ج3 - غسل الأموات

المقصد الثاني

في الغسل

والبحث فيه يقع في الغاسل والمغسول والغسل ، فههنا مقامات ثلاثة :

(الأول) ـ في الغاسل وفيه مسائل (الأولى) ـ قد صرح جمع من الأصحاب بأن الغسل واجب كفائي وان اولى الناس به أولاهم بميراثه ، اما الأول فقد تقدم الكلام فيه في المقصد الأول ، إلا ان بعض الأصحاب ربما صرحوا بأن أولى الناس به في جميع أحكامه أولاهم بميراثه ، قال في الذكرى : الأول في الغاسل واولى الناس به أولاهم بإرثه وكذا باقي الأحكام لعموم «وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ» (3) ولقول علي

__________________

(3) سورة الأنفال الآية 76.

(عليه‌السلام) (1) : «يغسل الميت اولى الناس به». وقول الصادق (عليه‌السلام) في خبر إسحاق بن عمار (2) : «الزوج أحق بامرأته حتى يضعها في قبرها». انتهى. وربما أشعر هذا الكلام بعدم الوجوب على الكافة كما هو المشهور وانما الوجوب على الولي خاصة كما قدمنا ذكره في المقصد الأول وبينا انه هو المفهوم من الاخبار الواردة في أحكام الميت ، ويؤيده قوله على اثر هذا الكلام «فرع : ولو لم يكن ولي فالإمام وليه مع حضوره ومع غيبته فالحاكم ومع عدمه فالمسلمون ، ولو امتنع الولي ففي إجباره نظر من الشك في ان الولاية هل هي نظر له أو للميت؟» انتهى. وهذا الكلام ـ كما ترى ـ كالصريح في تعلق الوجوب به خاصة دون المسلمين المعبر عنه بالوجوب الكفائي.

بقي الكلام فيما قدمنا نقله أولا من القول بالوجوب على المسلمين كفاية وان اولى الناس به أولاهم بميراثه فإنه لا يخلو من تدافع ، إلا ان تحمل الأولوية على الاستحباب والأفضلية بمعنى ان الوجوب عام لجميع المسلمين من الولي وغيره إلا ان الأفضل هو تقديم الولي في ذلك ، وقد تقدم ما فيه آنفا. وبالجملة فالظاهر من الاخبار هو تعلق الخطاب في ذلك بالولي خاصة في جميع الأحكام وان ما ادعوه من الوجوب الكفائي لا اعرف له دليلا واضحا.

واما الثاني وهو ان اولى الناس به أولاهم بميراثه فهو مما لا خلاف فيه نصا وفتوى ، فروى الشيخ في الصحيح الى غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم‌السلام) (3) انه قال : «يغسل الميت اولى الناس به». وروى في الفقيه مرسلا (4) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) يغسل الميت اولى الناس به أو من يأمره الولي بذلك». وفي الفقه الرضوي (5) «ويغسله اولى الناس به أو من يأمره الولي بذلك».

والمراد بأولى الناس به في هذه الاخبار هو الاولى بميراثه كما ذكره الأصحاب ،

__________________

(1 و 3 و 4) رواه في الوسائل في الباب 26 من أبواب الغسل الميت.

(2) رواه في الوسائل في الباب 24 من أبواب غسل الميت.

(5) ص 17.

ويدل على ذلك صحيحة حفص بن البختري عن الصادق (عليه‌السلام) (1) «في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام؟ قال يقضى عنه اولى الناس بميراثه. قلت ان كان اولى الناس به امرأة؟ قال لا إلا الرجال». ولا ريب ان الولي الذي جعل إليه أحكام الميت هو الذي أوجب عليه الشارع قضاء ما فات الميت من صيام وصلاة ، وتؤيده مرسلة ابن ابي عمير عن رجاله عن الصادق (عليه‌السلام) (2) «في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام؟ قال يقضيه اولى الناس به».

واما ما توهمه صاحب المدارك في هذا المقام ـ وان تبعه عليه جملة من الاعلام حيث قال بعد ذكر رواية غياث المذكورة : «وهي مع ضعف سندها غير دالة على ان المراد بالأولوية الأولوية في الميراث ، ولا يبعد ان المراد بالأولى بالميت هنا أشد الناس به علاقة لأنه المتبادر ، والمسألة محل توقف» انتهى ـ ففيه ان كلامه هذا مبني على ان المراد بقولهم في تلك الأخبار : «أولى الناس به» معنى التفضيل فتوهم ان المتبادر من الأولوية على هذا التقدير الأولوية بالقرب وشدة العلاقة ، وليس كذلك بل المراد بهذا اللفظ انما هو الكناية عن الولي المالك للتصرف ، والتعبير عنه بذلك قد وقع في جملة من اخبار الغدير من قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) «ألست اولى بكم من أنفسكم؟ قالوا بلى يا رسول الله. قال من كنت مولاه فعلي مولاه». اي ألست المالك للتصرف فيكم دون أنفسكم. ويزيد ذلك بيانا ما نقله الفاضل الشيخ علي ابن الشيخ محمد ابن الشيخ حسن ابن شيخنا الشهيد الثاني في كتاب الدر المنظوم والمنثور عن العلامة الفيلسوف الشيخ ميثم بن علي بن ميثم البحراني (عطر الله مرقده) في كتاب النجاة في القيامة في تحقيق أمر الإمامة من ان لفظ «الأولى» انما يطلق لغة على من يملك التدبير في الأمر والتصرف فيه ، قال : «وأهل اللغة لا يطلقون لفظ «الأولى» إلا في من ملك تدبير الأمر والتصرف فيه» وبذلك يظهر ان «الأولى» في

__________________

(1) المروية في الوسائل في الباب 23 من أحكام شهر رمضان.

(2) المروية في الوسائل في الباب 12 من أبواب قضاء الصلاة.

جملة أخبار الميت من اخبار الغسل واخبار الصلاة وغيرهما انما هو بمعنى المالك للتصرف وتدبير الأمر وهو معنى الولي كما في ولي الطفل وولى البكر ونحو ذلك ، ففي حسنة ابن ابي عمير بإبراهيم بن هاشم عن بعض أصحابه عن الصادق (عليه‌السلام) (1) قال : «يصلى على الجنازة أولى الناس بها أو يأمر من يحب». ونحوها مرسلة أحمد بن محمد بن ابي نصر (2) ولا ريب ان المراد بأولى الناس في هذه الاخبار انما هو الولي الذي دلت الأخبار المتقدمة على ان عليه قضاء ما فات الميت من صلاة وصيام ، وقد عرفت في صحيحة حفص انه هو الاولى بميراثه ، وبذلك يظهر ما في كلام السيد المشار اليه ـ وان تبعه فيه من تبعه ـ من الغفلة وعدم إعطاء التأمل حقه في اخبار المسألة ، فإنه مبني على ملاحظة معني التفضيل من الصيغة المذكورة وان المراد بقوله : «اولى الناس به» بمعنى اولى الناس بميراثه ، وليس كذلك إذ الأولوية بالميراث انما وقعت في كلام الأصحاب تعريفا للولي ومحمولة عليه لا انها تفسير له وان معناهما واحد ويصير من قبيل الحذف والإيصال ، ألا ترى ان عبارة الشرائع في هذا المقام حيث قال : «واولى الناس به أولاهم بميراثه» ظاهرة في ان المراد انما هو ان الولي للميت القائم بأحكامه هو كل من كان أحق بميراثه.

وينبغي التنبيه على أمور (الأول) ـ لا يخفى ان المراد بتقديم الأول في الميراث هو انه حيث كانت مراتب الإرث متعددة مترتبة فلا ترث أصحاب المرتبة الثانية إلا مع فقد أهل المرتبة الاولى وهكذا ، فالولي للميت هو من يرث من هذه المراتب دون من لا يرث ، واما تفصيل الكلام في أصحاب مرتبة الإرث لو تعددوا ومن الاولى منهم فسيأتي الكلام فيه في بحث الصلاة على الميت من كتاب الصلاة ان شاء الله تعالى.

(الثاني) ـ قال في الذكرى : «إذا كان التقديم تابعا للإرث انتفى مع عدمه وان كان أقرب كالقاتل ظلما والرق والكافر ، ولو سلم الاولى الى غيره جاز إلا في تسليم الرجال الى النساء في الرجل وبالعكس في المرأة» انتهى. أقول : لقائل أن يقول

__________________

(1 و 2) المروية في الوسائل في الباب 23 من أبواب صلاة الجنازة.

ان المراد من الخبر الدال على ان الولي هو الاولى بالميراث انما هو الكناية عن القرب الى الميت المستلزم للإرث لو لم يمنع منه مانع لا ان المراد الإرث بالفعل ، فالتقديم انما هو تابع للقرب الى الميت لان مراتب الإرث مترتبة بترتب القرب فكل مرتبة أقرب تقدم على ما بعدها ، وعلى هذا فالقرب الى الميت موجب للإرث وموجب للولاية عليه بعد موته ومنع القتل ظلما ـ مثلا ـ من الإرث لا يوجب المنع من الأولوية. وبالجملة فإن ما ذكرناه من الاحتمال أقرب قريب في المقام.

(الثالث) ـ لو كان الأولياء رجالا ونساء فظاهر الأصحاب ان الرجال اولى لكن هل يفرق في ذلك بين ما إذا كان الميت ذكرا أو أنثى فتخص أولوية الرجال بالأول دون الثاني فتكون النساء اولى بغسل بعضهن بعضا ، أم لا فرق فلو كان الميت امرأة ولا يمكن الولي مباشرة غسلها اذن للنساء فلا يصح الغسل بدون اذنه؟ قولان : وبالأول صرح المحقق الشيخ علي في شرح القواعد ، وبالثاني جزم أكثر المتأخرين ومنهم ـ الشهيد الثاني في الروض ، قال بعد نقل القول الثاني عن المصنف وغيره : «وربما قيل ان ذلك مخصوص بالرجال اما النساء فالنساء اولى بغسلهن ولم يثبت ، وامتناع المباشرة لا يستلزم انتفاء الولاية» واعترضه سبطه في المدارك بأنه قد يقال ان الرواية المتقدمة التي هي الأصل في هذا الحكم انما تتناول من يمكن وقوع الغسل منه ومتى انتفت دلالتها على العموم وجب الرجوع في غير ما تضمنته الى الأصل والعمومات. انتهى. وأشار بالرواية إلى رواية غياث بن إبراهيم المتقدمة (1). أقول : ما ذكره وان احتمل في الرواية المذكورة حيث انها تشعر بمباشرة الولي للغسل إلا انه لا يتم في الروايتين اللتين بعدها مما قدمناه (2) لتضمنهما الولي أو من يأمره وهو أعم من مباشرة الولي ان أمكن المباشرة أو الأمر لغيره ان تعذرت المباشرة ، على ان الرواية التي تعلق بها لا بد من تقدير هذا المعنى فيها ايضا وإلا لزم انه لو تعذرت المباشرة على الولي لمرض ونحوه انتفى الغسل

__________________

(1 و 2) ص 377.

بالكلية وهو مما يقطع بفساده ، وحينئذ فإذا جاز الاذن في صورة التعذر بمرض ونحوه جاز في صورة عدم إمكان المباشرة بكون الميت امرأة ، وبالجملة فالرواية لا اختصاص لها بمن يمكن وقوع الغسل منه حتى انه يصير هذا الفرد خارجا عنها كما زعمه ، بل المراد من قوله : «يغسل الميت اولى الناس به» يعني تكون ولاية الغسل لاولى الناس به لا التغسيل بالفعل ، وإلا لجري ذلك في اخبار الصلاة على الميت لقولهم (عليهم‌السلام) (1) : «يصلي على الميت اولى الناس به». مع انه لا خلاف في جواز اذنه لغيره ولا سيما إذا لم يكن أهلا للإمامة ، هذا مع قطع النظر عن الخبرين الآخرين وإلا فدلالتهما على ما ذكرنا أظهر من ان ينكر. هذا كله مع ثبوت ما ذكروه من انه متى اجتمع الرجال والنساء في مرتبة الولاية فالرجال أولى إلا اني لم أقف على ما يدل عليه في هذه المسألة. والله العالم.

(المسألة الثانية) ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب في ان الزوج اولى بزوجته في جميع الأحكام ، ويدل عليه ما رواه الكليني والشيخ عن إسحاق بن عمار عن الصادق (عليه‌السلام) (2) قال : «الزوج أحق بامرأته حتى يضعها في قبرها». قال في المعتبر بعد ذكر هذا الخبر : «ومضمون الرواية متفق عليه» قال في المدارك : «قلت ان كانت المسألة إجماعية فلا بحث وإلا أمكن المناقشة فيها لضعف السند ، ولانه معارض بما رواه الشيخ في الصحيح عن حفص بن البختري عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (3) «في المرأة تموت ومعها أخوها وزوجها أيهما يصلي عليها؟ فقال : أخوها أحق بالصلاة عليها». وأجاب الشيخ عن هذه الرواية بالحمل على التقية (4) وهو انما يتم

__________________

(1) المروي في الوسائل في الباب 23 من أبواب صلاة الجنازة.

(2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 24 من أبواب صلاة الجنازة.

(4) في المغني لابن قدامة ج 2 ص 483 «إذا اجتمع زوج المرأة وعصبتها فظاهر كلام الخرقي تقديم العصبات وهو أكثر الروايات عن احمد وقول سعيد بن المسيب والزهري وبكير بن الأشج ومذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي الا أن أبا حنيفة يقدم زوج المرأة على


مع التكافؤ في السند كما لا يخفى». انتهى. أقول : ومما يعضد صحيحة حفص المذكورة أيضا ما رواه الشيخ في التهذيب عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الصلاة على المرأة الزوج أحق بها أو الأخ؟ قال : الأخ». ومما يعضد الرواية الأولى اتفاق الأصحاب على العمل بمضمونها كما ذكره في المعتبر ومثله العلامة في المنتهى ، وما رواه الكليني في الكافي والصدوق في الفقيه عن ابي بصير عن الصادق (عليه‌السلام) (2) قال : «قلت له المرأة تموت من أحق بالصلاة عليها؟ قال زوجها. قلت الزوج أحق من الأب والولد والأخ؟ قال : نعم ويغسلها». وروى في الكافي عن ابي بصير مثله (3) بدون قوله : «ويغسلها» وعموم الأخبار الدالة على ان الاولى بالميت هو الاولى بميراثه ، ولا ريب ان الزوج اولى من الأخ بأي معنى اعتبرت الأولوية من أصل الإرث أو كثرته ، وحينئذ فالظاهر هو القول المشهور ويتعين حمل الخبرين المذكورين على ما ذكره الشيخ من التقية ، وبالجملة فإنه لا اشكال ولا خلاف في الحكم المذكور.

انما الخلاف في جواز تغسيل كل من الزوجين الآخر في حال الاختيار فعن المرتضى (رضي‌الله‌عنه) في شرح الرسالة والشيخ في الخلاف وابن الجنيد والجعفي انه يجوز لكل منهما تغسيل الآخر مجردا مع وجود المحارم وعدمهم ، وقال الشيخ في النهاية بالجواز أيضا إلا انه اعتبر فيه كونه من وراء الثياب. ونقل ذلك عن ابن زهرة واختاره جملة من المتأخرين ، وقال في كتابي الاخبار ان ذلك مختص بحال الاضطرار دون الاختيار وتبعه على ذلك جماعة من الأصحاب ، واستظهر في المدارك

__________________

ابنها منه ، وروى عن احمد تقديم الزوج على العصبات لابن أبا بكرة صلى على زوجته ولم يستأذن إخوتها ، وروى ذلك عن ابن عباس والشعبي وعطاء وعمر بن عبد العزيز وإسحاق».

(1 و 2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 24 من أبواب صلاة الجنازة.


جواز تغسيل كل منهما الآخر مجردا وان كان الأفضل كونه من وراء القميص كما في مطلق التغسيل.

وتحقيق الكلام في المقام يحتاج الى بسط الأخبار الواردة في المسألة ثم الكلام فيها بما يخطر بالبال العليل ومنه سبحانه الهداية إلى سواء السبيل : فمنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل أيصلح له ان ينظر إلى امرأته حين تموت أو يغسلها ان لم يكن عنده من يغسلها؟ وعن المرأة هل تنظر الى مثل ذلك من زوجها حين يموت؟ فقال لا بأس بذلك انما يفعل ذلك أهل المرأة كراهة ان ينظر زوجها إلى شي‌ء يكرهونه». وعن منصور في الصحيح (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يخرج في السفر ومعه امرأته أيغسلها؟ قال نعم وامه وأخته ونحو هذا يلقي على عورتها خرقة». وفي الحسن عن محمد بن مسلم (3) قال : «سألته عن الرجل يغسل امرأته؟ قال نعم انما يمنعها أهلها تعصبا». وبهذه الروايات استدل في المدارك على جواز تغسيل كل منهما الآخر مجردا وموردها ـ كما ترى ـ انما هو تغسيل الرجل زوجته خاصة دون العكس ، ثم قال : ويدل على ان الأفضل كونه من وراء الثياب روايات كثيرة : منها ـ صحيحة الحلبي عن الصادق (عليه‌السلام) (4) «انه سئل عن الرجل يموت وليس عنده من يغسله إلا النساء؟ قال تغسله امرأته أو ذو قرابته ان كانت له وتصب النساء عليه الماء صبا. وفي المرأة إذا ماتت يدخل زوجها يده تحت قميصها فيغسلها». وصحيحة محمد بن مسلم (5) قال : «سألته عن الرجل يغسل امرأته؟ قال نعم من وراء الثياب». وصحيحة أبي الصباح الكناني عن الصادق (عليه‌السلام) (6) «في الرجل يموت في السفر في أرض ليس معه إلا النساء؟ قال يدفن ولا يغسل ، والمرأة تكون مع الرجال بتلك المنزلة تدفن ولا تغسل الا ان

__________________

(1 و 3 و 4 و 5 و 6) رواه في الوسائل في الباب 24 من أبواب غسل الميت.

(2) رواه في الوسائل في الباب 20 من أبواب غسل الميت.


يكون زوجها معها ، فان كان زوجها معها غسلها من فوق الدرع.». ثم قال في المدارك بعد إيراد هذه الاخبار : «والجمع بين الاخبار وان أمكن بتقييد الأخبار المطلقة بهذه الأحاديث إلا ان حمل هذه الأحاديث على الاستحباب اولى لظهور تلك الاخبار في الجواز مطلقا وثبوت استحباب ذلك في مطلق التغسيل على ما سنبينه» انتهى.

أقول : ومن اخبار المسألة صحيحة الحلبي عن الصادق (عليه‌السلام) (1) قال : «سئل عن الرجل يغسل امرأته؟ قال نعم من وراء الثوب لا ينظر الى شعرها ولا إلى شي‌ء منها ، والمرأة تغسل زوجها لأنه إذا مات كانت في عدة منه وإذا ماتت هي فقد انقضت عدتها». وصحيحة زرارة عن الصادق (عليه‌السلام) (2) «في الرجل يموت وليس معه إلا نساء؟ قال تغسله امرأته لأنها منه في عدة وإذا ماتت لم يغسلها لانه ليس منها في عدة». وظاهر هاتين الصحيحتين تحريم تغسيل الرجل امرأته مجردة للعلة المذكورة وظاهر صحيحة زرارة وان كان عدم جواز تغسيله لها مطلقا لكن يجب حملها على ما إذا كانت مجردة جمعا بينها وبين غيرها مما دل على الجواز من وراء الثياب ، وبما قلنا صرح الشيخ في التهذيب فقال بعد ذكر صحيحة زرارة : «أي لا يغسلها مجردة وانما يغسلها من وراء الثوب ، قال : وعلى هذا دل أكثر الروايات ويكون الفرق بين المرأة والرجل في ذلك ان المرأة يجوز لها ان تغسل الرجل مجردا وان كان الأفضل والاولى ان تستره ثم تغسله وليس كذلك الرجل لانه لا يجوز ان يغسلها إلا من وراء الثياب ، قال : والمطلق من الاخبار يحمل على المقيد» انتهى. ومنها ـ موثقة عبد الرحمن بن ابي عبد الله (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يموت وليس عنده من يغسله إلا النساء هل تغسله النساء؟ فقال تغسله امرأته أو ذات محرمه وتصب عليه النساء الماء صبا من فوق الثياب». وموثقة سماعة (4) قال : «سألته عن المرأة إذا ماتت؟ فقال

__________________

(1 و 2 و 4) المروية في الوسائل في الباب 24 من أبواب غسل الميت.

(3) المروية في الوسائل في الباب 20 من أبواب غسل الميت.


يدخل زوجها يده تحت قميصها الى المرافق فيغسلها». وبمضمونها رواية الحلبي (1) ورواية داود بن سرحان عن الصادق (عليه‌السلام) (2) «في الرجل يموت في السفر أو في أرض ليس معه فيها إلا النساء؟ قال يدفن ولا يغسل ، وقال في المرأة تكون مع الرجال بتلك المنزلة إلا ان يكون معها زوجها ، فان كان معها زوجها فليغسلها من فوق الدرع ويسكب عليها الماء سكبا ولتغسله امرأته إذا مات ، والمرأة ليست مثل الرجل المرأة أسوأ منظرا حين تموت».

أقول : والكلام في هذه الاخبار يقع في مقامين (الأول) ـ في تغسيل الرجل زوجته ، ولا يخفى ان بعضا من اخبار المسألة مطلق مثل صحيحة عبد الله بن سنان (3) وحسنة محمد بن مسلم (4) وجملة منها ما بين صريح وظاهر في التقييد بكونه من وراء الثياب ، والجمع بينهما بتقييد إطلاق الأولى بالثانية. واما الجمع بحمل روايات التقييد على الاستحباب والعمل بإطلاق تلك الاخبار وحملها على الجواز فهو وان أمكن بالنظر الى دلالة صحيحة منصور (5) على جواز تغسيلها عارية وانما يلقى على عورتها خرقة ، إلا انه يشكل بدلالة ظاهر صحيحتي زرارة والحلبي (6) على عدم الجواز كما عرفت ، وبه صرح الشيخ كما سمعت من كلامه ، ويعضده ـ مع كونه أوفق بالاحتياط ـ الأخبار الدالة على التقييد بكونه من وراء الثياب ، ولا يعارضها إطلاق الروايتين المشار إليهما ويجب تقييده كما عرفت ، وأظهر من ذلك تأييدا لما ذكرنا الأخبار الواردة بتغسيل علي (عليه‌السلام) لفاطمة (عليها‌السلام) والتعليل فيها بكونها صديقة لا يغسلها الا صديق ، فإن قضية التعليل تخصيص جواز ذلك بها وإلا لو كان ذلك جائزا مطلقا كما هو المشهور لم يكن لهذا التعليل مزيد فائدة ومنها ـ ما رواه الصدوق في العلل عن مفضل بن عمر (7) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) من غسل فاطمة؟ قال ذاك أمير المؤمنين (عليه‌السلام) فكأنما

__________________

(1 و 2 و 7) رواه في الوسائل في الباب 24 من أبواب غسل الميت.

(3 و 4 و 5) ص 383.

(6) ص 384.


استفظعت ذلك فقال كأنك ضقت مما أخبرتك؟ قلت قد كان ذلك جعلت فداك. فقال لا تضيقن فإنها صديقة لم يكن يغسلها إلا صديق. الحديث». ورواه الكليني والشيخ ايضا ، ويشير الى ما ذكرنا ما نقله في البحار قال : «وجدت بخط الشيخ محمد بن علي الجبعي نقلا من خط الشهيد قال : لما غسل علي (عليه‌السلام) فاطمة قال له ابن عباس : أغسلت فاطمة؟ قال أما سمعت قول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : هي زوجتك في الدنيا والآخرة؟ قال الشهيد : هذا التعليل يدل على انقطاع العصمة بالموت فلا يجوز للزوج التغسيل». انتهى. ويمكن ان يقال ـ ولعله الأقرب في هذا المجال ـ بان صحيحتي الحلبي وزرارة (1) إنما خرجتا مخرج التقية فإن القول بالمنع من تغسيل الزوج زوجته مذهب أبي حنيفة والثوري والأوزاعي كما نقله في المنتهى ، ونقل الجواز عن الشافعي ومالك وإسحاق وداود ، وعن احمد روايتين (2) ولا ريب ان مذهب أبي حنيفة في وقته كان هو المشهور والمعتمد بين خلفاء الجور ، وغيره من المذاهب الأربعة إنما اشتهر وحصل الاجتماع عليه في الأعصار المتأخرة مما يقرب من سنة ستمائة ، وحينئذ فلا يبعد حمل الروايتين المذكورتين على التقية ونقل في المنتهى الاحتجاج عن القائلين بالتحريم بان هذه الفرقة تبيح نكاح الأخت فوجب ان يحرم النظر إليها كما لو طلقها قبل الدخول. واما ما نقله في البحار من حديث ابن عباس فهو وان أشعر بما ذكره إلا انه لا يبلغ قوة المعارضة لما قدمناه من الاخبار الدالة على الجواز مع انه غير مروي من طرقنا ولعله من طرق أخبار العامة ، ومع تسليم صحته وثبوته ودلالته فلا بد في حمله على التقية أيضا ، مع ان المفهوم من بعض الاخبار الذي لا يحضرني الآن موضعها ان كل امرأة لم تتزوج إلا رجلا واحدا فإنها

__________________

(1) ص 384.

(2) في المغني لابن قدامة ج 2 ص 523 «المشهور عن احمد ان للزوج ان يغسل زوجته وهو قول علقمة وعبد الرحمن بن يزيد بن الأسود وجابر بن زيد وسليمان بن يسار وابى سلمة بن عبد الرحمن وقتادة وحماد ومالك والأوزاعي والشافعي وإسحاق ، وعن أحمد رواية ثانية ليس للزوج غسلها وهو قول أبي حنيفة والثوري».


يوم القيامة تكون زوجته ، ومن أخذت أزواجا عديدة فإنها تخير يوم القيامة وتختار أحسنهم خلقا معها في الدنيا. وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال فلا ينبغي ترك الاحتياط فيها على كل حال. والله العالم.

(الثاني) ـ في تغسيل المرأة لزوجها ، والاخبار هنا ما بين مطلق ومقيد بكونه من وراء الثياب ، والجمع بينها اما بحمل مطلقها على مقيدها أو بحمل مطلقها على الجواز ومقيدها على الاستحباب ، والظاهر الثاني لقضية التعليل في صحيحتي الحلبي وزرارة المتقدمين (1) والاحتياط لا يخفى ، وبذلك يظهر لك ان حكم تغسيل المرأة زوجها غير حكم العكس وان كان الأصحاب قد أطلقوا القول فيهما وجعلوا الحكم واحدا ، لظهور مخالفة حكم الزوج للزوجة من الاخبار كما شرحناه وأوضحناه. واما ما ذهب اليه الشيخ في كتابي الاخبار ـ من ان جواز تغسيل كل من الزوجين الآخر مخصوص بحال الاضطرار دون الاختيار ـ فلا اعرف له مستندا ظاهرا والاخبار المتقدمة ـ كما عرفت ـ صريحة في رده ويظهر منه انه استند في ذلك الى روايات وقع التقييد بذلك فيها في كلام السائل مثل صحيحة عبد الله بن سنان المذكورة صدر الروايات المتقدمة (2) وصحيحة الحلبي الاولى (3) ورواية عبد الرحمن بن ابي عبد الله المتقدمة أيضا (4) ورواية الحلبي عن الصادق (عليه‌السلام) (5) «في المرأة إذا ماتت وليس معها امرأة تغسلها؟ قال يدخل زوجها يده تحت قميصها فيغسلها الى المرافق». الى غير ذلك مما ورد كذلك ، واعتضد في ذلك برواية أبي حمزة عن الباقر (عليه‌السلام) (6) قال : «لا يغسل الرجل المرأة إلا ان لا توجد امرأة». وحمل في الاستبصار ما روى عن أمير المؤمنين من تغسيل فاطمة على اختصاص ذلك بهم (عليهم‌السلام) وفي الكل نظر ظاهر ، اما الروايات الأولى فإن التقييد فيها

__________________

(1 و 4) ص 384.

(2 و 3) ص 383.

(5) المروية في الوسائل في الباب 24 من أبواب غسل الميت.

(6) المروية في الوسائل في الباب 22 من أبواب غسل الميت.


انما وقع في كلام السائل وهو لا يوجب تقييدا في تلك الأخبار الكثيرة مما ذكرناه وما لم نذكره ، فإن السؤال إذا وقع عن بعض الافراد لا يجب تخصيص الحكم بذلك في غيره كما هو ظاهر. واما رواية أبي حمزة فأجاب عنها في المختلف ، قال بعد نقل الاستدلال عنه «والجواب المنع من صحة السند ثم لو سلم لكان محمولا على الاستحباب أو على الرجل الأجنبي ويكون الاستثناء إشارة الى ما روي انه يغسل من الأجنبية وجهها وكفيها» واما حديث تغسيل فاطمة فقد تقدم الكلام فيه. ولكن العمدة في الاستدلال انما هو ما قدمناه من الأخبار الصريحة الدالة. والله العالم.

تنبيهات

(الأول) ـ قال في المدارك : «قال بعض المحققين ولا يقدح انقضاء عدة الزوجة في جواز التغسيل بل يجوز وان تزوجت. وفيه نظر لصيرورتها والحال هذه أجنبية. قال في الذكرى : ولا عبرة بانقضاء عدة المرأة عندنا بل لو نكحت جاز لها تغسيله وان كان الفرض بعيدا. وهو كذلك أخذا بالإطلاق» انتهى. أقول : لا يخفى ان ما ذكره في الذكرى هو عين ما نقله عن بعض المحققين فلا معنى لتنظره في الأول واختياره ما في الذكرى ، إلا ان يحمل ما نقله عن بعض المحققين على عدة الطلاق وكلام الذكرى على عدة الوفاة حيث ان ظاهر كلامهم الفرق بين العدتين. ثم ان ما ذكره في الذكرى من الحكم المذكور قد صرح به الشهيد الثاني في الروض ايضا ، وظاهر كلامهم ـ حيث صرحوا في المطلقة بائنا بأنها ليست زوجة فلا يجوز لها تغسيله وصرحوا هنا بجواز تغسيلها له بعد انقضاء عدة الوفاة ـ الفرق بين العدتين وانها في هذه الصورة بعد العدة بل بعد التزويج يصدق عليها انها زوجة فيجوز لها تغسيله ، كما يشير اليه قوله في المدارك : «أخذا بالإطلاق» بخلاف المطلقة بائنا فإنها قد بانت منه حال الحياة. وعندي فيه نظر (أما أولا) فلمنع صدق الزوجة عليها في الحال المفروضة بل هي أجنبية ،


ولا سيما بالنظر الى التعليل المذكور في صحيحتي الحلبي وزرارة (1) الدال على انها انما تغسله بعد الموت لأنها منه في عدة ، ومفهومه انه بعد انقضاء العدة لا تغسله و (اما ثانيا) فلما أشرنا إليه مرارا وذكره غير واحد من المحققين من ان الأحكام المودعة في الاخبار انما تنصرف الى الافراد الشائعة المتكثرة دون الفروض النادرة ، وكأنهم بنوا في ذلك على ان الزوجية الثابتة في حال الحياة لكل منهما لا تنقطع بالموت وإلا لامتنع جواز تغسيل كل منهما للآخر بعد الموت والأخبار بخلافه ولم يعرض هنا شي‌ء يقتضي رفع هذا الحكم وان طال الزمان ، وهو وان كان كذلك لكن المتبادر من الأخبار المتقدمة انما هو ما ذكرناه من كون التغسيل بعد الموت ، ودخول هذا الفرض المذكور فيها بمجرد صدق الزوجة ممنوع ولا سيما بعد التزويج فإنها تكون أجنبية وصدق الزوجة في هذه الحال في غاية البعد. وكيف كان فالاحتياط أوضح سبيل سيما مع غموض الدليل وهو فيما ذكرناه كما لا يخفى. والله العالم.

(الثاني) ـ قال المحقق الشيخ علي في شرح القواعد ـ بعد ان اختار القول بجواز تغسيل كل من الزوجين الآخر من وراء الثياب كما صرح به جمع من الأصحاب ـ ما صورته : «ولم أقف في كلام على تعيين ما يعتبر في التغسيل من الثياب والظاهر ان المراد ما يشمل جميع البدن ، وحمل الثياب على المعهود يقتضي استثناء الوجه والكفين والقدمين فيجوز ان تكون مكشوفة» انتهى. أقول : لا يخفى ان اخبار المسألة ما بين مقيد بالقميص وما بين مطلق بالثياب وقضية الجمع حمل مطلقها على مقيدها ، ففي صحيحة الحلبي الاولى من الأخبار المتقدمة (2) : «وفي المرأة إذا ماتت يدخل زوجها يده تحت قميصها فيغسلها». وفي روايته المذكورة أخيرا (3) قال : «يدخل زوجها يده تحت قميصها فيغسلها الى المرافق». وفي صحيحة أبي الصباح المتقدمة (4) «وان كان زوجها معها غسلها من فوق

__________________

(1) ص 384.

(2 و 4) 383.

(3) ص 387.


الدرع». وفي موثقة عمار (1) «... غير انه يكون عليها درع فيصب الماء من فوق الدرع.». ومثل ذلك في رواية داود بن سرحان المتقدمة (2) والدرع : القميص. وفي موثقة سماعة المتقدمة (3) «يدخل زوجها يده تحت قميصها الى المرافق فيغسلها». وفي رواية زيد الشحام (4) «... وان كان له فيهن امرأة فيغسل في قميص من غير ان تنظر الى عورته». بل قد ورد في جملة من الاخبار الصحيحة اعتبار التغسيل في القميص مطلقا كما في صحيحة يعقوب بن يقطين (5) «ولا يغسل إلا في قميص». ومثلها صحيحة ابن مسكان (6) وحسنة سليمان بن خالد (7) واما ما ورد بلفظ الثوب فمنه ـ صحيحة محمد بن مسلم (8) قال : «سألته عن الرجل يغسل امرأته؟ قال : نعم من وراء الثوب». ورواية عبد الرحمن بن ابي عبد الله المتقدمة (9) وصحيحة الحلبي الثانية (10) من صحيحتيه المتقدمتين. والواجب في مقام الجمع حمل ما تضمن الثوب على القميص حمل المطلق على المقيد ، وبذلك يظهر انه لا وجه لما استظهره من ان المراد ما يشمل جميع البدن ، وعلى هذا فينبغي استثناء الوجه والكفين والقدمين فيجوز ان تكون مكشوفة ، والأخبار المذكورة وان كانت عارية عن ذكر الرأس وربما أوهم ذلك جواز كونه مكشوفا أيضا إلا ان الظاهر الحاقه بالبدن وان ذكر القميص فيها انما خرج مخرج الأغلب باعتبار معظم البدن لا على جهة التخصيص ، ويدل على ذلك قوله في صحيحة الحلبي الثانية (11) قال : «نعم من وراء الثوب لا ينظر الى شعرها.».

(الثالث) ـ هل يطهر الثوب بصب الماء من غير عصر قال في الروض : «مقتضى المذهب عدمه» وهو منقول عن المحقق في المعتبر صرح به في تغسيل الميت في قميصه

__________________

(1 و 4) المروية في الوسائل في الباب 20 من أبواب غسل الميت.

(2 و 3) ص 385 و 384.

(5 و 6 و 7) المروية في الوسائل في الباب 2 من أبواب غسل الميت.

(8) المروية في الوسائل في الباب 24 من أبواب غسل الميت.

(9 و 10 و 11) ص 384.


من مماثله ، ومنع الشهيد في الذكرى من عدم طهارته بالصب لإطلاق الرواية قال : «وجاز ان يجري مجرى ما لا يمكن عصره» أقول : والظاهر هو ما اختاره في الذكرى (أما أولا) ـ فلان ظواهر الأخبار هو انه بعد التغسيل في قميصه ينقل إلى الأكفان ولو توقف طهارة القميص على العصر كما يدعونه للزم نجاسة الميت بها بعد تمام الغسل وقبل نزعها ووجب تطهيره زيادة على الغسل الموظف وظواهر النصوص المذكورة ترده وما ذاك إلا من حيث طهرها بمجرد الصب في الغسلة الثالثة. و (اما ثانيا) ـ فلان ما ادعوه من وجوب العصر في الثوب وانه لا يطهر بعد اجراء الماء إلا بعد العصر وان اشتهر بينهم كما يشير اليه قوله في الروض «مقتضى المذهب» إلا انه محل بحث كما سيأتي ان شاء الله تعالى التنبيه عليه في بحث النجاسات وان أدلتهم في المسألة قاصرة عن إفادة المدعى.

(الرابع) ـ الظاهر ـ كما ذكره جملة من الأصحاب ـ انه لا فرق في الزوجة بين الحرة والأمة ولا بين الدائم والمنقطع ، والمطلقة رجعية في العدة زوجة بخلاف البائن ، كل ذلك لإطلاق النصوص ، والمشهور انه يجوز للسيد تغسيل أمته الغير المزوجة والمعتدة ومدبرته وأم ولده ، والظاهر ان المستند فيه استصحاب الحكم فيه من حال الحياة وعدم ما يوجب زواله وانهن في حكم الزوجة ، ولم أقف فيه على نص ، وفي جواز تغسيلها له أقوال : (أحدها) ـ الجواز مطلقا لاستصحاب حكم الملك ولأنها في معنى الزوجة في إباحة اللمس والنظر فتباح وهو اختيار العلامة. و (ثانيها) ـ المنع لانتقالها إلى الورثة و (ثالثها) ـ تخصيص الجواز بأم الولد وهو اختيار جمع من الأصحاب : منهم ـ المحقق في المعتبر ، واستدل عليه بخبر إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (1) «ان علي بن الحسين (عليهما‌السلام) اوصى ان تغسله أم ولد له إذا مات فغسلته». قال في المعتبر : ولا يمنع العتق من ذلك لان جواز الاطلاع في زمن الحياة قد يستصحب بعد الوفاة كما في الزوجة تغسل وان انقطعت العصمة. أقول : لا يخفى ان الرواية

__________________

(1) المروي في الوسائل في الباب 25 من أبواب غسل الميت.


المذكورة لا تخلو من الاشكال لما تحقق عندنا من ان الامام لا يغسله إلا إمام مثله فلا بد من تأويل الخبر المذكور اما بحمله على ان الوصية بذلك للتقية ودفع الضرر عن الامام الباقر (عليه‌السلام) كما ذكره بعض مشايخنا أو بحملها على المعاونة كما يدل عليه ما في الفقه الرضوي حيث قال (1) : «ونروى ان علي بن الحسين (عليه‌السلام) لما مات قال أبو جعفر (عليه‌السلام) لقد كنت أكره ان انظر الى عورتك في حياتك فما انا بالذي انظر إليها بعد موتك ، فادخل يده وغسل جسده ثم دعا أم ولد له فأدخلت يدها فغسلت مرافقه وكذلك فعلت أنا بابي». واما قوله : «ولا يمنع العتق من ذلك. إلخ» فضعفه أظهر من ان يذكر لضعف الاستصحاب عندنا والإلحاق بالزوجة قياس لا يوافق أصول مذهبنا ، وصاحب المدارك هنا انما رد القول بضعف سند الرواية وغفل عما في متنها من الاشكال. وربما علل جواز تغسيل أم الولد لسيدها ايضا ببقاء علاقة الملك من وجوب الكفن والمؤنة والعدة. وفيه نظر فان بناء الأحكام الشرعية على مثل هذه التعليلات لا يخلو من مجازفة ، ومثل ذلك ما علل به الجواز مطلقا كما هو المنقول عن العلامة. وبالجملة فإن أم الولد قد انعتقت بعد الموت وصارت حرة أجنبية وغيرها قد انتقلت الى الوارث وصارت أيضا أجنبية فالقول بجواز تغسيلهن له يحتاج الى نص واضح. والله العالم.

(المسألة الثالثة) ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب في اشتراط المماثلة في الذكورة والأنوثة بين الغاسل والمغسول مع الاختيار لتحريم النظر ، وقد استثني من ذلك ما تقدم من مسألة الزوجين وما يتبعها من الإماء ، ومما استثنى ايضا من القاعدة المذكورة وجود المحرمية ، والمراد بها ـ على ما ذكره جملة من الأصحاب هنا وفي كتاب النكاح ـ من يحرم نكاحه مؤبدا بنسب أو رضاع أو مصاهرة ، واحترزوا بقيد التأبيد عن أخت الزوجة وبنت غير المدخول بها فإنهما ليستا من المحارم لعدم التحريم المؤبد بل هما بحكم الأجانب ،

__________________

(1) ص 21.


وتوقف حل نكاحهما على مفارقة الأخت والام لا يقتضي حل النظر ودخولهما في اسم المحارم وإلا لزم كون نساء العالم محارم للمتزوج أربعا لتوقف نكاح واحدة منهن على فراق واحدة. كذا افاده شيخنا الشهيد الثاني في الروض. واستدرك عليه في الحبل المتين في قوله : «ان توقف حل نكاحهما على مفارقة الأخت والام لو اقتضى دخولهما في المحارم للزم كون نساء العالم محارم للمتزوج أربعا» بأن فيه مناقشة لطيفة لعدم تحريم النكاح المنقطع على ذي الأربع ، ولو قال للزم ان تكون ذوات الأزواج محارم للأجانب لكان اولى. انتهى. أقول : يمكن ان يقال ان المسألة في تحريم ما زاد على الأربع مطلقا خلافية فلعل شيخنا المشار اليه ممن يذهب الى التحريم مطلقا دائما كان أو منقطعا بل نقل عنه بعض الأصحاب انه صرح بذلك في بعض المواضع ، فلعل كلامه هنا مبني عليه فلا ترد عليه هذه المناقشة. واما ما ذكره من العبارة ففيه ان الكلام في ان توقف حل النكاح على المفارقة لو اقتضى المحرمية للزم كون نساء العالم محارم إذ حل النكاح فيهن موقوف على مفارقة إحدى زوجاته الأربع ، وظاهر ان ذوات الأزواج الأجانب ليس ممن يحل نكاحهن بعد المفارقة.

وكيف كان فالظاهر انه لا خلاف في أصل الحكم المذكور اعني جواز التغسيل مع المحرمية ، والمعروف من كلامهم انه من وراء الثياب بل ذكر شيخنا البهائي بأنهم قطعوا بكونه من وراء الثياب إلا انه سيأتي عن صاحب المدارك ما يؤذن بخلافه في ذلك وانما اختلفوا في انه هل يشترط في ذلك فقد المماثل أو يجوز وان وجد؟ قولان ، والمشهور الأول والى الثاني ذهب ابن إدريس والعلامة في المنتهى.

والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بهذه المسألة روايات : منها ـ موثقة عبد الرحمن بن ابي عبد الله البصري وقد تقدمت في سابق هذه المسألة (1) وهي متضمنة لكون الغسل من فوق الثياب ، وظاهره في الذكرى ذلك مع عدم وجود المماثل ، وصحيحة (2)

__________________

(1) ص 384.

(2) ص 383.


الحلبي المتقدمة وهي الاولى من صحيحتيه ، وهي مطلقة بالنسبة إلى الثياب وظاهرة في عدم وجود المماثل ، ومنها ـ موثقة عمار عن الصادق (عليه‌السلام) (1) «انه سئل عن الرجل المسلم يموت في السفر وليس معه رجل مسلم ومعه رجال نصارى ومعه عمته وخالته مسلمتان كيف يصنع في غسله؟ قال تغسله عمته وخالته في قميصه ولا يقربه النصارى. وعن المرأة تموت في السفر وليس معها امرأة مسلمة ومعها نساء نصارى وعمها وخالها مسلمان؟ قال يغسلانها ولا تقربها النصرانية كما كانت المسلمة تغسلها غير انه يكون عليها درع فيصب الماء من فوق الدرع.». وهي ـ كما ترى ـ ظاهرة في عدم وجود المماثل وكون ذلك من فوق الثياب. ومنها ـ موثقة سماعة (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل مات وليس عنده إلا نساء؟ قال : تغسله امرأة ذات محرم منه وتصب النساء عليه الماء ولا تخلع ثوبه ، وان كانت امرأة ماتت مع رجال وليس معها امرأة ولا محرم لها فلتدفن كما هي في ثيابها ، وان كان معها ذو محرم لها غسلها من فوق ثيابها». وهي ـ كما ترى ـ كسابقتها ظاهرة في عدم المماثل وكون ذلك من فوق الثياب. ومنها ـ حسنة عبد الله بن سنان (3) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول إذا مات الرجل مع النساء غسلته امرأته فان لم تكن امرأته معه غسلته أولاهن به وتلف على يديها خرقة». وهذه الرواية ظاهرة في عدم وجود المماثل ومطلقة بالنسبة إلى الثياب. ومنها ـ رواية زيد الشحام (4) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن امرأة ماتت وهي في موضع ليس معهم امرأة غيرها؟ قال ان لم يكن فيهم لها زوج ولا ذو رحم دفنوها بثيابها ولا يغسلونها ، وان كان معهم زوجها أو ذو رحم لها فليغسلها من غير ان ينظر الى عورتها. قال وسألته عن رجل مات في السفر مع نساء ليس معهن رجل؟ فقال ان لم يكن له فيهن امرأة فليدفن بثيابه ولا يغسل ، وان كان له فيهن امرأة فليغسل في قميص من غير ان تنظر الى عورته». وهي ظاهرة في عدم وجود المماثل وصدرها مطلق بالنسبة إلى الثياب

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) المروية في الوسائل في الباب 20 من أبواب غسل الميت.


وعجزها ظاهر في اشتراط الثياب. ومنها ـ رواية عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي (عليهم‌السلام) (1) في حديث قال : «إذا مات الرجل في السفر ، الى ان قال : وإذا كان معه نساء ذوات محرم يؤزرنه ويصبن عليه الماء صبا ويمسسن جسده ولا يمسسن فرجه». ومنها ـ صحيحة منصور المتقدمة (2) وهي دالة على جواز تغسيل المرأة مجردة ومطلقة في عدم المماثل.

وأنت خبير بان هذه الروايات المذكورة ما عدا صحيحة منصور المشار إليها ورواية عمرو بن خالد ما بين مطلق في وجود المماثل وعدمه وبين مقيد بعدم وجود المماثل ومطلق بالنسبة إلى الثياب وعدمها أو مقيد بكونه من وراء الثياب ، وقضية الجمع المتكررة في كلامهم حمل مطلقها في كل من الأمرين على مقيدها. وبه يظهر قوة القول المشهور وانه المؤيد المنصور نعم يبقى الكلام في صحيحة منصور ولم أجد بها قائلا سوى ما يظهر من صاحب المدارك حيث قال بعد نقل القولين المتقدمين : «والأظهر الجواز مطلقا تمسكا بمقتضى الأصل وصحيحة منصور» ثم ساق الرواية المذكورة. وأنت خبير بان هذه الرواية وان صح سندها ولأجله عمل بها في المدارك حيث انه يدور مدار الأسانيد المتصلة في العمل بهذا الاصطلاح إلا انها ـ كما عرفت في المسألة السابقة ـ معارضة بأخبار تغسيل الرجل امرأته ، فإن جملة منها قد اشتملت على كون ذلك من وراء الثياب وبه قيد مطلقها وجملة أخبار هذه المسألة على تعددها ومنها الصحيح والحسن والموثق وهي مجتمعة ـ بناء على حمل مطلقها على مقيدها ـ على كون ذلك من وراء الثياب بشرط عدم وجود المماثل والقول بمضمون هذه الرواية مناف لجملة روايات المسألتين ، وترجيحها على جملة هذه الروايات بعيد غاية البعد ، فالأظهر هو القول المشهور سيما مع أوفقيته بالاحتياط في الدين ورد هذه الرواية إلى قائلها.

(المسألة الرابعة) ـ مما استثني من القاعدة المتقدمة أيضا عند جمهور الأصحاب

__________________

(1) المروية في الوسائل في الباب 20 من أبواب غسل الميت.

(2) ص 383.


تغسيل الرجل بنت ثلاث سنين مجردة والمرأة ابن ثلاث سنين مجردا إلا ان الشيخ في النهاية قيد ذلك بعدم وجود المماثل ، وقال في المبسوط : «الصبي إذا مات وله ثلاث سنين فصاعدا فحكمه حكم الرجال سواء وان كان دونه جاز للاجنبيات غسله مجردا من ثيابه وان كانت صبية لها ثلاث سنين فصاعدا فحكمها حكم النساء البالغات وان كانت دون ثلاث جاز للرجال تغسيلها عند عدم النساء» وقال المفيد : «إذا كان الصبي ابن خمس سنين غسله بعض النساء الأجنبيات مجردا من ثيابه وان كان ابن أكثر من خمس سنين غسلنه من فوق ثيابه وصببن عليه الماء صبا ولم يكشفن له عورة ودفنه بثيابه بعد تحنيطه ، وان ماتت صبية بين رجال ليس لها فيهم محرم وكانت بنت أقل من ثلاث سنين جردوها من ثيابها وغسلوها وان كانت أكثر من ثلاث سنين غسلوها في ثيابها وصبوا عليها الماء صبا وحنطوها بعد الغسل ودفنوها في ثيابها» وبه قال سلار ، وجوز الصدوق تغسيل بنت أقل من خمس سنين مجردة ، ومنع المحقق في المعتبر من تغسيل الرجل الصبية مطلقا وجوز للمرأة تغسيل ابن الثلاث اختيارا واضطرارا نظرا الى ان الشارع اذن في اطلاع النساء على الصبي لافتقاره إليهن في التربية بخلاف الصبية والأصل حرمة النظر.

والذي وقفت عليه من الأخبار في هذه المسألة منه ـ ما رواه المشايخ الثلاثة عن ابي النمير مولى الحارث بن المغيرة (1) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) حدثني عن الصبي إلى كم تغسله النساء؟ قال الى ثلاث سنين». وما رواه الشيخ في الموثق عن عمار الساباطي عن الصادق (عليه‌السلام) (2) «انه سئل عن الصبي تغسله امرأة؟ فقال انما تغسل الصبيان النساء ، وعن الصبية ولا تصاب امرأة تغسلها؟ قال يغسلها رجل اولى الناس بها». وما رواه في التهذيب عن محمد بن احمد مرسلا (3) قال : «روى في الجارية تموت مع الرجل فقال إذا كانت بنت أقل من خمس سنين أو ست دفنت ولم تغسل». وحكم المحقق في المعتبر والشهيد في الذكرى بان هذا الحديث مضطرب الاسناد والمتن. أقول : نقل

__________________

(1 و 2 و 3) المروية في الوسائل في الباب 23 من أبواب غسل الميت.


عن ابن طاوس انه قال «لفظ أقل هنا وهم» وهو جيد ، ويؤيده ما ذكره في الذكرى قال : «وفي جامع محمد بن الحسن إذا كانت ابنة أكثر من خمس سنين أو ست سنين دفنت ولم تغسل وان كانت ابنة أقل من خمس سنين غسلت ، قال وأسند الصدوق في كتاب المدينة ما في الجامع إلى الحلبي عن الصادق (عليه‌السلام)» ونقل الصدوق في الفقيه عن الجامع كما في الذكرى قال وذكر عن الحلبي حديثا في معناه عن الصادق (عليه‌السلام).

إذا عرفت ذلك فاعلم ان الظاهر انه لا إشكال في تغسيل النساء ابن ثلاث سنين لاتفاق خبري أبي النمير وعمار عليه بحمل إطلاق خبر عمار على مقيد خبر ابي النمير مضافا الى اتفاق الأصحاب كما عرفت من نقل الأقوال المتقدمة ، واما تغسيل الرجل بنت ثلاث سنين أو أزيد فالمعتمد فيه على الرواية المشار إليها في الجامع وان كانت مرسلة وكذا في كتاب مدينة العلم كما صرح به في الذكرى ، ويعضدها ايضا ان الظاهر ان جواز الغسل تابع لحل النظر واللمس ولا ريب في جوازهما الى الصغير والصغيرة في حال الحياة فيكون كذلك في حال الموت بعين ما تقدم من كلامهم في الزوجين ، وبذلك يظهر ما في دعوى صاحب المعتبر من استناده في تحريم تغسيل الرجل الصبية مطلقا الى ان الأصل حرمة النظر فان هذا الأصل ممنوع لعدم الخلاف نصا وفتوى في جواز النظر في حال الحياة وتحريمه هنا يحتاج الى دليل وإلا فالأصل بقاء الجواز ، وبالجملة فالظاهر هو القول بما دلت عليه الأخبار المذكورة بعد تقييد مطلقها بمقيدها.

واعلم ان المتبادر من تحديد السن هنا وفي الصلاة انما هو بالنسبة إلى الموت بان يموت على نهاية الثلاث مثلا فلا اعتبار بما بعده وان طال ، فيمكن على هذا حصول الموت على نهاية الثالثة ووقوع الغسل بعد ذلك ، فلا يشترط في صحة الحكم وقوع الغسل قبل تمام الثالثة ، وبه يندفع ما ذكره المحقق الشيخ علي (رحمه‌الله) من ان ثلاث سنين إذا كان نهاية الجواز فلا بد من كون الغسل واقعا قبل تمامها فإطلاق ابن ثلاث سنين يحتاج


الى التنقيح ، ثم قال : الا ان يصدق على من شرع في الثالثة انه ابن ثلاث سنين انتهى فإنه مبني على ان نهاية تحديد السن بذلك الغسل وليس كذلك بل الموت كما ذكرنا.

(المسألة الخامسة) ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ـ بل ادعى عليه في المعتبر ـ الإجماع انه لا يغسل الرجل من ليس له بمحرم ولا المرأة من ليس لها بمحرم عدا ما تقدم في مسألة الصبي والصبية ، وعن الشيخ انه صرح في النهاية والمبسوط والخلاف بسقوط التيمم والحال هذه ، وبه قطع في المعتبر ، قال : «لان المانع من الغسل مانع من التيمم وان كان الاطلاع مع التيمم أقل لكن النظر محرم قليله وكثيره» وعن المفيد (عطر الله مرقده) وجوب التغسيل من وراء الثياب وكذا عن ابن زهرة وابي الصلاح إلا أنهما أوجبا تغميض العينين.

والاخبار في هذه المسألة في غاية الاختلاف إلا ان أكثرها وأصحها يدل على القول المشهور :

ومنها ـ ما رواه الصدوق في الصحيح عن عبد الله بن علي الحلبي عن الصادق (عليه‌السلام) (1) «انه سأله عن المرأة تموت في السفر وليس معها ذو محرم ولا نساء قال : تدفن كما هي بثيابها. وعن الرجل يموت وليس معه إلا النساء ليس معهن رجال؟ قال : يدفن كما هو بثيابه».

وعن عبد الله بن ابي يعفور في الصحيح (2) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يموت في السفر مع النساء ليس معهن رجل كيف يصنعن به؟ قال يلففنه لفا في ثيابه ويدفنه ولا يغسلنه».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله البصري (3) قال : «سألته عن امرأة ماتت مع رجال؟ قال تلف وتدفن ولا تغسل».

ومنها ـ صحيحة أبي الصباح الكناني ورواية داود بن سرحان وقد تقدمتا

__________________

(1 و 2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 21 من أبواب غسل الميت.


في المسألة الثانية (1) ، ومنها ـ موثقة سماعة ورواية زيد الشحام وقد تقدمتا في المسألة الثالثة (2).

وهذه الروايات كلها ظاهرة المقالة متعاضدة الدلالة في عدم الغسل والأمر بالدفن بثيابه.

ومنها ـ ما رواه في التهذيب عن جابر عن الباقر (عليه‌السلام) (3) «في رجل مات ومعه نسوة وليس معهن رجل؟ قال : يصببن الماء من خلف الثوب ويلففنه في أكفانه من تحت الستر ويصلين عليه صفا ويدخلنه قبره. والمرأة تموت مع الرجال ليس معهم امرأة؟ قال : يصبون الماء من خلف الثوب ويلفونها في أكفانها ويصلون ويدفنون». وعن ابي بصير (4) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن امرأة ماتت في سفر وليس معها نساء ولا ذو محرم؟ فقال : يغسل منها موضع الوضوء ويصلى عليها وتدفن».

وعن جابر عن الصادق (عليه‌السلام) (5) قال : «سئل عن المرأة تموت وليس معها محرم؟ قال يغسل كفيها».

وعن عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي (عليهم‌السلام) (6) قال : «اتى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نفر فقالوا ان امرأة توفيت معنا وليس معها ذو محرم؟ فقال كيف صنعتم بها؟ فقالوا صببنا الماء عليها صبا. فقال اما وجدتم امرأة من أهل الكتاب تغسلها؟ فقالوا لا فقال أفلا يممتموها؟».

وعن المفضل بن عمر (7) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) جعلت فداك ما تقول في المرأة تكون في السفر مع رجال ليس فيهم لها ذو محرم ولا معهم امرأة فتموت المرأة ما يصنع بها؟ قال : يغسل منها ما أوجب الله تعالى عليه التيمم ولا تمس ولا

__________________

(1) ص 384 و 385.

(2) ص 394.

(3 و 4 و 5 و 6 و 7) رواه في الوسائل في الباب 22 من أبواب غسل الميت.


يكشف شي‌ء من محاسنها التي أمر الله تعالى بسترها. فقلت فكيف يصنع بها؟ قال يغسل بطن كفيها ثم يغسل وجهها ثم يغسل ظهر كفيها».

وعن داود بن فرقد (1) قال : «مضى صاحب لنا يسأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المرأة تموت مع رجال ليس فيهم ذو محرم هل يغسلونها وعليها ثيابها؟ فقال اذن يدخل ذلك عليهم ولكن يغسلون كفيها».

وعن عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي (عليهم‌السلام) (2) قال : «إذا مات الرجل في السفر مع النساء ليس فيهن امرأته ولا ذو محرم من نسائه؟ قال يؤزرنه إلى الركبتين ويصببن عليه الماء صبا ولا ينظرن الى عورته ولا يلمسنه بأيديهن. الحديث». وقد تقدم تمامه في سابق هذه المسألة (3).

وعن أبي حمزة عن الباقر (عليه‌السلام) (4) قال : «لا يغسل الرجل المرأة إلا ان لا توجد امرأة».

وعن عبد الله بن سنان (5) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : المرأة إذا ماتت مع الرجال فلم يجدوا امرأة تغسلها غسلها بعض الرجال من وراء الثوب ويستحب ان يلف على يديه خرقة».

وعن ابي سعيد (6) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول إذا ماتت المرأة مع قوم ليس لها فيهم ذو محرم يصبون عليها الماء صبا ، ورجل مات مع نسوة ليس فيهن له محرم فقال أبو حنيفة يصببن الماء عليه صبا فقال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : بل يحل لهن ان يمسسن منه ما كان يحل لهن ان ينظرن منه اليه وهو حي فإذا بلغن الموضع الذي لا يحل لهن النظر اليه ولا مسه وهو حي صببن الماء عليه صبا».

أقول : هذا ما وقفت عليه من اخبار المسألة ، والشيخ وجملة ممن تبعه قد حملوا

__________________

(1 و 2 و 4 و 5 و 6) رواه في الوسائل في الباب 22 من أبواب غسل الميت.

(3) ص 395.


هذه الاخبار الأخيرة على الاستحباب كما هي قاعدتهم المطردة في جميع الأبواب. وأنت خبير بما هي عليه من الاختلاف والاضطراب ومنافاة بعضها بعضا ، ففي بعض التغسيل من وراء الثياب وفي آخر يغسل منها موضع الوضوء وفي ثالث يغسل كفيها وفي رابع الأمر بالتيمم وفي خامس يغسل منها ما أوجب الله تعالى عليه التيمم وفي سادس المنع من التغسيل من وراء الثوب الذي دل عليه بعضها والأمر بغسل الكفين خاصة وفي سابع يؤزرنه إلى الركبتين ويصببن عليه الماء صبا ، ومن الظاهر البين ان العمل بهذه الاخبار يتوقف أولا على الجمع بينها على وجه يندفع به التنافي ، وانى به سيما مع ما تدل عليه من جواز النظر والمباشرة الذين لا ريب في تحريمهما خصوصا الرواية الأخيرة الدالة على جواز مس النساء للرجل ما كان يحل لهن النظر اليه منه في حال حياته. وبالجملة فالإعراض عنها وردها إلى قائلها هو الأظهر والعمل على هذه المسألة على ما هو الأشهر. واما خبر أبي حمزة وخبر عبد الله بن سنان المذكور بعده فالظاهر حملهما على المحارم فلا يكونان من اخبار هذه المسألة ، ويدل على ذلك قوله في الثاني منهما : «ويستحب ان يلف على يديه خرقة» المشعر بجواز المس. والله العالم.

(المسألة السادسة) ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه مع تعذر المسلم والمحرم يجوز ان يغسل الكافر المسلم وهكذا المرأة المسلمة تغسلها الكافرة إذا لم تكن مسلمة ولا محرم ويكون ذلك بعد اغتسال الكافر والكافرة ، واستدلوا على ذلك بما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) في الموثق عن عمار عن الصادق (عليه‌السلام) (1) في حديث قد تقدم صدره وفيه قال : «قلت فان مات رجل مسلم وليس معه رجل مسلم ولا امرأة مسلمة من ذوي قرابته ومعه رجال نصارى ونساء مسلمات ليس بينه وبينهن قرابة؟ قال يغتسل النصارى ثم يغسلونه فقد اضطر. وعن المرأة المسلمة تموت وليس معها امرأة مسلمة ولا رجل مسلم من ذوي قرابتها ومعها نصرانية ورجال مسلمون ليس بينها وبينهم

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 19 من أبواب غسل الميت وقد تقدم صدره ص 394.


قرابة؟ قال تغتسل النصرانية ثم تغسلها. الحديث». ورواية عمرو بن خالد عن زيد ابن علي المتقدمة في سابق هذه المسألة (1) أقول : ويدل عليه ايضا ما ذكر في الفقه الرضوي حيث قال (عليه‌السلام) (2) : «وان مات ميت بين رجال نصارى ونسوة مسلمات غسله الرجال النصارى بعد ما يغتسلون ، وان كان الميت امرأة مسلمة بين رجال مسلمين ونسوة نصرانية اغتسلت نصرانية وغسلتها».

قال المحقق في المعتبر بعد نقل الخبرين الأولين : «وعندي في هذا توقف والأقرب دفنها من غير غسل لان غسل الميت يفتقر إلى النية والكافر لا تصح منه نية القربة ثم طعن في الحديث الأول بأن السند كله فطحية وهو مناف للأصل والحديث الثاني بأن رجاله زيدية وحديثهم مطرح بين الأصحاب. وفيه ما عرفت فيما تقدم في غير موضع من منافاة هذا الكلام لما قرره في صدر كتابه مما ملخصه ان ضعف الخبر لا يوجب الطعن مع عمل الأصحاب به واتفاقهم على القول بمضمونه ، والأمر هنا كذلك فإنه لم يظهر لهذا الحكم مخالف قبله وان تبعه فيه بعده من تبعه ، ومتى ثبت قبول الخبرين فلا وجه لما ذكره من الكلام في أمر النية فإنه متى دل الدليل على الجواز دل على صحة نية الكافر وصار الطعن بما ذكره اجتهادا في مقابلة النص.

قال شيخنا الشهيد (رحمه‌الله) في الذكرى بعد ذكر الحكم المذكور : «ولا اعلم مخالفا لهذا من الأصحاب سوى المحقق في المعتبر محتجا بتعذر النية من الكافر مع ضعف السند. وجوابه منع النية هنا أو الاكتفاء بنية الكافر كالعتق والضعف منجبر بالعمل ، فان الشيخين نصا عليه وابنا بابويه وابن الجنيد وسلار والصهر شتى وابن حمزة والمحقق في غير المعتبر وابن عمه نجيب الدين يحيى بن سعيد. نعم لم يذكره ابن ابي عقيل ولا الجعفي ولا ابن البراج في كتابيه ولا ابن زهرة ولا ابن إدريس ولا الشيخ

__________________

(1) ص 399.

(2) ص 18.


في الخلاف ، وللتوقف فيه مجال لنجاسة الكافر في المشهور فكيف يفيد غيره الطهارة؟» انتهى وهو جيد.

أقول : لا يخفى ان الاخبار مختلفة في طهارة أهل الكتاب ونجاستهم وهذه الاخبار من جملة ما يدل على الطهارة ، فمن ترجح عنده القول بالطهارة فلا اشكال عنده في هذه المسألة من هذه الجهة ، ومن ترجح عنده القول بالنجاسة ـ كما هو الأظهر ـ فللتوقف في هذا الحكم عنده مجال وان كان ظاهر الكل ممن قال بالطهارة أو النجاسة قد حكموا بصحة هذا الحكم هنا ، وهو مشكل كما ذكره شيخنا المشار اليه.

فرع

قال في الذكرى : «لو وجد بعد الغسل الاضطراري فاعل الاختياري فلا اعادة في غير من غسله كافر للامتثال ، والأقرب الإعادة في الكافر لعدم الطهارة الحقيقية» انتهى أقول : هذه الأقربية انما تتم على القول بنجاسة أهل الكتاب كما أشرنا إليه آنفا واما على القول بطهارتهم فيصير الحكم فيه كسائر الافراد الاضطرارية من عدم وجوب الإعادة بل لا يبعد القول بتعين الإعادة على القول بالنجاسة ، وبالجملة فإن من حكم بالأخبار المذكورة وأوجب الغسل في الصورة المشار إليها من غير توقف عنده ولا اشكال فلا وجه للقول بالإعادة عنده ، لأن المأمور به في تلك الحال هو الغسل على هذه الكيفية وامتثال الأمر يقتضي الاجزاء ، واما من توقف في العمل بالاخبار وحصل له الاشكال بما ذكرناه في هذا المجال فلا ريب في تحتم الإعادة عنده لعدم حصول يقين البراءة عنده بذلك الغسل ، وبه يظهر ما في كلام صاحب الذخيرة في هذا المقام حيث انه بعد ان ذكر المسألة وما ورد فيها من الخبرين المتقدمين ونقل عن المحقق استضعاف الخبرين وان الكافر لا تصح منه القربة اعترضه فقال : «وفيه منع ، ثم قال : والظاهر عدم العدول عن الخبرين لما أشرنا إليه آنفا من ان الظاهر جواز العمل بالأخبار الموثقة خصوصا مع


اعتضادها بغيرها وبالشهرة بين الأصحاب وسلامتها من المعارض وتأيدها بالعمومات ، ثم قال : وهل تجب اعادة الغسل لو وجد من يجوز له تغسيله من المسلمين؟ فيه قولان أقربهما نعم لأن المأمور به لم يوجد للتعذر فإذا ارتفع العذر لم يكن هنا معدل عن وجوبه» وفيه ان مقتضى الكلام الأول صحة العمل بالخبرين المذكورين وقبولهما من غير اشكال لما ذكره من المؤيدات ومقتضى ذلك عدم وجوب الإعادة ، وقوله في الكلام الثاني : «لأن المأمور به لم يوجد» ان أراد المأمور به من ان يغسله مسلم فهو غير مسلم لأن المأمور به في الحال المذكورة انما هو غسل الكافر لتعذر المسلم فالمسلم غير مأمور به لتعذره وإلا للزم تكليف ما لا يطاق إذ الفرض تعذره فكيف يؤمر به والحال كذلك؟ ومتى ثبت ان المأمور به في تلك الحال انما هو الكافر للخبرين المذكورين المؤيدين عنده بما ذكر من وجوه التأييدات ثبت عدم الإعادة لأن امتثال الأمر يقتضي الاجزاء والإعادة تحتاج الى دليل وليس فليس ، وهذا بحمد الله سبحانه واضح لا شبهة فيه. والله العالم.

وفي المقام فوائد (الأولى) ـ هل يصح الغسل من المميز أم لا؟ قولان ، وتفصيل الكلام في المقام ان يقال ان غسل الميت ان كان انما هو لتطهيره من نجاسة الموت من غير ان تعتبر فيه النية ـ كما هو أحد القولين في المسألة ـ فلا كلام في وقوعه من المميز فإنه كغسل الثوب من النجاسة ، وان اعتبرنا فيه النية بناء على انه عبادة ـ كما هو المشهور والمؤيد المنصور ـ فاحتمالان : أحدهما صحة ذلك لان المميز يصح منه نية القربة ولأنه مأمور بالعبادة وهو يستلزم صحة نية القربة منه وإلا لامتنع الأمر له بذلك واختار ذلك العلامة في بعض كتبه والمحقق في المعتبر ، والثاني العدم لعدم وقوع النية منه على الوجه المعتبر شرعا لانه تمرين ، وبه قال الشهيد في الدروس ، وقال في الذكرى : «المميز صالح لتغسيل الميت لصحة طهارته وامره بالعبادة ، ويمكن المنع لان فعله تمرين والنية معتبرة» انتهى. وهو مؤذن بنوع توقف في ذلك. والظاهر عندي هو الأول للأخبار الكثيرة الواردة في جواز عتق ابن عشر سنين ووصيته وصدقته ونحو ذلك ،


وسيأتي في المباحث الآتية ان شاء الله تعالى ما فيه مزيد تحقيق للمقام.

(الثانية) ـ منع صاحب الفاخر من تغسيل الجنب والحائض الميت ، فإن أراد التحريم فهو مردود برواية يونس بن يعقوب المتقدمة عن الصادق (عليه‌السلام) (1) قال : «لا تحضر الحائض الميت ولا الجنب عند التلقين ولا بأس ان يليا غسله». وبه صرح ابن بابويه ، وقد تقدم نقل ذلك ايضا عن الفقه الرضوي (2).

(الثالثة) ـ إذا فقد الزوج والنساء في المرأة ووجد الأب والجد فالمشهور ان الأب أولى لكونه هو الاولى بالميراث ، ونقل عن ابن الجنيد ان الجد اولى لصلاحيته لولاية الأب ولتقديمه في النكاح. ورد بأنه معارض بالقرب وتقدمه في الحضانة. والله العالم

(المقام الثاني) ـ في المغسول وهو المسلم الغير الشهيد ويلحق به صدره منضما أو منفردا إجماعا نصا وفتوى ، وتفصيل هذه الجملة يقع في مسائل :

(الأولى) ـ المشهور بين المتأخرين ان كل مظهر للشهادتين وان لم يكن معتقدا للحق يجوز تغسيله عدا الخوارج والغلاة فيغسله غسل المخالفين ، ولو تعذر معرفته غسله غسل الإمامية. وقال المفيد (عطر الله مرقده) في المقنعة : «ولا يجوز لأحد من أهل الايمان ان يغسل مخالفا للحق في الولاية ولا يصلي عليه إلا ان تدعو ضرورة الى ذلك من جهة التقية» واستدل له الشيخ في التهذيب بان المخالف لأهل الحق كافر فيجب ان يكون حكمه حكم الكفار إلا ما خرج بدليل وإذا كان غسل الكافر لا يجوز فيجب ان يكون غسل المخالفين ايضا غير جائز ، ثم قال : والذي يدل على ان غسل الكافر لا يجوز إجماع الإمامية لأنه لا خلاف بينهم في ان ذلك محظور في الشريعة. أقول : وهذا القول عندي هو الحق الحقيق بالاتباع لاستفاضة الأخبار بكفر المخالفين وشركهم ونصبهم ونجاستهم كما أوضحناه بما لا مزيد عليه في الشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب وما يترتب عليه من المطالب. وممن اختار هذا القول ابن البراج ايضا على ما نقل عنه ،

__________________

(1) المروية في الوسائل في الباب 43 من أبواب الاحتضار.

(2) الفقه ص 17.


وهو لازم للمرتضى وابن إدريس لقولهما بكفر المخالف الا اني لم أقف على نقل مذهبهما في هذه المسألة ، لكن ابن إدريس صرح بذلك في السرائر في مسألة الصلاة بعد ان اختار مذهب المفيد في عدم جواز الصلاة على المخالف ، فقال ما هذا لفظه : «وهو أظهر ويعضده القرآن وهو قوله تعالى : «وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً ..(1) يعني الكفار ، والمخالف لأهل الحق كافر بلا خلاف بيننا» وبذلك صرح جملة من متأخري المتأخرين : منهم ـ الفاضل المولى محمد صالح المازندراني في شرح أصول الكافي ، حيث قال : «ومن أنكرها يعني الولاية فهو كافر حيث أنكر أعظم ما جاء به الرسول وأصلا من أصوله» ومنهم ـ الفاضل المحقق المولى أبو الحسن الشريف المجاور بالمشهد الغروي على مشرفه أفضل الصلاة والسلام على ما وجدته في شرحه على الكفاية وهو من أفضل تلامذة شيخنا المجلسي ، حيث ان صاحب الكتاب المذكور ممن يحكم بإسلام المخالفين تبعا للمشهور بين المتأخرين حيث قال في مطاوي كلام له : «وليت شعري أي فرق بين من كفر بالله ورسوله ومن كفر بالأئمة؟ مع ان كل ذلك من أصول الدين الى ان قال : ولعل أصل الشبهة عندهم زعمهم كون المخالف مسلما حقيقة ، وهو توهم فاسد مخالف للاخبار المتواترة ، والحق ما قاله علم الهدى من كونهم كفارا مخلدين في النار ، ثم نقل بعض الاخبار الدالة على ذلك ثم قال : ان الاخبار أكثر من ان تحصى وليس هذا موضع ذكرها وقد تعدت عن حد التواتر ، وعندي ان كفر هؤلاء من أوضح الواضحات في مذهب أهل البيت (عليهم‌السلام)» انتهى كلامه. واما ما استدل به في الذكرى ـ ان محل الغسل المسلم من قول الصادق (عليه‌السلام): «اغسل كل الموتى إلا من قتل بين الصفين» (2). ـ ففيه انه على عمومه غير معمول عليه لتصريحهم باستثناء بعض الموتى كما قدمنا نقله عنهم في صدر المسألة فكما استثنى من ذكروه بالأدلة الدالة على الكفر فكذا ما ندعيه للأدلة الصحيحة الصريحة الدالة على كفر هؤلاء المذكورين ، وليس هذا موضع ذكرها ومن أحب الوقوف

__________________

(1) سورة التوبة. الآية 85.

(2) الوسائل الباب 14 من غسل الميت.


عليها فليرجع الى كتابنا المذكور آنفا. وقال صاحب المدارك هنا بعد ان نقل كلام الشيخين المذكورين ما لفظه : «والمسألة قوية الاشكال وان كان الأظهر عدم وجوب تغسيل غير المؤمن» واقتفاه في الذخيرة أيضا فقال : «ولم اطلع على دليل يدل على وجوب الغسل لكل مسلم ولا إجماع ههنا والأصل يقتضي عدم وجوب تغسيل غير المؤمن» انتهى. ولا يخفى ما فيه بعد الإحاطة بما أسلفناه ، فإنه مع ثبوت الحكم بالإسلام فالواجب اجراء جميع أحكامه ولو بالأدلة العامة ان لم توجد الخاصة بذلك الجزئي ، والعمومات الدالة على غسل الميت موجودة ومع الحكم بإسلام المخالف فلا وجه للعدول عنها. وبالجملة فإن الأصحاب في هذه المسألة بين قائلين اما بالإسلام فيجب الغسل البتة أو بالكفر فلا يجب بل لا يجوز ، واحداث هذا القول في البين مما لا وجه له.

تنبيهات : (الأول) ـ لا خلاف نصا وفتوى في ان المتولد من المسلم في حكم المسلم طفلا كان أو مجنونا أو سقطا لأربعة أشهر فصاعدا ، وقد تقدم في المسألة الرابعة من المقام المتقدم (1) جملة من اخبار غسل الصبي والصبية. واما ما يدل على حكم السقط فجملة من من الاخبار ايضا ، ومنها ـ ما رواه في الكافي عن زرارة عن الصادق (عليه‌السلام) (2) قال : «السقط إذا تم له أربعة أشهر غسل». وعن سماعة في الموثق عن ابي الحسن الأول (عليه‌السلام) (3) قال : «سألته عن السقط إذا استوت خلقته يجب عليه الغسل واللحد والكفن؟ فقال كل ذلك يجب عليه». ورواه الشيخ في الموثق ايضا مثله بأدنى تفاوت (4) وما رواه الشيخ عن احمد بن محمد عمن ذكره (5) قال : «إذا تم للسقط أربعة أشهر غسل. الحديث». وفي الفقه الرضوي (6) «وإذا أسقطت المرأة وكان السقط تاما غسل وحنط وكفن ودفن ، وان لم يكن تاما فلا يغسل ويدفن بدمه ، وحد تمامه إذا اتى عليه أربعة أشهر». وبهذه العبارة عبر الصدوق في الفقيه ، وقال في المدارك بعد ذكر

__________________

(1) ص 396.

(2 و 3 و 4 و 5) الوسائل الباب 12 من غسل الميت.

(6) ص 19.


مرفوعة محمد بن احمد ثم موثقة سماعة ما لفظه : «ثم لا يخفى ان الحكم في الرواية الثانية وقع معلقا على استواء الخلقة لا على بلوغ الأربعة اللهم الا ان يدعى التلازم بين الأمرين وإثباته مشكل» انتهى. أقول : لا اشكال بحمد الملك المتعال بعد ورود ذلك في اخبار الآل (عليهم صلوات ذي الجلال) ، ومنها ـ ما رواه في الكافي (1) في الموثق عن الحسن ابن الجهم قال : «سمعت أبا الحسن الرضا (عليه‌السلام) يقول : قال أبو جعفر (عليه‌السلام) ان النطفة تكون في الرحم أربعين يوما ثم تصير علقة أربعين يوما ثم تصير مضغة أربعين يوما فإذا كمل أربعة أشهر بعث الله تعالى ملكين خلاقين فيقولان يا رب ما نخلق ذكرا أو أنثى؟ فيؤمران. الحديث». وعن محمد بن إسماعيل أو غيره (2) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) جعلت فداك ندعو للحبلى ان يجعل الله تعالى ما في بطنها ذكرا سويا؟ قال تدعوا ما بينه وبين أربعة أشهر فإنه أربعين ليلة نطفة وأربعين ليلة علقة وأربعين ليلة مضغة فذلك تمام أربعة أشهر ثم يبعث الله تعالى ملكين خلاقين. الحديث». ونحو ذلك أيضا صحيحة زرارة (3).

وهذه الاخبار ـ كما ترى ـ صريحة في انه بتمام الأربعة تمت خلقته ، وبذلك صرح (عليه‌السلام) في الفقه الرضوي كما سمعت واماما رواه الشيخ عن محمد بن الفضيل (4) قال : «كتبت الى ابي جعفر (عليه‌السلام) اسأله عن السقط كيف يصنع به؟ قال السقط يدفن بدمه في موضعه». فحملها الشيخ ومن تبعه على من نقص عن الأربعة ، وهو جيد بقي الكلام في انه بعد غسله هل يجب تكفينه أو يلف بخرقة ويدفن؟ قولان وبالأول صرح الشهيد في الذكرى وجمع من الأصحاب وبالثاني المحقق ، والظاهر الأول لما عرفت من دلالة موثقة سماعة على ذلك وكذا عبارة كتاب الفقه ، والظاهر ان المراد منه التكفين بالقطع الثلاث لانه المتبادر من اللفظ.

__________________

(1) ج 2 ص 85.

(2) ج 2 ص 85.

(3) ج 2 ص 85.

(4) رواه في الوسائل في الباب 12 من أبواب غسل الميت.


ولو نقص السقط عن الأربعة سقط غسله ، وذكر الأصحاب انه يجب لفه في خرقة ولم أقف على مستنده. والمفهوم من عبارة كتاب الفقه هو انه يدفن بدمه من غير تعرض للفه ، وكذا رواية محمد بن الفضيل المتقدمة المحمولة على ما قبل الأربعة.

(الثاني) ـ قيل ويلحق بالمسلم أيضا في الحكم المذكور مسبيه ولقيط دار الإسلام أو دار الكفر وفيها مسلم صالح للاستيلاد بحيث يمكن الحاقه به والطفل المتخلق من الزنا ، واستشكل الشهيد الثاني في كون الطفل المسبي إذا كان السابي مسلما والطفل المتخلق من ماء الزاني بحكم المسلم فيجب تغسيلهما ، نظرا الى الشك في تبعية المسبي في جميع الأحكام وانما المعلوم تبعيته في الطهارة وعدم لحوق الثاني بالزاني شرعا ، والى إطلاق الحكم بالتبعية وكون الثاني ولدا لغة فيتبعه في الإسلام كما يحرم نكاحه. انتهى. وهو جيد

واما ابن الزنا البالغ المظهر للإسلام فلا خلاف في وجوب تغسيله كما ادعاه في المنتهى إلا من قتادة كما ذكره.

(الثالث) ـ المفهوم من عبائر كثير من الأصحاب في غسل المخالف هو الجواز على كراهية حيث انهم صرحوا بأنه يجوز غسله وصرحوا في المكروهات بأنه يكره ، والظاهر ان المراد من الجواز هنا هو معناه الأعم فيدخل فيه الواجب ، قال شيخنا صاحب رياض المسائل : «وفي وجوب تغسيل المخالف غير المحكوم بكفره كالناصب ونحوه خلاف والأكثر على الوجوب ، وما يظهر من عبارات كثير من الأصحاب من الحكم بالجواز فالمراد به الجواز بالمعنى الأعم الشامل للواجب ، وما في بعضها من الحكم بجوازه على كراهية ربما ظهر منه عدم الوجوب في بادي الرأي وليس كذلك بل الكراهة في متعلقة اي التعرض لتغسيله مع وجود الغير من المخالفين أو بمعنى نقص الثواب اي ان تغسيله ليس كتغسيله المؤمن في الأجر» انتهى. وقال في المدارك ـ بعد قول المصنف في تعداد المكروهات : وان يغسل مخالفا فان اضطر غسله غسل أهل الخلاف ـ ما لفظه : «المراد بالكراهة هنا معناها المتعارف في العبادات ان ثبت وجوب تغسيل


المخالف وإلا كان تغسيله مكروها بالمعنى المصطلح أو محرما وقد تقدم الكلام فيه ، واما تغسيله غسل أهل الخلاف فربما كان مستنده ما اشتهر من قولهم (عليهم‌السلام) (1) : «ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم». ولا بأس به انتهى.

أقول : لا يخفى ما في هذه الكلمات كملا من الاختلال والاضطراب والخروج عن جادة الحق والصواب ، وذلك انه متى ثبت بالأدلة المروية وجوب تغسيل المسلمين وان الخطاب متوجه إلى كافة المكلفين وان الغسل الشرعي الذي أمر به الشارع هو ان يكون على هذه الكيفية المشهورة بين الإمامية فالواجب على من توجه اليه الخطاب من المسلمين الموجودين ان يغسل هذا الميت المسلم بهذه الكيفية المنصوصة مخالفا كان أو مؤالفا فما ذكروه من هذه الكراهة ومن التعبير بالجواز ومن التخصيص بحال الاضطرار فكله مما لا يعرف له وجه وجيه كما لا يخفى على الفطن النبيه ، فإنهم كما أوجبوا إجراء أحكام الإسلام على المخالف في حال الحياة من الحكم بطهارته ومناكحته وحقن ماله ودمه وموارثته ونحو ذلك فكذا بعد الموت ، واي دليل دل على الفرق بين الحالين حتى يتم ما ذكروه من هذه التخريجات؟ فان الجميع مرتب على الإسلام ، والقائلون بمنع تغسيله انما صاروا اليه من حيث حكمهم بالكفر وهو ظاهر ، واما مع الحكم بالإسلام فكما انه لا فرق بينه وبين المؤمن في حال الحياة في تلك الأحكام فكذلك بعد الممات إلا ان يدل دليل على الفرق وليس فليس ، وأيضا فإن الكراهة حكم شرعي يتوقف على الدليل واي دليل على كراهة غسل المخالف مع الحكم بإسلامه؟ فإن كان لمجرد كونه مخالفا فلأي شي‌ء لم يثبتوا هذه الكراهة في الأحكام المترتبة على الحياة بل جعلوه مثل المؤمن مطلقا؟ على ان الكراهة في العبادات انما هو باعتبار وقوع العبادة على أنواع بعضها أكثر ثوابا وبعضها أقل ثوابا بالنسبة إلى أصل العبادة الخالية مما يوجب الراجحية أو المرجوحية كما تقدم تحقيقه ، وهذا

__________________

(1) المروي في الوسائل في الباب 29 من مقدمات الطلاق وشرائطه والباب 4 من ميراث الاخوة والأجداد.


مما لا مجال له في هذا المقام ، لان غسل المسلمين كملا واجب وهذا أحدهم ولم يرد هنا ما يدل على أفضلية غسل نوع من أنواع المسلمين وأكثرية ثوابه واقلية آخر ، ولو أريد باعتبار نقصان قدر المخالف وانحطاط درجته وان كان مسلما جرى ذلك في الجاهل من المسلمين والمستضعفين بالنسبة إلى العالم الفاضل الورع مع انهم لم يصرحوا هنا بالكراهة ، وأيضا فإنه على تقدير عدم الوجوب كما ذهب إليه في المدارك فإنه لا معنى لهذه الكراهة التي ذكرها بالمعنى المصطلح لان محلها الأمور الراجحة الترك الجائزة والغسل عندهم من العبادات الشرعية كما صرحوا به ، وحينئذ فإن تم الدليل على وجوبه كان واجبا وان لم يثبت كان محرما ولا وجه للقول بالجواز فيه حتى يمكن إجراء الكراهة بالمعنى المصطلح فيه. واما كون غسل المخالفين مخالفا لغسل الإمامية فهو ايضا لا يسوغ لهم العدول عن الغسل الشرعي عندهم المأمورين به إذ الخطاب المتعلق بهم والوجوب الذي لزمهم باعترافهم انما هو بهذا الغسل المعمول عليه عندهم فالإتيان بغيره غير مبرئ للذمة ، واما ما ذكره المحقق من الضرورة فإنه لا معنى له على القول بالإسلام ووجوب تغسيلهم كما هو مذهبه ، بل الضرورة إنما تتجه على مذهب من قال بتحريم غسلهم كما تقدم في عبارة المفيد القائل بتحريم غسلهم لكفرهم ، فإنه قد تلجئه التقية من المخالفين الى مداخلتهم ومساعدتهم في مثل هذا وغيره فيغسله غسلهم ، واما من يوجب غسله كغيره من المؤمنين فإنه لا يجد بدا من القيام به لوجوبه عليه كفاية أو عينا ان انحصر الأمر فيه ولا يتوقف تغسيله له على الضرورة ، نعم ربما تكون الضرورة بالتقية ملجئة إلى الانتقال من غسله غسل أهل الحق إلى تغسيله غسل المخالفين ، فالضرورة ليست متعلقة بأصل الغسل وانما هي بالانتقال من أحد الفردين الى الآخر ، وبذلك يظهر ما في استدلاله في المدارك بالخبر المذكور على ذلك فإنه لا معنى له وانما المستند التقية. وبالجملة فإني لا اعرف لهذه الكلمات الملفقة في هذا المقام وجها يبتنى عليه الكلام وينتسق به النظام بل هو أظهر في البطلان من ان يحتاج بعد ما ذكرناه الى مزيد بيان والله العالم.


(الرابع) ـ الظاهر انه لا خلاف في انه لا يجوز للمسلم تغسيل الكافر وان كان ذميا ولا تكفينه ولا دفنه ولو كان من قرابته أبا أو اما أو نحوهما ، ونقل في الذكرى الإجماع عليه واستدل بالآية وهي قوله سبحانه : ... وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ...» (1) قال وأولادهم يتبعونهم. أقول : ويدل على ذلك من الأخبار ما رواه الشيخ في الموثق عن عمار ابن موسى عن الصادق (عليه‌السلام) (2) : «انه سئل عن النصراني يكون في السفر وهو مع المسلمين فيموت؟ قال لا يغسله مسلم ولا كرامة ولا يدفنه ولا يقوم على قبره وان كان أباه». ورواه الصدوق بإسناده عن عمار مثله ، ورواه الكليني مثله الى قوله : «ولا يقوم على قبره» (3). ونقل المحقق في المعتبر عن شرح الرسالة للمرتضى انه روى فيه عن يحيى بن عمار عن الصادق (عليه‌السلام) النهي عن تغسيل المسلم قرابته الذمي والمشرك وان يكفنه ويصلي عليه ويلوذ به (4). وروى احمد بن ابي طالب الطبرسي في الاحتجاج عن صالح بن كيسان (5) : «ان معاوية قال للحسين (عليه‌السلام) هل بلغك ما صنعنا بحجر بن عدي وأصحابه شيعة أبيك؟ فقال (عليه‌السلام) وما صنعت بهم؟ قال قتلناهم وكفناهم وصلينا عليهم. فضحك الحسين (عليه‌السلام) فقال خصمك القوم يا معاوية لكنا لو قتلنا شيعتك ما كفناهم ولا غسلناهم ولا صلينا عليهم ولا دفناهم». وعن المرتضى في شرح الرسالة انه قال : «فان لم يك له من يواريه جاز مواراته لئلا ينتفخ» قال في الذكرى ـ بعد نقل ذلك عن المرتضى والاحتجاج بقوله تعالى : «... وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً ...» (6) وبتغسيل علي (عليه‌السلام) أباه وبجواز تغسيله حيا ـ يرد بأن ما بعد الموت من الآخرة لا من الدنيا ، ونمنع كون ذلك معروفا لانه لم يعلم التجهيز إلا من الشرع فيقف على دلالة الشرع ، وأبو علي (عليه‌السلام) قد قامت الأدلة القطعية على انه مات

__________________

(1) سورة المائدة. الآية 51.

(2 و 3 و 4 و 5) رواه في الوسائل في الباب 18 من أبواب غسل الميت.

(6) سورة لقمان. الآية 14.


مسلما وهذا من جملتها ، والغسل حيا للتنظيف لا للتطهير بخلاف غسل الميت. انتهى. وهو جيد. والله العالم.

(المسألة الثانية) ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ان الشهيد وهو الذي قتل بين يدي الإمام (عليه‌السلام) ومات في معركة الحرب ـ لا يغسل ولا يكفن وانما يصلى عليه ويدفن ، قال في المعتبر : انه إجماع أهل العلم خلا سعيد بن المسيب والحسن فإنهما أوجبا غسله لان الميت لا يموت حتى يجنب ، قال : ولا عبرة بكلامهما. وبنحو ذلك صرح العلامة في المنتهى.

والأصل في هذه المسألة عدة من الأخبار : منها ـ ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن ابان بن تغلب (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الذي يقتل في سبيل الله تعالى أيغسل ويكفن ويحنط؟ قال يدفن كما هو في ثيابه إلا ان يكون به رمق ثم مات فإنه يغسل ويكفن ويحنط ويصلى عليه ، ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) صلى على حمزة وكفنه لانه كان قد جرد». ورواه في الفقيه بطريقه الى ابان مثله.

وعن زرارة وإسماعيل بن جابر في الصحيح عن الباقر (2) قال : «قلت له كيف رأيت الشهيد يدفن بدمائه؟ قال نعم في ثيابه بدمائه ولا يحنط ولا يغسل ويدفن كما هو ، ثم قال دفن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) عمه حمزة في ثيابه بدمائه التي أصيب فيها ورداه النبي بردائه فقصر عن رجليه فدعا له بإذخر فطرحه عليه وصلى عليه سبعين صلاة وكبر عليه سبعين تكبيرة».

وعن ابي مريم (3) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : الشهيد إذا كان به رمق غسل وكفن وحنط وصلي عليه وان لم يكن به رمق دفن في أثوابه». ورواه في الفقيه بسنده الى ابي مريم مثله. وعن ابان بن تغلب في الصحيح أو الحسن (4) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه

__________________

(1 و 2 و 3 و 4) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب غسل الميت.


السلام) يقول : الذي يقتل في سبيل الله تعالى يدفن في ثيابه ولا يغسل الا ان يدركه المسلمون وبه رمق ثم يموت بعد فإنه يغسل ويكفن ويحنط ، ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كفن حمزة في ثيابه ولم يغسله ولكنه صلى عليه».

وعن عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه (عليهم‌السلام) (1) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) ينزع عن الشهيد الفرو والخف والقلنسوة والعمامة والمنطقة والسراويل إلا ان يكون اصابه دم فإن أصابه دم ترك ولا يترك عليه شي‌ء معقود إلا حل».

وما رواه في الكافي والتهذيب عن ابي خالد (2) قال : «اغسل كل شي‌ء من الموتى الغريق وأكيل السبع وكل شي‌ء إلا ما قتل بين الصفين فان كان به رمق غسل وإلا فلا».

وعن عمرو بن خالد عن زيد عن أبيه عن آبائه (عليهم‌السلام) عن علي (عليه‌السلام) (3) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : إذا مات الشهيد من يومه أو من الغد فواروه في ثيابه وان بقي أياما حتى تتغير جراحته غسل».

وما رواه الشيخ في الموثق عن عمار عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (4) «ان عليا (عليه‌السلام) لم يغسل عمار بن ياسر ولا هاشم بن عتبة المرقال ودفنهما في ثيابهما ولم يصل عليهما». ورواه الصدوق مرسلا (5) ثم قال : «هكذا روي لكن الأصل ان لا يترك أحد من الأمة إذا مات بغير صلاة».

وقال في الفقه الرضوي (6) : «وان كان الميت قتيل المعركة في طاعة الله لم يغسل ودفن في ثيابه التي قتل فيها بدمائه ولا ينزع منه من ثيابه شي‌ء إلا انه لا يترك عليه شي‌ء معقود مثل الخف وتحل تكته ومثل المنطقة والفروة ، وان اصابه شي‌ء من دمه لم ينزع عنه شي‌ء إلا انه يحل المعقود ، ولم يغسل إلا ان يكون به رمق ثم يموت بعد ذلك فان

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب غسل الميت.

(6) ص 18.


مات بعد ذلك غسل كما يغسل الميت وكفن كما يكفن الميت ولا يترك عليه شي‌ء من ثيابه ، وان كان قتل في معصية الله تعالى غسل كما يغسل الميت وضم رأسه الى عنقه ويغسل مع البدن كما وصفناه في باب الغسل فإذا فرغ من غسله جعل على عنقه قطنا وضم إليه الرأس وشده مع العنق شدا شديدا». انتهى.

أقول : والكلام في هذه الأخبار العلية المنار يقع في مواضع (الأول) ـ المفهوم من جملة من اخبار المسألة ان من قتل في معركة الجهاد السائغ ولو مع غيبة الإمام (عليه‌السلام) كما إذا دهم المسلمين عدو يخاف منه على بيضة الإسلام فهو شهيد يجب ان يعمل به ما تضمنته هذه الاخبار ، ونقل عن الشيخين (نور الله مرقديهما) تقييد ذلك بما إذا كان مع الإمام أو نائبه وتبعهما على ذلك أكثر الأصحاب. وأنت خبير بأن جملة هذه الأخبار خالية من هذا التقييد وانما المذكور فيها قتله في سبيل الله كما في صحيحتي ابان أو بين الصفين كما في رواية أبي خالد أو في المعركة كما في الفقه الرضوي ، وبما ذكرناه صرح المحقق في المعتبر حيث قال بعد اختياره ما اخترناه ونقل قول الشيخين وإيراد بعض أخبار المسألة ـ ما لفظه : «فاشتراط ما ذكره الشيخان زيادة لم تعلم من النص» وهو حسن وبنحو ذلك صرح الشهيدان ايضا ، ولا خلاف في انه لا يشمل غير هؤلاء ممن أطلقت الشهادة عليه.

(الثاني) ـ انه قد ذكر جملة من الأصحاب بأنه قد أطلقت الشهادة في الأخبار على المقتول دون اهله وماله وعلى المبطون والغريق وغيرهم والمراد به هنا ما هو أخص من ذلك. أقول : الظاهر ان هذا التنبيه هنا مما لا حاجة إليه لأن مورد هذه الأخبار القتيل في سبيل الله والقتيل بين الصفين وفي المعركة ونحو ذلك مما يختص بالفردين المتقدمين اعني ما ذكره الشيخان ومن تبعهما من المقتول في معركة الإمام أو نائبه وما ذكره في المعتبر من المجاهدين لمن دهم بلاد الإسلام ، والتعبير بالشهيد وان وقع في بعض الأخبار إلا ان قرينة سياق باقي الخبر ظاهرة في كونه في الحرب كالأمر بنزع تلك الأشياء عنه إلا ان يصيبها


الدم ونحو ذلك. نعم هذا التنبيه يصلح بالنسبة إلى عبائر الأصحاب حيث انهم انما يعبرون في هذه المسألة بالشهيد.

(الثالث) ـ المفهوم من كلام الأصحاب إناطة الفرق في الشهيد بين وجوب تغسيله وعدمه بالموت في المعركة وعدمه فان مات في المعركة فلا غسل وان مات خارج المعركة غسل كغيره ، والمفهوم من الروايات المذكورة اناطة الفرق بإدراكه وبه رمق وعدمه فإن أدرك وبه رمق غسل وإلا فلا وهو أعم من ان يكون في معركة الحرب أم خارجها ، وعلى هذا فلو أدرك في المعركة وبه رمق ثم مات بعد ذلك فمقتضى الاخبار انه يغسل لصدق إدراكه وبه رمق وعلى كلام الأصحاب لا يغسل لصدق موته في المعركة والجمع بين الأخبار وكلامهم (رضوان الله عليهم) لا يخلو من اشكال.

(الرابع) ـ اختلف الأصحاب فيما يدفن مع الشهيد المذكور من لباسه ، فقال الشيخ يدفن معه جميع ما عليه الا الخفين ، وقد روى انه إذا أصابهما الدم دفنا معه وقال في الخلاف يدفن بثيابه ولا ينزع منه إلا الجلود. وقال الشيخ المفيد يدفن بثيابه التي قتل فيها وينزع عنه من جملتها السراويل إلا ان يكون اصابه دم فلا ينزع عنه ويدفن معه وكذلك ينزع عنه الفرو والقلنسوة وان أصابهما دم دفنا معه وينزع عنه الخف على كل حال. وقال ابن بابويه في رسالته لا ينزع عنه شي‌ء من ثيابه إلا الخف والفرو والمنطقة والقلنسوة والعمامة والسراويل وان أصاب شيئا من ثيابه دم لم ينزع عنه شي‌ء. وقال ابن الجنيد ينزع عنه الجلود والحديد والفرو والمنسوج مع غيره ويخلع عنه السراويل إلا ان يكون فيه دم. وقال سلار لا ينزع عنه إلا سراويله وخفه وقلنسوته ما لم يصب شيئا منها دم فإن أصابها دم دفنت معه ولم تنزع. وقال ابن إدريس يدفن معه ما يطلق عليه اسم الثياب سواء أصابها دم أو لم يصبها ، فاما غير الثياب فان كان سلاحا لم يدفن وان اصابه الدم وان كان غيره وهو الفرو والقلنسوة والخف فإن أصاب شيئا من ذلك دمه فقد اختلف قول أصحابنا فيه فبعض ينزعه وان كان قد اصابه دمه وبعض لا ينزعه إلا ان


يكون ما اصابه دمه فاما ان كان اصابه دمه فلا ينزعه. قال وهذا الذي يقوى عندي. والمشهور بين المتأخرين هو دفنه بثيابه مطلقا أصابها الدم أو لم يصبها. واما الجلود ونحوها من السلاح فإنها تنزع أصابها الدم أو لم يصبها لعدم صدق الثياب عليها فلا تدخل في النصوص الدالة على انه يدفن بثيابه ويكون دفنها معه تضييعا. ودعوى إطلاق الثوب على الجلود ممنوعة بأن المعهود عرفا هو المنسوج فينصرف إليه الإطلاق. أقول : لا يخفى ان صحيحتي أبان (1) قد دلتا على انه يدفن بثيابه ونحوهما صحيحة زرارة وإسماعيل بن جابر (2) ورواية أبي مريم (3) وموثقة عمار (4) وعبارة الفقه الرضوي (5) وهي مطلقة في اصابة الدم وعدمه وشاملة للسراويل وغيرها ، واستثناء السراويل منها إلا إذا اصابه الدم ـ كما ذكره شيخنا المفيد والشيخ علي بن بابويه وسلار ـ لا اعرف عليه دليلا إلا رواية عمرو بن خالد الاولى (6) وقد اشتملت ايضا على الجلود وانها تنزع إلا ان يكون أصابها الدم ، والمتأخرون حيث قصروا الحكم على الثياب ردوا هذه الرواية بضعف السند ولم يعملوا بها ، ومثلها في ذلك كلامه (عليه‌السلام) في الفقه الرضوي ، والظاهر انه هو مستند الشيخ علي بن بابويه إلا ان عبارة كتاب الفقه خالية من استثناء السراويل ولعله سقط من نسخة الكتاب الذي عندي فإنها كثيرة الغلط لما عرفت وستعرف من ان رسالة الشيخ علي بن بابويه إنما أخذ جلها من الكتاب المذكور ، وبالجملة فالقول بمضمون الخبرين المذكورين في الجلود غير بعيد حيث لا معارض لهما ، واما بالنسبة إلى السراويل كما دلت عليه رواية عمرو بن خالد فالظاهر العمل في ذلك بالأخبار الكثيرة الدالة على الدفن بثيابه أصابها الدم أو لم يصبها الشامل ذلك للسراويل وغيرها ، بل ظاهر كلامه في كتاب الفقه الدفن في السراويل لقوله (عليه‌السلام) بعد ان صرح أولا انه لا يترك عليه شي‌ء معقود : «وتحل تكته» والتكة انما هي في السراويل فهو ظاهر في الدفن فيها بعد حل التكة.

(الخامس) ـ المشهور بين الأصحاب انه لا فرق في سقوط الغسل عن الشهيد

__________________

(1 و 2 و 3) ص 413.

(4 و 5 و 6) ص 414.


بين كونه جنبا أو غيره لإطلاق الأخبار المتقدمة أو عمومها ، وعن ابن الجنيد انه يغسل ونسب هذا القول الى السيد المرتضى (رضي‌الله‌عنه) في شرح الرسالة محتجا بإخبار النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بغسل الملائكة حنظلة بن الراهب لمكان خروجه جنبا. وأجيب عنه بان تكليف الملائكة بذلك لا يدل على تكليفنا. وربما استدل له ايضا بخبر العيص عن الصادق (عليه‌السلام) (1) : «في الجنب يموت يغسل من الجنابة ثم يغسل بعد غسل الميت». وأجيب عنه بأنه لا دلالة فيه على محل النزاع فلا يعارض به إطلاق الأخبار المتقدمة أو عمومها مع انه معارض بجملة من الأخبار الدالة على التداخل في الأغسال كما سيأتي ان شاء الله تعالى في محلها ، ومنها ـ صحيحة زرارة (2) قال : «قلت له ميت مات وهو جنب كيف يغسل وما يجزيه من الماء؟ قال يغسل غسلا واحدا يجزي ذلك عنه لجنابته ولغسل الميت لأنهما حرمتان اجتمعتا في حرمة واحدة». وسيأتي بيان القول في خبر العيص ان شاء الله تعالى في الموضع المشار اليه.

(السادس) ـ إطلاق الاخبار المتقدمة يقتضي عدم الفرق في الشهيد الذي لا يغسل ولا يكفن بين الصغير والكبير ولا الرجل والمرأة ولا الحر والعبد ولا المقتول بالحديد أو الخشب أو الصدم أو اللطم ولا بين من عاد سلاحه عليه فقتله وغيره ، كل ذلك عملا بالإطلاق المذكور ، قيل انه كان في قتلي بدر وأحد أطفال كحارثة بن النعمان وعمرو بن ابي وقاص وقتل في الطف مع الحسين (عليه‌السلام) ولده المرضع ولم ينقل في ذلك كله غسل ، وروى (3) : «ان رجلا أصاب نفسه بالسيف فلفه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بثيابه ودمائه وصلى عليه فقالوا يا رسول الله أشهيد هو؟ قال نعم وانا له شهيد». وبالجملة كل موجود في المعركة ميتا وفيه اثر القتل ، وانما وقع الخلاف في من وجد كذلك خاليا من اثر القتل فحكم العلامة وجماعة ـ وقبلهم الشيخ وجمع ممن تبعه

__________________

(1 و 2) المروية في الوسائل في الباب 31 من أبواب غسل الميت.

(3) رواه أبو داود في سننه ج 3 ص 21 رقم 2539.


بل الظاهر انه هو المشهور ـ بكونه شهيدا ايضا عملا بالظاهر ولان القتل لا يستلزم ظهور الأثر ، وقيل ليس بشهيد للشك في الشرط وأصالة وجوب الغسل ، ونسب الى ابن الجنيد وظاهر الشهيدين في الذكرى والروض التوقف حيث اقتصرا على نقل الخلاف ، وهو جيد لعدم النص في المسألة إلا ان مذهب ابن الجنيد هو الأوفق بالقواعد الشرعية.

(السابع) ـ صرح جملة من الأصحاب بان عدم تكفين الشهيد كما ورد مشروط ببقاء ثيابه عليه كما تدل عليه الاخبار من قولهم : «يدفن بثيابه» وإلا فلو جرد وجب تكفينه واستدل على ذلك بصحيحة أبان بن تغلب الأولى (1) الدالة على ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كفن عمه حمزة لأنه كان قد جرد. وما ذكروه جيد إلا ان الرواية المذكورة لا تخلو من الإشكال لدلالة ما عداها من اخبار حمزة على انه دفن بثيابه كما في صحيحة زرارة وإسماعيل بن جابر (2) وان تضمنت ان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) رداه بردائه ونحوها رواية أبي مريم ، ولعل وجه الجمع بين الجميع حمل صحيحة أبان على انه جرد من بعض أثوابه فجعل (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الرداء الذي تضمنه الحديث الآخر قائما مقام ما جرد منه وتممه بالإذخر كما في الخبر.

(الثامن) ـ ما تضمنه حديث عمار (3) ـ من ان أمير المؤمنين (عليه‌السلام) لم يصل على عمار ولا على هاشم المرقال ـ قد رده الأصحاب لمخالفته للإجماع من وجوب الصلاة على الشهيد والاخبار الدالة على ذلك وقد تقدم كلام الصدوق في ذلك ، وحمله الشيخ (رحمه‌الله) على وهم الراوي أولا ثم قال : ويجوز ان يكون الوجه فيه ان العامة تروي ذلك عن علي (عليه‌السلام) فخرج هذا موافقا لهم وجزم في موضع آخر بحمله على التقية (4) وهو جيد.

وقد روى في قرب الاسناد عن أبي البختري وهب بن وهب

__________________

(1 و 2) ص 413.

(3) ص 414.

(4) في المبسوط للسرخسى ج 2 ص 49 «إذا قتل الشهيد في المعركة لا يغسل ولا يصلى عليه عند الشافعي» وفي المغني ج 2 ص 528 «إذا مات في المعترك لا يغسل رواية


عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (1) «ان عليا (عليه‌السلام) لم يغسل عمار بن ياسر ولا عتبة يوم صفين ودفنهما في ثيابهما وصلى عليهما».

(التاسع) ـ ما تضمنه خبر عمرو بن خالد الثاني (2) ـ من انه إذا مات الشهيد من يومه أو من الغد فواروه في ثيابه. إلخ ـ ظاهر المخالفة لجملة أخبار المسألة ولاتفاق الأصحاب من ان الدفن بثيابه من غير غسل انما هو لمن لم يدرك وبه رمق وإلا فلو أدرك وبه رمق وجب تغسيله كغيره وحمله الأصحاب على التقية لموافقته للعامة (3) وهو جيد.

(العاشر) ـ ما تضمنه خبر عمرو بن خالد الأول (4) وكذا كلامه (عليه‌السلام) في كتاب الفقه (5) ـ من الأمر بحل ما كان معقودا عليه من اللباس الذي عليه كالسراويل والخف على تقدير القول بدفنه فيه ونحوهما ـ مما لم يتعرض له الأصحاب في هذا المقام فيما اعلم ، ويجب العمل بذلك لدلالة الخبرين المذكورين من غير معارض في البين.

(الحادي عشر) ـ ما تضمنه كلامه (عليه‌السلام) في كتاب الفقه من

__________________

واحدة وهو قول أكثر أهل العلم ولا نعلم فيه خلافا إلا عن الحسن وسعيد بن المسيب واما الصلاة عليه فالصحيح لا يصلى عليه وهو قول مالك والشافعي وإسحاق وعن أحمد رواية انه يصلى عليه اختارها الخلال وهو قول الثوري وابى حنيفة وفي هذه الرواية إشارة إلى أن الصلاة مستحبة لا واجبة».

(1) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب غسل الميت.

(2 و 4 و 5) ص 414.

(3) في المغني ج 2 ص 532 «ان حمل وبه رمق اى حياة مستقرة فيغسل ويصلى عليه وان كان شهيدا فان سعد بن معاذ غسل وصلى عليه ، وقال مالك ان أكل أو شرب أو بقي يومين أو ثلاثة غسل وصلى عليه ، وقال احمد ان تكلم أو أكل أو شرب صلى عليه ، وقال إذا بقي المجروح في المعركة يوما الى الليل ومات يصلى عليه ، وقال أصحاب الشافعي ان مات حال الحرب لم يغسل ولم يصل عليه والا فلا» وفي المبسوط للسرخسى ج 2 ص 51 «فان حمل من المعركة حيا ثم مات في بيته أو على أيدي الرجال غسل لانه صار مرتثا وقد ورد الأثر بغسل المرتث».


حكم من قتل في معصية من انه يغسل ويضم رأسه الى عنقه. الى آخره قد ورد ايضا فيما رواه الشيخ في التهذيب بسنده عن العلاء بن سيابة (1) قال : «سئل أبو عبد الله (عليه‌السلام) وانا حاضر عن رجل قتل فقطع رأسه في معصية الله تعالى أيغسل أم يفعل به ما يفعل بالشهيد؟ فقال إذا قتل في معصية الله يغسل أولا منه الدم ثم يصب عليه الماء صبا ولا يدلك جسده ويبدأ باليدين والدبر ، وتربط جراحاته بالقطن والخيوط ، فإذا وضع عليه القطن عصب وكذلك موضع الرأس يعني الرقبة ويجعل له من القطن شي‌ء كثير ويذر عليه الحنوط ثم يوضع القطن فوق الرقبة وان استطعت ان تعصبه فافعل قلت فان كان الرأس قد بان من الجسد وهو معه كيف يغسل؟ فقال يغسل الرأس إذا غسل اليدين والسفلة بدأ بالرأس ثم بالجسد ثم يوضع القطن فوق الرقبة ويضم إليه الرأس ويجعل في الكفن ، وكذلك إذا صرت الى القبر تناولته مع الجسد وأدخلته اللحد ووجهته للقبلة».

فروع : (الأول) ـ من قتله البغاة من أهل العدل لا يغسل ولا يكفن لما تقدم من عدم تغسيل علي (عليه‌السلام) عمار بن ياسر وعتبة ، ومن قتله أهل العدل من البغاة فإنه لا يغسل ايضا ولا يكفن لانه عندنا كافر ، صرح بذلك الشيخ في المبسوط والخلاف ، وعن الشيخ في السير من الخلاف فإنه يغسل ويصلى عليه ، وهو ضعيف.

(الثاني) ـ قطاع الطريق يغسلون ويصلى عليهم لان الفسق لا يمنع هذه الأحكام ، صرح بذلك في المعتبر.

(الثالث) ـ لو اشتبه موتى المسلمين بالكفار في غير الشهداء قال في الذكرى : الوجه وجوب تغسيل الجميع لتوقف الواجب عليه ، قال : ولو تميز بأمارة قوية عمل عليها وحينئذ لو مس أحدهم بعد غسله وجب الغسل بمسه لجواز كونه كافرا ، ويمكن عدمه للشك في الحدث فلا يرفع يقين الطهارة ، اما لو مس الجميع فلا إشكال في الوجوب.

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 15 من أبواب غسل الميت.


(الرابع) ـ قال في المعتبر : «لوجد ميت فلم يعلم أمسلم هو أم كافر فان كان في دار الإسلام غسل وكفن وصلى عليه وان كان في دار الكفر فهو بحكم الكافر لان الظاهر انه من أهلها ولو كان فيه علامات المسلمين لانه لا علامة إلا ويشارك فيها بعض أهل الكفر».

(المسألة الثالثة) ـ المشهور بين الأصحاب ـ بل الظاهر انه لا خلاف فيه ـ انه لو وجد بعض الميت فان كان فيه الصدر أو كان الصدر وحده وجب تغسيله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه ، وان لم يكن وكان فيه عظم غسل ولف في خرقة ودفن. وأطلق العلامة (رحمه‌الله) في جملة من كتبه ان صدر الميت كالميت في جميع أحكامه ، وقال في المنتهى : ولو وجد بعض الميت فان كان فيه عظم وجب تغسيله بغير خلاف بين علمائنا ويكفن وان كان صدره صلى عليه ، ثم استدل بصحيحة علي بن جعفر الآتية ، الى ان قال : أما لو لم يكن فيها عظم فإنه لا يجب غسلها وكان حكمها حكم السقط قبل أربعة أشهر وكذا البحث لو أبينت القطعة من حي. انتهى ملخصا. وقال في المعتبر : إذا وجد بعض الميت وفيه الصدر فهو كما لو وجد كله وهو مذهب المفيد في المقنعة ، ثم ساق البحث الى ان قال : والذي يظهر لي انه لا تجب الصلاة إلا ان يوجد ما فيه القلب أو الصدر واليدان أو عظام الميت ثم استدل بصحيحة علي بن جعفر الآتية ثم ذكر رواية البزنطي ورواية الفضل بن عثمان الأعور. وقال الشهيد في الذكرى : وما فيه الصدر يغسل لمرفوعة رواها البزنطي ، ثم ساق متن الرواية وقال : وهو يستلزم أولوية الغسل ، ثم نقل رواية الفضل بن عثمان. وقال بعدها : ولشرف القلب لمحلية العلم والاعتقاد الموجب للنجاة ، ثم قال : وكذا عظام الميت تغسل لخبر علي بن جعفر عن أخيه ، ثم قال : وكذا تغسل قطعة فيها عظم ، ذكره الشيخان واحتج عليه في الخلاف بإجماعنا وبتغسيل أهل مكة واليمامة يد عبد الرحمن بن عتات ألقاها طائر من وقعة الجمل عرفت بنقش خاتمه وكان قاطعها الأشتر ثم قتله فحمل يده عقاب أو نسر. وقال في المختلف : «إذا وجد بعض الميت


فان كان الصدر فحكمه حكم الميت يغسل ويكفن ويحنط ويصلى عليه ويدفن ، وان كان غيره فان كان فيه عظم غسل وكفن من غير صلاة وان لم يكن فيه عظم لف في خرقة ودفن من غير غسل ولا صلاة هذا هو المشهور بين علمائنا. وقال ابن الجنيد : ولا يصلى على عضو الميت والقتيل إلا ان يكون عضوا تاما بعظامه أو يكون عظما مفردا ويغسل ما كان من ذلك لغير الشهيد كما يغسل بدنه ولم يفصل بين الصدر وغيره. وقال علي ابن بابويه : فان كان الميت أكيل السبع فاغسل ما بقي منه وان لم يبق منه إلا عظام جمعتها وغسلتها وصليت عليها ودفنتها».

أقول : والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة : منها ـ ما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن الرجل يأكله السبع أو الطير فتبقى عظامه بغير لحم كيف يصنع به؟ قال يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن». وزاد في الكافي والتهذيب «وإذا كان الميت نصفين صلى على النصف الذي فيه القلب».

وما رواه في الفقيه عن الفضل بن عثمان الأعور عن الصادق عن أبيه (عليهما‌السلام) (2) في الرجل يقتل فيوجد رأسه في قبيلة ووسطه وصدره ويداه في قبيلة والباقي منه في قبيلة؟ قال ديته على من وجد في قبيله صدره ويداه والصلاة عليه».

وروى المحقق في المعتبر عن البزنطي في جامعه عن احمد بن محمد بن عيسى عن بعض أصحابنا (3) يرفعه قال : «المقتول إذا قطع أعضاؤه يصلى على العضو الذي فيه القلب».

والروايات باعتبار الصلاة في هذه المسألة كثيرة لكنها على غاية من الاختلاف والاضطراب كما سيأتي البحث فيها ان شاء الله تعالى في كتاب الصلاة ، والأصحاب أوردوا منها ههنا هذه الروايات الثلاث ، وتقريب الاستدلال عندهم فيما عدا صدر

__________________

(1 و 2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 38 من أبواب صلاة الجنازة.


صحيحة علي بن جعفر من هذه الاخبار انها دلت على وجوب الصلاة على الصدر والعضو الذي فيه القلب ، ووجوب الصلاة مستلزم لوجوب الغسل بطريق اولى كما يفهم من عبارة الذكرى المتقدمة. ولا يخلو من الاشكال سيما بناء على ما يفهم من ظاهر صحيحة علي بن جعفر على رواية الشيخين المشار إليهما آنفا ، من دلالة صدرها على وجوب الغسل والتكفين والصلاة والدفن بالنسبة إلى عظام الميت الخالية من اللحم من حيث انها مجموع بدن الميت كما تفيده اضافة الجمع ، ودلالة عجزها بالنسبة إلى النصف الذي فيه القلب على الصلاة خاصة ولم يتعرض لذكر الغسل ولا التكفين ، والدفن وان لم يذكر إلا انه يفهم من أدلة أخر ، والى ما ذكرناه أشار في المدارك ايضا فقال بعد نقل رواية الفضل بن عثمان ومرفوعة أحمد بن محمد بن عيسى : «وهاتان الروايتان مع ضعف سندهما إنما تدلان على وجوب الصلاة على الصدر واليدين والعضو الذي فيه القلب خاصة واستلزام ذلك وجوب الغسل والتكفين ممنوع» انتهى. نعم وجوب الصلاة خاصة من غير غسل ولا تكفين لا يخلو من استبعاد بالنسبة إلى القواعد الشرعية. وبالجملة فإني لم أقف في الاخبار على ما يتضمن الأمر بالغسل في هذه المسألة إلا على صحيحة علي بن جعفر المتقدمة ونحوها في كتاب الفقه الرضوي حيث قال (عليه‌السلام) (1) : «وان كان الميت اكله السبع فاغسل ما بقي منه وان لم يبق منه إلا عظام جمعتها وغسلتها وصليت عليها ودفنتها». وما تقدم نقله عن علي بن بابويه عين عبارة كتاب الفقه وهو مصداق ما ذكرناه في غير موضع من اعتماد الصدوقين على هذا الكتاب وأخذ عبائره والإفتاء بها ، وظاهر صدر هذه العبارة هو غسل ما يبقى منه بعد أكل السبع كائنا ما كان وظاهر عجزها الصلاة على عظامه كما في صحيحة علي بن جعفر ، ويحمل على العظام كملا كما يستفاد من تلك الصحيحة بحمل قوله : «وان لم يبق منه الا عظام» على إرادة أكل اللحم خاصة وبقاء العظام ، فيكون متفقا مع تلك الصحيحة على وجوب تلك

__________________

(1) ص 18.


الأحكام في عظام الميت كملا ، وهذا أقصى ما يمكن الحكم به من الأحكام المذكورة مضافا الى اتفاق الأصحاب في هذه الصورة وما ذكر من حكم الصدر أو القلب ، فلا ريب ان كلام الأصحاب هو الأوفق بالاحتياط وان كان في استنباطه من الاخبار المذكورة نوع غموض وخفاء سيما مع اختلافها فيما يصلى عليه من الميت. ولو جعل الغسل تابعا للصلاة وحاصلا من الأمر بها بطريق الأولوية كما ذكره شيخنا الشهيد لا شكل عليهم ذلك في العظم المجرد كما دلت عليه صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (1) قال : «إذا قتل قتيل فلم يوجد إلا لحم بلا عظم لم يصل عليه وان وجد عظم بلا لحم صلى عليه». فان ظاهرها الصلاة على العظم المجرد ويلزم منه وجوب غسله مع انه لا قائل بشي‌ء منهما فيه ، إلا انه يمكن تأويل هذه الرواية بإرجاعها الى ما دلت عليه صحيحة علي بن جعفر من العظام كملا بان يكون المعنى انه ان كان الموجود من هذا القتيل بعد قتله جميع لحمه إلا انه لا عظم فيه فإنه لا يصلى عليه وان وجدت عظامه خالية من اللحم صلي عليها ، ولا بعد فيه إلا من حيث إطلاق العظم وارادة المجموع ومثله في باب المجاز أوسع من ان ينكر ، وسيجي‌ء تحقيق الكلام في هذه الروايات ان شاء الله تعالى في محله من كتاب الصلاة ، قال في الذكرى : «ويلوح ما ذكره الشيخان من خبر علي ابن جعفر لصدق العظام على التامة والناقصة» ورد بان ظاهر الرواية ان الباقي جميع عظام الميت لأن إضافة الجمع يفيد العموم ، على انه لو سلم تناولها للناقصة لم يتم الاستدلال بها على ما ذكره الشيخان لتضمنها وجوب الصلاة مع تصريحهما بنفيها.

بقي ان ما ذكره العلامة (قدس‌سره) من ان الصدر كالميت في جميع أحكامه مع الإغماض عن المناقشة التي قدمنا ذكرها ، فإنه يشكل في وجوب الحنوط : (أولا) من حيث عدم الدلالة على هذه الكلية والتصريح بذلك انما وقع في كلامهم لا في النصوص كما عرفت وهي انما اشتملت هنا على الأمر بالصلاة ولكنهم ألحقوا بها

__________________

(1) المروية في الوسائل في الباب 38 من أبواب صلاة الجنازة.


الغسل لزوما بطريق الأولوية وكذلك التكفين. و (ثانيا) ـ بعدم وجود محله ، ومن ثم قال الشهيد (رحمه‌الله) في بعض تحقيقاته على ما نقل عنه على الإشكال في التحنيط : «ان كانت محال الحنوط موجودة فلا إشكال في الوجوب وان لم تكن موجودة فلا إشكال في العدم» وهو جيد.

هذا كله بالنسبة الى ما عدا القطعة ذات العظم من حي أو ميت واما بالنسبة إليها كما ذكروه من إيجاب الغسل فيها فإنه قد رده جملة من متأخري المتأخرين بعدم الدليل عليه من الأخبار ، قال في المدارك بعد نقل القول بذلك عن الشيخين وأتباعهما : «واحتج عليه في الخلاف بإجماع الفرقة واعترف جمع من الأصحاب بعدم الوقوف في ذلك على نص لكن قال جدي ان نقل الإجماع من الشيخ كاف في ثبوت الحكم بل ربما كان أقوى من النص ، وهو مناف لما صرح به في عدة مواضع من التشنيع على مثل هذا الإجماع والمبالغة ، وقد تقدم منا البحث في ذلك مرارا. انتهى» أقول : فيه ايضا ان ما اعترض به على جده وارد عليه حيث انه في غير موضع وافق الأصحاب على هذا الإجماع وان نازعهم في مواضع أخر. وبالجملة فالظاهر انه لا دليل لهم على ذلك إلا الإجماع. وربما استدل على ذلك بكونها بعضا من جملة يجب تغسيلها حين الاتصال فيجب بعده عملا بالاستصحاب. وفيه ـ مع كونه لا يجري في القطعة المبانة من الحي والمدعى أعم منه ـ انه لو تم ذلك للزم منه وجوب تغسيل غير ذات العظم بل العظم المجرد ولا قائل به ، وقد تقدم في فصل غسل (1) المس ما يتعلق بهذه المسألة من حيث إيجاب الغسل بمس القطعة المبانة من حي أو ميت.

وقد خطر هنا الآن شي‌ء بالبال مما يمكن الاحتجاج به والاستدلال في المسألتين المذكورتين ، وذلك بان يقال انه قد روى المشايخ الثلاثة عن أيوب بن نوح في الصحيح عن بعض أصحابنا عن الصادق (عليه‌السلام) (2) قال : «إذا قطع من الرجل قطعة

__________________

(1) ص 341.

(2) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب غسل مس الميت.


فهي ميتة فإذا مسه انسان فكل ما كان فيه عظم فقد وجب على من يمسه الغسل فان لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه». والتقريب فيه ان يقال ان المراد بالميتة هنا ميتة الإنسان لا مطلق الميتة ليتم تفريع قوله : «فإذا مسه انسان فكل ما كان فيه عظم. الى آخر الخبر» وإذا ثبت إطلاق اسم ميتة الإنسان على القطعة المذكورة شرعا ثبت لها الأحكام المتعلقة بميت الإنسان من التغسيل والتحنيط والتكفين والدفن وغير ذلك إلا ما أخرجه الدليل والاقتصار هنا على تفريع وجوب غسل المس لا يوجب نفى ما سواه من الأحكام ، ولعل تخصيصه بالذكر لأنه أخفى في الحكم وفرع في الوجوب على وجوب غسل الميت لانه ورد في الأخبار معلقا على من مس أو غسل ميتا من الناس بالشرطين المشهورين ، فهو مشروط بتحقق الميت من الناس وعند تحققه يجب تغسيله فيجب الغسل على مغسله ، ومرجع ذلك الى دعوى لزوم وجوب غسل المس لوجوب غسل الميت وكونه فرعا في الوجود عليه كما هو ظاهر الاخبار وكلام الأصحاب فكلما وجب الغسل بالموت وجب الغسل بالمس ، فإيجاب غسل المس في الرواية للقطعة ذات العظم كاشف عن كونها مما يجب تغسيلها تحقيقا للملازمة ، ومنه يظهر وجوب التغسيل في الصدر ونحوه. وبالجملة فالاحتياط في أمثال هذه المقامات جيد وسبيله واضح.

وظاهر الأكثر انه لا فرق في القطعة المبانة ذات العظم بين كونها من حي أو ميت ، وقطع في المعتبر بدفن المبانة من حي من غير غسل مستندا إلى انها من جملة لا تغسل ولا يصلى عليها. وأجاب عن ذلك في الذكرى بأن الجملة لم يحصل فيها الموت بخلاف القطعة. أقول : أنت خبير بأن رواية أيوب بن نوح المذكورة مطلقة في القطعة المذكورة التي يجب بمسها الغسل المترتب ذلك على وجوب غسلها كما عرفت ، ومنه يظهر قوة القول المشهور.

ولو خلت القطعة من العظم فلا غسل ولا كفن ولا صلاة اتفاقا ، وأوجب سلار لفها في خرقة ودفنها ولم يذكره الشيخان ، وصرح في المعتبر بعدم وجوب اللف للأصل.


(المسألة الرابعة) ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب في ان من وجب عليه القتل يؤمر بالاغتسال والتحنيط والتكفين ثم يقام عليه الحد ولا يغسل بعد ذلك ، قال في الذكرى : «ولا نعلم فيه مخالفا من الأصحاب».

أقول : ويدل عليه ما رواه في الكافي عن مسمع كردين عن الصادق (عليه‌السلام) (1) قال : «المرجوم والمرجومة يغتسلان ويتحنطان ويلبسان الكفن قبل ذلك ثم يرجمان ويصلى عليهما ، والمقتص منه بمنزلة ذلك يغتسل ويتحنط ويلبس الكفن ثم يقاد ويصلى عليه». ورواه الصدوق عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) مرسلا.

وقال (عليه‌السلام) في الفقه الرضوي (2) : «وان كان الميت مرجوما بدئ بغسله ونحنيطه وتكفينه ثم يرجم بعد ذلك وكذلك القاتل إذا أريد قتله قودا». أقول : قد قدمنا في فصل غسل المس (3) ما في هذه المسألة من الاشكال ولو لا اتفاق الأصحاب قديما وحديثا على الحكم المذكور لأمكن المناقشة فيه لخروجه عن مقتضى القواعد الشرعية والأصول المرعية كما تقدم التنبيه عليه.

تنبيهات : (الأول) ـ هل يختص الحكم المذكور بزنا أو قود كما هو مورد الخبرين أو يشمل كل من وجب قتله؟ ظاهر الأصحاب الثاني وبه صرح في الذكرى للمشاركة في السبب. والأظهر الأول قصرا للحكم المخالف للأصول ـ كما عرفت ـ على مورده.

(الثاني) ـ قد عبر الأصحاب في هذه المسألة بأنه يؤمر من وجب عليه الحد بالاغتسال والتحنيط والتكفين ، قالوا : والآمر هو الإمام أو نائبه. وأنت خبير بان الخبر الذي هو مستند الحكم عندهم خال من ذلك وكذا الخبر الذي نقلناه وانما ظاهرهما وجوب ذلك على المرجوم والمقتص منه ، نعم يمكن تخصيص الأمر بما إذا كان جاهلا بذلك فيؤمر به وإلا فانا لا نعلم لهم مستندا لهذا الإطلاق.

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 17 من أبواب غسل الميت.

(2) ص 19.

(3) ص 332.


(الثالث) ـ قال شيخنا الشهيد الثاني في الروض «وفي تحتمه عليه أو التخيير بينه وبين غسله بعد الموت لقيامه مقامه نظر ، هذا بالنسبة إلى الآمر اما المأمور فيجب عليه امتثال الأمر ان وجد» أقول : قد عرفت ان النص خال من الأمر وان وجد ذلك في كلامهم. بقي الكلام في دلالة الخبر على تقديمه الغسل هل هو عزيمة أو رخصة؟ وجهان أقربهما الثاني ولعله أحوطهما أيضا لما عرفت آنفا.

(الرابع) ـ الظاهر من الخبرين المتقدمين هو كون هذا الغسل الذي يقدمه مشتملا على الغسلات الثلاث وانه غسل الأموات قد أمر بتقديمه وان كان حيا بدليل التحنيط والتكفين بعده ، واحتمل في الروض الاكتفاء بغسل واحد. لكونه حيا وذلك الغسل مخصوص بالأموات ولأن الأمر لا يقتضي التكرار وانما لم يغسل بعد ذلك للامتثال. والظاهر بعده.

(الخامس) ـ هل يدخل تحت هذا الغسل مع تقديمه شي‌ء من الأغسال ويحصل به التداخل كما في سائر الأغسال الواجبة أم لا؟ جزم في الروض بالثاني قال : «اما عدم دخولها تحته فلعدم نية الرفع أو الاستباحة فيه واما عدم دخوله تحتها فللمغايرة كيفية وحكما» وتردد الشهيد في الذكرى لظاهر الأخبار الدالة على الاجتزاء بغسل واحد كخبر زرارة عن الباقر (عليه‌السلام) (1) : «في الميت جنبا يغسل غسلا واحدا يجزئ ذلك للجنابة ولغسل الميت ولأنهما حرمتان اجتمعتا في حرمة واحدة.». وقيل عليه ان الظاهر ان الخبر ليس من هذا في شي‌ء ويمنع اجتماع الحرمتين لأصالة عدم تداخل المسببات مع اختلاف الأسباب ، وتداخلها في بعض المواضع لنص خاص. أقول : والمسألة محل توقف لاشتباه الحكم فيها.

(السادس) ـ لو سبق موته قتله أو قتل بسبب آخر لم يسقط الغسل قطعا سواء بقي السبب الأول كالقصاص مع ثبوت الرجم أم لا كما لو عفى عن القود لانه سبب

__________________

(1) الوسائل الباب 3 من غسل الميت والتعليل من الخبر كما في الذكرى وكتب الحديث.


جديد ، وقوفا على ظاهر النص لان الحكم ـ كما عرفت ـ خارج عن مقتضى الأصول فيقتصر فيه على مورد النص.

(السابع) ـ قالوا : ولا يجب الغسل بعد موته لقيام الغسل المتقدم مقام الغسل المتأخر عن الموت لاعتبار ما يعتبر فيه ، ولا يرد لزوم سبق التطهير على النجاسة لأن المعتبر أمر الشارع بالغسل وحكمه بالطهر بعده وقد وجد الأمران ، وليست نجاسة الميت بسبب الموت عينية محضة وإلا لم يطهر ، فعلم من ذلك ان تقديم الغسل يمنع من الحكم بنجاسته بعد الموت لسقوط غسله بعده وما ذاك إلا لعدم النجاسة. أقول : لا ريب في صحة هذا الكلام بعد ثبوت النص والقول بما دل عليه ، إلا انه مشكل لما قدمنا سابقا في بحث غسل المس من ان هذه الرواية معارضة بجملة من الأخبار الصحيحة الصريحة في مواضع عديدة فلا تبلغ قوة في تخصيصها ولكن إجماعهم على الحكم المذكور قديما وحديثا سد النزاع فيه ، إلا انه روى في الكافي (1) عن البرقي رفعه الى أمير المؤمنين (عليه‌السلام) قال : «أتاه رجل بالكوفة فقال يا أمير المؤمنين إني زنيت فطهرني.» ثم ساق الخبر في حكاية رجمه وانه رجمه أمير المؤمنين والحسن والحسين (عليهم‌السلام) فمات الرجل قال : «فأخرجه أمير المؤمنين وأمر فحفر له وصلى عليه فدفنه فقيل يا أمير المؤمنين ألا تغسله؟ فقال قد اغتسل بما هو طاهر الى يوم القيامة ولقد صبر على أمر عظيم». فإنه ظاهر في عدم وجوب الغسل بعد الرجم ، إلا ان الخبر غير خال من الاشكال حيث ان ظاهره ان الرجل لم يغتسل قبل الرجم ومع هذا دفنه (عليه‌السلام) بغير غسل ، قال شيخنا المجلسي في تعليقاته على الكافي على هذا الخبر : «المشهور بين الأصحاب وجوب تغسيل المرجوم ان لم يغتسل قبل الرجم ولعله (عليه‌السلام) امره بالغسل قبل الرجم وان كان ظاهر التعليل عدمه ، والله يعلم» وبالجملة فالخبر المذكور خارج عن مقتضى الأصول مضافا الى ضعف سنده فلا اعتماد عليه ، والمرجع انما هو

__________________

(1) ج 2 ص 289.


ما أشرنا إليه من اتفاقهم على الحكم قديما وحديثا ويخرج الخبران المتقدمان شاهدين على ذلك. والله العالم.

(المسألة الخامسة) ـ المشهور بين الأصحاب ان المحرم إذا مات كالمحل إلا انه لا يقرب بالكافور ، صرح به الشيخان وأتباعهما ، وعن ابن ابي عقيل والمرتضى في شرح الرسالة انه لا يغطى رأسه ولا يقرب بالكافور.

ويدل على المشهور روايات : منها ـ ما رواه في الكافي عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم يموت كيف يصنع به؟ قال ان عبد الرحمن بن الحسن مات بالأبواء مع الحسين (عليه‌السلام) وهو محرم ومع الحسين عبد الله بن العباس وعبد الله بن جعفر وصنع به كما يصنع بالميت وغطى وجهه ولم يمسه طيبا قال وذلك كان في كتاب علي (عليه‌السلام)».

وما رواه الشيخ عن سماعة في الموثق (2) قال : «سألته عن المحرم يموت؟ فقال يغسل ويكفن بالثياب كلها ويغطى وجهه ويصنع به كما يصنع بالمحل غير انه لا يمس الطيب» ورواه الكليني مثله إلا انه أسقط «ويغطى وجهه».

وما رواه الشيخ في التهذيب عن عبد الله بن سنان في الصحيح (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المحرم يموت كيف يصنع به؟ فحدثني ان عبد الرحمن بن الحسن مات بالأبواء مع الحسين بن علي (عليهما‌السلام) وهو محرم ومع الحسين عبد الله ابن العباس وعبد الله بن جعفر فصنع به كما يصنع بالميت وغطى وجهه ولم يمسه طيبا ، قال وذلك في كتاب علي (عليه‌السلام)».

وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن الباقر (عليه‌السلام) (4) قال : «سألته عن المحرم إذا مات كيف يصنع به؟ قال يغطى وجهه ويصنع به كما يصنع بالحلال غير انه لا يقربه طيبا». وعن محمد بن مسلم في الصحيح عن الباقر والصادق (عليهما‌السلام) مثله (5).

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5) رواه في الوسائل في الباب 13 من أبواب غسل الميت.


وما رواه في الكافي عن ابي مريم في الموثق عن الصادق (عليه‌السلام) (1) قال : «توفي عبد الرحمن بن الحسن بن علي بالأبواء وهو محرم ومعه الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر وعبد الله وعبيد الله ابنا العباس فكفنوه وخمروا وجهه ورأسه ولم يحنطوه ، وقال هكذا في كتاب علي (عليه‌السلام)».

وعن ابن أبي حمزة عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (2) «في المحرم يموت؟ قال يغسل ويكفن ويغطى وجهه ولا يحنط ولا يمس شيئا من الطيب».

وهذه الأخبار كلها ـ كما ترى ـ ظاهرة الدلالة على القول المشهور ، ونقل المحقق في المعتبر عن المرتضى انه احتج بما روى عن ابن عباس (3) «ان محرما وقصت به ناقته فذكر ذلك للنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال اغسلوه بماء وسدر وكفنوه ولا تمسوه طيبا ولا تخمروا رأسه فإنه يحشر يوم القيامة ملبيا». وفي المختلف عن ابن ابي عقيل انه احتج بأن تغطية الرأس والوجه مع تحريم الطيب مما لا يجتمعان والثاني ثابت فالأول منتف ، ثم أطال في بيان هذه المقدمة. ولا يخفى ما في هذين التعليلين العليلين من الضعف سيما في مقابلة النصوص المذكورة ، وليت شعري كأنهما لم يقفا على هذه النصوص ولم يراجعاها وإلا فالخروج عنها الى هذه الحجج الواهية لا يلتزمه محصل.

وفي المقام فوائد : (الاولى) ـ لا فرق في هذا الحكم بين إحرام الحج والعمرة مفردة كانت أو متمتعا بها الى الحج ، كل ذلك للعموم ولا بين كون موته قبل الحلق والتقصير أو بعده قبل طواف الزيارة لأن تحريم الطيب انما يزول به. اما لو وقع الموت بعد الطواف ففي تحريمه عليه اشكال من صدق إطلاق المحرم عليه ومن حل الطيب له حيا فهنا اولى ، وبالثاني صرح العلامة في النهاية. والمسألة محل توقف وان كان

__________________

(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 13 من أبواب غسل الميت.

(3) رواه البخاري في كتاب الجنائز باب الكفن في ثوبين وباب الحنوط وباب كيف يكفن المحرم؟ ورواه مسلم في صحيحة ج 1 ص 457. وفي الجميع الأمر بالتكفين في ثوبين.


ما اختاره في النهاية لا يخلو من قرب.

(الثانية) ـ لا يلحق بالمحرم في هذا الحكم المعتدة عدة الوفاة ولا المعتكف من حيث تحريم الطيب عليهما حيين ، لعدم الدليل على ذلك وبطلان القياس عندنا.

(الثالثة) ـ الظاهر ان حكم الأعضاء التي يجب تغسيلها من الصدر والقلب ونحوهما حكم جميع البدن فيما ذكر. وعن الشيخ في النهاية والمبسوط انه قطع بتحنيط ما فيه عظم ، قال وان كان موضع الصدر صلى عليه ايضا.

(المقام الثالث) ـ في الغسل وفيه فضل عظيم ، فعن الباقر (عليه‌السلام) (1) قال : «أيما مؤمن غسل مؤمنا فقال إذا قلبه : «اللهم ان هذا بدن عبدك المؤمن قد أخرجت روحه منه وفرقت بينهما فعفوك عفوك» إلا غفر الله له ذنوب سنة إلا الكبائر». وعنه (عليه‌السلام) (2) قال : «من غسل ميتا مؤمنا فأدى فيه الامانة غفر الله له. قيل وكيف يؤدي فيه الامانة؟ قال لا يخبر بما يرى ، وحده الى ان يدفن الميت» هكذا رواه في الفقيه. واحتمل بعض المحدثين ان قوله : «وحده الى ان يدفن الميت» من كلام الصدوق والمراد منه إخفاء ما يراه الى ان يدفن. وعن الصادق (عليه‌السلام) (3) قال : «ما من مؤمن يغسل مؤمنا ويقول وهو يغسله : «رب عفوك عفوك» إلا عفا الله تعالى عنه». وعن الباقر (عليه‌السلام) (4) قال : «كان فيما ناجى الله تعالى به موسى قال يا رب ما لمن غسل الموتى؟ فقال اغسله من ذنوبه كما ولدته امه». وعن الصادق (عليه‌السلام) (5) : «من غسل ميتا فستر وكتم خرج من الذنوب كيوم ولدته امه». وعن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في خطبة طويلة (6) «من غسل ميتا فادى فيه الامانة كان له بكل شعرة منه عتق رقبة ورفع له مائة درجة. قيل يا رسول الله وكيف يؤدي فيه الامانة؟ قال يستر عورته ويستر شينه وان لم يستر عورته ويستر شينه حبط اجره وكشفت

__________________

(1 و 3 و 4) رواه في الوسائل في الباب 7 من أبواب غسل الميت.

(2 و 5 و 6) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب غسل الميت.


عورته في الدنيا والآخرة».

والبحث في هذا المقام يقع في موضعين (الأول) ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه يجب امام الغسل إزالة النجاسة عن بدنه ، قال في المنتهى انه لا خلاف فيه بين العلماء. قال في المعتبر في الاستدلال على ذلك : لان المراد تطهيره وإذا وجب إزالة الحكمية عنه فوجوب ازالة العينية أولى ، ولئلا ينجس ماء الغسل بملاقاتها ، ولما رواه يونس عنهم (عليهم‌السلام) (1) : «امسح بطنه مسحا رفيقا فان خرج منه شي‌ء فأنقه».

وقال في المدارك ـ بعد قول المصنف : «ويجب إزالة النجاسة أولا» وبعد ان نقل عن العلامة انه لا خلاف فيه بين العلماء ـ ما لفظه : «ويدل عليه روايات : منها ـ قوله (عليه‌السلام) في رواية الكاهلي (2) : «ثم ابدأ بفرجه بماء السدر والحرض فاغسله ثلاث غسلات». وفي رواية يونس (3) : «واغسل فرجه وانقه ثم اغسل رأسه بالرغوة». وقد يناقش في هذا الحكم بان اللازم منه طهارة المحل الواحد من نجاسة دون نجاسة وهو غير معقول. ويجاب بعدم الالتفات الى هذا الاستبعاد بعد ثبوت الحكم بالنص والإجماع ، أو يقال ان النجاسة العارضة إنما تطهر بما يطهر غيرها من النجاسات بخلاف نجاسة الموت فإنها تزول بالغسل وان لم يكن مطهرا لغيرها من النجاسات فاعتبر إزالتها أولا ليطهر الميت بالغسل. وفي بعض نسخ الكتاب : ان هذه الأسباب من قبيل المعرفات ولا بعد في رفع نجاسة الموت بالغسل وتوقف غيرها على ما يطهر به سائر النجاسات فيجب إزالتها أولا ليطهر الميت بالغسل».

أقول : فيه (أولا) ـ انه لا يخفى على من راجع الأخبار الواردة في كيفية غسل الميت ونظر فيها بعين التأمل انه لا اثر لهذا الذي ذكره الأصحاب فيها من انه يجب إزالة النجاسة أولا وان اشتهر ذلك في كلامهم ، واستدلال السيد السند (قدس‌سره)

__________________

(1 و 2 و 3) المروية في الوسائل في الباب 2 من أبواب غسل الميت.


على ذلك هنا بهاتين الروايتين عجيب منه (اما أولا) ـ فإن الماء المذكور فيهما مضاف وهو لا يزيل النجاسة الخبثية ولا يطهرها بلا ريب ولا إشكال لأن هذا الماء في الخبرين ماء الغسلة الاولى من الغسلات الثلاث. فان قيل : انهم اشترطوا في الخليطين ان لا يخرج بهما الماء عن الإطلاق. قلنا : نعم ذلك هو المشهور ولكن الذي اختاره السيد المذكور في المسألة ـ وهو الظاهر من الأخبار ـ عدم الاشتراط المذكور. و (اما ثانيا) ـ فان سياق الخبرين المذكورين ـ وبه صرح جملة من الأصحاب ـ هو انه يستحب غسل الفرج في كل غسلة من الغسلات الثلاث بذلك الماء الذي يغسل به بدنه ، حيث قال (عليه‌السلام) في رواية الكاهلي المذكورة (1) : «ثم ابدأ بفرجه بماء السدر والحرض فاغسله ثلاث غسلات وأكثر من الماء وامسح بطنه مسحا رفيقا ثم تحول الى رأسه فابدأ بشقه الأيمن ، الى ان قال بعد تمام الغسل بالسدر والحرض : ثم رده الى قفاه وابدأ بفرجه بماء الكافور واصنع كما صنعت أول مرة ، ثم ساق الكلام الى ان قال في الغسل بالماء القراح : ثم اغسله بماء قراح كما صنعت أولا : تبدأ بالفرج ثم تحول إلى الرأس. الحديث». واما رواية يونس (2) فقال (عليه‌السلام) فيها : «واعمد الى السدر فصيره في طست وصب عليه الماء واضربه بيدك حتى ترتفع رغوته واعزل الرغوة في شي‌ء وصب الآخر في الإجانة التي فيها الماء ثم اغسل يديه ثلاث مرات كما يغتسل الإنسان من الجنابة الى نصف الذراع ثم اغسل فرجه ونقه ثم اغسل رأسه بالرغوة ، وساق الكلام في ذلك الى ان قال في الغسلة الثانية بالكافور : ثم صب الماء في الآنية وألق فيها حبات كافور وافعل به كما فعلت في المرة الأولى ابدأ بيديه ثم بفرجه ، ثم ساق الكلام الى ان قال في الغسلة الثالثة : واغسله بماء قراح كما غسلته في المرتين الأولتين. الحديث». ومن الأخبار في ذلك ايضا وان كان مجملا صحيحة الحلبي عن الصادق (عليه‌السلام) (3) وفيها «تبدأ بكفيه ورأسه ثلاث مرات بالسدر ثم سائر جسده وابدأ بشقه الأيمن فإذا أردت أن تغسل

__________________

(1 و 2 و 3) المروية في الوسائل في الباب 2 من أبواب غسل الميت.


فرجه فخذ خرقة نظيفة فلفها على يدك اليسرى ثم ادخل يدك من تحت الثوب الذي على فرج الميت فاغسله من غير ان ترى عورته فإذا فرغت من غسله بالسدر. الحديث». وفي رواية عبد الله بن عبيد (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن غسل الميت قال تطرح عليه خرقة ثم يغسل فرجه ويوضأ وضوء الصلاة. الحديث». ورواية حريز (2) قال : «أخبرني أبو عبد الله (عليه‌السلام) قال : الميت يبدأ بفرجه ثم يوضأ وضوء الصلاة وذكر الحديث». وبالجملة فالمفهوم من هذه الأخبار ونحوها ان غسل الفرج فيها انما هو من حيث انه من مستحبات الغسل لا من حيث النجاسة. و (ثانيا) ـ ان ما ذكره في جواب المناقشة المذكورة ـ من عدم الالتفات الى هذا الاستبعاد بعد ثبوت الحكم بالنص والإجماع ـ فإن فيه ان النص لا وجود له كما عرفت واما الإجماع ففيه ما قدمه قريبا في شرح قول المصنف : «وان لم يكن وكان فيه عظم غسل ولف في خرقة» حيث نقل ثمة اعتراف جمع من الأصحاب بعدم النص على ذلك ونقل عن جده ان الشيخ قد نقل الإجماع على ذلك وهو كاف في ثبوت الحكم ، ثم اعترضه بأنه مناف لما صرح به في عدة مواضع من التشنيع على مثل هذا الإجماع والمبالغة في إنكاره ، ثم قال (قدس‌سره) : «وقد تقدم منا البحث في ذلك مرارا» فكيف يتم له الاستناد إليه في هذا الحكم أو غيره؟ نعم الجواب الحق عن ذلك ما أجاب به ثانيا من قوله : «أو يقال ان النجاسة العارضة إنما تطهر بما يطهر غيرها.» وتوضيحه انه لا شك ان الأحكام الشرعية من طهارة ونجاسة وحل وحرمة ونحوها موقوفة على التوقيف من الشارع ، والمعلوم من الأخبار ان أفراد المطهرات متعددة بتعدد النجاسات فربما اشتركت جملة من النجاسات في مطهر واحد كالبول والغائط والدم ونحوها فإنما يطهرها الماء وفي الاستنجاء من الغائط ربما طهره الأحجار وربما اختص بعضها بمطهر مخصوص كالشمس والأرض والنار ونحوها ، والمعلوم من الأخبار ان المطهر لنجاسة الميت الحكمية

__________________

(1 و 2) المروية في الوسائل في الباب 6 من أبواب غسل الميت.


والعينية انما هو الغسل بالمياه الثلاثة خاصة ، فعلى هذا إذا أصاب بدنه غائط أو دم أو بول أو نحوها فإنه يجب إزالته أولا بمطهره الذي هو الماء خاصة وان كانت نجاسة الموت بعينها باقية حتى يحصل مطهرها المذكور ، إذ لو لم تزل هذه النجاسة أولا لتنجس بها ماء الغسل ، ولا ضرورة هنا الى دعوى إجماع ولا إلى شي‌ء من الأخبار كما لا يخفى على من نظر بعين التدبر والاعتبار.

واما ما ذكره في المعتبر ـ من قوله (عليه‌السلام) في رواية يونس (1) : «فان خرج منه شي‌ء فأنقه». ـ فليس فيه دلالة على ما ادعوه من وجوب الإزالة قبل الغسل لان هذا الكلام انما هو في الغسلة الثانية بماء الكافور ، نعم فيه دلالة علي وجوب إزالة النجاسة عنه مطلقا وهو مما لا اشكال فيه كما يدل عليه ايضا ما ورد من وجوب الإزالة بعد الغسل. وبالجملة فالإشكال المذكور ضعيف لا وجه له بعد ما عرفت.

وقال شيخنا الشهيد الثاني في الروض : «والاولى الاستناد الى النص وجعله تعبدا ان حكمنا بنجاسة بدن الميت كما هو المشهور وإلا لزم طهارة المحل الواحد من نجاسة دون نجاسة ، واما على قول المرتضى فلا إشكال لأنه ذهب الى كون بدن الميت ليس بنجس بل الموت عنده من قبيل الأحداث كالجنابة ، فحينئذ يجب إزالة النجاسة الملاقية لبدن الميت كما إذا لاقت بدن الجنب» انتهى. وفيه ما عرفت من انه لا اثر لهذا النص المدعى بل ليس إلا الإجماع ان تم ، وطهارة المحل الواحد من نجاسة دون اخرى متى اختلفت النجاستان واختلف المطهران مما لا اشكال فيه ، فان نجاسة الموت العينية أمر سار في جميع البدن لا يرتفع إلا بغسلة بالمياه الثلاثة ، ونجاسة البول والغائط ونحوهما الواقع في بدن الميت مخصوصة بمحل الملاقاة ومطهرها هو الماء المطلق خاصة ، ولا بعد في طهارة البدن من هذه النجاسة العارضية مع بقاء تلك النجاسة السارية في جميع اجزاء البدن حتى يحصل مطهرها. واما ما ذكره ـ من انه على قول المرتضى لا إشكال

__________________

(1) المروية في الوسائل في الباب 2 من أبواب غسل الميت.


لانه ذهب الى كون بدن الميت ليس بنجس. إلخ ـ فقد اعترضه فيه سبطه في المدارك بان المنقول عن المرتضى عدم وجوب غسل المس لا عدم نجاسة الميت ، قال : بل حكى المصنف عنه في المعتبر في شرح الرسالة التصريح بنجاسته ، وعن الشيخ في الخلاف انه نقل إجماع الفرقة على ذلك.

(الموضع الثاني) ـ في كيفية الغسل ، وهي مشتملة على الواجب والمندوب والمكروه ، ولننقل جملة من اخبار المسألة ثم نذيلها ان شاء الله تعالى ببيان ما اشتملت عليه من الأحكام وما ينكشف به عن الأقسام الثلاثة المشار إليها نقاب الإبهام.

فمنها ـ ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن الصادق (عليه‌السلام) (1) قال : «إذا أردت غسل الميت فاجعل بينك وبينه ثوبا يستر عنك عورته اما قميص واما غيره ثم تبدأ بكفيه ورأسه ثلاث مرات بالسدر ثم سائر جسده وابدأ بشقه الأيمن ، فإذا أردت أن تغسل فرجه فخذ خرقة نظيفة فلفها على يدك اليسرى ثم ادخل يدك من تحت الثوب الذي على فرج الميت فاغسله من غير ان ترى عورته ، فإذا فرغت من غسله بالسدر فاغسله مرة أخرى بماء وكافور وبشي‌ء من حنوطه ثم اغسله بماء بحت غسلة اخرى حتى إذا فرغت من ثلاث غسلات جعلته في ثوب ثم جففته».

وعن الكاهلي (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن غسل الميت فقال استقبل بباطن قدميه القبلة حتى يكون وجهه مستقبل القبلة ثم تلين مفاصله فان امتنعت عليك فدعها ، ثم ابدأ بفرجه بماء السدر والحرض فاغسله ثلاث غسلات وأكثر من الماء وامسح بطنه مسحا رفيقا ، ثم تحول الى رأسه فابدأ بشقه الأيمن من لحيته ورأسه ثم تثنى بشقه الأيسر من رأسه ولحيته ووجهه فاغسله برفق وإياك والعنف واغسله غسلا ناعما ثم أضجعه على شقه الأيسر ليبدو لك الأيمن ثم اغسله من قرنه الى قدمه وامسح يدك على ظهره وبطنه بثلاث غسلات ، ثم رده على جنبه الأيمن حتى يبدو لك الأيسر فاغسله

__________________

(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب غسل الميت.


بماء من قرنه الى قدمه وامسح يدك على ظهره وبطنه بثلاث غسلات ، ثم رده على قفاه فابدأ بفرجه بماء الكافور فاصنع كما صنعت أول مرة : اغسله بثلاث غسلات بماء الكافور والحرض وامسح يدك على بطنه مسحا رفيقا ، ثم تحول الى رأسه فاصنع كما صنعت أولا بلحيته من جانبيه كليهما ورأسه ووجهه بماء الكافور ثلاث غسلات ، وأدخل يدك تحت منكبيه وذراعيه ويكون الذراع والكف مع جنبيه ظاهرة كلما غسلت منه شيئا أدخلت يدك تحت منكبيه وفي باطن ذراعيه ، ثم رده على ظهره ثم اغسله بماء قراح كما صنعت أولا : تبدأ بالفرج ثم تحول إلى الرأس واللحية والوجه حتى تصنع كما صنعت أولا بماء قراح. ثم أذفره بالخرقة ويكون تحتها القطن تذفره به إذفارا قطنا كثيرا ثم تشد فخذيه على القطن بالخرقة شدا شديدا حتى لا يخاف ان يظهر شي‌ء ، وإياك ان تقعده أو تغمز بطنه وإياك ان تحشو في مسامعه شيئا ، فإن خفت ان يظهر من المنخر شي‌ء فلا عليك ان تصير ثم قطنا فان لم تخف فلا تجعل فيه شيئا ، ولا تخلل أظفاره. وكذلك غسل المرأة».

وعن يونس عنهم (عليهم‌السلام) (1) قال : «إذا أردت غسل الميت فضعه على المغتسل مستقبل القبلة ، فإن كان عليه قميص فاخرج يده من القميص واجمع قميصه على عورته وارفعه من رجليه الى فوق الركبة وان لم يكن عليه قميص فالق على عورته خرقة ، واعمد الى السدر فصيره في طست وصب عليه الماء واضربه بيدك حتى ترتفع رغوته واعزل الرغوة في شي‌ء وصب الآخر في الإجانة التي فيها الماء ، ثم اغسل يديه ثلاث مرات كما يغتسل الإنسان من الجنابة الى نصف الذراع ثم اغسل فرجه ونقه ثم اغسل رأسه بالرغوة وبالغ في ذلك واجتهد ان لا يدخل الماء منخريه ومسامعه ، ثم أضجعه على جانبه الأيسر وصب الماء من نصف رأسه الى قدمه ثلاث مرات وادلك بدنه دلكا رفيقا وكذلك ظهره وبطنه ، ثم أضجعه على جانبه الأيمن وافعل به مثل ذلك ، ثم صب

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب غسل الميت.


ذلك الماء من الإجانة واغسل الإجانة بماء قراح واغسل يديك الى المرفقين ، ثم صب الماء في الآنية وألق فيها حبات كافور وافعل به كما فعلت في المرة الأولى : ابدأ بيديه ثم بفرجه وامسح بطنه مسحا رفيقا فان خرج شي‌ء فأنقه ثم اغسل رأسه ثم أضجعه على جنبه الأيسر واغسل جنبه الأيمن وظهره وبطنه ثم أضجعه على جنبه الأيمن واغسل جنبه الأيسر كما فعلت أول مرة ثم اغسل يديك الى المرفقين والآنية وصب فيها الماء القراح واغسله بالماء القراح كما غسلت في المرتين الأولتين ، ثم نشفه بثوب طاهر واعمد الى قطن فذر عليه شيئا من حنوط وضعه على فرجه قبلا ودبرا واحش القطن في دبره لئلا يخرج منه شي‌ء ، وحذ خرقة طويلة عرضها شبر فشدها من حقويه وضم فخذيه ضما شديدا ولفها في فخذيه ثم اخرج رأسها من تحت رجليه الى الجانب الأيمن وأغرزها في الموضع الذي لففت فيه الخرقة وتكون الخرقة طويلة تلف فخذيه من حقويه الى ركبتيه لفا شديدا».

ومنها ـ ما رواه الشيخ في الموثق عن عمار الساباطي عن الصادق (عليه‌السلام) (1) : «انه سئل عن غسل الميت؟ قال تبدأ فتطرح على سوأته خرقة ثم تنضح على صدره وركبتيه من الماء ثم تبدأ فتغسل الرأس واللحية بسدر حتى تنقيه ثم تبدأ بشقه الأيمن ثم بشقه الأيسر وان غسلت رأسه ولحيته بالخطمي فلا بأس ، وتمر يدك على ظهره وبطنه بجرة من ماء حتى تفرغ منهما ثم بجرة من كافور تجعل في الجرة من الكافور نصف حبة ثم تغسل رأسه ولحيته ثم شقه الأيمن ثم شقه الأيسر وتمر يدك على جسده كله وتنضب رأسه ولحيته شيئا ثم تمر يدك على بطنه فتعصره شيئا حتى يخرج من مخرجه ما خرج ويكون على يديك خرقة تنقى بها دبره ، ثم ميل برأسه شيئا فتنفضه حتى يخرج من منخره ما خرج ، ثم تغسله بجرة من ماء قراح فذلك ثلاث جرار فان زدت فلا بأس وتدخل في مقعدته من القطن ما دخل ثم تجففه بثوب نظيف. وقال : الجرة الأولى التي يغسل بها الميت بماء السدر والجرة الثانية بماء الكافور تفت فيها فتا قدر نصف حبة والجرة الثالثة بماء قراح».

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب غسل الميت.


وعن يعقوب بن يقطين في الصحيح (1) قال : «سألت العبد الصالح (عليه‌السلام) عن غسل الميت أفيه وضوء الصلاة أم لا؟ فقال : غسل الميت يبدأ بمرافقه فيغسل بالحرض ثم يغسل وجهه ورأسه بالسدر ثم يفاض عليه الماء ثلاث مرات ، ولا يغسل إلا في قميص يدخل رجل يده ويصب عليه من فوقه ، ويجعل في الماء شيئا من سدر وشيئا من كافور ، ولا يعصر بطنه إلا ان يخاف شيئا قريبا فيمسح مسحا رفيقا من غير ان يعصر ، ثم يغسل الذي غسله يده قبل ان يكفنه الى المنكبين ثلاث مرات ، ثم إذا كفنه اغتسل».

وعن عبد الله بن عبيد (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن غسل الميت؟ قال تطرح عليه خرقة ثم يغسل فرجه ويوضأ وضوء الصلاة ثم يغسل رأسه بالسدر والأشنان ثم بالماء والكافور ثم بالماء القراح يطرح فيه سبع ورقات صحاح في الماء».

وعن سليمان بن خالد في الصحيح (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن غسل الميت كيف يغسل؟ قال : بماء وسدر واغسل جسده كله واغسله اخرى بماء وكافور ثم اغسله اخرى بماء. قلت ثلاث مرات؟ قال نعم. قلت فما يكون عليه حين يغسله؟ قال ان استطعت ان يكون عليه قميص فيغسل من تحت القميص».

ومنها ـ ما رواه في الكافي في الصحيح عن عبد الله بن مسكان عن الصادق (عليه‌السلام) (4) قال : «سألته عن غسل الميت؟ فقال اغسله بماء وسدر ثم اغسله على اثر ذلك غسلة اخرى بماء وكافور وذريرة ان كانت واغسله الثالثة بماء قراح. قلت ثلاث غسلات لجسده كله؟ قال نعم قلت يكون عليه ثوب إذا غسل؟ قال ان استطعت ان يكون عليه قميص فغسله من تحته ، وقال أحب لمن غسل الميت ان يلف على يده الخرقة حين يغسله».

__________________

(1 و 3 و 4) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب غسل الميت.

(2) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب غسل الميت.


وعن علي بن جعفر في الصحيح عن أخيه أبي الحسن (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن الميت هل يغسل في الفضاء؟ قال لا بأس وان ستر بستر فهو أحب الي».

وعن عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) (2) وسئل عن الرجل يحترق بالنار فأمرهم أن يصبوا عليه الماء صبا وان يصلى عليه».

وما رواه الشيخ عن عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي (عليه‌السلام) (3) قال : «ان قوما أتوا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فقالوا يا رسول الله مات صاحب لنا وهو مجدور فان غسلناه انسلخ؟ فقال يمموه».

وقال (عليه‌السلام) في الفقه الرضوي (4) : «وغسل الميت مثل غسل الحي من الجنابة إلا ان غسل الحي مرة واحدة بتلك الصفات وغسل الميت ثلاث مرات على تلك الصفات : تبتدئ بغسل اليدين الى نصف المرفقين ثلاثا ثلاثا ثم الفرج ثلاثا ثم الرأس ثلاثا ثم الجانب الأيمن ثلاثا ثم الجانب الأيسر ثلاثا بالماء والسدر ثم تغسله مرة أخرى بالماء والكافور على هذه الصفة ثم بالماء القراح مرة ثالثة. فيكون الغسل ثلاث مرات كل مرة خمسة عشرة صبة ولا يقطع الماء إذا ابتدأت بالجانبين من الرأس إلى القدمين ، فان كان الإناء يكبر عن ذلك وكان الماء قليلا صببت في الأول مرة واحدة على اليدين ومرة على الفرج ومرة على الرأس ومرة على الجنب الأيمن ومرة على الجنب الأيسر بإفاضة لا تقطع الماء من أول الجانبين الى القدمين ، ثم عملت ذلك في سائر الغسل فيكون غسل كل عضو مرة واحدة على ما وصفناه ، ويكون الغاسل على يديه خرقة ويغسل الميت من وراء الثوب أو يستر عورته بخرقة». وقال (عليه‌السلام) في موضع آخر من الكتاب ايضا (5) : «ثم ضعه على مغتسله من قبل ان تنزع قميصه أو تضع على فرجه خرقة ولين

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 30 من أبواب غسل الميت.

(2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 16 من أبواب غسل الميت.

(4) ص 20.

(5) ص 17.


مفاصله ثم تقعده فتغمز بطنه غمزا رفيقا ، وتقول وأنت تمسحه : «اللهم اني سلكت حب محمد في بطنه فاسلك به سبيل رحمتك ويكون مستقبل القبلة ، ويغسله اولى الناس به أو من يأمره الولي بذلك ، ويجعل باطن رجليه إلى القبلة وهو على المغتسل ، وتنزع قميصه من تحته أو تتركه عليه الى ان تفرغ من غسله لتستر به عورته وان لم يكن عليه قميص ألقيت على عورته شيئا مما تستر به عورته ، وتلين أصابعه ومفاصله ما قدرت بالرفق وان كان يصعب عليك فدعه ، وتبدأ بغسل كفيه ثم تطهر ما خرج من بطنه ، ويلف غاسله على يده خرقة ويصب غيره الماء من فوق يديه ثم تضجعه ويكون غسله من وراء ثوبه ان استطعت ذلك وتدخل يدك تحت الثوب ، وتغسل قبله ودبره بثلاث حميديات ولا تقطع الماء عنه ، ثم تغسل رأسه ولحيته برغوة السدر وتتبعه بثلاث حميديات ولا تقعده ان صعب عليك ، ثم أقبله الى جنبه الأيسر ليبدو لك الأيمن ومد يدك اليمنى الى جنبه الأيمن الى حيث تبلغ ثم اغسله بثلاث حميديات من قرنه الى قدمه فإذا بلغت وركه فأكثر من صب الماء وإياك ان تتركه ، ثم اقلبه الى جنبه الأيمن ليبدو لك الأيسر وضع بيدك اليسرى على جنبه الأيسر واغسله بثلاث حميديات من قرنه الى قدمه ولا تقطع الماء عنه ، ثم اقلبه على ظهره وامسح بطنه مسحا رفيقا ، واغسله مرة أخرى بماء وشي‌ء من الكافور واطرح فيه شيئا من الحنوط مثل الغسلة الأولى ، ثم خضخض الأواني التي فيها الماء واغسله الثالثة بماء قراح ولا تمسح بطنه في الثالثة ، وقل وأنت تغسله : «عفوك عفوك» فإنه من قالها عفا الله تعالى عنه ، وعليك بأداء الأمانة فإنه روى عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) «انه من غسل ميتا مؤمنا فأدى فيه الامانة غفر له. قيل كيف يؤدي الأمانة؟ قال لا يخبر بما يرى» فإذا فرغت من الغسلة الثالثة فاغسل يديك من المرفقين إلى أطراف أصابعك وألق عليه ثوبا تنشف به الماء عنه ، ولا يجوز ان يدخل الماء الذي ينصب عن الميت من غسله في كنيف ولكن يجوز ان يدخل في بلاليع لا يبال فيها أو في حفيرة ، ولا

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب غسل الميت.


يقلمن أظافيره ولا يقص شاربه ولا شيئا من شعره فان سقط منه شي‌ء من جلده فاجعله معه في أكفانه ، ولا تسخن له ماء إلا ان يكون ماء باردا جدا فتوقي الميت مما توقي منه نفسك ، ولا يكون الماء حارا شديدا وليكن فاترا» انتهى كلامه (عليه‌السلام).

أقول : فهذه جملة وافرة من الأخبار الجارية في هذا المضمار وبيان ما اشتملت عليه من الأحكام يقع في مسائل :

(الأولى) ـ ما اشتملت عليه هذه الاخبار ـ من التغسيل بالمياه الثلاثة على الترتيب المذكور فيها بماء السدر ثم بماء الكافور ثم بالماء القراح ـ مذهب الأصحاب (رضوان الله عليهم) لا اعلم فيه مخالفا إلا ما نقل عن سلار من الاكتفاء بغسل واحد وعن ظاهر ابن حمزة من عدم وجوب الترتيب بينها ، وهما ضعيفان مردودان بما عرفت من الأخبار. ونقل عن سلار الاحتجاج على ما نقل عنه بالأصل وبقوله (عليه‌السلام) في رواية علي عن أبي إبراهيم (1) قال : «سألته عن الميت يموت وهو جنب؟ قال غسل واحد». وهاتان الحجتان بمكان من الضعف لأن الأصل يجب الخروج عنه بالدليل وقد تقدم ، والغسل الواحد في الرواية المذكورة انما أريد به الاكتفاء بغسل الميت عن غسل الجنابة كما دل على ذلك جملة من الأخبار فمعنى كونه واحدا يعني لا يتعدد بتعدد السبب فهو من جملة أخبار تداخل الأغسال المستفيض في الأخبار وغسل الميت عندنا واحد وان اشتمل على ثلاث غسلات. ونقل على الترتيب في المعتبر اتفاق فقهاء أهل البيت (عليهم‌السلام).

(الثانية) ـ ما دل عليه خبر عبد الله بن عبيد (2) من الأمر بوضوء الميت امام غسله مما يدل بظاهره على مذهب ابي الصلاح من القول بوجوبه ، والمفيد ذكر الوضوء في صفة غسل الميت إلا انه لم يصرح بوجوبه ، ونحوه ابن البراج ، وقال الشيخ في النهاية : «وقد رويت أحاديث انه ينبغي ان يوضأ الميت قبل غسله فمن عمل بها كان أحوط»

__________________

(1) المروية في الوسائل في الباب 31 من أبواب غسل الميت.

(2) ص 441.


وقال في الخلاف : «غسل الميت كغسل الحي ليس فيه وضوء وفي أصحابنا من قال يستحب فيه الوضوء قبله غير انه لا خلاف بينهم انه لا يجوز المضمضة والاستنشاق فيه» وقال في المبسوط : «قد روى انه يوضأ الميت قبل غسله فمن عمل به كان جائزا غير ان عمل الطائفة على ترك العمل بذلك لان غسل الميت كغسل الجنابة ولا وضوء في غسل الجنابة» وقال سلار : «وفي أصحابنا من يوضئ الميت وما كان شيخنا (رضي‌الله‌عنه) يرى ذلك» وقال ابن إدريس : «وقد روى انه يوضأ وضوء الصلاة وهو شاذ والصحيح خلافه ، قال : وإذا كان الشيخ قال في المبسوط ان عمل الطائفة على ترك العمل بذلك لم يجز العمل بالرواية لأن العامل بها يكون مخالفا للطائفة».

أقول : الظاهر ان المشهور بين المتأخرين هو الاستحباب كما صرح به المحقق في المعتبر والعلامة في المختلف والمنتهى والشهيد في الذكرى وغيرهم في غيرها.

والذي يدل على الأمر به من الأخبار زيادة على الخبر المذكور ما رواه الشيخ عن حريز في الصحيح عن الصادق (عليه‌السلام) (1) قال : «الميت يبدأ بفرجه ثم يوضأ وضوء الصلاة وذكر الحديث».

وعن أبي خيثمة عن الصادق (عليه‌السلام) (2) قال : «ان ابي أمرني أن اغسله إذا توفي وقال لي اكتب يا بني ثم قال إنهم يأمرونك بخلاف ما تصنع فقل لهم هذا كتاب ابى ولست أعدو قوله ، ثم قال تبدأ فتغسل يديه ثم توضئه وضوء الصلاة ثم تأخذ ماء وسدرا. الحديث».

وعن معاوية بن عمار (3) قال : «أمرني أبو عبد الله (عليه‌السلام) ان أعصر بطنه ثم أوضيه ثم اغسله بالأشنان ثم اغسل رأسه بالسدر ولحيته ثم أفيض على جسده منه ثم ادلك به جسده ثم أفيض عليه ثلاثا ثم اغسله بالماء القراح ثم أفيض عليه الماء بالكافور

__________________

(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب غسل الميت.

(3) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب غسل الميت.


وبالماء القراح واطرح فيه سبع ورقات سدر».

قال في الذكرى بعد ذكر هذا الخبر : «وفي هذا الخبر غرائب» أقول : لعل ذلك من حيث دلالته بظاهره على انه تولى تغسيل الامام (عليه‌السلام) مع ما علم من الاخبار انه لا يغسله إلا إمام مثله ، ومن حيث دلالته على عصر بطنه مع النهي عنه في الاخبار ، ومن حيث دلالته على عدم الترتيب بين المياه الثلاثة والاخبار والإجماع ـ كما عرفت ـ على خلافه.

الا انه يمكن الجواب عن الأول بأن الضمير في «بطنه» يعود الى الميت المفهوم من قرائن المقام أو المتقدم في سابق هذا الكلام ، إذ الظاهر ان هذا كلام مقتطع من حديث قبله.

ومن العجب ان الأصحاب انما استدلوا لأبي الصلاح أو نقلوا الاستدلال عنه برواية ابن ابي عمير عن بعض أصحابه عن الصادق (عليه‌السلام) (1) قال : «في كل غسل وضوء إلا غسل الجنابة».

مع ان هذه الأخبار التي ذكرناها واضحة الدلالة صريحة المقالة في مذهبه. وأعجب من ذلك ان المحقق في المعتبر أجاب عن هذه الرواية بعدم الصراحة في الوجوب وانها كما تحتمل الوجوب تحتمل الاستحباب ، وتبعه في هذا الجواب جملة من المتأخرين كالشهيدين وغيرهما ، مع انهم في غير موضع يستدلون بهذه الرواية على وجوب الوضوء مع الغسل كما تقدم البحث فيه في باب الجنابة.

واستدل على نفي الوضوء هنا بالأخبار الكثيرة الدالة على بيان الكيفية مع خلوها من التعرض لذكره والمقام مقام البيان. أقول : لقائل أن يقول ان غاية هذه الأخبار ان تكون مطلقة والقاعدة تقتضي تقييدها بالأخبار الدالة على وجوب الوضوء فلا منافاة. نعم صحيحة يعقوب بن يقطين المتقدمة (2) ظاهرة في نفيه حيث ان أصل السؤال انما وقع عن الوضوء في غسل الميت يعني وجوبه فخرج الجواب ببيان الكيفية عاريا عن التعرض له بنفي أو إثبات ، ولا ريب أن إضراب الإمام (عليه‌السلام) عن ذلك انما يكون لعلة.

__________________

(1) المروية في الوسائل في الباب 35 من أبواب غسل الجنابة.

(2) ص 441.


ولو لا اتفاق العامة على الوضوء في غسل الميت كما نقله في المنتهى (1) لكان العمل باخبار الوجوب في غاية القوة ، وظاهر إضراب الإمام (عليه‌السلام) عن الجواب في صحيحة يعقوب المذكورة مشعر بالتقية. واما القول بالاستحباب كما هو المشهور بين المتأخرين فلا وجه له لان تلك الاخبار ظاهرة في الوجوب لا معارض لها إلا إطلاق غيرها من الاخبار المتقدمة وقضية القاعدة المشهورة حمل مطلقها على مقيدها. (فان قيل) الحمل على التقية انما يكون عند وجود المعارض لها (قلنا) قد تكاثرت الاخبار بعرض الخبر على مذهب العامة والأخذ بخلافه وان كان لا معارض له ثمة حتى ورد انه إذا احتاج الى معرفة حكم من الأحكام وليس في البلد من يستفتيه من علماء الإمامية يسأل فقهاء العامة ويأخذ بخلافهم (2) وقد ورد أيضا «إذا رأيت الناس مقبلين على شي‌ء فدعه» ويؤيد ذلك ما تقدم عن الشيخ من ان عمل الطائفة على ترك العمل بذلك وما يشعر به صحيح يعقوب بن يقطين. وبالجملة فالظاهر اما القول بالوجوب كما هو ظاهر الأخبار المذكورة أو طرحها وحملها على التقية كما ذكرنا والقول بالتحريم. ولعله الأقرب.

(الثالثة) ـ اختلف الأصحاب في انه هل الأفضل تغسيل الميت عريانا مستور العورة أو في قميص يدخل الغاسل يده تحته؟ قال في المختلف : «المشهور انه ينبغي ان ينزع القميص عن الميت ثم يترك على عورته ما يسترها واجبا ثم يغسله الغاسل. وقال ابن

__________________

(1) في المغني ج 2 ص 457 «إذا أنجاه وأزال عنه النجاسة بدأ بعد ذلك فوضأه وضوء الصلاة.» وفي عمدة القارئ شرح البخاري ج 4 ص 41 «وضوء الميت سنة كما في الاغتسال حال الحياة غير انه لا يمضمض ولا يستنشق عندنا» وفي الأم للشافعي ج 1 ص 234 في مقام بيان صفة الغسل «ثم يوضئه وضوء الصلاة» وفي بداية المجتهد لابن رشد ج 1 ص 211 «قال أبو حنيفة لا يوضأ الميت وقال الشافعي يوضأ وقال مالك ان وضئ فحسن».

(2) كما في حديث على بن أسباط عن الرضا (عليه‌السلام) المروي في الباب 9 من صفات القاضي وما يجوز ان يقضى به.


ابي عقيل السنة في غسل الميت ان يغسل في قميص نظيف ، وقد تواترت الأخبار عنهم (عليهم‌السلام) ان عليا (عليه‌السلام) غسل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في قميصه ثلاث غسلات. وقال الشيخ في الخلاف : يستحب ان يغسل الميت عريانا مستور العورة اما بان يترك قميصه على عورته أو ينزع القميص ويترك على عورته خرقة ، الى ان قال دليلنا إجماع الفرقة وعملهم على انه مخير بين الأمرين. وقال أبو جعفر بن بابويه : وينزع القميص عنه من فوق الى سرته ويتركه الى ان يفرغ من غسله ليستر به عورته فان لم يكن عليه قميص القى على عورته ما يسترها. ويدل على ما اختاره ابن ابي عقيل ما رواه ابن مسكان في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «قلت يكون عليه ثوب إذا غسل؟ قال : ان استطعت ان يكون عليه قميص فغسله من تحته». انتهى ما ذكره في المختلف. وقد ظهر من كلامه ان المشهور هو استحباب غسله مكشوف البدن ما عدا العورة ، وكلام ابن ابي عقيل ظاهر في استحباب التغسيل في قميص وهو ظاهر من الاخبار كصحيحة ابن مسكان المذكورة وصحيحة يعقوب بن يقطين المتقدمة (2) وصحيحة سليمان ابن خالد المتقدمة (3) أيضا بل ظاهر صحيحة يعقوب الوجوب ، ويعضدها أيضا الأخبار المتقدمة في تغسيل الزوجين المتكاثرة بكونه من وراء الثياب وبالجملة فقول ابن ابي عقيل هو الأظهر في المسألة ، وظاهر العلامة في كلامه المذكور الميل اليه حيث استدل لابن ابي عقيل بالصحيحة المذكورة ولم يستدل لغيره بشي‌ء.

وظاهر هذه الاخبار الدالة على أفضلية تغسيله في قميصه هو طهارة القميص بطهارة الميت من غير عصر إذا كان خاليا من نجاسة خبثية والا وجب إزالتها أولا قبل الشروع في الغسل كما تقدم الكلام فيه ، وكذا طهارة الخرقة التي يضعها على فرجه إذا جرده والخرقة التي يلفها على يده ، وبذلك صرح في الحبل المتين حيث قال : «والظاهر عدم احتياج طهارة القميص الى العصر كما في الخرقة التي يستر بها عورة الميت. أقول : وقد

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب غسل الميت.

(2 و 3) ص 441.


تقدم في صدر المقام الأول في التنبيهات الملحقة بالمسألة الثانية (1) ذكر الخلاف بين أصحابنا في طهر القميص وعدمه بدون العصر.

ثم انه مع استحباب تغسيله عاريا كما هو المشهور فإنهم صرحوا بأنه يفتق جيبه وينزع ثوبه من تحته ، ذكر ذلك الشيخان في النهاية والمبسوط والمقنعة وبالغ في المقنعة فقال : «يفتق جيبه أو يخرقه ليتسع عليه» قال في المدارك : «ولا خفاء في ان ذلك مشروط بإذن الورثة فلو تعذر لصغر أو غيبة لم يجز» أقول : قد روى المحقق في المعتبر (2) عن عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه‌السلام) قال : «ثم يخرق القميص إذا فرغ من غسله وينزع من رجليه». وهو ـ كما ترى ـ مطلق فلا يتقيد بما ذكره.

ثم ان ظاهر خبر يونس (3) انه يجمع القميص على موضع العورة بأن يخرج يده من القميص ويجذبه منحدرا الى سرته ويجرد ساقيه الى فوق الركبة ، وظاهر عبارة كتاب الفقه (4) انه يتخير بين نزع قميصه من تحته وبين ان يتركه عليه الى ان يفرغ من غسله

(الرابعة) ـ المشهور بين الأصحاب استحباب الاستقبال بالميت حال الغسل مثل حال الاحتضار ، وفي المختلف عن المبسوط القول بالوجوب حيث قال : «معرفة القبلة واجبة للتوجه إليها في الصلوات واستقبالها عند الذبيحة واحتضار الأموات وغسلهم» وقال في المدارك ـ بعد عد المصنف الاستقبال في حال الغسل من سنن الغسل ـ ما صورته «هذا قول الشيخ وأكثر الأصحاب بل قال في المعتبر انه اتفاق أهل العلم للأمر به في عدة روايات ، وانما حمل على الندب جمعا بينها وبين ما رواه يعقوب بن يقطين في الصحيح (5) قال : «سألت أبا الحسن الرضا (عليه‌السلام) عن الميت كيف يوضع على المغتسل موجها وجهه نحو القبلة أو يوضع على يمينه ووجهه نحو القبلة؟ قال : يوضع كيف تيسر». ونقل عن ظاهر الشيخ في المبسوط وجوب الاستقبال ورجحه المحقق الشيخ علي

__________________

(1) ص 390.

(2) ص 72.

(3) ص 439.

(4) ص 443.

(5) رواه في الوسائل في الباب 5 من أبواب غسل الميت.


محتجا بورود الأمر به ثم قال : ولا ينافيه ما سبق ـ يعني خبر يعقوب بن يقطين ـ لان ما تعسر لا يجب. وهو غير جيد لان مقتضى الرواية أجزاء أي جهة اتفقت فالمنافاة واضحة وحمل الأمر على الاستحباب متعين» انتهى كلامه. وبنحو ذلك صرح جده.

أقول : الظاهر عندي هو القول بالوجوب ، وهو ظاهر العلامة في المنتهى حيث انه ـ بعد ذكر صحيحة سليمان بن خالد وهي ما رواه في الصحيح (1) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : إذا مات لأحدكم ميت فسجوه تجاه القبلة وكذلك إذا غسل يحفر له موضع المغتسل تجاه القبلة فيكون مستقبل باطن قدميه ووجهه إلى القبلة». ـ قال : «وهذه أوامر تدل على الوجوب» انتهى. ومما يدل على ذلك ايضا خبر الكاهلي المتقدم (2) وقوله فيه : «استقبل بباطن قدميه القبلة حتى يكون وجهه مستقبل القبلة». وخبر يونس (3) وقوله فيه : «إذا أردت غسل الميت فضعه على المغتسل مستقبل القبلة». وقوله (عليه‌السلام) في كتاب الفقه (4) : «ويكون مستقبل القبلة». واما ما توهموه ـ من منافاة صحيحة يعقوب بن يقطين المتقدمة لهذه الأخبار بناء على ما فهموه من ان المراد انه يوضع على اي كيفية كانت ـ ففيه ما ذكره شيخنا البهائي في الحبل المتين حيث قال ـ بعد الكلام في المسألة ونقله عن الشهيد الثاني انه استضعف كلام الشيخ علي ورده بما ذكره سبطه ـ ما صورته : «وأنت خبير بأن لقائل أن يقول ان الظاهر من قوله (عليه‌السلام) : «يوضع كيف تيسر» التخيير بين الوضعين اللذين ذكرهما السائل اعني توجيهه إلى القبلة على هيئة المحتضر أو على هيئة الملحود فأجابه (عليه‌السلام) باجزاء ما تيسر من الأمرين ، ففي الحديث دلالة على انه إذا تعسر توجيهه على هيئة المحتضر وتيسر التوجيه على هيئة الملحود فلا عدول عنه لأنه أحد توجيهي الميت فتأمل. والظاهر ان هذا مراد شيخنا الشيخ علي أعلى الله قدره. والأصح وجوب الاستقبال. والله سبحانه

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 35 من أبواب الاحتضار.

(2) ص 438.

(3) ص 439.

(4) ص 443.


اعلم» انتهى كلامه. أقول : وبما ذكره يظهر ان الاخبار المتقدمة لا معارض لها فيجب العمل بها ، وما ذكره ان لم يكن أرجح ـ سيما مع ما عرفت غير مرة مما في الحمل على الاستحباب وان اشتهر العمل عليه بين الأصحاب ـ فلا أقل ان يكون مساويا لما ذكروه ، وبه يسقط الاستدلال بالخبر المذكور على ما ذكروه من جواز الوضع كيف اتفق ويحتمل ايضا حمل خبر يعقوب بن يقطين على عدم إمكان الاستقبال المذكور في الاخبار فيوضع كيف اتفق ، وبه يحصل الجمع ايضا بين الاخبار المذكورة. وقد نقل في الحبل المتين القول بالوجوب ايضا عن الشهيدين في المسالك والدروس ، وهو الأقوى كما عرفت.

(الخامسة) ـ ما دلت عليه الأخبار المتقدمة من وجوب ستر عورته بقميصه أو بخرقة مما وقع عليه الإجماع ولما علم من الشرع من تحريم النظر إلى العورة ، نعم لو كان الغاسل ممن لا يبصر أو انه يثق من نفسه بكف البصر عن العورة بحيث يتيقن السلامة من الوقوع في ذلك المحذور فلا بأس ، لأن وجوب الستر انما هو لمنع الأبصار فإذا أمكن من دون الستر لم يجب ، إلا ان الأحوط ان لا يترك الستر استظهارا في المنع وقد استثني من ذلك الزوجان على تقدير جواز تغسيل كل منهما الآخر أو أحدهما الآخر مجردا. وقد تقدم تحقيق البحث في المسألة. وهل يجب ستر عورة الصبي الذي يجوز للنساء تغسيله مجردا أم لا؟ قرب في المعتبر عدم الوجوب بناء على جواز نظر المرأة إليه ، قال : «وهو يدل على جواز نظر الرجل» واعترضه في الذكرى قال : «فإن أراد إلى العورة أمكن توجه المنع إلا ان يعلل بعدم الشهوة فلا حاجة الى الحمل على النساء»

(السادسة) ـ ما دل عليه جملة من الاخبار المتقدمة ـ من وجوب الترتيب في غسله بأن يبدأ بالرأس أولا ثم بالجانب الأيمن ثانيا ثم الأيسر ـ مما وقع الاتفاق عليه وقد ذكر جمع من المتأخرين انه يسقط الترتيب بغمس الميت بالماء غمسة واحدة بأن يغمس في كل ماء من المياه الثلاثة غمسة واحدة استنادا إلى رواية محمد بن مسلم عن الباقر


(عليه‌السلام) (1) قال : «غسل الميت مثل غسل الجنب.». واستشكله جمع من متأخري المتأخرين لما فيه من الخروج عن صرائح تلك الروايات المتكاثرة بهذه الرواية المجملة ، إذ المماثلة لا تقتضي أن تكون من كل وجه فلعله باعتبار الترتيب أو عدم الوضوء أو نحو ذلك.

ثم انه هل الغاسل حقيقة هو الصاب أو المقلب؟ المشهور الأول ، قالوا وتظهر الفائدة في النية فأيهما ثبت انه الغاسل تعلقت به النية ، ومستندهم في ذلك هو ان الغسل شرعا جريان الماء على المحل والصاب هو الذي حصل بفعله الجريان. وربما علل الثاني بأن الصاب انما هو بمنزلة الآلة. أقول : لا يخفى ما في البناء على مثل هذه التعليلات العليلة ، والذي يظهر لي من الاخبار هو الثاني ، ومنها ـ موثقة سماعة (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل مات وليس عنده إلا نساء؟ قال تغسله امرأة ذات محرم وتصب النساء عليه الماء.». وموثقة عبد الرحمن ابن ابي عبد الله البصري عن الصادق (عليه‌السلام) (3) وفيها «تغسله امرأته أو ذات محرمة وتصب عليه النساء الماء صبا.». وحسنة الحلبي عن الصادق (عليه‌السلام) (4) وفيها «تغسله امرأته أو ذو قرابته ان كانت له وتصب النساء عليه الماء صبا». وهي ـ كما ترى ـ ظاهرة في ان الغسل انما هو للمباشر بيده لبدن الميت لا الصاب. وفي عبارة كتاب الفقه المتقدمة (5) «ويلف غاسله على يده خرقة ويصب غيره الماء من فوق بدنه» ويدل على ذلك أيضا الأخبار المتقدمة الدالة على المماثلة وانه مع عدم المماثل لا بد من اشتراط المحرمية أو الزوجية بين الغاسل والميت ، فإنها إنما تنطبق على المباشر لبدن الميت لا الصاب عليه. فان الصب في هذه الاخبار ونحوها جائز من الأجانب الذين ليس بينهم وبين الميت محرمية ولا زوجية

ثم انهم بناء على ما قدمنا نقله عنهم اختلفوا في انه هل تجب النية في كل غسلة من

__________________

(1) المروية في الوسائل في الباب 3 من أبواب غسل الميت.

(2 و 3) المروية في الوسائل في الباب 20 من أبواب غسل الميت.

(4) المروية في الوسائل في الباب 24 من أبواب غسل الميت.

(5) ص 443.


الغسلات الثلاث أم تكفي الواحدة؟ ظاهر الذكرى الاكتفاء بالواحدة بناء على ان هذا غسل واحد وان تعده باعتبار كيفيته ، وقيل بتعدد النية بتعدد الغسلات لتعدد الأغسال اسما وصورة ومعنى ، وهو اختيار شيخنا الشهيد الثاني في الروض ، وعن المحقق الشيخ علي في شرح القواعد التخيير بين نية واحدة ونية ثلاث عند أول كل غسل لأنه في المعنى عبادة واحدة وغسل واحد مركب من غسلات ثلاث وفي الصورة ثلاث فيجوز مراعاة الوجهين ، وتردد في المعتبر في وجوب النية في هذا الغسل مطلقا لانه تطهير للميت من نجاسة الموت فهو إزالة نجاسة كغسل الثوب ثم احتاط بوجوبها ، وفرع في الذكرى على الخلاف في النية وعدمها جواز الغسل في المكان المغصوب وبالماء المغصوب وعدمه. أقول : والوجه في ذلك انه على الأول يكون عبادة فلا يصح في المكان المغصوب ولا بالماء المغصوب كما صرحوا به في الوضوء والغسل من الجنابة ونحوهما ، وعلى الثاني يكون من قبيل ازالة النجاسات وهي غير مشترطة بشي‌ء من ذلك.

ثم ان الغاسل ان اتحد وجب عليه النية وان اشترك جماعة في غسله فان اجتمعوا في الصب اعتبرت النية من الجميع لاستناده الى الجميع فلا أولوية ، ولو كان بعضهم يصب والآخر يقلب وجبت على الصاب لانه الغاسل حقيقة واستحبت من المقلب. أقول : وهذا البحث بجميع ما ذكر فيه من الشقوق والأقسام مفروغ عنه عندنا لما أسلفنا لك تحقيقه في نية الوضوء ، وكلامهم هذا مبني على النية المشهورة بينهم التي هي عبارة عن التصوير الفكري والحديث النفسي الذي يترجمه قول القائل : افعل كذا لوجوبه أو ندبه قربة الى الله تعالى. وهذه ليست هي النية الحقيقية كما سلف تحقيقه.

(السابعة) ـ أكثر الروايات المتقدمة مطلقة في السدر الذي يضاف الى الماء ، وفي رواية عبد الله بن عبيد (1) سبع ورقات ، وكلام الأصحاب هنا مختلف ، فاعتبر فيه بعضهم مسماه والظاهر انه المشهور ، وبعض ما يصدق به الاسم بمعنى ما يصدق عليه انه

__________________

(1) ص 441.


ماء سدر وماء كافور فلو كان السدر ورقا غير مطحون ولا ممروس لم يجز وكذا لو كان قليلا على وجه لا يصدق على ذلك الماء انه ماء سدر ، وعن المفيد تقديره برطل وابن البراج برطل ونصف ، واعتبر بعضهم سبع ورقات كما دل عليه الخبر المشار اليه. والظاهر من هذه الأقوال هو اعتبار ما يصدق به الاسم عملا بالأخبار الكثيرة المصرحة بماء السدر.

ثم انهم اختلفوا أيضا في انه لو خرج بذلك عن الإطلاق فهل يجوز التغسيل به أم لا؟ قولان اختار ثانيهما العلامة وغيره والظاهر انه هو المشهور ، والى الأول مال في المدارك قال : «وإطلاق الاخبار واتفاق الأصحاب على ترغية السدر كما نقله في الذكرى يقتضيان الجواز» وظاهره في الذكرى التوقف في المسألة حيث انه اقتصر على نقل الأقوال في المسألة ، فنقل عن الفاضل انه يشترط كون السدر والكافور لا يخرجان الماء إلى الإضافة لانه مطهر والمضاف غير مطهر. ثم نقل قولي المفيد وابن البراج ، وقال : اتفق الأصحاب على ترغيته وهما يوهمان الإضافة ويكون المطهر هو القراح والغرض بالأولين التنظيف وحفظ البدن من الهوام بالكافور لان رائحته تطردها. انتهى. ومن هذا الكلام الأخير يعلم الجواب عما احتجوا به على المنع من انه مطهر والمضاف غير مطهر. وبالجملة فالظاهر من الاخبار المتقدمة هو القول الأول ، واستند الشهيد الثاني ـ بعد اختياره للقول المشهور واستدلاله عليه بما تقدم في كلام العلامة ـ إلى قوله (عليه‌السلام) : في صحيحة سليمان بن خالد ومثلها في صحيحة عبد الله بن مسكان (1) : «بماء وسدر». فإنه ظاهر في اشتراط بقاء ماء السدر على الإطلاق. أقول : ومثل ذلك في عبارة كتاب الفقه الأولى (2) إلا ان ظاهر كلامه في الثانية (3) هو الغسل برغوة السدر ، وظاهر خبر يونس (4) مما يؤيد القول الأول وكذا ظاهر رواية الكاهلي (5). وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال لتصادم ظواهر الأدلة وتقابلها في ذلك. واما ما ذكره في المدارك

__________________

(1) ص 441.

(2 و 3) ص 442.

(4) ص 439.

(5) ص 438.


من الاحتجاج بإطلاق الاخبار على الجواز ففيه ان الاخبار مختلفة في تأدية هذا المعنى كما عرفت فان ما عبر به في بعضها من قوله : «ماء وسدر» ظاهر في الدلالة على القول بعدم الجواز كما استدل به جده (قدس‌سره) في الروض على ذلك ، وما عبر به من قوله : «ماء السدر» فهو محتمل للحمل على كل من القولين ، نعم ما ذكره من الاستناد الى الترغية جيد باعتبار دلالة رواية يونس وعبارة كتاب الفقه على انه يغسل بها الرأس ، وظاهرهما انه الغسل الواجب ولهذا ذكرا بعده غسل الجانب الأيمن من البدن. واما ما ذكره في الذكرى ـ من انه يكون المطهر هو القراح والغرض من الأولين التنظيف. إلخ ـ فهو غير صالح لتأسيس حكم شرعي لأنه مجرد ظن واستنباط لا دليل عليه ، ولم لا يجوز ان يكون لكل من الغسل بماء السدر وماء الكافور مدخل في التطهير؟ وكيف لا وقد اتفقوا على وجوب الترتيب بين الأعضاء الثلاثة فيهما كما في الأغسال الشرعية واتفقوا على طهارتهما من النجاسة لتحصيل التطهير بهما ونحو ذلك من شروط الأغسال الشرعية ، ولو كان الغرض منهما ما ذكره لم يتوقف ذلك على أمر آخر وراءه والحال بخلاف ذلك والمسألة لا تخلو من نوع توقف وان كان القول الأول لا يخلو من قرب. وظاهر جملة من الأصحاب التوقف في ذلك ايضا كشيخنا الشهيد في الذكرى والشيخ البهائي في الحبل المتين حيث اقتصروا على نقل كلام الأصحاب في المسألة. والله العالم.

(الثامنة) ـ ظاهر الأصحاب الاتفاق على وجوب التغسيل بالماء القراح فيما إذا عدم الخليطان وانما الخلاف في وجوب غسلة واحدة به أو ثلاث غسلات؟ قولان ، وبالأول جزم المحقق في المعتبر والسيد السند في المدارك وبالثاني ابن إدريس والعلامة في الإرشاد والشهيد الثاني في الروض ، وتوقف في المنتهى والمختلف وهو ظاهر الشهيد في الذكرى.

وعلل القول الأول ـ كما ذكره في المعتبر ـ بالأصل وبان المراد بالسدر الاستعانة على ازالة الدرن وبالكافور تطييب الميت وحفظه بخاصية الكافور من إسراع التغير


وتعرض الهوام ومع عدمها فلا فائدة في تكرار الماء مع حصول النقاء. أقول : وفي التعليل الثاني ما عرفت آنفا من ان هذه العلة لا تخرج من ان تكون مستنبطة ، إذ لا دلالة في شي‌ء من الأخبار عليها ومع تسليم وجودها في الاخبار فاستلزامها لما ذكروه مردود بان علل الشرع انما هي من قبيل المعرفات لا انها علل حقيقية يدور المعلول مدارها وجودا وعدما ، ألا ترى انه قد ورد في تعليل وجوب العدة على النساء ان العلة في ذلك استبراء الرحم مع وجوبها على من لم يدخل بها زوجها في الوفاة وعلى من طلقها أو مات عنها في بلاد بعيدة بعد مدة مديدة ، ونحو ذلك ما ورد في علة غسل الجمعة من انه كانت الأنصار تعمل في نواضحها فإذا حضروا الجمعة تأذى الناس بروائحهم فأمر (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بغسل الجمعة لذلك (1) مع ثبوت استحبابه أو وجوبه على القول به مطلقا بل ورد تقديمه على يوم الجمعة وقضاؤه بعده ، وحينئذ فمع ورود هذه العلة التي ذكرها لا يجب اطرادها ودوران المعلول مدارها وجودا وعدما حتى انه مع فقد الخليطين يسقط الغسل عملا بالعلة المذكورة.

وعلل القول الثاني ـ كما ذكره في الذكرى ـ بإمكان الجزء فلا يسقط بفوات الآخر لأصالة عدم اشتراط أحدهما بصاحبه. وقال في المنتهى : «لو لم يوجد السدر والكافور وجب ان يغسل بالماء القراح ، وفي عدد غسله حينئذ إشكال ينشأ من سقوط الغسل بعدم ما يضاف إليه لأنه المأمور به ولم يوجد فيسقط الأمر ، ومن كون الواجب الغسل بماء الكافور أو السدر فهما واجبان في الحقيقة ولا يلزم من سقوط أحد الواجبين للعذر سقوط الآخر» وزاد في الروض الاستدلال على ما ذهب اليه من وجوب الثلاث بقوله (عليه‌السلام) (2) : «الميسور لا يسقط بالمعسور». كما ورد في الخبر وقوله

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب الأغسال المسنونة.

(2) رواه النراقي في العوائد ص 81 ومير فتاح في العناوين ص 146 عن عوالي اللئالي عن أمير المؤمنين «عليه‌السلام».


(صلى‌الله‌عليه‌وآله): «إذا أمرتكم بشي‌ء فاتوا منه ما استطعتم» (1).

وعلى هذا النحو كلماتهم في هذا المقام وهي مما لا تسمن ولا تغني من جوع كما لا يخفى على من له إلى الإنصاف ادنى رجوع ، والمسألة غير منصوصة ، وبناء الأحكام على هذه التعليلات العلية سيما مع تعارضها وتصادمها لا يخلو من المجازفة في أحكامه سبحانه ، إلا انه ربما لاح من بعض الأخبار سقوط الغسل بالكلية في هذه الصورة مثل موثقة عمار (2) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) ما تقول في قوم كانوا في سفر لهم يمشون على ساحل البحر فإذا هم برجل ميت عريان قد لفظه البحر وهم عراة ليس عليهم إلا إزار ، كيف يصلون عليه وهو عريان وليس معهم فضل ثوب يكفنونه به؟ فقال يحفر له ويوضع في لحده ويوضع اللبن على عورته لتستر عورته باللبن ثم يصلى عليه ويدفن.». ونحوه خبر محمد بن مسلم عن رجل من أهل الجزيرة (3) قال : «قلت لأبي الحسن الرضا (عليه‌السلام) قوم كسر بهم مركب في بحر فخرجوا يمشون على الشط فإذا هم برجل ميت عريان والقوم ليس عليهم إلا مناديل متزرين بها وليس عليهم فضل ثوب يوارون به الرجل كيف يصلون عليه وهو عريان؟ فقال : إذا لم يقدروا على ثوب يوارون به عورته فليحفروا له قبره ويضعوه في لحده يوارون عورته بلبن أو حجارة أو تراب ثم يصلون عليه ثم يوارونه في قبره. الحديث». والتقريب فيهما انه (عليه‌السلام) لم يتعرض لذكر الغسل في المقام بل أمر ان يحفر له ويوضع في حفرته ولم يتعرض لذكر غسله ، والظاهر انه لا وجه لسقوطه إلا فقد الخليطين فان ظاهر تلك الحال يشهد بتعذر وجوده وإلا فمجرد كونه عريانا لا يمنع من وجوب غسله وهم على ساحل البحر ، ويعضد ذلك ان التكليف الشرعي انما تعلق بهذه المياه الثلاثة على الترتيب المخصوص والكيفية المخصوصة في

__________________

(1) رواه مسلم في صحيحة ج 1 ص 513 والنسائي ج 2 ص 1 وابن حزم في المحلى ج 1 ص 64 رقم 100 بإسناد متصل الى ابى هريرة.

(2 و 3) المروية في الوسائل في الباب 36 من أبواب صلاة الجنازة.


الاخبار وإيجاب غيرها بأي نحو كان بعد تعذرها يتوقف على الدليل الشرعي والنص الواضح الجلي والركون الى هذه التعليلات العقلية ـ وان زعموها أدلة شرعية بل قدموها على الأدلة السمعية سيما مع تصادمها كما عرفت ـ لا يخلو من المجازفة في أحكامه التي قد دلت الآيات والروايات على النهي عن القول فيها بغير علم منه عزوجل أو من نوابه (عليهم‌السلام) وحملة كتابه (لا يقال) : ان الواجب مع تعذر الغسل التيمم وهذان الخبران خاليان من التعرض له أيضا (لأنا نقول) : غايتهما في ذلك ان يكونا مطلقين في هذا الحكم فيجب تقييدهما بما دل على الحكم المذكور من الأخبار كما سيأتي في المسألة بخلاف الغسل فإنه ليس هنا ما يوجب تقييد إطلاقها إذ لا رواية في المسألة كما عرفت ، وروايات الغسل المتكاثرة إنما وردت بالخليطين وهما غير موجودين كما هو المفروض في المسألة.

وبذلك يظهر لك الكلام فيما فرعوا على هذه المسألة من مس الميت بعد غسله كذلك وقد تقدم الكلام في ذلك في فصل غسل المس (1) وكذا فيما لو وجد الخليطان بعد الغسل كذلك فهل يجب اعادة الغسل أم لا؟ واستظهر في المدارك هنا عدم وجوب الإعادة ، قال : «لتحقق الامتثال المقتضي للإجزاء» أقول : لا يخفى ان هذه العبارة إنما يرمى بها في مقام وجود النص الشرعي ويكون المراد بالامتثال يعني امتثال أمر الشارع وهو الذي يقتضي الاجزاء لا في مثل هذا المقام المبني على هذه التخرصات والتخريجات العقلية. وأنت خبير بان للخصم ان يقول ان التكليف بالغسل بالخليطين ثابت بالنصوص التي لا ريب فيها ، سقط التكليف به فيما إذا تعذر حتى دفن الميت ، وما لم يدفن فالخطاب الى من تعلق به الخطاب أولا متوجه والتكليف باق وهذا الغسل الذي وقع لم يقم عليه نص ولا دليل يعتمد عليه حتى يمكن حصول الامتثال به ورفع تعلق الخطاب. وبالجملة فإن البناء إذا كان على غير أساس تطرق اليه الهدم والانطماس.

(التاسعة) ـ من المستحبات في هذا الغسل غسل اليدين الى نصف الذراع

__________________

(1) ص 333.


والفرجين في كل غسلة بمائها كما في رواية يونس (1) «ثم اغسل يديه ثلاث مرات كما يغتسل الإنسان من الجنابة الى نصف الذراع ثم اغسل فرجه ونقه». وفي رواية الكاهلي (2) «ثم ابدأ بفرجه بماء السدر والحرض فاغسله ثلاث غسلات». ونحو ذلك في عبارة كتاب الفقه (3).

وقد ذكر جمع من الأصحاب انه يستحب أمام الغسلة الاولى ان يغسل رأسه برغوة السدر ولم أقف له على مستند في الأخبار ، وغسل الرأس المذكور فيها برغوة السدر ـ كما تضمنه خبر يونس وعبارة كتاب الفقه أو بماء السدر كما في غيرهما ـ انما هو الغسل الواجب ولهذا ثنى (عليه‌السلام) في تلك الأخبار بعده بغسل الجانب الأيمن. ولم يتعرض في الذكرى لهذا الحكم ، وكذلك في المنتهى جعل غسل الرأس بالرغوة من اجزاء الغسل الواجب.

وظاهر حديث الكاهلي استحباب البدأة في غسل الرأس بالشق الأيمن ثم بالشق الأيسر وبه صرح جملة من الأصحاب : منهم ـ الشهيد في النفلية إلا انه جعل ذلك مما يستحب امام الغسل كما قدمنا ذكره وباقي الأخبار مطلقة في ذلك ، وحينئذ فيمكن حمل إطلاق الأخبار على هذه الرواية.

ومنها ـ استحباب التثليث في كل غسلة في غسل اليدين والفرجين كما سمعت من هذه الاخبار ، وكذا غسل الرأس والجانب الأيمن والجانب الأيسر كما صرح بذلك في عبارة كتاب الفقه الاولى ونحوها رواية الكاهلي وبذلك صرح الأصحاب أيضا ، قال في الذكرى : «يستحب تقديم غسل يديه وفرجيه مع كل غسلة كما في الخبر وفتوى الأصحاب ، وتثليث غسل أعضائه كلها من اليدين والفرجين والرأس والجنبين بالإجماع ، وحصرها الجعفي في كل غسلة خمس عشرة صبة لا تنقطع» أقول : ما نقله عن الجعفي من الخمس عشرة صبة قد صرح به (عليه‌السلام) في عبارة كتاب الفقه الاولى (4) والوجه فيه

__________________

(1) ص 439.

(2) ص 438.

(3 و 4) ص 442.


ان الأعضاء المغسولة وجوبا واستحبابا خمسة وبتثليث كل منها يصير المجموع خمسة عشرة صبة ، قال في الذكرى : «والصدوق ذكر ثلاث حميديات وكأنه إناء كبير ولهذا مثل ابن البراج الإناء الكبير بالإبريق الحميدي» انتهى أقول : ما ذكره الصدوق في هذا المقام مأخوذ من عبارة كتاب الفقه الثانية (1) وهو في العبارة الاولى من عبارتيه المتقدمتين عبر عن التثليث الذي يستحب في كل عضو من الأعضاء الخمسة بالغسل ثلاثا ثلاثا وفي العبارة الثانية عبر عنه بثلاث حميديات ، والظاهر من ذلك ان كل حميدية تقوم بغسلة من الغسلات الثلاث ، فيصير مرجع العبارتين إلى أمر واحد.

ومنها ـ ان لا يقطع الماء في كل غسلة من هذه الغسلات واجبة أو مستحبة حتى يتم غسل ذلك العضو ، وبذلك صرح الأصحاب أيضا كما تقدم في نقل الذكرى عن الجعفي ، ونقل فيها عن ابن الجنيد والشيخ انهما قالا بعدم الانقطاع ايضا حتى يستوفى العضو ، وقال في المنتهى : «يستحب لمن يصب الماء ان لا يقطعه بل يصب متواليا فإذا بلغ حقويه أكثر من الماء لان الاستظهار هناك أتم» وعلى هذا الحكم يدل كلامه (عليه‌السلام) في كتاب الفقه كما تقدم في كل من العبارتين ولم أقف على هذا الحكم في الاخبار إلا في هذا الكتاب.

ومنها ـ اغتسال الغاسل قبل التغسيل ذكره بعض الأصحاب ، قال في البحار : «وقيل باستحباب الغسل لتغسيل الميت وتكفينه قبلهما وان لم يمسه» ولم أعثر على من تعرض لنقل هذا القول سواه وكفى به ، ويدل على هذا القول قوله (عليه‌السلام) في الفقه الرضوي (2) «تتوضأ إذا أدخلت القبر الميت واغتسل إذا غسلته ولا تغتسل إذا حملته» وسيأتي ان شاء الله تعالى في باب الأغسال المستحبة ما يؤيد ذلك. ومنها ـ ان يجعل مع الكافور في الغسلة الثانية ذريرة كما تقدم في صحيحة عبد الله بن مسكان (3) والذريرة ـ على ما ذكره الشيخ (رحمه‌الله) في التبيان ـ فتات

__________________

(1) ص 442.

(2) ص 20.

(3) ص 441.


قصب الطيب وهو قصب يجاء به من الهند كأنه النشاب ، وقال في المبسوط والنهاية يعرف بالقمحة بضم القاف وبفتح الميم المشددة والحاء المهملة أو بفتح القاف وإسكان الميم ، وقال ابن إدريس هي نبات طيب غير الطيب المعهود تسمى القمحان بالضم والتشديد ، وقال المحقق في المعتبر انها الطيب المسحوق.

ومنها ان يكثر الماء إذا بلغ حقويه حال الغسل ، ويدل عليه قوله (عليه‌السلام) في عبارة كتاب الفقه الثانية (1) : «فإذا بلغت وركه فأكثر من صب الماء». وبه صرح في المنتهى كما تقدم في عبارته ، وهذا الحكم مما انفرد به هذا الكتاب ايضا فيما اعلم.

ومنها ـ تليين أصابعه ومفاصله فان امتنعت عليه تركها كما يدل عليه قوله (عليه‌السلام) في رواية الكاهلي (2) : «ثم تلين مفاصله فان امتنعت عليك فدعها». وفي عبارة كتاب الفقه الثانية «ثم لين مفاصله ، الى ان قال وتلين أصابعه ومفاصله ما قدرت بالرفق وان كان يصعب عليك فدعها». قال في المعتبر : ثم تلين أصابعه برفق فان تعسر ذلك تركها وهو مذهب أهل البيت (عليهم‌السلام) وفي بعض أحاديثهم «تلين مفاصله» وقال في الذكرى : «يستحب تليين أصابعه برفق فان تعسر تركها وبعد الغسل لا تليين لعدم فائدته» ثم نقل عن ابن ابي عقيل انه نفاه مطلقا لخبر طلحة بن زيد عن الصادق (عليه‌السلام) (3) «ولا يغمز له مفصل». وحمله الشيخ على ما بعد الغسل ، قال في المدارك بعد نقل حمل الشيخ المذكور : «وهو حسن» أقول : قد روى الشيخ في الحسن عن حمران بن أعين (4) قال قال أبو عبد الله (عليه‌السلام): «إذا غسلتم الميت منكم فارفقوا به ولا تعصروه ولا تغمزوا له مفصلا. الحديث». وهو ظاهر في كون ذلك

__________________

(1) ص 442.

(2) ص 438.

(3) المروي في الوسائل في الباب 11 من أبواب غسل الميت.

(4) رواه في الوسائل في الباب 9 و 11 من أبواب غسل الميت.


وقت الغسل لا بعده فلا يقبل تأويل الشيخ المذكور. ويمكن الجمع بين هذين الخبرين وما تقدمهما بحمل هذين الخبرين على ما ينافي الرفق المأمور به في صدر الخبر مع ما دل عليه الخبران الأولان من الأمر بالتليين برفق فان امتنعت فدعها.

ومنها ـ الرفق به حال الغسل كما تدل عليه حسنة حمران المذكورة ، وما رواه الشيخ في الصحيح الى عثمان النوا (1) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) اني اغسل الموتى. قال أوتحسن؟ قلت اني اغسل. قال إذا غسلت ميتا فارفق به ولا تعصره ولا تقربن شيئا من مسامعه بكافور». وروى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن زرارة عن الباقر (عليه‌السلام) (2) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ان الرفق لم يوضع على شي‌ء إلا زانه ولا نزع من شي‌ء إلا شانه».

ومنها ـ وضع الخرقة على يده حال الغسل كما تضمنته صحيحة عبد الله بن مسكان ونحوها عبارة كتاب الفقه الثانية (3) وان كان في بعضها التخصيص بغسل العورة كما في صحيحة الحلبي أو حسنته وموثقة عمار (4) قال بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين : ولا خلاف في رجحان وضع الغاسل خرقة على يده عند غسل فرج الميت ، قال في الذكرى : وهل يجب؟ يحتمل ذلك لان المس كالنظر بل أقوى ومن ثم ينشر حرمة المصاهرة دون النظر ، اما باقي بدنه فلا يجب فيه الخرقة قطعا وهل يستحب؟ كلام الصادق (عليه‌السلام) يشعر به. انتهى. أقول : الظاهر انه لا وجه لنسبة الوجوب هنا الى الاحتمال كما ذكره مع ما علم من تحريم مس العورة نصا وفتوى في حال الحياة والحكم في الموت كذلك مؤيدا بما ذكره وبالجملة فالظاهر ان وضع الخرقة لغسل العورة واجب ولسائر البدن مستحب ومنها ـ كون الغسل تحت سقف لا في الفضاء وعليه تدل صحيحة علي بن جعفر

__________________

(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 9 من أبواب غسل الميت.

(3) ص 441 و 442.

(4) ص 438 و 440.


المتقدمة (1) ومثلها رواية طلحة بن زيد عن الصادق (عليه‌السلام) (2) «ان أباه (عليه‌السلام) كان يستحب ان يجعل بين الميت وبين السماء ستر يعني إذا غسل». وقوله : «يعني إذا غسل» الظاهر انه من كلام الراوي أو من كلام الصادق (عليه‌السلام) ، ونقل في الذكرى ان عليه اتفاق علمائنا. قال في المعتبر : «ولعل الحكمة كراهة ان يقابل السماء بعورته».

ومنها ـ كثرة الماء ففي رواية الكاهلي (3) «وأكثر من الماء». وفي موثقة عمار (4) «لكل من المياه الثلاثة جرة جرة». وفي صحيحة حفص بن البختري عن الصادق (عليه‌السلام) (5) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لعلي (عليه‌السلام) يا علي إذا أنا متّ فاغسلني بسبع قرب من بئر غرس» وفي آخر «ست قرب». أقول : وغرس بالغين المعجمة وسكون الراء بئر بالمدينة ، ويؤيده أخبار التثليث المتقدمة ، قال في الذكرى : «ولا حد في ماء الغسل غير التطهير كما مر ، وظاهر المفيد صاع لغسل الرأس واللحية بالسدر ثم صاع لغسل البدن بالسدر ، وفي المعتبر عن بعض الأصحاب ان لكل غسلة صاعا وهو مختار الفاضل في النهاية» وربما ظهر من هذه الأقوال عدم اجزاء ما دون ذلك ، قال في المعتبر : قيل يغسل الميت بتسعة أرطال في كل غسلة كالجنبلما روى عنهم (عليهم‌السلام) (6) «ان غسل الميت كغسل الجنابة». والوجه انقاؤه بكل غسلة من غير تقدير ، ثم استدل بما رواه محمد بن الحسن الصفار (7) قال : «كتبت الى ابي محمد (عليه‌السلام) كم حد الماء الذي يغسل به الميت كما رووا ان

__________________

(1) ص 442.

(2) المروية في الوسائل في الباب 30 من أبواب غسل الميت.

(3) ص 438.

(4) ص 440.

(5) المروية في الوسائل في الباب 28 من أبواب غسل الميت.

(6) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب غسل الميت.

(7) رواه في الوسائل في الباب 27 من أبواب غسل الميت.


الحائض تغتسل بتسعة أرطال فهل للميت حد؟ فوقع : حده يغسل حتى يطهر ان شاء الله تعالى». أقول : قال الصدوق في الفقيه بعد نقل الخبر المذكور : «هذا التوقيع في جملة توقيعاته الى محمد بن الحسن الصفار عندي بخطه (عليه‌السلام) في صحيفته»

ومنها ـ الدعاء في حال الغسل ، ففي رواية سعد الإسكاف عن الباقر (عليه‌السلام) (1) قال : «أيما مؤمن غسل مؤمنا فقال إذا قلبه : «اللهم ان هذا بدن عبدك المؤمن قد أخرجت روحه منه وفرقت بينهما فعفوك عفوك» إلا غفر الله تعالى له ذنوب سنة إلا الكبائر». وفي صحيحة إبراهيم بن عمرو عن الصادق (عليه‌السلام) (2) قال : «ما من مؤمن يغسل مؤمنا ويقول وهو يغسله : «يا رب عفوك عفوك» إلا عفا الله تعالى عنه».

ومنها ـ ان يوضع على ساجة وهو خشب مخصوص ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) قالوا والمراد هنا مطلق الخشب ، قال في المبسوط : يجعل على ساجة أو سرير وقال في المدارك : «وينبغي كونه على مرتفع وان يكون مكان الرجلين اخفض حذرا من اجتماع الماء تحته» وعلل بما فيه من صيانة الميت عن التلطخ. ولم أقف في شي‌ء من الاخبار على ما فيه تعرض لذلك سوى رواية يونس (3) وقوله : «فضعه على المغتسل مستقبل القبلة». وكتاب الفقه وقوله (عليه‌السلام) فيه (4) : «ثم ضعه على مغتسله». وقوله : «وتجعل باطن رجليه إلى القبلة وهو على المغتسل». والظاهر ان الإجمال فيه لاستمرار السلف عليه ومعلوميته من غير ان يعتبر فيه نوع مخصوص ولا شي‌ء معين ، قال ابن الجنيد «يقدم اللوح الذي يغسل عليه الى الميت ولا يحمل الميت الى اللوح». ومنها ـ ان يحفر للماء حفيرة أو يكون في بالوعة ولا يجعل في كنيف ، ويدل عليه صحيحة محمد بن الحسن الصفار (5) «انه كتب الى ابي محمد (عليه‌السلام) هل

__________________

(1 و 2) المروية في الوسائل في الباب 7 من أبواب غسل الميت.

(3) ص 439.

(4) ص 442.

(5) المروية في الوسائل في الباب 29 من أبواب غسل الميت.


يجوز ان يغسل الميت وماؤه الذي يصب عليه يدخل إلى بئر كنيف؟ فوقع (عليه‌السلام) يكون ذلك في بلاليع». ويدل على الحفيرة قوله (عليه‌السلام) في حسنة سليمان بن خالد (1) «وكذلك إذا غسل يحفر له موضع المغتسل تجاه القبلة فيكون مستقبلا بباطن قدميه ووجهه إلى القبلة». وفي كتاب الفقه (2) «ولا يجوز ان يدخل ما ينصب عن الميت من غسله في كنيف ولكن يجوز ان يدخل في بلاليع لا يبال فيها أو في حفيرة». وظاهره التحريم كما ترى.

ومنها ـ ان يجعل في دبره شي‌ء من القطن قال في الخلاف : يستحب ان يدخل في سفل الميت شي‌ء من القطن لئلا يخرج منه شي‌ء. ونحوه قال ابن الجنيد وزاد القبل من المرأة وأضاف إلى القطن الذريرة وان يحشى كل منهما بمقدار ما يؤمن معه نزول شي‌ء من الجوف. وقال سلار ويضع القطن على دبره. وقال ابن إدريس يحشو القطن على حلقة الدبر ، وبعض أصحابنا يقول في كتاب له ويحشو القطن في دبره. والأول أظهر. أقول : مما دل على هذا الحكم قوله (عليه‌السلام) في رواية يونس (3) «واحش القطن في دبره لئلا يخرج منه شي‌ء». وقوله (عليه‌السلام) في رواية عمار (4) «وتدخل في مقعدته من القطن ما دخل». وهما دالان على ما ذكره الشيخ من استدخال ذلك في الدبر لا وضعه عليه من خارج كما ذكره ابن إدريس. وفي كتاب الفقه (5) «وقبل ان تلبسه قميصه تأخذ شيئا من القطن وتجعل عليه حنوطا وتحشو به دبره». ونقل في المختلف الاحتجاج لسلار وابن إدريس بأن للميت حرمة تمنع من حشو القطن في دبره كالحي ، وبما رواه عمار عن الصادق (عليه‌السلام) (6) : «وتجعل على مقعدته شيئا من القطن». ثم أجاب عن الأول بأن حرمة الميت تقتضي ما ذكرناه. وعن الثاني بأنه لا يمنع من المدعى.

__________________

(1) المروية في الوسائل في الباب 35 من أبواب الاحتضار.

(2) ص 17.

(3) ص 439.

(4) ص 440.

(5) ص 17.

(6) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب غسل الميت.


أقول : ولم أقف على هذه الرواية التي ذكرها إلا في رواية عمار التي اشتملت على ما ذكرناه فإنه ذكر فيها في كيفية الغسل ما قدمناه وذكر في كيفية التكفين كما سيأتي نقله من الرواية المذكورة ما نقله العلامة هنا ، ولا يخلو من تدافع ، والقول باستحباب الأمرين كما يعطيه ظاهر هذه الرواية لم أقف عليه في كلام أحد من الأصحاب ، ولا يبعد ان يكون هذا من الهفوات التي تكون في رواية عمار غالبا.

ومنها ـ استحباب وقوف الغاسل عن يمينه ذكره جملة من الأصحاب ، لقول الصادق (عليه‌السلام) في رواية عمار (1) عنه (عليه‌السلام): «لا يجعله بين رجليه في غسله بل يقف من جانبه». كذا استدل به العلامة في النهاية. وهو أعم من المدعى.

ومنها ـ مسح بطنه في الغسلتين الأوليين وعليه تدل رواية الكاهلي (2) ويونس (3) وأصرح منهما عبارة كتاب الفقه الثانية لقوله بعد ذكر المسح في الغسلتين الأوليين : «ولا تمسح بطنه في الثالثة» قال في المعتبر : «ويمسح بطنه امام الغسلتين الأوليين إلا الحامل ، والمقصود من المسح خروج ما لعله بقي مع الميت فان مع مسح بطنه يخرج ذلك لاسترخاء أعضائه وخلوها من القوة الماسكة ، وانما قصد ذلك لئلا يخرج بعد الغسل ما يؤذي الكفن ولا يمسح في الثالثة وهو إجماع فقهائنا» انتهى. أقول : دعوى المحقق الإجماع هنا اما غفلة عن خلاف ابن إدريس أو لعدم الاعتداد بخلافه فإن المنقول عنه كما ذكره في الذكرى انه بعد ان جوزه في أول الباب أنكره لما ثبت من مساواة الميت للحي في الحرمة ، وما ذكرناه مبني على رجوع دعوى الإجماع إلى أصل المسألة اما لو خص بعدم المسح في الثالثة فلا.

بقي الكلام فيما إذا خرجت منه نجاسة بعد المسح في الأثناء أو بعد تمام الغسل ، فالمشهور بين الأصحاب هو صحة الغسل وعدم انتقاضه وانما يجب إزالة النجاسة

__________________

(1) رواها المحقق في المعتبر ص 74.

(2) ص 438.

(3) ص 439.


خاصة ، للامتثال ، ولما تقدم في خبر يونس (1) من قوله (عليه‌السلام): «فان خرج منه شي‌ء فأنقه». وما رواه الشيخ في الموثق عن روح بن عبد الرحيم عن الصادق (عليه‌السلام) (2) قال : «ان بدا من الميت شي‌ء بعد غسله فاغسل الذي بدا منه ولا تعد الغسل». وعن عبد الله الكاهلي والحسين بن المختار عن الصادق (عليه‌السلام) (3) قالا : «سألناه عن الميت يخرج منه الشي‌ء بعد ما يفرغ من غسله؟ قال يغسل ذلك ولا يعاد عليه الغسل». ونحوهما ما رواه في الكافي عن سهل عن بعض أصحابه رفعه (4) وعن ابن ابي عقيل وجوب اعادة الغسل فإنه قال : «إذا انتقض منه شي‌ء استقبل به الغسل استقبالا».

ومنها ـ ان ينشف بثوب بعد الغسل لقوله (عليه‌السلام) في صحيحة الحلبي أو حسنته (5) : «إذا فرغت من ثلاث غسلات جعلته في ثوب نظيف ثم جففته». ونحوها رواية يونس وموثقة عمار وعبارة كتاب الفقه الثانية (6).

(العاشرة) ـ من المكروهات في هذا الغسل إقعاد الميت على المشهور بين الأصحاب ذكره الشيخ وكثير ممن تأخر عنه وادعى في الخلاف إجماع الفرقة ، قال : «وخالف جميع الفقهاء في ذلك» وأنكره المحقق في المعتبر فقال بعد ذكر رواية أبي العباس الآتية : «قال الشيخ في الاستبصار هذا موافق للعامة ولسنا نعمل به. وانا أقول ليس العمل بهذه الاخبار بعيدا ولا معنى لحملها على التقية لكن لا بأس ان يعمل بما ذكره الشيخ من تجنب ذلك والاقتصار على ما اتفق على جوازه» ويدل على النهي عن الإقعاد قوله (عليه‌السلام) في رواية الكاهلي (7) : «وإياك ان تقعده أو تغمز بطنه». وجملة من أصحابنا إنما استندوا في ذلك الى حسنة حمران ورواية عثمان النوا المتقدمتين في الرفق بالميت (8) حيث ان الإقعاد له خلاف الرفق به. واما ما يدل على الإقعاد فهو ما رواه

__________________

(1) ص 439.

(2 و 3 و 4) رواه في الوسائل في الباب 32 من أبواب غسل الميت.

(5 و 7) ص 438.

(6) ص 439 و 440 و 442.

(8) ص 461 و 462.


الشيخ في الصحيح عن ابي العباس وهو الفضل بن عبد الملك البقباق عن الصادق (عليه‌السلام) (1) قال : «سألته عن الميت فقال أقعده واغمز بطنه غمزا رفيقا ثم طهره من غمز البطن. الحديث». ولم أقف في كتب الأخبار المشهورة بينهم على أزيد من هذه الرواية ولم ينقل ناقل في المسألة سواها ، فما ذكره في المدارك ـ من انه قد ورد في الأمر بالإقعاد عدة روايات ـ لا اعرف له وجها ، نعم وقع ذلك في عبارة كتاب الفقه الثانية. وكيف كان فما ذكره الشيخ من حمل هذه الرواية ونحوها على التقية جيد حيث ان العامة متفقون على استحباب إقعاده حال الغسل (2) وكلام صاحب المعتبر عليه لا وجه له لما علم من اخبار أهل البيت (عليهم‌السلام) من الحث الشديد والتأكيد الأكيد على مجانبتهم خذ لهم الله تعالى وعرض الاخبار على مذهبهم والأخذ بخلافه وان لم يكن في مقام التعارض وانهم ليسوا من الحنيفية على شي‌ء وانه ليس في يدهم إلا استقبال القبلة وانهم ليسوا إلا مثل الجدر المنصوبة ونحو ذلك مما بسطنا الكلام عليه في محل أليق ، فكيف وقد دلت رواية الكاهلي على النهي المذكور.

ومنها ـ حلق رأسه وعانته وتسريح لحيته وقلم أظفاره على المشهور ، وحكم ابن حمزة بالتحريم ، ونقل الشيخ الإجماع على انه لا يجوز قص الأظفار ولا تنظيفها من الوسخ بالخلال ولا تسريح اللحية ، وهو مقتضى ظاهر النهي في الأخبار الواردة بذلك ومنها ـ ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن ابن ابي عمير عن بعض أصحابه

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب غسل الميت.

(2) في المغني لابن قدامة ج 2 ص 457 «يبدأ الغاسل فيحنى الميت حنيا رفيقا لا يبلغ به قريبا من الجلوس لأن في الجلوس أذية له» وفي المهذب للشيرازي ج 1 ص 128 «المستحب ان يجلسه اجلاسا رفيقا ويمسح بطنه مسحا بليغا» وفي المنهاج للنووي ص 23 «ويجلسه الغاسل على المغتسل مائلا إلى ورائه ثم يمسح بطنه» وفي الفروع للشيبانى الحنبلي ج 1 ص 629 «يرفع رأسه الى قريب من جلوسه فيعصر بطنه برفق» وفي البحر الرائق ج 2 ص 172 والمبسوط للسرخسى ج 2 ص 59 «ويقعده فيمسح بطنه مسحا رفيقا».


عن الصادق (عليه‌السلام) (1) قال : «لا يمس من الميت شعر ولا ظفر وان سقط منه شي‌ء فاجعله في كفنه». وعن غياث عن الصادق (عليه‌السلام) (2) قال : «كره أمير المؤمنين (عليه‌السلام) ان يحلق عانة الميت إذا غسل أو يقلم له ظفر أو يجز له شعر». وعن عبد الرحمن ابن ابي عبد الله (3) قال «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الميت يكون عليه الشعر فيحلق عنه أو يقلم ظفره؟ قال لا يمس منه شي‌ء اغسله وادفنه». وعن طلحة ابن زيد عن الصادق (عليه‌السلام) (4) قال : «كره ان يقص من الميت ظفر أو يقص له شعر أو يحلق له عانة أو يغمز له مفصل». وما رواه الصدوق عن ابي الجارود (5) «انه سأل الباقر (عليه‌السلام) عن الرجل يتوفى أتقلم أظافيره وينتف إبطه وتحلق عانته ان طالت به من المرض؟ فقال لا». ولفظ الكراهة في هذين الخبرين لا ينافي التحريم فإنه قد شاع استعماله في التحريم في الاخبار ، وبالجملة فالتحريم قريب لعدم المعارض لهذه الأخبار الدالة بظاهرها على ذلك ولا سيما مع استحباب هذه الأشياء عند العامة واتفاقهم على ذلك (6) ونقل في الذكرى عن العلامة انه يخرج الوسخ من أظفاره بعود عليه قطن مبالغة في التنظيف ، ثم رده بأنه مدفوع بنقل الإجماع مع النهي عنه في خبر الكاهلي السابق (7) واما ما ذكروه من انه لو قص شيئا من هذه الأشياء وجب جعله

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5) رواه في الوسائل في الباب 11 من أبواب غسل الميت.

(6) في الفروع فقه الحنابلة ج 1 ص 631 «يجز شاربه ويقلم أظفاره ويؤخذ شعر إبطه وعانته» وفي المنهاج للنووي ص 23 «في الجديد لا يكره في غير المحرم أخذ ظفره وشعر إبطه وعانته وشاربه. وفي الوجيز للغزالي ص 45 غير المحرم هل يقلم ظفره ويحلق شعره الذي يستحب في الحياة حلقه؟ فيه قولان» وفي البداية لابن رشد المالكي ج 1 ص 212 «اختلفوا في تقليم أظفار الميت والأخذ من شعره فقيل تقلم أظفاره ويؤخذ من شعره وقيل لا وليس فيه اثر» وفي المهذب للشيرازي ج 1 ص 129 «في تقليم أظفاره وحف شاربه وحلق عانته قولان أحدهما يفعل به ذلك لانه تنظيف كإزالة الوسخ والثاني يكره وهو قول المزني لأنه قطع جزء منه» وفي المبسوط للسرخسى ج 2 ص 59 المنع من ذلك كله.

(7) ص 438.


مع الميت في كفنه فيدل عليه مرسلة ابن ابي عمير المذكورة.

ومنها ـ غسله بالماء المسخن بالنار ، وحكى في المنتهى الإجماع على كراهته ، وقال الشيخ لو خشي الغاسل من البرد انتفت الكراهة ، وقيده المفيد (رحمه‌الله) بالقلة فقال يسخن قليلا ، وتبعهما في الاستثناء جمع من الأصحاب ، والصدوقان ايضا استثنيا حال شدة البرد ، والظاهر من كلامهما ان ذلك لرعاية حال الميت لا حال الغاسل.

والذي وقفت عليه من الأخبار في ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة (1) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) لا يسخن الماء للميت». وفي الصحيح عن عبد الله بن المغيرة عن رجل عن الباقر والصادق (عليهما‌السلام) (2) : «قالا لا يقرب الميت ماء حميما». وما رواه في الكافي عن يعقوب بن يزيد عن عدة من أصحابنا عن الصادق (عليه‌السلام) (3) قال : «لا يسخن للميت الماء لا تعجل له النار ولا يحنط بمسك». وروى الصدوق في الفقيه مرسلا (4) قال قال الباقر (عليه‌السلام): «لا يسخن الماء للميت». وروى في حديث آخر : «إلا ان يكون شتاء باردا فتوقي الميت مما توقي منه نفسك». أقول : الظاهر ان الصدوق أشار بهذه الرواية الى ما تقدم في كتاب الفقه الرضوي (5) حيث قال : «ولا تسخن له ماء إلا ان يكون باردا جدا فتوقي الميت مما توقي منه نفسك ولا يكون الماء حارا شديدا وليكن فاترا». انتهى. ومن هذه العبارة أخذ الصدوقان ، والظاهر ان المراد بقوله : «فتوقي الميت مما توقي منه نفسك» ما ذكره بعض مشايخنا يعني توقي نفسك وتوقي الميت بتبعية توقي نفسك لان الميت يتضرر بذلك وتوقيه منه.

ومنها ـ جعل الميت حال الغسل بين رجليه لما تقدم من رواية عمار (6) وقوله (عليه‌السلام): «لا يجعل الميت بين رجليه في غسله بل يقف من جانبه». واما ما رواه الشيخ

__________________

(1 و 2 و 4) رواه في الوسائل في الباب 10 من أبواب غسل الميت.

(5) ص 17.

(6) رواها المحقق في المعتبر ص 74.


عن العلاء بن سيابة عن الصادق (عليه‌السلام) (1) ـ قال : «لا بأس ان تجعل الميت بين رجليك وان تقوم من فوقه فتغسله إذا قلبته يمينا وشمالا تضبطه برجليك لكيلا يسقط لوجهه». ـ فقد حمله في التهذيبين على الجواز وان كان الأفضل ان لا يركب الغاسل الميت ، والأظهر تخصيصه بحال الضرورة وعدم التمكن من الغسل إلا بذلك كما هو ظاهر سياق الخبر المذكور فلا تنافي.

ومنها ـ الدخنة على المشهور ، قال في المعتبر : ولا يعرف أصحابنا استحباب الدخنة بالعود ولا بغيره عند الغسل واستحبه الفقهاء ، لنا ـ ان الاستحباب يتوقف ثبوته على دلالة الشرع والتقدير عدمها (لا يقال) ذلك لدفع الرائحة الكريهة (لأنا نقول) ليست الرائحة دائمة مع كل ميت ولان ذلك قد يندفع بغيره وكما سقط اعتبار غير العود من الأطياب فكذا التجمير ، ويؤيده رواية محمد بن مسلم عن الصادق (عليه‌السلام) (2) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) لا تجمروا الأكفان ولا تمسوا موتاكم بالطيب إلا بالكافور فان الميت بمنزلة المحرم». انتهى. أقول : لم أقف في الأخبار على ما يدل على حكم الدخنة حال الغسل لا نفيا ولا إثباتا لكن لا يبعد من حيث اتفاق العامة على استحباب ذلك واشتهاره بينهم (3) ان يقال بالكراهة للأخبار الدالة على الأخذ بخلافهم مطلقا.

(الحادية عشرة) ـ ما تضمنته رواية عمرو بن خالد المتقدمة (4) ـ من الأمر بتيمم المجدور وكذا مثله ممن يخاف من تغسيله تناثر جلده كالمحترق ـ مما لا خلاف فيه

__________________

(1) رواه في الوسائل في الباب 33 من أبواب غسل الميت.

(2) المروية في الوسائل في الباب 6 من أبواب التكفين.

(3) في شرح الزرقانى على مختصر ابى الضياء في فقه مالك ج 2 ص 106 «يستحب تجمير الدار بالبخور عند خروج روحه وغسله» وفي البحر الرائق ج 2 ص 177 «يجمر الميت في ثلاثة مواضع : عند خروج روحه وعند غسله وعند تكفينه» وفي مجمع الانهر ج 1 ص 179 «يوضع حول سريره الذي يغسل عليه مجمر».

(4) ص 442.


بين الأصحاب بل قال في التهذيب ان به قال جميع الفقهاء إلا الأوزاعي ، والمستند في الحكم المذكور هو الرواية المذكورة ، وقال الصدوق في الفقيه : «والمجدور إذا مات يصب عليه الماء صبا إذا خيف ان يسقط من جلده شي‌ء عند المس وكذلك الكسير والمحترق والذي به القروح» وظاهر هذا الكلام ان الحكم في المجدور ونحوه انما هو الصب دون التيمم كما هو المشهور. ويدل عليه رواية عمرو بن خالد الأخرى المتقدمة أيضا (1) ورواية ضريس عن علي بن الحسين (عليهما‌السلام) أو الباقر (عليه‌السلام) (2) قال : «المجدور والكسير والذي به القروح يصب عليه الماء صبا». وما في الفقه الرضوي (3) حيث قال (عليه‌السلام): «وان كان الميت مجدورا أو محترقا فخشيت ان مسسته سقط من جلوده شي‌ء فلا تمسه ولكن صب عليه الماء صبا فان سقط منه شي‌ء فاجعله في أكفانه». انتهى وظاهر ما بين الكلامين من التدافع ، إلا ان يقال ان الواجب في المجدور ونحوه هو الصب أولا دون المس باليد فان خيف بالصب تناثر لحمه فالحكم التيمم وهو ظاهر المحقق في المعتبر وقد جعله وجه جمع بين رواية ضريس ورواية عمرو بن خالد الدالة على التيمم ، فقال : «يستحب إمرار اليد على جسد الميت فان خيف من ذلك لكونه مجدورا أو محترقا اقتصر الغاسل على صب الماء من غير إمرار ، ولو خيف من الصب لم يغسل ويمم ، ذكر ذلك الشيخان في النهاية والمبسوط والمقنعة وابن الجنيد. أما الاولى فلان الإمرار مستحب وتقطيع جلد الميت محظور فيتعين العدول الى ما يؤمن معه تناثر الجسد ، ويؤيد هذا الاعتبار ما رواه ، ثم ساق رواية ضريس ثم قال : واما الثانية فلان التيمم طهارة لمن تعذر عليه استعمال الماء ، قال الشيخ في الخلاف : وبه قال جميع الفقهاء إلا الأوزاعي. وعلى قول الشيخ تكون المسألة إجماعية لأن خلاف الأوزاعي منقرض ، ويؤيد ذلك ما رواه عمرو بن خالد» ثم ساق روايته المتضمنة للتيمم وحاصل كلامه انه

__________________

(1) ص 442.

(2) المروية في الوسائل في الباب 16 من أبواب غسل الميت.

(3) ص 18.


متى علم تناثر جسده بالمس اكتفى بالصب إذا لم يتناثر جسده بالصب ومتى علم تناثر جسده بالصب اكتفي بالتيمم. وهو جمع حسن بين الروايتين المذكورتين ، الا ان في قبول عبارة الصدوق وعبارة كتاب الفقه التي منها أخذت عبارة الصدوق وان كان بالمعنى اشكالا ، حيث ان ظاهر الاولى وصريح الثانية انه مع خوف التناثر بالمس ينتقل الى الصب وان حصل به التناثر ، ولهذا أمر (عليه‌السلام) بجعل ما يسقط منه مع الصب في أكفانه ولم يأمر بالتيمم ، والمراد بالصب هنا هو ما يعبر عنه بالنضح تارة والرش اخرى وهو مقابل للغسل الذي يحصل به الجريان. وكيف كان فالظاهر ان الأحوط بل الأقوى ما هو المشهور من التفصيل الذي ذكره في المعتبر.

بقي هنا شي‌ء وهو ان السيد السند قال في المدارك بعد الطعن في رواية عمرو ابن خالد التي هي مستند الحكم بالتيمم في المسألة بضعف السند باشتماله على جماعة من الزيدية : فإن كانت المسألة إجماعية على وجه لا يجوز مخالفته فلا بحث وإلا أمكن التوقف في ذلك ، لان إيجاب التيمم زيادة تكليف والأصل عدمه خصوصا ان قلنا ان الغسل إزالة النجاسة كما يقوله المرتضى ، وربما ظهر من بعض الروايات عدم الوجوب أيضا كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن ابي الحسن (عليه‌السلام) (1) في الجنب والمحدث والميت إذا حضرت الصلاة ولم يكن معهم من الماء إلا بقدر ما يكفي أحدهم ، قال : «يغتسل الجنب ويدفن الميت ويتيمم الذي هو على غير وضوء لان الغسل من الجنابة فريضة وغسل الميت سنة والتيمم للآخر جائز». انتهى. أقول : لا يخفى ان الراوي لهذه الرواية في كتب الأخبار انما هو عبد الرحمن بن ابي نجران لا عبد الرحمن بن الحجاج كما ذكره هنا ، وهو ايضا قد ذكر هذه الرواية في بحث التيمم في مسألة اجتماع الجنب والميت والمحدث ونقلها عن عبد الرحمن بن ابي نجران. واما ما وصفها به من صحة السند فان كان نقله لها من التهذيب فهي ليست بصحيحة لأن في طريقها في الكتاب المذكور محمد بن عيسى

__________________

(1) المروية في الوسائل في الباب 18 من أبواب التيمم.


وهو مشترك وفيه عبد الرحمن عمن حدثه ، وان كان من الفقيه فهي صحيحة لأنه رواها فيه عن عبد الرحمن بن ابي نجران وطريقه اليه صحيح في المشيخة ، إلا ان متنها فيه ليس كما ذكره بل الذي فيه «ويدفن الميت بتيمم ويتيمم الذي هو على غير وضوء. الى آخره» وهي صريحة في تيمم الميت خلافا لما يدعيه ، وبالجملة فإن كان نقله لها من التهذيب فمتنها فيه على ما ذكره إلا ان السند غير صحيح وان كان من الفقيه فالسند صحيح كما وصفه إلا ان متنها ليس كما ذكره. إلا ان صاحب الوافي والوسائل قد نقلا ايضا هذه الرواية من التهذيب بهذا المتن الذي ذكره ثم نقلاها عن الفقيه وأحالا المتن على ما نقلاه عن التهذيب ولم ينبها على الزيادة التي ذكرناها. وهو محتمل لاتحاد هذا المتن في الكتابين كما ذكره السيد ومحتمل لوقوع السهو منهما عن التنبيه على ذلك فإنه قد جرى لهما مثل ذلك في مواضع عديدة ، وبالجملة فإني قد تتبعت نسخا عديدة مضبوطة من الفقيه فوجدت الرواية فيها كما ذكرته من الزيادة المذكورة. والله العالم.

(الثانية عشرة) ـ إذا مات الجنب أو الحائض أو النفساء كفى غسل الميت على المعروف من مذهب الأصحاب ولا يجب غسلان بل ولا يستحب ، قال في المعتبر : وهو مذهب أكثر أهل العلم. أقول ويدل على ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة (1) قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) ميت مات وهو جنب كيف يغسل وما يجزئه من الماء؟ قال يغسل غسلا واحدا يجزئ ذلك للجنابة ولغسل الميت لأنهما حرمتان اجتمعتا في حرمة واحدة». ورواه الكليني في الصحيح أو الحسن مثله. وعن عمار في الموثق عن الصادق (عليه‌السلام) (2) «انه سئل عن المرأة إذا ماتت في نفاسها كيف تغسل؟ قال مثل غسل الطاهر وكذلك الحائض وكذلك الجنب انما يغسل غسلا واحدا فقط». ورواه الصدوق بإسناده عن عمار مثله. وعن علي بن أبي إبراهيم (عليه‌السلام) (3) قال : «سألته عن الميت يموت وهو جنب؟ قال غسل واحد».

__________________

(1 و 2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 31 من أبواب غسل الميت.


وعن ابي بصير عن أحدهما (عليهما‌السلام) (1) «في الجنب إذا مات؟ قال ليس عليه إلا غسلة واحدة».

واما ما رواه الشيخ في الصحيح عن عيص عن الصادق (عليه‌السلام) (2) قال : «سألته عن رجل مات وهو جنب؟ قال يغسل غسلة واحدة بماء ثم يغسل بعد ذلك». وعن عيص عن الصادق (عليه‌السلام) (3) قال : «إذا مات الميت فخذ في جهازه وعجله وإذا مات الميت وهو جنب غسل غسلا واحدا ثم يغسل بعد ذلك». وعن عيص بن القاسم في الصحيح عن الصادق (عليه‌السلام) (4) قال : «إذا مات الميت وهو جنب غسل غسلا واحدا ثم اغتسل بعد ذلك». فقد أجاب الشيخ (قدس‌سره) بحملها على الاستحباب بعد ان طعن فيها بأن الأصل فيها كلها عيص وهو واحد لا يعارض به جماعة كثيرة ثم وجهها بتوجيه الغسل الأخير إلى الغاسل كما هو ظاهر الخبر الأخير ويكون ذلك غلطا من الراوي أو الناسخ في البواقي يعني في جعل «يغسل» مكان «يغتسل» أقول : قد تقدم البحث في تداخل الأغسال في نية الوضوء (5) وبسطنا الكلام في ذلك بما لا مزيد عليه وبينا صحة القول بالتداخل ، وهذه الاخبار الثلاثة لا تقوم بمعارضة جملة أخبار المسألة فيتعين حملها على ما ذكره الشيخ وان بعد وإلا فطرحها وإرجاعها إلى قائلها ، وحملها على التقية غير بعيد وان كان القائل بها من العامة غير معلوم فإنه متى كان علماء الطائفة سلفا وخلفا على القول بالاكتفاء بغسل واحد كما دلت عليه الأخبار الكثيرة فمن الظاهر حمل ما خالف ذلك على التقية (6) وان لم يكن به قائل كما

__________________

(1 و 2 و 4) رواه في الوسائل في الباب 31 من أبواب غسل الميت.

(3) روى صدره في الوسائل في الباب 47 من أبواب الاحتضار وذيله في الباب 31 من أبواب غسل الميت.

(5) ج 2 ص 196.

(6) في المغني لابن قدامة ج 2 ص 463 «الحائض والجنب إذا ماتا كغيرهما في الغسل ، قال ابن المنذر هذا قول من نحفظ عنه من علماء الأمصار ، وقيل عن الحسن يغسل الجنب للجنابة والحائض ثم يغسلون للموت».


عرفت في مقدمات الكتاب ، وايضا فقد ورد في مقبولة عمر بن حنظلة (1) «خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر». ولا ريب ان الرواية بالتداخل أشهر لتعدد نقلتها وكثرتهم وشذوذ هذه الروايات لانحصار رواتها في رجل واحد. والله العالم.

تتمة

تشتمل على فائدتين (الأولى) ـ قد صرح الأصحاب بأن الحامل إذا ماتت والولد حي في بطنها فإنه يشق بطنها من الجانب الأيسر ويخرج الولد ويخاط الموضع ثم تغسل وتكفن بعد ذلك. ويدل على ذلك جملة من الاخبار : منها ـ ما رواه في الكافي في الموثق عن علي ابن يقطين (2) قال : «سألت العبد الصالح (عليه‌السلام) عن المرأة تموت وولدها في بطنها؟ قال يشق بطنها ويخرج ولدها». وعن علي بن أبي حمزة عن الصادق (عليه‌السلام) (3) قال : «سألته عن المرأة تموت ويتحرك الولد في بطنها أيشق بطنها ويستخرج ولدها؟ قال : نعم». ورواها في الكافي أيضا في الحسن أو الصحيح عن ابن ابي عمير عن بعض أصحابه عن الصادق (عليه‌السلام) (4) مثله وزاد «ويخاط بطنها». وما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن يقطين (5) قال : «سألت أبا الحسن موسى (عليه‌السلام) عن المرأة تموت وولدها في بطنها يتحرك؟ قال يشق عن الولد». قال في المدارك : «وإطلاق الروايات يقتضي عدم الفرق في الجانب بين الأيمن والأيسر ، وقيده الشيخان في المقنعة والنهاية وابن بابويه بالأيسر ولا اعرف وجهه» أقول : وجهه قول الرضا (عليه‌السلام) في كتاب الفقه (6) حيث قال : «وإذا ماتت المرأة وهي حاملة وولدها يتحرك في بطنها شق بطنها من الجانب الأيسر واخرج الولد». وبهذه العبارة بعينها عبر الصدوق في الفقيه

__________________

(1) المروية في الوسائل في الباب 9 من صفات القاضي وما يجوز ان يقضى به.

(2 و 3 و 4 و 5) رواه في الوسائل في الباب 46 من أبواب الاحتضار.

(6) ص 19.


جريا على ما عرفت في غير موضع ، وكذا ما بعد العبارة المذكورة ، والظاهر ان من تأخر عن الصدوق قد تبعه في ذلك أو أخذه من الكتاب المذكور. والمفيد ايضا كثير الرواية منه وقال في المدارك ايضا : «واما خياطة المحل بعد القطع فقد نص عليه المفيد في المقنعة والشيخ في المبسوط وأتباعهما وهو رواية ابن ابي عمير عن ابن أذينة (1) وردها المصنف في المعتبر بالقطع وبأنه لا ضرورة الى ذلك فان المصير الى البلا. وهو حسن لكن الخياطة أولى لما فيها من ستر الميت وحفظه عن التبدد وهو اولى من وضع القطن على الدبر» انتهى أقول : ما ذكره في المعتبر من رد الرواية غير معتبر وما استحسنه السيد من ذلك غير حسن ، فان الدليل غير منحصر فيما ذكره من مقطوعة ابن أذينة وهي ما رواه الشيخ عن ابن ابى عمير بطريقه اليه عن عمر بن أذينة (2) قال : «يخرج الولد ويخاط بطنها». بل قد روى ذلك في الكافي أيضا ـ كما عرفت ـ عن الصادق (عليه‌السلام) والحديث صحيح أو حسن ليس فيه ما ربما يطعن عليه ، ولكن الظاهر انهما لم يقفا على رواية ابن ابي عمير المذكورة والا لما خصوا الاستدلال بالمقطوعة المشار إليها وطعنوا فيها بذلك

واما لو مات الولد في بطنها وهي حية أدخلت القابلة أو غيرها ممن يحسن ذلك يدها في فرج المرأة وقطعت الولد وأخرجته قطعة قطعة ، قال في الخلاف بعد ذكر الحكم المذكور : «ولم اعرف فيه للفقهاء نصا» واستدل بإجماع الفرقة وكأنه قد غاب عن خاطره الرواية الآتية. وقال في المعتبر : «ويتولى ذلك النساء فالرجال المحارم فان تعذر جاز ان يتولاه غيرهم» ويدل عليه ما رواه في الكافي عن وهب بن وهب عن الصادق (عليه‌السلام) (3) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام) إذا ماتت المرأة وفي بطنها ولد يتحرك يشق بطنها ويخرج الولد ، وقال في المرأة يموت في بطنها الولد فيتخوف عليها؟ قال لا بأس ان يدخل الرجل يده فيقطعه ويخرجه» ورواه في موضع آخر وزاد في آخرها «إذا لم ترفق به النساء». وقال في الفقه الرضوي (4) في

__________________

(1 و 2 و 3) رواه في الوسائل في الباب 46 من أبواب الاحتضار.

(4) ص 19.


تتمة العبارة المتقدمة : «وان مات الولد في جوفها ولم يخرج ادخل انسان يده في فرجها وقطع الولد بيده وأخرجه ، وروى انها تدفن مع ولدها إذا مات في بطنها». أقول : الظاهر تعلق هذه الرواية بصدر كلامه (عليه‌السلام) فيما إذا ماتت الأم بأن يقال الحكم في الولد ان كان حيا الشق كما تقدم وان كان ميتا دفن معها.

فروع

(الأول) ـ قال في المنتهى : «لو ماتت ومات الولد بعد خروج بعضه أخرج الباقي وغسل وكفن ودفن ، وان لم يمكن إخراجه إلا بالشق ترك على تلك الحال وغسل مع امه لان الشق هتك حرمة الميت من غير ضرورة» أقول : ما ذكره وان لم يرد بخصوصه نص إلا انه مطابق لمقتضى الأصول والنصوص العامة ، وعلل الحكم الثاني وهو التغسيل مع أمه بأن الخارج له حكم من مات بعد خروجه في وجوب التغسيل وما بطن له حكم من مات في بطن امه.

(الثاني) ـ قال أيضا في الكتاب المذكور : «لو بلع الميت مالا فان كان له لم يشق بطنه لأنه أتلفه في حياته ولا يستعقب الغرم على نفسه ، ويحتمل ان يقال ان كان كثيرا ساغ الشق وإخراجه لأن فيه حفظا للمال عن الضياع وعونا للورثة ، وان كان لغيره فان كان باذنه فهو كماله وان كان بغير اذنه كان كالغاصب ، فيمكن ان يقال لا يشق بطنه ويؤخذ من تركته احتراما للميت وتركا للمثلة به ، ويمكن ان يقال بالشق لان فيه حفظا للمال ونفعا لصاحبه».

(الثالث) ـ قال (قدس‌سره) ايضا : «لو كان في إصبع الميت أو اذنه أو يده شي‌ء من الحلي وجب أخذه فان لم يمكن ذلك برد وأخذ من غير تمثيل بالميت».

(الفائدة الثانية) ـ قال الصدوق في الفقيه : «ومن كان جنبا وأراد ان يغسل الميت فليتوضأ وضوء الصلاة ثم يغسله ، ومن أراد الجماع بعد غسله للميت فليتوضأ ثم


ليجامع» انتهى. وهذا الحكم مما ذكره جملة من الأصحاب في هذا المقام. والمستند فيه حسنة شهاب بن عبد ربه (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الجنب أيغسل الميت أو من غسل ميتا إله أن يأتي أهله ثم يغتسل؟ فقال : هما سواء لا بأس بذلك ، إذا كان جنبا غسل يديه وتوضأ وغسل الميت وهو جنب ، وان غسل ميتا توضأ ثم اتى اهله ويجزئه غسل واحد لهما». وكذلك يدل عليه ما في الفقه الرضوي حيث قال (عليه‌السلام) (2) : «وإذا أردت أن تغسل ميتا وأنت جنب فتوضأ وضوء الصلاة ثم اغسله وإذا أردت الجماع بعد غسلك الميت من قبل ان تغتسل من غسله فتوضأ ثم جامع». انتهى. وعبارة الصدوق مأخوذة من هذه العبارة بتغيير ما ، وظاهر الخبرين المذكورين استحباب الوضوء لمريد تغسيل الميت إذا كان جنبا ولمريد الجماع إذا غسل ميتا ولما يغتسل غسل المس وان لم يكن جنبا ، وبه يظهر ما في كلام السيد السند في المدارك حيث قال في ضمن تعداد افراد الوضوء المستحب : «وجماع غاسل الميت ولما يغتسل إذا كان الغاسل جنبا» فقيد استحباب الوضوء لغاسل الميت إذا أراد الجماع بما إذا كان جنبا في حالة غسله للميت ، وتبعه على هذا جمع ممن تأخر عنه كما هي عادتهم غالبا ، والروايتان المذكورتان تناديان بخلافه ، والله العالم. تم الجزء الثالث من كتاب الحدائق الناضرة في الأغسال ويتلوه الجزء الرابع من تكفين الميت. والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين.

__________________

(1) المروي في الوسائل في الباب 34 من أبواب غسل الميت.

(2) ص 18.

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *