ج15 - النساء والطيب والمخيط

الصنف الثاني

في النساء

والبحث فيه يقع في فصلين :

الأول ـ يحرم على المحرم النساء ، وطأ ، وتقبيلا ، ونظرا بشهوة ، وعقدا لنفسه أو لغيره ، وشهادة تحملا أو إقامة.

وتفصيل هذه الجملة يقع في مسائل الأولى ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) في تحريم النكاح في حال الإحرام ، وطأ ، وعقدا لنفسه أو لغيره ، بولاية أو وكالة.

قال في المنتهى : ولا يجوز للمحرم ان يتزوج أو يزوج ، ولا يكون وليا في النكاح ولا وكيلا فيه ، سواء كان رجلا أو امرأة ، ذهب إليه علماؤنا اجمع.

والأصل فيه قوله (عزوجل) (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ) (1) والرفث هو الجماع بالنص الصحيح عن الصادق (عليه‌السلام) والكاظم (عليه‌السلام) :

__________________

(1) سورة البقرة ، الآية 197.


روى الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (1) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : إذا أحرمت فعليك بتقوى الله وذكر الله وقلة الكلام إلا بخير ، فان تمام الحج والعمرة ان يحفظ المرء لسانه إلا من خير ، كما قال الله (عزوجل) فان الله يقول (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ) (2) فالرفث : الجماع ، والفسوق : الكذب والسباب ، والجدال : قول الرجل : لا والله وبلى والله».

وعن علي بن جعفر في الصحيح (3) قال : «سألت أخي موسى (عليه‌السلام) عن الرفث والفسوق والجدال ما هو؟ وما على من فعله؟ فقال : الرفث : جماع النساء ، والفسوق : الكذب والمفاخرة ، والجدال : قول الرجل : لا والله وبلى والله. فمن رفث فعليه بدنة ينحرها ، وان لم يجد فشاة ، وكفارة الفسوق يتصدق به إذا فعله وهو محرم».

قال في الوافي بعد نقل هذا الحديث : هكذا وجد هذا الحديث في ما رأيناه من النسخ ، ولعله سقط من الكلام شي‌ء. انتهى. وهو كذلك.

واما ما يدل على أصل المسألة من الاخبار فمنه ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (4)

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 296 ، والوسائل الباب 32 من تروك الإحرام.

(2) سورة البقرة ، الآية 197.

(3) التهذيب ج 5 ص 297 ، والوسائل الباب 32 من تروك الإحرام ، والباب 3 من كفارات الاستمتاع ، والباب 2 من بقية كفارات الإحرام.

(4) التهذيب ج 5 ص 328 ، والوسائل الباب 14 من تروك الإحرام.


قال : «ليس للمحرم ان يتزوج ولا يزوج ، فان تزوج أو زوج محلا فتزويجه باطل».

وما رواه الكليني في الحسن عن معاوية بن عمار (1) قال : «المحرم لا يتزوج ولا يزوج ، فان فعل فنكاحه باطل».

وما رواه الكليني والشيخ عن ابي بصير (2) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : للمحرم ان يطلق ولا يتزوج».

وعن عبد الله بن سنان في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «ليس للمحرم ان يتزوج ولا يزوج محلا ، فان تزوج أو زوج فتزويجه باطل.

وان رجلا من الأنصار تزوج وهو محرم فأبطل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نكاحه».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «سمعته يقول : ليس ينبغي للمحرم ان يتزوج ولا يزوج محلا». ولفظ : «ليس ينبغي» هنا بمعنى التحريم ـ كما هو الشائع في الأخبار ـ بقرينة الأخبار المتقدمة.

وفي الصحيح عن محمد بن قيس عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (5)

__________________

(1) الفروع ج 1 ص 267 الطبع القديم ، والتهذيب ج 5 ص 330 والوسائل الباب 14 من تروك الإحرام.

(2) الفروع ج 4 ص 372 ، والتهذيب ج 5 ص 383 ، والوسائل الباب 17 من تروك الإحرام.

(3) الفقيه ج 2 ص 230 ، والوسائل الباب 14 من تروك الإحرام.

(4) التهذيب ج 5 ص 330 ، والوسائل الباب 14 من تروك الإحرام.

(5) التهذيب ج 5 ص 330 ، والوسائل الباب 15 من تروك الإحرام.


قال : «قضى أمير المؤمنين (عليه‌السلام) في رجل ملك بضع امرأة وهو محرم قبل ان يحل ، فقضى ان يخلي سبيلها ، ولم يجعل نكاحه شيئا حتى يحل ، فإذا أحل خطبها ان شاء ، فان شاء أهلها زوجوه ، وان شاءوا لم يزوجوه».

والمستفاد من هذه الرواية انها بالعقد لا تحرم مؤبدا. وحملها الشيخ على الجاهل جمعا بينها وبين ما رواه عن أديم بن الحر الخزاعي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «ان المحرم إذا تزوج وهو محرم فرق بينهما ، ولا يتعاودان ابدا».

وفي الموثق عن ابن بكير عن إبراهيم بن الحسن عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «ان المحرم إذا تزوج وهو محرم فرق بينهما ثم لا يتعاودان ابدا». ورواه الكليني في الموثق عن ابن بكير عن إبراهيم ابن الحسن مثله (3).

وما ذكره الشيخ (قدس‌سره) من الجمع جيد ، ويدل عليه ما رواه الكليني والشيخ عن زرارة وداود بن سرحان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (4) في حديث قال فيه : «والمحرم إذا تزوج وهو يعلم انه حرام عليه لم تحل له ابدا».

ويحتمل الجمع ايضا بحمل الروايتين الأخيرتين على الدخول والرواية الأولى على عدم الدخول.

ومثل هاتين الروايتين ما رواه الصدوق في من لا يحضره الفقيه (5)

__________________

(1 و 2) التهذيب ج 5 ص 329 ، والوسائل الباب 15 من تروك الإحرام.

(3) الفروع ج 4 ص 372 ، والوسائل الباب 15 من تروك الإحرام.

(4) الوسائل الباب 31 من ما يحرم بالمصاهرة.

(5) ج 2 ص 231 ، والوسائل الباب 15 من تروك الإحرام.


قال : «وقال ـ يعني : أبا عبد الله (عليه‌السلام) ـ من تزوج امرأة في إحرامه فرق بينهما ولم تحل له ابدا». قال (1) : وفي رواية سماعة : «لها المهر ان كان دخل بها».

وبالجملة فالحكم بما ذكره الشيخ من ما لا اشكال فيه.

ونقل في المنتهى إجماع الفرقة على الحكمين المذكورين ، يعني : حكم الجاهل والعامد ، وأسنده في التذكرة إلى علمائنا.

واما ما ذكره في المدارك ـ حيث قال بعد نقل صحيحة محمد بن قيس : ومقتضى الرواية انها لا تحرم مؤبدا بالعقد. وحملها الشيخ على الجاهل ، جمعا بينها وبين خبرين ضعيفين وردا بالتحريم المؤبد بذلك مطلقا. وحملا على العالم. وهو مشكل. لكن ظاهر المنتهى ان الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ، فإن تم فهو الحجة ، وإلا فللنظر فيه مجال ـ

فهو ضعيف لا يلتفت اليه وسخيف لا يعرج عليه. وقد صرح في غير موضع من شرحه ـ بعد إيراد الأخبار الضعيفة بزعمه ، ونقله اتفاق الأصحاب على القول بها ـ انه لا معدل عن ما عليه الأصحاب. بل وافقهم في مواضع لا دليل فيها بالكلية ، كما نبهنا عليه في غير موضع من شرحنا على الكتاب المذكور. على انك قد عرفت في غير موضع من ما قدمنا ان هذا الطعن لا يقوم حجة على المتقدمين الذين لا اثر لهذا الاصطلاح عندهم. مضافا الى ما ذكرناه من وجود المستند لهذا الجمع الذي ذكره الشيخ (رحمه‌الله).

__________________

(1) الفقيه ج 2 ص 231 ، والوسائل الباب 15 من تروك الإحرام.


الثانية ـ لا خلاف أيضا في تحريم النظر بشهوة ، والتقبيل ، والمس كذلك.

ويدل عليه جملة من الاخبار : منها ـ

ما رواه ثقة الإسلام (قدس‌سره) في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن محرم نظر الى امرأته فأمنى أو أمذى وهو محرم. قال : لا شي‌ء عليه ، ولكن ليغتسل ويستغفر ربه. وان حملها من غير شهوة فأمنى أو أمذى فلا شي‌ء عليه ، وان حملها أو مسها بشهوة فأمنى أو أمذى فعليه دم. وقال في المحرم ينظر إلى امرأته وينزلها بشهوة حتى ينزل. قال : عليه بدنة».

وعن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «سألته عن المحرم يضع يده من غير شهوة على امرأته. قال : نعم يصلح عليها خمارها ويصلح عليها ثوبها ومحملها. قلت : أفيمسها وهي محرمة؟ قال : نعم. قلت : المحرم يضع يده بشهوة؟ قال : يهريق دم شاة. قلت : فان قبل؟ قال : هذا أشد ينحر بدنة».

ورواية محمد بن مسلم (3) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يحمل امرأته أو يمسها فأمنى أو أمذى. فقال : ان حملها أو مسها بشهوة فأمنى أو لم يمن ، أو أمذى أو لم يمذ ، فعليه دم شاة

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 375 ، والوسائل الباب 17 من كفارات الاستمتاع.

(2) الفروع ج 4 ص 375 ، والوسائل الباب 17 و 18 من كفارات الاستمتاع.

(3) الفقيه ج 2 ص 214 ، والتهذيب ج 5 ص 326 ، والوسائل الباب 17 من كفارات الاستمتاع.


يهريقه ، وان حملها أو مسها بغير شهوة فليس عليه شي‌ء ، أمنى أو لم يمن ، أمذى أو لم يمذ».

وعن ابي بصير في الموثق (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل نظر الى ساق امرأة فأمنى. قال : ان كان موسرا فعلية بدنة ، وان كان بين ذلك فبقرة ، وان كان فقيرا فشاة. أما اني لم اجعل ذلك عليه من أجل الماء ولكن من أجل أنه نظر الى ما لا يحل له». ورواه الشيخ في الموثق والصدوق مثله (2).

وعن علي بن أبي حمزة عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (3) قال : «سألته عن رجل قبل امرأته وهو محرم. قال : عليه بدنة وان لم ينزل وليس له ان يأكل منها».

وروى الشيخ عن العلاء بن الفضيل (4) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل وامرأة تمتعا جميعا فقصرت امرأته ولم يقصر فقبلها. قال : يهريق دما ، وان كانا لم يقصرا جميعا فعلى كل واحد منهما ان يهريق دما».

وهذه الاخبار وان كانت ما بين مطلق ومقيد بالشهوة إلا انه يجب حمل مطلقها في ذلك على مقيدها ، فمتى كان النظر أو المس أو التقبيل

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 377 ، والوسائل الباب 16 من كفارات الاستمتاع.

(2) التهذيب ج 5 ص 325 ، والفقيه ج 2 ص 213 ، والوسائل الباب 16 من كفارات الاستمتاع.

(3) الفروع ج 4 ص 376 ، والتهذيب ج 5 ص 327 ، والوسائل الباب 18 من كفارات الاستمتاع.

(4) التهذيب ج 5 ص 473 ، والوسائل الباب 18 من كفارات الاستمتاع.


بشهوة ترتب عليه الكفارة ، وإلا فلا.

واما ما رواه الشيخ في الموثق عن إسحاق بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) : «في محرم نظر الى امرأته بشهوة فأمنى. قال : ليس عليه شي‌ء». فقد أجاب عنه الشيخ بالحمل على حال السهو دون حال العمد. ولا بأس به.

واما ما رواه الكليني والشيخ عن مسمع ابي سيار في الحسن (2) ـ قال : «قال لي أبو عبد الله (عليه‌السلام) : يا أبا سيار ان حال المحرم ضيقة ، فمن قبل امرأته على غير شهوة وهو محرم فعليه دم شاة ، ومن قبل امرأته على شهوة فأمنى فعليه جزور ، ويستغفر ربه ، ومن مس امرأته بيده وهو محرم على شهوة فعليه دم شاة ، ومن نظر الى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور ، ومن مس امرأته أو لازمها من غير شهوة فلا شي‌ء عليه». ـ فقد حمله بعض الأصحاب على الاستحباب.

ويؤيده ما رواه الكليني عن الحسين بن حماد (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم يقبل امه. قال : لا بأس هذه قبلة رحمة ، إنما تكره قبلة الشهوة». والمراد بالكراهة هنا التحريم كما تقدم.

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 327 ، والوسائل الباب 17 من كفارات الاستمتاع.

(2) الفروع ج 4 ص 376 ، والتهذيب ج 5 ص 326 ، والوسائل الباب 12 من تروك الإحرام ، والباب 18 من كفارات الاستمتاع.

(3) الفروع ج 4 ص 377 ، والتهذيب ج 5 ص 328 ، والوسائل الباب 18 من كفارات الاستمتاع.


وقد خص التحريم بالشهوة ، كما هو ظاهر الروايات المتقدمة ، وهذه الرواية صريحة في كون التقبيل على غير شهوة ، فوجوب الدم فيها مشكل ، ولا بد من ارتكاب جادة التأويل فيها ، وان كان الاحتياط يقتضي الكف عن التقبيل مطلقا. إلا انه سيأتي في المقام الثاني ان شاء الله (تعالى) فتوى جملة من الأصحاب بمضمون الخبر المذكور.

قال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك بعد قول المصنف : «ونظرا بشهوة» ما لفظه : لا فرق في ذلك بين الزوجة والأجنبية ، بالنسبة إلى النظرة الاولى ان جوزناها ، والنظر إلى المخطوبة ، وإلا فالحكم مخصوص بالزوجة.

قال في المدارك بعد نقل ذلك : وكأن وجه الاختصاص عموم تحريم النظر إلى الأجنبية على هذا التقدير وعدم اختصاصه بحال الشهوة. وهو جيد. إلا ان ذلك لا ينافي اختصاص التحريم الإحرامي بما كان بالشهوة كما أطلقه المصنف. انتهى.

أقول : الظاهر ان كلامه (قدس‌سره) هنا لا يخلو من خدش ، فإنه متى قيل بتحريم النظر إلى الأجنبية مطلقا ، في أول نظرة أو غيرها ، من محل كان النظر أو محرم ، فالتفصيل بالنسبة إلى المحرم ـ بين ما إذا كان نظره بشهوة فيحرم أو لا بشهوة فيحل ـ لا معنى له ، لان المدعى عموم التحريم للمحرم وغيره ، فكيف يتم ما ادعاه من اختصاص التحريم الإحرامي بما إذا كان بشهوة؟ وبالجملة فإني لا اعرف لهذا الكلام وجه استقامة وان تبعه من تبعه فيه.

الثالثة ـ الشهادة على النكاح وإقامتها ، والحكم في الموضعين من ما ظاهرهم الاتفاق عليه.


اما الأول فينبغي ان يعلم انه لا فرق في تحريم الشهادة بين ان تكون لمحل أو محرم كما صرحوا به.

والأصل في هذه المسألة ما رواه الكليني والشيخ (عطر الله ـ تعالى ـ مرقديهما) عن الحسن بن علي في الموثق عن بعض أصحابنا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «المحرم لا ينكح ولا ينكح ولا يخطب ولا يشهد النكاح ، وان نكح فنكاحه باطل». وليس في التهذيب (2) «ولا يخطب».

وروى الشيخ عن عثمان بن عيسى عن ابن أبي شجرة عن من ذكره عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) : «في المحرم يشهد على نكاح محلين؟ قال : لا يشهد. ثم قال : يجوز للمحرم ان يشير بصيد على محل».

قال الشيخ (قدس‌سره) : قوله : «يجوز للمحرم ان يشير بصيد على محل» إنكار وتنبيه على انه إذا لم يجز ذلك فكذلك لا تجوز الشهادة على عقد المحلين.

قال في المدارك بعد إيراد الخبرين المذكورين : وفي الروايتين قصور من حيث السند ، إلا ان الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب.

أقول : انظر الى تستره (قدس‌سره) في الخروج عن جادة اصطلاحه فان حكمه في هذه المسألة بما ذكره إنما هو من حيث كون ذلك مقطوعا به في كلام الأصحاب ، وحينئذ فإذا كان قطع الأصحاب واتفاقهم

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 372 ، والتهذيب ج 5 ص 330 ، والوسائل الباب 14 من تروك الإحرام.

(2) الوسائل الباب 14 من تروك الإحرام.

(3) التهذيب ج 5 ص 315 ، والوسائل الباب 1 و 14 من تروك الإحرام.


على الحكم حجة شرعية ، فما باله يناقش في ذلك في مثل هذه المسألة في مواضع من شرحه؟ ومنها ـ ما تقدم قريبا في صدر المسألة من كون تزويج المحرم عالما عامدا موجبا للتحريم المؤبد. فإن قيل : الفرق بين المسألتين ظاهر ، حيث انه لا معارض لاتفاق الأصحاب هنا بخلاف المسألة المتقدمة ، فإن ظاهر صحيحة محمد بن قيس عدم التحريم مطلقا ، وهو خلاف ما صرح به الأصحاب من التفصيل بالعامد والجاهل. قلنا : ان كان اتفاق الأصحاب على الحكم وقطعهم به حجة شرعية ـ يمكن الاعتماد عليها في إثبات الأحكام ، كما هو ظاهر كلامه في هذا المقام ـ فالواجب عليه الجمع بين الرواية المذكورة وبين كلامهم ، لانه يصير من قبيل تعارض الدليلين في الحكم ، وإلا فلا معنى لكلامه هنا بالمرة.

ثم انه (قدس‌سره) قال : وينبغي قصر الحكم على حضور العقد لأجل الشهادة ، فلو اتفق حضوره لا لأجل الشهادة لم يكن محرما ، ولا يبطل العقد بشهادة المحرم له قطعا ، لان النكاح عندنا لا تعتبر فيه الشهادة. انتهى. وهو جيد.

واما الثاني ـ وهو الإقامة ـ فالمشهور عموم التحريم لما لو تحملها محلا أو محرما ، خلافا للشيخ حيث قيد تحريم إقامة شهادة النكاح على المحرم بما إذا تحملها وهو محرم. ونقل بعض الأصحاب عن بعضهم انه حكم بخطإ هذه النسبة ، وان المنسوب الى الشيخ إنما هو عدم اعتبار الشهادة إذا تحملها محرما. واستوجه العلامة في التذكرة اختصاص التحريم بعقد وقع بين محرمين أو محل ومحرم. وحكى عنه ولده في شرح القواعد انه قال : ان ذلك هو المقصود من كلام الأصحاب. وظاهر كلام


الأصحاب عموم الحكم بالنسبة إلى العقد الواقع بين محلين أو محرمين أو بالتفريق ، إلا ان الفاضل المذكور حكى عن والده ما عرفت.

وكيف كان فالحكم وان كان من ما ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه إلا انى لم أقف له على دليل.

وبذلك اعترف في المدارك ايضا حيث قال بعد ذكر القول المشهور من عموم المنع : ودليله غير واضح. وقال بعد نقل كلام فخر المحققين المتقدم : ولا بأس به قصرا لما خالف الأصل على موضع الوفاق ان تم ، وإلا اتجه عدم التحريم مطلقا.

ثم قال : وكيف كان فإنما يحرم على المحرم الإقامة إذا لم يترتب على تركها محرم ، فلو خاف به وقوع الزنا المحرم وجب عليه تنبيه الحاكم على ان عنده شهادة لتوقف الحكم على إحلاله ، ولو لم يندفع إلا بالشهادة وجب إقامتها قطعا. انتهى.

وفي وجوب ما أوجبه في الموضعين اشكال ، لعدم الدليل الواضح عليه ، إلا ان يدعى الاستناد في ذلك الى الأدلة العامة من الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، والتعاون على البر والتقوى ، ونحو ذلك

فروع

الأول ـ إذا وكل في حال الإحرام فأوقع ، فإن كان قبل إحلال الموكل بطل ، وان كان بعده صح. اما صحة العقد بعد الإحلال فللأصل السالم من المعارض ، واما البطلان قبل الإحلال فهو ظاهر الأصحاب من غير خلاف يعرف ، بل قال في المنتهى : ولو وكل محل مخلا في التزويج ، فعقد له الوكيل بعد إحرام الموكل ، لم يصح النكاح سواء حضره الموكل أو لم يحضره ، وسواء علم الوكيل أو لم يعلم.


واستدل عليه بان الوكيل نائب عن الموكل ، فكان الفعل في الحقيقة مستندا اليه وهو محرم. انتهى. والمسألة لا تخلو من الاشكال ، لعدم الظفر بنص في المقام.

الثاني ـ الظاهر انه لا خلاف في جواز الطلاق للمحرم ، وجواز مراجعة المطلقة ، وشراء الإماء في حال الإحرام.

اما الأول فيدل عليه ـ مضافا الى الأصل السالم عن المعارض ـ صحيحة أبي بصير (1) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : المحرم يطلق ولا يتزوج». رواها المشايخ الثلاثة (نور الله ـ تعالى ـ مراقدهم) في أصولهم (2).

وروى في الكافي عن حماد بن عثمان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «سألته عن المحرم يطلق؟ قال : نعم».

واما الثاني فللأصل السالم عن المعارض ، حيث ان مورد الأخبار النهي عن النكاح ، والمراجعة ليست ابتداء نكاح ، فلا يشمله النهي المذكور ، لأن المطلقة رجعية في حكم الزوجة. ولا فرق في ذلك بين المطلقة تبرعا والمختلعة إذا رجعت في البذل.

واما الثالث فيدل على جوازه ـ مضافا الى الأصل السالم عن المعارض ـ صحيحة سعد بن سعد عن ابي الحسن الرضا (عليه‌السلام) (4) قال :

__________________

(1) الوسائل الباب 17 من تروك الإحرام.

(2) الفروع ج 4 ص 372 ، والفقيه ج 2 ص 231 ، والتهذيب ج 5 ص 383.

(3) الفروع ج 4 ص 373 ، والوسائل الباب 17 من تروك الإحرام.

(4) الفروع ج 4 ص 373 ، والفقيه ج 2 ص 308 ، والتهذيب ج 5 ص 331 ، والوسائل الباب 16 من تروك الإحرام.


«سألته عن المحرم يشتري الجواري ويبيع؟ قال : نعم».

وإطلاق النص المذكور ـ وكذا كلام الأصحاب في هذا الباب ـ يقتضي عدم الفرق في شراء الإماء بين ان يقصد بذلك الخدمة أو التسري. وهو كذلك ، وان حرمت المباشرة.

وقال شيخنا الشهيد الثاني (طاب ثراه) في المسالك : فلو قصد المباشرة عند عقد الشراء في حال الإحرام حرم ، وهل يبطل الشراء؟ فيه وجه ، منشأه النهي عنه ، والأقوى العدم ، لانه عقد لا عبادة.

وقال سبطه السيد السند في المدارك بعد نقل ذلك عنه : قلت : لا ريب في عدم البطلان ، بل الظاهر عدم تحريم الشراء أيضا ، لأنه ليس منهيا عنه بخصوصه ، ولا علة في المحرم اعني : المباشرة ، فلا يكون تحريمها مستلزما لتحريمه ، كما هو واضح. انتهى. وهو جيد.

الثالث ـ الظاهر انه لا خلاف ولا إشكال في انه متى اتفق الزوجان على وقوع العقد في حال الإحرام بطل ، وسقط المهر قبل الدخول ، سواء كانا عالمين أو جاهلين أو بالتفريق. ويدل عليه عموم الأخبار المتقدمة (1) الدالة على بطلان النكاح في حال الإحرام. وان دخل بها وهي جاهلة ثبت لها المهر بما استحل من فرجها ، وفرق بينهما مؤبدا مع العلم ، ومع الجهل الى ان يحصل الإحلال كما تقدم.

وانما الإشكال في ما إذا اختلفا فادعى أحدهما انه وقع العقد في حال الإحرام وأنكر الآخر فادعى وقوعه في حال الإحلال.

وقد حكم الأكثر من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بان القول قول مدعى الصحة بيمينه ، بمعنى وقوعه في حال الإحلال.

__________________

(1) ص 340 الى 343.


واحتجوا على ذلك بوجهين : أحدهما ـ حمل أفعال المسلمين على الصحة. وثانيهما ـ انهما اتفقا على حصول أركان العقد واختلفا في أمر زائد على ذلك ، وهو وقوعه في حال الإحرام ، والأصل عدمه.

وأورد على الأول (أولا) : انه لم يثبت دليل واضح على ان كل فعل صدر عن المسلم لا بد من حمله على الصحة ، بمعنى استتباع الآثار الشرعية ، نعم هو من المقدمات الشائعة بين الفقهاء والدائرة على ألسنتهم ، فإن كانت هذه المقدمة إجماعية فذلك ، وإلا فللنظر فيها مجال.

أقول : ويمكن الاستدلال على ذلك بالحديث المشهور (1) : «احمل أخاك المؤمن على سبعين محملا من الخير. الحديث».

وقولهم (عليهم‌السلام) (2) : «كذب سمعك وبصرك عن أخيك». وما رواه في الكافي (3) عن الحسين بن المختار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) في كلام له : ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يغلبك منه ، ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوء وأنت تجد لها في الخير محملا».

__________________

(1) لم نقف على هذا الحديث بعد الفحص عنه في مظانه. ولعل وصفه بالشهرة إشارة إلى انه مشهور على الألسنة وليس له وجود في كتب الحديث. نعم في البحار ج 15 قسم العشرة ص 170 من الطبع القديم عن مصباح الشريعة عن ابي بن كعب : «إذا رأيتم أحد إخوانكم في خصلة تستنكرونها منه فتأولوا لها سبعين تأويلا ...». وارجع الى الاستدراكات.

(2) الوسائل الباب 157 من أحكام العشرة رقم 4.

(3) الأصول ج 2 ص 362 ، والوسائل الباب 161 من أحكام العشرة.


ونحو ذلك من الاخبار الدالة على حسن الظن بالمؤمن.

و (ثانيا) : ان هذا التوجيه إنما يتم إذا كان المدعي لوقوع العقد في حال الإحرام عالما بفساد ذلك ، اما مع اعترافهما بالجهل فلا وجه للحمل على الصحة.

وعلى الثاني ان كلا منهما يدعى وصفا زائدا على أركان العقد ينكره الآخر ، فترجيح أحدهما على الآخر يحتاج الى مرجح.

ثم انه لو كان المدعي لوقوع العقد في حال الإحرام هو الزوج والمنكر المرأة ، فإن كان النزاع بعد الدخول وجب المسمى بأجمعه قولا واحدا ، وان كان قبل الدخول فقيل بتصنيف المهر بذلك ، ونقل عن الشيخ (رحمه‌الله تعالى) ومن تبعه ، لاعترافه بما يمنع من الوطء ، قال في الشرائع : ولو قيل لها المهر كله كان حسنا. واستصحه في المدارك ، قال : لثبوته بالعقد ، وتنصيفه بالمفارقة قبل الدخول على خلاف الأصل ، فيقتصر فيه على موضع النص والوفاق وهو الطلاق ، ولا يلحق به ما أشبهه لبطلان القياس.

ثم قال : وقد قطع الأصحاب بأن قبول قول مدعى الصحة بيمينه انما هو بحسب الظاهر وإلا فيجب على كل واحد منهما في ما بينه وبين الله (تعالى) فعل ما هو حكمه في نفس الأمر ، فإن كان المدعي للصحة هو الزوج ثبت النكاح ظاهرا ، وحرم عليه التزويج بأختها ، ووجب عليه نفقتها ، والمبيت عندها ، ويجب عليها في ما بينها وبين الله (تعالى) ان تعمل بما تعلم انه الحق بحسب الإمكان ولو بالهرب واستدعاء الفراق ، وليس لها المطالبة بشي‌ء من حقوق الزوجية ، ولا بالمهر قبل الدخول اما بعده فتطالب بأقل الأمرين من المسمى ومهر المثل مع جهلها.


وان كان المدعى للصحة هو المرأة انعكست الأحكام المذكورة ، فلها المطالبة بالنفقة والمهر وسائر حقوق الزوجية ، ولا يحل لها التزويج بغيره ، ولا الأفعال المتوقفة على اذنه بدون اذنه. ونص شيخنا الشهيد الثاني على انه يجوز له بحسب الظاهر التزويج بأختها وخامسة ونحو ذلك من لوازم الفساد ، لأنها كالأجنبية بحسب دعواه.

ثم قال (قدس‌سره) : وانما جمعنا بين هذه الأحكام المتنافية ـ مع ان اجتماعها في الواقع ممتنع ـ جمعا بين الحقين المبنيين على المضايقة المحضة ، وعملا في كل سبب بمقتضاه حيث يمكن.

أقول : والمسألة وان كانت عارية من النص إلا ان ما ذكروه من هذه الأحكام هو المطابق للقواعد والأصول الشرعية. واليه يشير بعض الاخبار التي لا يحضرني الآن موضعها. والله العالم.

الفصل الثاني في الكفارة ، وفيه مسائل الأولى ـ من جامع أمته أو زوجته قبلا أو دبرا محرما بحج أو عمرة ، واجب أو ندب ، عامدا عالما بالتحريم ، قبل المشعر ، فسد حجه ، وعليه إتمامه ، ويلزمه بدنة ، والحج من قابل ، والافتراق إذا بلغا الموضع الذي وقعت فيه الخطيئة بمصاحبة ثالث الى ان يفرغا.

وتفصيل هذه الجملة يقع في مواضع الأول ـ لا خلاف بين الأصحاب في ان الجماع في الفرج في الصورة المذكورة مع العلم والعمد موجب لفساد الحج ، وإتمامه ، والبدنة ، والحج من قابل.

ويدل عليه ـ مضافا الى الاتفاق ـ روايات : منها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 318 ، والوسائل الباب 3 من كفارات الاستمتاع وستأتي ص 358.


السلام) عن رجل محرم وقع على اهله. فقال : ان كان جاهلا فليس عليه شي‌ء ، وان لم يكن جاهلا فان عليه ان يسوق بدنة ، ويفرق بينهما حتى يقضيا المناسك ويرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا وعليهما الحج من قابل».

وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن على المشهور عن زرارة (1) قال : «سألته عن محرم غشي امرأته وهي محرمة. فقال جاهلين أو عالمين؟ قلت : أجبني عن الوجهين جميعا. قال : ان كانا جاهلين استغفرا ربهما ومضيا على حجهما وليس عليهما شي‌ء ، وان كانا عالمين فرق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه ، وعليهما بدنة ، وعليهما الحج من قابل ، فإذا بلغا المكان الذي أحدثا فيه فرق بينهما حتى يقضيا نسكهما ويرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا. قلت : فأي الحجتين لهما؟ قال : الأولى التي أحدثا فيها ما أحدثا ، والأخرى عليهما عقوبة».

وفي الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) «في المحرم يقع على اهله؟ قال : ان كان أفضى إليها فعليه بدنة والحج من قابل ، وان لم يكن أفضى إليها فعليه بدنة وليس عليه الحج من قابل. قال : وسألته عن رجل وقع على امرأته وهو محرم. قال : ان كان جاهلا فليس عليه شي‌ء ، وان لم يكن جاهلا فعليه سوق بدنة

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 373 ، والتهذيب ج 5 ص 317 ، والوسائل الباب 3 من كفارات الاستمتاع.

(2) الفروع ج 4 ص 373 و 374. والوسائل الباب 7 و 3 من كفارات الاستمتاع.


وعليه الحج من قابل ، فإذا انتهى الى المكان الذي وقع بها فرق محملاهما فلم يجتمعا في خباء واحد ـ إلا ان يكون معهما غيرهما ـ حتى يبلغ الهدي محله».

وعن زرارة (1) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) : رجل وقع على اهله وهو محرم؟ قال : أجاهل أو عالم؟ قال : قلت : جاهل قال : يستغفر الله ولا يعود ولا شي‌ء عليه».

وعن علي بن أبي حمزة (2) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن محرم واقع اهله. فقال : قد اتى عظيما. قلت : قد ابتلى. فقال : استكرهها فعليه أو لم يستكرهها؟ قلت : أفتني فيهما جميعا.

فقال : ان كان استكرهها فعليه بدنتان ، وان لم يكن استكرهها فعليه بدنة وعليها بدنة ، ويفترقان من المكان الذي كان فيه ما كان حتى ينتهيا إلى مكة ، وعليهما الحج من قابل لا بد منه. قال : قلت : فإذا انتهيا إلى مكة فهي امرأته كما كانت؟ فقال : نعم هي امرأته كما هي. فإذا انتهيا الى المكان الذي كان منهما ما كان افترقا حتى يحلا ، فإذا أحلا فقد انقضى عنهما. ان ابى كان يقول ذلك».

قال في الكافي (3) : وفي رواية أخرى : «فان لم يقدر على بدنة فإطعام ستين مسكينا لكل مسكين مد ، فان لم يقدر فصيام ثمانية عشر يوما وعليها ايضا كمثله ان لم يكن استكرهها».

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 374 ، والوسائل الباب 2 من كفارات الاستمتاع.

(2) الفروع ج 4 ص 374 ، والتهذيب ج 5 ص 317 ، والوسائل الباب 4 من كفارات الاستمتاع.

(3) الفروع ج 4 ص 374 ، والوسائل الباب 4 من كفارات الاستمتاع.


وفي الصحيح عن سليمان بن خالد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن رجل باشر امرأته وهما محرمان ، ما عليهما؟ فقال : ان كانت المرأة أعانت بشهوة مع شهوة الرجل فعليهما الهدي جميعا ، ويفرق بينهما حتى يفرغا من المناسك ، وحتى يرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا ، وان كانت المرأة لم تعن بشهوة واستكرهها صاحبها فليس عليها شي‌ء».

وما رواه الصدوق في الفقيه (2) مرسلا قال : «قال الصادق (عليه‌السلام) : ان وقعت على أهلك بعد ما تعقد الإحرام وقبل ان تلبي فلا شي‌ء عليك ، وان جامعت وأنت محرم قبل ان تقف بالمشعر فعليك بدنة والحج من قابل ، وان جامعت بعد وقوفك بالمشعر فعليك بدنة وليس عليك الحج من قابل ، وان كنت ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي‌ء عليك».

وما رواه في التهذيب (3) في الصحيح عن معاوية بن عمار قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل محرم وقع على اهله. فقال : ان كان جاهلا فليس عليه شي‌ء ، وان لم يكن جاهلا فان عليه ان يسوق بدنة ، ويفرق بينهما حتى يقضيا المناسك ويرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا ، وعليهما الحج من قابل».

وعن معاوية بن عمار في الصحيح (4) قال : «سألت أبا عبد الله

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 375 ، والوسائل الباب 4 من كفارات الاستمتاع.

(2) ج 2 ص 213 ، والوسائل الباب 1 و 6 و 2 من كفارات الاستمتاع.

(3) ج 5 ص 318 ، والوسائل الباب 3 من كفارات الاستمتاع. وتقدمت ص 355.

(4) التهذيب ج 5 ص 318 ، والوسائل الباب 7 من كفارات الاستمتاع.


(عليه‌السلام) عن رجل محرم وقع على أهله في ما دون الفرج. قال : عليه بدنة وليس عليه الحج من قابل ، وان كانت المرأة تابعته على الجماع فعليها مثل ما عليه ، وان كان استكرهها فعليه بدنتان ، وعليهما الحج من قابل. آخر الخبر».

وبهذا الاسناد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «إذا وقع الرجل بامرأته دون المزدلفة أو قبل ان يأتي المزدلفة فعليه الحج من قابل».

وفي الكافي نحوه (2). وفي الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) : «في المحرم يقع على اهله؟ قال : يفرق بينهما ولا يجتمعان في خباء ـ إلا ان يكون معهما غيرهما ـ حتى يبلغ الهدي محله».

وقال في كتاب الفقه الرضوي (4) : «والرفث : الجماع ، فان جامعت وأنت محرم في الفرج فعليك بدنة والحج من قابل ، ويجب ان يفرق بينك وبين أهلك حتى تؤدى المناسك ثم تجتمعان ، فإذا حججتما من قابل وبلغتما الموضع الذي واقعتها فرق بينكما حتى تقضيا المناسك ثم تجتمعان ، فإن أخذتما على غير الطريق الذي كنتما أخذتما فيه العام الأول لم يفرق بينكما. وتلزم المرأة بدنة إذا جامعها الرجل فإن أكرهها لزمه بدنتان ولم يلزم المرأة شي‌ء ، فان كان الرجل جامعها

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 319 ، والوسائل الباب 3 و 6 من كفارات الاستمتاع.

(2) الفروع ج 4 ص 379 ، والوسائل الباب 3 من كفارات الاستمتاع.

(3) التهذيب ج 5 ص 319 ، والوسائل الباب 3 من كفارات الاستمتاع.

(4) ص 27.


دون الفرج فعليه بدنة وليس عليه الحج من قابل ، فان كان الرجل جامعها بعد وقوفه بالمشعر فعليه بدنة وليس عليه الحج من قابل».

وروى ابن إدريس في مستطرفات السرائر (1) نقلا من نوادر احمد ابن محمد بن ابي نصر عن عبد الكريم عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) في حديث قال : «قلت له : أرأيت من ابتلى بالرفث ـ والرفث هو الجماع ـ ما عليه؟ قال : يسوق الهدي ، ويفرق بينه وبين اهله حتى يقضيا المناسك ، وحتى يعودا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا. فقلت : أرأيت إن أرادا أن يرجعا في غير ذلك الطريق؟ قال : فليجتمعا إذا قضيا المناسك».

الثاني ـ قد عرفت اتفاق الأصحاب والاخبار المذكورة في ان الجماع في الفرج عالما عامدا موجب للبدنة واعادة الحج ، وانما الخلاف في انه هل الأولى حجة الإسلام والثانية عقوبة أو بالعكس؟ فذهب الشيخ إلى الأول ، ويظهر من المحقق في النافع الميل اليه ، وذهب ابن إدريس الى أن حجة الإسلام هي الثانية دون الاولى ، واختاره العلامة في المنتهى.

والظاهر هو ما ذهب اليه الشيخ ، لحسنة زرارة أو صحيحته المتقدمة (2) ولا يضر إضمارها كما نبهوا عليه في غير موضع ، سيما إذا كان المضمر مثل زرارة.

قال العلامة في المنتهى : والأقوى عندي قول ابن إدريس ، لأن الأولى فسدت فلا يخرج بها عن عهدة التكليف ، ووجوب المضي فيها

__________________

(1) ص 466 ، والوسائل الباب 3 من كفارات الاستمتاع.

(2) ص 356.


لا يوجب ان تكون هي الحجة المأمور بها. واما رواية زرارة فإنها وان كانت حسنة لكن زرارة لم يسندها الى امام ، فجاز ان يكون المسؤول غير امام. وهو وان كان بعيدا لكن البعد لا يمنع من تطرق الاحتمال ، فيسقط الاحتجاج بها. انتهى.

أقول : فيه (أولا) : ما ذكره جملة من الأصحاب من ان فساد الحج لا دليل عليه ، واخبار المسألة على تعددها لم يشتمل شي‌ء منها على ذلك ، وغاية ما دلت عليه الروايات وجوب الإتمام والحج من قابل ، وهو لا يستلزم الفساد. نعم وقع التصريح بالفساد في بعض عباراتهم ، ولا حجة فيه ما لم يقم الدليل عليه من الاخبار. أقول : وهذا الوجه جيد بالنظر الى هذه الاخبار ، إلا انه قد روى ثقة الإسلام في الكافي عن سليمان بن خالد في الصحيح (1) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : في الجدال شاة ،. وفي السباب والفسوق بقرة ، والرفث فساد الحج».

وحينئذ فيمكن ان يكون وجه الجمع بين هذه الرواية ورواية زرارة حمل الفساد في هذه الرواية على المجاز الذي هو عبارة عن حصول النقص فيها لا البطلان بالكلية. ومثل هذا المجاز شائع في الاستعمال. وسيأتي في باب الطواف في حديث حمران بن أعين (2) : «في من جامع بعد ان طاف ثلاثة أشواط. قال (عليه‌السلام): فقد أفسد حجه وعليه بدنة». مع الاتفاق على صحة الحج في الصورة

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 339 ، والتهذيب ج 5 ص 297 ، والوسائل الباب 1 و 2 من بقية كفارات الإحرام.

(2) الوسائل الباب 11 من كفارات الاستمتاع.


المذكورة. ونحوه في الاخبار غير عزيز.

و (ثانيا) : ان ما استند اليه في رد حسنة زرارة ـ من مجرد الاحتمال مع اعترافه ببعده ، نظرا الى قولهم : إذا قام الاحتمال بطل الاستدلال ـ فهو كلام شعري وخطاب جدلي خارج عن جادة التحقيق وناشى‌ء من الوقوع في لجج المضيق. وليت شعري إذا كان مجرد الاحتمال مبطلا للاستدلال فبأي دليل تقوم لهم الحجة على خصمائهم في الإمامة ومخالفيهم في الأصول وأصحاب الملل والأديان ، لما يبدونه من التأويلات والاحتمالات في أدلتهم وان بعدت ، إذ لا لفظ إلا وهو قابل للاحتمال ، ولا حجة إلا وللمنازع فيها مجال. ولو تم ما ذكروه لانسد عليهم باب الاستدلال في جميع هذه المقامات. بل التحقيق ان الاستدلال مبني على الظاهر من اللفظ والمتسارع الى الفهم ، ولا يجوز ارتكاب خلاف الظاهر الذي هو الاحتمال إلا في مقام اختلاف الأدلة وضرورة الجمع مع ترجيح أحد الدليلين ، فيرتكب في الآخر التأويل ليرجع اليه. والأمر هنا ليس كذلك. وبالجملة فإن ما ذكره (قدس‌سره) خارج عن جادة التحقيق بعيد سحيق.

وتظهر فائدة القولين المتقدمين في الأجير لتلك السنة ، وفي كفارة خلف النذر وشبهه لو كانت مقيدة بتلك السنة ، وفي المفسد المصدود إذا تحلل ثم قدر على الحج لسنته ، كما سيأتي تحقيقه ان شاء الله (تعالى) في محله.

الثالث ـ إطلاق النصوص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في الموطوء بين الزوجة الدائمة والمتمتع بها والأمة ، ولا بين الوطء في القبل والدبر. وبه صرح جملة من متأخري المتأخرين.


اما الأول فلان الحكم في أكثر الأخبار المتقدمة وقع معلقا على وطء اهله ، وهو شامل لكل من هذه الافراد الثلاثة. إلا انه عندي لا يخلو من نوع اشكال وتوقف ، لأن جملة من الاخبار المتقدمة اشتملت على لفظ : «امرأته» ومن الظاهر بعد صدق هذا اللفظ على الأمة ، وصدق الأهل أيضا عليها لا يخلو من البعد ، سيما مع ما قرر في غير موضع من ان الأحكام انما تحمل على ما هو الفرد الشائع الغالب المتكثر وهو الذي يتبادر إليه الإطلاق ، ولا ريب ان الفرد الشائع الغالب إنما هو الزوجة الدائمة. وكيف كان فالاحتياط يقتضي الوقوف على ما ذكروه نور الله (تعالى) مراقدهم وأعلى مقاعدهم.

واما الثاني فلان الحكم في الاخبار ترتب على المواقعة ، والظاهر شمولها لكل من القبل والدبر ، لما روى في الدبر : «انه أحد المأتيين» (1).

ونقل عن الشيخ في المبسوط انه أوجب بالوطء في الدبر البدنة دون الإعادة. وعبارته التي نقلها في المختلف لا تساعد على ذلك ، فإنه (قدس‌سره) قال في النهاية على ما نقله في المختلف : ان كان جماعه في الفرج قبل الوقوف كان عليه بدنة والحج من قابل ، وان كان جماعه في ما دون الفرج كان عليه بدنة دون الحج من قابل. وأطلق وقال في المبسوط : ان جامع المرأة في الفرج قبلا كان أو دبرا قبل الوقوف بالمشعر عامدا ـ سواء كان قبل الوقوف بعرفة أو بعده ـ فسد حجه ووجب عليه المضي فيه ، والحج من قابل ، وبدنة ، وان كان الجماع في ما دون الفرج كان عليه بدنة لا غير. وعبارته هذه صريحة في

__________________

(1) الوسائل الباب 12 من الجنابة.


جعل الدبر من الفرج. وقال في الخلاف : إذا وطئ في الفرج فسد حجه ، وان وطئ في ما دونه لم يفسد حجه وان انزل. ثم قال : ومن أصحابنا من قال : إتيان البهيمة واللواط بالرجال والنساء بإتيانها في دبرها ، كل ذلك يتعلق به فساد الحج. وبه قال الشافعي (1) ومنهم من قال : لا يتعلق الفساد إلا بالوطء في القبل من المرأة. واستدل على الأول بالاحتياط ، وعلى الثاني بالبراءة.

وقال ابن البراج : إذا جامع في الفرج أو في ما دونه متعمدا قبل الوقوف بالمزدلفة فسد حجه.

قال في المختلف بعد نقل ذلك عنه : فان جعل الفرج عبارة عن القبل وما دونه عبارة عن الدبر صح كلامه وإلا فلا.

ثم قال : وابن إدريس فصل كالشيخ في المبسوط ، وباقي علمائنا أطلقوا كالشيخ في النهاية. ثم قال : والأقرب عندي انه لا فرق بين القبل والدبر سواء كان بامرأة أو بغلام ، لنا : انه هتك محرم عليه مساو للقبل في الأحكام فيساويه في الإفساد. ولأنه أفحش فالعقوبة به أتم. ولانه يصدق عليه انه واقع وغشي امرأته فيثبت فيه الحكم. ولأن الأحاديث معلقة عليه ثم قال : احتج الآخرون بما رواه معاوية بن عمار في الصحيح (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل وقع على أهله في ما دون الفرج. قال : عليه بدنة وليس عليه الحج من قابل». ثم أجاب بأنا نقول بموجبه ، لان الدبر يسمى فرجا ، لأنه مأخوذ من

__________________

(1) المغني ج 3 ص 303 طبع مطبعة العاصمة.

(2) التهذيب ج 5 ص 318 ، والوسائل الباب 7 من كفارات الاستمتاع.


الانفراج وهو متحقق فيه. انتهى.

أقول : لا ريب ان ظاهر لفظ الوقوع في الروايات المتقدمة صادق على القبل والدبر. بقي الكلام في هذه الرواية من حيث تضمنها للوقوع على أهله في ما دون الفرج ، فربما يتوهم منها اختصاص الفرج بالقبل ، كما هو أحد القولين في المسألة ، فيمكن ان يخصص بها إطلاق الروايات المتقدمة. ومن ما ايدها بعض الاخبار المتقدمة في باب غسل الجنابة في مسألة الجماع في الدبر (1). والجواب عن ذلك ان يقال : ان المفهوم من كلام أهل اللغة ان الفرج يطلق على الموضعين لا اختصاص له بالقبل ، قال ابن الأثير في النهاية : وفي حديث ابي جعفر الأنصاري : «فملأت ما بين فروجي» جمع فرج وهو ما بين الرجلين ، يقال للفرس : ملأ فرجه وفروجه. إذا عدا وأسرع. وبه سمي فرج المرأة والرجل ، لأنهما بين الرجلين. انتهى. وقال في القاموس : والفرج : العورة. وقال الفيومي في كتاب المصباح المنير : والفرج من الإنسان يطلق على القبل والدبر ، لان كل واحد منهما منفرج اي منفتح. وأكثر استعماله في العرف في القبل. وقد ورد في حديث الاستنجاء (2) : اللهم حصن فرجي. وحينئذ فيجب حمل الصحيحة المذكورة على الوقوع في ما عدا القبل والدبر من البدن مثل ان يكون بين الأليتين من دون إيقاب ، أو التفخيذ للمرأة ، كما يشير اليه قوله (عليه‌السلام) في صحيحة معاوية بن عمار الأخرى (3) :

__________________

(1) ج 3 ص 4 الى 12.

(2) خلاصة الأذكار للفيض الكاشاني ص 73.

(3) ص 356 ، واللفظ : «في المحرم يقع على اهله».


«وقد سأله عن المحرم يقع على اهله. قال : ان كان أفضى إليها فعليه بدنة. الحديث وقد تقدم ، يعني : جامع وأولج في قبل أو دبر. وان لم يكن افضى فعليه بدنة». يعني : مع الإنزال أو مطلقا ، كما سيأتي بيانه ان شاء الله (تعالى). نعم بقي الكلام في ما عدا المرأة من الغلام والزنى ، وظاهر كلامه هنا وكذا في المنتهى انه كذلك ، فإنه ألحق بوطء الزوجة الزنى ووطء الغلام ، وعلله بما ذكره هنا. وبه صرح غيره ايضا. وللنظر فيه مجال وان كان الاحتياط في ما ذكروه.

الرابع ـ إطلاق الاخبار المتقدمة شامل لما لو كان الحج واجبا أو مندوبا ، عن نفسه أو غيره ، لان المندوب بالدخول فيه يصير واجبا وبذلك صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بل صرح السيد المرتضى (رضي‌الله‌عنه) بدعوى الإجماع عليه ، حيث قال في المسائل الرسية ـ على ما نقله في المختلف ـ اعلم انه لا خلاف بين الإمامية في ان المجامع قبل الوقوف بعرفة أو بالمشعر الحرام يجب عليه مع الكفارة قضاء هذه الحجة نفلا كانت أو فرضا. انتهى. واما بالنسبة الى ما إذا كانت الحجة عن الغير فقد تقدم ذكره في حج النيابة.

الخامس ـ المشهور بين الأصحاب ان الجماع مفسد إذا وقع قبل الوقوف بالمشعر سواء كان قبل الوقوف بعرفة أو بعده ، ونسبه في المختلف الى الشيخ علي بن بابويه وابنه في المقنع ، قال : ورواه في كتاب من لا يحضره الفقيه (1) وهو قول ابن الجنيد وابن البراج

__________________

(1) ج 2 ص 213 ، والوسائل الباب 1 و 6 و 2 من كفارات الاستمتاع وتقدم ص 358.


وابن حمزة وابن إدريس. ثم نقل عن الشيخ المفيد : انه ان جامع قبل الوقوف بعرفة فكفارته بدنة ، وعليه الحج من قابل ، ويستغفر الله ، وان جامع بعد وقوفه بعرفة فعليه بدنة ، وليس عليه الحج من قابل. وهو قول سلار ولبي الصلاح. وللسيد المرتضى قولان : أحدهما ـ هذا ، ذكره في الجمل ، والثاني كالأول ، ذكره في الانتصار ثم نقل عبارته في الانتصار بما هذه صورته : من ما انفردت به الإمامية القول بان من وطئ عامدا في الفرج قبل الوقوف بالمشعر فعليه بدنة والحج من قابل ، ويجري عندهم مجرى من وطئ قبل الوقوف بعرفة. وقال في المسائل الرسية : اعلم انه لا خلاف بين الإمامية في ان المجامع. العبارة التي تقدمت.

والعمل على القول المشهور ، لما تقدم من مرسلة الصدوق في من لا يحضره الفقيه (1) عن الصادق (عليه‌السلام) وصحيحة معاوية بن عمار التي بعدها المروية في التهذيب ، وفي الكافي نحوها (2).

ونقل في المختلف عن الشيخ المفيد انه احتج بما روى عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) انه قال : «الحج عرفة» (3). ثم أجاب عنه بأنه محمول على ان معظم الحج عرفة ثم قال : وهذا بعد تسليم الحديث.

وبالجملة فإن القول المذكور ضعيف ودليله غير ثابت ، ومع ثبوته

__________________

(1) ج 2 ص 213 ، والوسائل الباب 1 و 6 و 2 من كفارات الاستمتاع. وتقدم ص 358.

(2) تقدمت ص 359.

(3) مستدرك الوسائل الباب 18 من إحرام الحج. وسنن البيهقي ج 5 ص 216. والجامع الصغير ج 1 ص 150.


فهو غير ظاهر في المدعى ، فلا يعارض الخبرين الصحيحين الصريحين في الحكم المذكور.

السادس ـ ظاهر جملة من الاخبار المتقدمة وصريح بعضها وجوب التفريق بينهما. ونقل في المدارك انه مجمع عليه بين الأصحاب في حج القضاء ، ومحل خلاف في الحجة الاولى.

وظاهر المختلف ان التفريق مطلقا محل خلاف ، حيث قال : قال الشيخ في الخلاف : إذا وجب عليهما الحج في المستقبل فإذا بلغا الى الموضع الذي واقعها فيه فرق بينهما ، واختلف أصحاب الشافعي هل هي واجبة أو مستحبة (1)؟ ولم ينص الشيخ هنا على أحدهما. وفي النهاية والمبسوط : وينبغي لهما ان يفترقا. وليس صريحا في أحدهما إذ قد يستعمله كثيرا فيهما. وقد نص شيخنا علي بن بابويه على وجوبه فقال : ويجب ان يفرق بينك وبين أهلك. وهكذا قال ابنه في المقنع ومن لا يحضره الفقيه. وهو الظاهر من كلام ابن الجنيد. والروايات تدل على الأمر بالتفريق ، فان قلنا الأمر للوجوب كان واجبا وإلا فلا. انتهى.

أقول : ظاهر كلامه هنا التردد في الحكم بالوجوب والتوقف فيه ، ولا وجه له بعد اعترافه بدلالة الروايات على الأمر ، مع تصريحه في الأصول بأن الأمر حقيقة في الوجوب.

وما نقله عن الشيخ علي بن بابويه وابنه في كتابيه فهو عين عبارة كتاب الفقه الرضوي المتقدمة (2).

__________________

(1) المجموع للنووي ج 7 ص 388 و 399 الطبعة الثانية.

(2) ص 359.


وبالجملة فإن الروايات المتقدمة مع كثرتها قد اتفقت على التفريق ، ومنها ـ ما هو بلفظ الأمر وان كان بالجملة الفعلية ، وعبارة كتاب الفقه صريحة في الوجوب ، فلا مجال للتوقف فيه. وقد قطع في المنتهى بالوجوب من غير نقل خلاف إلا من العامة (1).

والظاهر ان المخاطب بالوجوب هو الإمام أو نائبه الذي يحج بالناس ، كما هو المعمول عليه في الصدر الأول. ولم أقف على من تعرض لبيان ذلك من الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم).

بقي الكلام هنا في التفريق هل هو في مجموع الحجتين أو حجة القضاء خاصة؟ وبيان غاية التفريق.

فنقل في المختلف عن الشيخ (قدس‌سره) انه حكم بالتفريق في حجة القضاء مدة بقائهما على النسك ، فإذا قضيا المناسك سقط هذا الحكم. ثم قال : وقال شيخنا علي بن بابويه : ويجب ان يفرق بينك وبين أهلك حتى تقضيا المناسك ثم تجتمعان ، فإذا حججتما من قابل وبلغتما الموضع الذي كان منكما ما كان فرق بينكما حتى تقضيا المناسك ثم تجتمعان. فأوجب التفريق في الحجتين معا. وقال ابن الجنيد : يفرق بينهما ان كانت زوجته أو أمته الى ان يرجعا الى المكان الذي وقع عليها فيه من الطريق ، وهما في جميع ذلك ممتنعان من الجماع ، وان كانا قد أحلا فإذا رجعا اليه جاز لهما ذلك ، فإذا حجا قابلا فبلغا ذلك المكان فرق بينهما ، ولا يجتمعان حتى يبلغ الهدي محله. فاثبت التفريق في الحجتين معا ، وبعد قضاء الحج

__________________

(1) المجموع للنووي ج 7 ص 388 و 399 الطبعة الثانية.


الفاسد الى ان يبلغ في الرجوع الى مكان الخطيئة. انتهى كلامه زيد مقامه.

أقول : لا ريب ان ظواهر الأخبار المتقدمة دالة على وجوب التفريق في الحجتين معا ، ومنها كلامه (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي ، وهو عين ما نقله في المختلف عن الشيخ علي بن بابويه ومنه يعلم ان مستنده في الحكم المذكور إنما هو الكتاب المذكور لا ما توهمه في المختلف من ان مستنده رواية علي بن أبي حمزة المتقدمة (1) وان كانت دالة على ذلك. ونقل هذه العبارة أيضا الصدوق في الفقيه عن أبيه في رسالته إليه في باب ما يجب على المحرم اجتنابه من الرفث والفسوق والجدال في الحج (2).

وظاهر كلامه (عليه‌السلام) في كتاب الفقه ان غاية التفريق في الحجة الأولى بعد مواقعة الخطيئة الى ان يقضيا المناسك ويتحللا من إحرامهما ، وكذا في الحجة الثانية بعد الوصول الى محل الخطيئة.

وظاهر رواية علي بن أبي حمزة (3) أنه في الحجة الأولى يفرق بينهما من ذلك المكان الى ان ينتهيا إلى مكة ، وفي الحجة الثانية من وصول ذلك المكان الى ان يحلا من جميع محرمات الحج والفراغ من جميع المناسك. وكذا الإحلال من الحجة الثانية (4). ويحتمل حمل الإحلال على بلوغ الهدي محله كما سيأتي.

وظاهر صحيحة زرارة أو حسنته (5) بالنسبة إلى الحجة الأولى وجوب

__________________

(1 و 3 و 5) ص 357 و 356.

(2) ص 212 و 213.

(4) في النسخة الخطية : «وكذا الإحلال في الحجة الثانية» وكيف كان فيحتمل في هذه الجملة أن تكون زيادة من قلم النساخ.


التفريق من المكان الذي أحدثا فيه ، إلا انه لم يذكر غايته. وفي الحجة الثانية من بلوغ المكان الذي أحدثا فيه الى ان يقضيا المناسك ويرجعا الى ذلك المكان. والواجب حمل هذه الرواية على ما قدمناه من الروايتين الأولتين ، بتقييد إطلاق الغاية في الحجة الأولى بما تقدم من قضاء المناسك ، وحمل الرجوع في الحجة الثانية الى ذلك المكان بعد قضاء المناسك على الاستحباب ، كما صرح به بعض الأصحاب.

واما صحيحة معاوية بن عمار الاولى فقد تضمنت انه ان لم يكن جاهلا فان عليه ان يسوق بدنة ، ويفرق بينهما حتى يقضيا المناسك ويرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا. وظاهرها ان ذلك في الحجة الاولى ، ولم يتعرض للحجة الثانية. ومثلها في ذلك صحيحة سليمان بن خالد ورواية السرائر.

وظاهر كلام ابن الجنيد المتقدم نقله انه أوجب التفريق في الحجة الاولى من مكان الخطيئة الى ان يرجعا اليه. وهذه الاخبار تصلح لان تكون مستندا له ، إلا صحيحة معاوية بن عمار الثانية ، فإنها إنما اشتملت على الحجة الثانية ، إلا انه جعل غاية التفريق فيها بلوغ الهدي محله. ومثله في صحيحته الأخيرة من الروايات المتقدمة. والظاهر انه كناية عن الإحلال وان لم يكن عن جميع محرمات الإحرام وقضاء جميع المناسك ، كما تقدم في الروايات السابقة.

ولعل طريق الجمع بينها حمل تعدد هذه الغايات على مراتب الفضل والاستحباب ، فغايته الاولى بلوغ الهدي محله ، وأفضل منه قضاء جميع المناسك ، وأفضل الجميع الرجوع الى موضع الخطيئة.

ثم ان عندي في المقام اشكالا لم أقف على من تنبه له ولابنه عليه


وهو ان جعل الغاية في جملة من هذه الاخبار قضاء المناسك والرجوع الى الموضع الذي أحدثا فيه ما أحدثا إنما يتم لو كان الإحرام بالحج من الميقات خارج مكة ، فإنه لا بد له في الرجوع بعد الحج من المرور على ذلك المكان ان سلك تلك الطريق ، اما لو كان الحج من مكة ـ كما في حج التمتع وبعض أقسام الافراد ـ فإنه يشكل ذلك بأنه بعد الفراغ من المناسك ليس له رجوع الى ذلك الموضع ولا مرور عليه ، لانه بعد فراغه من جميع المناسك يتوجه الى بلاده ، والخطيئة إنما وقعت في سفره الى عرفة ، فكيف يتم ما أطلق في تلك الاخبار من ان غاية الافتراق قضاء جميع المناسك والرجوع الى ذلك الموضع؟

فوائد

الأولى ـ قال الفاضل الخراساني في الذخيرة : واعلم انه نقل الصدوق عن والده : فإن أخذتما على طريق غير الذي كنتما أخذتما فيه العام الأول لم يفرق بينكما. وبمضمونه أفتى جماعة من الأصحاب كالفاضلين والشهيد وغيرهم. وهو متجه ، للأصل السالم من المعارض. واحتمل الشهيد الثاني وجوب التفريق في المتفق من الطريقين ، وهو ضعيف. انتهى.

أقول : ما نقله الصدوق عن والده مأخوذ ـ كما عرفت ـ من عبارة كتاب الفقه المتقدمة ، وهي مستند هذا الحكم. وهذا الحكم لم يوجد في شي‌ء من اخبار المسألة إلا في الكتاب المذكور ، وكذا في رواية السرائر لكن باعتبار الغاية لا الابتداء ، بمعنى انهما ان رجعا في تلك الطريق فغاية التفريق هو ذلك المكان ، وان رجعا في غيره


كان غاية التفريق قضاء المناسك خاصة.

الثانية ـ معنى التفريق المأمور به في هذه الاخبار هو ان لا يجتمعا في مكان واحد الا ومعهما ثالث.

كما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن الى ابان رفعه إلى أحدهما (عليهما‌السلام) (1) قال : «معنى (يفرق بينهما) اى لا يخلوان وان يكون معهما ثالث». وجملة : «وان يكون» بيان للجملة الاولى.

وروى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن ابان رفعه الى ابي جعفر وابي عبد الله (عليهما‌السلام) (2) قالا : «المحرم إذا وقع على اهله يفرق بينهما. يعنى بذلك : لا يخلوان وان يكون معهما ثالث».

واعتبر الأصحاب في الثالث ان يكون مميزا ، لان وجود غير المميز كعدمه. وهو جيد ، لانه المتبادر من العبارة المذكورة بقرينة المقام.

الثالثة ـ لو وطئ ناسيا أو جاهلا فقد صرحت الأخبار المتقدمة بأنه لا شي‌ء عليه. والظاهر انه لا خلاف فيه عندنا. ونقل الخلاف فيه في المنتهى عن مالك وابي حنيفة واحمد والشافعي في القديم (3) فإنهم أفسدوا به الحج وأوجبوا البدنة. وأخبارنا ترده.

والظاهر ان مثلهما ما لو اكره على الجماع ، كما ذكره العلامة

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 373 ، والوسائل الباب 3 من كفارات الاستمتاع.

(2) التهذيب ج 5 ص 319 و 320 ، والوسائل الباب 3 من كفارات الاستمتاع.

(3) المغني ج 3 ص 307 و 434 و 435 طبع مطبعة العاصمة.


في المنتهى. وظاهر عبارته فيه انه إجماعي. ولحديث «رفع عن أمتي» (1). ولأن الإكراه يرفع الفساد في حق المرأة لو أكرهها زوجها ، فكذا هو لو أكره أيضا.

السابع ـ حكم المرأة في ما ذكر حكم الرجل ، من المضي في الحج وقضائه ، ووجوب البدنة منى طاوعته.

وتدل على ذلك صحيحة سليمان بن خالد ، وصحيحة معاوية المتقدمتان (2) ورواية علي بن أبي حمزة (3).

وما رواه الشيخ في التهذيب (4) عن خالد الأصم قال : «حججت وجماعة من أصحابنا وكانت معنا امرأة ، فلما قدمنا مكة جاءنا رجل من أصحابنا فقال : يا هؤلاء اني قد بليت. قلنا : بماذا؟ قال : شكرت بهذه المرأة ، فاسألوا أبا عبد الله (عليه‌السلام). فسألناه فقال : عليه بدنة. فقالت المرأة : فاسألوا لي أبا عبد الله (عليه‌السلام) فاني قد اشتهيت ، فسألناه فقال (عليه‌السلام) : عليها بدنة».

ويتحمل عنها البدنة في صورة الإكراه كما دلت عليه رواية علي ابن أبي حمزة (5) وعبارة كتاب الفقه الرضوي. واما طعنه في المدارك في رواية علي بن أبي حمزة بأنها ضعيفة ، وقول صاحب الذخيرة انها ضعيفة السند ، فيشكل التعويل عليها في الحكم المخالف للأصل ، فإنه مردود بما صرح به كل منهما في غير موضع من ان ضعف السند

__________________

(1) الوسائل الباب 30 من الخلل الواقع في الصلاة ، والباب 56 من جهاد النفس.

(2) ص 358 رقم 1 و 4.

(3 و 5) ص 357.

(4) ج 5 ص 331 ، والوسائل الباب 3 من كفارات الاستمتاع.


مجبور بعمل الأصحاب متى اتفقوا على الحكم المذكور فيها ، وهو هنا كذلك ، فإنه لا مخالف في الحكم المذكور في ما اعلم. وفي المنتهى لم ينقل الخلاف فيه إلا عن العامة (1).

الثامن ـ لو جامع بعد الوقوف بالمشعر وقبل طواف النساء كان حجه صحيحا ، وعليه بدنة. وهو مجمع عليه كما حكاه في المنتهى.

ويدل على سقوط القضاء هنا الأصل المؤيد بمفهوم قول الصادق (عليه‌السلام) في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة (2) : «إذا وقع الرجل بامرأته دون المزدلفة ، أو قبل ان يأتي المزدلفة ، فعليه ، الحج من قابل».

ويدل على سقوط القضاء مع وجوب البدنة مرسلة الصدوق المتقدمة (3) وقوله (عليه‌السلام) في كتاب الفقه (4) : «فان كان الرجل جامعها بعد وقوفه بالمشعر فعليه بدنة ، وليس عليه الحج من قابل».

ويدل على وجوب البدنة أيضا مع صحة الحج ما رواه في الكافي في الصحيح إلى سلمة بن محرز (5) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه

__________________

(1) المغني ج 3 ص 302 طبع مطبعة العاصمة.

(2) التهذيب ج 5 ص 319 ، والوسائل الباب 3 و 6 من كفارات الاستمتاع.

(3) ص 358.

(4) ص 359 و 360.

(5) الوسائل الباب 10 من كفارات الاستمتاع.


السلام) عن رجل وقع على اهله قبل ان يطوف طواف النساء. قال : ليس عليه شي‌ء. فخرجت إلى أصحابنا فأخبرتهم ، فقالوا : اتقاك ، هذا ميسر قد سأله عن مثل ما سألت فقال له : عليك بدنة. قال : فدخلت عليه ، فقلت : جعلت فداك إني أخبرت أصحابنا بما أجبتني ، فقالوا : اتقاك ، هذا ميسر قد سأله عن ما سألت فقال له : عليك بدنة فقال : ان ذلك كان بلغه ، فهل بلغك؟ قلت : لا. قال : ليس عليك شي‌ء».

وروى الشيخ في الصحيح ايضا الى سلمة بن محرز (1) «انه كان تمتع ، حتى إذا كان يوم النحر طاف بالبيت وبالصفا والمروة ، ثم رجع الى منى ولم يطف طواف النساء ، فوقع على اهله ، فذكره لأصحابه فقالوا : فلان قد فعل مثل ذلك ، فسأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) فأمره أن ينحر بدنة. قال سلمة : فذهبت الى ابي عبد الله (عليه‌السلام) فسألته فقال : ليس عليك شي‌ء. فرجعت الى أصحابي فأخبرتهم بما قال ، فقالوا : اتقاك وأعطاك من عين كدرة. فرجعت الى ابي عبد الله (عليه‌السلام) فقلت : اني لقيت أصحابي فقالوا : اتقاك ، وقد فعل فلان مثل ما فعلت فأمره أن ينحر بدنة. فقال : صدقوا ما اتقيتك ولكن فلان فعله متعمدا وهو يعلم ، وأنت فعلته وأنت لا تعلم ، فهل كان بلغك ذلك؟ قال : قلت : لا والله ما كان بلغني. فقال : ليس عليك شي‌ء».

وروى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار (2)

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 486 ، والوسائل الباب 10 من كفارات الاستمتاع.

(2) الفروع ج 4 ص 378 ، والوسائل الباب 9 و 18 من كفارات الاستمتاع.


قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن متمتع وقع على اهله ولم يزر. قال : ينحر جزورا ـ وقد خشيت ان يكون قد ثلم حجه ـ ان كان عالما ، وان كان جاهلا فلا شي‌ء عليه. وسألته عن رجل وقع على امرأته قبل ان يطوف طواف النساء. قال : عليه جزور سمينة ، وان كان جاهلا فليس عليه شي‌ء. قال : وسألته عن رجل قبل امرأته ، وقد طاف طواف النساء ولم تطف هي. قال : عليه دم يهريقه من عنده».

وروى في الكافي في الصحيح عن عيص بن القاسم (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل واقع اهله حين ضحى قبل ان يزور البيت. قال : يهريق دما».

التاسع ـ لو جامع في ما دون الفرجين قبل الوقوف بالمشعر أو بعده ، كالتفخيذ ونحوه ، صح حجه ، ووجبت عليه البدنة. والظاهر انه لا خلاف فيه.

ويدل عليه ما تقدم في صحيحة معاوية بن عمار (2) وهي الأخيرة من صحاحه.

وقد تضمنت ايضا ان حكم المرأة كالرجل في ذلك لو طاوعته. ومع إكراهه لها فعليه بدنتان. إلا انها تضمنت ان عليهما الحج من قابل في الصورة المذكورة. ولا قائل به. والاخبار تدفعه ، إذ وجوب الحج إنما هو في صورة الجماع الحقيقي لا في هذه الصورة. وأيضا فإنه في صورة الجماع الحقيقي لا يجب على المرأة الحج مع الاستكراه ولا البدنة ، وهذا الخبر مع تضمنه تحمل الزوج البدنة عنها تضمن

__________________

(1) الوسائل الباب 9 من كفارات الاستمتاع.

(2) ص 358 رقم 4.


وجوب الحج عليهما. ولعله قد تطرق الى الخبر المذكور نوع من التحريف الذي أوجب ذلك.

وتدل على ذلك صحيحته الأخرى (1) وهي الثانية من صحاحه المتقدمة حيث اشتملت على انه ان كان أفضى إليها فعليه بدنة والحج من قابل ، وان لم يكن أفضى إليها فعليه بدنة وليس عليه الحج من قابل.

وقد تقدم في كلامه (عليه‌السلام) في كتاب الفقه الرضوي (2) : «فإن كان الرجل جامعها دون الفرج فعليه بدنة وليس عليه الحج من قابل».

وإطلاق هذه النصوص ـ وكذا عبارات جملة من الأصحاب ـ يقتضي وجوب البدنة في الصورة المذكورة أنزل أم لم ينزل ، وكذا المرأة إلا أن العلامة في المنتهى تردد في الحكم المذكور ، فقال : لا ريب في وجوبها مع الانزال ، وهل تجب بدونه؟ فيه تردد. ورده في المدارك بأنه لا وجه له بعد إطلاق النص بالوجوب ، وتصريح الأصحاب بوجوب الجزور بالتقبيل ، والشاة بالمس بشهوة ، كما سيجي‌ء بيانه ان شاء الله (تعالى). انتهى.

العاشر ـ قد تقدم في سابق هذا الموضع انه لو جامع بعد الوقوف بالمشعر وقبل طواف النساء ، كان حجه صحيحا ، وعليه بدنة. وقد تقدمت النصوص الدالة على وجوب البدنة في الصورة المذكورة.

بقي ان الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) قد صرحوا بأنه مع العجز عن البدنة فبقرة أو شاة ، وبعض رتب الشاة على البقرة فأوجب البقرة أولا ثم الشاة مع تعذرها.

__________________

(1) ص 356.

(2) ص 359 و 360.


قال في المدارك بعد نقل ذلك : انه قد اعترف جملة من الأصحاب بعدم الوقوف على مستنده. والظاهر انه أشار بذلك الى ما ذكره جده (قدس‌سرهما) في المسالك والروضة ، حيث قال في الأول ـ بعد نقل عبارة المصنف الدالة على التخيير بين الشاة والبقرة بعد العجز عن البدنة ـ ما لفظه : لا إشكال في وجوب البدنة للجماع وبعد الموقفين وقبل طواف الزيارة ، بل بعده ايضا قبل طواف النساء وانما الكلام في هذين البدلين ، فان النصوص خالية عن البقرة وعن الشاة من جهة كونهما بدلا ، وانما الموجود في رواية معاوية بن عمار وجوب جزور مطلقا ، وفي رواية العيص بن القاسم دم. لكن الذي عليه الأصحاب هو التفصيل ، فالعمل به متعين ، ولعل فيه جمعا بين الروايتين. لكن الموجود في كلامهم ان الشاة مرتبة على العجز عن البقرة ، كما ان البقرة مرتبة على البدنة. والمصنف هنا خير بين الشاة والبقرة. وما ذكروه اولى. انتهى.

أقول : لا ريب ان مستند الأصحاب في الحكم المذكور هو ما رواه الصدوق في الفقيه عن خالد بياع القلانس (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل أتى اهله وعليه طواف النساء قال : عليه بدنة. ثم جاءه آخر فسأله عنها ، فقال : عليه بقرة. ثم جاءه آخر فسأله عنها ، فقال : عليه شاة. فقلت بعد ما قاموا : أصلحك الله (تعالى) كيف قلت : عليه بدنة؟ فقال : أنت موسر وعليك بدنة ، وعلى الوسط بقرة ، وعلى الفقير شاة».

وحيث ان الفاضلين المذكورين ومثلهما صاحب الذخيرة ـ حيث

__________________

(1) الفقيه ج 2 ص 231 ، والوسائل الباب 10 من كفارات الاستمتاع.


اقتفى اثر صاحب المدارك كما هي عادته غالبا ـ لم يقفوا على الرواية المذكورة ، وقعوا في ما ذكروا.

الا انه قد تقدم نقلا عن صاحب الكافي انه قال ـ بعد نقل رواية علي بن أبي حمزة المتقدمة في الموضع الأول (1) المتضمنة لوجوب البدنة على المجامع ـ ما صورته (2) : وفي رواية أخرى : «فان لم يقدر على بدنة فإطعام ستين مسكينا ، لكل مسكين مد ، فان لم يقدر فصيام ثمانية عشر يوما. وعليها ايضا كمثله ان لم يكن استكرهها».

والظاهر اختصاص هذا الحكم ببدنة المجامع قبل الموقفين ، ووجوب البقرة والشاة على النحو المذكور آنفا مختص ببدنة المجامع بعد الموقفين.

بقي الإشكال أيضا في انه قد تقدم في صدر الفصل الأول من هذا الصنف (3) نقل صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه‌السلام) في تفسير الآية «فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ» (4) قال (عليه‌السلام): الرفث : الجماع. الى ان قال : فمن رفث فعليه بدنة ينحرها وان لم يجد فشاة. الحديث. وبذلك يعظم الإشكال في المقام. ولم أقف في كلام أحد من الأصحاب (رضوان الله عليهم) على التعرض لذكر بدل البدنة الواجبة بالجماع قبل المشعر مع تعذرها. والذي وقفت عليه في الاخبار مرسلة الكليني الدالة على الإطعام كما عرفت ، وصحيحة علي بن جعفر المذكورة الدالة على

__________________

(1) ص 357.

(2) الفروع ج 4 ص 374 ، والوسائل الباب 4 من كفارات الاستمتاع.

(3) ص 340.

(4) سورة البقرة ، الآية 197.


الشاة. والجمع بالتخيير بينهما ممكن.

وروى في الكافي عن ابي خالد القماط (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل وقع على امرأته يوم النحر قبل ان يزور قال : ان كان وقع عليها بشهوة فعليه بدنة ، وان كان غير ذلك فبقرة. قلت : أو شاة؟ قال : أو شاة». ولم أقف على قائل بمضمون هذا التفصيل.

والعلامة في المنتهى بعد ان ذكر هذا الحكم لم يورد له دليلا إلا حسنة معاوية بن عمار ، وصحيحة العيص المشار إليها في كلام المسالك ورواية القماط المذكورة ، ولم يتعرض لنقل رواية خالد بياع القلانس وهذا من ما يؤيد ما صار إليه المتأخرون من إنكار النص في المسألة ، حيث ان هذا كلام من تقدمهم من مثل العلامة ونحوه.

والعجب انه نقل أيضا في جملة ذلك ما رواه ابن بابويه عن ابي بصير (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل واقع امرأته وهو محرم. قال : عليه جزور كوماء. فقال : لا يقدر؟ قال : ينبغي لأصحابه ان يجمعوا له ولا يفسدوا عليه حجه». وهذه الرواية ـ كما ترى ـ انما تدل على خلاف موضوع المسألة من الانتقال إلى البقرة ثم الشاة ، حيث ان ظاهر الخبر تعين البدنة ، وان عجز فيسعى في حصولها ولو بالاستعانة بالناس.

الحادي عشر ـ قال الشيخ : ولو عجز عن البدنة الواجبة بالإفساد فعليه بقرة ، فإن عجز فسبع شياه ، فان عجز فقيمة البدنة دراهم ،

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 378 ، والوسائل الباب 9 من كفارات الاستمتاع.

(2) الفقيه ج 2 ص 213 ، والوسائل الباب 3 من كفارات الاستمتاع.


تصرف في الطعام ويتصدق به ، فان عجز صام عن كل مد يوما. كذا نقله عنه في المنتهى والدروس. ونقل عنه في المنتهى انه قال بعد ذلك : وفي أصحابنا من قال هو مخير. ونقلا ايضا عن ابن بابويه انه قال : من وجب عليه بدنة في كفارة فلم يجدها فعليه سبع شياه ، فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في منزله.

وفي الدروس : انه قال في التهذيب : روى إطعام ستين مسكينا لكل مسكين مد ، فان عجز صام ثمانية عشر يوما. ذكره في الرجل والمرأة.

أقول : الظاهر ان هذه الرواية هي التي تقدم عن الكافي نقلها بعد نقل رواية علي بن أبي حمزة ، المتقدم جميع ذلك في الموضع الأول ، وقد تقدمت في سابق هذا الموضع ايضا.

ونقل في المنتهى عن الشيخ (قدس‌سره) انه استدل على ما قدمنا نقله عنه بإجماع الفرقة واخبارهم وطريقة الاحتياط.

وظاهره في المنتهى القول بما ذكره الشيخ من الترتيب في البدنة وما بعدها من البقرة ثم الشياه السبع ثم الصدقة ثم الصوم. وفي الدروس اقتصر على نقل القولين المذكورين.

أقول : والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بهذه المسألة هو ما رواه المشايخ الثلاثة عن داود بن فرقد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) : «في الرجل تكون عليه بدنة واجبة في فداء. قال : إذا لم يجد بدنة فسبع شياه ، فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما» وزاد في الفقيه والتهذيب : «بمكة أو في منزله».

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 385 ، والفقيه ج 2 ص 232 ، والتهذيب ج 5 ص 481 ، والوسائل الباب 2 من كفارات الصيد. والراوي هو داود الرقي.


والظاهر ان هذه الرواية هي مستند الصدوق في ما نقل عنه. إلا انها ظاهرة في كون تلك البدنة فداء ، وهو أخص من الكفارة ، فلا تنهض حجة في ما ادعاه هنا. نعم هي ظاهرة في البدنة التي في كفارة النعامة ونحوها. ولكنها معارضة بالأخبار الكثيرة الصحيحة الصريحة في بيان بدل بدنة الصيد ، كما تقدم في محله. فالقول بها ساقط في كلا الموضعين.

وما رواه الحميري في كتاب قرب الاسناد (1) عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه‌السلام) قال : «سألته عن الرفث والفسوق والجدال ، ما هو؟ وما على من فعله؟ قال : الرفث : جماع النساء ، والفسوق : الكذب والمفاخرة ، والجدال : قول الرجل : لا والله وبلى والله. فمن رفث فعليه بدنة ينحرها فان لم يجد فشاة. وكفارة الجدال والفسوق شي‌ء يتصدق به إذا فعله وهو محرم». ورواه علي بن جعفر في كتابه مثله (2) ولا اعرف به قائلا من الأصحاب.

واما ما ذكره الشيخ (قدس‌سره) فلم أقف له على دليل.

الثاني عشر ـ قد تقدم ان الجماع قبل طواف النساء موجب للبدنة اما لو طاف منه أشواطا ، فإن أكمل منه خمسة فلا كفارة ، وان كانت ثلاثة فما دون وجبت الكفارة ، وفي الأربعة قولان.

وتفصيل هذه الجملة ان وجوب الكفارة في الثلاثة فما دون من ما لا اشكال فيه ـ بل قال شيخنا الشهيد الثاني : انه لا خلاف في وجوب البدنة لو كان الوقاع قبل أربعة أشواط من طواف النساء ، وعدم الوجوب

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 3 من كفارات الاستمتاع.


لو أكمل خمسة ـ وانما الخلاف والاشكال في ما بينهما ، فعن الشيخ انه قال : إذا طاف من طواف النساء شيئا بعد قضاء مناسكه ثم جامع ، فان كان قد طاف منه أكثر من النصف بنى عليه بعد الغسل ولم تلزمه الكفارة ، وان كان أقل من النصف كان عليه الكفارة واعادة الطواف. وقال ابن إدريس : اما اعتبار النصف في صحة الطواف والبناء عليه فصحيح ، واما سقوط الكفارة ففيه نظر ، لأن الإجماع حاصل على ان من جامع قبل طواف النساء وجبت عليه الكفارة ، وهذا جامع قبل طواف النساء ، فالاحتياط يقتضي إيجاب الكفارة. وظاهر كلام ابن إدريس هنا وجوب الكفارة وان كان قد طاف خمسة. وهو خلاف الإجماع المدعى في المسألة ، كما تقدمت الإشارة اليه. وبذلك ايضا صرح شيخنا الشهيد الثاني في المسالك.

وقال في المدارك : وما ذكره ابن إدريس من ثبوت الكفارة قبل إكمال السبع لا يخلو من قوة ، وان كان اعتبار الخمسة لا يخلو من رجحان ، عملا بالروايتين المتضمنتين لانتفاء الكفارة بذلك ، المطابقتين لمقتضى الأصل والإجماع المنقول.

والذي وقفت عليه من الاخبار ما رواه ثقة الإسلام في الكافي والصدوق في من لا يحضره الفقيه في الصحيح الى حمران بن أعين ـ وهو ممدوح ، وحديثه عند أصحاب هذا الاصطلاح معدود في الحسن ـ عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن رجل كان عليه طواف النساء وحده فطاف منه خمسة أشواط ، ثم غمزه بطنه فخاف ان

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 379 ، والفقيه ج 2 ص 245 و 246 ، والوسائل الباب 11 من كفارات الاستمتاع.


يبدره فخرج الى منزله فنفض ، ثم غشي جاريته. قال : يغتسل ثم يرجع فيطوف بالبيت طوافين ، تمام ما كان قد بقي عليه من طوافه ، ويستغفر الله ، ولا يعود».

وزاد في الكافي : «وان كان طاف طواف النساء فطاف منه ثلاثة أشواط ، ثم خرج فغشي ، فقد أفسد حجه ، وعليه بدنة ، ويغتسل ثم يعود فيطوف أسبوعا».

والظاهر ان المراد بإفساد الحج الكناية عن حصول ثلم فيه ، أو إفساد الطواف ، والمراد بالحج الطواف مجازا. ولا استبعاد في التجوز والتعبير عن الجزء باسم الكل.

وقال في المختلف : وعلى هذه الرواية عول الشيخ (رضوان الله ـ تعالى ـ عليه) ثم قال : وقول الشيخ عندي هو المعتمد. وعلله أيضا ـ زيادة على الرواية ـ بأن الأصل براءة الذمة. ولانه مع تجاوزه النصف يكون قد اتى بالأكثر ، فحكمه حكم من اتى بالجميع.

وأورد عليه ان الرواية غير دالة على ما ذكره الشيخ من ان الاعتبار في عدم وجوب الكفارة بمجاوزة النصف ، وانما رتب فيها على طواف الخمسة. ولهذا ان ظاهر المحقق وهو في المنتهى اعتبار الخمسة ، وكذا الشهيد في الدروس.

والظاهر ان مستند الشيخ هنا انما هو ما رواه في من لا يحضره الفقيه عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) : «في رجل نسي طواف النساء. قال : إذا زاد على النصف وخرج ناسيا ، أمر من يطوف عنه ، وله ان يقرب النساء إذا زاد على النصف».

__________________

(1) الفقيه ج 2 ص 246 ، والوسائل الباب 58 من الطواف.


قال العلامة في المنتهى ـ بعد إيراد حسنة حمران ووصفها بالصحة ـ ما صورته : وهي انما تدل على سقوطها عن من جامع وقد طاف خمسة أشواط. فإن احتج بمفهوم قوله : «فطاف منه ثلاثة أشواط» كان للمنازع ان يحتج بمفهوم الخمسة. وبالجملة فالذي نختاره نحن انه لا كفارة عليه إذا طاف خمسة أشواط ، اما لو طاف أربعة أشواط فإنه وان تجاوز النصف لكن الكفارة تجب عليه ، عملا بالأخبار الدالة على وجوب الكفارة على من جامع قبل طواف النساء ، إذ هو ثابت في حق من طاف بعضه ، السالم عن معارضة طواف خمسة أشواط. اما ابن إدريس فإنه اعتبر مجاوزة النصف في صحة الطواف والبقاء عليه لا في سقوط الكفارة ، وقال : الإجماع حاصل على ان من جامع قبل طواف النساء فإن الكفارة تجب عليه. وهو متحقق في ما إذا طاف دون الأشواط مع ان الاحتياط يقتضي وجوب الكفارة. ولا تعويل على هذا الكلام مع ورود الحديث الصحيح وموافقة عمل الأصحاب عليه. انتهى.

أقول : يمكن ان يناقش فيه أولا : بان ما ادعاه من معارضة مفهوم الخمسة لمفهوم الشرط في قوله : «فان طاف منه ثلاثة أشواط» لا معنى له ، إذ لا مفهوم في جانب الخمسة بالكلية ، وذلك ان الخمسة انما هي في كلام السائل لا في كلام الامام (عليه‌السلام) وحيث وقع السؤال عن حكمها أجاب (عليه‌السلام) فيها بما حاصله انه لا شي‌ء عليه من كفارة ولا إفساد. وبيان الحكم في المسؤول عنه لا يقتضي نفيه عن ما عداه.

وثانيا : ان ما احتج به ـ من إطلاق الاخبار الدالة على وجوب الكفارة على من جامع قبل طواف النساء ـ ففيه ان المتبادر المنساق


الى الذهن من تلك الاخبار انما هو من لم يدخل في الطواف بالكلية ولم يأت بشي‌ء منه. قال بعض الفضلاء : والتعويل على ظاهر العمومات اللفظية ـ بعد ان يكون المنساق الى الذهن بعض الأنواع ـ لا يخلو من اشكال ، كما أشرنا إليه مرارا. انتهى ، وهو جيد.

وثالثا : ان وصفه رواية حمران بالصحة هنا وفي المختلف ايضا لا يوافق مقتضى اصطلاحه ، فان الرجل لم ينقل توثيقه في شي‌ء من كتب الرجال وان كان المفهوم من الاخبار مدحه. وما أبعد ما بين وصف هذه الرواية بالصحة وردها بالضعف كما ذكره في المدارك حيث قال : ان حمران لم ينص الأصحاب عليه بتوثيق ولا مدح يعتد به. ولهذا قوى مذهب ابن إدريس في المسألة ، كما تقدم نقله عنه.

أقول : المفهوم من الاخبار جلالة الرجل المذكور وعظم منزلته عند الأئمة (عليهم‌السلام) فلا يلتفت الى ما ذكره (قدس‌سره).

وقال في الذخيرة : ولو قيل بعدم لزوم الكفارة بعد مجاوزة الثلاثة لم يكن بعيدا ، نظرا الى مفهوم رواية حمران ، مع اعتضاده بالأصل ، وعدم شمول ما دل على الكفارة قبل طواف النساء لمحل البحث كما بيناه. والمسألة عندي لا تخلو من اشكال. انتهى. وهو جيد. الا ان فيه ان هذا المفهوم معارض بمفهوم رواية أبي بصير المتقدمة التي قد عرفت انها مستند الشيخ.

وبالجملة فالمسألة كما ذكره (قدس‌سره) محل اشكال.

الثالث عشر ـ قد صرح جملة من الأصحاب بان من جامع في إحرام العمرة قبل السعي فسدت عمرته ، وعليه البدنة والقضاء. وظاهر العلامة في المنتهى انه موضع وفاق. ونقل في المختلف عن الشيخ في


النهاية والمبسوط انه قال : من جامع امرأته وهو محرم بعمرة مبتولة قبل ان يفرغ من مناسكها ، فقد بطلت عمرته ، وكان عليه بدنة ، والمقام بمكة إلى الشهر الداخل الى ان يقضي عمرته ، ثم ينصرف ان شاء. وعن ابن ابي عقيل انه قال : وإذا جامع الرجل في عمرته بعد ان طاف بها وسعى قبل ان يقصر ، فعليه بدنة ، وعمرته تامة ، فاما إذا جامع في عمرته قبل ان يطوف لها ويسعى ، فلم احفظ عن الأئمة (عليهم‌السلام) شيئا أعرفكم به ، فوقفت عند ذلك ، ورددت إليهم (عليهم‌السلام). وعن ابي الصلاح : في الوطء في إحرام المتعة قبل طوافها وسعيها فساد المتعة وكفارة بدنة.

قال في المختلف بعد نقل هذه الأقوال : والوجه انه ان جامع قبل السعي في العمرة فسدت عمرته ، سواء كانت عمرة التمتع أو العمرة المفردة ، وعليه بدنة ، والإتيان بها ، اما كون القضاء في الشهر الداخل فسيأتي بحثه. انتهى.

أقول : والذي وقفت عليه من اخبار المسألة ما رواه الشيخ في الصحيح عن بريد بن معاوية العجلي (1) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن رجل اعتمر عمرة مفردة ، فغشي أهله قبل ان يفرغ من طوافه وسعيه. قال : عليه بدنة لفساد عمرته ، وعليه ان يقيم الى الشهر الآخر ، فيخرج الى بعض المواقيت فيحرم بعمرة».

وما رواه الصدوق في من لا يحضره الفقيه (2) في الحسن عن علي بن رئاب عن مسمع عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) «في الرجل

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 324 ، والوسائل الباب 12 من كفارات الاستمتاع.

(2) ج 2 ص 275 ، والوسائل الباب 12 من كفارات الاستمتاع.


يعتمر عمرة مفردة ، ثم يطوف بالبيت طواف الفريضة ، ثم يغشى أهله قبل ان يسعى بين الصفا والمروة؟ قال : قد أفسد عمرته ، وعليه بدنة ، وعليه ان يقيم بمكة حتى يخرج الشهر الذي اعتمر فيه ثم يخرج الى الوقت الذي وقته رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لأهله فيحرم منه ويعتمر». ورواه الكليني في الكافي (1).

وطعن في الذخيرة في هذه الرواية بضعف السند. وهو ظاهر المدارك ايضا. والظاهر ان منشأه أخذ الرواية المذكورة من الكافي ، حيث انه رواها فيه بطريق فيه سهل ، وإلا فهي في كتاب من لا يحضره الفقيه صحيحة ، كما لا يخفى على من راجع فهرسته (2).

وما رواه في الكافي في الصحيح إلى أحمد بن ابي علي عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (3) «في رجل اعتمر عمرة مفردة ، ووطئ اهله وهو محرم قبل ان يفرغ من طوافه وسعيه؟ قال : عليه بدنة لفساد عمرته وعليه ان يقيم بمكة حتى يدخل شهر آخر ، فيخرج الى بعض المواقيت فيحرم منه ثم يعتمر».

وهذه الروايات ـ كما ترى ـ ظاهرة الدلالة في ما ذكره الشيخ من اختصاص الحكم المذكور بالعمرة المفردة. وظاهر كلام الأصحاب العموم لما لو كانت عمرة تمتع أو مفردة ، بل صرح بذلك العلامة في المختلف كما عرفت وغيره. ولم أقف له على دليل.

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 538 و 539 ، والوسائل الباب 12 من كفارات الاستمتاع.

(2) ذكر في جامع الرواة ج 2 ص 537 : ان طريق الصدوق الى علي بن رئاب الراوي عن مسمع صحيح.

(3) الفروع ج 4 ص 538 ، والوسائل الباب 12 من كفارات الاستمتاع.


قال في المدارك : وربما أشعرت به صحيحة معاوية بن عمار (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن متمتع وقع على امرأته ولم يقصر. قال : ينحر جزورا ـ وقد خشيت ان يكون قد ثلم حجه ـ ان كان عالما ، وان كان جاهلا فلا شي‌ء عليه». فان الخوف من تطرق الفساد الى الحج بالوقاع بعد السعي وقبل التقصير ربما اقتضى تحقق الفساد بوقوع ذلك قبل السعي. انتهى. وفيه تأمل.

فوائد

الأولى ـ اعلم ان الشيخ وأكثر الأصحاب (رضوان الله عليهم) لم يتعرضوا للحكم بوجوب إتمام العمرة الفاسدة ، كما صرحوا به في الحج ، وقطع العلامة في القواعد والشهيدان بالوجوب. ومستنده غير ظاهر ، فإن أخبار المسألة المذكورة خالية منه ، بل ظاهرها العدم ، لتصريحها بفساد العمرة. لا يقال : ان الحج ايضا مع كونه فاسدا ـ كما صرحوا به ـ يجب إتمامه ، فالحكم بالفساد لا ينافي وجوب الإتمام. قلنا : ان وصف الحج بالفساد إنما وقع في كلامهم لا في الاخبار ، كما قدمنا الإشارة إليه. بل ظاهر الاخبار انما هو صحته ووجوب إتمامه. وما أوقعه فيه من الجماع منجبر بالبدنة والإعادة من قابل.

الثانية ـ انه على تقدير القول بوجوب الإكمال ، فهل يجب إكمال الحج لو كانت العمرة الفاسدة عمرة تمتع ، حتى لو كان الوقت واسعا واستأنف العمرة واتى بالحج لم يكف؟ وجهان ، واستوجه

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 440 ، والوسائل الباب 13 من كفارات الاستمتاع.


شيخنا الشهيد الثاني وجوب إكمالهما ثم قضائهما ، لما بينهما من الارتباط. ورده سبطه في المدارك بأنه ضعيف ، قال : لان الارتباط انما ثبت بين الصحيح منهما لا الفاسد. وهو جيد.

الثالثة ـ لو كان الجماع في العمرة بعد السعي وقبل التقصير لم تفسد العمرة وان وجبت البدنة. وظاهر جملة من الأصحاب شمول هذا الحكم لعمرة التمتع والمفردة.

والمروي في الاخبار الأول ، ومنها ـ صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة ، ومنها ـ صحيحة الحلبي أو حسنته (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل طاف بالبيت ثم بالصفا والمروة وقد تمتع ، ثم عجل فقبل امرأته قبل ان يقصر من رأسه. فقال : عليه دم يهريقه. وان جامع فعليه جزورا أو بقرة».

الى غير ذلك من الاخبار الآتية ان شاء الله (تعالى) في بحث التقصير.

ولم نقف في شي‌ء من الاخبار على مثل ذلك في العمرة المفردة ، فما ذكروه (رضوان الله عليهم) من العموم لا اعرف له دليلا.

الرابعة ـ اعلم ان العلامة في القواعد قال : ولو جامع في إحرام العمرة المفردة أو المتمتع بها ـ على اشكال ـ قبل السعي عامدا عالما بالتحريم ، بطلت عمرته ووجب إكمالها ، وقضاؤها ، وبدنة.

وظاهر هذه العبارة حصول الإشكال في إلحاق عمرة التمتع بالعمرة المفردة في هذا الحكم. ووجهه ظاهر من ما قدمناه من الاخبار الدالة على ان هذا الحكم انما هو في العمرة المفردة ، كما ذكره الشيخ ، لا مطلقا كما هو المشهور عندهم.

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 440 ، والوسائل الباب 13 من كفارات الاستمتاع.


إلا انه نقل عن الشيخ فخر الدين في شرحه على الكتاب في بيان الاشكال : ان الاشكال انما هو في فساد الحج بعدها لا في فساد العمرة ، قال : ومنشأ الاشكال ، من دخول العمرة في الحج ، ومن انفراد الحج بالإحرام. ونسب ذلك الى تقرير والده.

قال في المدارك : ولا يخفى ضعف الاشكال على هذا التوجيه ، لان حج التمتع لا يعقل صحته مع فساد العمرة المتقدمة عليه. انتهى. وهو جيد.

وما ذكره الفاضل المذكور عن والده (قدس‌سرهما) وان كان ـ كما عرفت ـ ضعيفا إلا انه غير بعيد ، حيث ان ظاهر العلامة (قدس‌سره) في كتبه اتحاد العمرتين في الحكم المذكور كما تقدم ، وكذا غيره من الأصحاب. ولذا قال المحقق الثاني في شرحه على الكتاب بعد ذكر العبارة : لا يظهر لهذا الاشكال موضع ، لان وجوب الأحكام المذكورة مشترك بين عمرة الافراد والتمتع ، وإنما الذي هو محل النظر وجوب إتمامها وإتمام الحج ووجوب قضائهما ، بناء على ان عمرة التمتع لا تنفرد عن حجه ، والشروع فيها شروع فيه. والأصح وجوب الأمرين معا. انتهى. وفيه ما عرفت.

الخامسة ـ ظاهر الاخبار المتقدمة تعين إيقاع القضاء في الشهر الداخل عليه بعد ذلك الشهر بلا فصل. ويجب المصير اليه وان قلنا بالاكتفاء بين العمرتين بعشرة أيام في غير هذه الصورة. وظاهر الأصحاب كون ذلك هنا على جهة الأفضلية لا الوجوب. والى ما اخترناه هنا جنح في المدارك أيضا.

بقي هنا شي‌ء ، وهو ان اعتبار الفصل بين العمرتين بالشهر أو


العشرة أيام ـ مثلا ـ إنما هو بالنسبة إلى العمرة الصحيحة ، والعمرة هنا صارت فاسدة ، فوجوب التأخير إلى الشهر الداخل لا يظهر لي وجهه. والله العالم.

المسألة الثانية ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) في وجوب البدنة بالاستمناء ، وهو استدعاء المنى وطلبه بالعبث بذكره بيده ، أو ملاعبة غيره ، مع حصوله ، وإنما الخلاف في كونه مفسدا للحج إذا وقع قبل المشعر ، ووجوب القضاء به. فذهب الشيخ في النهاية والمبسوط الى ذلك ، ونقله في المختلف ايضا عن ابن البراج وابن حمزة. إلا ان المنقول عن الشيخ إنما هو التعبير بان من عبث بذكره حتى امنى كان حكمه حكم من جامع على السواء في اعتبار ذلك قبل الوقوف بالمشعر في انه يلزمه الحج من قابل ، وان كان بعد ذلك لم يكن عليه غير الكفارة شي‌ء. انتهى. ونقل عن ابي الصلاح : ان في الاستمناء بدنة قال : وكذا قال ابن إدريس ـ دون الفساد. ونقل ابن إدريس هذا القول الذي ذهب اليه عن الشيخ في الخلاف والاستبصار.

واختار في المختلف الأول ، واستدل عليه بما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمار في الموثق عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (1) قال : «قلت : ما تقول في محرم عبث بذكره فأمنى؟ قال : ارى عليه مثل ما على من اتى اهله وهو محرم : بدنة ، والحج من قابل».

__________________

(1) الوسائل الباب 15 من كفارات الاستمتاع. والشيخ يرويه عن الكليني.


وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (1) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن المحرم يعبث بأهله وهو محرم ، حتى يمني من غير جماع ، أو يفعل ذلك في شهر رمضان ، ما ذا عليهما؟ قال : عليهما جميعا الكفارة ، مثل ما على الذي يجامع».

ثم قال : احتج ابن إدريس بالبراءة الأصلية. والجواب : المعارضة بالاحتياط. وبما تقدم من الأدلة. انتهى.

أقول : وبموثقة إسحاق استدل ايضا الشيخ في التهذيب. وأجاب عنها في المدارك بأنها قاصرة ، من حيث السند بان راويها ـ وهو إسحاق بن عمار ـ فطحي ، ومن حيث المتن بأنها لا تدل على ترتب البدنة والقضاء على مطلق الاستمناء ، بل على هذا الفعل المخصوص ، مع انه قد لا يكون المطلوب به الاستمناء.

أقول : اما الجواب الأول فالكلام فيه مفروغ منه عندنا ، مع ما عرفت في غير مقام ان هذا الطعن لا يقوم حجة على الشيخ وأمثاله من المتقدمين. واما الثاني فإنك قد عرفت من عبارة الشيخ المتقدمة انه عبر بلفظ هذه الرواية ، وان كان الأصحاب عبروا بعده بلفظ الاستمناء. وحينئذ فتكون الرواية منطبقة على ما ادعاه الشيخ.

وأجاب في المدارك ايضا عن استدلال العلامة بصحيحة عبد الرحمن ابن الحجاج بأنه لا دلالة لهذه الرواية على وجوب القضاء بوجه.

أقول : لا ريب انه وان كان الأمر كما ذكره إلا انها ايضا لا دلالة لها على عدمه. وحينئذ فغاية الأمر انها بالنسبة إلى وجوب

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 376 ، والتهذيب ج 5 ص 324 ، والوسائل الباب 14 من كفارات الاستمتاع.


القضاء مطلقة ، فيمكن تقييدها بموثقة إسحاق المتقدمة. إلا ان جملة من الاخبار المتقدمة في مسألة الجماع في غير الفرج قد دلت على وجوب البدنة ونفى الحج من قابل ، وظاهر ان الجماع في غير الفرج داخل تحت العبث بأهله الذي اشتملت عليه صحيحة عبد الرحمن المذكورة وحينئذ فالأقوى نفى القضاء في صورة العبث بأهله.

وبالجملة فإن ما ذكره الأصحاب ـ من التعبير بالاستمناء الذي هو عبارة عن طلب المني بأحد الأشياء المتقدمة ـ لم أقف عليه في شي‌ء من النصوص ، وانما الموجود فيها ما عرفت. وحينئذ فلا يبعد قصر كل ما تضمنته هذه النصوص على موضعه ، فيجب القول بالبدنة والقضاء في من عبث بذكره فأمنى ، كما دلت عليه موثقة إسحاق المذكورة ، ووجوب البدنة خاصة في من عبث بأهله حتى امنى.

وظاهر الدروس الميل الى العمل بالرواية المذكورة حيث قال : وروى إسحاق بن عمار الحج ثانيا إذا أمنى بعبثه بالذكر. ولم نقف على معارض لها. انتهى.

ونقل عن الشيخ في الاستبصار انه قال بعد ان أورد رواية إسحاق المتقدمة : انه يمكن ان يكون هذا الخبر محمولا على ضرب من التغليظ وشدة الاستحباب دون ان يكون ذلك واجبا.

والى القول بما ذهب اليه ابن إدريس ذهب المحقق في الشرائع والنافع ، واختاره في المدارك. وهو مبني على طرح موثقة إسحاق المذكورة ، وقد عرفت انه لا مانع من العمل بها في ما دلت عليه ، كما هو ظاهر عبارة الشيخ المتقدمة. والله العالم.

المسألة الثالثة ـ لو جامع أمته وهو محل وهي محرمة بإذنه ، تحمل


عنها الكفارة : بدنة أو بقرة أو شاة ، وان كان معسرا فشاة أو صيام ثلاثة أيام. والحكم بذلك مقطوع به في كلام الأصحاب. ونقل عن الشيخ انه يلزمه بدنة ، فان عجز فشاة أو صيام ثلاثة أيام.

قال في المختلف بعد نقل ذلك عنه : وكان والدي (رحمه‌الله تعالى) يوجب على الموسر بدنة أو بقرة أو شاة ، وعلى المعسر شاة أو صيام. وهو الوجه ، لما رواه إسحاق بن عمار في الصحيح (1) قال : «قلت لأبي الحسن موسى (عليه‌السلام) : أخبرني عن رجل محل وقع على امة محرمة. قال : موسرا أو معسرا؟ قلت : أخبرني عنهما. فقال : هو أمرها بالإحرام أو لم يأمرها وأحرمت من قبل نفسها؟ قلت أجبني فيهما. قال : ان كان موسرا ، وكان عالما انه لا ينبغي له ، وكان هو الذي أمرها بالإحرام ، فعليه بدنة ، وان شاء بقرة ، وان شاء شاة. وان لم يكن أمرها بالإحرام ، فلا شي‌ء عليه موسرا كان أو معسرا. وان كان أمرها وهو معسر ، فعليه دم شاة أو صيام».

أقول : وصفه للرواية بالصحة ـ مع كون الراوي إسحاق بن عمار المشترك بين الثقة الإمامي والثقة الفطحي ـ لا يخلو من سهو.

وإطلاق النص وكلام كثير من الأصحاب يقتضي عدم الفرق بين الأمة المكرهة والمطاوعة. وقد صرح العلامة وكثير ممن تأخر عنه بفساد حج الأمة مع المطاوعة ، ووجوب إتمامه ، والقضاء كالحرة ، وانه يجب على المولى الاذن لها في القضاء ، والقيام بمؤنته ، لاستناد

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 374 ، والتهذيب ج 5 ص 320 ، والوسائل الباب 8 من كفارات الاستمتاع.


الفساد الى فعله. ولا اعرف لهم دليلا على ذلك الا القياس على الحرة كما تقدم. ومعلوم بطلانه. وقد قطع الشهيد الثاني بأن تحمل المولى الكفارة انما يثبت مع الإكراه ، اما مع المطاوعة فتتعلق الكفارة بالأمة ، وتصوم بدل البدنة ثمانية عشر يوما. والكلام فيه كسابقه. وإطلاق النص المذكور يأبى ما ذكروه. وتقييده يحتاج الى دليل ، وليس فليس.

بقي هنا روايتان في المقام : إحداهما ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن ضريس (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل أمر جاريته ان تحرم من الوقت فأحرمت ، ولم يكن هو أحرم ، فغشيها بعد ما أحرمت. قال : يأمرها فتغتسل ثم تحرم ، ولا شي‌ء عليه». وحملها الشيخ على انها لم تكن لبت بعد. ويحتمل حملها على انه أمرها بالإحرام في وقت وقد أحرمت قبله.

وروى الصدوق عن وهب بن عبد ربه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) «في رجل كانت معه أم ولد له فأحرمت قبل سيدها ، إله أن ينقض إحرامها ويطأها قبل ان يحرم؟ قال : نعم». وظاهره أنها أحرمت بغير اذن سيدها فلا اشكال فيه.

المسألة الرابعة ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) بأنه لو عقد محرم أو محل لمحرم على امرأة ، فدخل المحرم بها ، فعلى كل واحد منهما كفارة. واحترزوا بقيد الدخول

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 320 ، والوسائل الباب 8 من كفارات الاستمتاع.

(2) الفقيه ج 2 ص 208 ، والوسائل الباب 8 من كفارات الاستمتاع.


عن ما لو لم يدخل ، فإنه ليس إلا الإثم ، للأصل ، وعدم النص على ما سواه.

ولم أقف في هذه المسألة إلا على رواية سماعة ، وهي ما رواه الشيخ عنه في الموثق عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «لا ينبغي للرجل الحلال ان يزوج محرما وهو يعلم انه لا يحل له. قلت : فان فعل فدخل بها المحرم؟ قال : ان كانا عالمين ، فان على كل واحد منهما بدنة ، وعلى المرأة ان كانت محرمة بدنة ، وان لم تكن محرمة فلا شي‌ء عليها ، إلا ان تكون قد علمت ان الذي تزوجها محرم ، فان كانت علمت ثم تزوجته فعليها بدنة».

والرواية المذكورة تضمنت ان العاقد محل ، والأصحاب قطعوا بوجوب الكفارة عليه محلا أو محرما ، وان كان اجزاء ذلك في المحرم عندهم بطريق الأولوية ، وإلا فلا دليل في المقام سوى الخبر المذكور. ومن العجب اقتفاء صاحب الوسائل لهم في ذلك مع ما عرفت ، وهو من المحدثين الذين لا يتجاوزون في فتاويهم الاخبار.

ومقتضى الرواية لزوم البدنة للمرأة المحلة مع العلم بإحرام الزوج. وبه افتى الشيخ وجماعة من الأصحاب (رضوان الله عليهم).

وقال في الدروس : لو عقد لمحرم على امرأة فدخل ، فعلى كل واحد كفارة وان كان العاقد محلا ، ولو كانت المرأة محلة فلا شي‌ء عليها. انتهى. وظاهره عدم الكفارة عليها علمت أو لم تعلم. وفيه طرح للرواية في أحد الحكمين والعمل بها في الحكم الآخر. والفرض

__________________

(1) الوسائل الباب 14 من تروك الإحرام ، والباب 21 من كفارات الاستمتاع. والشيخ يرويه عن الكليني.


انه ليس غيرها في المسألة. وهو تحكم.

وظاهر المحقق الشيخ علي (رحمه‌الله تعالى) ترتب الإفساد ووجوب القضاء مع الإتمام على الجماع هنا ايضا. وهو مبني على ما هو المشهور في كلامهم من إلحاق الزنى في هذا الحكم بالزوجة ، كما تقدمت إليه الإشارة.

واما ما ذكره في المدارك ـ من ان المطابق للأصول هو اطراح الرواية المذكورة مطلقا ، لنص الشيخ على ان راويها وهو سماعة واقفي ، فلا تعويل على روايته ـ فان الظاهر ان منشأه من حيث إيجاب البدنة على العاقد المحل ، والمرأة المحلة العالمة ، كما تضمنته الرواية ، وان مقتضى الأصول بزعمه ترتب الإثم خاصة دون الكفارة. والمشهور بين الأصحاب بالنسبة إلى الأول ـ وبه جزم العلامة في جملة من كتبه والشهيد في الدروس وغيرهما ـ هو وجوب البدنة ، ونسبه المحقق في الشرائع إلى الرواية المذكورة إيذانا بالتوقف فيه ، وفي المنتهى : وفي سماعه قول وعندي في هذه الرواية توقف. وهو ظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ايضا. واما بالنسبة الى الثاني فكذلك. وقد عرفت ما في كلام الدروس من المخالفة.

قال في المسالك : وذهب جماعة الى عدم وجوب شي‌ء على المحل مطلقا سوى الإثم ، للأصل ، وضعف المستند ، أو بحمله على الاستحباب

والتحقيق ان الرواية لا معارض لها من الاخبار في المقام ، فإطراحها بمجرد ذلك مشكل. ومع تسليم ما ذكروه فتخصيص العام وتقييد المطلق شائع في الأحكام.

المسألة الخامسة ـ في النظر ، فان كان النظر الى غير أهله فأمنى ،


فالمشهور انه ان كان موسرا فبدنة ، وان كان متوسطا فبقرة ، وان كان معسرا فشاة.

والمستند في ذلك ما رواه الشيخ عن ابي بصير (1) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : رجل محرم نظر الى ساق امرأة فأمنى؟ فقال : ان كان موسرا فعليه بدنة ، وان كان وسطا فعليه بقرة ، وان كان فقيرا فعليه شاة. ثم قال : اما اني لم اجعل عليه هذا لأنه أمنى إنما جعلته عليه لانه نظر الى ما لا يحل له».

ومقتضى التعليل المذكور وجوب الكفارة وان لم يمن. ولا اعلم به قائلا ، بل عباراتهم كلها صريحة في التقييد بالأمناء.

وعن الصدوق في المقنع انه يتخير بين الجزور والبقرة. فإن عجز فشاة. ويدل عليه ما رواه الشيخ عن زرارة في الصحيح (2) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن رجل محرم نظر الى غير أهله فأنزل. قال : عليه جزور أو بقرة ، فان لم يجد فشاة».

وعن الشيخ المفيد مثل القول الأول ، إلا انه زاد : وان لم يجد شيئا من ما ذكرناه لتعذره في الحال فعليه صيام ثلاثة أيام يصومها. ولم أقف في الاخبار له على دليل. ولعله نظر الى ان آخر ما يجب عليه الشاة ، وان صيام الثلاثة يقوم مقامها مع تعذرها ، كما صرح به في غير هذا الحكم.

بقي في المسألة رواية ثالثة ، وهي ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار (3) : «في محرم نظر الى غير أهله

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 16 من كفارات الاستمتاع.


فانزل؟ قال : عليه دم ، لانه نظر الى غير ما يحل له. وان لم يكن انزل فليتق الله ولا يعد ، وليس عليه شي‌ء».

ويمكن حملها على المعسر جمعا بينها وبين رواية أبي بصير المتقدمة وإنما يبقى الإشكال في الجمع بين رواية أبي بصير وصحيحة زرارة. وحملها على رواية أبي بصير ـ بان يقال : جزور ان كان موسرا ، أو بقرة ان كان متوسطا ، وان لم يجد بان كان معسرا فشاة ـ الظاهر بعده. ولكن ارتكاب مثله في مقام الجمع شائع في كلامهم.

وصاحب المدارك بناء على اصطلاحه في الاخبار اطرح رواية أبي بصير ، واستجود قول الصدوق للصحيحة المذكورة. واحتمل قويا الاكتفاء بالشاة ، لحسنة معاوية بن عمار المذكورة. وهو جيد على أصوله.

ولو كان النظر إلى أهله فأمنى فلا شي‌ء عليه ، إلا ان يقترن بالشهوة فبدنة. والحكمان إجماعيان كما يظهر من المنتهى.

ويدل على الحكمين المذكورين صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن محرم نظر الى امرأته فأمنى أو أمذى وهو محرم. قال : لا شي‌ء عليه. وان حملها أو مسها بشهوة فأمنى أو أمذى فعليه دم. وقال في المحرم ينظر إلى امرأته وينزلها بشهوة حتى ينزل ، قال : عليه بدنة».

ويدل على الحكم الثاني ما رواه في الكافي في الحسن عن مسمع ابي سيار (2) قال : «قال لي أبو عبد الله (عليه‌السلام) : يا أبا سيار

__________________

(1) الوسائل الباب 17 من كفارات الاستمتاع. وتقدمت ص 344.

(2) الوسائل الباب 12 من تروك الإحرام ، والباب 18 من كفارات الاستمتاع. وتقدمت ص 346.


ان حال المحرم ضيقة. الى ان قال : ومن مس امرأته بيده وهو محرم على شهوة فعليه دم شاة. ومن نظر الى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور. ومن مس امرأته أو لازمها من غير شهوة فلا شي‌ء عليه».

وصاحب المدارك هنا إنما استدل على الحكم الثاني بحسنة مسمع المذكورة ، وطعن فيها بقصور سندها بعدم توثيق الراوي ، ومعارضتها بموثقة إسحاق بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) : «في محرم نظر الى امرأته بشهوة فأمنى؟ قال : ليس عليه شي‌ء». قال : وأجاب الشيخ عنها بالحمل على حال السهو دون العمد. وهو بعيد. انتهى.

وفيه (أولا) : ان الدليل غير منحصر في رواية مسمع ، بل هو ـ كما عرفت ـ في صحيحة معاوية بن عمار المذكورة. والعجب انه نقل صدرها دليلا على الحكم الأول ، وغفل عن عجزها الدال على الحكم الثاني.

و (ثانيا) : انه قد عد حديث مسمع المذكور في الصحيح فضلا عن الحسن في مواضع عديدة من كتاب الحج ، وعده في الحسن ـ كما هو المشهور بين أصحاب هذا الاصطلاح ـ في مواضع أخر ، وطعن فيه في هذا الموضع وغيره ايضا ، وهذا من جملة المواضع التي اضطرب فيها كلامه كما أشرنا إليه في غير مقام من شرحنا على الكتاب. ومن المواضع التي عده في الصحيح في شرح قول المصنف : «ويضمن الصيد بقتله عمدا وسهوا» قال : وفي الصحيح عن مسمع بن عبد الملك عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «إذا رمى المحرم صيدا وأصاب اثنين. الحديث».

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 327 ، والوسائل الباب 17 من كفارات الاستمتاع.

(2) الوسائل الباب 31 من كفارات الصيد.


و (ثالثا) : ان ظاهر كلامه يشعر بأنه لا يعمل إلا بالصحيح خاصة ، حيث رد الرواية بعدم توثيق الراوي ، مع ان المعهود من عادته في الكتاب العمل بالحسن ايضا وإنما يرد الموثق والضعيف ، وان عمل به في موضع الحاجة وتستر ببعض الأعذار الواهية.

وبالجملة فالرجل ممدوح وحديثه في الحسن ، كما هو المعروف من كلام الأصحاب.

وبذلك يظهر ان ما أجاب به الشيخ عن موثقة إسحاق بن عمار وان كان لا يخلو من بعد إلا انه في مقام الجمع اولى من اطراح الرواية لما عرفت من دلالة صحيحة معاوية وحسنة مسمع على خلافها ، والترجيح لهاتين الروايتين المعتضدتين بعمل الأصحاب (رضوان الله عليهم).

قال في المدارك : وذكر الشارح : ان من كان معتادا للإمناء عند النظر بغير شهوة تجب عليه الكفارة كما لو نظر بشهوة. وهو جيد مع القصد ، لأنه في معنى الاستمناء. انتهى.

وفيه ما تقدمت الإشارة إليه من انا لم نقف على حديث يتضمن الاستمناء الذي هو طلب المنى ، وانما الموجود في الاخبار ما تقدم من عبث الرجل بذكره ـ كما في موثقة إسحاق بن عمار ـ والمحرم يعبث بأهله ، كما في صحيحة عبد الرحمن ، وكل منهما أعم من الاستمناء.

المسألة السادسة ـ في التقبيل ، قال الشيخ (رحمه‌الله تعالى) : من قبل امرأته وهو محرم من غير شهوة كان عليه دم شاة ، وان قبلها بشهوة كان عليه جزور. وقال الشيخ المفيد (عطر الله ـ تعالى ـ


مرقده) : من قبل امرأته وهو محرم فعليه بدنة ، أنزل أو لم ينزل وكذا قال السيد المرتضى. وزاد الشيخ المفيد : وان هويت المرأة ذلك كان عليها مثل ما عليه. وقال ابن الجنيد : ان قبلها بغير شهوة فعليه دم شاة ، وان قبلها بشهوة فأمنى فعليه جزور. وقال أبو الصلاح : وفي القبلة دم شاة ، وان أمنى فعليه بدنة. وقال الصدوق في المقنع : فان قبلها فعليه بدنة. وروى : ان عليه دم شاة. وفي كتاب من لا يحضره الفقيه : فان قبلها فعليه دم شاة. وقال ابن إدريس : وان قبلها بغير شهوة فدم ، وان قبلها بشهوة فشاة إذا لم يمن ، فإن أمنى كان عليه جزور.

أقول : والذي وقفت عليه من الروايات المتعلقة بهذه المسألة روايات ثلاثة :

الأولى ـ صحيحة الحلبي أو حسنته عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن المحرم يضع يده من غير شهوة على امرأته. قال : نعم يصلح عليها خمارها ويصلح عليها ثوبها ومحملها. قلت : المحرم يضع يده بشهوة؟ قال : يهريق دم شاة. قلت : فان قبل؟ قال : هذا أشد ينحر بدنة» :

الثانية ـ حسنة مسمع ابي سيار المتقدمة عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «يا أبا سيار ان حال المحرم ضيقة ، فمن قبل امرأته على غير شهوة وهو محرم فعليه دم شاة ، ومن قبل امرأته على

__________________

(1) الوسائل الباب 17 و 18 من كفارات الاستمتاع. وتقدمت ص 344.

(2) الوسائل الباب 12 من تروك الإحرام ، والباب 18 من كفارات الاستمتاع. وتقدمت ص 346.


شهوة فأمنى فعليه جزور ، ويستغفر ربه. الحديث».

الثالثة ـ رواية علي بن أبي حمزة عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن رجل قبل امرأته وهو محرم. قال : عليه بدنة وان لم ينزل ، وليس له ان يأكل منها».

والظاهر ان منشأ الخلاف المتقدم من اختلاف هذه الاخبار ، فمنهم من تعلق بإطلاق بعضها ، ومنهم من ضم مطلقها الى مقيدها ، ومنهم من ضم الى ذلك بعض القيود من خارج. وكيف كان فالجمع بينها لا يخلو من اشكال ، والمسألة لذلك لا تخلو من توقف.

ومن الاخبار الواردة في القبلة أيضا رواية الحسين بن حماد (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم يقبل امه. قال : لا بأس ، هذه قبلة رحمة ، إنما تكره قبلة الشهوة».

وربما ظهر من هذه الرواية تخصيص التحريم ووجوب الكفارة بقبلة الشهوة ، فلو لم تكن عن شهوة فلا شي‌ء فيها. ومن ثم حمل بعض المتأخرين الدم في حسنة مسمع على الاستحباب. ولا يخلو من قرب. وقد تقدمت الإشارة الى ذلك.

ومنها ـ صحيحة معاوية بن عمار أو حسنته عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) في حديث قال : «سألته عن رجل قبل امرأته ، وقد

__________________

(1) الوسائل الباب 18 من كفارات الاستمتاع. وتقدمت ص 345.

(2) الوسائل الباب 18 من كفارات الاستمتاع. وتقدمت ص 346.

(3) الفروع ج 4 ص 378 ، والوسائل الباب 9 و 18 من كفارات الاستمتاع.


طاف طواف النساء ، ولم تطف هي. قال : عليه دم يهريقه من عنده». ونحوها رواية زرارة (1).

والحكم في هذين الخبرين لا يخلو من اشكال ، لكونه قد أحل. وغاية ما يلزمه الإثم.

ومنها ـ رواية العلاء بن فضيل (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل وامرأة تمتعا جميعا ، فقصرت امرأته ولم يقصر ، فقبلها. قال : يهريق دما ، وان كانا لم يقصرا جميعا فعلى كل واحد منهما ان يهريق دما». والحكم في هذا الخبر ظاهر.

تنبيهات

الأول ـ قال في المنتهى : ولا فرق في الوطء بين ان يطأ في إحرام حج واجب أو مندوب ، لانه بعد التلبس بالإحرام يصير المندوب واجبا ، ويجب عليه إتمامه كما يجب عليه إتمام الحج الواجب. ولان الحج الفاسد يجب إتمامه فالمندوب اولى ، لقوله (تعالى) (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ) (3). إذا ثبت هذا ، فكل صورة قلنا انه يفسد الحج الواجب فيها ـ كما لو وطئ قبل الوقوف بالموقفين ـ فإنه يفسد الحج المندوب فيها ايضا ، فلو وطئ قبل الوقوف بالموقفين في الحج المندوب ، فسد ووجب عليه إتمامه ، وبدنة ، والحج من قابل ، ولو كان بعد الوقوف بالموقفين ، وجب عليه بدنة لا غير ، عملا بالعمومات المتناولة للواجب

__________________

(1) الوسائل الباب 10 و 18 من كفارات الاستمتاع.

(2) التهذيب ج 5 ص 473 ، والوسائل الباب 18 من كفارات الاستمتاع.

(3) سورة البقرة ، الآية 196.


والمندوب. انتهى. وهو كذلك.

الثاني ـ قال في الكتاب المذكور ايضا : ويجب عليه القضاء في السنة المقبلة وجوبا على الفور ، ذهب إليه علماؤنا. ثم نقل الخلاف في ذلك عن العامة (1). وما ذكره (قدس‌سره) هو مدلول الأخبار ، ففي صحيحة زرارة أو حسنته (2) : «وعليهما الحج من قابل». وفي صحيحة معاوية بن عمار (3) : «فعليه بدنة والحج من قابل». في موضعين منها ، وفي رواية علي بن أبي حمزة (4) : «وعليهما الحج من قابل لا بد منه». الى غير ذلك من الاخبار.

الثالث ـ إذا مس المحرم امرأته ، فإن كان بغير شهوة فلا شي‌ء عليه ، وان كان بشهوة فعليه دم شاة.

ويدل على ذلك ما تقدم قريبا في صحيحة الحلبي أو حسنته ، وما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم (5) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل حمل امرأته وهو محرم ، فأمنى أو أمذى. فقال : ان كان حملها أو مسها بشي‌ء من الشهوة ـ فأمنى أو لم يمن ، أمذى أو لم يمذ ـ فعليه دم يهريقه ، فان حملها أو مسها بغير شهوة ـ فأمنى أو أمذى ـ فليس عليه شي‌ء».

الرابع ـ لو استمع الى من يجامع ، أو تشاهى لاستماع كلام امرأة من غير نظر ، لم يكن عليه شي‌ء وان أمنى.

__________________

(1) المجموع للنووي ج 7 ص 383 الطبعة الثانية.

(2 و 3) ص 356.

(4) ص 357.

(5) التهذيب ج 5 ص 326 ، والوسائل الباب 17 من كفارات الاستمتاع.


وتدل على ذلك موثقة أبي بصير (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل يسمع كلام امرأة من خلف حائط وهو محرم ، فتشاهى حتى انزل. قال : ليس عليه شي‌ء».

ورواية سماعة بن مهران عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) : «في محرم استمع على رجل يجامع أهله فأمنى؟ قال : ليس عليه شي‌ء».

قال في المنتهى : اما لو كان برؤية فإنه تجب عليه الكفارة على ما بيناه. وهو إشارة الى ما قدمه من الكفارة في النظر الى غير اهله ويؤيده ما تقدم في المسألة الخامسة (3) من قوله (عليه‌السلام): «اما اني لم اجعل عليه هذا لأنه أمنى ، إنما جعلته عليه لانه نظر الى ما لا يحل له».

قال في المدارك : ولو امنى بذلك وكان من عادته ذلك أو قصده فقد قطع الشارح بوجوب الكفارة عليه كالاستمناء. وهو حسن. وفيه ما قد تقدمت الإشارة إليه من عدم وجود دليل على الاستمناء. وما روى من خصوصيات بعض الجزئيات لا يشمل ما ذكر ، مع إطلاق الخبرين المذكورين ودخول ما ذكره تحت إطلاقهما.

الخامس ـ لو امنى عن ملاعبة فجزور. وعلى المرأة ان طاوعت مثله.

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 377 ، والتهذيب ج 5 ص 327 و 328 ، والوسائل الباب 20 من كفارات الاستمتاع.

(2) التهذيب ج 5 ص 328 ، والوسائل الباب 20 من كفارات الاستمتاع.

(3) ص 400 رقم (1).


وعلى ذلك تدل صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن الرجل يعبث بامرأته حتى يمني ـ وهو محرم ـ من غير جماع ، أو يفعل ذلك في شهر رمضان. فقال : عليهما جميعا الكفارة مثل ما على الذي يجامع».

ومقتضاها وجوب البدنة ، لأنها هي الواجبة على من يجامع.

الصنف الثالث ـ الطيب ، ويحرم على الرجل والمرأة معا ، أكلا وشما ، واطلاء. وادعى عليه في التذكرة إجماع علماء الأمصار.

وتحقيق الكلام في هذا المقام يقع في مسائل الأولى ـ عرف شيخنا الشهيد الثاني (قدس‌سره) الطيب بأنه : الجسم ذو الريح الطيبة المتخذ للشم غالبا غير الرياحين ، كالمسك والعنبر والزعفران وماء الورد والكافور ، قال : وخرج بقيد الاتخاذ للشم ما يطلب منه الأكل والتداوي غالبا ، كالقرنفل والسنبل والدارچيني والجوزة والمصطكي وسائر الأبازير الطيبة ، فلا يحرم شمه. وكذا ما لا ينبت للطيب ، كالشيخ والقيصوم والخزامى والإذخر والفوتنج والحناء والعصفر ، وان أطلق عليه اسم الرياحين. واما ما يقصد شمه ويتخذ منه الطيب ـ كالياسمين والورد والنيلوفر ـ فان كان رطبا فهو ريحان سيأتي حكمه ، وان كان يابسا ففي تحريمه ان لم نقل بتحريم أخضره وجهان ، واختار العلامة في التذكرة تحريمه ووجوب الفدية به. انتهى.

وقال العلامة في التذكرة : الطيب ما تطيب رائحته ويتخذ للشم ، كالمسك والعنبر والكافور والزعفران وماء الورد ، والأدهان الطيبة كدهن

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 376 ، والتهذيب ج 5 ص 327 ، والوسائل الباب 14 من كفارات الاستمتاع.


البنفسج والورس. والمعتبر ان يكون معظم الغرض منه التطيب ، أو يظهر فيه هذا الغرض.

ثم قسم النبات الطيب تبعا للشيخ (رحمه‌الله تعالى) إلى ثلاثة أقسام :

الأول ـ ما لا ينبت للطيب ولا يتخذ منه ، كنبات الصحراء من الشيخ والقيصوم والخزامى والإذخر والدارچيني والمصطكي والزنجبيل والسعد وحبق الماء. والفواكه ، كالتفاح والسفرجل والنارنج والأترج. قال : وهذا كله ليس بمحرم ، ولا تتعلق به كفارة إجماعا. وكذا ما ينبته الآدميون لغير قصد الطيب كالحناء والعصفر. الثاني ـ ما ينبته الآدميون للطيب ، ولا يتخذ منه طيب ، كالريحان الفارسي والمرزنجوش والنرجس والبرم. قال الشيخ : فهذا لا تتعلق به كفارة ويكره استعماله.

الثالث ـ ما يقصد شمه ، ويتخذ منه الطيب ، كالياسمين والورد والنيلوفر. والظاهر ان هذا يحرم شمه ، وتجب فيه الفدية.

والذي وقفت عليه من الاخبار الجارية في هذا المضمار ما رواه الشيخ وابن بابويه في الصحيح عن معاوية بن عمار (1) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : لا بأس ان تشم الإذخر والقيصوم والخزامى والشيخ وأشباهه ، وأنت محرم». ورواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار مثله (2).

وعن ابن ابي عمير في الصحيح عن بعض أصحابه عن ابي عبد الله

__________________

(1) الوسائل الباب 25 من تروك الإحرام.

(2) الفروع ج 4 ص 355 ، والوسائل الباب 25 من تروك الإحرام.


(عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن التفاح والأترج والنبق وما طابت ريحه. فقال : يمسك على شمه ويأكله».

وروى الكليني في الصحيح عن علي بن مهزيار (2) قال : «سألت ابن ابي عمير عن التفاح والأترج والنبق وما طاب ريحه. قال : تمسك عن شمه وتأكله». ورواه في الفقيه (3) مثله ، وزاد : «ولم يرو فيه شيئا».

وفي الكافي عن عمار بن موسى في الموثق عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «سألته عن المحرم يأكل الأترج. قال : نعم. قلت : له رائحة طيبة؟ قال : الأترج طعام ليس هو من الطيب».

وما رواه الكليني (قدس‌سره) في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (5) قال : «سألته عن الحناء. فقال : ان المحرم ليمسه ، ويداوي به بعيره ، وما هو بطيب ، وما به بأس». ورواه الصدوق بإسناده عن عبد الله بن سنان مثله (6).

وما رواه الكليني في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (7) قال : «لا تمس ريحانا وأنت محرم ، ولا شيئا

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 305 ، والوسائل الباب 26 من تروك الإحرام.

(2) الفروع ج 4 ص 356 ، والوسائل الباب 26 من تروك الإحرام.

(3) ج 2 ص 225 ، والوسائل الباب 26 من تروك الإحرام.

(4) الوسائل الباب 26 من تروك الإحرام.

(5) الفروع ج 4 ص 356. والوسائل الباب 23 من تروك الإحرام.

(6) الفقيه ج 2 ص 224 ، والوسائل الباب 23 من تروك الإحرام.

(7) الوسائل الباب 18 من تروك الإحرام رقم 3 و 10 عن الكافي والتهذيب.


فيه زعفران ، ولا تطعم طعاما فيه زعفران».

أقول : ظاهر صحيحة معاوية بن عمار جواز شم نبات الصحراء من الأشياء المذكورة ونحوها وان سميت طيبا. وهو مؤيد لما ذكره الشيخ والعلامة في ما تقدم نقله عنهما من انه ليس بمحرم ولا تتعلق به كفارة. وظاهر صحيحة ابن ابي عمير وصحيحة علي بن مهزيار وموثقة عمار جواز أكل الفواكه ، كما صرح به الشيخان المتقدمان ، وظاهرهما دعوى الإجماع على انه ليس من الطيب.

وربما أشعر كلام الشهيد في الدروس بالخلاف في الفواكه ، حيث قال : واختلف في الفواكه ، ففي رواية ابن ابي عمير : يحرم شمها. وكرهه الشيخ في المبسوط ، ويجوز أكلها لو قبض على انفه. وظاهره التردد فيه.

وظاهر المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر في الوسائل (1) تقييد جواز أكل الفواكه بالحاجة اليه ، وانه يمسك على انفه. والظاهر ان منشأه ما يظهر من الشيخ في التهذيب (2) من تحريم شم التفاح ، وانه إذا أكله عند الحاجة أمسك على انفه ، مستدلا عليه برواية ابن ابي عمير. وأجاب عن رواية عمار بأنه (عليه‌السلام) أباح اكله ، ولم يقل انه يجوز له شمه. والخبر الأول مفصل ، فالعمل به اولى.

وفيه : ان الروايات قد صرحت بجواز أكل هذه الأشياء وما أشبهها مطلقا ، فالتقييد بالحاجة ـ كما ادعياه ـ يحتاج الى دليل. وموثقة عمار صرحت مع جواز أكله بأنه طعام ليس بطيب. ومقتضاه عدم

__________________

(1) الوسائل ج 9 ص 15 رقم 26 الطبع الحديث.

(2) ج 5 ص 305 و 306.


وجوب الإمساك عن شمه. ويعضده تجويز أكله. فإن الظاهر من روايات الطيب ترتب التحريم أكلا وشما على ما يدخل تحت الطيب المحرم ، وانهما متلازمان ، فكل ما حرم شمه حرم اكله وبالعكس كما لا يخفى. وبالجملة فالمختار هو الجواز ، كما ذكره الشيخ والعلامة وغيرهما.

والمفهوم من صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة تحريم الريحان. ومثلها صحيحة حريز الآتية في ثاني هذه المسألة. وسيأتي تحقيق الكلام في المقام ان شاء الله (تعالى).

المسألة الثانية ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما يحرم على المحرم من الطيب ، فنقل عن الشيخ المفيد ، والصدوق في المقنع والسيد المرتضى ، وابي الصلاح ، وسلار ، وابن إدريس : القول بالتعميم لكل طيب ، وهو المنقول عن الشيخ في المبسوط والاقتصاد ، حيث قال : ويحرم عليه الطيب على اختلاف أجناسه ، وأغلظها خمسة أجناس : المسك والعنبر والزعفران والعود والورس. وقال في النهاية : ويحرم من الطيب خاصة المسك والعنبر والزعفران والورس والكافور والعود ، فاما ما عدا هذا من الطيب والرياحين فمكروه. وبه قال ابن حمزة. وقال في الخلاف : ما عدا المسك والعنبر والكافور والزعفران والورس والعود عندنا لا تتعلق به كفارة إذا استعمله المحرم وقال في التهذيب (1) : واما الطيب الذي يجب اجتنابه فأربعة أشياء : المسك والعنبر والزعفران والورس ، قال : وقد روى : والعود. وعن ابن البراج : انه حرم المسك والكافور والعنبر والعود والزعفران. والى القول

__________________

(1) ج 5 ص 299.


بالعموم ذهب المحقق والعلامة وأكثر المتأخرين. وهو المشهور بين الأصحاب.

والذي وصل الي من الاخبار المتعلقة بذلك ـ ومنها نشأ هذا الاختلاف ـ روايات :

منها ـ ما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «لا تمس شيئا من الطيب ولا من الدهن في إحرامك ، واتق الطيب في طعامك ، وأمسك على انفك من الرائحة الطيبة ، ولا تمسك عليه من الرائحة المنتنة ، فإنه لا ينبغي للمحرم ان يتلذذ بريح طيبة».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن حريز عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «لا يمس المحرم شيئا من الطيب ولا الريحان ، ولا يتلذذ به ، فمن ابتلى بشي‌ء من ذلك فليتصدق بقدر ما صنع بقدر شبعه. يعني من الطعام».

ورواه الكليني في الحسن عن حريز عن من أخبره عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) وفيه : «بقدر ما صنع قدر سعته».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (4) قال : «من أكل زعفرانا متعمدا أو طعاما فيه طيب فعليه دم ، فان كان ناسيا فلا شي‌ء عليه ، ويستغفر الله ويتوب اليه».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن الحلبي ومحمد بن مسلم عن ابي عبد الله (عليه

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 353 ، والوسائل الباب 18 من تروك الإحرام.

(2 و 3) الوسائل الباب 18 من تروك الإحرام رقم 11 و 6.

(4) الوسائل الباب 4 من بقية كفارات الإحرام.


السلام) (1) قال : «المحرم يمسك على انفه من الريح الطيبة ، ولا يمسك على انفه من الريح الخبيثة». ورواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن الحلبي مثله (2) ورواه ايضا عن هشام بن الحكم في الصحيح أو الحسن مثله (3) وزاد : وقال : «لا بأس بالريح الطيبة في ما بين الصفا والمروة من ريح العطارين ، ولا يمسك على انفه».

وروى في الكافي في الصحيح عن محمد بن إسماعيل (4) ـ والظاهر انه ابن بزيع ـ قال : «رأيت أبا الحسن (عليه‌السلام) كشف بين يديه طيب لينظر اليه وهو محرم ، فأمسك على انفه بثوبه من ريحه».

وعن الحسن بن زياد عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (5) قال : «قلت له : الأشنان فيه الطيب اغسل به يدي وانا محرم؟ قال : إذا أردتم الإحرام فانظروا مزاودكم فاعزلوا الذي لا تحتاجون اليه. وقال : تصدق بشي‌ء كفارة للأشنان الذي غسلت به يدك».

وعن حنان بن سدير عن أبيه (6) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) : ما تقول في الملح فيه زعفران للمحرم؟ قال : لا ينبغي للمحرم ان يأكل شيئا فيه زعفران ، ولا يطعم شيئا من الطيب».

وروى الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 24 من تروك الإحرام.

(3) الفروع ج 4 ص 354 ، والوسائل الباب 20 من تروك الإحرام.

(4) الفروع ج 4 ص 354 ، والوسائل الباب 18 من تروك الإحرام.

(5) الفروع ج 4 ص 354 ، والوسائل الباب 27 من تروك الإحرام ، والباب 4 من بقية كفارات الإحرام.

(6) الوسائل الباب 18 من تروك الإحرام.


السلام) (1) «في قول الله (عزوجل) (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) (2) : حفوف الرجل من الطيب».

وقال الصدوق (رحمه‌الله تعالى) (3) : «وكان علي بن الحسين (عليهما‌السلام) إذا تجهز إلى مكة قال لأهله : إياكم ان تجعلوا في زادنا شيئا من الطيب ولا الزعفران نأكله أو نطعمه».

وروى عن الحسين بن زياد (4) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام): وضأني الغلام ـ ولم اعلم ـ بدستشان فيه طيب ، فغسلت يدي وانا محرم؟ فقال : تصدق بشي‌ء لذلك».

أقول : وهذه الاخبار ظاهرة في القول المشهور. والظاهر ان اعتمادهم عليها واستنادهم إليها.

واما ما ذكره في الذخيرة ـ حيث قال بعد نقلها : ولا يخفى ان دلالة هذه الاخبار على التحريم غير واضحة ، والأصل يقتضي حملها على الكراهة ، ويناسب ذلك قوله (عليه‌السلام) : «لا ينبغي» في الخبر الأول والأخير. انتهى ـ

فهو من جملة تشكيكاته الضعيفة التي لا ينبغي ان يعرج عليها ، وتوهماته السخيفة التي لا ينبغي ان يلتفت إليها. وقد سلف كلامنا عليه في أمثال هذا المقام ، وما يلزمه من أمثال كلامه هذا ، من انه لا واجب في الشريعة ولا حرام ، وفيه من الشناعة ما يوجب الخروج

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 298 ، والوسائل الباب 18 من تروك الإحرام.

(2) سورة الحج ، الآية 27.

(3) الفقيه ج 2 ص 223 ، والوسائل الباب 18 من تروك الإحرام.

(4) الفقيه ج 2 ص 223 ، والوسائل الباب 4 من بقية كفارات الإحرام.


عن جادة الإسلام من حيث لا يشعر به قائله ، كما هو واضح لذي الأفهام.

وما ادعاه ـ من مناسبة لفظ : «لا ينبغي» لما ذكره ـ ففيه ان استعمال هذا اللفظ في التحريم أكثر من ان يحصر وأشهر من ان ينكر ، كما تقدم بيانه.

ومنها ـ ما رواه الشيخ ـ بطريقين : أحدهما صحيح والآخر ضعيف ـ عن معاوية بن عمار عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «إنما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء : المسك والعنبر والورس والزعفران غير انه يكره للمحرم الأدهان الطيبة الريح».

وفي الصحيح عن ابن ابى يعفور عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «الطيب : المسك والعنبر والزعفران والعود».

وعن سيف (3) ـ والظاهر انه ابن عميرة ـ قال : حدثني عبد الغفار قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : الطيب : المسك والعنبر والزعفران والورس».

وروى الصدوق في الفقيه (4) مرسلا قال : «قال الصادق (عليه‌السلام) : يكره من الطيب أربعة أشياء للمحرم : المسك والعنبر والزعفران والورس. وكان يكره من الأدهان الطيبة الريح».

__________________

(1) الوسائل الباب 18 من تروك الإحرام رقم 8 و 14.

(2) الوسائل الباب 18 من تروك الإحرام.

(3) التهذيب ج 5 ص 299 ، والوسائل الباب 18 من تروك الإحرام.

(4) ج 2 ص 223 ، والوسائل الباب 18 من تروك الإحرام.


وروى في التهذيب (1) عن معاوية بن عمار عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «الطيب : المسك والعنبر والزعفران والعود».

وبهذه الأخبار أخذ الشيخ في التهذيب كما تقدم نقله عنه.

وظاهر صحيحة معاوية بن عمار بل صريحها حصر الطيب المحرم على المحرم في الأربعة المذكورة ، وهو ظاهر روايتي ابن ابي يعفور وعبد الغفار. وحينئذ فالظاهر هو تقييد الإطلاق في الاخبار المتقدمة بهذه الاخبار. ويؤيده ان صحيحة معاوية بن عمار التي هي في صدر الروايات الدالة على العموم رواها الشيخ في التهذيب (2) كما تقدم من رواية الكليني وزاد بعد قوله : «لا ينبغي للمحرم ان يتلذذ بريح طيبة» : «فمن ابتلى بشي‌ء من ذلك فليعد غسله ، وليتصدق بقدر ما صنع. وإنما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء : المسك والعنبر والورس والزعفران غير انه يكره للمحرم الأدهان الطيبة الريح». ومن الظاهر انه لو لم يقيد أولها بما ذكر في آخرها للزم التنافي بين طرفيها.

وبذلك يظهر ان ما ذكره في الاستبصار بعد ذكر خبري ابن ابي يعفور وعبد الغفار ـ حيث تأولهما بأن ذكر هذه الأشياء انما وقع تعظيما لها وتفخيما ، ولم يكن القصد بيان تحليلها أو تحريمها ـ من ان هذين الخبرين ليس فيهما أكثر من الاخبار بان الطيب أربعة أشياء ، وليس فيهما ذكر ما يجب اجتنابه على المحرم ، وانه انما تأولهما لذكر الأصحاب لهما في أبواب ما يجب على المحرم اجتنابه وإلا فلا حاجة الى تأويلهما ـ من ما لا يخفى وهنه ، فإنه مع تسليم

__________________

(1) الوافي باب (الطيب والادهان للمحرم) ولم نجده في التهذيب والوسائل.

(2) ج 5 ص 297 و 299 و 304 و 305 ، والوسائل الباب 18 من تروك الإحرام.


ما ذكره ، متى دل الخبران على ان الطيب شرعا عبارة عن هذه الأربعة ، فيجب حمل الأحكام المترتبة على الطيب بقول مطلق على هذه الأربعة لأنها هي الطيب شرعا ، والإطلاقات يجب حملها على ما هو المعروف في عرفهم (عليهم‌السلام) فيعود ما فر منه.

والسيد السند في المدارك نقل رواية عبد الغفار بزيادة : «وخلوق الكعبة لا بأس به» ثم استدل بهذه الزيادة على الحصر في الأربعة المذكورة. وهو غفلة منه (قدس‌سره) فان هذه الزيادة إنما هي من كلام الشيخ لا من الرواية ، فإن الحديث ـ كما نقله في الاستبصار (1) ـ عار من هذه الزيادة ، وكذا نقله المحدث الكاشاني في الوافي (2) والشيخ الحر في الوسائل.

نعم يبقى الكلام هنا في موضعين : أحدهما ـ انك قد عرفت ان ظاهر صحيحتي عبد الله بن سنان وحريز هو تحريم الريحان ، وان كان الشيخ وجمع من الأصحاب قد عدوه في مكروهات الإحرام ، واستدلوا على القول بالكراهة بصحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في المسألة الأولى ، المتضمنة لأنه لا بأس ان يشم الإذخر والقيصوم. الحديث. وفيه انه قد يمكن القول بالتحريم مع استثناء هذه الأشياء المذكورة ، فلا منافاة فيه. ولا ينافي ذلك قوله في الخبر : «وأشباهه» باعتبار حمله على غيره من الريحان ، لأنا نقول : المراد أشباهه من نبات الصحراء الطيب الرائحة. وحينئذ فيختص الحكم بما أنبته الآدميون من الريحان ، وهو القسم الثاني في كلام الشيخ ، وان حكم فيه بالكراهة ، فإن ظاهر الصحيحتين المذكورتين التحريم. وحينئذ فيضاف الى الافراد المذكورة في هذه الروايات الأخيرة التي بها خصصنا اخبار الطيب المطلقة.

__________________

(1) ج 2 ص 180.

(2) باب (الطيب والادهان للمحرم).


الثاني ـ ان صحيح معاوية بن عمار ورواية عبد الغفار ومرسلة الفقيه تضمنت ان الرابع الورس ، وصحيح ابن ابي يعفور جعل عوضه العود ، وصاحب الكافي قد نقل حديث عبد الغفار في باب أنواع الطيب من كتاب المروة (1) بلفظ «العود» عوض «الورس» وقد صرح في سنده بان سيفا هو ابن عميرة. والشيخ نسب العود في عبارته المتقدمة من التهذيب إلى الرواية. وفي الخلاف جعل المحرم هذه الخمسة بإضافة العود إلى الأربعة المذكورة. وهو الأحوط. والاحتياط التام في اجتناب الطيب بجميع أنواعه ، إلا ما تقدم في روايات المسألة الأولى ، فإنه لا معارض لها. وبعض رجح رواية الورس على العود ، وطعن في صحة رواية ابن ابي يعفور بما ذكره المحقق الشيخ حسن في المنتقى من العلة في السند الموجبة لضعفه ، وان عد في الصحيح غفلة. وهو جيد بناء على الاصطلاح المذكور.

المسألة الثالثة ـ يستثني من تحريم الطيب على المحرم خلوق الكعبة إجماعا ، كما نقله بعضهم.

ولما رواه الصدوق في الصحيح عن حماد بن عثمان (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن خلوق الكعبة وخلوق القبر يكون في ثوب الإحرام. فقال : لا بأس بهما ، هما طهوران». والظاهر ان المراد بالقبر قبر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم).

__________________

(1) الفروع ج 2 ص 223 الطبع القديم ، والوسائل الباب 97 من آداب الحمام.

(2) الفقيه ج 2 ص 217 ، والوسائل الباب 21 من تروك الإحرام.


وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن خلوق الكعبة يصيب ثوب المحرم. قال : لا بأس به ، ولا يغسله ، فإنه طهور».

وعن يعقوب بن شعيب في الصحيح (2) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : المحرم يصيب ثيابه الزعفران من الكعبة. قال : لا يضره ، ولا يغسله».

وما رواه الكليني عن ابن ابي عمير في الصحيح عن بعض أصحابنا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «سئل عن خلوق الكعبة للمحرم أيغسل منه الثوب؟ قال : لا هو طهور. ثم قال : ان بثوبي منه لطخا».

وما رواه الصدوق في من لا يحضره الفقيه (4) في الموثق عن سماعة «انه سأله ـ يعني : الصادق (عليه‌السلام) ـ عن الرجل يصيب ثوبه زعفران الكعبة وهو محرم. فقال : لا بأس به ، وهو طهور ، فلا تتقه ان يصيبك».

قال في الذخيرة : ويمكن المناقشة بأن الظاهر من التعليل ان غرض السائل توهم احتمال النجاسة بسبب كثرة ملاقاة العامة والخاصة ومن لا يتوقى النجاسة ، فلا يدل على جواز الشم. لكن فهم الأصحاب واتفاقهم يكفي مؤنة هذه المناقشة.

أقول : لا ريب في ان هذه المناقشة من الاحتمالات الواهية التي

__________________

(1 و 2) التهذيب ج 5 ص 69 ، والوسائل الباب 21 من تروك الإحرام.

(3) الفروع ج 4 ص 342 ، والوسائل الباب 21 من تروك الإحرام.

(4) الفقيه ج 2 ص 217 ، والوسائل الباب 21 من تروك الإحرام.


هي لبيت العنكبوت ـ وانه لا ضعف البيوت ـ مضاهية ، فإن هؤلاء الأجلاء السائلين في هذه الروايات لا يخفى عليهم الحكم بأصالة الطهارة في كل شي‌ء حتى يسألوا عن ذلك في هذه المادة المخصوصة ، سيما مع قول الامام (عليه‌السلام) في صحيحة ابن ابي عمير : «ان بثوبي منه لطخا» فإنه يبعد عدم شمه مع كونه بثوبه دائما.

ويعضد ما ذكرناه ما تقدم في صحيحة هشام بن الحكم (1) من قوله (عليه‌السلام): «لا بأس بالريح الطيبة في ما بين الصفا والمروة من ريح العطارين ، ولا يمسك على أنفه». فإنه إذا جاز الشم للرائحة الطيبة بين الصفا والمروة من ريح العطارين ، فريح خلوق الكعبة أولى بالجواز.

والخلوق كصبور : ضرب من الطيب ، كما ذكره في الصحاح والقاموس ، وفي النهاية الأثيرية : الخلوق : طيب معروف مركب يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب ، وتغلب عليه الحمرة والصفرة.

بقي الكلام في ما لو طيبت الكعبة بغير الخلوق المذكور ، وبالجواز صرح جمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم) : منهم : الشيخ والعلامة. وقال في الدروس : قال الشيخ : لو دخل الكعبة وهي تجمر أو تطيب لم يكره له الشم. وبمثل ذلك صرح العلامة في التذكرة. وظاهر المدارك الميل اليه. واستدل عليه بفحوى صحيحة هشام بن الحكم بالتقريب الذي قدمناه. وهو غير بعيد ، وان نسبه في الذخيرة إلى انه ضعيف. والاحتياط في العدم.

المسألة الرابعة ـ لو اضطر المحرم الى مس الطيب ، أو أكل ما فيه

__________________

(1) ص 415.


طيب ، قبض على انفه وجوبا ، لان الاضطرار إلى أحدهما لا يبيح الآخر مع حرمة الجميع ، فيقتصر على محل الضرورة ، إلا ان يعسر ويشق القبض على الأنف ، فإنه يجوز له الشم ايضا.

اما جواز الأكل فدليل إباحته ان الضرورات تبيح المحظورات (1) ، كما هو مسلم بينهم في جميع الأحكام.

واما وجوب الإمساك مع الإمكان فتدل عليه روايات : منها ـ صحيحة الحلبي ومحمد بن مسلم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «المحرم يمسك على انفه من الريح الطيبة ، ولا يمسك على انفه من الريح الخبيثة». ونحوها جملة من الاخبار المتقدمة في المسألة الثانية.

واما عدم الوجوب مع المشقة والحرج بذلك ، فيدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن إسماعيل بن جابر (3) وكانت عرضت له ريح في وجهه من علة اصابته وهو محرم ، قال : «فقلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : ان الطبيب الذي يعالجني وصف لي سعوطا فيه مسك؟ فقال : استعط به».

وعن إسماعيل في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «سألته عن السعوط للمحرم وفيه طيب. فقال : لا بأس». وهو محمول على الضرورة كما تقدم في سابقه. وعلى ذلك حمله الشيخ (رحمه‌الله).

__________________

(1) تقدم دليل ذلك ص 164.

(2) الفقيه ج 2 ص 224 ، والوسائل الباب 24 من تروك الإحرام.

(3 و 4) التهذيب ج 5 ص 298 ، والوسائل الباب 19 من تروك الإحرام.


وقال الصدوق (1) : وان اضطر المحرم الى سعوط فيه مسك من ريح يعرض له في وجهه وعلة تصيبه ، فلا بأس بأن يستعط به ، فقد سأل إسماعيل بن جابر أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن ذلك فقال : استعط به.

ولو استهلك الطيب في المأكول أو الممسوس بحيث زالت أوصافه من ريحه وطعمه ولونه ، فالظاهر انه لا يحرم مباشرته واكله. وبذلك صرح العلامة في التذكرة.

ويعضده ما رواه عمران الحلبي في الصحيح (2) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم يكون به الجرح فيتداوى بدواء فيه زعفران قال : ان كان الغالب على الدواء فلا ، وأنت كان الأدوية الغالبة عليه فلا بأس».

والظاهر ان الاعتبار بالرائحة خاصة دون سائر الأوصاف ، للنهى عن التلذذ بالرائحة الطيبة.

بقي الكلام في ان ظاهر هذه الرواية ينافي ما تقدم من روايات إسماعيل بن جابر ، ويمكن الجمع اما بتخصيص إطلاق تلك الروايات بما دلت عليه هذه الرواية من التفصيل ـ والظاهر بعده ـ أو حمل هذه الرواية على عدم الضرورة التامة. ولعله الأقرب.

واما ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (3) ـ : «في

__________________

(1) الفقيه ج 2 ص 224 ، والوسائل الباب 19 من تروك الإحرام.

(2) الفروع ج 4 ص 359 ، والفقيه ج 2 ص 222 ، والوسائل الباب 69 من تروك الإحرام.

(3) التهذيب ج 5 ص 304 ، والوسائل الباب 4 من بقية كفارات الإحرام.


محرم كانت به قرحة فداواها بدهن بنفسج؟ قال : ان كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين ، وان كان تعمد فعليه دم شاة يهريقه» ـ.

ففيه ـ مع كونه مقطوعا ـ انه معارض بالأخبار الدالة على العفو عن الجاهل ، وانه لا كفارة عليه في شي‌ء من محرمات الإحرام إلا الصيد ، والاخبار المتقدمة الدالة في خصوص هذه المسألة على الجواز مع الضرورة من غير ذكر كفارة فيه.

واما ما رواه في الكافي عن ابان عن من أخبره عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) ـ قال : «إذا اشتكى المحرم فليتداو وبما يحل له ان يأكله وهو محرم».

وما رواه فيه عن الكناني عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «إذا اشتكى المحرم فليتداو بما يأكل وهو محرم» ـ.

فيجب حمله على ما يحصل البرء به. واما لو لم يحصل إلا بما لا يجوز له اكله اختيارا حال الإحرام ، فله اكله والتداوي به للضرورة ، كما عليه اتفاق الأصحاب في هذا الموضع وغيره.

المسألة الخامسة ـ قال في التذكرة : لو لصق الطيب ببدنه أو ثوبه على وجه لا يوجب الفدية بأن كان ناسيا أو ألقته الريح ، وجب عليه المبادرة إلى غسله أو تنحيته أو معالجته بما يقطع رائحته. ويأمر غيره بإزالة ذلك عنه ، ولو باشره بنفسه فالأقرب انه لا يضره لانه قصد الإزالة. انتهى. وظاهره التردد في الإزالة بنفسه وان كان الأقرب ذلك عنده.

ونقل عن الشيخ انه قطع بجواز الإزالة باليد.

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 359 ، والوسائل الباب 69 من تروك الإحرام.

(2) الفروع ج 4 ص 358 ، والوسائل الباب 69 من تروك الإحرام.


أقول : وهو الذي دلت عليه الاخبار ، ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن ابى عمير عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهما‌السلام) (1) : «في محرم اصابه طيب؟ فقال : لا بأس ان يمسحه بيده أو يغسله».

وما رواه الكليني عنه في الصحيح أو الحسن عن بعض أصحابنا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) : «في المحرم يصيب ثوبه الطيب؟ قال : لا بأس بأن يغسله بيد نفسه».

وما رواه الصدوق عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) في حديث قال : «لا بأس ان يغسل الرجل الخلوق عن ثوبه وهو محرم».

وما رواه في الكافي عن إسحاق بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «سألته عن المحرم يمس الطيب وهو نائم لا يعلم به. قال : يغسله ، وليس عليه شي‌ء. وعن المحرم يدهنه الحلال بالدهن الطيب والمحرم لا يعلم ما عليه. قال : يغسله ايضا وليحذر».

وإطلاق هذه الاخبار دال على جواز غسله له بنفسه وان استلزم شم الرائحة في تلك الحال. وكأنه من حيث وجوب التكليف بالإزالة يغتفر له الشم في تلك الحال.

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 299 ، والوسائل الباب 22 من تروك الإحرام.

(2) الفروع ج 4 ص 354 ، والوسائل الباب 22 من تروك الإحرام.

(3) الفقيه ج 2 ص 224 ، والوسائل الباب 22 من تروك الإحرام.

(4) الوسائل الباب 22 من تروك الإحرام ، والباب 4 من بقية كفارات الإحرام.


فوائد

الاولى ـ لو انقطعت رائحة الطيب من الثوب ، لطول الزمان ، أو صبغ بغيره بحيث لا تظهر رائحته لا مع الرطوبة ولا مع اليبوسة ، فالظاهر جواز استعماله.

الثانية ـ قال في التذكرة : لو أصاب ثوبه طيب وجب عليه غسله أو نزعه ، فلو كان معه من الماء ما لا يكفيه لغسل الطيب وطهارته ، غسل به الطيب ، لان للوضوء بدلا.

قال في المدارك بعد ذكر نحو ذلك : ويحتمل وجوب الطهارة به ، لان وجوب الطهارة قطعي ووجوب الإزالة والحال هذه مشكوك فيه ، لاحتمال استثنائه للضرورة ، كما استثنى شمه في الكعبة والسعي. والاحتياط يقتضي تقديم الغسل على التيمم ، ليتحقق فقد الماء حالته. انتهى.

أقول : ومن المحتمل قريبا التفصيل في ذلك بين الوقت وخارجه فان كان في الوقت فالأظهر تقديم الوضوء ، لانه مخاطب به في تلك الحال ، والتيمم غير مشروع ، لانه واجد للماء ، ويسقط وجوب الإزالة للضرورة. وما ذكره في المدارك ـ من ان الاحتياط يقتضي تقديم الغسل ـ لا يتم في هذه الصورة ، لأنه بالتصرف بالماء في تلك الحال يصير من قبيل من دخل عليه الوقت واجدا للماء فتعمد إراقته وإتلافه ، ولا أقل من التأثيم والعقوبة عليه ان لم نقل ببطلان تيممه. وان كان قبل الوقت فلا يبعد وجوب الإزالة ، لأنه في هذه الحال غير مخاطب بالطهارة ، والخطاب بوجوب الإزالة متوجه اليه ليس له معارض.


وكيف كان فالمسألة ـ لعدم النص الذي هو المعتمد عندنا في جميع الأحكام ـ لا تخلو من الإشكال.

الثالثة ـ قال في التذكرة : لو فرش فوق الثوب المطيب ثوبا يمنع الرائحة والمباشرة ، فلا فدية بالجلوس عليه والنوم. ولو كان الحائل ثياب نومه ، فالوجه المنع ، لانه كما منع من استعمال الطيب في بدنه منع من استعماله في ثوبه. انتهى. وبذلك صرح في المنتهى. وهو جيد.

واما قوله في الذخيرة ـ : ولو كان الحائل ثياب بدنه فوجهان. ثم نقل عن المنتهى المنع ، استنادا الى ما ذكره في التذكرة من التعليل ثم قال : وللتأمل فيه مجال ـ فلا اعرف له وجها. إلا ان يقول بجواز الطيب في ثوب المحرم ، وهو من ما وقع الإجماع نصا وفتوى على تحريمه. فأي مجال هنا للتأمل في ما ذكره والمفروض في المسألة تعدى الطيب الى ثيابه بالنوم على ذلك الثوب المطيب.

الرابعة ـ لو غسل الثوب حتى زال عنه الطيب جاز استعماله ، إجماعا نصا وفتوى.

ومن ذلك ما رواه الصدوق عن الحسين بن ابي العلاء عن الصادق (عليه‌السلام) (1) «انه سأله عن الثوب للمحرم يصيبه الزعفران ثم يغسل. فقال : لا بأس به إذا ذهب ريحه. ولو كان مصبوغا كله إذا ضرب الى البياض وغسل فلا بأس به».

وعن إسماعيل بن الفضل (2) : «انه سأله عن المحرم يلبس الثوب

__________________

(1) الفقيه ج 2 ص 216 ، والوسائل الباب 43 من تروك الإحرام.

(2) الوسائل الباب 43 من تروك الإحرام.


قد اصابه الطيب. فقال : إذا ذهب ريح الطيب فليلبسه».

وروى الكليني عن حماد بن عثمان في الصحيح (1) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : اني جعلت ثوبي إحرامي مع أثواب قد جمرت فأجد من ريحها؟ قال : فانشرها في الريح حتى تذهب ريحها».

الخامسة ـ روى ثقة الإسلام في الكافي عن المعلى بن خنيس عن ابي عبد الله (2) قال : «كره ان ينام المحرم على فراش اصفر ، أو على مرفقة صفراء».

وروى الشيخ في الصحيح عن ابي بصير عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (3) قال : «يكره للمحرم ان ينام على الفراش الأصفر ، والمرفقة الصفراء». ورواه الصدوق عن ابي بصير مثله (4).

أقول : ان حملت الصفرة في هذين الخبرين على صفرة الطيب ، فلفظ الكراهة فيهما بمعنى التحريم ، كما هو شائع في الاخبار ، وان حملت على ما دون ذلك ، كانت الكراهة بالمعنى الأصولي المصطلح. ويرجح الأول قول ابي عبد الله (عليه‌السلام) في صحيحة منصور بن حازم (5) «إذا كنت متمتعا فلا تقربن شيئا فيه صفرة حتى تطوف بالبيت». وحديثه الآخر (6) حيث : «سئل (عليه‌السلام) أيأكل شيئا فيه

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 356 ، والوسائل الباب 18 من تروك الإحرام.

(2) الفروع ج 4 ص 355 ، والوسائل الباب 28 من تروك الإحرام.

(3) التهذيب ج 5 ص 68 ، والوسائل 28 من تروك الإحرام.

(4) الفقيه ج 2 ص 218 ، والوسائل الباب 28 من تروك الإحرام.

(5) الوسائل الباب 18 من تروك الإحرام.

(6) الوسائل الباب 13 من الحلق والتقصير.


صفرة؟ قال : لا حتى يطوف بالبيت». ويؤيده ان صاحب الكافي إنما أورد الحديث المنقول هنا في باب الطيب للمحرم. وحينئذ فالمراد بالصفرة لون الزعفران ونحوه من الألوان الطيبة الصفر.

السادسة ـ لو مات المحرم لم يجز مسه بالكافور إجماعا نصا وفتوى.

ومن الاخبار في ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (1) : «عن المحرم إذا مات كيف يصنع به؟ قال : يغطى وجهه ويصنع به كما يصنع بالحلال ، غير انه لا يقربه طيبا».

وفي الكافي عن ابن أبي حمزة عن ابى الحسن (عليه‌السلام) (2) «في المحرم يموت؟ قال : يغسل ويكفن ويغطى وجهه ، ولا يحنط ، ولا يمس شيئا من الطيب».

وروى في التهذيب في الصحيح عن عبد الله بن سنان (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم يموت ، كيف يصنع به؟ فحدثني ان عبد الرحمن بن الحسن بن علي مات بالأبواء مع الحسين بن علي (عليهما‌السلام) وهو محرم ، ومع الحسين عبد الله بن العباس وعبد الله بن جعفر ، فصنع به كما صنع بالميت ، وغطى وجهه ، ولم يمسه طيبا. قال : وذلك في كتاب على عليه‌السلام». وبهذا المضمون حديث ابى مريم المروي في الكافي (4) وحديثه الآخر المروي في التهذيب (5) وحديث عبد الرحمن بن ابى عبد الله البصري (6).

__________________

(1) الوسائل الباب 13 من غسل الميت ، والباب 83 من تروك الإحرام.

(2 و 3 و 4 و 5 و 6) الوسائل الباب 13 من غسل الميت.


المسألة السادسة ـ أجمع الأصحاب (رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم) على وجوب الشاة في الطيب ، أكلا ، واطلاء ، وشما ، وبخورا ، وصبغا ، ابتداء واستدامة ، متى استعمله عامدا عالما ، نقل إجماعهم على ذلك العلامة في المنتهى والتذكرة.

واستدل عليه بصحيحة زرارة ، وهي ما رواه الصدوق في الصحيح عنه عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (1) قال : «من أكل زعفرانا متعمدا ، أو طعاما فيه طيب ، فعليه دم ، وان كان ناسيا فلا شي‌ء عليه ، ويستغفر الله ويتوب اليه». ولا يخفى قصورها عن ما ذكروه من التعميم في الحكم المذكور.

ويدل على وجوب الشاة أيضا في الجملة قول ابي جعفر (عليه‌السلام) في صحيحة زرارة (2) : «من نتف إبطه ، أو قلم ظفره ، أو حلق رأسه ، أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه ، أو أكل طعاما لا ينبغي له اكله ، وهو محرم ، ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا ، فليس عليه شي‌ء ، ومن فعله متعمدا فعليه دم شاة».

ويؤيده ما تقدم قريبا (3) في المسألة الرابعة من مقطوعة معاوية ابن عمار : «وان كان تعمد فعليه دم شاة يهريقه».

إلا انه قد تقدم في المسألة الثانية من الاخبار ما هو ظاهر في المنافاة ، مثل قوله (عليه‌السلام) في صحيحة حريز (4) : «فمن ابتلى بشي‌ء من ذلك فليتصدق بقدر ما صنع بقدر شبعه. يعني : من

__________________

(1) الفقيه ج 2 ص 223 ، والوسائل الباب 4 من بقية كفارات الإحرام.

(2) الوسائل الباب 8 من بقية كفارات الإحرام.

(3) ص 424 رقم 3.

(4) ص 414.


الطعام». ـ كما في رواية التهذيب ـ و «قدر سعته» كما في الكافي.

وقوله (عليه‌السلام) في رواية الحسن بن زياد (1) : «وقد سأله عن الأشنان فيه الطيب ، يغسل به يده وهو محرم. فقال : تصدق بشي‌ء كفارة للأشنان الذي غسلت به يدك». ونحوها رواية الحسين ابن زياد (2).

وفي صحيحة معاوية بن عمار (3) : «فمن ابتلى بشي‌ء من ذلك فليعد غسله ، وليتصدق بصدقة بقدر ما صنع».

وأجاب العلامة ـ بعد ذكره بعض هذه الروايات ـ بالحمل على حال الضرورة ، والحاجة الى استعمال الطيب. ولا يخفى ما فيه من البعد ، إذ لا إشارة في تلك الاخبار ـ فضلا عن الدلالة ـ تؤنس به

واختار في المدارك حملها على حالة الجهل والنسيان ، مع حمل الأمر بالصدقة على الاستحباب ، للأخبار الكثيرة الدالة على سقوط الكفارة عن الناسي والجاهل إلا في الصيد. ولا يخفى ايضا ما فيه من البعد عن ظاهر الاخبار المذكورة.

ويخطر بالبال العليل والفكر الكليل وجه آخر ، لعله أقرب من ما ذكروه ، وهو حمل الطيب في هذه الاخبار على ما عدا الأفراد الأربعة أو الخمسة التي اخترناها وفاقا للشيخ في التهذيب ، ويختص وجوب

__________________

(1) الوسائل الباب 27 من تروك الإحرام ، والباب 4 من بقية كفارات الإحرام.

(2) الفقيه ج 2 ص 223 و 224 ، والوسائل الباب 4 من بقية كفارات الإحرام.

(3) الوسائل الباب 18 من تروك الإحرام رقم 8.


الشاة بالطيب الذي هو عبارة عن تلك الأفراد المذكورة ، والأمر بالصدقة فيها على الاستحباب.

وبالجملة فالمسألة غير خالية من شوب الاشكال ، ولا ريب ان الاحتياط في ما ذكروه (رضوان الله عليهم).

الصنف الرابع ـ لبس المخيط للرجال ، وما يتبعه من أنواع اللبس قال في التذكرة : يحرم على المحرم الرجل لبس الثياب المخيطة عند علماء الأمصار. وقال في المنتهى : يحرم على المحرم لبس المخيط من الثياب ان كان رجلا ، ولا نعلم فيه خلافا. ونقل في الدروس عن ابن الجنيد انه قيده بالضام للبدن. وظاهر المشهور بين الأصحاب تحريم لبس المخيط وان قلت الخياطة.

وأنت خبير بأن الأخبار الواردة في المسألة قاصرة عن افادة ما ذكروه من العموم.

وها أنا أسوق لك ما وقفت عليه منها ، ليظهر لك الحال :

فمنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «لا تلبس ـ وأنت تريد الإحرام ـ ثوبا تزره ، ولا تدرعه ، ولا تلبس سراويل ، إلا ان لا يكون لك إزار ، ولا خفين ، الا ان لا يكون لك نعلان».

وما رواه الصدوق عن معاوية بن عمار في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «لا تلبس ثوبا له أزرار وأنت محرم ، إلا ان تنكسه ، ولا ثوبا تدرعه ، ولا سراويل ، إلا ان لا يكون لك إزار ،

__________________

(1) التهذيب ج 5 ص 69 و 70 ، والوسائل الباب 35 من تروك الإحرام.

(2) الفقيه ج 2 ص 218 ، والوسائل الباب 35 من تروك الإحرام.


ولا خفين ، إلا ان لا يكون لك نعل».

وما رواه الصدوق ايضا عن زرارة في الصحيح عن أحدهما (عليهما‌السلام) (1) قال : «سألته عن ما يكره للمحرم ان يلبسه. فقال : يلبس كل ثوب إلا ثوبا يتدرعه».

وما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «ان لبست ثوبا في إحرامك لا يصلح لك لبسه فلب وأعد غسلك ، وان لبست قميصا فشقه وأخرجه من تحت قدميك».

وعن صفوان في الصحيح عن خالد بن محمد الأصم (3) قال : «دخل رجل المسجد الحرام وهو محرم ، فدخل في الطواف وعليه قميص وكساء ، فاقبل الناس عليه يشقون قميصه وكان صلبا ، فرءاه أبو عبد الله (عليه‌السلام) ـ وهو يعالجون قميصه يشقونه ـ فقال له : كيف صنعت؟ فقال : أحرمت هكذا في قميصي وكسائي. فقال : انزعه من رأسك ، ليس ينزع هذا من رجليه ، انما جهل». ونحوها رواية عبد الصمد بن بشير (4) وقد تقدمت في مسألة لبس ثوبي الإحرام (5).

وما رواه في الكافي عن يعقوب بن شعيب في الصحيح (6) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم ، يلبس الطيلسان المزرور؟ فقال : نعم. وفي كتاب على (عليه‌السلام) : لا يلبس طيلسان حتى ينزع أزراره. فحدثني أبي انه انما كره ذلك مخافة ان يزره الجاهل عليه».

__________________

(1) الفقيه ج 2 ص 218 ، والوسائل الباب 36 من تروك الإحرام.

(2 و 3 و 4) الوسائل الباب 45 من تروك الإحرام.

(5) ص 77.

(6) الفروع ج 4 ص 340 ، والوسائل الباب 36 من تروك الإحرام.


وروى في الكافي أيضا والتهذيب في الصحيح عن الحلبي مثله (1) بدون قوله : «فحدثني ابي» قال : وقال : «إنما كره ذلك مخافة ان يزره الجاهل فاما الفقيه فلا بأس ان يلبسه».

وأنت خبير بأنه لا دلالة في شي‌ء من هذه الروايات على تحريم لبس المخيط ، ولا تعرض له بالكلية ، وانما دلت على النهى عن أثواب مخصوصة. وبذلك اعترف شيخنا الشهيد (نور الله مرقده) في الدروس حيث قال : ولم أقف إلى الآن على رواية بتحريم عين المخيط ، انما نهى عن القميص والقباء والسراويل ، وفي صحيح معاوية (2) : «لا تلبس ثوبا تزره ولا تدرعه ، ولا تلبس سراويل». وتظهر الفائدة في الخياطة في الإزار وشبهه. انتهى. ويعضده ما نقل عن الشيخ المفيد (عطر الله ـ تعالى ـ مرقده) في المقنعة انه لم يذكر إلا المنع من أشياء معينة ، ولم يتعرض لذكر المخيط.

ومن ما ذكرنا يعلم ان ما اشتهر بين جملة من المتأخرين ـ بناء على ما قدمناه من الإجماع المدعى ، من انه يكفى في المنع مسمى الخياطة وان قلت ـ لا وجه له.

وألحق الأصحاب بالمخيط ما أشبهه ، كالدرع المنسوج ، والملصق بعضه ببعض. واحتج عليه في التذكرة بالحمل على المخيط ، لمشابهته إياه في المعنى من الترفه والتنعم. وضعفه ظاهر. والأجود أن يستدل عليه بما يتضمن تحريم لبس الثياب على المحرم ، كصحيحة معاوية ابن عمار الاولى والثانية ، وصحيحة زرارة ، ونحوها من ما نقلناه وما لم ننقله ، فإنها شاملة لذلك.

__________________

(1) الوسائل الباب 36 من تروك الإحرام ، والحديث في الفروع ج 4 ص 340 ، والفقيه ج 2 ص 217.

(2) ص 433 رقم (1).


لكن ينبغي ان يستثني منه الطيلسان ، فإنه يجوز لبسه ، كما تقدم في صحيحة يعقوب بن شعيب. وهو ـ على ما نقل ـ ثوب منسوج محيط بالبدن ، قال في كتاب مجمع البحرين : الطيلسان مثلث اللام واحد الطيالسة ، وهو ثوب محيط بالبدن ينسج للبس خال عن التفصيل والخياطة ، وهو من لباس العجم ، والهاء في الجمع للعجمة ، لانه معرب تالشان. انتهى

وظاهر الروايتين المذكورتين جواز لبسه اختيارا ، وبه صرح العلامة في جملة من كتبه ، والشهيد في الدروس. واعتبر في الإرشاد في جواز لبسه الضرورة ، وبه صرح صاحب الوسائل. والظاهر الأول.

ومن ما يدل على وجوب الفدية لو تعمد لبس ما لا يجوز له لبسه ما رواه الكليني عن زرارة في الصحيح عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (1) قال : «من لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه وهو محرم ، ففعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي‌ء عليه ، ومن فعله متعمدا فعليه دم».

وما رواه في الكافي والفقيه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (2) قال : «سألته عن ضروب من الثياب مختلفة يلبسها المحرم إذا احتاج ، ما عليه؟ قال : لكل صنف منها فداء».

أقول : الظاهر ان المراد بتعدد الصنف ، كالعمامة والقباء والقميص والسراويل ، فان كلا منها صنف من أصناف اللباس ، فلو تعدد القباء ـ مثلا ـ فليس إلا فداء واحد.

__________________

(1) الفروع ج 4 ص 348 ، والوسائل الباب 8 من بقية كفارات الإحرام.

(2) الفروع ج 4 ص 348 ، والفقيه ج 2 ص 219 ، والتهذيب ج 5 ص 384 عن ابي جعفر (ع) ، والوسائل الباب 9 من بقية كفارات الإحرام.


وما رواه ثقة الإسلام (نور الله ـ تعالى ـ مرقده) في الصحيح عن زرارة (1) قال : «سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول : من نتف إبطه ، أو قلم ظفره ، أو حلق رأسه ، أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه ، أو أكل طعاما لا ينبغي له اكله ، وهو محرم ، ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شي‌ء ، ومن فعله متعمدا فعليه دم شاة».

وما رواه الشيخ عن سليمان بن العيص (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم يلبس القميص متعمدا. قال : عليه دم».

ومن اضطر الى لبس ثوب يحرم عليه لبسه مع الاختيار ، جاز له لبسه ، وعليه دم شاة. والحكم بذلك مقطوع به في كلامهم ، كما نقله غير واحد.

والأصل فيه صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة. والظاهر منها ـ كما أشرنا إليه آنفا ـ تعدد الكفارة بتعدد الصنف ، في مجلس واحد كان أو مجالس متعددة ، ومع اتحاد الصنف فليس إلا كفارة واحدة كذلك اي اتحد المجلس أو تعدد ، تعددت أفراده أو اتحدت.

وبهذا ينبغي ان يجمع بين كلامي العلامة في المنتهى ، فإنه قال في فروع هذه المسألة :

الثاني ـ لو لبس ثيابا كثيرة دفعة واحدة وجب عليه فداء واحد ولو كان في مرات متعددة وجب عليه لكل ثوب دم ، لان لبس كل ثوب يغاير لبس الثوب الآخر ، فيقتضي كل واحد منها مقتضاه من

__________________

(1) هذا الحديث بهذا اللفظ رواه الشيخ في التهذيب ج 5 ص 369 و 370 ، والوسائل الباب 8 من بقية كفارات الإحرام.

(2) الوسائل الباب 8 من بقية كفارات الإحرام.


غير تداخل. ثم استدل بصحيحة محمد بن مسلم المذكورة. ثم قال : الرابع ـ لو لبس قميصا وعمامة وخفين وسراويل وجب عليه لكل واحد فدية ، لأن الأصل عدم التداخل ، خلافا لأحمد (1). وظاهر هذا الكلام مناف لما تقدم ، من ان لبس الثياب الكثيرة دفعة واحدة إنما يوجب فداء واحدا. ووجه الجمع هو ما أشرنا إليه من حمل الثياب الكثيرة على ما إذا كانت من صنف واحد ، وان كان ظاهر عبارته من ما يأبى هذا ، حيث انه جعل مناط الاتحاد والتعدد في الفدية انما هو تعدد المجلس واتحاده ، والمفهوم من الخبر انما هو باعتبار تعدد الصنف واتحاده.

ونقل عن الشيخ في التهذيب انه قال : وإذا لبس ثيابا كثيرة فعليه لكل واحد منها فداء. وهو على إطلاقه أيضا مشكل. والوجه ما ذكرناه من التفصيل المستفاد من الصحيحة المذكورة.

ثم انه لا فرق عند الأصحاب في وجوب الكفارة بين اللبس ابتداء واستدامة ، كما لو لبسه ناسيا أو جاهلا ثم ذكر أو علم ، فإنه يجب عليه نزعه على الفور ، ولا فدية عليه ، ولو تركه والحال كذلك وجبت عليه الفدية ، طال الزمان أو قصر.

والواجب نزعه من أسفله ، بان يشقه ويخرجه من رجليه. وعلله في المنتهى بأنه لو نزعه من رأسه لغطاه ، وتغطية الرأس حرام. ورواية عبد الصمد بن بشير المتقدمة في مسألة لبس ثوبي الإحرام (2) دلت

__________________

(1) المغني ج 3 ص 448 طبع مطبعة العاصمة.

(2) ص 77 و 78 ، والتهذيب ج 5 ص 72 ، والوسائل الباب 45 من تروك الإحرام.


على التفصيل في ما إذا كان جاهلا ، بين لبسه للقميص قبل الإحرام فينزعه من رأسه ، وبعد الإحرام فينزعه من رجليه.

وقد تقدم في المسألة المشار إليها التنبيه على جملة من المسائل المتعلقة بثوبي الإحرام.

وبقي من ما يجب التنبيه عليه هنا أمور الأول ـ قال العلامة في المنتهى : يجوز للمحرم ان يعقد إزاره عليه ، لانه يحتاج اليه لستر العورة ، فيباح كاللباس للمرأة. قال في المدارك : وهو حسن.

أقول : قد روى في الاحتجاج (1) عن محمد بن عبد الله الحميري عن صاحب الزمان (عجل الله ـ تعالى ـ فرجه): انه كتب إليه يسأله عن المحرم ، يجوز ان يشد المئزر من خلفه على عقبه بالطول ، ويرفع طرفيه الى حقويه ويجمعهما في خاصرته ويعقدهما ، ويخرج الطرفين الآخرين من بين رجليه ويرفعهما الى خاصرته ويشد طرفيه الى وركيه ، فيكون مثل السراويل يستر ما هناك؟ فإن المئزر الأول كنا نتزر به إذا ركب الرجل جمله يكشف ما هناك ، وهذا أستر. فأجاب (عليه‌السلام): جائز ان يتزر الإنسان كيف شاء إذا لم يحدث في المئزر حدثا بمقراض ولا ابرة يخرجه به عن حد المئزر ، وغرزه غرزا ، ولم يعقده ولم يشد بعضه ببعض ، وإذا غطى سرته وركبتيه كلاهما ، فإن السنة المجمع عليها بغير خلاف تغطية السرة والركبتين. والأحب إلينا والأفضل لكل أحد شده على السبيل المألوفة المعروفة للناس جميعا ان شاء الله (تعالى). وعنه انه سأله : هل يجوز ان يشد عليه مكان العقد تكة؟ فأجاب : لا يجوز شد المئزر بشي‌ء سواه من تكة أو غيرها. انتهى. وهو ظاهر ـ كما

__________________

(1) ج 2 ص 306 ، والوسائل الباب 53 من تروك الإحرام.


ترى ـ في انه إذا اتزر بالإزار ، يغرزه غرزا ، ولا يعقده ، ولا يشد بعضه ببعض.

وذكر العلامة أيضا في الكتاب المذكور وغيره في غيره : انه يحرم على المحرم عقد الرداء وزره.

واستدلوا عليه بما رواه الصدوق في الموثق عن سعيد الأعرج (1) : «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم ، يعقد إزاره في عنقه؟ قال : لا».

قال في المدارك بعد نقل ذلك : ويمكن حملها على الكراهة ، لقصورها من حيث السند عن إثبات التحريم. وهو جيد على أصله الغير الأصيل. والأظهر هو ما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم).

إلا انه روى في الكافي عن القداح عن جعفر (عليه‌السلام) (2) : «ان عليا (صلوات الله عليه) كان لا يرى بأسا بعقد الثوب إذا قصر ، ثم يصلي فيه وان كان محرما». والظاهر حملها على الضرورة كما هو الظاهر منها ، فلا منافاة. ومفهومها كاف في الدلالة كما لا يخفى.

ويزيد ذلك بيانا ما رواه الحميري في كتاب قرب الاسناد عن علي ابن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه‌السلام) (3) قال : «المحرم لا يصلح له ان يعقد إزاره على رقبته ، ولكن يثنيه على عنقه ولا يعقده». ورواه علي بن جعفر في كتابه مثله (4).

الثاني ـ قد ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه يجوز له عقد الهميان في وسطه.

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 53 من تروك الإحرام.


وعليه تدل جملة من الاخبار : منها ـ ما رواه ثقة الإسلام (عطر الله ـ تعالى ـ مرقده) في الصحيح عن عاصم بن حميد عن ابي بصير (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم ، يشد على بطنه العمامة؟ قال : لا. ثم قال : ان كان ابي يقول : يشد على بطنه المنطقة التي فيها نفقته يستوثق منها ، فإنها من تمام حجه».

وعن يعقوب بن شعيب في الصحيح (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم ، يصر الدراهم في ثوبه؟ قال : نعم. ويلبس المنطقة والهميان».

وما رواه الصدوق (نور الله مرقده) في الموثق عن يونس بن يعقوب (3) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : المحرم يشد الهميان في وسطه؟ فقال : نعم ، وما خيره بعد نفقته».

وعن ابي بصير عنه (عليه‌السلام) (4) انه قال : «كان ابي يشد على بطنه نفقته يستوثق بها ، فإنها تمام حجه».

وما تضمنه صحيح ابي بصير ـ من النهي عن شد المحرم العمامة على بطنه ـ لعله محمول على الكراهة ، لما رواه الصدوق في الصحيح عن عمران الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (5) قال : «المحرم يشد على بطنه العمامة ، وان شاء يعصبها على موضع الإزار ، ولا يرفعها الى صدره».

ويمكن حمل البطن في صحيحة أبي بصير على الصدر ، جمعا بين الخبرين ، فان ظاهر هذه الصحيحة تحريم الشد على الصدر. وباب التجوز في الكلام واسع ، وارتكاب مثل هذا التجوز في طريق الجمع شائع.

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) الوسائل الباب 47 من تروك الإحرام. وارجع الى الاستدراكات.

(5) الوسائل الباب 72 من تروك الإحرام.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *