ج8 - أحكام القنوت

الفصل السابع

في القنوت

وهو لغة الطاعة والسكون والدعاء والقيام في الصلاة والإمساك عن الكلام ، نص على ذلك في القاموس ، وذكر ابن الأثير معاني أخر كالخشوع والصلاة والعبادة والقيام وطول القيام. وقال الجوهري القنوت الطاعة هذا هو الأصل ومنه قوله تعالى (وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ) (1) ثم سمى القيام في الصلاة قنوتا. وقريب منه كلام ابن فارس ، والمراد هنا ذكر مخصوص في موضع معين سواء كان معه رفع اليدين أم لا ، وربما يطلق على الدعاء مع رفع اليدين.

والكلام في هذا الفصل أيضا ينتظم في مسائل (الأولى) المشهور بين الأصحاب استحباب القنوت ، وقال الصدوق في الفقيه انه سنة واجبة من تركه عمدا أعاد. ونقل عن ظاهر ابن أبي عقيل القول بوجوبه في الصلوات الجهرية ، وإلى القول بوجوبه كما هو ظاهر الصدوق مال شيخنا أبو الحسن الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني وذكر انه صنف رسالة في القول بالوجوب ولم أقف عليها.

والأصل في هذا الاختلاف اختلاف ظواهر الأخبار الواردة في المسألة ، وينبغي ان يعلم ان روايات المسألة على ثلاثة أقسام ، فمنها ما يدل على القول المشهور ، ومنها ما يدل على القول الآخر ، ومنها ما هو مجمل قابل للحمل على كل من القولين وان كان جملة من المتأخرين قد نظموه في أدلة القول المشهور إلا انه بمحل من القصور كما سيظهر لك ان شاء الله. ولا بد من الإتيان على جميع أخبار المسألة وذكرها ليظهر لك حقيقة الحال فنقول :

(الأول) ـ ما رواه ثقة الإسلام والشيخ في الموثق عن محمد بن

__________________

(1) سورة الأحزاب ، الآية 35.


مسلم (1) قال «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن القنوت في الصلوات الخمس؟ فقال اقنت فيهن جميعا قال : وسألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) بعد ذلك عن القنوت فقال لي اما ما جهرت فيه فلا تشك».

(الثاني) ـ ما رواه في الكافي عن أبي بصير في الموثق (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن القنوت فقال في ما يجهر فيه بالقراءة. قال فقلت له اني سألت أباك عن ذلك فقال في الخمس كلها؟ فقال رحم الله أبي ان أصحاب أبي أوه فسألوه فأخبرهم بالحق ثم أتوني شكاكا فأفتيتهم بالتقية».

(الثالث) ـ ما رواه أيضا عن الحارث بن المغيرة (3) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) اقنت في كل ركعتين فريضة أو نافلة قبل الركوع».

(الرابع) ـ ما رواه أيضا عن عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «سألته عن القنوت فقال في كل صلاة فريضة ونافلة».

(الخامس) ـ ما رواه أيضا في الصحيح عن وهب بن عبد ربه عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (5) قال : «من ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له».

(السادس) ـ ما رواه في الكافي والتهذيب أيضا في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (6) قال : «القنوت في كل صلاة في الركعة الثانية قبل الركوع».

(السابع) ـ ما رواه في الكافي عن محمد بن مسلم (7) قال : «القنوت في كل صلاة في الفريضة والتطوع».

(الثامن) ـ ما رواه في التهذيب عن وهب في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (8) قال : «القنوت في الجمعة والعشاء والعتمة والوتر والغداة فمن ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له».

أقول : المراد بالعشاء هنا المغرب.

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 7) الوسائل الباب 1 من القنوت.

(6) الوسائل الباب 3 من القنوت.

(8) الوسائل الباب 3 من القنوت.


(التاسع) ـ ما رواه في التهذيب في الموثق والفقيه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (1) قال : «القنوت في كل ركعتين في التطوع والفريضة». وفي التهذيب (2) زيادة على ذلك : قال الحسن وأخبرني عبد الله بن بكير عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) قال : «القنوت في كل الصلوات». قال محمد بن مسلم فذكرت ذلك لأبي عبد الله (عليه‌السلام) فقال : «اما ما لا يشك فيه فما جهر فيه بالقراءة».

(العاشر) ـ ما رواه الصدوق في كتاب الخصال بسنده فيه عن الأعمش عن الصادق (عليه‌السلام) (3) قال : «القنوت في جميع الصلوات سنة واجبة في الركعة الثانية قبل الركوع وبعد القراءة. وقال فرائض الصلاة سبع : الوقت والطهور والتوجه والقبلة والركوع والسجود والدعاء».

أقول : هذا ما يمكن الاستدلال به للقول بالوجوب من الأخبار.

(الحادي عشر) ـ ما رواه الشيخ عن عبد الملك بن عمرو (4) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن القنوت قبل الركوع أو بعده؟ قال لا قبله ولا بعده».

(الثاني عشر) ـ ما رواه في الصحيح عن سعد بن سعد عن أبي الحسن الرضا (عليه‌السلام) (5) قال : «سألته عن القنوت هل يقنت في الصلوات كلها أم في ما يجهر فيها بالقراءة؟ قال ليس القنوت إلا في الغداة والجمعة والوتر والمغرب».

(الثالث عشر) ـ ما رواه عن يونس بن يعقوب في الموثق (6) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن القنوت في أي الصلوات اقنت؟ فقال لا تقنت إلا في الفجر».

(الرابع عشر) ـ ما رواه عن احمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا (عليه

__________________

(1) الوسائل الباب 1 و 2 من القنوت.

(2 و 5 و 6) الوسائل الباب 2 من القنوت.

(3) الوسائل الباب 1 من القنوت و 1 من أفعال الصلاة.

(4) الوسائل الباب 4 من القنوت.


السلام) (1) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) في القنوت ان شئت فاقنت وان شئت لا تقنت. قال أبو الحسن (عليه‌السلام) وإذا كان التقية فلا تقنت وانا أتقلد هذا».

(الخامس عشر) ـ ما رواه عن احمد بن محمد عنه في الصحيح (2) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) في القنوت في الفجر ان شئت فاقنت وان شئت فلا تقنت وقال إذا كانت تقية فلا تقنت وانا أتقلد هذا».

(السادس عشر) ـ ما رواه عن سماعة في الموثق (3) قال : «سألته عن القنوت في الجمعة؟ فقال اما الامام فعليه القنوت في الركعة الأولى. الى ان قال فمن شاء قنت في الركعة الثانية قبل ان يركع وان شاء لم يقنت وذلك إذا صلى وحده».

(السابع عشر) ـ ما رواه عن عبد الملك بن عمرو (4) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) قنوت الجمعة في الركعة الأولى قبل الركوع وفي الثانية بعد الركوع؟ فقال لا قبل ولا بعد».

أقول : هذا ما يمكن الاستدلال به للقول بالاستحباب من الأخبار الواردة في هذا المضمار.

(الثامن عشر) ـ ما رواه المشايخ الثلاثة عن صفوان الجمال في الصحيح (5) قال : «صليت خلف أبي عبد الله (عليه‌السلام) أياما فكان يقنت في كل صلاة يجهر فيها ولا يجهر فيها».

أقول : وتحقيق الكلام في هذه الأخبار ان يقال لا ريب انه وان كانت هذه الأخبار ظاهرة الاختلاف في المقام ومتصادمة في هذا الحكم كما في غيره من الأحكام ، والجمع بينها كما يمكن بالعمل باخبار الاستحباب وحمل اخبار الوجوب على تأكيد

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 4 من القنوت.

(3 و 4) الوسائل الباب 5 من القنوت.

(5) الوسائل الباب 1 من القنوت.


الاستحباب كذلك يمكن العمل باخبار الوجوب وحمل اخبار الاستحباب على التقية (1)

إلا ان الظاهر هو ترجيح الحمل الأول (اما أولا) فلما تدل عليه قرائن ألفاظ تلك الأخبار وعباراتها من تخصيص الصلاة الجهرية بذلك في بعض والتشريك بين الفريضة والنافلة في بعض وتخصيص بعض أفراد الجهرية به في ثالث ، فان الظاهر ان ذلك مبني على ترتيب هذه الافراد في الفضل والكمال.

و (اما ثانيا) فان بعض اخبار القول بالاستحباب لا يمكن اجراء الحمل على التقية فيه مثل صحيحتي أحمد بن محمد بن أبي نصر (وموثقة يونس بن يعقوب) (2) الدالتين على التخيير «ان شئت فاقنت وان شئت فلا تقنت وإذا كانت تقية فلا تقنت» فان ذلك ظاهر في التخيير في حال عدم التقية واما حال التقية فيتحتم فيها ترك القنوت.

ومن ذلك يظهر انه مع القول بالاستحباب يمكن اجتماع الروايات عليه بحمل ما دلت عليه تلك الأخبار من انه «من تركه رغبة عنه فلا صلاة له» على المبالغة والتأكيد في استحبابه كقولهم (عليهم‌السلام) «لا صلاة لجار المسجد إلا فيه» (3). ونحو ذلك.

واما ما دل عليه الخبر العاشر ـ من قوله فيه «سنة واجبة» ونحوه ما رواه

__________________

(1) في عمدة القارئ ج 3 ص 422 «لا قنوت في شي‌ء من الصلوات المكتوبة انما القنوت في الوتر قبل الركوع» وفي ص 427 حكى عن زين الدين العراقي ان أكثر السلف على استحباب القنوت في صلاة الصبح سواء نزلت نازلة أم لا ، ثم ذكر جماعة من الصحابة والتابعين والأئمة. وناقشه العيني في هذه النسبة. ثم ذكر ان أبا حنيفة وأبا يوسف ومحمد واحمد وإسحاق والليث لا يرون القنوت في الصبح. وفي المحلى لابن حزم ج 4 ص 138 «القنوت حسن بعد الرفع من الركوع في آخر ركعة من كل صلاة فرض الصبح وغير الصبح وفي الوتر» وفي ص 145 «قال أبو حنيفة لا يقنت في شي‌ء من الصلوات كلها إلا الوتر فإنه فيه قبل الركوع السنة كلها وقال مالك والشافعي لا يقنت في شي‌ء من الصلوات المفروضة إلا الصبح خاصة فعند مالك قبل الركوع وعند الشافعي بعد الركوع».

(2) الظاهر زيادة ما بين القوسين.

(3) الوسائل الباب 2 من أحكام المساجد.


الصدوق أيضا في كتاب عيون الأخبار بإسناده عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه‌السلام) (1) في كتابه إلى المأمون قال : «القنوت سنة واجبة في الغداة والظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة». ـ

ففيه ما عرفت في غير موضع مما تقدم من اشتراك لفظ السنة وكذا لفظ الوجوب في المعنيين المشهورين المذكورين وانه لا يحمل شي‌ء منهما على أحد المعنيين إلا مع القرينة ، فمن المحتمل حينئذ ان المراد بالسنة هنا المستحب وبالوجوب تأكيد الاستحباب فيكون المراد الاستحباب المؤكد جمعا بين الأخبار وبه يرتفع عنها التنافي بخلاف الحمل على الوجوب لما عرفت آنفا.

واما الاستناد إلى لفظ الدعاء ـ في قوله في الخبر المذكور (2) «فرائض الصلاة سبع.». وعد منها الدعاء بحمل الدعاء على القنوت ، ومثله ما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن زرارة عن الباقر (عليه‌السلام) (3) قال : «الفرض في الصلاة الوقت والطهور والقبلة والتوجه والركوع والسجود والدعاء. قلت ما سوى ذلك؟ قال سنة في فريضة». وهذا الخبر مما استدل به شيخنا أبو الحسن المتقدم ذكره على الوجوب في هذه المسألة قال : «والقنوت دعاء ولا يجب منه سواه» ـ

ففيه (أولا) ان جملة من الأخبار دلت على الاكتفاء في ذكر القنوت بالتسبيح وهو ليس بدعاء كما في رواية حريز عن بعض أصحابنا عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (4)

__________________

(1) الوسائل الباب 1 من القنوت.

(2) ص 355.

(3) لم نعثر على هذه الرواية في الفقيه وقد رواها الكليني في فروع الكافي ج 1 ص 75 والشيخ في التهذيب ج 1 ص 175 و 204 وقد رواه عنهما في الوسائل في الباب 1 من القبلة والباب 1 من الوضوء ونسبه هناك إلى الصدوق أيضا ، وربما يشير إلى رواية الخصال المتقدمة. ورواه في الوافي عن الكافي والتهذيب في باب (الفرض في الصلاة).

(4) الوسائل الباب 6 من القنوت.


قال : «يجزئك من القنوت خمس تسبيحات في ترسل». ورواية أبي بصير (1) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن ادنى القنوت فقال خمس تسبيحات». رواهما الشيخ في التهذيب وقال الصدوق في الفقيه : ادنى ما يجزئ في القنوت أنواع ، وعد منها ان يقول «سبحان من دانت له السماوات والأرض بالعبودية» ومنها ان يسبح ثلاث تسبيحات ولا ريب ان جواز التسبيح كما دل عليه الخبران المذكوران ينافي إيجاب الدعاء بظاهر الآية على ما يدعيه الخصم. ولو أجيب بإطلاق الدعاء على التسبيح مجازا فلنا حينئذ ان نحمله على الأذكار الواقعة في الركوع والسجود أيضا لذلك.

و (ثانيا) انه من المحتمل حمل الدعاء على الصلاة على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في التشهد فان المشهور ـ بل ادعى عليه الإجماع ـ وجوبها وهي دعاء ، وعلى ذلك يدل بعض الأخبار الصحاح وغيرها كما يأتي تحقيقه في محله ان شاء الله تعالى.

ولو أجيب ـ بأن المراد بالفرض هنا ما ثبت وجوبه بالكتاب العزيز والقنوت قد ثبت بالكتاب دون الصلاة في التشهد.

قلنا : يشكل ذلك عليكم بعد التوجه بل يحصل الاشكال به ولو بحمل الفرض على الواجب أيضا ، فإن التوجه الذي هو عبارة عن الإقبال على العبادة مستحب إجماعا ، ولا مخرج من هذا الإشكال إلا بان يحمل الفرض هنا على ما يشمل الواجب والمستحب مجازا.

وما يقال ـ من انه يلزم استعمال اللفظ الواحد في حقيقته ومجازه وهو ممنوع عند الأصوليين ـ مردود بما حققناه سابقا وأشرنا إليه في غير موضع مما تقدم من وقوع ذلك في الأخبار كثيرا بل صرح بجوازه شيخنا الشهيد في الذكرى أيضا كما قدمناه في كتاب الطهارة إلا انه أيضا لا يخلو من اشكال.

واستدل شيخنا المشار اليه آنفا على الوجوب بالآية أعني قوله عزوجل : «وَقُومُوا

__________________

(1) الوسائل الباب 6 من القنوت.


لِلّهِ قانِتِينَ» (1) قال (قدس‌سره) بعد ذكر الآية : قال في مجمع البيان (2) قال ابن عباس معناه «داعين» والقنوت هو الدعاء في الصلاة حال القيام وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما‌السلام) انتهى. وفي الكشاف فسره بذكر الله قائما ولعله أراد به الذكر في الوقت المخصوص لا مطلق الذكر ، وعلى تقديره فهو أشمل إذ المروي عنهما (عليهما‌السلام) في ما يعم الذكر والدعاء ، وفي بعض الأخبار الصحيحة تفسيره بالدعاء كما أوردناه في رسالتنا المعمولة في المسألة ، ويمكن حمله على ما يشمل الذكر ولو مجازا. انتهى. ثم قال في تقرير الاستدلال : إذ لا يجوز حمله على الخضوع لانه مجاز إذ القنوت حقيقة شرعية في المصطلح عليه بين الفقهاء كما ذكرناه في رسالتنا القنوتية. وأجاب جماعة من أصحابنا عن الاستدلال بالآية باحتمال الاختصاص بالوسطى واحتمال إرادة الطاعة والخشوع وارادة الأذكار الواجبة في الصلاة ولا يخفى ما في هذه الأجوبة اما الأول فلأنه مع بعده لا يضر بالاستدلال لعدم القائل بالفصل. واما الأخير فلما بيناه فإنه حقيقة شرعية في المصطلح المتبادر وظواهر الأخبار. انتهى كلامه زيد مقامه.

وفيه نظر (أما أولا) فلما عرفت من المعاني للقنوت لغة فهو حينئذ من قبيل الألفاظ المتشابهة التي لا يمكن الاستدلال بها إلا مع القرينة المشخصة للمراد ليندفع عنه بذلك وصمة الإيراد.

قوله ـ : ان القنوت حقيقة شرعية في المعنى المدعى ـ قننا ان استند في ثبوت ذلك إلى الرواية التي نقلها عن كتاب مجمع البيان فهي معارضة بما رواه الثقة الجليل علي بن إبراهيم القمي في تفسيره عن الصادق (عليه‌السلام) (3) في تفسير الآية المذكورة قال : «(قُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ) : إقبال الرجل على صلاته ومحافظته حتى لا يلهيه ولا يشغله عنها شي‌ء».

__________________

(1) سورة البقرة ، الآية 239.

(2) ج 1 ص 343 طبع صيدا.

(3) ص 69.


وروى العياشي عن زرارة عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (1) «في قول الله (وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ)؟ قال مطيعين راغبين».

وروى العياشي أيضا عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (2) «في قوله تعالى (وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ)؟ قال إقبال الرجل على صلاته ومحافظته على وقتها.».

وفي رواية سماعة (3) «(وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ)؟ قال هو الدعاء».

فهذه جملة من الأخبار قد اشتملت على تفسير الآية بخلاف ما ادعاه فكيف يتم ما ادعاه من انه حقيقة شرعية في ما ذكره؟

ودعواه التبادر ممنوعة إذ شهرة استعمال القنوت الآن بين المتشرعة في ما ذكره لا يدل على انه مراده (عزوجل) سيما مع ما عرفت من اختلاف الأخبار في تفسير المعنى المراد من الآية ، ومع تسليم حمل القنوت على الدعاء فالتخصيص أيضا ممنوع لجواز الحمل على الفاتحة فإنها مشتملة على الدعاء أيضا.

و (اما ثانيا) فان ما ذكره ـ في جواب من حمل الآية على الاختصاص بالصلاة الوسطى من قوله : «انه مع بعده لا يضر بالاستدلال» ـ عجيب من مثله (قدس‌سره) ونسبة ذلك إلى البعد بعيد الصدور منه (قدس‌سره) لورود صحيحة زرارة بذلك كما تقدمت في صدر مقدمات الكتاب (4) وهي ما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (5) قال : وقال «حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى» وهي صلاة الظهر وهي أول صلاة صلاها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وهي وسط صلاتين بالنهار صلاة الغداة وصلاة العصر «وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ» قال وأنزلت هذه الآية يوم الجمعة ورسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في سفر فقنت فيها وتركها على حالها في السفر والحضر. الحديث. وهو ـ كما ترى ـ صحيح صريح في ان

__________________

(1 و 2 و 3) تفسير البرهان ج 1 ص 142.

(4) ج 6 ص 20.

(5) الوسائل الباب 2 من أعداد الفرائض.


القنوت المأمور به في الآية انما وقع في الوسطى وهي الجمعة ، وهذا القائل إنما استند إلى هذا النص الصحيح الصريح ، فمقابلته بالاستبعاد اما غفلة أو مقابلة للنص بالاجتهاد وهو خروج عن منهج السداد والرشاد.

و (اما ثالثا) فان قوله : «مع عدم القائل بالفصل» أيضا لا يخلو من تعجب لما علم منه في جميع مصنفاته انه إذا مر به دعوى الإجماع أطال في نقضه ورده والتشنيع على مدعيه وأبطله ومزقه فكيف يجنح اليه هنا ويتمسك به؟ ولكن ضيق الخناق في المقام أوجب له الوقوع في هذه المشاق.

واما ما نقل عن ظاهر ابن أبي عقيل من القول بالوجوب في الصلاة الجهرية فلعل مستنده الخبر الأول من الأخبار المتقدمة والخبر الثامن والتاسع ، والجميع كما عرفت محمول على مزيد التأكيد في هذه الفرائض زيادة على ما يخافت فيه مع احتمال الحمل على التقية كما يشير اليه الخبر الثاني ، وفيه ما يشعر بالطعن على الشيعة في زمانه (عليه‌السلام) والشكاية منهم في أنهم يذيعون إسراره كما تقدم نظيره في اخبار الأوقات.

وبما حققناه في المقام يظهر لك قوة القول المشهور وانه المؤيد المنصور. على ان نسبة القول بالوجوب إلى الصدوق (قدس‌سره) بمجرد العبارة المتقدمة لا يخلو من اشكال لإمكان حمله على تأكيد الاستحباب كما حملت عليه الرواية الواردة بذلك ، لأن عادة المتقدمين غالبا التعبير بمتون الأخبار وان كان المراد منها خلاف ظواهرها فبعين ما يقال في الأخبار من التأويل يجري في كلامهم أيضا ، ولهذا ان بعض أصحابنا ذكر ان القائل بالوجوب غير معلوم كما ذكره المحقق الأردبيلي وقبله المحقق فخر الملة والدين الشيخ احمد ابن متوج البحراني في كتاب آيات الأحكام. والله العالم.

(المسألة الثانية) ـ المشهور بين الأصحاب ان محله بعد القراءة وقبل الركوع بل ادعى عليه في المنتهى الإجماع حيث قال : ومحل القنوت قبل الركوع وعليه علماؤنا.

وظاهر المحقق في المعتبر الميل إلى التخيير بين فعله قبل الركوع وبعده وان كان


الأول أفضل ، لما رواه الشيخ عن إسماعيل الجعفي ومعمر بن يحيى عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (1) قال : «القنوت قبل الركوع وان شئت فبعده».

وقال الشيخ في الجواب عن هذا الخبر انه محمول على حال القضاء أو التقية على مذهب العامة في الغداة. أقول : والثاني جيد لما ستعرف ان شاء الله تعالى من معارضته بما هو أصح منه سندا ودلالة.

ويدل على القول المشهور عدة روايات : منها ـ الخبر الثالث والخبر السادس من الأخبار المتقدمة.

ومنها ـ صحيحة يعقوب بن يقطين (2) قال : «سألت عبدا صالحا (عليه‌السلام) عن القنوت في الوتر والفجر وما يجهر فيه قبل الركوع أو بعده؟ فقال قبل الركوع حين تفرغ من قراءتك».

وصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (3) قال : «ما اعرف قنوتا إلا قبل الركوع».

وموثقة سماعة (4) قال : «سألته عن القنوت في أي صلاة هو؟ فقال كل شي‌ء يجهر فيه بالقراءة فيه قنوت ، والقنوت قبل الركوع وبعد القراءة».

وفي موثقة أبي بصير عنه (عليه‌السلام) (5) «كل قنوت قبل الركوع إلا الجمعة».

وما استند اليه المحقق من الخبر المذكور ضعيف لا ينهض بمقاومة خبر من هذه الأخبار بل ظاهر قوله (عليه‌السلام) في صحيحة معاوية بن عمار «ما اعرف قنوتا إلا قبل الركوع» مما يؤذن برده. وكذا ما رواه الحسن بن علي بن شعبة في كتاب تحف العقول عن الرضا (عليه‌السلام) في كتابه إلى المأمون (6) قال : «كل القنوت قبل الركوع وبعد القراءة». ويشير إلى ذلك الاستثناء في موثقة أبي بصير أيضا. وبالجملة

__________________

(1 و 2 و 3 و 4 و 6) الوسائل الباب 3 من القنوت.

(5) الوسائل الباب 5 من القنوت.


فالمعتمد هو القول المشهور لما ذكرناه من الأخبار الصحيحة الصريحة الظهور ورد ذلك الخبر إلى قائلة.

نعم لو نسيه قبل الركوع ثم ذكره بعد الركوع اتى به ، والظاهر انه لا خلاف فيه انما الخلاف في كونه أداء وقضاء ، فقال في المنتهى لا خلاف عندنا في استحباب الإتيان بالقنوت بعد الركوع مع نسيانه قبله واما انه هل هو أداء أو قضاء ففيه تردد. ثم قرب كونه قضاء. وقال الشيخ المفيد (قدس‌سره) في المقنعة : ولو لم يذكر القنوت حتى ركع في الثالثة قضاه بعد الفراغ. ونحوه قال الشيخ في النهاية أيضا.

والذي يدل على استحباب الإتيان به بعد الركوع في صورة النسيان أخبار عديدة :

منها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم (1) قالا «سألنا أبا جعفر (عليه‌السلام) عن الرجل ينسى القنوت حتى يركع؟ قال يقنت بعد الركوع فان لم يذكر فلا شي‌ء عليه».

وعن محمد بن مسلم في الصحيح (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن القنوت ينساه الرجل؟ قال يقنت بعد ما يركع فان لم يذكر حتى ينصرف فلا شي‌ء عليه».

وعن عبيد بن زرارة في الموثق (3) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) الرجل ذكر انه لم يقنت حتى ركع؟ قال يقنت إذا رفع رأسه».

والذي يدل على ما ذكره الشيخان (قدس‌سرهما) من الإتيان به بعد الصلاة لو فات محله المذكور ما رواه الشيخ في التهذيب في الموثق عن أبي بصير (4) قال : «سمعته يذكر عند أبي عبد الله (عليه‌السلام) قال في الرجل إذا سها في القنوت قنت بعد ما ينصرف وهو جالس».

ويدل عليه أيضا ما رواه الكليني والشيخ عن زرارة (5) قال : «قلت

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 18 من القنوت.

(4 و 5) الوسائل الباب 16 من القنوت.


لأبي جعفر (عليه‌السلام) رجل نسي القنوت فذكره وهو في بعض الطريق؟ فقال يستقبل القبلة ثم ليقله. ثم قال اني لأكره للرجل ان يرغب عن سنة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أو يدعها».

واما ما رواه الشيخ في الموثق عن عمار بن موسى عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (1) ـ «عن الرجل ينسى القنوت في الوتر أو غير الوتر؟ قال ليس عليه شي‌ء. وقال ان ذكره وقد أهوى إلى الركوع قبل ان يضع يديه على الركبتين فليرجع قائما وليقنت ثم يركع وان وضع يده على الركبتين فليمض في صلاته وليس عليه شي‌ء».

وما رواه أيضا عنه عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «ان نسي الرجل القنوت في شي‌ء من الصلاة حتى يركع فقد جازت صلاته وليس عليه شي‌ء وليس له ان يدعه متعمدا».

وما رواه عن محمد بن سهل عن أبيه (3) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن رجل نسي القنوت في المكتوبة؟ قال لا اعادة عليه».

وما رواه في الصحيح عن معاوية بن عمار (4) قال : «سألته عن الرجل ينسى القنوت حتى يركع أيقنت؟ قال لا» ـ.

فهي محمولة على نفي الوجوب وعدم بطلان الصلاة بتركه كما يفصح به بغضها.

والنهي في الخبر الأخير يحتمل زيادة على ذلك التقية كما ذكره الشيخ (قدس‌سره) وروى في الفقيه مرسلا (5) قال : «سأل معاوية بن عمار أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن القنوت في الوتر قال قبل الركوع. قال فان نسيت اقنت إذا رفعت رأسي؟ قال لا».

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 15 من القنوت.

(4) الوسائل الباب 18 من القنوت.

(5) الوسائل الباب 18 من القنوت. ومن الواضح زيادة كلمة «مرسلا» هنا فإنه يرويها بإسناده عن معاوية بن عمار كما صرح به في الوسائل ويظهر من مشيخته.


قال في الفقيه (1) بعد ذكر هذا الخبر : حكم من ينسى القنوت حتى يركع ان يقنت إذا رفع رأسه من الركوع وانما منع الصادق (عليه‌السلام) من ذلك في الوتر والغداة خلافا للعامة لأنهم يقنتون فيهما بعد الركوع وانما أطلق ذلك في سائر الصلوات لأن جمهور العامة لا يرون القنوت فيها (2). انتهى.

وأنت خبير بان الخبر الذي ذكره لم يشتمل إلا على الوتر خاصة فضم الغداة إلى ذلك اما سهو من قلمه أو قلم الناسخين أو سقط من الخبر المذكور أو الخبر بذلك وصل اليه ولم يذكره هنا.

هذا. واما ما ذكره في المنتهى ـ من التردد في نية القضاء أو الأداء ـ فهو مبني على ما هو المشهور بينهم من نية وجوب الوجه في العبادات وقد تقدم انه لا دليل عليه فلا ضرورة تلجئ إلى التشاغل به إلا مجرد تضييع الوقت. والله العالم.

(المسألة الثالثة) ـ ذكر الشيخ وأكثر الأصحاب ان أفضل ما يقال في القنوت كلمات الفرج ، وقال ابن إدريس وروى انها أفضله ، واعترف جملة من محققي متأخري المتأخرين : منهم ـ السيد السند في المدارك والفاضل المجلسي في البحار بأنهم لم يقفوا في ذلك على خبر يدل عليه. وهو كذلك نعم ورد ذلك في قنوت الجمعة ومفردة الوتر خاصة

قال في المدارك : وصورته «لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين» روى ذلك زرارة في الحسن عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (3). وذكر المفيد (قدس‌سره) وجمع من الأصحاب انه يقول قبل التحميد «وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ» وسئل عنه المصنف في الفتاوى فجوزه لانه بلفظ القرآن ولا ريب في الجواز لكن جعله في أثناء كلمات الفرج مع خروجه منها ليس بجيد. انتهى.

__________________

(1) ج 1 ص 312 وفي الوسائل الباب 18 من القنوت.

(2) ارجع إلى التعليقة 1 ص 357.

(3) الوسائل الباب 38 من الاحتضار.


أقول : وروى الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه في أول باب غسل الميت (1) قال : «قال الصادق (عليه‌السلام) ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) دخل على رجل من بني هاشم وهو في النزع فقال له قل : لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن وما تحتهن ورب العرش العظيم وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين. فقالها فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الحمد لله الذي استنقذه من النار». ثم قال الصدوق : هذه الكلمات هي كلمات الفرج. وهو كما ترى ظاهر في دخول «وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ» في كلمات الفرج ، على ان صاحب الكافي نقل الخبر المذكور (2) عاريا عن الزيادة المذكورة.

وقال أيضا في كتاب الهداية الذي جمع فيه متون الأخبار في تلقين الميت قال : يلقنه عند موته كلمات الفرج : لا إله إلا الله. وساقها كما ذكر في الفقيه.

ونحو ذلك أيضا في كتاب الفقه الرضوي (3) حيث قال (عليه‌السلام): «ويستحب ان يلقن كلمات الفرج وهي لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين».

والأخبار في ضبط كلمات الفرج مختلفة زيادة ونقصانا وتقديما وتأخيرا كما أوردنا جملة منها في فصل غسل الأموات في أحكام التلقين من كتاب الطهارة فليرجع إليها من أحب الوقوف عليها وهذا الاختلاف هنا من جملة تلك الاختلافات.

وليس فيه شي‌ء معين ويجوز الدعاء بما سنح للدنيا والدين إلا ان الإتيان بالمأثور أفضل :

__________________

(1) ج 1 ص 77 وفي الوسائل الباب 38 من الاحتضار.

(2) ج 1 ص 35 وفي الوسائل الباب 38 من الاحتضار.

(3) ص 17.


روى الكليني والشيخ عنه في الصحيح أو الحسن عن سعد بن أبي خلف عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «يجزئك في القنوت : اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا في الدنيا والآخرة انك على كل شي‌ء قدير».

ورؤيا أيضا بإسنادين مختلفين في الصحيح عن إسماعيل بن الفضل (2) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن القنوت وما يقال فيه؟ قال ما قضى الله على لسانك ولا اعلم فيه شيئا موقتا».

وروى الصدوق في الصحيح عن الحلبي (3) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن القنوت فيه قول معلوم؟ فقال أثن على ربك وصل على نبيك واستغفر لذنبك».

وعن عبد الرحمن بن أبي عبد الله في الصحيح (4) قال : «القنوت في الوتر الاستغفار وفي الفريضة الدعاء».

وروى الشيخ عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (5) قال : «القنوت يوم الجمعة في الركعة الأولى بعد القراءة يقول في القنوت : لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم لا إله إلا الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين ، اللهم صل على محمد وآل محمد كما هديتنا به ، اللهم صل على محمد وآل محمد كما أكرمتنا به ، اللهم اجعلنا ممن اخترته لدينك وخلفته لجنتك ، اللهم لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك أنت الوهاب».

قال في الذكرى : أفضل ما يقال فيه كلمات الفرج ، قال ابن إدريس وروى انها أفضله. وقد ذكرها الأصحاب وفي المبسوط والمصباح هي أفضل ، وروى سعد بن ابي خلف عن الصادق (عليه‌السلام) ثم ساق الرواية كما قدمناه ، ثم قال وعن

__________________

(1 و 5) الوسائل الباب 7 من القنوت.

(2 و 3) الوسائل الباب 9 من القنوت.

(4) الوسائل الباب 8 من القنوت.


أبي بصير (1) قال : «سألته عن ادنى القنوت قال خمس تسبيحات». وقال ابن أبي عقيل والجعفي والشيخ أقله ثلاث تسبيحات. واختار ابن أبي عقيل الدعاء بما روى عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) في القنوت (2) : «اللهم إليك شخصت الأبصار ونقلت الاقدام ورفعت الأيدي ومدت الأعناق وأنت دعيت بالألسن وإليك سرهم ونجواهم في الأعمال ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين ، اللهم انا نشكو إليك غيبة إمامنا وقلة عددنا وكثرة عدونا وتظاهر الأعداء علينا ووقوع الفتن بنا ففرج ذلك اللهم بعدل تظهره وامام حق نعرفه إله الحق آمين رب العالمين». قال : وبلغني ان الصادق (عليه‌السلام) كان يأمر شيعته ان يقنتوا بهذا بعد كلمات الفرج. قال ابن الجنيد وأدناه «رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم» قال والذي استحب فيه ما يكون فيه حمد الله وثناء عليه والصلاة على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والأئمة (صلوات الله عليهم) وان يتخير لنفسه من الدعاء وللمسلمين ما هو مباح له. انتهى ما ذكره في الذكرى.

وقال شيخنا المجلسي (قدس‌سره) في البحار بعد نقل ذلك عنه : وأقول ليس «آمين» في هذا الدعاء في سائر الروايات كما سيأتي والأحوط تركه لما عرفته. أقول : بل الواجب تركه لما عرفت في فصل وجوب القراءة من بطلان الصلاة بهذا اللفظ.

وفي مستطرفات السرائر نقلا من نوادر محمد بن علي بن محبوب عن عبد الله بن هلال (3) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) ان حالنا قد تغيرت؟ قال فادع في صلاتك الفريضة. قلت أيجوز في الفريضة فاسمي حاجتي للدين والدنيا؟ قال نعم فان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قد قنت ودعا على قوم بأسمائهم وأسماء آبائهم وعشائرهم وفعله علي (عليه‌السلام) من بعده».

__________________

(1) الوسائل الباب 6 من القنوت.

(2) البحار ج 18 الصلاة ص 379 عن ابن أبي عقيل.

(3) الوسائل الباب 17 من السجود.


وروى الكشي في كتاب الرجال عن إبراهيم بن عقبة (1) قال : «كتبت إلى العسكري (عليه‌السلام) جعلت فداك قد عرفت هؤلاء الممطورة فأقنت عليهم في الصلاة؟ قال نعم اقنت عليهم في الصلاة».

أقول : المراد بالممطورة الواقفية كما قال شيخنا البهائي في مقدمات كتاب مشرق الشمسين من تسمية الواقفة يومئذ بذلك يعني الكلاب التي أصابها المطر مبالغة في نجاستهم

قال في الذكرى : يجوز الدعاء فيه المؤمنين بأسمائهم والدعاء على الكفرة والمنافقين لأن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) دعا في قنوته لقوم بأعيانهم وعلى آخرين بأعيانهم كما روى (2) انه قال : «اللهم انج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين واشدد وطأتك على مضر ورعل وذكوان» وقنت أمير المؤمنين (عليه‌السلام) في صلاة الغداة (3) فدعا على أبي موسى الأشعري وعمرو ابن العاص ومعاوية وأبي الأعور وأشياعهم ، قاله ابن أبي عقيل. انتهى.

وروى في البحار (4) من كتاب محمد بن المثنى عن جعفر بن محمد بن شريح عن ذريح المحاربي قال : «قال الحارث بن المغيرة النصري لأبي عبد الله (عليه‌السلام) ان أبا معقل المزني حدثني عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) انه صلى بالناس المغرب فقنت في الركعة الثانية ولعن معاوية وعمرو بن العاص وأبا موسى الأشعري وأبا الأعور السلمي؟ قال (عليه‌السلام) الشيخ صدق فالعنهم».

وفي كتاب الفقه الرضوي (5) قال (عليه‌السلام): «وقل في قنوتك بعد فراغك من القراءة قبل الركوع : اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الحليم الكريم لا إله إلا أنت العلي العظيم سبحانك رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما

__________________

(1) الوسائل الباب 13 من القنوت.

(2) صحيح البخاري باب «يهوى بالتكبير حين يسجد» وفي غزوة الرجيع وأول كتاب الإكراه.

(3) المغني ج 3 ص 155.

(4) ج 18 الصلاة ص 380.

(5) ص 8.


بينهن ورب العرش العظيم يا الله الذي ليس كمثله شي‌ء صل على محمد وآل محمد واغفر لي ولوالدي ولجميع المؤمنين والمؤمنات انك على ذلك قادر. ثم اركع».

وروى الصدوق في كتاب عيون الأخبار (1) عن رجاء بن أبي الضحاك في حديث سفر الرضا (عليه‌السلام) إلى خراسان قال فيه «وكان قنوته في جميع صلواته : رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم انك أنت الأعز الأكرم. الحديث».

(المسألة الرابعة) ـ اختلف الأصحاب في جواز القنوت بالفارسية فمنعه سعد ابن عبد الله واجازه محمد بن الحسن الصفار واختاره ابن بابويه والشيخ في النهاية والفاضلان وغيرهم.

لصحيحة علي بن مهزيار (2) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن الرجل يتكلم في صلاة الفريضة بكل شي‌ء يناجي ربه؟ قال نعم».

قال ابن بابويه بعد نقل هذا الخبر : ولو لم يرد هذا الخبر لكنت أجيزه بالخبر الذي روى عن الصادق (عليه‌السلام) انه قال (3) «كل شي‌ء مطلق حتى يرد فيه نهى». والنهي عن الدعاء بالفارسية في الصلاة غير موجود والحمد لله. ونقل عن الصادق (عليه‌السلام) مرسلا (4) «كل ما ناجيت به ربك في الصلاة فليس بكلام».

واقتصر في المدارك على نقل القولين المذكورين والرواية وكلام الصدوق ولم يرجح شيئا ، ونحوه في الذخيرة وقبلهما الشهيد في الذكرى ، ونقل فيه عن الفاضلين انهما عللا جوازه بالفارسية زيادة على الرواية بصدق اسم الدعاء عليه.

أقول : والذي يقرب عندي هو ما ذهب اليه سعد بن عبد الله من المنع والتحريم وبيان ذلك ان الظاهر عندي من صحيحة علي بن مهزيار التي استندوا إليها ان المراد منها انما هو التكلم بكل شي‌ء من المطالب الدينية والدنيوية لا باعتبار اللغات المختلفة ، ولا يخفى

__________________

(1) ص 310.

(2) الوسائل الباب 13 من قواطع الصلاة.

(3 و 4) الوسائل الباب 19 من القنوت.


ان هذا المعنى ان لم يكن هو الأقرب والأظهر من هذا الخبر فلا أقل ان يكون مساويا لما ذكروه في الاحتمال وبه لا يتم الاستدلال على حال كما لا يخفى على من عرف الرجال بالحق لا الحق بالرجال.

واما ما ذكره الصدوق ـ من انه بمجرد عدم ورود النهي عن الدعاء بالفارسية يكون ذلك مجوزا للدعاء بها ـ ففيه ان العبادة توقيفية يجب الوقوف فيها على ما رسمه صاحب الشريعة وعلم منه بقول أو فعل أو تقرير وشي‌ء من الثلاثة لم يعلم منه هنا. ولو تم ما ذكره للزم أيضا جواز الذكر في الركوع والسجود بالفارسية بناء على الاكتفاء بمطلق الذكر ولا أظن هذا القائل يلتزمه ، وقد صرح شيخنا الشهيد في الذكرى بذلك فقال واما الأذكار الواجبة فلا يجوز مع الاختيار.

واما حديث «كل شي‌ء مطلق.» (1). فالاخباريون قاطبة وجملة من المجتهدين على تأويله وإخراجه عن ظاهره لدلالته على جواز العمل بالبراءة الأصلية في الأحكام الشرعية والتثنية فيها مع استفاضة الأخبار بالتثليث (2) : «حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك». ودلالة جملة من الأخبار على رد البراءة الأصلية كما تقدم في مقدمات الكتاب وبسطنا القول عليه زيادة على ذلك في كتابنا الدرر النجفية. والله العالم.

(المسألة الخامسة) ـ اختلف الأصحاب في القنوت في الجمعة فالمشهور ان فيها قنوتين : أحدهما ـ في الركعة الأولى قبل الركوع ، وثانيهما ـ في الركعة الثانية بعد الركوع.

قال الصدوق (قدس‌سره) في المقنع : على الامام قنوت في الركعة الأولى قبل الركوع وقنوت في الثانية بعد الركوع.

__________________

(1) الوسائل الباب 19 من القنوت.

(2) الوسائل الباب 12 من صفات القاضي وما يجوز ان يقضى به.


وقال في الفقيه (1) : قال أبو جعفر الباقر (عليه‌السلام) لزرارة بن أعين «إنما فرض الله على الناس من الجمعة إلى الجمعة خمسا وثلاثين صلاة : منها ـ صلاة واحدة فرضها الله عزوجل في جماعة وهي الجمعة ووضعها عن تسعة : عن الصغير والكبير والمجنون والمسافر والعبد والمرأة والمريض والأعمى ومن كان على رأس فرسخين. والقراءة فيها بالجهر. والغسل فيها واجب. وعلى الامام فيها قنوتان : قنوت في الركعة الأولى قبل الركوع وفي الركعة الثانية بعد الركوع. ومن صلاها وحده فعليه قنوت واحد في الركعة الأولى قبل الركوع». وتفرد بهذه الرواية حريز عن زرارة. والذي استعمله وافتى به ومضى عليه مشايخي (رضوان الله عليهم) هو ان القنوت في جميع الصلوات في الجمعة وغيرها في الركعة الثانية بعد القراءة وقبل الركوع.

وقال ابن إدريس في السرائر : ومحله بعد القراءة في الثانية وقبل الركوع وهو قنوت واحد في الصلوات ، وروى ان في الجمعة قنوتين والأظهر الأول لأن هذا مروي من طريق الآحاد والقنوت الواحد مجمع على استحبابه.

وقال شيخنا المفيد في المقنعة ـ على ما نقله عنه غير واحد من الأصحاب ونسبه في المدارك إلى جمع من الأصحاب أيضا ـ أن في الجمعة قنوتا واحدا في الركعة الأولى قبل الركوع. وهو ظاهر ابن الجنيد واختاره العلامة في المختلف وكذا اختاره السيد السند في المدارك ، قال : وهو المعتمد للأخبار الكثيرة الدالة عليه.

__________________

(1) ج 1 ص 266 وفي الوسائل في الباب 1 من صلاة الجمعة و 73 من القراءة و 6 من الأغسال المسنونة و 5 من القنوت بالتقطيع ولكن ظاهره في الباب 1 من صلاة الجمعة ان الحديث ينتهى بقوله «على رأس فرسخين» حيث نقل منه هذا المقدار ثم ذكر ان الصدوق رواه في الخصال مثله وزاد «والقراءة فيها بالجهر.» ونقله في الوافي في باب «وجوب صلاة الجمعة وشرائطها» إلى قوله : «على رأس فرسخين» وسيأتي من المصنف «قدس‌سره» ص 377 تقريب ان الباقي من الحديث لا من كلام الصدوق.


وظاهر السيد المرتضى (قدس‌سره) التردد في المسألة حيث قال في الجمل : وعلى الامام ان يقنت في الأولى قبل الركوع وكذلك الذين خلفه ، وروى ان على الإمام إذا صلاها جمعة مقصورة قنوتين : في الأولى قبل الركوع وفي الثانية بعد الركوع. ولم ينص على واحد منهما.

وظاهر كلام ابن أبي عقيل وأبي الصلاح ان في الجمعة قنوتين وانهما قبل الركوع في كل من الركعتين ، قال ابن أبي عقيل في باب الجمعة على ما نقله عنه في المختلف : ويقنت في الركعتين جميعا. ولم يفصل موضعه. وقال في باب القنوت : وكل القنوت قبل الركوع بعد الفراغ من القراءة. والذي ينتج من هذين الكلامين مع ضم أحدهما إلى الآخر هو ان القنوت في الجمعة في الركعتين معا وانه بعد القراءة وقبل الركوع ، وعلى هذا النهج كلام أبي الصلاح حيث قال في باب الجمعة : ويقنت في الركعة الاولى والثانية. وقال في تعداد المسنونات : واما القنوت فموضعه بعد القراءة من الركعة وقبل الركوع. وان خص كلامهما في باب القنوت بقنوت ما عدا الجمعة بقي ما ذكراه في الجمعة مجملا فيمكن حمله على القول المشهور ، ولعله الأقرب لما ستعرفه ان شاء الله تعالى من عدم الدليل على القنوت قبل الركوع في كل من الركعتين.

وقد تلخص مما ذكرناه ان الأقوال في المسألة خمسة : (أحدها) القول المشهور وهو القنوتان في الركعة الأولى قبل الركوع وفي الثانية بعده. و (ثانيها) مذهب الصدوق في الفقيه وابن إدريس وهو قنوت واحد في الركعة الثانية بعد القراءة وقبل الركوع و (ثالثها) مذهب الشيخ المفيد وابن الجنيد ومن تبعهما وهو قنوت واحد في الركعة الأولى قبل الركوع. و (رابعها) مذهب السيد المرتضى (قدس‌سره) وهو التوقف ويمكن حمل صدر كلامه على الفتوى بذلك ، ولا ينافيه نسبة القول الثاني إلى الرواية بل ربما يؤكده ويؤيده كما يقع كثيرا في عبائر الأصحاب. و (خامسها) مذهب ابن أبي عقيل وأبي الصلاح بناء على الاحتمال الأول.


إذا عرفت ذلك فاعلم ان الذي وقفت عليه من اخبار المسألة ما رواه ثقة الإسلام في الكافي والشيخ في التهذيب عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «القنوت قنوت يوم الجمعة في الركعة الأولى بعد القراءة تقول في القنوت : لا إله إلا الله الحليم الكريم. الحديث».

وما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار (2) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول في قنوت الجمعة إذا كان اماما قنت في الركعة الاولى وان كان يصلي أربعا ففي الركعة الثانية قبل الركوع».

وما رواه الشيخ عن عمر بن حنظلة (3) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) القنوت يوم الجمعة؟ فقال أنت رسولي إليهم في هذا إذا صليتم في جماعة ففي الركعة الاولى وإذا صليتم وحدانا ففي الركعة الثانية».

وعن سليمان بن خالد في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (4) قال : «القنوت يوم الجمعة في الركعة الاولى».

وعن أبي بصير في الموثق (5) قال : «القنوت في الركعة الأولى قبل الركوع».

وعن عمر بن يزيد في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (6) قال : «إذا كانوا سبعة يوم الجمعة فليصلوا في جماعة وليلبس البرد والعمامة ويتوكأ على قوس أو عصا وليقعد قعدة بين الخطبتين وبجهر بالقراءة ويقنت في الركعة الأولى منهما قبل الركوع».

أقول : وهذه الأخبار ظاهرة في ما ذهب اليه الشيخ المفيد (قدس‌سره) واقتصر في المدارك على الاستدلال منها بصحيحتي معاوية بن عمار وسليمان بن خالد وأيدهما أيضا بقوله (عليه‌السلام) في صحيحة معاوية بن عمار (7) «ما اعرف قنوتا إلا قبل الركوع».

__________________

(1) الوسائل الباب 7 من القنوت.

(2 و 3 و 4 و 5) الوسائل الباب 5 من القنوت.

(6) الوسائل الباب 6 من صلاة الجمعة.

(7) الوسائل الباب 3 من القنوت.


ومنها ـ ما رواه الشيخ عن أبي بصير في الموثق (1) قال : «سأل عبد الحميد أبا عبد الله (عليه‌السلام) وانا عنده عن القنوت في يوم الجمعة فقال له في الركعة الثانية فقال له حدثنا بعض أصحابنا انك قلت في الركعة الأولى؟ فقال في الأخيرة. وكان عنده ناس كثير فلما رأى غفلة منهم قال يا أبا محمد هو في الركعة الاولى والأخيرة. قال قلت جعلت فداك قبل الركوع أو بعده؟ قال كل القنوت قبل الركوع إلا الجمعة فإن الركعة الأولى القنوت فيها قبل الركوع والأخيرة بعد الركوع».

وعن سماعة في الموثق (2) قال : «سألته عن القنوت في الجمعة فقال اما الامام فعليه القنوت في الركعة الأولى بعد ما يفرغ من القراءة قبل ان يركع وفي الثانية بعد ما يرفع رأسه من الركوع قبل السجود. الحديث».

ومنها ـ ما رواه الصدوق في كتاب العلل والعيون بسنده عن الفضل بن شاذان في العلل التي رواها عن الرضا (عليه‌السلام) (3) فان قال : «فلم جعل الدعاء في الركعة الأولى قبل القراءة ولم جعل في الركعة الثانية القنوت بعد القراءة؟ قيل لأنه أحب ان يفتتح قيامه لربه تعالى وعبادته بالتحميد والتقديس والرغبة والرهبة ويختم بمثل ذلك».

وما رواه في كتاب الخصال عن محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن احمد بن محمد بن عيسى عن عبد الرحمن بن أبي نجران والحسين سعيد عن حماد بن عيسى عن حريز بن عبد الله عن زرارة بن أعين عن أبي جعفر (عليه‌السلام) (4) قال : «انما فرض الله عزوجل من الجمعة إلى الجمعة خمسا وثلاثين صلاة منها صلاة واحدة فرضها في جماعة وهي الجمعة ، ووضعها عن تسعة : عن الصغير والكبير والمجنون

__________________

(1) التهذيب ج 1 ص 250 وفي الوسائل الباب 5 من القنوت.

(2) الوسائل الباب 5 من القنوت.

(3) الوسائل الباب 1 من القنوت.

(4) الوسائل الباب 1 من صلاة الجمعة.


والمسافر والعبد والمرأة والمريض والأعمى ومن كان على رأس فرسخين ، والقراءة فيها جهار ، والغسل فيها واجب. وعلى الامام فيها قنوتان : قنوت في الركعة الأولى قبل الركوع وفي الثانية بعد الركوع».

أقول : هذا الخبر عين الخبر الذي قدمنا نقله عن الفقيه في صدر المسألة. والعجب من جملة من أصحابنا المحققين من متأخري المتأخرين حيث اضطربوا في قول الصدوق ثمة بعد نقل الخبر المذكور : «وتفرد بهذه الرواية حريز عن زرارة» حيث ظنوا ان الخبر الذي نقله عن زرارة قد تم بقوله : «ومن كان على رأس فرسخين» وان ما بعده من أحكام الجهر بالقراءة ووجوب الغسل ووجوب القنوتين انما هو من كلام الصدوق خصوصا ان الصدوق قد زاد فيها ومن صلاها وحده.» فإنه ليس في رواية الخصال كما عرفت. قال في المدارك : قال الصدوق في من لا يحضره الفقيه بعد ان أورد القنوت في الركعتين على هذا الوجه : تفرد بهذه الرواية حريز عن زرارة. إلى آخر عبارته. ثم قال وما ذكره (رحمه‌الله) من رواية زرارة يصلح مستندا للقول الأول لو كانت متصلة. والظاهر ان مراده لو كانت متصلة بالإمام (عليه‌السلام) لاحتمال ان يكون ذلك قول زرارة فتكون الرواية مقطوعة موقوفة عليه وهو ناشى‌ء عما قلناه من حملهم تلك الأحكام على الخروج عن الرواية.

هذا ما وقفت عليه من روايات المسألة ، وجملة منها ـ كما ترى ـ دالة على ما ذهب اليه الشيخ المفيد ومن تبعه ، وجملة منها دالة على القول المشهور ، وبذلك يظهر ما في مذهب الصدوق في الفقيه وابن إدريس من الضعف والقصور لأنهما إنما اعتمدا على الروايات المطلقة في القنوت والقول بما ذهبا اليه موجب لطرح هذه الأخبار كملا مع ما عرفت من صحتها وكثرتها وفيه من الشناعة ما لا يخفى. واما قول ابن إدريس انها اخبار آحاد فهو مبني على أصله الخارج عن نهج السداد ، فان الطعن في هذه الأخبار مع تكررها في الأصول المعتمدة وقول جمهور الطائفة المحقة بها موجب للطعن في تلك الأخبار التي اعتمدوا


عليها أيضا إذ الحال في الجميع واحد. وما ادعاه من إجماع الأصحاب على تلك الأخبار انما هو في ما عدا الجمعة واما الجمعة فهي محل النزاع فلا يتم له التعلق بالإجماع.

بقي الكلام في الجمع بين اخبار هذين القولين فأقول ـ وبالله سبحانه التوفيق إلى الهداية إلى جادة التحقيق ـ لا يخفى انه مع القول باخبار القنوت الواحد في الركعة الأولى فإنه يلزم طرح الأخبار الأخر مع صراحتها وصحة بعضها كما عرفت وهو مما لا يتجشمه محصل ، واما مع القول باخبار القول المشهور فإنه يمكن ان يقال ان غاية ما تدل عليه تلك الأخبار المقابلة هو ثبوت القنوت في الركعة الاولى واما بالنسبة إلى الركعة الثانية فلا تعرض لها فيه بنفي ولا إثبات بل هي مطلقة في ذلك فإثباته في الأولى بهذه الأخبار لا ينافي ثبوته في الثانية بدليل آخر ، ونظيره في الأحكام الشرعية مما استفيد فيه الحكم من ضم روايات المسألة بعضها إلى بعض غير عزيز.

والى ما ذكرناه أشار المحدث الكاشاني في كتاب المعتصم حيث ان ظاهره فيه اختيار القول المشهور ، قال بعد ان أورد الروايات الدالة على مذهب الشيخ المفيد (قدس‌سره) : وما استدلوا به على المشهور وان كان من حيث السند قاصرا عن معارضة هذه الأخبار الصحاح إلا ان الاولى عدم الخروج عما عليه الأكثر سيما والسند لا يخلو من اعتبار مع تأيده برواية حريز ، بل لو لا قطع هذه الرواية لكفى ، على ان متنها غير قابل للتأويل والمعارض قابل له فان ثبوت القنوت في الركعة الأولى لدليل لا ينافي ثبوته في الثانية أيضا لدليل آخر وان كان ظاهر الأخبار منافيا لظاهر الأول فإن الجمع بين الدليلين مهما أمكن أولى من طرح أحدهما. انتهى.

واما ما ذكره الصدوق (قدس‌سره) ـ من ان القنوت في جميع الصلوات في الجمعة وغيرها في الركعة الثانية. الى آخره ـ

ففيه (أولا) ـ زيادة على ما عرفت ـ انه إذا استند في ذلك إلى إطلاق الروايات الواردة في اليومية ففيه انه مخصوص باخبار الجمعة فإنها خاصة والخاص مقدم على العام


كما هو القاعدة المتفق عليها بين العلماء الاعلام ، وان استند في ذلك إلى اخبار وردت في الجمعة بالخصوص فلم نقف عليها ولم ينقلها ناقل في ما اعلم.

و (ثانيا) انه لو فرض وجود حديث بذلك في خصوص الجمعة أيضا فإن ظاهر صدر رواية أبي بصير المتقدمة (1) رده وانه انما خرج مخرج التقية (2) لأنه لما سأله السائل أولا عن قنوت الجمعة أجاب بأنه في الركعة الثانية فلما راجعه بأنه نقل لنا عنك انك قلت في الركعة الأولى فأجاب بأنه في الأخيرة ولما رأى الغفلة من الحاضرين أسر إلى أبي بصير انه في الاولى والثانية. وظاهر سياق الخبر ان افتاءه (عليه‌السلام) للسائل أولا انما كان تقية لأجل الحاضرين ، وحينئذ فلو ورد من خارج ما يدل على ما ادعاه لوجب حمله بحكم هذا الخبر على التقية كما لا يخفى.

ثم ان ظاهر الخبر ـ كما ترى ـ ينادي بأنه (عليه‌السلام) افتى بالقنوت في الركعة الأولى كما تضمنته اخبار الشيخ المفيد (قدس‌سره) مع انه (عليه‌السلام) لم يكذب الراوي وانما عدل إلى التشديد على القنوت في الثانية فلما رأى الفرصة أسر إلى أبي بصير بالقنوتين. ومن هذا الخبر يفهم ان تلك الأخبار مخصوصة بهذا الخبر ما على النحو الذي ذكرناه أو انها خرجت لمعنى آخر وغرض آخر لا من حيث كونه هو الحكم الشرعي في

__________________

(1) ص 376.

(2) مقتضى إطلاق ما تقدم عن المحلى في التعليقة 1 ص 357 استحبابه في الجمعة في الركعة الثانية كغيرها ، ومقتضى إطلاق ما حكاه عن أبي حنيفة ومالك والشافعي عدم استحبابه فيها أصلا ، وكذا ما تقدم عن عمدة القارئ ، وفي الفقه على المذاهب الأربعة ج 1 ص 287 حكى عن الحنابلة استحباب القنوت للسلطان ونائبه في النوازل إلا الجمعة. وفي شرح النووي على صحيح مسلم ج 5 ص 176 ما ملخصه : «مذهب الشافعي ان القنوت مسنون في صلاة الصبح دائما واما غيرها فله فيه ثلاثة أقوال : «الأول» الصحيح المشهور وهو التفصيل بين نزول النازلة وعدمه ، «الثاني» القنوت في الحالين. «الثالث» عدمه في الحالين. ومحله بعد رفع الرأس من الركعة الأخيرة».


المسألة بل لغرض من الأغراض وانما الحكم الشرعي هذا الذي أسره في هذا المقام. وبالجملة فإن هذا الخبر بما اشتمل عليه من هذا التفصيل حاكم على القولين المذكورين ومسقط لرواياتهما من البين ، وبذلك يظهر قوة القول المشهور وانه المؤيد المنصور.

وليت شعري كيف خفيت على الصدوق اخبار هذه المسألة على تعددها وكثرتها ولم تصل اليه؟ ولعله لهذا لم ينقل شيئا منها في كتابه ، ويؤيده نسبة رواية القنوتين إلى تفرد حريز بها عن زرارة مع انها كما عرفت موجودة في روايتي أبي بصير وسماعة ، وفي المثل المشهور الدائر : كم ترك الأول للآخر.

قال المحقق في المعتبر : والذي يظهر ان الامام يقنت قنوتين إذا صلى جمعة ركعتين ومن عداه يقنت مرة جامعا كان أو منفردا ، ويدل على ذلك رواية أبي بصير عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (1) قال : «كل القنوت قبل الركوع إلا الجمعة فإن القنوت في الأولى قبل الركوع وفي الأخيرة بعد الركوع».

ثم ذكر رواية سماعة المتقدمة ثم صحيحة معاوية بن عمار ثم رواية عمر بن حنظلة. والظاهر انه أراد بذلك وجه الجمع بين هذه الأخبار وانه أراد بالإمام إمام الأصل (عليه‌السلام) بمعنى انه إذا صلاها إمام الأصل جمعة ففيها قنوتان ، وعلى هذا حمل رواية أبي بصير وسماعة ، وان صلاها غيره فان كان صلاها جمعة ولم يكن إمام الأصل فقنوت واحد في الركعة الاولى ، وعلى هذا حمل صدر صحيحة معاوية بن عمار وصدر رواية عمر بن حنظلة ، وان صلاها ظهرا جماعة أو منفردا فقنوت واحد في الركعة الثانية ، وعلى هذا يدل عجز صحيحة معاوية بن عمار وعجز رواية عمر بن حنظلة. وفيه من البعد ما لا يخفى فإن الإمام في هذه الأخبار بل اخبار الجمعة كملا اما ان يحمل على إمام الأصل كما هو المشهور بينهم أو الإمام مطلقا كما هو الحق ، وحمله في خبر على أحدهما وفي آخر على غيره ترجيح من غير مرجح ، على ان التفصيل الذي في رواية أبي بصير

__________________

(1) المتقدمة ص 376.


وان لم ينقله لا يطابق ما ذكره كما لا يخفى.

وظاهر العلامة في المنتهى حمل اختلاف الأخبار على الفضيلة والكمال حيث ان المقام مقام الاستحباب ، قال : وهذه الأخبار وان اختلفت في الوجه الأول فلا يضر اختلافها إذ هو في فعل مستحب وذلك يحتمل اخلافه لا خلاف الأوقات والأحوال فتارة يبالغ الأئمة (عليهم‌السلام) في الأمر بالكمال وتارة يقتصر على ما يحصل معه بعض المندوب ولا استبعاد في ذلك. وأيده بالأخبار الدالة على عدم القنوت فيها بالكلية وهي ما رواه الشيخ عن عبد الملك بن عمرو (1) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) قنوت الجمعة في الركعة الأولى قبل الركوع وفي الثانية بعد الركوع؟ فقال لي لا قبل ولا بعد». وموثقة داود بن الحصين (2) قال : «سمعت معمر بن أبي رئاب يسأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) وانا حاضر عن القنوت في الجمعة فقال ليس فيها قنوت». قال بعد ذكر هذين الخبرين : فههنا قد اقتصر على فعل الصلاة من غير قنوت اشعارا باستحبابه وانه ليس فيها قنوت واجب. انتهى.

ومرجع كلامه (قدس‌سره) الى التخيير بين القنوت في الأولى خاصة كما هو مذهب الشيخ المفيد (قدس‌سره) واتباعه وان كان أقل فضلا وبين القنوتين كما هو المشهور وهو الأفضل وبين عدم القنوت بالكلية وهو المرتبة الخالية من الفضيلة بالمرة. وهو محتمل إلا ان ظاهر رواية أبي بصير وما اشتملت عليه من الجواب ينافيه فإنه لو كان المقام مقام تخيير لما اضرب (عليه‌السلام) عما افتى به أولا من القنوت في الركعة الأولى الذي افتى به سابقا وأمر بالقنوتين كما لا يخفى. واما خبر عبد الملك ابن عمرو وكذا خبر داود بن الحصين فما حملهما عليه من نفى الوجوب كما هو أحد احتمالي الشيخ (قدس‌سره) في التهذيب محتمل إلا ان الظاهر هو حملهما على التقية (3) كما

__________________

(1 و 2) الوسائل الباب 5 من القنوت.

(3) ارجع إلى التعليقة 1 ص 357 و 2 ص 379.


هو أحد الحملين في التهذيب أيضا واقتصر عليه في الاستبصار ، على ان نفى الوجوب لا يدل على الترك بالكلية وانما يدل على الرخصة في ذلك. والله العالم.

(المسألة السادسة) ـ قد تقدم تصريح الأصحاب بأن أفضل ما يقال في القنوت كلمات الفرج ، بقي الكلام في جملة من المستحبات فيه أيضا :

منها ـ الجهرية في الجهرية والإخفاتية إماما كان أو منفردا واما المأموم فالأفضل له الإخفات به على المشهور ، وقال المرتضى والجعفي (رضي‌الله‌عنهما) انه تابع للصلاة في الجهر والإخفات. وقال ابن الجنيد : يستحب ان يجهر به الإمام ليؤمن من خلفه على دعائه. والقولان الأخيران بمحل من الضعف.

فاما ما يدل على القول المشهور فما رواه الصدوق في الصحيح عن زرارة (1) قال : «قال أبو جعفر (عليه‌السلام) القنوت كله جهار». ورواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب حريز عن زرارة مثله (2).

وبإسناده عن أبي بكر بن أبي سمال (3) قال : «صليت خلف أبي عبد الله (عليه‌السلام) الفجر فلما فرغ من قراءته في الثانية جهر بصوته نحوا مما كان يقرأ وقال : اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا في الدنيا والآخرة انك على كل شي‌ء قدير».

واما ما يدل على استحباب الإخفات به للمأموم فما ورد في رواية أبي بصير (4) من انه ينبغي للإمام ان يسمع من خلفه كل ما يقول ولا ينبغي لمن خلفه ان يسمعه شيئا مما يقول. ومثله رواية حفص بن البختري عن علي (عليه‌السلام) (5). ونقل عن المرتضى والجعفي الاستدلال على ما نقل عنهما بعموم

قوله (عليه‌السلام) (6) «صلاة النهار عجماء وصلاة الليل جهر». وفيه ان دليلنا خاص فيجب ان

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 21 من القنوت.

(4 و 5) الوسائل الباب 6 من التشهد و 52 من الجماعة.

(6) مستدرك الوسائل الباب 21 من القراءة عن العوالي قال النبي (ص) «صلاة النهار عجماء» وللتعليقة تتمة في الاستدراكات.


يخصص به العموم المذكور.

واما ما ذكره ابن الجنيد فإن أراد بقوله : «ليؤمن من خلفه على دعائه» لفظ «آمين» فقد تقدم القول فيه وانه مبطل للصلاة ، وان أراد الدعاء بالاستجابة فلا بأس به إلا انه لا ينافي استحباب ذلك للمنفرد أيضا.

واما ما رواه الشيخ في الموثق أو الضعيف عن علي بن يقطين (1) ـ قال : «سألت أبا الحسن الماضي (عليه‌السلام) عن الرجل هل يصلح له ان يجهر بالتشهد والقول في الركوع والسجود والقنوت؟ فقال ان شاء جهر وان شاء لم يجهر».

وما رواه في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه‌السلام) (2) قال : «سألته عن الرجل له ان يجهر بالتشهد والقول في الركوع والسجود والقنوت؟ فقال ان شاء جهر وان شاء لم يجهر».

وروى الحميري في قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر مثله (3) ـ فهو محمول على الجواز فلا ينافي ما دل على الاستحباب.

ومنها ـ تطويل القنوت لما رواه الصدوق (4) قال «قال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أطولكم قنوتا في دار الدنيا أطولكم راحة يوم القيامة في الموقف».

وروى في كتاب ثواب الأعمال عن أبي بصير عن أبي عبد الله عن آبائه (عليهم‌السلام) عن أبي ذر (رضي‌الله‌عنه) (5) قال : «قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أطولكم قنوتا. الحديث».

وقال الشهيد في الذكرى (6) ورد عنهم (عليهم‌السلام) «أفضل الصلاة ما طال قنوتها». قال (7) وروى علي بن إسماعيل الميثمي في كتابه بإسناده إلى الصادق (عليه‌السلام) قال : «صل يوم الجمعة الغداة بالجمعة والإخلاص واقنت في الثانية بقدر

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 20 من القنوت.

(4 و 5 و 6 و 7) الوسائل الباب 22 من القنوت.


ما قمت في الركعة الأولى».

أقول : وقد نقل شيخنا المجلسي في كتاب البحار جملة من قنوتات الأئمة (عليهم‌السلام) الطويلة وعقد لها بابا على حد فقال (1) : باب آخر في القنوتات الطويلة المروية عن أهل البيت (عليهم‌السلام).

وينبغي ان يستثني من ذلك صلاة الجماعة إلا مع حب المأمومين لذلك لما استفاض في الأخبار من استحباب الإسراع فيها.

ومنها ـ التكبير له لما رواه في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) (2) قال : «التكبير في صلاة الفرض الخمس الصلوات خمس وتسعون تكبيرة : منها ـ تكبيرة القنوت خمس». ورواه أيضا بطريق آخر (3) وفسر فيه التكبيرات وعد منها خمس تكبيرات القنوت في خمس صلوات.

وما رواه الشيخ عن الصباح المزني (4) قال : «قال أمير المؤمنين (عليه‌السلام): خمس وتسعون تكبيرة في اليوم والليلة للصلوات : منها ـ تكبير القنوت».

ونقل عن الشيخ المفيد (عطر الله مرقده) نفيه ، قال الشيخ في الاستبصار بعد نقل هذه الأخبار : هذه الروايات التي ذكرناها ينبغي ان يكون العمل عليها وبها كان يفتي شيخنا المفيد (قدس‌سره) قديما ثم عن له في آخر عمره ترك العمل بها والعمل على رفع اليدين بغير تكبير ، والأول أولى لوجود الروايات بها وما عدا هذا لست اعرف به حديثا أصلا. انتهى.

أقول : ليت شعري كيف لم يسأله عن ذلك وهو شيخه وكان ذلك في حياتهما (رضوان الله عليهما)؟ هذا ومن المعلوم ان مثل الشيخ المفيد (قدس‌سره) في جلالة شأنه وعلو مكانه لا يخرج عن هذه الأخبار من غير دليل فكيف لم يسأله عن ذلك حتى انه يعترض عليه هنا؟

__________________

(1) ج 18 الصلاة ص 380.

(2 و 3 و 4) الوسائل الباب 5 من تكبيرة الإحرام.


قال في الذكرى : والمفيد لا يكبر للقنوت ويكبر عنده للقيام من التشهد فالتكبير عنده اربع وتسعون والروايات تخالفه ، مع انه قد روى مشهورا بعدة طرق : منها ـ رواية محمد بن مسلم عن الصادق (عليه‌السلام) (1) في القائم من التشهد يقول : «بحول الله وقوته أقوم واقعد». وفي بعضها (2) «بحولك وقوتك أقوم واقعد». وفي بعضها (3) «واركع واسجد». ولم يذكر في شي‌ء منها التكبير. والأقرب سقوطه للقيام وثبوته للقنوت وبه كان يفتي المفيد (قدس‌سره) وفي آخر عمره رجع عنه إلى المذكور أولا ، قال الشيخ ولست اعرف بقوله هذا حديثا أصلا. انتهى.

أقول : اما الاعتراض عليه (قدس‌سره) بقوله بالتكبير للقيام من التشهد فقد تقدم العذر عنه في آخر المقام الثاني من الفصل السادس في السجود (4) وبينا الدليل في ما ذهب اليه من التكبير المذكور. واما نفيه تكبير القنوت فلم نقف على وجهه. والله العالم

ومنها ـ رفع يديه تلقاء وجهه مبسوطتين يستقبل بباطنهما السماء وظهورهما الأرض ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) وقال الشيخ المفيد يرفع يديه حيال صدره. وحكى في المعتبر قولا بجعل باطنهما إلى الأرض. وذكر ابن إدريس انه يفرق الإبهام عن الأصابع. قالوا ويستحب نظره إلى بطونهما. وعن الجعفي انه يمسح وجهه بيديه ويمرهما على لحيته وصدره.

أقول : اما ما ذكروه من رفع اليدين تلقاء وجهه مبسوطتين يستقبل بباطنهما السماء فلم أقف له في الأخبار على دليل ، والذي وقفت عليه صحيحة عبد الله بن سنان الواردة في صلاة الوتر وهي ما رواه عن أبي عبد الله (عليه‌السلام) في الصحيح (5) قال : «تدعو في الوتر على العدو وان شئت سميتهم وتستغفر وترفع يديك في الوتر حيال وجهك وان شئت تحت ثوبك». وهي مع ورودها في خصوص الوتر قاصرة

__________________

(1 و 2 و 3) الوسائل الباب 13 من السجود.

(4) ص 310 و 311.

(5) الوسائل الباب 13 و 12 من القنوت.


عن الدلالة على المدعى.

وروى في الفقيه (1) عن أبي حمزة الثمالي قال : «كان علي بن الحسين (عليهما‌السلام) يقول في آخر وتره وهو قائم : رب اسأت وظلمت نفسي وبئس ما صنعت وهذه يداي جزاء بما صنعتا قال ثم يبسط يديه جميعا قدام وجهه ويقول : وهذه رقبتي خاضعة لك لما أتت. قال ثم يطأطئ رأسه ويخضع برقبته ثم يقول : وها انا ذا بين يديك. إلى آخر الدعاء».

ومفهوم هذا الخبر انه انما يبسط يديه جميعا قدام وجهه عند قوله «وهذه يداي (2)» مع ان هذا الدعاء في قنوت الوتر الذي يستحب التطويل فيه بالدعاء ، والأدعية المروية فيه والموظفة له طويلة ، وهذا الكلام انما هو في آخره كما صرح به في الخبر ، فدلالة هذا الخبر على ان بسط يده انما هو في هذه الحال مشعر بكونهما في وقت القنوت ليستا كذلك وهو خلاف كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) في هذا الباب.

وقال في الذكرى : يستحب رفع اليدين تلقاء وجهه مبسوطتين يستقبل ببطونهما السماء وبظهورهما الأرض ، قاله الأصحاب وروى عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه‌السلام) (3) «وترفع يديك حيال وجهك وان شئت تحت ثوبك وتتلقى بباطنهما السماء». ونحو ذلك ذكر الفاضل الخراساني في الذخيرة. ولم أقف على رواية عن عبد الله بن سنان بهذه الصورة والذي وقفت عليه انما هي الرواية الواردة في الوتر على نحو ما ذكرته.

واما ما ذكره الشيخ المفيد (قدس‌سره) ـ من جعل اليدين حيال صدره وكذا ما نقله في المعتبر وما ذكره ابن إدريس ـ فلم أقف بعد التتبع على ما يدل عليه. واما ما ذكروه من استحباب النظر إليهما فظاهر كلام المحقق في المعتبر والشهيد في الذكرى يدل على وجود النص به ، وما ذكروه وان لم يرد به نص إلا انه لا بأس به

__________________

(1) ج 1 ص 311.

(2) الظاهر «وهذه رقبتي».

(3) الوسائل الباب 12 من القنوت إلى قوله «تحت ثوبك» كما ذكره «قدس‌سره».


لحبس النظر لكن لا ينبغي اعتقاد استحبابه وتوظيفه.

واما ما نقل عن الجعفي ـ من مسح وجهه بيديه ويمرهما على لحيته وصدره بعد القنوت ـ فلم أقف فيه على خبر بل ظاهر التوقيع المروي عن صاحب الزمان (عليه‌السلام) خلافه وهو ما رواه الطبرسي في الاحتجاج عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري ونحوه في قرب الاسناد (1) «انه كتب إلى صاحب الزمان (عليه‌السلام) يسأله عن القنوت في الفريضة إذا فرغ من دعائه ان يرد يديه على وجهه وصدره للحديث الذي روى ان الله عزوجل أجل من ان يرد يدي عبد صفرا بل يملأهما من رحمته أم لا يجوز فان بعض أصحابنا ذكر انه عمل في الصلاة؟ فأجاب (عليه‌السلام) رد اليدين من القنوت على الرأس والوجه غير جائز في الفرائض والذي عليه العمل فيه إذا رجع يديه في قنوت الفريضة وفرغ من الدعاء ان يرد بطن راحتيه مع صدره تلقاء ركبتيه على تمهل ويكبر ويركع. والخبر صحيح وهو في نوافل النهار والليل دون الفرائض والعمل به فيها أفضل».

قال في المنتهى : هل يستحب ان يمسح وجهه بيديه عند الفراغ من الدعاء؟ قيل نعم ولم يثبت. وقال في الذكرى : ويمسح وجهه بيديه ويمرهما على لحيته وصدره قاله الجعفي وهو مذهب بعض العامة (2). انتهى.

وكيف كان فما اشتمل عليه الخبر من التفصيل وان كان غير مشهور بين الأصحاب إلا ان العمل به متيقن إذ لا معارض له في ذلك فيخص الاستحباب بالنافلة ويكره ذلك في الفريضة. والله العالم.

__________________

(1) الوسائل الباب 23 من القنوت عن الاحتجاج وفي البحار ج 18 الصلاة ص 377 عن قرب الاسناد.

(2) في شرح النووي على صحيح مسلم ج 5 ص 176 «ما ملخصه : يستحب الجهر بالقنوت في الصلاة الجهرية ورفع اليدين فيه ولا يمسح الوجه وقيل يمسح واتفقوا على كراهة مسح الصدر».

المشاركات الشائعة

ابحث في الموقع

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *