ج24 - أحكام المهور

المقصد الثاني

في المهور

جمع مهر وهو على ما عرفة في الصحاح والقاموس (1) : الصداق ، قالا : والصداق بكسر الصاد وفتحها : المهر.

قال في المسالك : وهو مال يجب بوطى‌ء غير زنا منهما ولا ملك يمين أو بعقد النكاح أو تفويت بضع قهرا على بعض الوجوه كإرضاع ورجوع شهود.

قال سبطه في شرح النافع بعد نقل ذلك : وأورد عليه طردا عقر الأمة الزانية إن جعلنا العقر مهرا كما ذكره المعرف فإنه جعل من أسماء المهر العقر ، وعكسا أرض البكارة ، فإنه يجب بالوطء المخصوص وليس مهرا والنفقة إن قلنا أنها تجب بالعقد ، والنشوز مانع ، ثم قال : والأمر في ذلك هين.

ثم إنه قال في المسالك : وله أسماء كثيرة منها الصداق بفتح الصاد وكسرها سمي به لإشعاره بصدق رغبة باذله في النكاح الذي هو الأصل في إيجابه ، والصدقة بفتح أوله وضم ثانيه ، والنحلة ، والأجر ، والفريضة ، وقد ورد بها القرآن ، قال الله تعالى «وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً» (2) وقال «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ» (3) وقال «وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً» (4) والعليقة ، والعلائق ، وقد روي (5) أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : أدوا العلائق ، قيل : وما العلائق؟ قال : ما ترضى به الأهلون.

__________________

(1) الصحاح ج 4 ص 1506 ، القاموس ج 2 ص 136.

(2 و 3) سورة النساء ـ آية 4 و 24.

(4) سورة البقرة ـ آية 237.

(5) النهاية لابن الأثير ج 3 ص 289.


والعقر بالضم ، والحباء بالكسر ، ويقال من لفظ الصداق والصدقة : صدقتها ، ومن المهر : مهرتها ، ولا يقال : أصدقتها وأمهرتها ، ومنهم من جوزه ، وقد استعمله المصنف وغيره من الفقهاء ، انتهى كلامه.

قال في كتاب المصباح المنير (1) : ومهرت المرأة مهرا من باب نفع أعطيتها المهر ، وأمهرتها بالألف كذلك ، والثاني لغة تميم وهي أكثر استعمالا ، ومنهم من يقول مهرتها إذا زوجها من رجل على مهر فهي مهيرة ، فعلى هذا يكون مهرت وأمهرت لاختلاف معنيين. انتهى.

وقال أيضا في الكتاب المذكورة : وصداق المرأة فيه لغات أكثرها فتح الصاد ، والثانية كسرها ، والجمع صدق بضمتين ، والثالثة لغة الحجاز صدقة ، ويجمع صدقات على لفظها ، وفي التنزيل «وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ» والرابعة لغة تميم صدقة ، والجمع صدقات ، مثل غرفة وغرفات ، وصدقه لغة خامسة وجمعها صدق مثل قرية وقرى ، وأصدقتها بالألف أعطيتها صداقها ، وأصدقتها تزوجتها على صداق ، انتهى.

وكيف كان ففي هذا المقصد بحوث :

الأول : فيما يصح أن يكون مهرا ، وفيه مسائل :

الأولى : المفهوم من كلام الأصحاب الاتفاق على أن كل ما يملكه المسلم مما يعد مالا يصلح جعله مهرا للزوجة عينا كان أو دينا أو منفعة ، والمراد بالمنفعة ما يشمل منفعة العقار والحيوان والغلام والأجير ، وإنما وقع الخلاف في جعل المهر عملا من الزوج للزوجة أو وليها ، فمنعها الشيخ في النهاية ، والمشهور الجواز وهو قوله في الخلاف والمبسوط ، وإليه ذهب الشيخ المفيد وابن الجنيد وابن إدريس ، وجملة من تأخر عنه.

قال في النهاية : يجوز العقد على تعليم آية من القرآن أو شي‌ء من الحكم والآداب ، لأن ذلك له أجر معين ، وقيمة مقدورة ، ولا يجوز العقد على إجارة ،

__________________

(1) المصباح المنير ص 801.


وهو أن يعقد الرجل على امرأة على أن يعمل لها أو لوليها أياما معلومة ، أو سنين معينة.

وظاهر كلامه في الخلاف أن القول بما ذهب إليه في النهاية كان موجودا قبله حيث قال : يجوز أن يكون منافع الحر مهرا مثل تعليم قرآن أو شعر مباح أو تعليم بناء أو خياطة ثوب وغير ذلك مما له أجر ، واستثنى أصحابنا من جملة ذلك الإجارة ، وقالوا : لا يجوز ، لأنه كان يختص بموسى عليه‌السلام ، ونحوه في المبسوط.

وابن البراج قد تبع الشيخ في النهاية في كتاب الكامل ، ووافق المشهور في المهذب فقال : ويجوز أن يكون منافع الحر مهرا ، مثل أن يخدمها شهرا وعلى خياطة ثوب ، وعلى أن يخيط له شهرا ، وكذلك البناء وما أشبهه ، وكذلك تعليم القرآن ، والمباح من الشعر ، وروى أصحابنا أن الإجارة مدة لا تصلح أن تكون صداقا لأن ذلك مخصوص بموسى عليه‌السلام.

وقال ابن إدريس : يجوز أن يكون منافع الحر مهرا ، مثل تعليم القرآن أو شعر مباح أو بناء أو خياطة ثوب وغير ذلك مما له اجرة ، لأن كل ذلك له أجر معين وقيمة مقدرة.

واستثنى بعض أصحابنا من جملة ذلك الإجارة إذا كانت معينة يعملها الزوج بنفسه ، قال : لأن ذلك كان مخصوصا بموسى عليه‌السلام ، والوجه في ذلك أن الإجارة إذا كانت معينة لا تكون مضمونة ، بل إذا مات المستأجر لا يؤخذ من تركته ، ولا يستأجر لتمام العمل ، وإذا كانت في الذمة تؤخذ من تركته ، ويستأجر لتمام العمل ، قال : والذي أعتمده وأعمل عليه وأفتي به أن منافع الحر ينعقد بها عقود النكاح ، وتصح الإجارة ، والأجرة على ذلك ، سواء كانت الإجارة في الذمة أو معينة لعموم الأخبار ، وما ذكره بعض أصحابنا من استثنائه الإجارة وأنها كانت مخصوصة بموسى عليه‌السلام فكلام في غير موضعه ، واعتماد على خبر شاذ نادر.


فإذا تأمل حق التأمل بان ووضح أن شعيبا عليه‌السلام استأجر موسى عليه‌السلام ليرعى له ، لا ليرعى لبنته ، وذلك كان في شرعه وملته أن المهر للأب دون البنت ، وإذا كان كذلك فإنه لا يجوز في شرعنا ما جاز في شرع شعيب عليه‌السلام ، فأما إذا عقد على إجارة ليعمل لها فالعقد صحيح سواء كانت الإجارة معينة أو في الذمة.

وقد أورد شيخنا في التهذيب (1) خبرا عن السكوني عن الصادق عليه‌السلام «قال لا يحل النكاح اليوم في الإسلام بإجارة بأن يقول : أعمل عندك كذا سنة على أن تزوجني أختك أو بنتك ، قال : حرام ، لأنه ثمن رقبتها وهي أحق بمهرها».

فهذا يدلك على ما حررناه وبيناه ، فمن استثنى من أصحابنا الإجارة ، إن أراد الإجارة التي فعلها شعيب عليه‌السلام مع موسى عليه‌السلام فصحيح ، وإن أراد غير ذلك فباطل. انتهى كلامه ، وهو جيد للأخبار الدالة على ذلك عموما وخصوصا.

ومنها ما رواه في الكافي (2) عن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال سألته عن المهر ما هو؟ قال : ما تراضى عليه الناس».

وعن الفضيل بن يسار (3) في الصحيح أو الحسن عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «الصداق ما تراضيا عليه من قليل أو كثير فهذا الصداق».

وعن الحلبي (4) في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن المهر ، فقال : ما تراضى عليه الناس» الحديث.

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 414 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 367 ح 51 ، الفقيه ج 3 ص 268 ح 56 ، الوسائل ج 15 ص 33 ح 2.

(2) الكافي ج 5 ص 378 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 354 ح 4 ، الوسائل ج 15 ص 1 ح 1.

(3) الكافي ج 5 ص 378 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 354 ح 5 ، الوسائل ج 15 ص 1 ح 3.

(4) الكافي ج 5 ص 379 ح 5 ، التهذيب ج 7 ص 354 ح 6 ، الوسائل ج 15 ص 1 ح 1.


وعن زرارة بن أعين (1) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «الصداق كل شي‌ء تراضى عليه الناس قل أو كثر في متعة أو تزويج غير متعة». إلى غير ذلك من الأخبار التي بهذا المضمون.

وما رواه في الكافي (2) عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «جاءت امرأة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت : زوجني ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من لهذه؟ فقام رجل فقال : أنا يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله زوجنيها ، فقال : ما تعطيها؟ فقال : ما لي شي‌ء ، قال : لا ، فأعادت ، فأعاد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الكلام ، فلم يقم أحد غير الرجل ، ثم أعاد ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، في المرة الثالثة أتحسن من القرآن شيئا؟ قال : نعم ، قال : قد زوجتكها على ما تحسن من القرآن فعلمها إياه».

وما رواه في الكافي والتهذيب (3) عن بريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل تزوج امرأة على أن يعلمها سورة من كتاب الله عزوجل ، فقال : ما أحب أن يدخل بها حتى يعلمها السورة ويعطيها شيئا ، قلت : أيجوز أن يعطيها تمرا أو زبيبا؟ فقال : لا بأس بذلك إذا رضيت به كائنا ما كان». وهذه الأخبار كما ترى ظاهرة في القول المشهور غاية الظهور ، ولا سيما الخبرين الأخيرين.

هذا والذي وقفت عليه من الأخبار في قصة موسى عليه‌السلام ما رواه في الكافي (4) في الصحيح أو الحسن عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال : «قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : قول شعيب عليه‌السلام إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج ،

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 378 ح 4 ، الوسائل ج 15 ص 2 ح 6.

(2) الكافي ج 5 ص 380 ح 5 ، التهذيب ج 7 ص 354 ح 3 ، الوسائل ج 15 ص 3 ح 1.

(3) الكافي ج 5 ص 380 ح 4 ، التهذيب ج 7 ص 367 ح 50 ، الوسائل ج 15 ص 12 ح 2.

(4) الكافي ج 5 ص 414 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 33 ح 1.


فإن أتممت عشرا فمن عندك ، أي الأجلين قضى؟ قال : الوفاء منهما أبعدهما عشر سنين ، قلت : فدخل بها قبل أن ينقضي ، الشرط أو بعد انقضائه؟ قال قبل أن ينقضي ، قلت له : فالرجل يتزوج المرأة ويشترط لأبيها إجارة شهرين ، يجوز ذلك؟ فقال : إن موسى عليه‌السلام قد علم أنه سيتم له شرطه ، فكيف لهذا بأن يعلم أنه سيبقى حتى يفي له ، وقد كان الرجل على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يتزوج المرأة على السورة من القرآن ، وعلى الدرهم ، وعلى القبضة من الحنطة».

وروى الشيخ في التهذيب (1) عن أحمد بن محمد عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يتزوج المرأة ويشترط إجارة شهرين ، قال : إن موسى عليه‌السلام» الحديث. كما تقدم بأدنى تفاوت.

وروى الثقة الجليل علي بن إبراهيم القمي في تفسيره (2) عن محمد بن مسلم في حديث طويل قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أي الأجلين قضى؟ قال : أتمها عشر حجج ، قلت له : فدخل بها قبل أن يقضي الأجل أو بعده؟ قال : قبل ، وقال قلت : فالرجل يتزوج المرأة ويشترط لأبيها إجارة شهرين مثلا ، أيجوز ذلك؟ قال : إن موسى بن عمران عليه‌السلام علم أنه يتم له شرطه ، فكيف لهذا أن يعلم أنه يبقى حتى يفي» الحديث.

وأجيب عن هذه الأخبار بأن الظاهر هو حمل النهي فيها على الكراهة لا التحريم ، لأن ما اشتملت عليه جار في تعليم القرآن الذي قد دلت الأخبار كما عرفت على جواز جعله مهرا ، بل كل مهر قبل تسليمه كذلك ، لأنه لا وثوق له بالبقاء حتى يسلمه ، مع أن ذلك غير قادح في الصحة إجماعا.

أقول : والظاهر عندي أن هذه الأخبار إنما خرجت مخرج المجاراة ، والتسليم بمعنى أن العقد بهذه الصورة غير جائز ، لأن المهر حق للزوجة لا للأب ،

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 366 ح 46 ، الوسائل ج 15 ص 33 ب 22 ح 1.

(2) تفسير القمي ج 2 ص 139 ، المستدرك ج 2 ص 608 ب 19 ح 4.


ومع فرض جواز ذلك للأب فإنه كيف له بالعلم بالبقاء هذه المدة ، وفعل موسى عليه‌السلام بناء على جوازه في تلك الشريعة إنما كان لعلمه بالبقاء إلى أن يفي بالمدة ، وأما غيره ممن لا يعلم فلا ينبغي له ذلك ، والنهي أيضا على هذا التقدير لا يخرج عن الكراهة على تقدير جواز التزويج ، وإلا فهو غير جائز.

ويدل على عدم جواز التزويج بهذه الكيفية ما رواه في الكافي والتهذيب (1) عن السكوني عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : «لا يحل النكاح ـ كذا في الكافي ، وفي الكتابين الأخيرين عن أبي عبد الله عليه‌السلام أن عليا عليه‌السلام قال : لا يحل النكاح ـ اليوم في الإسلام بإجارة ، بأن يقول : أعمل عندك كذا وكذا سنة على أن تزوجني ابنتك أو أختك ، قال : هو حرام ، لأنه ثمن رقبتها وهي أحق بمهرها».

قال في الفقيه ذيل هذا الخبر : وفي حديث آخر «إنما كان ذلك لموسى بن عمران لأنه علم من طريق الوحي هل يموت قبل الوفاء أم لا ، فوفي بأتم الأجلين». والتقريب في الخبر المذكور دلالته على أن المنع من هذه الصورة إنما هو من حيث جعل المهر للأب وهو حق للمرأة ، وثمن رقبتها لا من جهة الإجارة ، وفيه إشعار بأنه لو كانت الإجارة لها بأن يكون العمل لها فإنه صحيح لا مانع منه ، وهو صريح في بطلان هذا العقد لو كان العمل المجعول مهرا لأبيها ، وما ذيله في الفقيه لا يظهر له وجه ارتباط بالخبر ، بناء على ما قلناه ، لأن الخبر لم يتضمن المنع من حيث الإجارة ، والتذييل المذكور إنما ينصب على ذلك ، ليصير بمعنى التخصيص له ، بل إنما تضمن بالمنع والبطلان من حيث إن هذا العمل الذي جعله مهرا لا يجوز جعله للأب لأنه مهر ، والمهر حق الزوجة لا الأب.

وبالجملة فالظاهر هو القول المشهور كما عرفت من ظهور الأخبار المتقدمة

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 414 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 367 ح 51 وفيه اختلاف يسير ، الفقيه ج 3 ص 268 ح 56 وفيه فقط «أن عليا عليه‌السلام قال :» والتهذيب موافق للكافي ، الوسائل ج 15 ص 33 ب 22 ح 2.


في ذلك ، وعدم ظهور المنافاة من هذه الأخبار. والله العالم وأولياؤه الأخيار.

المسألة الثانية : لو عقد الذميان ونحوهما على ما لا يجوز العقد عليه في شريعة الإسلام كالخمر والخنزير صح ، لأن ذلك مما يملك في شريعتهم فيجوز جعله مهرا ، لكن لو أسلما معا أو أحدهما ، فإن كان بعد التقابض لا شي‌ء للزوجة ، لبراءة ذمة الزوج بقبضها في شريعتهم ، وإن كان قبل التقابض لم يجز دفع المعقود عليه ، أما مع إسلامهما معا فإنه يحرم القبض والإقباض في دين الإسلام ، وأما مع إسلام الزوج فإنه لا يجوز له إقباضه ولا دفعه ، وأما مع إسلامها فإنه لا يجوز لها قبضه ، والعلة في هذه المواضع هو عدم صحة تملك هذه الأشياء في شريعة الإسلام ، وما لا يكون مملوكا لا يكون مهرا ، وحينئذ فالواجب بناء على ما هو المشهور هو القيمة عند مستحليه ، لأن التسمية وقعت صحيحة ، ولهذا لو كان قد حصل التقابض قبل الإسلام برء ، ولكن حيث تعذر تسليم العين لما عرفت وجب الانتقال إلى القيمة ، وهذا القول هو المشهور ، مثله ما لو جعلاه ثمنا لمبيع أو عوضا لصلح أو إجارة أو نحوهما.

وقيل : إن الواجب مهر المثل تنزيلا ـ لتعذر تسليم العين ـ منزلة الفساد ، ورده السيد السند في شرح النافع بأنه ضعيف.

أقول : ويدل على ما هو المشهور من الرجوع إلى القيمة ما رواه المشايخ الثلاثة (1) عن رومي بن زرارة عن عبيد بن زرارة قال : «قلت : لأبي عبد الله عليه‌السلام : النصراني يتزوج النصرانية على ثلاثين دنا من خمر وثلاثين خنزيرا ، ثم أسلما بعد ذلك ، ولم يكن دخل بها ، قال : ينظر ، كم قيمة الخمر وكم قيمة الخنازير فيرسل بها إليها ثم يدخل عليها ، وهما على نكاحهما الأول».

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 437 ح 9 ، التهذيب ج 7 ص 356 ح 11 ، الفقيه ج 3 ص 291 ب 142 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 4 ح 2.


وقد روى في الكافي والتهذيب (1) عن طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سأله (2) رجل عن رجلين من أهل الذمة أو من أهل الحرب يتزوج كل واحد منهما امرأة وأمهرها خمرا وخنازير ثم أسلما ، فقال : ذلك النكاح جائز حلال ، لا يحرم من قبل الخمر ، ولا من قبل الخنازير ، قلت : فإن أسلما قبل أن يدفع إليها الخمر والخنازير؟ فقال : إذا أسلما حرم عليه أن يدفع إليها شيئا من ذلك ، ولكن يعطيها صداقا».

وأنت خبير بأن هذه الرواية للدلالة على القول بمهر المثل ، واحتمال حملها على القيمة ـ كما دلت عليه الرواية الأولى ـ يحتاج إلى تكلف بعيد.

ولو كانا مسلمين أو أحدهما مسلما فعقدا على خمر أو خنزير أو نحوهما مما لا يصح تملكه ، فلا ريب في بطلان المسمى ، وهل يبطل العقد أو يصح؟ قولان وعلى تقدير الصحة ما الذي يجب عوض ذلك ، فالكلام هنا في موضعين :

(أحدهما) في صحة العقد وبطلانه ، وقد اختلف الأصحاب في ذلك فذهب جمع منهم الشيخان في المقنعة والنهاية والقاضي وابن البراج والتقي أبو الصلاح إلى القول بالبطلان ، وقيل : بالصحة وهو مذهب الشيخ في المبسوط والخلاف ، وبه قال ابن حمزة وابن زهرة وابن إدريس والمحقق ، والظاهر أنه المشهور بين المتأخرين.

احتج الأولون بأن الرضا شرط في صحة العقد ، وهو إنما وقع على جعل الخمر في مقابلة البضع مع أنه باطل ، فما وقع عليه الرضا غير صحيح ، وما هو صحيح لم يقع عليه التراضي ، ولأنه عقد معاوضة (3) فيفسد بفساد العوض كالبيع ،

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 436 ح 5 ، التهذيب ج 7 ص 355 ح 10 ، الوسائل ج 15 ص 4 ح 1.

(2) في التهذيب «عن طلحة بن زيد قال : سألته إلخ» والظاهر أنه من سهو قلم الشيخ ـ رضي‌الله‌عنه. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(3) والذي يدل على كونه عقد معاوضة قوله سبحانه «فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ» والأدلة الدالة على جواز النظر إليها متى أراد تزويجها من قولهم ـ عليهم‌السلام ـ أنه مسام ،


وقول الباقر عليه‌السلام (1) «الصداق ما تراضيا عليه قل أو كثر». ويلزمه بطريق عكس النقيض أن ما لم يتراضيا عليه لم يكن مهرا.

احتج الآخرون بوجود المقتضي للصحة وهو الإيجاب والقبول وعدم المانع إذ ليس إلا بطلان المهر ، لكن بطلانه لا يؤثر في بطلان العقد ، لصحة ، عرائه عنه ، بل صحة العقد مع شرط عدمه ، فلا يكون ذكر المهر الفاسد أعظم من اشتراط عدم المهر ، ولأن المهر والعقد غير ان ، ففساد أحدهما لا يوجب فساد الآخر ، ويظهر الغيرية فيما لو عقد بغير مهر ، فإنه يصح بلا خلاف.

وأجيب عن دليل الأولين بأن ما ادعوه من أن بطلان المسمى يوجب عدم الرضا بأصل العقد قياسا على سائر المعاوضات منقوض بما لو ظهر المهر مستحقا ، فإن العقد صحيح بلا إشكال ، مع أنه لو كان كذلك في المعاوضة المحضة فإنها تفسد بظهور استحقاق أحد العوضين ، وبذلك يظهر أنه ليس النكاح كالمعاوضة المحضة ، ومن ثم سماه الله تعالى نحلة (2) وهي العطية ، وركن العقد يقوم بالزوجين.

وأما ما استندوا إليه من الخبر ، ففيه أن الظاهر أن المراد من الصداق الذي تراضيا عليه هو المهر الذي يذكر في العقد ، لا مطلق المهر ، لأن المهر الواجب مع عدم ذكره في العقد لم يتراضيا عليه ، مع أنه صح أن يكون مهرا ، وأيضا فالظاهر منه كون التراضي في جانب القلة والكثرة مع التعيين بقرينة قوله «قل أو كثر».

__________________

وأنه يشتريها بأغلى الثمن ، ونحو ذلك من الألفاظ الدالة على المعاوضة ، وأن المهر عوض البضع ، ويظهر أيضا من قولهم زوجتك بكذا ، فان الباء للمعاوضة كما في قولك بعث كذا بكذا. (منه ـ رحمه‌الله ـ).

(1) الكافي ج 5 ص 378 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 354 ح 5 ، الوسائل ج 15 ص 1 ب 1 ح 3.

(2) سورة النساء ـ آية 4.


وأجيب عن دليل الآخرين بالفرق بين عدم التسمية وتسمية الفاسد ، لأنهما في الأول قد تراضيا على عدم المهر ، فصح العقد للرضا به خاليا عن العوض ، إلا أنه يثبت مهر المثل حينئذ ، لأنه العوض شرعا في مثل ذلك ، بخلاف الثاني ، لأن التراضي لم يقع بالعقد خاليا عن العوض والمسمى باطل شرعا ، وغيره غير مرضي به ، فلا تصح للعوضية ، ولا يلزم من تغايرهما مع التعويض تغايرهما مع التسمية ، لأن التراضي إنما وقع على العقد المشخص بالمهر المعين ، فكانا أمرا واحدا مركبا ، فيفوت بفوات أحد أجزائه.

أقول : والمسألة لخلوها عن النص محل إشكال ، سيما مع تدافع هذه الأقوال ، ولهذا توقف العلامة في المختلف ، وكذا شيخنا الشهيد الثاني في المسالك وسبطه في شرح النافع ، إلا أنه في المسالك مع موافقته للعلامة في التوقف قال : إن جانب الصحة لا يخلو من رجحان ، وسبطه قال بعد نقله التوقف عن العلامة : وهو في محله ، وإن كان القول بالبطلان لا يخلو من رجحان ، وقد عرفت في غير موضع مما تقدم عدم جواز الاعتماد في تأسيس الأحكام الشرعية على هذه التعليلات العقلية مع سلامتها من التعارض ، فكيف والحال كما رأيت.

و (ثانيهما) أنه على تقدير القول بالصحة كما هو المشهور بين المتأخرين ، فما الذي يجب؟ قد اختلف الأصحاب القائلون بهذا القول على أقوال :

الأول : إنه يجب مهر المثل مع الدخول كالمفوضة ، ذهب إليه الشيخ في الخلاف وابن إدريس والمحقق ، وعلل بأن عدم صلاحية المسمى لأن يكون صداقا اقتضى بطلان التسمية ، فيصير العقد خاليا من المهر ، ويلزم بالوطء مهر المثل ، لأنه قيمة البضع حيث لا تسمية ، وقد اختلف كلام العلامة هنا ، ففي الإرشاد قيد بالدخول كما ذكره هؤلاء المشار إليهم ، وفي غيره أطلق مهر المثل ، وظاهره وجوب مهر المثل وإن كان بمجرد العقد بدل المسمى حيث تعذر ، وعلى هذا يكون هذا القول منقسما إلى قولين ، وقد نبه عليهما شيخنا الشهيد في شرح نكت الإرشاد ،


ونقل القول بوجوب مهر المثل بنفس العقد عن الشيخ ، وعلل هذا القول بأن العقد وقع بالعوض ، فلا يكون تفويضا ، لكن لما تعذر العوض المعين وجب الانتقال إلى بدله ، وهو مهر المثل.

ورد بأن مهر المثل إنما ثبت كونه عوضا للوطئ حيث لا تسمية ، لا أنه يكون بدلا عن المهر الفاسد ، ولا يبعد أن يكون مراده ـ رحمة الله عليه ـ بما أطلقه هو التقييد بالدخول كما ذكره في الإرشاد ، وإنما أطلق اعتمادا على ظهور ذلك من القواعد الشرعية ، وكيف كان فإنه لو حمل على ظاهره ضعيف جدا لا ينبغي أن يلتفت إليه.

الثاني : إن الواجب قيمته عند مستحليه حتى لو كان المهر حرا قدر على تقدير رقيته ، ونقل عن الشيخ في موضع من المبسوط ، والوجه فيه أن قيمة الشي‌ء أقرب إليه عند تعذره ، ولأنهما عقدا على شخص باعتبار ماليته ، فمع تعذر الشخص يجب المصير إلى المال.

ورد الأول بأن الانتقال إلى القيمة فرع صحة العقد على ذي القيمة ، لأن القيمة لم يقع التراضي عليها ، ورد الثاني بأن تقدير المالية هنا ممتنع شرعا ، فيجب أن تلغى كما ألغى التعيين.

أقول : ومع قطع النظر عن الرد بما ذكر في كل من الوجهين فإن إثبات الأحكام الشرعية بمثل هذه التعليلات العقلية مما منعت منه الآيات القرآنية والسنة النبوية على الصادع بها وآله أشرف صلاة وتحية.

الثالث : الفرق بين كون المهر الذي لا يملكه المسلم متقوما في الجملة كالخمر والخنزير فيعتبر قيمته ، وغير متقوم كالحر فيعتبر مهر المثل ، وتوضيحه أن الحر ليس مالا بالكلية ، فيكون ذكره كالعدم بخلاف الخمر ، فإنه مضمون على المسلم للذمي المستتر وكذا الذمي على مثله ، فتكون المالية فيه ملحوظة في الجملة ، فلا يكون العقد خاليا عن المهر أصلا بخلاف الحر ، وضعف هذا القول يعلم مما سبق ، فإنه مركب منهما.


قال في المسالك : واعلم أنه على القول الثاني يكون وجوب القيمة منوطا بمجرد العقد وإن لم يدخل بغير خلاف ، بخلاف القول الأول فإن فيه وجهين ، وكذا على الثالث ، فإن الجهة التي توجب فيه القيمة تلحقه بالثاني ، والذي توجب مهر المثل تلحقه بالأول ، انتهى.

وظاهر السيد السند في شرح النافع ترجيح الأول من هذه الأقوال الثلاثة حيث قال : وأجود الأقوال دليلا الأول ، وهذا الترجيح مبني على القول بالصحة ، بمعنى أنه لو قيل بالصحة لكان هذا القول أجود الأقوال المذكورة ، وإلا فقد عرفت آنفا أنه قد رجح القول بالبطلان من عبد التوقف في المسألة ، والله العالم.

المسألة الثالثة : لا خلاف بين الأصحاب في أن المهر لا يتقدر بقدر في جانب القلة إلا بأقل ما يتمول ، أي يعد مالا.

وأما في جانب الكثرة ، فالمشهورة بين المتقدمين ـ وعليه كافة المتأخرين ـ أنه لا يتقدر بقدر بل بما شاء.

ونقل الخلاف هنا صريحا عن المرتضى ـ عليه الرحمة ـ في الانتصار ، فإنه قال : ومما انفردت به الإمامية أن لا يتجاوز بالمهر خمسمائة درهم جياد قيمتها خمسون دينارا ، فما زاد على ذلك رد إلى السنة ، وهو ظاهر ابن الجنيد والصدوق في الفقيه ، وكذا في الهداية (1) ورد ذلك بالآيات والروايات ، قال الله عزوجل «وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً» (2).

__________________

(1) قال في الهداية ، ومهر السنة خمسمائة درهم فمن زاد على السنة رد إلى السنة ، فان أعطاها من الخمسمائة درهما واحدا أو أكثر من ذلك ثم دخل بها فلا شي‌ء لها بعد ذلك انما لها ما أخذت منه قبل أن يدخل.

أقول : وهو مضمون رواية المفضل المذكورة في الأصل ، ونحو ذلك عبارة ابن الجنيد ، فإنه ذكر رواية المفضل أيضا. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(2) سورة النساء ـ آية 20.


والقنطار على ما في القاموس (1) : بالكسر وزن أربعين أوقية من ذهب أو فضة أو ألف دينار أو ألف ومائتا أوقية ، أو سبعون ألف دينار أو ثمانون ألف درهم أو مائة رطل من ذهب أو فضة أو ألف دينار أو ملأ مسك ثور ذهبا أو فضة.

وقال عزوجل «فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ» (2) وقال «فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ» (3) وهي عامة لكل ما وقع عليه التراضي ، وقد تقدمت جملة من الروايات في المسألة الأولى صريحة الدلالة بأن المهر ما وقع عليه التراضي قليلا كان أو كثيرا.

وفي حسنة الوشاء (4) عن الرضا عليه‌السلام «لو أن رجلا تزوج امرأة جعل مهرها عشرين ألفا وجعل لأبيها عشرة آلاف كان المهر جائزا ، والذي جعل لأبيها فاسدا».

وروي في الكافي (5) في الصحيح عن الفضيل قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل تزوج امرأة بألف درهم ، فأعطاها عبدا آبقا وبردا حبرة بألف درهم التي أصدقها ، قال : إذا رضيت بالعبد وكانت قد عرفته فلا بأس إذا هي قبضت الثوب ورضيت بالعبد» الحديث ، إلى غير ذلك مما يضيق المقام عن نقله.

احتج المرتضى على ما نقله عنه بإجماع الطائفة ، وبأن المهر يتبعه أحكام شرعية ، فإذا وقع العقد على مهر السنة فما دون ترتب عليه الأحكام بالإجماع ، وأما الزائد فليس عليه إجماع ولا دليل شرعي ، فيجب نفيه.

وأنت خبير بما فيه بعد ما عرفت ، وضعفه أظهر من أن يذكر.

__________________

(1) القاموس المحيط ج 2 ص 122.

(2) سورة النساء ـ آية 24.

(3) سورة البقرة ـ آية 237.

(4) الكافي ج 5 ص 384 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 361 ح 28 ، الوسائل ج 15 ص 19 ح 1.

(5) الكافي ج 5 ص 380 ح 6 ، التهذيب ج 7 ص 366 ح 47 ، الوسائل ج 15 ص 35 ب 24 ح 1.


نعم ربما أمكن الاستدلال له بما رواه الشيخ (1) عن محمد بن سنان عن المفضل ابن عمر قال : «دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فقلت له : أخبرني عن مهر المرأة الذي لا يجوز للمؤمنين أن يجوزوه؟ قال : فقال : السنة المحمدية خمسمائة درهم فمن زاد على ذلك رد إلى السنة ولا شي‌ء عليه أكثر من الخمسمائة درهم ، فإن أعطاها من الخمسمائة درهما أو أكثر من ذلك ثم دخل بها فلا شي‌ء عليه ، قال : قلت : فإن طلقها بعد ما دخل بها؟ قال : لا شي‌ء لها ، إنما كان شرطها خمسمائة درهم ، فلما أن دخل بها قبل أن تستوفي صداقها هدم الصداق ، فلا شي‌ء لها ، إنما لها ما أخذت من قبل أن يدخل بها ، فإذا طلبت بعد ذلك في حياة منه أو بعد موته فلا شي‌ء لها». إلا أنه لا يوافق مذهبه ، في عدم العمل بالأخبار ولو كانت صحيحة فكيف إذا كانت ضعيفة.

وقد أجاب العلامة في المختلف عنها بالحمل على الاستحباب ، قال : ومع الزيادة يستحب الرد بالبراء إلى مهر السنة ، فإذا حصل الإبراء لا يلزمه أكثر منه. انتهى ، ولا بأس به ، فإنه ليس بعد ذلك إلا طرحه لمخالفته لما عرفت من الآيات القرآنية والسنة المستفيضة النبوية ، وقد استفاضت الأخبار بعرض الأخبار عليهما ورمى ما خالفهما وهذا الخبر بظاهره مخالف لهما كما عرفت.

قال في المسالك : واحتج المرتضى على مذهبه بإجماع الطائفة وهو عجيب ، فإنه لا يعلم له موافق فضلا عن أن يكون مما يدعى فيه الإجماع ، وقد اتفق له ذلك في الانتصار في مسائل كثيرة ادعى فيها الإجماع ، وليس له موافق ، ذكرنا جملة منها في بعض الرسائل ـ الى أن قال بعد الطعن في سند الرواية بمحمد بن سنان والمفضل بن عمرو الطعن في متنها بمخالفتها لعموم الكتاب والسنة ـ ما لفظه : وبقي أنه قال بعد ذلك ، فإن أعطاها من الخمسمائة إلى آخر ما تقدم ، ثم قال :

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 361 ح 27 ، الوسائل ج 15 ص 17 ح 14.


فانظر إلى هذه المخالفات العجيبة والأحكام الغريبة في هذا الخبر الواهي ، وكيف يحسن بعد ذلك الاستناد إليه في حكم من هذه الأحكام مع مخالفة مدلوله في جميعها لما عليه علماء الإسلام ، بل مثل هذا لا ينبغي إبداعه في كتب الحديث فضلا عن أن يجعل سند الحكم ، انتهى.

وفيه أن هذا الطعن ليس من خصوصيات هذا الخبر ، بل هنا أخبار عديدة فيها الصحيح باصطلاحهم دالة عليه ، وبها قال جملة من الأصحاب أيضا كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى عند ذكر المسألة المشار إليها ، بل ظاهر عبارة الصدوق في الفقيه والهداية هو القول بمضمون هذه الرواية ، وكذا عبارة ابن الجنيد القائل بذلك أيضا ، ولكن شيخنا الحر ـ رحمه‌الله ـ على رد هذا الخبر ورميه من البين غفل عن ذلك ، نعم هو بما تضمنه صدره من عدم جواز الزيادة على الخمسمائة درهم مخالف لعمومات الكتاب والسنة كما عرفت ، والله العالم.

وكيف كان فإن الأفضل هو الاقتصار على الخمسمائة لاستفاضة الأخبار بأنه مهر السنة حتى وقعت المبالغة فيه بما تضمنه هذا الخبر مما يؤذن بتعينه.

فمن الأخبار المشار إليها ما رواه ثقة الإسلام (1) في الصحيح عن معاوية بن وهب قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : ساق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أزواجه اثنتي عشرة أوقية ونشا ، والأوقية أربعون درهما ، والنش نصف الأوقية عشرون درهما ، فكان ذلك خمسمائة درهم ، قلت : بوزننا ، قال : نعم».

وعن حماد بن عيسى (2) في الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سمعته يقول : قال أبي : ما زوج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله شيئا من بناته ، ولا تزوج شيئا من نسائه على أكثر من اثنتي عشرة أوقية ونش ، والأوقية أربعون درهما ، والنش عشرون درهما».

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 376 ح 2 ، الوسائل ج 15 ص 5 ح 1.

(2) الكافي ج 5 ص 376 ح 5 ، قرب الاسناد ص 10 ، الوسائل ج 15 ص 6 ح 4.


وعن عبيد بن زرارة (1) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : مهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نساءه اثنى عشر أوقية ونشأ ، والأوقية أربعون درهما ، والنش نصف الأوقية وهو عشرون درهما».

أقول : وبما دلت عليه هذه الأخبار من تفسير الأوقية والنش وصرح به أهل اللغة أيضا ، قال ابن إدريس في سرائره : النش ـ بالنون المفتوحة والشين المعجمة المشددة ـ وهو عشرون درهما وهو نصف الأوقية من الدراهم ، لأن الأوقية عند أهل اللغة أربعون درهما ، فإني سألت ابن القصار ببغداد وهو إمام أهل اللغة في عصره فأخبرني بذلك ، انتهى.

وقال في القاموس (2) : النش إلى أن قال : ونصف أوقية عشرون درهما.

وقال الجوهري (3) : النش عشرون درهما وهو نصف أوقية لأنهم يسمون الأربعين درهما أوقية ويسمون العشرين نشا ، ويسمون الخمسة نواتا.

وروى ثقة الإسلام (4) عن الحسين بن خالد قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن مهر السنة كيف صار خمسمائة درهم؟ فقال : إن الله تبارك وتعالى أوجب على نفسه أن لا يكبره مؤمن مائة تكبيرة ، ويسبحه مائة تسبيحة ، ويحمده مائة تحميدة ، ويهلله مائة تهليلة ، ويصلي على محمد وآله مائة مرة ثم يقول : اللهم زوجني من الحور العين إلا زوجه الله حوراء عيناء وجعل ذلك مهرها ، ثم أوحى الله إلى نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يسن مهر المؤمنات خمسمائة درهم ففعل ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأيما مؤمن خطب أخيه مؤمنة وبذل له خمسمائة درهم فلم يزوجه فقد عقه واستحق من الله أن لا يزوجه حوراء».

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 376 ح 4 ، الوسائل ج 15 ص 6 ح 3.

(2) القاموس المحيط ج 2 ص 290.

(3) الصحاح ج 3 ص 1021.

(4) الكافي ج 5 ص 376 ح 7 ، وفيه «حوراء عين» ، التهذيب ج 7 ص 356 ح 14 مع اختلاف يسير ، الوسائل ج 15 ص 5 ح 2.


المسألة الرابعة : قد صرح الأصحاب بأن المهر إذا ذكر في العقد فلا بد من تعيينه ليخرج عن الجهالة إما بالإشارة كهذا الثوب وهذه الدابة ، أو بالوصف الذي يحصل به التعيين.

وظاهرهم أنه يكفي فيه المشاهدة وإن كان مكيلا أو موزونا وأمكن استعلامه بها ، بل صرح بذلك جملة منهم كالصبرة من الطعام والقطعة من الفضة أو الذهب ، ومرجع ذلك إلى المعلومية في الجملة من غير استقصاء لجميع طرقها ، قالوا ، والوجه فيه أن النكاح ليس على حد المعاوضات الحقيقية ، والركن الأعظم فيه الزوجان ، والمهر دخيل فيه لم يعتبر فيه ما يعتبر في غيره من المعاوضات المحضة.

أقول : ويدل على ذلك صحيح محمد بن مسلم (1) المتقدمة المتضمن لحكاية المرأة التي أتت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وطلبت منه أن يزوجها فإن المهر فيها قد جعل ما يحسنه من القرآن ، ولم يسأل عن مقداره ، وهو مجهول ، فإذا جاز التزويج بالمهر الذي على هذا النحو ، فبالمشاهدة من غير وزن ولا كيل بطريق أولى لحصول المعلومية في الجملة ، بخلاف المهر في هذا الخبر.

ويؤيد ذلك أيضا ما تقدم في جملة من الأخبار «أن المهر ما تراضيا عليه» فإنه شامل بإطلاقه لما نحن فيه ، وقد تقدم في جملة من أخبار المتعة كف من طعام دقيق أو سويق أو تمر.

وفي خبر (2) عن الكاظم عليه‌السلام «كان الرجل يتزوج على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على القبضة من الحنطة». وفي الجميع دلالة واضحة على الاكتفاء بالمعلومية في الجملة.

بقي الكلام فيما لو قبضته والحال هذه فإنه إن لم يتوقف على العلم به أمر

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 380 ح 5 ، التهذيب ج 7 ص 354 ح 7 ، الوسائل ج 15 ص 3 ح 1.

(2) الكافي ج 5 ص 414 ح 7 ، التهذيب ج 7 ص 366 ح 46 ، الوسائل ج 15 ص 33 ح 1.


وحصل العلم لها بعد ذلك فلا إشكال ، وإن استمر الأمر على المجهولية واحتج بعد ذلك إلى معلوميته لتلفه قبل التسليم أو بعده ، وقد طلقها قبل الدخول ليرجع بنصفه ، فالظاهر أنه لا وجه للرجوع إلا بطريق الصلح إذ لا طريق للمعلومية لفواته على المجهولية ، ونقل عن المحقق الشيخ علي أنه احتمل وجوب مهر المثل (1) ورده في المسالك ومثله سبطه في شرح النافع بأن ضمان المهر عندنا ضمان يد ، لا ضمان معاوضة ، ومن ثم كان التلف قبل القبض يوجب الرجوع إلى القيمة ، لا مهر المثل ، وزاد في المسالك : نعم هو مذهب العامة.

المسألة الخامسة : الظاهر أنه لا خلاف ولا إشكال في صحة النكاح لو تزوج امرأتين فصاعدا في عقد واحد بمهر واحد ، إنما الخلاف والاشكال في صحة المهر في هذه الصورة وبطلانه ، وأنه على تقدير الصحة ، فهل يقسط المهر على عدد رؤوسهن بالسوية أو يقسط على مهر أمثالهن؟ وجهان ، بل قولان ، وتفصيل هذه الجملة يقع في مواضع :

الأول : إن ما ذكر من صحة النكاح في هذه الصورة لم أقف فيه على نص بخصوصه ، إلا أن الظاهر دخوله تحت العمومات ، والأصحاب قد عللوا ذلك بوجود المقتضي للصحة وهو العقد الجامع لشرائطه ، وانتفاء المانع ، إذ ليس إلا جمع المهر على شي‌ء واحد وهو لا يصلح للمانعية ، لأنه على تقدير صحة المهر يظهر حق كل واحدة بالتوزيع ، وعلى تقرير البطلان لا يؤثر في العقد كما سيأتي بيانه وهو يرجع إلى ما ذكرناه.

الثاني : في صحة المهر وبطلانه ، والمشهور هو الأول ، حتى أن أكثرهم

__________________

(1) أقول : ظاهر كلام الشيخ على ـ تقدس‌سره ـ في شرح القواعد أن هذا الاحتمال انما هو بالنسبة إلى تلف المهر قبل التسليم ، دون ما إذا كان بعده وقد طلقها قبل الدخول ، فإنه قال : لكن لو تلف قبل التسليم أو بعده وقد طلقها قبل الدخول أمكن وجوب مهر المثل في الأول إلى آخر ما ذكره. (منه ـ قدس‌سره ـ).


لم ينقل هنا خلافا ، وإنما تعرضوا للخلاف في التقسيط كما سنذكره في الموضع الآتي ، ومن حكم بالصحة كما هو المشهور قال : لأنه معلوم جملة ، وحصة كل واحدة يمكن علمها بعد ذلك كثمن المبيعين في عقد واحد.

ومن حكم بالبطلان قال : لأن المهر هنا متعدد في نفسه وإن كان مجتمعا ، وحصة كل واحدة منه ليست معلومة عند العقد ، وعلمها بعد ذلك لا يفيد الصحة كما لو كان مجهولا منفردا وعلم به بعد ذلك ، ونمنع صحة البيع للملكين غير المشتركين بثمن واحد كما هو مذهب الشيخ في الخلاف وغيره (1).

أقول : ويؤيده ما تقدم في كتاب البيع من دلالة صحيحة محمد بن الحسن الصفار (2) على أنه «لو باع ماله ومال الغير بطل بالنسبة إلى مال الغير ، وصح بالنسبة إلى ماله». والوجهان حكاهما الشيخ في المبسوط ، ولم يتعرض الأكثر لذكر البطلان ولا لذكر وجهه.

أقول : حيث كانت المسألة عارية من النص أشكال الكلام فيها سيما مع تدافع هذه التعليلات ، وإن كانت لا تصلح لتأسيس حكم شرعي.

__________________

(1) وربما أجيب عن ذلك بأن المسمى هنا في مقابلة البضعين من حيث الاجتماع ولا يلزم من التقسيط الحكمي التقسيط اللفظي ، وهو الموجب للجهالة في المهر دون التقسيط الحكمي ، وهو الجواب عن بيع الملكين أيضا ولزوم كون الثمن مجهولا بالتقسيط ، ثم انه لو سلم عدم الجواز في البيع كما هو المنقول عن الشيخ في الخلاف فإنه يمكن أن يقال بالصحة هنا ، لان النكاح ليس على حد المعاوضات المحضة وان أشبهها ولحق بها في بعض الأحكام فإنه يحتمل من الجهالة ما لا يحتمله غيره من عقود المعاوضات.

وأنت خبير بما في هذا الكلام عن تطرق المناقشة وعدم صلوحه لتأسيس الأحكام لما عرفته في غير مقام ، والأحكام الشرعية انما تبنى على الأدلة الواضحة الجلية لا هذه التخريجات العقلية. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(2) التهذيب ج 7 ص 150 ح 16 ، الوسائل ج 12 ص 252 ح 1.


الثالث : إنه على تقدير القول بالصحة يقسط المسمى على كل واحدة ليعرف مقدار ما يخصها من المهر ، وفيه وجهان ، بل قولان :

(أحدهما) وهو قول الشيخ في المبسوط وتبعه ابن البراج أنه يقسم بينهن بالتسوية ، فيقسم على الزوجين أنصافا وعلى الثلاث أثلاثا وهكذا.

وعلل بأنه الأصل في إطلاق الاستحقاق إذا قيل لفلان وفلان كذا والترجيح على خلاف الأصل.

و (الثاني) وهو اختيار المحقق والعلامة والأكثر ومنهم المحقق الشيخ علي والشهيد الثاني في المسالك وغيره التقسيط على مهور أمثالهن ، وتعطى كل واحدة ما يقتضيه التقسيط كما لو باع عبده وعبد غيره بثمن واحد ، أو جمع بين نكاح وبيع ، وعلل بأن العرض المالي إذا قوبل بعوض متقوم كانت القيمة ملحوظة ، ومن ثم يكون زيادة العوض ونقصانه ناشئا عن زيادتها ونقصانها غالبا ، وقيمة البضع إنما هي مهر المثل فيكون قسط كل واحدة من المسمى بحسبه لا محالة.

ثم إنه لا ينبغي أن يعلم أنه على القول بفساد المهر ، فالذي صرح به في المسالك أن لكل واحدة مهر مثلها كما لو أصدقها مجهولا يتعذر تقويمه كعبد ودابة وشي‌ء ، لأن الصداق وإن لم يكن عوضا في أصله إلا أنه إذا ذكر في العقد جرت عليه أحكام المعاوضات ، والجهالة من موانع صحتها فيثبت مهر المثل ، قال : ويحتمل الفرق وتوزيع المسمى هنا على مهور أمثالهن ، ولكن واحدة منه ما يقتضيه التوزيع ، ويكون الحاصل لهن على هذا القول كالحاصل إذا قلنا بصحة المسمى ، والفرق بينه وبين المجهول المطلق تعذر تقويم ذلك ، وإمكان تقويم هذا.

أقول : هذا حاصل ما ذكروه في المسألة ، وقد عرفت أن المسألة خالية من النص بجميع شقوقها ، وظاهر من ذهب إلى التقسيط على مهور أمثالهن أن الوجه في ذلك عنده هو إلحاق النكاح بالبيع ، وقياسه عليه للاشتراك في المعاوضة ، حيث إن المهر عوض البضع كما أن الثمن عوض المثمن ، مع أنا قد قدمنا في


كتاب البيع (أقول : قد تقدم ذلك في المسألة الرابعة من المقام الثاني في المتعاقدين من الفصل الأول) (1) أن هذا التقسيط على الوجه المذكور ، والأخذ بالنسبة من الثمن لم نقف له على نص ، وأن طريق الاحتياط فيه هو الصلح ، وبذلك يظهر لك أن المسألة غير خالية من شوب الاشكال.

وكيف كان فإن الذي ذكروه ثمة من التقسيط أو الأخذ من المسمى بالنسبة هو أنه يقوم المجموع أعني ما باعه من ماله ومال غيره بقيمة عادلة ، ثم إنه يقوم أحدهما بانفراده وتنسب قيمته إلى قيمة المجموع ويؤخذ بهذه النسبة من المسمى في العقد ، ومقتضى ذلك بالنسبة إلى ما نحن فيه أن ينظر إلى مهور أمثال هؤلاء المعقود عليهن اثنتين أو أكثر ، وإلى مهر مثل كل واحدة واحدة منهن فينسب إلى ذلك المجموع ويؤخذ من المسمى في العقد بتلك النسبة ، مثلا مهور أمثال هؤلاء المعقود عليهن مائة درهم ، ومهر إحداهن خمسون درهما ، والثانية خمسة وعشرون ، والثالثة خمسة وعشرون ، فيؤخذ من المسمى للأولى بالضعف ، ولكل من الثانية والثالثة بالربع ، وعلى هذا فقس.

ثم إنه قال في المسالك : واعلم أنه لو زوج أمته من رجل على صداق واحد صح النكاح والصداق قولا واحدا. لأن المستحق هنا واحد ، فهو كما لو باع عبدين بثمن واحد ، ولو كان له بنات وللآخر بنون ، فزوجهن صفقة واحدة بمهر واحد ، بأن قال : زوجت ابنتي فلانة من ابنك فلان ، وفلانة من فلان إلى آخره بألف ، ففي صحة الصداق كالسابقة وجهان ، وأولى بالبطلان هنا لو قيل به ، ثم لأن تعدد العقد هنا أظهر لتعدد من وقع له من الجانبين ، انتهى.

المسألة السادسة : لا خلاف بين الأصحاب كما ادعاه في المسالك وغيره في غيره في أنه إذا عقد على مهر مجهول بحيث لا يمكن استعلامه في نفسه كعبد ودابة وشي‌ء ونحو ذلك ، فإنه يبطل المسمى ويثبت مهر المثل ، لامتناع تقويم

__________________

(1) ج 18 ص 402.


المجهول على هذا الوجه.

أقول : والوجه فيه هو ما تقدم من أن المهر متى ذكر في العقد فإنه يشترط فيه التعيين بالإشارة أو الوصف الرافعين للجهالة ، وقضية ذلك بطلان المسمى لو كان أحد هذه المذكورات أو بطلان العقد ، إلا أنه نقل عن الشيخ وأتباعه وتبعه جمع من المتأخرين فيما لو تزوجها على خادم أو دار أو بيت فإنهم حكموا بصحة العقد والمهر ، وأن الواجب لها ما كان وسطا من هذه الأشياء ، استنادا إلى أخبار وردت بذلك وهي :

ما رواه في الكافي والتهذيب (1) عن ابن أبي عمير عن علي بن أبي حمزة قال : «قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : تزوج رجل امرأة على خادم ، قال : فقال : لها وسط من الخدم قال : قلت : على بيت؟ قال : وسط من البيوت».

وما رواه في التهذيب (2) في الصحيح عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي الحسن عليه‌السلام «في رجل تزوج امرأة على دار ، قال : لها دار وسط».

وما رواه في الكافي (3) عن علي بن أبي حمزة قال : «سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن رجل زوج ابنته ابن أخيه ، وأمهرها بيتا وخادما ، ثم مات الرجل ، قال : يؤخذ المهر من وسط المال ، قال : قلت : فالبيت والخادم؟ قال : وسط من البيوت والخادم وسط من الخدم ، قلت : ثلاثين أربعين دينارا؟ والبيت نحو من ذلك ، فقال : هذا سبعين ثمانين دينار ، أو مائة نحو من ذلك».

وظاهر المحقق في الشرائع التوقف في هذا الحكم حيث نسبه إلى «قيل» وكذا عبارة العلامة في القواعد ، ويلوح عن ابن إدريس اختياره ، حيث أورده

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 381 ح 7 مع اختلاف يسير ، التهذيب ج 7 ص 366 ح 48 ، الوسائل ج 15 ص 36 ح 2.

(2) ، التهذيب ج 7 ص 375 ح 83 ، الوسائل ج 15 ص 36 ح 3.

(3) الكافي ج 5 ص 381 ح 8 ، الوسائل ج 15 ص 35 ح 1.


بصيغة «روي» ولم يرده.

وبالجملة فالظاهر من كلام المتأخرين الذين هم أصحاب هذا الاصطلاح المحدث في الأخبار أنهم ما بين جازم ببطلان المسمى والرجوع إلى مهر المثل ، وما بين متوقف في المسألة.

وأما المتقدمون الذين لا أثر لهذا الاصطلاح عندهم فإنهم قائلون بهذا الأخبار ، وقصروها على موردها لما عرفت من مخالفتها للقاعدة التي قرروها في المهر وهو الأظهر.

قال في المسالك ـ بعد نقل رواية علي بن أبي حمزة الاولى ومرسلة ابن أبي عمير ـ ما لفظه : ولا يخفى ضعف الرواية الأولى بعلي المذكور ، فإنه رأس الواقفية ، والثانية مرسلة ، لكن مرسل ابن أبي عمير قبله الأصحاب ، اعتمادا منهم على أنه لا يرسل إلا عن الثقة ، مع أنه راوي الرواية الأولى عن ابن أبي حمزة ، فإن تم ما قالوه فهو يتسامح في الرواية مع ذكر المروي عنه لا مع تركه ، ولا بد لهذه الدعوى من إثبات ، والأقوى بطلان المهر كغيره ، والرجوع إلى مهر المثل لما ذكر ، ولأن الوسط من هذه الأشياء لا ينضبط بل هو مختلف اختلافا شديدا خصوصا مع عدم تعيين بلد الدار والبيت ، انتهى (1).

__________________

(1) وبنحو ما نقلناه عن المسالك صرح المحقق الثاني في شرح القواعد فقال بعد رد الروايتين الأولتين بضعف السند : ومع ذلك لا يمكن العمل بهما ، لان الوسط من الدور والبيوت والخدام ليس شيئا معينا مضبوطا ولا هو مختلف اختلافا يسيرا ، بل هو في غاية البعد عن القسط ، فإن الأعلى والأدنى من ذلك لا يكاد يوقف عليه ، والوسط ان أريد به ما بين الطرفين فمعلوم شدة اختلاف أفراده وتباين قيمتها ، وأن ذلك طريق للتنازع والتخاصم ، وموقع للحاكم في التحديد. وان أريد أوسط ما بين الطرفين فهو أبعد ، ولان هذا لا يكاد يوقف عليه ، فالقول بعدم الصحة والرجوع الى مهر المثل لا يخلو من قوة ، لأن الشارع أحكم من أن يضبط الأحكام بما لا ينضبط ، انتهى.


أقول : لا يخفى أن ما جرى عليه المتقدمون من المعاصرين للأئمة إلى زمان المحقق والعلامة ومن في عصرهم من أصحاب هذا الاصطلاح المحدث إنما هو صحة هذه الأخبار المنقولة في أصولهم المشهورة ، والصحة والضعف عندهم ليس باعتبار الراوي ، وتعليل العمل بمراسيل ابن أبي عمير بما ذكره إنما هو تخرج من المتأخرين بناء على عملهم بهذا الاصطلاح وضيق الخناق فيه ، فيعتذرون بهذه الأعذار الواهية ليتسع لهم المجال إلى العمل بالأخبار ، ونحوه قولهم بجبر الخبر الضعيف بالشهرة ، إذ لا يخفى على المتأمل بالفكر الصائب أنه لو اقتصر في العمل بالأحكام الشرعية على الأخبار الصحيحة باصطلاحهم لبطلت هذه الشريعة من أصلها واضمحلت بكلها أصولا وفروعا ، إذ ليس في هذا القسم من الأخبار ما يفي بأقل قليل من الأحكام كما لا يخفى على ذوي الأفهام ، والمنقول عن ابن أبي عمير في إرساله الروايات إنما هو حيث ذهبت كتبه لما كان في حبس الرشيد خمس سنين ، فقيل : إن أخته وضعتها في غرفة فذهبت بالمطر ، وقيل : إنها دفنتها تلك المدة حتى ذهبت ، فحدث لذلك من حفظه وأرسل الأخبار لذلك ، ولكنهم لضيق الخناق في اصطلاحهم واحتياجهم إلى العمل بأخباره لفقوا لأنفسهم هذا الاعتذار الشارد.

وبالجملة فالكلام في هذا الباب واسع ليس هذا مقامه ، على أن لقائل أن يقول : إن ما ادعوه من القاعدة في المهر فإنه لا بد بعد ذكره في العقد من الإشارة إليه أو وصفه بما يحصل به التعيين لم نقف لهم فيه على نص يوجب الالتزام به ، ورد ما خالفه إليه ، وإنما هو مجرد اصطلاح منهم بزعم أن الجهالة فيه

__________________

واقتفاه في هذا الكلام السيد في شرح النافع ، وقد عرفت ما فيه وما استبعده به ـ من أن الشارع أحكم من أن يضبط الأحكام بما لا ينضبط ـ مردود بأن الأمر على ما يفهم من الاخبار في هذا المقام وفي باب البيع وغيره من العقود ليس على ما ضيقوه ، بل هو أوسع من ذلك كما تقدم في غير موضع من الكتب السالفة. (منه ـ قدس‌سره ـ).


تؤدي إلى النزاع ، وقد عرفت ما في الاستناد إلى الأدلة العقلية في الأحكام الشرعية لورود الأخبار بخلافها في مواضع لا تحصى مما مر بك ، وسيأتي أمثاله إن شاء الله ، ويؤيد ما قلناه ما صرحوا به آنفا من اغتفار الجهالة في المهر ، وجوازه بمثل قبضة من طعام ونحو ذلك على أن ما ذكروه من أن الوسط لا ينضبط بل هو مختلف اختلافا شديدا إن أريد به الانضباط على تقدير ما اختاروه مسلم ، ولكن لا دليل عليه وإن أريد في الجملة ، وإن حصل الاختلاق أيضا في الجملة فهو غير ضائر ولا مانع من الصحة كما تشير إليه الرواية الثالثة ، ولم يذكرها أحد منهم فإن ظاهرها أن الوسط الذي يؤخذ به في قيم هذه الأشياء هي هذه المقادير المذكورة في الخبر لصدق الوسط على كل منها عرفا.

وبالجملة فإن الأمر بالنظر إلى الأخبار أوسع مما ضيقوا به في هذا الموضع وغيره مما تقدم ، وتقدم الكلام فيه.

وكيف كان فالأحوط الوقوف على ما ذكروه من القاعدة وما يترتب عليها من الفائدة ، والوقوف على موارد هذه الأخبار جمعا بين ما ذكروه ، وبين ما دلت عليه الأخبار المذكورة ، والله العالم.

المسألة السابعة : لو تزوجها على كتاب الله وسنة نبيه ص ولم يسم مهرا فالمشهور من غير خلاف يعرف ، بل ظاهر المحقق الشيخ على والشهيد الثاني في الروضة إن ذلك إجماع أن مهرها خمسمائة درهم لما عرفت من الأخبار المتقدمة أن مهر السنة هو هذا القدر.

ويدل عليه هذا الحكم بخصوصه ما رواه في التهذيب (1) عن أسامة بن حفص ، وكان قيما لأبي الحسن موسى عليه‌السلام قال : «قلت له : رجل تزوج امرأة ولم يسم لها مهرا وكان في الكلام أتزوجك على كتاب الله وسنة نبيه ، فمات عنها أو أراد أن يدخل بها ، فما لها من المهر؟ قال : مهر السنة ، قال : قلت : يقولون أهلها

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 363 ح 33 ، الوسائل ج 15 ص 25 ب 13 ح 1.


مهور نسائها ، قال : فقال : هو مهر السنة ، وكلما قلت له شيئا قال : مهر السنة».

وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في الروضة موافقة الأصحاب في الحكم المذكور من غير إشكال ولا مناقشة ، قال بعد ذكر المصنف الحكم المذكور ما لفظه : للنص والإجماع ، وبهما يندفع الاشكال مع جهل الزوجين أو أحدهما لما جرت به السنة منه ، ولقبوله الغرر كما تقرر ، والعجب أنه خالف نفسه في المسالك فناقش أولا في صدق كون ذلك على كتاب الله ، حيث إنه ليس في الكتاب ما يدل على كون المهر خمسمائة ثم التجأ إلى قوله «وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ» (1) قال : ومما آتانا به كون السنة في المهر ذلك ، ثم نقل رواية أسامة بن حفص المذكورة وطعن في سندها بالضعف ، ثم قال : فإن كان على الحكم إجماع ، وإلا فلا يخلو من إشكال ، لأن تزويجها على الكتاب والسنة أعم من جعل المهر مهر السنة ، كما لا يخفى ، إذ كل نكاح مندوب إليه بل جائز فهو على كتاب الله وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم على تقدير إرادتهما بذلك كون المهر مهر السنة ، ففي الاكتفاء بذلك عن ذكر القدر في العقد نظر ، كما لو قال : تزوجتك على المهر الذي تزوج به فلان ، انتهى.

أقول : أما المناقشة الأولى فإنها مدفوعة أولا بالرواية المذكورة وثانيا بالأخبار المستفيضة الدالة على أنه لا حكم من الأحكام إلا وهو مذكور في القرآن حتى أرش الخدش ، والجلدة ونصف الجلدة ، وفي جملة من الأخبار ما يدل على استنباطهم عليهم‌السلام لجملة من الأحكام المخصوصة من آيات القرآن ما لم تبلغه عقولنا ولا تصل إليه أفهامنا ، وحينئذ فعدم علمه ومعرفته ـ رحمة الله عليه ـ هو وغيره لهذا الحكم من القرآن لا يدل على العدم ، كما لا يخفى.

وأما المناقشة الثانية فإنها مدفوعة بالخبر المذكور المنجبر بالشهرة ، إذ لا مخالف في الحكم المذكور وهو ممن نقل الإجماع عليه في الروضة كما سمعت ، وهذه قاعدة مسلمة بين أصحاب هذا الاصطلاح بالاتفاق ، وإن كانت ناشئة عن

__________________

(1) سورة الحشر ـ آية 7.


ضنك المجال في هذا الاصطلاح وضيق الخناق كما تقدمت الإشارة إليه.

ومما ذكرنا يعلم الجواب عن المناقشة الثالثة ، فإنه متى ثبت المذكور وجب القبول لما اشتمل عليه من الأحكام ، ومنها ما ذكره في هذا المقام.

وبالجملة فإن الظاهر هو العمل بالخبر المذكور ، وما تضمنته من الأحكام ، ومنه يستفاد صحة العقد وإن كانا جاهلين بقدر مهر السنة كما أشار إليه في الروضة ، وأما مع علمهما بذلك فينبغي القطع بالصحة.

وكيف كان فهذا الخبر مؤيدا لما قدمنا ذكره في المسألة السابقة من سعة الدائرة في صحة العقود ، وأنها ليست على الوجه الذي ضيقوه واشترطوه من الشروط الموجبة للتعيين والتشخيص على وجه لا يتطرق إليه الجهالة الموجبة للتخاصم والتنازع.

المسألة الثامنة : لو سمى لها مهرا ولأبيها أو غيره من الأولياء أو واسطة أو أجنبي شيئا فظاهر كلام جملة من الأصحاب كالمحقق في الشرائع والعلامة في في القواعد وغيرهما في غيرهما التفصيل في ذلك بين أن يكون المشروط لغيرها خارجا عن المهر ويكون جزء من المهر ناسبين الثاني إلى لفظ قيل ، وحينئذ فتحقيق الكلام في هذا المقام في موضعين :

الأول : أن يكون المشروط لغيرها خارجا عن المهر بأن يجعل مهرها مثلا ألفا ويعقدان على ذلك ، ويشترطان لأبيها أو غيره في العقد شيئا آخر زائدا على الألف ، وظاهر الأصحاب الاتفاق على صحة المهر الذي جعله للزوجة وبطلان ما سماه لغيرها ، وبذلك صرح الشيخ في النهاية فقال : لو عقد على امرأة وسمى لها مهرا ولأبيها أيضا شيئا كان المهر لازما له ، وما سماه لأبيها لم يكن منه عليه شي‌ء.

واستند الأصحاب فيما ذكروه هنا إلى حسنة الوشاء (1) عن الرضا عليه‌السلام «قال

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 384 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 361 ح 28 ، الوسائل ج 15 ص 19 ح 1.


لو أن رجلا تزوج امرأة وجعل مهرها عشرين ألفا وجعل لأبيها عشرة آلاف كان المهر جائزا ، والذي جعله لأبيها فاسدا».

وإطلاق الخبر يقتضي عدم الفرق بين كون المجعول لأبيها تبرعا محضا ، أو لأجل وساطة وعمل محلل ، ولا بين كون المجعول له مؤثرا في تقليل مهر الزوجة بسبب جعله في العقد ، وقصدها إلزامه به وعدمه.

ونقل عن ابن الجنيد أنه قال : ولا يلزم الزوج غير المهر من جعالة جعلها لولي أو واسطة ، ولو وفى الزوج بذلك تطوعا كان أحوط لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (1) «أحق الشروط ما نكحت به الفروج». فإن طلقها قبل الدخول لم يكن عليه إلا نصف الصداق دون غيره ، فإن كان قد دفع ذلك رجع عليها بنصف المهر ، وكذلك الجعالة على الواسطة.

وقال في المختلف : والوجه أن نقول إن كان قد جعل للواسطة شيئا على فعل مباح ، وفعله لزمه ولم يسقط منه شي‌ء بالطلاق ، لأنه جعالة على عمل محلل مطلوب في نظر العقلاء ، وكان واجبا بالفعل كغيره ، وإن لم يكن على جهة الجعالة بل ذكره في العقد لم يكن عليه منه شي‌ء سواء طلق أو لا.

واعترضه في المسالك بأن ما ذكره جيد إلا أنه خارج عن محل الفرض ، لأن الكلام فيما يشترط في العقد ويلزم بمجرده ، وكذلك كلام ابن الجنيد ، وإنما جعل الوفاء به على وجه الاحتياط رعاية للحديث النبوي ، وإذا دفعه على هذا الوجه لا يملكه القابض بمجرد الدفع ، فيجوز الرجوع فيه بعده سواء طلق أم لا ، لكن فرضه مع الطلاق نظرا إلى فوات المطلوب من النكاح ، فلم نجد في الرجوع مخالفة للحديث.

وما ذكره في المختلف إنما يلزم من حيث الجعالة ، لا من حيث ذكره في العقد بل ذكره في العقد بدون لفظ يقتضي الجعالة لغو ، فهو خارج عن محل

__________________

(1) الفقيه ج 3 ص 252 ح 12 وفيه «عن أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ» مع اختلاف يسير.


الفرض ، وبتقدير وقوعه بالجعالة على عمل محلل لا إشكال في لزومه بالفعل وعدم الرجوع فيه بالطلاق حيث لا يكون له مدخل في ذلك ، انتهى وهو جيد.

أقول : لا يخفى أن ما ذكروه في فرض المسألة كما قدمنا ذكره وكذا ما يفهم من ظاهر الخبر من الإطلاق لا يخلو من الاشكال ، والأنسب بالقواعد الشرعية والضوابط المرعية هو أن يقال : إنه إذا تزوج المرأة وسمى لها مهرا ، وسمى لأبيها أو غيره شيئا بحيث يكون المجموع في مقابلة البضع فإنه يسقط ما سمى لغيرها ، لأن المهر إنما هو حق الزوجة في مقابلة البضع دون غيرها ، وعلى ذلك يحمل إطلاق الخبر المذكور.

وبالجملة فإن سقوطه لا بد أن يكون من حيث استناده إلى عقد النكاح وإلا فلو شرط له شيئا على جهة التبرع خارجا عن المهر وعن كونه جعالة فلا مانع من صحته ، وقضية الأخبار الدالة على وجوب الوفاء بالشروط وجوب الوفاء به ، ولا فرق في ذلك بين كون الاشتراط المذكور باستدعاء الزوجة أو بفعل الزوج ابتداء ، وينبغي على تقرير صحة الشرط المذكور أن لا يؤثر الطلاق فيه كما هو ظاهر ، وبما ذكرناه يظهر لك أيضا ما في قول العلامة في المختلف ، وإن لم يكن على جهة الجعالة بل ذكره في العقد لم يكن عليه منه شي‌ء ، فإنه على إطلاقه ممنوع ، فإنه لو وقع على جهة الشرط كما ذكرناه فما المانع من لزومه ، بل ظواهر أخباره وجوب الوفاء بالشروط يقتضي وجوب الوفاء به ، طلق أو لم يطلق.

الثاني : أن يكون المشروط من جملة المهر ، وظاهر كلام ابن الجنيد لزومه ، حيث قال ـ على أثر الكلام المتقدم نقله عنه ـ : فإن كانت المرأة اشترطت رجع عليها بنصف صداقها ، ونصف ما أخذه من الذي شرطت له ذلك ، لأن ذلك كله بعض الصداق الذي لم ترض بنكاحها إلا به ، والمشهور بين الأصحاب على ما نقله في المسالك عدم الصحة نظرا إلى ما قدمنا ذكره من أن المهر حق الزوجة ،


فشرطه لغيرها مناف لمقتضى العقد ، ومن ثم إن المحقق ـ رحمه‌الله ـ إنما نسب القول باللزوم (1) إلى لفظ قيل كما قدمت الإشارة إليه ، وربما أيد كلام ابن الجنيد هنا بعموم الأخبار الدالة على أن (2) «المؤمنين عند شروطهم». ولأن عطيتها من مالها جائز ، فاشتراطه في العقد لا يخالف السنة ، ونقل عن الشهيد في شرح نكت الإرشاد الميل إليه ، وكذلك المحقق الشيخ علي (3) وهذا القدر المشروط هنا ينتصف بالطلاق لأنه من جملة المهر كما هو المفروض بأن شرط عليها بعد فرضه مهرها أن يدفع إلى أبيها منه شي‌ء ، فمتى طلقها رجع عليها بنصف المجموع ، وبذلك صرح الشيخ علي فيما طويناه من كلامه وهو صريح عبارة ابن الجنيد المذكورة.

المسألة التاسعة : قال في الشرائع : لا بد من تعيين المهر بما يرفع الجهالة ، فلو أصدقها تعليم سورة وجب تعيينها ولو أبهم فسد المهر ، وكان لها مع الدخول مهر المثل.

وقال في المسالك ـ بعد ذكر ذلك ـ : من جملة المفسد للمهر جهالته ، فمتى عقد على مجهول كدابة وتعليم سورة غير معينة بطل المسمى ، لأن الصداق وإن لم يكن عوضا في أصله ، إلا أنه مع ذكره في العقد يجري عليه أحكام

__________________

(1) قال المحقق في الشرائع ولو سمى للمرأة مهرا ولأبيها شيئا معينا لزم ما سمى لها وسقط ما سمى لأبيها ، ولو أمهرها مهرا وشرط أن تعطى أباها منه شيئا معينا قبل : يصح المهر والشرط بخلاف الأول. وفي معناها عبارة القواعد (منه ـ قدس‌سره ـ).

(2) التهذيب ج 7 ص 371 ح 66 ، الوسائل ج 15 ص 30 ح 4.

(3) حيث قال في شرح القواعد : والذي يقتضيه النظر ـ الى أن قال : ـ وان كان قد سمى المجموع للزوجة مهرا وشرط عليها أن تدفع إلى أبيها منه شيئا على جهة التبرع منه والإحسان ، فالفساد لا وجه له ، لان ذلك شرط لا يخالف الكتاب والسنة ، فلا وجه لإبطاله ، وعلى هذا لو طلقها يرجع ينصف المجموع لان جميعه هو المهر ، انتهى وهو مؤيد لما ذكرناه (منه ـ قدس‌سره ـ).


المعاوضات ، والجهالة من موانع صحتها ، فيثبت مهر المثل مع الدخول ، والمتعة مع الطلاق ، كالمفوضة ، لا بمجرد العقد لأن فساد المهر باعتبار الجهل به الموجب لتعذر تقويمه صير العقد كالخالي عن المهر ، فلا يثبت مثل المهر بمجرد العقد كما صرح به المصنف وغيره ، وفهم خلاف ذلك وهم ، انتهى.

أقول : قد عرفت مما قدمنا ذكره أن ما ذكره من اشتراط التعيين على الوجه الذي ذكروه مما لم يقم عليه دليل ، بل ربما ظهر من الأدلة خلافه (1).

وصحيح محمد بن مسلم المتضمن لحكاية المرأة التي طلبت من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يزوجها ظاهر فيما قلناه ، فإنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال في المرة الثالثة «أتحسن من القرآن شيئا؟ قال : نعم ، قال : قد زوجتكها على ما تحسن من القرآن ، فعلمها إياه». ومن الظاهر أن هذه صيغة العقد مع أن ما يحسنه غير معلوم ولا مضبوط بكونه سورة أو أقل أو أكثر ، فأي جهالة أشد من هذه الجهالة ، وهم قد أثبتوا الجهالة فيما لو أصدقها تعليم سورة ، وهي أعم من الطويلة والقصيرة فلا بد من تعيينها ، والخبر قد تضمن ما يحسن من القرآن ، وهو أشد إجمالا وإبهاما ، والرواية صحيحة باصطلاحهم ، وقد تلقوها بالقبول في جملة من الأحكام التي اشتملت عليها ، وهي ظاهرة في خلاف ما ذكروه هنا.

وقد عرفت أيضا ورد الأخبار بصحة التزويج على الدار والبيت والخادم ، وأن لها وسطا من هذه الأشياء ، ومن الظاهر أن هذه الأشياء إنما خرجت مخرج التمثيل ، فالحكم بالصحة غير مقصور عليها ، لكنهم من حيث الالتزام بهذه القاعدة التي اتفقوا

__________________

(1) ويشير الى ما ذكرناه ما صرح به السيد السند في شرح النافع حيث قال : وربما ظهر من صحيحة محمد بن مسلم المتضمنة لقصة تلك المرأة التي طلبت من النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ أن يزوجها جواز كون المهر مجهولا فإنه ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ زوجها على ما يحسن من القرآن من غير أن يسأله عما يحسن من ذلك ، انتهى.

(منه ـ قدس‌سره ـ).


عليها في المهر قصروا الحكم فيها على مورد هذا الأخبار ، وإلا فالحق أن هذه القاعدة وإن اتفقوا ظاهرا عليها لكن لما كانت غير منصوصة ولا دليل عليها في الأخبار فإنه بالنظر إلى الأخبار الواردة في المقام مما ذكرناه وغيره لا مانع من صحة العقد فيما منعوا منه ، ويؤيد ذلك الأخبار الدالة على أن المهر ما تراضيا عليه من قليل أو كثير ، فإنه بإطلاقه شامل للمجهول الذي منعوا من العقد عليه ، على أنهم قد صرحوا ـ كما قدمنا نقله عنهم آنفا في المسألة الرابعة ـ بالاكتفاء بالمعلومية في الجملة ، حتى أنهم حكموا في الموضع الذي يحتاج فيه إلى تنصيف المهر بالرجوع إلى الصلح من حيث المجهولية ، وعدم إمكان استعلام النصف.

ويؤيد ذلك أيضا الأخبار المتفق على العمل بها الواردة بجعل المهر ما حكمت به الزوجة أو الزوج (1) ، فإن العقد قد اشتمل على مهر مجهول ، ومن شروط صحته أن يكون المهر المذكور في العقد معلوما ، والاكتفاء في الصحة بالمعلومية بعد العقد كما دلت عليه تلك الأخبار لا يوجب الصحة بمقتضى قواعدهم ، فإنهم صرحوا بأنه لو عقد على مجهول بطل العقد ، ولا يفيده العلم بعد ذلك صحة ، وإليه يشير قوله في عبارة المسالك المذكورة ، إلا أنه مع ذكره في العقد تجري عليه أحكام المعاوضات ، والجهالة من موانع صحتها.

وما يؤيد ذلك أيضا ما رواه في التهذيب (2) عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قلت له : ما أدنى ما يجرى من المهر؟ قال : تمثال من سكر». وحمله على تمثال مشاهد أو معلوم بأحد الوجوه خلاف ظاهر الخبر.

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 379 ، التهذيب ج 7 ص 365 ، الوسائل ج 15 ص 31 ـ 34.

(2) الكافي ج 5 ص 382 ح 16 ، التهذيب ج 7 ص 363 ح 36 ، الوسائل ج 15 ص 1 ح 2.


ومن الأخبار الظاهرة في المسألة المذكورة ما رواه الشيخ (1) عن بريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل تزوج امرأة على أن يعلمها سورة من كتاب الله عزوجل ، فقال : ما أحب ان يدخل بها حتى يعلمها السورة ، ويعطيها شيئا ، قلت : أيجوز أن يعطيها تمرا أو زبيبا؟ فقال : لا بأس بذلك إذا رضيت به كائنا ما كان».

والخبر كما ترى ظاهر في أن المهر تعليم سورة في الجملة وهو عليه‌السلام قد حكم بالصحة ، ولم يشترط تعيينها وكونها سورة كذا كما هو ظاهر كلامهم ، وليس في سند هذا الخبر مما ربما يتوقف في شأنه ، إلا الحارث بن مؤمن الطاق ، وهو وإن لم يوصف بمدح ولا توثيق ، إلا أنه من أصحاب الأصول.

قال النجاشي (2) بعد ذكره : روى عن الصادق عليه‌السلام ، له كتاب يرويه عنه عدة من أصحابنا منهم الحسن بن محبوب. وقال الشيخ في الفهرست (3) : له أصل عنه الحسن بن محبوب ، والراوي عنه هنا هو الحسن بن محبوب ، وهو مشعر بنوع مدح له ، لأن رواية هؤلاء الأجلاء عنه والاعتماد على كتابه لا يقصر عن وصفه بالمدح الموجب لعد حديثه في الحسن ، بناء على اصطلاحهم ، وكيف كان فالخبر ظاهر في خلاف ما ذكروه من اشتراط التعيين ، كما هو ظاهر للحاذق المكين.

المسألة العاشرة : قد صرحوا بأنه يجوز أن يجعل الصداق تعليم صنعة لا يحسنها بالفعل ، أو تعليم سورة لا يعلمها ونحو ذلك ، والوجه فيه أن المعتبر كونه معينا في حد ذاته ومقدورا عليه عادة ، ولا يشترط فيه وجوده بالفعل عنده ،

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 380 ح 4 ، التهذيب ج 7 ص 367 ح 50 ، الوسائل ج 15 ص 12 ح 2.

(2) النجاشي ص 101.

(3) الفهرست ص 89.


بل لمكان تحصيله له بنفسه أو بمعاون ، وغايته أنه يثبت في الذمة ، ويجب وفاؤه عند المطالبة إن أمكن ذلك ، ومع عدم إمكان حصوله فيما نحن فيه من تعليم الصنعة أو السورة فإنه يرجع إلى أجرة المثل ، لأنه قيمة المهر حيث تتعذر عينه.

قال في المسالك : وهل يعتبر في المعلم لها غيره المحرمية؟ وجهان ، من استلزامه سماع صوت الأجنبي المحرم ونظره كذلك ، ومن تقييده بخوف الفتنة ، واستثناء نظر يمكن معه التعليم ، وقد تقدم بحثه في بابه خصوصا تعليم القرآن إذا كان واجبا فإنه يستثني للضرورة ، ولا إشكال لو أمكن من وراء الحجاب.

أقول : قد تقدم الكلام في أن ما ادعوه ـ من تحريم سماع صوت المرأة وتحريمه بأكثر من خمس كلمات ـ وإن كان هو المشهور ، إلا أن الأدلة المعصومية في خلافه واضحة الظهور ، وتحدث النساء في مجالس الأئمة وفاطمة صلوات الله عليها مع الصحابة ، ولا سيما في مخاصمتها لطلب الميراث أمر غير منكور ، وتقدم أيضا في كتب العبادات وغيرها استثناء الوجه وظاهر الكفين والرجلين من المرأة ، ولهذا يجوز كشفها في الصلاة ، وحينئذ فلا إشكال في جواز تعليم الأجنبي لها ، نعم يبقى الاشكال لو فيما استلزم الفتنة فما ذكروه من الكلام في المقام على إطلاقه غير موجه ، ثم إنه إن شرط تعليمها بنفسه فالظاهر أنه لا إشكال في وجوب تعلمه لتعليمها ، وأما مع عدمه فإشكال من أنه تكسب لوفاء الدين ، وهو غير واجب عليه ، ومن توقف الواجب عليه.

المسألة الحادية عشر : إذا عقد على هذا الظرف على أنه خل في زعمها فبان خمرا ، أو على شخص معين أنه عبد فبان حرا ونحو ذلك مما يظن صلاحيته لأن يكون مهرا فيظهر عدمها ، فإنه لا خلاف في صحة العقد ، لما عرفت من أن المهر ليس من أركانه ، ولا شرط في صحته ولا خلاف أيضا في فساد المعين بعد ظهوره على خلاف ما يصلح لأن يكون مهرا ، وإنما الخلاف فيما يجب من المهر في هذه الحال ، لأن العقد صحيح والبضع لا بد له من عوض ، وفي ذلك أقوال :


(أحدها) هو اختيار ابن الجنيد وابن إدريس والمحقق في الشرائع والعلامة في المختلف في مثل الخل في المثال المتقدم ، وهكذا في باقي الأمثلة يرجع إلى مثل ذلك المظنون ، وعلل بأن تراضيهما وقع على ذلك الجزئي المعين الذي ظنا كونه خلا ، وهو يستلزم الرضا بالخل الكلي مهرا ، لأن الجزئي يستلزم الكلي ، فالرضاء به يستلزم الرضاء به ، فإذا فات ذلك الجزئي لعدم صلاحيته للملك بقي الكلي ، لأنه أحد الأمرين اللذين وقع التراضي بهما ، ولأنه أقرب إلى المعقود عليه لأنه مثله ، واعترضه المحقق الشيخ علي في شرح القواعد فقال : ولقائل أن يقول أن الكلي الذي وقع التراضي عليه بالعقد على الجزئي هو الكلي المقترن بالمشخصات الموجودة في ذهن المتعاقدين ، وهذا يمتنع بقاؤه ، وإذا ارتفعت المشخصات ، والمحكوم بوجوبه غيره ، أعني الكلي في ضمن شخص آخر وهذا لم يقع التراضي عليه أصلا أصالة ولا تبعا ، فإيجابه بالعقد إيجاب لما لم يتراضيا عليه ، وكونه أقرب إلى المعقود عليه مع تسليم صحته لا يستلزم وجوبه ، لأن المهر الذي يجب بالعقد هو ما تراضيا عليه ، ولا يلزم من التراضي على أحد المثلين التراضي على الآخر.

أجاب في المسالك عن ذلك ـ بعد أن ذكره بلفظ إن قيل ـ بما صورته : قلنا الجزئي الذي وقع التراضي عليه وإن لم يساوه غيره من أفراد الكلي ، إلا أن الأمر لما دار بين وجوب مهر المثل وقيمة الخمر ، ومثل الخل ، كان اعتبار المثل أقرب الثلاثة ، لأن العقد على الجزئي المعين اقتضى ثلاثة أشياء ذلك المعين بالمطابقة ، وإرادة الخل الكلي بالالتزام ، وكون المهر واجبا بالعقد ، بحيث لا تنفك المرأة عن استحقاقه ، حتى لو طلقها كان لها نصفه ، أو مات أحدهما فجميعه ، وإذا فات أحد الثلاثة ، وهو الأول ، وجب المصير إلى بقاء الآخرين بحسب الإمكان (1) «إذ

__________________

(1) رواه النراقي في الفوائد ص 88 عن عوالي اللئالي عن على ـ عليه‌السلام.


لا يسقط الميسور بالمعسور». وعموم (1) «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم». وهما لا يوجدان معا في ضمن وجوب مهر المثل ، لأنه لا يجب إلا بالدخول عند القائل به ، وإمكان وجودهما في ضمن قيمة الخمر يفسد بما سنبينه من ضعف دليله له ، فلم يبق إلا المثل ، ولا شبهة في أن الرضاء بالخل المعين في الظرف يستلزم إرادة كون المهر خلا بخلاف القيمة ونحوها.

أقول : يقتضي هذا الكلام تسليم صحة ما أورده المحقق المذكور وبطلان الدليل الأول الذي قرروه ، وأن المعتمد إنما هو الدليل الذي قرره هنا.

و (ثانيها) إن الواجب مهر المثل ، إختاره العلامة في القواعد وفي أكثر كتبه مستدلا عليه بأن الكلي غير مرضي به إلا في ضمن الجزئي المشترط ، فهو منفي بتغليب التشخص عليه ، والشخصي باطل لخروجه عن المالية ، فيرجع الأمر في شرط عوض لم يسلم لها فينتقل الى مهر المثل.

وظاهر المحقق الشيخ علي في شرح القواعد اختيار هذا القول ، قال في المسالك : ويشكل بما مر ، وبأن مهر المثل ربما كان زائدا عن قيمة الخل كثيرا ، فلا يكون مقصودا للزوج أصلا ، أو ناقصا كثيرا فلا يكون مقصودا للزوجة ولا مرضيا به ، وقد قال عليه‌السلام «المهر ما تراضيا عليه الزوجان». ولا يرد مثله في وجوب مثل الخل ، لأن ذلك أقرب إلى ما تراضيا عليه ، بل ربما لم يخالف ما تراضيا عليه إلا بمشخصات لا دخل لها في المقصود ولا في المالية ، فيلغو عند حصول مثل هذا العارض ، انتهى.

و (ثالثها) وجوب قيمة الخمر عند مستحليه ، وإليه ذهب الشيخ في المبسوط والخلاف ، مستندا إلى أن قيمة الشي‌ء أقرب إليه عند تعذره ، ولأنهما عقدا على شخص باعتبار ماليته ، فمع تعذره لظهور بطلان المعاوضة عليه يصار إلى القيمة.

__________________

(1) رواه مسلم في صحيحة ج 1 ص 513 ، والنسائي ج 2 ص 1.


قال في المسالك : وفيه منع بين لأن الخمر غير مقصود أصلا ، ولا وقع عليه التراضي ، فكيف ينتقل إلى قيمته ، واعتبارها فرع صحة العقد على العين بخلاف ما لو عقدا على الخمر عالمين به ، فإنهما قد تراضيا على العين ، فلا يمتنع الانتقال إلى القيمة لتعذر العين كما تقدم ، وظاهر الحال أن قول المصنف أقرب الأقوال إلى مراد المتعاقدين فينبغي أن يكون العمل عليه.

ثم قال في المسالك أيضا : هذا كله في المثلي كالخمر. أما القيمي كالعبد إذا ظهر حرا فالانتقال إلى قيمته لقيامها مقام المثل في المثلين وليس هذا كالقول الثالث ، لأن ذلك يعتبر فيه قيمة العين بالوصف الواقع الذي امتنع صحته عليه بواسطته ، وهنا اعتبرت القيمة باعتبار الوصف المقصود لهما ، وعلى هذا فيسقط القول الثالث في القيمي لأن الحر لا قيمة له. نعم لو ظهر مستحقا كان اعتبار قيمته جاريا على القولين ، وعلى هذا فالقول بالمثل متعذر في القيمي مطلقا ، وبقيمة الواقع متعذر في الحر ، فليس فيه إلا القول بقيمته أو مهر المثل ، فإطلاقهم تشبيه الحكم في مسألة الحر بظرف الخمر لا يأتي على إطلاقه ، بل يحتاج إلى تنقيح.

أقول : وحيث إن المسألة غير منصوصة فالاعتماد في الحكم فيها على هذه التعليلات سيما مع ما عرفت من تدافعها مشكل على طريقتنا ، والاحتياط فيها واجب ، والظاهر أنه يحصل بالتراضي على مهر المثل أو مثل الخل ، والثاني أظهر لأنه الأقرب إلى ما ظناه وعقدا على تقديره ، والله العالم.

المسألة الثانية عشر : لا خلاف بين الأصحاب في أن المهر مضمون في يد الزوج قبل تسليمه إلى الزوجة ، وإنما الكلام في وجه الضمان في أنه هل يكون ضمانه كضمان المبيع في يد البائع والثمن في يد المشتري؟ أو كضمان المقبوض بالسوم وضمان العارية المضمونة؟ ويعبر عن الأول بضمان العقد وضمان المعاوضة ، ويعبر عن الثاني بضمان اليد ، وعلى تقدير الأول فالمضمون مهر المثل كما سيأتي


تحقيقه ، وعلى تقدير الثاني يكون المضمون مثل المهر إن كان مثليا ، وقيمته إن كان قيميا.

وجه الأول على ما ذكروه إن الصداق مملوك بعقد معاوضة ، فكان كالمبيع في البيع ، ويظهر كونه معاوضة من قوله عزوجل «وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ» (1) وقولهم «زوجتك بكذا» كما يقال «بعتك بكذا» ولأنها تتمكن من رده بالعيب كما في المبيع ، وتحبس نفسها لتستوفيه بمعنى أنها تمنع عن الدخول بها حتى تقبضه كما سيأتي ذكره في محله ـ إن شاء الله تعالى ـ والحكمان الأخيران من أحكام المعاوضة.

ووجه الثاني إنه ليس عوضا حقيقيا لجواز العقد ، وصحته بدونه وأن يكون عاريا منه وعدم انفساخ النكاح بتلفه ، ولا ينفسخ برده ، ولا يفسد بفساده ، ولا يتزلزل بتزلزله ، ولا شي‌ء من الأعواض الحقيقية كذلك ، ويؤيده أيضا إطلاق اسم النحلة عليه في قوله سبحانه «وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً» (2) ومن أجل ما ذكرناه في هذين الوجهين حصل الاشتباه في الضمان على أحد الأمرين المذكورين ، إلا أن المشهور في كلام الأصحاب هو الثاني كما صرح به في المسالك ، وإليه يشير كلام المحقق في الشرائع بقوله «والمهر مضمون على الزوج ، فلو تلف قبل تسليمه كان ضامنا له بقيمة وقت تلفه على قول المشهور لنا».

قال الشارح : ونبه بنسبته إلى القول على عدم تعينه واحتمال القول الآخر.

أقول : لا يبعد أن مراده بالنسبة إلى قول المشهور إنما هو الإشارة إلى عدم دليل من النصوص على الحكم المذكور ، وليس إلا مجرد الشهرة كما هو الغالب في عباراته وعبارات غيره.

وبالجملة فإن المسألة ـ كما عرفت ـ عارية عن النص ، وليس إلا هذان الوجهان الاعتباريان المتضادان ، ولا ترجيح لأحدهما على الآخر إلا بالشهرة المدعاة

__________________

(1) سورة النساء ـ آية 52.

(2) سورة النساء ـ آية 4.


في الثاني ، وفرعوا على الوجهين المذكورين فروعا منها ما نحن فيه من تلف المهر في يد الزوج قبل تسليمه إذا كان التلف من جهته أو من جهة الله.

فعلى الوجه الأول يجب مهر المثل لأنه ينفسخ المهر فيرجع إلى مهر المثل ، كما أنه إذا تلف أحد العوضين في البيع قبل القبض انفسخ البيع ، وإنما جعل الانفساخ في البيع دون النكاح لأن العوضين من أركان البيع ، بخلاف المهر ، فإنه ليس بركن في عقد النكاح ، فإنما أركانه الزوجان فلا يبطل النكاح بفواته قبل القبض ، ومعنى كونه مضمونا عليه هو أن فواته من ماله فيكون في حكم ما لو لم يذكر بالكلية ، ويرجع إلى مهر المثل ويكون هو الواجب ، كما لو لم يذكر المهر بالكلية.

وعلى الوجه الثاني يكون مضمونا على الزوج بالمثل إن كان مثليا ، أو القيمة إن كان قيميا كغيره من الأموال المضمونة ضمان يد مما تقدم ذكره ونحوه ، وأكثر الأصحاب إنما ذكروا في هذا المقام الضمان على هذا الوجه من غير أن ينقلوا قولا بوجوب مهر المثل أو يذكروه احتمالا في المسألة.

والظاهر أن القول بمهر المثل إنما هو للعامة ، وإن ذكره بعض متأخري أصحابنا وجها واحتمالا في المسألة كما يشير إليه كلام الشيخ في المبسوط حيث قال ـ بعد نقل القولين عن العامة ـ : والذي يقتضيه مذهبنا في كل مهر معين إذا تلف ، فإنه تجب قيمته ولا يجب مهر المثل ، لا يقال : إن ظاهر كلام العلامة ينافي ذلك ، حيث إنه أوجب مهر المثل في مواضع نزل فيها المهر منزلة التالف ، ومن جملتها ما لو تزوجها على ظرف خل فظهر خمرا ، أو ما لو تزوج المسلم على خمر أو خنزير عالما بالحال ، فإن حكمه بمهر المثل هنا إنما يتم على تقدير ضمان المعاوضة لا ضمان اليد ، من حيث إن هذا في حكم التلف ، مع أنه لا يقول بضمان المعاوضة في التلف الحقيقي ، لأنا نقول : إن موضع البحث في البناء على ضمان المعاوضة أو ضمان اليد إنما هو بالنسبة إلى عروض التلف بعد الحكم بالصحة


كما في ما نحن فيه ، لأنه بعد صحة المهر عرض له البطلان بالتلف ، أما مع فساد المهر ابتداء من أول الأمر فلا إشكال في وجوب مهر المثل.

والمواضع التي نقلناها عن العلامة إنما هي من قبيل الثاني ، لا الأول ، وبذلك صرح الشيخ في المبسوط أيضا حيث قال ـ عقيب ما تقدم نقله عنه ـ : وأما المهر إذا كان فاسدا فإنه يوجب مهر المثل بلا شك ، والعلامة إنما ذكر مهر المثل بناء على أن المهر المذكور فاسد من أصله ، ولذلك ذكر مهر المثل.

بقي الكلام في أنه على تقدير الضمان بالقيمة إذا كان قيميا ، فالاعتبار بأي القيم ، هل هي قيمته وقت التلف؟ أو أعلى القيم من حين العقد إلى حين التلف؟ أو الأعلى من حين المطالبة إلى وقت التلف فيما إذا طالبته وامتنع من التسليم؟ (1) أقوال :

للأول أن العين ما دامت موجودة لا تجب القيمة قطعا ، وإنما ينتقل إليها مع تلف العين فيكون المعتبر فيها وقت الانتقال إليها ، ولا ينافي ذلك كون العين مضمونة عليه حينئذ ، لأن معنى ضمانها إنما هو بمعنى أنها لو تلفت لوجب الانتقال إلى البدل ، وهذا القول هو الذي صرح به المحقق في الشرائع والعلامة في الإرشاد ، قال في المسالك : وهو الأقوى. وفي القواعد اقتصر على القولين الأولين من غير ترجيح لشي‌ء منها ، والظاهر أنه هو المشهور كما تقدم في كتاب البيع.

وعلل الثاني بأنه مضمون في جميع الأوقات ، ومن جملتها ضمان علو القيمة

__________________

(1) وهذا القول للشيخ في المبسوط ، وظاهره أنه مع عدم المطالبة فالقيمة يوم التلف ، قال في الكتاب المذكور : إذا كان المتلف الزوج أو أمرا سماويا ، فان كان مثليا كان لها مثله ، وان لم يكن له مثل فالقيمة ، فإن كانت قد طالبت به فمنعها فعليه أكثر ما كانت له قيمة من يوم المطالبة إلى يوم التلف لانه كالغاصب ، وان تلف في يده من غير مطالبة قيل : عليه قيمة يوم التلف ، وهو الأقوى ، وقيل : الأكثر ، لأنه كالغاصب إلا في الإثم ، انتهى.

(منه ـ قدس‌سره ـ).


خصوصا مع مطالبتها بالتسليم وامتناعه ، لأنه يصير حينئذ غاصبا فيؤخذ بأشق الأحوال وجوابه يعلم مما ذكر في تعليل القول الأول.

وبيانه أن ما ذكره من كونه مضمونا في جميع الأوقات ليس إلا بمعنى أنه لو تلف لوجب الانتقال إلى البدل كما عرفت ، والتعدي بالمنع بعد المطالبة ، وعدم التسليم غاية ما يوجبه الإثم لا الزيادة في القدر الذي قام الدليل على ضمانه ، ومنه يعلم الجواب عن الثالث أيضا.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن المذكور في كلام غير واحد من الأصحاب هنا كما تقدمت الإشارة إليه إنما هو الضمان بالمثل أو القيمة من غير تعرض لمهر المثل ، ولا تفريع ذلك على مسألة أخرى ، وما نقلناه من تفريع ذلك على تقسيم الضمان إلى ضمان يد وضمان معاوضة لم أقف عليه إلا في كلام شيخنا الشهيد الثاني في المسالك والمحقق الشيخ علي في شرح القواعد ، وقد صرحا بأنه لو تلف المبيع في يد البائع أو الثمن في يد المشتري فإنه ينفسخ البيع ويجب مثل المبيع أو قيمته في الأول ، وحيث إنه لا سبيل هنا إلى فسخ النكاح ، لأن المهر ليس ركنا فيه ، بخلاف البيع بالنسبة إلى المبيع والثمن ، فإنهما ركنان فيه ، وإنما ينفسخ المهر خاصة ، كان الواجب على هذا الوجه مهر المثل ، قال في المسالك : وعلى الأول ـ وأراد ضمان المعاوضة ـ يجب مهر المثل ، كما لو تلف أحد العوضين في البيع قبل القبض ، فإن البيع ينفسخ ، ويجب مثل البيع أو قيمته ، ونحوه كلام المحقق الشيخ علي أيضا ، ولا يخلو من الاشكال.

ووجه الاشكال ـ أن ما صرحوا به هنا من الضمان لو تلف المبيع في يد البائع فإنه ينفسخ العقد ، ويجب عليه مثل المبيع أو قيمته ـ ينافي ما صرحوا به في كتاب البيع من أنه في هذه الصورة يبطل البيع من أصله ، ويرجع كل من المبيع والثمن إلى صاحبه الأول ، ولا ضمان بالكلية.

قال في المسالك ـ بعد قول المصنف إذا تلف المبيع قبل قبضه فهو من مال


بايعه ـ ما صورته : المراد أنه ينفسخ العقد بتلفه من حينه ، ويرجع الثمن إلى المشتري إلى آخره ، فإنه صريح في بطلان البيع من رأس ، ولم يذكروا ثمة ضمانا ولو إشارة ، ويؤكده أنهم حكموا بأن بطلان البيع إنما هو بعد دخول المبيع في ملك البائع بعد انتقاله آنا ما ، وأن التلف كاشف عنه.

وبالجملة فإن كلامهم ثمة ظاهر في أنه لا ضمان بالكلية ، وبذلك يظهر لك أن الحكم هنا بالضمان وتسميته ضمان معاوضة ، وتفريع النكاح عليه من هذه الجهة لا يخلو عندي من إشكال ، ولعله لقصور فهمي الفاتر وجمود ذهني القاصر ، فليتأمل.

المسألة الثالثة عشر : لو ظهر الصداق معيبا فلا يخلو (إما) أن يكون العيب كان قبل العقد ولكن لم تعلم به الزوجة ، والحكم فيه عند الأصحاب أن لها رده بالعيب والرجوع إلى قيمته ، ولها إمساكه بالأرش ، لأن العقد إنما وقع على السليم ، فإذا لم يجده كذلك أخذت عوض الفائت وهو الأرش ، ولم ينقلوا فيها خلافا.

(وإما) أن يكون بعد العقد وقبل التسليم ، فالذي صرح به الشيخ في المبسوط على ما نقل عنه أنها تتخير بين أخذه بالأرش ، ورده فتأخذ القيمة كما لو تلف ، لأنه مضمون عليه وقد وقع العقد عليه سليما ، فإذا تعيب كان لها رده ، والمشهور في كلام المتأخرين أن الذي لها في هذه الصورة أرش النقصان من غير رد ، لأنه عين حقها ، ونقصه ينجبر بضمان أرشه ، وضعفوا ما ذكره الشيخ بأن كونه مضمونا ضمان اليد يوجب بقاؤه على ملكها ، وضمان الفائت لا غير ، كما لو عابت العين المغصوبة عند الغاصب ، على أنه في موضع آخر من المبسوط قوى عدم الخيار وتعين أخذ الأرش.

أقول : لم أقف على نص في المقام وبذلك يشكل البحث فيها والكلام.

المسألة الرابعة عشر : الظاهر أنه لا خلاف بين الأصحاب في أنه يجوز للزوجة الغير المدخول بها الامتناع من تسليم نفسها حتى تقبض إذا كان المهر


حالا والزوج موسرا ، وإنما الخلاف فيما إذا كان معسرا ، وكذا الخلاف لو كانت المطالبة بعد الدخول ، والكلام في هذا المقام يقع في مواضع :

الأول : فيما إذا سمى لها مهرا وكان موسرا ولم يدخل بها والمهر حال ، والمشهور ـ بل ادعي عليه الإجماع ـ هو جواز الامتناع لها ، ولا أعرف لهم دليلا غير ما يدعونه من الإجماع ، وأن النكاح من قبيل المعاوضات التي قد تقرر فيها أن لكل من المتعاوضين الامتناع من تسليم ما في يده من العوض حتى يتسلم الآخر.

قال شيخنا الشهيد في المسالك ـ بعد الكلام في المسألة وذكر مقدمات مهدها قبل الكلام في المسألة ـ ما صورته : وخلاصة القول فيها أن الزوجة إن كانت كاملة صالحة للاستمتاع ولم يكن قد دخل بها الزوج والمهر حال وهو موسر ، فلها الامتناع من التمكين حتى تقبض مهرها بتمامه اتفاقا ، لا بمعنى وجوب ابتداء الزوج بتسليم المهر أولا ، بل إما كذلك ، أو بتقابضهما معا ، بأن يؤمر الزوج بوضع الصداق في يد من يتفقان عليه أو يد عدل ، وتؤمر بالتمكين ، فإذا مكنت سلم العدل الصداق إليها ، وهذا في الحقيقة في معنى إقباض المهر أولا ، إلا أن ما يخافه الزوج من فواته بوصوله إليها يستدرك بوضعه على يد العدل فيصير في معنى التقابض معا ، حيث إن القابض نائب عنها ، وإنما اعتبر ذلك لما تقرر في المقدمة الأولى أن في النكاح معنى المعاوضة ، وفي الثانية أن لكل من المتعاوضين الامتناع من الإقباض حتى يقبض الآخر وطريق الجمع ما ذكره ، وفي المسألة وجهان آخران :

أحدهما : أنه يجبر الزوج على تسليم الصداق أولا ، فإذا سلم سلمت نفسها ، والفرق بينهما أن فائت المال يستدرك ، وفائت البضع لا يستدرك.

والثاني : لا يجبر واحد منهما ، لكن إذا بادر أحدهما إلى التسليم اجبر الآخر على تسليم ما عنده ، وأصحهما الأول لما فيه من الجمع بين الحقين ، وبه


يحصل الجواب عن الوجه الثاني.

وفي الثالث : أنه قد يؤدي إلى بقاء النزاع لعدم بدءة أحدهما ولا بد من نصب طريق شرعي يحسم مادته ، وهذه الأوجه قد مضى نقلها في البيع ، انتهى كلامه علت في الخلد أقدامه.

وقال سبطه السيد السند والعلامة الأوحد السيد محمد في شرح النافع ـ بعد ذكر ذلك ، ونعم ما قال ، فإنه الأصح من هذه الأقوال كما لا يخفى على من عرف الرجال بالحق ، لا الحق بالرجال ـ ما صورته : إنا لم نقف في هذه المسألة على نص ، والذي يقتضيه النظر فيها أن تسليم الزوجة نفسها حق عليها ، وتسليم المهر إليها حق عليه ، فيجب على كل منهما إيصال الحق إلى مستحقه ، وإذا أخل أحدهما بالواجب عصى ، ولا يسقط بعصيانه حق الآخر ، فإن تم الإجماع على أن لها الامتناع من تسليم نفسها إلى أن تقبض المهر كما ذكره الأكثر أو إلى أن يحصل التقابض من الطرفين فلا كلام ، وإلا وجب المصير إلى ما ذكرناه. انتهى وهو جيد وجيه كما لا يخفى على الفطن النبيه.

وما اعترضه به هنا بعض مشايخنا المعاصرين من المحدثين (1) ـ حيث قال بعد نقله ما صورته : وقد ظهر من كلامه أنه مخالف للأصحاب في المسألة ، وإنما خالفهم لعدم وقوفه في المسألة على نص ، مع أن الذي ذكره أيضا خال من النص ، فلا وجه لترجيحه على كلامهم ، انتهى ـ ظاهر السقوط ، وذلك لأن ما ذكره السيد المزبور وإن كان خاليا من النص على الخصوص ، إلا أنه الموافق للقواعد الشرعية والضوابط المرعية ، إذ لا يخفى أن قضية العقد أوجبت استحقاق الزوج البضع ، واستحقاق المرأة المهر ، فليس لأحدهما الإخلال بما وجب عليه في مقابلة امتناع الآخر ، وإخلاله بما وجب عليه ، وهذا بحمد الله سبحانه ظاهر لكل ناظر.

__________________

(1) هو الشيخ المحدث الصالح الشيخ عبد الله بن صالح البحراني في جواب المسائل الحسينية. (منه ـ رحمة الله عليه ـ).


وما ذكره السيد المشار إليه هنا قد سبقه إليه أستاذه المحقق الأوحد المولى أحمد الأردبيلي ـ رحمه‌الله عليه ـ في كتاب البيع في شرحه على الإرشاد كما ذكره ثمة حيث قال ـ بعد نقل قول المصنف «ويجب على المتبايعين دفع العوضين من غير أولوية» إلى آخره ـ ما صورته : اعلم أن الأكثر هكذا قالوا :

وحاصله أنها يجب عليها معا الدفع ، أو بعد أخذ العوض ، ويجوز لكل المنع حتى يقبض ، وكأنهم نظروا إلى أن البيع معاوضة محضة ، ولا يجب على كل منهما الدفع ، لأن العوض مال الآخر ، فما لم يأخذ العوض لا يجب إعطاء العوض ، والمسألة مشكلة كسائرها لعدم النص ، وثبوت الانتقال بالعقد يقتضي وجوب الدفع على كل واحد منهما عند طلب الآخر ، وعدم جواز الحبس حتى يقبض ، وجواز الأخذ لكل حقه من غير إذن الآخر إن أمكن له على أي وجه كان ، لأن ذلك هو مقتضى الملك ، ومنع أحدهما حق الآخر وظلمه لا يستلزم جواز الظلم للآخر ، ومنعه من حقه فيجبرهما الحاكم معا على ذلك إن امتنعا ، فيعطي من يد ويأخذ من أخرى ، أو يقبض لأحدهما ، ويأمره بالإعطاء ، انتهى كلامه.

وقد تكلف بعض المجتهدين من مشايخنا المعاصرين (1) في الاستدلال للقول المشهور بأدلة لا يخلو من القصور حيث سئل عن هذه المسألة فأجاب ـ رحمة الله عليه ـ بأن لها الامتناع حتى تقبضه هي أو وكيلها وفاقا للمشهور ، قال : لأن تقديم المهر أو بعضه هو المتعارف في جميع الأعصار وبه جرت السنة ، فعند إطلاق العقد يكون بمنزلة ما شرط تقديمه ، فلها الامتناع حتى تقبضه أو ترضى بشي‌ء عملا لمقتضى الشرط ، وما كان بمنزلته.

ويدل عليه ما رواه الشيخ (2) عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا

__________________

(1) هو شيخنا الشيخ أحمد الجزائري المجاور بالنجف الأشرف حيا وميتا قدس الله سره. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(2) التهذيب ج 7 ص 357 ح 15 ، الوسائل ج 15 ص 12 ح 1.


تزوج الرجل المرأة فلا يحل له فرجها حتى يسوق إليها شيئا درهما فما فوقه أو هدية من سويق أو غيره». والمعنى لا يحل له جبرها على فرجها حتى يسوق إليها مهرها أو شيئا ترضى به ، وأما إذا رضيت فهي حلال له ، ولا تحرم بلا خلاف ، ويكون المهر دينا عليه كما تدل عليه الأخبار.

ويدل عليه أيضا قول أبي جعفر عليه‌السلام في صحيحة الفضيل بن يسار (1) «فالذي أخذت من الزوج قبل أن يدخل بها حل للزوج به فرجها قليلا كان أو كثيرا إذا هي قبضته منه وقبلت ودخلت عليه ، ولا شي‌ء لها بعد ذلك».

وقول أبي عبد الله عليه‌السلام في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (2) «إذا أهديت إليه ودخلت بيته ثم طلبت بعد ذلك فلا شي‌ء لها». فإن فيه إشعارا وواضحا بأن لها الامتناع من الدخول حتى تقبض ما ترضى به ، ويرشد إلى ذلك ، أن فائت المال يستدرك بإقامة مثله ، وفائت البضع لا يستدرك ، لعدم إمكان قيام مثله مقامه. فينبغي أن يسلم المهر إليها أولا ثم هي تسلم نفسها ، فإذا أرادت مهرها وبذلت نفسها فعلى الحاكم أن يجبره على التسليم أولا إذا امتنع ، كما يجبره على الحقوق ، فإن بذله لها مقدما فعلى الحاكم أن يجبرها على تسليم نفسها إن امتنعت ، وهذا هو الموافق للعدل ، والمأمور به من قوله «(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ، والمفتي به عند الكل ، انتهى.

أقول : الظاهر عندي أن ما تكلفه من هذا الدليل ، فإنه لا يشفي العليل ، ولا يبرد الغليل ، ولا يفي بالهداية إلى ذلك السبيل.

أما (أولا) فإن ما ذكره من أن تقديم المهر أو بعضه لما كان هو المتعارف في جميع الأعصار ، وبه جرت السنة ، فهو كالشرط في إطلاق العقد ، فلها الامتناع

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 385 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 359 ح 22 ، الوسائل ج 15 ص 17 ح 13.

(2) الكافي ج 5 ص 385 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 359 ح 23 ، الوسائل ج 15 ص 15 ح 18.


حينئذ حتى تقبض المهر ، لا يخفى ما فيه بعد تسليم ما ذكره على من راجع الآيات والأخبار الدالة على التشديد في الفتوى ، فإنه لا بد من العلم واليقين فيما يحكم به ويفتي به ، ووجوب الوقوف مع الاشتباه ، وهي مستفيضة في الكافي وغيره.

ومن ذلك ما رواه في الكافي (1) بإسناده إلى زرارة قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام : ما حق الله على العباد؟ فقال : أن يقولوا ما يعلمون ، ويقفوا عند ما لا يعلمون».

وعن هشام بن سالم (2) عن أبي عبد الله عليه‌السلام مثله.

وعن زياد بن أبي رجا (3) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «ما علمتم فقولوا ، وما لم تعلموا فقولوا : الله أعلم».

وعن إسحاق بن عبد الله (4) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إن الله خص عباده بآيتين من كتابه «أن لا يقولوا حتى يعلموا ، ولا يردوا ما لم يعلموا ، وقال الله تعالى «أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ» (5).

وعن حمزة الطيار (6) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : لا يسعكم فيما ينزل بكم مما لا تعلمون إلا الكف عنه ، والتثبت والرد إلى أئمة الهدى حتى يحملوكم فيه على القصد».

وفي حديث صاحب البريد المروي في الكافي (7) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أما إنه شر عليكم أن تقولوا بشي‌ء ما لم تسمعوه منا». إلى غير ذلك من الأخبار.

__________________

(1) الكافي ج 1 ص 43 ح 7 ، الوسائل ج 18 ص 11 ح 9.

(2) الكافي ج 1 ص 50 ح 12 ، الوسائل ج 18 ص 12 ب 4 ح 10.

(3) الكافي ج 1 ص 42 ح 4 ، الوسائل ج 18 ص 10 ب 4 ح 5.

(4) الكافي ج 1 ص 43 ح 8.

(5) سورة الأعراف ـ آية 169.

(6) الكافي ج 1 ص 50 ح 10 ، الوسائل ج 18 ص 59 ح 29.

(7) الكافي ج 2 ص 402 ذيل ح 1 ط طهران ، الوسائل ج 18 ص 47 ب 7 ح 25.


وحينئذ فكيف يمكن التجاسر على الحكم لها بالامتناع من تسليم نفسها بعد ملك الزوج للبضع بالعقد ، وأنه هو الناقل له ، والمبيح أن يقال فيه أنه محتمل لذلك ، لا أنه دليل شرعي يصح تأسيس الأحكام الشرعية به وترتبها عليها ، ولو صح الاعتماد على مثل هذه التخريجات في الأحكام الشرعية لاتسع المجال وعظم الاشكال ، سيما مع ما عرفت من استفاضة الآيات والروايات بالنهي عن القول والفتوى بغير علم قطعي ، ويقين شرعي كما عرفت.

وأما (ثانيا) فإن ما استند إليه من رواية أبي بصير ـ وأن المعنى أنه لا يحل له جبرها على فرجها حتى يسوق إليها مهرها أو شيئا ترضى به ـ ففيه أن المراد من الرواية كما ذكره الأصحاب قديما وحديثا إنما هو كراهة الدخول بها قبل ذلك ، وكيف لا ، وهو قد استباح فرجها بالعقد ، وملك بضعها بذلك ، فكيف يتوقف حلها على دفع المهر أو شي‌ء آخر مع اتفاق الأصحاب على أن المهر ليس ركنا في العقد ، ويملك البضع بدون ذكره بالكلية.

ويوضح ذلك بأتم إيضاح قيام غير المهر مقامه في ذلك ، فإن الاتفاق قائم على أن حل الفرج لا يتوقف على ذلك بالكلية ، فكيف يتوهم من لفظ لا يحل هنا التحريم ، والحال كما عرفت.

ومن الأخبار الظاهرة فيما ذكرناه صحيحة بريد العجلي (1) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل تزوج امرأة على أن يعلمها سورة من كتاب الله ، فقال : ما أحب أن يدخل حتى يعلمها السورة أو يعطيها شيئا ، قلت : أيجوز أن يعطيها تمرا أو زبيبا؟ قال : لا بأس بذلك إذا رضيت به كائنا ما كان».

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 380 ح 4 ، التهذيب ج 7 ص 367 ح 50 ، الوسائل ج 15 ص 12 ح 2.


وروى أحمد بن محمد بن عيسى (1) في كتاب النوادر عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل تزوج امرأة بنسية ، فقال : إن أبا جعفر عليه‌السلام تزوج امرأة بنسية ، ثم قال لأبي عبد الله عليه‌السلام : يا بني ليس عندي من صداقها شي‌ء أعطيها إياه وأدخل عليها ، فأعطني كساءك هذا فأعطيها إياه ، فأعطاها ثم دخل بها».

وفي موثقة أبي بصير (2) قال : «تزوج أبو جعفر امرأة فزارها وأراد أن يجامعها ، فألقى عليها كساه ثم أتاها ، قلت : أرأيت إذا أوفى مهرها إله أن يرتجع الكساء؟ قال : لا إنما استحل به فرجها».

وإنما حملنا هذه الأخبار على الكراهة ، لما بإزائها من الأخبار الدالة على جواز الدخول بها من غير أن يعطيها شيئا.

ومنها رواية عبد الحميد بن عواض (3) عن أبي عبد الله عليه‌السلام الدالة على أنه يصلح أن يواقعها ولم ينقدها من مهرها شيئا.

وفي رواية أخرى (4) له عنه عليه‌السلام قال : «قلت له : أتزوج المرأة وأدخل بها ولا أعطيها شيئا؟ قال : نعم يكون دينا لها عليك».

وفي ثالثة له (5) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يتزوج المرأة فلا يكون

__________________

(1) الوسائل ج 15 ص 13 ح 5.

(2) التهذيب ج 7 ص 368 ح 53 ، الوسائل ج 15 ص 43 ب 33 ح 1.

(3) الكافي ج 5 ص 413 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 358 ح 17 ، الوسائل ج 15 ص 16 ب 8 ح 10.

(4) الكافي ج 5 ص 413 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 357 ح 16 ، الوسائل ج 15 ص 16 ب 8 ح 9.

(5) الكافي ج 5 ص 414 ح 4 ، التهذيب ج 7 ص 358 ح 19 ، الوسائل ج 15 ص 14 ب 8 ح 2.


عنده ما يعطيها فيدخل بها؟ قال : لا بأس ، إنما هو دين لها عليه».

وما رواه أحمد بن محمد بن عيسى (1) في كتاب النوادر في الموثق عن زرارة قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل تزوج امرأة ، أيحل له أن يدخل بها قبل أن يعطيها شيئا؟ قال : نعم».

ولو تم ما ذكره من أنه لا يحل له جبرها على فرجها حتى يسوق إليها مهرها أو شيئا ترضى به ، للزم طرح هذه الأخبار ، مع أنها هي المعتضدة بالاتفاق على التحليل بالعقد ، وأنه هو المبيح لذلك لا غير.

وأما ما اشتمل عليه خبر أبي بصير من أنه لا يرتجع الكساء ، لأنه إنما استحل فرجها به ، فإنه محمول على تأكد استحباب الدفع إليها شيئا قبل الدخول ، وذلك لأنه إنما استحل فرجها بالعقد لا بما دفعه أخيرا من مهر أو هدية ، وما استند إليه من لفظ «لا تحل» وأنه محمول على ظاهره من التحريم فهو مما لا يتجسمه محصل ، للاتفاق نصا وفتوى على التحليل بالعقد ، فلا بد من الحمل على المجاز كما ورد في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تدع عانتها فوق عشرين يوما». رواه في الكافي (2) ، على أن ما اعتمده من هذه الأخبار مدخول أيضا من وجهين :

أحدهما : إن مقتضى كلامه أن الأمر بدفع هذه الأشياء قبل الدخول إنما هو ليرضيها ، وإلا فلو رضيت من غير شي‌ء فهي له حلال ، والمفهوم من الأخبار التي تلوناها أن دفع ذلك إنما هو من حيث إنه السنة في الدخول قبل دفع المهر ، فإنه يدفع لها ذلك ، وإن رضيت بالدخول بغير شي‌ء بالكلية إذ لا إشعار في شي‌ء منها بأن الدفع إنما هو لامتناع المرأة من الدخول ، وأن الإعطاء إنما هو لاسترضائها ، وأخبار الكساء الذي ألقاه الباقر عليه‌السلام على امرأته ثم أتاها ظاهرة

__________________

(1) الوسائل ج 15 ص 18 ح 17.

(2) الكافي ج 6 ص 506 ح 11 ، الوسائل ج 1 ص 439 ب 86 ح 1.


فيما قلناه ، وكذا غيرها.

وثانيهما : إن محل البحث ومطرح الكلام هو أن لها الامتناع حتى تقبض المهر ، والذي دلت عليه هذه الأخبار هو الاكتفاء بدفع شي‌ء على جهة الهدية ، وأنه ليس لها الامتناع بعد ذلك ، وأحدهما غير الآخر ، وحينئذ فلا دلالة فيها على ما ادعوه.

وأما (ثالثا) فإن ما استند إليه من صحيحة الفضيل بن يسار وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج الدالتين على سقوط المهر بالدخول ، فمع أنهما لا إشعار فيهما بما نحن فيه كما ادعاه وسجل عليه بأنه إشعار واضح ، فالقول بما دلا عليه مرغوب عنه كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى في محله.

وكيف كان فما ادعاه من إشعارهما بما ذكره لا أعرف له وجها ، ولعل وجه الاشعار عنده بهذه العبارة التي نقلها من صحيحة الفضيل (1) وهي قوله : فالذي أخذت من الزوج قبل أن يدخل بها ، حل للزوج به فرجها من حيث الاشعار بتحريم الفرج على الزوج مع عدم الأخذ ، وإذا كان الفرج حراما بدون ذلك فلها الامتناع حينئذ قبل الأخذ ، وفيه ما عرفت من أن حل الفرج هنا إنما حصل بالعقد ، لا بدفع المهر كلا أو بعضا أو غيره من هدية ونحوها ، وهذا الكلام في جملة هذه الاخبار إنما خرج مخرج التجوز في الكناية عن استحباب تقديم المهر أو بعضه أو غيره من هدية ونحوها لا أنه محمول على ظاهره فإنه باطل اتفاقا إذ لا خلاف ولا إشكال في أن تحليل الفرج إنما حصل بالعقد ، وتؤيده الأخبار المتقدمة الدالة على جواز الدخول بها وإن لم يدفع إليها شيئا.

وأما (رابعا) فإن ما ذكره ـ من أنه يرشد إلى ذلك أن فائت المال يستدرك إلى آخره ـ بمعنى أنه يجب تقديم المهر إليها أولا لأنه لو امتنعت من تسليم

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 385 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 359 ح 22 ، الوسائل ج 15 ص 17 ح 13.


البضع يمكن استرجاعه منها ، بخلاف ما إذا قدمت البضع ودخل بها ، فإنه لا يمكن استدراكه إذا لم يدفع المهر.

فيه أنه أول المسألة ومحل البحث ، فإن الخصم يمنع ذلك ، ويقول : إن البضع هنا ليس بفائت ، بل هو تسليم للحق إلى مستحقه ، دفع الزوج المهر أم لم يدفع ، لأن الزوج قد ملك البضع بمجرد ، العقد ، كما أنها قد ملكت المهر في الصورة المفروضة كذلك ، وبما شرحناه وأوضحناه يظهر لك ما في قوله ، هذا هو الموافق للعدل والمأمور به من قوله «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (1) فإن فيه أن دعوى موافقته للعدل عدول عن المنهج الواضح ، بل الموافقة للعدل إنما تحصل بالجري على ما اقتضاه العقد من انتقال كل من العوضين إلى الآخر ، ووجوب تسليمه إليه من غير توقفه على شي‌ء ، وهذا هو المأمور به في قوله عزوجل «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» حيث إن قضية العقد انتقال البضع إلى الزوج والمهر إلى الزوجة ، فيجب على كل منهما الوفاء بما اقتضاه العقد من الانتقال على الوجه المذكور من غير توقف لأحدهما على الأخر ، وحينئذ فالآية عليه لا له ، وبالجملة فإن جميع ما لفقه في هذا المقام وزعم أنه دليل واضح فهو من جملة الأوهام التي لا يعرج عليها في الأحكام.

الثاني : الصورة الأولى بحالها ولكن الزوج معسر ، والمشهور أن الحكم فيها كما تقدم من جواز الامتناع لها حتى تقبض المهر ، وإنما الفرق بين الصورتين عندهم بالإثم وعدمه ، فإنه مع اليسار وطالبتها يأثم الزوج بالمنع ، وتستحق عنده النفقة ، وإن لم تسلم نفسها إذا بذلت التمكين بشرط تسليم المهر ، وأما مع إعساره فلا إثم عليه بالتأخير.

وفي استحقاق النفقة وجهان (2) وذهب ابن إدريس إلى أنه ليس لها الامتناع

__________________

(1) سورة المائدة ـ آية 1.

(2) أحدهما : العدم لانتفاء التمكين حيث انه معلق بأمر ممتنع عادة ، وهو اختيار الشهيد في شرح الإرشاد ، وثانيهما : انها تستحق النفقة كما في الموسر لاشتراكهما في بذل


مع الإعسار لمنع مطالبته ، فيبقى وجوب حقه بلا معارض ، واختاره السيد السند في شرح النافع ، وهو جيد ، واعترضه المحقق الشيخ علي ومثله الشهيد الثاني بأن منع المطالبة مع الإعسار لا يقتضي وجوب التسليم قبل دفع العوض ، ولأن النكاح نوع معاوضة ، فلا يجب تسليم أحد العوضين بدون الآخر ، وإلى ما ذكره يميل كلام شيخنا المحدث المعاصر المتقدم ذكره (1) حيث قال ـ في رد كلام ابن إدريس بناء على ما ذكره في المسألة السابقة ـ : إن الذي اقتضاه الدليل أمران ، أحدهما جواز الامتناع قبله ، والثاني جبره على تسليم المهر إليها إذا طلبته ، والإعسار إنما رفع الثاني ولا يستلزم رفع الأول.

وأنت خبير بعد الإحاطة بما أسلفناه ما في كلاميهما من النظر الظاهر ، ومن ثم مال إلى ما اخترناه في هذه المسألة وفي السابقة المولى الفاضل ملا محمد باقر الخراساني في كتاب الكفاية.

قال السيد السند في شرح النافع ـ بعد نقل كلام المحقق الشيخ علي المتقدم ـ ما صورته : وهو مدفوع بعموم ما دل على أنه يجب للزوجة طاعة الزوج خرج من ذلك ما إذا امتنع من تسليم المهر إليها مع يسار ، فيبقى ما عداه مندرجا في العموم ، انتهى.

واعترضه هنا أيضا شيخنا المحدث المذكور بأن فيه نظرا ، لأن مقتضى هذا الدليل يتناول المعسر والموسر معا ، وقد تقرر سابقا أن مقتضى النظر أن ليس

__________________

التمكين بشرط تسليم المهر ، وامتناع التسليم عادة ، ولا دخل له في الفرق سيما أنه يمكن الاجتماع بالعرض ونحوه ، وهو اختيار شيخنا الشهيد الثاني ـ قدس‌سره ـ في المسالك.

(منه ـ قدس‌سره ـ).

(1) هو شيخنا المحدث الصالح الشيخ عبد الله بن صالح البحراني ـ قدس‌سره ـ وشيخنا المعاصر الأخر الذي قدمنا ذكره أيضا انما هو من المجتهدين ، والإشارة بالمحدث قرينة إرادة الأول دون الأخر. (منه ـ قدس‌سره ـ).


لها الامتناع وإن عصى ، لعدم النص على ذلك ، وليس الإجماع عنده متحققا ، فما باله يرد كلام الشيخ بحجة لم يتحقق عنده ، فإما أن يقول الأصحاب مطلقا ، أو يخالفهم مطلقا ، فإن التفصيل مدخول ، والدليل معلول. انتهى ، وظني أن ما اعترضه به ـ رحمة الله عليه ـ لا وجه له.

أما (أولا) فلأن كلام السيد ـ رحمة الله عليه ـ في المسألة الاولى ليس بصريح في الجزم والفتوى بما ذكره بل علق على ثبوت الإجماع وعدمه ، فإن ثبت الإجماع على ما ادعوه كان الأمر على ما قالوه ، وإلا وجب المصير إلى ما ذكره ، ولم يصرح بأن الإجماع عنده متحقق أو غير متحقق ، بل الإجماع عنده في مقام الاحتمال ، فلذا جعل الحكم في قالب الإجمال.

و (ثانيا) إن كلامه هنا إنما جرى فيه على طريق المماشاة مع الأصحاب فيما ذكروه في تلك المسألة فإنه على تقدير صحة كلامهم في المسألة السابقة لا يتم إلحاق هذه بها ، وجعلها مثلها ـ كما ادعوه ـ لظهور الفرق بينهما بما ذكره من أن ما دل (1) على عموم إطاعة الزوجة للزوج وإن خصص في تلك المسألة بالإجماع المدعى على جواز امتناعها ، إلا أنه لا مخصص هنا له ، لعدم تحقق الإجماع في المسألة ، وهو كلام صحيح لا غبار عليه ، ولا يتطرق القدح بوجه من الوجوه إليه ، ثم إن شيخنا المحدث المذكور ، قال ـ بعد البحث في المسألة الذي من جملته ما نقلناه عنه ـ ما صورته : وعندي في كلا الحكمين توقف ، لعدم الظفر بشي‌ء من النصوص من أهل العصمة عليهم‌السلام فيها وقد أرجيت حكمها إلى العالم من أهل بيت محمد ـ عجل الله فرجه ـ ورددتها إلى الله ورسوله وإليه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ انتهى كلامه.

أقول : ما ذكره من التوقف ـ وإن كان لا يخلو من وجه ـ لعدم النص في المسألة على الخصوص ، إلا أن ما ذكره السيد السند المتقدم ذكره جريا على ما ذكره

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 513 ، الوسائل ج 14 ص 111 ب 79.


شيخه المحقق الأردبيلي ـ عطر الله مرقديهما ـ في المقام لا يخلو من قرب تام لما ذكرناه من أن مقتضى العقد انتقال البضع إلى الزوج ، وانتقال حق المهر في الصورة المفروضة إلى الزوجة ، وأنه لا دليل على توقف دفع أحدهما على الآخر إلا ما يدعى من الإجماع ، وقد عرفت ما فيه في غير موضع مما تقدم ، ولا سيما في بحث صلاة الجمعة من كتب العبادات ، وما يدعونه من أن النكاح من المعاوضات ، وفيه ما عرفت أيضا من عدم الدليل على الامتناع في المعاوضات ، ومع تسليم الدليل في المعاوضات ، فحمل النكاح عليها قياس لا يناسب أصول المذهب سيما مع اعترافهم بأنه ليس من المعاوضات الحقيقية كما تقدم ذكره ، وإنما له شبه بها في بعض الموارد ، ومجرد المشابهة لا يقتضي أن يكون من كل وجه ، وللأدلة الدالة على وجوب قيامها بحقوق الزوجية الواجبة عليها ، ووجوب إطاعته متى أرادها ، خرج من ذلك ما قام الدليل على خروجه ، وبقي الباقي وهذا منه ، حيث إنه لم يقم هنا دليل شرعي على العذر لها في الامتناع.

الثالث : الصورة الاولى وأن يكون المهر مؤجلا ، معسرا كان الزوج أو مؤسرا ، وقد قطع الأصحاب بأنه ليس لها الامتناع ، إذ لا يجب لها عليه شي‌ء فيبقى وجوب حقه عليها بلا معارض ، فيجب الوفاء بالعقد الواقع عن رضاها به ، والحكم هنا لا إشكال فيه ، وإنما الكلام فيما لو مضت المدة ولم يدخل بها لمانع من جهته كمرض أو غيبته أو نحوهما ، أو مانع من جهتها شرعي كالحج والمرض المانع من جميع أنواع الاستمتاع ، أو غير شرعي كما لو منعت نفسها عصيانا وأقدمت على فعل الحرام حتى انقضت المدة ، قالوا : في جواز امتناعها إلى أن تقبضه تنزيلا له منزلة الحال ابتداء ، وعدمه نظرا إلى استصحاب وجوب التمكين الثابت قبل الحلول وجهان : استجود السيد في شرح النافع الثاني ، وجعله الأقوى في شرح المسالك ، ونقله عن الشيخ في المبسوط قال : وتبعه عليه الأكثر.


أقول : والقول بجواز الامتناع منقول عن الشيخ في النهاية ، حيث أطلق جواز امتناعها حتى تقبض المهر الشامل لمحل النزاع ، أما بخصوص المسألة فلا نعلم به قائلا ، ولا ذكره أحد ممن تعرض لنقل الأقوال على ما صرح به في المسالك ، وإنما ذكره من ذكره وجها في المسألة واحتمالا.

ثم أقول : وعلى ما اخترناه وحققناه فلا وجه للوجه الأول ، إذ الواجب عليها بذل الطاعة وعدم جواز الامتناع سواء كان المهر حالا أو مؤجلا كما عرفت.

الرابع : الصورة الأولى ، إلا أنه قد دخل بها ، والمشهور أنه ليس لها الامتناع بعد ذلك ، وبه صرح الشيخ في الخلاف والمرتضى وأبو الصلاح ، واختار المحقق وجملة من المتأخرين ، قال في المسالك : وهو الأقوى عملا بمقتضى القواعد السابقة ، فإن المهر قد استقر بالوطء ، وقد حصل تسليمها نفسها برضاها ، ومتى سلم أحد المتعاوضين الذي قبله باختياره لم يكن له بعد ذلك حبسه ، وقيل بجواز الامتناع لها وهو خيرة الشيخ في النهاية والمبسوط والشيخ المفيد والقاضي ابن البراج ، وفرق ابن حمزة بين تسليم نفسها اختيارا ، فحكم بسقوط حقها من الامتناع ، وإكراها ، فجوز لها الامتناع لأنه بسبب الإكراه قبض فاسدا فلا يترتب عليه أثر القبض الصحيح ، ولأصالة بقاء الحق الثابت إلى أن يثبت المزيل.

أقول : وهذا التفصيل مبني على ما ذكره في المسالك من أنه هل يشترط في القبض وقوعه طوعا ، أم يكتفي به مطلقا؟ وجهان ، من حصول الغرض وانتفاء الضمان به كيف اتفق ، ومن تحريم القبض بدون الاذن ، فلا يترتب عليه أثر الصحيح ، قال : والحق أن بعض أحكام القبض متحققة كاستقرار المهر بالوطء كغيرها ، وبعضها غير متحقق قطعا كالنفقة ، ويبقى التردد في موضع النزاع حيث يدخل بها أكرها هل لها الامتناع بعده من الإقباض حتى تقبض المهر أم لا؟ انتهى.

وأنت خبير بأنه على ما حققه فإن الحكم بقي في قالب الاشتباه ، ثم لا يخفى


أن البحث هنا جار على ما مهدوه من الحكم يكون النكاح من قبيل المعاوضات التي يشترط فيها التقابض من الطرفين ، وأما على ما اخترناه فإنه لا ثمرة لهذا الخلاف لوجوب الطاعة عليها ، وبذل نفسها له متى طلبها ، سلم إليها المهر أو لم يسلمه ، دخل بها أو لم يدخل ، ثم إنه على تقدير تسليم ما ذكروه من البناء على تلك القاعدة ، فإنه يمكن أن يقال في بطلان القول

الثاني : إن مقتضى العمومات الدالة على وجوب التمكين متى طلبها وأرادها هو عدم جواز الامتناع ، خرج منه ما قبل الدخول بالإجماع المدعى إن تم ، فيبقى الباقي مندرجا تحت العمومات المذكورة.

وأما ما ذكره ابن حمزة ـ في صورة الإكراه من أنه قبض فاسد ، فلا يترتب عليه أثر القبض الصحيح ، ولأصالة بقاء الحق الثابت إلى أن يثبت المزيل ـ يمكن دفعه بأن العقد لما اقتضى استحقاق الزوج للبضع وملكه له ، ودلت الأخبار على وجوب إطاعة الزوجة لزوجها متى طلبها وأرادها مطلقا ، مع ما عرفت من عدم الدليل على التوقف على المهر ، فإن ما ذكره من فساد القبض ممنوع ، فإنه قبض حقه ، والاذن فيها غير شرط بعد ثبوت استحقاقه ، ووجوب الطاعة عليها ، والحق الذي أوجبه لها وهو الامتناع حتى تقبض المهر ممنوع ، لعدم الدليل عليه ، هذا هو مقتضى التحقيق بالنظر إلى الأدلة الشرعية والقوانين المرعية ، وما عداه فهو كما عرفت إنما تبنى على دعاوي عارية من الدليل ، لا تشفي العليل ولا تبرد الغليل وإن اشتهرت بينهم جيلا بعد جيل.

البحث الثاني : في التفويض ، وهو لغة الرد إلى الغير ، ومنه قوله «وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ» والإهمال ، ومنه قوله شعرا :

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم
 

 

ولا سراة إذا جهالهم سادوا
 

قال في كتاب المصباح (1) : وفوض إليه أمره تفويضا : أسلم أمره إليه ،

__________________

(1) المصباح المنير ص 662.


وفوضت المرأة نكاحها إلى الزوج حتى تزوجها من غير مهر ، وقيل : فوضت أي أهملت حكم المهر ، وهي مفوضة اسم فاعل ، قيل : مفوضة اسم مفعول لان الشرع فوض أمر المهر إليها في إثباته وإسقاطه (1) ، وقوم فوضى إذا كانوا متساوين لا رئيس لهم ، والمال فوضى بينهم أي مختلط من أراد منهم شيئا أخذه ، وكانت خيبر فوضى أي مشتركة بين الصحابة غير مقسومة ، انتهى.

والتفويض شرعا رد أمر المهر أو البضع إلى أحد الزوجين أو ثالث ، أو إهمال المهر في العقد وعدم ذكره بالمرة ، والأول منهما يسمى تفويض المهر ، والثاني تفويض البضع ، فالكلام هنا يقع في مطلبين :

الأول : في تفويض البضع ، وهو أن لا يذكر في العقد مهر ، مثل أن تقول هي زوجتك نفسي ، أو يقول وليها أو وكيلها زوجتك فلانة ، فيقول الزوج قبلت ، وتحقيق القول فيه يقع في موضعين :

الأول : لا خلاف بين الأصحاب في جواز إخلاء العقد من المهر ، وادعى عليه جماعة الإجماع ، وعليه تدل الآية والأخبار الكثيرة.

أما الآية فهي قوله عزوجل «لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً» (2) والتقريب فيها على ما ذكره بعض الأصحاب أن الظاهر أن المراد من الجناح المنفي هو المهر ، لأنه تعالى نفي الجناح إلى إحدى الغايتين ،

__________________

(1) أقول : لم أقف في الاخبار على هذه التسمية إلا في بعض أخبار تفويض المهر وهو ما رواه الشيخ في التهذيب عن أبى بصير «قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه‌السلام ـ عن الرجل يفوض اليه صداق امرأته فينقص عن صداق نسائها». الخبر ، وسيأتي ان شاء الله تعالى في المطلب الثاني ، وأما أخبار تفويض البضع فلم أقف في شي‌ء منها على هذه التسمية ولكن كلام أهل اللغة كما عرفت ظاهر فيه ، والأمر في ذلك سهل لا مضايقة فيه.

(منه ـ قدس‌سره ـ).

(2) سورة البقرة ـ آية 236 و 237.


وهي المسيس أو الفرض ، والثابت عند أحد هذين الأمرين هو المهر ، فإنه يجب بالجماع أو فرضه بعد إخلاء العقد منه.

أقول : ويشير إلى ذلك تتمة الآية من قوله سبحانه «وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ ، مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ ، وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً ، فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ» الآية ، فإنه تعالى حكم بالمتعة لتلك التي نفي الجناح عن طلاقها قبل المسيس والفرض ، ولا متعة لمن طلقها قبل الدخول إلا التي لم يسم لها مهرا ، ثم عقبها بالمطلقة قبل المسيس مع فرض المهر ، وبين حكمها وهو ظاهر أيضا في أن الاولى لم يفرض لها مهر في العقد.

وأما الأخبار فمنها ما رواه في الكافي (1) عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام في رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقا ثم دخل بها قال : لها صداق نسائها».

وعن عبد الرحمن المذكور (2) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل تزوج المرأة ولم يفرض لها صداقا فمات عنها أو طلقها قبل أن يدخل بها ، ما لها عليه؟ قال : ليس لها صداق وهي ترثه ويرثها».

وما رواه الشيخ (3) في الموثق عن منصور بن حازم قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام في رجل يتزوج امرأة ولم يفرض لها صداقا ، قال : لا شي‌ء لها من الصداق ، فإن كان دخل بها فلها مهر نسائها».

وعن الحلبي (4) في الصحيح قال : «سألته عن رجل تزوج امرأة فدخل بها

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 381 ح 10 ، التهذيب ج 7 ص 362 ح 29 ، الوسائل ج 15 ص 24 ح 3.

(2) الكافي ج 7 ص 133 ح 4 ، الوسائل ج 15 ص 78 ب 59 ح 1.

(3) التهذيب ج 7 ص 362 ح 30 ، الوسائل ج 15 ص 24 ب 12 ح 2.

(4) التهذيب ج 7 ص 362 ح 31 ، الوسائل ج 15 ص 24 ب 12 ح 1.


ولم يفرض لها مهرا ثم طلقها ، فقال : لها مهر مثل مهور نسائها ويمتعها».

وعن أبي بصير (1) قال : «سألته عن رجل تزوج امرأة فوهم أن يسمي لها صداقا حتى دخل بها ، قال : السنة ، والسنة خمسمائة درهم».

وعن أسامة بن حفص (2) وكان قيما لأبي الحسن موسى عليه‌السلام قال : «قلت له : رجل تزوج امرأة ولم يسم لها مهرا ، وكان في الكلام أتزوجك على كتاب الله وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله فمات عنها ، أو أراد أن يدخل بها ، فمالها من المهر؟ قال : مهر السنة ، قال : قلت : يقول أهلها : مهور نسائها ، قال : فقال هو مهر السنة» الحديث.

والوجه في صحة العقد ـ مع خلوه عن ذكر المهر ـ ما تقدم من أن المهر ليس من أركان عقد النكاح كالعوضين في البيع ونحوه من عقود المعاوضات وإنما الأركان فيه الزوجان خاصة ، وإن كان المهر لازما في الجملة ، ويتحقق التفويض بعدم ذكر المهر في العقد سواء أطلق ، أم شرط أن لا مهر عليه في الحال ، أو أطلق ، بأن قال لا مهر عليه ، فإن مرجع الجميع إلى أمر واحد ، لأن عدم ذكره في معنى نفيه في الحال ، وهو لا ينافي مقتضى التفويض ووجوبه في المئال. نعم لو صرح بنفيه في الحال والمئال على وجه يشمل ما بعد الدخول أو قال : قبل الدخول وبعده ، فالظاهر كما صرح به الأصحاب بطلان العقد ، لأن المعلوم من الأخبار أن وجوب المهر من مقتضيات عقد النكاح إما بالعقد أو بالوطء أو بالفرض ، فإذا شرط خلاف ذلك فقد شرط خلاف مقتضى العقد فيبطل.

ويدل على ذلك ما رواه الشيخ (3) عن زرارة في الصحيح قال : «سألته كم أحل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من النساء؟ قال : ما شاء من شي‌ء ، قلت : فأخبرني عن قول

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 362 ح 32 ، الوسائل ج 15 ص 25 ب 13 ح 2.

(2) التهذيب ج 7 ص 363 ح 33 ، الوسائل ج 15 ص 25 ب 13 ح 1.

(3) الكافي ج 5 ص 384 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 364 ح 41 ، الوسائل ج 15 ص 28 ب 19 ح 1.


الله عزوجل «وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ» (1) قال : لا تحل الهبة إلا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأما غيره فلا يصلح له نكاح إلا بمهر».

إذا عرفت ذلك فاعلم أن مجرد العقد في التفويض لا يوجب المهر ولا المتعة ، بل إنما يجب المتعة بالطلاق قبل الدخول ، ومهر المثل بالدخول ، ويجب أيضا ما يفرضانه ويتفقان عليه بالفرض قبل الدخول ، ولا فرق في وجوب مهر المثل بالدخول بين أن يطلقها أو لا يطلقها ، لأنه قد استقر بالدخول.

وأما ما يفرض قبل الدخول فإنه لو طلقها والحال كذلك فلها نصف المفروض كما دلت عليه الآية «فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ» (2).

ويدل على وجوب المتعة الآية المتقدمة ، للأمر فيها وهو للوجوب ، وحسنة الحلبي (3) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في رجل طلق امرأته قبل أن يدخل بها ، قال : عليه نصف المهر إن كان فرض لها شيئا ، وإن لم يكن فرض فليمتعها على نحو مما مثلها من النساء».

ولو مات أحد الزوجين قبل الدخول والطلاق ، فإن كان الموت قبل المرض فلا شي‌ء لها لانتفاء سبب الوجوب فإنه منحصر في الفرض والدخول.

وعليه تدل صحيحة الحلبي (4) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أنه قال في المتوفى عنها زوجها إذا لم يدخل بها : فإن لم يكن فرض لها مهرا فلا مهر لها ، وعليها العدة ولها الميراث». وهو يدل بمفهوم الشرط على ثبوت المهر المفروض إن كان فرضه.

__________________

(1) سورة الأحزاب ـ آية 50.

(2) سورة البقرة ـ آية 237.

(3) الكافي ج 6 ص 106 ح 3 ، التهذيب ج 8 ص 142 ح 92 ، الوسائل ج 15 ص 55 ح 7.

(4) التهذيب ج 8 ص 146 ح 104 ، الوسائل ج 15 ص 76 ب 58 ح 22.


وصحيحة زرارة (1) قال : «سألته عن المرأة تموت قبل أن يدخل بها ، أو يموت الزوج قبل أن يدخل بها ، قال : فقال : أيهما مات فللمرأة نصف ما فرض لها ، وإن لم يكن فرض لها فلا مهر لها».

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الجارية على هذا المنوال ، وقد اشتركت في الدلالة على عدم المهر مع موتها أو أحدهما إذا لم يفرض المهر لا في العقد ولا بعده ، واختلفت في استحقاق الجميع أو النصف لو فرض المهر ، وحصل الموت قبل الدخول ، وسيجي‌ء تحقيق ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى ، ثم إنه لا يخفى أن المفوضة وإن لم تستحق المهر بنفس العقد ولكنه حيث كان المهر لازما للنكاح كما عرفت وأنها ملكت بالعقد أن تملك المهر كما ذكروه ، فإن لها المطالبة بفرضه وتعيينه قبل الدخول لتعرف ما تستحق بالوطء أو الموت وما تشطر بالطلاق قبل الدخول أو الفسخ على القول بالتنصيف به ، ثم إن اتفقا على قدر معين صح ولزم ولم يكن لها غيره ، ولا فرق بين كونه بقدر مهر المثل أو أقل منه أو أكثر ، وليس لأحد منهما بعد الاتفاق الرجوع فيه مطلقا ، وإن اختلفا بأن فرض الزوج لها أقل مما ترضى به فإشكال ، ولم أقف في المقام على نص ، إلا أنهم ذكروا أنه إن كان مفروضة بقدر مهر السنة فصاعدا ففي لزومه من طرفها وجهان ينشئان من أنه لو فرض إليها التقدير لما كان لها الزيادة عليه ، وكذا الحاكم كما سيأتي ، ومن أن البضع يقتضي مهر المثل ، والخروج عنه في بعض الموارد على خلاف الأصل فيقتصر عليه ، وكون ذلك للحاكم ممنوع ، وإن كان أقل منه لم يقع بغير رضاها اتفاقا ، فحينئذ إن ترافعا إلى الحاكم فرض لها مهر المثل من غير زيادة ولا نقصان ما لم يتجاوز السنة فيرد إليها إن اعتبرنا ذلك في مهر المثل ، وإلا لم يتقيد بذلك قال في المسالك : وهو الأقوى. والمسألة لما عرفت محل توقف وإشكال.

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 119 ح 5 ، التهذيب ج 8 ص 148 ح 108 ، الوسائل ج 15 ص 73 ب 58 ح 7.


الموضع الثاني : قد صرح الأصحاب بأن المعتبر في مهر المثل بحال المرأة ، وفي المتعة بحال الزوج ، فالكلام هنا أيضا في موضعين :

(أحدهما) في مهر المثل ، والمراد به ما يبذل عادة في مقابل نكاح أمثالها ، والمراد بأمثالها من كان متصفا بمثل صفاتها وما هي عليه من الجمال والبكارة والشرف والثروة والعقل والأدب وحسن التدبير في المنزل ونحو ذلك ، وأضداد هذه الأشياء لأن ذلك مما يختلف به المهر اختلافا ظاهرا.

وفي الأخبار فسروا عليهم‌السلام مهر المثل هنا بمهور نسائها ، كما تقدم في رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله الاولى (1) ، وموثقة منصور بن حازم (2) وصحيحة الحلبي (3) ، وحينئذ فيجب تقييد ما ذكره الأصحاب ـ من مثلها ، وأن المراد به من شأنها في أوصافها ـ بمن كان من نسائها وأقاربها من الأب أو الأم للإطلاق (4) ، وهل يعتبر في أقاربها أن يكونوا من أهل بلدها؟ قولان ، قال السيد السند في شرح

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 381 ح 10 ، التهذيب ج 7 ص 362 ح 29 ، الوسائل ج 15 ص 24 ح 3.

(2) التهذيب ج 7 ص 362 ح 30 ، الوسائل ج 15 ص 24 ح 2.

(3) التهذيب ج 7 ص 362 ح 32 ، الوسائل ج 15 ص 24 ح 1.

(4) أي إطلاق نسائها شامل لمن كان من جهة الأب أو الأم حسبما هو المشهور ، وقال بان البراج : المعتبر من مهر المثل بنساء المرأة ، وهن من كان منهن من عصباتها كالأخت من جهة الأب والام وبناتها والعمة وبناتها وما أشبه ذلك ، وأما الأم وما هو من جهتها فلا يعتبر به في ذلك ، وقد كان الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي وغيره يعتبرون من ذلك ، والأقوى عندي ما ذكرته ، لأن المرأة لم الولد من عرض المسلمين تكون تحت الشريف النسب ، مثل الرجل يكون من ولد الحسن والحسين ـ عليهما‌السلام ـ فيتزوج بالمرأة من العامة ليس لها نسب ولا حسب ، فالمعتبر في نسائها من كان من عصبتها لما ذكرناه. انتهى ، ولا يخفى ما فيه على الفطن النبيه. (منه ـ قدس‌سره ـ).


النافع أظهرهما ذلك ، لأن المهر يختلف باختلاف البلدان اختلاف عظيما ، وفيه تأمل. وقيد جملة من الأصحاب ـ بل الظاهر أنه المشهور ـ الحكم بلزوم مهر المثل بما إذا لم يتجاوز مهر السنة وهي خمسمائة درهم ، وإلا رد إليها ، وادعى عليه فخر المحققين الإجماع ، مع أن والده في المختلف نقل الاختلاف في ذلك ، وحكى القولين ، ولم يرجح شيئا في البين قال بعد نقل جملة من الأقوال في المسألة : بقي هنا بحثان : (الأول) هل يعتبر البلد؟ قال بعض علمائنا به ، ويحتمل العدم (الثاني) أكثر الأصحاب على أنه لا يزيد على مهر السنة وهو خمسمائة درهم ، لما رواه أبو بصير (1) عن الصادق عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل تزوج امرأة فوهم أن أن يسمي صداقها» ـ الخبر ، وقد تقدم قريبا ـ ثم قال : وهو غير دال صريحا على المطلوب ، وقال بعض علمائنا : لا يتقدر بقدر ، لما دلت الأخبار المطلقة عليه. انتهى.

وربما أشعر ظاهره باختيار القول الأخير ، حيث إنه طعن في رواية أبي بصير التي استند إليه الأكثر بأنها غير دالة صريحا على المطلوب ولم يطعن في دليل الأخر ، وتوجيه ما أشار إليه في رد رواية أبي بصير وعدم دلالتها على القول المذكور ، وما ذكره شيخنا في المسالك قال ـ بعد نقل الرواية ـ : وفيها مع ضعف السند قصور الدلالة ، لأن الكلام في المفوضة ، ومورد الرواية ما إذا وهم أن يسمي صداقها ، وهو يقتضي كونه أراد التسمية فنسيها ، وهذا ليس من التفويض في شي‌ء ، وإن كان العقد قد وقع بصورة التفويض ، فجاز اختلاف الحكم لذلك ، ومن ثم ذهب بعض علمائنا إلى أن مهر المثل لا يتقدر بقدر لإطلاق الأخبار في ذلك ، ثم نقل رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، وموثقة منصور بن حازم وصحيحة الحلبي ، انتهى.

وبذلك يظهر لك أن الأظهر هو القول الآخر ، وأن القول المشهور بمحل من القصور.

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 362 ح 32 ، الوسائل ج 15 ص 25 ح 2.


ثم إنه لا يخفى أن مهر المثل قد حكموا به في مواضع عديدة غير هذا الموضع ، منها نكاح الشبهة ، والوطي في النكاح الفاسد والإكراه ، والتسمية الفاسدة ، وإذا نكح عدة نساء بمهر واحد كما تقدم كل منها في موضعه.

ولم يذكروا في شي‌ء من هذه المواضع هذا التقييد إلا في مسألة التفويض ، ووجه الشبهة في ذكره هنا دون تلك المواضع من حيث ذهاب معظم الأصحاب إلى التقييد وقصور دليله.

و (ثانيهما) في المتعة ، ومستحقها هي المفوضة إذا طلقها قبل الدخول وقبل أن يفرض لها فريضة ، والاعتبار فيها بحال الزوج في يساره وإعساره كما دلت عليه الآية (وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ» (1) وعلى ذلك تدل الأخبار.

ومنها ما رواه في الفقيه (2) عن محمد بن الفضيل عن الكناني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا طلق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها فلها نصف مهرها ، وإن لم يكن سمى لها مهرا فمتاع بالمعروف على الموسع قدره وعلى المقتر قدره» الحديث.

وما رواه في الكافي (3) عن أبي بصير قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل طلق امرأته قبل أن يدخل بها ـ إلى أن قال ـ وإن لم يكن فرض لها شيئا فليمتعها على مثل ما تمتع به مثلها من النساء».

وما رواه في الكافي (4) عن حفص بن البختري في الصحيح أو الحسن عن ابي عبد الله عليه‌السلام «في الرجل يطلق امرأته ، أيمتعها؟ قال : نعم أما يحب أن يكون من المحسنين ،

__________________

(1) سورة البقرة ـ آية 236.

(2) الفقيه ج 3 ص 326 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 55 ح 8.

(3) الكافي ج 6 ص 108 ح 11 ، التهذيب ج 8 ص 142 ح 92 ، الوسائل ج 15 ص 55 ح 7.

(4) الكافي ج 6 ص 104 ح 1 ، ح 1 ، التهذيب ج 8 ص 140 ح 86 ، الوسائل ج 15 ص 55 ح 5.


أما يحب أن يكون من المتقين».

وما رواه في التهذيب (1) عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أن متعة المطلقة فريضة».

وما رواه في الفقيه (2) قال : وفي رواية البزنطي «أن متعة المطلقة فريضة».

وما رواه في الفقيه (3) عن ابن رئاب عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «متعة النساء واجبة ، دخل بها أو لم يدخل ، وتمتع قبل أن تطلق».

وما رواه في الكافي (4) عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في قول الله عزوجل «وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ» (5) قال : متاعها بعد ما تنقضي عدتها على الموسع قدره وعلى المقتر قدره ، وكيف يمتعها وهي في عدتها ترجوه ويرجوها ، ويحدث الله بينهما ما يشاء ، وقال : إذا كان الرجل موسعا عليه يمتع امرأته بالعبد والأمة ، والمقتر يمتع بالحنطة والزبيب والثوب والدراهم ، وإن الحسن ابن علي عليهما‌السلام متع امرأة له بأمة ، ولم يطلق امرأة إلا متعها».

وما رواه في الكافي والتهذيب (6) عن أبي بصير قال : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : أخبرني عن قول الله عزوجل «وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ» ما أدنى ذلك المتاع إذا كان معسرا لا يجد؟ قال : خمار وشبهه».

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 105 ح 2 ، التهذيب ج 8 ص 141 ح 89 ، الوسائل ج 15 ص 54 ح 2.

(2) الفقيه ج 3 ص 327 ح 3 ، الوسائل ج 15 ص 56 ح 9.

(3) الفقيه ج 3 ص 328 ح 10 ، الوسائل ج 15 ص 59 ح 1.

(4) الكافي ج 6 ص 105 ح 3 ، الوسائل ج 15 ص 59 ح 2 و 3.

(5) سورة البقرة ـ آية 241.

(6) الكافي ج 6 ص 105 ح 5 ، التهذيب ج 8 ص 140 ح 85 مع اختلاف يسير الوسائل ج 15 ص 57 ح 2.


قال في الفقيه (1) : وروي أن الغني يمتع بدار أو خادم ، والوسط يمتع بثوب ، والفقير يمتع بدرهم أو خاتم ، وروي أن أدناه خمار وشبهه.

وما رواه في التهذيب (2) عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يريد أن يطلق امرأته قبل أن يدخل بها ، قال : يمتعها قبل أن يطلقها فإن الله تعالى قال «وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ» (3).

وعن محمد بن مسلم (4) في الصحيح عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يطلق امرأته ، قال : يمتعها قبل أن يطلق ، فإن الله تعالى يقول (وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ)».

وما رواه في كتاب قرب الاسناد (5) عن ابن الوليد عن ابن بكير قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل «وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ» ما قدر الموسع والمقتر؟ قال : كان علي بن الحسين عليه‌السلام يمتع بالراحلة».

وروى هذا الخبر العياشي في تفسيره (6) وزاد «يعني حملها الذي عليها». وظاهره أن المتعة إنما هو الحمل لا أصل الراحلة ، فهو على حذف مضاف مثل وسأل القرية.

وفي كتاب الفقيه الرضوي (7) «كل من طلق امرأته من قبل أن يدخل بها

__________________

(1) الفقيه ج 3 ص 327 ح 4 و 5 ، الوسائل ج 15 ص 57 و 58 ح 3 و 4.

(2) التهذيب ج 8 ص 141 ح 88 ، الوسائل ج 15 ص 54 ح 4.

(3) سورة البقرة ـ آية 236.

(4) التهذيب ج 8 ص 142 ح 91 ، الوسائل ج 15 ص 54 ح 1.

(5) قرب الاسناد ص 81.

(6) تفسير العياشي ج 1 ص 124 ، الوسائل ج 15 ص 58 ح 5.

(7) فقه الرضا ص 242 ، مستدرك الوسائل ج 2 ص 610 ب 33 ح 5 وص 611 ب 34 ح 5.


فلا عدة عليها منه ، فإن كان سمى لها صداقا فلها نصف الصداق ، فإن لم يكن سمى لها صداقا فلا صداق لها ولكن يمتعها بشي‌ء قل أم كثر على قدر يساره ، فالموسع يمتع بخادم أو دابة ، والوسط بثوب ، والفقير بدرهم أو خاتم ، كما قال الله تبارك وتعالى «وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ ، وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ».

وتمام الكلام في المقام يتوقف على بيان أمور :

الأول : المفهوم من ظاهر الآية وأكثر الأخبار هو انقسام حال الزوج إلى قسمين ، اليسار والإعسار ، والمشهور في كلام الأصحاب زيادة قسم ثالث وهو المتوسط ، وعليه يدل كلام الرضا عليه‌السلام في كتاب الفقيه الرضوي ، ومرسلة الصدوق المتقدمة ، والظاهر أنها من الكتاب فإنها عين عبارته ، ولا ريب أنها منه حسب ما تقدم بيانه في غير مقام ، سيما في كتب العبادات ، والظاهر كما استظهره في المسالك أن مرجع الثلاثة الأقسام المذكورة إلى القسمين المذكورين ، لأن القسم الثالث الذي هو الوسط بعض أفراده ما يلحق بالأعلى ، وبعضها ما يلحق بالأسفل ، فهو لا يخرج منهما ، ومن ثم أنه عليه‌السلام في كتاب الفقه بعد أن ذكر الأقسام الثلاثة استدل عليه بالآية التي ظاهرها إنما هو التقسيم إلى قسمين ، وما ذاك إلا من حيث ما ذكرنا.

الثاني : قال المحقق في النافع : فالغني يمتع بالثوب المرتفع وعشرة دنانير وأزيد ، واعترضه السيد السند في شرحه بأنه لم يقف على مستنده ، قال : وزاد في الشرائع الدابة أيضا ، وهو كالذي قبله ، ثم قال : والأجود اتباع ما ورد به النقل ، وهو أن الغني يمتع بالعبد أو الأمة أو الدار ، والفقير بالحنطة والزبيب والخاتم والثوب والدرهم فما فوق.

أقول : الظاهر أن ما ذكره في هذه الأخبار التي قدمناها من ذكر هذه الأشياء المعدودة إنما خرج مخرج التمثيل لا الحصر ، وكلام الأصحاب في عد هذه الأشياء الغير المنصوصة إنما هو بناء على ما ذكرناه ، ويشير إلى ذلك قول


الرضا عليه‌السلام في كتاب الفقه الرضوي (1) المذكور «يمتعها بشي‌ء قل أم كثر على قدر يساره». ويؤيد ذلك أيضا إطلاق الآية ، وأما ما ذكره ـ من أن المحقق في الشرائع ذكر الدابة وهي غير موجودة في النصوص ـ فالجواب عن ذلك ما عرفت مع أنها مذكورة في كتاب الفقه الرضوي فلعله وإن لم يقف على الكتاب المذكور إلا أنه تبع من عد الدابة لورودها في هذا الكتاب كالشيخ علي بن بابويه والشيخ المفيد ونحوهم ، والمحقق تبعهم في عدها.

الثالث : الظاهر أنه لا خلاف في وجوب المتعة هنا للآية والروايات المتقدمة ونحوها المشتملة على الأمر بها الذي هو حقيقة في الوجوب وفي بعضها أنها فريضة ، وظاهر جملة من الأخبار المتقدمة أنها قبل الطلاق كرواية أبي حمزة (2) وصحيحة محمد بن مسلم (3) ورواية زرارة (4) المنقولة في الفقيه ، إلا أن رواية الحلبي (5) المنقولة في الكافي صريحة في أن المتعة إنما هي بعد أن تنقضي عدتها معللا ذلك بأنها في العدة ترجوه ويرجوها ، والجمع بين هذه الأخبار لا يخلو من إشكال ، ولا يحضرني الآن وجه يعتمد عليه في ذلك ، هذا على تقدير ما دلت عليه الأخبار من ثبوت المتعة للمدخول بها ، وأما على ما ذكره الأصحاب من تخصيصها بغير المدخول بها فالظاهر أنها قبل الطلاق ، كما هو ظاهر هذه الأخبار ، ولم أقف على من ذكر هذا الحكم من الأصحاب ، بل ظاهرهم وجوب دفع ذلك وإن كان بعد الطلاق ، ولعل مستندهم الإطلاق في أكثر الأخبار ، إلا أن مقتضى القاعدة بعد ورود هذه

__________________

(1) فقه الرضا ص 242 ، مستدرك الوسائل ج 2 ص 610 ب 33 ح 5.

(2) التهذيب ج 8 ص 141 ح 88 ، الوسائل ج 15 ص 54 ح 4.

(3) التهذيب ج 8 ص 142 ح 91 ، الوسائل ج 15 ص 54 ح 1.

(4) الفقيه ج 3 ص 328 ح 10 ، الوسائل ج 15 ص 59 ب 50 ح 1.

(5) الكافي ج 6 ص 105 ح 3 ، التهذيب ج 8 ص 139 ح 83 ، الوسائل ج 15 ص 59 ب 50 ح 2 و 3.


الأخبار بالتقييد هو حمل المطلق على المقيد.

الرابع : قد عرفت مما قدمنا في صدر هذه المسألة أن مستحق المتعة هي المطلقة على الوجه المتقدم ، فلو حصلت البينونة بينهما بغيره من فسخ أو موت أو لعان أو غير ذلك من قبله أو من قبلها أو منهما فلا مهر ولا متعة للأصل ، وهذا هو المشهور ، وقوى الشيخ في المبسوط ثبوتها بما يقع من قبله من طلاق أو فسخ أو من قبلهما ، دون ما كان من قبلها خاصة ، وقوى في المختلف وجوبها في الجميع.

قال في المبسوط : الفراق أربعة أضرب : إما أن يكون من جهته بطلاق أو لعان أو ردة أو إسلام ، فإن كان بالطلاق فلها المتعة لعموم الآية ، وإن كان باللعان أو بالارتداد أو الإسلام قال قوم : تجب المتعة ، لأن الفراق من قبله ، وهو الذي يقوى في نفسي ، ولو قلنا لا يلزمه متعة ـ لأنه لا دليل عليه ـ لكان قويا.

وإما من جهتها بارتداد أو إسلام أو بعتق تحت عبد فتختار نفسها ، أو تجد به عيبا فتفسخ ، أو يجد بها عيبا فإنه وإن كان الفاسخ هو ، فهي المدلسة ، فالكل من جهتها ، ولا متعة في ذلك كله ، فأما امرأة العنين فلو شاءت أقامت معه ، وقال قوم : لها متعة ، وقال آخرون : لا متعة لها وهو الصحيح.

وأما إن جاءت الفرقة من جهتهما معا كالخلع وهو كالطلاق يجب المتعة.

وأما من جهة أجنبي بأن ترضعها امه فهو كالخلع المغلب فيه حكم الزوج ، لأنه يعود إليه بها قبل الدخول نصف المهر ، فكأنه طلقها هو ، فعليه المتعة.

قال في المختلف ـ بعد نقل ذلك عنه ـ وهذا الكلام يدل على تردده في إيجاب المتعة باللعان وشبهه ، والوجه عندي الوجوب ، وكذا في زوجة العنين لما تقدم في الأول ، ولوجوب نصف المهر في الثاني ، انتهى.

والشيخ في الخلاف قد وافق القول المشهور ، فقال : كل فرقة تحصل بين الزوجين سواء كان من قبله أو من قبلها أو من قبل أجنبي أو من قبلهما فلا يجب بها المتعة إلا الطلاق فحسب ، وبه قال ابن إدريس وجل من تأخر عنه وهو


الأظهر ، لدلالة الآية والأخبار المتقدمة ، على أن ذلك في الطلاق مع تأيدها بالأصل ، وحمل غيره عليه بمجرد المشابهة قياس لا يوافق أصول المذهب.

الخامس : الظاهر من كلام الأصحاب هو اختصاص المتعة بغير المدخول بها كما قدمناه في عنوان المسألة ، وعليه تدل أكثر أخبار المسألة المتقدمة ، إلا أن جملة من الأخبار قد دلت على ثبوتها للمدخول بها أيضا كرواية زرارة (1) وقوله فيها «متعة النساء واجبة دخل بها أو لم يدخل» ، ورواية الحلبي (2) لقوله فيها «متاعها بعد ما تنقضي عدتها ، إلى أن قال : وكيف يمتعها وهي في عدة ترجوه ويرجوها». فإنه ظاهر في المدخول بها إذ لا عدة على غير المدخول بها إجماعا نصا وفتوى ، وصحيحة الحلبي (3) قال : «سألته عن رجل تزوج امرأة فدخل بها ولم يفرض لها مهرا ثم طلقها ، فقال : لها مهر مثل مهور نسائها ويمتعها». وهي صريحة في مجامعة المتعة للمهر.

والشيخ قد حمل هذه الأخبار على الاستحباب ، وتبعه الجماعة ، ولا يخفى بعد سيما مع قوله في رواية زرارة «واجبة دخل بها أو لم يدخل» والمسألة لا تخلو من توقف وإشكال والاحتياط فيها مطلوب على كل حال.

السادس : لا إشكال في صحة التفويض من البالغة الرشيدة الغير المولى عليها ، لأن الحق في ذلك لها ، وأمر نكاحها بيدها ، تختار ما تريد من الوجوه الصحيحة ، ومنها التفويض وإنما الكلام في المولى عليها بجميع أنواعها ، فهل للولي أن يزوجها مفوضة أم لا؟ قولان : (أحدهما) صحة التفويض كغيرها ، فعلى هذا ليس لها بعد الطلاق وقبل الفرض أو الدخول إلا المتعة.

__________________

(1) الفقيه ج 3 ص 328 ح 10 ، الوسائل ج 15 ص 59 ب 50 ح 1.

(2) الكافي ج 6 ص 105 ح 3 ، التهذيب ج 8 ص 139 ح 83 ، الوسائل ج 15 ص 59 ب 50 ح 2 و 3.

(3) التهذيب ج 7 ص 362 ح 31 ، الوسائل ج 15 ص 24 ح 1.


و (الثاني) صحة العقد ، وأن الثابت لها مهر المثل بمجرد العقد ولا تفويض ، وعلى هذا فبالطلاق ينتصف المهر.

وأنت خبير بأن إطلاق الأخبار المتقدمة الواردة في التفويض شامل للتفويض من الزوجة والولي ، مثل قولهم في تلك الأخبار «رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقا» ونحو ذلك من العبارات ، وحينئذ فإذا صح التفويض من الولي كما هو أحد القولين المذكورين ترتب عليه أحكام التفويض ، والقائل بوجوب مهر المثل هنا إنما علله بأن تصرف الولي منوط بمهر المثل وثمن المثل ، لأن النكاح يلحق بالمعاوضات فيجب مراعاة عوض البضع ، فإذا فرض دون مهر المثل وقع فاسدا ، فوجب مهر المثل كما لو فسد المهر بغيره.

وفيه أنك قد عرفت ما في قياس النكاح على المعاوضات ، وأنه متى كانت الأخبار شاملة لهذا الفرد ، فالتفصيل الذي اشتملت عليه ـ بأنه إن دخل بها فلها مهر المثل أو فرض لها فرضا فهو ما فرضه ، وإلا فالمتعة إن وقع الطلاق بدون أحد الأمرين ـ جار فيه. والله العالم بأحكامه ونوابه القائمون بمعالم حلاله وحرامه.

المطلب الثاني : في تفويض المهر ، وهو كما تقدمت الإشارة إليه أن يذكر في العقد مجملا ، ويفوض تعيينه إلى أحد الزوجين ولا خلاف بين أصحابنا في جوازه ، وأخبارهم دالة عليه ، وإنما خالف فيه العامة ، فحكموا بأن المهر الواقع على هذه الكيفية فاسد ، فيكون الكلام فيه على قياس المهر الفاسد من من الرجوع إلى مهر المثل.

وتحقيق الكلام في هذه المطلب يتوقف على نقل الأخبار الواردة في المقام ، ثم الكلام فيما دلت عليه من الأحكام.

فمنها ما رواه في الكافي والتهذيب (1) في الحسن عن الحسن بن زرارة عن

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 379 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 365 ح 43 ، الوسائل ج 15 ص 31 ح 1.


أبيه قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل تزوج امرأة على حكمها ، قال : لا تجاوز بحكمها مهر نساء آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله اثنتي عشرة أوقية ونش ، وهو وزن خمسمائة درهم من الفضة ، قلت : أرأيت إن تزوجها على حكمه ورضيت بذلك ، فقال : ما حكم به من شي‌ء فهي جائز عليهما قليلا كان أو كثيرا ، قال : فقلت له : كيف لم تجز حكمها عليه وأجزت حكمه عليها؟ قال : فقال : لأنه حكمها فلم يكن لها أن تجوز ما سن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وتزوج عليه نساءه فرددتها إلى السنة ، ولأنها هي حكمته وجعلت الأمر إليه في المهر ورضيت بحكمه في ذلك فعليها أن تقبل حكمه قليلا كان أو كثيرا».

قال بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين بعد ذكر هذا الخبر : الحكم إجماعي والتفصيل والفرق غير واضح ، ولعله يرجع إلى أنه لما حكمها فلو لم يقدر لها حد فيمكن أن تجحف وتحكم بما لا يطيق ، فلذا حد لها ، ولما كان خير الحدود ما حده رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جعل ذلك حده ، انتهى.

ومنها ما رواه المشايخ الثلاثة (1) عن محمد بن مسلم في الصحيح عن أبي جعفر عليه‌السلام «في رجل تزوج امرأة على حكمها أو على حكمه فمات أو ماتت قبل أن يدخل بها ، قال : لها المتعة والميراث ، ولا مهر لها ، قلت : فإن طلقها وقد تزوجها على حكمها؟ قال : إذا طلقها وقد تزوجها على حكمها لم يتجاوز بحكمها عليه أكثير من وزن خمسمائة درهم فضة مهور نساء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قوله «أكثر من وزن خمسمائة درهم». هكذا في الكافي والفقيه ، وفي التهذيبين «لم يتجاوز بحكمها على خمسمائة درهم» وهو الصواب.

وما رواه في من لا يحضره الفقيه (2) عن صفوان بن يحيى في الصحيح عن أبي جعفر

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 379 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 365 ح 44 ، الفقيه ج 3 ص 262 ح 34 ، الوسائل ج 15 ص 32 ح 2.

(2) الفقيه ج 3 ص 262 ح 35 ، الوسائل ج 15 ص 32 ب 21 ح 3.


ـ يعني الأحوال ـ قال : «قلت لأبي بعد الله عليه‌السلام : رجل تزوج امرأة بحكمها ثم مات قبل أن تحكم ، قال : ليس لها صداق وهي ترث».

ورواه في الفقيه (1) أيضا عن البزنطي عن عبد الكريم بن عمرو عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام.

وما رواه في التهذيب (2) عن أبي بصير قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يفوض إليه صداق امرأته ، فينقص عن صداق نسائها ، قال : يلحق بمهر نسائها». وحمله الشيخ في كتابي الأخبار على ما إذا فوض إليه على أن يجعله مثل مهر نسائها.

قال في الوافي : وبعده لا يخفى ، والصواب حمله على ما هو الأولى وإن لم يلزمه أكثر مما أوفي. انتهى وهو جيد.

إذا عرفت ذلك فالكلام هنا يقع في مواضع :

الأول : الظاهر من الأخبار المذكورة هو اختصاص تفويض تقدير المهر بأحد الزوجين ، وهو المتفق عليه ، وقيل بجواز التفويض إليهما معا ، واختاره في المسالك. وقيل بجوازه إلى أجنبي ورده في المسالك ، قال ـ رحمه‌الله ـ في الكتاب المذكور : ويفوض تقديره إلى أحد الزوجين ، وعليه اقتصر المصنف أو إليهما معا ولا إشكال في جوازه أيضا ، وألحق بعضهم جعله للأجنبي غيرهما ، لأنه وإن لم يكن منصوصا بخصوصه ، إلا أنه في معنى التوكيل وقد تراضيا عليه ، ولعموم قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (3) «المؤمنون عند شروطهم». ووجه المنع أن المهر حق يتعلق بالزوجين فلا يتعدى إلى غيرهما بغير إذن شرعي وهذا أجود ، انتهى.

وفيه أن ما أورده على هذا القول وارد عليه فيما ذهب إليه من جعل الاختيار إليهما معا مع أن الوارد في النصوص إنما هو التفويض إلى أحدهما ،

__________________

(1) الفقيه ج 4 ص 229 ح 3 ، الوسائل ج 17 ص 529 ح 3.

(2) التهذيب ج 7 ص 366 ح 45 ، الوسائل ج 15 ص 32 ح 4.

(3) التهذيب ج 7 ص 371 ح 66 ، الوسائل ج 15 ص 30 ح 4.


فالخروج عنه إلى كل من الفردين الآخرين يكون بغير إذن شرعي ، وهو قد منع من التعدي إلا بإذن شرعي بل يمكن أن يدعى أن المنع هنا أظهر منه في الأجنبي ، لأن التفويض إليهما معا مظنة النزاع والاختلاف ، ثم إنه قال في المسالك بناء على ما اختاره من التفويض إليهما معا وتفويضه إلى الزوجين معا يتوقف على اتفاقهما معا عليه كاتفاقهما على فرضه في القسم الأول ، فإن اختلفا قال الشيخ في المبسوط : وقف حتى يصطلحا. وتبعه العلامة ، ولم يذكروا الرجوع هنا إلى الحاكم ، ولو قيل به كان حسنا ، لوجود المقتضي فيهما مع اشتراكهما في عدم النص على الخصوص ، انتهى.

أقول : هذا ما أشرنا إليه آنفا من مفسدات هذا القول ، فإنه لو لم يتفقا بالكلية يلزم الحرج والعسر المنفيين بالآية والرواية ، وكلما أدى إليهما يكون باطلا ، وما اختاره من الرجوع إلى الحاكم بمجرد تخرج لا دليل عليه ، نعم لو كان أصل الحكم مما ثبت بالدليل فلا بأس بما ذكره إلا أن الأصل غير ثابت كما اعترف به. وبالجملة فالأظهر هو الوقوف على مورد النصوص.

الثاني : المفهوم من الأخبار المذكورة أن المهر متى فوض تقديره إلى الزوج كان له الحكم بما شاء من قليل أو كثير ، فلا تقدير له في طرف الكثرة ، ومتى فوض إلى الزوجة لم يتقدر في طرف القلة ، ويتقدر في طرف الكثرة بمهر السنة ، فلا يمضي حكمها فيما زاد عليه ، والظاهر أنه لا خلاف فيه بين الأصحاب أيضا ، إذا لم ينقل في المسألة خلاف فيما أعلم ، ويظهر من السيد السند في شرح النافع المناقشة في الدليل حيث إنه استدل على الحكم المذكور برواية الحسن بن زرارة ، ثم طعن فيها من حيث السند باشتماله على الحسن بن زرارة وهو مجهول ، وأن ما تضمنه من تعليل الفرق غير واضح ، فإنه فرق بنفس الدعوى.

وفيه أن الحسن بن زرارة وإن لم يذكر في كتب الرجال كما ذكره إلا أن مدح الصادق عليه‌السلام له ولأخيه الحسين في الحديث الصحيح الذي ورد في حق


أبيه كما رواه الكشي مما يوجب عد حديثه في الحسن ، حيث قال عليه‌السلام : ولقد أدى إلى ابناك الحسن والحسين رسالتك أحاطهما الله وكلأهما ورعاهما وحفظهما بصلاح أبيهما. إلى آخره ، ولذا قال شيخنا المجلسي في رسالته الوجيزة في الرجال إنه مهمل على المشهور ، ممدوح على الظاهر.

وأما الطعن في المتن بما ذكره من عدم وضوح الفرق ، فغير مضر بالمقصود من الاستدلال بالخبر.

الثالث : قد ذكر الأصحاب أنه لو طلقها قبل الدخول وقبل الحكم ألزم من إليه الحكم أن يحكم ، وكان لها النصف مما حكم به ، ولو كانت الحاكمة هي المرأة وحكمت بما يزيد على مهر السنة ، فالواجب هو نصف مهر السنة لما تقدم من بطلان ما زاد عليه ، ولو كان الحكم بعد الدخول فالواجب هو جميع ما يحكم به الحاكم لأنه مقتضى العقد ، وقد استقر بالدخول ولا موجب لتنصيفه.

ويشير إلى هذه الصورة قوله عليه‌السلام في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة «فإن طلقها ، وقد تزوجها على حكمها لم تتجاوز بحكمها على خمسمائة درهم» الحديث. والرواية وإن كان موردها كون الحاكم هو المرأة إلا أنه لا قائل بالفرق ، والأصل بقاء الحكم حتى يحكم الحاكم أيهما كان ، والحكم بالتنصيف بالطلاق وإن لم يتضمنه هنا روايات المسألة إلا أنه مستفاد من أدلة أخرى.

الرابع : اختلف الأصحاب فيما لو مات الحاكم قبل الحكم وقبل الدخول ، فالمشهور بينهم ومنهم الشيخ في النهاية وابن البراج وابن حمزة والصدوق في المقنع والعلامة في المختلف وولده في الشرح والشهيد في شرح الإرشاد أن لها المتعة وعلى هذا القول تدل صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة ، وربما قيل : إن الرواية غير صريحة الدلالة على المطلوب لأن قوله «فمات أو ماتت» محتمل لكون الميت هو الحاكم ، أو كونه المحكوم عليه ، ومع قيام الاحتمال يبطل الاستدلال.

ورد بأنه لا ريب أن الظاهر منها كون الميت هو الحاكم ، لأنه الأقرب


والمحدث عنه ، ولأنه عليه‌السلام في آخر الحديث ذكر أن الحكم لا يسقط بالطلاق مع بقاء الحاكم ، وإذا لم يسقط بالطلاق لم يسقط بالموت بطريق أولى.

قال في المسالك في الجواب عن الاحتمال المذكور : لأنا نقول : لفظها وإن احتمل ذلك بمجرده إلا أن فيها ما ينفي كون الميت المحكوم عليه ، لأنه ذكر فيها أن المحكوم عليه لو مات قبل الحكم لا يبطل الحكم ، ويحكم الحاكم بعد ذلك ، ويثبت ما يحكم به ، وإذا كان الطلاق لا يسقط الحق مع بقاء الحاكم فلأن لا يسقط مع موت أحدهما مع بقائه أولى ، ووجه الأولوية بقاء حكم الزوجية بالموت دون الطلاق ، ولا يضر اختلاف الحق حيث إنه هنا المتعة ، وهناك المهر المحكوم به ، لاشتراكهما في أصل الاستحقاق ، وإن فرق النص بينهما في المقدار ، وأيضا فموت المحكوم عليه خارج بالإجماع ، على أنه لا أثر له في وجوب المتعة ، فيبقى الآخر. انتهى المقصود من كلامه ، وفيه زيادة في إيضاح الحكم على ما نقلناه.

وذهب العلامة في القواعد إلى ثبوت مهر المثل ، وعلله بأنه هو قيمة البضع حيث لم يتعين غيره ، وبأن المهر مذكور ، غايته أنه مجهول ، فإذا تعذرت معرفته وجب الرجوع إلى مهر المثل.

ورد الأول بأن الزوج لم يتحقق منه الدخول ليثبت عليه عوض البضع ، والثاني بأنه نفس المدعى ، فكيف يجعل دليلا عليه مع أنهما معارضان بالنص الصحيح المتقدم.

قال السيد السند في شرح النافع : وحكى الشيخ في المبسوط في هذه المسألة قولا بلزوم مهر المثل وقواه ، واختاره العلامة في القواعد واستدل له ثم ذكر الدليل المتقدم.

أقول : إن كتاب المبسوط لا يحضرني الآن ، ولكن الذي نقله العلامة عن المبسوط لا يساعد ما ذكره ، بل هو على خلافه ، حيث نقل عنه إنه قال : لو مات


أحدهما فقولان : أحدهما أن لها مهر مثلها ، والثاني لا مهر لها ، وهو الصحيح عندنا ، وفيه خلاف ، هذه صورة ما نقله في المختلف عنه ، ومع ذلك فإن الشهيد الثاني في المسالك بعد أن نقل عن المختلف ما ذكرناه ، وكذا عن الشهيد في شرح الإرشاد ، اعترضهما بأن في هذا النقل نظرا لأن الشيخ إنما ذكر هذه العبارة والخلاف المذكور في مفوضة البضع ، وأما مفوضة المهر فلم يذكر حكم موت الحاكم فيها أصلا.

وذهب ابن إدريس إلى عدم ثبوت شي‌ء مع موت الحاكم قبل الحاكم قال : لو مات الحاكم قبل الدخول وقبل الحكم لم يثبت للزوجة مهر ولا متعة كمفوضة البضع ، لأن مهر المثل ، إنما يجب بالدخول ، والمتعة إنما تجب بالطلاق ، والأصل براءة الذمة : وإلحاق الموت بالطلاق قياس ، وإلى هذا القول ذهب الشيخ في الخلاف وابن الجنيد أيضا ، والخبر الصحيح حجة على من عدا ابن إدريس ، فإنه بمقتضى أصوله الغير الأصيلة لا يلزمه القول به ، والله العالم.

البحث الثالث : في اللواحق وفيه مسائل :

الاولى : المشهور بين الأصحاب أن المهر كلا أو بعضا لا يسقط بالدخول لو لم تقبضه بل يكون دينا عليه ، طالت المدة أم قصرت ، طالبت أم لم تطالب ، ويدل عليه ظاهر قوله عزوجل «وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً» (1).

ومن الأخبار الدالة على ذلك ما رواه في الكافي (2) في الصحيح أو الحسن عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يتزوج المرأة على الصداق المعلوم ، فيدخل بها قبل أن يعطيها؟ فقال : يقدم إليها ما قل أو كثر إلا أن يكون له وفاء من عرض إن حدث به حدث ادي عنه فلا بأس».

__________________

(1) سورة النساء ـ آية 4.

(2) الكافي ج 5 ص 413 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 358 ح 18 ، الوسائل ج 15 ص 13 ح 1.


وعن عبد الحميد بن عواض (1) في الموثق قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يتزوج المرأة فلا يكون عنده ما يعطيها فيدخل بها؟ قال : لا بأس إنما هو دين عليه لها».

وعن غياث بن إبراهيم (2) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في الرجل يتزوج بعاجل وآجل؟ قال : الأجل إلى موت أو فرقة».

وما رواه الشيخ في التهذيب (3) عن عبد الحميد الطائي قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أتزوج المرأة وأدخل بها ولا أعطيها شيئا؟ قال : نعم يكون دينا عليك».

ورواه الكليني (4) في الحسن عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن عبد الحميد.

وعن عبد الحميد بن عواض (5) في الموثق قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : المرأة أتزوجها أيصلح أن أواقعها ولم أنقدها من مهرها شيئا؟ قال : نعم إنما هو دين عليك».

ورواه الكليني (6) أيضا مثله.

وعن عمرو بن خالد عن زيد بن علي (7) عن آبائه عن علي عليه‌السلام «أن امرأة أتته ورجل قد تزوجها ودخل بها وسمى لها مهرا وسمى لمهرها أجلا ، فقال له علي عليه‌السلام : لا أجل لك في مهرها إذا دخلت بها فأد إليها حقها» (8).

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 414 ح 4 ، التهذيب ج 7 ص 358 ح 19 ، الوسائل ج 15 ص 14 ح 2.

(2) الكافي ج 5 ص 381 ح 11 ، الوسائل ج 15 ص 14 ح 3.

(3) التهذيب ج 7 ص 357 ح 16 ، الوسائل ج 15 ص 16 ح 9.

(4) الكافي ج 5 ص 413 ح 3 ، الوسائل ج 15 ص 16 ح 9.

(5) التهذيب ج 7 ص 358 ح 17 ، الوسائل ج 15 ص 16 ح 10.

(6) الكافي ج 5 ص 413 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 16 ح 10.

(7) التهذيب ج 7 ص 358 ح 20 ، الوسائل ج 15 ص 16 ح 11.

(8) أقول : هذا الخبر على ظاهره لا أعلم به قائلا. (منه ـ قدس‌سره ـ).


وعن عبد الخالق (1) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يتزوج المرأة فيدخل بها قبل أن يعطيها شيئا ، قال : هو دين عليه».

ومما يؤيد ذلك تأييدا ظاهرا جملة من الروايات الدالة على أن من لم ينو إعطاء المهر فهو زان ، ولا فرق بين عدم نيته سابقا أو لاحقا.

ومنها ما رواه في الكافي (2) عن الفضيل بن يسار في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في الرجل يتزوج المرأة ، ولا يجعل في نفسه أن يعطيها مهرها فهو زان».

وعن حماد بن عثمان (3) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «من تزوج امرأة ولا يجعل في نفسه أن يعطيها مهرها فهو زنا».

وعن السكوني (4) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الله ليغفر كل ذنب يوم القيامة إلا مهر امرأة ، ومن غصب أجيرا أجرته ، ومن باع حرا».

وما رواه الصدوق في الفقيه (5) مرسلا قال : «قال الصادق عليه‌السلام من تزوج امرأة ولم ينو أن يوفيها صداقها فهو عند الله زان».

«قال (6) وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إن أحق الشروط أن يوفي به ما استحللتم به الفروج».

وروى في حديث المناهي عن شعيب بن واقد عن الحسين بن زيد (7) عن الصادق عليه‌السلام عن آبائه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من ظلم امرأة مهرها فهو عند الله

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 358 ح 21 ، الوسائل ج 15 ص 17 ح 12.

(2) الكافي ج 5 ص 383 ح 3 ، الوسائل ج 15 ص 21 ح 1.

(3) الكافي ج 5 ص 383 ح 2 ، الوسائل ج 15 ص 21 ح 3.

(4) الكافي ج 5 ص 382 ح 17 ، الوسائل ج 15 ص 22 ح 4.

(5) الفقيه ج 3 ص 252 ح 11 ، الوسائل ج 15 ص 22 ح 6.

(6) الفقيه ج 3 ص 252 ح 12 ، الوسائل ج 15 ص 22 ح 7.

(7) الفقيه ج 4 ص 7 ضمن حديث مناهي النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ، والوسائل ج 15 ص 22 ح 8.


زان ، يقول الله عزوجل يوم القيامة : عبدي زوجتك أمتي على عهدي فلم توف بعهدي وظلمت أمتي ، فيؤخذ من حسناته فيدفع إليها بقدر حقها ، فإذا لم تبق له حسنة أمر به إلى النار ، بنكثه العهد إن العهد كان مسؤولا».

وروى الراوندي في كتاب النوادر (1) عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم‌السلام قال : «قال علي عليه‌السلام ـ في قوله تعالى «وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً» ـ : أعطوهن الصداق الذي استحللتم به فروجهن ، فمن ظلم المرأة صداقها الذي استحل به فرجها فقد استباح فرجها زنا».

وما رواه الصدوق في كتابي العلل والعيون (2) عن الرضا عليه‌السلام في علل محمد بن سنان أنه كتب إليه أن «علة المهر ووجوبه على الرجال ، ولا يجب على النساء أن يعطين أزواجهن؟ قال : لأن على الرجال مؤنة المرأة وهي بائعة نفسها ، والرجل مشتر ، ولا يكون البيع بلا ثمن ، ولا الشراء بغير إعطاء الثمن».

والتقريب في هذه الأخبار الأخيرة أن المرأة متى جاءت تطلب مهرها الذي وقع عليه العقد كلا أو بعضا ومنعها إياه من أجل رضاها بالدخول أو جبرها عليه ، فقد دخل تحت مصداق هذه الأخبار ، إذ النواقل الشرعية محصورة ، وليس مجرد الدخول بالمرأة منها ، والأصل بقاء الحق الثابت أولا حتى يظهر ما يوجب البراءة منه.

ونقل الشيخ في التهذيب عن بعض أصحابنا أنه إذا دخل بها هدم الصداق ، وعليه تدل جملة من الأخبار أيضا.

ومنها ما رواه في الكافي والتهذيب (3) في الصحيح عن الفضيل عن أبي جعفر عليه‌السلام

__________________

(1) نوادر الراوندي ص 37.

(2) علل الشرائع ص 500 ب 262 ، عيون أخبار الرضا ج 2 ص 245 ، الوسائل ج 15 ص 23 ح 9.

(3) الكافي ج 5 ص 385 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 359 ح 22 ، الوسائل ج 15 ص 17 ح 13.


«في رجل تزوج امرأة ودخل بها ثم أولدها ثم مات عنها فادعت شيئا من صداقها على ورثة زوجها ، فجاءت تطلبه منهم وتطلب الميراث ، فقال : أما الميراث فلها أن تطلبه ، وأما الصداق فالذي أخذت من الزوج قبل أن يدخل بها ، فهو الذي حل للزوج به فرجها قليلا كان أو كثيرا إذا هي قبضته منه وقبلت ودخلت عليه به ، ولا شي‌ء لها بعد ذلك».

وما رواه في الكافي (1) عن عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الزوج والمرأة يهلكان جميعا فيأتي ورثة المرأة فيدعون على ورثة الرجل الصداق ، فقال : وقد هلكا وقسم الميراث؟ فقلت : نعم ، فقال ليس لهم شي‌ء ، فقلت : وإن كانت المرأة حية فجاءت بعد موت زوجها تدعي صداقها؟ فقال : لا شي‌ء لها وقد أقامت معه مقرة حتى هلك زوجها ، فقلت : فإن ماتت وهو حي فجاءت ورثتها يطالبونه بصداقها؟ فقال : وقد أقامت معه حتى ماتت لا تطلبه؟ فقلت : نعم ، فقال : لا شي‌ء لهم ، قلت : فإن طلقها فجاءت تطلب صداقها؟ قال : وقد أقامت لا تطلبه حتى طلقها لا شي‌ء لها ، قلت : فمتى حد ذلك الذي إذا طلبته كان لها؟ قال : إذا أهديت إليه ودخلت بيته ثم طلبت بعد ذلك فلا شي‌ء لها ، إنه كثير لها أن تستحلف بالله مالها قبله من صداقها قليل ولا كثير».

وعن محمد بن مسلم (2) عن أبي جعفر عليه‌السلام «في الرجل يتزوج المرأة ويدخل بها ثم تدعي عليه مهرها ، فقال : إذا دخل بها فقد هدم العاجل».

وعن عبيد بن زرارة (3) في الموثق عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في الرجل يدخل

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 385 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 359 ح 23 ، الوسائل ج 15 ص 15 ح 8.

(2) الكافي ج 5 ص 383 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 360 ح 25 ، الوسائل ج 15 ص 14 ح 6.

(3) الكافي ج 5 ص 383 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 359 ح 24 ، الوسائل ج 15 ص 14 ح 4.


بالمرأة ثم تدعي عليه مهرها ، فقال : إذا دخل بها فقد هدم العاجل».

وما رواه في التهذيب (1) عن الحسن بن علي بن كيسان قال : «كتبت إلى الصادق عليه‌السلام أسأله عن رجل يطلق امرأته وطلبت منه المهر ، وروى أصحابنا أنه إذا دخل بها لم يكن لها مهر ، فكتب : لا مهر لها».

وعن المفضل بن عمر (2) قال : «دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فقلت له : أخبرني مهر المرأة الذي لا يجوز للمؤمنين أن يجوزوه ، قال : فقال : السنة المحمدية خمسمائة درهم فمن زاد على ذلك رد إلى السنة ولا شي‌ء عليه أكثر من الخمسمائة درهم ، فإن أعطاها من الخمسمائة درهم درهما أو أكثر من ذلك ثم دخل بها فلا شي‌ء عليه ، قال : قلت : فإن طلقها بعد ما دخل بها؟ قال : لا شي‌ء لها ، إنما كان شرطها خمسمائة درهم ، فلما أن دخل بها قبل أن تستوفي صداقها هدم الصداق ، فلا شي‌ء لها ، إنما لها ما أخذت من قبل أن يدخل بها ، فإذا طلبت بعد ذلك في حياة منه أو بعد موته فلا شي‌ء لها».

وأنت خبير بأن هذه الأخبار على كثرتها وصحة جملة منها لم أقف على قائل بما دلت عليه غير ذلك البعض الذي نقل عنه الشيخ ، وإلا فالشيخ ومن تأخر عنه كلهم قد صرحوا بخلاف ما دلت عليه ، وارتكبوا التأويل فيها ، وهو لما عرفت من وضوح أدلة القول المشهور وموافقتها لأصول المذهب ، ومخالفة هذه.

والشيخ حمل هذه الأخبار تارة على أنه ليس لها شي‌ء بمجرد الدعوى من دون بينة كما يدل عليه خبر الحسن بن زياد (3) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا دخل الرجل بامرأته ثم ادعت المهر ، وقال الزوج : قد أعطيتك ، فعليها البينة

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 376 ح 87 ، الوسائل ج 15 ص 18 ح 15.

(2) التهذيب ج 7 ص 361 ح 27 ، الوسائل ج 15 ص 17 ح 14.

(3) الكافي ج 5 ص 386 ح 4 ، التهذيب ج 7 ص 360 ح 26 ، الوسائل ج 15 ص 15 ح 7.


وعليه اليمين».

قال : ولو كان الأمر على ما ذهب إليه بعض أصحابنا من أنه إذا دخل بها هدم الصداق لم يكن لقوله عليه‌السلام «عليها البينة وعليه اليمين» معنى ، لأن الدخول قد أسقط الحق ، فلا وجه لإقامة البينة ولا اليمين.

وتارة على ما إذا لم يسم لها مهرا ، وقد ساق إليها شيئا كما نبه عليه خبر الفضيل (1).

وقد اعترضه شيخنا الشهيد الثاني في المسالك بالنسبة إلى الوجه الأول بعد أن نقل عنه الجمع بين الأخبار به فقال : وفي هذا الحمل نظر ، لأن الخصم يستند إلى تلك الأخبار ، وهي صريحة في إسقاط الدخول ، ولا يضره هذا الخبر لأنها أصح منه سندا مع أن في الخبر مع تسليم سنده إشكالا من حيث إن المهر إذا تعين في ذمة الزوج ، فهو المدعي للايفاء ، وهي المنكرة ، فيكون البينة عليه لا عليها ، نعم لو كان النزاع في التسمية وعدمها مع عدم الدخول أمكن توجيه ذلك ، وسيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى ، انتهى.

وأما التأويل الثاني فاعترضه فيه المحدث الكاشاني بأنه ليس في خبر الفضيل ما يدل على عدم التسمية ، بل فيه ما يشير إلى التسمية ، انتهى.

أقول : لا يخفى أن الخبر غير صريح ولا ظاهر في شي‌ء من الأمرين ، ومع تسليم ظهوره فيما ذكره فهو لا ينافي ارتكاب التأويل فيه بما ذكره الشيخ ـ رحمة الله عليه ـ إذ التأويل إنما هو على خلاف الظاهر.

ثم إن المحدث المذكور قال : ويخطر بالبال أن يحمل مطلق هذه الأخبار على مقيدها ـ أعني يحمل سقوط مطلق الصداق على سقوط العاجل منه ـ فإنهم كانوا يومئذ يجعلون بعض الصداق عاجلا وبعضه آجلا ، كما مر التنبيه عليه في

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 385 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 359 ح 22 ، الوسائل ج 15 ص 17 ب 8 ح 13.


بعض ألفاظ خطب النكاح ، وكان معنى العاجل ما كان دخوله بها مشروطا على إعطائه إياها ، فإذا دخل بها قبل الإعطاء فكأن المرأة أسقطت عنه حقها العاجل ورضيت بتركه ، ولا سيما إذا كانت قد أخذت بعضه أو شيئا آخر كما دل عليه حديث الفضيل (1) ، وأما الآجل فلما جعلته حين العقد دينا عليه فلا يسقط إلا بالأداء ، وعليه تحمل أخبار أول الباب. انتهى ، وأشار بأخبار أول الباب إلى أخبار القول المشهور.

أقول : ما ذكره من الحمل وإن كان وجيها في حد ذاته ، وعليه يدل خبر غياث بن إبراهيم (2) المتقدم ، إلا أن فيه أن خبر الفضيل ظاهر بل صريح في خلافه ، فإنه ظاهر كالصريح في أن المهر وهو خمسمائة درهم إنما هي عاجلة لا تأجيل فيها ، وأنها متى قبضت منها ولو درهما واحدا أو دخلت عليه سقط الباقي بمجرد دخوله بها ، وكذلك صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (3) فإنه عليه‌السلام قد قرر فيها ضابطة كلية ، وهي أنه متى عقد على مهر ثم دخلت عليه فليس لها المطالبة ، وإما لها المطالبة قبل الدخول ، والذي يقرب في الفكر العليل أن يقال : إن هذه الأخبار قد خرجت على نوعين :

(أحدهما) إن الدخول يهدم العاجل مثل رواية محمد بن مسلم (4) ورواية عبيد بن زرارة (5) وهذه الأخبار ظاهرة في أن المهر آجل وعاجل ، والمعنى فيها

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 385 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 359 ح 22 ، الوسائل ج 15 ص 17 ح 13.

(2) الكافي ج 5 ص 381 ح 11 ، الوسائل ج 15 ص 14 ح 3.

(3) الكافي ج 5 ص 385 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 359 ح 23 ، الوسائل ج 15 ص 15 ح 8.

(4) التهذيب ج 7 ص 260 ح 25 ، الوسائل ج 15 ص 14 ح 6.

(5) التهذيب ج 7 ص 359 ح 24 ، الوسائل ج 15 ص 14 ح 4.


ما ذكره في الوافي وبه تشهد رواية غياث المتقدمة ، والأقرب عندي حملها على التقية كما ذكره جملة من الأصحاب من تصريح جملة من العامة بذلك ، وأن العاجل عندهم يهدم بالدخول ، وإلا فمجرد رضاها بالدخول بعد استقرار المهر في ذمته وإن اشترط تقديمه على الدخول لا يوجب سقوطه بالدخول.

و (النوع الثاني) سقوط المهر مطلقا بالدخول وإن لم يكن ثمة حال ولا مؤجل ، وهذه محل الاشكال والداء العضال ، فإن بعضها وإن أمكن حمله على عدم التسمية كما احتمله الشيخ إلا أن خبر الفضيل صريح في التسمية ، وعليه يحمل إطلاق باقي الأخبار إلا أن قوله في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (1) «إنه كثير لها أن تستحلف بالله ما لها قبله من صداقها قليل ولا كثير». صريح في عدم الهدم ، وإلا لم يكن لتحليفه على ذلك وجه ، ثم إنه بالنظر إلى إطلاق تلك الأخبار وعدم التسمية فيها وقطع النظر عن رواية الفضيل ، وظاهر الأصحاب أن الحكم فيها كما حملت عليه هذه الأخبار من أنه متى لم يسم مهرا وأعطاها شيئا ودخل بها مع رضاها بذلك فإنها لا تستحق سواه ، وليس لها مطالبة بشي‌ء.

وقال شيخنا الشهيد الثاني : هذا القول هو المشهور بين الأصحاب خصوصا المتقدمين منهم ، ولاشتهاره وافقهم ابن إدريس عليه (2) مستندا إلى الإجماع والموافق

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 385 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 359 ح 23 ، الوسائل ج 15 ص 15 ح 8.

(2) قال ابن إدريس في كتابه : ومن سمى المهر حال العقد ودخل بها كان في ذمته ، وان لم يكن سمى مهرا وأعطاها شيئا قبل دخوله بها ثم دخل بها بعد ذلك لم تستحق عليه شيئا سوى ما أخذته منه قبل الدخول كان ذلك قليلا أو كثيرا على ما رواه أصحابنا وأجمعوا عليه ، فان دليل هذه المسألة هو الإجماع المتقدم بغير خلاف ، وفيه الحجة لا وجه لذلك إلا الإجماع ، وان لم يعطها شيئا قبل الدخول بها ، ولم يسم مهرا حال العقد ثم دخل بها لزمه مهر المثل ، انتهى. (منه ـ قدس‌سره ـ).


للأصول أنها إن رضيت به مهرا لم يكن لها غيره ، وإلا فلها مع الدخول مهر المثل ويحسب ما وصل إليها منه إذا لم يكن على وجه التبرع ، انتهى.

أقول : ينبغي أن تحمل الأخبار المذكورة على الرضاء به عن المهر ليحسم مادة الاشكال.

وإنما يبقى الكلام في رواية المفضل ، ولعلها لقصورها سندا وعددا لا يعارض بها الأخبار المذكورة سيما مع ما اشتملت عليه مما ظاهر الأصحاب على خلافه من عدم جواز الزيادة على مهر السنة كما تقدم الكلام فيه ، فيجب إرجاعها إلى قائلها ، ولا يبعد حملها على التقية أيضا ، واحتمل العلامة في المختلف هنا وجها آخر ، وهو أن العادة كانت في الزمان السابق أن لا يدخل بالمرأة حتى يقدم المهر ، والأخبار المذكورة إنما خرجت بهذا التقريب ، قال : بقي هنا شي‌ء ، وهو أن تقول : قد كان في الزمن الأول لا يدخل الرجل حتى يقدم المهر ، والعادة الآن بخلاف ذلك ، فلعل منشأ الحكم العادة فنقول : إن كانت العادة في بعض الأزمان أو الأصقاع كالعادة القديمة كان الحكم ما تقدم ، وإن كانت العادة كالعادة الآن كان القول قولها ، انتهى.

ومنه يظهر حمل الأخبار المذكورة على ما جرت به العادة يومئذ من التقديم قبل الدخول ، فيكون القول قول الزوج عملا بمقتضى العادة ، وظاهر شيخنا الشهيد الثاني ـ رحمه‌الله عليه ـ في المسالك التوقف في المسألة حيث اقتصر على نقل الخلاف في المسألة ونقل بعض الروايات المتعلقة بها ولم يرجح شيئا في البين ، وسبطه السيد السند قد اختار القول المشهور وأشار إلى بعض ما في أدلة خلافه من القصور ، والمعتمد هو القول المشهور ، والله العالم.

تنبيه

قد عرفت مما تقدم أن المشهور بين الأصحاب أنه لو لم يسم لها مهرا وقدم لها شيئا قبل الدخول كان ذلك مهرها ، وأن ابن إدريس قد ادعى عليه الإجماع ، ولم نقف له عليه دليل من الأخبار ، والشيخ قد حمل رواية الفضيل المتقدمة


على ذلك ، فقال : يدل على صحة التأويل قوله عليه‌السلام في رواية الفضيل الذي أخذته قبل أن يدخل بها فهو الذي حل له به فرجها ، وليس بعد ذلك شي‌ء وأورد عليه أن سكوتها ورضاها بالدخول لا يدل على رضاها به مهرا ، بل هو أعم منه ، والعام لا يدل على الخاص ، على أنه قد تقدم في مفوضة البضع أن المستفاد من أخبارها أنها تستحق بالدخول مهر المثل ، وهذه من جملة أفرادها.

وأما ما نقل عن الشيخ المفيد من تعليل ذلك بأنها لو لم ترض به مهر لما مكنته من نفسها حتى تستوفي تمامه أو توافقه على ذلك وتجعله دينا عليه في ذمته.

فرده في المسالك بأن منعه ظاهر ، إذ لا يلزم من عدم رضاها عدم تمكينها لجواز اعتمادها في ذلك على ما يلزم شرعا بالدخول وهو مهر المثل.

أقول : ومن ثم إن المحقق في الشرائع قال هنا : قيل : إذا لم يسم لها مهرا وقدم لها شيئا ثم دخل كان ذلك مهرها ، ولم يكن لها مطالبته بعد الدخول إلا أن تشارطه قبل الدخول ، على أن المهر غيره ، وهو تعويل على تأويل رواية واستناد إلى قول المشهور. انتهى ، وهو جيد ، وقد قدمنا أن الأظهر حمل رواية الفضيل على الرضاء بما قدمه مهر لئلا يلزم مخالفتها للقواعد الشرعية ، والله العالم.

المسألة الثانية : لا خلاف بين الأصحاب في أن الوطي الموجب للغسل موجب لاستقرار ملك جميع المهر المسمى في العقد ، وإنما الخلاف في أنه هل يقوم غيره من مقدمات الوطي ـ كالخلوة ونحوها مما يأتي ذكره ـ مقامه أم لا؟ الأشهر الأظهر الثاني ، وذهب جمع من المتقدمين إلى أن الخلوة توجب المهر ظاهرا حيث لا يثبت شرعا عدم الدخول ، وأما باطنا فلا يستقر المهر جميعه إلا بالدخول ، وأطلق الصدوق وجوبه بمجرد الخلوة ، وأضاف ابن الجنيد إلى الجماع إنزال الماء بغير إيلاج ولمس العورة والنظر إليها والقبلة متلذذا بذلك ، وإن لم يكن قد دخل ، ولا بأس بنقل جملة من عباراتهم فنقول :

قال الشيخ في النهاية : ومتى خلا الرجل بامرأته وأرخى الستر ثم طلقها


وجب عليه المهر على ظاهر الحال ، وكان على الحاكم أن يحكم بذلك وإن لم يكن بها ، إلا أنه لا يحل للمرأة أن تأخذ أكثر من نصف المهر.

وقال في الخلاف : إذا طلقها بعد أن خلا بها وقبل أن يمسها اختلف الناس فيه على ثلاثة مذاهب ، فذهبت طائفة إلى أن وجود هذه الخلوة وعدمها سواء ، وترجع عليه نصف الصداق ولا عدة عليها ، وهو الظاهر من روايات أصحابنا ، وذهب طائفة إلى أن الخلوة يستقر بها المسمى وتجب لها العدة ، وبه قال قوم من أصحابنا ، ونحوه قال في المبسوط.

وقال ابن الجنيد : الذي يوجبه العقد من المهر المسمى النصف ، والذي يوجب النصف الثاني من المهر بعد الذي وجب من العقد منه الوقاع أو ما قام مقامه من تسليم المرأة نفسها لذلك ، فإن وقعت الخلوة بحيث لا مانع ظهر من علة ولا غيرها فالحكم بالأغلب يقع بوجوب المهر من الحاكم ، ولا يحل للمرأة أخذه إذا علمت أنه لم يقع جماع ولا ما يقوم مقام ذلك من إنزال الماء من غير إيلاج أو لمس عورة أو نظر إليها أو قبلة ، فإن تلذذ بشي‌ء من ذلك خصيا كان أو عنينا أو فحلا لزمه المهر.

وقال ابن أبي العقيل : وقد اختلف الأخبار عنهم عليهم‌السلام في الرجل يطلق المرأة قبل أن يجامعها وقد دخل بها ومس كل شي‌ء منها إلا أنه لم يصبها ، فروي عنهم في بعض الأخبار أنهم قالوا : إذا أغلق الباب وأرخيت الستور وجب لها المهر كاملا ووجبت العدة. وفي بعض الأخبار أن لها نصف المهر ولا عدة عليها ، وهذا أدل الخبرين بدلالة الكتاب وأشبه بقولهم ، لأن الله عزوجل يقول «وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ» (1) فأخبر أنه إذا طلقها قبل أن يجامعها أن لها نصف المهر.

وقد جاء عنهم عليهم‌السلام ما يخص هذا في قضائهم في العنن أن الرجل إذا تزوج

__________________

(1) سورة البقرة ـ آية 227.


المرأة فدخل بها فادعت المرأة أنه لم يصبها وخلا بها أجله الإمام سنة ، فإذا مضت السنة ولم يصبها فرق بينهما وأعطيت نصف الصداق ولا عدة عليها منه ، وفي هذا إبطال لرواية من روى عنهم عليهم‌السلام أنه إذا أغلق الباب وأرخى الستور وجب المهر كاملا ، وهذا العنين قد أغلق الباب وأرخى الستور وأقام معها سنة لا يجب عليه إلا نصف الصداق ، والمسألتان واحدة لا فرق بينهما.

وابن البراج وقطب الدين الكيدري وافقا الشيخ في النهاية.

وقال الصدوق في المقنع : وإذا تزوج الرجل المرأة وأرخى الستور وأغلق الباب ثم أنكرا جميعا المجامعة فلا يصدقان ، لأنها ترفع عن نفسها العدة ، ويرفع عن نفسه المهر.

وقال ابن حمزة : وإذا دخل بها وأرخى الستر عليها وادعى الرجل أنه لم يواقعها وأمكنه إقامة البينة وأقامها قبلت منه ، وإن لم يمكنه كان له أن يستحلفها ، فإن استحلفها وإلا لزمه المهر.

أقول : والواجب أولا نقل ما وصل إلينا من أخبار المسألة ثم الكلام في المقام بما رزق الله عزوجل فهمه منها ببركة أهل الذكر عليهم‌السلام.

فمنها ما رواه في الكافي (1) في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في رجل دخل بامرأته ، قال : إذا التقى الختانان وجب المهر والعدة».

وعن حفص بن البختري (2) في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا التقى الختانان وجب المهر والعدة والغسل».

وعن داود بن سرحان (3) في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا أولج فقد وجب الغسل والجلد والرجم ووجب المهر».

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 109 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 65 ح 3.

(2) الكافي ج 6 ص 109 ح 2 ، الوسائل ج 15 ص 65 ح 4.

(3) الكافي ج 6 ص 109 ح 3 ، الوسائل ج 15 ص 65 ح 5.


وعن يونس بن يعقوب (1) في الموثق قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل تزوج امرأة فأغلق بابا وأرخى سترا ولمس وقبل ثم طلقها ، أيوجب عليه الصداق؟ قال : لا يوجب الصداق إلا الوقاع».

وعن عبد الله بن سنان (2) في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سأله أبي وأنا حاضر عن رجل تزوج امرأة فأدخلت عليه فلم يمسها ولم يصل إليها حتى طلقها ، هل عليها عدة منه؟ فقال : إنما العدة من الماء ، قيل له : وإن كان واقعها في الفرج ولم ينزل؟ قال : إذا أدخله وجب الغسل والمهر والعدة».

وما رواه الشيخ في التهذيب عن يونس بن يعقوب (3) في الموثق عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سمعته يقول : لا يوجب المهر إلا الوقاع في الفرج».

وعن محمد بن مسلم (4) في الموثق قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام متى يجب المهر؟ قال : إذا دخل بها».

وعن حفص بن البختري (5) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في رجل دخل بامرأته ، قال : إذا التقى الختانان وجب المهر والعدة».

وعن يونس بن يعقوب (6) في الحسن أو الموثق قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل تزوج امرأة فأدخلت عليه فأغلق الباب وأرخى الستر وقبل ولمس من غير أن يكون وصل إليها بعد ، ثم طلقها على تلك الحال ، قال : ليس عليه إلا نصف المهر».

أقول : وهذه الأخبار هي أدلة القول المشهور.

ويدل على القول الآخر ما رواه في الكافي عن الحلبي (7) في الصحيح أو

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 109 ح 5 ، الوسائل ج 15 ص 67 ب 55 ح 1.

(2) الكافي ج 6 ص 109 ح 6 ، الوسائل ج 15 ص 65 ح 1.

(3) التهذيب ج 7 ص 464 ح 67 ، الوسائل ج 15 ص 66 ح 6.

(4) التهذيب ج 7 ص 464 ح 68 ، الوسائل ج 15 ص 66 ح 7.

(5) التهذيب ج 7 ص 464 ح 69 ، الوسائل ج 15 ص 66 ح 8.

(6) التهذيب ج 7 ص 467 ح 78 ، الوسائل ج 15 ص 68 ح 5.

(7) الكافي ج 6 ص 109 ح 7 ، الوسائل ج 15 ص 67 ح 2.


الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يطلق المرأة وقد مس كل شي‌ء منها إلا أنه لم يجامعها ، إلها عدة؟ فقال : ابتلى أبو جعفر عليه‌السلام بذلك فقال له أبوه علي بن الحسين عليه‌السلام : إذا أغلق بابا وأرخى سترا وجب المهر والعدة».

قال في الكافي : قال ابن أبي عمير ، اختلف الحديث في أن لها المهر كملا ، وبعضهم قال : نصف المهر ، وإنما معنى ذلك أن الوالي إنما يحكم بالحكم الظاهر إذا أغلق الباب وأرخى الستر وجب المهر ، وإنما هذا عليها إذا علمت أنه لم يمسها فليس لها فيما بينهما وبين الله إلا نصف المهر.

وما رواه في التهذيب (1) عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «إذا تزوج الرجل المرأة ثم خلا بها فأغلق عليها بابا وأو أرخى سترا ثم طلقها فقد وجب عليه الصداق ، وخلاؤه بها دخول».

وعن السكوني (2) عن جعفر عن أبيه ع أن عليا ع كان يقول : من أجاف من الرجال على أهله بابا وأرخى سترا ثم طلقها فقد وجب عليه الصداق».

والشيخ حمل هذين الخبرين على ما إذا كانا متهمين ، يعني يريد الرجل أن يدفع المهر عن نفسه ، والمرأة أن تدفع العدة عن نفسها.

واستدل عليه بما رواه في الكافي (3) عن أبي بصير قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يتزوج المرأة فيرخي عليها وعليها الستر ويغلق الباب ثم يطلقها ، فتسأل المرأة : هل أتاك؟ فتقول : ما أتاني ، ويسأل هو : هل أتيتها؟ فيقول : لم آتها ، فقال : لا يصدقان ، وذلك أنها تريد أن تدفع العدة عن نفسها ، ويريد هو أن يدفع المهر عن نفسه ، يعني إذا كانا متهمين». قال : ومتى كانا صادقين أو كان هناك طريق

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 464 ح 71 لكن عن إسحاق بن عمار ، الوسائل ج 15 ص 67 ح 3.

(2) التهذيب ج 7 ص 464 ح 72 ، الوسائل ج 15 ص 67 ح 4.

(3) الكافي ج 6 ص 110 ح 8 ، التهذيب ج 7 ص 465 ح 73 ، الوسائل ج 15 ص 69 ح 1.


يمكن أن يعرف به صدقهما فلا يوجب المهر إلا المواقعة.

واستدل عليه برواية زرارة (1) الدالة على تنصيف المهر بالطلاق قبل الدخول ، ثم ذكر ما نقله في الكافي عن ابن أبي عمير قال : وهذا وجه حسن ولا ينافي ما قدمناه ، لأنا إنما أوجبنا نصف المهر مع العلم بعدم الدخول ومع التمكن من معرفة ذلك ، فإما مع ارتفاع العلم وارتفاع التمكن فالقول ما قاله ابن أبي عمير ، انتهى.

ومنها ما رواه في التهذيب (2) عن محمد بن مسلم في الموثق عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «سألته عن المهر متى يجب؟ قال : إذا أرخيت الستور وأجيف الباب ، وقال : إني تزوجت امرأة في حياة أبي علي بن الحسين عليه‌السلام وإن نفسي تاقت إليها ، فذهبت إليها فنهاني أبي فقال : لا تفعل يا بني ، لا تأتها في هذه الساعة ، وإني أبيت إلا أن أفعل فلما دخلت عليها قذفت إليها بكساء كان علي ، وكرهتها وذهبت لأخرج ، فنامت مولاة لها فأرخت وأجافت الباب ، فقلت : مه ، وقد وجب الذي تريدين».

وعن أبي بصير (3) قال : «تزوج أبو جعفر عليه‌السلام امرأة فأغلق الباب ، فقال : افتحوا ولكم ما سألتم ، فلما فتحوا صالحهم».

وما رواه في الكافي (4) عن إسحاق بن عمار في الموثق عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يتزوج المرأة فيدخل بها فيغلق بابا ويرخي سترا عليها ويزعم أنه لم يمسها ، وتصدقه هي بذلك ، عليها عدة؟ قال : لا ، قلت : فإنه شي‌ء دون شي‌ء؟ قال : إن أخرج الماء اعتدت ، يعني إذا كانا مأمونين صدقا».

وما رواه في الصدوق عن كتاب العلل (5) عن أبي عبيدة في الصحيح عن أبي عبد الله

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 465 ح 74 ، الوسائل ج 15 ص 70 ح 1.

(2) التهذيب ج 7 ص 466 ح 75 ، الوسائل ج 15 ص 68 ح 6.

(3) التهذيب ج 7 ص 467 ح 77 ، الوسائل ج 15 ص 69 ح 8.

(4) الكافي ج 6 ص 110 ح 9 ، الوسائل ج 15 ص 69 ح 2.

(5) علل الشرائع ص 517 ب 289 ح 7 ، الوسائل ج 15 ص 70 ح 3.


عليه‌السلام عن الرجل يتزوج المرأة البكر أو الثيب ويرخي عليه وعليها الستر أو أغلق عليه وعليها الباب ، ثم يطلقها فتقول : لم يمسني ، ويقول هو : لم أمسها ، قال : لا يصدقان ، فإنها تدفع عن نفسها العدة ويدفع عن نفسه المهر.

أقول : هذا ما حضرني من أخبار المسألة ، والشيخ ـ رحمة الله عليه ـ فيما تقدم من كلامه قد جنح إلى ما ذكره ابن أبي عمير في الجميع بين هذه الأخبار وهذه الأخبار ، وإلى هذا مال السيد السند في شرح النافع حيث قال بعد نقل كلام ابن أبي عمير : واستحسن الشيخ ـ رحمة الله ـ هذا الوجه من الجمع ، ولا بأس به ، انتهى.

ومرجعه إلى حمل أخبار إرخاء الستر وإغلاق الباب على الكناية عن الدخول بها ، وأن الظاهر من هذا العمل وقوع الدخول لوجوب التستر به عن الناس ، وحينئذ فترجع هذه الأخبار إلى الأخبار الأولة الدالة على وجوب المهر كملا بالدخول ، ويخطر بخاطري القاصر وذهني الفاتر بعد ما ذكروه بل الذي يظهر من هذه الروايات بعد التأمل في مضامينها وعباراتها والنظر في مطاوي قرائنها وإشاراتها هو أن الموجب للمهر إنما هو إرخاء الستر وإغلاق الباب من حيث هو ، لا من حيث إنه مظنة للوقاع ، وكاشف عن وقوعه ، بل وإن علم عدم الوقاع فالواجب هو ذلك ، وينبهك على ذلك قوله عليه‌السلام في رواية زرارة المتقدمة بعد أن حكم بوجوب الصداق بمجرد إغلاق الباب وإرخاء الستر «خلاؤه بها دخول» بجعل مجرد خلائه بها دخولا ، والحمل على أنه إنما حكم بذلك من حيث كونه مظنة للدخول ، خلاف الظاهر ، وأوضح منه في ذلك أخبار تزويج الباقر عليه‌السلام وقد تضمن خبر محمد بن مسلم أنه عليه‌السلام بعد أن قذف عليها بالكساء ورآها كرهها فذهب ليخرج ، فقامت مولاتها لما رأته عازما على الخروج وأرخت الستر وأجافت الباب ، فقال عليه‌السلام : «قد وجب الذي تريدين» يعني المهر كملا ، ومن الظاهر أنه لم يجامعها كما يدل عليه سياق الخبر ، وقد حكم عليه‌السلام لها بوجوب المهر بمجرد ما فعلته مع عدم الجماع ، وهو أظهر ظاهر فيما قلناه ، وهو أيضا ظاهر


خبر أبي بصير وإن كان الخبر الأول أوضح ، ويقرب عندي حمل هذه الأخبار بناء على ما ذكرناه على التقية.

أما (أولا) فلأنها هي الأصل في اختلاف الأخبار كما تقدم تحقيقه في مقدمات الكتاب من جلد كتاب الطهارة (1).

وأما (ثانيا) فلأنه بعد بطلان الحمل الذي ذكروه بما عرفت فليس إلا رد الأخبار المذكورة ، وقد تقدم أن الحمل على التقية لا يشترط فيه وجود القائل به منهم ، على أنه يمكن وجود القائل به ، فإنه لا يحضرني الآن مذاهب العامة في هذه المسألة ، وكيف كان فالظاهر الذي عليه العمل هو القول المشهور ، وأما ما ذكره ابن الجنيد من تلك الأمور الزائدة على الخلوة فلم نظفر له في أخبارنا على أثر ، وهذه أخبار المسألة كملا ، والظاهر أنه تبع في ذلك العامة كما هي عادته غالبا ، والعجب من أصحابنا في نقل أقوال ، والاعتداد بها مع ما يطعنون به عليه من اقتفاء العامة ، ولا سيما في العمل بالقياس والاستحسان ، هذا بالنسبة إلى ما عدا رواية أبي بصير وصحيحة أبي عبيدة المنقولة من كتاب العلل وموثقة إسحاق ابن عمار ، وأما هذه الأخبار الثلاثة فالمستفاد منها بعد ضم بعضها إلى بعض أنه إن كانا في اعترافهما بعدم الدخول متهمين يجر كل منهما النفع إلى نفسه من جهة كما صرح به في خبري أبي بصير وصحيحة أبي عبيدة فإنها لا يقبل قولهما ، ولو كانا مأمونين صدقا كما صرح به موثق إسحاق بن عمار ، والظاهر حمل خبر أبي بصير وصحيحة أبي عبيدة على وقوع الدخول في الخلوة وظهور ذلك بقرائن الحال ، وأنهما إنما أنكرا ذلك للعلة المذكورة في كل منهما وموثقة إسحاق ابن عمار على عدم ظهور ذلك مع كونهما مأمونين ، وحينئذ فلا ينافي ما قدمنا ذكره من أن ظاهر تلك الأخبار هو ترتب وجوب المهر على مجرد الخلوة وإن علم عدم الدخول ، والله العالم.

__________________

(1) ج ص 4.


المسألة الثالثة : لا خلاف بين الأصحاب في أنه إذا طلق زوجته قبل الدخول وقد فرض لها مهرا فإنه يرجع بنصفه ، فإن كان قد دفع المهر لها استعاد نصفه ، وإلا أعطاها النصف خاصة ، سواء قلنا بأنها تملك المهر جميعا بمجرد العقد أو نصفه خاصة.

ويدل على ذلك من الأخبار ما رواه في الفقيه (1) عن محمد بن الفضيل عن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا طلق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها فلها نصف مهرها ، وإن لم يكن سمي لها مهرا فمتاع بالمعروف» الحديث.

وما رواه في الكافي (2) عن أبي بصير قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل طلق امرأته قبل أن يدخل بها ، قال : عليه نصف المهر إن كان فرض لها شيئا» الحديث.

وما رواه في الكافي (3) عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا طلق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها فقد بانت منه وتزوج إن شاءت من ساعتها ، وإن كان فرض لها مهرا فلها نصف المهر» الحديث.

وعن الحلبي (4) في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في رجل طلق امرأته قبل أن يدخل بها ، قال : عليه نصف المهر إن كان فرض لها شيئا» الحديث.

إلى غير ذلك من الأخبار الآتي جملة منها إن شاء الله تعالى في المقام ، ثم إن في هذا المقام صورا عديدة :

الاولى : أن يكون المهر دينا في ذمته ، ولا إشكال في أنه إذا طلقها قبل الدخول برءت ذمته من نصفه ، ووجب عليه دفع النصف الآخر إليها.

__________________

(1) الفقيه ج 3 ص 326 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 55 ح 8.

(2) الكافي ج 6 ص 108 ح 11 وص 106 ح 3 ، الوسائل ج 15 ص 61 ح 2.

(3) الكافي ج 6 ص 106 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 61 ح 1.

(4) الكافي ج 6 ص 106 ح 3 ، التهذيب ج 8 ص 142 ح 92 ، الوسائل ج 15 ص 55 ح 7.


الثانية : أن يكون عينا إلا أنها باقية في يد الزوج ، وحينئذ فإن كانت باقية إلى وقت الطلاق من غير زيادة ولا نقصان فلا إشكال في أنه يستحق نصفها ويكونان شريكين فيها ، وإن زادت بزيادة من الله سبحانه فالزيادة لها بناء على ما هو الأشهر الأظهر من انتقال المهر كملا إليها بالعقد وأنها تملكت ، وإن كان ملك أحد النصفين متزلزلا وإن كانت الزيادة بفعله فهو بمنزلة الغاصب بناء على القول بانتقال المهر إليها كملا كما هو المعتمد فإنه كالأجنبي ويصير كالغاصب. وإن نقصت كان النقص مضمونا عليه ، وإن تلف رجعت عليه بالقيمة أو المثل.

الثالثة : أن يكون عينا إلا أنه قد سلمها إليها ، فإن كان باقيا استعاد نصفه ، وإن وجده تالفا استعاد نصف مثله إن كان مثليا ، ونصف قيمته إن كان قيميا ، ثم إنه إن اتفقت قيمته من حين العقد إلى حين القبض فلا إشكال ، وإن اختلفت قالوا : يرجع بأقل القيم ، لأن قيمته يوم العقد إن كانت هي الأكثر منها حين قبضها فما نقص قبل القبض كان مضمونا عليه ، فلا يضمنها ما هو في ضمانه ، وإن كانت القيمة يوم القبض أكثر مما زاد بعد العقد لها ، فلا يضمنها ما هو ملكها ، قالوا : وفي حكم التلف ما لو انتقل عن ملكها انتقالا لازما كالبيع والعتق والهبة اللازمة.

الرابعة : كسابقتها إلا أنه وجد العين ناقصة ، وكان النقص نقصان عين ، كعور الدابة أو صفة كنسيان الصنعة ، ففي كيفية الرجوع أقوال ثلاثة :

(أحدها) وهو المنقول عن الشيخ في المبسوط أن الزوج يتخير بين الرجوع بنصف القيمة سليما ، وبين أخذ نصف العين من غير أرش.

و (ثانيها) الرجوع بنصف العين ونصف الأرش لأن العين لا تخرج عن حقيقتها بالتعيب ، ومستحقة إنما هو العين وتعيبها مجبور بالأرش ، وظاهره في المسالك اختيار هذا القول.

و (ثالثها) التفصيل بأن النقص إن كان بفعلها أو فعل الله سبحانه تخير بين أخذ نصفه ناقصا وبين تضمينها نصف قيمته ، وإن كان من قبل أجنبي لم يكن


له سبيل على المهر وضمنها نصف القيمة يوم قبضه ، وهو قول ابن البراج.

الخامسة : الصورة بحالها إلا أنه وجد العين زائدة ، وحينئذ فلا يخلوا إما أن تكون الزيادة باعتبار القيمة السوقية ، ولا إشكال في أنه يأخذ نصف العين كما لو نقصت كذلك ، وإن كانت الزيادة منفصلة كالولد واللبن وثمرة الشجرة والكسب فهي للمرأة بناء على ما هو الأشهر الأظهر من ملكها المهر كملا بمجرد العقد وهذه الأشياء نماء ملكها سواء كانت العين في يدها أو في يده ، ويختص رجوعه بنصف الأصل.

ويدل على خصوص هذا الحكم من الأخبار ما رواه في الكافي (1) عن عبيد ابن زرارة في الموثق قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل تزوج امرأة على مائة شاة ، ثم ساق إليها الغنم ، ثم طلقها قبل أن يدخل بها وقد ولدت الغنم ، قال : إن كان الغنم حملت عنده رجع بنصفها ونصف أولادها ، وإن لم يكن الحمل عنده رجع بنصفها ولم يرجع من الأولاد بشي‌ء».

وما رواه الشيخ في التهذيب (2) عن عبيد بن زرارة قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل تزوج امرأة ومهرها مهرا فساق إليها غنما ورقيقا فولدت عندها فطلقها قبل أن يدخل بها ، قال : إن كان ساق إليها ما ساق وقد حملن عنده فله نصفها ونصف ولدها ، وإن كن حملن عندها فلا شي‌ء له من الأولاد».

والتقريب فيها أن تلك الغنم والرقيق إذا حملن عنده فالمهر مجموع الأمهات والأولاد ، فمع الطلاق قبل الدخول يرجع بنصف كل منهما ، وأما إذا حملن عندها فإن المهر إنما هو الأمهات خاصة ، وقد فرضنا أنها تملك المهر بأجمعه بمجرد العقد فيكون هذا النماء نماء ملكها ، وفي الخبر دلالة واضحة على القول المشهور من ملكها المهر بمجرد العقد خلافا لابن الجنيد إذ لو كان كما يدعيه من ملكها

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 106 ح 4 ، الوسائل ج 15 ص 43 ح 1.

(2) التهذيب ج 7 ص 368 ح 54 ، الوسائل ج 15 ص 43 ح 1.


النصف خاصة بالعقد والنصف الآخر إنما تملك بالدخول لكان الرجوع عنها بنصف الأولاد إذا حملن عندها.

إلا أنه قد روى الصدوق في الفقيه (1) عن الحسن بن محبوب عن حماد الناب عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل تزوج امرأة على بستان له معروف وله غلة كثيرة ، ثم مكث سنين لم يدخل لها ثم طلقها ، قال : ينظر إلى ما صار إليه من غلة البستان من يوم تزوجها فيعطيها نصفه ويعطيها نصف البستان ، إلا أن تعفو فتقبل منه ويصطلحا على شي‌ء ترضى به منه فإنه أقرب للتقوى».

وهو كما ترى ظاهر فيما ذهب إليه ابن الجنيد من أنها بالعقد لا تملك إلا النصف خاصة ، ولهذا حكم بأن غلة البستان في تلك السنين التي بين العقد والطلاق تقسم أنصافا بينهما ، ومن المعلوم أن الغلة تابعة للأصل.

وبذلك يظهر لك ما في كلام السيد السند في شرح النافع حيث قال في الجواب عن دلالتها على مذهب ابن الجنيد ما صورته : وهذه الرواية غير دالة على المطلوب صريحا ، إذ لا مانع من ثبوت هذا الحكم وإن قلنا إن المرأة تملك المهر بأجمعه بالعقد ، فإن فيه إن من القواعد المقررة المتفق عليها نصا وفتوى أن النماء تابع للأصل ، فإذا فرض أن المرأة تملك المهر كملا بمجرد العقد ، فكيف يحكم عليه‌السلام للزوج بنصفه؟ وما الوجه فيه؟ ومقتضى القواعد إنما هو كونه للمرأة ، والموافق للقاعدة إنما هو ما ذكرناه من كون نصف الأصل لها بمجرد العقد والنصف الآخر قبل الدخول للزوج ، هذا كلامه في تلك المسألة ـ أي مسألة ملك الكل أو النصف بالعقد ـ وأما في هذه المسألة فأقصى ما أجاب به عنها هو ضعف السند.

وبالجملة فالمسألة غير خالية من شوب الإشكال في كل من الموضعين لعدم ظهور محمل لرواية أبي بصير المذكورة ، وليس في سندها ممن ربما يتوقف في شأنه إلا أبو بصير لاشتراكه بين يحيى بن القاسم الضعيف باصطلاحهم والمرادي

__________________

(1) الفقيه ج 3 ص 272 ح 77 ، الوسائل ج 15 ص 41 ح 1.


الثقة ، والحق عندي كما عليه جملة من أفاضل متأخري المتأخرين هو جلالة يحيى بن القاسم وعد حديثه في الصحيح ، فإن المستفاد من جملة من الأخبار أنه بالمحل الأعلى عندهم عليهم‌السلام ، وحينئذ فتكون الرواية صحيحة معتبرة ، وبذلك يعظم الاشكال.

هذا كله في الزيادة المنفصلة ، وأما لو كانت متصلة كالسمن وكبر الحيوان فإنه قطع جماعة من الأصحاب بأن للزوج نصف قيمته من دون الزيادة ، وأن المرأة لا تجبر على دفع العين ، لأن الزيادة ليست مما فرض فلا يكون للزوج الرجوع بها ، وعلله في المسالك بأن الزيادة ملكها ولا يمكن فصلها ولا تجبر على بذلها مجانا ولا بالعوض ، لكنها تتخير حينئذ بين دفع نصف المشتمل على الزيادة وبين بذل نصف القيمة مجردة عنها ، فإن سمحت ببذل العين اجبر على القبول ، لأن النفع عائد إليه واصل حقه في العين عملا بظاهر الآية ، وإنما منع تعلق حقها بها الذي لا يمكن فصله ، فإذا سمحت ببذله زال المانع ، انتهى.

أقول : روى الشيخ في التهذيب (1) عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما‌السلام عن أبيه أن عليا عليه‌السلام «قال في الرجل يتزوج المرأة على وصيف فكبر عندها فيريد أن يطلقها قبل أن يدخل بها قال : عليه نصف قيمته (2) يوم دفعه إليها لا ينظر في زيادة ولا نقصان».

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 369 ح 57 ، الوسائل ج 15 ص 44 ح 2.

(2) أقول : الذي رواه الشيخ في التهذيب «عليه نصف قيمته» الى آخره ، وقال السيد السند في شرح النافع ولعل المراد بقوله عليه نصف قيمته أنه يتعلق بالوصيف نصف القيمة لمولاه ، إذ لا وجه لإلزام المولى بدفع نصف قيمة الوصيف إلى المرأة ، ولو كان بدل «عليه» «عليها ، أو له» كان أوضح ، انتهى.

أقول : الظاهر أن ما وقع من تذكير الضمير هنا انما هو من سهو قلم الشيخ ـ رحمة الله ـ كما نبهنا عليه في مواضع لا يخفى سيما في كتب العبادات مما وقع له من التحريف بالتغيير والتبديل في متون الاخبار وأسانيدها بحيث انه لا يكاد يسلم خبر من شي‌ء من ذلك الا نادرا


ورواه الكليني (1) عن السكوني «عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : إن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال في المرأة : تزوج على الوصف فيكبر عندها فتزيد أو ينقص ثم يطلقها قبل أن يدخل بها» الحديث. كما تقدم ، وهو كما ترى ظاهر بل صريح فيما ذكره الأصحاب من حكم المسألة ، والشيخ في المبسوط بعد أن قوى تخيرها بين دفع نصف العين ونصف قيمتها من دون الزيادة كما قدمنا نقله عن المسالك قال : ويقوى في نفسي أن له الرجوع بنصفه مع الزيادة التي لا يتميز لقوله تعالى «فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ» (2) وظاهره أنها تجبر على دفع نصف العين في صورة الزيادة التي لا يتميز ، وأورد عليه في المسالك بأن الزيادة ليست مما فرض فلا تدخل في مدلول الآية.

وأجاب سبطه السيد السند في شرح النافع فقال : ويمكن دفعه بأن العين مع الزيادة التي لا تتميز يصدق عليها عرفا أنها المفروضة فتناوله الآية الشريفة ، وبالجملة فما قوى في نفس الشيخ لا يخلو من قوة ، انتهى.

أقول : لا يخفى أنه بعد دلالة الخبر المذكور على أن الحكم في المسألة هو دفع نصف القيمة لا ينظر في زيادة ولا نقصان ، فما ذكره الشيخ وقواه بمكان من الضعف ، وأن ظاهره كما عرفت أن الحكم الشرعي هو جبر المرأة على دفع نصف العين في الصورة المذكورة ، ولهذا أن المحقق في الشرائع أشار إلى رده بقوله : ولا تجبر المرأة على الأظهر ، وهل هو إلا الاجتهاد في مقابلة النصوص ، وبذلك يظهر لك ما في تقوية السيد السند لقول الشيخ هنا من النظر الظاهر ، والله العالم.

__________________

ولهذا أنه في الوافي إنما ذكر الخبر بلفظ «عليها» ومن عادته مراعاة أمثال هذا الغلط والتحريف في الاخبار فلا حاجة الى ما تكلفه السيد السند ـ قدس‌سره ـ من الحمل ، والله العالم. (منه ـ قدس‌سره ـ).

ويحتمل أن يكون من سهو النساخ لا من قلم الشيخ ولذا في الكافي «وعليها».

(1) الكافي ج 6 ص 108 ح 13 ، وفيه «وعليها» ، الوسائل ج 15 ص 44 ح 2.

(2) سورة البقرة ـ آية 237.


تنبيهات

الأول : قالوا : لو أصدقها حيوانا حاملا وحكمنا بدخول الحمل في الصداق إما بمجرد الإطلاق كما هو مذهب الشيخ وجماعة أو بالشرط كما هو القول الآخر صار الجميع مهرا ، فإذا طلقها قبل الدخول رجع بنصف الجميع لأنه هو المهر.

أقول : وقد تقدم ما يدل على ذلك من روايتي عبيد بن زرارة (1) وقوله عليه‌السلام في الأولى منهما «إن كانت الغنم حملت عنده رجع بنصفها ونصف أولادها». ونحوه في الثانية ، وقد تقدم بيان الوجه فيه ، وإطلاق الخبرين المذكورين شامل لما لو وقع الطلاق قبل وضع الحمل أو بعده فإنه يرجع بالنصف في كلتا الحالين ، لأنه قد علق الرجوع بالنصف على حصول الحمل عنده المستلزم لوقوع العقد بعد الحمل ، وهو أعم من أن تضع قبل الطلاق أو بعده ، وبذلك يظهر أن ما وقع لهم في هذا المقام من الاحتمالات والتفريعات والتكلفات ـ كما نقله في المسالك حتى ذهب بعضهم في صورة الطلاق بعد الوضع إلى الرجوع بنصف الأم خاصة وأرش نقصانها ، قال : لأن الحمل زيادة ظهرت بالانفصال عن ملكها ، وبعضهم جعله احتمالا في المسألة ـ كله نفخ في غير ضرام وخروج عما جاء عنهم عليهم‌السلام ، والظاهر أنه لم تخطر لهم هذه الأخبار بالبال ، وإنما بنوا على مجرد التخريجات العقلية كما هي عادتهم غالبا.

الثاني : قالوا : لو أصدقها تعليم صناعة ثم طلقها قبل الدخول كان لها نصف اجرة تعلمها ، ولو كان علمها قبل الطلاق رجع بنصف الأجرة. وعلل الرجوع بنصف الأجرة في الموضعين المذكورين بأنه (في الأول) يتعذر تعليمها نصف الصنعة خاصة ، إذ ليس للنصف حد يوقف عليه أو لا نصف لها مطلقا فينزل ذلك منزلة

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 106 ح 4 ، التهذيب ج 7 ص 368 ح 54 ، الوسائل ج 15 ص 43 ح 1.


ما لو تلف الصداق في يده ، فترجع بنصف الأجرة ، ولأنه صار أجنبيا لا يصلح تعلمها منه لو فرض إمكان التوصل إلى الحق.

وأما (في الثاني) فلتعذر رجوعه بعين ما فرض ، إذ لا يمكن تخليص نصف الصنعة منها فيكون المهر بمنزلة التالف في يدها ، فيرجع بنصف الصنعة منها فيكون المهر بمنزلة التالف في يدها ، فيرجع بنصف الأجرة. قالوا : والحكم في الموضعين مما لا إشكال فيه.

قالوا : ولو كان الصداق تعليم سورة وطلقها قبل الدخول ، فإن كان قد علمها رجع عليها بنصف الأجرة كالصنعة ، وإن لم يكن علمها فليس الحكم فيها كالصنعة لأن تعليم نصف السورة أمر ممكن في نفسه ، ولكن الزوج صار أجنبيا منها ، فإن حرمنا على الأجنبي سماع صوت المرأة أو جوزناه ، ولكن خيف الفتنة أو لم يمكن ذلك إلا بالخلوة المحرمة رجعت عليه بنصف الأجرة كالصنعة ، لتعذر الرجوع إلى نصف المفروض بمانع شرعي ، فيكون كالمانع العقلي ، وإن أمكن ذلك من غير محذور قيل : جاز تعليمها النصف من وراء حجاب ، لأنه موضع ضرورة كمعاملة الأجنبية ، أو لأنه تعليم واجب ، أو لأن مطلق سماع صوتها غير محرم ، وهذا الوجه خيرة الشيخ في المبسوط ، وقيل : ترجع عليه بنصف الأجرة مطلقا ، لما ذكر من الموانع ، ولأن النصف يعسر الوقوف عليه ، لاختلاف الآيات في سهولة التعليم وصعوبته ، وعلى الأول تقسم السورة بالحروف ، لا بالآيات.

أقول : لم أقف في هذا المقام على شي‌ء من الأخبار إلا ما رواه في الكافي والتهذيب (1) عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام «في رجل تزوج امرأة على سورة من كتاب الله عزوجل ثم طلقها من قبل أن يدخل بها ، وبما يرجع عليها؟ قال : بنصف ما يعلم به مثل تلك السورة». ومورد الرواية ما إذا علمها السورة ، لأن الرجوع عليها دليل وصول المهر إليها ، وإلا لكانت هي التي ترجع عليه ، ويبقى الاشكال فيما لو لم يعلمها السورة ، فهل الواجب عليه تعليمها النصف لأنه ممكن؟ وما ذكروه من تحريم سماع

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 382 ح 14 ، التهذيب ج 7 ص 364 ح 38 ، الوسائل ج 15 ص 27 ح 1.


الأجنبية على إطلاقه ممنوع كما تقدم قريبا ، بل الأدلة الكثيرة صريحة في الجواز فيعلمها ولو من وراء حجاب ـ أنها ترجع بنصف الأجرة؟ احتمالان ، والظاهر أن الحكم في الصنعة إذا طلقها بعد أن علمها إياها كذلك ، ومن وجوب الرجوع عليها بنصف اجرة مثلها كما ذكره عليه‌السلام في السورة ، لاشتراك الجميع في التعليم الذي هو الموجب للأجرة ، وحينئذ فيكون حكم هذه الصورة مستفاد من النص المذكور ، فلا حاجة إلى ما أطالوا به في تعليل ذلك مما تقدم نقله عنهم ، من قولهم : وأما في الثاني فلتعذر رجوعه بعين ما فرض إلى آخره.

الثالث : المشهور بين الأصحاب أنه لو أبرأته من الصداق قبل الدخول بها ثم طلقها قبل الدخول أنه يرجع عليها نصف المهر الذي وقع عليه العقد ، لأنه لا فرق بين تصرفها فيه يصرفه في مصالحها ولا بين تصرفها فيه بالإبراء منه أو بهبته له أو لغيره ، ومجملة أنها متى تصرفت فيه تصرفا ناقلا عن ملكها لازما لا يمكن الرجوع فيه ، فإنه يلزمها عوض النصف.

وحكى في القواعد وجها بعدم الرجوع ، وقبله الشيخ في المبسوط ، قال في المسالك : وهو قول لبعض العامة ، واحتجوا عليه بأنها لم تأخذ منه مالا ولا نقلت إليه الصداق ولا أتلفته عليه ، فلا تضمن.

ورد بأن ضعفه ظاهر ، فإن المهر كان مستحقا لها في ذمة الزوج ، فلما أبرأته منه انتقل عن ملكها إليه فتحقق النقل ، أو يقال : بأنها إسقاط المهر من ذمته بعد أن كان ثابتا فيها قد أتلفته ، إذ لا شبهة في أنه كان ملكها ثم خرج عنه فتغرم له البدل (1).

__________________

(1) قالوا : أما الأول فظاهر ، وأما الثاني فلاشتماله أن يستحق الإنسان في ذمة نفسه شيئا فلا يتحقق نقله اليه ، وأما الثالث فلانه لم يصدر منها الا إزالة استحقاقها في ذمته وهو ليس بإتلاف البتة ، ورد هذه الوجوه في المسالك بكلام يطول ذكره ليس في نقله مزيد فائدة بعد ما عرفت في الأصل ، ومن أحب الوقوف عليه فليرجع الى الكتاب المذكور. (منه ـ قدس‌سره ـ).


أقول : والذي حضرني من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه في الكافي والتهذيب (1) عن محمد بن مسلم في الموثق قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل تزوج امرأة فأمهرها ألف درهم ودفعها إليها فوهبت له خمسمائة درهم وردتها عليه ثم طلقها قبل أن يدخل بها ، قال : ترد عليه الخمسمائة درهم الباقية لأنها إنما كانت لها خمسمائة درهم فوهبتها له ، وهبتها إياها له ولغيره سواء».

وما رواه في التهذيب والفقيه (2) عن شهاب بن عبد ربه في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل تزوج امرأة على ألف درهم ، فبعث بها إليها فردتها عليه ووهبتها له ، وقالت : أنا فيك أرغب مني في هذه الألف هي لك ، فقبلها منها ثم طلقها قبل أن يدخل بها ، قال : لا شي‌ء لها وترد عليه خمسمائة درهم».

وما رواه الشيخ (3) في الموثق عن سماعة قال : «سألته عن رجل تزوج جارية أو تتمتع بها ثم جعلته من صداقها في حل ، أيجوز له أن يدخل بها قبل أن يعطيها شيئا؟ قال : نعم إذا جعلته في حل فقد قبضته منه ، فإن خلاها قبل أن يدخل بها ردت المرأة على الزوج نصف الصداق».

وبذلك يظهر لك ضعف ما احتمله الشيخ والعلامة من عدم الرجوع بناء على تلك التخرصات الباردة والتخريجات الشاردة ، ومنشأ ذلك الغفلة عن ملاحظة الأخبار وعدم إعطاء التأمل حقه في تتبع الآثار الواردة عن الأئمة عليهم‌السلام.

الرابع : لو أعطاها عوض المهر متاعا أو عبدا آبقا أو شيئا ثم طلق قبل الدخول رجع بنصف المسمى دون العوض ، والوجه في رجوعه بنصف المسمى دون

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 107 ح 9 ، التهذيب ج 7 ص 368 ح 55 ، الوسائل ج 15 ص 44 ب 35 ح 1.

(2) الكافي ج 6 ص 107 ح 8 مع اختلاف يسير ، التهذيب ج 7 ص 374 ح 74 ، الفقيه ج 3 ص 328 ح 9 مع اختلاف يسير ، الوسائل ج 15 ص 50 ح 1.

(3) التهذيب ج 7 ص 374 ح 76 ، الوسائل ج 15 ص 50 ح 2.


نصف العوض أن الذي يستحقه الزوج بالطلاق نصف المهر المفروض ، وعوضه غيره ، فلا يرجع به ، وينبغي أن يعلم أن المراد برجوعه بنصف المسمى هنا إنما هو رجوعه بمثله أو قيمته ، لأن المسمى بالمعاوضة ودفع العوض الذي هو أحد هذه المذكورات قد صار ملك الزوج ، فالنصف المحكوم بعوده إليه قد انتقال عن ملكها بالمعاوضة المذكورة ، فيرجع حينئذ إلى مثله أو قيمته ، كما لو انتقل منها إلى غيره ، ولا فرق في ذلك بين انتقاله بعوض يساوي قيمته أو ينقص أو يزيد ، ولا بين أنواع الأعواض لاشتراك الجميع في المقتضى وهو خروجه بذلك عن ملكها كما خرج بغير عوض كالهبة.

ويدل على أصل الحكم المذكور ما رواه الكليني (1) في الصحيح عن الفضيل ابن يسار قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل تزوج امرأة بألف درهم فأعطاها عبدا له آبقا وبردا حبرة بألف درهم التي أصدقها ، قال : إذا رضيت بالعبد وكانت قد عرفته فلا بأس إذا هي قبضت الثوب ورضيت بالعبد ، قلت : فإن طلقها قبل أن يدخل بها؟ قال : لا مهر لها وترد عليه خمسمائة ويكون العبد لها».

الخامس : الظاهر أنه لا إشكال ولا خلاف في أنه إذا دبر مملوكا ذكرا كان أو أنثى جاز لمن دبره أن يجعله مهرا لزوجته ، لأنه بالتدبير لا يخرج عن ملكه ، بل له التصرف فيه بجميع أنواع التصرفات من بيع وغيره ، وهو كالوصية بل هو في التحقيق وصية بالعتق ، وحينئذ فلو طلقها قبل الدخول صار المدبر مشتركا بينهما لرجوع نصفه إلى الزوج ، حيث إنه المهر وحكمه الرجوع بنصفه في الطلاق ، وهذا كله مما لا خلاف فيه. إنما الخلاف في أنه يجعله مهرا ، هل يبطل التدبير أو يبقى صحيحا؟ أكثر الأصحاب سيما المتأخرين على الأول ، وهو مذهب ابن إدريس ومن تأخر عنه ، وذهب الشيخ في النهاية وبعض أتباعه

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 380 ح 6 ، التهذيب ج 7 ص 366 ح 47 ، الوسائل ج 15 ص 35 ح 1.


إلى الثاني.

قال في النهاية : إذا عقد لها على جارية مدبرة له ورضيت المرأة به ثم طلقها قبل الدخول بها كان لها يوم من خدمتها ، وله يوم ، فإذا مات المدبر صارت حرة ولم يكن لها عليها سبيل ، وإن ماتت المدبرة وكان لها مال كان نصفه للرجل ونصفه للمرأة. ونحوه كلام ابن البراج في كتابيه المهذب والكامل.

وقال ابن إدريس : الذي يقتضيه أصول المذهب أن العقد على هذه المدبرة صحيح ، وتخرج عن كونها مدبرة وتستحقها المرأة ، لأن التدبير وصية ، ولو أوصى ببعض أملاكه ثم أخرجه عن ملكه قبل موته بطلت وصيته ، والمدبرة هنا قد أخرجها بجعلها مهرا ـ إلى أن قال : ـ اللهم إلا أن يكون التدبير المذكور واجبا على وجه النذر لا رجوع للمدبر فيه ، فيصح ما قاله شيخنا ـ رحمه‌الله.

واعترضه العلامة في المختلف ببطلان جعلها مهرا حينئذ ، وقيد بقاء التدبير بما لو شرط إبقاء التدبير فإنه يكون لازما لعموم (1) «المؤمنون عند شروطهم». ولأنه كشرط العتق في البيع ونحوه.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن مستند الشيخ فيما ذهب إليه في النهاية هو ما رواه عن المعلى بن خنيس (2) قال : «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام وأنا حاضر عن رجل تزوج امرأة على جارية له مدبرة قد عرفتها المرأة وتقدمت على ذلك وطلقها قبل أن يدخل بها ، قال : فقال : أرى للمرأة نصف خدمة المدبرة ، ويكون للمرأة يوم في الخدمة ، ويكون لسيدها الذي كان دبرها يوم في الخدمة ، قيل له : فإن ماتت المدبرة قبل المرأة والسيد ، لمن يكون الميراث؟ قال : يكون نصف ما تركت

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 371 ذيل ح 66 ، الوسائل ج 15 ص 30 ح 4.

(2) الكافي ج 5 ص 380 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 367 ح 49 ، الوسائل ج 15 ص 34 ح 1.


للمرأة والنصف الآخر لسيدها الذي دبرها» (1).

قال في المسالك : وهذه الرواية مع ضعف سندها لا تدل على انعتاقها بموت السيد كما ادعاه الشيخ ، وإنما تضمنت صحة جعلها مهرا وعود نصفها إلى المولى ، وكونها مشتركة بينه وبين المرأة ، وما تركته بينهما كذلك ، وهذا كله لا كلام فيه.

نعم يظهر منها رائحة البقاء على التدبير من قوله «وتقدمت على ذلك» وقوله «فإن ماتت المدبرة» وشبه ذلك ، ومثل هذا لا يكفي في إثبات الحكم بالمخالف للأصل. انتهى ، وهو جيد.

أقول الأقرب في هذه الرواية وإرجاعها إلى ما عليه الأصحاب هو ما ذكره في المختلف من الحمل على الشرط بمعنى أنه أمهرها المدبرة وشرط بقاء التدبير ، فإن الشرط سائغ كما في شرط العتق في البيع ، فيكون التدبير لازما لا يمكن الرجوع فيه لوجوب الوفاء بالشرط ، ويشير إليه قوله في الرواية وقد عرفتها المرأة وتقدمت على ذلك بمعنى أنها عرفت الشرط عليها بذلك ورضيت به ، وعلى هذا يرتفع منافاة الخبر للقواعد الشرعية وينطبق على ما قاله الأصحاب ، ولا ريب أنه أقرب ما يمكن أن يقال.

المسألة الرابعة : المشهور في كلام الأصحاب أنه إذا اشترط في العقد ما يخالف المشروع مثل أن لا يتزوج عليها أو لا يتسرى بطل الشرط وصح العقد والمهر ، وكذا لو شرط تسليم المهر في أجل ، فإن لم يسلمه كان العقد باطلا ، لزم العقد والمهر وبطل الشرط.

__________________

(1) أقول : في هذه الرواية ما يدل على ما اخترناه وقدمنا تحقيقه في كتاب البيع من أن العبد يملك وان كان في التصرف محجورا عليه الا بإذن سيده ، وما طعن به ابن إدريس في هذه الرواية من هذه الجهة مردود بأن ما ذكرناه من ملك العبد مستفاد من جملة من الاخبار كما تقدم في الكلام فيه ثمة. (منه ـ قدس‌سره ـ).


قال في المسالك : لا إشكال في فساد الشرط المخالف للمشروع لذلك ، وإنما الكلام في صحة العقد بدون الشرط من حيث إنهما لم يقصدا إلى العقد إلا مقيدا بالشرط المذكور ، وقد سبق غير مرة أن فساد الشرط يوجب فساد العقد عند المصنف والأكثر ، ولكن ظاهرهم هنا هو الاتفاق على صحة العقد ، لأنهم لم ينقلوا فيه خلافا ، انتهى.

واعترضه سبطه السيد السند في شرح النافع فيما ذكره من أن ظاهرهم الاتفاق على صحة العقد وأنهم لم ينقلوا خلافا ، فقال : وهو غير جيد ، فإن العلامة ـ رحمه‌الله عليه ـ حكى في المختلف عن الشيخ في المبسوط أنه قال : إن كان الشرط يعود بفساد العقد ـ مثل أن تشترط الزوجة عليه أن لا يطأها ـ فالنكاح باطل ، لأنه شرط يمنع المقصود بالعقد ، ثم قال في المختلف : والوجه عندي ما قاله الشيخ في المبسوط إلى آخره.

أقول : فيه أن الظاهر من كلام جده في المسالك ومثله المحقق في الشرائع أن مسألة اشتراط أن لا يطأها الزوج غير مسألة اشتراط أن لا يتزوج ولا يتسرى عليها ، وأن الثانية منهما مما لا خلاف في كون الشرط مخالفا للمشروع بخلاف الأولى ، فإن المحقق قد صرح بالمسألتين كل منهما في مقالة على حدة ، فذكر مسألة اشتراط أن لا يتسرى ولا يتزوج بنحو ما قدمنا ، ووصفه بأنه شرط يخالف المشروع ، وحكم فيها ببطلان الشرط وصحة العقد ، ثم ذكر بعدها بلا فصل مسألة اشتراط أن لا يطأها ، واختار لزوم الشرط وصحة العقد ، ومثله الشارح في المسالك فإنه اختار ذلك أيضا ، ونقل كلام الشيخ في المبسوط الذي اعترض به عليه في شرح هذه المقالة ، وهو ظاهر في تغاير المسألتين واختلاف الحكمين ، وأن الاتفاق الذي ادعاه إنما هو بالنسبة إلى الشروط المتفق على كونها مخالفة للمشروع ، وشرط عدم الوطي ـ عنده ، وعند من قال بجواز اشتراطه وهو مذهب الشيخ في النهاية وغيره كما سيأتي إن شاء الله ـ غير مخالف للمشروع ، وبذلك يظهر لك


أن إيراده عليه غير متوجه كما سيظهر لك إن شاء الله تعالى تمام الظهور من الكلام في ثاني هذه المسألة ، على أن جده قد نقل في شرح هذه المسألة ـ أعني مسألة أن لا تشترط ما يخالف المشروع كعدم التزويج والتسري ـ عن الشيخ في المبسوط أنه قال في هذه المسألة : ولا يفسد المهر عندنا. قال في المسالك : وهو ظاهر في الاتفاق عليه ، وصحة المهر إنما يكون مع صحة العقد.

أقول : وفيه كما ترى دلالة واضحة على ما قلناه من تغاير المسألتين ، وأن ظاهر كلام الشيخ في المبسوط في هذه المسألة الاتفاق على صحة العقد بالتقريب الذي أشار إليه جده ، وفي مسألة اشتراط أن لا يطأها ، ذكر ذلك الكلام الظاهر في بطلان العقد كما عرفت ، ويدل أيضا على اختلاف المسألتين اختلاف أخبارهما كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى (1).

والواجب هنا أولا نقل ما وصل إلينا من الأخبار في هذه المسألة ، ثم الكلام بما يتعلق بها من نقض أو إبرام.

فمنها ما رواه الشيخ في التهذيب (2) عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام «في رجل تزوج امرأة وشرط لها إن هو تزوج عليها امرأة أو هجرها أو اتخذ عليها سرية فهي طالق ، فقضى في ذلك بأن شرط الله قبل شرطكم ، فإن شاء وفي لها بالشرط ، وإن شاء أمسكها واتخذ عليها ونكح عليها».

وعن ابن سنان (3) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في رجل قال لامرأته : إن نكحت عليك أو تسريت فهي طالق قال : ليس ذلك بشي‌ء ، إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من اشترط شرطا سوى كتاب الله فلا يجوز ذلك له ولا عليه».

__________________

(1) فان أخبار اشتراط أن لا يتزوج عليها ولا يتسرى قد اتفقت على بطلان الشرط مع صحة العقد ، وأخبار اشتراط أن لا يطأها قد اتفقت على صحة الشرط. (منه ـ قدس‌سره ـ).

(2) التهذيب ج 7 ص 370 ح 63 ، الوسائل ج 15 ص 46 ب 38 ح 1.

(3) التهذيب ج 7 ص 373 ح 71 ، الوسائل ج 15 ص 47 ب 39 ح 39 ح 2.


وما رواه في الكافي (1) عن زرارة «أن ضريسا كان تحته بنت حمران بن أعين ، فجعل لها أن لا يتزوج عليها ولا يتسرى أبدا في حياتها ولا بعد موتها على إن جعلت له هي أن لا تتزوج بعده وجعلا عليهما من الهدي والحج والبدن وكل ما لهما في المساكين إن لم يف كل واحد منهما لصاحبه ، ثم إنه أتى أبا عبد الله عليه‌السلام فذكر ذلك له ، فقال : إن لابنة حمران لحقا ، ولن يحملنا ذلك على أن لا نقول لك الحق ، اذهب وتزوج وتسر ، فإن ذلك ليس بشي‌ء ، وليس شي‌ء عليك ولا عليها وليس ذلك الذي صنعتما بشي‌ء ، فجاء فتسرى وولد له بعد ذلك أولاد».

ورواه في الفقيه (2) عن موسى بن بكر عن زرارة قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إن ضريسا كان تحته أنبه حمران» الحديث. على تفاوت في ألفاظه وزيادة ونقصان.

إلا أنه قد ورد بإزاء هذه الأخبار ما يدل أيضا على لزوم الشرط المذكور.

وهو ما رواه في الكافي (3) عن ابن بزرج قال : «قلت لأبي الحسن موسى عليه‌السلام وأنا قائم : جعلني الله فداك إن شريكا لي كانت تحته امرأة فطلقها فبانت منه فأراد مراجعتها ، وقالت المرأة : لا والله لا أتزوجك أبدا حتى تجعل الله عليك لي إلا تطلقني ولا تزوج علي ، قال : وفعل؟ فقلت : نعم قد فعل ، جعلني الله فداك ، قال : بئس ما صنع وما كان يدريه ما وقع في قلبه في جوف الليل أو النهار ، ثم قال له : أما الآن فقل له : فليتم للمرأة شرطها فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «المسلمون عند شروطهم» الحديث.

وما رواه في التهذيب (4) عن بزرج عن عبد صالح عليه‌السلام قال : قلت : إن رجلا

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 403 ح 6 ، التهذيب ج 7 ص 371 ح 65 مع اختلاف يسير ، الوسائل ج 15 ص 29 ح 2.

(2) الفقيه ج 3 ص 270 ح 70 ، الوسائل ج 15 ص 29 ح 3.

(3) الكافي ج 5 ص 404 ح 8 ، الوسائل ج 15 ص 30 ح 4 مع اختلاف.

(4) التهذيب ج 7 ص 371 ح 66 ، الوسائل ج 15 ص 30 ح 4.


من مواليك تزوج امرأة ثم طلقها فبانت منه فأراد أن يراجعها فأبت عليه إلا أن يجعل لله عليه أن لا يطلقها ولا يتزوج عليها فأعطاها ذلك ، ثم بدا له في التزويج بعد ذلك ، فكيف يصنع؟ قال : بئس ما صنع وما كان يدريه ما يقع في قلبه بالليل والنهار ، قل له فليف للمرأة بشرطها ، فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «المؤمنون عند شروطهم».

قال في التهذيب بعد ذكر الرواية الثانية : ليس بين هذه الرواية والرواية الأولى تضاد ، لأن هذه الرواية محمولة على الاستحباب على أن هذه الرواية تضمنت أنه جعل الله عليه ذلك ، وهذا نذر وجب عليه الوفاء ، وما تقدم في الرواية الأولى جعلا على أنفسهما ولم يقل لله فلم يكن ذلك نذرا يجب الوفاء به.

وفي الاستبصار جوز حمله على التقية ، قال : لموافقته العامة.

أقول : وهذا هو الظاهر الذي يجب حمل الخبرين المذكورين عليه وإلا فالاستحباب قد عرفت ما فيه فيما تقدم ، وأما الحمل على النذر ، ففيه إشكال لأن الظاهر أنه يرجع إلى نذر المباح ، وفي انعقاده خلاف ، أظهره عدم الانعقاد كما تحقق في محله ، والأخبار دلت على أن النذر ليس بشي‌ء حتى يسمى لله شيئا صدقة أو صلاة أو نحو ذلك من الطاعات الراجحة ، ومجرد قوله لله مع كون المنذور إنما هو أن لا يطلقها ولا يتزوج عليها لا يخرج عن المباح.

وبالجملة فالظاهر هو حمل الخبرين على التقية ، ويكون العمل على تلك الأخبار المؤيدة باتفاق الأصحاب على الحكم المذكور.

ثم إن من الأخبار الدالة على صحة العقد مع بطلان الشرط خلافا لما زعموه من أن مقتضى القواعد بطلان العقد ببطلان الشرط من حيث عدم القصد إلى العقد إلا مقيدا بالشرط ـ ما رواه الشيخ (1) في الصحيح عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام «في الرجل يتزوج المرأة إلى أجل مسمى فإن جاء بصداقها إلى أجل

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 370 ح 61 مع اختلاف يسير ، الوسائل ج 15 ص 46 ب 38 ح 1.


مسمى فهي امرأته ، وإن لم يأت بصداقها إلى الأجل فليس له عليها سبيل ـ وذلك شرطهم بينهم حين أنكحوا ـ فقضى للرجل أن بيده بضع امرأته وأحبط شرطهم».

ورواه الكليني (1) أيضا بسند فيه سهل.

وعن محمد بن قيس (2) في الصحيح عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «قضى علي في رجل تزوج امرأة وأصدقها واشترطت في ذلك أن بيدها الجماع والطلاق ، قال : خالفت السنة ، وولت الحق من ليس بأهله ، قال : فقضى علي عليه‌السلام أن على الرجل النفقة وبيده الجماع والطلاق وذلك السنة».

وفي معناها أخبار عديدة تقدمت في كتاب البيع ، ومنها أخبار بريرة (3).

ومما يدل على ما هو المشهور هنا ما رواه في الكافي والتهذيب (4) عن هارون ابن مسلم عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قلت له : ما تقول في رجل جعل أمر امرأته بيدها؟ قال : فقال : ولى الأمر من ليس أهله وخالف السنة ، ولم يجز النكاح».

أقول : ويمكن حمل إطلاق الخبر الأول على هذا الخبر : فإنه صريح في بطلان النكاح ، والسابق لا ظهور له في ذلك ، وإن استدل به أصحابنا على صحة العقد مع بطلان الشرط ، إلا أنه عندي غير ظاهر في حكم العقد من صحة أو بطلان ، بل هو مطلق ، والذي قدمناه من التحقيق في هذا المقام هو أنه لما كانت الأخبار مختلفة في ذلك فالواجب الوقوف على ما دلت عليه من غير أن يكون

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 402 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 46 ب 38 ح 1.

(2) الكافي ج 5 ص 403 ح 7 وفيه «عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ» مع اختلاف ، التهذيب ج 7 ص 369 ح 60 ، الفقيه ج 3 ص 269 ح 61 مع اختلاف يسير ، الوسائل ج 15 ص 40 ب 29 ح 1 مع اختلاف يسير.

(3) التهذيب ج 7 ص 341 ح 26 ، الوسائل ج 14 ص 561 ح 9.

(4) الكافي ج 6 ص 137 ح 4 ، التهذيب ج 8 ص 88 ح 220 وفيه «مروان بن مسلم» ، الوسائل ج 15 ص 336 ح 5.


هنا قاعدة يبنى عليها كما ذكروه ، وما لم يرد فيه خبر ينبغي التوقف في الحكم.

وكيف كان فالعمل في المسألة على ما دلت عليه الأخبار المتقدمة من صحة العقد وبطلان الشرط في صورة اشتراط أن لا يتزوج ولا يتسرى ، وكذا في صورة اشتراط تسليم المهر إلى أجل.

وقد صرح في المسالك بأن في المسألة وجها أو قولا بصحة العقد دون المهر ، ثم شرح ذلك بما هو مذكور ثمة (1) وهو اجتهاد في مقابلة النصوص ، ومن ثم أعرضنا عن ذكره وطوينا الكلام دون نشره ، فإن مقتضى النصوص المذكورة هو صحة العقد والمهر وبطلان الشرط خاصة ، والله العالم.

المسألة الخامسة : اختلف الأصحاب فيما لو شرطت أن لا يفتضها على أقوال : (أحدها) ما ذهب إليه الشيخ في النهاية من لزوم الشروط وصحة العقد في الدائم والمنقطع ، وبه قال جمع من الأصحاب منهم المحقق في الشرائع ، والشارح في المسالك.

__________________

(1) قال ـ قدس‌سره ـ في تعليل ما نقلناه عنه : لان الشرط كالعوض المضاف الى الصداق حيث يكون من المرأة ، أو كجزء من المعوض ، والصداق مبذول في مقابلة الجميع ، وبفساد الشرط يفوت بعض العوض والمعوض وقيمته مجهولة ، فلا يعلم قدر الصداق في الأول ولا نصيب الباقي في الثاني ، فيثبت مهر المثل وهو متجه لأنه في الأول قد رضى ببذله مع التزام ترك حق ، فمع انتفاء اللزوم يكون الرضا به أولى ، ولأنها في الثاني قد رضيت به مع ترك حق لها ، فبدونه أولى به ، انتهى.

وفيه ما عرفت من غير مقام من الكتاب من أن مقابلة النصوص بهذه التعليلات العقلية جرأة عليهم ـ صلوات الله عليهم ـ ، أرأيت أنهم ـ عليهم‌السلام ـ يطلقون الأحكام في النصوص ، ولا يعلمون ما ذكره هو وغيره من هذه التعليلات المذكورة ونحوها ، ولله در سبطه في شرح النافع حيث قال بعد نقل ملخص كلامه : وهذا الاحتمال لا يخلو من ضعف ، لأنه ان اعتبر حصول الرضا بالعقد بدون الشرط اتجه الحكم بفساد العقد ، وان عول على الرواية وجب المصير الى القول بالصحة في مواردها ، والله العالم (ـ منه قدس‌سره ـ).


قال في النهاية : لو شرطت عليه في حال العقد أن لا يفتضها لم يكن له افتضاضها فإن أذنت له بعد ذلك في الافتضاض جاز له ذلك.

وقال المحقق في الشرائع : وإذا شرط أن لا يفتضها لزم الشرط ، ولو أذنت بعد ذلك جاز عملا بإطلاق الرواية ، وقيل : يختص لزوم هذا الشرط بالنكاح المنقطع وهو تحكم.

واستدلوا على ذلك بما تكرر من الحديث المستفيض (1) «المؤمنون عند شروطهم».

وما رواه الشيخ (2) عن سماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قلت له : رجل جاء إلى امرأة فسألها أن تزوجه نفسها ، فقالت : أزوجك نفسي على أن تلتمس مني ما شئت من نظر والتماس ، وتنال مني ما ينال الرجل من أهله إلا أنك لا تدخل فرجك في فرجي وتلذذ بما شئت فإني أخاف الفضيحة ، قال : ليس له منها إلا ما اشترط».

ورواه في الكافي (3) عن عمار بن مروان عن أبي عبد الله عليه‌السلام مثله.

وعن إسحاق بن عمار (4) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قلت له رجل تزوج بجارية عاتق على أن لا يفتضها ، ثم أذنت له بعد ذلك ، قال : إذا أذنت له فلا بأس».

والرواية الأولى دالة على جواز اشتراط عدم الوطي مطلقا ، وإن لم يكن بطريق الافتضاض ، وهما بإطلاقهما شاملتان للعقد الدائم والمنقطع.

و (ثانيها) ما ذهب إليه الشيخ في المبسوط من بطلان الشرط والعقد معا في الدائم وصحة الشرط في المنقطع ، وهو مذهب العلامة في المختلف وولده في الشرح

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 371 ذيل ح 66 ، الوسائل ج 15 ص 30 ح 4.

(2) التهذيب ج 7 ص 369 ذيل ح 58 ، الوسائل ج 15 ص 45 ح 1.

(3) الكافي ج 5 ص 467 ح 9 ، التهذيب ج 7 ص 270 ح 85 ، الوسائل ج 14 ص 491 ب 36 ح 1.

(4) التهذيب ج 7 ص 369 ذيل ح 59 ، الوسائل ج 15 ص 45 ح 2.


واختاره المحقق الشيخ علي في شرح القواعد (1) والسيد السند في شرح النافع ، قال في المبسوط : إذا كان الشرط يعود بفساد العقد مثل أن تشترط الزوجة عليه أن لا يطأها فالنكاح باطل ، لأنه شرط يمنع المقصود بالعقد ، قال : وقد روى أصحابنا أن العقد صحيح والشرط صحيح ولا يكون له وطؤها ، فإن أذنت فيما بعد كان له ذلك ، قال : وعندي أن هذا يختص عقد المتعة دون عقد الدوام ، ومثله قال القطب الكيدري.

قال في المختلف بعد نقل الأقوال في المسألة : والوجه عندي ما قاله الشيخ في المبسوط من بطلان العقد والشرط معا ، أما الشرط فلأنه مناف لمقتضى العقد ، ومن أهم مقتضياته حصول التناسل ، وهو يستدعي الوطي ، وأما العقد فلعدم الرضاء به بدون الشرط.

واحتجوا على الجواز في المنقطع بأن المقصود الأصلي من التمتع التلذذ وكسر الشهوة دون التوالد والتناسل ، وذلك لا يستدعي الوطي ، وعليه نزلوا الروايتين المذكورتين.

قال في المسالك : وهذا لا يخلو من التحكم كما قاله المصنف ، لأن النص مطلق ، والمقاصد في النكاح مطلقا مختلفة ، وجاز أن يكون المطلوب من الدائم ما ادعوه في المنقطع وبالعكس ، ولا يعتبر في صحة العقد تتبع غايته ، ولا رعاية مقاصده الغائية ، بل يكفي قصد بعضها ، وهو متحقق في المتنازع فيهما ، انتهى ، وهو جيد.

و (ثالثهما) ما ذهب إليه ابن إدريس وجماعة من فساد الشرط في الدائم

__________________

(1) قال المحقق الشيخ علي ـ رحمه‌الله ـ وأما البطلان في الدوام فلانه مناف لمقتضاه لان المقصود الأصلي منه النسل ، ومن أهم مقتضياته حصول التناسل وهو يستدعي الوطي فيكون الشرط فاسدا ويفسد به العقد للمنافاة وعدم الرضا بالعقد الا به ، انتهى.

(منه ـ قدس‌سره ـ).


والمنقطع ، وصحة العقد ، قال في كتاب السرائر : إن شرط ما يخالف الكتاب والسنة كان العقد صحيحا ، والشرط باطلا ، وروى أنه إن شرطت عليه في حال العقد أن لا يفتضها لم يكن له افتضاضها ، فإن أذنت له بعد ذلك في الافتضاض جاز له ذلك ، فأوردها شيخنا أبو جعفر في نهايته إيرادا لا اعتقادا ، لأنه رجع عنه في مبسوطه ، وقال : ينبغي أن يخص هذه الرواية بالنكاح المؤجل دون الدوام ، لأن المقصود من ذلك الافتضاض ، والذي يقتضيه المذهب الأول ، إذ الشرط باطل لأنه مخالف لموضوع الكتاب والسنة ، ولأن الأصل براءة الذمة من لزوم هذا الشرط ، والإجماع غير منعقد عليه ، بل ما يورد ذلك إلا في شواذ الأخبار ، انتهى.

أقول : أما ما ذهب إلى بطلان العقد استنادا إلى تلك القاعدة التي قرروها ، والضابطة التي اعتبروها فهو مردود بما قدمنا تحقيقه في غير موضع من أن أكثر الأخبار خرجت على خلاف هذه الضابطة وإن دل بعضها على اعتبارها ، فهي حينئذ لا تصلح لأن تكون ضابطة كلية ترد في مقابلتها الأخبار ، بل الواجب هو العمل على الأخبار في كل حكم وأفقت تلك الضابطة أو خالفتها ، ومع عدم وجود خبر فالتوقف في المسألة والرجوع إلى الاحتياط.

وأما من ذهب إلى فساد الشرط فهو أيضا مبني على ما ذكروه وادعوه من أن الغرض من النكاح الدائم والتوالد والتناسل الذي يتوقف على الجماع ، وأنه بذلك يكون هذا الشرط مخالفا للكتاب والسنة.

وفيه ما ذكره شيخنا الشهيد الثاني فإنه كلام موجه ، ويرجع ذلك إلى منع مخالفة الكتاب والسنة ، فإنه حيث دل الخبر على صحة اشتراطه فلا مخالفة فيه ، وأنه شرط سائغ كغيره من الشروط السائغة ، والغرض من النكاح غير منحصر في الجماع ولا طلب الولد فإن (1) كان هو أعظم غاياته.

بقي الكلام في الأخبار المذكورة ، ولا ريب أن ظاهرها العموم للنكاح الدائم

__________________

(1) الصحيح «وان» ولعله اشتباه وقع من النساخ.


والمنقطع ، إلا أن احتمال الحمل على المنقطع قائم بقرينة ذكر خوف الفضيحة في الرواية الاولى.

و (رابعها) ما ذهب إليه ابن حمزة وهو كقول ابن إدريس في الدائم مع الحكم بصحتها في المنقطع ، قال ـ على ما نقله عنه في المختلف ـ : الشرط الذي لا يقتضيه العقد ويخالف الكتاب والسنة يبطل الشرط ، دون العقد ، وهي تسعة ، اشتراطها عليه أن لا يتزوج عليها في حياتها وبعد وفاتها ولا يتسرى ولا يجامعها إلا في نكاح المتعة.

أقول : ووجهه يعلم مما تقدم ، وكيف كان فإن المسألة لما عرفت لا تخلو من شوب الاشكال ، وإن كان الأقرب هو القول الأول (1) وينبغي التنبيه على أمرين :

الأول : المذكور في كلام الأصحاب في هذا المقام هو اشتراط عدم الافتضاض ، والظاهر جريان الحكم في الوطي مطلقا كما تضمنه خبر سماعة ، وحينئذ فيجري فيه الكلام كما في الافتضاض ، وهل اشتراط عدم التقبيل ونحوه ومن مقدمات الوطي معه كذلك؟ قال في شرح القواعد : لم أقف فيه على شي‌ء ، وإلحاقه باشتراط عدم الوطي ليس ببعيد ، وينبغي أن يستوي في ذلك الدوام والمتعة ، انتهى.

وقال في المسالك : ولو اشترط ترك بعض مقدمات الوطي ففي إلحاقه باشتراط تركه وجهان : من مساواته له في المقتضي ، واختصاص الوطي بالنص ، وفي الأول قوة ، لضعف المخصص.

أقول : لا يخفى أن المقتضي لاشتراط عدم الوطي هو خوف الفضيحة كما تضمنه الخبر الأول ، وهذا لا يجري في مقدمات النكاح من تقبيل ونحوه ، ومورد النص هو الوطي خاصة والخروج عنه إلى تلك الأمور قياس لا يوافق أصول المذهب ،

__________________

(1) لاعتضادها بعموم الآية أعنى قوله تعالى «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» والخبر المستفيض المتقدم الدال على وجوب الوفاء بالشرط والخبرين المذكورين ، وليس لذلك معارض الا ما يدعونه من منافاة الشرط المقصود بالنكاح ، وقد عرفت ما فيه ، ومن هنا استشكل العلامة في القواعد ، وقد عرفت ضعف المعارض. (منه ـ قدس‌سره ـ).


وهو قد عمل بمقتضى النص ، ووافق الشيخ في النهاية فيما أفتى به عملا بالنص المذكور ، وكيف يطعن فيه بالضعف هنا ، وهو قد عمل به في الأصل المسألة؟

الثاني : قد عرفت أنه على القول بصحة شرط عدم الافتضاض فإنه يلزم ولا يجوز له الاقتضاض ، فإذا أذنت بعد ذلك ففي جوازه قولان :

(أحدهما) الجواز ، وبه قطع الشيخ والمحقق فيما تقدم من عبارتيهما ، وعليه دل خبر إسحاق بن عمار ، وعلل أيضا بأن المنع حق لها فيزول بإذنها إذ الزوجية متحققة.

و (ثانيهما) العدم ، لأن الفروج لا تحل بالاذن بل بالعقد ، ولما لم يكن العقد مثمرا للحل لم يكن للاذن اعتبار.

وأجيب عنه بأن السبب في الحل هو العقد المتقدم ، لا مجرد الإذن ، غاية الأمر أن الشرط كان مانعا من عمل السبب عمله ، وبالاذن يرتفع المانع ، وظاهر المحقق الشيخ علي في شرح القواعد اختيار الثاني محتجا بما نقلناه ، وأن الرواية ضعيفة ، وفيه ما عرفت من الجواب عما احتج به ، والطعن بضعف الرواية غير مسموع عندنا.

وقال في شرح النافع ـ بعد ذكر دليل القول الثاني وجوابه ـ : والمسألة محل تردد ، وإن كان القول بالجواز لا يخلو من قرب ، والظاهر أن منشأ التردد عنده ضعف الرواية الدالة على الجواز.

وبالجملة فالعمل على ما دل عليه الخبر ، ولا يلتفت إلى هذه التعليلات في مقابلته.

المسألة السادسة : اختلف الأصحاب فيما إذا اشترط أن لا يخرجها من بلدها ، فقيل : يلزم الشرط ، وهو قول الشيخ في النهاية ، قال في الكتاب المذكور : ومتى شرط الرجل لامرأته في حال العقد أن لا يخرجها من بلدها لم يكن له أن يخرجها إلا برضاها ، وتبعه على ذلك جمع من الأصحاب منهم ابن حمزة وابن البراج


والعلامة في المختلف والإرشاد والشهيد في اللمعة وشرح نكت الإرشاد ، وظاهر المحقق في الشرائع التوقف فيه ، حيث قال : قيل يلزم وهو المروي ، فإن نسبته إلى قيل ثم إلى الرواية مما يؤذن بتمريضه والتوقف فيه ، ونحو ذلك عبارة العلامة في القواعد أيضا.

ويدل عليه صريحا ما رواه الشيخ (1) في الصحيح عن أبي العباس عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في الرجل يتزوج امرأة ويشترط لها أن لها يخرجها من بلدها ، قال : يفي له لذلك (أو قال :) يلزمه ذلك».

وما رواه في التهذيب (2) عن علي الميثمي عن ابن عمير قال : «قلت لجميل ابن دراج : رجل تزوج امرأة وشرط لها المقام بها في أهلها أو بلد معلوم ، فقال : قد روى أصحابنا عنهم عليهم‌السلام أن ذلك لها ، وأنه لا يخرجها إذا شرط ذلك لها».

ويدل عليه عموما أيضا ما رواه في التهذيب عن السكوني (3) عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام «أن عليا عليه‌السلام كان يقول : من شرط لامرأته شرطا فليف لها به فإن المؤمنين عند شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما».

ويؤكده أيضا أن ذلك شرط مقصود للعقلاء ، والأغراض تتعلق باللبث في المنازل والاستيطان في البلدان التي حصل بها الأنس ، والنشوء بين الأهل ورعاية مصلحتها وذلك أمرهم ، فجاز اشتراطه لهذه الأغراض الصحيحة المترتبة عليه.

وذهب ابن إدريس إلى بطلان الشرط وصحة العقد ، وتبعه عليه جميع منهم المحقق الشيخ علي في شرح القواعد ، ونقل أيضا عن الشيخ في المبسوط والخلاف

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 402 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 372 ح 69 ، الوسائل ج 15 ص 49 ح 1.

(2) التهذيب ج 7 ص 373 ح 72 ، الوسائل ج 15 ص 49 ح 3.

(3) التهذيب ج 7 ص 467 ح 80 لكن عن إسحاق بن عمار وفيه «المسلمين» بدل «المؤمنين» ، الوسائل ج 15 ص 50 ح 4.


قالوا : لأن الاستمتاع بالزوجة في جميع الأزمنة والأمكنة حق للزوج بأصل الشرع فإذا شرط ما يخالفه بطل.

وأجابوا عن الرواية الأولى حيث إنها هي المتداولة في كلامهم بالحمل على الاستحباب ، وفيه أن الحمل على الاستحباب ـ الذي هو خلاف الظاهر ـ فرع وجود المعارض الأقوى ، والمعارض هنا ليس إلا هذا التعليل ، وضعفه ظاهر للمتأمل بعين الإنصاف.

فإن فيه (أولا) إن ما ادعى من كون الاستمتاع في جميع الأزمنة والأمكنة حقا للزوج إن أريد مع عدم الشرط فهو مسلم ولا يضرنا ، وإن أريد ولو مع الشرط فهو محل البحث وعين المتنازع فيه ، فالاستدلال به مصادرة محضة.

و (ثانيا) إنه لا تخفى أن الشروط إنما هي بمنزلة الاستثناء في الكلام الذي هو عبارة عن إخراج ما لو لا استثناء لدخل بمعنى أن مقتضى العقد هو الدخول ولكن بالاشتراط يجب خروجه ، ولو كان اشتراط ما يخالف الثابت بالعقد والشرع باطلا للزم بطلان جميع الشروط المخالفة لمقتضى العقد كاشتراط تأجيل المهر ، وإسقاط الخيار في البيع ، وانتفاع البائع بالمبيع مدة معينة ، وكذا المشتري بالثمن مدة معينة ، وهو معلوم البطلان ، والمستفاد من الأخبار أن البطلان في الشروط إنما هو باعتبار المخالفة للكتاب والسنة ، وهو المشار إليه بقولهم في تلك الأخبار ، ومنها الرواية التي قدمناها ما أحل حراما أو حرم حلالا ، وبذلك يظهر لك ضعف القول المذكور وأنه بمحل من القصور ، سيما بعد دلالة الأخبار الواضحة عليه كما عرفت عموما وخصوصا ، وينبغي التنبيه على أمور :

الأول : قد نقل جملة من الأصحاب منهم المحقق الشيخ على كما تقدم موافقة مذهب الشيخ في المبسوط والخلاف لما ذهب إليه ابن إدريس من بطلان الشرط ، وصحة العقد في صورة اشتراط أن لا يخرجها من بلدها ، والموجود في عبارة الشيخ في الكتابين إنما هو اشتراط أن لا يسافر بها ، ولهذا اعترضهم في المسالك بأن


عد الشيخ من جملة القائلين بالمنع في المسألة كابن إدريس وغيره ليس كذلك ، قال : لأن السفر أمر آخر غير الخروج من البلد كما لا يخفى والخروج من البلد قد يصدق من غير السفر ، انتهى.

أقول : الظاهر أن ما استدركه ـ رحمه‌الله ـ على الأصحاب ليس في محله لعدم خطور هذه التدقيقات ـ التي جرى عليها هو وغيره من المتأخرين ـ ببال الشيخ ، وذكره عدم السفر إنما أراد به عدم الخروج تجوزا على الغالب من أن الخروج عن البلد لأجل الاستيطان إنما يكون بالسفر.

الثاني : قد صرح في المسالك وغيره في غيره بأنه على قدير القول بصحة الشرط هنا ، فهل يتعدى الحكم إلى شرط أن لا يخرجها من منزلها ومن محلها أم لا؟ وجهان ، من مشاركته النصوص في الحكمة الباعثة على الحكم وعموم الأدلة الأخرى ، ومن عدم النص وبطلان القياس. وقطع الشهيد في اللمعة بالأول ، واختاره السيد السند في شرح النافع ، وقواه جده في المسالك.

وبالثاني صرح المحقق الشيخ علي في شرح القواعد معللا له بأن اشتراط ذلك على خلاف الأصل لما قلناه من أن سلطنة إسكان الزوجة بيد الزوج ، فيقتصر فيه على مورد النص ، قال : والأصح عدم التعدي.

أقول : لا يخفى أن كلام كل من هذين القائلين وما اعتمد عليه في البين مبني على أنه ليس في المسألة إلا صحيحة أبي العباس المذكورة التي موردها الإخراج من البلد ، فإنها هي المتداولة في كلامهم ، والجارية في هذا المقام على رؤوس أقلامهم ، وأما على ما نقلناه من الخبرين الأخيرين فإنه لا إشكال في صحة التعدي إلى ما ذكروه من هذه المواضع.

فإن (الأولى) منهما دلت على أنه لو شرط لها المقام في أهلها أو بلد معلوم وجب عليه الوفاء به ، والأول منهما هو ما ذكروه من أنه شرط لها أن لا يخرجها من منزلها.

و (الثانية) منهما قد دلت على أن من شرط لامرأته شرطا فليف به ،


وعلله بالخبر المستفيض ، ولا ريب أن المفروض هنا من قبيل ذلك ، وحينئذ فالواجب هو الاستدلال بما ذكرناه من الأخبار ، ولا يحتاج إلى ما بنوه عليه ، ووقعوا به بسببه في التردد من تلك الوجوه ، إلا أنهم لعدم الاطلاع على هذه الأخبار في عذر مما أوردناه عليهم ، ثم إنه مع قطع النظر عن هذين الخبرين والرجوع إلى ما ذكروه من التعليلات ، فالظاهر تعدي الحكم إلى هذه المذكورات عملا بعموم الأدلة الدالة على وجوب الوفاء بالشروط إلا ما استثني ، وليس هذا منه ، وبه يندفع ما قيل من أنه قياس فإن العمل كما يجب بالأدلة الخاصة كذلك بالعمومات مع عدم التخصيص ، وما استند إليه المحقق الشيخ علي من أن سلطنة إسكان الزوجة بيد الزوج قد عرفت الجواب عنه آنفا.

الثالث : هل يسقط هذا الشرط بإسقاطه بعد العقد؟ قيل : لا ، لأن الذي يعقل سقوطه بالإسقاط هو الحق الثابت واستحقاق السكنى يتجدد بتجدد الزمان ، فلا يسقط بالإسقاط كالنفقة ، ويحتمل السقوط كما في إسقاط الخيار ، وهبة مدة المتمتع بها ، وتوقف لذلك السيد السند في شرح النافع.

أقول : لا ريب أن الشرط المذكور هو أن لا يخرجها من البلد ، وإسقاطه هو الرضاء بالخروج ، ولا ريب في أنه مع الرضاء بالخروج مع طلب الزوج ذلك ، فإن الواجب شرعا هو الخروج لوجوب طاعته بمقتضى الأدلة ، ولا معارض لها هنا مع رضاها ، ولو تم ما ذكروه من عدم السقوط بإسقاطها الشرط المذكور لكان لها التخلف عن طاعته بغير عذر شرعي ، وهو باطل ، والظاهر أن ما ذكروه من عدم السقوط بالإسقاط إنما هو بالنسبة إلى الحق المالي الذي يتجدد بتجدد الزمان كنفقة الزوجة مثلا ، لا مطلق الحق ، والحق الذي لها هنا هو عدم الخروج ومتابعته فيه لا السكنى كما ذكروه ، فإذا أسقطت حقها ورضيت بالخروج سقط ووجب عليها الخروج مع طلب الزوج ذلك.

المسألة السابعة : لو شرط لها مائة دينار إن خرجت معه ، وخمسين إن


لم تخرج معه ، فإن أخرجها إلى بلد الشرك يبطل شرطه ولزمته المائة ، وإن أخرجها إلى بلاد الإسلام لزم الشرط.

والمستند في هذا الحكم ما رواه الكليني (1) في الحسن عن علي بن رئاب عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام قال : «سئل وأنا حاضر عن رجل تزوج امرأة على مائة دينار على أن تخرج معه إلى بلاده» فإن لم تخرج معه فمهرها خمسون دينار ، أرأيت إن لم تخرج معه إلى بلاده؟ قال : فقال : إن أراد أن يخرج بها إلى بلاد الشرك فلا شرط له عليها في ذلك ، ولها مائة دينار التي أصدقها إياها ، وإن أراد أن يخرج بها إلى بلد المسلمين ودار الإسلام فله ما اشترط عليها ، والمسلمون عند شروطهم ، وليس له أن يخرج بها إلى بلاده حتى يؤدي إليها صداقها ، أو ترضى من ذلك بما رضيت وهو جائز له».

أقول : لا ريب أن هذه المسألة من فروع المسألة السابقة ، فكل من منع من صحة هذا الشرط ثمة كابن إدريس ومن تبعه منع من الصحة هنا ، وإن صح العقد.

ومن جوز الشرط وقال بصحته ثمة ، فبعض منهم قالوا بذلك هنا أيضا ، وبعض توقف وتنظر هنا.

ومن الأولين الشيخ في النهاية وجماعة منهم العلامة في أكثر كتبه ، والمحقق في النافع عملا بالخبر المذكور وعموم الأمر بالوفاء بالشروط.

ومن الآخرين المحقق في الشرائع فإنه حكم بالصحة في المسألة الاولى ، وتردد في هذه المسألة.

ثم إن قوله عليه‌السلام في الجواب «إن أراد أن يخرج بها إلى بلاد الشرك» إلى آخره معناه أنه لما اشترط عليها أن يخرج إلى بلاده ، وهو أعم من أن يكون بلاد الإسلام أو بلاد الشرك أراد عليه‌السلام إيضاح الحكم بالنسبة إلى كل

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 404 ح 9 ، التهذيب ج 7 ص 373 ح 70 ، الوسائل ج 15 ص 49 ح 2.


من الفردين ، فقال : إن كان بلاده التي شرط الخروج إليها بلاد الشرك فإنه لا شرط له عليها في ذلك ، بمعنى أن شرطه باطل ، والوجه فيه ظاهر ، لما في الإقامة في بلاد الشرك من الشرر بالمسلم في دينه ، فلا يجب عليها إطاعته ، وكان لها مجموع المائة الدينار التي أصدقها إياها ، وإن كان بلاده بلاد الإسلام فله ما اشترط عليها ، بمعنى أنه يجب عليها متابعته والوفاء بما شرطه عليها من الخروج إلى بلاده ، لدخوله في الحديث المشهور (1) «المسلمون عند شروطهم».

بقي هنا شي‌ء ، وهو أنه قد طعن جملة من الأصحاب في متن هذه الرواية بمخالفتها لمقتضى الأصول في مواضع : (أحدها) مجهولية المهر وعدم تعينه ، حيث جعله مائة على تقدير ، وخمسين على تقدير.

و (ثانيها) إنه أوجب فيها مائة دينار على تقدير إرادة الخروج بها إلى بلاد الشرك ، وإنه لا شرط له عليها ، بمعنى أنه لا يجب عليها الخروج معها مع أنه خلاف الشرط الذي وقع العقد عليه ، لأن استحقاق المائة إنما وقع على تقدير الخروج معه إلى بلاده كائنة ما كانت ، فكيف تستحق المائة مع عدم الخروج؟

و (ثالثهما) الحكم بعدم جواز إخراجها إلى بلاده ـ وإن كانت دار الإسلام ـ إلا بعد أن يعطيها المهر الشامل لما لو كان ذلك قبل الدخول وبعده ، مع أنه بعد الدخول لا يجوز لها الامتناع عند أكثر الأصحاب ، كما تقدم على أنه لا يجب عليه إعطاء المهر مطلقا من دون أن تطلبه ، مع أنه قد حكم في الرواية بعدم جواز خروجه بها إلا بعد أن يؤدي صداقها ، ولو لم تطلبه ، وربما كان منشأ تردد المحقق كما قدمنا نقله عنه من هذه المخالفات التي اشتملت عليها الرواية ، وظاهر المحقق الشيخ علي في شرح القواعد بناء على مذهبه في المسألة السابقة

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 404 ح 8 و 9 ، التهذيب ج 7 ص 373 ح 70 ، الوسائل ج 15 ص 49 ح 2.


من موافقة ابن إدريس في بطلان الشرط ، رد الرواية هنا بما اشتملت عليه من هذه المخالفات مضافا إلى ما اعتمد من المخالفات التي ذكرها في تلك المسألة.

قال في المسالك : والذي يوافق الأصل بطلان الشرط المذكور لما ذكرناه ، وبطلان المهر لكونه غير معين ، وصحة العقد لعدم ارتباطه به كما سلف في نظائره ، ولعدم القائل ببطلانه ، وإن كان محتملا ، وعلى هذا فيثبت لها مهر المثل لكونه مجهولا ابتداء ، ثم أورد على نفسه جملة من الإشكالات في المقام. إلى أن قال : ولو عملنا بالرواية لجودة سندها كان حسنا ، وسلمنا من هذا الاشكال ، ثم ذكر الاعتذار عن تلك المخالفات.

وقال سبطه السيد السند في شرح النافع : والحق أنه إن بلغت الرواية من حيث السند حدا يجب معه العمل بها ، وجب المصير إلى ما تضمنته من الأحكام ، إذ ليس فيها ما يخالف دليلا قطعيا وإلا وجب ردها والرجوع إلى مقتضى الأصول المقررة ، وهو بطلان المسمى إن قدح فيه مثل هذه الجهالة ، والرجوع إلى مهر المثل أو بطلان العقد من رأس ، لعدم الرضاء به دون الشرط ، انتهى.

أقول : وكلامه هنا كلام متردد ومتوقف ، ولعله من حيث إن الرواية ليست من قسم الصحيح باصطلاحهم ، وإنما هي من الحسن ، وكلامه فيه لا يخلو من اضطراب مع أن حسنها إنما هو بإبراهيم بن هاشم الذي لا راد لحديثه ، بل عده في الصحيح جملة من أرباب هذا الاصطلاح.

ثم إنه لا يخفى أنه قد تقدم في غير موضع من هذا الكتاب في كتب المعاملات مما لا يكاد يحصى كثرة من ورود الأحاديث على خلاف قواعدهم المقررة وضوابطهم المعتبرة واضطراب كلامهم في ذلك ، فما بين أن يعملوا بالأخبار في بعض تلك المواضع ، ويغمضون النظر عن تلك القواعد ، وما بين أن يردوا النصوص وقوفا على تلك القواعد ، وما بين أن يتكلفوا الجمع بين الجميع.

والحق هو الوقوف على ما وردت به الأخبار كما قدمنا في غير موضع على


أن المخالفة الاولى مدفوعة بما تقدم في كتاب البيع (1) من الأخبار الدالة على صحة البيع مع الترديد في الثمن بين كونه نسبة بكذا وكذا ونقدا بكذا وكذا ، وقد ذكرنا ثمة صحة ذلك كما دلت عليه الأخبار وإن كان خلاف قواعدهم ، وقد صرحوا أيضا بالصحة فيما لو قال : إن خطته كذا فلك كذا ، وإن خطته كذا فلك كذا ، وهذا كله مما يؤيد الصحة هنا مع أنه قد تقدم النقل عنهم بالاكتفاء في المهر بالمشاهدة عن الكيل والوزن فيما يشترط فيه الكيل والوزن نظرا إلى أن مثل هذه الجهالة غير مؤثرة في بطلان المهر ، لأنه ليس على حد المعاوضات المشترطة فيها المعلومية من كل وجه ، وقد تقدم في المسألة الرابعة من البحث الأول من المقصد الثاني في المهور ما فيه مزيد تأييد لما ذكرناه وتأكيد لما سطرناه ، وبالجملة فالعمل على ما دل عليه الخبر في المقام ، وهكذا في غير هذا من الأحكام ، والله العالم.

المسألة الثامنة : المشهور بين الأصحاب بطلان النكاح بشرط الخيار ، وبه قطع الشيخ في المبسوط وغيره من المتأخرين ، وعللوه بأن النكاح ليس من عقود المعاوضات القابلة لخيار الشرط ، بل فيه شائبة العبادة ، فالشرط يخرجه عن وضعه ، وحينئذ فيبطل الشرط ، وأما بطلان العقد فلأن التراضي لم يقع على العقد إلا مقترنا بالشرط المذكور ، وإذا لم يتم الشرط لم يصح العقد مجردا لعدم القصد إليه كذلك ، وصحة العقود مترتبة على القصود ، فليس إلا الحكم ببطلانهما معا وصحتهما معا ، لكن لا سبيل إلى الثاني ، لمنافاته وضع النكاح كما عرفت ، فتعين الأول ، قال في المسالك : وهذا هو الأقوى.

أقول : مبني هذا الاستدلال على ثبوت هذه القاعدة التي تكررت في كلامهم ، وهي أن العقود بالقصود ، والقصد هنا إنما توجه للعقد المقرون بذلك الشرط ، وحينئذ فيبطل مع بطلان الشرط ، لعدم القصد المذكور ، وفيه ما نبهنا

__________________

(1) ج 19 ص 122.


عليه في غير موضع مما تقدم من أن الأخبار الواردة في هذا المضمار تدفع هذه القاعدة ، وتبطل ما يترتب عليها من الفائدة لتكاثرها بصحة العقد مع بطلان الشرط في غير موضع من الأحكام.

وبذلك يظهر لك قوة ما ذهب إليه ابن إدريس في هذه المسألة من صحة العقد وبطلان الشرط ، ووجهه ما أشار إليه من وجود المقتضي لصحة العقد ، وهو اجتماع شرائط الصحة فيه ، لأنه الفرض ، وانتفاع المانع إذ ليس إلا اشتراط الخيار فيه وإذا كان العقد غير قابل للخيار لنفي شرطه ، وعمل بمقتضى العقد لأصالة الصحة ، وعموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (1) كما لو اقترن بغيره من الشرائط الفاسدة ، فإن كل واحد من العقد والشرط أمر منفك عن الآخر ، فلا يلزم من بطلان أحدهما بطلان الآخر ، وبالغ في ذلك فقال : إنه لا دليل على البطلان من كتاب ولا سنة ولا إجماع ، بل الإجماع على الصحة لأنه لم يذهب إلى البطلان أحد من أصحابنا ، وإنما هو تخريج المخالفين وفروعهم ، إختاره الشيخ على عادته في الكتاب. انتهى ، وهو جيد لما عرفت.

وأما اشتراط الخيار في الصداق فالظاهر أنه لا مانع من صحته وقد تقدم تحقيق القول في هذه المسألة بكلا فرديها في المسألة السادسة من الفصل الأول في العقد.

المسألة التاسعة : المشهور بين الأصحاب أن المرأة تملك المهر بمجرد العقد ، وإن كان الملك كملا لا يستقر إلا بالدخول ، فلو طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصفه إن كان قد دفعه إليها ، وخالف في ذلك ابن الجنيد ، فقال : الذي يوجبه العقد من المهر المسمى النصف ، والذي يوجب النصف الثاني من المهر بعد الذي وجب بالعقد منه هو الوقاع ، أو ما قام مقامه من تسليم المرأة نفسها لذلك.

__________________

(1) سورة المائدة ـ آية 1.


احتج من ذهب إلى الأول بقوله عزوجل «وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً» (1) حيث أضاف الصداق إليهن ، ولم يفرق بين قبل الدخول وبعده ، وأمر أيضا بإيتائهن ذلك ، فثبت أن الكل لهن ، وأن الصداق عوض البضع ، فإذا ملك الزوج البضع بالعقد وجب أن تملك المرأة عوضه لأن ذلك مقتضى المعاوضة ، وهذا الوجه من حيث الاعتبار جيد.

ويدل على ذلك أيضا موثقة عبيد بن زرارة المروية في الكافي (2) ، وكذا موثقته المروية في التهذيب (3) وقد تقدمنا في المسألة الثالثة ، وتقدم القول في تقريب الاستدلال بهما ، ويدل على ذلك أيضا الأخبار الآتية إن شاء الله في مسألة موت أحد الزوجين قبل الدخول الدالة على ان الزوجة المتوفى عنها زوجها قبل الدخول تستحق المهر كملا.

ومنها صحيحة منصور بن حازم (4) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يتزوج المرأة فيموت عنها قبل أن يدخل بها ، قال : لها صداقها كاملا وترثه وتعتد أربعة أشهر وعشرا كعدة المتوفى عنها زوجها».

والتقريب فيها أنه لو كان الأمر كما يدعيه ابن الجنيد من أنها لا تملك بالعقد إلا النصف ، والنصف الآخر إنما تملكه بالدخول والتمكين لما حكم عليه‌السلام بأن الصداق بعد الموت لها كاملا ، إلا أنه قد تقدم في المسألة المشار إليها دلالة رواية أبي بصير على ما ذهب ابن الجنيد بالتقريب الذي ذكرناه ثمة ، ومن أجل ذلك بقي الإشكال في المسألة ، والعلامة في المختلف احتج لابن الجنيد بأنه لو ملكت بالعقد لاستقر ولم يزل عن ملكها إلا بسبب ناقل كبيع ونحوه.

__________________

(1) سورة النساء ـ آية 3.

(2) الكافي ج 5 ص 383 ح 3 ، الوسائل ج 14 ص 14 ح 4.

(3) التهذيب ج 7 ص 359 ح 24 ، الوسائل ج 14 ص 14 ح 4.

(4) التهذيب ج 8 ص 146 ح 107 ، الوسائل ج 15 ص 76 ح 23.


وما رواه يونس بن يعقوب (1) عن الصادق عليه‌السلام قال : «لا يوجب المهر إلا الوقاع في الفرج».

وعن محمد بن مسلم (2) عن الباقر عليه‌السلام قال : «سألته متى يجب المهر؟ قال : إذا دخل بها».

قال : وهو يقتضي عدم الوجوب مع عدم الدخول ، ثم رده بما ملخصه : منع الملازمة في الأول ، فإن الوجوب أعم من الاستقرار ، ولأن المتبادر من الوجوب اللزوم ، والاستقرار وانتفاؤه قبل الدخول لا يقتضي انتفاء أصل الملك.

وبالجملة فإن محل الاشكال إنما هو باعتبار دلالة ظاهر رواية أبي بصير المذكورة على ما ادعاه ، وما أجيب به عنها قد عرفت ما فيه مما قدمناه في تلك المسألة ، ولا يحضرني الآن وجه تحمل عليه.

ثم إن مما يتفرع على الخلاف المذكور جواز التصرف لها في المهر قبل القبض وعدمه ، فمتى قلنا بملكها له بمجرد العقد فإنه يجوز لها التصرف فيه قبل القبض وبعده عملا بالخبر المشهور عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله (3) «الناس مسلطون على أموالهم». وقضية التسلط جواز التصرف.

ونقل عن الشيخ في الخلاف أنه منع منه قبل القبض استنادا إلى ما روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله (4) «أنه نهى عن بيع ما لم يقبض». وبأن تصرفها بعد القبض جائز بالإجماع ، ولا دليل على جوازه قبله ، وضعفه أظهر من أن يخفى.

أما (أولا) فلأن النهي في الخبر على إطلاقه ممنوع ، ومورده إنما هو النهي عن بيع ما اشتراه قبل قبضه لا مطلقا ، سلمنا ، لكن لا يلزم من النهي عن بيعه النهي عن مطلق التصرف الذي هو المدعى ، لأن نفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم.

وأما (ثانيا) فإنه يمكن حمل النهي على الكراهة جمعا.

__________________

(1 و 2) التهذيب ج 7 ص 464 ح 67 ، الوسائل ج 15 ص 66 ح 6 و 7.

(3) البحار ج 2 ص 272 ح 7.

(4) التهذيب ج 7 ص 231 ح 26 ، الوسائل ج 12 ص 382 ح 6.


وأما (ثالثا) فلأن نفي الدلالة على جواز التصرف فيه قبل القبض ممنوع ، وسند المنع قد عرفته ، والدليل لا ينحصر في الإجماع.

وأما (رابعا) فإنه قد اعترف قبل هذا الكلام ـ في الكتاب المذكور كما نقله عنه في المختلف ـ بأن المرأة تملك الصداق بالعقد ، وهو في ضمان الزوج إن تلف قبل القبض ، وهو ظاهر المناقضة لما ذكره ، وبالجملة فإن كلامه هنا عليل لا يلتفت إليه ولا يعول عليه.

المسألة العاشرة : قد عرفت أن الأشهر الأظهر هو وجوب المهر كملا بمجرد العقد ، إلا أنه لا يستقر إلا بالدخول ، وأنه لا خلاف نصا وفتوى في استقراره بالدخول. وعليه تدل الأخبار المستفيضة ، وقد تقدم شطر منها في المسألة الثانية من هذا البحث ، وأنه ينتصف بالطلاق قبل الدخول من غير خلاف ، كما دلت عليه الأخبار ، وقد تقدم الكلام في ذلك في المسألة الثالثة.

بقي الكلام هنا في حكم المهر مع موت أحد الزوجين قبل الدخول ، وأنه هل ينتصف المهر بذلك أم لا؟

والواجب أولا نقل ما وصل إلينا من كلامهم ، ثم نقل الأخبار الواردة في المقام ، والكلام فيها بما يسر الله تعالى فهمه ببركة أهل الذكر عليهم‌السلام.

فنقول : قال الشيخ في النهاية : ومتى مات الرجل عن زوجته قبل الدخول بها وجب على ورثته أن يعطوا المرأة المهر كاملا ، ويستحب لها أن تترك نصف المهر ، فإن لم تفعل كان لها المهر كله. وإن ماتت المرأة قبل الدخول بها كان لأوليائها نصف المهر ، وتبعه ابن البراج في الكامل ، وقال في المهذب : لورثتها المطالبة بالمهر ، وقطب الدين الكيدري تابع الشيخ أيضا ، وقال ابن حمزة : يلزم المهر المعين بنفس العقد ، ويستقر بأحد ثلاثة أشياء بالدخول والموت وارتداد الزوج (1).

__________________

(1) أى ارتداده عن فطرة ، وبنحو هذه العبارة عبر الشهيد الثاني في الروضة ، فقال : ويستقر بأحد أمور أربعة : الدخول إجماعا ، وردة الزوج عن فطرة وموته في الأشهر. انتهى ، والظاهر أن الوجه في استقراره بالردة هو ثبوت المهر عليه بالعقد ، فيجب الحكم


وقال ابن إدريس : متى مات أحد الزوجين قبل الدخول استقر جميع المهر كاملا ، لأن الموت عند محصلي أصحابنا يجري مجرى الدخول في استقرار المهر جميعه ، وهو اختيار شيخنا المفيد في أحكام النساء ، وهو الصحيح لأنا قد بينا بغير خلاف بيننا أن بالعقد تستحق المرأة جميع المهر المسمى ، ويسقط بالطلاق قبل الدخول نصفه ، والطلاق غير حاصل إذا مات ، فيقينا على ما كنا عليه من استحقاقه فمن ادعى سقوط شي‌ء منه يحتاج إلى دليل ، ولا دليل على ذلك من إجماع ، لأن أصحابنا مختلفون في ذلك ، ولا من كتاب الله تعالى ، ولا تواتر أخبار ولا دليل عقلي ، بل الكتاب قاض بما قلناه ، والعقل حاكم بما اخترناه ، ثم نسب كلام الشيخ في النهاية إلى أنها أخبار آحاد أوردها إيرادا لا اعتقادا ، فلا رجوع عن الأدلة القاهرة اللائحة ، والبراهين الواضحة بأخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا.

قال في المختلف : وقول ابن إدريس قوي ، ثم قال في المختلف : تذنيب : لو مات الزوج قبل الدخول وجب لها المهر كملا كما نقلناه في صدر المسألة.

وقال الصدوق في المقنع : وفي حديث آخر إن لم يكن دخل بها وقد فرض لها مهرا فلها نصفه ، ولها الميراث وعليها العدة ، وهو الذي أعتمده وأفتي به ، والوجه الأول لما تقدم ، انتهى.

أقول : ظاهر كلامه أنه لا مخالف في وجوب المهر كملا بموت الزوج إلا الصدوق في المقنع ، وقد اقتفاه في نقل هذا القول من تأخر عنه ، والذي وقفت عليه في كتاب المقنع لا يساعد ما تذكروه ، بل ظاهره إنما هو موافقة القول المشهور.

وهذه صورة عبارته في النسخة التي عندي : والمتوفى عنها زوجها التي لم يدخل بها ، إن كان فرض لها صداقا فلها صداقها الذي فرض لها ، ولها الميراث وعدتها أربعة أشهر وعشرا ، كعدة التي دخل بها. وإن لم يكن فرض لها مهرا

__________________

باستمراره الى أن يعمل وجود المسقط ، ولم يثبت أن الردة توجب السقوط.

(منه ـ قدس‌سره ـ).


فلا مهر لها ، وعليا العدة ولها الميراث. وفي حديث آخر إن لم يكن دخل بها وقد فرض لها مهرا فلها نصفه ولها الميراث وعليها العدة.

هذه صورة ما في الكتاب والظاهر منه هو الفتوى بما ذكره أولا من وجوب المهر كملا ، والقول بالنصف إنما نسبه إلى الرواية مؤذنا بضعفه أو التوقف فيه ، كما هو الجاري في عبائر غيره ، فقوله «وهو الذي أعتمده وأفتى به» يعني القول بالتنصيف لا أعرف له وجها ، وهذه عبارته كما عرفت ، ولا يحضرني الآن نسخة اخرى من الكتاب المذكور ، فليتأمل في ذلك.

هذا وأما روايات المسألة فمنها ما رواه في الكافي والتهذيب (1) في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام «في الرجل يموت وتحته امرأة لم يدخل بها ، قال : لها نصف المهر ولها الميراث كاملا وعليها العدة كاملة».

وما رواه في التهذيب (2) عن عبيد بن زرارة في الموثق قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل تزوج امرأة ولم يدخل بها ، قال : إن هلكت أو هلك أو طلقها ولم يدخل بها فلها النصف وعليها العدة كملا ولها الميراث».

وما رواه في الكافي (3) عن عبد الرحمن بن حجاج في الصحيح عن رجل عن علي بن الحسين عليه‌السلام «أنه قال في المتوفى عنها زوجها ولم يدخل بها : أن لها نصف الصداق ولها الميراث وعليها العدة».

وما رواه في الكافي والتهذيب (4) في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 118 ح 1 ، التهذيب ج 8 ص 144 ح 98 ، الوسائل ج 15 ص 71 ح 1.

(2) الكافي ج 6 ص 118 ح 2 ، التهذيب ج 8 ص 144 ح 99 ، الوسائل ج 15 ص 72 ح 3.

(3) الكافي ج 6 ص 118 ح 3 وج 7 ص 132 ح 1 ، الوسائل ج 15 ص 72 ح 5.

(4) الكافي ج 6 ص 118 ح 4 ، التهذيب ج 8 ص 144 ح 100 ، الوسائل ج 15 ص 72 ح 6.


عبد الله عليه‌السلام قال : «إن لم يكن دخل بها وقد فرض لها مهرا فلها نصف ما فرض ولها الميراث وعليها العدة».

وعن زرارة (1) في الصحيح قال : «سألته عن المرأة تموت قبل أن يدخل بها أو يموت الزوج قبل أن يدخل بها؟ فقال أيهما مات فللمرأة نصف ما فرض لها ، وإن لم يكن فرض لها ، فلا مهر لها».

وما رواه في الكافي (2) عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أنه قال في امرأة توفيت قبل أن يدخل بها ، ما لها من المهر؟ وكيف ميراثها؟ فقال : إذا كان قد فرض لها صداقا فلها نصف المهر ، وهو يرثها ، وإن لم يكن فرض لها صداقا فلا صداق لها. وقال في رجل توفي قبل أن يدخل بامرأته ، قال : إن كان فرض لها مهرا فلها نصف المهر ، وهي ترثه ، وإن لم يكن فرض لها مهرا فلا مهر لها».

ورواه في التهذيب (3) في الصحيح مثله إلى قوله «فلا صداق لها».

وما رواه في الكافي والتهذيب (4) عن عبيد بن زرارة وأبي العباس «قالا : قلنا لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما تقول في رجل تزوج امرأة ثم مات عنها وقد فرض لها الصداق؟ فقال : لها نصف الصداق وترثه من كل شي‌ء ، وإن ماتت فهو كذلك».

وعن عبيد بن زرارة (5) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في المتوفى عنها زوجها ولم يدخل بها ، قال : هي بمنزلة المطلقة التي لم يدخل بها ، إن كان سمى لها مهرا فلها نصفه» الحديث.

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 119 ح 5 ، التهذيب ج 8 ص 146 ح 108 ، الوسائل ج 15 ص 73 ح 7.

(2) الكافي ج 6 ص 118 ح 6 ، الوسائل ج 15 ص 73 ح 8.

(3) التهذيب ج 8 ص 147 ح 109 ، الوسائل ج 15 ص 73 ح 8.

(4) الكافي ج 6 ص 119 ح 7 ، التهذيب ج 8 ص 147 ح 110 ، الوسائل ج 15 ص 73 ح 9.

(5) الكافي ج 6 ص 119 ح 9 ، الوسائل ج 15 ص 74 ح 11.


وعن الصيقل وأبي العباس (1) في الموثق عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في المرأة يموت عنها زوجها قبل أن يدخل بها ، قال : لها نصف المهر». الحديث.

وما رواه في الكافي والفقيه (2) عن عبيد بن زرارة في الموثق قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن امرأة هلك زوجها ولم يدخل بها ، قال : لها الميراث وعليها العدة كاملة ، وإن سمى لها مهرا فلها نصفه ، وإن لم يكن سمى لها مهرا ، فلا شي‌ء لها».

وما رواه في الفقيه (3) في الصحيح عن الحسن بن محبوب عن العلاء عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «سألته عن الرجل يتزوج المرأة ثم يموت قبل أن يدخل بها ، فقال : لها الميراث ـ إلى أن قال : ـ وإن كان سمى لها مهرا يعني صداقا فلها نصفه» الحديث.

وما رواه في التهذيب (4) عن الشحام عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في رجل تزوج امرأة ولم يسم لها مهرا فمات قبل أن يدخل بها ، قال : هي بمنزلة المطلقة».

هذا ما وقفت عليه من أخبار التنصيف في موت الزوج.

وأما الأخبار الدالة على الجميع فمنها :

ما رواه في التهذيب (5) عن سليمان بن خالد قال : «سألته عن المتوفى عنها زوجها ولم يدخل بها ، فقال : إن كان فرض لها مهرا فلها مهرها وعليها العدة ولها الميراث وعدتها أربعة أشهر وعشرا ، وإن لم يكن قد فرض لها مهرا فليس لها مهر ، ولها

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 119 ح 10 ، الوسائل ج 15 ص 74 ح 12.

(2) الكافي ج 6 ص 120 ح 11 ، الفقيه ج 3 ص 327 ح 8 ، الوسائل ج 15 ص 72 ح 4.

(3) الفقيه ج 4 ص 229 ب 157 ح 1 ، الوسائل ج 17 ص 529 ح 1.

(4) التهذيب ج 7 ص 458 ح 42 ، الوسائل ج 15 ص 78 ح 4.

(5) التهذيب ج 8 ص 145 ح 101 مع اختلاف يسير ، الوسائل ج 15 ص 75 ح 20.


الميراث وعليها العدة».

وعن الكناني (1) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا توفي الرجل عن امرأته ولم يدخل بها فلها المهر كله إن كان سمى لها مهرا وسهمها من الميراث ، وإن لم يكن سمى لها مهرا لم يكن لها مهر وكان لها الميراث».

وعن الحلبي (2) في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال في المتوفى عنها زوجها إذا لم يدخل بها : إن كان فرض لها مهرا فلها مهرها الذي فرض لها ولها الميراث» الحديث.

ورواه بسند آخر عن زرارة مثله (3).

وعن منصور بن حازم (4) في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يتزوج المرأة فيموت عنها قبل أن يدخل بها ، قال : لها صداقها كاملا وترثه» الحديث.

وعن منصور بن حازم (5) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل تزوج امرأة وسمى لها صداقا ، ثم مات عنها ولم يدخل بها ، قال : لها المهر كاملا ولها الميراث ، قلت : فإنهم رووا عنك أن لها نصف المهر ، قال : لا يحفظون عني إنما ذلك في المطلقة».

أقول : هذا ما حضرني من أخبار المسألة ، وهي كما ترى إنما اختلفت بالنسبة إلى موت الرجل وأكثرها قد دل على التنصيف.

وأما بالنسبة إلى موت المرأة فهي متفقة على التنصيف ، وليس في شي‌ء منها

__________________

(1) التهذيب ج 8 ص 145 ح 102 مع اختلاف يسير ، الوسائل ج 15 ص 76 ح 21.

(2) التهذيب ج 8 ص 146 ح 104 ، الوسائل ج 15 ص 76 ح 22.

(3) التهذيب ج 8 ص 146 ح 105 ، الوسائل ج 15 ص 76 ح 22.

(4) التهذيب ج 8 ص 146 ح 107 ، الوسائل ج 15 ص 76 ح 23.

(5) التهذيب ج 8 ص 147 ح 112 ، الوسائل ج 15 ص 77 ح 24.


دلالة على استحقاق ورثتها لجميع المهر ، وبذلك يظهر لك ضعف قول من ذهب إلى وجوب الجميع في هذه الصورة ، ولا أعرف لهم مستندة في وجوب ذلك إلا وجوب المهر بأصل العقد كما هو ظاهر كلام ابن إدريس فيستصحب الحكم المذكور.

وفيه أنهم قد خرجوا عن ذلك في الطلاق بورود الأخبار الدالة على التنصيف ، والأخبار هنا أيضا قد اتفقت على التنصيف بغير معارض ، فيجب الخروج بها عن حكم الاستصحاب المذكور.

ولهذا قال الشيخ ـ رحمه‌الله ـ في التهذيب : على أن الذي اختاره وأفتي هو أن أقول : إذا مات الرجل عن زوجته قبل الدخول بها كان لها المهر كله ، وإن ماتت هي كان لأوليائها نصف المهر ، وإنما فصلت هذا التفصيل ، لأن جميع الأخبار التي قدمناها في وجوب المهر فإنها تتضمن إذا مات الزوج ، وليس في شي‌ء منها أنها إذا ماتت هي كان لأوليائها المهر كاملا ، وأنا لا أتعدى الأخبار. وأما ما عارضها من التسوية بين موت كل واحد منهما في وجوب نصف المهر فمحمول على الاستحباب الذي قدمناه. وأما الأخبار التي تتضمن أنه إذا ماتت كان لأوليائها نصف المهر ، فمحمولة على ظاهرها ولست أحتاج إلى تأويلها ، وهذا المذهب أسلم لتأويل الأخبار انتهى كلامه.

أقول : أما ما ذكره بالنسبة إلى موت الزوجة فجيد لما عرفته. وأما بالنسبة إلى موت الزوج من أن الواجب هو الجميع فمحل إشكال ، وإن كان هو المشهور في كلامهم ، إلا أن ظاهر صاحبي الكافي والفقيه هو القول بالتنصيف حيث إنهما اقتصرا في نقل أخبار المسألة على أخبار التنصيف ، ولم ينقلا شيئا من أخبار وجوب الجميع ، وإلى هذا يميل كلام المحدثين الفاضل المحسن الكاشاني في الوافي ، والشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي في الوسائل ، وإلى ذلك أيضا يميل كلام السيد السند في شرح النافع بعد الإشكال في المقام ، وهو الأقرب عندي.

أما (أولا) فلتكاثر الأخبار بالتنصيف كما عرفت منها ما نقلناه ، ومنها ما لم


ننقله مما ورد في مواضع من الأحكام.

منها ما رواه في الفقيه (1) عن الحسن بن محبوب عن جميل بن صالح في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في أختين أهديتا إلى أخوين ـ ثم ساق الحديث إلى أن قال : ـ فإن ماتتا؟ قال : يرجع الزوجان بنصف الصداق على ورثتهما ، ويرثانهما الزوجان ، قيل : فإن مات الزوجان؟ قال : ترثانهما ولهما نصف الصداق».

وعن عبد العزيز بن المهتدي عن عبيد بن زرارة (2) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في الرجل يزوج ابنه يتيمة في حجره ، وابنه مدرك واليتيمة غير مدركة ، قال : نكاحه جائز على ابنه ، فإن مات عزل ميراثها منها حتى تدرك ، فإذا أدركت حلفت بالله ما دعاها إلى أخذ الميراث إلا رضاها بالنكاح ، ثم يدفع إليها الميراث ونصف المهر» الحديث.

وفي صحيح أبي عبيدة الحذاء (3) وقد تقدم قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن غلام وجارية زوجهما وليان لهما وهما غير مدركين ـ إلى أن قال : ـ قلت : فإن الرجل أدرك قبل الجارية ورضي بالنكاح ثم مات قبل أن تدرك الجارية ، أترثه؟ قال : نعم يعزل ميراثها منه حتى تدرك فتحلف بالله ما دعاها إلى أخذ الميراث إلا رضاها بالتزويج ، ثم يدفع إليها الميراث ونصف المهر» الحديث.

وفي حديث زرارة (4) عن أبي جعفر عليه‌السلام «في جارية لم تدرك لا يجامع مثلها أو رتقاء ـ إلى أن قال : ـ قلت : فإن مات الزوج عنهن قبل أن يطلق؟ قال : لها

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 407 ح 11 ، التهذيب ج 7 ص 434 ح 41 ، الفقيه ج 3 ص 267 ح 54 ، الوسائل ج 14 ص 396 ح 2.

(2) الفقيه ج 4 ص 227 ح 2 وفيه «عبد العزيز العبدي» ، الوسائل ج 15 ص 74 ح 14.

(3) الكافي ج 5 ص 401 ح 4 ، التهذيب ج 7 ص 388 ح 31 ، الوسائل ج 15 ص 71 ح 2 وج 17 ص 527 ح 1.

(4) الكافي ج 6 ص 107 ح 5 ، التهذيب ج 7 ص 465 ح 74 مع اختلاف يسير ، الوسائل ج 15 ص 70 ح 1.


الميراث ونصف الصداق وعليهن العدة».

وفي حديث عبد الله بن بكير (1) عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في رجل أرسل يخطب عليه امرأة وهو غائب فأنكحوا الغائب وفرضوا الصداق ، ثم جاء خبره أنه توفي بعد ما سبق الصداق لها ، قال : إن كان أملك بعد ما توفي فليس لها صداق ولا ميراث ، وإن كان أملك قبل أن يتوفى فلها نصف الصداق وهي وارثة وعليها العدة».

ويؤيده مفهوم الروايات الكثيرة الدالة على أنه لا يوجب المهر إلا الوقاع في الفرج ، وإذا أدخله وجب الجلد والغسل والمهر ، ونحو ذلك من العبارات.

وأنت خبير بأن أخبار المهر كملا ، وهي الأربع الروايات المتقدمة لا تبلغ قوة في معارضة هذه الأخبار المستفيضة في أحكام عديدة ومواضع متفرقة ، فالواجب هو جعل التأويل في جانبها لقلتها ورجحان ما عارضها بالكثرة والاستفاضة.

وأما (ثانيا) فإنه قد نقل جملة من أصحابنا أن جمهور العامة على القول في هذه المسألة بوجوب المهر كملا.

ويؤيده ما نقله بعض أصحابنا عن كتاب ينابيع الأحكام في معرفة الحلال والحرام حيث قال : ويتقرر المهر كله بالوطء ولو حراما وموت أحدهما ، لانتهاء العقد به ، وهو كاستيفاء المعقود عليه به قبله. انتهى ، قال : وضابطه في الكتاب نقل مذاهبهم الأربعة ، متفقة كانت أو مختلفة ، انتهى.

ويشير إلى ما ذكرناه من حمل أخبار المهر كملا على التقية ، قوله في رواية منصور بن حازم الثانية (2) «قلت : فإنهم رووا عنك أن لها نصف المهر ، قال : لا يحفظون عني إنما ذلك في المطلقة.

ويوضحه ما رواه الثقة الجليل سعد بن عبد الله في بصائر الدرجات عن محمد

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 415 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 367 ح 52 ، الوسائل ج 15 ص 75 ح 16.

(2) التهذيب ج 8 ص 147 ح 112 ، الوسائل ج 15 ص 77 ح 24.


ابن أبي عمير عن جميل بن صالح عن منصور بن حازم (1) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «أما أحد أجد أحدثه وإني لأحدث الرجل بالحديث ، فيتحدث به فأوتى فأقول : إني لم أقله». فإن فيه إشعار بالشكاية من أصحابه في عدم كتمان ما يحدث عن غير أهله ، وأنه إذا سئل بعد ذلك أنكر ما قاله أولا تقية ، ولا يخفى أن الأمر هنا كذلك ، فإن قوله عليه‌السلام بالتنصيف قد استفاض كما عرفت من هذه الأخبار التي ذكرناها على وجه لا يقبل الإنكار ، فإنكاره عليه‌السلام لذلك ، وقوله «لا يحفظون عني» بعد إفتائه بوجوب الجميع إنما خرج مخرج التقية ، وهو بحمد الله سبحانه واضح لكل ذي فكر وروية ، وحمل رواية التنصيف على الاستحباب ـ كما زعمه الشيخ ، بمعنى أنه يستحب للمرأة أخذ النصف خاصة ـ أبعد بعيد لما عرفت من هذه الأخبار وتكاثرها في غير حكم من الأحكام مضافا إلى ما عرفته في غير موضع مما تقدم مما في الحمل على الاستحباب ، وإن اتخذوه قاعدة كلية في جميع الأبواب.

وبالجملة فالظاهر عندي بالنظر إلى ما ذكرته من الأخبار هو القول بالتنصيف وحمل الأخبار المعارضة على التقية التي هي في اختلاف الأخبار أصل كل بلية ، إلا أن لقائل أن يقول : إن مرجع ما اخترعوه إلى ترجيح أخبار التنصيف باعتبار مخالفتها للعامة ، وأخبار الجميع موافقة لهم عملا بالقاعدة المنصوصة من عرض الأخبار عند الاختلاف على مذهب العامة والأخذ بخلافه ، وهو جيد إلا أنه يمكن أن يقال أيضا إن من القواعد عرضها ـ عند الاختلاف ـ على الكتاب العزيز والأخذ بما وافقه ، وطرح ما خالفه ، وأخبار الجميع موافقة له بقوله عزوجل «وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً» (2) الشامل بإطلاقه لحال الحياة والموت ، وأخبار التنصيف مخالفة له ، فيجب طرحها بمقتضى هذه القاعدة.

ويمكن الجواب بأن الأمر وإن كان كذلك ، إلا أنه هنا لا يمكن العمل

__________________

(1) الوسائل ج 15 ص 77 ح 25 نقلا عن مختصر البصائر ص 102.

(2) سورة النساء ـ آية 4.


بهذه القاعدة لما عرفت من تكاثر الأخبار الدالة على التنصيف ، وتعددها في موارد عديدة بحث لا يمكن طرحها ، ولو جاز ردها على ما هي عليه من الاستفاضة وصحة الأسانيد ورواية الثقات لها في الأصول المعتمدة ، لأشكل الحال أي إشكال ، وصار الداء عضالا وأي عضال ، والتأويلات التي ذكرها الشيخ بعيدة غاية البعد ، لا وجه للقول بها فلم يبق إلا طرحها بل الواجب تخصيص الآية بها كما جرى عليه الأصحاب في غير موضع من نظائر هذه المسألة ، حسبما قدمناه في غير موضع ، ويبقى حمل تلك الأخبار على التقية كما قلناه ، وهذه هو الأقرب ، والله العالم.

المسألة الحادية عشر : قد عرفت أن الأشهر الأظهر هو أن المرأة تملك المهر بمجرد العقد إلا أنه متى طلقها قبل الدخول عاد نصفه إلى الزوج ، وينبغي أن يعلم أن عود النصف إلى الزوج مقيد بأن لا تعفو عن النصف الباقي لها ، فيصير الجميع للزوج حينئذ أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح ، لقوله عزوجل «وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ» (1) إلا أن من له عقدة النكاح ليس له أن يعفو عن الجميع ، وأما هي فإن لها العفو عن الجميع كما تدل عليه الأخبار.

بقي الكلام في من بيده عقدة النكاح أنه من هو؟ هل هو الولي الجبري الذي هو الأب أو الجد له؟ أو هو مع من توليه أمرها في النكاح كان من كان؟ والأول مذهب أكثر الأصحاب ، ومنهم الشيخ في الخلاف مدعيا عليه الإجماع ، والثاني قوله في النهاية ، وتلميذه القاضي.

والواجب أولا نقل ما وصل إلينا من عباراتهم ثم عطف الكلام على نقل أخبار المسألة ، ثم الكلام في المقام بما وفق الله سبحانه لفهمه منها ببركة أهل الذكر عليهم‌السلام.

فنقول : قال الشيخ في النهاية : الذي بيده عقدة النكاح الأب أو الأخ إذا

__________________

(1) سورة البقرة ـ آية 227.


جعلت الأخت أمرها إليه ، أو من وكلته في أمرها ، فأي هؤلاء كان جاز له أن يعفو عن بعض المهر ، وليس له أن يعفو عن جميعه.

وقال في كتاب الخلاف : الذي بيده عقدة النكاح عندنا هو الولي الذي هو الأب أو الجد ، إلا أن عندنا له أن يعفو عن بعضه ، وليس له أن يعفو عن جميعه.

وقال في كتاب التبيان : قوله تعالى «إِلّا أَنْ يَعْفُونَ» معناه من يصح عفوها من الحرائر البالغات غير المولى عليها لفساد عقلها ، فيترك ما يجب لها من نصف الصداق. وقوله «أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ» قال مجاهد والحسن وعلقمة أنه الولي ، وهو المروي عن الباقر عليه‌السلام والصادق عليه‌السلام غير أنه لا ولاية لأحد عندنا إلا الأب والجد على البكر غير البالغ ، فأما من عداهما فلا ولاية له إلا بتولية منها ، وروي عن علي عليه‌السلام وسعيد بن المسيب وشريح أنه الزوج ، وروي ذلك أيضا في أخبارنا ، غير أن الأول أظهر وهو المذهب ، ومن جعل العفو للزوج ـ قال : ـ له أن يعفو عن جميع النصف ، ومن جعله للولي قال أصحابنا : له أن يعفو عن بعضه ، وليس له أن يعفو عن جميعه ، وإن امتنعت المرأة من ذلك لم يكن لها ذلك إذا اقتضت المصلحة ، ذلك عن أبي عبد الله عليه‌السلام واختار الجبائي أن يكون المراد به الزوج ، لأنه ليس للولي أن يهب مال المرأة.

وقال ابن البراج : الذي بيده عقدة النكاح من الأب وغيره ممن تجعل المرأة إليه ذلك ، وتوليه إياه يجوز له العفو عن بعض المهر ، ولا يجوز له العفو عن جميعه.

وقال ابن إدريس : الذي يقوى في نفس ويقتضيه أصول المذهب ، ويشهد بصحته النظر والاعتبار والأدلة القاهرة والآثار ، أنه الأب والجد من قبله مع حياته أو موته إذا عقدا على غير البالغ ، فلهما أن يعفوا عما تستحقه من نصف المهر بعد الطلاق إذا رأيا ذلك مصلحة لها ، ويكون المرأة وقت عفوهما غير بالغ ، فأما من عداهما أو هما مع بلوغها ورشدها فلا يجوز لهما العفو عن النصف ، وصارا


كالأجانب ، لأنهما لا ولاية لهما في هذه الحال ، ولا يجوز لأحد التصرف في مالها بالهبة والعفو وغير ذلك إلا عن إذنها للمنع من التصرف في مال الغير عقلا وسمعا إلا بإذنه ، وليس في الآية متعلق سوى ما ذكرناه ، لأنه تعالى قال «إِلّا أَنْ يَعْفُونَ» فدل هذا القول أنهن ممن لهن العفو وهن الحرائر البالغات الواليات على أنفسهن في العقد والعفو والبيع والشراء وغير ذلك ، ثم قال «أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ» معناه إن لم يكن بالغات ، ولا واليات على أنفسهن ، فعند هذه الحال لا يلي عليهن عندنا سوى الأب والجد بغير خلاف ، فلهما العفو بعد الطلاق عما تستحقه ، ولو لا إجماع أصحابنا ـ على أن الذي بيده عقدة النكاح هو الأب والجد على غير البالغ ـ لكان قول الجبائي قويا ، مع أنه قد ورد في بعض أخبارنا أنه الزوج.

قال في المختلف بعد نقل هذه الأقوال : والتحقيق أن نقول : الزوجة إن كانت صغيرة كان ولي أمرها الأب والجد له ، ولهما العفو عن جميع النصف وبعضه مع المصلحة في ذلك ، وإن كانت بالغة رشيدة فالأمر لها. إلى آخره.

وأما الأخبار الواردة في المسألة فمنها ما رواه في الكافي (1) في الصحيح أو الحسن عن الحلبي في حديث قال : «وقال في قول الله عزوجل «أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ» قال : هو الأب والأخ والرجل يوصى إليه ، والرجل يجوز أمره في مال المرأة ، فيبيع لها ويشتري لها فإذا عفى فقد جاز».

وما رواه في الكافي والفقيه (2) عن سماعة كما في الأول ، وعن الحلبي وأبي بصير وسماعة كما في الثاني ، والخبر في الموثق على الأول والصحيح على الثاني عن

__________________

(1) الكافي ج 6 ص 106 ح 3 ، التهذيب ج 8 ص 142 ح 92 ، الوسائل ج 15 ص 62 ح 1.

(2) الكافي ج 6 ص 106 ح 2 ، الفقيه ج 3 ص 327 ح 6 ، الوسائل ج 15 ص 62 ح 1.


أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل «وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ» قال : هو الأب أو الأخ أو الرجل يوصى إليه ، والذي يجوز أمره في مال المرأة فيبتاع لها ، فتجيز ، فإذا عفا فقد جاز». وفي الفقيه عوض قوله «فتجيز» «ويتجر» وهو أظهر.

قال في الفقيه (1) : وفي خبر آخر «يأخذ بعضا ويدع بعضا ، وليس له أن يدع كله».

وما رواه في التهذيب (2) في الصحيح عن ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سألته عن الذي بيده عقدة النكاح ، قال : هو الأب والأخ والرجل يوصى إليه ، والذي يجوز أمره في مال المرأة فيبتاع لها ويشتري فأي هؤلاء عفا فقد جاز».

وما رواه العياشي في تفسيره (3) عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام «في قول الله عزوجل «أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ» قال : هو الأب والأخ والرجل يوصى إليه» الحديث كما هنا.

وعن أبي بصير ومحمد بن مسلم (4) في الصحيح كلاهما عن أبي جعفر عليه‌السلام «في (الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) ، فقال : هو الأب والأخ والموصى إليه ، والذي يجوز أمره في مال المرأة من قرابتها فيبيع لها ويشتري ، قال : فأي هؤلاء عفا فعفوه جائز في المهر إذا عفا عنه».

__________________

(1) الفقيه ج 3 ص 327 ح 7 ، الوسائل ج 15 ص 63 ح 2.

(2) التهذيب ج 7 ص 393 ح 49 وفيه «عن أبى بصير» ، الوسائل ج 14 ص 213 ح 4.

(3) تفسير العياشي ج 1 ص 125 ح 406 وفيه «والأخ والموصى إليه» ، مستدرك الوسائل ج 2 ص 611 ب 37 ح 1.

(4) التهذيب ج 7 ص 484 ح 154 ، الوسائل ج 14 ص 213 ح 5.


وعن ابن أبي عمير (1) عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في قوله تعالى «أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ» قال : يعني الأب والذي توكله المرأة وتوليه أمرها من أخ أو قرابة أو غيرهما».

وعن عبد الله بن سنان (2) في الصحيح «قال (الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ) هو ولي أمرها».

ورواه العياشي في تفسيره (3) عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام مثله.

وعن رفاعة (4) في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الذي بيده عقدة النكاح ، قال : الولي الذي يأخذ بعضا ويترك بعضا ، وليس له أن يدع كله».

ورواه العياشي في تفسيره (5) عن رفاعة مثله ، إلا أن فيه قال : «هو الولي الذي يزوج ، ويأخذ بعضا ويترك بعضا». إلى آخر ما هنا.

وما رواه العياشي في تفسيره (6) عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام «في قوله «إِلّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ» قال : هو الولي والذين يعفون عن الصداق أو يحطون عنه بعضه أو كله».

وعن إسحاق بن عمار (7) قال : «سألت جعفر بن محمد عليه‌السلام عن قول الله «إِلّا أَنْ يَعْفُونَ» قال : المرأة تعفو عن نصف الصداق ، قلت «أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ» قال : أبوها إذا عفا جاز ، وأخوها إذا كان يقيم بها وهو القائم عليها فهو

__________________

(1) الفقيه ج 3 ص 51 ذيل حديث 7 ، الوسائل ج 13 ص 290 ب 7 ح 1.

(2) التهذيب ج 7 ص 392 ح 46 ، الوسائل ج 14 ص 212 ح 2.

(3) تفسير العياشي ج 1 ص 125 ح 404 ، مستدرك الوسائل ج 2 ص 564 ب 7 ح 1.

(4) التهذيب ج 7 ص 392 ح 48 ، الوسائل ج 14 ص 213 ح 3.

(5) تفسير العياشي ج 1 ص 125 ح 407 ، مستدرك الوسائل ج 2 ص 611 ب 37 ح 3.

(6) تفسير العياشي ج 1 ص 125 ح 405 ، الوسائل ج 15 ص 63 ح 4.

(7) تفسير العياشي ج 1 ص 126 ح 410 ، الوسائل ج 15 ص 63 ح 5.


بمنزلة الأب يجوز له ، وإذا كان الأخ لا يقيم بها ولا يقوم عليها لم يجز عليها أمره».

وعن محمد بن مسلم (1) عن أبي جعفر عليه‌السلام «في قوله «إِلّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ» قال : الذي يعفو عن الصداق أو يحط بعضه أو كله».

وعن سماعة (2) «عن أبي عبد الله عليه‌السلام «أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ» قال : هو الأب والأخ والرجل الذي يوصى إليه والذي يجوز أمره في مال المرأة فيبتاع لها ويشتري فأي هؤلاء عفا فقد جاز ، قلت : أرأيت إن قالت ، لا أجيزها ، ما يصنع؟ قال : ليس لها ذلك ، أتجيز بيعه في مالها ولا تجيز هذا».

وعن أبي بصير (3) عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في قول الله «أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ» قال : هو الأخ والأب والرجل يوصى إليه ، والذي يجوز أمره في مال يتيمة ، قلت : أرأيت إن قالت : لا أجيز ، ما يصنع؟ قال : ليس ذلك لها ، أتجيز بيعه في مالها ولا تجيز هذا».

هذا ما حضرني من أخبار المسألة ، والكلام فيها يقع في مواضع :

الأول : لا يخفى أن أكثر هذه الروايات إنما تدل على القول الثاني الذي هو خلاف المشهور بينهم ، والأصحاب لم يذكروا دليلا عليه إلا صحيحة أبي بصير ومحمد بن مسلم ، ورواية أبي بصير عارية عن الوصف بالصحة ، والعلامة في المختلف حيث اختار القول المشهور رد رواية أبي بصير بأنها مرسلة.

وبالجملة فإنهم لعدم إعطاء الوسع حقه في تتبع الأخبار يقعون في مثل هذه الإشكالات ، وسوء الاختيار ، كما لا يخفى على من نظر ما نقلناه من أخبار المسألة هنا من الكتب الأربعة وغيرها ، وليس فيها على تعددها ما تدل على المشهور

__________________

(1) تفسير العياشي ج 1 ص 126 ح 411 ، الوسائل ج 15 ص 63 ح 3.

(2) تفسير العياشي ج 1 ص 126 ح 412 ، الوسائل ج 15 ص 63 ح 3.

(3) تفسير العياشي ج 1 ص 125 ح 408 وفيه «في ما له بقيمة» مع اختلاف يسير ، الوسائل ج 15 ص 63 ح 6.


إلا صحيحة عبد الله بن سنان وصحيحة رفاعة ، مع أنهما غير صريحتين في الحصر في الولي ، بل غايتهما أنهما بالنسبة إلى غيره مطلقات ، وقضية الجمع بينهما وبين باقي الأخبار حمل إطلاقهما على ما فصلته الأخبار الباقية ، سيما مع ما عرفت من صحة أسانيد كثيرة منها.

وبالجملة فالظاهر بالنسبة إلى ما ذكرناه من الأخبار هو القول الثاني لما عرفت ، وإلا فالعمل بما دلت عليه هاتان الروايتان وطرح باقي أخبار المسألة على كثرتها وصحة أكثرها مما لا يتجشمه محصل ، على أنه متى كان جواز عفوه مشروطا بكونه وكيلا من جهتها في ذلك ، فإنه لا مانع حينئذ من ذلك كما سيأتي ذكره.

الثاني : لا يخفى أن ما ذكره جملة من أصحابنا كما عرفت من كلام الشيخ ـ رحمة الله ـ في التبيان وابن إدريس من ورود الرواية من طرقنا بتفسير «الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ» بالزوج ، لم نقف عليها فيما وصل إلينا من أخبار المسألة وهي هذه التي ذكرناها ، ولو ثبت ورود خبر بذلك فالظاهر خرج مخرج التقية لاختصاص هذا القول بالعامة وروايتهم له عن علي عليه‌السلام كما تقدم في كلام الشيخ في التبيان ، على أن انطباق الآية على ذلك لا يخلو من تعسف ، لأن العفو حقيقة إنما هو بمعنى الاسقاط ، فمعنى عفو الزوجة عن النصف الباقي لها في ذمة الزوج بعد الطلاق يعني إسقاطه فيكون الجميع للزوج ، وليس للزوجة شي‌ء بالكلية ، وعفو الزوج ليس بهذه الكيفية ، بل هو عبارة عن التزامه ما سقط بالطلاق ورده على على الزوجة ، فيكون المهر كملا للزوجة ، وهذا ليس بإسقاط ، بل هو عكسه ، على أن صدق من بيده عقدة النكاح على الزوج أيضا لا يخلو من تكلف ، فإن الظاهر أن الذي بيده عقدة النكاح إنما هو الموجب له ، وهو الذي يعقده كالمرأة أو الولي دون القابل الذي هو الزوج.

وبالجملة فإن هذا القول وإن طال في المسالك الذب عنه فهو بمحل من


الضعف ، لخلو أخبارنا عنه ، وعدم قائل به فيما أعلم ، فالاشتغال بغيره أهم.

الثالث : لا يخفى أن ظاهر هذه الأخبار أن أحد أفراد من بيده عقدة النكاح الذي يقوم على المرأة ويبيع ويشتري لها قريبا كان كما تضمنه صحيح أبي بصير ومحمد بن مسلم ، وغيره كما هو ظاهر الأخبار الباقية ، والأصحاب حملوه على أن يكون وكيلا في النكاح أو العفو ، وإلا فمجرد قيامه بأمرها والبيع والشراء لها لا يسوغ له العفو عن مهرها ، لعدم دخوله في من بيده عقدة النكاح ، إذ لا يسوغ له تزويجها بمجرد ذلك ، إلا أن الحمل على ذلك في غاية البعد عن ظواهر سياق أكثر الأخبار ، مثل رواية إسحاق بن عمار المنقولة من تفسير العياشي وقوله في الأخ إن كان يقيم بها وهو القائم عليها «فهو بمنزلة الأب يجوز له ، وإذا كان لا يقيم بها ولا يقوم عليها لم يجز عليها أمره» فجعل مناط صحة العفو إنما هو القيام بأمرها وعدمه ، ولو كان الأمر منوطا بالتوكيل ـ كما ذكره الأصحاب ـ لما حسن هذا الترديد ، ونحو ذلك قوله في روايتي سماعة وأبي بصير المنقولتين من تفسير العياشي أيضا «أرأيت إن قال (1) لا أجيز». إلى آخره ، وتعليله عليه‌السلام إن ذلك ليس لها بأنها تجيز بيعه في مالها ولا تجيز هذا ، فإنه لو كان الأمر كما ذكره الأصحاب من أنه وكيل من جهتها في العقد والعفو أو في العفو خاصة لكان الظاهر الرد لما قالته إنما هو ليس لها ذلك لأنها وكلته ، وجعلته قائما مقامها في ذلك إلا أن مرسلة ابن أبي عمير ظاهرة فيما ذكره الأصحاب.

وبالجملة فإن الأحوط هو ما ذكروه ، وإن كان انطباق أكثر الأخبار عليه في غاية البعد.

الرابع : أكثر الأخبار مطلق بالنسبة إلى عفو غيرها بأنه يعفو عن الكل أو البعض ، وربما ظهر من بعضها جواز عفوه عن الكل أيضا ، إلا أن صحيحة رفاعة قد صرحت بأنه ليس له العفو عن الكل ، وعليها ظاهر كلام الأصحاب ،

__________________

(1) الصحيح «قالت» ولعل اشتباه وقع من النساج.


بل ربما ظهر من المبسوط والتبيان ومجمع البيان والراوندي في فقه القرآن دعوى الإجماع عليه ، وفي المختلف وفاقا للجامع أن المصلحة إن اقتضت العفو عن الكل جاز ، ومورد الصحيحة المذكورة هو الولي الشرعي ، وإطلاقها يقتضي جواز عفوه ، سواء كان فيه مصلحة المولى عليه أم لا ، وأما هي فلها أن تعفو عن الجميع لأنه مالها ، ثم إن الظاهر من الآية وأكثر الأخبار أن عفوها من النصف الذي لها إنما هو على جهة الفضل والاستحباب ، وظاهر روايتي سماعة وأبي بصير المنقولتين عن تفسير العياشي تحتم الإجازة عليها والرضاء اللهم إلا أن يحملا على الوكالة ، وأن الوكيل إذا تصرف بعد الوكالة فليس للموكل فسخه ، بل يجب عليه إمضاؤه ، وربما قيد تحتم ذلك عليها بما إذا اقتضته المصلحة ، قال في كتاب مجمع البيان : فإن امتنعت المرأة عن ذلك لم يكن لها ذلك إذا اقتضته المصلحة عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

أقول : وهذه الرواية لم تصل إلينا ولا وقفنا عليها ، فإن هذه روايات المسألة التي قدمناها ، والروايتان الدالتان على ذلك خاليتان من هذا القيد.

وكيف كان فلا أعرف للزوم ذلك إلا الوجه الذي ذكرته ، وهو أعم من أن تقتضيه المصلحة أم لا ، وربما أشعر ظاهر هذا الكلام الذي ذكره في مجمع البيان بأن ذلك في صورة عفو الولي بالنسبة إلى الصغيرة ، وأنه ليس لها بعد البلوغ رده إذا اقتضته المصلحة ، حيث إن فعل الولي منوط بها ، إلا أن مورد الأخبار كما عرفت إنما هو بالنسبة إلى البالغة ، والقائم بأمرها في بيع وشراء ونحوه كما عرفت.

الخامس : مقتضى إطلاق الآية والأخبار انتقال الجميع إلى الزوج بالعفو عن النصف الباقي لها ، أعم من أن يكون المهر دينا أو عينا ، وبهذا صرح الشيخ في المبسوط وأكثر الأصحاب وحمل على أن العفو بمعنى العطاء ، فيتناول الأعيان ، قال في المسالك : وهو قوي لوروده بمعنى العطاء لغة كما سننبه عليه.

وقيل : إن العفو مختص بالدين ، وأما العين فلا تنتقل إلا بلفظ الهبة أو


التمليك أو نحوهما ، لا بالعفو ، لأنه لا مجال فيه للأعيان ، كلفظ الإبراء فلا يتناول إلا الدين.

وأجابوا عن الآية بأن المراد من العفو معناه لا لفظه ، بمعنى إرادة حصول الملك للعفو عنه ، بعبارة تقيد ذلك ، ولو كان المراد لفظه لتعين في الموضعين ، وهو منفي بالإجماع ، وسمي نقله منها عفوا تنبيها على حصول فضيلة العفو والمدح ، فإن توقف النقل له على صيغة شرعية ـ كما لو قال : ملكه هذا ـ فإنه يريد نقل ملكه إليه بلفظ شرعي يفيده بأي لفظ ادعى معناه وإن لم يكن بلفظ التمليك.

أقول : الظاهر عندي قوة هذا القول : وإن كان خلاف ما عليه الأكثر ، فإن الأول مبني على صحة كون العفو بمعنى الإعطاء ، وما ادعاه شيخنا المتقدم ذكره من وروده بمعنى العطاء لغة لم أقف عليه في كلام أحد من أهل اللغة ، والمذكور في كلامهم إنما هو الاسقاط.

قال في كتاب المصباح المنير (1) «وعفوت عن الحق : أسقطته» وغاية ما استند إليه ـ رحمه‌الله عليه ـ وهو الذي أشار إليه بقوله «كما سننبه عليه» هو ما ذكره أخيرا حيث قال : والعفو كما يطلق على الاسقاط ، يطلق على الإعطاء كما أشرنا إليه سابقا ، ومن الأول قوله تعالى «وَالْعافِينَ عَنِ النّاسِ» (2) أي التاركين ما لهم عندهم من مظلمة. ومن الثاني قوله تعالى «يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ» (3) أي الفضل من الأموال الذي يسهل إعطاؤه. وقوله تعالى «خُذِ الْعَفْوَ» (4) أي خذ ما أعطاك الناس من ميسور أخلاقهم ولا تنقص عليهم ، وغير ذلك فيصلح للأمرين.

أقول : لا يخفى أن غاية ما تدل عليه الآيتان هو كون العفو هنا بمعنى الميسور.

__________________

(1) المصباح المنير ص 572.

(2) سورة آل عمران ـ آية 134.

(3) سورة البقرة ـ آية 219.

(4) سورة الأعراف ـ آية 199.


وعن الصادق عليه‌السلام في تفسير الآية الأولى قال : العفو الوسط من غير إسراف ولا إفتار.

وبالجملة فالمراد ما يسهل إعطاؤه ، فأين هذا مما يدعيه من أن العفو بمعنى الإعطاء ، والإعطاء إنما استفيد من لفظ آخر كقوله خذ في قوله «خُذِ الْعَفْوَ» وينفقون في قوله «ما ذا يُنْفِقُونَ» لا من لفظ العفو.

وبالجملة فإن الاستدلال بذلك من مثله ـ رحمه‌الله ـ غريب عجيب كما لا يخفى على الأديب اللبيب والموافق المصيب ، وحينئذ فالواجب على ما اخترناه أنه متى كان المهر دينا فإنه يصح بلفظ العفو والهبة والإبراء ، والترك والاسقاط والتمليك ، لإفادة كل من هذه الألفاظ المعنى المراد من إسقاط حقها الذي في ذمته (1) ، وإن كان عينا وكان في يده فبلفظ التمليك والهبة ، ولا يصح بلفظ الإبراء والاسقاط والترك لأن هذه الألفاظ ظاهرة عندهم في إسقاط ما في الذمة ، وكذا لو كان في يدها فإنه يكفي التمليك والهبة بشرط القبض له من يدها كما تقدم في الهبة دون التمليك ، قالوا : ولا بد من القبول على التقديرين إذا كان عينا ، والنصوص لا دلالة لها عليه.

السادس : قد صرحوا بأنه ليس لولي الزوج العفو من حقه كلا أو بعضا مع الطلاق ، لأن العفو عن مال الغير بغير إذن المالك على خلاف الأصل ، فيجب الاقتصار فيه على مورد الاذن والرخصة ، وهو ولي المرأة خاصة ، ولأنه لا غبطة للمولى عليه في ذلك ، وتصرف الولي منوط بالمصلحة ، وإنما خرج عنها ولي المرأة بالنص الخاص ، ومن ثم منع بعضهم من عفو ولي المرأة أيضا لذلك ، كما

__________________

(1) قال الشيخ في المبسوط : لو كان المهر دينا على الزوج فطلق قبل الدخول كان لها العفو عن الباقي بألفاظ منه العفو والتمليك والهبة والاسقاط والتبرئة والإبراء ، وهل يفتقر الى قبوله؟ قال : فيه وجهان : الأول أن نقول يفتقر الى قبوله ، والوجه عندي عدم الافتقار ، لأنه إسقاط وإبراء فأشبه الطلاق والعتاق ، وانتهى. (منه ـ قدس‌سره ـ).


تقدم في كلام ابن إدريس ، قالوا : ويتصور الولاية على الزوج مع وقوع طلاقه عن مولى عليه فيما إذا بلغ فاسد العقل ، فإن للولي أن يطلق عنه مع المصلحة كما سيأتي بخلاف الصبي ، ولو فسرنا من بيده عقدة النكاح بما يشتمل الوكيل كما هو القول الآخر ، وهو الذي قد عرفت دلالة جل الأخبار عليه وإن كان خلاف المشهور دخل وكيل الزوج في الحكم المذكور هنا كما يدخل وليه.

السابع : ظاهر الآية والأخبار المتقدمة هو أن القدر المعفو عنه ينتقل بمجرد العفو إلى من عفي له من زوج أو زوجة ، ولا يتوقف على أمر آخر ، وهو لا يوافق ما فصله الأصحاب في هذا الباب مما تقدمت الإشارة إليه ، وبسط جملة من الأصحاب الكلام عليه.

ونحن نذكر هنا ملخص ما ذكره شيخنا في المسالك الذي أوضح فيه طرق الأحكام لكل قاصد وسالك ، قال : ليس المراد من العفو الموجب لبراءة كل من الزوجين من حق الآخر كونه سببا تاما بمجرده في نقل الملك أو البراءة منه ، بل المراد كونه سببا في ذلك ، أعم من أن يكون تاما أو ناقصا أو متوقفا على شرط آخر ، وإن كان قد أطلق في الآية كون العفو موجبا لسقوط الحق أو نقله ، لأن إطلاقه كذلك لا ينافي اعتبار أمر آخر.

إذا تقرر ذلك فنقول : المهر إما أن يكون عينا أو دينا ، وعلى الأول إما أن يكون في يدها أو في يده ، والثاني إما أن يكون في ذمتها ـ بأن قبضته وتلف في يدها ـ أو في ذمته ، وعلى التقادير الأربعة إما أن يكون العافي الزوج أو أو الزوجة أو من يقوم مقامهما في معناهما ، فتحقق الملك وانتقاله وسقوطه عن الذمة يتم بثمان صور :

الاولى : أن يكون دينا في ذمة الزوج ، والعافي المرأة ، فتحصل براءة ذمته بمجرد عفوها ، لأن العفو حينئذ بمنزلة الإبراء ، فلا يشترط فيه سوى اللفظ الدال عليه وإن لم يقبل من عليه الحق على الأقوى ، وقد تقدم تحقيقه في باب


الهبة ، ويصح ذلك بلفظ العفو والإبراء والاسقاط والترك والهبة والتمليك لاشتراك الجميع في الدلالة عليه.

الثانية : الصورة بحالها ويكون عينا في يده فلا يكفي مجرد العفو ، لأن ذلك بمنزلة الهبة لغيره ، بل لا بد من لفظ يدل عليه ، كلفظ الهبة والتمليك أو العفو على قول قوي ، لا الإبراء والاسقاط وما شاكلهما ، ويشترط أيضا قبول المتهب ، ولا يشترط قبض جديد ، لأنه مقبوض بيده بالفعل ، ويلحقه حينئذ أحكام الهبة من اللزوم والجواز على ما سبق تفصيله.

الثالثة : الصورة بحالها بأن كان عينا في يده لكن كان هو العافي عن حقه ، فيشترط فيه ما اشترط في السابقة من الإيجاب والقبول ، ويزيد اشتراط إقباضها إياه ، لأنه خارج عن يدها.

الرابعة : الصورة بحالها بأن كان هو العافي ، ولكن كان دينا في ذمته ، ولا ينقل بالإبراء وما في معناه قطعا لاختصاصه بالدين في ذمة المعفو عنه لا العافي ، وينتقل بلفظ الهبة لكن بشرط التسليم.

الخامسة : أن يكون دينا في ذمتها وتكون هي العافية ، والحكم فيه كالسابقة ، والأقوى افتقاره إلى العقد بعد التعيين فيهما لأن ذلك مقتضى الهبة ، ولا وجه هنا سواها ، وهذا هو الذي اختاره الشيخ في المبسوط.

السادسة : الصورة بحالها وهو كونه دينا في ذمتها لكن العافي هو الزوج ، وهنا ينزل منزلة الإبراء كما مر في نظيره ، ويصح بجميع الألفاظ الستة ، ولا يفتقر إلى القبول على الأقوى.

السابعة : أن يكون عينا في يدها ، وهي العافية أيضا ، ويشترط فيه ما يشترط في الهبة من العقد والإقباض.

الثامنة : الصورة بحالها ، والعافي هو الزوج فيشترط فيه عقد الهبة ، ولا يشترط تجديد الإقباض لحصوله في يدها ، واشترط الشيخ مضي مدة يمكن فيها قبض من


هي في يده ، والأقوى عدم اشتراطه ، وقد تقدم البحث في بابه ، انتهى ملخصا.

المسألة الثانية عشر : المشهور في كلام الأصحاب بل الظاهر أنه لا خلاف فيه ، كما يفهم من المسالك ونقل عن التذكرة أنه استند إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه أنه إن زوج الرجل ولده الصغير وللولد مال ، فإن المهر في مال الولد ، وإن كان الولد فقيرا فالمهر لازم للأب يخرج من أصل ماله لو مات ولم يدفعه ، وإن بلغ الولد وأيسر أو مات قبل ذلك.

والذي وقفت عليه من الأخبار في هذه المسألة ما رواه في الكافي (1) عن الفضل ابن عبد الملك قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يزوج ابنه وهو صغير؟ قال : لا بأس ، قلت : يجوز طلاق الأب؟ قال : لا ، قلت : على من الصداق؟ قال : على الأب إن كان ضمنه لهم ، وإن لم يكن ضمنه فهو على الغلام ، إلا أن يكون للغلام مال فهو ضامن له ، وإن لم يكن ضمن» الحديث.

هكذا صورة الخبر في الكافي على ما نقله في الوافي ، وفيه إشكال ، ونقله في المسالك «إلا أن لا يكون للغلام مال» وهو الظاهر ، وهذه الخبر وصفه في المسالك بالصحة مع أن في طريقه عبد الله بن محمد عن علي بن الحكم ، وعبد الله بن محمد هذا هو المشهور ببنان أخو أحمد بن محمد بن عيسى ، وهو مجهول في كتب الرجال.

وعن عبيد بن زرارة (2) في الموثق قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يزوج ابنه وهو صغير؟ قال : إن كان لابنه مال فعليه المهر ، وان لم يكن للابن مال فالأب ضامن المهر ، ضمن أو لم يضمن».

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 400 ح 1 وفيه «الا أن لا يكون للغلام مال» ، التهذيب ج 7 ص 389 ح 35 ، الوسائل ج 15 ص 39 ح 2.

(2) الكافي ج 5 ص 400 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 389 ح 34 ، الوسائل ج 15 ص 39 ح 1.


وما رواه في الكافي والتهذيب (1) في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «سألته عن رجل له ولد فزوج منهم اثنين وفرض الصداق ثم مات ، من أين يحسب الصداق من جملة المال أو من حصتهما؟ قال : من جميع المال إنما هو بمنزلة الدين».

ورواه الشيخ (2) بطريق آخر في الموثق عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «سألته» الحديث.

وفي آخر صحيحة أبي عبيدة الحذاء (3) المتقدمة الواردة في تزويج الصغيرين «قلت : فإن كان أبوها هو الذي زوجها قبل أن تدرك؟ قال : يجوز عليها تزويج الأب ، ويجوز على الغلام ، والمهر على الأب للجارية».

وما رواه في التهذيب (4) عن محمد بن مسلم في الصحيح قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الصبي يتزوج الصبية؟ قال : إذا كان أبواهما اللذان زوجاهما فنعم جائز ، ولكن لهما الخيار إذا أدركا ، فإن رضيا بذلك ، فإن المهر على الأب ، قلت له : فهل يجوز طلاق الأب على ابنه في صغره؟ قال : لا».

ولا يضر اشتمال الرواية على ما لا يقول به الأصحاب من ثبوت الخيار في صورة تزويج الأبوين لهما ، فإن طرح بعض الخبر لمعارض أقوى ، لا يستلزم طرح ما لا معارض له.

وما رواه علي بن جعفر في كتابه (5) عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام قال : «

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 400 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 389 ح 33 ، الوسائل ج 15 ص 39 ح 3.

(2) التهذيب ج 9 ص 169 ح 33 ، الوسائل ج 15 ص 39 ح 3.

(3) الكافي ج 5 ص 401 ح 4 ، التهذيب ج 7 ص 388 ح 31 وج 9 ص 382 ح 2 الوسائل ج 17 ص 527 ح 1.

(4) التهذيب ج 7 ص 182 ح 19 ، الوسائل ج 14 ص 208 ح 8.

(5) بحار الأنوار ج 10 ص 290 طبعة الاخوندى ، الوسائل ج 15 ص 40 ح 4.


سألته عن الرجل يزوج ابنه وهو صغير ، فدخل الابن بامرأته ، على من المهر؟ على الأب أو على الابن؟ قال : المهر على الغلام ، وإن لم يكن له شي‌ء فعلى الأب ، ضمن ذلك على ابنه أو لم يضمن إذا كان هو أنكحه وهو صغير».

وما رواه أحمد بن محمد بن عيسى (1) في النوادر عن صفوان عن محمد عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «قلت : الرجل يزوج ابنه وهو صغير ، فيجوز طلاق أبيه ، قال : لا ، قلت : فعلى من الصداق؟ قال : على أبيه إذا كان قد ضمنه لهم ، فإن لم يكن ضمن لهم فعلى الغلام ، إلا أن لا يكون للغلام مال فعلى الأب ، ضمن أو لم يضمن».

والمفهوم من هذين الخبرين الأخيرين أن المهر يكون على الأب وإن كان للولد مال ، وأما في حال فقر الولد فإنه عليه ، ضمن أو لم يضمن ، وعلى هذا المعنى يحمل إطلاق رواية الفضل بن عبد الملك ، فإن قوله «قال : على الأب إن كان ضمنه لهم» يعني في صورة ما إذا كان للولد مال ، فإن وجوبه عليه مشروط بضمانه له ، فلو لم يضمنه فإنه على الولد ، ولهذا قال «فإن لم يكن ضمنه فهو على الغلام» ثم استثنى منه «إلا أن لا يكون للغلام مال» بالكلية ، فإن الأب ضامن وإن لم يضمن ، هذا على تقدير ما رواه في المسالك كما قدمنا ذكره ، وأما على ما نقله في الوافي ـ وهو الموجود في الكافي (2) ـ فهو لا يخلو من الاشكال لعدم استقامة المعنى ، كما دلت عليه الروايات الأخر.

وأما ما أطلق في بعض هذه الروايات من كون المهر على الأب فيجب حمله على فقر الولد كما فصلته الأخبار الأخر.

بقي الكلام هنا في مواضع :

الأول : نقل عن العلامة في التذكرة أنه استثنى من الحكم بضمان الأب له على تقدير فقر الابن ما لو صرح الأب بنفي الضمان ، فإنه لا يضمن ، وحمل قوله في الرواية «أولم يضمن» على عدم اشتراط الضمان لا على اشتراط عدمه.

__________________

(1) الوسائل ج 15 ص 40 ح 5.

(2) لا يخفى أن الموجود في الكافي مطابق لنقل المسالك وكأن نقل الوافي من غلط النسخة ، والله العالم.


واعترضه في المسالك بأنه لا يخلو من إشكال ، قال : لأن النص والفتوى متناول لما استثناه ، وحمله على غيره يحتاج إلى دليل نقلي يعارضه حتى يوجب حمله على ذلك ، ولأن الصبي لا يحتاج إلى النكاح فلا حظ له في التزام المهر في ذمته مع الإعسار عنه ، فتزويج الولي متوقف على وجود المصلحة ، بل وانتفاء المفسدة ، ولو قيد ذلك بما إذا كان في التزام الصبي بالمهر مصلحة ـ بأن كانت الزوجة مناسبة له وخاف فوتها بدون ذلك ، ونحوه ـ قرب من الصواب ، إلا أن تخصيص النصوص الصحيحة بذلك لا يخلو من إشكال ، انتهى.

وقال سبطه السيد السند في شرح النافع بعد أن نقل عن جده ـ أن النص والفتوى متناول لما استثناه ـ ما لفظه : وهو كذلك ، لكن لا يبعد المصير إلى ما ذكره في التذكرة لعموم قوله عليه‌السلام (1) «المؤمنون عند شروطهم». والرواية لا تنافيه صريحا ولا ظاهرا.

أقول : لا يخفى قوة ما ذكره شيخنا في المسالك فإن قوله عليه‌السلام «أو لم يضمن» شامل لكل من صورتي عدم الضمان واشتراط عدمه ، والتخصيص بالأول يحتاج إلى مخصص ، وبذلك يظهر ما في قول سبطه «والرواية لا تنافيه صريحا ولا ظاهرا» وكيف لا تنافيه ، وهي دالة بإطلاقها أو عمومها على الصورة المذكورة ، فإنه يصدق على من اشترط عدم الضمان أنه لم يضمن وحديث «المؤمنون عند شروطهم» إنما يتم الاستدلال به لو لم يكن له معارض ، والمعارض كما ذكرنا موجود ، فإن مقتضى إطلاق الروايات المتقدمة أنه يضمن في هذه الصورة أعني صورة فقر الولد أعم من أن يشترط الضمان على نفسه أو لا يشترط بأن اشترط عدمه أو لم يشترط ، والعجب من قوله ـ رحمة الله عليه ـ «والرواية لا تنافيه صريحا ولا ظاهرا» بعد اعترافه أولا بأن النص متناول لما استثناه ، فإنه إذا كان متناولا لذلك الفرد المستثنى فكيف لا تنافي استثناؤه ولو ظاهرا.

__________________

(1) التهذيب ج 7 ص 371 ح 66 ، الوسائل ج 15 ص 30 ح 4.


الثاني : قالوا : لو كان الصبي مالكا لبعض المهر دون بعض لزمه بنسبة ما بملكه ، ولزم الأب الباقي ، وهو جيد.

الثالث : إطلاق المال في الروايات ـ الدالة على أنه متى كان للولد مال فإن المهر على الأب شامل لما يؤخذ في الدين وما لا يؤخذ فيه ، مثل دار السكنى ودابة الركوب ونحوهما إلا أن ذلك لا يقتضي صرف الثاني من هذين الفردين في أداء دين المهر لو تزوج والحال كذلك ، فلو كان له دار سكنى وفرس ركوب ونحوهما ، فإن إطلاق النصوص والفتاوى يقتضي أن المهر عليه دون الأب ، ولكنه متى تزوج كذلك كان المهر في ذمته ، ولا يجب عليه صرف هذه الأشياء في أداء دين المهر لو طلبته الزوجة ، بل يبقى المهر ثابتا في ذمته إلى أن يتيسر له قضاؤه ، وقوفا على مقتضى الدليلين في كل من المقامين ، فإن غاية ما يدل عليه الدليل في هذه المسألة هو أنه متى كان له مال فالمهر عليه دون أبيه ، بمعنى أن المهر يكون في ذمته والحكم بوجوب المهر في ذمته لا يقتضي وجوب صرف هذه الأشياء في أدائه ، بل يرجع في ذلك إلى تلك المسألة الأخرى ، وهو استثناء هذه الأشياء من الصرف في الدين ، بل يبقي في ذمته إلى أن يقدر على الوفاء جمعا بين الأصلين المذكورين.

الرابع : لا ريب أن كل موضع لا يضمن الأب المهر فيه لو أداه تبرعا عنه فإنه لا رجوع له به ، كما لو أداه الأجنبي ، أما لو ضمنه صريحا وانتقل إلى ذمته بالضمان ، فلو ادى بعد ذلك فهل يرجع به أم لا؟ اختلف كلام العلامة في التذكرة في ذلك فقال في موضع منها بجواز رجوعه إذا قصد بالضمان الرجوع ، محتجا بأن قصد الرجوع هنا يجري مجري إذن المضمون عنه في الضمان ، وفي موضع آخر قطع بعد الرجوع محتجا بأنه أدى مالا وجب عليه بأصل الشرع.

وأورد عليه بأن في الفرق بين ضمانه لذلك وأدائه له ابتداء نظرا ، لأنه بالنظر إلى الطفل متبرع في الموضعين ، وبالنظر إلى كونه وليا منصوبا للنظر ، ورعاية المصلحة للابن ينبغي عدم الضمان في الموضعين إذا أدى وضمن بطريق الولاية على قصد الرجوع على الطفل.

ويتجه على هذا أن يقيد بكون ذلك مصلحة للطفل ، فإن مطلق وفاء الدين عن المعسر وانتقاله من مستحق إلى آخر لا يكون مصلحة مطلقا ، بل قد يكون ، كما لو كان المستحق الثاني أسهل من الأول ، وأرفق بالمديون ، وقد ينعكس ، فإن انضم إلى كون الأداء والضمان مصلحة للطفل مع قصد الرجوع عليه اتجه جوازه ، وإلا فلا.

الخامس : إذا دفع الأب عن ولده الصغير مع يسار الولد تبرعا أو مع فقره لكونه ضامنا له ، ثم بلغ الولد وطلق قبل الدخول ، فإنه يزول ملك المرأة عن نصف الصداق ، وهل يرجع في هذه الصورة إلى الأب أو الابن؟ الأقوى أنه يرجع إلى الابن ، وهو اختيار جمع من الأصحاب منهم شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ، وسبطه السيد السند في شرح النافع ، وتردد المحقق في الشرائع.

ووجه القوة فيما قويناه ما صرحوا به من أنه لا ريب أن المرأة قد ملكته بقبضها إياه من الأب ، سواء كان قد لزمه بالضمان أم دفعه تبرعا ، ومن ثم كان النماء لها ، وخروج النصف بالطلاق ثابت للزوج بالنص ، وهو ملك جديد ثبت له بعد ملك المرأة ، لا إبطال لملك المرأة السابق ، ليرجع إلى مالكه ، ولأن دفع الأب له كالهبة للابن التي لا يجوز الرجوع فيها.

والأظهر الاستناد إلى عموم النصوص الدالة على رجوع النصف إلى الزوج بالطلاق فإنه شامل لهذه الصورة ، لأن ترك الاستفصال دليل على العموم في المقال.

وأما ما ذكره المحقق من التردد في الحكم فإن منشأه مما ذكرناه ، ومن أن المهر عوض البضع ، والبضع ملك للولد قطعا ، فيكون عوضه عليه ، ولزومه للأب من حيث إلزامه ذمة الصغير الذي لا يحتاج إلى النكاح لا يوجب كون دفعه هبة له ، وإن نزل منزلتها ، فلا يلزم مساواتها في جميع الأحكام ، وإنما القصد منه وفاء دين الولد ، فإذا برءت ذمته من النصف بالطلاق ينبغي أن يعود إلى الأب.

ورد بمنع استلزام ملك الولد البضع كون عوضه عليه ، وانتفاضة ظاهر بالمتنازع ، فإن العوض على الأب إجماعا.

إنما الكلام في عوده بعد خروجه عن ملكه ، ووجوب وفائه ، ثم لا نقول : إن دفع الأب له هبة حتى يلزم ما ذكره ، وإنما فرضناه منزلا منزلة الهبة لما بينهما من المناسبة ، وإلا فهو دين وفاه المستحق عليه وانتقاله من المستحق له بالطلاق ملك آخر قهري إلى الزوج ، لا اختيار فيه لأحد.

أقول : والأظهر عندي ما تقدمت الإشارة إليه من أن الاعتماد في ذلك إنما هو على الأخبار الدالة على استحقاق الزوج للنصف بعد الطلاق قبل الدخول ورجوعه إليه ، وفيها غنية عن هذه التكلفات ولا نزاع في كونها بإطلاقها أو عمومها شاملة لموضع البحث.

السادس : لو لم يدفع الأب المهر مع لزومه له وطلقها قبل الدخول فقد قطع الشيخ في المبسوط وتبعه العلامة في القواعد بأنه لا يستحقه الابن ، وتبرأ ذمة الأب من النصف ويلزمه دفع النصف الآخر إلى الزوجة ، وعللوا ذلك بأن دفع المهر بمنزلة الهبة للولد ، فبعد قبضه لا رجوع فيها ، وقبله غير متحققة فتبرء ذمته من النصف ، فلا يملكه الولد لعدم القبض.

وفيه ـ على تقدير تسليم الاعتماد على مثل هذه التعليلات العليلة ـ أن هذا إنما يتم فيما إذا كان الأب متبرعا بالدفع عن الصغير ، كما إذا كان الصغير موسرا أو معسرا ، وقد شرط الأب عدم الضمان على القول به ، أما إذا لزمه ابتداء ، كما إذا كان الولد معسرا ولم يشترط عدم ضمانه ، فإن المهر يلزمه بالعقد سواء كان قبضته الزوجة أم لا ، حتى لو كان عينا ملكت نماؤها كما سلف ، فلا يظهر الفرق بين قبضها وعدمه هنا ، والتعليل بالهبة لا يظهر إلا مع التبرع به لا مع لزومه ابتداء وهو جيد.

السابع : لو دفع الأب المهر عن الولد الكبير متبرعا ، ثم طلق قبل الدخول ، فهل يعود النصف إلى الدافع وهو الأب أو إلى الزوج وهو الابن؟ قولان ، وبالثاني قطع العلامة في التذكرة على ما نقل عنه ، وتردد فيه في الشرائع ، واستشكله في القواعد ، وفي التحرير قوى الأول ، وجزم الشهيد الثاني في المسالك وسبطه في شرح النافع بالحكم برجوعه إلى الزوج ، وهو الظاهر لعين ما تقدم من أن العين قد انتقلت إلى الزوجة وصارت ملكها بعد قبضها إياها ، والعود إلى الولد إنما وقع بملك جديد ، وفي معناه ما لو دفعه أجنبي تبرعا فإن الحكم فيه بعد القبض كذلك.

قالوا : ومن هنا ظهر الفرق بين دفع الأب المهر إلى الزوجة وعدمه ، لأنه لما لم يكن المهر لازما له فهو متبرع بالوفاء فلا يخرج عن ملكه إلا بدفعه ، فإن دفع الجميع كان الحكم كما سبق ، وإن دفع النصف وطلق الولد قبل الدخول سقط النصف الآخر عن ذمة الزوج ، ولم يجب على الأب دفعه إلى الولد بغير إشكال ، لانتفاء ما يقتضيه.

ووجه تردد المحقق هنا واستشكال العلامة ما ذكروا من الأصل بقاء الملك على مالكه حيث لم يتحقق قصد التمليك ، بل غايته إرادة إبراء ذمته من الدين ، فإذا برءت بالطلاق عاد المال إلى أصله ، ودفعه في قضاء الدين عنه لا يستلزم أن يكون هبة ، حتى أنه يقال : إن الولد ملكه ، ولا يصح للأب الرجوع في هبة الولد.

ورد بما عرفت من أنه بالدفع إلى المرأة قد انتقل عن ملكه ، وصار ملكا لها قطعا.

وأما الولد فلا دخل له في ذلك ، ليقال إنه هبة أو إنه صار مملوكا للولد. بل الزوج إنما استحقه بملك جديد بعد أن صار للمرأة ، للأخبار الدالة على رجوع النصف له بالطلاق.

وقال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك : واعلم أن الشيخ في المبسوط قطع في المسألتين بعدم عود النصف المدفوع إلى الوالد كما ذكر المصنف من غير تردد ، واتفق كلام العلامة في كتبه في أن الحكم في الصغير كذلك ، واختلف كلامه في الكبير ، ففي التذكرة والإرشاد قطع بكون حكمه حكم الصغير في عود النصف إليه ، وفي التحرير قوى رجوعه إلى الأب بعد أن حكم بكونه للولد ، وفي القواعد استشكل بعد حكمه بكونه للولد أيضا.

وبالجملة فلم يتحقق في الصغير خلاف ، وإنما هو ظاهر في الكبير ، وإنما تردد المصنف نظرا إلى ما يظهر من عدم إفادة تعليلهم المدعى ، فإن الشيخ وغيره إنما عللوه بكونه هبة ، والهبة لا يرجع فيها بعد إقباضها للرحم ، أو بعد التصرف فيها ، ولا يخفى قصور التعليل ، انتهى.

البحث الرابع : في التنازع ، وفيه مسائل :

الاولى : لو اختلفا في أصل المهر بأن ادعته المرأة وأنكر الزوج ، فقال : لا مهر لك عندي ، وما أشبهه ، فإن كان ذلك قبل الدخول فالظاهر أنه لا إشكال ولا خلاف في أن القول قول الزوج بيمينه ، لأن مجرد العقد لا يستلزم المهر لانفكاكه عنه في صورة التفويض ، ثم يمكن استمرار براءته إلى أن يموت أحدهما قبل الدخول.

وإن كان بعد الدخول فقد أطلق الأكثر أنه كذلك أيضا ، وهو على إطلاقه مشكل ، لأن العقد إن اشتمل على مهر فهو الواجب ، والأصل بقاؤه ، وإن لم يشتمل على مهر كان مهر المثل واجبا بالدخول ، فالقول بأن القول قول الزوج بيمينه ـ والحال كما عرفت ـ مشكل.

وربما أجيب بالتمسك بالبراءة الأصلية ، وتوضيحه أن العقد لا يستلزم وجوب المهر على الزوج وكذا الدخول لا يستلزمه بل هو أعم منه ، والعام لا يدل على الخاص ، وبيان العموم أن الزوج قد يكون صغيرا معسرا زوجه أبوه ، فإن المهر في ذمة الأب ، أو يكون عبدا زوجه مولاه ، فكان المهر على المولى.

وبذلك يظهر أن الدخول لا يستلزم ثبوت المهر في ذمة الزوج ، ومنه يظهر صحة التمسك بأصالة البراءة في مقام الاختلاف.

وفيه أنه لا خلاف نصا وفتوى في أن تفويض البضع موجب لمهر المثل مع الدخول ، وهذا هو الذي تمسكنا به ، وما ذكر من هذين الموضعين لا ينافي ذلك ، فإنا نقول بموجبهما ، فإن ثبت هنا أن النكاح كان على أحد هذين الوجهين فلا نزاع في أن القول قول الزوج بيمينه ، أما لو علم انتفاؤهما فهو محل الاشكال ، فلا يتم ما ذكروه كليا.

وبالجملة فإن ما ذكروه جيد إن ثبت انتفاء التفويض ، إما باتفاقهما على ذلك ، أو قيام البينة وما في معناها على ذلك ، لجواز أن يكون المهر المسمى دينا في ذمة المرأة أو عينا في يدها ، فلا يكون العقد المشتمل على التسمية بمجرده مقتضيا لاشتغال ذمة الزوج بشي‌ء من المهر.

ونقل عن العلامة في التحرير قول آخر في المسألة ، وهو أنه إذا وقع الاختلاف في أصل المهر بعد الدخول يستفسر ، هل سمى أو لا؟ فإن ذكر تسميته كان القول قوله مع اليمين ، وإن ذكر عدمها لزم مهر المثل ، وإن لم يجب بشي‌ء حبس حتى يبين. واعترضه في المسالك بوجوه ، من أحب الوقوف عليها فليرجع إلى الكتاب المذكور.

وفي القواعد فصل تفصيلا آخر ، فقال : والتحقيق أنه إن انكسر التسمية صدق باليمين ، لكن يثبت عليه ـ قبل الدخول مع الطلاق ـ المتعة ، ومع الدخول مهر المثل ، والأقرب أن دعواها إن قصرت عنهما ثبت ما ادعته ، ولو أنكر لاستحقاق عقيب دعواها إياه أو دعواها التسمية ، فإن اعترفا بالنكاح فالأقرب عدم سماعه.

قال في المسالك : وهو أقل إشكالا من الأول. ثم أطال في الكلام عليه وبيان ما اختاره في المسألة بتفصيل يقف عليه من أحب الرجوع إليه ، والملخص عندي ما قدمنا ذكره.

وأما ما أضيف إلى ذلك من التفريعات في المسألة فمحل إشكال ، ولو كان الاختلاف في القدر بأن ادعت الزوجة قدرا زائدا على ما أقر به الزوج ، فلا إشكال ولا خلاف في أن القول قول الزوج بيمينه ، بمقتضى القاعدة الكلية المستفادة من النصوص المستفيضة ، وخصوص صحيحة أبي عبيدة (1) عن أبي جعفر عليه‌السلام «في رجل تزوج امرأة فلم يدخل بها فادعت أن صداقها مائة دينار ، وذكر الرجل أنه أقل مما قالت ، وليس لها بينة على ذلك؟ قال : القول قول الزوج مع يمينه». إلا أنه ينبغي تقييد ذلك بما لو أطلق الدعوى ، أو ادعت هي التسمية هذا القدر في العقد ، وادعى هو تسمية الأقل ، والشيخ في المبسوط فرض المسألة في هذا القسم الأخير.

أما لو اتفقا على عدم التسمية فالواجب مهر المثل ، والاختلاف يقع حينئذ فيه ، فإن كان القدر الذي يعترف به الزوج أقل منه ، فدعواه في قوة إيفاء الزائد أو التخلص منه بالإبراء ونحوه ، ومثل هذا لا يقبل قوله فيه.

وكذا مع اتفاقهما على التسمية ، واعترف بأنهما أكثر ، ويدعي التخلص من الزائد بإبراء أو وفاء ونحوهما ، على أنه يمكن المناقشة أيضا فيما فرضه في المبسوط محلا للمسألة من الاختلاف في دعوى التسمية بأن يقال : إنه مع اختلافهما في قدر التسمية ، يكون كل منهما منكرا لما يدعيه الآخر ، ومقتضى ذلك وجوب التحالف ، والرجوع إلى مهر المثل ، إلا أنه يشكل بأن إطلاق الرواية الصحيحة شامل لهذه الصورة كما فهمه الشيخ ـ رحمة الله عليه ـ على ما فيه مما عرفت من الحزازة ، ومن هنا قال في القواعد : وليس بعيدا من الصواب تقديم قول من يدعي مهر المثل ، فإن ادعى النقصان وادعت الزيادة تحالفا ، ورد إليه ، ولو كان الاختلاف في صفة المهر كالصحيح والمكسر ، والجيد والردي ، فالقول قول الزوج بيمينه ، لأصالة براءة ذمته مما تدعيه المرأة من الوصف الزائد ، ولا فرق في ذلك بين الدخول وعدمه ، ولا بين ما لو كان ما تدعيه مهر المثل أم أقل.

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 386 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 364 ح 39 مع اختلاف وص 376 ح 85 ، الوسائل ج 15 ص 28 ب 18 ح 1.


وألحق به بعض الأصحاب الاختلاف في الحلول والتأجيل ، أو في تقدير الأجل ، بل جعلها من أفراد الاختلاف في الصفة ، واستشكله في المسالك بأن الأصل عدم التأجيل وعدم زيادة الأجل عما تدعيه ، فهي المنكرة وهو المدعي ، فتقديم قوله فيهما ممنوع ، قال : ولو قيل بالتحالف على تقدير الاختلاف في الصفة لأن كلا منهما منكر ما يدعيه الآخر خصوصا مع تصريح كل منهما بكون ما يدعيه هو الذي وقع عليه العقد كان وجها فيثبت مهر المثل ، إلا أن يزيد على ما تدعيه المرأة أو ينقص عما يدعيه الزوج ، انتهى.

وألحق جماعة من الأصحاب منهم الشيخ في المبسوط وابن إدريس والعلامة في التحرير اختلافهما في جنسه بالاختلاف في قدره ، كما لو قالت : المهر مائة دينار فقال : بل مائة درهم ، واستدلوا عليه بأن الزوج منكر ، فيكون القول قوله.

قال في المسالك : والاشكال فيه أقوى ، ووجه التحالف فيه أولى ، إلا أن الأصحاب أعرضوا عنه رأسا ، وجماعة من العامة أثبتوه في أكثر هذه المسائل حتى في الاختلاف في أصل المهر ، وما حققناه أظهر.

أقول : ما ذكره من اختيار القول بالتحالف في هذه المواضع يخالف ما قدمه في كتاب البيع في مسألة اختلاف المتبايعين ، فإنه قد جعل لذلك ضابطة ، وهو ادعاء كل منهما على صاحبه ما ينفيه الآخر ، بحيث لا يتفقان على أمر ، فلو اتفقا على أمر خرج ذلك عن مقتضى الضابطة المذكورة ، وفي هذا الموضع قد اتفقا على أمر ، وإنما الاختلاف في الزيادة التي يدعيها المدعي والزيادة في الوصف أو الزيادة في الجنس ، وقد تقدم منا تحقيق الكلام في ذلك في المسألة المذكورة في كتاب التجارة ، وتحقيق آخر أيضا في آخر أبواب الإجارة فليرجع إليه من أحب الوقوف عليه. وكيف كان فالاحتياط فيما عدا المنصوص من هذه المواضع بالصلح ونحوه أولى.


الثانية : لو أقر بالمهر وادعى تسليمه ، وأنكر المرأة ، فمقتضى القواعد الشرعية أن القول قولها بيمينها ، وبه صرح الأصحاب أيضا لثبوته في ذمته باعترافه وأصالة بقائه وعدم تسليمه حتى يثبت ذلك بوجه شرعي ، وأما ما ورد في رواية الحسن بن زياد (1) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا دخل الرجل بامرأته ثم ادعت المهر ، وقال الزوج : قد أعطيتك ، فعليها البينة ، وعليه اليمين». فهي غير معمول عليها عند أصحابنا سيما مع ما في منتها من المخالفة للأصول ، فإن المهر إذا تعين في ذمة الزوج فهو المدعى للايفاء ، وهي المنكرة ، فتكون البينة عليه لا عليها ، وأما ما ورد في معنى هذه الرواية من الأخبار التي دلت على سقوط المهر كلا أو بعضا بالدخول فقد تقدم الكلام فيها وأنه لا عامل بها منها ، لمعارضتها بالأخبار الراجحة بعمل الأصحاب وموافقة الضوابط الشرعية ، تقدم ذلك في المسألة الاولى من سابق هذا البحث ، وعمل بمضمونها ابن الجنيد ، فقال بتقديم قول الرجل في البراءة من المهر بعد الدخول ، وقولها في ثبوتها قبله.

قال في المسالك بعد نقل ذلك عنه : والمذهب هو الأول ، وأنه لا فرق بين وقوع الدعوى قبل الدخول وبعده.

أقول : لا يبعد حمل الأخبار المشار إليها على التقية كما تقدمت الإشارة إليه.

الثالثة : لو اختلفا في المدفوع بعد أن كان قدر مهرها فقالت : دفعته هبة ، فقال : بل صداقا ، فظاهر جملة من الأصحاب كالمحقق في الشرائع أن القول قوله لأنه أبصر بنيته ، وفصل شيخنا في المسالك في ذلك فقال : إن كان دعواها عليه أنه نوى بالدفع الهبة من غير أن يتلفظ بما يدل عليها فالقول قوله بغير يمين ، لأنه لو اعترف لها بما تدعيه لم يتحقق الهبة إلا بانضمام لفظ يدل عليها ، فلا يفتقر إلى اليمين ، وإن ادعت تلفظه بما يدل على الهبة فالقول قوله مع اليمين ، لأصالة العدم ، ولأنه منكر.

__________________

(1) الكافي ج 5 ص 386 ح 4 ، التهذيب ج 7 ص 360 ح 26 وص 376 ح 84 ، الوسائل ج 15 ص 15 ح 7.


أقول : وبهذا التفصيل صرح في القواعد فقال : ولو دفع مساوي المهر فادعت دفعه هبة ، قدم قوله مع اليمين إن ادعت تلفظه بالهبة ، وإلا قبل من غير يمين ، بأن تدعي أنه نوى بالدفع الهبة ، لأنه لو نواه لم يصر هبة.

الرابعة : إذا خلا بها فادعت المواقعة ، فلا يخلو إما أن تكون بكرا أو ثيبا ، وعلى الأول فلا إشكال ، لإمكان استعلام الحال بنظر الثقات من النساء إلى ذلك ، وهو مستثنى لموضع الحاجة ، كنظر الطبيب ونحوه ، وإنما الاشكال والخلاف في الثاني ، فقيل : القول قول الرجل عملا بالأصل ، لأن الأصل العدم حتى يثبت خلافه. وقيل : إن القول قولها عملا بالظاهر من حال الصحيح في خلوته بالحلال مع عدم الموانع وحصول الدواعي ، وتؤيده الأخبار المتقدمة بأن إرخاء الستر يوجب المهر ، وقد تقدم الكلام في هذه الأخبار ، وأن الظاهر عدم العمل عليها.

وبالجملة فمرجع الكلام هنا إلى تعارض الأصل والظاهر ، فمن عمل بظاهر تلك الأخبار فقد رجح البناء على الظاهر ، ويكون الحكم هنا عنده هو تقديم قول المرأة بيمينها ، وأما مع عدم العمل بها فالظاهر هو ترجيح الأصل ، وبه صرح في المسالك ، فقال : لكن الأقوى تقديم الأصل ، لأن وجود القدرة والدواعي وانتفاء الصارف مظنون لا معلوم ، ومعها لا بد لفعل القادر من ترجيح ، والأصل عدمه.

الخامسة : إذا اختلف الزوجان بعد اتفاقهما على وقوع عقد نكاح بينهما في وقتين ، فادعى الزوج التكرار المحض إما على وجه الاحتياط في تصحيحه أو لقصد اشتهاره أولا كذلك وادعت المرأة أن كلا منهما عقد شرعي مستقل لا مجرد تكرار ، وإن لم تذكر سبب الفرقة من العقد الأول ، لأن الدعوى تدل عليه ، فظاهر كلام الأصحاب أن القول قولها ، وعلل بأن العقد حقيقة شرعية في السبب المبيح للبضع ، واستعماله في مجرد الإيجاب والقبول المجردين عن ذلك الأثر مجاز بحسب الصورة كتسمية الصورة المنقوشة على الجدار فرسا.

بقي الكلام في أنه مع تقديم قولها فما الواجب من المهر في هذه الصورة؟ قال الشيخ في المبسوط : لو أقامت بينة لعقدين في وقتين فادعى الزوج التكرار وادعت صحة العقدين وتعدد النكاح قدم قولها باليمين ، والأولى أن يقول : أن يلزمه المهران معا ، وقال بعضهم يلزمه مهر ونصف لأنه يقول : طلقتها بعد الأول قبل الدخول فعلي نصف المهر ، ثم تزوجت بها ثانيا ، وهذا أقوى.

قال في المختلف وهو يدل على تردده في ذلك ، قال : وكان والدي ـ رحمه‌الله عليه ـ يقوي الثاني ، وشيخنا أبو القاسم جعفر بن سعيد ـ رحمه‌الله ـ يقوي الأول وهو الأقوى عندي لاعتراف الزوج بثبوت الأول في ذمته ، وقيام البينة عليه بالثاني ، وتعليل الشيخ ليس بجيد ، لأن دعواه الطلاق المتخلل بين العقدين ينافي دعوى التكرار ، ولو ادعى تخلل الطلاق كان القول قوله مع اليمين. انتهى.

أقول : وهنا قول ثالث ، لم يتعرض إليه في المختلف وهو وجوب مهر واحد وقد نقله في المسالك ثالثا للقولين المذكورين ، وعلل القول بوجوب المهرين بأن كل عقد له سبب تام في وجوب المهر والأصل استمراره ولأنه لا ينتصف إلا بالطلاق ، وسماع دعواه الطلاق الموجب للتنصيف ينافي دعواه التكرار كما عرفت من كلامه في المختلف ، وعلل القول الثاني بأن الفرقة متحققة ليصح فرض العقد الثاني ، والوطؤ غير معلوم مع أن الأصل عدمه فيجب النصف بالعقد الأول والمهر كملا بالعقد الثاني.

وعلل القول الثالث بأن من أسباب الفرقة ما لا يوجب مهرا ولا نصفها كردتها وإسلامها ، وفسخه بعيبها قبل الدخول ، وفسخها بعيب غير العنة قبله ، أيضا فإنه يجوز أن تكون الفرقة الموجبة لتعدد العقد من أحد هذه المذكورات ، فلا توجب شيئا بالكلية ، ويبقى المهر بالعقد الثاني ، على أنه يمكن أيضا كونه مهرا واحدا بالطلاق في الأول قبل الدخول ، وفي الثاني كذلك ، فإن كل واحد من الطلاقين موجب للنصف ، ومن المجموع يحصل مهر واحد.

وظاهر في المسالك اختيار القول الأول على تردد قال : والأقوى وجوب المهرين لأصالة بقائهما في ذمته حتى يحصل المزيل وهو غير معلوم ، ومجرد الفرقة أعم من كونها مسقطة وعدمه ، إلا أن يدعي عدم الإصابة والطلاق ، فيلزم مهر ونصف ، أو يدعي الطلاق في الثاني أيضا قبل الدخول فمهر واحد يجتمع منهما ، أو يدعي الفسخ بأحد الأسباب الموجبة لعدم المهر مع إمكانه ، فيجب المهر الثاني خاصة أو يدعي الطلاق قبل الدخول في الثاني فنصفه لا غير ، لكن يشكل قبول دعواه الفسخ بالعيب ، لأصالة عدمه ، ويظهر من الشهيد في شرح الإرشاد قبوله محتجا بأن تجويزه ينفي القطع بالزيادة على المهر الثاني ، وهذا بخلاف دعوى الطلاق ، فإنه بفعله ، ويرجع فيه إليه ، وأما الدخول فالأصل عدمه ، كما أن الأصل استصحاب المهر كملا إلا إن يدعي المزيل ، فلو سكت عن الدعوى ثبت المهران على الأقوى ، وهذا كما يقال : إن المستودع بعد ثبوت الإيداع مطالب بها ، ومحبوس عليها ما دام ساكتا ، فإن ادعى تلفا أو ردا صدق بيمينه ، وانقطعت المطالبة ، انتهى.

هذا ملخص كلامهم في المقام ، قد أوردناه لتطلع على ما وقع لهم فيه من النقض والإبرام ، والمسألة لخلوها عن النص القاطع لمادة القيل والقال لا تخلو من الاشكال ، ولهذا كثر فيها الاحتمال وتعددت الأقوال.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *