ج13 - شرائط الصوم

المطلب الثالث

في من يصح منه ومن لا يصح

وفيه مسائل الأولى ـ إنما يجب الصيام لو كان واجبا ويصح مطلقا من المكلف المسلم غير المتضرر به الطاهر من الحيض والنفاس ، فلا يجب ولا يصح من الصبي ولا المجنون ولا المغمى عليه ولا الكافر ولا الحائض ولا النفساء ولا المريض.

اما انه لا يجب ولا يصح من الصبي ولا المجنون فهو من ما لا خلاف فيه نصا وفتوى ، لأن التكليف يسقط مع عدم العقل ، وقد نقل عن العلامة وغيره ان الجنون إذا عرض في أثناء النهار لحظة واحدة أبطل صوم ذلك اليوم ، ونقل عن الشيخ انه ساوى بينه وبين الإغماء في الصحة مع سبق النية ، قال في المدارك : ولا يخلو من قرب. والمسألة غير منصوصة والاحتياط في الوقوف على الأول.

واما انه لا يجب على الكافر فهو الظاهر عند جملة من محدثي متأخري المتأخرين وهو الظاهر عندي ، خلافا للمشهور من أن الكافر مخاطب بالفروع وان لم تصح منه إلا بالإسلام ، ومرجعه الى أن الإسلام عندهم شرط في الصحة لا في الوجوب.

والمفهوم من الاخبار كما قدمنا تحقيقه في باب غسل الجنابة انه شرط في الوجوب.

ومن الأخبار الدالة على اشتراط الإسلام ما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن أبى عبد الله عليه‌السلام (1) «انه سئل عن رجل أسلم في النصف من شهر رمضان ما عليه من صيامه؟ قال ليس عليه إلا ما أسلم فيه». وزاد في الفقيه (2) «وليس عليه أن يقضى ما قد مضى منه».

وما رواه في الكافي عن مسعدة بن صدقة عن أبى عبد الله عن آبائه (عليهم‌السلام) (3) «ان عليا عليه‌السلام كان يقول في رجل أسلم في نصف شهر رمضان انه ليس عليه إلا ما يستقبل».

وما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح من بعضهم عن العيص بن القاسم (4) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قوم أسلموا في شهر رمضان وقد مضى منه أيام هل عليهم أن يقضوا ما مضى منه أو يومهم الذي أسلموا فيه؟ فقال ليس عليهم قضاء ولا يومهم الذي أسلموا فيه إلا أن يكونوا أسلموا قبل طلوع الفجر».

واما ما رواه الشيخ في التهذيب عن الحلبي (5) ـ قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أسلم بعد ما دخل في شهر رمضان أياما؟ فقال ليقض ما فاته». ـ

فقد حمله الشيخ على ما إذا فاته بعد الإسلام لعارض من مرض أو جهل بالوجوب أو غير ذلك ، وحمله بعضهم على الاستحباب.

وكما دلت هذه الأخبار على سقوط الأداء دلت على سقوط القضاء ايضا. نعم ذهب الشيخ (قدس‌سره) في المبسوط على ما نقل عنه إلى انه متى أسلم قبل الزوال يصوم وان تركه قضاه وجوبا ، وقواه المحقق في المعتبر لإطلاق الأمر بالصوم وبقاء وقت النية على وجه يسرى حكمها إلى أول النهار كالمريض والمسافر. وظاهر

__________________

(1) الوسائل الباب 22 من أحكام شهر رمضان ، والراوي في الفروع والتهذيب هو الحلبي وفي الفقيه ج 2 ص 80 هكذا : «سئل الصادق ع» وقال في الوسائل : «ورواه الصدوق مرسلا» ويمكن أن يكون وصف الطريق بالصحة في رواية الصدوق بلحاظ ان نسبة السؤال والجواب اليه (ع) يكشف عن وصوله اليه بطريق صحيح.

(2 و 3 و 4 و 5) الوسائل الباب 22 من أحكام شهر رمضان.


صحيحة العيص المتقدمة يرده حيث قيد القضاء بالإسلام قبل الفجر.

واما انه لا يصح من المغمى عليه فهو المشهور بين الأصحاب لتصريحهم بأنه يفسد بحصول الإغماء في جزء من اجزاء النهار كالجنون ، وقال الشيخ المفيد في المقنعة : فإن استهل الشهر عليه وهو يعقل فنوى صيامه وعزم عليه ثم أغمي عليه وقد صام شيئا منه أو لم يصم ثم أفاق بعد ذلك فلا قضاء عليه لأنه في حكم الصائم بالنية والعزيمة على أداء الفرض. ونحوه قال الشيخ في الخلاف.

احتج العلامة في المنتهى على ما اختاره من القول المشهور بأنه بزوال عقله يسقط التكليف عنه وجوبا وندبا فلا يصح منه الصوم مع سقوطه ، وبان كل ما أفسد الصوم إذا وجد في جميعه أفسده إذا وجد في بعضه كالجنون والحيض ، وبان سقوط القضاء يستلزم سقوط الأداء في الصوم والأول ثابت على ما يأتي فيتحقق الثاني.

ولا يخفى ما في هذه الأدلة من الوهن وعدم الصلوح لابتناء الأحكام الشرعية لو كانت صحيحة فكيف ووجوه الطعن عليها متجهة.

اما الأول فبالمنع من الملازمة فإن النائم غير مكلف قطعا مع ان صومه لا يفسد بذلك إجماعا.

واما الثاني فبالمنع من كون الإغماء في جميع النهار مفسدا للصوم مع سبق النية بل ذلك محل النزاع فكيف يجعل دليلا؟

واما الثالث فبان سقوط القضاء يجامع صحة الأداء وفساده كما ان وجوبه يجامع وجوب الأداء وعدمه ، لأنه فرض مستأنف منفك عن الأداء فيتوقف على الدليل وينتفي بانتفائه ، وحينئذ فلا يكون في سقوط القضاء دلالة على سقوط الأداء.

والحق انه مع قيام الأدلة كما سيأتي ان شاء الله تعالى في المقام على سقوط القضاء عن المغمى عليه مطلقا فالنزاع في صحة صومه هنا وبطلانه مع تقديم النية لا ثمرة


فيه إلا باعتبار ترتب الثواب عليه عند الله تعالى وعدمه ، فان قلنا بأن الإغماء لا يبطله في صورة تقديم النية كان مستحقا للثواب عليه وان قلنا بالإبطال فلا ثواب وحينئذ فليس في النزاع هنا كثير فائدة. والله سبحانه العالم بصحته أو بطلانه يعامله بما علم من ذلك.

قيل : والحق ان الصوم ان كان عبارة عن مجرد الإمساك عن الأمور المخصوصة مع النية كما هو المستفاد من العمومات وجب الحكم بصحة صوم المغمى عليه إذا سبقت منه النية كما اختاره الشيخان ، وان اعتبر مع ذلك وقوعه بجميع اجزائه على وجه الوجوب أو الندب بحيث يكون كل جزء من أجزائه موصوفا بذلك اتجه القول بفساد ذلك الجزء الواقع في حال الإغماء ، لأنه لا يوصف بوجوب ولا ندب ويلزم من فساده فساد الكل لأن الصوم لا يتبعض. إلا ان ذلك منفي بالأصل ومنقوض بالنائم فإنه غير مكلف قطعا مع ان صومه لا يفسد بذلك إجماعا. كذا ذكره السيد السند في المدارك أقول : لقائل أن يختار الشق الأخير وهو أن يعتبر مع ذلك وقوعه بجميع أجزائه على وجه الوجوب أو الندب لكن لا مطلقا بل مع الإمكان فلا ينافيه حصول الغفلة أو النسيان عن ذلك ولا الإغماء ولا النوم ويصير حكم الإغماء كهذه الأشياء المذكورة ، وحينئذ فيمكن الحكم بالصحة في موضع البحث. وسيأتي في كلامه (قدس‌سره) في مسألة النوم ما يؤيد ما قلناه هنا.

واما انه لا يجب على الحائض والنفساء ولا يصح منهما سواء حصل العذر قبل الغروب أو انقطع بعد الفجر فهو موضع وفاق بين الأصحاب كما ذكروه.

ويدل عليه روايات : منها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن عيص بن القاسم البجليّ عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «سألته عن امرأة طمثت في شهر رمضان قبل ان تغيب الشمس؟ قال : تفطر حين تطمث».

__________________

(1) التهذيب ج 1 ص 393 الطبع الحديث وفي الوسائل الباب 25 ممن يصح منه الصوم.


وفي الحسن عن الحلبي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن امرأة أصبحت صائمة فلما ارتفع النهار أو كان العشاء حاضت أتفطر؟ قال نعم وان كان وقت المغرب فلتفطر. قال : وسألته عن امرأة رأت الطهر في أول النهار في شهر رمضان فتغتسل ولم تطعم كيف تصنع في ذلك اليوم؟ قال : تفطر ذلك اليوم فإنما إفطارها من الدم».

وما رواه ابن بابويه عن أبى الصباح الكناني عن أبى عبد الله عليه‌السلام (2) «في امرأة أصبحت صائمة فلما ارتفع النهار أو كان العشاء حاضت انفطر؟ قال : نعم وان كان قبل المغرب فلتفطر. وعن امرأة ترى الطهر في أول النهار من شهر رمضان ولم تغتسل ولم تطعم شيئا كيف تصنع بذلك اليوم؟ قال : إنما فطرها من الدم».

وفي الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (3) «انه سأل أبا الحسن عليه‌السلام عن المرأة تلد بعد العصر أتتم ذلك اليوم أم تفطر؟ فقال : تفطر ثم تقضى ذلك اليوم».

واما انه لا يصح من المريض مع التضرر به فهو من ما لا خلاف فيه نصا وفتوى في ما أعلم ، ويتحقق الضرر الموجب للإفطار بزيادة المرض بسبب الصوم أو بطوء البرء أو حصول المشقة التي لا يتحمل مثلها عادة أو حدوث مرض آخر والمرجع في ذلك كله الى الظن الغالب سواء استند إلى امارة أو تجربة أو قول عارف وان لم يكن عدلا.

ويدل على وجوب الإفطار في هذه المسألة قوله عزوجل : «وَمَنْ كانَ مَرِيضاً ... الآية» (4).

وما رواه ابن بابويه في الصحيح عن حريز عن أبى عبد الله عليه‌السلام (5) قال :

__________________

(1) الوسائل الباب 5 ممن يصح منه الصوم والشيخ برؤية عن الكليني.

(2) الفقيه ج 2 ص 94 وفي الوسائل الباب 25 ممن يصح منه الصوم.

(3) الوسائل الباب 26 ممن يصح منه الصوم.

(4) سورة البقرة الآية 182.

(5) الوسائل الباب 19 و 20 ممن يصح منه الصوم.


«الصائم إذا خاف على عينيه من الرمد أفطر. وقال : كل ما أضربه الصوم فالإفطار له واجب».

وفي الصحيح عن بكر بن محمد الأزدي عن أبى عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «سأله ابى وأنا أسمع عن حد المرض الذي يترك الإنسان فيه الصوم؟ قال : إذا لم يستطع أن يتسحر».

وفي الموثق عن ابن بكير عن زرارة (2) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ما حد المرض الذي يفطر فيه الرجل ويدع الصلاة من قيام؟ فقال : بل الإنسان على نفسه بصيرة (3) هو أعلم بما يطيقه».

وفي الموثق عن سماعة (4) قال : «سألته ما حد المرض الذي يجب على صاحبه فيه الإفطار كما يجب عليه في السفر «مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ»؟ قال : هو مؤتمن عليه مفوض إليه فإن وجد ضعفا فليفطر وان وجد قوة فليصمه كان المرض ما كان».

وفي الصحيح عن جميل بن دراج عن الوليد بن صبيح (5) قال : «حممت بالمدينة في شهر رمضان فبعث الي أبو عبد الله عليه‌السلام بقصعة فيها خل وزيت وقال : أفطر وصل وأنت قاعد».

وما رواه في الكافي والفقيه عن سليمان بن عمرو عن أبى عبد الله عليه‌السلام (6)

__________________

(1) الوسائل الباب 20 ممن يصح منه الصوم.

(2) الفقيه ج 2 ص 83 وفي الوسائل الباب 20 ممن يصح منه الصوم.

(3) قال الله تعالى في سورة القيامة الآية 15 (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ).

(4) الوسائل الباب 20 ممن يصح منه الصوم. والرواية للكليني في الفروع ج 1 ص 195 ويرويها الشيخ عنه في التهذيب ج 4 ص 256 من الطبع الحديث.

(5) الوسائل الباب 18 ممن يصح منه الصوم.

(6) الوسائل الباب 19 ممن يصح منه الصوم.


قال : «اشتكت أم سلمة عينها في شهر رمضان فأمرها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن تفطر وقال عشاء الليل لعينك ردى».

وروى في الفقيه مرسلا (1) قال : وقال عليه‌السلام : «كل ما أضر به الصوم فالإفطار له واجب».

واما ما رواه الشيخ في التهذيب عن عقبة بن خالد عن ابى عبد الله عليه‌السلام (2) ـ «في رجل صام شهر رمضان وهو مريض؟ قال يتم صومه ولا يعيد». ـ فحمله في التهذيب على مرض لا يضر معه الصوم غير بالغ الى حد وجوب الإفطار.

تفريعان

الأول ـ قال العلامة في المنتهى : الصحيح الذي يخشى المرض بالصيام هل يباح له الإفطار؟ فيه تردد ينشأ من وجوب الصوم بالعموم وسلامته عن معارضة المرض ، ومن كون المريض إنما أبيح له الفطر لأجل الضرر به وهو حاصل هنا لأن الخوف من تجدد المرض في معنى الخوف من زيادته وتطاوله. انتهى.

ويمكن ترجيح الوجه الثاني بعموم قوله عزوجل (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (3) وبقوله (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (4) وقوله عليه‌السلام في صحيحة حريز المتقدمة ورواية الفقيه (5) «كل ما أضر به الصوم فالإفطار له واجب».

ويؤيده أيضا ان أصل المرض مع عدم بلوغه حد الإضرار لا يكون مبيحا

__________________

(1) الوسائل الباب 20 ممن يصح منه الصوم. وهو عين ما تقدم في ذيل صحيح حريز وليس حديثا غيره.

(2) الوسائل الباب 22 ممن يصح منه الصوم.

(3) سورة الحج الآية 78.

(4) سورة البقرة الآية 182.

(5) ظاهره (قدس‌سره) ان هذا اللفظ أورده الصدوق في الفقيه بطريقين مع ان الأمر ليس كذلك فان ما ذكره في ذيل صحيحة حريز هو الذي ذكره بنحو الإرسال كما تقدم.


للإفطار وإنما يبيح الإفطار خوف التضرر بزيادته أو نحوها من ما قدمناه ، فاصل المرض والصحيح الذي ليس بمريض بالكلية أمر واحد ، وبالجملة فإن أصل المرض لا مدخل له حتى يتجه ما ذكره من وجوب الصوم بالعموم وسلامته من معارضة المرض ، فإن الذي أوجب الإفطار إنما هو المتجدد بالصيام فهذا هو المعارض وهو هنا حاصل.

الثاني ـ لو صح من مرضه قبل الزوال ولم يتناول شيئا وجب عليه الصوم وان كان بعد الزوال أو كان تناول شيئا استحب له الإمساك تأديبا على المشهور ، ونقل عن الشيخ المفيد الوجوب أيضا وان وجب عليه القضاء.

اما وجوب الصوم في الصورة الأولى فاستدل عليه العلامة في المنتهى والتذكرة وقبله المحقق في المعتبر بأنه قبل الزوال يتمكن من أداء الواجب على وجه تؤثر النية في ابتدائه فوجب. ولا يخفى ما في هذا الاستدلال من الوهن والاختلال وقال في المدارك : ويدل عليه فحوى ما دل على ثبوت ذلك في المسافر فان المريض أعذر منه. وفيه ما عرفت في ما تقدم في بحث النية.

وبالجملة فحيث كانت المسألة عارية من النص في هذا المجال فهي لا تخلو من الاشكال.

واما عدم الوجوب في الصورة الثانية فاما في صورة التناول فلا اشكال فيه لبطلان الصوم بذلك ، واما في صورة ما بعد الزوال فعللوه بفوات وقت النية ، وهو محل إشكال أيضا فإنه قد تقدم النقل عن ابن الجنيد القول بجواز تجديد النية ولو بعد الزوال ، وعليه تدل ظواهر جملة من الأخبار المتقدمة ثمة.

وبالجملة فإن المسألة في كل من الطرفين غير خالية من شوب الاشكال.

احتج الشيخ المفيد على ما نقل عنه من وجوب الإمساك وان أفطر بأنه وقت يجب فيه الإمساك على غير المريض والتقدير برؤه فيه.

وأجاب عنه في المختلف بأنه إنما يجب الإمساك على الصحيح لوجوب صوم


ابتدأ به اما على تقدير عدمه فلا.

الثانية ـ الظاهر انه لا خلاف في أن النائم إذا سبقت منه النية وان استمر نومه في جميع النهار فان صومه صحيح لتحقق الصوم الذي هو عبارة عن الإمساك عن تعمد المفطر مع النية.

ويدل عليه الأخبار الكثيرة ومنها ـ ما رواه الكليني بسنده عن الحسن بن صدقة (1) قال : «قال أبو الحسن عليه‌السلام قيلوا فان الله يطعم الصائم ويسقيه في منامه». ورواه الصدوق مرسلا (2) وفي ثواب الأعمال مسندا (3).

وروى الشيخ المفيد في المقنعة (4) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نوم الصائم عبادة ونفسه تسبيح». قال : وقال الصادق عليه‌السلام (5) «الصائم في عبادة وان كان نائما على فراشه ما لم يغتب مسلما». ورواه الشيخ مرسلا (6) ورواهما الصدوق (7)

وقال ابن إدريس ان النائم غير مكلف بالصوم وليس صومه شرعيا. وغلطه العلامة في المختلف قال : لأنه بحكم الصائم ولا تسقط عنه التكاليف بنومه لزوال عذره سريعا. انتهى.

قيل : ومراد ابن إدريس ان الإمساك في حال النوم لا يوصف بوجوب ولا ندب ولا يوصف بالصحة لكنه بحكم الصحيح في استحقاق الثواب عليه للإجماع

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 2 من آداب الصائم.

(4) الوسائل الباب 2 من آداب الصائم ، وهو يرويه عن الصادق (ع) عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) راجع المقنعة ص 49 ورواه الكليني في الفروع ج 1 ص 180 والشيخ في التهذيب ج 4 ص 190.

(5) الوسائل الباب 2 من آداب الصائم ، وهو كسابقه يرويه عن الصادق «ع» عن رسول الله «ص».

(6) الوسائل الباب 2 من آداب الصائم ، وقد رواه وما قبله كما تقدم عن الكليني راجع الفروع ج 1 ص 180 والتهذيب ج 4 ص 190.

(7) الوسائل الباب 2 من آداب الصائم.


القطعي على ان النوم لا يبطل الصوم.

أقول : فيه أولا ـ انه لا يخفى بعد انطباق كلام ابن إدريس على هذا المذكور وثانيا ـ ان ما ادعاه من أن صوم النائم لا يوصف بالصحة وإنما هو بحكم الصحيح مبنى على تعريفهم الصوم بما ذكروه من أنه الإمساك عن تعمد الإفطار مع النية ، وهذا التعريف مجرد اصطلاح منهم (رضوان الله عليهم) ولا أثر له في النصوص ، ومن الجائز بناء على هذا التعريف أيضا اختصاص ذلك بغير الغافل والساهي والنائم والمغمى عليه ونحوهم وهذا التعريف خرج بناء على الغالب المتكثر فلا منافاة.

قال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك انه لا يعرف خلافا ممن يعتد به من العامة (1) والخاصة في أن النوم غير مبطل للصوم ولا مانع منه ، ولانه لو أبطله لحرم النوم على الصائم اختيارا حيث يجب المضي فيه وهو خلاف الإجماع والنصوص الدالة على إباحته بل المجازاة عليه في الآخرة كما روى ان نوم الصائم عبادة ونفسه تسبيح (2). ونقل عن ابن إدريس ان النائم غير مكلف بالصوم وليس صومه شرعيا وقد عرفت فساده. ثم قال (فان قيل) النائم غير مكلف لانه غافل ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (3) «رفع القلم عن ثلاثة ...». وعد منهم النائم حتى يستيقظ ، وقد أطبق المحققون في الأصول على استحالة تكليفه وذلك يقتضي عدم وقوع الجزء الحاصل وقت النوم شرعيا لأنه غير مكلف به ، ويلحقه باقي النهار لأن الصوم لا يقبل التجزئة في اليوم الواحد ، وهذا يؤيد ما ذكره ابن إدريس بل يقتضي عدم جواز النوم اختيارا على الوجه المذكور (قلنا) تكليف النائم والغافل وغيرهما ممن يفقد شروط التكليف قد ينظر فيه من حيث الابتداء بمعنى توجه الخطاب الى المكلف بالفعل وأمره بإيقاعه على الوجه المأمور به بعد الخطاب ، وقد ينظر فيه من حيث

__________________

(1) راجع المغني ج 3 ص 98 والمجموع ج 6 ص 345.

(2) ص 173.

(3) الوسائل الباب 4 من مقدمة العبادات وسنن البيهقي ج 8 ص 264.


الاستدامة بمعنى انه لو شرع في الفعل قبل النوم والغفلة وغيرهما ثم عرض له ذلك في الأثناء ، والقسم الأول لا إشكال في امتناع التكليف به عند المانع من تكليف ما لا يطاق من غير فرق بين أنواع الغفلة ، وهذا هو المعنى الذي أطلق الأكثر من الأصوليين وغيرهم امتناعه كما يرشد الى ذلك دليلهم عليه وان أطلقوا الكلام فيه ، لأنهم احتجوا عليه بان الإتيان بالفعل المعين لغرض امتثال الأمر يقتضي العلم به المستلزم للعلم بتوجه الأمر ونحوه ، فان هذا الدليل غير قائم في أثناء العبادة في كثير من الموارد إجماعا إذ لا تتوقف صحتها على توجه الذهن إليها فضلا عن إيقاعها على الوجه المطلوب كما سنبينه. واما الثاني فالعارض قد يكون مخرجا عن أهلية الخطاب والتهيؤ له أصلا كالجنون والإغماء على أصح القولين وهذا يمنع استدامة التكليف كما يمنع ابتداءه ، وقد لا يخرج عن ذلك كالنوم والسهو والنسيان مع بقاء التعقل ، وهذه المعاني وان منعت من ابتداء التكليف بالفعل لكن لا تمنع من استدامته إذا وقع على وجهه. انتهى.

واعترضه سبطه السيد السند في المدارك بأنه غير جيد فان كلام الأصوليين مطلق في امتناع تكليف الغافل ، وكذا الدليل الذي عولت عليه الإمامية في امتناع ذلك من كونه قبيحا عقلا لجريانه مجرى تكليف البهائم والجمادات صريح في سقوط التكاليف كلها عنه وكذا حديث رفع القلم. وبالجملة فالمستفاد من الأدلة العقلية والنقلية عدم تكليف الغافل بوجه وانه لا فرق بين المجنون والمغمى عليه والنائم في ذلك ، لاشتراك الجميع في تحقق الغفلة المقتضية لقبح التكليف معها سواء في ذلك الابتداء والاستدامة. على ان اللازم من كون النائم مكلفا بالاستدامة كونه آثما بالإخلال بها وهو باطل ضرورة. وكيف كان فلا ضرورة الى ما ارتكبه الشارح (قدس‌سره) من التكلف في هذا المقام بعد ثبوت عدم منافاة النوم للصوم بالنص والإجماع. انتهى.

أقول : الظاهر ان ما ذكره (قدس‌سره) في الإيراد على جده (طاب ثراه)


لا يخلو من شي‌ء ، وذلك فان مبنى كلام جده بالنسبة إلى القسم الثاني وهو عروض هذه الأشياء في الاستدامة على الفرق بين ما يبطل به الصيام ـ من الجنون والسكر ونحوهما الإغماء على ما اختاره من حيث انها مزيلة للعقل كما صرح به جده في صدر كلامه في الكتاب المذكور ، وكل ما كان مزيلا للعقل عندهم فهو مخرج عن أهلية التكليف ومبطل للعبادة ـ وبين ما لا يبطل به من النوم والسهو والنسيان فإنها غير مزيلة للعقل وإنما تغطى الحواس الظاهرة وتعطلها وتبطل التمييز والعقل معها باق على حاله ، فهذه ان عرضت في الابتداء فلا إشكال عنده كما ذكره في حصول العذر بها لامتناع التكليف بالفعل من حيث الغفلة والخطاب لا يتوجه الى الغافل لامتناع تكليفه لأنه من باب تكليف ما لا يطاق وهو منفي عقلا ونقلا ، وان عرضت بعد أن انعقد الفعل وصح فلا وجه لبطلان الفعل إذ الإبطال في الصورة السابقة إنما هو من حيث زوال العقل والحال ان العقل هنا موجود ، وليس هنا إلا توهم وجوب الاستدامة والاستدامة الفعلية منفية إجماعا بل الحكمية في الصوم على ما صرح به السيد وجده في ما تقدم ، فلا موجب لبطلان الصوم بعد الحكم بصحته أولا.

واما ما ذكروه من ما قدمنا نقله عنهم قريبا ـ من أنه يجب نية الوجوب أو الندب في كل جزء جزء من نهار الصوم ، وهنا يمتنع تكليفه بذلك من حيث الغفلة لامتناع تكليف الغافل فيبطل هذا الجزء من اليوم ويبطل بذلك بقية اليوم لأن الصوم لا يتبعض ـ فلم يقم عليه دليل ، وحينئذ فيكون صومه حال النوم والنسيان بعد انعقاده بالنية السابقة صحيحا والقول ببطلانه يتوقف على الدليل وليس فليس.

الثالثة ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في انه يستحب تمرين الصبي على الصوم قبل البلوغ ، قال الشيخ في النهاية : ويستحب ان يؤخذ الصبيان بالصيام إذا أطاقوه وبلغوا تسع سنين وان لم يكن واجبا عليهم ولم يتعرض لما قبل التسع وظاهره ان مبدأ الأمر لهم بذلك كمال التسع ، ونقل عنه في المختلف انه قال في المبسوط ان مبدأ ذلك بعد تمام سبع سنين ، وعن الشيخ المفيد انه يؤخذ بالصيام


إذا بلغ الحلم أو قدر على صيام ثلاثة أيام متتابعات قبل أن يبلغ الحلم ، بذلك جاءت الآثار. وقال ابن الجنيد يستحب أن يعود الصبيان وان لم يبلغوا الصيام ويؤخذوا إذا أطاقوا صيام ثلاثة أيام تباعا. وعن ابني بابويه يؤخذ بالصيام إذا بلغ تسع سنين على قدر ما يطيقه فإن أطاق إلى الظهر أو بعده صام الى ذلك الوقت وإذا غلب عليه الجوع والعطش أفطر ، وإذا صام ثلاثة أيام ولاء أخذ بصوم الشهر كله. واستقرب في المختلف ما ذهب إليه في المبسوط.

أقول : والظاهر ان السبب في اختلاف هذه الأقوال هو اختلاف الأخبار الواردة في هذه المسألة :

ومنها ـ صحيحة الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «إنا نأمر صبياننا بالصيام إذا كانوا بنى سبع سنين بما أطاقوا من صيام اليوم ما كان الى نصف النهار أو أكثر من ذلك أو أقل فإذا غلبهم العطش والغرث أفطروا حتى يتعودوا الصوم ويطيقوه ، فمروا صبيانكم إذا كانوا أبناء تسع سنين بما أطاقوا من صيام فإذا غلبهم العطش أفطروا». أقول : والغرث بالغين المعجمة والراء المهملة والثاء المثلثة : الجوع.

وروى هذا الخبر في الفقيه أيضا مرسلا عن أبى عبد الله عليه‌السلام (2).

وروى فيه أيضا مرسلا (3) قال : «قال الصادق عليه‌السلام الصبي يؤخذ بالصيام إذا بلغ تسع سنين على قدر ما يطيقه فإن أطاق إلى الظهر أو بعده صام الى ذلك الوقت فإذا غلب عليه الجوع والعطش أفطر».

__________________

(1) الوسائل الباب 29 ممن يصح منه الصوم. واللفظ فيه مطابق لما ورد في الوافي باب (صيام الصبيان ومتى يؤخذون به وفيه هكذا : «إذا كانوا في سبع سنين» وحيث ان الوارد في غيره من كتب الحديث «بنى سبع» أوردناه كذلك.

(2 و 3) الوسائل الباب 29 ممن يصح منه الصوم.


وروى في الكافي والتهذيب عن السكوني عن أبى عبد الله عن أبيه عن على (عليهم‌السلام) (1) قال : «الصبي إذا أطاق أن يصوم ثلاثة أيام متتابعة فقد وجب عليه صيام شهر رمضان».

وروى في الكافي والفقيه في الموثق عن سماعة (2) قال : «سألته عن الصبي متى يصوم؟ قال : إذا قوى على الصيام».

وروى في التهذيب عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه‌السلام (3) «انه سئل عن الصبي متى يصوم؟ قال : إذا أطاقه».

وروى الثلاثة في كتبهم الثلاثة في الصحيح عن معاوية بن وهب (4) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام في كم يؤخذ الصبي بالصيام؟ قال : ما بينه وبين خمس عشرة وأربع عشرة سنة فان هو صام قبل ذلك فدعه ، ولقد صام ابني فلان قبل ذلك فتركته».

قال في الفقيه : وهذه الأخبار كلها متفقة المعاني يؤخذ الصبي بالصيام إذا بلغ تسع سنين إلى أربع عشرة سنة أو خمس عشرة سنة والى الاحتلام ، وكذلك المرأة إلى الحيض. ووجوب الصيام عليهما بعد الاحتلام والحيض وما قبل ذلك تأديب. انتهى.

أقول : ولعل من جعل التمرين بعد السبع أخذ بصدر صحيحة الحلبي ومن ناطه بالتسع أخذ بعجزها مع المرسلة المنقولة عن الفقيه ، ولعله الأظهر لكثرة الأخبار به زيادة على ما نقلناه ، ولدلالة صحيحة الحلبي على ان الأمر بعد السبع إنما هو لأولادهم (عليهم‌السلام) والذي أمروا به شيعتهم إنما هو بعد التسع ، ومن

__________________

(1) الوسائل الباب 29 ممن يصح منه الصوم ، وقد رواه في الفروع ج 1 ص 197 عن ابى عبد الله «ع» وفي التهذيب ج 4 ص 281 الطبع الحديث عن ابى عبد الله عن أبيه عن على «ع» وص 326 عن ابى عبد الله عن أبيه «ع» وفي الفقيه ج 2 ص 76 عن إسماعيل بن مسلم عن الصادق «ع» واللفظ هنا مطابق لما ورد ص 281 من التهذيب.

(2 و 3 و 4) الوسائل الباب 29 ممن يصح منه الصوم.


قيد بصيام ثلاثة أيام متتابعة أخذ برواية السكوني.

واما ما نقله في المختلف عن ابني بابويه فهو عين عبارة كتاب الفقه الرضوي حيث قال عليه‌السلام (1) : واعلم ان الغلام يؤخذ بالصيام إذا بلغ تسع سنين على قدر ما يطيقه فإن أطاق إلى الظهر أو بعده صام الى ذلك الوقت ، فان غلب عليه الجوع والعطش أفطر ، وإذا صام ثلاثة أيام ولاء يأخذه بصيام الشهر كله. انتهى.

واما ما ذكره المحقق في الشرائع ـ من انه يمرن الصبي والصبية على الصوم قبل البلوغ ويشدد عليهما لسبع مع الطاقة ـ

فلم نقف له على دليل والروايات كما عرفت منها ما دل على السبع أو التسع أو القدرة على ثلاثة أيام متواليات أو الإطاقة والقوة على الصيام ، والذي يتلخص من الجمع بينها وضم بعضها الى بعض هو ان مراتب الأطفال في القوة والضعف والإطاقة وعدمها متفاوتة وبلوغ التسع أعلى المراتب بمعنى إمكان ذلك وتيسره من الجميع ، واما ما قبلها فالمراتب فيه متفاوتة فبعض يكلف قبل السبع لاطاقته ذلك وبعض بوصولها وبعض بعدها وهكذا.

وما صرحت به رواية السكوني من الوجوب فهو محمول على تأكد الاستحباب للإجماع نصا وفتوى على اناطة الوجوب الشرعي بالبلوغ ، ومن المحتمل قريبا حمل الخبر المذكور على التقية فإنه منقول عن أحمد محتجا بما روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (2) قال : «إذا أطاق الغلام صيام ثلاثة أيام وجب عليه صيام شهر رمضان».

ثم لا يخفى ان مورد الأخبار المتقدمة إنما هو الصبي خاصة والأصحاب قد

__________________

(1) ص 25.

(2) الإنصاف ج 3 ص 281 ، وقال ابن قدامة الحنبلي في المغني ج 3 ص 154 بعد ان ذكر عدم الوجوب حتى يبلغ : وذهب بعض أصحابنا إلى إيجابه على الغلام المطيق له إذا بلغ عشرا لما روى. ثم نقل الرواية المذكورة في المتن وقال بعد ذلك : والمذهب الأول واستدل لذلك بحديث رفع القلم. وارجع الى نيل الأوطار ج 4 ص 211.


عمموا الحكم في الصبي والصبية فذكروهما معا ، وعللوه بأن المقتضي في الصبي موجود في الصبية. ولا يخلو من توقف إذ من الجائز اختصاص الحكم بالصبي خاصة كما لا يخفى.

واما البحث في كون صوم الصبي هنا شرعيا يستحق عليه الثواب أو تمرينيا فقد تقدم الكلام فيه في الموضع العاشر (1) من المطلب الأول.

بقي هنا شي‌ء وهو انه نقل في المختلف عن الشيخ في الخلاف انه قال : الصبي إذا نوى الصوم ثم بلغ في الأثناء وجب عليه الإمساك. ونقل عنه انه قال في كتاب الصلاة منه : إذا دخل في الصوم ثم بلغ أمسك بقية النهار تأديبا وليس عليه قضاء. ثم قال في المختلف : والوجه هو الثاني وهو اختيار ابن الجنيد وابن إدريس ، لنا ـ ان الصوم عبادة لا تقبل التجزئة وهو في أول النهار لم يكن مكلفا به فلا يقع التكليف به في باقيه.

احتج بأنه بالغ مكلف يصح منه الصوم وقد انعقد صومه شرعا في أول النهار فيجب عليه إتمامه. والجواب المنع من شرعية صومه وانعقاده. انتهى.

أقول : قد صرح جملة من الأصحاب بان من فروع الخلاف في صوم الصبي بأنه تمريني أو شرعي الاتصاف بالصحة والبطلان فيتصف على الثاني دون الأول ، وترتب الثواب وعدمه فيترتب على الثاني دون الأول ، والاجتزاء به لو بلغ في أثناء النهار فإنه ينوي الوجوب ويصح صومه على الثاني دون الأول.

والظاهر ان الشيخ في كتاب صوم الخلاف إنما صرح بوجوب الإمساك بناء على كون الصوم عنده شرعيا والعلامة لما كان مذهبه في المختلف انه تمريني ادعى منافاة أول اليوم لآخره وادعى انه في الأول غير مكلف فلا يقع التكليف به في باقيه. وفيه نظر قد أوضحناه في ما تقدم في الموضع المشار اليه آنفا ، مع انه في المنتهى اختار كون صومه صحيحا شرعيا فقال : ولا خلاف بين أهل العلم في شرعية ذلك. الى أن قال : فكان صومه ثابتا في نظر الشرع ، وإذا ثبت ذلك فان صومه

__________________

(1) ص 53 الموضع الحادي عشر.


صحيح شرعي ونيته صحيحة وينوي الندب لأنه الوجه الذي يقع عليه فعله فلا ينوي غيره. ثم نقل عن أبي حنيفة انه ليس بشرعي وإنما هو إمساك عن المفطرات للتأديب (1) قال : وفيه قوة.

وبالجملة فالأحوط في صورة البلوغ في أثناء اليوم لو كان صائما انه يتمه وجوبا وكذا في الصلاة ثم يأتي بهما بعد ذلك أيضا أداء أو قضاء.

الرابعة ـ البلوغ الذي يترتب عليه التكليف وجوبا بالصوم وغيره إنما يعلم بإنبات الشعر الخشن على العانة أو خروج المنى كيف كان يقظة أو نوما بجماع أو غير جماع ـ وهذا من ما يشترك فيه الذكور والإناث ـ والحيض أو الحبل بالنسبة الى النساء ، إلا ان هذين في الحقيقة إنما هما دليلان على سبق البلوغ وحصوله ، وقيل في الإنبات انه كذلك أيضا ، وقيل انه بنفسه دليل على البلوغ كالمني ـ والسن وبلوغ التسع بمعنى كمالها في الأنثى على المشهور ، ونقل عن الشيخ في كتاب الصوم من المبسوط بلوغ العشر مع انه في كتاب الحجر من الكتاب المذكور وافق المشهور ، وكذا نقل القول بالعشر عن ابن حمزة ، والخمس عشرة كذلك في الذكر على المشهور ، وعن ابن الجنيد بلوغ أربع عشرة سنة كما نقله عنه في المختلف ونقل عنه في المهذب انه من ثلاثة عشر إلى أربعة عشر. وفي المدارك انه لا خلاف في تحقق البلوغ بإكمال الخمس عشرة وإنما الخلاف في ما دونه فقيل بالاكتفاء ببلوغ أربع عشرة سنة ، وقيل بالاكتفاء بإتمام ثلاثة عشرة سنة والدخول في الرابعة عشرة.

وحيث كان ما عدا التحديد بالسن من ما وقع عليه الاتفاق فلا ضرورة في التطويل بذكر رواياته مع وجود ذلك في الأخبار التي نذكرها.

واما ما ورد بالتحديد بالسن فمنها ـ ما رواه في الكافي عن حمزة بن حمران

__________________

(1) لم أقف عليه في ما حضرني من كتبهم ، وفي البحر الرائق لابن نحيم الحنفي ج 2 ص 277 : واما البلوغ فليس من شرط الصحة لصحته من الصبي العاقل ولهذا يثاب عليه. كذا في البدائع.


عن حمران (1) قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام قلت له : متى يجب على الغلام ان يؤخذ بالحدود التامة وتقام عليه ويؤخذ بها؟ فقال : إذا خرج عنه اليتم وأدرك. قلت فلذلك حد يعرف به؟ فقال : إذا احتلم أو بلغ خمس عشرة سنة أو أشعر أو أنبت قبل ذلك أقيمت عليه الحدود التامة وأخذ بها وأخذت له. قلت : فالجارية متى تجب عليها الحدود التامة وتؤخذ بها وتؤخذ لها؟ قال : ان الجارية ليست مثل الغلام ان الجارية إذا تزوجت ودخل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم ودفع إليها مالها وجاز أمرها في الشراء والبيع وأقيمت عليها الحدود التامة وأخذ لها وبها. قال : والغلام لا يجوز أمره في الشراء والبيع ولا يخرج من اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة أو يحتلم أو يشعر أو ينبت قبل ذلك».

ورواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر (2) نقلا من كتاب المشيخة للحسن بن محبوب عن حمزة بن حمران عن ابى جعفر عليه‌السلام بغير واسطة حمران.

وعن يزيد الكناسي عن ابى جعفر عليه‌السلام (3) قال : «الجارية إذا بلغت تسع سنين ذهب عنها اليتم وزوجت وأقيمت عليها الحدود التامة عليها ولها».

والاخبار ببلوغ الجارية بالتسع كثيرة لا حاجة الى التطويل بنقلها ، واما القول بالعشر فلم أقف له على دليل وان وجد فهو شاذ مأول.

وفي الحسن على المشهور والصحيح عندي عن سليمان بن خالد عن ابى بصير عن ابى عبد الله عليه‌السلام (4) في حديث «في غلام صغير لم يدرك ابن عشر سنين زنى بامرأة محصنة؟ قال : لا ترجم لأن الذي زنى بها ليس بمدرك ولو كان مدركا رجمت».

وصحيحة معاوية بن وهب المتقدمة (5) المتضمنة لأنه يؤخذ الصبي بالصيام ما بينه وبين خمس عشرة سنة واربع عشرة سنة.

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 4 من مقدمة العبادات.

(4) الوسائل الباب 4 من مقدمة العبادات والباب 9 من حد الزنا.

(5) ص 178.


ورواية أبي حمزة الثمالي عن الباقر عليه‌السلام (1) قال : «قلت له : جعلت فداك في كم تجري الأحكام على الصبيان؟ قال : في ثلاث عشرة سنة أو أربع عشرة سنة. قلت : فان لم يحتلم فيها؟ قال : وان لم يحتلم فيها فإن الأحكام تجري عليه».

وصحيحة عبد الله بن سنان عن أبى عبد الله عليه‌السلام (2) قال : «إذا بلغ الغلام أشده ثلاث عشرة سنة ودخل في الأربع عشرة وجب عليه ما وجب على المحتلمين احتلم أو لم يحتلم وكتبت عليه السيئات وكتبت له الحسنات وجاز له كل شي‌ء إلا أن يكون ضعيفا أو سفيها».

والظاهر انه بظاهر هذين الخبرين أخذ ابن الجنيد ، وفي المختلف نقل حديث الثمالي حجة لابن الجنيد وطعن فيه بضعف السند.

وروى في الكافي والفقيه عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليه‌السلام (3) قال : «إذا بلغ الغلام ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنة وكتبت عليه السيئة وعوقب ، وإذا بلغت الجارية تسع سنين فكذلك وذلك انها تحيض لتسع سنين».

وروى في التهذيب في الموثق عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله عليه‌السلام (4) قال : «سأله أبى وأنا حاضر عن قول الله تعالى (حَتّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ) (5) قال : الاحتلام قال فقال يحتلم في ست عشرة وسبع عشرة سنة ونحوها. فقال إذا أتت عليه ثلاث عشرة سنة ونحوها؟ فقال لا إذا أتت عليه ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنات وكتبت عليه السيئات وجاز أمره إلا أن يكون سفيها أو ضعيفا. فقال وما السفيه؟ قال : الذي يشترى الدرهم بأضعافه. قال : وما الضعيف؟ قال الأبله».

وروى في الكافي والتهذيب عن عيسى بن زيد عن أبى عبد الله عليه‌السلام (6) قال :

__________________

(1) الوسائل الباب 45 من الوصايا.

(2 و 4 و 6) الوسائل الباب 44 من الوصايا.

(3) الوسائل الباب 44 من الوصايا. ولم تنقل الرواية عن الفقيه نعم وردت في التهذيب أيضا ج 9 ص 184.

(5) سورة الأحقاف الآية 15.


«قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : يثغر الصبي لسبع سنين ويؤمر بالصلاة لتسع ويفرق بينهم في المضاجع لعشر ويحتلم لأربع عشرة وينتهى طوله لإحدى وعشرين وينتهى عقله لثمان وعشرين إلا التجارب».

وروى في التهذيب في الموثق عن عمار بن موسى الساباطي عن أبى عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «سألته عن الغلام متى تجب عليه الصلاة؟ فقال : إذا أتى عليه ثلاث عشرة سنة فإذا احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة وجرى عليه القلم ، والجارية مثل ذلك إذا أتى لها ثلاث عشرة أو حاضت قبل ذلك فقد وجبت عليها الصلاة وجرى عليها القلم».

أقول : لا يخفى ما بين هذه الأخبار من التدافع في تعيين البلوغ بالسن بالنسبة إلى الغلام.

وقد وردت أيضا أخبار في باب الوصايات والعتق دالة على صحة وصية ابن عشر سنين وعتقه وصدقته مع رشده وتمييزه (2).

وجعلها صاحب المفاتيح دالة على البلوغ بالنسبة الى هذه الأشياء وجعل البلوغ مراتب باعتبار التكليفات.

والظاهر بعده فإنه ليس في شي‌ء منها ما يشير الى حصول البلوغ بذلك فضلا عن التصريح به ولا صرح بذلك أحد من أصحابنا ، والظاهر منها إنما هو إرادة بيان رفع الحجر عنه في أمور خاصة متى كان مميزا وان لم يكن بالغا.

وأكثر الأخبار التي ذكرناها دال على البلوغ بكمال ثلاث عشرة والدخول في الرابعة عشرة ، وهي دالة على ما ذهب اليه ابن الجنيد.

ويمكن ان يحمل الاختلاف في هذه الأخبار على اختلاف الناس في الفهم والذكاء وقوة العقل وقوة البدن ، ولذا ردد في رواية الثمالي «في ثلاث عشرة أو أربع عشرة».

__________________

(1) الوسائل الباب 4 من مقدمة العبادات.

(2) الوسائل الباب 15 من الوقوف والباب 44 من الوصايا والباب 56 من العتق.


وفي صحيحة معاوية بن وهب «خمس عشرة واربع عشرة». ولذا تراها أيضا اختلفت في الاحتلام ، فظاهر موثقة عبد الله بن سنان ان الاحتلام في ست عشرة وسبع عشرة ونحوهما ، وظاهر رواية عيسى بن زيد انه يحتلم لأربع عشرة ، وظاهر موثقة عمار انه يحتلم قبل ثلاث عشرة ، إلا انه لا يبعد أن يكون هذا من قبيل ما يقع في رواياته من التهافتات والغرائب كما يفهم منها أيضا من أن بلوغ الجارية إذا أتى لها ثلاث عشرة سنة مع استفاضة الأخبار واتفاق العلماء على انها تبلغ بتسع سنين أو عشر.

ولا يبعد عندي في الجمع بين الأخبار المذكورة حمل ما دل على البلوغ بخمس عشرة على الحدود والمعاملات كما هو مقتضى سياق رواية حمران وحمل ما دل على ما دون ذلك على العبادات ، ويحتمل خروج بعضها مخرج التقية إلا انه لا يحضرني الآن مذهب العامة (1) في هذه المسألة. وكيف كان فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال.

ثم انه لا يخفى ان ظاهر عبارات الأصحاب وظاهر الاخبار أيضا ان بلوغ الخمس عشرة موجب للبلوغ أعم من أن يكون بالدخول فيها أو بإتمامها ، إلا ان شيخنا الشهيد الثاني في المسالك قال : ويعتبر إكمال السنة الخامسة عشرة والتاسعة في الأنثى فلا يكفى الطعن فيها عملا بالاستصحاب وفتوى الأصحاب ، ولأن الداخل في السنة الأخيرة لا يسمى ابن خمس عشرة سنة لغة ولا عرفا. والاكتفاء بالطعن فيها وجه للشافعية (2) انتهى.

الخامسة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) عدم صحة الصوم الواجب من المسافر الذي يلزمه التقصير إلا في ما يأتي استثناؤه ، وحكى المحقق في المعتبر والعلامة في المختلف عن الشيخ المفيد قولا بجواز صوم ما عدا شهر رمضان

__________________

(1) في المحلى ج؟ ص 88 و 90 والمغني ج 4 ص 460 تحديد البلوغ في الذكر والأنثى بالخمس عشرة سنة الى التسع عشرة باختلاف الأقوال.

(2) لم أقف عليه في ما حضرني من كتبهم وفي المحلى ج 1 ص 90 والمهذب ج 1 ص 330 والفقه على المذاهب ج 2 ص 352 انه بإكمال خمس عشرة سنة عند الشافعي والشافعية.


من الواجبات في السفر ، والظاهر انه في غير المقنعة فإن مذهبه فيها مطابق للقول المشهور. ونقل عن على بن بابويه انه جوز صوم جزاء الصيد في السفر.

ويدل على القول المشهور وهو المعتمد المنصور الأخبار المستفيضة كصحيحة صفوان بن يحيى عن أبى الحسن عليه‌السلام (1) «انه سئل عن الرجل يسافر في شهر رمضان فيصوم؟ فقال : ليس من البر الصيام في السفر». والعبرة بعموم الجواب لا بخصوص السؤال.

وصحيحة عمار بن مروان عن أبى عبد الله عليه‌السلام (2) قال : «سمعته يقول من سافر قصر وأفطر إلا أن يكون رجلا سفره الى صيد أو في معصية الله أو رسولا لمن يعصى الله عزوجل أو في طلب شحناء أو سعاية أو ضرر على قوم مسلمين».

ورواية أبان بن تغلب عن أبى جعفر عليه‌السلام (3) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خيار أمتي الذين إذا سافروا أفطروا وقصروا وإذا أحسنوا استبشروا وإذا أساءوا استغفروا».

وموثقة محمد بن مسلم عن ابى عبد الله عليه‌السلام (4) «انه قال في من ظاهر في شعبان فلم يجد ما يعتق : ينتظر حتى يصوم رمضان ثم يصوم شهرين متتابعين. وان ظاهر وهو مسافر أفطر حتى يقدم».

وموثقة زرارة عن ابى عبد الله عليه‌السلام (5) قال : «سألته عن الظهار من الحرة

__________________

(1) التهذيب ج 4 ص 217 و 218 وفي الوسائل الباب 1 ممن يصح منه الصوم.

(2) الوسائل الباب 8 من صلاة المسافر.

(3) الوسائل الباب 1 ممن يصح منه الصوم.

(4) الوسائل الباب 4 من بقية الصوم الواجب.

(5) لم أقف على رواية لزرارة بهذا المضمون وانما الوارد بهذا المضمون ثلاث روايات لمحمد بن مسلم : إحداها ـ رواها في الفروع ج 2 ص 117 عن محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) ورواها في التهذيب ج 8 ص 17 عن الكليني وهي تشتمل على عدة اسئلة وفيها السؤال عن الظهار على الحرة والأمة ثم عن الظهار في شعبان لو لم يجد ما يعتق ثم


والأمة؟ قال نعم وان ظاهر وهو مسافر أفطر حتى يقدم وان صام فأصاب ما لا يملك فليقض الذي ابتدأ فيه».

وموثقته الأخرى (1) قال : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام ان أمي كانت جعلت عليها نذرا ان رد الله عليها بعض ولدها من شي‌ء كانت تخاف عليه أن تصوم ذلك اليوم الذي يقدم فيه ما بقيت ، فخرجت معنا مسافرة إلى مكة فأشكل علينا لمكان النذر أتصوم أم تفطر؟ فقال لا تصوم وضع الله عزوجل عنها حقه وتصوم هي ما جعلت على نفسها. قلت فما ترى إذا هي رجعت الى المنزل أتقضيه؟ قال لا ، قلت أفتترك ذلك؟ قال : لا لأني أخاف ان ترى في الذي نذرت فيه ما تكره».

والظاهر ان المراد من قوله عليه‌السلام «وتصوم هي ما جعلت على نفسها» يعنى من صوم مستحب تعتاده ، ففيه إشارة إلى جواز الصوم المستحب في السفر كما يأتي بيانه. وقوله : «أفتترك ذلك» يعنى تنقض أصل النذر وتترك صيامه بعد رجوعها الى المنزل.

وموثقة عمار (2) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يقول لله على أن أصوم شهرا أو أكثر من ذلك أو أقل فعرض له أمر لا بد له من أن يسافر أيصوم وهو مسافر؟ قال إذا سافر فليفطر لأنه لا يحل له الصوم في السفر فريضة

__________________

بيان حكم الظهار في السفر. ثانيها ـ رواها الشيخ في التهذيب ج 8 ص 322 عن محمد ابن مسلم عن أحدهما «ع» وهي تشتمل على حكم الظهار في شعبان لو لم يجد ما يعتق ثم حكم الظهار في السفر. ثالثها ـ رواها الشيخ في التهذيب ج 4 ص 232 عن محمد بن مسلم عن ابى عبد الله «ع» وهي تشتمل على السؤال عن الظهار على الحرة والأمة ثم الظهار في شعبان لو لم يجد ما يعتق ثم الظهار في السفر. وبذلك يظهر لك أن ما نسبه الى زرارة هو جزء من موثقة محمد بن مسلم المتقدمة بلحاظ كونه عن أبى عبد الله «ع» راجع الوافي باب (كفارة الظهار ما هي؟) والوسائل الباب 9 ممن يصح منه الصوم والباب 4 من بقية الصوم الواجب والباب 11 من الظهار والباب 4 و 5 من الكفارات.

(1 و 2) الوسائل الباب 10 ممن يصح منه الصوم.


كان أو غيره والصوم في السفر معصية».

ورواية على بن أبي حمزة عن أبي إبراهيم عليه‌السلام (1) قال : «سألته عن رجل جعل على نفسه صوم شهر بالكوفة وشهر بالمدينة وشهر بمكة من بلاء ابتلى به فقضى له انه صام بالكوفة شهرا ودخل المدينة فصام بها ثمانية عشر يوما ولم يقم عليه الجمال؟ فقال : يصوم ما بقي عليه إذا انتهى الى بلده».

ورواية عقبة بن خالد عن أبى عبد الله عليه‌السلام (2) «في رجل مرض في شهر رمضان فلما بري‌ء أراد الحج كيف يصنع بقضاء الصوم؟ قال : إذا رجع فليقضه».

ورواية سماعة (3) قال : «سألته عن الصيام في السفر فقال : لا صيام في السفر قد صام أناس على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فسماهم العصاة فلا صيام في السفر إلا الثلاثة الأيام التي قال الله عزوجل في الحج (4)».

ورواية محمد بن حكيم (5) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لو ان رجلا مات صائما في السفر ما صليت عليه».

وصحيحة زرارة عن ابى عبد الله عليه‌السلام (6) قال : «لم يكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصوم في السفر في شهر رمضان ولا غيره وكان يوم بدر في شهر رمضان وكان الفتح في شهر رمضان».

ورواية عبد الكريم بن عمرو (7) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام انى جعلت على نفسي أن أصوم حتى يقوم القائم عليه‌السلام؟ فقال : صم ولا تصم في السفر ولا العيدين

__________________

(1) الوسائل الباب 10 ممن يصح منه الصوم.

(2) الوسائل الباب 8 ممن يصح منه الصوم.

(3 و 6) الوسائل الباب 11 ممن يصح منه الصوم.

(4) وهو قوله تعالى في سورة البقرة الآية 193 (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ).

(5) الوسائل الباب 1 ممن يصح منه الصوم.

(7) الوسائل الباب 11 من بقية الصوم الواجب ، والراوي كرام ويروى عنه ابن ابى عمير.


ولا أيام التشريق ولا اليوم الذي تشك فيه من شهر رمضان».

أقول : لعل النهى عن صوم اليوم الذي يشك فيه بنية النذر محمول على الكراهة بل الأفضل صومه من شعبان ليكون مجزئا عن شهر رمضان متى ظهر كونه منه بخلاف ما إذا صامه بنية النذر فإنه يحتاج إلى قضائه لو ظهر كونه من شهر رمضان.

ورواية القاسم بن ابى القاسم الصيقل (1) قال : «كتبت اليه يا سيدي رجل نذر أن يصوم يوما من الجمعة دائما ما بقي فوافق ذلك اليوم عيد فطر أو أضحى أو أيام التشريق أو سفر أو مرض هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه أو كيف يصنع يا سيدي؟ فكتب اليه : قد وضع الله عنك الصيام في هذه الأيام كلها وتصوم يوما بدل يوم ان شاء الله تعالى».

وفي معناها صحيحة على بن مهزيار (2) قال : «كتب بندار مولى إدريس : يا سيدي نذرت أن أصوم كل يوم سبت فإن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفارة؟ فكتب عليه‌السلام وقرأته : لا تتركه إلا من علة وليس عليك صومه في سفر ولا مرض إلا أن تكون نويت ذلك. الحديث».

وصحيحة على بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام (3) قال : «سألته عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان وهو مسافر يقضي إذا أقام في المكان؟ قال : لا حتى يجمع على مقام عشرة أيام». الى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.

وإنما قيدنا في صدر المسألة عدم جواز الصوم بالمسافر الذي يلزمه التقصير لأن من ليس كذلك فحكمه حكم المقيم مثل كثير السفر والعاصي بسفره ومن نوى اقامة عشرة أيام في غير بلده أو مر بمنزل قد استوطنه أو مضى عليه ثلاثون يوما مترددا ، فإنه لا ريب في صحة الصوم من هؤلاء جميعا كما يجب عليهم إتمام الصلاة ولا خلاف فيه نصا وفتوى.

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 10 ممن يصح منه الصوم.

(3) الوسائل الباب 8 ممن يصح منه الصوم.


وفي صحيحة معاوية بن وهب عن الصادق عليه‌السلام (1) «هما ـ يعنى التقصير والإفطار ـ واحد : إذا قصرت أفطرت وإذا أفطرت قصرت». والكلام في ذلك قد تقدم مفصلا في كتاب الصلاة.

وقد استثنى الأصحاب من المنع من صوم الواجب في السفر مواضع :

أحدها ـ صوم ثلاثة أيام بدل الهدي لإطلاق قوله عزوجل «فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ» (2).

وخصوص صحيحة رفاعة بن موسى عن ابى عبد الله عليه‌السلام الواردة في صوم هذه الأيام (3) حيث قال فيها : «يصوم وهو مسافر؟ قال نعم أليس هو يوم عرفة مسافرا إنا أهل بيت نقول ذلك لقول الله عزوجل (فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ)» (4).

وموثقة الحسن بن الجهم (5) قال : «سألته عن رجل فاته صوم الثلاثة الأيام في الحج قال : من فاته صيام ثلاثة أيام في الحج ما لم يكن عمدا تاركا فإنه يصوم بمكة ما لم يخرج منها فان ابى جماله أن يقيم عليه فليصم في الطريق».

الى غير ذلك من الروايات الآتية ان شاء الله في محلها من كتاب الحج.

ونقل عن ابن ابى عقيل المنع من ذلك في السفر.

وثانيها ـ صوم ثمانية عشر يوما لمن أفاض من عرفات قبل الغروب عامدا وعجز عن الفداء وهو بدنة :

لما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن ضريس عن ابى جعفر عليه‌السلام (6) قال : «سألته عن رجل أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس؟ قال : عليه بدنة

__________________

(1) الوسائل الباب 15 من صلاة المسافر والباب 4 ممن يصح منه الصوم.

(2 و 4) سورة البقرة الآية 193.

(3) الوسائل الباب 46 من أبواب الذبح من كتاب الحج.

(5) الوسائل الباب 11 ممن يصح منه الصوم.

(6) الوسائل الباب 23 من إحرام الحج والوقوف بعرفة.


ينحرها يوم النحر فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في الطريق أو في اهله».

وثالثها ـ من نذر يوما معينا وشرط في نذره أن يصوم سفرا وحضرا ، وقد ذهب الشيخان وأتباعهما إلى أنه يصوم كذلك.

واستدل على ذلك بصحيحة على بن مهزيار المتقدمة (1) وقوله فيها : «وليس عليك صومه في سفر ولا مرض إلا أن تكون نويت ذلك».

ويشكل ذلك بما دلت عليه من صحة صوم النذر في المرض إذا نوى ذلك مع انه لا قائل به والأخبار المتقدمة في عدم جواز صوم المريض صريحة في رده.

والظاهر انه من أجل ذلك توقف المحقق في المعتبر فقال : ولمكان ضعف هذه الرواية جعلناه قولا مشهورا.

واعترضه السيد السند في المدارك والفاضل الخراساني في الذخيرة وغيرهما بأن الرواية صحيحة والإضمار الذي فيها غير ضائر وكذا جهالة الكاتب ، قال في الذخيرة بعد ذكر ذلك : وما أدري لأي سبب ضعفها المحقق؟

أقول : لا يخفى ان هذا الاصطلاح الذي نوعوا عليه الأخبار إنما وقع بعد عصر المحقق في زمن العلامة (رضوان الله عليه) أو شيخه أحمد بن طاوس وان كان قد تحدثوا به في زمانه كما يشير اليه كلامه في المعتبر إلا ان مراد المحقق كثيرا ـ كما يفهم من عباراته من وصف الضعيف السند بأنه حسن والصحيح السند بأنه ضعيف ـ إنما هو باعتبار المتن جريا على الاصطلاح القديم كما لا يخفى على من تأمل كلامه ، وقد أشرنا في مواضع من ما تقدم الى ذلك ، وهذه الرواية لما دلت على جواز صوم النذر في السفر إذا نوى ذلك في نذره ـ مع استفاضة الأخبار بالنهي عنه في السفر مطلقا كما سيأتي ان شاء الله تعالى ، ودلت على جواز صوم المريض كذلك مع الاتفاق نصا وفتوى على عدم جوازه ـ صار ذلك سببا في ضعفها وردها والتوقف فيها ، إلا ان الحكم اتفاقي عندهم ولا مخالف فيه ظاهرا إلا ما يظهر من كلام المحقق (قدس‌سره).

__________________

(1) ص 189.


ونقل العلامة في المختلف عن على بن بابويه في رسالته وابنه في مقنعه انهما استثنيا الصوم في كفارة صيد المحرم وصوم كفارة الإحلال من الإحرام ، قال وهو إشارة إلى بدل الهدى قال وان كان به أذى من رأسه (1) وصوم الاعتكاف. ثم نقل عنهما في مسألة الخلاف في صوم التطوع في السفر انهما قالا : لا يصوم في السفر تطوعا ولا فرضا واستثنى من التطوع صوم ثلاثة أيام للحاجة في مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وصوم الاعتكاف في المساجد الأربعة.

وأنت خبير بان ما نقله عن ابني بابويه هنا فهو مأخوذ من كتاب الفقه الرضوي حيث قال (عليه‌السلام) (2) ولا يصوم في السفر شيئا من صوم الفرض ولا السنة ولا تطوع إلا الصوم الذي ذكرناه في أول الباب من صوم كفارة صيد الحرم وصوم كفارة الإحلال في الإحرام ان كان به أذى من رأسه وصوم ثلاثة أيام لطلب الحاجة عند قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يوم الأربعاء والخميس والجمعة وصوم الاعتكاف في المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ومسجد الكوفة ومسجد المدائن. انتهى.

ومنه يعلم ان مستند الحكم المذكور عندهما إنما هو الكتاب المشار اليه وان من توهم عدم المستند لهما فهو ليس في محله.

ونقل عن السيد المرتضى (رضي‌الله‌عنه) انه استثنى من الصوم الواجب الممنوع في السفر مطلق الصوم المنذور إذا علق بوقت معين فاتفق في السفر.

ويدل عليه ما رواه الشيخ عن إبراهيم بن عبد الحميد عن ابى الحسن (عليه‌السلام) (3) قال : «سألته عن الرجل يجعل لله عليه صوم يوم مسمى؟ قال : يصومه أبدا في السفر والحضر».

والرواية مع ضعفها معارضة بما هو أصح وأصرح منها من ما دل على عدم الجواز في السفر عموما وخصوصا كما تقدم ، ومن الثاني موثقة زرارة المتقدمة

__________________

(1) سورة البقرة الآية 193 (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ).

(2) ص 26.

(3) الوسائل الباب 10 ممن يصح منه الصوم.


ورواية الصيقل وصحيحة على بن مهزيار المتقدمات (1) والشيخ حمل هذه الرواية على من نذر يوما وشرط على نفسه أن يصومه في السفر والحضر واستدل على ذلك بصحيحة على بن مهزيار المتقدمة (2).

وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال والأحوط أن لا يتعرض لإيقاع النذر على هذا الوجه.

السادسة ـ لو نذر يوما معينا فاتفق أحد العيدين أو أيام التشريق في منى لم يصح صومه.

وهل يجب عليه قضاؤه أم لا؟ قولان أولهما للشيخ في النهاية وموضع من المبسوط وابن حمزة ونقل عن الصدوق ايضا ، والثاني للشيخ أيضا في موضع آخر من المبسوط واختاره ابن البراج وأبو الصلاح وابن إدريس والمحقق في الشرائع والعلامة في المختلف ، وظاهر الشهيد في الدروس التوقف في ذلك حيث قال بعد ذكر تحريم صوم هذه الأيام : ولو وافقت نذره لم يصمها وفي صيام بدلها قولان أحوطهما الوجوب.

ويدل على وجوب القضاء ما تقدم في سابق هذه المسألة من رواية الصيقل (3) وصحيحة على بن مهزيار (4) قال : «كتبت اليه يا سيدي رجل نذر ان يصوم يوما من الجمعة دائما ما بقي فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحى أو أيام التشريق أو سفرا أو مرضا هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه أو كيف يصنع يا سيدي؟ فكتب (عليه‌السلام) اليه : قد وضع الله الصيام في هذه الأيام كلها ويصوم يوما بدل يوم ان شاء الله تعالى».

وهذه الرواية قد رواها السيد السند في المدارك بطريق صحيح عن محمد بن يعقوب وزاد فيها بعد قوله «أو أضحى» «أو يوم جمعة» ثم طعن فيها باشتمالها على

__________________

(1 و 2 و 3) ص 187 و 189.

(4) الوسائل الباب 10 من كتاب النذر والعهد. والمكتوب اليه هو أبو الحسن (ع).


ما أجمع الأصحاب على خلافه من مساواة يوم الجمعة ليومي العيدين في تحريم الصوم. وهذه الزيادة إنما هي في رواية التهذيب (1) لا في رواية الكافي (2) مع ان الشيخ في التهذيب (3) أيضا قد روى هذا المتن بعينه عن القاسم بن ابى القاسم الصيقل عنه (عليه‌السلام) بغير هذه الزيادة كما قدمناه (4) والظاهر ان هذه الزيادة انما هي سهو من قلم الشيخ أو النساخ. واما الرواية الأولى فردها بضعف السند من حيث جهالة الكاتب والمكتوب اليه. ثم نقل عن فخر المحققين بأنه أجاب عن الروايتين بالحمل على الاستحباب لأن القضاء لو كان واجبا لم يعلقه بالمشيئة بلفظ «ان» لان «أن» تختص بالمحتمل لا المتحقق. ثم رده بأنه ضعيف إذ من المعلوم ان هذا التعليق للتبرك لا للشك مع ان المندوب مساو للواجب في مشيئة الله تعالى. ثم قال : والمسألة محل تردد ولا ريب ان القضاء أولى وأحوط.

والعلامة في المختلف بعد أن اختار عدم وجوب القضاء كما قدمنا نقله عنه ـ قال : لنا ـ انه نذر صوم زمان لا ينعقد صومه فلا ينعقد نذره كما لو نذر صوم الليل ولم يعلم به. ولأن صوم العيد حرام فلا يقع قربة فلا يصح نذره ووجوب القضاء تابع للأداء. ثم نقل عن الشيخ انه احتج على وجوب القضاء برواية القاسم ابن أبى القاسم الصيقل ثم ساق الرواية. واستدل له أيضا بأنه نذر صوما على وجه الطاعة ظاهرا ولم يسلم له الزمان فكان عليه القضاء لانعقاد نذره كالمسافر. ثم أجاب عن الرواية بأنه لا يحضرني الآن حال رواتها ومع ذلك فهي مرسلة ولا تدل على المطلوب لاحتمال أن يكون الأمر بالقضاء متوجها الى المريض والمسافر أو يكون للاستحباب ولا نزاع فيه. ثم قال : ونمنع كون النذر منعقدا لأنه تناول ما لا يصح صومه وكان كما لو نذر الليل جاهلا به ، والفرق بينه وبين المسافر ظاهر لأن العيد زمان لا يقع فيه الصوم البتة وزمان السفر يصح فيه الصوم منه مع التقييد

__________________

(1) ج 8 ص 305.

(2) ج 2 ص 373.

(3) ج 4 ص 234.

(4) ص 189.


بالسفر ومن غيره من المقيمين فلهذا وجب قضاؤه لأن إفطاره ليس باعتبار عدم قبول الزمان إيقاع الصوم فيه بل للإرفاق بالمسافر. انتهى.

أقول : لا يخفى ما في هذه التعليلات العليلة سيما في مقابلة الاخبار خصوصا مع صحة السند في بعضها.

وقال في المنتهى : لو نذر صوم يوم بعينه فظهر انه العيد أفطر إجماعا ، وهل يجب عليه قضاؤه أم لا؟ فيه تردد أقربه عدم الوجوب ، لنا ـ انه زمان لا يصح صومه فلا يتعلق النذر به ولا أثر للجهالة لأنه لا يخرج بذلك عن كونه عيدا ، وإذا لم يجب الأداء سقط القضاء : اما أولا ـ فلأنه إنما يجب بأمر جديد ولم يوجد. واما ثانيا ـ فلأنه يتبع وجوب الأداء والمتبوع منتف فيكون منتفيا. انتهى.

والجواب الحق ان أصل النذر لم يتعلق بالعيد وان اتفق كونه كذلك واقعا والمبطل إنما هو الأول فإن الأحكام الشرعية إنما تبنى على الظاهر لا الواقع ، فقوله ـ انه لا أثر للجهالة لأنه لا يخرج بذلك عن كونه عيدا ـ ممنوع أشد المنع لما ذكرناه وغاية ما يلزم من ذلك عدم جواز الصوم بعد اتفاق كونه يوم عيد وهو لا نزاع فيه إذا الكلام إنما هو في وجوب القضاء. وقوله ـ فلأنه إنما يجب بأمر جديد ـ صحيح والأمر موجود في الروايتين المتقدمتين. واما قوله ـ انه يتبع وجوب الأداء ـ فهو مناف لما ذكره أولا من قوله انه لا يجب إلا بأمر جديد. وهو من مثله (قدس‌سره) بعيد فان القول بتوقف القضاء على أمر جديد ولا تعلق له بالأداء مقابل للقول بكون القضاء تابعا للأداء بمعنى انه متى انتفى الأداء انتفى القضاء. اللهمّ إلا أن يكون مراده هنا سقوط القضاء على كلا القولين.

قال شيخنا الشهيد الثاني في كتاب النذر من المسالك بعد أن أورد صحيحة على بن مهزيار حجة للشيخ ومن تبعه واستدل لهم أيضا بأن اليوم المعين من الأسبوع كيوم الاثنين مثلا قد يتفق فيه العيد وقد لا يتفق فيتناوله النذر. الى أن قال : وأجيب عن الرواية بحملها على الاستحباب لأنه لو كان واجبا لم يعلقه بالمشيئة


بلفظ «ان» لان «أن» مختص بالمحتمل لا بالمتحقق. ثم قال : وفيه نظر لأن من جملة المسؤول عنه ما يجب قضاؤه قطعا وهو أيام السفر والمرض والمشيئة كثيرا ما تقع في كلامهم (صلوات الله عليهم) للتبرك. وهو اللائق بمقام الجواب عن الحكم الشرعي. انتهى. وهو مؤيد لما ذكرناه وظاهر في ما اخترناه.

وكيف كان فإنه مع وجود الروايتين المذكورتين وصراحتهما في وجوب القضاء سيما مع صحة إحداهما وعدم وجود المعارض فلا مجال للخروج عن ما دلتا عليه

نعم يبقى الإشكال في انهما قد دلتا على وجوب القضاء مع اتفاق السفر في ذلك اليوم.

ومثلهما في ذلك ما رواه في الكافي عن ابن جندب (1) قال : «سأل عباد بن ميمون وانا حاضر عن رجل جعل على نفسه نذر صوم وأراد الخروج في الحج فقال ابن جندب سمعت من رواه عن ابى عبد الله عليه‌السلام انه سأله عن رجل جعل على نفسه صوم يوم يصومه فحضرته نية في زيارة أبى عبد الله عليه‌السلام قال : يخرج ولا يصوم في الطريق فإذا رجع قضى ذلك».

وروى هذه الرواية في التهذيب عن ابن جندب (2) قال : «سأل أبا عبد الله عليه‌السلام ميمون وأنا حاضر. الى آخره.

وظاهر كلام العلامة في المختلف انه لا نزاع في وجوب القضاء هنا ، وبه صرح شيخنا الشهيد الثاني في المسالك في كتاب النذر كما سمعته من عبارته المتقدمة ، ومثله سبطه السيد السند في شرح النافع حيث صرح في شرح قول المصنف (قدس‌سره) ـ لو نذر يوما معينا فاتفق السفر أفطر وقضاه وكذا لو مرض أو حاضت المرأة أو نفست ـ بما صورته بعد كلام في المقام : واما وجوب القضاء فمقطوع به في كلام الأصحاب ولم نقف على مستند سوى ما رواه الكليني. ثم ذكر رواية على ابن مهزيار (3) بطريق فيه محمد بن جعفر الرزاز ثم طعن فيها به حيث انه غير

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 10 ممن يصح منه الصوم. ارجع الى لاستدراكات.

(3) ص 193.


موثق وطعن في متنها بما تقدم عنه في كتاب الصوم.

وبالجملة فإن الظاهر هو العمل بالروايتين المتقدمتين في وجوب القضاء في المواضع التي اشتملتا عليها من كون ذلك العيدين أو السفر أو المرض ، والأصحاب إنما اختلفوا في ما لو اتفق في العيدين وظاهرهم الاتفاق على وجوب القضاء في السفر والمرض وهو في المرض من ما لا اشكال فيه حيث لم يرد لهما معارض في ذلك وانما الإشكال في السفر لما تقدم في موثقة زرارة الثانية من ما هو صريح في عدم وجوب القضاء.

ومثلها أيضا ما رواه الكليني والشيخ عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن أبى عبد الله عن آبائه (عليهم‌السلام) (1) «في الرجل يجعل على نفسه أياما معدودة مسماة في كل شهر ثم يسافر فتمر به الشهور : انه لا يصوم في السفر ولا يقضيها إذا شهد».

ولعل الترجيح للروايتين المتقدمتين لاعتضادهما بعمل الأصحاب مع إمكان التأويل في هذين الخبرين.

السابعة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في صيام التطوع في السفر فقال الشيخ المفيد (قدس الله روحه) لا يجوز ذلك إلا ثلاثة أيام للحاجة عند قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو في مشهد من مشاهد الأئمة (عليهم‌السلام) قال (2) وقد روى حديث في جواز التطوع في السفر بالصيام (3) وجاءت أخبار بكراهة ذلك وانه ليس من البر الصيام في السفر (4). وهي أكثر وعليها العمل عند فقهاء العصابة ، فمن أخذ بالحديث لم يأثم إذا أخذ به من جهة الاتباع ومن عمل على أكثر الروايات واعتمد على المشهور منها في اجتناب الصوم في السفر على وجه سوى ما عددناه كان أولى بالحق.

__________________

(1) الوسائل الباب 10 ممن يصح منه الصوم.

(2 و 4) الوسائل الباب 12 ممن يصح منه الصوم.

(3) سيأتي ص 199.


وقال الشيخ : يكره صيام النوافل في السفر على كل حال وقد وردت رواية في جواز ذلك (1) فمن عمل بها لم يكن مأثوما إلا ان الأحوط ما قدمناه.

وقال السيد المرتضى (رضي‌الله‌عنه) في الجمل : قد اختلفت الرواية في كراهة صوم التطوع في السفر وجوازه. ولم يتعرض فيه لفتوى.

وقال ابنا بابويه : لا يصوم في السفر تطوعا ولا فرضا ، واستثنى من التطوع صوم ثلاثة أيام للحاجة في مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وصوم الاعتكاف في المساجد الأربعة

وقال سلار : ولا يصوم المسافر تطوعا ولا فرضا إلا ثلاثة أيام بدل المتعة وصوم يوم النذر إذا علقه بوقت الحضر والسفر وصوم ثلاثة أيام للحاجة ، وقد روى جواز صوم التطوع في السفر (2).

وقال ابن حمزة : صيام النفل في السفر ضربان : مستحب وهو ثلاثة أيام للحاجة عند قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وجائز وهو ما عدا ذلك ، وروى كراهة صوم النافلة في السفر (3) والأول أثبت.

وهذه الأقوال كما ترى دائرة بين الجواز من غير كراهة وهو قول ابن حمزة وبين الجواز على الكراهة وهو المشهور وبين التحريم إلا ما استثنى وهو قول الصدوقين.

والى القول بالتحريم يميل كلام السيد السند في المدارك حيث قال بعد نقل جملة من الأقوال في المسألة ما لفظه : والأصح المنع من التطوع مطلقا إلا ثلاثة أيام للحاجة عند قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله. ثم أورد جملة من الأخبار الصحاح المتقدمة الدالة على ذلك بإطلاقها مثل صحيحة صفوان بن يحيى وصحيحة عمار بن مروان وصحيحة زرارة (4) وصحيحة أحمد بن محمد (5) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الصيام

__________________

(1 و 2) ستأتي ص 199.

(3 و 5) الوسائل الباب 12 ممن يصح منه الصوم.

(4) ص 186 و 188.


بمكة والمدينة ونحن في سفر؟ فقال فريضة؟ فقلت لا ولكنه تطوع كما يتطوع بالصلاة. فقال تقول اليوم وغدا؟ قلت نعم. فقال : لا تصم». ثم قال : قال الشيخ (قدس‌سره) في التهذيب بعد أن أورد هذه الروايات : ولو خلينا وظاهر هذه الأخبار لقلنا ان صوم التطوع في السفر محظور كما ان صوم الفريضة محظور غير انه قد ورد فيه من الرخصة ما نقلنا عن الحظر إلى الكراهة. ثم أورد في ذلك روايتين أحدهما بطريق فيه عدة من الضعفاء والمجاهيل عن إسماعيل بن سهل عن رجل عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «خرج أبو عبد الله عليه‌السلام من المدينة في أيام بقين من شعبان وكان يصوم ثم دخل عليه شهر رمضان وهو في السفر فأفطر فقيل له أتصوم شعبان وتفطر شهر رمضان؟ فقال نعم شعبان الي ان شئت صمته وان شئت لا وشهر رمضان عزم من الله عزوجل على الإفطار». والثانية رواها بطريق ضعيف جدا عن الحسن بن بسام الجمال عن رجل (2) قال : «كنت مع ابى عبد الله عليه‌السلام في ما بين مكة والمدينة في شعبان وهو صائم ثم رأينا هلال شهر رمضان فأفطر فقلت له جعلت فداك أمس كان من شعبان وأنت صائم واليوم من شهر رمضان وأنت مفطر؟ فقال ان ذلك تطوع ولنا أن نفعل ما شئنا وهذا فرض وليس لنا ان نفعل إلا ما أمرنا». ثم قال : ولا يخفى ان الخروج عن مقتضى الأخبار الصحيحة المستفيضة بهاتين الروايتين الضعيفتين غير جيد.

أقول : لا يخفى ان كلامه هذا إنما يتجه بناء على ثبوت هذا الاصطلاح المحدث وصحته واما من لا يرى العمل به كاصحابنا المتقدمين وجملة من المتأخرين فلا معنى له لأنهم يحكمون بصحة الأخبار كملا والضعف عندهم ليس باعتبار الأسانيد وإنما هو باعتبار متون الأخبار ومضامينها متى خالفت السنة المستفيضة أو القواعد المقررة أو القرآن أو نحو ذلك من الوجوه التي قرروها ، ولهذا ترى الشيخين وغيرهما من المتقدمين تفادوا من طرح هذه الأخبار بحمل تلك الاخبار على الكراهة وهو

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 12 ممن يصح منه الصوم.


المشهور أيضا بين المتأخرين ، على أن ما دل على الجواز ليس منحصرا في هذين الخبرين بل هو ظاهر

موثقة زرارة المتقدمة (1) لقوله عليه‌السلام : «لا تصوم وضع الله عزوجل عنها حقه وتصوم هي ما جعلت على نفسها».

فإنه منعها عن صوم النذر الذي هو حق الله عزوجل ورخص لها في صيام المستحب وهو ما جعلته على نفسها

وروى الشيخ في الصحيح عن سليمان الجعفري (2) قال : «سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول كان ابى عليه‌السلام يصوم يوم عرفة في اليوم الحار في الموقف ويأمر بظل مرتفع فيضرب له فيغتسل من ما يبلغ منه من الحر».

ومن الاخبار الصريحة في المنع من الصوم المستحب موثقة عمار المتقدمة (3) لقوله عليه‌السلام فيها «إذا سافر فليفطر لأنه لا يحل له الصوم في السفر فريضة كان أو غيره والصوم في السفر معصية». ونحوها صحيحة زرارة المتقدمة (4).

ونقل الفضل بن الحسن الطبرسي في كتاب مجمع البيان (5) قال روى العياشي بإسناده عن محمد بن مسلم عن ابى عبد الله عليه‌السلام قال : لم يكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصوم في السفر تطوعا ولا فريضة.

بقي الكلام في أن الجمع بين هذه الأخبار بحمل اخبار التحريم على الكراهة كما ذكروه مشكل بما قدمنا ذكره في غير موضع من أن حمل اللفظ الدال على التحريم على الكراهة وإخراجه عن حقيقته مجاز لا يصار اليه إلا مع القرينة ووجود المعارض من الأخبار ليس قرينة على ذلك. وأيضا فإن الكراهة حكم شرعي لا يثبت إلا بالدليل الواضح واختلاف الاخبار ليس بدليل على ذلك. ولعل اخبار الجواز إنما خرجت مخرج التقية كما هو الغالب في اختلاف الأخبار ، فإن ذلك هو المناسب لمذهب العامة (6) حيث ان أخبار المنع معتضدة بعمل الطائفة قديما وحديثا مع

__________________

(1 و 3) ص 187.

(2) الوسائل الباب 23 من الصوم المندوب.

(4) ص 188.

(5) الوسائل الباب 12 ممن يصح منه الصوم.

(6) لتجويزهم الصوم الواجب في السفر ، ارجع الى المغني ج 3 ص 149.


صحتها وصراحتها وبعدها عن مذهب العامة ، وهو من ما يؤذن بكون ذلك مذهب أهل البيت (عليهم‌السلام). وكيف كان فطريق الاحتياط واضح.

واما ما يدل على استثناء صوم ثلاثة أيام للحاجة بالمدينة فهو ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «ان كان لك مقام بالمدينة ثلاثة أيام صمت أول يوم الأربعاء ، وتصلى ليلة الأربعاء عند أسطوانة أبي لبابة وهي أسطوانة التوبة التي كان ربط نفسه إليها حتى نزل عذره من السماء وتقعد عندها يوم الأربعاء ، ثم تأتي ليلة الخميس التي تليها من ما يلي مقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ليلتك ويومك ، وتصوم يوم الخميس ، ثم تأتي الأسطوانة التي تلي مقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومصلاه ليلة الجمعة فتصلي عندها ليلتك ويومك ، وتصوم يوم الجمعة ، وان استطعت ان لا تتكلم بشي‌ء في هذه الأيام إلا ما لا بد لك منه ولا تخرج من المسجد إلا لحاجة ولا تنام في ليل ولا نهار فافعل فان ذلك من ما يعد فيه الفضل ، ثم احمد الله في يوم الجمعة وأثن عليه وصل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وسل حاجتك ، وليكن في ما تقول «اللهم ما كانت لي إليك من حاجة شرعت أنا في طلبها والتماسها أو لم أشرع سألتكها أو لم أسألكها فإني أتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة صلى‌الله‌عليه‌وآله في قضاء حوائجي صغيرها وكبيرها» فإنك حرى ان تقضى حاجتك ان شاء الله تعالى».

الثامنة ـ قد ورد في الأخبار ـ وبه صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) ـ المنع من صيام التطوع للزوجة إلا بإذن زوجها والعبد إلا بإذن سيده والولد إلا بإذن والده والضيف إلا بإذن مضيفه ، وهل ذلك على وجه التحريم في الجميع أو الكراهة في بعض والتحريم في بعض؟ قولان ، وورد أيضا كراهة الصوم لمن دعي إلى طعام.

وتفصيل ذلك يقع في مواضع خمسة : الأول ـ في حكم الضيف والمشهور هو الكراهة وهو مذهب العلامة في المنتهى وجملة من كتبه والمحقق في الشرائع ، وزاد فيها ان الأظهر انه لا ينعقد مع النهى. وذهب في المعتبر والنافع إلى انه غير

__________________

(1) الوسائل الباب 12 ممن يصح منه الصوم والباب 11 من المزار.


صحيح ، والى ذلك ذهب العلامة في الإرشاد.

ومن الأخبار الواردة في ذلك رواية الزهري ورواية كتاب الفقه الرضوي المتقدم نقلهما في أول الكتاب (1) وقولهما (عليهما‌السلام) فيهما : «واما صوم الإذن فالمرأة لا تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها والعبد لا يصوم تطوعا إلا بإذن مولاه والضيف لا يصوم تطوعا إلا بإذن صاحب البيت ، فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من نزل على قوم فلا يصومن تطوعا إلا بإذنهم».

وفي وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلى عليه‌السلام المروية في آخر كتاب الفقيه (2) «ولا يصوم الضيف تطوعا إلا بإذن صاحبه».

ومنها ـ رواية هشام بن الحكم عن ابى عبد الله عليه‌السلام (3) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من فقه الضيف أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن صاحبه ، ومن طاعة المرأة لزوجها أن لا تصوم تطوعا إلا باذنه وامره ، ومن صلاح العبد وطاعته ونصحه لمولاه أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن مولاه وأمره ، ومن بر الولد بابويه أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن أبويه وأمرهما ، وإلا كان الضيف جاهلا وكانت المرأة عاصية وكان العبد فاسقا عاصيا وكان الولد عاقا».

ومنها ـ ما رواه في الكافي بسنده عن الفضيل بن يسار ـ ورواه في الفقيه عن الفضيل بن يسار وطريقه إليه قوي ـ عن ابى جعفر عليه‌السلام (4) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا دخل رجل بلدة فهو ضيف على من بها من أهل دينه حتى يرحل عنهم ، ولا ينبغي للضيف أن يصوم إلا بإذنهم لئلا يعملوا الشي‌ء فيفسد عليهم ، ولا ينبغي لهم أن يصوموا إلا بإذن الضيف لئلا يحتشمهم فيشتهي الطعام فيتركه لهم».

احتج من قال بالكراهة بأن غاية ما تدل عليه رواية هشام هو ان الضيف

__________________

(1) ص 6.

(2 و 3) الوسائل الباب 10 من الصوم المحرم والمكروه.

(4) الوسائل الباب 9 من الصوم المحرم والمكروه.


متى صام كان جاهلا والجهل يتحقق بفعل المكروه فلا يدل على التحريم. واما رواية الفضيل فغاية ما تدل عليه انه لا ينبغي له الصوم إلا بإذنهم ولفظ «لا ينبغي» ظاهر في الكراهة.

ونقل في المدارك عن المحقق في المعتبر انه استدل على التحريم برواية الزهري ثم رده بضعف الرواية ، قال : وهذه الرواية ضعيفة السند جدا فلا تنهض حجة في إثبات التحريم.

أقول : والحق ان روايتي الزهري وكتاب الفقه الرضوي ظاهرتا الدلالة في التحريم ، ولفظ «لا ينبغي» في رواية الفضيل وان كان ظاهرا في الكراهة بالنظر الى عرف الناس إلا ان هذا اللفظ في الاخبار من ما تكاثر استعماله في التحريم على وجه لا يكاد يحيط به العد ، وقد حققنا في غير موضع من زبرنا انه من الألفاظ المشتركة في الاخبار بين التحريم والكراهة بالمعنى العرفي وانه لا يحمل على أحدهما إلا مع القرينة. واما نسبة الضيف الى الجهل بصيامه بغير اذن فهو محتمل للأمرين

وبالجملة فالقول بالتحريم لا يخلو من ظهور وهو ظاهر المحدث الكاشاني في الوافي كما يفهم من عنوانه الباب ، حيث قال : «باب من لا يجوز له صيام التطوع» ثم نقل اخبار الضيف في جملة أخبار الباب إلا انه في المفاتيح صرح بالكراهة فعده في ما يكره من الصيام ، وهو منه غريب.

الثاني ـ في حكم الولد والمشهور الكراهة وبه صرح في المفاتيح ايضا مع نقله اخبار الولد في الباب الذي عنونه في الوافي بما عرفت ، وذهب المحقق في النافع الى عدم الصحة وهو مذهب العلامة في الإرشاد واستقر به الشهيد في الدروس ، وهو المختار في المسألة لتصريح رواية هشام بعقوقه لو وقع بغير إذنهما والعقوق محرم بلا خلاف ولا إشكال.

وجملة من متأخري المتأخرين إنما صاروا إلى الكراهة مع اعترافهم بدلالة الرواية المذكورة على التحريم من جهة الطعن في سندها بناء على هذا الاصطلاح


مع انها مروية في الكافي (1) والفقيه (2) وقد رواها في الفقيه عن نشيط بن صالح عن هشام بن الحكم ، قال في الذخيرة : وطريقه إليه في المشيخة غير مذكور وكأنه من كتابه فيكون صحيحا. انتهى.

وصريح الخبر المذكور التوقف على اذن الوالدين فيجب العمل بما دل عليه لعدم المعارض في البين.

وهذا الخبر أيضا رواه الصدوق في العلل (3) عن أبيه عن احمد بن إدريس عن محمد بن احمد عن احمد بن هلال عن مروك بن عبيد عن نشيط بن صالح عن هشام كما تقدم ، وفيه : «ومن بر الولد ان لا يصوم تطوعا ولا يحج تطوعا ولا يصلى تطوعا إلا بإذن أبويه وأمرهما. ثم ساق الخبر الى أن قال : وكان الولد عاقا قاطعا للرحم». إلا ان الصدوق قال بعد نقله : قال محمد بن على مؤلف هذا الكتاب جاء هذا الخبر هكذا : «ولكن ليس للوالدين على الولد طاعة في ترك الحج تطوعا كان أو فريضة ولا في ترك الصلاة ولا في ترك الصوم تطوعا كان أو فريضة ولا في شي‌ء من ترك الطاعات» وظاهره حمل ذلك على الكراهة دون التحريم كما هو المشهور.

الثالث ـ في حكم العبد والظاهر انه لا خلاف في توقف صحة صومه على اذن سيده كما نقله في المنتهى ، قال : لأنه مملوك له لا يصح له التصرف في نفسه ولا يملك منافعه. ثم قال : ولا فرق بين كون المولى حاضرا أو غائبا.

وقد تقدم ما يدل على ذلك في حديثي الزهري وكتاب الفقه الرضوي (4) وكذا رواية هشام.

وروى الصدوق في الفقيه (5) في وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلى عليه‌السلام : «يا على لا تصوم المرأة تطوعا إلا بإذن زوجها ولا يصوم العبد تطوعا إلا بإذن مولاه ولا يصوم الضيف تطوعا إلا بإذن صاحبه».

__________________

(1) الفروع ج 1 ص 204.

(2) ج 2 ص 99.

(3 و 5) الوسائل الباب 10 من الصوم المحرم والمكروه.

(4) ص 6.


والعجب من صاحب الوسائل انه عنوان الباب الذي أورد فيه هذه الأخبار بالكراهة فقال : (باب كراهة صوم العبد والولد تطوعا بغير اذن السيد والوالدين) (1) مع ما عرفت من عدم الخلاف في التحريم هنا ودلالة الأخبار عليه وهو من جملة غفلاته التي وقعت له في هذا الكتاب.

الرابع ـ الزوجة والظاهر انه لا خلاف في توقف صحة صومها على اذن الزوج كما نقله في المعتبر فقال انه موضع وفاق.

ويدل عليه الأخبار المتقدمة وما رواه في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه‌السلام (2) قال : «قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ليس للمرأة أن تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها».

ورواية القاسم بن عروة عن بعض أصحابه عن ابى عبد الله عليه‌السلام (3) قال : قال «لا يصلح للمرأة أن تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها».

وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن ابى جعفر عليه‌السلام (4) قال : «جاءت امرأة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما حق الزوج على المرأة؟ فقال : أن تطيعه ولا تعصيه ولا تصدق من بيته إلا باذنه ولا تصوم تطوعا إلا بإذنه. الحديث».

إلا أنه قد روى على بن جعفر في كتابه عن أخيه عليه‌السلام (5) قال : «سألته عن المرأة إلها أن تخرج بغير اذن زوجها؟ قال لا. قال : وسألته عن المرأة إلها أن تصوم بغير اذن زوجها؟ قال : لا بأس». وظاهرها كما ترى جواز الصوم ندبا بغير اذنه ، ولعله محمول على الصوم الواجب جمعا بينه وبين ما دل من الأخبار المذكورة على النهى.

وصاحب الوسائل قد اختار هنا الكراهة أيضا والظاهر انه جعلها وجه

__________________

(1) الوسائل الباب 10 من الصوم المحرم والمكروه.

(2 و 3 و 4) الوسائل الباب 8 من الصوم المحرم والمكروه.

(5) الوسائل الباب 79 من مقدمات النكاح والباب 8 من الصوم المحرم والمكروه.


جمع بين رواية على بن جعفر المذكورة وبين الأخبار المتقدمة ، وقد عرفت غير مرة ما في هذا الجمع بين الأخبار وان كان بالغا بينهم في الاشتهار الى حد لا يقبل عندهم الإنكار إلا انه من قبيل «رب مشهور لا أصل له ورب متأصل ليس بمشهور»

والوجه في الجمع إنما هو ما ذكرناه من حمل الرواية على الصوم الواجب فان الروايات المتقدمة صريحة أو كالصريحة في التحريم ، ويؤيده أيضا ما صرح به الأصحاب من ان منافع الاستمتاع بالزوجة مملوكة للزوج فلا يجوز لها أن تعرض نفسها للتصرف بما يمنعه.

وإطلاق النصوص وكلام الأصحاب يقتضي انه لا فرق في الزوجة بين الدائم ولا المتمتع بها ولا في الزوج بين الحاضر والغائب ، ونقلوا عن الشافعي اشتراط حضوره (1) وردوه بإطلاق النصوص.

الخامس ـ المدعو الى الطعام والظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في استحباب إفطاره وان الأفضل له عدم الاعلام بصومه.

ويدل على ذلك ما رواه الصدوق في الصحيح عن جميل بن دراج عنه ـ يعني أبا عبد الله عليه‌السلام ـ (2) انه قال : «من دخل على أخيه وهو صائم فأفطر عنده ولم يعلمه بصومه فيمن عليه كتب الله له صوم سنة». قال الصدوق (قدس‌سره) قال مصنف هذا الكتاب : هذا في السنة والتطوع جميعا.

وعن داود الرقى عن ابى عبد الله عليه‌السلام (3) قال : «لإفطارك في منزل أخيك المؤمن أفضل من صيامك سبعين ضعفا أو تسعين ضعفا».

__________________

(1) المجموع ج 6 ص 392.

(2) الفقيه ج 2 ص 51 وفي الوسائل الباب 8 من آداب الصائم.

(3) الفقيه ج 2 ص 51 وفي الوسائل الباب 8 من آداب الصائم ، ورواه في الفروع ج 1 ص 204.


وعن إسحاق بن عمار عن ابى عبد الله عليه‌السلام (1) قال : «إفطارك لأخيك المؤمن أفضل من صيامك تطوعا».

وعن نجم بن حطيم عن أبى جعفر عليه‌السلام (2) قال : «من نوى الصوم ثم دخل على أخيه فسأله أن يفطر عنده فليفطر وليدخل عليه السرور فإنه يحتسب له بذلك اليوم عشرة أيام وهو قول الله عزوجل (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) (3)».

وعن جميل بن دراج (4) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام من دخل على أخيه وهو صائم فأفطر عنده ولم يعلمه بصومه فيمن عليه كتب الله له صوم سنة».

وعن صالح بن عقبة (5) قال : «دخلت على جميل بن دراج وبين يديه خوان عليه غسانية يأكل منها فقال ادن فكل فقلت انى صائم فتركني حتى إذا أكلها فلم يبق منها إلا اليسير فعزم على إلا أفطرت فقلت له ألا كان هذا قبل الساعة فقال أردت بذلك أدبك. ثم قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : أيما رجل مؤمن دخل على أخيه وهو صائم فسأله الأكل فلم يخبره بصيامه فيمن عليه بإفطاره كتب الله (جل ثناؤه) له بذلك اليوم صيام سنة».

وعن على بن حديد (6) قال : «قلت لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام أدخل على قوم وهم يأكلون وقد صليت العصر وأنا صائم فيقولون أفطر؟ فقال أفطر فإنه أفضل».

والمستفاد من هذه الأخبار تعليق الاستحباب على الدعوة الى طعام ، واما ما اشتهر في هذه الأوقات سيما في بلاد العجم من تعمد تفطير الصائم بشي‌ء يدفع إليه

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 8 من آداب الصائم عن الفروع ج 1 ص 204.

(3) سورة الانعام الآية 162.

(4) الفروع ج 1 ص 204 وفي الوسائل الباب 8 من آداب الصائم رقم 4.

(5) الفروع ج 1 ص 204 وفي الوسائل الباب 8 من آداب الصائم رقم 5.

(6) الوسائل الباب 8 من آداب الصائم رقم 7 ، وعلى بن حديد يرويه عن عبد الله بن جندب والمروي عنه أبو الحسن الماضي (ع).


من تمرة أو يسير من الحلواء أو نحو ذلك لأجل تحصيل الثواب بذلك فليس بداخل تحت هذه الاخبار ولا هو من ما يترتب عليه الثواب المذكور فيها كما لا يخفى.

التاسعة ـ الظاهر انه لا خلاف في ان من عليه قضاء من شهر رمضان فلا يجوز له التطوع بشي‌ء من الصيام حتى يؤدى ما بذمته من القضاء إلا ما يفهم من كلام السيد المرتضى في أجوبة المسائل الرسية حيث قال : ويجوز لمن عليه صيام من شهر رمضان ان يصوم نذرا عليه أو يصوم كفارة لزمته ، ولو صام نفلا أيضا لجاز وان كان مكروها. كذا نقله عنه في المختلف في كتاب الصلاة ، ونقل عنه في كتاب الصوم انه احتج على ما ذكره من جواز صوم النافلة بالأصل الدال على الإباحة ثم رده بأنه معارض بالاخبار. وبالجملة فإن ما ذكره شاذ نادر لا عبرة به.

ويدل على ما ذكرناه ما رواه الكليني في الصحيح عندي والحسن على المشهور عن الحلبي (1) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل عليه من شهر رمضان طائفة أيتطوع؟ فقال : لا حتى يقضى ما عليه من شهر رمضان».

وما رواه فيه بسنده عن أبى الصباح الكناني (2) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل عليه من شهر رمضان أيام أيتطوع؟ فقال : لا حتى يقضى ما عليه من شهر رمضان».

قال في الفقيه (3) : وردت الاخبار والآثار عن الأئمة (عليهم‌السلام) انه لا يجوز ان يتطوع الرجل بالصيام وعليه شي‌ء من الفرض ، وممن روى ذلك الحلبي وأبو الصباح الكناني عن ابى عبد الله عليه‌السلام.

وقال في المقنع : واعلم انه لا يجوز أن يتطوع الرجل وعليه شي‌ء من الفرض ، كذلك وجدته في كل الأحاديث. انتهى.

أقول : ويدل على ذلك صحيحة زرارة المتقدمة في باب الأوقات من كتاب

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 28 من أحكام شهر رمضان.

(3) ج 2 ص 87 وفي الوسائل الباب 28 من أحكام شهر رمضان.


الصلاة عن ابى جعفر عليه‌السلام (1) قال : «سألته عن ركعتي الفجر؟ قال قبل الفجر. ثم ساق الخبر الى أن قال عليه‌السلام : أتريد أن تقايس لو كان عليك من شهر رمضان أكنت تتطوع؟ إذا دخل عليك وقت الفريضة فابدأ بالفريضة».

وبالجملة فالحكم في الصوم اتفاقي نصا وفتوى إلا ما عرفت من خلاف المرتضى (رضي‌الله‌عنه) وإنما الخلاف في الصلاة كما تقدم. والله العالم.

__________________

(1) الوسائل الباب 50 من مواقيت الصلاة والباب 28 من أحكام شهر رمضان.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *