ج25 - كتاب الظهار
قال في كتاب المصباح المنير (1) : ظاهر من
امرأته ظهارا مثل قاتل قتالا ، وتظهر : إذا قال لها : أنت علي كظهر أمي ، إنما خص
ذلك بالظهر لأن الظهر من الدابة موضع الركوب ، والمرأة مركوبة وقت الغشيان ، فركوب
الام مستعار من ركوب الدابة ، ثم شبه ركوب الزوجة بركوب الام الذي هو ممتنع ، وهو
استعارة لطيفة ، فكأنه قال : ركوبك للنكاح حرام علي ، وكان الظهار طلاقا في
الجاهلية ، فنهوا عن الطلاق بلفظ الجاهلية وأوجب عليهم الكفارة تغليظا في النهي ،
انتهى.
وفي المسالك أيضا : إنه كان طلاقا في الجاهلية كالإيلاء
، فغير الشرع حكمه إلى تحريمها لذلك ولزوم الكفارة بالعود كما سيأتي ، انتهى.
وقيل في تعريفه : إنه تشبيه الزوج المكلف زوجته ولو
مطلقة رجعية في العدة بظهر امه ، وقيل وبمحرمة نسبا أو رضاعا على ما سيأتي ذكره من
الخلاف ، ولا خلاف بين العلماء في تحريمه.
والأصل في قوله عزوجل «الَّذِينَ
يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ
إِلَّا اللّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ
وَزُوراً»
(2) وقد
__________________
(1) المصباح المنير ص 530.
(2) سورة المجادلة ـ آية 3.
دلت الآية على أنه منكر وزور ، ولا
ريب في تحريم كل منهما ، ونقل في الشرائع قولا بأنه محرم ، ولكن يعفي عن فاعله
يعني في الآخرة ، فلا يعاقب عليه استنادا إلى قوله تعالى في آخر الآية «وَإِنَّ
اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ».
قال في المسالك : وهذا القول ذكره بعض المفسرين ولم يثبت
عن الأصحاب ثم تنظر فيه بأنه لا يلزم من وصفه تعالى بالعفو والغفران فعليتهما بهذا
النوع من المعصية ، وذكره بعده لا يدل عليه. نعم لا يخلو من باعث على الرجاء
والطمع في عفو الله تعالى ، إلا أنه لا يلزم منه وقوعه به بالفعل ، ونظائره في
القرآن كثيرة مثل قوله تعالى «وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما
أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللهُ غَفُوراً
رَحِيماً»
(1) مع أنه لم يقل
أحد بوجوب عفوه عن هذا الذنب المذكور قبله ـ إلى أن قال : ـ والحق أنه كغيره من
الذنوب أمر عقابها راجع إلى مشية الله تعالى ، انتهى.
والسبب في نزول هذه الآية ما رواه الثقة الجليل علي بن
إبراهيم القمي في تفسيره (2) بسنده المذكور
فيه عن حمران عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «إن
امرأة من المسلمات أتت النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقالت : يا
رسول الله إن فلانا زوجي وقد نثرت له بطني وأعنته على دنياه وآخرته ، لم ير مني
مكروها ، أشكوه إليك ، قال : فيم تشكونيه؟ قالت : إنه قال : أنت علي حرام كظهر أمي
، وقد أخرجني من منزلي فانظر في أمري ، فقال لها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ما أنزل
الله تبارك وتعالى كتابا أقضي فيه بينك وبين زوجك ، وأنا أكره أن أكون من
المتكلفين ، فجعلت تبكي وتشتكي ما بها إلى الله عزوجل وإلى رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وانصرفت ، قال
: فسمع الله تبارك وتعالى
__________________
(1) سورة الأحزاب ـ آية 5.
(2) تفسير القمي ج 2 ص 353 ط النجف الأشرف وفيه اختلاف يسير ،
الوسائل ج 15 ص 506 ب 1 ح 2 لحد قوله «هذا حد الظهار» مع اختلاف يسير وأما بقية
الحديث فمذكور في ص 509 ب 2 ح 1.
مجادلتها لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في زوجها وما
شكت إليه ، وأنزل الله عزوجل في ذلك قرآنا «بِسْمِ
اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي
زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما ـ إلى قوله ـ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً
وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ» قال : فبعث
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى المرأة ،
فأتته فقال لها : جيئني بزوجك ، فأتت به ، فقال له : أقلت لامرأتك هذه أنت على
حرام كظهر أمي؟ فقال : قد قلت لها ذلك ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : قد أنزل
الله فيك وفي امرأتك قرآنا وقرأ : «بِسْمِ
اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي
زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللهَ
سَمِيعٌ بَصِيرٌ الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ
أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ
لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ» فضم إليك
امرأتك ، فإنك قد قلت منكرا من القول وزورا ، وقد عفا الله عنك وغفر لك ولا تعد ،
قال : فانصرف الرجل وهو نادم على ما قال لامرأته.
وكره الله عزوجل ذلك للمؤمنين
بعد وأنزل الله «الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما
قالُوا»
يعني ما قال الرجل الأول لامرأته أنت علي حرام كظهر أمي
، قال : فمن قالها بعد ما عفا الله وغفر للرجل الأول ، فإن عليه «فَتَحْرِيرُ
رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا» يعني مجامعتها «ذلِكُمْ
تُوعَظُونَ بِهِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ
شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ
فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً» قال : فجعل
عقوبة من ظاهر بعد النهي هذا ، ثم قال «ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ
وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ» قال : هذا حد الظهار. وقال حمران (1) قال أبو جعفر عليهالسلام : ولا يكون
ظهار في يمين ، ولا في إضرار ، ولا في غضب ، ولا يكون ظهار إلا على طهر من غير
جماع بشهادة شاهدين مسلمين».
ورواه ثقة الإسلام في الكافي (2) في الحسن عن
حمران عن أبي جعفر عليهالسلام مثله.
__________________
(1) الوسائل ج 15 ص 509 ب 2 ح 1 وفيه اختلاف يسير.
(2) الكافي ج 6 ص 152 ح 1 وفيه اختلاف يسير.
وأنت خبير بأن المفهوم من هذا الخبر أن ذكر العفو
والمغفرة في آخر هذه الآية إنما هو بالنسبة إلى ذلك الرجل الأول الذي كان هو السبب
في نزول الآية لا بالنسبة إلى كل من ظاهر ، فإن هذا الرجل المشار إليه كان جاهلا
بتحريم ذلك ، ومن ثم عفا الله عنه ، وأما من علم بعد ذلك فإنه لا يدخل تحت الآية ،
بل تجب عليه الكفارة عقوبة لما ارتكبه من ذلك الفعل المحرم كما صرح به عليهالسلام ، في الخبر
المذكور.
وبما ذكرناه من التفصيل يظهر لك ما في كلام شيخنا
المتقدم ذكره من الإجمال ، وأن الفاعل لذلك مطلقا تحت المشية ، فإنه لا معنى له ،
إذ الأول كما عرفت معفو عنه لجهله ، والثاني حيث كان عالما بتحريم ما ارتكبه فإنه
يجب عليه الكفارة عقوبة لما ارتكبه ، فلا معنى لقياس هذا الفرد على غيره من الذنوب
الداخلة تحت المشية ، بل الحكم فيه بمقتضى الخبر المذكور هو ما عرفت.
وروى الصدوق في من لا يحضره الفقيه (1) بطريقه إلى
ابن أبي عمير عن أبان وغيره عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «كان
رجل على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقال له أوس
ابن الصامت ، وكانت تحته امرأة يقال لها خولة بنت المنذر ، فقال لها ذات يوم : أنت
علي كظهر أمي ، ثم ندم وقال لها : أيتها المرأة ما أظنك إلا وقد حرمت علي فجاءت
إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقالت : يا
رسول الله إن زوجي قال لي : أنت علي كظهر أمي ، وكان هذا القول فيما مضى يحرم
المرأة على زوجها ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ما أظنك إلا
وقد حرمت ، فرفعت المرأة يدها إلى السماء فقالت : أشكو إلى الله فراق زوجي ، فأنزل
الله عزوجل يا محمد «قَدْ
سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها» الآيتين ، ثم
أنزل الله عزوجل الكفارة في
ذلك فقال «وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ» الآيتين.
__________________
(1) الفقيه ج 3 ص 340 ح 4 وفيه اختلاف يسير ، الوسائل ج 15 ص
506 ب 1 ح 1.
أقول : يمكن حمل إجمال الخبر الأول على هذا الخبر
المذكور فيه اسم الرجل والمرأة فتكون القصة واحدة ، وإن فصلت أحكامها في الرواية
الاولى وأجملت في الثانية ، وإلا فيشكل الجمع بينهما لو تعددت القصة.
وروى المرتضى علي بن الحسين في رسالة المحكم والمتشابه (1) نقلا من تفسير
النعماني بإسناده إلى علي عليهالسلام قال : «وأما
المظاهرة في كتاب الله عزوجل فإن العرب
كانت إذا ظاهر رجل منهم من امرأته حرمت عليه إلى آخر الأبد ، فلما هاجر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان بالمدينة
رجل من الأنصار يقال له أوس بن الصامت ، وكان أول رجل ظاهر في الإسلام فجرى بينه
وبين امرأته كلام ، فقال لها : أنت علي كظهر أمي ، ثم إنه ندم على ما كان منه ،
فقال : ويحك إنا كنا في الجاهلية تحرم علينا الأزواج في مثل هذا قبل الإسلام ، فلو
أتيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فسألته عن ذلك
، فجاءت المرأة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فأخبرته ،
فقال : ما أظنك إلا وقد حرمت عليه إلى آخر الأبد ، فجزعت وبكت ، وقالت : أشكو إلى
الله فراق زوجي ، فأنزل الله عزوجل «قَدْ
سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها ـ إلى قوله ـ وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ» الآية ، فقال
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : قولي لأوس
زوجك يعتق نسمة فقالت : وأنى له نسمة ، والله ما له خادم غيري ، قال : فيصوم شهرين
متتابعين ، قالت : إنه شيخ كبير لا يقدر على الصيام ، قال : فمريه فليتصدق على
ستين مسكينا فقالت : وأنى له الصدقة ، فوالله ما بين لابتيها أحوج منا ، قال :
فقولي له : فليمض إلى أم المنذر فليأخذ منها شطر وسق تمر فليتصدق على ستين مسكينا»
الحديث.
أقول : هذا الخبر لا يخلو من الإشكال ، فإن ما تضمنه من
وجوب الكفارة يرده ظاهر الآية بالتقريب الذي قدمنا ذكره ، وما صرح به في الخبر
الأول من العفو والمغفرة عن الأول ، وأن الكفارة إنما على من علم بالتحريم بعد هذه
القصة ثم ظاهر لقوله عليهالسلام «فمن قالها بعد
ما عفا الله وغفر للرجل الأول فإن عليه تحرير
__________________
(1) الوسائل ج 15 ص 508 ب 1 ح 4 وفيه «تسأليه» بدل «فسألته».
رقبة ـ إلى أن قال : ـ فجعل عقوبة من
ظاهر بعد النهى هذا» الحديث ، وأيضا فإن الظاهر أن الظهار هنا لم يستجمع شرائط
الظهار الموجبة للتكفير ، سيما الشاهدين فإنه لم يتقرر بعد ، وإنما تقرر ورتبت
عليه الأحكام بعد هذه القضية.
إذا تقرر ذلك فاعلم أن البحث في هذا الكتاب يقع في الصيغة والمظاهر والمظاهرة ، وما يترتب على ذلك من الأحكام ، فها هنا مطالب أربعة :
الأول في الصيغة :
لا خلاف ولا إشكال في انعقاد الظهار بقوله أنت علي كظهر
أمي ، قيل وفي معنى علي غيرها من الألفاظ كمني وعندي ولدي ومعي ، وكذا يقوم مقام
أنت ما شابهها من الألفاظ الدالة على تميزها من غيرها كهذه أو فلانة.
ولو قال : أنت كظهر أمي بحذف حرف الصلة فالأكثر على أنه
ظهار ، واستشكله العلامة في التحرير ، ووجهه في المسالك بأنه مع ترك حرف الصلة
يحتمل أنه أراد كونها محرمة على غيره حرمة ظهر امه عليه.
وفيه أن الاحتمال لا ينافي الظهور ، والظاهر المتبادر من
هذا اللفظ إنما هو إرادة التحريم على نفسه الذي به يصدق الظهار ، والعمل إنما هو
على الظاهر في جميع الموارد.
بقي هنا مواضع وقع الخلاف فيها : ما لو شبهها بظهر غير
الام من المحارم نسبا أو رضاعا.
فقيل بأنه لا يقع ، وهو اختيار الشيخ في الخلاف وابن
إدريس في السرائر ، محتجا عليه بأن الظهار حكم شرعي ، وقد ثبت وقوعه إذا علق
بالظهر وأضيف إلى الأم ، ولم يثبت ذلك في باقي الأرحام ولا المحرمات.
واستدل له بعض الأصحاب بما رواه الشيخ (1) في الصحيح عن
سيف التمار
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 157 ح 18 ، التهذيب ج 8 ص 10 ح 5 ، الوسائل ج
15 ص 511 ب 4 ح 3.
قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : الرجل يقول
لامرأته أنت علي كظهر أختي أو عمتي أو خالتي؟ قال : فقال : إنما ذكر الله الأمهات
، وأن هذا الحرام».
ورد ذلك جملة من المتأخرين منهم السيد السند في شرح
النافع وقبله جده في المسالك ومن تأخر عنهما بأن الرواية غير دالة على ذلك بل هي
بالدلالة على نقيضه أشبه ، فإن الظاهر من قوله «وأن هذا الحرام» في هذه الرواية
إنه ظهار محرم وإن لم يكن ذكره الله في كتابه.
أقول : ومن المحتمل قريبا إن لم يكن هو الأقرب أن
الإشارة في الخبر إنما توجهت إلى الذي ذكره في كتابه لا إلى الأخت وما بعدها ،
ويؤيده أنه الأقرب والمعنى أن الذي ذكره في كتابه ورتب عليه الظهار إنما هو الام
وهو الحرام الذي أشار إليه عزوجل بقوله «وَإِنَّهُمْ
لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً» لا الأخت
ونحوها ، هذا هو الظاهر من الخبر ، وعليه بني الاستدلال. وأما ما ذكروه فإنه وإن
احتمل إلا أن الظاهر بعده ، وعلى هذا يكون الخبر دليلا للقول المذكور لا يعتريه
فتور ولا قصور ، إلا أنه معارض بغيره كما ستقف عليه.
وقيل بأنه يقع بالتشبيه بالمحرمات النسبية المؤيد
تحريمهن ، وهو قول ابن البراج.
قال في المهذب : فإن شبهها بامرأة محرمة عليه على
التأييد غير الأمهات كالبنات وبنات الأولاد والأخوات وبناتهن والعمات والخالات ،
فعندنا أنهن يجرين مجرى الأمهات ، وأما النساء المحرمات عليه بالرضاع والمصاهرة
فالظاهر أنه لا يكون بهن مظاهر ، انتهى.
ويدل على هذا القول صريحا ما رواه الشيخ (1) في الصحيح عن
زرارة قال : «سألت أبا جعفر عليهالسلام عن الظهار
فقال : هو من كل ذي محرم أم أو أخت
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 153 ح 3 ، التهذيب ج 8 ص 9 ح 1 ، الفقيه ج 3
ص 340 ح 3 ، الوسائل ج 15 ص 511 ب 4 ح 1.
أو عمة أو خالة ، ولا يكون الظهار في
يمين ، قلت : وكيف يكون؟ قال : يقول الرجل لامرأته وهي طاهر في غير جماع أنت علي
حرام مثل ظهر أمي أو أختي ، وهو يريد بذلك الظهار».
وما رواه في الكافي (1) في الصحيح أو الحسن عن جميل بن دراج
قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : الرجل يقول
لامرأته أنت علي كظهر عمته أو خالته ، قال : هو الظهار».
وعن يونس عن بعض رجاله (2) عن أبي عبد
الله عليهالسلام ، في حديث
يأتي ذكره قريبا قال : «وكذلك إذا هو قال : كبعض المحارم فقد لزمته الكفارة».
وقيل : بإضافة المحرمات الرضاعية إلى المحرمات النسبية ،
وهو قول الأكثر على ما ذكره في المسالك ، ومثله سبطه في شرح النافع.
أقول : ممن ذكر هذا القول صريحا الشيخ في المبسوط حيث
قال : إذا شبهها بامرأة تحرم لا على التأبيد كالمطلقة ثلاثا أو أخت امرأته أو
عمتها أو خالتها لم يكن مظاهرا بلا خلاف وإن شبهها بمحرمة على التأبيد غير الأمهات
والجدات كالبنات وبنات الأولاد والأخوات وبناتهن والعمات والخالات ، فروى أصحابنا أنهن
يجرين مجرى الأمهات. وأما النساء والمحرمات عليه بالرضاع أو المصاهرة فالذي يقتضيه
مذهبنا أن من يحرم عليه بالرضاع حكمه حكم من يحرم بالنسب لقوله عليهالسلام «يحرم من
الرضاع ما يحرم من النسب». وأما من يحرم عليه عليه بالمصاهرة فينبغي أن لا يكون
مظاهرا لأنه لا دليل عليه ، ونحوه ابن حمزة (3) وابن الجنيد
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 155 ح 10 ، التهذيب ج 8 ص 9 ح 3 ، الوسائل ج
15 ص 511 ب 4 ح 2.
(2) الكافي ج 6 ص 161 ح 36 ، الوسائل ج 15 ص 512 ب 4 ح 4.
(3) قال ابن حمزة : لو شبهها بواحدة من المحرمات نسبا أو رضاعا
وقع ، وقال ابن الجنيد : والظهار بكل من حرم الله عليه ووطؤها بالنسب والرضاع واقع
، كقول الرجل أنت على كظهر أمي أو ابنتي أو مرضعتي أو ابنتها ، انتهى. (منه ـ قدسسره ـ).
وأما باقي الأصحاب ممن نسب إليه هذا القول كالشيخ في
النهاية والشيخ المفيد والصدوق فإنما هو من حيث الإطلاق ، ونحوهم غيرهم كابن أبي
عقيل وابن البراج في الكامل وسلار وأبي الصلاح وابن زهرة ، ويمكن أن يستدل على هذا
القول زيادة على ما ذكره في المبسوط من حديث «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»
بإطلاق مرسلة يونس المذكورة ، وكذا إطلاق قوله عليهالسلام في صحيحة
زرارة «هو من كل ذي محرم» ولا ينافيه تخصيص العد بالأم والأخت ومن معهما ، لأن
الظاهر أن ذلك إنما خرج مخرج التمثيل لا الحصر ، ولا للزوم الحصر في هذه الأفراد
المذكورة في الرواية ، والنص والإجماع على خلافه.
وقيل : بإضافة محرمات المصاهرة ، وهو اختيار العلامة في
المختلف ، حيث قال بعد نقل أقوال المسألة : والوجه عندي الوقوع إذا شبهها
بالمحرمات على التأبيد ، سواء النسب والرضاع والمصاهرة للاشتراك في العلة. والظاهر
أنه أراد بها تأبيد التحريم ، فإنه مشترك بين النسب والرضاع والمصاهرة.
وأورد عليه بأن هذه العلة مستنبطة فلا عبرة بها. نعم
يمكن الاستدلال عليه بإطلاق صحيحة زرارة ورواية يونس المذكورتين ، لصدق كل ذي محرم
على المحرمات بالمصاهرة ، والتمثيل بذي المحرم النسبي لا يفيد الحصر فيه ، وظاهر
السيد السند الميل إلى هذا القول (1) لإطلاق الصحيحة المذكورة وهو غير
بعيد ، بل لا يخلو من قرب.
ومنها : أنه هل يقع بغير لفظ الظهر كأن يقول كبطن أمي أو
يدها أو رجلها أو شعرها أم لا؟ قولان :
(أولهما) للشيخ ـ رحمهالله ـ في الخلاف
وجماعة مدعيا عليه في الخلاف إجماع
__________________
(1) واليه يميل كلام جده في المسالك ، حيث قال بعد الاستدلال
عليه بصحيحة زرارة بالتقريب المذكور : وفي هذا القول قوة. (منه ـ قدسسره ـ).
الفرقة ، وأنه إذا قال ذلك وفعل ما
يجب على المظاهر كان أحوط في استباحة الوطء وإذا لم يفعل كان مفرطا.
و (ثانيهما) للسيد المرتضى ـ رضياللهعنه ـ في الانتصار
مدعيا عليه الإجماع ، وتبعه ابن إدريس وابن زهرة وجمع من الأصحاب وعليه المتأخرون.
والذي وقفت عليه من الأخبار هنا ما رواه في الكافي (1) عن يونس عن
بعض رجاله عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته
عن رجل قال لامرأته أنت علي كظهر أمي أو كيدها أو كبطنها أو كفرجها أو كنفسها أو
ككعبها ، أيكون ذلك الظهار؟ وهل يلزمه فيه ما يلزم المظاهر؟ فقال : المظاهر إذا
ظاهر من امرأته فقال هي عليه كظهر امه أو كيدها أو كرجلها أو كشعرها أو كشيء منها
ينوي بذلك التحريم فقد لزمته الكفارة في كل قليل منها أو كثير ، وكذلك إذا هو قال
كبعض ذوات المحارم فقد لزمته الكفارة».
وما رواه الشيخ في التهذيب (2) عن سدير عن
أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قلت له
: الرجل يقول لامرأته أنت علي كشعر أمي أو ككفها أو كبطنها أو كرجلها ، قال : ما
عنى؟ إن أراد أنه الظهار فهو الظهار».
وهذان الخبران كما ترى ظاهران فيما ذهب إليه الشيخ ومن
تبعه من وقوع الظهار بهذه الصيغة.
وجملة من المتأخرين كصاحب المسالك وسبطه ذكروا الرواية
الثانية دليلا للشيخ وردوها بضعف السند.
وأنت خبير بأن من لا يعمل بهذا الاصطلاح كالشيخ وأمثاله
من المتقدمين وجملة من متأخري المتأخرين فإنه لا مناص له من العمل بالخبرين
المذكورين لعدم المعارض في البين ، وغاية ما استدل به لقول السيد المرتضى بأن
الأصل
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 161 ح 36 ، الوسائل ج 15 ص 517 ب 9 ح 1.
(2) التهذيب ج 8 ص 10 ح 4 ، الوسائل ج 15 ص 517 ب 9 ح 2.
الإباحة إلا ما خرج عنها بدليل أو
إجماع ، وهو الظهر ، فيبقى الباقي على الأصل ولأن الظهار مشتق من الظهر ، فإذا علق
بغيره بطل الاسم المشتق منه ، وهذه التعليلات عند من يعمل بالخبرين المذكورين غير
مسموعة ، لأنها مجرد اجتهاد في مقابلة النصوص ، والأصل الذي اعتمدوه يجب الخروج
عنه بالنص المذكور.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنهم في هذا الموضع قد ذكروا صورا
عديدة تفريعا على التشبيه ، والنسبة فيه من كونه بين الجملة والجملة أو الأجزاء
والأجزاء أو الجملة والأجزاء ، ذلك مما ستقف عليه إن شاء الله تعالى.
الاولى : أن يقع التشبيه بين جملة الزوجة وظهر الام ،
وهو أن يقول : أنت علي كظهر أمي ، وهذا هو المتفق عليه إجماعا نصا وفتوى ، وقد
تقدم ما الحق به مما هو في معناه من تبديل حرف الصلة وتبديل اللفظ الدال على
التعيين.
الثانية : أن يقع بين جملة الزوجة وجزء آخر من الام غير
الظهر ، سواء كان مما لا يتم حياتها إلا به كوجهها ورأسها وبطنها أو يتم كيدها
ورجلها ، وسواء حلته الحياة أم لا ، وهذه الصورة هي محل البحث المتقدم ، وقد عرفت
الخلاف فيه وما يتعلق به من الأخبار.
الثالثة : أن يشبه بالجملة بالجملة بأن يقول أنت علي
كأمي ، أو بدنك أو جسمك علي كبدن أمي أو جسمها ، وفي وقوع الظهار به قولان مبنيان
على ما سبق ، والشيخ حيث قد حكم فيما سبق بالوقوع حكم به هنا ، قال : لأن صحته مع
تشبيهه بتلك الأجزاء تستلزم صحته مع التشبيه بنفسها بطريق أولى لاشتمالها على تلك
الأجزاء وزيادة ، ولاشتمال جملتها على ظهرها الذي هو مورد النص ، فيدل عليه تضمنا.
وأجيب عنه بمنع الأصل والأولوية ، فإن الأسباب الشرعية
لا تقاس ، ونمنع من دخول الظهر في قوله أنت ، وجاز أن يكون لتخصيصه فائدة باعثة
على الحكم ، والأكثر كما ذكره في المسالك على عدم الوقوع بذلك لفوت الشرط وهو
التشبيه بالظهر كما قد علم من السابق.
أقول : ونحن وإن اخترنا مذهب الشيخ ثمة لما عرفت من
دلالة الخبرين المذكورين عليه إلا أن حمل هذه الصورة عليه كما ذكره لا يخرج عن
ظلمة الالتباس المحتملة للوقوع في القياس.
الرابعة : أن يشبه بعض أجزاء الزوجة بجملة الأم كأن يقول
يدك أو رأسك أو رجلك علي كأمي ، وفيه القولان السابقان. فالشيخ قال بصحته لأنه
مركب من أمرين صحيحين ، وفيه منع ظاهر مما تقدم.
الخامسة : أن يشبه جزء الزوجة بظهر الأم بأن يقول بذلك
وفرجك كظهر أمي ، وصححه الشيخ أيضا بطريق أولى ، والأشهر الأظهر العدم لما عرفت.
السادسة : أن يشبه الجزء بالجزء كأن يقول يدك علي كيد
أمي ، وصححه الشيخ مع قصد الظهار ، ودليله مركب مما سبق ، والأشهر الأظهر العدم
كما تقدم.
السابعة : أن يقع التشبيه بين الزوجة بصورها الست
المذكورة وغير الام من المحارم ، فإن وقع بين الجملة من الزوجة وبين الظهر من تلك
المشبه بها فقد عرفت صحته مما تقدم.
وإن وقع بين الجملة من الزوجة والجزء من المحارم غير
الظهر فالظاهر بطلانه ، ويظهر من المحقق ادعاء عدم الخلاف في ذلك.
وفي المختلف (1) إن بعض علمائنا قال بوقوعه وآخرون
بعدمه ، ونقل الخلاف في ذلك عن ابن إدريس.
وإن وقع بين الجملة والجملة بغير لفظ الظهر فالقولان ،
وبالجملة فالظاهر الوقوف على موارد النصوص ، وإن ضعف سندها بهذا الاصطلاح المحدث ،
والله العالم.
__________________
(1) قال في المختلف : لو شبهها بإحدى المحرمات غير الام بغير
لفظ الظهر كقوله أنت على كيد أختي أو ابنتي قال بعض علمائنا : لا يقع ، وقال آخرون
بالوقوع ، ونقلهما ابن إدريس ، انتهى. (منه ـ قدسسره ـ).
تنبيهات
الأول : لا خلاف في أن ما عدا من حرم بالنسب أو الرضاع
أو المصاهرة من المحرمات الغير المؤبدة فإنه لا يقع بهن ظهار ، وقد تقدم في عبارة
الشيخ في المبسوط ما يدل على أنه لا خلاف فيه.
وقال في المسالك : أما من لا يحرم مؤبدا كأخت الزوجة
وبنت غير المدخول بها مما يحرم جمعا خاصة فحكمهما حكم الأجنبية في جميع الأحكام
لأن تحريمهما يزول بفراق الام والأخت كما يحرم جميع نساء العالم على المتزوج أربعا
، ويحل له كل واحدة ممن ليست محرمة بغير ذلك على وجه التخيير بفراق واحدة من
الأربع ، والأولى بعدم الوقوع تشبيها بعمة الزوجة وخالتها ، لأن تحريمهما ليس
مؤبدا عينا ولا جمعا مطلقا بل على وجه مخصوص كما لا يخفى ، انتهى.
وأنت خبير بأن ظاهر كلامهم يدور في صحة المظاهرة وعدمها
على كون المشبه بها مؤبدة التحريم وعدمه ، فإن كان تحريمها مؤبدا صح أن يشبه بها
في الظهار ، ويكون ظهارا صحيحا ، وإلا فلا.
وفيه أن هنا جملة من الأفراد التي تحريمها مؤبدا كما
تقدم في كتاب النكاح مثل المطلقة تسعا ، وأم من لاط به وبنته وأخته ، ومن زنى بها
وهي ذات بعل أو في عدة رجعية ، ونحو ذلك مما تقدم. فإن التحريم في الجميع مؤبد وهي
خارج عن الأفراد الثلاثة المتقدمة ، مع أن الظاهر أنه لا يقع الظهار بالتشبيه
بإحداهن اتفاقا.
وبالجملة فإني لا أعرف للتقييد بالتأبيد هنا وجها وجيها
، بل ينبغي أن يجعل الحكم منوطا بكل من خرج عن الأفراد الثلاثة سواء كان تحريمه
مؤبدا أم لا ، فإنه لا يقع الظهار به.
الثاني : ظاهر الأصحاب أنه لا ريب في تحريم التشبيه
بالجدة لأب كانت أو
أم على تقدير القول بوقوع الظهار
بالتشبيه بالمحرمات النسبية ، وإنما الكلام على تقدير الاختصاص بالأم فهل يتعدى
إلى الجدة مطلقا؟ وجهان :
(أحدهما) نعم ، لصدق الام عليها في قوله «حُرِّمَتْ
عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ» (1) فإن المراد
بالأمهات من ولدته بلا واسطة أو بواسطة وإن علت والأصل في الاستعمال الحقيقة ،
ويؤيده أنهن يشاركن الأم في سقوط القصاص ووجوب النفقة.
(وثانيهما) لا ، لجواز سلبها عنها فيقال : ليست أمي بل
أم أبي أو أم أمي ، ولقوله عزوجل «إِنْ
أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللّائِي وَلَدْنَهُمْ» (2) وهي مفيدة للحصر.
وأنت خبير بما في الثاني من القصور لضعف مستنده المذكور.
أما أول دليله فإنه إن أراد بقوله «ليست أمي» إن أراد
على الإطلاق منعنا السلب ، وهو أول المسألة ، فالاستدلال به مصادرة محضة ، وإن
أراد به يعني بلا واسطة بل هي أمي بالواسطة فلا ضير فيه.
وأما ثاني دليله فلصدق ولادتها له بولادة أحد أبويه ،
والمراد ولدتا بواسطة أو غير واسطة ، مع أن الحصر في ظاهر الآية إنما هو إضافي
بالنسبة إلى المظاهر من امرأته بكونها كأمه في التحريم عليه فلا تعلق لها بما نحن
فيه ، وبذلك يظهر لك قوة الوجه الأول من الوجهين المذكورين.
الثالث : لا خلاف في أنه يشترط في صحة الظهار وترتب
أحكامه عليه سماع الشاهدين لنطق المظاهر وأن يكون ظاهرها في طهر لم يقربها فيه.
ومن الأخبار الدالة على ما قلناه ما تقدم في صحيحة زرارة
(3) من قوله عليهالسلام «يقول الرجل
لامرأته وهي طاهر في غير جماع : أنت علي حرام مثل ظهر أمي ، وهو يريد بذلك الظهار».
__________________
(1) سورة النساء ـ آية 23.
(2) سورة المجادلة ـ آية 3.
(3) الكافي ج 6 ص 153 ذيل ح 3 ، التهذيب ج 8 ص 9 ح 1 ، الفقيه
ج 3 ص 340 ح 3 وما في المصادر زيادة «أو أختي» ، الوسائل ج 15 ص 509 ب 2 ح 2.
وما رواه في الكافي (1) في الحسن عن حمران في حديث قال : «قال
أبو جعفر عليهالسلام : لا يكون
ظهار في يمين ولا في إضرار ولا في غضب ، ولا يكون ظهار إلا في طهر من غير جماع
بشهادة شاهدين مسلمين».
وما رواه في الكافي والتهذيب (2) عن ابن فضال
عمن أخبره عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «لا
يكون الظهار إلا على مثل موضع الطلاق».
ورواه الصدوق (3) بإسناده عن ابن فضال وعن حمزة بن
حمران عن أبي جعفر عليهالسلام ، في حديث قال
: «لا يكون ظهار الا على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين مسلمين».
ورواه الصدوق (4) بإسناده عن الحسن بن محبوب عن أبي
ولاد عن حمزة بن حمران مثله.
وما دل عليه ظاهر هذين الخبرين من الاكتفاء بإسلام
الشاهدين يجب حمله على التقية لما دلت عليه الآية وجملة من الأخبار الصحيحة من
اشتراط العدالة التي هي أمر زائد على الإسلام ، وقد تقدم تحقيق الكلام في هذا
المقام بما لا يحوم حوله نقض ولا إبرام في بحث صلاة الجمعة من الجلد الثاني من
كتاب الصلاة. (5)
الرابع : لا خلاف بين الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ في
أنه لا ينعقد الظهار
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 152 ح 1 ، التهذيب ج 8 ص 10 ح 8 ، الفقيه ج 3
ص 345 ح 20 ، الوسائل ج 15 ص 509 ب 2 ح 1.
(2) الكافي ج 6 ص 154 ح 5 ، التهذيب ج 8 ص 13 ح 19 ، الفقيه ج
3 ص 340 ح 2 رواه مرسلا وفيه «الا على موضع الطلاق» ، الوسائل ج 15 ص 509 ب 2 ح 3.
(3) الكافي ج 6 ص 153 ذيل ح 1 ، الفقيه ج 3 ص 345 ذيل ح 20 مع
اختلاف يسير ، التهذيب ج 8 ص 10 ذيل ح 8 ، الوسائل ج 15 ص 510 ب 2 ح 4 وما في
المصادر «عن حمران» وليس فيها «ابن فضال».
(4) الفقيه ج 3 ص 345 ح 20 ، الوسائل ج 15 ص 510 ب 4 ح 2
وفيهما «عن حمران».
(5) الحدائق ج 10 ص 12.
بقول الزوج كظهر أبي وأخي وعمي ، وقد
ذكر الأصحاب ذلك هنا تنبيها على خلاف بعض العامة ، حيث حكم بوقوع الظهار بالتشبيه
بمحارم الرجال.
وفيه (أولا) أنه لا دليل عليه وأصالة الإباحة ثابتة حتى
يقوم دليل على خلافها.
(وثانيا) أن الرجل ليس محل الاستمتاع ولا في معرض الاستحلال
، وهكذا لو قالت الزوجة أنت علي كظهر أبي أو أمي فإنه لا يفيد التحريم إجماعا ،
لأن الظهار كالطلاق مختص بالرجال.
وعلى ذلك يدل أيضا ما رواه ثقة الإسلام والصدوق في
كتابيهما (1) عن السكوني عن
أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قال
أمير المؤمنين عليهالسلام : إذا قالت
المرأة زوجي علي حرام كظهر أبي فلا كفارة عليها».
الخامس : اختلف الأصحاب في تعليق الظهار على الشرط كأن
يقول إن دخلت الدار أو فعلت كذا فأنت علي كظهر أمي مريدا به التعليق ، فهل يقع
الظهار متى وجد الشرط أم لا؟ قولان.
اختار أولهما الشيخ في النهاية والخلاف والمبسوط والصدوق
في المقنع وبه قال ابن حمزة والعلامة والمحقق في النافع ، ونقله في المسالك عن
أكثر المتأخرين قال : إنه الأقوى ، وكذا اختاره سبطه في شرح النافع.
واختار ثانيهما المرتضى ـ رحمة الله عليه ـ في الانتصار
والشيخ المفيد ـ رحمهالله ـ وابن البراج
في كتابيه الكامل والمهذب وسلار وأبو الصلاح وابن زهرة ، وهو ظاهر ابن الجنيد ،
وبه صرح ابن إدريس فقال : وهو الأظهر بين أصحابنا الذي يقتضيه أصول المذهب ، لأنه
لا خلاف بينهم أن حكمه حكم الطلاق ، ولا خلاف بينهم أن الطلاق لا يقع إذا كان
مشروطا ، وهو اختيار السيد المرتضى وشيخنا
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 159 ح 27 ، الفقيه ج 3 ص 346 ح 22 ، الوسائل
ج 15 ص 534 ب 21 ح 1.
المفيد وعليه جملة أصحابنا وهو اختيار
المحقق في الشرائع وظاهره أنه قول الأكثر وأن القول الآخر نادر ، مع أنه في النافع
وهو متأخر عن الشرائع جعل القول بالصحة مع الشرط أشهر الروايتين.
والأصل في الخلاف اختلاف أخبار المسألة المذكورة ،
فالواجب ذكر ما وصل إلينا من أخبارها ثم الكلام فيها بما رزق الله تعالى فهمه منها
ببركة أهل الذكر عليهمالسلام.
ومنها ما رواه ثقة الإسلام في الكافي والشيخ في التهذيب (1) عن عبد الرحمن
ابن الحجاج عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «الظهار
ضربان أحدهما فيه الكفارة قبل المواقعة ، والآخر بعدها ، فالذي يكفر قبل المواقعة
الذي يقول أنت علي كظهر أمي ولا يقول : إن فعلت بك كذا وكذا. والذي يكفر بعد
المواقعة هو الذي يقول : أنت علي كظهر أمي إن قربتك».
وما رواه الشيخ عن عبد الرحمن بن الحجاج (2) «قال الظهار
على ضربين في أحدهما الكفارة إذا قال أنت علي كظهر أمي ولا يقول أنت علي كظهر أمي
إن قربتك».
وعن حريز (3) في الصحيح عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : الظهار
ظهاران فأحدهما أن يقول أنت علي كظهر أمي ثم سكت ، فكذلك الذي يكفر قبل أن يواقع ،
فإذا قال أنت علي كظهر أمي إن فعلت كذا وكذا ففعل فعليه الكفارة حين يحنث».
وهذه الروايات ظاهرة الدلالة على القول الأول ، ويؤيدها
عموم الآيات الدالة على وقوع الظهار المتناولة لموضع النزاع ، وعموم (4) «المؤمنين عند
شروطهم».
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 160 ح 32 ، التهذيب ج 8 ص 12 ح 15 ، الوسائل
ج 15 ص 529 ب 16 ح 1.
(2) التهذيب ج 8 ص 13 ح 16 ، الوسائل ج 15 ص 531 ب 16 ح 8.
(3) التهذيب ج 8 ص 12 ح 14 ، الوسائل ج 15 ص 530 ب 16 ح 7 وليس
فيه «قبل أن يواقع» مع اختلاف يسير فيهما.
(4) الكافي ج 5 ص 404 ح 8 و 9.
ومنها ما رواه في الكافي والتهذيب (1) عن القاسم بن
محمد الزيات قال : «قلت لأبي الحسن الرضا عليهالسلام : إني ظاهرت
من امرأتي ، فقال : كيف قلت؟ قال : قلت : أنت علي كظهر أمي إن فعلت كذا وكذا ،
فقال : لا شيء عليك فلا تعد».
وما رواه في الكافي (2) في الموثق عن ابن بكير عن رجل من
أصحابنا قال : «قلت لأبي الحسن عليهالسلام : إني قلت
لامرأتي أنت علي كظهر أمي إن خرجت من باب الحجرة فخرجت ، فقال : ليس عليك شيء ،
قلت : إني قوي على أن اكفره؟ فقال : ليس عليك شيء ، إني قوي على أن أكفر رقبة
ورقبتين ، قال : ليس عليك شيء قويت أو لم تقو».
والتقريب فيهما أن «شيئا» في الخبرين نكرة في سياق النفي
فتفيد العموم.
وما رواه في الكافي والتهذيب (3) عن ابن فضال
عمن أخبره عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «لا
يكون الظهار إلا على مثل موضع الطلاق».
والتقريب فيه أن الطلاق لا يقع معلقا على الشرط ، وحينئذ
فيجب أن يكون الظهار كذلك ، لأنه كالطلاق بمقتضى الخبر المذكور.
وأجاب في المسالك ومثله سبطه في شرح النافع وقبلهما
العلامة في المختلف عن الروايات بضعف السند ، فلا تنهض حجة في مقابلة تلك الأخبار
الصحاح ، والأخير لا يدل على محل النزاع ، إذ الظاهر أنه إنما يريد بموضع الطلاق
الشرائط المعتبرة فيه من الشاهدين وطهارتها من الحيض وانتقالها إلى غير طهر
المواقعة ، ونحو ذلك.
أقول : ما ذكره ـ قدسسره ـ من عدم ظهور
الخبر الثالث في الدلالة لاحتماله لما ذكره جيد ، وعليه يدل ما قدمناه من الأخبار
في التنبيه الثالث.
وأما الجواب عن الأخبار بضعف السند فهو جيد على تقدير
العمل بهذا
__________________
(1 و 2 و 3) الكافي ج 6 ص 158 و 154 ح 24 و 4 و 5 ، التهذيب ج
8 ص 13 ح 17 و 18 و 19 ، الوسائل ج 15 ص 530 و 529 و 532 ب 16 ح 4 و 3 و 13.
الاصطلاح المحدث ، وأما من لا يعمل به
فلا بد له مع العمل بها من تأويلها بما تجتمع به مع الأخبار الأخر ، والشيخ ـ رحمهالله ـ في التهذيب
بعد أن طعن في الخبرين الأولين بضعف الاسناد بتأولهما بتأويلات بعيدة.
وما رواه الشيخ (1) عن عبد الرحمن بن أبي نجران قال : «سأل
صفوان بن يحيى عبد الرحمن بن الحجاج وأنا حاضر عن الظهار ، قال : سمعت أبا عبد
الله عليهالسلام يقول : إذا
قال الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي لزمه الظهار ، قال لها دخلت أو لم تدخلي خرجت
أو لم تخرجي أو لم يقل شيئا فقد لزمه الظهار».
أقول : الظاهر أن المراد من الخبر هي أن الظهار لازم
بهذه الصيغة ، علقه على شيء من الدخول أو عدمه أو الخروج أو عدمه أو لم يعلق ،
وحينئذ فيكون من أدلة القول الثاني.
وبالجملة فإنه على تقدير العمل بجملة هذه الأخبار كما هو
المختار فإن المسألة محل إشكال وإعضال ، لعدم حضور وجه وجيه يجتمع عليه في هذا
المجال هذا مع إمكان أن يقال إنهم قد صرحوا ـ كما سيأتي ذكره بعد تمام الكلام في
هذه المسألة ـ بأن الظهار لا يصح مع قصد الحلف به وإن جعل يمينا كما هو عند العامة
، وهو في الصورة يشارك التعليق على الشرط الذي هو محل البحث ، وإنما يفارقه بالنية
والقصد ، فإذا قال أنت علي كظهر أمي إن كلمت فلانا وإن تركت الصلاة فإن قصد به
الزجر عن الفعل أو البعث عليه فهو يمين ، وإن قصد به مجرد التعليق كان ظهارا ،
والأخبار وكذا كلام الأصحاب قد منعت من الحلف بالظهار لأن الحلف لا يكون إلا بالله
عزوجل ، والمخالفون
على صحته وصحة الحلف به.
وعلى هذا فمن المحتمل قريبا حمل صحيحة عبد الرحمن بن
الحجاج وصحيحة
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 14 ح 22 ، الوسائل ج 15 ص 531 ب 16 ح 12
وفيه «عن عبد الرحمن بن أبى نجران عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : سمعت أبا عبد
الله».
حريز على التقية ، بمعنى أن هذا الفرد
المعلق على الشرط فيهما إنما هو من قبيل اليمين ، وقد قصد به الزجر أو البعث على
الفعل لا مجرد التعليق ، وإن الحكم بصحته ووجوب الكفارة به في الخبرين المذكورين
إنما هو على جهة التقية لأن العامة يحكمون بصحة الحلف به ، ويوجبون الكفارة بالحنث
به ، وبذلك يتعاظم الإشكال في هذا المجال.
وإلى ما ذكرنا يميل كلام المحدث الكاشاني ـ رحمة الله
عليه ـ في الوافي حيث استوجه حمل هذه الأخبار على التقية كما ذكرنا.
وروى في الكافي (1) عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي عن
معاوية بن حكيم عن صفوان عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : «سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : إذا
حلف الرجل بالظهار فحنث فعلية الكفارة قبل أن يواقع ، فإن كان منه الظهار في غير
يمين فإنما عليه الكفارة بعد ما يوافق».
قال في الكافي بعد نقل هذا الخبر : قال معاوية : وليس
يصح هذا على جهة النظر والأثر في غير هذا الأثر أن يكون الظهار لأن أصحابنا رووا
أن الايمان لا يكون إلا بالله ، وكذلك نزل بها القرآن ، انتهى.
وقال في الوافي بعد نقل هذا الكلام عن الكافي : أقول :
هذا هو الحق وقد مر الاخبار في ذلك ، فالخبر محمول على تقدير صحته على التقية
لموافقته لمذاهب العامة ، انتهى.
أقول : وأكثر أخبار هذا الباب غير خال من الاشكال لما
فيه من الاحتمال ، وعسى أن نشير إلى جملة منها إن شاء الله تعالى بعد تمام الكلام
في هذا المطلب.
بقي هنا شيء ينبغي التنبيه عليه ، وهو أن المحقق في
الشرائع قال : ولا يقع إلا منجزا فلو علقه بانقضاء الشهر ودخول الجملة لم يقع على
القول الأظهر وقيل : إنه يقع وهو نادر.
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 160 ح 33 ، الوسائل ج 15 ص 514 ب 6 ح 6.
وأنت خبير بأن المشهور في كلام الأصحاب ، وهو الذي دلت
عليه الأخبار أن محل الخلاف في هذا الموضع إنما هو التعليق على الشرط دون الصفة ،
وظاهر عبارته هنا أن محل الخلاف التعليق على الصفة ، فإن ما ذكره من المثالين إنما
هو من باب الصفة ، وهو الأمر الذي لا بد من وقوعه عادة من غير احتمال تقدم ولا
تأخر كالمثالين المذكورين ، وأما الشرط فهو عبارة عما يجوز وقوعه عند التعليق
وعدمه كقولك إن دخلت الدار وإن فعلت كذا وكذا لنفسه أو المخاطب.
ويمكن أن يقال إن الحكم من أصله مترتب على التعليق سواء
كان المعلق عليه صفة أو شرطا ، وأن الظاهر من الأخبار صحة وبطلانا إنما هو بالنسبة
إلى التعليق ، وأنه هل يشترط كونه منجزا لا يعلق على شيء بالكلية أم لا؟ ويؤيده
أن هذا القسم فيما علق عليه من هذين الفردين المعبر عن أحدهما بالشرط وعن الآخر
بالصفة إنما هو أمر اصطلاحي من كلام الأصحاب لا أثر له في النصوص.
وربما قيل : إن الخلاف مختص بالشرط عملا بمدلول الأحاديث
المذكورة في المسألة ، فإن متعلقها الشرط فتبقى الصفة على أصل المنع.
وفيه أن ما ذكر في الأخبار من ذكر الشرط إنما خرج مخرج
التمثيل للتعليق فلا يقتضي الحصر فيه ، والظاهر منها أن مرجع الخلاف إلى التخيير
وعدمه.
وإلى ما ذكرنا يميل كلام شيخنا الشهيد الثاني في المسالك
إلا أن المسألة بعد لا تخلو من شوب الاشكال.
السادس : قد صرح الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ من غير
خلاف يعرف بأنه لا يقع الظهار في يمين ولا في إضرار ولا في غضب ولا في سكر. وتفصيل
هذا الإجماع بما يتضح به الحال.
أما بالنسبة إلى كونه لا يقع يمينا فالمراد أنه لا يجعل
جزاء على فعل أو ترك لقصد البعث على الفعل أو الزجر عن الترك ، ولو علق لا بقصد شيء
من هذين
الأمرين ، فهو محل البحث الذي تقدم
الكلام فيه صحة وبطلانا وليس من اليمين في شيء ، والفارق بين الأمرين هو القصد
كما عرفت.
ويدل على عدم صحة قصد اليمين به أولا : ما دل من الآيات
والروايات على عدم الحلف إلا بالله عزوجل.
وثانيا : ما رواه في الكافي (1) في الحسن أو
الموثق عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «لا
طلاق إلا ما أريد به الطلاق ، ولا ظهار إلا ما أريد به الظهار».
وحاصله أنه لا يكون الطلاق طلاقا ولا الظهار ظهارا يترتب
على كل منهما أحكامه إلا بالإرادة ، والقصد إلى الغرض من كل منهما ، وهو الفرقة
الخاصة ، فلو أراد بالظهار ما تقدم من الزجر أو البعث فقال إن كان كذا أو إن فعلت
كذا فامرأته طالق أو كانت كظهر امه عليه فإنه لا يكون طلاقا ولا ظهارا.
وفي معنى هذه الرواية موثقة عمار (2) عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «سألته
عن الظهار الواجب ، قال : الذي يريد به الرجل الظهار بعينه». والمراد بالوجوب هنا
المعنى اللغوي أي الثابت الذي يترتب عليه أحكامه. وقوله «بعينه» احترازا عما
ذكرناه من إرادة معنى آخر غير مجرد المفارقة ، وقد تقدم نحو هذا اللفظ في آخر
صحيحة زرارة (3) المتقدمة في
صدر هذا المطلب وحسنة حمران (4) المتقدمة في
التنبيه
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 153 ح 2 ، التهذيب ج 8 ص 9 ح 2 وفيه «عن ابن
بكير عن زرارة» ، الوسائل ج 15 ص 510 ب 3 ح 1.
(2) الكافي ج 6 ص 158 ح 26 ، التهذيب ج 8 ص 11 ح 9 ، الفقيه ج
3 ص 345 ح 21 ، الوسائل ج 15 ص 510 ب 3 ح 2.
(3) الكافي ج 6 ص 153 ح 3 ، التهذيب ج 8 ص 9 ح 1 ، الفقيه ج 3
ص 340 ح 3 ، الوسائل ج 15 ص 511 ب 4 ح 1.
(4) الكافي ج 6 ص 153 ذيل ح 1 ، التهذيب ج 8 ص 10 ح 8 ، الفقيه
ج 3 ص 345 ح 20 ، الوسائل ج 15 ص 516 ب 7 ح 2.
الثالث وفيهما «لا يكون ظهار في يمين
ولا في إضرار ولا في غضب».
وروى في الكافي (1) في الصحيح عن صفوان عن أبي الحسن عليهالسلام قال : «سألته
عن الرجل يصلي الصلاة أو يتوضأ ، فيشك فيها بعد ذلك ، فيقول : إن أعدت الصلاة أو
أعدت الوضوء فامرأته عليه كظهر امه ، ويحلف على ذلك بالطلاق ، فقال : هذا من خطوات
الشيطان ، ليس عليه شيء».
وهذا الخبر مفسر للخبر الأول ، فإن الطلاق والظهار في
هذا الخبر لم يقصد معناهما الحقيقي المتبادر منهما ، فلذا جعله عليهالسلام لغوا من القول
، والعامة يجعلونه حلفا صحيحا يترتب عليه أثره. (2)
وأما بالنسبة إلى الإضرار فلما تقدم في حسنة حمران (3) ، ونقل عن فخر
المحققين أنه حكى قولا بوقوع الظهار بالإضرار ، لعموم الآية.
قال في شرح النافع : وهو جيد لو لم يعمل بهذه الرواية ،
وكذا بالنسبة إلى الغضب.
ويدل على عدم الظهار في حال الغضب زيادة على حسنة حمران
المذكورة
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 155 ح 8 ، الوسائل ج 15 ص 513 ب 6 ح 4.
(2) أقول : ومن الاخبار الدالة على بطلان اليمين بالطلاق
والظهار خلافا للعامة ما رواه عبد الله ابن جعفر الحميري في كتاب قرب الاسناد عن
محمد بن الحسين عن محمد بن سنان قال : «كتب معي عطية المدائني الى أبى الحسن الأول
عليهالسلام يسأله قال : قلت : امرأتي طالق على
السنة ان أعدت الصلاة ، فأعدت الصلاة ، ثم قلت : امرأتي طالق على الكتاب والسنة ان
أعدت الصلاة ، فأعدت ، ثم قلت : امرأتي طالق على الكتاب والسنة ان أعدت الصلاة ،
فأعدت ، فلما رأيت استخفافي بذلك ، قلت : امرأتي على كظهر أمي إن أعدت الصلاة ،
فأعدت ، ثم قلت : امرأتي على كظهر أمي إن أعدت الصلاة ، فأعدت ، ثم قلت : امرأتي
على كظهر أمي إن أعدت الصلاة ، فأعدت ، وقد اعتزلت أهلي منذ سنين ، قال : فقال أبو
الحسن عليهالسلام : الأهل أهله ولا شيء عليه ، انما هذا
وشبهه من خطوات الشيطان». (منه ـ قدسسره ـ). قرب الاسناد ص 125 وفيه اختلاف
يسير ، الوسائل ج 15 ص 514 ب 6 ح 7.
(3) التهذيب ج 8 ص 11 ح 8 ، الوسائل ج 15 ص 516 ب 7 ح 2.
أيضا ما رواه في الكافي (1) عن أحمد بن
محمد بن أبي نصر في الصحيح عن الرضا عليهالسلام قال : «الظهار
لا يقع على الغضب».
وإطلاق الخبرين المذكورين شامل لمطلق الغضب ، ارتفع معه
القصد أو لم يرتفع.
وأما بالنسبة إلى السكر فالأمر فيه أظهر ، فإن السكران
لا شعور له.
وينبغي أن يضاف إلى هذه الأفراد ما لو أراد أن يرضي بذلك
امرأته ، والوجه فيه ظاهر لعدم القصد إلى الظهار بالمعنى المراد به ، ولما رواه في
التهذيب (2) عن حمزة بن
حمران قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : رجل قال
لامرأته أنت علي كظهر أمي ، يريد أن يرضي بذلك امرأته؟ قال : يأتيها ليس عليه شيء».
ورواه في الفقيه (3) عن ابن بكير عن حمران مثله ، وفي
آخره «ليس عليها ولا عليه شيء».
ومن الأخبار الدالة على عدم صحته مع قصد الحلف أيضا ما
رواه في الكافي والتهذيب (4) في الموثق عن
ابن بكير قال : «تزوج حمزة بن حمران ابنة بكير فلما أراد أن يدخل بها قال له
النساء : لسنا ندخلها عليك حتى تحلف لنا ولسنا نرضى أن تحلف لنا بالعتق لأنك لا
تراه شيئا ، ولكن احلف لنا بالظهار وظاهر من أمهات أولادك وجواريك فظاهر منهن ، ثم
ذكر ذلك لأبي عبد الله عليهالسلام فقال : ليس
عليك شيء ، ارجع إليهن».
وهذا الحلف كان على عدم طلاقها كما يفصح به خبر آخر في
معناه ، وفيه
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 158 ح 25 ، الوسائل ج 15 ص 515 ب 7 ح 1.
(2) التهذيب ج 8 ص 10 ح 7 ، الوسائل ج 15 ص 515 ب 6 ح 9.
(3) الفقيه ج 3 ص 345 ح 15.
(4) الكافي ج 6 ص 154 ح 7 ، التهذيب ج 8 ص 11 ح 11 ، الوسائل ج
15 ص 513 ب 6 ح 3 وما في الكافي والوسائل «عن عبد الله بن المغيرة».
أنهم قالوا له «أنت مطلاق فنخاف أن
تطلقها فلا ندخلها عليك حتى تقول إن أمهات أولادك عليك كظهر أمك أن طلقتها»
الحديث.
السابع : لو قيد الظهار بمدة معينة كيوم أو شهر كأن يقول
أنت علي كظهر أمي يوما أو شهرا أو سنة ، أو إلى شهر أو إلى سنة ، فقد اختلف
الأصحاب في ذلك على أقوال :
(أحدها) أنه لا يكون ظهارا ، اختاره الشيخ في المبسوط
حيث قال : إذا ظاهر من زوجته مدة مثل أن يقول أنت علي كظهر أمي يوما أو شهرا أو
سنة لم يكن ظهارا ، وتبعه ابن البراج وابن إدريس.
(وثانيها) أنه يقع ، وهو اختيار ابن الجنيد ، وإليه يميل
كلام المحقق في الشرائع.
(وثالثها) التفصيل ، فإن زادت المدة عن مدة التربص على
تقدير المرافعة وقع ، وإلا فلا ، وإليه يميل كلام شيخنا في المسالك ، قال : لأن
الظهار يلزمه التربص مدة ثلاثة أشهر من حين الترافع ، وعدم الطلاق ، وهو يدل
بالاقتضاء على أن مدته تزيد عن ذلك ، وإلا لانتفى اللازم الدال على انتفاء الملزوم
، وإلى هذا التفصيل ذهب في المختلف ولا بأس به ، والرواية الصحيحة لا تنافيه وإن
كان القول بالجواز مطلقا لا يخلو من قوة ، انتهى.
ونقل العلامة في المختلف ومثله شيخنا في المسالك
الاستدلال للشيخ فيما ذهب إليه من عدم صحة الظهار بصحيحة سعيد الأعرج (1) عن موسى بن
جعفر عليهالسلام «في رجل ظاهر
من امرأته يوما ، قال : ليس عليه شيء». (2).
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 14 ح 20 ، الوسائل ج 15 ص 531 ب 16 ح 10.
(2) وقال الفاضل الخراساني في الكفاية ـ بعد نقل صحيحة سعيد
الأعرج المذكورة كما في المسالك والمختلف ـ ما لفظه : هكذا نقل الحديث في المسالك
، والذي رأيته في التهذيب «فوقى» بدل «يوما» وهو ظاهر في أنه لم يقف الا على هذه
النسخة خاصة ، وبالجملة فإنه يشكل الاعتماد على الخبر المذكور لما ذكرنا. (منه ـ قدسسره ـ).
والمحدث الكاشاني في الوافي نقل هذه الرواية هكذا «ظاهر
من امرأته فوقى ـ عوض قوله «يوما» ـ قال : ليس عليه شيء» ثم قال : بيان : أي لم
يقاربها ثم قال : وفي بعض النسخ «يوما» مكان «فوفى» ، وإنما لم يجب عليه شيء لأن
الظهار بمجرده لا يوجب شيئا ، ثم إن فاء كفر أو طلق خلص ، وإن صبر «يوما» على
النسخة الثانية فلا شيء عليه ، انتهى.
واختلاف النسخ في ذلك مؤذن بوهن الاعتماد على الخبر في
الاستدلال سيما أن ظاهره في الوافي الاعتماد على نسخة «فوفى» حيث إنها هي التي
نقلها في متن الخبر ، والثانية وهي نسخة «يوما» إنما ذكرها في البيان مسندا لها
إلى بعض النسخ المشعر بقلة ذلك البعض ، وظاهر الشيخين المذكورين حيث استدلا بالخبر
بهذا النحو الذي ذكراه ، ولم يشيرا إلى نسخة اخرى بالكلية هو الاعتماد عليه.
وأما ما نقل عن ابن الجنيد من القول بوقوع الظهار بهذا القول
فاحتجوا له بعموم الآية وأنه منكر من القول وزور كالظهار المطلق.
واستدل له في المسالك بما روي عن سملة بن صخر الصحابي (1) وأنه كان قد
ظاهر من امرأته حتى ينسلخ رمضان ثم وطأها في المدة ، فأمره النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بتحرير رقبة ،
ثم إنه ـ قدسسره ـ بعد ذكر
صورة الرواية تفصيلا قال : وجملة الرواية عن سلمة بن صخر قال : «كنت امرء قد أوتيت
من جماع النساء ما لم يؤت غيري ، فلما دخل رمضان ظاهرت من امرأتي حتى ينسلخ رمضان
خوفا من أن أصيب في ليلتي شيئا فاتابع في ذلك إلى أن يدركني النهار ولا أقدر على
أن أنزل ، فبينما هي تخدمني من الليل إذ انكشف لي منها شيء فوثبت عليها ، فلما
أصبحت غدوت على قومي فأخبرتهم خبري وقلت لهم انطلقوا معي إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فأخبروه بخبري
، فقالوا : والله ما نفعل ، نتخوف أن ينزل فينا قرآن ، ويقول فينا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم مقالة يبقي
علينا عارها ، لكن اذهب أنت واصنع ما بدا
__________________
(1) سنن البيهقي ج 7 ص 382 ونقل ملخصا.
لك ، فخرجت حتى أتيت النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فأخبرته بخبري
فقال : أنت بذاك؟ فقلت : أنا بذلك ، فقال : أنت بذاك؟ فقلت : أنا بذلك ، فقال :
أنت بذاك؟ فقلت : نعم ، ها أنا ذا فامض في حكم الله عزوجل فأنا صابر له
، فقال : أعتق رقبة ، فضربت صفحة عنقي بيدي وقلت : لا والذي بعثك بالحق ما أصبحت
أملك غيرها ، قال : فصم شهرين متتابعين ، فقال : فقلت : يا رسول الله وهل أصابني
ما أصابني إلا في الصوم ، قال : قال : فتصدق ، قال : قلت : والذي بعثك بالحق لقد
بتنا ليلتنا وما لنا عشاء ، قال : اذهب إلى صاحب صدقة بني رزين قل له ، فليدفعها
إليك فأطعم عنك وسقا من تمر ، فادفعه إلى ستين مسكينا ، ثم استعن سائره عليك وعلى
عيالك ، قال : فرجعت إلى قومي فقلت : وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي ، ووجدت عند
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم السعة والبركة
، وقد أمرني بصدقتكم فادفعوها إلي ، قال : فدفعوها إلى».
وفي رواية اخرى «أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أعطاه مكتلا
فيه خمسة عشر صاعا فقال : تطعمه ستين مسكينا لكل مسكين مد». وإنما أتينا على
الرواية مع طولها لما تشتمل عليه من الفوائد والنكت ، انتهى.
أقول : والتحقيق أن المسألة لا تخلو من شوب الاشكال
الموجب للبقاء في قالب الاحتمال.
وأما ما استدل به للقول الأول من الصحيحة المذكورة فإن
فيه زيادة على ما عرفت من اختلاف النسخ الموجب لخروج الخبر عن موضع الاستدلال بناء
على تلك النسخة الأخرى أن الخبر المذكور على تقدير النسخة التي ذكروها غير صريح
الدلالة ولا واضحها فيما ادعى منه ، لاحتمال أن يقال : إن المراد بيان أن الظهار
بمجرده لا يوجب شيئا ، وإنما تجب الكفارة بإرادة العود قبل انقضاء المدة ولما كانت
مدة اليوم قصيرة ، فإذا صبر حتى يمضي فليس عليه شيء ، وحينئذ فقوله «ليس عليه شيء»
لا يستلزم أنه ليس ظهارا كما هو المدعى ، بل هو أعم من ذلك كما عرفت ، ومتى قام
الاحتمال بذلك بطل الاستدلال ، هذا بناء على
النسخة التي أوردوها ، وإلا فالخبر لا
تعلق له بما نحن فيه بناء على النسخة الأخرى ، وترجيح إحدى النسختين على الأخرى
يحتاج إلى مرجح ، وهذه علة أخرى.
وأما ما استدل به لابن الجنيد من إطلاق الآية ففيه أنك
قد عرفت في غير مقام مما تقدم أن الإطلاق إنما يحمل على الأفراد الشائعة المتكررة
، فإنها هي التي ينصرف إليها الإطلاق دون الفروض النادرة التي ربما لا تقع بالكلية
، وإنما تفرض فرضا ، ولا ريب أن التقييد بمدة في الظهار شاذ نادر ، وكونه محرما
ومنكرا من القول وزورا لا يستلزم كونه ظهارا تترتب عليه أحكام الظهار فإن كثيرا من
الأقوال محرمة ومنهي عنها أشد النهي ، مع أنها لا يقع بها ظهار وإن اشتملت على لفظ
الظهر.
وأما الرواية التي سجل بها ونقلها بطولها ونوه بشأنها من
أنه إنما نقلها بطولها لما اشتملت عليه من الفوائد والنكت فالظاهر أنها عامية ، إذ
لا وجود لها في كتب أخبارنا بالمرة ، والعجب منهم في استسلامهم هذه الأخبار
العامية في أمثال هذه المقامات ، وردهم للأخبار الإمامية المنقولة في الأصول
الصحيحة بمجرد العمل بهذا الاصطلاح المحدث.
وأما القول بالتفصيل كما جنح إليه فهو يتوقف على الدليل
، وليس إلا مجرد هذه التعليلات العقلية التي يتداولونها ، وقد عرفت ما فيه.
وأما ما ادعاه ـ قدسسره ـ من أن
العلامة ذهب في المختلف إلى هذا التفصيل فهو عجيب ، فإن العلامة إنما ذكره احتمالا
مؤذنا بأنه لا قائل به ، حيث إنه بعد أن نقل قولي الشيخ وابن الجنيد ، ونقل
دليلهما ، قال : ويحتمل القول بالصحة إن زاد عن مدة التربص ، وإلا فلا ، انتهى.
وأين هذه العبارة عما نقله عنه ، بل ظاهره إنما هو التوقف في المسألة كما ذكرناه ،
فإنه بعد أن نقل القولين الأولين أردفهما بهذا الاحتمال ولم يرجح شيئا في البين.
الثامن : قد وقع الخلاف هنا في صيغتين (إحداهما) ما لو
قال أنت طالق
كظهر أمي فقال الشيخ في المبسوط : إذا
قال أنت طالق كظهر أمي وقصد إيقاع الطلاق بقوله «أنت» والظهار بقوله «كظهر أمي»
طلقت بقوله «أنت طالق» ويصير مظاهرا منها بقوله «كظهر أمي» إن كان الطلاق رجعيا ،
ويكون تقديره أنت طالق ، وأنت كظهر أمي.
وقال ابن البراج : لا يقع بذلك ظهار ، نوى ذلك أو لم
ينو.
قال في المختلف : وهو الأقوى ، لنا إنه لم يأت بالصيغة ،
ولا يقع الظهار بمجرد القصد الخالي منها ، وقوله «كظهر أمي» لغو ، لأنه لم يقل أنت
مني ولا معي ولا عندي ، فصار كما لو قال ابتداء كظهر أمي.
وقال المحقق في الشرائع بعد أن نقل قول الشيخ : وفيه
تردد ، لأن النية لا تستقل بوقوع الظهار ما لم يكن اللفظ الصريح الذي لا احتمال
فيه ، والظاهر أنه على هذا المنوال كلام من تأخر عنهما ، وهو الظاهر من القواعد
المقررة في هذه الأبواب بين الأصحاب ـ لأنه بناء على ما ذكره الشيخ من قصد إيقاع
الطلاق بقوله أنت طالق ، والظهار بقوله كظهر أمي ـ وقوع الطلاق ، لحصول صيغته
والقصد إليه ، وأما الظهار فإنه لم تحصل صيغته الشرعية ، إذ لم يبق من الكلام بعد
صيغة الطلاق إلا قوله كظهر أمي ، مع أن الاتفاق قائم على أنه بمجرد قول الرجل كظهر
أمي لا يكون مظاهرا.
وأما قوله «إنه بتقدير أنت كظهر أمي» بمعنى أنه وإن صرفت
كلمة الخطاب السابقة أولا إلى الطلاق ، إلا أنها تعود إلى الظهار أيضا مع النية
ويصير كأنه قال أنت طالق ، وأنت كظهر أمي.
ففيه ما عرفت من أن اللفظ بانقطاعه عما تقدمه ليس صريحا
في الظهار ، والنية غير كافية عندنا في وقوع ما ليس بصريح ، وإنما يتوجه هذا عند
من يعتد بالكنايات اعتمادا على النية ، بل صرح بعض من يعتد بالكنايات هنا برد هذا
أيضا بناء على ما عرفت من أنه إذا استعملنا قوله أنت طالق في إيقاع
الطلاق لم يبق إلا كظهر أمي ، وهو لا
يصلح كناية إذ لا خطاب فيه لأحد ، وأيضا فالأصل في هذا التركيب أن تكون الجملة
الواقعة بعد النكرة وصفا لها ، فيكون «كظهر أمي» وصفا لقوله «طالق» فالعدول بها عن
ظاهر التركيب الذي تقتضيه القواعد من غير موجب خلاف الظاهر. نعم لو عكس فقال : أنت
كظهر أمي طالق مع قصدهما معا صح الظهار لوجود صيغته وقصده.
ويبقى الكلام في الطلاق فيجري فيه الوجهان ، والشيخ على
أصله هنا أيضا من صحتهما معا بالتقريب الذي ذكره ثمة.
(وثانيهما) ما لو قال أنت علي حرام كظهر أمي ، فقال
الشيخ في المبسوط وتبعه ابن البراج : لو قال أنت علي حرام كظهر أمي لم يكن مظاهرا
سواء نواه أو لا. وتبعه أيضا المحقق في الشرائع.
ورده العلامة في المختلف والشهيد الثاني في المسالك
وغيرهما بأنه مخالف لمذهبه في المسألة السابقة ، وتوضيحه أنهم احتجوا هنا على ما
ذهبوا إليه من عدم وقوع الظهار بهذه الصيغة بأن الخطاب بقوله «أنت» انصرف إلى
الكلمة الاولى ، وهي قوله «حرام» وتم الكلام بحصول المسند والمسند إليه فيلغو لأن
هذه العبارة لا تقتضي الظهار.
وأما قلة بعد ذلك «كظهر أمي» وأنه وقع خاليا من المسند
إليه لفظا ، والنية غير كافية في تقديره ، مع أنه في المسألة السابقة ادعى تقدير
المسند إليه فقال : تقديره أنت طالق وأنت كظهر أمي.
وكيف كان فإن وقوع الظهار بهذه الصيغة يدل عليه ما في صحيح
زرارة المتقدم (1) عن الباقر عليهالسلام وفيه لما سأله
عن الظهار كيف يكون؟ «قال عليهالسلام : يقول الرجل
لامرأته وهي طاهر في جماع أنت علي حرام كظهر أمي». وهي صريحة
__________________
(1) قد تقدم في صدر هذا المطلب. (منه ـ قدسسره ـ). الكافي ج 6 ص 153 ح 3.
والعجب من الشيخ ـ رحمة الله عليه ـ في تجويز الظهار
بالكنايات ، وما هو أبعد من هذه مع الخلو عن النصوص في الجميع ، ومنعه هذه الصيغة
مع ورود النص الصحيح بها. (1)
المطلب الثاني في المظاهر :
لا خلاف في أنه يعتبر في المظاهر ما يعتبر في المطلق من
البلوغ وكمال العقل والاختيار والقصد ، وتحقيق هذه الشروط قد مضى في كتاب الطلاق ،
فليطلب من هناك ، فلا يصح ظهار الطفل ولا المجنون ولا المكره ولا فاقد القصد ،
بسكر كان أو إغماء أو غضب يبلغ به إلى ذلك ، وهو مما لا إشكال ولا خلاف فيه بقي
الكلام هنا في مواضع
الأول : أنه هل يصح ظهار الخصي والمجبوب أم لا؟ وتفصيل
القول في ذلك أنه إن بقي لهما ما يمكن به الجماع المتحقق بإدخال
__________________
(1) بقي هنا في المسألة صور اخرى : (منها) أن يقول هذا القول
ولا ينوي شيئا بالكلية ، والذي صرحوا به أنه يقع الطلاق هنا لإتيانه بلفظه الصريح
، وأما الظهار فإنه لا يقع ، لان قوله «كظهر أمي» لا استقلال له حيث انه قد انقطع
عن قوله «أنت».
(منها)
أن يقصد بمجموع الكلام الطلاق خاصة ، بجعل قوله «كظهر أمي» تأكيدا لتحريم الطلاق
بمعنى أنها طالق طلاقا كظهر امه ، ولا إشكال في أنه يقع الطلاق هنا دون الظهار ،
قالوا : ولا خلاف في هذين الفردين.
(ومنها)
أن يقصد بالجميع الظهار خاصة ، قالوا : يحصل الطلاق دون الظهار أيضا ، أما الأول
فلفظة الصريح فيه ، واللفظ الصريح لا يعقل صرفه الى غيره ، حتى لو قال لزوجته أنت
طالق ، ثم قال أردت به طالق من وثاق غيري أو نحو ذلك لم يسمع منه وحكم به عليه.
وأما الثاني فلان الطلاق لا ينصرف الى الظهار ، والباقي بعد صيغة الطلاق ليس بصريح
في الظهار كما عرفت ، ومع أنه لم ينو به الظهار وانما نواه بالجميع.
(ومنها)
أن يقصد بمجموع كلامه الطلاق والظهار معا ، وحكمه أنه يحصل الطلاق دون الظهار أيضا
بالتقريب المذكور في سابق هذه الصورة.
(ومنها)
أن يقصد الطلاق بقوله أنت طالق ، والظهار بقوله كظهر أمي ، وهذه مسألة الكنايات
المذكورة في الأصل وهي محل الخلاف. (منه ـ قدسسره ـ).
الحشفة أو قدرها من مقطوعها فلا إشكال
في صحة ظهارهما لأنهما في حكم الصحيح وإن لم يمكنهما الإيلاج بنى صحة ظهارهما
وعدمها.
(أولا) على أن فائدة الظهار هل يختص بالوطء بمعنى تحريم
الوطء عليه خاصة ، ويحل له ما سوى ذلك؟ أو يشمل ما عداه من الاستمتاعات ، فيحرم
عليه الجميع؟ وسيأتي تحقيق الكلام في ذلك إن شاء الله تعالى ، فإن قلنا بالثاني صح
ظهارهما ، وإلا فلا ، لعدم ظهور فائدته.
(وثانيا) على أنه هل يشترط في صحة الظهار الدخول أولا
بالمظاهرة أم لا؟ فإن قلنا بالأول فلا ظهار هنا حيث إنه لم يتحقق منهما الدخول ولم
يوجد شرطه فلا وجود له ، وإن قلنا بالثاني صح ظهارهما ، وسيأتي الكلام في المسألة
إن شاء الله تعالى.
الثاني : هل يصح
الظهار من الكافر أم لا؟ فذهب الشيخ في المبسوط والخلاف إلى الثاني ، ونحوه يظهر
من ابن الجنيد أيضا.
قال الشيخ في الكتابين المذكورين : لا يصح الظهار من
الكافر ولا التكفير.
وقال ابن الجنيد : وكل مسلم من الأحرار وغيرهم إذا كان
بالغا مملكا للفرج ممنوعا من نكاح غيره بملكه إياه إذا ظاهر من زوجته في حال صحة
عقله لزمه الكفارة. والقيد بالمسلم في كلام مشعر باختياره لهذا القول ، ومن ثم
نسباه إلى ظاهره.
وإلى الأول ذهب ابن إدريس فقال : الذي يقوى في نفسي أن
الظهار يصح من الكافر.
وبذلك قال المحقق والعلامة : والظاهر أنه المشهور بين المتأخرين. واحتجوا عليه بعموم الآية ، وهي قوله عزوجل «وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ» وغير ذلك من العمومات.
احتج الشيخ بأن من يصح ظهاره تصح الكفارة منه لقوله عزوجل «وَالَّذِينَ
يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ» (1) والكافر لا يصح منه الكفارة لأنها
عبادة تفتقر إلى النية (2) كسائر
العبادات ، وإذا لم يصح منه التكفير الرافع للتحريم لم يصح التحريم في حقه.
وأجيب بمنع عدم صحتها منه مطلقا ، بلا غاية توقفها على
شرط ، وهو قادر عليه بالإسلام كتكليف المسلم بالصلاة المتوقفة على شرط الطهارة وهو
غير متطهر لكنه قادر على تحصيله.
وأورد على ذلك أن الذمي مقر على دينه متى قام بشرائط
الذمة ، فحمله على الإسلام لذلك بعيد ، وأن الخطاب بالعبادة البدنية لا يتوجه على
الكافر الأصلي.
وأجيب بأنا لا نحمل الذمي على الإسلام ، ولا نخاطبه
بالصوم ، ولكن نقول : لا يمكن من الوطء إلا هكذا ، فإما أن يتركه أو يسلك طريق
الحمل.
أقول : ما ذكروه في هذا المقام من النقض والإبرام ظاهر
بناء على ما هو المشهور بينهم بل ربما ادعي عليه الإجماع من كافة العلماء ما عدا
أبي حنيفة من أن الكافر مخاطب بالفروع ومكلف بها ، إلا أنها لا تقبل منه إلا
بالإسلام.
وأما على ما ذهب إليه بعض المحدثين من متأخري المتأخرين
، وهو الظاهر من أخبارهم عليهمالسلام كما تقدم
تحقيق البحث فيه في كتاب الطهارة في باب غسل الجنابة (3) من أن الكافر
غير مكلف ولا مخاطب بالأحكام الشرعية إلا بعد الإسلام فإنه يتجه أن يقال بصحة ما
ذهب إليه الشيخ هنا من عدم صحة الكفارة من صوم أو عتق أو إطعام من الكافر لأنه غير
مكلف بالعبادات حال كفره والصحة عبارة عن امتثال الأمر ، وهو كما عرفت غير مأمور
إلا بعد الايمان بالله ورسوله ،
__________________
(1) سورة المجادلة ـ آية 3.
(2) أقول : المراد بالنية هنا في كلامهم هي القربة تجوزا. (منه
ـ رحمهالله ـ).
(3) الحدائق ج 3 ص 39.
فعدم صحة عباداته من حيث كفره ، ومتى
ثبت عدم صحة الكفارة ثبت عدم صحة ظهاره وعدم حصول التحريم به. لأن انتفاء اللازم
يدل على انتفاء الملزوم ، ويؤكده أن توبته بدونها خارج عن القانون الشرعي والدين
المحمدي صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وأما قوله بمنع عدم صحتها من الكافر مطلقا ، وإنما غايته
توقفه على شرط بمعنى أن البطلان إنما هو من حيث فقد شرط مقدور.
ففيه أن البطلان ـ بناء على ما ذكرناه ـ إنما هو من حيث
عدم التكليف بذلك وعدم توجه الأمر إلى الكافر حال كفره ، لأن الصحة عبارة عن
موافقة الأمر كما عرفت.
الثالث : أنه لا خلاف
في وقوع الظهار من العبد ، بل قال في المسالك : إنه مذهب علمائنا أجمع ، وإنما
خالف فيه بعض العامة نظرا إلى أن لازم الظهار إيجاب تحرير رقبة ، والعبد لا
يملكها.
وأجيب بأن وجوبها في الآية مشروط بوجدانها ، وقد قال
تعالى «فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ
قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا» (1) والعبد غير
واحد فيلزمه الصوم.
أقول : ويدل على ذلك ما رواه المشايخ الثلاثة (2) ـ رضياللهعنهم ـ في الصحيح
في بعضها عن محمد بن حمران وهو مجهول قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن المملوك أعليه
ظهار؟ فقال : عليه نصف ما على الحر صوم شهر ، وليس عليه كفارة من صدقة ولا عتق».
وما رواه في الكافي (3) عن جميل بن دراج في الصحيح أو الحسن
عن أبي عبد الله عليهالسلام في حديث في
الظهار قال : «إن الحر والمملوك سواء ، غير أن على المملوك نصف ما على الحر من
الكفارة ، وليس عليه عتق رقبة ولا صدقة ، إنما هو عليه صيام
__________________
(1) سورة المجادلة ـ آية 4.
(2 و 3) الكافي ج 6 ص 156 و 155 ح 13 و 10 ، التهذيب ج 8 ص 24 و
9 ح 54 و 3 ، الفقيه ج 3 ص 343 و 346 ح 10 و 24 ، الوسائل ج 15 ص 522 ب 12 ح 1 و 2.
شهر» ، ورواه الصدوق عن جميل مثله إلى
قوله من الكفارة.
وعن أبي حمزة الثمالي (1) عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «سألته
عن المملوك أعليه ظهار؟ فقال : نصف ما على الحر من الصوم ، وليس عليه كفارة صدقة
ولا عتق رقبة».
وربما أشعرت هذه الأخبار بعدم ملك العبد لأن تخصيص الكفارة بالصوم دون الفردين الآخرين إنما هو من حيث كونهما متوقفين على المال وأن العبد لا يملك ، وإلا فلو قلنا بملكه ـ كما هو ظاهر جملة من الأخبار وهو المختار في المسألة وإن توقف تصرفه على إذن سيده ـ فإنه لا يظهر لهذا التخصيص وجه بل ينبغي أن يجعل كالحر في أنه إن وجد تصدق أو أعتق رقبة وإن لم يجد انتقل إلى الصيام.
المطلب الثالث: في المظاهرة:
والكلام فيه يقع في مواضع : الأول : قال في
الشرائع : ويشترط أن تكون منكوحة بالعقد ، فلا يقع بالأجنبية ، ولو علقه على
النكاح ، قال الشارح في المسالك : هذا عندنا موضع وفاق ، والأصل فيه أن الله تعالى
علق الظهار على الأزواج ، فقال «وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ
نِسائِهِمْ» فيبقى غيرهن على الأصل ، وخالف فيه
بعض العامة ، فصححه بالأجنبية إذا علقه بنكاحها كما صححه كذلك في الطلاق.
أقول : الظاهر من إيراد هذه المقالة إنما هو الرد على
هذا البعض من العامة في تجويزه الظهار بالأجنبية إن علق على نكاحها ، إلا أن تقييد
النكاح بالعقد في كلام المصنف ـ وكذا استدلاله في المسالك بالآية الدالة على أنه
لا يقع إلا بالأزواج ـ ظاهر في أنه لا يقع بملك اليمين ، مع أنه سيأتي إن شاء الله
تعالى أن الأشهر الأظهر وقوع الظهار بها كما دلت عليه جملة من الأخبار ، والعجب من
غفلة الشارح ـ قدسسره ـ عن التنبه
لذلك والتنبيه عليه.
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 156 ح 15 ، الوسائل ج 15 ص 522 ب 12 ح 3.
الثاني : أنه يشترط
في المظاهرة أن تكون طاهرا طهرا لم يقربها فيه إذا كان زوجها حاضرا وكان مثلها
تحيض ، ولو كان غائبا صح ، وكذا لو كان حاضرا وهي يائسة أو لم تبلغ ، وهذه الأحكام
قد تقدم تحقيق الكلام فيها في كتاب الطلاق ، والظهار يجرى مجراه في جميع ما ذكر ،
وقد تقدم في جملة من الأخبار ما يدل على هذه الأحكام منها.
في صحيحة زرارة (1) «أنه سأله عن
الظهار فقال : إنه يقول الرجل لامرأته وهي طاهر في جماع أنت علي كظهر أمي أو أختي
، وهو يريد بذلك الظهار».
وفي رواية الفضيل بن يسار (2) «ولا يكون
الظهار إلا على موضع الطلاق». وهذه الرواية دالة على اعتبار هذه الشروط إجمالا.
وفي رواية حمران (3) «لا يكون ظهار
إلا على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين مسلمين». إلى غير ذلك من الأخبار التي
تقدمت.
الثالث : قد اختلف
الأصحاب ـ رحمة الله عليهم ـ في اشتراط الدخول بالمظاهرة وعدمه بالنسبة إلى صحة
الظهار وعدمها ، فذهب جمع منهم الشيخ المفيد والسيد المرتضى وابن إدريس وسلار وابن
زهرة وغيرهم إلى العدم فجوزوا الظهار من الزوجة قبل الدخول بها ، وذهب جمع منهم
الشيخ والصدوق إلى اشتراط صحة الظهار بذلك ، وهو الظاهر من ابن الجنيد وابن البراج
في كتابيه ، وعليه أكثر المتأخرين.
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 153 ح 3 ، التهذيب ج 8 ص 9 ح 1 وفيه اختلاف
يسير ، الوسائل ج 15 ص 509 ب 2 ح 2.
(2) الكافي ج 6 ص 154 ح 5 ، التهذيب ج 8 ص 13 ح 19 وفيهما «ابن
فضال عمن أخبره» ، الفقيه ج 3 ص 340 ح 2 مرسلا ، الوسائل ج 15 ص 509 ب 2 ح 3.
(3) الكافي ج 6 ص 143 ذيل ح 1 ، التهذيب ج 8 ص 10 ذيل ح 8 ،
الفقيه ج 3 ص 345 ذيل ح 20 ، الوسائل ج 15 ص 509 ب 2 ذيل ح 1.
ويدل على هذا القول من الأخبار ما رواه في الكافي (1) عن الفضيل بن
يسار في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل مملك
ظاهر امرأته ، فقال لي : لا يكون ظهار ولا إيلاء حتى يدخل بها».
ورواه الصدوق (2) بإسناده عن الحسن بن محبوب في الصحيح
مثله ، ولا ملاك للتزويج من غير دخول.
وما رواه الشيخ (3) في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي
جعفر وأبي عبد الله عليهماالسلام «قال في المرأة
التي لم يدخل بها زوجها ، قال : لا يقع بها إيلاء ولا ظهار».
وما رواه في التهذيب (4) في الصحيح عن الفضيل بن يسار قال : «سألت
أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل مملك
ظاهر امرأته ، قال : لا يلزم ـ ثم قال : ـ وقال لي : لا يكون ظهار ولا إيلاء حتى
يدخل بها» ، وقد تقدم معنى قوله مملك.
احتج من قال بالأول بالعمومات ، وفيه أن العمل بالخاص
مقدم على العام كما هي القاعدة ، الا أن هذا إنما يتم على ما هو المشهور من العمل
بخبر الآحاد وأما على مذهب السيد وابن إدريس من عدم العمل بأخبار الآحاد فتبقى
العمومات سالمة عن المعارض ، فيتجه القول بذلك على أصلهما الغير الأصيل ومذهبهما
الخارج عن نهج السبيل ، وبذلك يظهر لك أن العمل إنما هو على القول الثاني.
الرابع : المشهور بين
الأصحاب ـ رحمة الله عليهم ـ وقوع الظهار بالمستمتع بها كالزوجة الدائمة ، وهذا
مذهب السيد المرتضى وابن أبي عقيل وأبي الصلاح
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 158 ح 21 ، الوسائل ج 15 ص 516 ب 8 ح 1.
(2) الفقيه ج 3 ص 340 ح 1.
(3) التهذيب ج 8 ص 21 ح 40 ، الوسائل ج 15 ص 516 ب 8 ح 2
وفيهما «لا يقع عليها».
(4) التهذيب ج 8 ص 21 ح 41 وفيه «جميل بن دراج» ، الوسائل ج 15
ص 516 ب 8 ح 1 وفيهما اختلاف يسير.
وابن زهرة.
وظاهر الصدوق وابن الجنيد العدم حيث قالا : ولا يقع
الظهار إلا موقع الطلاق ، واختاره ابن إدريس.
احتج الأولون بالعمومات من الكتاب والسنة ، واحتج في
المختلف للقول الثاني بأن الظهار حكم شرعي يقف على مورده ولم يثبت في نكاح المتعة
حكمه مع أصالة الإباحة ، ثم أجاب عنه بالمنع من عدم الثبوت ، قال : وقد بينا
العمومات.
واحتج في المسالك لهذا القول بانتفاء لازم الظهار ، فإن
منه المرافعة المترتبة على الإخلال بالواجب بالوطء ، وإلزامه أحد الأمرين الفدية
أو الطلاق ، وهو ممتنع في المتعة ، وإقامة هبة المدة مقامه قياس ، وانتفاء اللوازم
يدل على انتفاء الملزومات.
ثم إنه أجاب عنه بأن هذه اللوازم مشروطة بزوجة يمكن في
حقها ذلك فلا يلزم من انتفائها انتفاء جميع الأحكام التي أهمها تحريم الاستمتاع من
دون المرافعة ، وقد تقدم البحث في ذلك في بابها من النكاح ، انتهى وهو جيد.
الخامس : اختلف الأصحاب في الأمة الموطوءة بملك اليمين
ولو مدبرة أو أم ولد فقيل : إنه يقع بها الظهار وهو قول الشيخ ، قال : إنه يقع
سواء كانت أمة مملوكة أو مدبرة أو أم ولد.
وقال في المبسوط : وروى أصحابنا أن الظهار يقع بالأمة
والمدبرة وأم الولد وهو اختيار ابن أبي عقيل وابن حمزة. وقيل : إنه لا يقع بها ،
وهو قول الشيخ المفيد وأبي الصلاح وسلار وابن البراج في كتابيه وابن إدريس وغيرهم (1) والأول
__________________
(1) وقد بالغ ابن أبى عقيل في إنكار هذا القول أشد المبالغة
فقال : وزعم قوم من العامة أن الظهار لا يقع على الأمة ، وقد جعل الله تعالى أمة
الرجل من نسائه فقال في
أظهر ، والظاهر أنه المشهور بين المتأخرين.
ويدل عليه من الأخبار التي هي المعتمد في الإيراد
والإصدار ما رواه المشايخ الثلاثة (1) ـ عطر الله مراقدهم ـ عن إسحاق بن
عمار في الموثق قال : «سألت أبا إبراهيم عليهالسلام عن الرجل
يظاهر من جاريته ، فقال : الحرة والأمة في ذلك سواء».
وما رواه في الكافي (2) عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما
عليهماالسلام قال : «وسألته
عن الظهار على الحرة والأمة؟ قال : نعم».
وعن حفص بن البختري (3) في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله
وأبي الحسن عليهماالسلام «في
__________________
آية التحريم «وَأُمَّهاتُ
نِسائِكُمْ»
وأم أمته كأم امرأته انها من أمهات النساء ، كما حرم الله أم الحرة حرم أم الأمة
المنكوحة ، وقد قال تعالى «وَالَّذِينَ
يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ» فلم كان إحداهن أولى بحكم الظهار من الأخرى؟ لو لا التحكم في
دين الله عزوجل والخروج عن حكم كتابه ، قال : وقد اعتل
قوم منهم فزعموا أن الظهار كان طلاق العرب في الجاهلية ، والطلاق يقع على المرأة
الحرة دون الأمة ، فلذلك يقع الظهار على الحرة دون الأمة ثم أجاب عنه بأن الذين
أوجبوا حكم الظهار في الأمة كما أوجبوا في الحرة هم سادات العرب وفصحاؤهم ، وهم
أعلم الناس بطلاق الجاهلية والإسلام وشرائع الدين ولفظ القرآن وحظره وإباحته
ومحكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه وندبه وفرضه ، إلا أن تزعموا أن عليا (ع) وأولاده عليهمالسلام من العجم ، ولو قلتم ذلك لم يكن أكثر
من بعضكم لهم وتكفير كم لشيعتهم. انتهى كلامه زيد مقامه وعلت في الخلد أقدامه. وفي
آخره دلالة واضحة على نصب المخالفين وبغضهم لأهل البيت عليهمالسلام كما هو مذهب غيره من المتقدمين أيضا
خلافا لمتأخرى أصحابنا ـ رضوان الله عليهم. (منه ـ قدسسره ـ).
(1) الكافي ج 6 ص 156 ح 11 ، التهذيب ج 8 ص 24 ح 51 ، الفقيه ج
3 ص 346 ح 23 ، الوسائل ج 15 ص 520 ب 11 ح 1.
(2) الكافي ج 6 ص 156 ح 12 ، التهذيب ج 8 ص 17 ح 28 وفيهما «وسألته»
، الوسائل ج 15 ص 520 ب 11 ح 2.
(3) الكافي ج 6 ص 157 ح 16 ، التهذيب ج 8 ص 21 ح 42 ، الوسائل
ج 15 ص 521 ب 11 ح 3.
رجل كان له عشر جوار فظاهر منهن كلهن
جميعا بكلام واحد ، فقال : عليه عشر كفارات».
وما رواه الشيخ (1) عن ابن أبي يعفور قال : «سألت أبا
عبد الله عليهالسلام عن رجل ظاهر
من جاريته ، قال : هي مثل ظهار الحرة».
وعن محمد بن مسلم (2) في الصحيح عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته
عن الظهار من الحرة والأمة؟ قال : نعم».
وما رواه في قرب الاسناد (3) عن أحمد بن
محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا عليهالسلام قال : «سألته
عن الرجل يظاهر من أمته؟ فقال : كان جعفر يقول : يقع على الحرة والأمة الظهار».
ويدل على القول الثاني ما رواه الشيخ (4) عن حمزة بن
حمران قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل جعل
جاريته عليه كظهر امه ، قال : يأتيها وليس عليه شيء».
ورده في المسالك ومثله سبطه في شرح النافع بضعف السند
فلا يعارض ما تقدم من الأخبار التي فيها الصحيح وغيره.
وأجاب عنها الشيخ بالحمل على ما إذا أخل بشرائط الظهار ،
قال في الاستبصار : لأن حمزة بن حمران روى هذه الرواية في كتاب البزوفري أنه يقول
ذلك لجاريته ويريد إرضاء زوجته ، وهذا يدل على أنه لم يقصد به الظهار الحقيقي وإذا
لم يقصد ذلك لم يقع ظهاره صحيحا ، ولا يحصل على وجه تتعلق به الكفارة ، انتهى.
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 24 ح 52 ، الوسائل ج 15 ص 521 ب 11 ح 4.
(2) الكافي ج 6 ص 156 ح 12 ، التهذيب ج 8 ص 17 ح 28 ، الوسائل
ج 15 ص 520 ب 11 ح 2.
(3) قرب الاسناد ص 160 ، الوسائل ج 15 ص 521 ب 11 ح 7.
(4) التهذيب ج 8 ص 24 ح 53 ، الوسائل ج 15 ص 521 ب 11 ح 6.
وأشار بالرواية المذكورة إلى ما قدمناه من رواية حمزة
المذكورة في آخر التنبيه السادس من المطلب الأول ، وهو وإن كان لا يخلو من بعد
لاحتمال كون هذه الرواية غير تلك إلا أنه في مقام الجمع بين الأخبار غير بعيد.
ويحتمل حمل الرواية المذكورة على التقية ، فإن القول
بمضمونها مذهب جمع من العامة كما ذكره ابن أبي عقيل ـ رحمهالله ـ في عبارته
وبحثه في ذلك معهم.
ونقل في المسالك الاستدلال لهذا القول أيضا بقوله عليهالسلام في مرسلة ابن
فضال (1) «لا يكون ظهار
إلا على مثل موضع الطلاق». والطلاق لا يقع بملك اليمين.
وفيه أنا قد قدمنا سابقا الجواب عن مثل هذا الاستدلال
بهذا الخبر بأن الظاهر أن المراد إنما هو بالنسبة إلى الشرائط المعتبرة في الطلاق
من الشاهدين وكونها في طهر لم يقربها إلى الشرائط المعتبرة وكونها طاهرا من الحيض
نحو ذلك ، بمعنى أنه لا بد في الظهار من استكماله لهذه الشروط المشترطة في الطلاق
هذا هو الظاهر من الخبر ، لا ما ذكروه هنا ، وكذا في مسألة تعليق الظهار الشرط كما
تقدم من الاستدلال بهذا الخبر على نفي ذلك ، فإن الظاهر بعده.
وبذلك يظهر لك أن الأظهر هو القول الأول ، وأنه هو الذي
عليه المعول والمحقق في الشرائع قد تردد في هذه المسألة ، ونسب الوقوع إلى الرواية
، والظاهر ضعفه ، فإنه ليس لهذا القول بعد الروايتين اللتين ذكرناهما إلا مجرد علل
عليلة لا تصلح في حد ذاتها للاستدلال ، فضلا عن أن يكون في مقابلة تلك الأخبار
والروايتان المذكورتان قد عرفت ما فيها ، والله العالم.
السادس : وقالوا : ومع
الدخول يقع ولو كان الوطء دبرا ، صغيرة كانت أو كبيرة ، مجنونة أو عاقلة.
قيل في بيان وجهه : إن إطلاق الدخول يشمل الدبر كما تحقق
في
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 154 ح 5 ، التهذيب ج 8 ص 13 ح 19 ، الفقيه ج
3 ص 340 ح 2 مرسلا مع اختلاف يسير ، الوسائل ج 15 ص 509 ب 2 ح 3.
باب المهر وغيره ، وإطلاق الحكم
يتناول الصغيرة وإن حرم الدخول بها والكبيرة المجنونة والعاقلة.
أقول : قدمنا في غير موضع أن إطلاق الدخول في الأخبار
إنما ينصرف إلى الفرد المتعارف الشائع المتكرر دون الفروض النادرة. ولا ريب أن
الفرد الشائع المتكرر المندوب إليه إنما هو الوطء في القبل خاصة.
وبالجملة فإن بناء الأحكام عليه وإن اشتهر في كلامهم إلا أنه غير خال من الاشكال كما تقدم تحقيقه بوجه أبسط ، والله العالم.
المطلب الرابع في الأحكام : وفيه مسائل
:
الاولى : قد صرح
الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ بأن الكفارة لا تجب بمجرد الظهار ، وإنما تجب بالعود
وإرادة الوطء وأنه لا استقرار لها.
أقول : تفصيل هذا الإجمال يقع في مواضع ثلاثة :
الأول : أنه لا خلاف بين كافة أهل العلم في أن الكفارة
لا تجب بمجرد الظهار وإنما تجب بالعود ، قال الله تعالى وعزوجل «وَالَّذِينَ
يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ» (1) الآية ، فإنه سبحانه رتب التحرير على
العود ، والمراد إرادة العود لا العود بالفعل ، نظيره قوله عزوجل «فَإِذا
قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ» (2) «وإِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ» (3) أي إذا أردت القراءة وإذا أردتم
القيام ، والمراد بما قالوا تحريم الوطء الذي حرموه على أنفسهم بالظهار ، والمعنى
أنهم إذا أرادوا استباحة الوطء الذي حرموه على أنفسهم بالظهار فلا بد أولا من
تحرير رقبة.
__________________
(1) سورة المجادلة ـ آية 3.
(2) سورة النحل ـ آية 98.
(3) سورة المائدة ـ آية 6.
ويدل على ما ذكرنا من الأخبار ما رواه الشيخ (1) في الصحيح عن
جميل ابن دراج عن أبي عبد الله عليهالسلام «أنه سأله عن
الظهار متى يقع على صاحبه فيه الكفارة؟ فقال : إذا أراد أن يواقع امرأته ، قلت :
فإن طلقها قبل أن يواقعها ، أعليه كفارة؟ قال : لا ، سقطت الكفارة عنه».
وما رواه في الصحيح عن الحلبي (2) قال : «سألت
أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل
يظاهر من امرأته ثم يريد أن يتم على طلاقها ، قال : ليس عليه كفارة ، قلت : إن
أراد أن يمسها؟ قال : لا يمسها حتى يكفر ، قلت : فإن فعل فعليه شيء؟ قال : إي
والله إنه لآثم ظالم ، قلت : عليه كفارة غير الاولى؟ قال : نعم».
وما رواه في الكافي (3) عن أبي بصير قال : «قلت لأبي عبد
الله عليهالسلام : متى تجب
الكفارة على المظاهر؟ قال : إذا أراد أن يواقع ، قال : قلت : فإن واقع قبل أن يكفر؟
قال : فقال : عليه كفارة أخرى».
أقول : ظاهر هذا الخبر والخبر الأول أن الحنث الموجب
للكفارة لا يقع بمجرد الإرادة للمواقعة ، بل بالمواقعة بالفعل ، وسيأتي ما ظاهره
المنافاة.
وما رواه في الكافي (4) عن علي بن مهزيار قال : «كتب عبد
الله بن محمد إلى أبي الحسن عليهالسلام : جعلت فداك
إن بعض مواليك يزعم أن الرجل إذا تكلم بالظهار وجبت عليه الكفارة حنث أو لم يحنث ،
ويقول : حنثه كلامه بالظهار ، وإنما
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 155 ح 10 ، التهذيب ج 8 ص 9 ح 3 ، الوسائل ج
15 ص 518 ب 10 ح 4 وما في المصادر اختلاف يسير.
(2) التهذيب ج 8 ص 18 ح 31 ، الوسائل ج 15 ص 527 ب 15 ح 4
وفيهما «نعم يعتق أيضا رقبة».
(3) لم نعثر عليها في الكافي ، التهذيب ج 8 ص 20 ح 39 ،
الوسائل ج 15 ص 527 ب 15 ح 6.
(4) الكافي ج 6 ص 157 ح 19 ، التهذيب ج 8 ص 12 ح 13 وفيه «عبد
الله بن محمد قال : قلت له» ، الوسائل ج 15 ص 513 ب 6 ح 5.
جعلت عليه الكفارة عقوبة لكلامه ،
وبعضهم يزعم أن الكفارة لا تلزمه حتى يحنث في الشيء الذي حلف عليه ، فإن حنث وجبت
عليه الكفارة ، وإلا فلا كفارة عليه ، فوقع عليهالسلام بخطه : لا تجب
الكفارة حتى يجب الحنث».
أقول : أراد عليهالسلام بالوجوب في
قوله «حتى يجب الحنث» معناه اللغوي ، أي حتى يحصل الحنث ويثبت منه ، وقد عرفت أن
الحنث يحصل بإرادة المواقعة ، والشيخ حمل هذا الخبر على الظهار المشروط ، وجعل
حنثه هو تحقق الشرط الذي علق عليه الظهار ، والظاهر أنه نظر إلى قوله «حتى يحنث في
الشيء الذي حلف عليه» فإنه ظاهر في أن السؤال إنما كان عن الظهار المشروط المقصود
به اليمين ، إلا أنك قد عرفت أنه لا يصح على أصولنا وإنما يصح على أصول العامة ،
أو لعله عليهالسلام أجمل في
الجواب لذلك.
وبذلك يظهر أنه لا وجه لما حمل عليه الشيخ الخبر من
الظهار المشروط ، وأنه متى لم يحصل الشرط لم تجب عليه الكفارة ، لأن ظاهر الخبر
المذكور بالنظر إلى قوله «يحنث في الشيء الذي حلف عليه» لا يلائم ما ذكره بناء
على التقريب الذي ذكرناه ، ومع قطع النظر عن ذكر الحلف أو تأويله بوجه على خلاف
ظاهره ، فإن الخبر ظاهر فيما دلت عليه الأخبار السابقة من تحقق الحنث بمجرد إرادة
المواقعة ، فلا ضرورة إلى الحمل إلى الظهار المشروط.
بقي هنا شيء وهو أنه قد روى في الكافي (1) عن زرارة قال
: «قلت : لأبي جعفر عليهالسلام : إني ظاهرت
من أم ولدي ثم وقعت عليها ثم كفرت ، فقال : هكذا يصنع الرجل الفقيه إذا واقع كفر».
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 159 ح 29 وفيه «من أم ولد لي ثم واقعت» ،
الوسائل ج 15 ص 529 ب 16 ح 2.
وروى في الكافي والتهذيب (1) في الصحيح أو
الحسن عن زرارة قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : رجل ظاهر ثم
واقع قبل أن يكفر ، فقال لي : أو ليس هكذا يفعل الفقيه».
وهذان الخبران بحسب الظاهر مخالفان لظاهر الكتاب والسنة
الدال على وجوب الكفارة بإرادة المواقعة ، وأنه لا يجوز المواقعة بدون الكفارة ،
والظاهر حملها على الظهار المشروط بالمواقعة ، كقوله «أنت علي كظهر أمي إن واقعتك»
قاصدا به الظهار دون الحلف للزجر مثلا ، فإن الكفارة في هذه الصورة لا تجب إلا بعد
المواقعة ، لأن الحنث إنما يقع بعد المواقعة.
الثاني : الأشهر الأظهر أن المراد من العود الموجب
للكفارة هو إرادة المواقعة كما قدمنا ذكره ، وبه صرح جملة من المتقدمين أيضا.
قال الشيخ في كتابي المبسوط والخلاف : لا يجب الكفارة
إلا إذا ظاهر ثم أراد الوطء إن كان الظهار مطلقا ، وبعد حصول الشرط وإرادة الوطء
إن كان مشروطا.
وبذلك صرح ابن أبي عقيل والسيد المرتضى بعد أن ذكر أنه
ليس لأصحابنا نص صريح في تفسيره ، وخالف في ذلك ابن الجنيد فجعل العود عبارة عن
إمساكها في النكاح بقدر ما يمكنه مفارقتها فيه. قال على ما نقله عنه في المختلف :
والمظاهر إذا أقام على إمساك زوجته بعد الظهار بالعقد الأول زمانا ، فإن قل فقد
عاد ـ إلى أن قال : ـ ولم يجز له أن يطأ حتى يكفر.
ونقل عنه في المسالك الاحتجاج على ذلك بأن العود للقول
عبارة عن مخالفته ، يقال : قال فلان قولا ثم عاد فيه ، وعاد له أي خالفه ونقضه ،
وهو قريب من قولهم : عاد في هبته ـ ثم قال في المسالك : ـ وهذان القولان للعامة
أيضا ، ولهم قول ثالث إنه الوطء نفسه ، والأصح الأول.
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 159 ح 30 ، التهذيب ج 8 ص 20 ح 38 ، الوسائل
ج 15 ص 530 ب 16 ح 5.
ثم إنه أجاب عن الثاني وهو ما ذهب إليه ابن الجنيد ، قال
: وجواب الثاني أن حقيقة الظهار كما اعترفوا به تحريم المرأة عليه ، وذلك لا ينافي
بقاؤها في عصمته ، فلا يكون إبقاؤها بذلك عودا فيه ، وإنما يظهر العود في قوله
بإرادة فعل ما ينافيه ، وذلك بإرادة الاستمتاع أو به نفسه ، لكن الثاني غير مراد
هنا لقوله «فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا» فجعل الكفارة
مترتبة على العود ، وجعلها من قبل أن يتماسا ، فدل على أن العود يتحقق قبل الوطء ،
وبهذا يضعف القول الثالث ، انتهى.
وأجاب في المختلف ومثله في المسالك أيضا عما ذهب إليه
ابن الجنيد بأن قوله عزوجل «ثُمَّ
يَعُودُونَ» يقتضي التراخي بين الظهار والعود
لدلالة «ثم» عليه وعلى قولهم بالقول الثاني لا يتحقق التراخي على هذا الوجه.
أقول : لا يخفى أن المستفاد من الآية والأخبار المتقدمة
متى ضم بعضها إلى بعض إنما هو عبارة عن إرادة المواقعة ، لا مجرد إمساكها ، لأن
الآية دلت على ترتب الكفارة على العود ، بمعنى إرادة العود بالتقريب المتقدم ،
والأخبار صرحت بأن وقت الكفارة إرادة المواقعة ، ومنه علم أن العود الموجب للكفارة
عبارة عن إرادة المواقعة ، فلو أمسكها ما أمسكها ولم يرد المواقعة لم يتحقق العود
بذلك.
الثالث : قد عرفت مما تقدم أنه لا إشكال في لزوم الكفارة
بإرادة العود ، لكن الكلام في أنه متى وجبت بذلك هل يكون وجوبها مستقرا بذلك حتى
أنه لو طلقها بعد إرادة العود وقبل الوطء تبقى الكفارة لازمة له؟ أو أنه لا
استقرار لوجوبها إلا بالوطء بالفعل ، فمعنى الوجوب إنما هو عبارة عن كونها شرطا في
حل الوطء لتحريم العود بدونها؟ قولان ، أشهرهما الثاني ، وهو الذي صرح به المحقق
في كتابيه.
قال في الشرائع : ولا استقرار لها ، بل معنى الوجوب تحريم الوطء حتى يكفر ، وعلى هذا فتكون الكفارة شرطا في حل الوطء ، كما أن الطهارة شرط في صحة صلاة النافلة ، والإحرام شرط في دخول الحرم ، ولا يصدق على شيء من هذه الشروط اسم الواجب بالمعنى المتعارف منه ، وهو ما يذم تاركه أو يعاقب على تركه ، فإن تارك الكفارة لو لم يطأ لا إثم عليه ، ولو وطأ أثم على وقوع الوطء على هذا الوجه لا على ترك الكفارة. كما أن من صلى النافلة من غير طهارة يعاقب على إيقاع الصلاة كذلك لا على ترك الطهارة ، وهذا الوجوب بهذا المعنى يسمى عندهم بالوجوب الشرطي ، لأنه لا يترتب على تركه ما يترتب على ترك الواجب ، وإنما وجوبه عبارة عن شرطيته في صحة ما جعل شرطا له ، وعلى هذا القول يدل ظاهر الآية ، فإن قوله عزوجل «فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا» غاية ما يدل عليه توقف إباحة التماس على تحرير الرقبة ، لا وجوب التحرير بمجرد إرادة التماس.
وبالجملة فإن مجرد إرادة العود مع عدم وقوع الوطء منه
ولا التكفير لا يوجب حصول العصيان ، والموجود في الآية تحرير الرقبة قبل التماس ،
وهذا لم يحصل منه مماسة بالكلية.
وعلى ذلك يدل أيضا ظاهر صحيحة الحلبي (1) المتقدمة
قريبا فيمن يظاهر امرأته ، ثم يريد أن يتم على طلاقها «قال : ليس عليه كفارة ، قلت
: إنه أراد أن يمسها ، قال : لا يمسها حتى يكفر» فإن غاية ما تدل عليه أن جواز
المس متوقف على التكفير ، فمتى لم يمس لا يستقر عليه وإن أراد ، ومرجعه إلى أن
التكفير شرط في جواز المس ، وهو المراد من الوجوب الشرطي الذي ذكرناه ، لا الوجوب
المستقر بالمعنى المتعارف. ونحوها أيضا صحيحة جميل (2) ورواية أبي
بصير (3) المتقدمتان
بالتقريب المذكور.
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 18 ح 31 ، الوسائل ج 15 ص 527 ب 15 ح 4.
(2 و 3) الكافي ج 6 ص 155 ح 9 و 10.
ونقل عن العلامة في التحرير أنه استقرب أن الوجوب يستقر
بإرادة الوطء وإن لم يفعل ، محتجا بالآية ، قال : لأن الله تعالى رتب وجوبها على
العود بقوله «ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ» أي فعليهم ذلك
، والأصل بقاء هذا الوجوب المترتب.
وأجيب بمنع الدلالة على الوجوب مطلقا ، بل غاية ما تدل
الآية عليه هو توقف التماس على الكفارة ، وهذا ما ندعيه ، ولو سلم الوجوب فالمراد
به المقيد بقبلية التماس ، والقبلية من الأمور الإضافية لا تتحقق بدون المتضايفين
فما لم يحصل التماس لا يثبت الوجوب ، وهذا هو المراد من الوجوب الغير المستمر
وبالجملة فالقول المذكور ضعيف لا يلتفت إليه لما عرفت ، والله العالم.
الثانية : المشهور بين
المتقدمين وعليه كافة المتأخرين أنه لو وطأ قبل الكفارة لزمته كفارة أخرى ، ولو
كرر الوطء تكررت الكفارة.
ويدل على ذلك صحيحة الحلبي (1) قال : «سألت
أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل
يظاهر من امرأته ثم يريد أن يتم على طلاقها ، قال : ليس عليه كفارة ، قلت : فإن
أراد أن يمسها؟ قال : لا يمسها حتى يكفر ، قلت : فإن فعل فعليه شيء؟ فقال : إي
والله إنه لآثم ظالم ، قلت : عليه كفارة غير الاولى؟ قال : نعم».
وما رواه في الكافي (2) عن أبي بصير قال : «قلت لأبي عبد
الله عليهالسلام : متى تجب
الكفارة على المظاهر؟ قال : إذا أراد أن يواقع ، قال : قلت ، قال : فإن واقع قبل
أن يكفر؟ قال : فقال : عليه كفارة أخرى».
وهذه الرواية وصفها في المسالك بالصحة ، ولا أعرف له
وجها ، فإن طريقها في الكافي عن علي الميثمي عن ابن أبي عمير عن حفص بن البختري عن
أبى بصير ، وطريق الكليني إلى علي الميثمي غير معلوم وعلي المذكور مجهول ، وأبو
بصير مشترك.
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 18 ح 31 ، الوسائل ج 15 ص 527 ب 15 ح 4.
(2) لم نعثر عليها في الكافي ، التهذيب ج 8 ص 20 ح 39 ،
الوسائل ج 15 ص 527 ب 15 ح 6.
وما رواه الشيخ (1) عن الحسن الصيقل عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قلت له
: رجل ظاهر من امرأته فلم يف ، قال : عليه الكفارة من قبل أن يتماسا ، قلت : فإنه
أتاها قبل أن يكفر ، قال : بئس ما صنع ، قلت : عليه شيء؟ قال : أساء وظلم قلت :
فيلزمه شيء؟ قال : رقبة أيضا».
وما رواه في الكافي (2) عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام «أنه قال : إذا
واقع المرة الثانية قبل أن يكفر فعليه كفارة أخرى ، ليس في هذا اختلاف».
أقول : الظاهر أن قوله «ليس في هذا اختلاف» من كلام أحد
الرواة ، بمعنى أنه بتكرر الوطء تتكرر الكفارة ، فلكل وطء كفارة من غير خلاف بين
الخاصة والعامة في ذلك ، إنما الخلاف في لزوم كفارة أخرى للوطء الأول كما هو محل
البحث.
ونقل عن ابن الجنيد أنه حكم بالتعدد ، وكذلك إذا كان فرض
المظاهر التكفير بالعتق أو الصيام. وأما إذا انتقل فرضه إلى الصيام فلا.
قال على ما نقل عنه في المختلف والمسالك : والمظاهر إذا
قام على إمساك زوجته بعد الظهار بالعقد الأول زمانا ، وإن قل فقد عاد لما قال ،
ولم يستحب (3) له أن يطأ حتى
يكفر ، فإن وطأ لم يعاود الوطء ثانيا حتى يكفر ، فإن فعل وجب عليه بكل وطء كفارة ،
إلا أن يكون ممن لا يجد العتق ولا يقدر على الصيام فكفارته هي الإطعام فإنه إن
عاود إلى جماع ثان قبل الإطعام فالنفقة لا يوجب عليه كفارة ، لأن الله شرط في
العتق والصيام أن يكون قبل العود ولم يشترط ذلك في الإطعام والاختيار أن لا يعاود
إلى جماع ثان حتى يتصدق.
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 14 ح 21 ، الوسائل ج 15 ص 527 ب 15 ح 5.
(2) الكافي ج 6 ص 157 ح 17 ، التهذيب ج 8 ص 18 ح 33 ، الوسائل
ج 15 ص 526 ب 15 ح 1.
(3) في المختلف «ولم يجز».
واحتج له الأصحاب بصحيحة زرارة (1) المتقدمة في
الموضع الأول من سابق هذه المسألة الدالة على أن من واقع بعد الظهار قبل أن يكفر
فهو فقير.
وحسنة الحلبي (2) عن الصادق عليهالسلام قال : «سألته
عن رجل ظاهر من امرأته ثلاث مرات ، قال : يكفر ثلاث مرات ، قلت : فإن واقع قبل أن
يكفر؟ قال : يستغفر الله ، ويمسك حتى يكفر».
ورواية زرارة (3) عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «إن
الرجل إذا ظاهر من امرأته ثم يمسها قبل أن يكفر فإنما عليه كفارة واحدة ، ويكف
عنها زوجها حتى يكفر».
وأنت خبير بأن ظاهر كلام ابن الجنيد بل صريحه موافقة
الأصحاب فيما إذا كان التكفير بالعتق أو الصيام ، فأوجب التعدد بالوطء بعد الظهار
قبل الكفارة ، وتعددها بتعدد الوطء ، وإنما يخالفهم في صورة ما إذا كان التكفير
بالإطعام ، فإنه لا يوجب أزيد من كفارة واحدة ، محتجا بظاهر الآية ، وهي قوله عزوجل «وَالَّذِينَ
يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ
مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا ـ إلى أن قال :
ـ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ
قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً». (4)
والتقريب فيها أنه اشترط في كفارة العتق والصيام أنه لا
يجوز له المواقعة إلا بعد تلك الكفارة ، سواء واقعها مرة أو مرات ، فإنه يكرر
الكفارة بذلك
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 159 ح 30 ، التهذيب ج 8 ص 20 ح 38 ، الوسائل
ج 15 ص 530 ب 16 ح 5.
(2) الكافي ج 6 ص 156 ح 14 ، الفقيه ج 3 ص 343 ح 8 ، التهذيب ج
8 ص 18 ح 34 ، الوسائل ج 15 ص 526 ب 15 ح 2.
(3) التهذيب ج 8 ص 20 ح 37 ، الوسائل ج 15 ص 528 ب 15 ح 9
وفيهما «ثم غشيها» و «يكف عنها حتى».
(4) سورة المجادلة ـ آية 3 و 4.
لمنعه من المماسة قبل الكفارة ، فهو
ممنوع في المس الأول والثاني ، وهكذا ، فكل منهما وجب الكفارة.
وأما الإطعام فأطلقه ولم يشترط فيه ذلك قبل المماسة ، بل
ظاهره أنه متى كان كفارته الإطعام فإنه يكفر بعد الظهار تماسا أو لم يتماسا فإنما
عليه كفارة واحدة ، لأنه لم يعلق الكفارة على التماس كما في الأولين ، بل قال : فإن
لم يستطع التكفير بتلك الكفارتين على الوجه المذكور فكفارته إطعام ستين مسكينا مرة
واحدة وإن تماسا وتكرر التماس ، لأنه لم يرتب الكفارة على التماس ليلزم تكررها
بتكرره ، بل الموجب لها إنما هو الظهار ، والواجب فيه كفارة واحدة ، والتعدد غير
مستفاد من الآية في هذه الكفارة.
وأما الأخبار التي أوردوها دليلا لابن الجنيد فلا دلالة
في شيء منها على هذا التفصيل الذي ادعى ابن الجنيد من تخصيص محل خلافه مع الأصحاب
بكفارة الإطعام ، بل هي مطلقة كإطلاق الأخبار الدالة على القول المشهور ، ولا فرق
في شيء منها بين الكفارات ، إلا أن تلك دلت على التعدد مطلقا وهذه دلت على وحدة
الكفارة مطلقا عتقا كانت الكفارة أو صياما أو إطعاما ، فهي غير موافقة لابن الجنيد
لأنه يخص ذلك بما إذا كان الكفارة إطعاما ، وهذه الأخبار مطلقة ، وحملها على خصوص
الإطعام كما يقوله ابن الجنيد تعسف محض وتكلف صرف لا يساعد عليه شيء من عبائرها
وألفاظها.
نعم الواجب الكلام في الجمع بين هذه الأخبار ، وظاهر
شيخنا الشهيد الثاني في المسالك حمل الأخبار الأول على الاستحباب ، ثم إنه استشكل
ذلك باعتبار صحة روايتي الحلبي وأبي بصير بناء على ما قدمنا نقله عنه من حكمه
بصحتها ، والتأويل فرع المعارضة وإلا فالعمل على الترجيح بالصحة.
والشيخ ـ رحمة الله عليه ـ قد حمل الأخبار الأخيرة الدالة على عدم تكرار الكفارة على من فعل ذلك جاهلا ، واستدل عليه بصحيحة محمد بن مسلم (1) عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «الظهار لا يقع إلا على الحنث ، فإذا حنث فليس له أن يواقعها حتى يكفر ، فإن جهل وفعل كان عليه كفارة واحدة».
أقول : والتحقيق أن الرواية الاولى من الروايات الأخيرة
وهي صحيحة زرارة (2) ليست مما
ذكروه في شيء. وإنما المعنى فيها ما قدمنا ذكره من الحمل على ما إذا كان الظهار
مشروطا بالمواقعة ، بأن قال : أنت علي كظهر أمي إن واقعتك ، فإنه لا تجب عليه
الكفارة إلا بعد المواقعة ، ولا يحصل الحنث الموجب لها إلا بذلك.
وأما حسنة الحلبي (3) فليس فيها إلا أنه إذا واقع قبل أن
يكفر فليستغفر الله وليمسك حتى يكفر. ولا دلالة فيه على أنه يكفر كفارة واحدة ، بل
هي أعم من الواحدة والاثنتين ، وحينئذ فيحمل على الكفارتين جمعا بين الأخبار
المفصلة ، وعلى هذا فتنحصر في رواية زرارة ، وهي لا تبلغ قوة في معارضة تلك
الأخبار ، فيجب حملها على ما ذكره الشيخ من الجاهل الناسي وبذلك يظهر قوة القول
المشهور.
وأما ما ذكره في المسالك بعد استبعاده ما ذكرناه من
المحامل ، فقال : وقول ابن الجنيد لا يخلو من قوة ، وفيه جمع بين الأخبار ، إلا أن
الأشهر خلافه ففيه ما عرفت آنفا من أن قول ابن الجنيد لا تعلق له بهذه الروايات
الأخيرة ، لأنه يفصل في الكفارة بين العتق والصوم وبين الإطعام ، فيوجب التعدد كما
ذكره الأصحاب في الأولين ويوجب الواحدة في الثالث ، وهذه الأخبار ليس فيها إشارة
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 11 ح 12 ، الوسائل ج 15 ص 528 ب 15 ح 8.
(2) الكافي ج 6 ص 159 ح 29 ، الوسائل ج 15 ص 529 ب 16 ح 2.
(3) الكافي ج 6 ص 156 ح 14 ، الفقيه ج 3 ص 343 ح 8 ، التهذيب ج
8 ص 18 ح 34 ، الوسائل ج 15 ص 526 ب 15 ح 2.
إلى هذا التفصيل بالكلية ، وإنما هي
مطلقة في اتحاد الكفارة ، عتقا كانت أو صوما أو إطعاما ، وحمل هذه الأخبار الأخيرة
على خصوص كفارة الإطعام ، مع أنه لا إشارة إليه ، فضلا عن الدلالة عليه في شيء
منها تعسف ظاهر ، وتحكم مجاهر.
وكيف كان فإنه على تقدير القول المشهور من وجوب التعدد
فإنه يجب تقييده بالعالم العامد دون الجاهل والناسي كما دلت عليه صحيحة محمد بن
مسلم (1) وإن كان
موردها إنما هو الجاهل ، إلا أن الناسي يشاركه عند الأصحاب كما صرح به في المسالك
وغيره.
الثالثة : لا خلاف بين الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ في
أن المظاهر إذا طلق طلاقا رجعيا ثم راجع في العدة فإن حكم الظهار باق فلا تحل له
حتى يكفر.
وإنما الخلاف في أنها إذا طلقها بائنا أو رجعيا ولكن
تركها حتى خرجت من العدة ثم تزوجها بعقد جديد فهل يكون حكم الظهار باقيا كالصورة
الأولى أم لا؟ قولان ، أشهرهما وأظهرهما الثاني.
ويدل على الحكمين المذكورين ما رواه الصدوق في من لا
يحضره الفقيه (2) في الصحيح عن
ابن أبي عمير عن أبي أيوب الخزاز عن بريد بن معاوية قال : «سألت أبا جعفر عليهالسلام عن رجل ظاهر
من امرأته ثم طلقها تطليقة ، فقال : إذا هو طلقها تطليقة فقد بطل الظهار وهدم الطلاق
الظهار ، قيل له : فله أن يراجعها؟ قال : نعم هي امرأته ، فإن راجعها وجب عليه ما
يجب على المظاهر من قبل أن يتماسا ، قلت : فإن تركها حتى يحل أجلها وتملك نفسها ،
ثم تزوجها بعد ذلك ، هل يلزمه الظهار من قبل أن يمسها؟ قال : لا ، قد بانت منه
وملكت نفسها».
إلا أن صاحب الكافي (3) قد روى هذه الرواية بعينها عن يزيد
الكناسي عن
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 11 ح 12 ، الوسائل ج 15 ص 528 ب 15 ح 8.
(2) الفقيه ج 3 ص 342 ح 6.
(3) الكافي ج 6 ص 161 ح 34 ، التهذيب ج 8 ص 16 ح 26 ، الوسائل
ج 15 ص 518 ب 10 ح 2 وما في المصادر اختلاف يسير.
أبي جعفر عليهالسلام ، الخبر كما
هو في من لا يحضره الفقيه ، ويزيد المذكور بالياء المثناة من تحت ثم الزاي ، أو
بريد بالباء الموحدة ثم الراء المهملة مجهول في الرجال فيكون الحديث ضعيفا بهذا
الاصطلاح المحدث ، لكنه من الجائز رواية كل منهما له في ذلك المجلس. وكيف كان فهو
ظاهر الدلالة على الحكمين المذكورين.
وذهب سلار وأبو الصلاح إلى عود حكم الظهار بعد تزويجها
ولو بعد العدة البائنة لعموم الآية وخصوص حسنة علي بن جعفر (1) عن أخيه عليهالسلام «أنه سأله عن
رجل ظاهر من امرأته ثم طلقها بعد ذلك بشهر أو شهرين فتزوجت ثم طلقها زوجها الذي
تزوجها ، ثم راجعها الأول ، هل عليه فيها الكفارة للظهار الأول؟ قال : نعم ، عتق
رقبة أو صوم أو صدقة».
وأجاب الشيخ عن هذه الرواية بالحمل على التقية لموافقتها
لمذهب جمع من العامة ، واعترضه في المسالك بأن العامة مختلفون في ذلك كالخاصة ،
فلا وجه للتقية في أحد القولين.
وفيه أنه لا منافاة في ذلك ، إذ من الجائز شيوع هذا
القول بين العامة في ذلك الوقت ، فأفتى عليهالسلام بما يوافق
قولهم يومئذ تقية ، وقد ورد في الأخبار أنه مع اختلافهم في الحكم يؤخذ بخلاف ما
إليه قضاتهم وحكامهم أميل.
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 17 ح 27 ، الوسائل ج 15 ص 519 ب 10 ح 9 وفيهما اختلاف يسير.
في هذه الرياض والعراص أصاب سهم القدر لمؤلفه الذي لا
سعة عنه ولا مناص ، ولا محيد دون عموم واختصاص ، فيا له من كرب لا يفيث منه حي ،
ويا لها من ثلمة لا يسدها شيء ، وبه تم الجزء الخامس والعشرون ـ حسب تجزئتنا ـ بحمد
الله ومنه.
وسيليه ـ إن شاء الله ـ تتمة لكتاب الظهار نهض بعبء تأليفه ابن أخيه وتلميذه العلامة النحرير آية الله المحدث الشيخ حسين بن محمد آل عصفور متبعا خطى جده وطريقة بحثه واسما له ب : «عيون الحقائق الناظرة في تتمة الحدائق الناضرة» فخرج كاملا متسقا ، مسديا في ذلك خدمة جليلة لرواد العلم والفضيلة ، فلله درة وعلى الله أجره ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.