ج24 - نكاح الإماء
الفصل الرابع
وهو إما بالملك للرقبة أو المنفعة أو العقد دواما أو
متعة ، وقد تقدم في الأبحاث السابقة ذكر كثير من أحكامهن وبقي الكلام هنا في مطالب
ثلاثة :
الأول : في جملة من المسائل المتعلقة بالمقام
الأولى : لا يجوز
للعبد ولا للأمة أن يعقدا على أنفسهما نكاحا إلا بإذن السيد ، لأنهما ملك له ،
فليس لهما أن يتصرفا في ملكه بغير رضاه ، ثم إنه لو تصرفا بغير إذنه كان ذلك من
قبيل العقد الفضولي ، وقد تقدم الكلام في عقد النكاح الفضولي ، وأنه هل يكون صحيحا
موقوفا على الإجازة أو باطلا ، تقدم ذلك في المسألة السابقة من المقصد الثاني في
الأولياء من الفصل الأول ، وقد حققنا ثمة أن الأصح صحته ، وإن قلنا بالبطلان في
غير النكاح من العقود ، كما تقدم تحقيقه في كتاب البيع ، ثم إن من قال بالبطلان في
النكاح مطلقا فقد أبطله هنا.
ومن قال بالصحة وتوقفه على الإجازة ، فقد اختلفوا هنا
على أقوال ، فمنهم من قال بالصحة وجعله موقوفا على الإجازة ، ومن أفراد النكاح وهو
الأشهر عندهم.
ومنهم من جعل الإجازة كالعقد المستأنف وهو قول الشيخ في
النهاية ، فإنه قال : من عقد على أمة غيره بغير إذن مولاها كان العقد باطلا ، فإن
رضي المولى بذلك كان رضاه كالعقد المستأنف ، يستباح به الفرج ، وقد اختلفوا في
تنزيل كلامه حيث إن ظاهره التناقض ، لحكمه ببطلان العقد ، ثم الاكتفاء عنه
بالإجازة ، وجعلها مبيحة للنكاح كالعقد ، مع أن ما يقع باطلا في نفسه لا تثبت صحته
بالإجازة على وجوه :
منها ما ذكره العلامة في المختلف من حمل كونه باطلا ،
على معنى أنه يؤول إلى البطلان وهو جيد ، لأن إطلاق البطلان على الموقوف كثير شائع
، وعلى هذا فيرجع إلى القول الأول.
ومنهم من قال بالبطلان وهو مذهب ابن إدريس مع أنه حكم
بصحة نكاح الفضولي في غير المملوك محتجا بالنهي المقتضي للفساد.
ومنهم من فرق بين نكاح العبد والأمة ، فيقف الأول ويبطل
الثاني ، وهو قول ابن حمزة.
والذي وقفت عليه ـ من الأخبار المتعلقة بالمسألة ـ جملة
من الأخبار قد تقدمت في المسألة المشار إليها آنفا ، وهي صريحة في صحة ذلك ،
وتوقفه على الإجازة ، إلا أن موردها كلها إنما هو نكاح المملوك بغير إذن سيده.
ومنها حسنة زرارة (1) عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «سألته
عن مملوك تزويج بغير إذن سيده ، فقال : ذاك إلى سيده ، إن شاء أجازه ، وإن شاء فرق
بينهما ، قلت : أصلحك الله إن الحكم بن عتيبة وإبراهيم النخعي وأصحابهما يقولون إن
أصل النكاح فاسد ولا تحل إجازة السيد له ، فقال : أبو جعفر عليهالسلام إنه لم يعص
الله إنما عصى سيده فإذا أجازه فهو له جائز».
وأما نكاح الأمة فلم أقف في شيء من الأخبار على ما يدل
على أن الحكم فيه ذلك ، بل ربما ظهر منها خلافه ، وهو البطلان من رأس.
ومنها ما رواه في التهذيب (2) عن أبي بصير
قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن نكاح الأمة
، قال : لا يصلح نكاح الأمة إلا بإذن مولاها».
وما رواه في الكافي (3) عن أبي العباس قال : «سألت أبا عبد
الله عليهالسلام عن الأمة
تتزوج بغير إذن أهلها؟ قال : يحرم ذلك عليها وهو الزنا».
وما رواه في الفقيه والتهذيب (4) عن أبي العباس
البقباق قال : «قلت لأبي عبد الله
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 478 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 351 ح 63 ، الوسائل
ج 14 ص 523 ح 1.
(2) التهذيب ج 7 ص 335 ح 4 ، الوسائل ج 14 ص 528 ح 4.
(3) الكافي ج 5 ص 479 ح 1 ، الوسائل ج 14 ص 527 ح 2.
(4) التهذيب ج 7 ص 348 ح 55 ، الفقيه ج 3 ص 286 ح 5 ، الوسائل
ج 14 ص 527 ح 1.
عليهالسلام : الرجل يتزوج
الأمة بغير علم أهلها؟ قال : هو زنا ، إن الله يقول «فَانْكِحُوهُنَّ
بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ».
وما رواه في الكافي (1) عن فضل بن عبد الملك قال : «سألت أبا
عبد الله عليهالسلام عن الأمة
تتزوج بغير إذن مواليها؟ قال : يحرم ذلك عليها وهو زنا».
وفي رواية الوليد بن صبيح (2) «عن الصادق عليهالسلام «إن كان الذي
زوجها إياه من غير مواليها فالنكاح فاسد» (3).
وفي رواية سيف بن عميرة (4) عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «لا بأس
أن يتمتع الرجل بأمة المرأة ، فأما أمة الرجل فلا يتمتع إلا بأمره».
وفي رواية داود بن فرقد (5) عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «سألته
عن الرجل يتزوج بأمة بغير إذن مواليها؟ فقال : إن كانت لامرأة فنعم ، وإن كانت
لرجل فلا».
وأنت خبير بما في هذه الروايات من ظهور الدلالة على
بطلان العقد من أصله ، بل صراحتها في ذلك ، ولو كان الحكم في الأمة كما في العبد
لأجابوا في هذه الأخبار بما أجابوا به في تلك ، من أن ذلك للسيد ، فإن شاء أجازه ،
وإن شاء منعه ، مع أنها إنما دلت على كونه فاسدا وحراما وأنه زنا.
وبالجملة فإن دلالتها على ما ذكرنا ظاهر ، لا يقبل
الإنكار ، ومنه يظهر قوة
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 479 ح 2 ، الوسائل ج 14 ص 528 ح 3.
(2) الكافي ج 5 ص 404 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 349 ح 57 ، الوسائل
ج 14 ص 577 ح 1.
(3) أقول : هذا الخبر هكذا : عن الوليد بن صبيح عن أبى عبد
الله ـ عليهالسلام ـ «في رجل تزوج امرأة حرة فوجدها أمة
قد دلست نفسها ، قال : ان كان الذي زوجها إياه من غير مواليها فالنكاح فاسد». الخبر.
(منه ـ قدسسره ـ).
(4) التهذيب ج 7 ص 258 ح 41 ، الوسائل ج 14 ص 463 ب 14 ح 1.
(5) التهذيب ج 7 ص 258 ح 40 ، الوسائل ج 14 ص 463 ح 3.
ما ذهب إليه ابن حمزة من الصحة في
العبد وإن كان موقوفا ، دون الأمة ، فإنه باطل ومنه أيضا يظهر قوة قول الشيخ في
النهاية بالبطلان حيث خصه بالعقد على الأمة إلا أن ما ذكره من أن الإجازة كالعقد
المستأنف محل إشكال ، ويمكن أن يقال في دفع الاشكال أنه لما ثبت عنده بالإجماع أن
إجازة المولى لعقد الفضولي ماضية في النكاح ، جمع بين الأمرين بذلك فقال بالبطلان
عملا بتلك الأخبار ، وجعل الإجازة كالعقد المستأنف بناء على الإجماع المذكور.
ومن الأصحاب من حمل كلام الشيخ المتقدم على أن العقد
يكون باطلا بدون الاذن كما ذكرناه ، ولكن الإجازة تقوم مقام التحليل ، فيكون الرضا
عبارة عن التحليل ، قال : ومن ثم فرضها في الأمة ، لأن العبد لا يأتي فيه ذلك ،
وعلى هذا الوجه أيضا يرتفع الإشكال الذي ذكرناه أيضا إلا أنه في المسالك قد اعترض
على هذا الوجه بأن التحليل منحصر في عبارات ، وليس الرضا منها ، فليس بتحليل ولا
عقد.
أقول : إن كانت هذه العبارات التي ادعى انحصار التحليل
فيها مما دلت عليها الأخبار ، ودلت على انحصاره فيها ، فما ذكره جيد وإن كانت من
كلام الأصحاب من غير دليل يدل عليها في الباب ، فكلامه لا يخلو من المناقشة ،
وسيأتي الكلام في ذلك إن شاء الله تعالى.
ومما ذكرنا من دلالة الأخبار على بطلان عقد الأمة دون
عقد العبد يظهر لك ضعف حمل العلامة لكلام الشيخ في النهاية على الحمل المتقدم
ذكره.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن ظاهره في المسالك أن ما استند
إليه ابن حمزة من البطلان في الأمة إنما هو بعض الروايات العامية ، وكذلك ابن
إدريس في احتجاجه بالنهي ، إنما أراد به النهي الوارد في الأخبار العامية ، ولهذا
اعترضه في المسالك بأنه لا يناسب أصول ابن إدريس ، لأن طريقه عامي ، وهو لا يكتفي
به لو كان خاصيا.
أقول : والتحقيق ما عرفت من أن ما ذكروه من الصحة وكونه
فضوليا إنما يتم لهم في نكاح العبد خاصة دون الأمة ، وأن المستند في بطلان عقد
الأمة إنما هو الأخبار التي قدمناها ، وبه يظهر ضعف القول المشهور من الصحة مطلقا
، وضعف قول ابن إدريس من البطلان مطلقا ، وقوة قول ابن حمزة من التفصيل المذكور ،
والمفهوم من جملة من الأخبار المتقدمة في المسألة المشار إليها آنفا ، أنه تكفي في
الإجازة سكوت السيد بعد علمه بالنكاح وعدم إنكاره له ، وبذلك صرح ابن الجنيد فقال
: لو كان السيد علم بعقد العبد والأمة على نفسه فلم ينكر ذلك ، ولا فرق بينهما ،
جرى ذلك مجرى الرضا في الإمضاء ، واستقر به في المختلف وهو جيد للأخبار المشار
إليها ، إلا أن موردها نكاح العبد كما عرفت ، والله العالم.
تذنيبات
الأول : المشهور بين
الأصحاب أنه إذا أذن المولى لعبده في التزويج كان المهر ونفقة الزوجة على السيد ،
لأن النكاح لما وقع صحيحا لزمه الحكم بثبوت المهر والنفقة ، ولا محل لهما إلا ذمة
السيد ، لأن العبد لا يملك. هكذا علله في المسالك.
ونقل الشيخ في المبسوط تعلق ذلك بكسب العبد ، لأن المهر
والنفقة من لوازم النكاح ، وكسب العبد أقرب شيء إليه ، فإن مصرف الكسب مؤنة
الإنسان وضروراته ، ومن أهمها لوازم النكاح.
وأورد عليه بأن الدين لا بد له من ذمة يتعلق بها ، وذمة
العبد ليست أهلا لذلك ، فلا بد من تعلقه بذمة السيد ، كذا ذكره السيد السند في شرح
النافع. ثم اعترضه بأنه يمكن دفعه بمنع كون ذمة العبد ليست أهلا للتعلق ، ولهذا
يتعلق بها عوض التلف إجماعا ، ولجواز تعلق المهر بالكسب كما يتعلق أرش الجناية
برقبة الجاني ، إذ لا مانع من ذلك عقلا ولا شرعا. ثم قال : واحتمل العلامة ثبوتها
في ذمته والمسألة قوية الإشكال لفقد
النص فيها على أحد الوجوه ، وأصالة براءة ذمة المولى من ذلك والأحوط أن يعين في
العقد كون المهر في ذمة المولى أو في كسب العبد أو في ذمته ، يتبع به بعد العتق
واليسار ، ولو قلنا : إن العبد يملك مطلقا ، أو على بعض الوجوه ثبت المهر والنفقة
في ذمته من غير إشكال. انتهى كلامه ، زيد مقامه. أقول : قد تقدم الكلام في هذه
المسألة في المسألة الرابعة عشر من مسائل المقصد الثاني من الفصل الأول في العقد.
وقد ذكرنا ثمة روايتين يظهر منهما أن المهر على السيد (أو
لهما) رواية زرارة (1) عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «سألته
عن رجل تزوج عبده بغير إذنه فدخل بها ، ثم اطلع على ذلك مولاه ، فقال : ذلك إلى
مولاه ، إن شاء فرق بينهما (2) ، وإن شاء
أجاز نكاحهما ، فإن فرق بينهما فللمرأة ما أصدقها ، إلا أن يكون اعتدى فأصدقها
صداقا كثيرا ، وإن أجاز نكاحه فهما على نكاحهما الأول» الحديث.
و (الثانية) رواية علي بن أبي حمزة (3) عن أبي الحسن عليهالسلام «في رجل يتزوج
مملوكا له امرأة حرة على مائة درهم ، ثم أنه باعه قبل أن يدخل عليها ، فقال :
يعطيها سيده من ثمنه نصف ما فرض لها ، إنما هو بمنزلة دين استدانه بإذن سيده».
وأما الأولى فإن القرينة فيها على كونه على السيد قوله «فللمرأة
ما أصدقها إن لم يكن أصدقها صداقا كثيرا» فإن الظاهر أن المراد بالصداق الكثير
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 478 ح 2 ، الفقيه ج 3 ص 283 ح 1 ، التهذيب ج
7 ص 351 ح 62 ، الوسائل ج 14 ص 523 ح 2.
(2) أقول : فيه أن ظاهر تفريقه بينهما يؤذن بعدم اجازة النكاح
، ومقتضى كلام الأصحاب أنه مع عدم اجازة السيد ولا اذنه فان المهر على العبد يتبع
به العتق ، ولكن ظاهر الخبر أنه على السيد بالتقريب المذكور في الأصل ، ولا يخلو
من الاشكال. (منه ـ قدسسره ـ).
(3) التهذيب ج 8 ص 210 ح 51 ، الفقيه ج 3 ص 289 ح 19 ، الوسائل
ج 14 ص 585 ب 78 ح 1.
هو الزائد على مهر المثل ، والمعنى
فيه أن الصداق على السيد بشرط أن لا يزيد على مهر المثل ، ولو كان الصداق إنما على
العبد في رقبته أو كسبه لكان هذا الشرط لغوا وإيجاب المهر كملا في الرواية الاولى
ونصفه في الثانية من حيث تضمن الاولى الدخول والثانية عدم الدخول.
وفي الثانية دلالة على تنصيف المهر بغير الطلاق كما هو
أحد القولين ، وفي الأولى دلالة على أنه مع الدخول قبل إذن المولى لا يعد زانيا
يستوجب حد الزاني ، وفي بعض الروايات المتقدمة ثمة ما يؤيده.
ثم إن الأظهر في تقرير حجة القول المشهور هو ما قدمنا
نقله ثمة عن جده في المسالك ، فإنه شاف واف بذلك ، وتخرج الروايتان شاهدا عليه.
الثاني : قد صرحوا
بأنه إذا أذن المولى لأمته في التزويج أو زوجها هو كان المهر له دون الأمة ،
والظاهر أنه لا إشكال فيه ، لأن الأمة ومنافعها مملوكة له ، والمهر الذي هو في
مقابلة البضع من جملة تلك المنافع المشار إليها ، والله العالم.
الثالث : لا فرق في
توقف نكاح المملوك على إذن مالكه بين كون المالك متحدا أو متعددا لتحقق المالية
لكل من الملاك ، وقبح التصرف بغير إذن المالك عقلا ونقلا ، والخلاف في كون النكاح
موقوفا على الإجازة أو باطلا يجري هنا كما في المالك المتحد ، وكذا القول في المهر
والنفقة ، ويوزع على كل واحد بمقدار ما يخصه من الملك ، والله العالم.
المسألة الثانية : لا خلاف ولا
إشكال في أنه إذا كان الأبوان مملوكين يكون الولد مملوكا لمالكهما ، فإنه نماؤهما
وتابع لهما ، فإن كانا لمالك واحد فالولد له ، وإن كان كل واحد منهما لمالك فالولد
نصفين بين المالكين عند الأصحاب لأنه نماء ملكهما ولا مزية لأحدهما على الآخر ،
بخلاف باقي الحيوانات ، فإن الولد لمالك الام ، وفرقوا بينهما بأن النسب مقصود في
الآدميين وهو تابع لهما فيه بخلاف غيره من الحيوانات فإن النسب فيه غير معتبر
والنمو والتبعية فيه لاحق
بالأم خاصة ، كذا ذكروا ـ رضياللهعنهم ـ ولم أقف في
ذلك على نص.
قال في المسالك ـ بعد نقله للفرق بين الإنسان وغيره من
الحيوانات في التبعية فيه دونها ـ : وفي الفرق خفاء إن لم يكن هنا إجماع ، مع أن
أبا الصلاح ذهب إلى أنه يتبع الام كغيره من الحيوانات ، انتهى.
وبالجملة فما ذكروه من الفرق لعدم الوقوف على نص فيه لا
يخلو من الاشكال.
ويدل على الحكم الأول ـ وهو ما إذا كان الأبوان ملكا
لمالك واحد ، فإن الولد لمالك أبويه ـ ما رواه في الكافي (1) عن أبي هارون
المكفوف قال : «قال لي أبو عبد الله عليهالسلام : أيسرك أن
يكون لك قائد يا أبا هارون؟ قال : قلت : نعم جعلت فداك ، قال : فأعطاني ثلاثين
دينارا فقال : اشتر خادما كسوميا ، فاشتراه ، فلما أن حج دخل عليه فقال له : كيف
رأيت قائدك يا أبا هارون؟ فقال : خيرا ، فأعطاه خمسة وعشرين دينارا فقال له : اشتر
جارية شبانية فإن أولادهن قرة ، فاشتريت جارية شبانية فزوجتها منه ، فأصبت ثلاثة
بنات فأهديت واحدة منهن إلى بعض ولد أبي عبد الله عليهالسلام وأرجو أن يجعل
ثوابي منها الجنة ، وبقيت بنتان ما يسرني بهن ألوف».
أقول : في القاموس الكسوم : الماضي في الأمور ، وفيه
أيضا الشابن : الغلام الناعم وقد شبن ، وشبانة اسم ، ثم قال : والشباني والاشباني ـ
بالضم ـ الأحمر الوجه والسبال.
نعم لو شرط أحدهما انفراده بالولد أو الزيادة على نصيبه
منه فالظاهر صحة الشرط ، لعموم ما دل على وجوب الوفاء بالشروط (2).
أما لو كان أحد الأبوين حرا والآخر مملوكا فالمشهور أن
الولد يتبع الحر
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 480 ح 4 ، الوسائل ج 14 ص 547 ح 1.
(2) سورة المائدة ـ آية 1.
منهما ، فيكون حرا مطلقا ، وذهب ابن
الجنيد إلى أن الولد رق وأنه تبع للرق منهما إلا مع اشتراط الحرية.
ويدل على القول المشهور أخبار مستفيضة منها ما رواه في
الكافي عن مؤمن الطاق (1) عن رجل عن أبي
عبد الله عليهالسلام «أنه سئل عن
المملوك يتزوج الحرة ، ما حال الولد؟ فقال : حر ، فقلت : والحر يتزوج المملوكة؟
قال : يلحق الولد بالحرية حيث كانت إن كانت ، الأم حرة أعتق بأمه ، وإن كان الأب
حرا أعتق بأبيه».
وعن جميل وابن بكير (2) «في الولد من
الحر والمملوكة؟ قال : يذهب إلى الحر منهما».
وعن جميل بن دراج (3) قال : «سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : إذا
تزوج العبد الحرة فولده أحرار ، وإذا تزوج الحرة الأمة فولده أحرار».
وعن جميل بن دراج (4) قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الحر يتزوج
الأمة ، أو عبد يتزوج حرة ، قال : فقال لي : ليس يسترق الولد إذا كان أحد أبويه
حرا إنه يلحق بالحر منهما أيهما كان ، أبا كان أو اما».
وما رواه في الفقيه (5) عن جميل بن دراج في الصحيح قال : «سألت
أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل تزوج
بأمة فجاءت بولد ، قال : يلحق الولد بأبيه ، قلت : فعبد يتزوج بحرة؟ قال : يلحق
الولد بأمه».
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 492 ح 2 ، الوسائل ج 14 ص 530 ح 7.
(2) الكافي ج 5 ص 492 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 335 ح 6 ، الوسائل ج
14 ص 529 ح 4.
(3) الكافي ج 5 ص 492 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 336 ح 6 ، الوسائل ج
14 ص 529 ح 6.
(4) الكافي ج 5 ص 492 ح 4 ، الوسائل ج 14 ص 530 ح 8.
(5) الفقيه ج 3 ص 291 ح 26 ح 26 ، الوسائل ج 14 ص 529 ح 2.
وما رواه في الكافي (1) في الصحيح أو الحسن ، وفي التهذيب في
الصحيح عن عبد الله ابن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «في
العبد تكون تحته الحرة ، قال : ولده أحرار ، فإن أعتق المملوك لحق بأبيه».
أقول : يعني في الحضانة والميراث ، وأما أصل الحرية
فإنما حصلت من تبعية الأم.
وما رواه في الكافي (2) في الصحيح أو الحسن عن ابن أبي عمير
عن بعض أصحابنا ، ورواه في الفقيه مرسلا عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته
عن الرجل الحر يتزوج بأمة قوم ، الولد مماليك أو أحرار؟ قال : إذا كان أحد أبويه
حرا فالولد أحرار».
وما رواه في التهذيب (3) عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليهالسلام «في مملوك
يتزوج حرة ، قال : الولد للحرة ، وفي حر تزوج مملوكة؟ قال : الولد للأب».
هذه جملة ما وقفت عليه من روايات القول المذكور.
وأما ما يدل على ما ذهب إليه ابن الجنيد ، فجملة من
الأخبار أيضا منها ما رواه الشيخ في التهذيب (4) عن أبي بصير قال : «لو أن رجلا دبر ـ
وفي الاستبصار رواها عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : لو أن رجلا
دبر ـ جارية ثم زوجها من رجل فوطأها كانت جاريته وولدها منه مدبرين ، كما لو أن
رجلا أتى قوما فتزوج إليهم مملوكهم كان ما ولد لهم مماليك».
وما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح والشيخ في التهذيب (5) في الصحيح أو
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 493 ح 6 ، وأما في التهذيب نعثر عليه ، فلم
الوسائل ج 14 ص 529 ح 3.
(2) الكافي ج 5 ص 493 ح 7 ، التهذيب ج 7 ص 336 ح 7 ، الفقيه ج
3 ص 291 ح 25 ، الوسائل ج 14 ص 529 ح 5.
(3) التهذيب ج 7 ص 336 ح 8 ، الوسائل ج 14 ص 530 ح 9.
(4) التهذيب ج 7 ص 336 ح 9 ، الوسائل ج 14 ص 530 ح 10.
(5) التهذيب ج 8 ص 225 ح 42 ، الفقيه ج 3 ص 68 ح 13 ، الوسائل
ج 14 ص 531 ح 13.
الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام «في رجل زوج
أمته من رجل وشرط له أن ما ولدت من ولد فهو حر ، فطلقها زوجها أو مات عنها ،
فزوجها من آخر ، ما منزلة ولدها؟ قال : منزلتها ما جعل ذلك إلا للأول ، وهو في
الآخر بالخيار إن شاء أعتق وإن شاء أمسك».
وما رواه في التهذيب (1) عن الحسن بن زياد قال : «قلت له :
أمة كان مولاها يقع عليها ثم بدا له فزوجها ، ما منزلة ولدها؟ قال : بمنزلتها إلا
أن يشترط زوجها».
وعن عبد الرحمن بن أبي عبد الله البصري (2) في الصحيح عن
أبي عبد الله عليهالسلام «في رجل يزوج
جاريته رجلا ، واشترط عليه أن كل ولد تلده فهو حر فطلقها زوجها ثم تزوجت آخر فولدت
، قال : إن شاء أعتق وإن شاء لم يعتق».
وعن أبان بن تغلب (3) في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل دبر
مملوكته ، ثم زوجها من رجل آخر فولدت منه أولادا ثم مات زوجها ، وترك الأولاد منها
، فقال : أولاده منها كهيئتها ، فإذا مات الذي دبر أمهم فهم أحرار ، قلت له : أيجوز
للذي دبر أمهم ان يردها في تدبيره إذا احتاج؟ قال : نعم ، قلت : أرأيت إن ماتت
أمهم بعد ما مات الزوج وبقي أولادها من الزوج الحر ، أيجوز لسيدها أن يبيع أولادها
، ويرجع عليهم في التدبير؟ قال : لا ، إنما كان له أن يرجع في تدبير أمهم إذا
احتاج ورضيت هي بذلك».
وعن عبد الله بن سليمان (4) في حديث قال :
«سألته عن رجل يزوج وليدته من رجل وقال : أول ولد تلدينه فهو حر ، فتوفي الرجل
وتزوجها آخر ، فولدت
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 214 ح 69 ، الوسائل ج 14 ص 531 ح 12.
(2) التهذيب ج 8 ص 212 ح 62 ، الوسائل ج 14 ص 530 ح 11.
(3) الكافي ج 6 ص 184 ح 6 ، التهذيب ج 8 ص 250 ح 4 ، الوسائل ج
16 ص 78 ب 7 ح 1.
(4) التهذيب ج 8 ص 225 ح 23 ، الوسائل ج 14 ص 531 ب 30 ح 14.
له أولادا؟ فقال : أما من الأول فهو
حر ، وأما من الآخر فإن شاء استرقهم».
هذه جملة ما حضرني من الأخبار الدالة على ما ذهب إليه
ابن الجنيد ، وأصحابنا لم ينقلوا لابن الجنيد من الأخبار سوى رواية أبي بصير كما في
المختلف وشرح النافع للسيد السند ، وزاد في المسالك الاستدلال له برواية الحسن بن
زياد ثم طعنوا فيها بضعف الاسناد ، والأخبار كما ترى فيها الصحيح باصطلاحهم بل هو
أكثرها ، إلا أن هذه قاعدتهم غالبا من عدم إعطاء التتبع حقه في روايات المسألة.
والشيخ ـ رحمة الله عليه ـ في الاستبصار أجاب عن رواية
أبي بصير بالحمل على ما إذا شرط عليه أن يكون الولد مماليك ، فإنهم يكونون كذلك ،
وقال في التهذيب ـ بعد ذكر هذا الحمل ـ : وهذا الخبر وإن لم يكن فيه ذكر الشرط
صريحا فنحن نعلم أنه المراد بدلالة ما قدمناه من الأخبار ، وأن الولد لاحق بالحرية
فإذا ثبت ذلك فلا وجه لهذا الخبر إلا الوجه الذي ذكرناه. انتهى ، ولا يخفى ما فيه.
وأجاب عن رواية الحسن بن زياد وصحيحة عبد الرحمن بالحمل
على التقية تارة ، قال : لأن في العامة من يذهب إلى أن الولد يتبع الام على كل حال
، وتارة على ما إذا كان الزوج مملوكا للغير ، قال : فإن الولد يكون لاحقا لها إلا
أن يشترط مولى العبد.
أقول : والمسألة لتصادم هذه الأخبار وبعد ما ذكره من
المحامل محل إشكال ، إلا أنه يمكن أن يرجح الحمل على التقية ، لشهرة القول الأول
في الصدر الأول حيث لم ينقل المخالفة ثمة إلا عن ابن الجنيد سيما مع ما علم غالبا
من جريه على مذهب العامة ، وقوله بأقوالهم ، وعمله بقياساتهم.
هذا كله مع الإطلاق وعدم الشرط ، وأما مع الاشتراط فإن
كان الواقع هو اشتراط الحرية فلا خلاف ولا إشكال في صحة ذلك كما دلت عليه النصوص
المتقدمة وإن كان الشرط هو الرقية فمحل خلاف وإشكال ، والمشهور صحة الشرط لعموم
قوله عزوجل «أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ» (1) وعموم
«المؤمنون عند شروطهم» (2). وذهب جمع من
المتأخرين إلى فساد هذا الشرط ، وأنه إذا كان الولد محكوما بحريته مع الإطلاق ،
وعدم الشرط كما هو القول المشهور ، فإنه لا يكون اشتراط رقيته مشروعا ، كما أنه لا
يصح اشتراط رقية ولد الحرين.
ويعضده أن الولد ليس مملوكا للحر من الأبوين ليصح
اشتراطه للمولى ، وإنما ألحق فيه لله سبحانه ، فلا يصح اشتراطه ، وهو كلام جيد
متين ، ويزيده تأييدا أن أقصى ما دلت عليه الروايات الدالة على الرقية مع الإطلاق
هو صحة شرط الحرية بناء على ذلك ، أما على العكس وهو ما إذا حكم بالحرية كما هو
مدلول أخبار القول المشهور ، فإنه لم يتضمن شيء منها الدلالة على الرقية مع
اشتراطها ، بل ربما أفاد إطلاقها ـ بأن أحد الأبوين إذا كان حرا فالولد حر ـ الحكم
بالحرية مطلقا بتقريب أن ترك الاستفصال في جواب السؤال مع قيام الاحتمال يفيد
العموم في المقال.
ومن ثم إن المحقق تردد في النافع ، وفي الشرائع نسب لزوم
الشرط هنا إلى قول المشهور مؤذنا بضعفه وعدم الدليل عليه ، وإلى ما ذكرناه من
القول الآخر مال في المسالك وسبطه في شرح النافع وهو كذلك لما عرفت ، ثم إنه على
تقدير بطلان الشرط فهل يبطل العقد ، أم يختص البطلان بالشرط؟ قولان ، قد تقدم
الكلام فيهما في غير موضع ، ومما يتفرع على ذلك ما لو وطأها بهذا العقد فأولدها ،
فإن قلنا بصحة العقد وبطلان الشرط خاصة فالولد حر كما لو لم يشترط بالكلية ، وكذا
إن قلنا بفساده مع الجهل بالفساد ، لأنه نكاح شبهة يلحق بالصحيح ، أما لو قلنا
ببطلان العقد وكان عالما فإنه يكون زانيا ، والولد يكون رقا تبعا
__________________
(1) سورة المائدة ـ آية 1.
(2) الكافي ج 5 ص 404 ح 8 ، التهذيب ج 7 ص 371 ح 66 ، الوسائل
ج 15 ص 30 ذيل ح 4.
للام من حيث الزنا لا من حيث الشرط ،
وإن قلنا بصحة الشروط لزوم ولم يسقط بالإسقاط ، وإنما يعود إلى الحرية بسبب جديد ،
كملك الأب له ونحوه ، والله العالم.
المسألة الثالثة : إذا تزوج الحر
أمة بدون إذن السيد ، ودخل بها قبل رضا السيد وإجازته ، فلا يخلو الحال من أن
يكونا معا عالمين بالتحريم أو جاهلين أو أحدهما عالما والآخر جاهلا وبالعكس ، فهنا
صور أربع :
الاولى : أن يكونا
عالمين بالتحريم ، وقد قطع الأصحاب بكون الوطي زنا يثبت به الحد عليهما والولد رق
لمولى الأمة ، وإنما اختلفوا في ثبوت المهر للمولى وعدمه.
أقول : أما الحكم بكونه زنا فقد تقدم ما يدل عليه من
الأخبار المذكورة في صدر المسألة الأولى الدالة على أن نكاح الأمة من غير إذن
المولى باطل ، دخل بها أو لم يدخل ، خلافا لما ذهب إليه أصحابنا من كونه فضوليا
موقوفا على الإجازة ، وقد صرح جملة من تلك الأخبار بكونه زنا ، كقوله عليهالسلام في رواية أبي
العباس (1) بعد السؤال عن
الأمة تتزوج بغير إذن أهلها؟ قال : يحرم ذلك عليها وهو الزنا.
وفي رواية الثانية (2) هو الزنا إن الله يقول «فَانْكِحُوهُنَّ
بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ».
ونحوه في رواية الثالثة (3).
وأما تزويج العبد بدون إذن سيده وإن كان خارجا عن موضوع
المسألة ، فظاهر الأخبار التي تقدمت في المسألة السابعة من المقصد الثاني في
الأولياء من الفصل الأول أنه موقوف على إذن السيد ، وإن دخل بها كما صرح به في
بعضها وإن ذلك ليس بزنا معللا في جملة منها بأنه لم يعص الله عزوجل ، وإنما عصى
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 479 ح 1 ، الوسائل ج 14 ص 527 ب 29 ح 2.
(2) التهذيب ج 7 ص 348 ح 55 ، الوسائل ج 14 ص 527 ب 29 ح 1.
(3) الكافي ج 5 ص 479 ح 2 ، الوسائل ج 14 ص 528 ب 29 ح 3.
سيده ، وربما ظهر من كلام بعض الأصحاب
أنه مع الدخول أيضا زنا يجب به الحد ، وظاهر الأخبار المشار إليها يرده.
وأما الولد فإنه لا خلاف في كونه رقا في صورة تسافح
المملوكين أو زنا الحر بالأمة ، وما هنا من قبيل الثاني وإن وقع بلفظ العقد ، وقد
علل بأن الولد نماء الأمة.
والأولى الاستدلال عليه بما رواه الشيخ (1) في الصحيح عن
جميل عن بعض أصحابه عن أحدهما عليهماالسلام «في رجل أقر
على نفسه أنه غصب جارية رجل فولدت الجارية من الغاصب ، قال : ترد الجارية والولد
على المغصوب منه إذا أقر بذلك الغاصب».
ورواه الكليني ، كذلك والصدوق ـ رحمة الله عليه ـ عن
الصادق عليهالسلام مرسلا ، إلا
أنه قال فيه «إذا أقر بذلك أو كانت عليه بينة».
ولا إشكال ولا خلاف في كل من هذين الحكمين ، إنما
الاشكال والخلاف في المهر ، فإن فيه قولين :
(أحدهما) ـ وهو مختار المحقق في الشرائع ـ العدم ، لأنها
زانية ، فلا مهر لها ، لقوله عليهالسلام «لا مهر لبغي»
ولأن البضع لا يثبت لمنافعه عوض إلا بعقد أو شبهة أو إكراه لها تخرج به عن كونها
بغيا ، والوجه أن مالية ليست على نهج الأموال الصرفة ، ليكون مطلق الانتفاع بها
موجبا للعوض ، ألا ترى أنه لو قبل أحد مملوكة الغير أو استمتع بها فيما دون الوطي
لم يكن عليه عوض ، بخلاف ما لو استخدمها ، والفرق عدم نقصانها بسببه ، وحينئذ
فالأصل عدم ثبوت كون البضع مضمونا على هذا الوجه ، وإنما تضمن بأحد الوجه الثلاثة
المتقدمة.
و (ثانيهما) ثبوت المهر للمولى ، لأن البضع ملكه ، فلا
يؤثر علمها ورضاها
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 556 ح 9 ، التهذيب ج 7 ص 482 ح 144 ، مع
اختلاف يسير ، الفقيه ج 3 ص 266 ح 51 ، الوسائل ج 14 ص 571 ب 61 ح 1 وفيه «عن على
بن حديد» مع اختلاف يسير.
في سقوط حقه ، وأجيب عن الخبر بعد
تسليم صحته بأنه خارج عن محل البحث ، وأن المراد به إنما هو الحرة لا الأمة ، وذلك
ظاهر من وجهين.
أحدهما : إن لفظ المهر إنما يقال بالنسبة إلى الحرة ،
وأما عوض بضع الأمة فإنما يطلق عليه اسم العقر أو العشر أو نصفه ، وإن أطلق عليه
المهر فهو مجاز ، والأصل عدمه ، ولهذا وقع التعبير عن الزوجة بابنة المهيرة في
قولهم : لو زوجه بنت مهيرة وأدخل عليه بنت أمة.
والثاني : من جهة اللام المفيد للملك أو الاستحقاق أو
الاختصاص ، فإن المنفي في الخبر إنما هو ملك البغي له ، واستحقاقها أو اختصاصها ،
والثلاثة منفية عن الأمة هنا ، لأن المالك له أو المختص أو المستحق إنما هو المولى
دون الأمة ، وذلك واضح ، لما عرفت من أن البضع ملكه ، فما جعل عوضا له إنما يكون
للمولى لا للأمة ، وبذلك يظهر لك أن الخبر المذكور لا وجه للاستدلال به هنا.
نعم يبقى الإشكال بالنسبة إلى التعليل الثاني ، ولهذا
أنه في المسالك قوى هذا القول ، وجعل ثبوته متوقفا على إثبات كون البضع مضمونا
حسبما قدمنا تحقيقه ، إلى أن قال : والثابت على الزاني العقوبة الدنيوية أو
الأخروية ، وما سواه يحتاج إلى دليل وهو حاصل مع العقد أو الشبهة.
أقول : وقد عرفت أن الإكراه المخرج لها عن كونها بغيا
ثابت لهذين الأمرين.
قال السيد السند في شرح النافع ـ بعد ذكر القول الثاني
والاستدلال له بأن البضع ملكه فلا يؤثر علمها في سقوط حقه ـ : ويمكن الاستدلال
عليه أيضا بصحيحة الفضيل بن يسار (1) عن أبي عبد الله عليهالسلام ، حيث قال
فيها «قلت : أرأيت إن أحل له ما دون الفرج فغلبته الشهوة فافتضها؟ قال : لا ينبغي
له ذلك ، قلت : فإن فعل أيكون زانيا؟ قال : لا ، ولكن يكون خائنا ، ويغرم لصاحبها
عشر قيمتها
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 468 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 244 ح 16 ، الوسائل
ج 14 ص 537 ب 35 ح 1.
إن كانت بكرا ، وإن لم تكن بكرا فنصف
عشر قيمتها».
قال : فإن ثبوت العوض هنا يقتضي ثبوته في الزنا المحض
بطريق أولى ، انتهى.
وفيه ما ذكره جده في المسالك حيث قال ـ بعد الكلام
المتقدم ـ : نعم لو كانت بكرا لزمه أرش البكارة ، لأنها خيانة ، فلا دخل في المهر
هنا ، وإن دخلت فيه على بعض الوجوه ، ولربما احتمل كونها مهرا ، لأن الشارع جعله
تبعا للوطئ ، فيأتي فيه الخلاف السابق ، والأصح الأول ، لأن الخيانة على المال
المملوك الموجبة لنقص المالية مضمونة بغير إشكال ، بخلاف المهر ، انتهى.
وهو ظاهر في كونه وجوب العشر أو نصفه ، إنما وجب من حيث
النقص الحاصل بتصرفه في مال الغير بدون إذنه ، ولا خصوصية له بالنكاح ، فمنشؤه
إنما هو التصرف الموجب للنقص ، لا ما يراد من المهر ، وهو كونه في مقابلة الانتفاع
بالبضع ، وحينئذ فحمله عليه لا يخرج عن القياس وإن كان قياس أولوية.
وبالجملة فإن المسألة بما عرفت من القيل والقال ، وعدم
وجود النص لا تخلو من الاشكال ، والله العالم.
الثانية : أن يكونا
جاهلين بالتحريم ويتحقق ذلك إما بأن لا يكونا عالمين بتحريم تزويج الأمة بغير إذن
مالكها ، أو كانا يعلمان ذلك ، ولكن عرضت شبهة أوجبت لهما ذلك ، بأن وجدها على
فراشه فظنها زوجته أو أمته بعد أن عقد عليها أولا ، فإنك قد عرفت أن هذا العقد حيث
لم يكن بإذن المالك لا ثمرة له ، ولا أثر يترتب عليه وظنت هي أنه مولاها ، لا
العاقد عليها ، وحينئذ فنكاحه لها والحال هذه من الطرفين نكاح شبهة ، موجب لحرية
الولد ، ولحوقه بالأب ، ودراية للحد وموجب للمهر.
ولكن في المهر هنا أقوال ثلاثة : فقيل : بأنه المسمى في
العقد ، لأنه العوض الذي تراضيا عليه بالعقد ، والعقد صحيح ظاهرا للشبهة.
وقيل : مهر المثل لظهور فساد العقد في نفس الأمر ، وأن
مهر المثل هو
المحكوم به في نكاح الشبهة ، وقواه في
المسالك ، وقد تقدم تحقيق الكلام في ذلك في باب الرضاع ، وأن الأظهر هو الثاني.
وقيل : بأنه العشر أو نصف العشر ، واختاره السيد السند
في شرح النافع ، قال : وهذا أقوى ، لصحيحة الفضيل المتقدمة ، وقوله عليهالسلام في صحيحة
الوليد بن صبيح (1) ـ إذا تزوج
امرأة حرة فوجدها أمة قد دلست نفسها ـ «ولمواليها عليه عشر ثمنها إن كانت بكرا ،
وإن كانت غير بكر فنصف عشر قيمتها بما استحل من فرجها».
وفيه ما عرفت آنفا أن مورد كل من الروايتين صورة مخصوصة
، والتعدي إلى غيرها كما في ما نحن فيه يحتاج إلى دليل ، وإلا فهو مجرد قياس ،
والأظهر الاقتصار في كل منهما على مورده.
ومما ذكرنا يظهر أن الأقرب إلى القواعد الشرعية هو القول
بمهر المثل. قالوا : وإن أنت بولد كان حرا تابعا لأبيه ، وعلى الأب قيمته للمولى
لأنه نماء ملكه ويعتبر القيمة يوم سقوطه حيا ، لأنه وقت الحكم عليه بالمالية لو
كان رقا ، والظاهر أنهم استندوا في وجوب القيمة على الأب للمولى إلى الأخبار
الواردة في تدليس المرأة نفسها ، أو تدليس من زوجها على أنها حرة ، ثم ظهر كونها
أمة ، وسيأتي ـ إن شاء الله ـ بعد هذه المسألة.
الثالثة : أن يكون الحر
عالما ، والأمة جاهلة ، قالوا : والحد عليه في هذه الصورة ، وينتفي عنه الولد لأنه
عاهر ، له الحجر ، ويثبت عليه مهر المثل أو العشر أو نصفه للمولى ، كما سبق والولد
رق ، وهذه الأحكام كلها ظاهرة مما سبق.
الرابعة : العكس ، بأن
يكون الحر جاهلا ، وهي عالمة وفي هذه الصورة يسقط عنه الحد ، ويلحقه الولد ، وعليه
فكه بالقيمة يوم سقوطه حيا كما تقدم ، وكذا وجوب المهر حسب ما تقدم جميع ذلك في
الصورة الثانية وظاهره في المسالك
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 404 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 349 ح 57 وص 422 ح 1
وفيهما اختلاف يسير ، الوسائل ج 14 ص 577 ح 1.
التوقف هنا في وجوب المهر ، حيث قال :
والحكم بسقوط الحد ولحوق الولد به ، ووجوب القيمة كالسابقة ، وكذا في وجوب المهر
على ما أطلقه المصنف والجماعة بناء على أنه وطئ محترم من قبله من حيث الشبهة ،
فيثبت عوضه ، وظاهرهم بل صريح بعضهم عدم الفرق بين علمها وجهلها في ذلك ، هنا لا
يخلو من إشكال ، لأنها مع العلم بغي ، فينبغي مجيء الخلاف السابق ، لكن لم
يتعرضوا له هنا. انتهى ، وهو جيد ، وأشار بذلك إلى الخلاف المذكور في هذه الصورة ،
وقد عرفت الكلام فيه.
قالوا : هذا كله إذا لم يجز المولى العقد ، فإن أجازه
قبل الوطي فواضح ، وإن كان بعده بنى على أن الإجازة هل هي كاشفة عن صحة العقد من
حينه ، أو مصححة له من حينها؟
فعل الأول قال في المسالك وهو الأقوى : يلحق به الولد
وإن كان عالما حال الوطي بالتحريم ، وسقط عنه الحد وإن كان قد وطأ محرما حالته ،
ويلزمه المهر لانكشاف كونها زوجة حال الوطي ، وإقدامه على المحرم يوجب التعزير لا
الحد.
وعلى الثاني تبقى الأحكام السابقة بأسرها ، لأنها حين
الوطي لم تكن زوجة ظاهرا ولا في نفس الأمر ، وإنما كان قد حصل جزء السبب المبيح
ولم يتم إلا بعد الوطي ، فكان كما لو لم يكن هناك عقد أصلا. قال في شرح النافع :
والأصح الثاني.
أقول : فيه (أولا) إنا لم نقف بعد التتبع التام للأخبار
على أثر يدل على شيء من هذين القولين ، وليس إلا مجرد كلامهم في البين ، سيما مع
ما عرفت في كتاب البيع من عدم صحة البيع الفضولي الذي هو الأصل في اعتبار الإجازة
، ولزوم العقد بها ، بل بطلانه من رأس ، وإن صح في النكاح كما تقدم تحقيقه ، وأما
كون الإجازة له بعد وقوعه كاشفة أو ناقلة فلا أثر له في الأخبار سوى ما ذكروه من
هذا الاعتبار.
و (ثانيا) إنك قد عرفت مما قدمنا ذكره في المسألة الأولى
دلالة الأخبار
على بطلان تزويج الأمة بغير إذن
مولاها ، لا أنه صحيح موقوف على الإجازة كما ادعوه ، وما ذكروه هنا متفرع على ما
وقع لهم ثمة من حكمهم بالصحة من غير فرق بين العبد والأمة لو تزوج كل منهما بغير
إذن السيد ، والأخبار إنما دلت على ذلك بالنسبة إلى تزويج العبد كما قدمناها في
المسألة المذكورة.
وأما أخبار تزويج الأمة فإنها قد اتفقت على بطلانه
وتحريمه ، وأنه زنا محض ، ولكنهم غفلوا عن ملاحظتها والتأمل فيما وقع فيها ، فتأمل
وأنصف ، والله العالم.
المسألة الرابعة : إذا ادعت والتأمل فيما وقع فيها ،
فتأمل وأنصف ، والله العالم. المسألة الرابعة : إذا ادعت المرأة الحرية ، فتزوجها
الحر بناء على ذلك من غير علمه بفساد دعواها ، وإلا كان زانيا ، وكان الحكم فيه
كما تقدم في الصورة الاولى من صور المسألة المتقدمة ، ودعواها الحرية إما باعتبار
أنها حرة الأصل ولم يكن الزوج عالما بحالها ، أو ادعت العتق وظهر للزوج من قرائن
الحال ما أثمر له الظن بصدقها ، وتوهم الحل بذلك.
أما لو كان عالما بفساد دعواها ، أو بعدم الالتفات إلى
قولها بدون البينة أو الشياع أو نحو ذلك مما يفيد العلم ، فإنه يكون زانيا ، ويكون
الحكم كما تقدم في الصورة المشار إليها ، وحينئذ فمع العمل على يدعواها بالتقريب
المتقدم يكون من قبيل الشبهة ، فيسقط عنه الحد ويلزمه المهر على الخلاف فيه من
كونه المسمى أو مهر المثل أو العشر أو نصفه ، وهل يكون الولد حرا أو رقا؟ قولان ،
وعلى كل منهما يجب على الأب فكه عند الأصحاب بدفع القيمة إلى مولى الجارية ،
والكلام هنا يقع في موضعين :
الأول : في المهر ، وظاهرهم الاتفاق عليه وإن كانت الأمة
عالمة بالتحريم ، واحتمال العدم كما تقدمت الإشارة إليه ممكن ، ثم إنهم اختلفوا في
تقديره ، فقيل : إنه المسمى لأنه عقد صحيح ، قبض فيه أحد العوضين فيجب الآخر ،
وعروض الفسخ لا يوجب فساده من أصله.
قال في المسالك ـ وهو ظاهر اختيار المصنف والأكثر ، ثم
تنظر فيه ،
قال ـ : لأنه واقع بغير إذن السيد ولا
أثر لصحته ظاهرا إذا تبين فساده بعد ذلك ، ودعوى كون الفسخ لا يفسده من أصله غير
سديد. انتهى ، وهو جيد.
وقد تقدم الكلام في ذلك ، وأن الأظهر بطلان المسمى لظهور
بطلان العقد الذي اشتمل عليه ، نعم يتم القول بالصحة لو أجاز السيد العقد ، بناء
على ما يدعونه من كون العقد فضوليا ، وأن الإجازة كاشفة.
وقيل : مهر المثل ، ذهب إليه الشيخ في المبسوط ، ونقله
فخر المحققين عن ابن حمزة ، كما نقل الأول عن القاضي ابن البراج ، وغلطه الشهيد في
شرح الإرشاد في كل من النقلين بأنهما قائلان بالقول الثالث. وقد علم وجه هذا القول
مما تقدم في غير مقام من أن مرجعه إلى نكاح الشبهة ، والواجب في نكاح الشبهة إنما هو
مهر المثل ، ووجهه هنا أنه لا ريب أن الجارية ملك للغير ، والنكاح موقوف على رضاه
، وحيث لم يرض فالنكاح باطل ، إلا أنه قد حصل الوطي المحرم بسبب الجهل ، فصار نكاح
شبهة فوجب مهر المثل ، هذا عندهم إذا لم يجز المولى ، وإلا فلو أجاز وقلنا بأن
الإجازة كاشفة عن صحة العقد من حينه لا من حينها ، فإن الواجب حينئذ هو المسمى ،
إلا أنك قد عرفت ما فيه.
وقيل : بوجوب عشر قيمتها إن كانت بكرا ونصفه إن كانت
ثيبا ، وهو مذهب الشيخ في النهاية والقاضي ابن البراج وابن حمزة ، ومستندهم في ذلك
صحيحة الوليد بن صبيح (1) عن أبي عبد
الله عليهالسلام «في رجل تزوج
امرأة حرة فوجدتها أمة قد دلست نفسها له ، قال : إن كان الذي زوجها إياه من غير
مواليها فالنكاح فاسد ، قلت : فكيف يصنع بالمهر الذي أخذت منه قال : إن وجد مما
أعطاها شيئا فليأخذه ، وإن لم يجد شيئا فلا شيء له عليها ، وإن كان زوجها إياه ولي
لها ارتجع على وليها بما أخذت منه ولمواليها عليه عشر ثمنها إن كانت بكرا ،
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 404 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 349 ح 57 وص 422 ح 1
وفيهما اختلاف يسير ، الوسائل ج 14 ص 577 ح 1 ، وفيه اختلاف يسير.
وإن كانت غير بكر فنصف عشر قيمتها بما
استحل من فرجها ، قال : وتعتد منه عدة الأمة ، قلت : فإن جاءت بولد؟ قال : أولادها
منه أحرار إذا كان النكاح بغير إذن المولى».
قال في المسالك : وينبغي أن يكون العمل بها لصحتها ،
وربما حملت على ما إذا طابق العشر أو نصفه المهر المثل ، وهو بعيد ، ومن الجائز اختصاص
الأمة بهذا الحكم وجعل مهر المثل للحرة أو للأمة أيضا في غير موضع النص. انتهى وهو
جيد ، فإن الرواية لا معارض لها في المقام إلا ما ذكروه من تلك التعليلات مع إمكان
الجمع بما ذكره ـ رحمهالله ـ وتخرج صحيحة
الفضيل المتقدمة مؤيدا لذلك.
الثاني : في حكم الولد ، وقد تقدمت الإشارة إلى الخلاف
فيه بالحرية والرقية ، ونقل في المسالك القول بالرقية عن الشيخ وأتباعه واختاره
المحقق في الشرائع ، مع أنه قد حكم في سابق هذه المسألة أن الولد مع الشبهة
الجارية على الأب يكون حرا ، وإن لزمه فكه بالقيمة ، وما نحن فيه من قبيل ذلك ،
لأن المفروض اشتباه الحال عليه كما عرفت.
وبالثاني من القولين المذكورين صرح السيد السند في شرح
النافع واستدل على القول بالرقية بحسنة زرارة (1) قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : أمة أبقت من
مواليها فأتت قبيلة غير قبيلتها فادعت أنها حرة فوثب عليها رجل فتزوجها ، فظفر بها
مواليها بعد ذلك وقد ولدت أولادا ، فقال : إن أقام البينة الزوج على أنه تزوجها
على أنها حرة أعتق ولدها ، وذهب القوم بأمتهم ، وإن لم يقم البينة أوجع ظهره
واسترق ولده».
وعد هذه الرواية في الحسن بناء على رواية الشيخ لها في
التهذيب عن عبد الله بن يحيى ولكن الذي في الكافي إنما هو عبد الله بن بحر مكان
عبد الله بن
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 405 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 350 ح 59 ، الوسائل
ج 14 ص 578 ح 3.
يحيى ، ولعله الأقرب فتكون الرواية
ضعيفة بهذا الاصطلاح.
وموثقة سماعة (1) قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن مملوكة أتت
قوما فزعمت أنها حرة فتزوجها رجل منهم وأولدها ولدا ، ثم إن مولاها أتاهم فأقام
عندهم البينة أنها مملوكة ، وأقرت الجارية بذلك ، فقال : تدفع إلى مولاها هي
وولدها ، وعلى مولاها أن يدفع ولدها إلى أبيه بقيمته يوم تصير إليه ، قلت : فإن لم
يكن لأبيه ما يأخذ ابنه به؟ قال : يسعى أبوه في ثمنه حتى يؤديه ويأخذ ولده ، قلت :
فإن أبى الأب أن يسعى في ثمن ابنه؟ قال : فعلى الامام أن يفتديه ، ولا يملك ولد حر».
واستدل السيد في شرح النافع على الحرية كما قدمنا نقله
عنه بصحيحة الوليد بن صبيح (2) عن أبي عبد
الله عليهالسلام المتقدمة
لقوله في آخرها «أولادها منه أحرار إذا كان النكاح بغير إذن المولى». وعلى وجوب
القيمة على الأب بصحيحة محمد بن قيس (3) عن أبي جعفر عليهالسلام «في رجل تزوج
جارية على أنها حرة ، ثم جاء رجل آخر فأقام البينة على أنها جاريته ، قال : يأخذها
ويأخذ قيمة ولدها». ثم قال : وفي هذه الرواية دلالة على حرية الولد أيضا.
وأنت خبير بأن الرواية الاولى لا دلالة فيها على القيمة
، والثانية لا دلالة فيها على الحرية ، فقوله «وفي هذه الرواية دلالة على حرية
الولد» لا أعرف له وجها.
والشيخ قد حمل صحيحة الوليد على أحد وجهين : أحدهما أن
يكون قد شهد شاهدان عنده أنها حرة والثاني أن يكون الأب قد رد ثمنهم.
واحتمل بعضهم أن هذا الكلام منه عليهالسلام على جهة
الإنكار دون الاخبار
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 350 ح 60 ، الوسائل ج 14 ص 579 ح 5.
(2) الكافي ج 5 ص 404 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 349 ح 57 وص 422 ح 1
، الوسائل ج 14 ص 577 ح 1 ، وما في المصادر اختلاف يسير مع ما ذكره ـ قدسسره.
(3) الفقيه ج 3 ص 252 ح 31 ، الوسائل ج 14 ص 580 ح 8.
بقرينة الشرط ، وهو قريب ، بل الظاهر
أنه أقرب من حملي الشيخ.
ومن أخبار المسألة موثقة سماعة (1) قال : «سألته
عن مملوكة قوم أتت قبيلة غير قبيلتها ، وأخبرتهم أنها حرة فتزوجها رجل منهم فولدت
له ، قال : ولده مملوكون إلا أن يقيم البينة أنه شهد لها شاهدان أنها حرة ، فلا
تملك ولده ويكونون أحرارا».
وفي هذا الخبر دلالة على ما دلت عليه رواية زرارة (2) المتقدمة من
حرية الولد إن أقامت البينة على ما ادعت من الحرية ، وتزوجها الرجل بناء على ذلك ،
وإلا فالولد رق ، وهي مؤيدة للقول المشهور برقية الولد بناء على ظاهر الحال ، وهي
بالنسبة إلى فك الولد بالقيمة مطلقة ، فيحمل إطلاقها في ذلك على ما تضمنته موثقة سماعة
(3) المتقدمة ،
وكذا صحيحة محمد بن قيس من وجوب فك الأب له بالقيمة جمعا بين الأخبار.
ومنها موثقة محمد بن قيس (4) عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «قضى
علي عليهالسلام في امرأة أتت
قوما فأخبرتهم أنها حرة ، فتزوجها أحدهم وأصدقها صداق الحرة ثم جاء سيدها ، فقال :
ترد إليه وولدها عبيد».
وهذه الرواية أيضا صريحة في الرقية كما هو القول المشهور
، وأما بالنسبة إلى فكه بالقيمة فهي مطلقة ، فيجب تقييد إطلاقها بما في الصحيحة
المتقدمة الدالة على أن المولى يأخذ قيمة الولد ، وأخذ القيمة هو الأنسب بالرقية
لا بالحرية
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 405 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 349 ح 58 ، الوسائل
ج 14 ص 578 ح 2.
(2) الكافي ج 5 ص 404 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 350 ح 59 ، الوسائل
ج 14 ص 578 ح 3.
(3) التهذيب ج 7 ص 350 ح 60 ، الوسائل ج 14 ص 579 ح 5.
(4) التهذيب ج 7 ص 349 ح 56 ، الوسائل ج 14 ص 578 ح 4.
كما توهمه السيد السند في شرح النافع
فيما قدمنا نقله عنه حتى ادعى أنها دالة على حرية الولد.
وبالجملة فإنه يحصل من الجمع بين روايتي محمد بن قيس
المذكورتين باعتبار اشتمال الاولى على أنه يأخذ قيمة الولد أعم من أن يكون حرا أو
رقا ، واعتبار اشتمال الثانية على أن ولدها عبيد من غير تعرض للقيمة ، هو أنهم
عبيد للسيد ، ولكن يجب على الأب فكهم بالقيمة ، وسند هذا الجمع موثقة سماعة الأولى
الدالة على أنها تدفع هي وولدها إلى مولاها ، وعلى مولاها أن يدفع ولدها إلى أبيه
بقيمته.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الذي يظهر لي من تدبر هذه الأخبار
ـ بعد ضم بعضها إلى بعض من غير فرق فيها بين ضعيف وصحيح ـ هو أن الزوج إن كان قد
تزوجها بعد ثبوت دعوى الحرية بالشاهدين فأولاده أحرار ولا يجب عليه فكهم بالثمن ،
لأنه إنما تزوج حرة باعتبار ظاهر الشرع فلا وجه للقيمة هنا بالكلية ، وإن تزوجها على
ظاهر الحرية بالتقريب الذي تقدم صدر المسألة ، فالولد يكون رقا ، ويجب عليه فكه
بالقيمة.
ويمكن توجيه ذلك بعد ورود النص به كما عرفت ، فيكون
بيانا لوجه النص لا علة في الحكم ، بأن يقال : إنه لما كانت مملوكة ولم يأذن
المالك في تزويجها ولم يكن التزويج على نحو الشاهدين الموجب للثبوت شرعا كان فيه
شائبة من الزنا الموجب لرقية الولد ، ولما كان ذلك راجعا إلى الشبهة الموجبة لحرية
الولد كان الجمع بين الأمرين بالرقية مع الفك بالقيمة.
نعم صرح ابن إدريس بأن القيمة في صورة شهادة الشاهدين
وإن لم يكن على الأب إلا أنها على الشاهدين كما سيأتي نقله إن شاء الله.
وفصل العلامة في المختلف فقال : إن رجعا لم يلتفت إلى
رجوعهما وضمنا لمولاها قيمة الجارية والولد والمهر ، وإن ثبت تزويرهما نقض الحكم
وكان الولد
حرا ، وعلى الأب دفع قيمته يوم سقط
حيا. إلى آخره.
أقول : لا يخفى أن أخبار المسألة هنا خالية عن التعرض
للقيمة في هذه الصورة ، وإنما تضمنت القيمة في صورة التزويج على ظاهر الحال
المحكوم فيه برقية الولد لا في صورة الشاهدين المحكوم فيها بالحرية ، والظاهر أن
ما ذكره ابن إدريس من أن القيمة على الشاهدين ، وذكره هو بالنسبة إلى رجوعهما هو
الأوفق بالقواعد الشرعية كما نبهنا عليه ، والفرق في ذلك بين رجوعهما وثبوت
تزويرهما ـ كما ذكره العلامة ـ لا أعرف له وجها.
وأما ما ذهب إليه السيد السند من حرية الولد كما قدمنا
نقله عنه استنادا إلى صحيحة الوليد بن صبيح ، حيث إن سندها صحيح باصطلاحه ، وهو
ممن يتهافت على صحة السند ، فهو عندنا غير مرضي ولا معتمد ، والروايات التي
ذكرناها كما عرفت كلها دالة على الرقية ، والصحيحة المذكورة يمكن تأويلها بما
قدمنا ذكره ، والجمع بينها وبين باقي الأخبار يقتضيه.
وأما على ما ذكره واختاره فإنه يلزم طرح هذه الأخبار مع
ما هي عليه من الصراحة وقوة الأسانيد أيضا.
وبما ذكرنا من الحرية مع البينة والرقية بدونها ، صرح
الشيخ في النهاية حيث قال : فإن عقد عليها على ظاهر الأمر بشهادة الشاهدين لها
بالحرية ويرزق منها أولادا كان أولادها أحرارا ، وإن عقد عليها على ظاهر الحال ولم
يقم عنده بينة بحريتها ثم تبين أنها كانت رقا كان أولادها رقا لمولاها ، ويجب عليه
أن يعطيهم أباهم بالقيمة ، وعلى الأب أن يعطيه قيمتهم ، فإن لم يكن له مال استسعى
في قيمتهم ، فإن أبى كان على الامام أن يعطي مولى الجارية قيمتهم من سهم الرقاب ،
ولا يسترق ولد حر. انتهى ، وإليه يرجع كلامه في كتابي الأخبار حيث حمل صحيحة
الوليد بن صبيح على أحد الحملين المتقدمين.
تذنيبات
الأول : لو دلسها
عليه مدلس فزوجها منه على أنها حرة فظهرت أمة ، فهل يحكم على الولد بالحرية أو
الرقية؟ الذي صرح به جملة من الأصحاب منهم ابن حمزة وابن إدريس هو الأول.
قال ابن حمزة : إن تزوجها بغير إذن مولاها فأقسامه خمسة
:
(الأول) دلسها عليه أحد بالحرية ، فيرجع بالمهر على
المدلس ، ويكون الولد حرا ، وللسيد عليه عشر قيمتها إن كانت بكرا ونصف العشر إن
كانت ثيبا ، وأرش العيب إن عابت بالولادة ، وإن دلسها مولاها سقط المهر المسمى ولزم
مهر المثل ، ودفع بالمهر على سيدها وتحرر الولد.
(الثاني) شهد الشاهدان لها بالحرية ، فيرجع بالمهر على
الشاهدين ، وباقي الأحكام على ما ذكر.
(الثالث) تزوجها بظاهر الحال على الحرية ، فيكون النسب
لاحقا والولد رقا ، وله الرجوع إليها بالمهر ، وعليه للسيد ما ذكرناه من عشر
القيمة أو نصفه ، ويجب على السيد أن يبيع الولد من أبيه ، ولزم الأب قيمته ، فإن
عجز استسعى فيها ، فإن لم يسع دفع الامام عليهالسلام قيمته للسيد
من سهم الرقاب. إلى آخره (1).
وقال ابن إدريس : وإن عقد عليها على ظاهر الحال بشهادة
الشاهدين لها بالحرية ورزق منها أولادا كانوا أحرارا ، ويجب على الشاهدين ضمان
المهر إن
__________________
(1) وتمام عبارته هكذا : (الرابع) علم الرقية ولم يعلم التحريم
، فيكون الولد رقا ، ويلزم المسمى ، ويلتحق النسب ، ويضمن أرش العيب والفرق.
(الخامس)
أن يعلم الرق والتحريم ، فيكون زانيا ان لم يرض السيد بالعقد ، ويكون الولد رقا ،
والنسب غير لاحق ، والمهر غير لازم ، والأرش مضمونا ، وعشر القيمة ان كانت بكرا ،
ونصف العشر ان كانت ثيبا ، وان رضى السيد بالعقد صح النكاح ، انتهى.
(منه ـ رحمهالله ـ).
كان الزوج سلمه إليها ، وقيمة الأولاد
يوم وضعهم أحياء ، لأن الشهود الزور يضمنون ما يتلفون بشهاداتهم ، بغير خلاف بيننا
، والإجماع منعقد على ذلك.
وإن عقد عليها على ظاهر الحال ولم يقم عنده بينة بحريتها
ثم تبين أنها كانت رقا كان أولادها رقا لمولاها ، ويجب عليه أن يعطيهم أباهم
بالقيمة ، وعلى الأب أن يعطيه قيمتهم ، فإن لم يكن له مال استسعى في قيمتهم على ما
روي في الأخبار ـ إلى أن قال : ـ وإذا عقد على امرأة بظن أنها حرة ، والذي عقد
عليها كان قد دلسها وكانت أمة ، كان له الرجوع عليه بمهرها إن كان قد قبضته ، فإن
رزق منها أولادا كانوا أحرارا.
وقال أبو الصلاح : وإذا تزوج الحر بامرأة على أنها حرة
فخرجت أمة ، فولدها لاحقون به ، ويرجع بقيمة الولد والصداق على من تولى أمرها ،
وإن كانت هي التي عقدت على نفسها لم ترجع على أحد بشيء.
أقول : اشتركت هذه العبارات في الحكم بحرية الولد في
صورة التدليس ، إلا أن كلام أبي الصلاح صريح في الرجوع بقيمة الولد على المدلس كما
يرجع الزوج بالصداق إذا كان قد قبضته ، وكلام ابن حمزة إنما تضمن الرجوع بالصداق
خاصة ، وهو بالنسبة إلى قيمة الولد ، وكلام ابن إدريس مطلق بالنسبة إلى الأمرين
أعني المهر وقيمة الولد.
والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بالمقام ما رواه الشيخ
في التهذيب (1) عن إسماعيل بن
جابر عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قلت :
رجل كان يرى امرأة تدخل على قوم وتخرج فسأل عنها فقيل له إنها أمتهم واسمها فلانه
، فقال لهم : زوجوني فلانة ، فلما زوجوه عرفوا على أنها أمة غيرهم ، قال : هي
وولدها لمولاها ، قلت : فجاء إليهم فخطب إليهم أن يزوجوه من أنفسهم فزوجوه وهو يرى
أنها من أنفسهم ، فعرفوا بعد ما أولدها أنها أمة ، قال : الولد له وهم ضامنون
لقيمة الولد
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 476 ح 119 ، الوسائل ج 14 ص 579 ح 7.
لمولى الجارية».
وما رواه في الكافي (1) عن إسماعيل بن جابر أيضا قال : «سألت
أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل نظر
إلى امرأة فأعجبته فسأل عنها فقيل : هي ابنة فلان ، فأتى أباها فقال : زوجني ابنتك
، فزوجه غيرها ، فولدت منه فعلم بعد أنها غير ابنته ، وأنها أمة ، فقال : يرد الوليدة
على مولاها ، والولد للرجل ، وعلى الذي زوجه قيمة ثمن الولد يعطيه موالي الوليدة
كما غر الرجل وخدعه».
وهما ظاهران في الحكم بحرية الولد ، لأنه لا معنى لقوله
في الأول الولد له ، وفي الثاني والولد للرجل ، إلا اللحوق به في الحرية ، وأنهم
أحرار مثله وصريحان أيضا في وجوب القيمة على المدلس لمولى الجارية لأن الولد نماء
ملكه وحينئذ فيجب حمل إطلاق عبارتي ابن إدريس وابن حمزة على ما دل عليه الخبران
المذكوران من وجوب القيمة على المدلس كما صرح به أبو الصلاح ، وبما ذكر هنا وفيما
تقدم تجب القيمة في صورة التدليس على المدلس مع الحكم بالحرية ، وتجب أيضا في صورة
التزويج على ظاهر الحال على الأب مع الحكم بالرقية على ما يستفاد من الأخبار في
المقامين.
وإنما يبقى الكلام في صورة شهادة الشاهدين ، من وجوب
القيمة على الشاهدين كما ذكره ابن إدريس ، أو التفصيل الذي تقدم نقله عن العلامة
حيث إن الأخبار خالية من التعرض لذلك ، إلا أن الظاهر أن الأقرب ما ذكره ابن إدريس
، والله العالم.
الثاني : قد صرح الشيخ
فيما تقدم من عبارته المنقولة عن النهاية أن الأب إن أبى عن الاستسعاء في قيمة
الولد كان على الامام عليهالسلام أن يعطي مولى
الجارية قيمتهم من سهم الرقاب.
وابن إدريس قد اعترضه هنا فقال ـ بعد نقل ذلك عنه ـ :
والذي يقتضيه
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 408 ح 13 ، الوسائل ج 14 ص 602 ح 1.
أصول المذهب أن الامام لا يعطي مولى
الجارية قيمتهم من سهم الرقاب ، ولا يجوز أن يشتروا من سهم الرقاب من الزكاة ، لأن
ذلك مخصوص بالعبيد والمكاتبين ، وهؤلاء غير عبيد ولا مكاتبين بل أحرار في الأصل ،
انعتقوا كذلك ، ما مسهم رق أبدا ، لأنه قال عليهالسلام «ولا يسترق ولد
حر» وصفه بأنه حر ، فكيف يشترى الحر من سهم الرقاب ، وإنما أثمانهم في ذمة أبيهم ،
لأن من حقهم أن يكونوا رقا لمولى أمهم ، فلما حال الأب بينه وبينهم بالحرية وجب
عليه قيمتهم يوم وضعهم أحياء أحرارا ، وهو وقت الحيلولة ، انتهى.
والعجب منه أنه قد وافق الشيخ في هذه الصورة ـ أعني صورة
التزويج ـ بناء على ظاهر الحال ، فقال برقية الولد فيها كما قدمنا نقله عنه في
عبارته السابقة وأوجب السعي على أبيه في قيمته ، فكيف يوافقه على رقية الولد ويمنع
من إعطائه من سهم الرقاب ، مدعيا حريتهم ـ وأنهم ما مسهم رق أبدا مستندا إلى جعل «حر»
في الرواية «صفة ولد» ـ ومع عدم تعينه لذلك لاحتمال الإضافة بل هو أظهر مناقض لما
صرح به من الرقية في المسألة.
وكيف كان فكلام الشيخ مبني على الرقية ، وكلامه مبني على
الحرية ، فهذا الإنكار منه مصادرة لأن الشيخ لا يقول بالحرية حتى أنه يرد عليه ما
ذكره.
نعم قد ناقش بعض المتأخرين في جعل الشيخ ذلك من الزكاة
من سهم الرقاب ، مع أن الرواية ليس فيها «إلا أنه على الامام أن يفديه» وهو أعم من
كونه من سهم الرقاب أو غيره ، ويجوز أن يكون من بيت المال لأنه معد للمصالح.
وفيه أنه متى قيل بالرقية كما هو اختيار الشيخ فجعله من
سهم الرقاب أوجه كما صرح به ونازع بعض المتأخرين أيضا في وجوب استسعاء الأب مع
عجزه ، وأوجب النظر إلى يساره ، لضعف الرواية ، لأنه من جملة الديون «وقد قال الله
تعالى «وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ» (1) وحمل الرواية على الاستحباب
__________________
(1) سورة البقرة ـ آية 280.
أقول فيه : إن هذا إنما يتم بناء على القول بالحرية كما
هو ظاهر كلام ابن إدريس المذكور هنا حيث صرح بالحرية ، وادعى أن أثمانهم في ذمة
أبيهم ، ونحوه كلام العلامة في المختلف (1).
وأما على القول بالرقية كما هو ظاهر الأخبار سيما موثقة
سماعة ، فإنه غير تام ، إذ الولد رق للمولى ، والواجب على الأب السعي لفك ابنه من
الرقية بكل وجه تمكن منه ، ولو تعذر وجب على الامام عليهالسلام فكه له ، ولا
يجب على المولى دفعه إلى الأب إلا بالقيمة ، لقوله عليهالسلام في الرواية
المذكورة «ويدفع إلى مولاها هي وولدها ، وعلى مولاها أن يدفع ولدها إلى أبيه
بقيمته». وليس هنا دين بالكلية ، ومما هو ظاهر في الرقية دون الحرية في الصورة
المذكورة قوله عليهالسلام في رواية
زرارة المتقدمة ، «وإن لم يقم البينة أوجع ظهره واسترق ولده» ، وقوله عليهالسلام في موثقة
سماعة الثانية «وولده مملو كون إلا أن يقيم البينة» الحديث ، وقوله في موثقة محمد
بن قيس «وولدها عبيد». فأي دليل في الحكم بالرقية أصرح من هذه
__________________
(1) قال العلامة في المختلف : والتحقيق أن تقول : إذا شهد
اثنان لها بالحرية فإن رجعا لم يلتفت الى رجوعهما وضمنا لمولاها قيمة الجارية
والولد والمهر ، وان ثبت تزويرهما نقض الحكم وكان الولد حرا ، وعلى الأب دفع قيمته
يوم سقط حيا ، فان عجز فالوجه الانظار به الى اليسار ، ولا يجب الاستسعاء ولا
الأخذ من بيت المال ، وان كان جائزا ، لكنه غير واجب ، لانه من المصالح ، وكذا
الحكم لو تزوجها على ظاهر الحال بالحرية من غير أن يشهد لها أحد به ، لانه مال ثبت
في ذمته ، وهو عاجز عنه ، فينظر إذا به.
ثم
نقل عن الشيخ الاحتجاج بموثقة سماعة الأولة منهما فيما قدمنا نقله ، ثم أجاب
بالطعن في السند والحمل على الاستحباب.
وكلامه
كما ترى مبنى على الحكم بالحرية في كل صورة تزوير الشاهدين ، والصورة التي هي محل
البحث وهو التزويج على ظاهر الحال ، مع أنك قد عرفت مما في الأصل تصريح الاخبار في
الصورة الثانية بالرقية ، وأن وجوب القيمة على الأب انما هو لذلك : لا أنه حر ويجب
على الأب أن يدفع قيمته لو كان رقا. (منه ـ قدسسره ـ).
الأخبار كما لا يخفى على من جاس خلال
الديار.
وظاهر هذه الأخبار أن الأولاد لا يتصفون بالحرية إلا بعد
دفع القيمة إلى المولى من الأب أو الامام ، وإلا فهم على الرق ، لا أنهم قد ولدوا
على الحرية كما ادعاه ابن إدريس فيما تقدم من كلامه ، وهو ظاهر من كلام العلامة في
المختلف أيضا.
قال في المسالك بعد ذكر القولين أعني الحرية والرقية :
وتظهر فائدة القولين ـ مع اتفاقهما على وجوب دفع القيمة وحريته بدفعها ـ فيما لو
لم يدفعها لفقر أو غيره ، فعلى القول بحريته تبقى دينا في ذمته والولد حر ، وعلى
القول الآخر يتوقف على دفعها وهو ظاهر فيما قلناه ، وواضح فيما ادعيناه. ثم قال
أيضا على أثر هذا الكلام :
وأما الحكم باستسعاء الأب في الثمن فمبني على رواية
سماعة ، وسندها ضعيف ، وهو من جملة الديون ولا يجب الاستسعاء بها بل ينظر إلى
اليسار لعموم قوله تعالى «وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ
إِلى مَيْسَرَةٍ» وهذا أقوى ، ويمكن حمل الأمر
بالاستسعاء على الاستحباب ، انتهى.
وفيه أنه قد صرح بأن القيمة يكون دينا في ذمته ، وإنما
هو على تقدير القول بالحرية ، وأما على تقدير الرقية فلا دين بالكلية ، وإنما غاية
الأمر أن الحرية تتوقف على الشراء ودفع القيمة ، بمعنى أنه يجب عليه الشراء ، وقبل
وقوع الشراء. فالذمة غير مشغولة بالثمن ، فلا وجه لتعلقها بالذمة على هذا القول ،
وحينئذ فحق الكلام أن يقال : وأما الحكم باستسعاء الأب في الثمن فهو مبني على
القول بالرقية ، ورواية سماعة إنما صرحت بالاستسعاء لما تضمنته من القول بالرقية ،
وقد عرفت دلالة جملة من الأخبار على ذلك أيضا ، فلا معنى لقصر الحكم على رواية
سماعة والطعن فيها بالضعف ، ولا معنى لجعله ذلك من الديون بناء على هذا القول ، بل
كونه من الديون إنما هو على القول بالحرية كما
اعترف به ، وبالجملة فكلامهم هنا
بمعزل عما دلت عليه روايات المسألة.
الثالث : ما تقدم كله
بالنسبة إلى التدليس من جهة الزوجة بأن كانت أمة قد دلست نفسها ، أو دلسها آخر
بأنها حرة.
أما العكس بأن تتزوج الحرة بالعبد الغير المأذون له في
التزويج ، قالوا : فإن كانت عالمة بعدم الاذن لم يكن لها مهر ، ولا نفقة مع علمها
بالتحريم ، وكان أولادها منه رقاقا ، ولو كانت جاهلة كانوا أحرارا ولا يجب عليها
قيمتهم ، وكان مهرها لازما لذمة العبد إن دخل بها يتبع به إذا تحرر ، وتفصيل هذه
الجملة يقع في مواضع :
الأول : إنه لا ريب أنه متى علمت بالتحريم فإنه لا مهر
لها ولا نفقة ، لأنها بغي خصوصا مع علمها بحاله.
ويدل عليه ـ مع كونه الأوفق بالقواعد الشرعية ـ ما رواه الكليني
والصدوق (1) عن السكوني عن
أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قال
رسول الله صلىاللهعليهوآله : أيما امرأة
حرة تزوجت نفسها عبدا بغير إذن مواليه ، فقد أباحت فرجها ولا صداق لها». وهو محمول
على علمها بالتحريم.
ثم إنه لو اتفق ولد والحال هذه فإنهم قالوا : إنه رق
لمولى الأب لعدم لحوقه بها ، وإن كانت حرة حيث إنها بغي فلا وجه لحريته ، قال في
المسالك : وهو نماء العبد ، وفي بعض الروايات دليل عليه.
ولو جهلت التحريم ، إما بجهلها برقية الزوج أو بجهلها
الحكم ، فالنكاح صحيح لموضع الجهل وحصول الشبهة.
والمشهور في كلام الأصحاب من غير نقل خلاف أن الولد حر ،
لأنه لاحق بها فيتبعها في الحرية ، لما تقدم في المسألة الثانية من الأخبار الدالة
على
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 479 ح 7 ، التهذيب ج 7 ص 352 ح 66 ، الفقيه ج
3 ص 285 ح 2 ، الوسائل ج 14 ص 524 ح 3 و 4.
تبعيته لأشرف أبويه ، ولا قيمة عليها
هنا لمولى الزوج ، لأنه نماؤها حقيقة ، وإنما حكم بالقيمة حيث ينسب إليها وهي أمة.
أقول : والأظهر أن الفرق بين الموضعين إنما هو لوجود
النص ثمة ، وعدم وجوده فيما نحن فيه ، ثم إن ما صرحوا به هنا من حرية الولد في
صورة الجهل بناء على التعليل المذكور لا يخلو من إشكال ، وإن كان ظاهرهم الاتفاق
عليه ، لما رواه الشيخ (1) بسند معتبر عن
العلاء بن رزين عن أبي عبد الله عليهالسلام «قال في رجل
دبر غلاما فأبق الغلام فمضى إلى قوم فتزوج منهم ، ولم يعلمهم أنه عبد ، فولد له
أولاد ، وكسب مالا ومات مولاه الذي دبره ، فجاء ورثة الميت الذي دبر العبد فطالبوا
العبد ، فما ترى؟ فقال : العبد وولده لورثة الميت ، قلت : أليس قد دبر العبد؟ قال
: إنه لما أبق هدم تدبيره ، ورجع رقا». وهي كما ترى صريحة في خلاف ما ذكروه ، وهي
مستندهم في الحكم ببطلان التدبير بالإباق ، وظاهر الشيخين أيضا في المقنعة
والتهذيب القول بمضمونها.
قال في المقنعة : إذا تزوج العبد بغير إذن سيده فأولاده
رق للسيد ، وإن كانت المرأة حرة.
والشيخ بعد أن أورد العبارة المذكورة في التهذيب قال :
وأما الذي يدل على أن الأولاد يكون رقا لمولاه ما رواه البزوفري ، ثم ساق الرواية
المذكورة ، ولم أقف على من تصدى لنقلها في هذا المقام فضلا عن الجواب عنها ،
والمسألة لذلك محل إشكال ، ولا يحضرني الآن وجه الجمع بين الأخبار إلا الوقوف على
موضع النص ، وتخصيص الأخبار الدالة على تبعيته للحر من الطرفين بهذا الخبر ، على
أنه قد عارضها أيضا أخبار عديدة تقدم ذكرها في المسألة الثانية.
الثاني : إنه على تقدير علمها بالتحريم وكونها بغيا فإن
مقتضى القواعد الشرعية وجوب الحد عليها ، إلا أنه لم يذكره أحد منهم في المقام ،
وربما
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 353 ح 68 ، الوسائل ج 16 ص 69 ح 2.
قيل بسقوطه عنها ، لأن العقد الواقع
عليها يعد شبهة بالنسبة إلى المرأة لضعف عقلها ، وهو غير جيد ، فإن مجرد العقد
عليها مع علمها بفساده وتحريم الوطي لا يعد شبهة قطعا ، والأقرب أن عدم ذكرهم للحد
هنا لا يقتضي حكمهم بالعدم ، لجواز أن يكونوا قد اعتمدوا على القواعد المقررة
الدالة على وجوب الحد على الزاني العالم بالتحريم وهو هنا كذلك.
الثالث : إنه على تقدير الجهل وصحة النكاح فإن المهر
يثبت في ذمة العبد لأن الوطي المحرم لا يكون إلا بمهر فيتبع به إذا أعتق ، وهل هو
المسمى أو مهر المثل يبتنى على الخلاف السابق؟ فلو أجاز المولى بعد ذلك فلا إشكال
في كونه المسمى ، ولو قلنا إن الإجازة كاشفة وحصلت بعد الوطي مع العلم بالتحريم
سقط الحد عنها ولحق الولد بها ، لتبين أنها كانت زوجة حال الوطي وإن لم يكن ذلك
معلوما لها ، إلا أنك قد عرفت فيما قدمناه أنه لم يثبت بذلك دليل على ما ذكروه من
هذه القاعدة ، وإن كانت متداولة في كلامهم.
وأما النفقة فهي تابعة للزوم العقد بالإجازة ، فإذا
انتفت الإجازة انتفت النفقة لعدم الزوجية التي هي مناطها هنا ، والله العالم.
المسألة الخامسة : قال الشيخ في
النهاية : إذا زوج الرجل جاريته عبده ، فعليه أن يعطيها شيئا من ماله مهرا لها ،
وكان الفراق بينهما بيده ، وليس للزوج طلاق على حال ، فمتى شاء المولى أن يفرق
بينهما أمره باعتزالها ، ويقول قد فرقت بينكما ، وتبعه ابن البراج وأبو الصلاح
وابن حمزة.
وبالغ المفيد في ذلك فقال : إذا زوج الرجل عبده أمته كان
المهر عليه في ماله دون العبد وينبغي أن يعطي عبده شيئا قل أو كثر ليكون مهرا لأمة
يتسلمه من العبد قبل العقد أو في حاله أو بعده ليحل له بذلك ، ومتى كان العقد من
السيد بين عبده وأمته كان الفراق بينهما بيده ، أي وقت شاء أمرها باعتزاله ، وأمره
باعتزالها ، ولم يكن لأحدهما خلافه فيما يأمره من ذلك فان خالفا سقط
خلافهما وكانت تفريقه بينهما كافيا في
التحريم ، ونائبا مناب لفظ الطلاق الموجب للافتراق.
وقال ابن إدريس : الذي يقوى في نفسي أنه إذ زوج الرجل
عبده أمته ، فإن السيد لا يجب عليه أن يعطيها شيئا ، وأن هذا الفعال من المولى
إباحة للعبد جاريته ، دون أن يكون عقد نكاح ، وإن سمي تزويجا وعقدا ، فعلى سبيل
الاستعارة والمجاز ، وكذا تفريق المولى بينهما ـ بأمر العبد باعتزالها وأمرها
باعتزاله ـ سمي طلاقا مجازا ، لأنه لو كان طلاقا حقيقيا لروعي فيه أحكام الطلاق
وألفاظه وشروطه ، ولا كان يقع إلا أن يتلفظ به الزوج ، لأن الرسول صلىاللهعليهوآله قال (1) «الطلاق بيد من
أخذ بالساق». وهذا قد وقع ممن لم يأخذ بالساق ، وهو المولى ، وهذا أول دليل وأصدق
قيل على أن هذا العقد والفعال من المولى إباحة للعبد وطئ جاريته ، لأنه لو كان عقد
نكاح لروعي فيه الإيجاب والقبول من موجب وقابل ، وكان يراعى ألفاظ ما ينعقد به
النكاح ، ولأن العقد حكم شرعي ، يحتاج إلى دليل شرعي ، انتهى.
وقال العلامة في المختلف ـ بعد نقل هذه الأقوال :
والتحقيق أن نقول : أما إعطاء الأمة فلا شك في استحبابه ، لأنها ملك له ، فلا
تستحق على مالكها شيئا ، وأما كون ذلك إباحة ففي مقام المنع ، بل هو نكاح صريح ،
لأن العبد والأمة كلاهما محل قابل له.
ويؤيده ما رواه الشيخ في التهذيب (2) في الصحيح عن
محمد بن مسلم عن الباقر عليهالسلام «في المملوك
يكون لمولاه أو لمولاته أمة ، فيريد أن يجمع بينهما ، أينكحه
__________________
(1) كنوز الحقائق المطبوع في هامش الجامع الصغير ج 2 ص 9 عن
الطبراني ، المستدرك ج 3 ص 8.
(2) الكافي ج 5 ص 480 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 346 ح 47 ، الوسائل
ج 14 ص 548 ح 3.
نكاحا؟ أو يجزيه أن يقول قد أنكحتك
فلانة ، ويعطي من قبله شيئا أو من قبل العبد؟ قال : نعم ولو مدا ، وقد رأيته يعطي
الدراهم».
وروى الصدوق في الفقيه (1) في الصحيح عن
العلاء عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «سألته
عن الرجل كيف ينكح عبده أمته؟ قال : يجزيه أن يقول : قد أنكحتك فلانه ، ويعطيها ما
شاء من قبله أو من قبل مولاه ، ولا بد من طعام أو درهم أو نحو ذلك ، ولا بأس بأن
يأذن له فيشتري من ماله إن كان له جارية أو جواري يطأهن».
وروى الشيخ في التهذيب (2) قريبا من ذلك
في الحسن عن الحلبي عن الصادق عليهالسلام.
لا يقال : النكاح يفتقر إلى القبول ، ولا يفتقر هذا إلى
القبول ، فلا يكون نكاحا ، لأنا نقول : القبول إنما يشترط في حق من يملكه ، والعبد
هنا لا يملك القبول ، لأن للمولى إجباره على النكاح ، فله هنا ولاية طرفي العقد.
ويدل على أنه ليس بإباحة ، ما رواه علي بن يقطين (3) عن أبي الحسين
عليهالسلام «أنه سئل عن
المملوك يحل له أن يطأ الأمة من غير تزويج إذا أحل له مولاه؟ قال : لا يحل له».
وأما تسمية هذا الفراق طلاقا ، فإنه على سبيل المجاز ،
لكن الإجماع منا على أن الفراق هنا بيد السيد.
ويؤيده ما رواه محمد بن مسلم (4) في الصحيح عن
الباقر عليهالسلام قال : «سألته
عن
__________________
(1) الفقيه ج 3 ص 284 ح 1 ، الوسائل ج 14 ص 548 ح 1.
(2) الكافي ج 5 ص 479 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 345 ح 46 ، الوسائل
ج 14 ص 548 ح 2.
(3) التهذيب ج 7 ص 243 ح 14 ، الوسائل ج 14 ص 536 ح 2.
(4) التهذيب ج 7 ص 346 ح 48 ، الوسائل ج 14 ص 550 ح 1.
قول الله عزوجل «وَالْمُحْصَناتُ
مِنَ النِّساءِ إِلّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ» (1) قال : هو أن يأمر الرجل عبده وتحته
أمته فيقول له اعتزل امرأتك ولا تقربها ، ثم يحبسها عنه حتى تحيض ثم يمسها». انتهى.
أقول : في عدة رواية محمد بن مسلم الاولى من الصحيح نظر
، فإن في طريقها عبد الله بن محمد ، وهو ابن أخو أحمد بن عيسى وليس بموثق.
ثم إنه لا يخفى أن الكلام هنا يقع في مواضع : الأول : ما
ذكر من الخلاف فيما تضمنته هذه الأخبار من دفع السيد شيئا لأمته ، متى زوجها عبده
، هل هو على وجه الوجوب أو الاستحباب؟ المشهور بين المتأخرين الثاني ، والظاهر أن
المشهور بين المتقدمين الأول ، وظاهر السيد السند في شرح النافع الميل إليه ، حيث
قال ـ بعد إيراد صحيحة العلاء عن محمد بن مسلم المتقدمة ، وحسنة الحلبي المشار
إليها في كلام العلامة ، وهي ما رواه (2) قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : الرجل كيف
ينكح عبده أمته؟ قال : يقول : قد أنكحتك فلانة ويعطيها ما شاء من قبله أو من قبل
مولاه ولو مدا من طعام أو درهما أو نحو ذلك» ـ : ومقتضى الروايتين وجوب الإعطاء
وإليه ذهب الشيخان وأبو الصلاح وابن حمزة وابن البراج وحملها المصنف وبعض من تأخر
عنه على الاستحباب ، وهو مشكل والوجوب أقرب ، انتهى.
وقال في المسالك : وذهب المصنف والأكثر إلى الاستحباب
بعدم صراحة الرواية في الوجوب ، ولما فيه من جبر قلبها مع أن المملوكة ملك للمولى
، فلا وجه لوجوب صرف شيء من ملكه إلى وجه آخر من ملكه ، وما يدفعه العبد هو من
مال المولى أيضا ، لأن ما بيده من كسب أو غيره هو للمولى ، انتهى.
أقول : كأنه أشار بعدم صراحة الرواية في الوجوب إلى كون
الأمر هنا بالجملة الخبرية.
__________________
(1) سورة النساء ـ آية 24.
(2) الكافي ج 5 ص 479 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 347 ح 46 وفيه
اختلاف يسير ، الوسائل ج 14 ص 548 ح 2.
وفيه أن الدليل على كون الأمر حقيقة في الوجوب من الأدلة
الأصولية ، والأخبار المعصومية التي ذكرناها في المقدمات في صدر كتاب الطهارة (1) لا اختصاص له
بصيغة افعل ، بل كلما دل على الطلب بصيغة الأمر أو الخبر ، وما ذكره ـ من التأييد
وفاقا لما تقدم في كلام العلامة أيضا من أن الأمة ملك للسيد فلا يستحق على مالكها
شيئا مردود ـ بأنه من الجائز حمل الأمر على التعبد الشرعي بذلك ، وإن كان الأمر
كما ذكروه.
وبالجملة فالأظهر الوقوف على ظواهر النصوص المذكورة ،
وعدم الالتفات إلى هذه التعليلات في مقابلتها ، على أنها قد قدمنا في كتاب المتاجر
(2) أن الظاهر من
الأخبار هو ملك العبد وإن كان مهجور التصرف إلا بإذن السيد ، فلا ورود لما أورده
حينئذ.
الثاني : إن صريح كلام الشيخين المتقدم ، وهو ظاهر من
تبعهما أن المدفوع مهر ، والأخبار المذكورة لا تنهض بالدلالة على ذلك بل ظاهرها
أنه عطية محضة.
وفي المسالك : واعلم أن الظاهر من حال هذا المدفوع أنه
ليس على جهة كونه مهرا بل مجرد الصلة والبر وجبر خاطر المملوكين.
الثالث : ظاهر كلام المتقدمين أيضا أن ذلك نكاح لا إباحة
كما ذكره ابن إدريس فإن قولهم إذا زوج الرجل عبده أمته صريح في إرادة النكاح ، وهو
ظاهر الأخبار المذكورة أيضا ، وليس فيها ما ربما ينافي ذلك ، إلا عدم ذكر القبول
من الزوج.
والجواب عنه بما ذكره العلامة جيد ، وربما قيل بتخصيص
الوجوب بكونه عقدا ليكون مهرا ، وهو ظاهر كلام المتقدمين المذكورين ، فإن كلامهم
ظاهر في الثلاثة أعني الوجوب ، وكونه عقدا ، وكون المدفوع مهرا ، ولا يبعد حمل
الأخبار عليه ، وإن كانت غير ظاهرة في كون المدفوع مهرا.
الرابع : إن ما استدل به العلامة على نفي كون المراد
بالنكاح هنا إباحة ،
__________________
(1) ج 1 ص 112.
(2) ج 19 ص 395.
من رواية على بن يقطين ربما أشعر بعدم
جواز نكاح التحليل مطلقا أو في هذه الصورة ، وليس الأمر كذلك.
والتحقيق أن الرواية المذكورة ـ لمصادمة الأخبار
المستفيضة الدالة على صحة نكاح التحليل لحر كان أو عبد لها ـ محمولة على التقية ،
لأن العامة لا يقولون بصحة نكاح التحليل كما ذكره بعض الأصحاب وسيأتي إن شاء الله
تحقيق الكلام في المسألة كما هو حقه في بحث التحليل ، ويكفي في رد ما ذهب إليه ابن
إدريس من دعوى كونه إباحة ، دلالة الروايات على كونه نكاحا وظهورها في ذلك ،
والمفهوم من رواية محمد بن مسلم التي عدها في المختلف صحيحة أن هذا النكاح ليس على
حد النكاح المشهور في غير هذه الصورة المفتقر إلى الإيجاب من الزوجة ، والقبول من
الزوج ، والشروط المقررة ثمة بل هو نوع خاص منه ، لأن قوله (1) «أينكحه نكاحا
أو يجزيه أن يقول أنكحتك فلانة ويعطى منه من ماله شيئا» الخبر ، ظاهر فيما قلناه
والظاهر أن مرجع السؤال إلى أنه هل يشترط فيه القبول من العبد بعد قول السيد ذلك
أم لا؟ فأجاب بأنه لا يشترط ذلك بل يكفي قول السيد ذلك.
الخامس : إن ما أطال به ابن إدريس من منع الطلاق هنا
وعدم كونه طلاقا حقيقة تطويل بغير طائل لأن أحدا من المتقدمين لم يدع ذلك ، بل
صريح كلام الشيخين المتقدم هو الحرمة بمجرد الأمر بالاعتزال والتفريق بينهما ،
ولعله أراد ـ بهذا التطويل في نفي كون ذلك طلاقا ـ هو الدلالة على كونه حينئذ
إباحة لا عقدا.
وفيه إنك قد عرفت أن المفهوم من الأخبار أنه وإن كان
عقدا إلا أنه لا كالعقود المشهورة المترتبة عليها تلك الأحكام المذكورة بل هو نوع
خاص منها وقوفا على ظواهر الأخبار الواردة في المقام.
__________________
(1) نقله ـ رحمهالله ـ بالمعنى.
إلحاق
قالوا : إذا تزوج عبد بأمة لغير مولاه ، فإن أذنا
الموليان فالولد لهما ، وكذا لو لم يأذنا ، ولو أذن أحدهما كان الولد لمن لم يأذن
، ولو زنا بأمة غير مولاه كان الولد لمولى الأمة.
قال في المسالك بعد نقل ذلك : هذا التفصيل ذكره الأصحاب
كذلك وظاهرهم الاتفاق عليه ، ويظهر من بعضهم أنه منصوص ولم نقف عليه.
أقول : قد تقدم شطر من الكلام في هذا المقام في صدر
المسألة الثانية ، وأشرنا ثمة إلى أنا لم نقف له على دليل سوى ما يدعونه من
الاتفاق ، مع أن أبا الصلاح جعل الولد لمولى الأمة خاصة كغيرها من الحيوانات ، إلا
أن يشترط مولى العبد ، فيكون له من حيث الشرط.
وبالجملة فإني لم أقف على نص يدل على الاشتراك سواء كان
مع الاذن منهما أو عدمه.
وأما لحوقه بمن لم يأذن إذا أذن أحدهما فعللوه بأن الإذن
لمملوكه في التزويج مطلقا مقدم على قران الولد منه ، لأنه قد يتزوج من ليس برق ،
فينعقد الولد حرا ، بخلاف من لم يأذن فيكون الولد له خاصة.
ولا يخفى ما فيه ، نعم يمكن أن يستأنس له بالأخبار
المتقدمة الدالة على أن الأمة إذا تزوجت بدون إذن السيد بدعوى الحرية ، فإن الولد
يكون رقا كرواية زرارة وموثقة سماعة المتقدمتين في المسألة الرابعة ، والتقريب
فيها أنه حيث كان الزوج حرا فهو بمنزلة المأذون له في النكاح في كون نكاحه صحيحا ،
والزوجة حيث أن تزويجها بدعوى الحرية وهي مملوكة واقعا فهو غير مأذون لها وقد ألحق
الشارع هنا الولد بالأم الغير المأذونة دون الأب الذي هو في معنى المأذون.
وأما في الزنا والحكم بالولد لمولى الجارية فيدل عليه
مضافا إلى الاتفاق
المدعى ما قدمناه في الصورة الاولى من
المسألة الثالثة من رواية جميل (1) عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليهالسلام «في رجل أقر
على نفسه أنه غصب جارية فولدت الجارية من الغاصب فقال : ترد الجارية والولد على
المغصوب» الخبر.
المسألة السادسة : لو تزوج أمة
بين شريكين ثم اشترى حصة أحدهما بطل العقد ، وحرم عليه وطؤها ، ولو أمضى الشريك
الآخر العقد بعد الابتياع لم يصح ، وقيل : يجوز له وطؤها بذلك ، وهو ضعيف.
ولو حللها له قيل : يحل وهو مروي ، وقيل : لا ، لأن سبب
الاستباحة لا يتبعض.
وكذا لو ملك نصفها وكان الباقي حرا لم يجز وطؤها بالملك
، ولا بالعقد الدائم ، فإن هاباها على الزمان قيل : يجوز أن يعقد عليها متعة في
الزمان المختص بها وهو مروي ، وفيه تردد لما ذكرنا من العلة كذا صرح به المحقق ـ رحمة
الله عليه ـ وتفصيل الكلام في بيان هذه الأحكام يقع في مواضع :
الأول : في الحكم ببطلان العقد في الصورة المذكورة بشراء
حصة أحد الشريكين ، وعلله في المسالك بأن ملك الجزء يبطل عقده لامتناع أن يعقد
الإنسان لنفسه على أمته عقدا ، وهو يستلزم بطلان الاستدامة ولا يمكن الحكم ببقاء
العقد في الجزء الآخر ، لأن العقد لا يتبعض ليبطل في بعضه ويصح في بعض آخر ، فتعين
بطلانه في الجميع.
قال : وأما تحريم وطئها فلاستلزامه التصرف في مال الغير
بغير إذنه الممتنع عقلا وشرعا.
أقول : والأظهر الاستدلال على ذلك بما رواه الصدوق ـ رحمة
الله عليه ـ (2)
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 556 ح 9 ، التهذيب ج 7 ص 482 ح 244 ، مع
اختلاف يسير الوسائل ج 14 ص 571 ب 61 ح 1 وفيه «عن على بن حديد» مع اختلاف يسير.
(2) التهذيب ج 8 ص 204 ح 24 ، الفقيه ج 3 ص 285 ح 1 ، الوسائل
ج 14 ص 553 ب 46 ح 1.
بطريقه عن زرعة عن سماعة قال : «سألته
عن رجلين بينهما أمة فزوجاها من رجل ثم إن الرجل اشترى بعض السهمين ، قال : حرمت
عليه باشترائه إياها وذلك أن بيعها طلاقها إلا أن يشتريها جميعا».
ورواه في الكافي (1) في الموثق عن سماعة أيضا مثله ، إلا
أن فيه «إلا أن يشتريها من جميعهم».
وإذا ثبت بطلان العقد بالخبر المذكور حرم وطؤها
لاستلزامه التصرف في مال الشريك بغير إذنه ، وحينئذ فلا طريق إلى حلها إلا بشراء
الجميع أو ببيع الجميع ، ثم تجديد النكاح بأحد الأسباب المبيحة له ، وأشار ـ بقوله
: ولو أمضى الشريك الآخر العقد ـ إلى الرد على الشيخ في النهاية حيث قال : إذا
تزوج رجل جارية بين شريكين فاشترى نصيب أحدهما حرمت عليه ، إلا أن يشتري النصف
الآخر ، أو يرضى مالك نصفها بالعقد ، فيكون ذلك عقدا مستأنفا ، وتبعه ابن البراج.
ورد بأنه إن كان عقد النكاح قد بطل بالشراء كما هو
الظاهر فكيف يصير صحيحا بمجرد الرضا ، وإن لم يبطل فلا وجه لاعتبار رضاه بعد العقد
، لأن العقد المذكور وقع أولا برضاه ولم يتجدد له ملك فلا يقف على إجازته.
أقول : وقد عرفت دلالة الخبر على البطلان فتعين الحكم به
، فتصحيحه بعد ذلك بمجرد الرضا غير معقول ، وتأول المحقق في نكت النهاية كلام
الشيخ هنا فحمله على أن المراد بقوله ـ أو يرضى مالك نصفها بالعقد ـ عقد البيع على
النصف الثاني ، قال : فكأنه يقول : إلا أن يشتري النصف الآخر من بايع النصف الأول
فضولا ، ويرضى مالك ذلك النصف بالعقد ، فتكون الإجازة كالعقد المستأنف ، ويكون
الألف في قوله «أو وقعت» سهوا من الناسخ أو يكون بمعنى الواو ، وعلى هذا فيكون
الطريق إلى حلها في كلام الشيخ أمرا واحدا ، وهو شراء النصف الآخر.
قال فخر المحققين بعد أن نقل هذا التأويل : وفيه تأسف
وبعد ، وقال في
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 484 ح 6 ، الوسائل ج 14 ص 553 ب 46 ح 2.
المسالك : وهذا التأويل وإن كان بعيدا
إلا أن بناء حكم الشيخ ـ رحمهالله ـ على ظاهره
أبعد.
أقول : إن الشيخ ليس بمعصوم من ذلك الاقدام ، فكم له من
هفوات الأقلام في الأحكام التي لا تقبل الإصلاح بين الأنام ، والظاهر أن ما هنا من
ذلك القبيل.
الثاني : ما ذكره بقوله «ولو حللها له» إلى آخره ،
وتوضيحه أن الأمة إذا كانت مشتركة بين شريكين ، فأحل أحد الشريكين للآخر وطئها ،
فهل تحل بذلك؟ الأكثر على العدم ، قالوا : لاستلزامه تبعيض سبب الإباحة ، بمعنى
حصول النكاح بالملك والتحليل معا ، مع أن الله عزوجل حصره في أمرين
، العقد والملك بقوله «إِلّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما
مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ» (1) والتفصيل قاطع
الشركة ، فلا يكون الملفق منهما سببا.
وذهب ابن إدريس إلى حلها بذلك ، لأن المراد بالملك الذي
هو أحد السببين المذكورين ما هو أعم من ملك الرقبة والمنفعة ، والسبب الموجب
للتحليل هنا هو الملك ، وإن كان مركبا من ملك الرقبة في بعضها وملك المنفعة في
البعض الآخر ، فيكون السبب في حل جميعها واحدا ، وهو الملك.
ويدل عليه أيضا ـ وإن كان ابن إدريس لا يستند إليه ـ ما
رواه الكليني والشيخ (2) في باب
السراري وملك الايمان في الصحيح عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن محمد بن قيس
قال : «سألت أبا جعفر عليهالسلام ـ ورواه
الصدوق في الصحيح أيضا عن الحسن بن محبوب عن ابن رئاب عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر
عليهالسلام قال : سألته ـ
عن جارية بين رجلين دبراها جميعا ثم أحل أحدهما فرجها لشريكه ، قال : هي له حلال ،
فأيهما مات قبل صاحبه فقد صار نصفها حرا من
__________________
(1) سورة المؤمنون ـ آية 6.
(2) الكافي ج 5 ص 482 ح 3 ، التهذيب ج 8 ص 203 ح 23 ، الفقيه ج
3 ص 290 ح 24 ، الوسائل ج 14 ص 545 ح 1.
قبل الذي مات ، ونصفها مدبرا ، قلت : أرأيت
إن أراد الثاني منهما أن يمسها ، إله ذلك؟ قال : لا ، إلا أن يثبت عتقها ويتزوجها
برضا منها متى ما أراد ، قلت له : أليس قد صار نصفها حرا ، وقد ملكت نصف رقبتها
والنصف الآخر الباقي منها؟ قال : بلى ، قلت : فإن هي جعلت مولاها في حل من فرجها؟
قال : لا يجوز لها ذلك ، قلت : لم لا يجوز لها ذلك وكيف أجزت للذي له نصفها حين
أحلها فرجها لشريكه فيها؟ قال : لأن الحرة لا تهب فرجها ولا تعيره ولا تحله ، ولكن
لها من نفسها يوم ، وللذي دبرها يوم ، فإن أحب أن يتزوجها متعة بشيء في ذلك اليوم
الذي تملك فيه نفسها فليتمتع منها بشيء قبل أو كثر».
وهذه الرواية قد رواها المشايخ الثلاثة بطرق صحيحة ، إلا
أن الشيخ في التهذيب (1) رواها في أول
كتاب النكاح بطريق فيه علي بن الحسن بن فضال عن محمد ابن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام ومن تأخر عنه
كالمحقق وغيره لم يقفوا إلا على هذا السند ، فردوا الرواية لذلك بالضعف. قال
المحقق في النافع : وبالتحليل رواية فيها ضعف ، وفي الشرائع نسبه إلى الرواية كما
قدمنا ذكره مؤذنا بضعفه.
وقال في المسالك بعد نقل قول ابن إدريس والاستدلال له
بنحو ما قدمنا ذكره : ويؤيده رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام «في جارية بين
رجلين دبراها جميعا ثم أحل أحدهما فرجها لصاحبه ، قال : هو له حلال». وهذه الرواية
تصلح شاهدا لغير ابن إدريس ، فإنه لا يستند إلى مثل هذه الأخبار مع صحتها ، فكيف
مع ضعفها ، وكلام ابن إدريس متوجه وإن كان المنع أولى ، انتهى.
والظاهر أنه لو وقف على هذه الأسانيد الصحيحة المتعددة
لهذه الرواية عن محمد بن قيس وعن محمد بن مسلم عنه عليهالسلام لما عدل عن
مذهب ابن إدريس ، وبالجملة فالظاهر هو ما ذهب إليه ابن إدريس لما عرفت.
الثالث : ما ذكره بقوله «وكذا لو ملك نصفها وكان الباقي
حرا» بمعنى أنه
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 245 ح 19 ، الوسائل ج 14 ص 545 ح 1.
لا يجوز له وطؤها أيضا لو ملك بعضها
وكان البعض الآخر حرا ، وعلل بأن الجزء الحر لا يستباح بملك البعض قطعا ، ولا
بالعقد الدائم اتفاقا لتبعيض السبب ، ولا بالمنقطع لذلك ، ولا بالتحليل ، لأن
المرأة ليس لها تحليل نفسها إجماعا وإنما يقع التحليل من المولى.
أقول : وقد صرحت بالحكم المذكور صحيحة محمد بن قيس
المتقدمة ، فإنه عليهالسلام قد صرح بأنه
متى مات أحد الشريكين الذي دبرها وصار نصفها حرا ، فإنه لا يجوز للآخر من الشريكين
وطؤها والحال هذه إلا أن يثبت عتقها بمعنى أن تعتق كملا ويتزوجه تزويجا جديدا برضا
منها واختيار ، وبالجملة فالظاهر أن الحكم مما لا خلاف فيه.
بقي الكلام في العقد عليها متعة في أيامها وهو المشار
إليه بقوله «فإن هاباها على الزمان» فإن الرواية المذكورة قد دلت على جواز ذلك ،
والأكثر على المنع ، لضعف الخبر عندهم كما عرفت ، ومع ذلك عللوا المنع بأنها
بالمهاباة لا تخرج عن كون المولى مالكا لذلك البعض ، وهو يمنع من العقد ، لاستحالة
العقد على ملكه ، وتعدد السبب ، وهو المشار إليه بقوله «لما ذكرنا من العلة» وعلل
أيضا بأن منافع البضع لا تدخل في المهاباة ، وإلا لحل لها المتعة في أيامها وهو
باطل اتفاقا ، والشيخ في النهاية أفتى بالجواز للرواية المذكورة ، وهو الظاهر ،
فإن الرواية المذكورة لنقل المشايخ الثلاثة لها بعدة أسانيد أكثرها صحيح ـ مع عدم
المعارض لها إلا هذه التعليلات العقلية التي عرفت ما فيها في غير مقام ـ لا يمكن
طرحها والاعراض عنها ، ومن الظاهر أيضا أن المتأخرين لو اطلعوا لها على سند صحيح
لما عدلوا عنها إلى هذه التعليلات ، وإلى ما ذكرنا من العمل بالرواية المذكورة
يميل كلام السيد السند ـ رحمة الله عليه ـ في شرح النافع لاطلاعه على تلك الأسانيد
الصحيحة ، والله العالم.
المطلب الثاني في الطواري(1) :
وهي ثلاثة : العتق والبيع والطلاق ، فتحقيق الكلام في
هذا المطلب يقع في مقامات ثلاثة :
الأول : في العتق : وفيه
مسائل :
الأولى : لا خلاف بين
الأصحاب في أن الأمة لو أعتقت وكانت تحت عبد فإنها تتخير في فسخ نكاحها ،
والروايات بذلك متظافرة مستفيضة ، إنما الخلاف فيما لو كانت تحت حر ، فهل يثبت لها
الخيار أيضا أم لا؟ فذهب الأكثر ومنهم الشيخ في النهاية والمحقق في النافع إلى
ثبوته أيضا ، وذهب الشيخ في المبسوط والخلاف والمحقق في الشرائع إلى العدم ،
والواجب أولا نقل ما وصل إلينا من روايات المسألة والكلام فيها بما وفق الله
سبحانه لفهمه منها.
فمن الأخبار المذكورة ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح أو
الحسن عن الحلبي (2) قال : «سألت
أبا عبد الله عليهالسلام عن أمة كانت
تحت عبد فأعتقت الأمة ، قال : أمرها بيدها إن شاءت تركت نفسها مع زوجها ، وإن شاءت
نزعت نفسها منه ، قال : وذكر أن بريرة كانت عند زوج لها ، وهي مملوكة ، فاشترتها
عائشة ، فأعتقتها ،
__________________
(1) أقول : الوجه في تسمية هذه الأمور طوارئ هو أنها تطرأ على
عقد الأمة فيتغير حكمه الأول إلى حكم آخر لم يكن قبل ذلك ، من التسلط على فسخ
العقد وتحريمها في بعض الموارد كما سيجيء ذكره ان شاء الله تعالى ، وبعضهم أطلق
عليها المبطلات للعقد ، وفيه أنها لا تبطل العقد مطلقا ، بل قد تبطل العقد ، وقد
يؤول إلى الإبطال فما ذكره الأكثر من المعنى الأول أظهر ، قيل : وانما خص الأمور
الثلاثة بالتسمية مع أن الطارئ على نكاح المماليك غير منحصر فيها لكثرة مباحث هذه
الثلاثة وتشتت أحكامها فتناسب تخصيصها بالذكر وذكر الباقي في ضمنها أو في محل آخر
مناسب ، انتهى.
(منه ـ قدسسره ـ).
(2) الكافي ج 5 ص 485 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 341 ح 27 ، الوسائل
ج 14 ص 559 ح 2.
فخيرها رسول الله صلىاللهعليهوآله» الحديث.
وما رواه في الكافي والتهذيب (1) عن سماعة في
الموثق قال : «ذكر أن بريرة مولاة عائشة كان لها زوج عبد ، فلما أعتقت قال لها
رسول الله صلىاللهعليهوآله : اختاري ، إن
شئت أقمت مع زوجك ، وإن شئت فلا».
وما رواه في التهذيب (2) عن عبد الله بن سنان في الموثق عن
أبي عبد الله عليهالسلام «أنه كان
لبريرة زوج عبد فلما أعتقت قال لها رسول الله صلىاللهعليهوآله : اختاري».
وعن محمد بن آدم (3) عن الرضا عليهالسلام «أنه قال : إذا
أعتقت الأمة ولها زوج خيرت إن كانت تحت عبد أو حر».
ورواه بسند آخر عن زيد الشحام (4) عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «إذا
أعتقت الأمة ولها زوج خيرت إن كانت تحت حر أو عبد».
وما رواه في الفقيه والتهذيب (5) عن محمد بن
مسلم في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن المملوكة
تكون تحت العبد ثم تعتق؟ فقال : تخير فإن شاءت أقامت على زوجها ، وإن شاءت فارقته».
وهذه الأخبار متفقة الدلالة على الحكم الأول مضافة إلى
الاتفاق عليه.
وأما بالنسبة إلى ما إذا كان الزوج حرا فالذي وقفت عليه
من الأخبار المتعلقة بذلك رواية محمد بن آدم ورواية زيد الشحام الدالتان على
تخيرها سواء
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 487 ح 5 ، التهذيب ج 7 ص 342 ح 28 ، الوسائل
ج 14. ص 560 ح 6.
(2) التهذيب ج 7 ص 341 ح 26 ، الوسائل ج 14 ص 561 ح 9.
(3) التهذيب ج 7 ص 342 ح 31 ، الوسائل ج 14 ص 561 ح 12.
(4) التهذيب ج 7 ص 342 ح 32 ، الوسائل ج 14 ص 561 ح 13.
(5) التهذيب ج 7 ص 343 ح 33 ، الفقيه ج 3 ص 352 ح 15 ، الوسائل
ج 14 ص 560 ح 7.
كان الزوج عبدا أو حرا كما هو المنقول
عن الأكثر.
ومنها ما رواه الشيخ عن أبي الصباح الكناني (1) عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «أيما
امرأة أعتقت فأمرها بيدها ، إن شاءت قامت معه ، وإن شاءت فارقته».
وهي دالة على ذلك أيضا بإطلاقها ، وهذه الرواية وصفها
جملة من الأصحاب ـ ومنهم شيخنا في المسالك ـ بالصحة مع أن في طريقها محمد بن
الفضيل ، وهو مشترك بين الثقة والضعيف كما لا يخفى على من راجع سندها.
وعن عبد الله بن بكير (2) في الموثق عن
بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليهالسلام في رجل حر نكح
أمة مملوكة ثم أعتقت قبل أن يطلقها : قال هي أملك ببضعها».
وهذه الرواية أيضا صريحة في القول المذكور ، ولم أقف
للقول الآخر على دليل ، إلا أصالة لزوم العقد ، وأن إبطاله يحتاج إلى دليل ، فإن
هذه الأخبار حيث كانت ضعيفة الاسناد فهي لا تنهض دليلا يخرج به عن مقتضى الأصل ،
وبذلك تمسك السيد السند في شرح النافع حيث قال ـ بعد إيراد الروايات الثلاث
المذكورة ـ : ويشكل بأن هذه الروايات كلها ضعيفة السند فلا تصلح لإثبات حكم مخالف
للأصل ، ثم نقل عن الشيخ في المبسوط والخلاف أنه ذهب إلى عدم ثبوت الخيار هنا ، ثم
قال : والمصير إليه متعين.
وشيخنا الشهيد الثاني في المسالك لما وصف رواية الكناني
بالصحة (3) تمسك بها في
الجواب ، وجعلها موجبة للخروج عن حكم الأصل ، وأيدها بالروايتين
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 341 ح 25 ، الوسائل ج 14 ص 561 ح 8.
(2) التهذيب ج 7 ص 342 ح 30 ، الوسائل ج 14 ص 561 ح 11.
(3) حيث انه بعد أن نقل عنهم الاستناد إلى أصالة لزوم العقد
وأن حدوث الخيار يحتاج الى دليل ، قال : وجوابه أن الدليل موجود وهو الرواية الصحيحة
السالفة الدالة بعمومها عليه ، وخصوص الروايتين شاهد صريح وان ضعف طريقها ، انتهى.
(منه ـ قدسسره ـ).
الأخيرتين وإن ضعف سندهما ، وهو ظاهر
في أنه مع ثبوت ضعف الرواية المذكورة كما أوضحناه فإنه لا يتمسك بها ويلتزم بالقول
الثاني.
وبالجملة فإن من يعمل بهذا الاصطلاح المحدث يتعين عليه
القول بما ذهب إليه الشيخ في المبسوط والخلاف ، ومن لم يلتفت إليه ولا يعمل عليه
فإنه يتحتم عليه القول بما هو المشهور ، وهو عندنا المؤيد المنصور.
تنبيهات :
الأول : ظاهر
الأصحاب الاتفاق على وجوب الفورية بهذا الخيار ، ولم أقف له على دليل إلا على وجوه
اعتبارية وكلمات عامية ، وأخبار المسألة المتقدمة عارية عنه ، والأصل عدمه ، إلا
إن الخروج عما ظاهرهم الاتفاق عليه مشكل إن تم الاتفاق.
قال السيد السند في شرح النافع : وقد قطع الأصحاب بأن
هذا الخيار على الفور ، ولا بأس به اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع الوفاق
والضرورة.
وكيف كان فالظاهر كما صرح به جملة منهم ـ رضياللهعنهم ـ أنه لو أخرت
الفسخ جهلا بالعتق أو جهلا بالخيار ، فإنه لا يسقط خيارها فتعذر في عدم الفورية
وهل تعذر مع الجهل بالفورية؟ احتمالان : العدم ، لاندفاع الضرر مع العلم بالخيار ،
ولإشعاره بالرضا حيث علمت بالخيار وأخرت والمعذورية لاحتمال كون التأخير لفائدة
التروي ونحوه ، حيث لا تعلم باشتراط الفورية ، والتأخير لا يكون دليلا على الرضا
إلا مع العلم باشتراط الفورية ، وإلا فلا (1).
الثاني : لا يخفى أن الحكم بالتخيير في الأخبار المتقدمة
معلق على عتق جميع الأمة ، وقضية ذلك أنه لو أعتق بعضها قليلا كان أو كثيرا فلا
خيار ، وقوفا فيما خالف الأصل على مورده ، وبذلك صرح أيضا جملة من الأصحاب من غير
نقل خلاف.
__________________
(1) أى : حيث لا يعلم باشتراط الفورية لا يكون التأخير دليلا
على الرضا ، وهو ظاهر. (منه ـ قدسسره ـ).
الثالث : لو كانت صغيرة أو مجنونة ثبت لها الخيار عند
الكمال ، قالوا : وليس للمولى هنا تولي الاختيار ، لأنه منوط بالشهوة والميل
القلبي ، فلا يعتد بوقوعه من غيرها ، وإذا أكملت كان الخيار لها على الفور بناء
على ما تقدم من وجوب الفورية ، وللزوج الوطي قبل الاختيار لبقاء الزوجية وعدم
انفساخها ما لم تفسخ وهكذا في وطئها وهي كاملة قبل اختيارها الفسخ ، فإنه يجوز له
الوطي حيث لا ينافي الفورية.
الرابع : لا فرق في ثبوت الخيار بين أن يحدث العتق قبل
الدخول أو بعده ، فلو كان قبله سقط المهر ، لأن الفسخ جاء من قبلها وهو موجب لسقوط
المهر كما تقدم ، وإن كان بعده فالمهر باق على حاله لاستقراره بالدخول ، وهو ظاهر
فيما لو كان العتق بعد الدخول ، فإن العتق الذي هو سبب الخيار إنما وقع بعد
استقرار المهر ، أما لو كان العتق قبل الدخول ثم حصل الدخول قبل الاختيار ـ لما
عرفت آنفا من عدم المنافاة ـ فهو مبني على أن الفسخ إنما يرفع النكاح من حينه ،
وإن كان سببه قد حصل قبل الدخول ، وحينئذ فقد استقر المهر ، وحيث يستقر باختيارها
الزوج أو بالدخول قبل الفسخ فهو للسيد ، لوجوبه بالعقد على الأصح ، وكونها حالة
العقد مملوكة ، هذا ملخص كلامهم.
الخامس : استثنى العلامة في القواعد من الحكم بتخيرها
على الإطلاق صورة واحدة ، وهي ما إذا كان لشخص جارية قيمتها مائة مثلا ، وهو يملك
مائة أخرى فزوجها بمائة ، ثم أعتقها في مرض الموت قبل الدخول ، وبعبارة أخرى إذا
كان قد زوجها بثلث ماله وقيمتها ثلث اخرى وترك مالا بقدر قيمتها ، ثم أعتقها في
مرضه ، أو أوصى بعتقها ووقع العتق قبل الدخول ، فإن تخيرها الفسخ يوجب سقوط المهر
كما تقدم ، فلا ينفذ العتق في جميعها ، لانحصار التركة حينئذ في الجارية ومقدار
قيمتها ، فيبطل العتق فيما زاد على الثلث فيبطل خيارها ، لاشتراطه بعتق جميعها كما
سلف ، فيؤدي ثبوته إلى عدم ثبوته ، وهو دور ، ولا فرق
في ذلك بين وقوع التزويج في مرضه
وعدمه ، لأن تزويجها لا يتضمن إتلافا ، بل اكتسابا للمهر ، نعم يشترط وقوع العتق
في المرض إذا جعلنا منجزات المريض من الثلث ، أو كونه بطريق الوصية كما مثلناه ،
ولو كان العتق في حال الصحة أو بعد الدخول ، فالتخيير بحاله ، كذا حققه شيخنا في
المسالك.
السادس : مورد النص التي تقدمت أن الخيار للأمة لو أعتقت
، حرا كان زوجها أو عبدا على الأشهر الأظهر ، أما لو كان الزوج عبدا وأعتق ، فإنه
لا خيار له لاختصاص النصوص بالأمة ، ولأن الله سبحانه قد جعل بيده الطلاق ، فله
التخلص منها بالطلاق بخلاف المرأة ، ونقل عن بعض العامة أنه أثبت له الخيار قياسا
على الزوجة ، ونقل ذلك عن ابن الجنيد من علمائنا على ما ذكره في المختلف حيث قال :
وقال ابن الجنيد : فإن أعتق العبد وبقيت الزوجة أمة كان له الخيار دونها وفيه ما
عرفت.
ونقل عن ابن حمزة أنه إن أعتق السيد عبده ولم يكرهه على
النكاح لم يكن له الخيار ، وإن أكرهه كان له ذلك.
وقال في المختلف ـ بعد رد كلام ابن الجنيد بأنه قياس ،
والقياس عندنا باطل ـ : أما لو أكرهه مولاه ، فإن الوجه ثبوت الخيار له كالحر
المكره ، وكما لا خيار له فلا خيار أيضا لمولاه لعدم المقتضي في حقه ، وكذا لا
خيار للزوجة حرة كانت أو أمة ، لأنها رضيت به عبدا فأولى بأن ترضى به حرا.
وقد ورد هذا التعليل في رواية على بن حنظلة (1) عن أبي عبد
الله عليهالسلام «في رجل زوج أم
ولد له من عبد ، فأعتق العبد بعد ما دخل بها ، هل يكون لها الخيار؟ قال : لا ، قد
تزوجته عبدا ورضيت به فهو حين صار حرا أحق أن
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 343 ح 36 ، الوسائل ج 14 ص 562 ب 54 ح 2.
ترضى به» (1).
السابع : إذا زوج عبده أمته ثم أعتق الأمة أو أعتقهما
معا ، وكذا لو كانا لمالكين فأعتقا دفعة واحدة ، فإن الخيار للزوجة كما تقدم.
أما ثبوت الخيار لها في صورة عتقها خاصة فيدل عليه ما
رواه الكليني والشيخ (2) في الصحيح عن
عبد الله بن سنان قال : «وسألته عن الرجل ينكح بعبده أمته ثم أعتقها ، تخير فيه أم
لا؟ قال : نعم تخير فيه إذا أعتقت».
وما رواه في التهذيب (3) عن عبد الله بن سليمان قال : «سألت
أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل نكح
أمته عبده وأعتقها ، هل تخير المرأة إذا أعتقت أو لا؟ قال : تخير».
وأما في صورة عتقهما معا دفعة واحدة الظاهر أن تخير
الأمة هنا مبني على ما تقدم من الخلاف فيما إذا كان الزوج حرا وذلك لأن عتقهما
دفعة اقتضى كون الحكم بخيارها حال حريته ، فلا يتم لها الخيار إلا على القول به.
والمحقق في الشرائع قد جمع بين اختصاص التخيير بما إذا
كان الزوج عبدا وبين ثبوت الخيار لها إذا أعتقا دفعة ، ومثله ما في التحرير وهو لا
يخلو عن غفلة
__________________
(1) أقول : ويعضده ما رواه في الكافي (ج 5 ص 487 ح 1 ، التهذيب
ج 8 ص 206 ح 32 ، الوسائل ج 14 ص 562 ب 54 ح 1) عن ابى بصير وهو ليث المرادي فيكون
الخبر صحيحا ـ عن أبي عبد الله ـ عليهالسلام «في العبد يتزوج الحرة ثم يعتق فيصيب
فاحشة ، قال : فقال : لا يرجم حتى يواقع الحرة بعد ما يعتق ، قلت : فللحرة عليه
الخيار إذا أعتق؟ قال : لا ، قد رضيت به وهو مملوك فهو على نكاحه الأول».
قوله
عليهالسلام «لا يرجم حتى يواقع الحرة بعد
ما يعتق» فيه دلالة على أنه لا يستحق الرجم الا أن يكون محصنا ، والإحصان لا يحصل
الا بعد مواقعة الحرة معتقا ، لأن الأمرين شرط في الإحصان الموجب للرجم كما قرر في
محله. (منه ـ رحمهالله ـ).
(2) الكافي ج 5 ص 486 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 343 ح 35 ، الوسائل
ج 14 ص 559 ح 1.
(3) التهذيب ج 7 ص 343 ح 34 ، الوسائل ج 14 ص 561 ح 10.
لما عرفت من أن التخيير لها في صورة
عتقهما معا دفعة واحدة إنما يتم على القول المشهور من عدم الفرق بين كون الزوج حرا
أو عبدا لا على القول الآخر الذي هو مذهبه في الشرائع كما تقدم.
والعلامة في القواعد قد تنبه لذلك ، فرتب الحكم بتخيرها
هنا على الخلاف المتقدم.
بقي هنا إشكال قل من تنبه له وهو أنه قد روى الكليني
والشيخ (1) في الصحيح عن
عبد الله بن سنان قال : «سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : إذا
أعتقت مملوكيك رجلا وامرأته فليس بينهما نكاح ، وقال : إذا أحبت أن يكون زوجها كان
ذلك بصداق». والمستفاد منه بطلان نكاح المملوكين بعتقهما معا ، والمعروف من كلام
الأصحاب من غير خلاف يعرف كما عرفت هو التخيير لا البطلان ، والله العالم.
المسألة الثانية : لا خلاف بين
أصحابنا في جواز تزويج الرجل أمته بأن يجعل عتقها صداقها ، واعترف غير واحد منهم
بأنه من الأصول المقررة إن تزويج الرجل أمته باطل إلا في هذه الصورة فإنه يجوز عند
علمائنا أجمع للنصوص المستفيضة ، بل ادعى بعضهم وصولها إلى حد التواتر.
وأورد المحقق في نكت النهاية على هذا الحكم ـ بسبب
مخالفته للأصول ـ سؤالات (2) ، ثم تكلف
الجواب عنها ، وقال في آخر كلامه : إنه بتقدير منا فإنها الأصل يجب المصير إليها
لتحقيق مشروعيتها بالنقل المستفيض.
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 486 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 343 ح 35 ، الوسائل
ج 14 ص 562 ح 1.
(2) أقول : ومجملها أنه كيف يجوز أن يزوج جاريته ، وهي مملوكة
البضع بغير التزويج ، وكيف يتصور الإيجاب والقبول وهي مملوكة ، ثم المهر يجب أن
يكون متحققا قبل العقد ، ومع تقديم التزويج الذي هو مذهب الأكثر لا يكون متحققا ثم
يلوح منه الدور ، فان العقد لا يتحقق الا بالمهر الذي هو العتق ، والعتق لا يتحقق
الا بعد العقد. الى آخر كلامه زيد في إكرامه. (منه ـ قدسسره).
وقريب منه كلام العلامة في المختلف حيث قال ـ بعد كلام
في المقام ـ : وبالجملة فلو كانت هذه المسألة منافية للأصول ، لكن بعد ورود النقل
فيه يجب المصير إليه متابعة للنقل ، وتصير أصلا بنفسها ، كما صارت الدية على
العاقلة أصلا ، انتهى.
أقول : وفيه تأييد أكيد وتشييد سديد لما قدمناه في غير
موضع من أن الواجب الوقوف على ما وردت به الأخبار عنهم عليهمالسلام وإن خالفت
مقتضى القواعد المقررة بينهم ، وتخصيص تلك القواعد بها.
قال شيخنا في المسالك : والأصل فيه أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم اصطفي صفية
بنت حي ابن أخطب من ولد هارون بن عمران عليهالسلام في فتح خيبر
وأعتقها ، وتزوجها ، وجعل عتقها مهرها بعد أن حاضت حيضة (1).
أقول : ولا بأس بنقل جملة من الأخبار الواردة بذلك ،
ومنها ما رواه في الكافي (2) عن عبيد بن
زرارة في الحسن «أنه سمع أبا عبد الله عليهالسلام يقول : إذا
قال الرجل لأمته : أعتقك وأتزوجك وأجعل مهرك عتقك ، فهو جائز».
وعن سماعة بن مهران (3) في الموثق قال : «سألته عن رجل له
زوجة وسرية يبدو له أن يعتق سريته ويتزوجها ، فقال : إن شاء اشترط عليها ، أن
عتقها صداقها فإن ذلك حلال ، أو يشترط عليها ، إن شاء قسم لها ، وإن شاء لم يقسم ،
وإن شاء فضل الحرة عليها ، فإن رضيت بذلك فلا بأس».
وعن الحلبي (4) في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته
عن
__________________
(1) البحار ج 21 ص 34 طبعة طهران الجديدة.
(2) الكافي ج 5 ص 476 ح 3 ، التهذيب ج 8 ص 201 ح 13 ، الوسائل
ج 14 ص 509 ح 1.
(3) الكافي ج 5 ص 476 ح 5 ، الوسائل ج 14 ص 509 ح 2.
(4) الكافي ج 5 ص 475 ح 1 ، الوسائل ج 14 ص 509 ح 3.
الرجل يعتق الأمة ويقول : مهرك عتقك؟
فقال : حسن».
وعن عبد الرحمن بن أبي عبد الله (1) قال : «سألت
أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل تكون
له الأمة فيريد أن يعتقها فيتزوجها ، أيجعل عتقها مهرها ، أو يعتقها ثم يصدقها؟
وهل عليها منه عدة؟ وكم تعتد إن أعتقها؟ وهل يجوز له نكاحها بغير مهر؟ وكم تعتد من
غيره؟ فقال : يجعل عتقها صداقها إن شاء ، وإن شاء أعتقها ثم أصدقها ، وإن كان
عتقها صداقها فإنها تعتد ولا يجوز نكاحها إذا أعتقها إلا بمهر ولا يطأ الرجل
المرأة إذا تزوجها حتى يجعل لها شيئا وإن كان درهما».
وعن عبيد بن زرارة (2) في الصحيح أو الحسن بثعلبة وهو ابن
ميمون «أنه سمع أبا عبد الله عليهالسلام يقول : إذا
قال الرجل لأمته : أعتقك وأتزوجك وأجعل مهرك عتقك ، فهو جائز».
وما رواه الشيخ (3) عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «أيما
رجل شاء أن يعتق جاريته ويتزوجها ويجعل عتقها صداقها فعل».
وعن عبيد بن زرارة (4) عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قلت :
رجل قال لجاريته : أعتقتك وجعلت عتقك مهرك؟ قال : فقال : جائز».
وما رواه الشيخ في الأمالي (5) بسنده فيه عن
صفية «قالت : أعتقني رسول الله صلىاللهعليهوآله وجعل عتقي
صداقي».
إلى غير ذلك من الأخبار الآتية ـ إن شاء الله تعالى ـ في
المقام.
وكيف كان فتحقيق البحث في هذه المسألة يستدعي بسط الكلام
في مواضع :
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 476 ح 2 ، الوسائل ج 14 ص 509 ب 11 ح 4.
(2) الكافي ج 5 ص 476 ح 3 ، الوسائل ج 14 ص 509 ب 11 ح 1.
(3) التهذيب ج 8 ص 201 ح 12 وفيه «صداقها عتقها» الوسائل ج 14
ص 510 ح 5.
(4) التهذيب ج 8 ص 201 ح 13 ، الوسائل ج 14 ص 510 ح 6.
(5) الأمالي ص 258 الوسائل ج 14 ص 510 ح 8.
الأول : اختلف
الأصحاب في الصيغة الموجبة لهذا الحكم من صحة التزويج وحصول العتق وكونه عوضا عن
المهر ، فلا يجب عليه مهر بعد ذلك ، فهل يشترط تقديم التزويج على العتق أو عكسه؟
أو يجوز الكل منهما؟ الأكثر منهم على الأول وذهب الشيخ في الخلاف وقبله الشيخ
المفيد ـ رحمهالله ـ إلى اشتراط
تقديم العتق ، اختاره العلامة في المختلف والإرشاد ، وإلى القول الثالث ذهب المحقق
في الشرائع وجملة من المتأخرين منهم السيد السند في شرح النافع ، وقبله جده في
المسالك ، والظاهر أنه المشهور بين المتأخرين.
واستدل على القول الأول بما رواه الصدوق في الفقيه (1) عن علي بن
جعفر في الصحيح عن أخيه موسى عليهالسلام قال : «سألته
عن رجل قال لأمته : أعتقتك وجعلت عتقك مهرك ، فقال : أعتقت وهي بالخيار ، إن شاءت
تزوجته ، وإن شاءت فلا ، فإن تزوجته فليعطها شيئا ، فإن قال : قد تزوجتك وجعلت
مهرك عتقك فإن النكاح واقع ولا يعطيها شيئا» (2).
روى هذه الرواية الشيخ في التهذيب مرسلة عن علي بن جعفر
، فلذا ردها في المسالك بالضعف بناء على رواية الشيخ لها ، ولم يطلع على رواية
الصدوق لها بالطريق الصحيح ، ومن العجب أيضا أنه في المسالك نقل عجز الرواية بهذه
الصورة «وإن قال : تزوجتك وجعلت مهرك عتقك فإن النكاح باطل لا يعطيها شيئا» فجعل
محل قوله «واقع» في الرواية لفظ «باطل» وقال بعد ذلك في دفع دلالة الرواية على
مطلوبهم : ويدل عليه تصريحه بالبطلان في رواية علي بن جعفر مع
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 201 ح 16 ، الفقيه ج 3 ص 261 ح 29 ، الوسائل
ج 14 ص 510 ح 1.
(2) أقول وبهذه الرواية أفتى الصدوق في المقنع فقال : وإذا قال
الرجل لأمته : أعتقتك وأجعل عتقك مهرك فقد عتقت ، وهي بالخيار ان شاءت تزوجته ،
وان شاءت لم تزوجه ، وان تزوجته فليعطها شيئا ، وان قال : قد تزوجتك وجعلت مهرك
عتقك ، فان النكاح واجب ولا يعطيها شيئا وقد عتقت ، انتهى. (منه ـ قدسسره ـ).
تقديم التزويج الذي هو مطلوبهم ، ولم
ينقلها ناقل غيره بهذه الكيفية ، لا في كتب الحديث ، ولا في كتب الاستدلال.
والتقريب في الاستدلال بالرواية المذكورة أنه عليهالسلام حكم بالعتق
دون التزويج في صورة تقديم العتق ، وحكم بالتزويج والعتق معا في صورة تقديم
التزويج.
ورد بأنه يجوز أن يكون حكمه عليهالسلام ببطلان النكاح
في الصورة الأولى إنما استند الى عدم ذكر التزويج في هذه الصيغة ، لا إلى تقديم
العتق على التزويج ، إذ لفظ التزويج غير مذكور في السؤال ، وغاية ما ذكر فيها
العتق والمهر فجاز أن يكون البطلان إنما نشأ من الإخلال بهذا اللفظ ، لا من تقديم
العتق عليه.
ونحو هذه الرواية رواية محمد بن آدم (1) عن الرضا عليهالسلام «في الرجل يقول
لجاريته : قد أعتقتك وجعلت صداقك ، عتقك ، قال : جاز العتق ، والأمر إليها ، إن
شاءت زوجته نفسها وإن شاءت لم تفعل ، فإن زوجته نفسها فأحب له أن يعطيها شيئا».
والتقريب التقريب المتقدم ، والجواب عن ذلك الجواب
المتقدم ، ويزيده أن القائل بالصحة على تقدير تقديم العتق يعتبر معه التصريح
بالتزويج ، وهو منتف في الروايتين المذكورتين.
أقول : ظاهر رواية عبيد بن زرارة المتقدم نقلها عن
التهذيب صحة النكاح وحصول العتق بقوله «أعتقتك وجعلت عتقك مهرك» فإن قوله عليهالسلام «جائز» إنما هو
بمعنى الصحيح لأنه لا وجه للحمل على العقد المتزلزل هنا ، بل هو إما صحيح أو باطل
، وهو بظاهره مخالف لما دل عليه صحيح علي بن جعفر ، ورواية محمد بن آدم من عدم صحة
النكاح ، وإنما الثابت العتق خاصة ، إلا أن يحمل الجواز في كلامه عليهالسلام على جواز
العتق خاصة كما هو مدلول الخبرين المذكورين ، ويحتمل أيضا أن لفظ «التزويج» سقط من
هذا الخبر بناء على رواية صاحب الكافي له بزيادة
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 201 ح 15 ، الوسائل ج 14 ص 511 ح 2.
لفظ «التزويج» كما سلف.
وبالجملة فإنه لا بد من ارتكاب التأويل فيه بما يخرجه عن
المخالفة للخبرين المذكورين ، وفي المسالك أورد هذا الخبر دليلا للقول بما ذهب
إليه الشيخ في الخلاف من اشتراط تقديم العتق في صحة النكاح ، ثم أطال فيما أورد
على الاستدلال به والجواب عن ذلك ، والأظهر ما عرفت من أنه على ظاهره لا يخلو من
الاشكال ، فلا بد من ارتكاب التأويل فيه.
واحتج القائلون بالقول الثاني ـ كما أشار إليه المحقق في
الشرائع ـ بأن بضع الأمة مباح لمالكها بدون العقد ، فلا يستباح بالعقد ، فلا بد من
تقديم العتق ليقع العقد على الحرة.
ورد بأن الكلام إنما يتم بآخره ، ولو لا ذلك لم يصح جعل
العتق مهرا ، لأنه لو حكم بوقوعه بأول الصيغة امتنع اعتباره في التزويج المأتي به
بعد.
أقول : ومن ذلك ظهر وجه القول الثالث ، وهو الأظهر ،
ومرجعه إلى أنه لا فرق بين تقديم لفظ التزويج أو العتق ، لأن الكلام جملة واحدة
إنما يتم بآخره.
ومما يدل على الصحة مع تقديم لفظ التزويج صحيحة علي بن
جعفر المتقدمة.
ووما يدل على الصحة مع تقديم لفظ العتق صحيحة عبيد بن
زرارة المتقدم نقلها عن الكافي ، وفي معناها رواية محمد بن مسلم المتقدمة أيضا ،
وعلى هذا يحمل إجمال باقي روايات المسألة مما قدمناه وغيره ، فإن اشتمل الكلام على
العتق والتزويج حكم بهما من غير نظر إلى تقدم خصوص واحد منهما ، وإن اشتمل على
العتق خاصة فإنما يحكم به خاصة.
الثاني : لو قال : تزوجتك وجعلت مهرك عتقك ، فهل يكفي في
العتق عن الإتيان بلفظ أعتقتك؟ الأشهر الأظهر الأول ، وعليه يدل صحيحة علي بن جعفر
المتقدمة.
قال في المختلف : ألفاظ علمائنا وما ورد في الأخبار يدل
على الاكتفاء بقوله تزوجتك وجعلت مهرك عتقك ، وإن لم يقل أعتقتك أو أنت حرة ، بل
يقع العتق بقوله وجعلت عتقك مهرك ، كما لو أمهر امرأة ثوبا وقال لها : قد تزوجتك
وجعلت مهرك هذا الثوب ، فإذا قبلت ملكته بالقبول ، فكذا لو جعل العتق مهرا فإنها
تملك نفسها بالقبول ، ولا حاجة إلى النطق بالعتق وغير ذلك ، انتهى وهو جيد.
ونقل عن ظاهر المفيد وأبي الصلاح أنهما اعتبرا لفظ
أعتقتك ، لأن العتق لا يقع إلا بالصيغة الصريحة ، وهو التحرير أو الإعتاق ، فلا بد
من اللفظ بأحدهما.
ورد ـ بعد تسليم انحصار العتق في هاتين الصيغتين ـ بأن
هذا العقد قد ثبت بالنصوص الصحيحة الصريحة التي لا سبيل إلى ردها ، فلا يقدح فيه
مخالفته للأصول المقررة سيما مع ما عرفت آنفا من أن أصل هذه المسألة إنما بني على
خلاف الأصول المقررة والقواعد المعتبرة ، وظاهره في المختلف اختيار ما ذهب إليه
الشيخ المفيد وأبو الصلاح (1) بعد اعترافه
بأن الأول هو الوارد في الأخبار ، وتعليله ذلك زيادة على دلالة الأخبار بما قدمنا
نقله عنه ، وهو لا يخلو من تعجب.
الثالث : الظاهر كما استظهره العلامة في المختلف وجمع من
المتأخرين أنه لا حاجة إلى القبول هنا من المرأة ، وذلك لأن مستند شرعية هذا العقد
هو النصوص المستفيضة ، وهي خالية من اعتبار ذلك إذ ليس في شيء منها ما يدل على
ذلك ، ولأنها حال الصيغة مملوكة ، فلا اعتبار برضاها ، ولأن رضاها لو كان معتبرا
لبطل ما وقع من المولى ، لأنه قائم مقام القبول ، حيث إنه وظيفته ، ووظيفة الإيجاب
من جهتها ، ولأنه لا بد من كمال المتعاقدين حال الإيجاب والقبول ، وهو منتف هنا ،
واحتمل جملة من الأصحاب اشتراط القبول كغيره من العقود
__________________
(1) فإنه بعد أن نقل عن أبي الصلاح أن صيغته مع تكامل الشروط
أن يقول سيدها قد أعتقتك وتزوجتك وجعلت عتقك صداقك قال : وهو المعتمد وهو قول
شيخنا المفيد في مقنعته أيضا ، انتهى. (منه ـ قدسسره ـ).
الشرعية ، لأن العقد في عرف أهل الشرع
هو المركب من الإيجاب والقبول ، قالوا : ولا يقدح في ذلك كونها مملوكة ، لأنها
بمنزلة الحرة حيث تحرر بتمام العقد ، فرقيتها غير مستقرة ، ولو لا ذلك لامتنع
تزويجها ، والواقع منها منزل منزلة الإيجاب ، وإن كان بلفظ القبول لحصول ما يعتبر
في العقد في اللفظ الواقع من المولى فكان المعتبر من جانبها مجرد الرضاء به ، سواء
سميناه إيجابا أم قبولا.
أقول : العجب منهم ـ رضوان الله عليهم ـ أنهم يعترفون
بأن أصل هذه المسألة إنما بنيت على خلاف القواعد الشرعية المقررة عندهم لدلالة
النصوص المستفيضة على شرعية هذا العقد وصحته وإن كان على خلاف القواعد ، ويتكلفون
هنا لوجوب القبول بهذه التكلفات البعيدة مع خلو النصوص على كثرتها من ذلك حتى أنهم
قالوا : إنه يعتبر وقوعه بالعربية وعلى الفور على نهج سائر العقود اللازمة.
والذي اختاره في المسالك ومثله سبطه السيد السند في شرح
النافع هو الأول ولا ريب في ظهور قوته ، وضعف ما عارضه ، وهو يرجع إلى ما ورد في
جملة من الأخبار من الأمر بالسكوت عما سكت الله عنه وإبهام ما أبهمه الله ، والنهي
عن القول في الأحكام الشرعية بغير سماع منهم.
الرابع : اختلف الأصحاب فيما إذا طلقها قبل الدخول ،
فقال الشيخ في النهاية : وإن طلق التي جعل عتقها مهرها قبل الدخول بها ، رجع نصفها
رقا ، واستسعيت في ذلك النصف ، فإن لم تسع فيه كان له منها يوم ، ولها من نفسها
يوم في الخدمة ، وإن كان لها ولد له مال ألزم أن يؤدي عنها النصف الباقي وينعتق
حينئذ ، انتهى. وتبعه ابن حمزة في ذلك ، وبه قال العلامة في الإرشاد.
وقال الصدوق في المقنع : وإذا أعتقها وجعل عتقها صداقها
ثم طلقها قبل أن يدخل بها فقد مضى عتقها ، ويرتجع إليها سيدها بنصف قيمة ثمنها
تسعى فيه ، وبه قال ابن الجنيد وابن البراج وابن إدريس والعلامة في المختلف.
والأصل في هذا الخلاف اختلاف الأخبار في المسألة ، فمما
يدل على القول الأول ما رواه الشيخ (1) عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام «في الرجل يعتق
جاريته ، ويقول لها : عتقك مهرك ، ثم يطلقها قبل أن يدخل بها ، قال : يرجع نصفها
مملوكا ويستسعيها في النصف الآخر».
وعن يونس بن يعقوب (2) في الموثق عن أبي عبد الله عليهالسلام «في رجل أعتق
أمة له وجعل عتقها صداقها ، ثم طلقها قبل أن يدخل بها ، قال : يستسعيها في نصف
قيمتها ، فإن أبت كان لها يوم ، وله يوم في الخدمة ، فإن كان لها ولد وله مال أدى
عنها نصف قيمتها وعتقت».
ورواه الصدوق في الفقيه بإسناده عن الحسن بن محبوب عن
يونس بن يعقوب.
وعن عباد بن كثير البصري (3) قال : «قلت
لأبي عبد الله عليهالسلام : رجل أعتق أم
ولد له وجعل عتقها صداقها ، ثم طلقها قبل أن يدخل بها ، قال : يعرض عليها أن
تستسعي في نصف قيمتها ، فإن أبت هي فنصفها رق ونصفها حر».
وأما ما يدل على الثاني فهو ما رواه الشيخ (4) في الصحيح عن
عبد الله بن سنان قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل أعتق
مملوكة له وجعل عتقها صداقها ، ثم طلقها قبل أن يدخل بها ، قال : فقال : قد مضى
عتقها وترد على السيد نصف قيمة ثمنها تسعى فيه ولا عدة عليها».
وما رواه في الكافي (5) عن السكوني عن أبي عبد الله عليهالسلام «في الرجل يعتق
أمته
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 202 ح 18 ، الوسائل ج 14 ص 513 ح 3.
(2) التهذيب ج 8 ص 201 ح 17 ، الفقيه ج 3 ص 261 ح 28 ، الوسائل
ج 14 ص 513 ح 2.
(3) التهذيب ج 8 ص 202 ح 19 ، الوسائل ج 14 ص 513 ح 4.
(4) التهذيب ج 7 ص 482 ح 146 ، الفقيه ج 3 ص 261 ح 27 ،
الوسائل ج 14 ص 513 ح 1.
(5) الكافي ج 5 ص 108 ح 14 ، الوسائل ج 15 ص 64 ح 3.
فيجعل عتقها مهرها ، ثم يطلقها قبل أن
يدخل بها ، قال : ترد عليها نصف قيمتها تستسعي فيها».
والعلامة في المختلف قد احتج على ما اختاره ـ من مذهب
الصدوق ـ بأنها ملكت نفسها بالإصداق وعتقت فلا ترجع مملوكة بعد العتق ، قال :
وكلام الشيخ إنما يتم لو قلنا أن المرأة لا تملك جميع المهر بالعقد ، بل تملك
النصف به ، والنصف الآخر بالدخول ، ثم أجاب عن الأخبار الثلاثة المتقدمة بأنها
ضعيفة السند ، ثم قال : والوجه أن يقال كما قال الصدوق : تستسعي في نصف قيمتها ،
لأن نصفها يجري مجرى التالف من المهر المعين ، أو تنتظر إلى أن يوسع الله تعالى
عليها ويؤيد برواية عبد الله بن سنان ، ثم ساق الرواية كما قدمنا ، وعده الرواية
مؤيدا دون أن يعدها دليلا ، كأنه لعدم صحتها عنده مع أنها كما عرفت صحيحة السند ،
لأن الشيخ رواها عن الحسن بن محبوب عن عبد الله بن سنان ، وطريقه إلى الحسن بن
محبوب صحيح كما نبهوا عليه ، وأنت خبير بأن المسألة محل إشكال لتعارض هذه الأخبار
، وعدم ظهور وجه للجمع بينها ، وإن أمكن أن يقال بتخير المولى بين الأمرين لأنه
ملك نصفها بالطلاق ، كما لو أصدقها زوجته (1) ، وملكها أنفسها بالعتق كما يشير
إليه كلامه مع تسليمه فهو ملك متزلزل ، إنما يستقر بالدخول كما في غيره من المهور
، وقوله : إن الحر لا يعود رقا مسلم بالنسبة إلى من استقرت حريته لا مطلقا.
ولا يحضرني الآن كلام لأحد من أصحابنا في المقام غير ما
نقلته عن العلامة في المختلف.
__________________
(1) بمعنى أنه تزوج امرأة وأصدقها أمة ثم طلق تلك المرأة قبل
الدخول بها فيرجع عليها بنصف الأمة التي هي المهر ، ولا فرق بين المسألتين الا أن
الأمة جعلت مهرا لنفسها بالعتق فيما نحن فيه ، وجعلت مهرا لغيرها في المسألة
المفروضة ومرجع الأمرين إلى أمر واحد. (منه ـ قدسسره ـ).
ثم إن ما ذكره الشيخ فيما قدمنا نقله عنه ـ من أنه إن
كان لها ولد له مال ألزم أن يؤدي عنها النصف الباقي ـ قد اعترضه فيه جماعة منهم
ابن إدريس والعلامة في المختلف ، قالوا : لأصالة براءة ذمة الولد إلا أن يتبرع
الولد بأداء ذلك ، وبه صرح ابن الجنيد فقال : ولو طلقها قبل الدخول بها مضى عتقها
، واستسعت في نصف قيمتها ، وإن كان لها ولد فأدى نصف قيمتها عتقت ، انتهى.
والظاهر أن الشيخ قد استند فيما ذكروه إلى رواية يونس بن
يعقوب المتقدمة ، إلا أنها غير صريحة في إلزام الولد بذلك ووجوبه عليه ، والله
العالم.
المسألة الثالثة : اختلف
الأصحاب فيما إذا اشترى أمة نسية ، فأعتقها وتزوجها وجعل عتقها مهرها فحملت منه ،
ثم مات المولى ولم يترك ما يقوم بثمنها فقيل : بأن العتق صحيح ولا سبيل عليها ولا
على ولدها ، بل يكونان حرين ، وهو اختيار ابن إدريس والعلامة وولده وأكثر
المتأخرين ، وقيل ، ببطلان العتق وعودها رقا ، وأن ولدها رق ، وهو قول الشيخ في النهاية
وابن الجنيد وابن البراج.
والأصل في هذه المسألة ما رواه الكليني في الكافي (1) في الصحيح
والحسن معا عن هشام بن سالم قال : «سئل أبو عبد الله عليهالسلام وأنا حاضر عن
رجل باع من رجل جارية بكذا إلى سنة فلما قبضها المشتري أعتقها من الغد ، وتزوجها
وجعل مهرها عتقها ، ثم مات بعد ذلك بشهر فقال ، أبو عبد الله عليهالسلام : إن كان للذي
اشتراها إلى سنة مال أو عقدة تحيط بقضاء ما عليه من الدين في رقبتها ، فإن عتقه
ونكاحه جائزان ، قال : وإن لم يكن للذي اشتراها فأعتقها وتزوجها مال ولا عقدة يوم
مات تحيط بقضاء ما عليه من الدين برقبتها ، فإن عتقه ونكاحه باطلان لأنه أعتق ما
لا يملك ، وأرى أنها رق لمولاها الأول ، قيل له : فإن كانت علقت ـ أعني من المعتق
لها المتزوج بها ـ ما حال الذي في بطنها؟ فقال : الذي في بطنها مع أمه كهيئتها».
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 193 ح 1 ، الوسائل ج 14 ص 582 ب 71 ح 1.
ورواه الشيخ في التهذيب (1) عن الحسن بن
محبوب عن هشام بن سالم عن أبي بصير قال : «سئل أبو عبد الله عليهالسلام» الحديث ، واضطربت
آراء المتأخرين في هذه الرواية من حيث صحة سندها فلم يتجاسروا على ردها ، ومن حيث
مخالفتها لجملة من القواعد الشرعية والضوابط المرعية فلم يقدموا على القول بما دلت
عليه بظاهرها كما قدم عليه الشيخ ومن تبعه.
ونقل عن المحقق في نكت النهاية أنه قال : إن سلم هذا
النقل ، فلا كلام في جواز استثناء هذا الحكم من جميع الأصول المنافية لعلة لا
نعلمها ، لكن عندي أن هذا خبر واحد لا يعضده دليل ، فالرجوع إلى الأصل أولى ، وفي
الشرائع صرح بردها تبعا لابن إدريس لمخالفتها الأصول الشرعية ، لأن العتق والتزويج
صدرا من أهلها في محلها فوجب الحكم بصحتها وبحرية الولد لحرية أبويه ، وحملها
العلامة في المختلف على وقوع العتق والنكاح والشراء في مرض الموت ، بناء على مذهبه
من بطلان التصرف المنجز مع وجود الدين المستغرق ، وحينئذ فترجع رقا ويتبين بطلان
النكاح ، واعترضه تلميذه السيد السند عميد الدين بأن الرواية اقتضت عودها وولدها
رقا كهيئتها ، وتأويله لا يتم إلا في عودها إلى الرق لا في عود الولد ، لأن غايته
بطلان العتق في المرض فتبقى أمة ، فإذا وطأ الحر أمته لا ينقلب ولده رقا ، بل
غايته أن امه تباع في الدين (2).
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 202 ح 20 ، الوسائل ج 14 ص 582 ب 71 ح 1.
(2) أقول : ما نقلناه في الأصل من كلام السيد عميد الدين
المذكور انما نقلناه من كلام صاحب المسالك ، والذي وقفت عليه في شرح السيد المذكور
على القواعد هذه صورته : والمصنف في المختلف حمل هذه الرواية على وقوع ذلك في مرض
موته ، فان منجزات المريض تخرج عنده من ثلث تركته ما لم يكن عليه دين ، أما مع
وجود الدين فإنه يجب أن يبدأ بإخراج الديون ، فإذا كان مستغرقا بطل العتق ، وترجع
رقا الى مولاها.
وأقول
: هذا التأويل لا يتم أيضا لأن الرواية اقتضت عود ولدها رقا كهيئتها ، وهو
وأجاب ابنه فخر المحققين انتصارا لوالده عن ذلك بأنه ليس
في الرواية ما يدل على رقية الولد إذ ليس فيها إلا قوله كهيئتها ، وهو أعم من أن
يكون كهيئتها في حال الحكم بحريتها قبل ظهور عجزه عن الثمن ، فيكون حرا ، أو بعده
فيكون رقا ، ولا دلالة للعام على الخاص بإحدى الدلالات.
ورده شيخنا الشهيد في شرح الإرشاد بأن هذا الكلام على
النص فإن المفهوم من قوله كهيئتها ليس إلا أن حكمه حكمها في حال السؤال ، وقد حكم
قبل ذلك بأنها رق فيكون الولد رقا ، فهو دال على رقيته بالمطابقة ، إذ هذا اللفظ
موضوع لهذا المعنى ، وتجويز مثل هذا التأويل يمنع التمسك بجميع النصوص ، وفي
التزامه ما لا يخفى. انتهى وهو جيد.
وبذلك يظهر أن حمل العلامة الرواية على ما ذكره مع
تسليمه فإنه لا يتم في الولد مع أنه قد نوقش في أصل الحمل المذكور بأنه يشكل في
الأم أيضا من جهة أخرى ، وهي أن الرواية دلت على عودها رقا للبائع ومقتضى الحمل
جواز بيعها في دينه ، لا عودها إلى ملكه.
ونقل عن العلامة في التحرير الحمل على أنه انكشف فساد
البيع ووطأ بعد علمه بذلك ومات ، فعلى هذا يكون زانيا فيرق ولده.
واختار هذا الحمل الشيخ أحمد بن فهد الأحسائي في شرحه
على الإرشاد ، قال : والمختار ما أوله المصنف في التحرير ، ثم ذكر العبارة
المذكورة ، وأورد عليه بأن الرواية قد تضمنت أنه إذا خلف ما يقوم بقضاء ما عليه
يكون العتق والنكاح صحيحين جائزين ، ومتى حمل على فساد البيع ـ كما ذكره ـ فإنه لا
معنى
__________________
مناف لمذهب المصنف فإنه على تقدير أن يكون عتقها في مرض موته
يكون العتق والنكاح باطلين ، وأن أولاده لا يجوز استرقاقهم ، غاية ما في الباب
أنها تباع في الدين ، انتهى ، والظاهر أن شيخنا في المسالك نقل العبارة بالمعنى
الواضح حيث ان كلامه غير خال من الإجمال فأوضحه ـ قدسسرهما بأوضح بيان. (منه ـ قدسسره).
للحكم بجوازهما سواء خلف شيئا أو لم
يخلف ، وهو ظاهر.
وحملها ثالث (1) على أنه فعل ذلك مضارة ، والعتق يشترط
فيه القربة ، ورد بأن بطلان العتق لا يقتضي عودها إلى مولاها الأول ولا رقية الولد
، مع أن البطلان قد علل في الرواية بأنه أعتق ما لا يملك ، وهو غير مناسب لهذا
الحمل.
وقال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك بعد ذكر التأويلات
المذكورة ما ملخصه : وأقول : أن الموجب لهذا الاعتناء والتكلف لهذه الرواية
المخالفة للأصول هو ما اعتقدوه من صحة سندها ، وقد صرح بصحتها جماعة من الأصحاب
المعتبرين كالعلامة وتلميذه الفخر والعميد والشهيد وغيرهم ، أو في صحتها عندي نظر
من وجهين ، ثم ذكر الوجه الأول بما ملخصه : إن أبا بصير الراوي مشترك بين ليث
المرادي ، ويحيى بن القاسم الأسدي ، والأول وان كان ثقة الا ان الثاني ضعيف مختلط
، ولا قرينة هنا على تعيين الثقة منهما ، ثم ذكر الوجه الثاني بما ملخصه :
إن الرواية المذكورة رواها الشيخ في مواضع عديدة ، وفي
بعضها هشام بن سالم عن أبي بصير ، وفي بعضها عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليهالسلام ، والكليني
رواها عن هشام عنه عليهالسلام بغير واسطة ،
قال : وحينئذ تكون الرواية مضطربة الاسناد ، والاضطراب في الإسناد يمنع الصحة كما
قرره في علم الدراية ، والغرض أن هذه الرواية ليست مقطوعة الصحة في سندها كما
ذكروه ، فلا يصعب إطراحها حيث يخالف الأمور القطعية التي شهد لها الأصول الشرعية ،
انتهى.
أقول : أما كلامه في الوجه الأول فجيد ، بناء على العمل
بهذا الاصطلاح المحدث.
وأما كلامه في الوجه الثاني ففيه أن عد ذلك من باب
الاضطراب الذي ترد به الرواية منع ظاهر ، كما تقدم الكلام فيه في غير موضع ، فإنه
من الجائز أن
__________________
(1) أقول : هذا الحمل الثالث نقله الشهيد في شرح الإرشاد عن
الشيخ قومان بن أحمد العاملي المناري ، وهذا الشيخ قد ذكرنا أحواله في اجازتنا
الكبيرة.
(منه ـ قدسسره ـ).
يروي الراوي تارة مشافهة وتارة بواسطة
، وأي مانع من ذلك.
وبالجملة فالطعن في الرواية بضعف السند ليس في محله ،
نعم الطعن فيها بمخالفة الأصول والقواعد المتفق عليها نصا وفتوى يمكن ، إلا أنه قد
تقدم له نظائر لا تكاد تحصى كثرة ، وما ذكره المحقق في نكت النهاية ـ من أنه متى
سلم هذا النقل فلا كلام في جواز استثناء هذا الحكم من جميع الأصول المنافية لعلة
لا نعلمها ـ جيد وإن كان قد رجع عنه ، وكيف كان فالمسألة غير خالية من من شوب
الاشكال لما عرفت ، والله العالم بحقيقة الحال.
المسألة الرابعة : لا إشكال في أن
أم الولد إنما تنعتق بعد وفاة المولى من نصيب ولدها ، لأن مجرد الاستيلاد لا يكون
سببا في العتق ، وإنما غايته التشبث بواسطته بالحرية ، ولا خلاف أيضا في أنه لو
مات ولدها وأبوه حي عادت إلى محض الرقية وجاز بيعها ، إنما الخلاف هنا في مواضع :
أحدها : ما نقله في المختلف عن ابن إدريس أنه نقل عن
المرتضى أنه لا يجوز بيعها ما دام الولد باقيا لا في الثمن ولا في غيره ، وهو ضعيف
مردود بالأخبار الصحيحة الصريحة في جواز البيع في بعض المواضع ، كما سيأتي بعض
منها إن شاء الله تعالى في المقام ، ويؤيده أنها لم تخرج بالاستيلاد عن الملك.
وثانيها : فيما لو عجز نصيب ابنها من التركة عن التخلف
منها ، بمعنى أنه إذا مات المولى والولد حي انعتقت بموت المولى لانتقالها أو بعضها
إلى ولدها ، فينعتق عليه ما يرثه منها ، لأن ملك الولد لأحد أبويه يوجب عتقه عليه
كما قدمنا تحقيقه ولو بقي منها شيء خارج عن ملكه سرى إليه العتق إن كان نصيبه من
التركة يفي به ، وإلا أعتق منها بقدره.
ولو عجز النصيب عن المتخلف ـ وهذا هو محل الكلام هنا ـ فهل
الحكم في ذلك أنها تسعى في المتخلف ، ولا يسري عليه ولو كان له مال من غير التركة
، ولا يلزمه السعي لو لم يكن له مال؟ أم يجب على الولد فكها من ماله؟ الأكثر على
الأول ، لأن السراية من شروطه الملك
الاختياري ، والإرث ليس منه ، وإنما قلنا بسرايته عليه في نصيبه من باقي التركة
لإطلاق النصوص بأنها تعتق من نصيبه من التركة ، وإلا فالأصل يقتضي أن لا تعتق عليه
سوى نصيبه منها.
وذهب ابن حمزة والشيخ في المبسوط إلى أنه يجب على الولد
فك باقيها ، أما ابن حمزة فإنه نقل عنه أنه أوجب على الولد السعي في فك باقيها ،
وأما الشيخ في المبسوط فإنه أوجب على الولد فكها من ماله ، ولم نقف لها على دليل ،
والأصل يقتضي العدم ، لأصالة البراءة من وجوب السعى وعدم المقتضي للسراية عليه حتى
يجب عليه فكها من بقية ماله لعدم الاختيار في ملكها.
وثالثها : في بيعها في حياة المولى في ثمن رقبتها ،
وتفصيل ذلك أنه لا خلاف في جواز بيعها مع وجود ولدها في ثمن رقبتها إذا مات مولاها
ولم يخلف سواها ، وإنما الخلاف فيما إذا كان كذلك مع حياة المولى ، بمعنى أنه هل
يجوز بيعها في ثمن رقبتها إذا كان مولاها حيا ، وليس له من المال ما يفي بثمنها؟
ذهب الأكثر إلى الجواز.
واستدل عليه في المسالك برواية عمر بن يزيد (1) عن أبي الحسن عليهالسلام قال : «سألته
عن أم الولد تباع في الدين؟ قال : نعم في ثمن رقبتها».
وروى عمر بن يزيد (2) في الصحيح قال : «قلت لأبي إبراهيم عليهالسلام : أسألك قال :
سل ، قلت : لم باع أمير المؤمنين عليهالسلام أمهات الأولاد؟
قال : في فكاك رقابهن قلت : وكيف ذلك؟ فقال : أيما رجل اشترى جارية فأولدها ثم لم
يؤد ثمنها ولم يدع من المال ما يؤدي عنه ، أخذ ولدها منها ، وبيعت فأدي ثمنها ،
قلت :
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 192 ح 2 ، التهذيب ج 8 ص 238 ح 92 ، الوسائل
ج 13 ص 51 ح 2.
(2) الكافي ج 6 ص 193 ح 5 ، التهذيب ج 8 ص 238 ح 95 ، الوسائل
ج 13 ص 51 ح 1.
فيبعن فيما سوى ذلك من أبواب الدين
ووجوهه؟ قال : لا».
وعندي في الاستدلال بالصحيحة المذكورة نظر ، فإن قوله عليهالسلام فيها «ولم يدع
من المال ما يؤدي عنه» ظاهر في أن ذلك في صورة موت المولى لا حياته كما ادعاه ،
نعم الرواية الأول مطلقة ، لكن يمكن حمل إطلاقها على ما دلت عليه الصحيحة المذكورة
من تخصيص ذلك بالموت ، وحينئذ فيشكل الاستدلال بهما على الحكم المذكور وإن كان هو
المشهور.
ومن ثم نقل عن ابن حمزة تخصيص الجواز بالموت والمنع مما
سواه (1) وظاهر السيد
السند في شرح النافع تقوية القول بالمنع أيضا حيث قال : والقول بالمنع نادر لكنه
لا يخلو من قوة.
أقول : ويؤيده قوله عليهالسلام في آخر الخبر
بعد سؤال السائل «فيبعن فيما سوى ذلك من دين؟» والتقريب فيه أنه حيث كان مورد
الخبر كما ذكرناه إنما هو جواز البيع في فكاك رقابهن بعد موت المولى إذا لم يدع من
المال ما يؤدي عنه ، فإنه تدخل حينئذ هذه الصورة المفروضة ـ وهو البيع حال الحياة
ـ فيما سوى ذلك ، فلا يجوز البيع حينئذ.
فإذا دلت الرواية المذكورة مع صحة سندها عندهم الذي هو
المدار عليه في الاستدلال بينهم على تخصيص الجواز بهذه الصورة الخاصة ، وهي بعد
الوفاة بالقيود المتقدمة ، مع تصريحها بعدم الجواز فيما سوى ذلك ، فإنه يتحتم حمل
إطلاق رواية عمر بن يزيد المذكورة على هذه الصحيحة جمعا.
__________________
(1) ونقل عن ابن حمزة هنا أيضا التصريح بعود الولد رقا حيث قال
على ما نقله في المختلف : فان مات سيدها ولم يكن له مال سواها وكان ثمنها في ذمة
سيدها عادت بولدها رقا ، قال في المختلف بعد نقل ذلك عنه : وليس بجيد لانه ولد
حرا.
أقول
: لا ريب أن النص انما دل على جواز بيع الأم خاصة ولأجل ذلك حكمنا برقيتها ، وأما
الولد فلا دليل على رقيته بالكلية. (منه ـ قدسسره ـ).
ورابعها : إن المشهور أنه لا يجوز بيعها في مطلق الدين ،
بل ثمن رقبتها على ما عرفت من الخلاف في التخصيص بالموت أو العموم لحال الحياة ،
ونقل عن ابن حمزة جواز بيعها في دينه وإن لم يكن ثمنا لها مع موته واستغراق الدين
للتركة (1).
واختاره الشهيد في اللمعة ، ووجهه أن عتقها بعد موت
مولاها إنما هو من نصيب ولدها ، والحال أنه لا نصيب له على تقدير استغراق الدين
للتركة لقوله عزوجل «مِنْ
بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ» (2).
واحتج له أيضا برواية أبي بصير (3) عن أبي عبد
الله عليهالسلام حيث قال في
آخره «فإن مات وعليه دين قومت على ابنها ، فإن كان ابنها صغيرا انتظر به حتى يكبر
، ثم يجبر على قيمتها».
قال في المسالك بعد نقل ذلك : وجوابه أن الأقوى انتقال
التركة إلى الوارث مطلقا ، وإن منع من التصرف فيها على تقدير استغراق الدين فيعتق
نصيب الولد منها ، كما لو لم يكن دين ، ويلزمه إذا مقدار قيمة النصيب من ماله ،
والرواية قاصرة سندا ودلالة ، ومشتملة من الأحكام على ما لا يوافق الأصول فلا
اعتداد بها ، انتهى.
وظاهر العلامة في المختلف التوقف في هذه الصورة ، حيث
قال : المشهور أنه لا يجوز بيع أم الولد إلا في ثمن رقبتها إذا كان دينا على
مولاها ، وليس له سواها.
وقال ابن حمزة : وإن مات سيدها وعليه دين في غير ثمن
رقبتها قومت على ولدها ، فإذا بلغ ألزم أداؤها ، فإن لم يكن له مال استسعي فيه ،
فإن مات
__________________
(1) حيث قال في عد المواضع التي يباع فيها : وسابعها : إذا مات
مولاها ولم يخلف سواها وعليه دين مستغرق وان لم يكن ثمنا لها ، وعلله الشارح بما
يرجع الى ما ذكرناه في الأصل ، وقد عرفت ما فيه. (منه ـ قدسسره ـ).
(2) سورة النساء ـ آية 11.
(3) التهذيب ج 8 ص 239 ح 98 ، الوسائل ج 13 ص 52 ح 5.
قبل البلوغ بيعت في الدين.
احتج الأولون بما رواه عمر بن يزيد (1) عن الكاظم عليهالسلام ، ثم أورد
مضمون صحيحة عمر بن يزيد كما قدمنا ذكره ، ثم قال :
احتج ابن حمزة بما رواه أبو بصير (2) عن الصادق عليهالسلام قال : «سألته
عن رجل اشترى جارية فولدت منه ولدا فمات ، قال : إن شاء أن يبيعها باعها ، وإن مات
مولاها وعليه دين قامت على ابنها ، فإن كان ابنها صغيرا انتظر به حتى يكبر ثم يجبر
على قيمتها ، فإن مات ابنها قبل امه بيعت في ميراث الورثة إن شاء الورثة ، ولأنها
مملوكة (3) فيجب صرف
ثمنها في الدين كما لو كان الدين ثمنها ، ونحن في هذه المسألة من المتوقفين ،
انتهى.
أقول : لا يخفى أن النقل عن ابن حمزة في هذا الموضع
مختلف ، فإن مقتضى النقل الأول ـ وبه صرح في المسالك ـ إنما هو جواز بيعها في
الدين وإن لم يكن ذلك الدين ثمنها إذا كان مستغرقا كما يدل عليه دليله المتقدم ،
وعلى هذا فرواية أبي بصير المذكورة لا تعلق لها بذلك ، ولا دلالة فيها عليه بوجه ،
ولهذا ردها في المسالك بذلك.
ومقتضى ما نقله العلامة عنه في المختلف إنما هو تقويمها
على ولدها ، لا بيعها مطلقا كما هو النقل الأول ، وهذا هو مدلول رواية أبي بصير
المذكورة ، فالاستدلال بها عليه في محله ، إلا أنه لا يظهر لي هنا وجه وجيه في
مخالفته للقول المشهور كما يعطيه كلام العلامة في المختلف ، إذ مقتضى القول
المشهور إنما هو
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 193 ح 5 ، التهذيب ج 8 ص 238 ح 95 ، الوسائل
ج 13 ص 51 ح 1.
(2) التهذيب ج 8 ص 239 ح 98 ، الوسائل ج 13 ص 52 ح 4 و 5.
(3) قوله ولأنها مملوكة الى آخره من كلام العلامة لا من
الرواية كما ربما يسبق الى الوهم.
(منه ـ قدسسره ـ).
تحريم بيعها. إلا في ثمن رقبتها.
وغاية ما يدل عليه هذا القول بناء على هذا النقل ، وكذا
روايته هو أنها تنتقل إلى ولدها ويكون ضامنا لقيمتها ، يجب عليه بعد البلوغ أداؤها
، وليس فيها ما يدل على بيعها في غير ثمن رقبتها ، ليكون مخالفا ، بل ما دلت عليه
الرواية هو الأوفق بالقواعد الشرعية ، لأن المفروض أن مولاها مديون ولا مال سواها
، ولا وارث سوى ابنها ، وقد تقرر أن التركة تنتقل إلى الوارث مع اختياره ضمان
الدين ، فالولد هنا قد ورثتها بموت أبيه ، فوجب انعتاقها عليه ووجب عليه أداء
قيمتها في الدين ، غاية الأمر أنه من حيث كونه صغيرا ينتظر بإخراج الدين من قيمتها
إلى بلوغه ، وأي منافاة على هذا التقدير ، بين هذا القول وبين القول المشهور ، نعم
في قوله في آخر الرواية «فإن مات ابنها قبل امه بيعت في ميراث الورثة إن شاء
الورثة». إشكال ، إلا أنه خارج عن موضع الاستدلال.
وبالجملة فالرواية المذكورة لا تبلغ قوة المعارضة
للصحيحة المتقدمة لو ثبت التعارض ، فالعمل على الصحيحة المشار إليها لتأيدها زيادة
على ما هي عليه بعمل الأصحاب وفتواهم بها.
هذا ولك أن تقول : إن الدين المذكور في رواية أبي بصير
مطلق فيحمل على ثمن رقبتها ، ويكون الحكم فيه ما ذكر في الخبر ، وعلى هذا يكون
الجمع بينه وبين صحيحة عمر بن يزيد المتقدمة التخيير فيما إذا مات المولى مشغول
الذمة بقيمة الأمة ، ولم يخلف سواها بين بيعها ودفع ثمنها في الدين ، كما تدل عليه
الصحيحة المذكورة ، وبين التقويم على الولد كما دلت عليه رواية أبي بصير.
وبما ذكرناه في معنى رواية أبي بصير صرح الشيخ ـ رحمة
الله عليه ـ في النهاية حيث قال : فإن لم يخلف غيرها وكان ثمنها دينا على مولاها
قومت على ولدها ويترك إلى أن يبلغ ، فإذا بلغ اجبر على ثمنها ، وإن مات قبل البلوغ
بيعت في ثمنها وقضى به الدين ، انتهى.
أقول : وهذا هو ما دلت عليه رواية أبي بصير المذكورة ،
والشيخ فرضها في الدين الذي هو ثمن رقبتها ، حملا للرواية على ذلك ، وحينئذ فلا
إشكال في بيعها لو مات الولد قبل البلوغ ، لأنه يجوز بيعها في حياته كما دلت على
صحيحة عمر بن يزيد ، فكيف بعد موته.
وابن إدريس قد اعترض على الشيخ فقال : هذا غير واضح لأنا
نبيعها في ثمن رقبتها في حياة مولاها ، فكيف بعد موته ، ولأي شيء يجبر الولد بعد
بلوغه على ثمنها ، ولأي شيء يؤخر الدين ، إلا أن شيخنا رجع عن هذا في عدة مواضع ،
ولا شك أن هذا خبر واحد أورده هنا إيرادا لا اعتقادا ، انتهى.
وكلام ابن إدريس هو الموافق للمشهور من جواز بيع أم
الولد في ثمن رقبتها حيا كان المولى أم ميتا ، لما تقدم ، إلا أنك قد عرفت أن
الدليل لا تنهض بالعموم لحال الحياة.
وكيف كان فمقتضى عمل الشيخ بهذه الرواية هنا موافقة لما
تقدم نقله في المختلف عن ابن حمزة ، والوجه في الجمع بين الرواية المذكورة وصحيحة
عمر بن يزيد هو ما أشرنا إليه من التخيير ، والله العالم.
المقام الثاني في البيع ، وفيه مسائل :
الأولى : لا خلاف بين
الأصحاب في أنه إذا بيعت الأمة ذات البعل ، فإن بيعها طلاقها ، ويتخير المشتري في
الإجازة والفسخ ، والأصل في هذا الحكم الأخبار المستفيضة.
ومنها ما رواه في الكافي (1) في الصحيح إلى
الحسن بن زياد وهو مشترك بين الثقة وغيره قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل اشترى
جارية يطؤها ، فبلغه أن لها زوجا ، قال : يطؤها فإن بيعها طلاقها ، وذلك أنهما لا
يقدران على شيء من أمرها إذا بيعا».
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 483 ح 1 ، الوسائل ج 14 ص 553 ب 47 ح 2.
وعن عبد الرحمن بن أبي عبد الله (1) في الصحيح أو
الحسن قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الأمة تباع
ولها زوج؟ فقال : صفقتها طلاقها».
وعن بريد بن معاوية وبكير (2) في الصحيح أو
الحسن عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهماالسلام «قالا : من
اشترى مملوكة لها زوج فإن بيعها طلاقها ، فإن شاء المشتري فرق بينهما ، وإن شاء
تركهما على نكاحهما».
وما رواه في الكافي ومن لا يحضره الفقيه (3) عن محمد بن
مسلم في الصحيح عن أحدهما عليهماالسلام قال : «طلاق
الأمة بيعها ، أو بيع زوجها ، وقال في الرجل يزوج أمته رجلا حرا ثم يبيعها ، قال :
هو فراق ما بينهما ، إلا أن يشاء المشتري أن يدعهما».
وما رواه في الكافي (4) عن عبيد بن زرارة في الموثق قال : «قلت
: لأبي عبد الله عليهالسلام : إن الناس
يروون أن عليا عليهالسلام كتب إلى عامله
بالمدائن أن يشتري له جارية فاشتراها وبعث بها إليه ، وكتب إليه أن لها زوجا ،
فكتب إلى علي عليهالسلام أن يشتري
يضعها ، فاشتراه ، فقال : كذبوا على علي عليهالسلام ، أعلى عليهالسلام يقول هذا».
وما رواه في التهذيب (5) في الصحيح عن
محمد بن مسلم قال : «قال أبو عبد الله عليهالسلام طلاق الأمة
بيعها».
وما رواه في من لا يحضره الفقيه (6) عن محمد بن
الفضيل عن أبي الصباح الكناني
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 483 ح 2 ، الوسائل ج 14 ص 554 ب 47 ح 3.
(2) الكافي ج 5 ص 483 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 337 ح 12 ، الوسائل
ج 14 ص 554 ب 47 ح 4.
(3) الكافي ج 5 ص 483 ح 4 ، التهذيب ج 7 ص 337 ح 13 الوسائل ج
14 ص 553 ح 1.
(4) الكافي ج 5 ص 483 ح 5 ، الوسائل ج 14 ص 554 ب 47 ح 5.
(5) التهذيب ج 7 ص 340 ح 21 ، الوسائل ج 14 ص 575 ح 7.
(6) الفقيه ج 3 ص 351 ح 11 ، الوسائل ج 14 ص 555 ب 48 ح 1.
عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إذا
بيعت الأمة ولها زوج فالذي اشتراها بالخيار ، إن شاء فرق بينهما. وإن شاء تركها
معه ، فإن هو تركها معه فليس له أن يفرق بينهما بعد ما رضي ، قال : وإن بيع العبد
، فإن شاء مولاه الذي اشتراه أن يصنع مثل الذي صنع صاحب الجارية فذلك له ، وإن سلم
فليس له أن يفرق بينهما بعد ما سلم».
وأما ما رواه الشيخ في التهذيب (1) عن عبد الرحمن
بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليهالسلام «في الرجل
يبتاع الجارية ولها زوج؟ قال : لا تحل لأحد أن يمسها حتى يطلقها زوجها الحر». فحمله
الشيخ على ما إذا كان المشتري قد أقر الزوج على عقده ورضي به.
إذا عرفت ذلك فالكلام هنا يقع في مواضع :
الأول : قال في المسالك : والأصل في الحكم بعد النص أن
بقاء النكاح لازما على هذه الحالة مظنة لضرر المالك ، إذ قد لا يناسب بقاء النكاح
فجعل له طريق إلى التخلص بالفسخ.
وأنت خبير بما فيه كما لا يخفى على الموفق النبيه ، إذ
لا وجود لهذه العلة في الأخبار فيكون مستنبطة. وإطلاق الأخبار المذكورة وكذا إطلاق
كلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق بين كون البيع قبل الدخول أو بعده ، وكذا بين كون
الزوج حرا أو مملوكا ، بل في صحيحة محمد بن مسلم تصريح بثبوت الخيار مع كونه حرا ،
وقد قطع الأصحاب بأن هذا الخيار على الفور ، ويشير إليه قوله عليهالسلام في رواية أبي
الصباح الكناني : فإن هو تركها معه فليس له أن يفرق بينهما بعد التراضي ، فإنه
ظاهر في أنه بعد علمه وعدم فسخه بل سكوته مثلا فإنه رضا منه بذلك ، وليس له
التفريق بعد ذلك ، فعلى هذا لو أخر لا لعذر كالجهل بأصل الخيار سقط خياره ، وفي
كون الجهل بفوريته عذرا وجهان ، وتقدم الإشارة إليهما.
__________________
(1) التهذيب ج 8 ص 199 ح 7 ، الوسائل ج 14 ص 555 ح 7.
الثاني : لا خلاف في أن حكم العبد إذا بيع وتحته أمة ،
حكم الأمة إذا بيعت ولها زوج ، حرا كان أو عبدا ، وعلى ذلك دلت صحيحة محمد بن مسلم
ورواية أبي الصباح الكناني ، إلا أنها مطلقة بالنسبة إلى زوجة العبد بخلاف الأولى
، فإنها صريحة في كونها أمة.
وإنما الخلاف فيما لو كان العبد المبتاع تحته حرة ،
فالأكثر كما نقله في المسالك على ثبوت الخيار للمشتري أيضا ، فإن الحكم كما في
الأمة لتساويهما في المعنى المقتضي له ، وهو توقع الضرر ببقاء التزويج.
ولرواية محمد بن علي (1) عن أبي الحسن عليهالسلام قال : «إذا
تزوج المملوك حرة فللمولى أن يفرق بينهما فإن زوجه المولى حرة فله أن يفرق بينهما».
والتقريب فيها أنه ليس له التفريق بغير البيع إجماعا
فينحصر في البيع.
وردها المتأخرون بضعف السند والدلالة ، فلا يسوغ التعلق
بها في إثبات هذا الحكم ، ولهذا جزم ابن إدريس ـ وجمع ممن تأخر عنه ـ بعدم ثبوت
الخيار هنا تمسكا بلزوم العقد ، وعدم المخرج عنه لشذوذ الرواية ، والحمل على البيع
والأمة قياس باطل.
والعلامة في المختلف قد شنع على ابن إدريس في هذا المقام
، قال : ونسبة كلام الشيخ إلى القياس جهل منه وقلة تأمل وسوء نظر في الأدلة
واستخراجها ، لأنه لو فقدت النصوص لكان الحكم مساويا للأمة ، لأن الشارع لم يفرق
بينهما في مثل هذه الأحكام كما لم يفرق في التقويم وعدمه.
ورده جملة من المتأخرين ـ منهم الشهيد الثاني في المسالك
وسبطه في شرح النافع ـ بأن الحكم بالمساواة يحتاج إلى دليل من نص أو إجماع ، ومع
انتفائه يجب التمسك بمقتضى العقد اللازم ، وحكموا بأن الأصح ما اختاره ابن إدريس ،
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 339 ح 18 ، الوسائل ج 14 ص 574 ح 4.
وقال في المسالك : ونمنع من مساواة
الحرة والأمة في هذا المعنى ، لأن الحرة أشرف ، ولا يلزم مع ثبوت الحكم في الأدنى
ثبوته في الأعلى ، والرواية قد عرفت ضعفها ، وبعدها عن الدلالة ، انتهى.
أقول : لا يخفى ما في تعليله المذكور في المسالك من
الضعف والوهن ، وإنما الظاهر ما ذكرناه أولا ، إلا أنه يمكن أن يقال : إن إطلاق
رواية أبي الصباح الكناني شامل لما لو كانت الزوجة حرة أو أمة ، فإنه عليهالسلام حكم بأنه متى
بيع العبد فلمشتريه الخيار ، كما في مشتري الجارية ، ولم يفرق بين كون الزوجة حرة
أو أمة ، ولو كان الحكم كما يدعونه من تخصيص الخيار بما إذا كانت أمة لم يحسن هذا
الإطلاق ، إلا أن للمتأخرين الطعن بضعف سند الرواية ، ومن لا يرى العمل بهذا الاصطلاح
فإن له التمسك بالرواية المذكورة ، إذ لا طعن فيها من جهة الدلالة ، بل هي ظاهرة
الدلالة فيما قلناه ، وبه يطهر قوة القول المشهور ، والله العالم.
الثالث : المستفاد من كلام جملة من الأصحاب وهو صريح
كلام ابن إدريس هو تخصيص الخيار بالمشتري في بيع العبد أو الأمة ، بمعنى أنه لو
زوج السيد أمته عبد غيره فباع السيد أمته أو العبد سيده فإن الخيار مخصوص بالمشتري
في كل من الصورتين ، وذهب الشيخ في النهاية إلى ثبوته أيضا لمالك الآخر الذي لم
يبع ، قال الشيخ في النهاية : ومتى عقد الرجل لعبده على أمة غيره جاز العقد ، وكان
الطلاق بيد العبد ، وليس لمولاه أن يطلق ، فإن باعه كان ذلك فراقا بينه وبينهما
إلا أن يشاء المشتري إقراره على العقد ، ويرضى بذلك مولى الجارية فإن أبى واحد
منهما ذلك لم يثبت العقد على حال ، وكذلك لو باع مولى الجارية جاريته كان ذلك
فراقا بينهما إلا أن يشاء الذي اشتراها إقرارها على العقد ، ورضي بذلك مولى العبد
، وإن أبى واحد منهما كان العقد مفسوخا ، وتبعه ابن البراج في ذلك.
والشيخ المفيد لم يذكر سوى المشتري ولم يذكر حكم الآخر ،
وكذا
ابن حمزة ، وقال ابن إدريس : لا أرى
لرضاء الذي لم يبع وجها ، لأن الخيار في إقرار العبد وفسخه للمشتري في جميع أصول
هذا الباب ، وإنما جعل الشارع لمن لم يحضر العقد ولا كان مالكا لأحدهما وإنما
انتقل إليه الملك الخيار ، لأنه لم يرض بشيء من ذلك الفعال ، لا الإيجاب ولا
القبول ولا كان له حكم فيها ، والموجب والقابل أعنى السيدين المالكين الأولين رضيا
وأوجبا وقبلا ، فمن جعل الخيار لهما أو لأحدهما يحتاج إلى دليل ، لأنه حكم شرعي
يحتاج مثبتة إلى دليل ، وإنما أوجبنا الخيار للمشتري ، لأنه انتقل الملك إليه ،
وليس هو واحدا منهما.
وظاهر العلامة في المختلف الميل إلى ما ذهب اليه الشيخ
حيث نفى عنه البعد عن الصواب ، قال : لأن الذي لم يبع إنما رضي بالعقد مع المالك
الأول ، والأغراض تختلف باختلاف الملاك ، وأيضا البائع أوجد سبب الفسخ ، وهو
الخيار للمشتري ، فيكون للآخر ذلك أيضا ، لأنه مالك كالبائع مساو له في الحكم ،
فيثبت له ما يثبت له.
أقول : والظاهر هو ما ذهب إليه ابن إدريس ، لأنه هو
المستفاد من الأخبار المتقدمة ، وما ادعوه زيادة على ذلك لا دليل عليه ، وما ذكره
العلامة من الدليلين المذكورين.
أما (الأول) فإنه يصلح لأن يكون وجها للنص بعد وروده ،
لا دليلا مستقلا برأسه لما عرفت من أن الأحكام الشرعية إنما تبنى على الأدلة
المنصوصة الواضحة الجلية ، لا على هذه التعليلات العقلية.
وأما (الثاني) فإنه مع صحته لا يخرج عن القياس ، والله
العالم.
الرابع : قالوا : لو كان كل واحد من العبد والأمة
المزوجين لمالك واحد ، فباعهما لاثنين ، سواء باع أحدهما لواحد والآخر لآخر ، أم
باعهما معا لاثنين على وجه الاشتراك ، فإن الخيار في الفسخ للمشتري المتعدد كما
ثبت للواحد ،
ولو باع أحدهما خاصة كان الخيار في
فسخ العقد وإمضائه لكل من البائع والمشتري ، فظاهر مما تقدم ، وأما البائع فلا
طلاق النص السابق في كون البيع كالطلاق ، ومعناه ثبوت التسلط على فسخ العقد
المتناول لهما ولاشتراكهما في المعنى المقتضي لجواز الفسخ ، فإن المشتري كما يتضرر
ويتزوج مملوكه لغير مملوكته كذلك البائع ، وحينئذ فيتوقف عقدهما على رضا
المتبايعين معا ، كذا ذكره شيخنا في المسالك.
وأنت خبير بأن ما ذكره من الحكم الأول جيد لا إشكال فيه
، إذ الخيار الثابت للمشتري لا فرق فيه بين تعدد المشتري واتحاده ، لإطلاق النصوص.
وأما الثاني وهو ما ذكره بقوله : ولو باع أحدهما خاصة
إلى آخره ، ففيه أن إثبات الخيار فيه للبائع لا دليل عليه ، وما احتج به من إطلاق
النص في كون البيع كالطلاق بمعنى ثبوت التسلط على الفسخ المتناول لهما.
ففيه أن مقتضى قوله عليهالسلام في حسنة بكير
وبريد المتقدمة «فإن بيعها طلاقهما فإن شاء المشتري فرق بينهما ، وإن شاء تركهما
على نكاحهما». هو تخصيص الخيار بالمشتري ، والتشبيه بكونه طلاقا إنما هو باعتبار
ذلك خاصة ، ونحوها قوله عليهالسلام في صحيحة محمد
بن مسلم عن أحدهما عليهماالسلام «هو فراق فيما
بينهما إلا أن يشاء المشتري أن يدعها ،» وما احتج به من اشتراكهما في المعنى
المقتضي لجواز الفسخ». إلى آخره ، ففيه ما أشرنا إليه سابقا من أن هذه العلة
مستنبطة فلا تقوم حجة.
وبالجملة فإنه لا فرق في اختصاص الخيار بالمشتري بين كون
الزوجين لمالك واحد كما هو المفروض هنا ، أو لمالكين متعددين كما تقدم في سابق هذا
الموضع ، ويؤيد ذلك أيضا إطلاق رواية أبي الصباح الكناني المتقدمة عن أبي عبد الله
عليهالسلام ، قال : «إذا
بيعت الأمة ولها زوج فالذي اشتراها بالخيار». الخبر إلى آخره ، فإنه دال بإطلاقه
على تخصيص الخيار بالمشتري أعم من أن يكون الزوجان لمالك واحد أو لمالكين متعددين
في كل من بيع الأمة أو الزوج ، وهو ظاهر في الدلالة على المراد
أتم الظهور ، لا يعتريه شائبة الفتور
ولا القصور.
ثم إنه قال في المسالك ـ على أثر الكلام المتقدم ـ : فإن
اتفقا على إبقائه لزم ، وإن اتفقا على فسخه أو طلب أحدهما فسخه والآخر إمضاءه
انفسخ ، أما الأول فظاهر ، وأما الثاني فلأن رضاء أحدهما به يوجب تقرره من جانبه ،
ويبقى من جانب الآخر متزلزلا ، فإذا فسخه انفسخ كما لو لم يكن للآخر خيار ، ومثله
ما لو اشترك الخيار بين البائع والمشتري ، فاختار أحدهما الإمضاء والآخر الفسخ.
انتهى ، وهو بالنسبة إلى ما نحن فيه جيد متى ثبت عموم
الخيار للبائع والمشتري.
المسألة الثانية : إذا زوج
الرجل أمته من غيره بمهر مسمى فلا إشكال في أن المهر للمولى ، لأنه عوض البضع الذي
هو ملكه ، فإن باعها بعد الدخول بها فقد استقر المهر ، وثبت للمولى لما عرفت ، ولا
يسقط بالبيع الواقع بعده سواء أجاز المشتري أم لا ، وسواء قبض البائع شيئا من
المهر أم لا ، والوجه فيه أن الدخول موجب لاستقرار المهر في الحرة حتى لو طلق
الزوج ، والحال هذه لم يسقط من المهر شيء ، فالبيع أولى.
وبالجملة فإنه قد ثبت واستقر بالأدلة المتكاثرة ، وسقوطه
بالبيع يحتاج إلى دليل ، وليس فليس.
وإن كان البيع قبل الدخول فظاهرهم سقوط المهر وعدم
استحقاق المولى له ، وقد تقدم أن للمشتري الخيار ، فإن أجاز لزم المهر فكان له ، لأن
الإجازة كالعقد المستأنف ، وإن فسخ سقط المهر ، لأن الفرقة قبل الدخول إذا كانت من
قبل المرأة توجب سقوطه ، وهي هنا من المالك للبضع ، فيكون بمنزلة المرأة كما لو
كان من قبلها ، وهذا هو المشهور بين المتأخرين من ابن إدريس فمن دونه.
وقال ابن إدريس ـ رحمهالله ـ : إذا زوج
أمته من غيره وسمى لها مهرا معينا ثم باع المولى الجارية قبل الدخول بها لم يكن
لها المطالبة بشيء من المهر ، لأن الفسخ جاء من قبل مولى الجارية ، وكل فسخ جاء
من قبل النساء قبل
الدخول بهن فإنه يبطل مهورهن ، وكذلك
ليس لمن يشتريها أيضا المطالبة بالمهر إلا أن يرضى بالعقد ، فإن رضي المشتري
بالعقد كان رضاه كالعقد المستأنف وله حينئذ المطالبة بالمهر كملا ، فإن كان الزوج
قد دخل بها قبل أن يبيعها مولاها الأول فإن المهر للأول يستحقه جميعه ، لأن
بالدخول يستقر جميع المهر وله المطالبة به ، فإن رضي المولى الثاني الذي هو
المشتري بالعقد الأول لم يكن له مهر على الزوج وإن لم يرض بالعقد الأول انفسخ
النكاح ، وكان للمولى الأول المطالبة بكمال المهر إن لم يكن استوفاه ولا قبضه.
انتهى ، وعلى هذه المقالة جرى من تأخر عنه.
وقال الشيخ في النهاية : وإذا زوج الرجل أمته من غيره وسمى
لها مهرا معينا ، وقدم الرجل من المهر شيئا معينا ثم باع الرجل الجارية لم يكن له
المطالبة بباقي المهر ، ولا لمن يشتريها إلا أن ترضى ، وتبعه ابن البراج في هذه
المقالة.
أقول : والشيخ قد عول فيما ذكره هنا على ما رواه في
التهذيب (1) عن أبي بصير
عن أحدهما عليهماالسلام «في رجل زوج
مملوكة له من رجل حر على أربعمائة درهم ، فجعل له مائتي درهم وأخر عنه مائتي درهم
فدخل بها زوجها ، ثم إن سيدها باعها بعد من رجل ، لمن تكون المائتان المؤخرتان على
الزوج؟ قال : إن كان الزوج دخل بها وهي معه ولم يطالب السيد منه بقية المهر حتى
باعها فلا شيء عليه ولا لغيره ، وإذا باعها السيد فقد بانت من الزوج الحر إذا كان
يعرف هذا الأمر».
وهذه الرواية ردها المتأخرون بضعف الاسناد ، قال في
المسالك بعد نقل قول الشيخ المذكور : واستند في هذا التفصيل إلى رواية ضعيفة السند
لا تصلح لإثبات مثل هذا الحكم الذي لا يوافق الأصول. ونحوه كلام سبطه في شرح
النافع.
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 484 ح 153 ، الفقيه ج 3 ص 288 ح 14 ،
الوسائل ج 14 ص 590 ح 1.
ونقل عن الشيخ أنه أجاب عنها في كتابي الأخبار بحمل
الدخول على الخلوة دون الإيلاج ، قال : وقوله «إن لم يكن أوفاها بقية المهر» معناه
إن لم يكن فعل الدخول الذي باعتباره يجب أن يوفيها المهر ثم باعها لم يكن له شيء
ـ للفسخ بالبيع من قبله قبل الدخول ـ ولا لغيره إذا لم يجز العقد ، وبذلك أجاب في
المختلف أيضا ، وبعده أظهر من أن يخفى.
ومن أجل ذلك اعتمدوا على ما ذهب إليه ابن إدريس إلا أن
ظاهر شيخنا في المسالك الميل إلى أنه في صورة عدم الدخول وإجازة العقد يكون المهر
للأول لوجوبه وهي ملكه ، أو نصفه بناء على أن البيع بمنزلة الطلاق كما صرحت به
النصوص المتقدمة ، ولا ريب في تنصفه بالطلاق فينتصف هنا بالبيع أيضا.
وقواه سبطه في شرح النافع بالنسبة إلى المهر كملا ، قال
ـ قدسسره ـ : ويحتمل
قويا القول بكون المهر للأول مع إجازة الثاني العقد لدخوله في ملكه بالعقد ،
والإجازة تقرير للعقد الأول ، وليست عقدا مستأنفا ، ويؤيده اتفاق الأصحاب ظاهرا
على أن الأمة المزوجة إذا أعتقت قبل الدخول فأجازت العقد يكون المهر للسيد ،
والحكم في إجازة الأمة بعد العتق وإجازة المشتري واحد.
وربما فرق بينهما بأن البيع معاوضة تقتضي تمليك المنافع
تبعا للعين ، فتصير منافع البضع مملوكة للمشتري بخلاف العتق فإنه لا يقتضي تمليكا
، فإنما هو فك ملك ، ففي الأمة المعتقة يكون المنافع كالمستثناة للسيد وفي البيع
ينتقل إلى المشتري ، وفي الفرق نظر يعلم مما حررناه ، انتهى.
أقول ـ وبالله التوفيق ـ : لا يخفى أن الرواية المذكورة
قد رواها الشيخ بهذا النحو الذي قدمنا ذكره ، ورواها الصدوق وكذا الشيخ أيضا مرة
ثانية بنحو آخر يأتي ذكره إن شاء الله تعالى ، وهي بناء على ما قدمنا ذكره موافقة
لما صرح به ابن إدريس ومن تبعه من أنه مع الدخول قبل البيع فالمهر للمولى الأول
وتوهم المنافاة فيها من حيث حكمه عليهالسلام بعدم استحقاق
المولى الأول وغيره باقي
المهر إذا دخل بها ولم يطلبه السيد
بذلك مبني على مسألة أخرى : وهي أن الدخول هل يسقط الأجل أم لا؟ كما سيأتي إن شاء
الله تعالى في باب المهور.
ودلت جملة من الأخبار الصحيحة الصريحة في الزوجة الحرة
على مثل ما دلت عليه هذه الرواية ، ولكن المشهور بين الأصحاب الاعراض عن هذه
الروايات لمخالفتها لمقتضى الأصول الشرعية ، وحينئذ فلا طعن في هذه الرواية من هذه
الجهة ، فكل من عمل بتلك الروايات عمل بهذه الرواية أيضا ، وكل من أطرحها أطرح هذه
الرواية أيضا.
وروى هذه الرواية أيضا الصدوق في الفقيه (1) عن الحسن بن
محبوب عن سعدان بن مسلم عن أبي بصير عن أحدهما عليهماالسلام «في رجل زوج
مملوكة له من رجل حر على أربعمائة درهم فعجل له مائتي درهم ، ثم أخر عنه مائتي
درهم فدخل بها زوجها ، ثم أن سيدها باعها بعد من رجل ، لمن تكون المائتان المؤخرة
عليه؟ فقال : إن لم يكن أوفاها بقية المهر حتى باعها فلا شيء له عليه ولا لغيره ،
وإذا باعها السيد فقد بانت من الزوج الحر إذا كان يعرف هذا الأمر ، وقد تقدم من
ذلك على أن بيع الأمة طلاقها».
أقول : والتقريب في هذه الرواية كما في السابقة ، وإن
كان في السابقة أصرح من حيث التصريح بعدم الدخول في الجواب ، وقوله ولم يطلب السيد
منه بقية المهر حتى باعها.
وبالجملة فالرواية على كل من النقلين ظاهرة في ما ذكرناه
من التقريب المذكور ، وبذلك يظهر أنه لا موجب لردها بالضعف ، ولا ضرورة إلى ما
ارتكبه الشيخ ومثله العلامة في المختلف من ذلك التأويل البعيد.
بقي الكلام فيما مال إليه في المسالك من تقوية احتمال
المهر أو نصفه في صورة عدم الدخول.
__________________
(1) الفقيه ج 3 ص 288 ح 14 ، الوسائل ج 14 ص 590 ح 1.
أقول : هذا الاحتمال بالنسبة إلى النصف ضعيف إذ التشبيه
بالطلاق لا يقتضي أن يكون من كل وجه كما تقدم ذكره ، بل إنما أريد من حيث تسلط
المشتري على الفسخ كما تقدم ذكره ، وأما بالنسبة إلى المهر كملا فإشكال ، لعدم
النص ، إذ مورد الرواية المتقدمة إنما هو صورة الدخول ، وليس غيرها في الباب ،
والتعليلات الاعتبارية مع كونها لا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية متصادمة من
الطرفين ، ومتعارضة في البين ، وفي المسألة أقوال ضعيفة ليس في التعرض لها مزيد
فائدة والله العالم.
فائدة
قوله عليهالسلام في رواية
الفقيه «وإذا باعها السيد فقد بانت من الزوج الحر إذا كان يعرف هذا الأمر إلى آخره».
الظاهر من هذا الكلام أن البينونة بالبيع مخصوص بالشيعة الإمامية ، وحينئذ فهذا
الزوج متى كان منهم وهو عارف بمذهبهم فإنه قد قدم على ذلك ، أو أنه قد تقدم له
العلم بذلك ، وهو يدل بمفهومه على أنه لو لم يكن إماميا فلا يلزمه ذلك ولا تبين
بالبيع.
ونظير ذلك ما ورد في صحيحة محمد بن مسلم (1) عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «قلت له
: الرجل يزوج أمته من رجل حر ثم يريد أن ينزعها منه ويأخذ منه نصف الصداق فقال :
إن كان الذي زوجها منه يبصر ما أنتم عليه ويدين به فله أن ينزعها منه ويأخذ منه
نصف الصداق ، لأنه قد تقدم من ذلك على معرفة أن ذلك للمولى ، وإن كان الزوج لا
يعرف هذا ، وهو من جمهور الناس يعامله المولى على ما يعامله به مثله ، فقد تقدم
على معرفة ذلك منه».
ومورد هذا الخبر هو جواز تفريق السيد بين أمته وبين من
زوجه بها حرا كان أو عبدا لغيره ، والمشهور هنا أن الطلاق بيد العبد ، ولكن جملة
من الأخبار
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 169 ح 6 ، الوسائل ج 15 ص 343 ب 44 ح 3.
ومنها هذا الخبر دلت على أن الأمر بيد
السيد ، ويظهر من هذا الخبر حمل تلك الأخبار الدالة على أن الطلاق بيد العبد على
التقية كما سيجيء ذكره ان شاء الله تعالى.
وحاصل المعنى في الخبر المذكور أنه إن كان الذي زوجه
المولى إماميا عارفا بمذهب الإمامية في جواز نزع المولى أمته متى أراد ، فللمولى
نزعها منه وأخذ نصف الصداق ، لأنه إنما تزوجها قادما على ذلك ، وإن لم يكن إماميا
عامله بمقتضى مذهبه من عدم جواز النزع ، بل يكون الطلاق بيد العبد لا اختيار
للمولى فيه ، هذا حاصل المعنى فيه ، ومنه يفهم حمل تلك الأخبار الدالة على ما هو
المشهور من أن الطلاق بيد العبد على التقية إلا أنه لا قائل بذلك كما سيأتي تحقيق
المسألة في محلها إن شاء الله تعالى ، والله العالم.
المسألة الثالثة : قد تقدم في
الموضع الثاني من المسألة الأولى الكلام فيما لو زوج السيد عبده بحرة ثم باعه من
أنه هل للمشتري الخيار في الفسخ كما هو المشهور أم لا ، كما ذهب إليه ابن إدريس
وجميع من تأخر عنه ، وأوضحنا ما اقتضته الأدلة في المسألة.
بقي هنا خلاف آخر في المهر ، وتفصيل الكلام فيه أنه لا
إشكال في أن السيد إذا زوج عبده لزمه المهر ، إلا أنه متى باعه بعد الدخول فقد
استقر المهر ولزم السيد كملا ، وإن باعه قبل الدخول فالذي صرح به الشيخ وجماعة هو
تنصيف المهر ، لما تقرر في نظيره من أن الفرقة قبل الدخول توجب تنصيف المهر
كالطلاق.
ويؤيده تأكيدا هنا رواية علي بن أبي حمزة (1) عن أبي الحسن عليهالسلام «في رجل زوج
مملوكا له امرأة حرة على مائة درهم ثم إنه باعه قبل أن يدخل عليها ،
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 485 ح 158 ، الفقيه ج 3 ص 289 ح 19 ،
الوسائل ج 14 ص 585 ب 78 ح 1.
فقال : يعطيها سيده من ثمنه نصف ما
فرض لها ، إنما هو بمنزلة دين استدانه بأمر سيده» (1).
وأنكر ابن إدريس ذلك هنا كما أنكر ثبوت الخيار للمشتري
لما علم من ثبوت المهر بالعقد ، وتنصيفه بالطلاق قبل الدخول وقع على خلاف مقتضى
الأدلة ، فيقتصر فيه على مورده ، وإلحاق غيره به قياس ، والرواية المذكورة ضعيفة
السند بعلي بن أبي حمزة.
أقول : وملخص الكلام هنا يرجع إلى أنه من يعمل على هذا
الاصطلاح المحدث فلا شك في قوة قول ابن إدريس عنده ، ولهذا مال إليه جملة من
المتأخرين منهم صاحب المسالك وغيره ، ومن لا يرى العمل به فالدليل عنده موجود وهي
الرواية المذكورة ، وروايات أخر في موارد أخر أيضا.
منها ما تقدم في المورد الرابع في المهر من الفصل الثالث
في المتعة من موثقة سماعة (2) قال : «سألته
عن رجل تزوج جارية أو تمتع بها ثم جعلته في حل من صداقها ، أيجوز أن يدخل بها قبل
أن يعطيها شيئا ، قال : نعم إذا جعلته في حل فقد قبضته منه فإن خلاها قبل أن يدخل
بها ردت المرأة على الرجل نصف الصداق».
والتقريب فيها أنه لو لا أن الحكم تنصيف المهر هنا لكان
الواجب أن لا ترد إليه شيئا أو ترد الجميع كما لا يخفى ، وفي رواية علي بن أبي
حمزة المذكورة دلالة على أن المهر في الصورة المذكورة على السيد كما هو المشهور ،
لا أنه يتعلق بكسب العبد كما ذهب إليه الشيخ ، وقد تقدم الكلام في ذلك في التذنيب
الأول
__________________
(1) وقال في المسالك : وهذه الرواية ضعيفة بعلي بن أبي حمزة ،
وقول ابن إدريس وجيه في الموضعين ، والجماعة زعموا أن ضعف الرواية منجبر بالشهرة
فوافقوا الشيخ هنا وان خالفوه في غيرها لعدم النص ، ويظهر من المصنف التوقف في
المسألة وله وجه ، مراعاة لجانب الأصحاب ، انتهى. (منه ـ قدسسره ـ).
(2) التهذيب ج 7 ص 374 ح 76 ، الوسائل ج 15 ص 50 ب 41 ح 2.
من المسألة الاولى من المطلب الأول من
هذا الفصل ، والله العالم.
المقام الثالث في الطلاق : لا خلاف نصا
وفتوى فيما أعلم في أنه إذا زوج السيد عبده أمته ، فإن الطلاق بيد السيد ، وله أن
يأمر به وأن يفرق بينهما بغير لفظ الطلاق.
ومن الأخبار في ذلك ما رواه في الكافي (1) عن ليث
المرادي قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن العبد هل
يجوز طلاقه ، فقال : إن كانت أمتك فلا ، إن الله عزوجل يقول «عَبْداً
مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ» (2) وإن كانت أمة قوم آخرين أو حرة جاز
طلاقها».
وما رواه في الكافي والتهذيب (3) عن أبي الصباح
الكناني عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إذا
كان العبد وامرأته لرجل واحد ، فإن المولى يأخذها إذا شاء وإذا شاء ردها ، وقال :
لا يجوز طلاق العبد إذا كان هو وامرأته لرجل واحد إلا أن يكون العبد لرجل والمرأة
لرجل ، وتزوجها بإذن مولاها وإذن مولاها ، فإن طلق وهو بهذه المنزلة فإن طلاقه
جائز».
وما رواه الكافي (4) عن علي بن يقطين في الموثق عن العبد
الصالح عليهالسلام في حديث قال :
«وسألته عن رجل زوج غلامه جاريته ، فقال : الطلاق بيد المولى».
وما رواه في التهذيب (5) عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن عليهالسلام قال : طلاق
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 168 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 348 ح 54 ، الوسائل
ج 14 ص 577 ب 66 ح 4.
(2) سورة النحل ـ آية 75.
(3) الكافي ج 6 ص 168 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 338 ح 16 ، الوسائل
ج 14 ص 551 ب 45 ح 6.
(4) الكافي ج 6 ص 168 ح 5 ، الوسائل ج 15 ص 341 ب 43 ح 4.
(5) التهذيب ج 7 ص 338 ح 14 ، الوسائل ج 14 ص 551 ح 5.
العبد ـ إذا تزوج امرأة حرة ، أو تزوج
وليدة قوم آخرين ـ إلى العبد ، وإن تزوج وليدة مولاه كان هو الذي يفرق بينهما إن
شاء ، وإن شاء نزعها منه بغير طلاق».
وما رواه في الكافي (1) عن عبد الله بن سنان في الصحيح أو
الحسن عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سمعته
يقول : إذا زوج الرجل عبده أمته ثم اشتهاها ، قال له : اعتزلها فلما طمثت وطأها ،
ثم يردها عليه إذا شاء».
وما رواه في الكافي والتهذيب (2) في الصحيح عن
محمد بن مسلم قال : «سألت أبا جعفر عليهالسلام عن قول الله عزوجل «وَالْمُحْصَناتُ
مِنَ النِّساءِ إِلّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ» (3) قال هو أن يأمر الرجل عبده وتحته
أمته فيقول له : اعتزل امرأتك ولا تقربها ثم يحبسها عنه حتى تحيض ثم يمسها ، فإذا
حاضت بعد مسه إياها ردها عليه بغير نكاح».
وما رواه في الكافي (4) عن عمار الساباطي في الموثق عن أبي
عبد الله عليهالسلام قال : «سألته
عن الرجل يزوج جاريته من عبده فيريد أن يفرق بينهما ، فيفر العبد ، كيف يصنع؟ قال
: يقول لها : اعتزلي فقد فرقت بينكما ، فاعتدي فتعتد خمسة وأربعين يوما ثم يجامعها
مولاها إن شاء ، وإن لم يفر قال له مثل ذلك ، قلت : فإن كان المملوك لم يجامعها؟
قال : يقول لها : اعتزلي فقد فرقت بينكما ثم يجامعها مولاها من ساعته إن شاء ولا
عدة عليها».
وعن حفص بن البختري (5) في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إذا
كان للرجل أمة فزوجها مملوكه فرق بينهما إذا شاء ، وجمع بينهما إذا شاء».
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 481 ح 1 ، الوسائل ج 14 ص 550 ب 45 ح 2.
(2) الكافي ج 5 ص 481 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 346 ح 48 ، الوسائل
ج 14 ص 550 ب 45 ح 1.
(3) سورة النساء ـ آية 23.
(4) الكافي ج 5 ص 481 ح 3 ، الوسائل ج 14 ص 550 ح 3.
(5) الكافي ج 6 ص 169 ح 8 ، الوسائل ج 14 ص 551 ح 8.
وما رواه في التهذيب (1) عن محمد بن مسلم في الصحيح قال : «سألت
أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل ينكح
أمته من رجل أيفرق بينهما إذا شاء؟ فقال : إن كان مملوكه فليفرق بينهما إذا شاء ،
إن الله تعالى يقول «عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ» فليس للعبد شيء
من الأمر وإن كان زوجها حرا فإن طلاقها صفقتها».
قوله عليهالسلام «فإن طلاقها
صفقتها» أي الطلاق الذي بيد المولى في هذه الصورة إنما هو بيعها كما تقدم.
وأما ما رواه الشيخ (2) عن علي بن سليمان قال : «كتبت إليه :
جعلت فداك ، رجل له غلام وجارية ، زوج غلامه جاريته ، ثم وقع عليها سيدها ، هل يجب
في ذلك شيء؟ قال : لا ينبغي له أن يمسها حتى يطلقها الغلام».
فهو مع ضعف سنده شاذ لا يلتفت إليه بعد ما عرفت من هذه
الأخبار المستفيضة ، وقد حمله الشيخ على أن المعنى حتى تبين من الغلام وتعتد وتصير
في حكم المطلقة ، وذلك يكون بالتفريق الذي قدمناه ، انتهى.
وبالجملة فإن الحكم مما لا خلاف فيه كما عرفت ، إنما
الخلاف فيما لو لم تكن الزوجة أمة المولى بأن تكون حرة أو أمة لغيره ، والمشهور
بين الأصحاب أن الطلاق بيد العبد وليس للسيد إجباره على ذلك ، ولا نهيه عنه ، وذهب
جمع منهم ابن أبي عقيل وابن الجنيد إلى نفي ملكية العبد للطلاق إلا بإذن السيد.
والأصل في هذا الخلاف ما عليه الأخبار من الاختلاف ،
فمما يدل على القول المشهور ما تقدم من رواية ليث المرادي ورواية أبي الصباح
ورواية محمد بن الفضيل ، إلا أن الأخيرة أظهر دلالة ، حيث دلت على أن أمر الطلاق
إلى العبد ، بخلاف الأولتين ، فإن غاية ما دلتا عليه أن طلاق العبد جائز ، وهو لا
ينفي طلاق السيد إلا أن يقال : إنه لا قائل بالتشريك بينهما في الطلاق ، فحيث دلتا
على جواز
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 340 ح 23 ، الوسائل ج 14 ص 575 ح 8.
(2) التهذيب ج 7 ص 457 ح 35 ، الوسائل ج 14 ص 549 ب 44 ح 3.
وقوعه منه مع عدم القول بالتشريك
اقتضى ذلك اختصاصه به.
ومنها أيضا ما رواه في الكافي (1) عن أبي بصير
قال : «سألت أبا جعفر عليهالسلام عن الرجل يأذن
لعبده أن يتزوج الحرة أو أمة قوم ، الطلاق إلى السيد أو إلى العبد؟ قال : الطلاق
إلى العبد».
وفي الموثق عن عبد الله بن سنان (2) عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «سألته
عن رجل تزوج غلامه جارية حرة ، فقال : الطلاق بيد الغلام فإن تزوجها بغير إذن
مولاه فالطلاق بيد المولى».
وعن علي بن يقطين (3) في الموثق عن العبد الصالح عليهالسلام قال : «سألته
عن رجل تزوج غلامه جارية حرة ، فقال : الطلاق بيد الغلام ، قال : وسألته عن رجل
زوج أمته رجلا حرا؟ فقال : الطلاق بيد الحر».
ويؤيده أيضا قوله عليهالسلام (4) «الطلاق بيد من
أخذ بالساق».
ومما يدل على القول الثاني ما رواه الشيخ (5) في الصحيح عن
بكير وبريد بن معاوية عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهماالسلام «أنهما قالا في
العبد المملوك : ليس له طلاق إلا بإذن مولاه».
وما رواه في الفقيه والتهذيب (6) عن زرارة في
الصحيح عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهماالسلام «قالا :
المملوك لا يجوز طلاقه ولا نكاحه إلا بإذن سيده قلت : فإن كان السيد زوجه ، بيد من
الطلاق؟ قال : بيد السيد «ضَرَبَ
اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ
__________________
(1 و 2) الكافي ج 6 ص 168 ح 3 و 4، الوسائل ج 15 ص 341 ب 43 ح
3 و 5.
(3) الكافي ج 6 ص 168 ح 5 ، الوسائل ج 15 ص 341 ح 4 وص 342 ح
1.
(4) المستدرك ج 3 ص 8.
(5) التهذيب ج 7 ص 338 ح 15 ، الوسائل ج 14 ص 551 ب 45 ح 7.
(6) التهذيب ج 7 ص 347 ح 50 ، الفقيه ج 3 ص 350 ح 2 ، الوسائل
ج 15 ص 343 ب 45 ح 1.
عَلى شَيْءٍ» الشيء الطلاق».
وما رواه في التهذيب (1) عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي
إبراهيم عليهالسلام قال : «سألته
عن الرجل يزوج عبده أمته ثم يبدو له فينزعها منه بطيبة نفسه ، أيكون ذلك طلاقا من
العبد؟ فقال : نعم ، لأن طلاق المولى هو طلاقها ، ولا طلاق للعبد إلا بإذن مولاه».
وعن شعيب العقرقوفي (2) في الصحيح عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سئل
وأنا عنده أسمع عن طلاق العبد ، قال : ليس له طلاق ولا نكاح ، أما تسمع الله تعالى
يقول «عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ» قال : لا يقدر
على طلاق ولا نكاح إلا بإذن مولاه».
وعن محمد بن علي (3) عن أبي الحسن عليهالسلام قال : «إذا
تزوج المملوك حرة فللمولى أن يفرق بينهما ، وإن زوجه المولى حرة فله أن يفرق
بينهما».
هذا ما حضرني من أخبار القولين ، والشيخ حمل هذه الأخيرة
من حيث إطلاقها على ما إذا كانت زوجة العبد أمة مولاه كما قيد به بعضها.
وأنت خبير بأن هذا وإن تم في بعضها إلا أنه لا يتم في
بعض آخر ، مثل قوله في صحيحة زرارة «قلت : وإن كان السيد زوجه بيد من الطلاق؟ قال
: بيد السيد». فإن ظاهره كون الزوجة أجنبية غير أمته ، وأظهر منه قوله في رواية
محمد بن علي «وإن زوجه المولى حرة فله أن يفرق بينهما».
وبالجملة فإن ظاهرها باعتبار ضم بعضها إلى بعض إنما هو
بالنسبة إلى كون الزوجة غير أمة السيد.
وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك هو الميل إلى
القول الثاني لصحة أخباره ، حيث إنه ـ بعد أن ذكر حمل الشيخ المذكور ـ رده بأن
الجمع بين
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 347 ح 51 ، الوسائل ج 14 ص 576 ح 1.
(2) التهذيب ج 7 ص 347 ح 52 ، الوسائل ج 14 ص 576 ح 2.
(3) التهذيب ج 7 ص 339 ح 18 ، الوسائل ج 14 ص 574 ح 4.
الأخبار بتقييد بعضها ببعض فرع حصول
المعارضة ، وتلك الأخبار لضعفها لا تبلغ قوة المعارضة لهذه الأخبار الصحيحة ، إلا
أن شيخنا المذكور لم ينقل للقول المشهور إلا الروايات الثلاث الأول ، وهي رواية
ليث وأبي الصباح ومحمد بن الفضيل.
وظاهر سبطه السيد السند في شرح النافع بعد الاشكال الميل
إلى القول المشهور حيث إنه قد طعن في أدلة القول الثاني بأن غاية ما يدل عليه
أكثرها وهو ـ ما عدا صحيحة شعيب العقرقوفي ـ توقف طلاق العبد على إذن مولاه ، لا
أن الطلاق بيد السيد ، وحينئذ فهو غير واضح الدلالة (1) نعم صحيحة
شعيب صريحة في المطلوب ، قال : والجمع بينهما وبين الأخبار المتقدمة لا يخلو من
الاشكال والمسألة محل تردد ، وإن كان القول المشهور لا يخلو من قرب ، لاستفاضة
الروايات به واعتبار أسانيد بعضها واعتضادها بعمل الأصحاب ، انتهى.
أقول : من العجب هنا خروج السيد المذكور ـ توجه الله
بتاج السرور ـ عن مقتضى قاعدته في الدوران مدار الأسانيد صحة وضعفا ، ودوره مدار
صحة السند وإن اشتمل متن الخبر على علل واضحة كما أوضحناه في غير موضع مما تقدم.
وكيف كان فالمسألة عندي محل إشكال لما عرفت من تعارض
أخبارها ، وعدم استقامة ما ذكره الشيخ من الجمع ، إلا أنه قد روى العياشي في
تفسيره (2) بسند فيه عن
الحسين بن زيد بن علي ، عن جعفر بن محمد عليهالسلام قال : كان علي
بن أبي طالب عليهالسلام يقول «ضَرَبَ
اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ» (3) ويقول : «للعبد لا طلاق ولا نكاح ،
ذلك إلى سيده ، والناس يرون خلاف ذلك إذا أذن السيد لعبده ،
__________________
(1) بمعنى أن الطلاق انما هو للعبد وان توقف على اذن مولاه على
نحو ما قيل من أنه يملك ، وان توقف صحة تصرفه على اذن مولاه وهو لا يوجب استقلال
السيد بولاية الطلاق.
(منه ـ قدسسره ـ).
(2) تفسير العياشي ج 2 ص 266 ح 54 ، مستدرك الوسائل ج 2 ص 597
ب 17 ح 3.
(3) سورة النحل ـ آية 75.
لا يرون له أن يفرق بينهما».
ويفهم من هذا الخبر أن ما دل على القول المشهور من
الأخبار إنما خرج مخرج التقية ، وأن الحكم الشرعي في المسألة إنما هو القول الثاني
، وأنت خبير بأن ظاهر الآية أيضا ليشهد لهذا القول كما ذكره عليهالسلام في هذا الخبر.
وحينئذ فيحصل الترجيح لأخبار القول الثاني بموافقته ظاهر
القرآن الذي هو أحد المرجحات المنصوصة ومخالفة العامة كما يفهم من هذا الخبر التي
هي أيضا أحد المرجحات المنصوصة مضافا ذلك إلى صحة أخباره ، وبه يظهر قوة القول به
، وزوال ما ذكرنا آنفا من الاشكال ، والله العالم.
تنبيهات
الأول : قد تقدم في
المسألة الخامسة من المطلب الأول تحقيق الكلام في أن نكاح السيد عبده أمته هل هو
ضرب من ضروب النكاح كتزويج غيرها يفتقر إلى العقد المشتمل على الإيجاب والقبول
ونحوهما ، فلا يكفي مجرد الاذن كما هو ظاهر المشهور؟ أم يكفي مجرد الاذن والتحليل
كما هو قول ابن إدريس؟ وقد حققنا الكلام ثمة في المقام بما لا يحوم حوله نقض ولا
إبرام ، وبينا أن الظاهر من الأخبار هو كون ذلك نكاحا ، إلا أنه ليس كغيره من
العقود المفتقرة إلى تلك الشرائط المقررة ولا سيما القبول ، فإنه هنا غير مشترط ،
وإنما هو نوع خاص منه.
ومما يشير إلى ما قلناه من الروايات في هذه المسألة
زيادة على ما تقدم ثمة قوله في موثقة علي بن يقطين «وسألته عن رجل زوج غلامه
جاريته» ، وقوله عليهالسلام في رواية محمد
بن الفضيل «وإن تزوج وليدة مولاه كان هو الذي يفرق بينهما» ، وقوله عليهالسلام في صحيحة عبد
الله بن سنان «إذا زوج الرجل عبده أمته» ، ونحوها موثقة عمار ، والتزويج عبارة عن
العقد.
وبالجملة فإن تحقيق الكلام قد مر مستوفى في الموضع
المتقدم ذكره ،
والذي يتلخص من الكلام في المسألة كون
الأقوال فيها ثلاثة :
(أحدهما) ـ وهو المشهور ـ اشتراط وقوع النكاح بالإيجاب
والقبول.
و (ثانيها) الاكتفاء بالإيجاب مع تسميته نكاحا ، وهذا هو
الذي اخترناه ثمة ، وبه صرح العلامة في المختلف ، وإليه يميل كلام شيخنا في
المسالك.
و (ثالثها) كونه إباحة يكفي فيه كل ما دل على الاذن ،
وهو مذهب ابن إدريس.
الثاني : المفهوم من
الروايات المتقدمة أنه يكفي في فسخ المولى لهذا النكاح كل لفظ دل عليه من طلاق أو
غيره حتى مجرد أمرهما بالتفريق واعتزال أحدهما الآخر ، وهو وإن كان بالقول
بالإباحة كما ذهب إليه ابن إدريس أنسب ، إلا أنك قد عرفت دلالة الأخبار على إطلاق
التزويج والنكاح عليه الموجب لكونه عقدا ، وقد دلت أيضا على أن رفع هذا العقد بيد
السيد بأي نحو فعل ، فلا بعد في ارتفاعه بغير الطلاق كما يرتفع النكاح بالفسخ في
مواضع عديدة.
والظاهر أنه إن وقع التفريق بالطلاق واستجمع شروط الطلاق
من الشاهدين وكونه في طهر لم يواقعها فيه ونحو ذلك سمي طلاقا ، وإن لم يستجمع
الشروط فإنه يكون فسخا إذ لا يقصر عن غيره من الألفاظ الدالة على الفسخ كالأمر
بالاعتزال ونحوه بل هو أظهر في ذلك.
وقيل : إن جميع ما يفسخ به النكاح يكون طلاقا ، لإفادته
فائدته كالخلع.
وقيل : إنه إن وقع بلفظ الطلاق كان طلاقا مطلقا ، فإن
اتفق خلل في بعض شروطه وقع باطلا لا فسخا ، وإن جمع الشروط كان طلاق حقيقا ، وإن
وقع الفسخ بغير لفظ الطلاق لم يكن طلاقا ، واختار في المسالك الأول من هذه الأقوال
الثلاثة.
الثالث : لو أمر
المولى العبد بالطلاق ولم يباشره بنفسه ، فهل يكون مجرد الأمر للعبد بذلك فسخا من
السيد أم لا؟ قيل فيه وجهان :
(أحدهما) نعم ، لدلالته عليه كما دل عليه ما هو أضعف منه
كالأمر بالاعتزال ونحوه.
و (ثانيهما) العدم لأن المفهوم إرادة إيجاده من العبد
فلا يحصل قبله ، ولأن الأمر بالطلاق يستدعي بقاء الزوجية إلى حين إيقاعه ، فلو دل
على الفسخ قبلها ، لتنافي مدلول اللفظ ، ولأنه لو دل على الفسخ لامتنع فعل مقتضاه
، ووجه الملازمة أن الفسخ لو وقع لامتنع الطلاق مع أنه مأمور به ، فلا يكون
ممتنعا.
وأجيب عنه بأن دلالته على إيجاد الطلاق مطابقة ، فلا
تنافي دلالته بالالتزام على كونه فسخا وهو المدعى ، ونمنع كون الأمر بالطلاق
يستدعي بقاء الزوجية إلى حينه ، وإنما يستدعيه الطلاق الصحيح ، والقائل بكونه فسخا
لا يجعل الطلاق الواقع بعده صحيحا ، وهو جواب الثالث ، فإن الأمر إذا دل على الفسخ
لا ينافيه امتناع فعل مقتضاه من حيث انفساخ النكاح به ، فلا يتوقف على فسخ آخر.
الرابع : لو طلق
الزوج الأمة ثم باعها المالك فلا خلاف في وجوب عدة الطلاق عليها ، وهل يجب على
المشتري مع إكمالها العدة أن يستبرءها زيادة على العدة؟ قولان مبنيان على التداخل
وعدمه.
فقيل : بعدم التداخل ، وبه قال الشيخ ـ رحمهالله ـ وأتباعه
وابن إدريس نظرا إلى أن العدة والاستبراء حكمان مختلفان ، ولكل منهما سبب يقتضيه ،
وتعدد الأسباب يقتضي تعدد المسببات إلا بدليل يوجب التداخل.
وذهب جملة من المتأخرين ومنهم المحقق في الشرائع إلى
القول بالتداخل واختاره في المسالك وعلله بوجود الدليل المقتضي ، وهو أن الغرض من
الاستبراء إنما هو العلم ببراءة الرحم كيف اتفق ، ولهذا اكتفى باستبراء البائع ،
ويسقط لو كانت امرأة أو حائضا ، والعدة أدل على ذلك ، ولأنها بقضاء العدة مستبرءة
، فلا يجب عليها استبراء آخر ، لأن وجوب الاستبراء بالبيع إنما هو من احتمال وطئ
البائع لغرض وطئ المشتري ، وكلاهما ممتنع في صورة النزاع ، انتهى ، وهو من
حيث الاعتبار جيد ، إلا هذه العلة
التي اعتمد عليها وهي براءة الرحم غير مطردة لوجوب العدة في مواضع مع العلم ببراءة
الرحم يقينيا كمن طلقها زوجها مع فراقه لها سنين عديدة ، والمتوفى عنها زوجها وإن
لم يدخل بها ، ونحو ذلك.
وبالجملة فإن علل الشرع ليست عللا حقيقية يدور المعلول
معها وجودا وعدما كما تقدم تحقيقه في غير موضع ، فاحتمال وجوب الاستبراء على
المشتري قائم ، والمسألة خالية من النص ، فالاحتياط فيها مطلوب سيما مع كونها من
مسائل الفروج المطلوب فيها الاحتياط زيادة على غيرها كما تكاثرت به الأخبار.
ثم إن ما فرضنا به المسألة تبعا لكلامهم من الترتيب بين
الطلاق والبيع ـ يطلق الزوج أو لا ثم يبيع السيد ـ الظاهر أنه متعين ، بل لو باع
السيد ثم طلق الزوج قبل فسخ المشتري فإن الحكم أيضا كما تقدم.
تذنيبان
أحدهما : المشهور في
كلام الأصحاب ـ رضياللهعنهم ـ من غير خلاف
يعرف أنه إذا زوج السيد أمته لعبده فإنها تصير من مولاها بمنزلة الأجنبية لا تحل
له منها إلا ما يحل له من أمة غيره كنظر الوجه والكفين بغير شهوة ، ويحرم عليه
جميع وجوه الاستمتاع ونظر ما يحل منها بشهوة.
قال في المسالك : والنصوص به كثيرة ، والوجه في ذلك مع
النص أن وجوه الاستمتاع صارت مملوكة للزوج فيحرم على غيره ، لامتناع حل الاستمتاع
بالمرأة لأزيد من واحد شرعا ، انتهى.
وظاهر سبطه السيد السند في شرح النافع المناقشة في هذا
الحكم حيث قال : وأطلق العلامة في جملة كتبه أن الأمة المزوجة يحرم على مالكها ما
يحرم على غير المالك ، وهو غير واضح المأخذ.
والذي وقفت عليه في هذه المسألة من الأخبار ما رواه الكليني
وابن بابويه (1) في الصحيح عن
عبد الرحمن بن الحجاج قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يزوج
مملوكته عبده ، أتقوم عليه كما كانت تقوم فتراه منكشفا أو يراها على تلك الحال؟ فكره
ذلك ، وقال : قد منعني أبي أن أزوج بعض خدمي غلامي لذلك». والظاهر أن المراد
بالكراهة هنا التحريم.
وما رواه الشيخ (2) في الموثق عن عبيد بن زرارة عن أبي
عبد الله عليهالسلام «في الرجل يزوج
جاريته ، هل ينبغي له أن ترى عورته؟ قال : لا».
ويستفاد من هاتين الروايتين تحريم النظر إلى العورة وما
في معناها مطلقا ولا يبعد تحريم اللمس والنظر بشهوة أيضا كما ذكره المصنف ، أما
تحريم النظر إلى ما عدا العورة وما في معناه بغير شهوة فمشكل ، لانتفاء الدليل
عليه ، والأصل يقتضي العدم ، انتهى.
أقول : وروى الكليني في الكافي (3) موثقة عبيد بن
زرارة وزاد فيها على ما تقدم برواية الشيخ «وأنا أتقي ذلك من مملوكتي إذا زوجتها».
ومن الأخبار الواردة في المقام أيضا خبر مسمع (4) عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : «قال
أمير المؤمنين عليهالسلام : عشرة لا يحل
نكاحهن ولا غشيانهن إلى أن قال : وأمتك ولها زوج».
وفي حديث مسعدة بن زيادة (5) عن أبي عبد
الله عليهالسلام «تحرم من
الإماء عشرة : لا تجمع بين الام والبنت إلى أن قال : ولا أمتك ولها زوج».
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 480 ح 3 ، التهذيب ج 8 ص 199 ح 4 ، الفقيه ج
3 ص 302 ح 30 ، الوسائل ج 14 ص 548 ب 44 ح 1.
(2) التهذيب ج 8 ص 208 ح 43 ، الوسائل ج 14 ص 549 ح 4.
(3) الكافي ج 5 ص 555 ح 7 ، الوسائل ج 14 ص 549 ب 44 ح 2.
(4 و 5) التهذيب ج 8 ص 198 ح 2 و 1، الوسائل ج 14 ص 549 ح 6 و
5.
وروى الحميري في كتاب قرب الاسناد (1) عن الحسن بن
ظريف عن الحسين ابن علوان عن جعفر عن أبيه عليهماالسلام قال : «إنه
قال : إذا زوج الرجل أمته ، فلا ينظر إلى عورتها ، والعورة ما بين السرة والركبة».
وأنت خبير بأن ظاهر هذه الرواية هو تحريم النظر إلى ما
بين السرة والركبة أعم من أن يكون بشهوة أم لا ، وبها يتم الاستدلال للأصحاب فيما
تقدم نقله عنهم.
وبالجملة فالظاهر هو العمل بما قاله الأصحاب ، وفي معنى
الأمة المزوجة المحلل وطؤها للغير ، أما لو حلل منها ما دون الوطي ، فهل تحرم بذلك
على المالك؟ إشكال.
وثانيهما : المفهوم من
كلام الأصحاب أنه متى كان زوج الأمة حرا أو مملوكا لغير سيد الأمة ، فإن السيد لا
يتسلط على الفسخ بل الطلاق للزوج حرا كان أو عبدا ، أما لو كان الزوج مملوكا للسيد
، فإن للسيد التسلط على الفسخ كما تقدم مشروحا.
ويدل على الحكمين المذكورين هنا ما رواه الشيخ (2) في الصحيح عن
الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إذا
أنكح الرجل عبده أمته ، فرق بينهما إذا شاء ، قال : وسألته عن رجل يزوج أمته من
رجل حر أو عبد لقوم آخرين ، إله أن ينزعها منه؟ قال : لا ، إلا أن يبيعها ، فإن
باعها فشاء الذي اشتراها أن يفرق بينهما فرق بينهما».
وعن محمد بن مسلم (3) قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل ينكح
أمته من رجل أيفرق بينهما إذا شاء؟ فقال : إن كان مملوكه فليفرق بينهما إذا شاء ،
إن الله تعالى يقول «عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ» فليس للعبد شيء
من الأمر ، وإن
__________________
(1) قرب الاسناد ص 50 ، الوسائل ج 14 ص 549 ح 7.
(2) التهذيب ج 7 ص 339 ح 19 ، الوسائل ج 14 ص 574 ح 5 وص 551 ح
4.
(3) التهذيب ج 7 ص 340 ح 23 ، الوسائل ج 14 ص 575 ح 8.
كان زوجها حرا فإن طلاقها صفقتها».
أقول : يعني أن طلاق السيد وتسلطه على فسخ النكاح إنما
يكون ببيعه الأمة.
ومما يدل على الحكم الأول ما رواه الشيخ (1) في الموثق عن
الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام «في رجل يزوج
أمته من حر؟ قال : ليس له أن ينزعها».
وما رواه المشايخ الثلاثة (2) عن أبي بصير
قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل أنكح
أمته حرا أو عبد قوم آخرين ، فقال : ليس له أن ينزعها ، فإن باعها فشاء الذي
اشتراها أن ينزعها من زوجها فعل».
إلا أنه قد ورد هنا جملة من الأخبار ظاهرة في المنافاة
لما ذكرناه.
ومنها ما رواه الشيخ (3) في الصحيح عن عبد الرحمن بن أبي عبد
الله قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : الرجل يزوج
جاريته من رجل حر أو عبد ، أله أن ينزعها بغير طلاق؟ قال : نعم ، هي جاريته ينزعها
متى شاء».
والشيخ حمل هذا الخبر على أن له ذلك بأن يبيعها ، فيكون
ببيعه تفريقا بينهما ، ولا يخفى ما فيه من البعد.
ومنها ما رواه الشيخ (4) في الموثق عن إسحاق بن عمار عن أبي
إبراهيم عليهالسلام قال : «سألته
عن رجل كانت له جارية ، فزوجها من رجل آخر ، بيد من طلاقها؟ قال : بيد مولاه ،
وذلك لأنه تزوجها وهو يعلم أنها كذلك».
وهذا الخبر أيضا حمله الشيخ على ما حمل عليه سابقه ،
واحتمل أيضا حمله على كون المولى قد اشترط على الزوج عند العقد أن بيده الطلاق ،
كما دل عليه بعض
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 337 ح 11 ، الوسائل ج 14 ص 574 ح 1.
(2) الكافي ج 6 ص 169 ح 7 ، التهذيب ج 7 ص 337 ح 10 ، الفقيه ج
3 ص 350 ح 3 ، الوسائل ج 15 ص 342 ح 2.
(3) التهذيب ج 7 ص 339 ح 17 ، الوسائل ج 14 ص 574 ح 3.
(4) التهذيب ج 7 ص 339 ح 20 ، الوسائل ج 14 ص 575 ح 6.
أخبار المسألة ، ولا يخفى بعد الجميع.
ومنها ما رواه في الكافي (1) في الصحيح عن
محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «قلت له
: الرجل يزوج أمته من رجل حر ، ثم يريد أن ينزعها منه ، ويأخذ منه نصف الصداق ،
فقال : إن كان الذي زوجها منه يبصر ما أنتم عليه ويدين به ، فله أن ينزعها منه ،
ويأخذ منه نصف الصداق ، لأنه قد تقدم من ذلك على معرفة أن ذلك للمولى ، وإن كان
الزوج لا يعرف هذا ، وهو من جمهور الناس يعامله المولى على ما يعامل مثله ، فقد
تقدم على معرفة ذلك منه».
وهذا الخبر كما ترى ظاهر في أن ما ورد من الأخبار الدالة
على أن الطلاق بيد الزوج ، وأن السيد ليس له انتزاعها إنما خرجت مخرج التقية وأن
الحكم الشرعي في المسألة إنما هو رجوع الاختيار إلى السيد ، فله أن ينزعها.
وإلى ما تضمنه هذا الخبر يشير أيضا قوله في موثقة إسحاق
بن عمار «لأنه تزوجها وهو يعلم أنها كذلك» يعني يعلم أن للسيد انتزاعها ، وأن
طلاقها بيده ، وهو مثل قوله في الخبر «لأنه قد تقدم من ذلك على معرفة أن ذلك
للمولى» وقد تقدم الكلام في بيان معنى هذا الخبر.
وبالجملة فإن حاصله الجمع بين الأخبار بحمل أخبار القول
المشهور على التقية ، وهو جمع حسن بين الأخبار ، إلا أن الاشكال فيه أنه لا قائل
بذلك ، بل المشهور الذي لم يظهر فيه خلاف إنما هو العكس.
ومنها ما رواه العياشي في تفسيره (2) على ما نقله
عنه شيخنا المجلسي في كتاب البحار ، وروى عن محمد بن مسلم قال : «سألت أبا عبد
الله عليهالسلام عن الرجل ينكح
أمته من رجل ، قال : إن كان مملوكا فليفرق بينهما إذا شاء لأن الله يقول «عَبْداً مَمْلُوكاً لا
__________________
(1) الكافي ج 6 ص 169 ح 6 ، الوسائل ج 15 ص 342 ح 3 وفيه
اختلاف يسير.
(2) تفسير العياشي ج 2 ص 264 ح 48 وفيه «فان طلاقها عتقها» ،
مستدرك الوسائل ج 2 ص 599 ب 32 ح 2.
يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ» فليس للعبد من
الأمر شيء ، وإن كان زوجها حرا فإن طلاقها صفقتها».
وهذا الخبر كما ترى أغرب وأعجب حيث دل على الفرق بين
الحر والعبد فجعل الطلاق بيد الزوج إن كان حرا ، وبيد السيد إذا كان عبدا.
ومنها ما رواه العياشي (1) أيضا عن أبي
بصير «في الرجل ينكح أمته لرجل ، إله أن يفرق بينهما إذا شاء؟ قال : إن كان مملوكا
فليفرق بينهما إذا شاء؟ قال : إن كان مملوكا فليفرق بينهما إذا شاء ، لأن الله
يقول «عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ». فليس للعبد من
الأمر شيء ، وإن ان زوجها حرا فرق بينهما إذا شاء المولى». ويشبه أن يكون قد وقع
في هذا الخبر تحريف وتغيير لأن قضية التفصيل المغايرة ، مع أن مرجعها إلى أمر
واحد.
وبالجملة فالمسألة لما عرفت في غاية الاشكال ، ونهاية
الإعضال ، ومن ذكر هذه المسألة من الأصحاب لم يذكر من الأخبار المنافية للقول
المشهور إلا صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، وأجاب عنها بما قدمناه نقله عن
الشيخ ، والله العالم.
المطلب الثالث في الملك :
قد تقدم أن نكاح الإماء يقع بالعقد وبالملك ، والأول قد
تقدم الكلام فيه. والكلام هنا في الثاني ، وحيث كان الملك ينقسم إلى ملك الرقبة
وملك المنفعة ، فلا بد من بيان أحكامه في مقامين :
الأول : في ملك
الرقبة ، والكلام فيه يقع في مواضع :
الأول : لا خلاف نصا وفتوى في عدم انحصار النكاح بملك
اليمين في عدد ، بخلاف نكاحهن بالعقد.
__________________
(1) تفسير العياشي ج 2 ص 265 ح 51 ، مستدرك الوسائل ج 2 ص 599
ب 32 ح 3.
ففي صحيحة ابن أذينة (1) عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قلت :
كم يحل من المتعة؟ قال : فقال : هن بمنزلة الإماء».
وفي حسنة إسماعيل بن الفضيل (2) «عن أبي عبد
الله عليهالسلام فيما أخبر به
ابن جريح في أحكام المتعة ، قال : ليس فيها وقت ولا عدد ، إنما هي بمنزلة الإماء».
وفي حديث أحمد بن محمد بن أبي نصر (3) عن أبي الحسن عليهالسلام في حديث
المتعة «حكى زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام : إنما هي مثل
الإماء يتزوج ما شاء».
قال في المسالك : واعلم أن النص والإجماع متطابقان على
جواز النكاح بملك اليمين ، وعلى عدم انحصاره في عدد ، بخلاف نكاحهن بالعقد ، ولعل
الوجه فيه خفة حقوق المملوكة ، وكون استحقاق منافع البضع بالمالية ، فيكون كالتصرف
في مطلق الأموال ، فلا يتطرق إليه ما يتطرق إلى النكاح بالعقد من محذور الحيف
والميل ، انتهى.
والحكم مختص بالرجال ، أما النساء فإن الملك فيهن ليس
طريقا إلى حل الوطي.
وروى ابن بابويه (4) في الصحيح عن العلاء عن محمد بن مسلم
عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «قضى
أمير المؤمنين عليهالسلام في امرأة
أمكنت من نفسها عبد ا لها أن يباع بصغر منها ومحرم على كل مسلم أن يبيعها عبدا
مدركا بعد ذلك».
وروى الكليني (5) الرواية المذكورة ، وزاد فيها «تضرب
مائة ، ويضرب العبد خمسين».
__________________
(1 و 2) الكافي ج 5 ص 451 ح 1 و 6، الوسائل ج 14 ص 447 ح 6 و 8.
(3) التهذيب ج 7 ص 259 ح 48 ، الوسائل ج 14 ص 448 ح 11.
(4) الفقيه ج 3 ص 289 ح 17 ، الوسائل ج 14 ص 558 ب 51 ح 1.
(5) الكافي ج 5 ص 493 ح 1 ، التهذيب ج 8 ص 206 ح 33 ، الوسائل
ج 14 ص 558 ب 51 ح 1.
الثاني : لا خلاف في
جواز الجمع بين الأختين وبين الام والبنت في الملك ، ولا إشكال ، إنما يحرم ذلك في
العقد أو الوطي على التفصيل الذي تقدم في مسائل المقصد الثاني فيما يحرم جمعا من
المطلب الثالث فيما يحرم بالمصاهرة ، وكذا يجوز أن يملك موطوءة الأب كما يجوز للأب
ملك موطوءة الابن ، فإنه كما لا يمتنع أن ينتقل إلى الأب أو الابن مال الآخر كذلك
لا يمتنع أن ينتقل إليه مملوكته ، وإن كان قد وطأها المالك الأول ، وإنما يحرم على
كل واحد منهما وطئ من وطأها الآخر لعموم قوله عزوجل «وَلا
تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ» (1).
وبالجملة فإن تحريم الوطي لا يقدح في صحة التملك كما لو
تملك بعض من يحرم عليه بالنسب.
الثالث : إذا بيعت الأمة ولها زوج فإن أجاز المشتري
النكاح لم يكن له فسخه بعد ذلك ، لأن الذي له شرعا هو الخيار ، فإذا أجاز سقط حقه
، ولزم النكاح ، وكذا لو علم وسكت ولم يعرض له ، لما عرفت آنفا من أن الخيار فوري
، فإذا أعرض بعد علمه بطل خياره ، وإن لم يجز النكاح انفسخ العقد ، وجاز للمشتري
نكاحها ، إلا أنه لا يحل له إلا بعد العدة ، وهي قران ، أو شهر ونصف على قول إن
كانت لم تحض ومثلها تحيض ، وقيل : يكفي الاستبراء بحيضة أو خمسة وأربعين يوما.
وجه الأول : إطلاق الطلاق على هذا البيع في كثير من
الأخبار المتقدمة لكونه سببا في التسلط على الفسخ ، فإذا حصل الفسخ كان طلاقا
بطريق أولى ، كذا ذكره في المسالك ، وفيه ما عرفت آنفا من أن غاية ما تدل عليه هذه
العبارة في الأخبار هو المشابهة للطلاق ، ويكفي في ذلك مجرد التسلط به على الفسخ
كما يشير إليه قوله في صحيحة بريد وبكير المتقدمة «فإن بيعها طلاقها ، فإن شاء
المشتري فرق بينهما ، وإن شاء تركهما على نكاحهما» وهو لا يستلزم كونه طلاقا لو
وقع ، بحيث يترتب عليه ما يترتب على الطلاق من الأحكام التي من
__________________
(1) سورة النساء ـ آية 22.
جملتها وجوب العدة ، وبذلك يظهر أن
قوله «فإذا حصل الفسخ كان طلاقا بطريق أولى» غير موجه.
ووجه الثاني : إطلاق النصوص الدالة على استبراء المشتري
للأمة إذا اشتراها ، وما نحن فيه من جملة ذلك ، واستبراؤها كما سيأتي ذكره بحيضة
أو خمسة وأربعين يوما.
ومن العجب ما وقع له في المسالك في هذا المقام ، فإنه
نقل في المتن عن المصنف أنه لو لم يجز نكاحها لم يكن عليها عدة وكفى الاستبراء في
جواز الوطي ، ثم إنه قال في الشرح : وحيث يفسخ المشتري العقد لا تحل له حتى تنقضي
عدتها من الفسخ كالطلاق بمعنى قرءين أو شهر ونصف ـ إلى أن قال : ـ وقيل : ويكفي
استبراؤها بحيضة أو خمسة وأربعين يوما ، وهو الذي اختاره العلامة ولم ينقل غيره ،
والأقوى الأول ، وهو الذي اختاره المصنف ولم ينقل غيره. انتهى ملخصا ، وفيه أن
المصنف إنما صرح بالاستبراء كما نقله عن العلامة مع تصريحه بنفي العدة ، فكيف ينسب
إليه اختيار القول الأول ، وهو القول بوجوب العدة.
وأما ما ذكره من أن الأقوى القول بالعدة بناء على ما
قدمنا نقله عنه في بيان وجهه ففيه ما عرفت.
الرابع : قد صرح الأصحاب من غير خلاف يعرف بأنه يجوز ابتياع
ذوات الأزواج من أهل الحرب ولو من أزواجهن ، وكذا يجوز شراء بناتهم وأبنائهم ولو
من الآباء ، ويصيرون ملكا للمشتري ، ويترتب على هذا التملك أحكامه التي من جملتها
وطئ الجارية بملك اليمين ، وعلى ذلك دلت جملة من النصوص ، وقد تقدمت في كتاب البيع
في الفصل التاسع في بيع الحيوان (1).
ومنها رواية عبد الله اللحام (2) قال : «سألت
أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل يشتري
__________________
(1) ج 19 ص 462.
(2) التهذيب ج 7 ص 77 ح 44 ، الوسائل ج 13 ص 28 ح 2.
من رجل من أهل الشرك ابنته ، فيتخذها؟
قال : لا بأس».
وبهذا الاسناد (1) قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل
يشتري امرأة رجل من أهل الشرك ، يتخذها أم ولد؟ قال : فقال : لا بأس». وأشار بقوله
يتخذها إلى الوطي.
وروى الشيخ في التهذيب (2) عن إسماعيل بن
الفضل الهاشمي قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن سبي
الأكراد إذا حاربوا ومن حارب من المشركين ، هل يحل نكاحهم وشراءهم؟ قال : نعم». إلى
غير ذلك من الأخبار المتقدمة ثمة.
وقد صرح جملة من الأصحاب منهم المحقق الشيخ على في الشرح
والشهيد الثاني في المسالك ، بأن إطلاق البيع على ذلك يعني بالنسبة إلى الشراء من
الزوج أو الأب ونحوهما إنما هو بطريق المجاز ، باعتبار صورته ، فهو بالاستنقاذ
أشبه منه بالبيع ، فإنهم فيء للمسلمين يملكون بمجرد الاستيلاء عليهم ، فإذا حصل
البيع كان آكد في ثبوت الملك وتحققه.
قال المحقق المذكور : نعم في صورة بيع القريب (3) قريبه الذي
حقه أن ينعتق عليه إشكال.
وقال في المسالك : والأقوى أنه لا يترتب عليه أحكامه من
طرف المشتري ، حتى لو كان المبيع قريبه الذي ينعتق عليه عتق بمجرد البيع ، وتسليطه
عليه ، لإفادة اليد الملك المقتضي للعتق.
أقول : قد تقدم الكلام في ذلك في المسألة الحادية عشر من
المقصد الثاني من الفصل التاسع في بيع الحيوان من كتاب البيع (4) وكذا يجوز
شراء ما يبيعه أهل
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 77 ح 43 ، الوسائل ج 13 ص 28 ح 3.
(2) التهذيب ج 8 ص 200 ح 9 ، الوسائل ج 11 ص 99 ب 50 ح 1.
(3) مثل الابن والابنة ، لا مثل الزوجة ونحوها. (منه ـ رحمهالله ـ).
(4) ج 19 ص 462.
الضلال من أهل الحرب وإن كان ذلك
للإمام عليهالسلام لحصول الاذن
منهم عليهمالسلام وفي رواية
الهاشمي المتقدمة ما يدل عليه ، وتقدم أيضا في المسألة الاولى من المقصد الأول من
الفصل التاسع في بيع الحيوان (1) من الأخبار ما
يدل عليه.
الخامس : قد صرح جل الأصحاب بأن كل من ملك أمة بوجه من
وجوه التملك ببيع أو هبة أو إرث أو صلح أو قرض أو استرقاق أو نحو ذلك ، فإنه يجب
عليه استبراؤها قبل الوطي.
وخص ابن إدريس ذلك بالبيع والشراء اقتصارا على مورد النص
، فإنه هو الذي وردت النصوص فيه بالاستبراء دون غيره من الوجوه المذكورة ، مستدلا
على نفيه في غير البيع بالأصل وعموم «ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ» (2).
واحتج الأصحاب على ما ذهبوا إليه من العموم باشتراك هذه
الوجوه في المقتضى لذلك ، وهو العلم ببراءة الرحم من ماء الغير ، والمحافظة على
الأنساب من الاختلاط.
ونقل عن ابن إدريس أنه وافق الأصحاب أيضا في موضع آخر من
كتابه ، ثم إنهم صرحوا أيضا بسقوطه في مواضع.
أقول : وتحقيق المسألة بتفصيل هذا الجمال بما يزيل عنه
نقاب الاشكال قد تقدم في كتاب البيع في فصل بيع الحيوان فلا حاجة إلى إعادته ، وإن
كان جملة من أصحابنا قد كرروا الكلام عليه في هذا الموضع أيضا.
نعم هنا موضعان يسقط الاستبراء فيهما لم يتقدم ذكرهما :
(أحدهما) ما لو ملك أمة فأعتقها فإن له العقد عليها بعد
العتق ، وأن يطأها من غير استبراء ، وإن كان الأفضل له الاستبراء.
قال في المسالك : وظاهر الأصحاب الاتفاق عليه ، أما غيره
فقد أطلق جملة
__________________
(1) ج 19 ص 372.
(2) سورة النساء ـ آية 24.
من الأصحاب أنه ليس له ذلك إلا بعد
العدة ، ويدل على الحكم الأول جملة من الأخبار :
منها ما رواه الشيخ (1) في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي
جعفر عليهالسلام «في الرجل
يشتري الجارية فيعتقها ثم يتزوجها ، هل يقع عليها قبل أن يستبرئ رحمها؟ قال :
يستبرئ رحمها بحيضة ، قلت : فإن وقع عليها؟ قال : لا بأس».
وعن عبيد بن زرارة (2) في الموثق عن أبي عبد الله عليهالسلام «في الرجل
يشتري الجارية ثم يعتقها ويتزوجها ، هل يقع عليها قبل أن يستبرئ رحمها؟ قال : يستبرئ
رحمها بحيضة ، وإن وقع عليها فلا بأس».
وعن أبي العباس البقباق (3) قال : «سألت
أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل اشترى
جارية فأعتقها ثم تزوجها ولم يستبرئ رحمها ، قال : كان نوله أن يفعل ، وان لم يفعل
فلا بأس».
وعن ابن أبي يعفور (4) عن أبي عبد الله عليهالسلام في حديث «.
وقال في رجل اشترى جارية ثم أعتقها ولم يستبرئ رحمها ، قال : كان نوله أن يفعل ،
فإذا لم يفعل فلا شيء عليه». قوله «نوله أن يفعل» أي ينبغي له أن يفعل.
واستدلوا على الحكم المذكور أيضا بأن الاستبراء إنما
للمملوكة ، وهذه قد خرجت بالعتق عن كونها مملوكة ، فإنها تصير بالعتق أجنبية منه ،
نسبتها إليه وإلى غيره على السواء.
وفيه أن هذا إنما يصلح وجها للنص لا لتأسيس الحكم ، لأن
أدلة وجوب الاستبراء على المشتري مطلقة أو عامة ، فهي شاملة لمن أعتق ولم يعتق ،
إلا أنه لما ورد النص باستثناء من أعتق وجب الوقوف على مورد النص ، وبقي ما عداه
__________________
(1 و 2) التهذيب ج 8 ص 175 ح 36 و 37، الوسائل ج 14 ص 514 ح 1 و
2.
(3) التهذيب ج 8 ص 175 ح 38 وفيه «كان له أن يفعل» ، الوسائل ج
14 ص 514 ح 3.
(4) التهذيب ج 8 ص 171 ح 21 ، الوسائل ج 14 ص 498 ح 3.
داخلا تحت الإطلاق.
وكيف كان فإن هذا الأخبار كما أنها دالة على جواز الوطي
من غير استبراء فهي دالة على أفضلية الاستبراء ، وإطلاق أكثر عبارات الأصحاب تقتضي
عدم الفرق بين أن يعلم للأمة وطئ محرم أم لا ، وقيده العلامة في جملة من كتبه بأن
لا يعلم لها وطئ محرم ، وإلا وجب الاستبراء ، ولا ريب أنه أحوط.
وأما الحكم الثاني وهو أنه لا يجوز لغيره وطؤها حتى تعتد
كالحرة ، فهو مما لا ريب فيه ولا إشكال إذا كان المولى قد وطأها كما سيأتي الدلالة
عليه في حسنة الحلبي وصحيحة زرارة الآتيتين في الموضع الثاني.
أما لو لم يطأها المولى فإطلاق جملة من العبارات يقتضي
وجوب العدة ، وهو لا يخلو من إشكال ، إذ لا يظهر هنا وجه للفرق بين الأجنبي
والمولى ، لأنها بالعتق صارت أجنبية للجميع ، فوجوب العدة للأجنبي وسقوطها عن
المولى لا يظهر له وجه والمفهوم من عبارته في الشرائع سقوط العدة في الموضعين وهو
صريح شيخنا الشهيد الثاني في المسالك حيث قال : وحاصل الحكم أن المولى إذا أعتق
أمته فلا يخلو إما أن يكون بعد أن وطأها أو قبله ، فإن كان قبل الوطي جاز لغيره
تزويجها بغير عدة ولا استبراء ، وإن أمكن أن تكون موطوءة في ذلك الطهر لغير المعتق
، بأن يكون المعتق اشتراها ثم أعتقها قبل أن تحيض عنده ، ووجه جواز تزويجها لغيره
بغيره استبراء ما تقدم من جواز تزويج مولاها لها من غير استبراء من حيث إنه مختص
بالمالك ، وتابع لنقل الملك ، وهو هنا منتف لأنها حرة ، انتهى.
أقول : ويمكن أن يقال على ما ذكره في وجه الجواز (1) إن الذي تقدم
في كلامه في الاستدلال على جواز تزويج المولى من غير استبراء هو الاستدلال
بالأخبار
__________________
(1) فإنه قال بعد ذكر الحكم في عبارة المصنف : ومستنده صحيحة
محمد بن مسلم وأردفها برواية عبيد بن زرارة ورواية أبي العباس ، ثم قال : ويدل
عليه أيضا أن الاستبراء انما يثبت وجوبه للمملوكة ، إلى آخر ما ذكره من الدليل
العقلي. (منه ـ رحمهالله ـ).
الثلاثة الأول ، ثم أردفها بالدليل
العقلي الذي قدمنا ذكره عنهم ، وقد عرفت ما فيه ، وأنه لا يصلح لتأسيس حكم شرعي ،
وإن صلح لأن يكون وجها للنص ، فلم يبق إلا الأخبار وموردها إنما هو المولى ،
وحينئذ يبقى غير المولى لا دليل عليه فيجب العدة بالنسبة إليه وبه يزول الإشكال
الذي أشرنا إليه آنفا ويقوى الفرق بين المولى وغيره كما دل عليه إطلاق العبارات
المشار إليها آنفا.
قال في المسالك : وألحق بعضهم بالعتق تزويج المولى للأمة
المبتاعة فإنه لا يجب على الزوج استبراؤها ما لم يعلم سبق وطئ محرم في ذلك الطهر ،
وذلك لأن الاستبراء تابع لانتقال الملك ، وهو منتف هنا ، وعلى هذا فيمكن أن يجعل
ذلك وسيلة إلى سقوط الاستبراء من المولى أيضا بأن يزوجها من غيره ، ثم يطلقها
الزوج قبل الدخول ، فيسقط الاستبراء بالتزويج ، والعدة بالطلاق قبل المسيس ، وإن
وجد ما يظن كونه علة للاستبراء ، وهو اعتبار براءة الرحم من ماء السابق ، فإن
العلة مستنبطة لا منصوصة ، ومثله الحيلة على إسقاطه ببيعها من امرأة ونحو ذلك ،
انتهى.
أقول : مدار صحة هذا الكلام من أوله إلى آخره على ما
ادعاه من أن العلة في الاستبراء هو طلب براءة الرحم إنما هي علة مستنبطة وإلا فإن
ظاهر النصوص أن الأمر بالاستبراء إنما هو على جهة التعبد شرعا بذلك.
وفيه أنه قد روى الكليني (1) في الصحيح أو
الحسن عن أبي عبد الله عليهالسلام «في رجل اشترى
جارية ـ إلى أن قال : ـ قلت : جارية لم تحض ، كيف يصنع بها؟ فقال : أمرها شديد ،
غير أنه إن أتاها فلا ينزل عليها حتى يستبين له إن كان بها حبل ، قلت : وفي كم
يستبين له؟ قال : في خمسة وأربعين ليلة».
وهي ظاهرة كما ترى في أن العلة في الاستبراء هو اعتبار
براءة الرحم من ماء السابق ، وحينئذ فإذا كانت العلة ذلك كما دل عليه النص فإنه لا
يتم ما ادعاه
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 472 ح 2 ، الوسائل ج 13 ص 36 ح 1.
ذلك البعض الذي نقل عنه إلحاق تزويج
المولى للأمة بالعتق ، فإنه إذا كانت العلة في الاستبراء شرعا هو ما عرفت ، فإنه
لا يختص ذلك بالمشتري ، بل يجري فيه وفي ذلك الرجل الذي زوجه الأمة ، وتكاثر
الأخبار بالنسبة إلى المشتري إنما هو من حيث كون شرائه لأجل الوطي ، لا من حيث
كونه مشتريا ومالكا كما توهموه.
و (ثانيهما) ما لو كانت الأمة سرية للمولى فأعتقها ،
فإنه يجوز له وطؤها بالعقد عليها من غير استبراء ولا عدة ، وأما غيره فلا يجوز إلا
بعد العدة.
ويدل على ذلك ما رواه في الكافي (1) في الصحيح أو
الحسن عن الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل يعتق
سريته ، أيصلح له أن يتزوجها بغير عدة؟ قال : نعم ، قلت : فغيره؟ قال : لا ، حتى
تعتد ثلاثة أشهر» الخبر.
وما رواه في التهذيب (2) عن زرارة عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سألته
عن رجل أعتق سريته ، إله أن يتزوجها بغير عدة؟ قال : نعم ، قلت : فغيره؟ قال : لا
، حتى تعتد ثلاثة أشهر».
المقام الثاني : في ملك
المنفعة الحاصل بالتحليل ، والكلام في هذا المقام يقع في موارد :
الأول : المعروف من مذهب الأصحاب صحة تحليل المولى وطؤ
أمته لغيره.
قال ابن إدريس : إنه جائز عند أكثر أصحابنا المحصلين ،
وبه تواترت الأخبار ، وهو الأظهر بين الطائفة والعمل عليه والفتوى به ، ومنهم من
منع منه ، انتهى.
وحكى الشيخ في المبسوط قولا بالمنع منه ، وهو الذي أشار
إليه ابن إدريس بقوله : ومنهم من منع.
ويدل على المشهور الأخبار المستفيضة المتكاثرة التي يضيق
المقام عن الإتيان
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 476 ح 4 ، الوسائل ج 14 ص 511 ب 13 ح 1.
(2) التهذيب ج 8 ص 175 ح 35 ، الوسائل ج 14 ص 511 ب 13 ح 1.
عليها ، ولكن ننقل شطرا منها.
ومنها ما رواه الكليني والشيخ (1) في الصحيح عن
الفضيل بن يسار قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : جعلت فداك
إن بعض أصحابنا قد روى عنك أنك قلت : إذا أحل الرجل لأخيه جاريته فهي له حلال ،
فقال : نعم يا فضيل ، قلت له : فما تقول في رجل عنده جاريته نفيسة وهي بكر أحل
لأخيه ما دون فرجها ، إله أن يفتضها؟ قال : لا ، ليس له إلا ما أحل له منها ، ولو
أحل له قبلة منها لم يحل له سوى ذلك ، قلت : أرأيت إن أحل له ما دون الفرج فغلبته
الشهوة فافتضها؟ قال : لا ينبغي له ذلك ، قلت : فإن فعل ، أيكون زانيا؟ قال : لا ،
ولكن يكون خائنا ، ويغرم لصاحبها عشر قيمتها». وزاد في الكافي «وإن لم تكن بكرا
فنصف عشر قيمتها» الحديث.
وما رواه في الكافي (2) في الصحيح عن ابن رئاب عن أبي بصير ،
وهو مشترك والأظهر عندي عد حديثهما معا في الصحيح قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن امرأة أحلت
لابنها فرج جاريتها ، قال : هو له حلال ، قلت : أفيحل له ثمنها؟ قال : لا ، إنما
يحل له ما أحلت له» الحديث.
وفي الصحيح عن ضريس بن عبد الملك (3) عن أبي عبد
الله عليهالسلام «في الرجل يحل
لأخيه من جاريته وهي تخرج في حوائجه؟ قال : هي له حلال».
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 468 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 244 ح 16 ، الفقيه ج
3 ص 289 ح 21 ، الوسائل ج 14 ص 537 ح 1.
(2) الكافي ج 5 ص 468 ح 2 ، التهذيب ج 7 ص 242 ح 8 ، الوسائل ج
14 ص 534 ح 2.
(3) التهذيب ج 7 ص 248 ح 26 ، الفقيه ج 3 ص 290 ح 22 ، الوسائل
ج 14 ص 540 ح 1.
وفي الصحيح عن محمد بن إسماعيل بن بزيع (1) عن أبي الحسن
الرضا عليهالسلام في امرأة أحلت
لزوجها جاريتها ، فقال : ذلك له ، قال : فإن كانت تمزح؟ فقال : وكيف له بما في
قلبها ، إذا علم أنها تمزح فلا».
وفي الحسن عن زرارة (2) قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : الرجل يحل
جاريته لأخيه؟ قال : لا بأس ، قال : قلت : فإنها جاءت بولد» الحديث ، وسيأتي تمامه
إن شاء الله قريبا.
وما رواه في الكافي والتهذيب (3) عن عبد الكريم
عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «قلت له
: في الرجل يحل لأخيه فرج جاريته؟ قال : نعم ، له ما أحل منها».
وعن أبي بكر الحضرمي (4) قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام إن امرأتي
أحلت لي جاريتها ، فقال : انكحها إن أردت ، قلت : أبيعها؟ قال : لا ، إنما حل لك
منها ما أحلت».
وعن الحسن بن عطية (5) عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إذا أحل
الرجل من جاريته قبلة لم يجز له غيرها ، فإن أحل له منها دون الفرج لم يحل له غيره
، وإن أحل له الفرج حل له جميعا».
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 469 ح 8 ، التهذيب ج 7 ص 242 ح 10 وص 462 ح
62 مع تفاوت يسير ، الوسائل ج 14 ص 227 ح 2 ص 534 ح 3.
(2) الكافي ج 5 ص 469 ح 6 ، التهذيب ج 7 ص 247 ح 25 ، الفقيه ج
3 ص 290 ح 23 ، الوسائل ج 14 ص 540 ح 3 و 4 وما في المصادر «قلت لأبي جعفر عليهالسلام».
(3) الكافي ج 5 ص 468 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 242 ح 9 وفيه «عن
أبى عبد الله ـ عليهالسلام ـ» ، الوسائل ج 14 ص 538 ح 3.
(4) الكافي ج 5 ص 468 ح 4 ، الوسائل ج 14 ص 539 ح 2.
(5) الكافي ج 5 ص 470 ح 15 ، التهذيب ج 7 ص 245 ح 18 ، الوسائل
ج 14 ص 539 ح 1.
وفي الصحيح عن هشام بن سالم وحفص بن البختري (1) عن أبي عبد
الله عليهالسلام «في الرجل يقول
لامرأته : أحلي لي جاريتك ، فإني أكره أن تراني منكشفا ، فتحلها له ، قال : لا يحل
له منها إلا ذلك ، وليس له أن يمسها ولا أن يطأها» وزاد فيه هشام «له أن يأتيها؟
قال : لا يحل له إلا الذي قالت».
وعن محمد بن إسماعيل بن بزيع (2) قال : «سألت
أبا الحسن عليهالسلام عن امرأة أحلت
لي جاريتها؟ فقال : ذلك لك ، قلت : فإن كانت تمزح؟ قال : كيف لك بما في قلبها ،
فإن علمت أنها تمزح فلا».
إلى غير ذلك من الأخبار ، وسيأتي شطر منها إن شاء الله
تعالى في الأبحاث الآتية.
احتج المانعون على ما نقله في المختلف بقوله عزوجل «وَالَّذِينَ
هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ. إِلّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ
أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ، فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ
فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ» (3) وهذا خارج عن
القسمين فيدخل تحت العدوان.
وما رواه الحسين بن علي بن يقطين (4) في الصحيح قال
: «سألته عن الرجل يحل فرج جاريته؟ قال : لا أحب ذلك».
وعن عمار الساباطي (5) عن الصادق عليهالسلام «في المرأة
تقول لزوجها : جاريتي لك قال : لا يحل له فرجها إلا أن تبيعه أو تهب له».
وأجاب في المختلف عن الآية بأن المراد بالملك في الآية
ما يشمل ملك المنفعة ، فيكون نكاح التحليل مندرجا تحت الآية ، وعن الحديث الأول
بالحمل
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 469 ح 7 ، التهذيب ج 7 ص 245 ح 17 ، الوسائل
ج 14 ص 538 ح 4.
(2) الكافي ج 5 ص 469 ح 8 ، التهذيب ج 7 ص 242 ح 10 ، وفيه «أحلت
لزوجها» ، الوسائل ج 14 ص 534 ح 3.
(3) سورة المؤمنون ـ آية 5 و 6 و 7.
(4 و 5) التهذيب ج 7 ص 243 ح 11 و 13، الوسائل ج 14 ص 533 ح 7 وص
535 ح 5.
على الاستحباب ، قال : والثاني ضعيف
السند ، مع أن الصيغة وهي التحليل لم توجد ، انتهى.
والأظهر عندي حمل الخبرين على التقية ، فإن العامة
مطبقون على عدم صحة نكاح التحليل وهو من خواص الإمامية ـ أنار الله برهانهم.
ويشير إلى ما ذكرنا كلام الشيخ في الجواب عن خبر الحسين
بن علي بن يقطين حيث إنه قال : إن هذا الخبر ورد مورد الكراهة ، والوجه فيه أن هذا
مما لا يراه غيرنا ، ومما يشنع علينا مخالفونا به ، فالتنزه عنه أولى. انتهى ، وهو
يرجع إلى الحمل على التقية كما ذكرناه.
ومن هذه الأخبار المتقدمة وأمثالها يعلم صحة ما صرح به
الأصحاب من أنه يجب الاقتصار في التحليل على ما تناوله اللفظ ، فلو أحل له قبلة
خاصة ـ اقتصر عليها وحرم ما زاد ـ والنظر خاصة اختص الحل به ، ولو أحل له الخدمة
خاصة حرم ما سواها ، ولو أحل له الوطي لم يحل له الاستخدام. نعم يحل له غيره من
ضروب الاستمتاع لدلالته على الوطي بالمطابقة ، ودلالته على باقي وجوه الاستمتاع
كالنظر واللمس والقبلة ونحوها بالالتزام ، وبذلك صرحت رواية الحسن بن عطية.
الثاني : لا ريب في اعتبار صيغة لهذا النكاح ، فإن مجرد
التراضي لا يكفي حل الفروج إجماعا ، وقد أجمعوا على الجواز بلفظ التحليل ، لأنه هو
الوارد في النصوص كما عرفت مما قدمناه من الأخبار وغيره على هذا المنوال أيضا ،
فيصح بقوله : أحللت لك وطؤ فلانة ، أو : جعلتك في حل من وطئها ، قاصدا به الإنشاء.
واختلفوا في لفظ الإباحة ، فالمشهور ـ وهو قول الشيخ في
النهاية وأتباعه والمرتضى ـ أنه لا يفيد الحل ، ونقل عن العلامة في أحد قوليه
وقوفا على ظاهر النصوص ، وتمسكا بالأصل ، وذهب الشيخ في المبسوط وابن إدريس
والمحقق والعلامة في القول الآخر وجماعة إلى الاكتفاء به لمشاركته للتحليل في المعنى
، ويجوز إقامة كل من المترادفين مقام الآخر كما ذكر في الأصول.
ورد بمنع الاكتفاء بالمرادف ، فإن في النكاح شائبة
العبادة ، وكثير من أحكامه توقيفية ، وفي معنى الإباحة أذنت لك في وطئها ، وسوغت
لك وملكتك ذلك ، فمن جوز الإباحة اكتفى بهذه الألفاظ لأنها في معناها ، ومن اقتصر
على التحليل منع منها.
أقول : وروى الشيخ في التهذيب (1) عن هشام بن
سالم قال : «أخبرنا محمد بن مضارب قال : قال لي أبو عبد الله عليهالسلام : يا محمد خذ
هذه الجارية تخدمك وتصيب منها فإذا خرجت فارددها إلينا».
وفيه كما ترى دلالة على الاكتفاء بالكنايات ، فبطريق
الأولى الاكتفاء بالإباحة ، وما في معناها من هذه الألفاظ المذكورة ونحوها.
وأما لفظ العارية فظاهر المحقق في النافع أنه لا خلاف في
المنع منه حيث نقل الاتفاق من الجميع على المنع.
ويدل عليه ما رواه في الكافي (2) عن أبي العباس
البقباق قال : «سأل رجل أبا عبد الله عليهالسلام ونحن عنده عن
عارية الفرج ، فقال : حرام ، ثم مكث قليلا ثم قال : ولكن لا بأس بأن يحل الرجل
جاريته لأخيه».
إلا أنه نقل السيد السند في شرح النافع عن ظاهر ابن
إدريس حصول أبا عبد الله عليهالسلام ونحن عنده عن
عارية الفرج ، فقال : حرام ، ثم مكث قليلا ثم قال : لكن : لا بأس بأن يحل الرجل
جاريته لأخيه». إلا أنه نقل السيد في شرح النافع عن ظاهر ابن إدريس حصول التحليل
به ، ثم قال : ويدل عليه رواية الحسن العطار (3) قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن عارية
الفرج ، قال : لا بأس به ، قلت : فإن كان منه ولد؟ فقال : لصاحب الجارية إلا أن
يشترط عليه».
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 470 ح 14 ، التهذيب ج 7 ص 242 ح 7 ، الوسائل
ج 14 ص 532 ح 6.
(2) الكافي ج 5 ص 470 ح 16 ، التهذيب ج 7 ص 244 ح 15 ، الوسائل
ج 14 ص 536 ح 1.
(3) التهذيب ج 7 ص 246 ح 21 ، الوسائل ج 14 ص 540 ح 2.
ثم قال : وهي ضعيفة بجهالة الراوي ، فالأحوط الاقتصار
على لفظ التحليل ، لأنه المتفق وإن كان الاجتزاء بكل لفظ أفاد الاذن في الوطي لا
يخلو من قوة ، انتهى.
أقول : أما ما ذكره من ضعف الرواية بجهالة الراوي فإنه
يمكن المناقشة فيه بأن الحسن العطار هنا الظاهر أنه الحسن بن زياد العطار الضبي ،
وهو ثقة فتكون الرواية صحيحة.
وأما ما ذكره من الاحتياط أو الاقتصار على لفظ التحليل
وإن كان الاجتزاء بكل لفظ أفاد الاذن في الوطي لا يخلو من قوة فهو جيد ، ويؤيده ما
تقدم في غير مقام من أن المدار في العقود مطلقا على الألفاظ الدالة على الرضاء
بمقتضى ذلك العقد بأي لفظ كان ، فهنا بطريق أولى حيث إنه في الحقيقة لا يخرج عن
الإباحة كما سيظهر لك إن شاء الله تعالى ، والأمر فيها أوسع دائرة من العقود
ويؤيده تأييدا رواية محمد بن مضارب المتقدمة.
بقي الكلام في تعارض رواية البقباق الدالة على عدم جواز
النكاح بالعارية ، ورواية الحسن العطار الدالة على جوازه ، وأنه لا بأس به ، وقد
جمع بينهما في الوافي بحمل العارية في رواية الحسن على التحليل ، وأنه قد أطلق
عليه تجوزا ، ولا بأس به في مقام الجمع ، والله العالم.
الثالث : اختلف الأصحاب في أن التحليل هنا هل هو عقد
إباحة وتمليك منفعة؟ فنقل عن السيد المرتضى أنه عقد متعة محتجا على ذلك بأنه ليس
ملك يمين ، لأن المفهوم من ملك اليمين ملك الرقبة فيكون عقدا لانحصار سبب الإباحة
في العقد والملك بنص القرآن ، والمشهور أنه ملك منفعة ، لأنه ليس عقد دوام ، وإلا
لم يرتفع إلا بالطلاق وهو باطل إجماعا ، ولا عقد متعة ، لأنه مشروط بذكر المهر
والأجل وهما غير معتبرين في التحليل ، وإذا انتفى كونه عقدا ثبت كونه تمليك منفعة
، لأن الحل دائر مع العقد والملك على سبيل منع الخلو ، وإذا انتفى الأول ثبت
الثاني.
قال السيد السند في شرح النافع بعد ذكر ذلك وهو جيد : لو
انحصر طريق الحل في المنفعة والملك ، لكنه غير ثابت خصوصا مع استفاضة الأخبار بل
تواترها بأن التحليل طريق إلى حل الوطي ، انتهى.
أقول : فيه أنه لا ريب في أن مقتضى قوله عزوجل «إِلّا
عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ،
فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ» (1) هو انحصار الحل في العقد والملك ،
إلا أنه حيث ثبت بالأخبار حصول الحل بالتحليل فلا بد من إرجاع ذلك إلى أحد الفردين
المذكورين في الآية لئلا يلزم طرح الأخبار المذكورة لخروجها على خلاف ما صرح به
الكتاب العزيز حسب ما استفاضت به أخبارهم عليهمالسلام «أن كل خبر
خالف القرآن يضرب به عرض الحائط (2).
وبالجملة فاللازم إما منع دلالة الآية على الحصر ،
والظاهر أنه لا يقول به لتصريحها بأن من ابتلى وراء ذلك فهو عاد ، وأما طرح
الأخبار المذكورة فالجمع بين الأدلة حيثما أمكن أولى من طرحها ، وهو هنا ممكن على
القول المشهور بحمل الملك في الآية على ما هو أعم من ملك الرقبة أو المنفعة.
وكيف كان فالظاهر هو القول المشهور ، إذ لا يخفى على من
تأمل الأخبار المتقدمة وما اشتملت عليه من قوله عليهالسلام «لو أحل له
قبلة لم يحل له سواها ، وأنه لا يحل له إلا ما أحل». وقوله «يحل له ما دون الفرج».
ونحو ذلك أنه لا مجال للحمل على العقد المدعى هنا ولا
معنى له ، بل ليس إلا مجرد الإباحة وتمليك تلك المنفعة الخاصة التي تعلق بها الاذن
، وكذا ما تضمن أنه لو أحل له الفرج حل له جميع ذلك ، لا معنى له إلا إباحة الفرج
له ، فإنه يستبيح به ما عداه من نظر ولمس وتقبيل ونحوها ، ولا معنى للعقد هنا بوجه
، فكلام السيد المزبور على غاية من القصور.
__________________
(1) سورة المؤمنون ـ آية 6 و 7.
(2) لم نعثر عليه بهذا اللفظ.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن ظاهر الأصحاب وجوب القبول على كل
من القولين ، قال في المسالك : أما على العقد فظاهر ، واما التمليك فلأنه في معنى
هبة المنفعة فيكون أيضا من قبيل العقود ، وإنما نفينا عنه اسم عقد النكاح ، لا
مطلق العقود ، فالتحقيق أنه عقد في الجملة على التقديرين ، انتهى.
وفيه أنه لا يخفى على من راجع الأخبار الواردة في المقام
أنها على كثرتها وتعددها لا إشارة فيها إلى اعتبار القبول كما عرفت من الأخبار
المتقدمة ونحوها غيرها فإنها كلها على هذا المنوال ، بل هي بالدلالة على العدم
أنسب وإليه أقرب ، وقد اعترف بذلك أيضا سبطه السيد السند في شرح النافع ، فقال بعد
نقل ذلك عنهم : وليس في الروايات ما يدل عليه ، بل الظاهر منها خلافة ، انتهى.
ثم إن المشهور بينهم أنه لا يفتقر إلى تعيين مدة ، ونقل
عن الشيخ في المبسوط أنه يفتقر ، ولم نقف له على دليل ، والروايات على كثرتها
خالية من ذلك ، والظاهر أنه لا يشترط فيه ما تقدم في نكاح الإماء من الاشتراط
بفقدان الطول وخوف العنت لإطلاق أكثر الأخبار وخصوص صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع
المتقدمة وهي الأولى منها ، ورواية أبي بكر الحضرمي المتقدمة أيضا.
الرابع : اختلف الأصحاب في تحليل السيد أمته لعبده ،
فذهب جملة منهم الشيخ في النهاية والعلامة في المختلف وولده فخر المحققين إلى
العدم لصحيحة علي بن يقطين (1) عن أبي الحسن عليهالسلام «أنه سئل عن
المملوك أيحل له أن يطأ الأمة من غير تزويج إذا أحل له مولاه؟ قال : لا يحل له». واستدلوا
أيضا بأنه نوع تمليك ، والعبد ليس أهلا له.
وذهب ابن إدريس والمحقق في الشرائع إلى الجواز ، ويدل
عليه ما رواه الشيخ في التهذيب (2) عن فضيل مولى راشد قال : «قلت لأبي
عبد الله عليهالسلام : لمولاي في
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 243 ح 14 ، الوسائل ج 14 ص 536 ح 2.
(2) التهذيب ج 7 ص 238 ح 60 ، الوسائل ج 14 ص 536 ح 1.
يدي مال ، فسألته أن يحل لي مما أشتري
من الجواري ، فقال : إن كان يحل لك إن أحل لك فهو حلال ، فسألت أبا عبد الله عليهالسلام عن ذلك فقال :
إن أحل لك جارية بعينها فهو لك حلال ، وإن قال : اشتر منهن ما شئت ، فلا تطأ منهن
شيئا إلا من يأمرك ، إلا جارية يراها فيقول : هي لك حلال ، وإن كان لك أنت مال
فاشتر من مالك ما بدا لك».
وإلى هذه الرواية مع الرواية السابقة أشار المحقق في
الشرائع بقوله : وفي تحليل أمته لمملوكه روايتان : إحداهما المنع ، وظاهر شيخنا في
المسالك أنه لم يقف على الرواية الثانية حيث قال : والرواية التي أشار المصنف إلى
دلالتها على الجواز لم نقف عليها ولا ذكرها غيره ، وإنما التجأ في تعليل هذا القول
والاحتجاج له إلى الأدلة العقلية التي يتكلفونها في أمثال هذا الموضع.
قال : واختار المصنف الحل لوجود المقتضي ، وانتفاء
المانع ، إذ ليس إلا كونه لا يملك ونفي ملكه مطلقا ممنوع ، سلمنا لكن المراد
بالملك هنا الإباحة بمعنى استحقاق البضع وإباحته لا الملك بالمعنى المشهور لأن ملك
البضع لا معنى له إلا الاستحقاق المذكور.
وأنت خبير بما فيه كما سلف الكلام في مثله في غير موضع ،
وقد اتفق لسبطه في شرح النافع أيضا ـ من حيث عدم وقوفه على الرواية ـ ارتكاب تكلف
آخر أيضا ، فقال ـ بعد قول المصنف : وفي تحليل أمته لمملوكه تردد ، ومساواته
للأجنبي أشبه ـ ما هذا لفظه : منشأ التردد من إطلاقات الروايات المتضمنة لحل الأمة
بالتحليل المتناولة للحر والعبد ، ومن صحيحة علي بن يقطين المتضمنة للمنع من ذلك ،
ثم ساق الرواية.
وفيه أن ما ادعاه من إطلاق الروايات وتناوله للحر والعبد
غير مسلم ، إذ لا وجود له في الأخبار كما لا يخفى على من راجعها ، وقد تقدم لك شطر
منها ، فإنه ليس فيها ما يتناول للمملوك بوجه ، إذ غاية ما دلت عليه وبه صرحت
عباراتها
إنما هو الرجل يحل جاريته لأخيه ،
ومنها ما هو مخصوص بالمرأة تحل لزوجها أو المرأة لابنها ونحو ذلك ، وليس فيها
إشارة إلى الحل للمملوك بالكلية.
وتردد المصنف إنما هو من تعارض الخبرين المذكورين ،
ولكنه لما لم يطلع على الخبر الدال على الجواز ارتكب هذا التكلف مع ما عرفت من
بطلانه.
وكيف كان فالظاهر هو حمل صحيحة علي بن يقطين على التقية
، كما قدمنا ذكره في المورد الأول ، لاعتضاد رواية الجواز المذكورة بجملة من
الأخبار الدالة على جواز تسري العبد الجواري بإذن مولاه.
ومنها ما رواه في الكافي والتهذيب (1) عن زرارة عن
أحدهما عليهماالسلام قال : «سألته
عن المملوك كم يحل أن يتزوج؟ قال : حرتان أو أربع إماء : وقال : لا بأس إن كان في
يده مال ، وكان مأذونا له في التجارة أن يتسري ما شاء من الجواري ويطأهن».
وما رواه في الكافي (2) عن إسحاق بن عمار قال : «سألت أبا
عبد الله عليهالسلام عن المملوك
يأذن له مولاه أن يشتري من ماله الجارية والثنتين والثلاث ورقيقة له حلال؟ قال :
يحد له حدا لا يجاوزه».
وما رواه في الكافي والتهذيب عن زرارة (3) عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «إذا
أذن الرجل لعبده أن يتسرى من ماله ، فإنه يتسرى كم شاء بعد أن يكون قد أذن له».
وظاهره في المسالك أيضا حمل صحيحة علي بن يقطين على
التقية ، قال : لأن العامة يمنعون التحليل مطلقا ، إلا أنه من حيث عدم اطلاعه على
الرواية المعارضة
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 477 ح 3 ، التهذيب ج 8 ص 210 ح 54 ، الوسائل
ج 14 ص 520 ح 2.
(2) الكافي ج 5 ص 477 ح 4 ، الوسائل ج 14 ص 407 ح 2.
(3) الكافي ج 5 ص 477 ح 5 ، التهذيب ج 7 ص 296 ح 77 ، الوسائل
ج 14 ص 407 ح 3.
استشكل ، فقال : ومع ذلك ففي تكلف
الحمل مع عدم وجود المعارض إشكال ، ثم قال : إنه لا فرق على القولين بين تحليل
عبده لأمته أو عبد غيره إذا أذن سيده وإنما خص المصنف عبده لموضع النص.
وعندي فيه إشكال ، لأن التحليل على خلاف الأصل وخارج عن
مقتضى القواعد وظاهر القرآن ، ولهذا أطبق العامة على عدم جوازه ، ولكن لما تكاثرت
به أخبارنا من غير معارض فيها أطبق الأصحاب على جوازه ، إلا الشاذ النادر ،
وتكلفوا إدخاله في الآية كما تقدم ، ولا ريب أن مورد الأخبار كما لا يخفى على من
تتبعها إنما هو التحليل للحر خاصة ، والتحليل للعبد إنما وقع في خبر فضيل مولى
راشد ، ومورده مختص بتحليل السيد أمته لعبده ، وحينئذ فالحكم بتحليل السيد أمته
لعبد غيره مع إذن مالك العبد مما لا دليل له في الأخبار ، وحمله على ما نحن فيه من
عبد السيد وأمته كما يفهم من كلامه لا يخرج عن القياس.
الخامس : قالوا : لو ملك بعض الأمة ، وكان البعض الآخر
حرا ، فأحلت نفسها له ، لم يحل له نكاحها ، ولو كانت بين شريكين ، فأحل أحد
الشريكين حصته لشريكه فقولان : المشهور المنع.
أقول : قد تقدم تحقيق الكلام في هذا المقام بما يتعلق
بكل من المسألتين المذكورتين في المسألة السادسة من المطلب الأول مفصلا فليرجع
إليه.
السادس : إذا أحل السيد أمته لحر وحصل من التحليل ولد ،
فلا يخلو إما أن يشترط في صيغة التحليل كونه حرا أو رقا ، أو لا يشترط شيء منهما.
وعلى الأول فإنه يكون حرا ، ولا قيمة على الأب إجماعا.
وعلى الثاني يبنى على صحة هذا الشرط في نكاح الأمة وعدمه
، وقد تقدم الكلام فيه في المسألة الثانية من المطلب الأول.
وعلى الثالث فالمسألة محل خلاف بين الأصحاب ، فالمشهور
بين المتأخرين وبه قال الشيخ في الخلاف والمرتضى وابن إدريس أنه حر ، ولا قيمة على
أبيه
وخالف في ذلك الشيخ في النهاية
والمبسوط وكتابي الأخبار ، فقال : بأنه رق ، قال في النهاية : ومتى جعله في حل من
وطئها ، وأتت بولد كان لمولاها وعلى أبيه أن يشتريه بماله إن كان له مال ، وإن لم
يكن له مال استسعى في ثمنه ، وإن شرط أن يكون حرا كان على ما شرط ونحوه في المبسوط
وكتابي الأخبار ، ومنشأ هذا الخلاف اختلاف الأخبار والانظار.
فمما يدل على القول المشهور ما رواه في الكافي (1) عن زرارة في
الصحيح أو الحسن عن أبي جعفر عليهالسلام «في الرجل يحل
جاريته لأخيه؟ فقال : لا بأس بذلك ، قلت : فإنه قد أولدها ، قال : يضم إليه ولده ،
فترد الجارية على مولاها ، قلت : فإنه لم يأذن له في ذلك ، قال : إنه قد حلله منها
فهو لا يأمن ذلك».
وما رواه الشيخ (2) في الموثق عن إسحاق بن عمار قال : «قلت
لأبي عبد الله عليهالسلام : الرجل يحل
جاريته لأخيه؟ أو حرة حللت جاريتها لأخيها؟ قال : يحل له من ذلك ما أحل له ، قلت :
فجاءت بولد ، قال : يلحق بالحر من أبويه».
وعن عبد الله بن محمد (3) قال : «سألت
أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يقول
لأخيه جاريتي لك حلال ، قال : قد حلت له ، قلت : فإنها قد ولدت ، قال : الولد له
والام للمولى ، واني لأحب للرجل إذا فعل بأخيه أن يمن عليه فيهبها له». أقول : يعني
إذا جاءت بولد.
ومما يدل على القول الآخر ما رواه الصدوق ـ رحمة الله
عليه ـ والشيخ (4) عن ضريس بن
عبد الملك في الصحيح عن أبي عبد الله عليهالسلام «الرجل يحل
لأخيه جاريته
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 469 ح 6 ، التهذيب ج 7 ص 247 ح 25 ، الوسائل
ج 14 ص 540 ح 4 وما في المصادر اختلاف يسير مع ما نقله ـ قدسسره.
(2 و 3) التهذيب ج 7 ص 247 ح 23 و 24، الوسائل ج 14 ص 541 ح 7 و
6.
(4) التهذيب ج 7 ص 248 ح 26 ، الفقيه ج 3 ص 290 ح 22 ، الوسائل
ج 14 ص 540 ح 1.
وهي تخرج في حوائجه ، قال : هي له
حلال ، قلت : أرأيت إن جاءت بولد ما يصنع به؟ قال : هو لمولى الجارية ، إلا أن
يكون قد اشترط عليه حين أحلها له أنها إن جاءت بولد فهو حر ، قال : إن كان فعل فهو
حر ، قلت : فيملك ولده؟ قال : إن كان له مال اشتراه بالقيمة».
وروى الشيخ هذه الرواية في التهذيب بسند آخر ضعيف ، وهو
الذي نقله الأصحاب في كتب الاستدلال ، ولذا ردوا الرواية بذلك كما أشار إليه
المحقق في الشرائع ، وصرح به الشارح في المسالك ، والعلامة في المختلف ، ولم يقفوا
على رواية الشيخ لها بالسند الآخر الصحيح ومثله الصدوق في الفقيه.
ويدل على ذلك صحيحة الحسن العطار (1) وهو الحسن بن
زياد العطار ، وقد وثقة النجاشي قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن عارية الفرج؟
قال : لا بأس به ، قلت : فان كان منه ولد ، فقال : لصاحب الجارية إلا أن يشترط
عليه». والمراد بالعارية هنا التحليل كما تقدم ذكره.
وما رواه في التهذيب (2) عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبى
الحسن عليهالسلام «في امرأة قالت
لرجل : فرج جاريتي لك حلال ، فوطأها فولدت ولدا ، قال : يقوم الولد عليه بقيمته».
وقد رد المتأخرون هذه الروايات بضعف الاسناد ، وقال في
المسالك : وفي طريق الاولى علي بن فضال ، والثانية مجهولة بالعطار ، والثالثة بعبد
الرحمن بن حماد ، وأراد بالأولى صحيحة ضريس بناء على نقلها بذلك السند الضعيف كما
عرفت ، وأراد بالثانية صحيحة الحسن العطار ، وبالثالثة رواية إبراهيم بن عبد
الحميد ، ومثله العلامة في المختلف ، وكان الحامل لهم على الطعن في الحسن العطار
هو ما في الفهرست من قول الشيخ : الحسن العطار له أصل يروى عنه ابن أبي عمير ،
__________________
(1) التهذيب ج 7 ص 246 ح 21 ، الوسائل ج 14 ص 540 ب 37 ح 2.
(2) التهذيب ج 7 ص 248 ح 27 ، الوسائل ج 14 ص 541 ح 5.
وفيه أن الظاهر إن الرجل المذكور هو
ما ذكره النجاشي بقوله الحسن بن زياد العطار مولى بني ضبة كوفي ثقة ـ إلى أن قال :
ـ له كتاب يروي عنه ابن أبي عمير فإن الوصف بالعطار ورواية ابن أبي عمير عنه قد
اتفقت عليه العبارتان ، ولكن النجاشي زاد ذكر الأب ، والشيخ لم يتعرض له ،
وبالجملة فالمتأمل في ذلك لا يخفى عليه أن الرجل واحد.
وأجاب الشيخ عن الروايات الأولة بالحمل على أحد وجهين :
(الأول) الحمل على اشتراط الأب الحرية فإنها مجملة قابلة
لذلك.
(الثاني) الحمل على أن يكون ضم ولده إليه ولحوقه به
بالقيمة كما هو صريح عبارته في النهاية المتقدمة ذكرها ، ويبعد الأول قوله عليهالسلام في آخر حسنة
زرارة قد حلله منها وهو لا يأمن ذلك ، ويرجح الثاني قوله عليهالسلام في آخر رواية
إبراهيم بن عبد الحميد «يقوم الولد عليه بقيمته». وقوله في آخر صحيحة ضريس «قلت :
فيملك ولده؟ قال : إن كان له مال اشتراه بالقيمة».
وقال الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه ـ بعد أن أورد
حسنة زرارة وصحيحة ضريس ـ ما صورته : قال مصنف هذا الكتاب ـ رحمة الله عليه ـ :
هذان الحديثان متفقان ، وليسا بمختلفين وخبر حريز عن زرارة قال «يضم إليه ولده». يعني
بالقيمة ما لم يقع الشرط بأنه حر. انتهى ، وهو جمع حسن بين الأخبار ، وقد رجحه
السيد السند في شرح النافع فإنه قال ـ بعد نقل كلام الصدوق ـ : وما ذكره من الجمع
جيد.
وأما ما احتج به بعض المتأخرين من عموم الأخبار المتقدمة
ـ في المسألة الثانية من المطلب الأول الدالة على أن ولد الحر لا يكون إلا حرا ـ منظور
فيه بأن الدليل هناك مورده التزويج ، والتحليل أمر آخر ، ولهذا أن الشيخ في
المبسوط فرق بين ما إذا قلنا بأن التحليل عقد كما هو قول المرتضى أو إباحة ، فأوجب
إلحاقه بالحر منهما على الأول وحكم بالرقية على الثاني ، فقال على
ما نقله في المختلف : ويكون الولد
لاحقا بأمه ويكون رقا إلا أن يشترط الحرية ، ولو كان عقدا يعني التحليل الحق
بالحرية على كل حال ، لأن الولد عندنا يلحق بالحرية من أي جهة كان. ذكر ذلك في
معرض الاستدلال على أن التحليل نوع تمليك لا عقد ، على أنه قد دلت هناك جملة من
الروايات على الرقية أيضا كما هو مذهب ابن الجنيد.
وبذلك يظهر لك رجحان ما ذهب إليه الشيخ ـ عطر الله مرقده
ـ والأصحاب لم ينقلوا الخلاف في هذا المقام إلا عن الشيخ وحده ، مع أن عبارة
الصدوق المذكورة صريحة في ذلك.
هذا وظاهر عبارة المحقق في كتابيه أنه لا خلاف في حرية
الولد ، وإنما الخلاف في وجوب فكه بالقيمة على الأب ، قال في الشرائع : ولد
المحللة حر ، ثم إن شرط الحرية مع لفظ الإباحة فالولد حر ، ولا سبيل على الأب ،
وإن لم يشترط قيل : يجب على أبيه فكه بالقيمة ، وقيل : لا يجب ، وهو أصح الروايتين
، وقال في النافع : ولد المحللة حر ، فإن شرط الحرية في العقد فلا سبيل على الأب
وإن لم يشترط ففي إلزامه قيمة الولد روايتان ، أشبههما أنه لا يلزم.
وأنت خبير بما فيه ، فإن الخلاف كما عرفت إنما هو في
الحرية والرقية ، وقد صرح الشيخ في عبارته المتقدم نقلها عن المبسوط بالرقية ،
فقال : ويكون رقا إلا أن يشترط الحرية ، وكذا عبارة النهاية ، وقوله «كان لمولاها»
يعني ملكا لمولاها ، والأخبار أيضا إنما تصادمت في ذلك ، والقول بوجوب فكه بالقيمة
إنما هو على تقدير الرقية كما عرفت من عبارة الشيخ في النهاية والصدوق في الفقيه ،
والقائل بالحرية لا يقول بلزوم القيمة للأب.
أقول : وقد تقدم جملة من أحكام الإماء في كتاب البيع ،
وفي الفصول السابقة من هذا الكتاب.
ختام
يتضمن جملة من الأخبار كالنوادر لهذا الفصل.
فمنها ما رواه في الكافي (1) عن غياث بن
إبراهيم عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «لا بأس
أن ينام الرجل بين أمتين والحرتين ، إنما نساؤكم بمنزلة اللعب».
وعن عبد الرحمن بن أبي نجران (2) عمن رواه عن
أبي الحسن عليهالسلام أنه كان ينام
بين جاريتين.
أقول : قد صرح الأصحاب هنا بأنه لا بأس بالنوم بين أمتين
، ويكره بين الحرتين.
أما الحكم الأول فاستدلوا عليه بالرواية الثانية ،
وعللوا الكراهة بما فيه من الامتهان كما ذكره في المسالك ، ونحوه سبطه في شرح
النافع حيث نقل عنهم ذلك ، وقال : لا بأس به.
وفيه أن الخبر الأول ـ كما ترى ـ ظاهر في الجواز بالنسبة
إلى الإماء والحرائر ، معللا له بما ذكر مما يدل على حسنه وحصول اللذة به.
وروى الشيخ (3) في الصحيح عن عبد الله بن أبي يعفور
عن أبي عبد الله عليهالسلام «في الرجل ينكح
الجارية من جواريه وفي البيت من يرى ويسمع ، قال : لا بأس».
وبمضمون هذه الرواية صرح المحقق في النافع فقال : ولا
بأس أن يطأ الأمة وفي البيت غيره.
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 560 ح 16 ، التهذيب ج 7 ص 486 ح 161 ،
الوسائل ج 14 ص 589 ب 84 ح 1.
(2) التهذيب ج 7 ص 459 ح 46 ، الوسائل ج 14 ص 589 ح 2.
(3) التهذيب ج 8 ص 208 ح 41 ، الوسائل ج 14 ص 584 ح 1.
أقول : قد روى في الكافي (1) عن ابن راشد
عن أبيه قال : «سمعت أبا عبد الله عليهالسلام قال : لا
يجامع الرجل امرأته ولا جاريته وفي البيت صبي ، فإن ذلك مما يورث الزنا». وهو ظاهر
في الكراهة كالحرة ، اللهم إلا أن يقال : إنه لا منافاة بين نفي البأس الدال على
الجواز والكراهة.
وروى في الكافي (2) عن عبد الرحمن بن أبي نجران عمن رواه
عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إذا
أتى الرجل جاريته ثم أراد أن يأتي الأخرى توضأ». وفيه دلالة على استحباب الوضوء في
هذا الحال.
وروى الراوندي سعيد بن هبة الله في كتاب الخرائج
والجرائح (3) عن الحسن ابن
أبي العلاء قال : «دخل على أبي عبد الله عليهالسلام رجل من أهل
خراسان فقال : إن فلانا بن فلان بعث معي بجارية وأمرني أن أدفعها إليك ، قال : لا
حاجة لي فيها إنا أهل بيت لا تدخل الدنس بيوتنا ، قال : لقد أخبرني أنها ربيبة
حجره ، قال : لا خير فيها ، فإنها قد أفسدت ، قال : لا علم لي بهذا ، قال : أعلم
أنه كذا».
وعن أبي عبد الله عليهالسلام (4) «أنه دخل عليه
رجل من أهل خراسان ، فقال عليهالسلام : ما فعل فلان؟
قال : لا علم لي به ، قال : أنا أخبرك به ، بعث معك بجارية لا حاجة فيها ، قال :
ولم قال : لأنك لم تراقب الله فيها حيث عملت ما عملت ليلة نهر بلخ ، فسكت الرجل ،
وعلم أنه أعلم بأمر عرفه».
قال في الوسائل بعد نقل هذين الخبرين : وروى الراوندي
والمفيد والطبرسي والصدوق وغيرهم أحاديث كبيرة في هذا المعنى ، وأنه أرسل إليهم عليهمالسلام بهدايا
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 499 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 414 ح 27 ، الوسائل
ج 14 ص 94 ح 1.
(2) التهذيب ج 7 ص 459 ح 45 ، الوسائل ج 14 ص 589 ب 84 ح 2 ولم
نعثر عليه في الكافي.
(3) الخرائج ص 232 ، الوسائل ج 14 ص 573 ح 1.
(4) الخرائج ص 232 ، الوسائل ج 14 ص 573 ح 2.
وجواز زنا بهن الرسل ، فأخبروا بالحال
، وردوا الجواري (1).
وظاهر صاحب الوسائل عموم هذا الحكم لغيرهم عليهمالسلام أيضا فقال :
باب كراهة وطئ الجارية الزانية بالملك وتملكها وقبول هبتها ، والظاهر بعده ، فإن
ظاهر الخبر الأول هو اختصاص هذا الحكم بهم عليهمالسلام لقوله عليهالسلام «إنا أهل بيت
لا تدخل الدنس بيوتنا» لا أنه عام لغيرهم ، مع ما عرفت من الأخبار المتكاثرة
الدالة على جواز تزويج الزانية ، والمتعة بها ، وإمساك امرأته التي يعلم أنها تزني
، وجوازه في الحرة ـ خصوصا الزوجة ـ يقتضي ثبوته في الأمة بطريق أولى كما لا يخفى.
وروى في الكافي (2) عن جعفر بن يحيى الخزاعي عن بعض
أصحابنا عن أحدهما عليهماالسلام قال : «قلت له
: اشتريت جارية من غير رشدة ، فوقعت مني كل موقع ، فقال : سل عن أمها لمن كانت ،
فسله يحلل الفاعل بأمها ما فعل ليطيب الولد».
أقول : قد تقدم في باب الرضاع أخبار عديدة نظير هذا
الخبر في الاسترضاع ممن ولادتها من الزنا.
ومنها رواية إسحاق بن عمار (3) قال : «سألت
أبا الحسن عليهالسلام عن غلام لي
وثب على جارية لي فأحبلها فولدت ، واحتجنا إلى لبنها فإن أحللت لهما ما صنعا أيطيب
اللبن؟ قال : نعم».
وقد صرح جملة من الأصحاب بالإعراض عنها ، وارتكبوا
التأويل فيها بالحمل على ما إذا كانت الأمة قد تزوجت بدون إذن مولاها ، فإن الأولى
له إجازة العقد ليطيب اللبن ، مستندين إلى أن إحلال ما مضى من الزنا لا يرفع إثمه
، ولا يرفع حكمه ، فكيف يطيب لبنه ، وهذه المناقشة تجري في هذا الخبر أيضا إلا
أنها
__________________
(1) الخرائج ص 299 ، الوسائل ج 14 ص 573 ح 2.
(2) الكافي ج 5 ص 560 ح 18 ، الوسائل ج 14 ص 570 ح 2.
(3) الكافي ج 6 ص 43 ح 6 ، التهذيب ج 8 ص 109 ح 18 ، الوسائل ج
15 ص 185 ح 5.
غير ملتفت إليها ، فإنه اجتهاد في
مقابلة النصوص ، واستبعاد محض بل جرأة على أهل الخصوص.
وروى الشيخ (1) عن الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «أيما
رجل وقع على وليدة قوم حراما ثم اشتراها فادعى ولدها فإنه لا يورث منه ، فإن رسول
الله صلىاللهعليهوآله سلم قال :
الولد للفراش وللعاهر الحجر ، ولا يورث ولد الزنا إلا رجل يدعى ابن وليدته». وهو
محمول على كون الشراء وقع بعد تحقق الولد كما هو ظاهر الخبر المذكور.
وعن أبي بصير (2) قال : «سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : نهى
رسول الله صلىاللهعليهوآله أن يقال للإماء
يا بنت كذا وكذا ، وقال : لكل قوم نكاح».
أقول : فيه دلالة على عدم جواز قذف أصحاب الملل والأديان
والطعن في أنسابهم بما خالف مقتضى شريعتنا إذا كان سائغا في شرائعهم ، وعليه تدل
جملة من الأخبار.
منها ما رواه في التهذيب (3) عن عبد الله
بن سنان في الحسن قال : «قذف رجل رجلا مجوسيا عند أبي عبد الله عليهالسلام فقال : مه ،
فقال الرجل : إنه ينكح امه وأخته ، فقال : ذاك عندهم نكاح في دينهم».
وعن أبي بصير (4) عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «كل قوم
يعرفون النكاح من السفاح فنكاحهم جائز». إلى غير ذلك من الأخبار.
__________________
(1) الكافي ج 7 ص 163 ح 1 ، التهذيب ج 8 ص 207 ح 40 ، الوسائل
ج 17 ص 566 ح 1.
(2) التهذيب ج 7 ص 472 ح 99 ، الوسائل ج 14 ص 588 ح 2.
(3) الكافي ج 5 ص 574 ح 1 ، التهذيب ج 7 ص 486 ح 164 ، الوسائل
ج 14 ص 588 ح 1.
(4) التهذيب ج 7 ص 475 ح 115 ، الوسائل ج 14 ص 588 ح 3.
وروى في الكافي (1) عن أبي شبل قال : «قلت لأبي عبد الله
عليهالسلام : رجل مسلم
ابتلى ففجر بجارية أخيه ، فما توبته؟ قال : يأتيه فيخبره ويسأله أن يجعله من ذلك
في حل ولا يعود ، قال : قلت : فإن لم يجعله من ذلك في حل؟ قال : قد لقي الله وهو
زان خائن» الحديث.
والأصحاب قد صرحوا في هذا الموضع بأنه في صورة طلب
التحليل والبراءة منه يعرض له ويكنى ولا يصرح ، لما فيه من إثارة العداوة ومزيد
الشحناء ، والخبر كما ترى بخلافه.
وعن سليمان بن صالح (2) عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «سئل عن
الرجل ينكح جارية امرأته ، ثم يسألها أن تجعله في حل فتأبى ، فيقول : إذا لأطلقنك
ويجتنب فراشها فتجعله في حل ، فقال : هذا غاصب ، فأين هو من اللطف».
وعن عبد الرحمن بن أبي عبد الله (3) قال : «قلت
لأبي عبد الله عليهالسلام : الرجل تصب
عليه جارية امرأته إذا اغتسل وتمسحه بالدهن؟ قال : يستحل ذلك من مولاتها ، قال :
قلت : إذا أحلت له هل يحل له ما مضى؟ قال : نعم» الحديث.
أقول : وهذا الخبر من قبيل ما تقدم من مرسلة الخزاعي
وأخبار الرضاع.
وعن محمد بن مسلم (4) في الصحيح عن أبي عبد الله عليهالسلام «في امرأة
الرجل يكون لها الخادم قد فجرت فتحتاج إلى لبنها؟ قال : مرها ، فلتحللها يطيب
اللبن».
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 469 ح 9 ، الفقيه ج 4 ص 28 ح 50 ، الوسائل ج
14 ص 542 ح 2.
(2) الكافي ج 5 ص 470 ح 10 ، الفقيه ج 3 ص 303 ح 36 ، الوسائل
ج 14 ص 542 ح 2.
(3) التهذيب ج 7 ص 459 ح 47 ، الوسائل ج 14 ص 542 ح 3.
(4) الكافي ج 5 ص 470 ح 12 ، الوسائل ج 14 ص 543 ح 1.
وعن جميل بن دراج (1) عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليهالسلام «في رجل كانت
له مملوكة فولدت من فجور فكر ، مولاها أن ترضع له مخالفة أن لا يكون ذلك جائزا له
، فقال أبو عبد الله عليهالسلام : فحلل خادمك
من ذلك حتى يطيب اللبن».
أقول : وهذان الخبران من الأخبار المشار إليها آنفا في
الدلالة على ما دلت عليه رواية إسحاق بن عمار المتقدمة.
وروى في الكافي (2) عن عبد الله بن سنان في الصحيح عن
أبي عبد الله عليهالسلام قال : «لا
يجوز للعبد تحرير ولا تزويج ولا إعطاء من ماله إلا بإذن مولاه».
وعن منصور بن حازم (3) في الصحيح عن أبي عبد الله عليهالسلام في مملوك تزوج
بغير إذن مولاه ، أعاص لله؟ قال : عاص لمولاه ، قلت : حرام هو؟ قال : ما أزعم أنه
حرام ، وقل له أن لا يفعل إلا بإذن مولاه».
وعن معاوية بن وهب (4) في الصحيح عن أبي عبد الله عليهالسلام «أنه قال في
رجل كاتب على نفسه وماله وله أمة وقد شرط عليه أن لا يتزوج ، فأعتق الأمة وتزوجها؟
قال : لا يصلح له أن يحدث في ماله إلا الأكلة من الطعام ونكاحه فاسد مردود»
الحديث.
أقول : في هذه الأخبار دلالة على ما هو المختار كما
قدمنا ذكره في كتاب البيع من القول بأن العبد يملك ولكن التصرف محجور عليه إلا
بإذن المولى ، وظاهر هذه الأخبار بعد ضم بعضها إلى بعض هو أن نكاحه بغير إذن
المولى وإجازته باطل وإن لم يكن حراما يستحق عليه العقاب ، ويشير إليه قول الباقر
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 470 ح 13 ، الوسائل ج 14 ص 543 ح 2.
(2) الكافي ج 5 ص 477 ح 1 ، الوسائل ج 14 ص 522 ح 1.
(3) الكافي ج 5 ص 478 ح 5 ، الوسائل ج 14 ص 522 ح 2.
(4) الكافي ج 5 ص 478 ح 6 ، التهذيب ج 8 ص 269 ح 11 ، الوسائل
ج 14 ص 522 ح 3.
عليهالسلام في حسنة زرارة
المتقدمة (1) في المسألة
الاولى من المطلب الأول في الرد على العامة القائلين ببطلان النكاح وأنه لا يكون
موقوفا على الإجازة ، أنه لم يعص الله ، وإنما عصى سيده فإذا أجازه فهو جائز.
وروى الشيخ (2) عن مسعدة بن زياد قال : «قال أبو عبد
الله عليهالسلام : تحرم من
الإماء عشرة : لا تجمع بين الام والبنت ، ولا بين الأختين ، ولا أمتك وهي حامل من
غيرك حتى تضع ، ولا أمتك ولها زوج ، ولا أمتك وهي عمتك من الرضاعة ، ولا أمتك وهي
خالتك من الرضاعة ، ولا أمتك وهي أختك من الرضاعة ، ولا أمتك وهي ابنة أختك من
الرضاعة ، ولا أمتك وهي في عدة ، ولا أمتك ولك فيها شريك».
وعن مسمع كردين (3) عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «قال
أمير المؤمنين عليهالسلام : عشرة لا يحل
نكاحهن ولاغشيانهن : أمتك أمها أمتك ، وأمتك أختها أمتك ، وأمتك وهي عمتك من
الرضاعة ، وأمتك وهي خالتك من الرضاعة ، وأمتك وهي أختك من الرضاعة ، وأمتك وقد
أرضعتك ، وأمتك وقد وطأت حتى تستبرئ بحيضة ، وأمتك وهي حامل من غيرك ، وأمتك وهي
على سوم من مشتري ، وأمتك ولها زوج وهي تحته».
وروى في كتاب مكارم الأخلاق (4) عن الحسين بن
المختار رفعه «إن سلمان تزوج امرأة غنية ، فدخل فإذا البيت فيه الفراش ، فقال : إن
بيتكم لمحرم ، إذ قد تحولت فيه الكعبة ، قال : فإذا جارية محتمة ، فقال : لمن هذه؟
__________________
(1) الكافي ج 5 ص 478 ح 3 ، التهذيب ج 7 ص 351 ح 63 ، الفقيه ج
3 ص 350 ح 4 ، الوسائل ج 14 ص 523 ح 1.
(2) التهذيب ج 8 ص 198 ح 1 ، الفقيه ج 3 ص 286 ح 4 ، الخصال ج
2 ص 438 ح 27 ، الوسائل ج 14 ص 516 ح 1.
(3) التهذيب ج 8 ص 198 ح 2 ، الوسائل ج 14 ص 517 ح 2.
(4) مكارم الأخلاق ص 237 ، البحار ج 103 ص 342 ح 22.
فقالوا : لفلانة امرأتك ، قال : من
اتخذ جارية لا يأتيها ثم أتت محرما كان وزر ذلك عليه».
وعن الصادق عليهالسلام (1) «من اتخذ جارية
في أنها في كل أربعين يوما مرة».
وعنه عليهالسلام (2) قال : «إذا
أتى الرجل جاريته ثم أراد أن يأتي الأخرى توضأ».
أقول : في الخبر الثاني دلالة على كراهة ترك الجارية
بغير وطئ بعد الأربعين يوما. ونقل في كتاب البحار (3) عن نوادر الراوندي
بإسناده عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهمالسلام قال : «قال
علي عليهالسلام : إذا تزوج
الرجل حرة وأمة في عقد واحد ، فنكاحهما باطل».
وبهذا الاسناد (4) قال : «قال علي عليهالسلام إذا تزوج الحر
أمة فإنها تخدم أهلها نهارا ، وتأتي زوجها ليلا ، وعليه النفقة إذا فعلوا ذلك ،
فإن حالوا بينه وبينها ليلا فلا نفقة». والله أعلم بحقائق أحكامه.
__________________
(1 و 2) مكارم الأخلاق ص 237 ، البحار ج 103 ص 342 ح 23 و 23.
(3 و 4) البحار ج 103 ص 344 ح 34 و 35.