجدوا ذا الثدية قتيلا». وكما يستحب السجود لشكر النعمة
المتجددة فالظاهر ـ كما قاله شيخنا في الذكرى ـ انه يستحب عند تذكر النعمة وان لم
تكن متجددة ، وقد روى إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله
__________________
(1) رواه البيهقي في السنن ج 2 ص 370.
(2 و 3) سنن البيهقي ج 2 ص 371 باختلاف في الحديث (2) والوافي
في (سجود الشكر).
(عليهالسلام) (1) قال : «إذا
ذكرت نعمة الله عليك وقد كنت في موضع لا يراك أحد فألصق خدك بالأرض ، وإذا كنت في
ملأ من الناس فضع يدك على أسفل بطنك واحن ظهرك وليكن تواضعا لله فان ذلك أحب وترى
ان ذلك غمز وجدته في أسفل بطنك». انتهى.
أقول : ومما يعضد ما ذكره ما تقدم في حديث جابر بن يزيد
الجعفي عن الباقر (عليهالسلام) (2) في حكايته عن
أبيه علي بن الحسين (عليهالسلام) وفيه زيادات
على ما ذكروا.
ومنها ـ ما رواه في كتاب ثواب الأعمال عن ذريح المحاربي (3) قال : «قال
أبو عبد الله (عليهالسلام) أيما مؤمن
سجد لله سجدة لشكر نعمة في غير صلاة كتب الله له بها عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات
ورفع له عشر درجات في الجنان».
وما رواه في كتاب البصائر عن معاوية بن وهب (4) قال «كنت مع
أبي عبد الله (عليهالسلام) وهو راكب
حماره فنزل وقد كنا صرنا إلى السوق أو قريبا من السوق قال فنزل وسجد وأطال السجود
وانا انتظره ثم رفع رأسه قال فقلت جعلت فداك رأيتك نزلت فسجدت؟ قال اني ذكرت نعمة
الله علي. قال قلت قرب السوق والناس يجيئون ويذهبون؟ قال انه لم يرني أحد». الى
غير ذلك من الأخبار الكثيرة المذكورة في مظانها.
(السابعة) ـ الظاهر من كلام الأصحاب وكذا من الأخبار ان
سجود الشكر المندوب إليه يتأدى بالمرة الواحدة وان كان التعدد بالفصل بتعفير
الخدين بين السجدتين أفضل ، فإن كثيرا من الأخبار انما اشتمل على سجدة واحدة وجملة
منها دلت على التعدد وكذا في كلام الأصحاب ربما عبروا بسجدة الشكر وربما عبروا
بسجدتي الشكر والكل منصوص كما عرفت ، والتعدد سيما مع توسط التعفير أفضل البتة.
__________________
(1 و 3 و 4) الوسائل الباب 7 من سجدتي الشكر.
(2) ص 346.
(الثامنة) ـ قد استفاضت الأخبار باستحباب اطالة السجود فروى
في الكافي عن زيد الشحام عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (1) في حديث قال :
«ان العبد إذا سجد فأطال السجود نادى إبليس يا ويله أطاعوا وعصيت وسجدوا وأبيت».
وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «مر
بالنبي (صلىاللهعليهوآله) رجل وهو
يعالج بعض حجراته فقال يا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) إلا أكفيك؟
قال شأنك. فلما فرغ قال له رسول الله (صلىاللهعليهوآله) حاجتك قال
الجنة ، فأطرق رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ثم قال نعم.
فلما ولى قال له يا عبد الله أعنا بطول السجود».
وعن عبد الحميد بن أبي العلاء (3) قال «دخلت
المسجد الحرام. ثم ساق الخبر إلى ان قال فإذا أنا بأبي عبد الله (عليهالسلام) ساجدا
فانتظرته طويلا فطال سجوده علي فقمت فصليت ركعات وانصرفت وهو بعد ساجد فسألت مولاه
متى سجد؟ فقال من قبل ان تأتينا. فلما سمع كلامي رفع رأسه. الحديث».
وعن الوشاء (4) قال : «سمعت الرضا (عليهالسلام) يقول أقرب ما
يكون العبد من الله تعالى وهو ساجد وذلك قوله تعالى (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ)» (5).
وروى في كتاب العلل عن أبي بصير (6) قال : «قال
أبو عبد الله (عليهالسلام) يا أبا محمد
عليك بطول السجود فان ذلك من سنن الأوابين». الى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.
وقد روى الأصحاب (7) «ان ادنى ما
يجزئ في سجدة الشكر (شكرا شكرا) ثلاث مرات». ذكر ذلك الشهيد في الذكرى. وقد ورد في
عدة اخبار عن الصادق (عليهالسلام) (8) «ان العبد إذا
سجد فقال يا رب يا رب حتى ينقطع نفسه قال له الرب
__________________
(1 و 2 و 3 و 4 و 6) الوسائل الباب 23 من السجود.
(5) سورة العلق ، الآية 19.
(7) ص 345.
(8) الوسائل الباب 6 من سجدتي الشكر.