ج3 - غسل مس الأموات
الفصل الخامس
وفيه مسائل (الأولى) ـ المشهور رواية وفتوى
وجوب الغسل على من مس ميتا بعد برده وقبل تطهيره بالغسل ، وعن المرتضى في شرح
الرسالة والمصباح القول بالاستحباب ، وظاهر كلام الشيخ في الخلاف وجود قائل بذلك
قبل المرتضى حيث قال : «وعند بعضهم انه يستحب وهو اختيار المرتضى» ونسبه سلار إلى
إحدى الروايتين مع انا لم نقف على رواية ظاهرة في الاستحباب كما سيظهر لك ان شاء
الله تعالى.
والأظهر الأول ، لنا الأخبار الكثيرة ، ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) (1) قال : «قلت الرجل يغمض عين الميت أعليه غسل؟ فقال : إذا مسه بحرارته فلا ولكن إذا مسه بعد ما يبرد فليغتسل. قلت فالذي يغسله يغتسل؟ قال : نعم. الحديث».
وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن على المشهور عن
حريز عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (2) قال : «من غسل
ميتا فليغتسل. قلت فان مسه ما دام حارا؟ قال فلا غسل عليه وإذا برد ثم مسه
فليغتسل. قلت فمن ادخله القبر؟ قال لا غسل عليه انما يمس الثياب».
وعن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (3) قال : «يغتسل
الذي غسل الميت ، وان قبل الميت انسان بعد موته وهو حار فليس عليه غسل ولكن إذا
مسه وقبله وقد برد فعليه الغسل ، ولا بأس ان يمسه بعد الغسل ويقبله».
وعن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (4) قال : «قلت له
أيغتسل من غسل الميت؟ قال نعم. قلت : من ادخله القبر؟ قال : لا انما يمس الثياب».
وما رواه الشيخ في الصحيح عن عاصم بن حميد (5) قال : «سألته
عن الميت إذا مسه انسان أفيه غسل؟ قال فقال إذا مسست جسده حين يبرد فاغتسل».
وعن إسماعيل بن جابر في الصحيح (6) قال : «دخلت
على ابي عبد الله (عليهالسلام) حين مات ابنه
إسماعيل الأكبر فجعل يقبله وهو ميت ، فقلت جعلت فداك أليس لا ينبغي ان يمس الميت
بعد ما يموت ومن مسه فعليه الغسل؟ فقال اما بحرارته فلا بأس انما ذلك إذا برد».
وعن معاوية بن عمار في الصحيح (7) قال : «قلت
لأبي عبد الله (عليهالسلام) الذي يغسل الميت
عليه غسل؟ قال : نعم. قلت فإذا مسه وهو سخن؟ قال : لا غسل
__________________
(1 و 2 و 3 و 5 و 6 و 7) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب
غسل المس.
(4) رواه في الوسائل في الباب 4 من أبواب غسل المس.
عليه فإذا برد فعليه الغسل قلت :
والبهائم والطير إذا مسها عليه غسل؟ قال : لا ليس هذا كالإنسان».
وعن محمد بن مسلم عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «من غسل
ميتا وكفنه اغتسل غسل الجنابة».
وعن محمد بن الحسن الصفار في الصحيح (2) قال : «كتبت
اليه : رجل أصابت يده أو بدنه ثوب الميت الذي يلي جلده قبل أن يغسل هل يجب عليه
غسل يده أو بدنه؟ فوقع (عليهالسلام) : إذا أصاب
يدك جسد الميت قبل ان يغسل فقد يجب عليك الغسل».
وعن الحلبي في الصحيح عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (3) «عن الرجل يمس
الميتة أينبغي أن يغتسل منها؟ قال : لا انما ذلك من الإنسان».
واما ما رواه الشيخ في الموثق عن عمار الساباطي عن ابي
عبد الله (عليهالسلام) (4) ـ قال : «يغتسل
الذي غسل الميت وكل من مس ميتا فعليه الغسل وان كان الميت قد غسل». ـ فحمله في
التهذيبين على الاستحباب وفيه بعد ، والاولى طرح الخبر المذكور والرد إلى قائله
ولا سيما مع كونه مخالفا لإجماع المسلمين ومن روايات عمار المتفرد بنقل الغرائب.
واما ما رواه عن عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن
علي (عليهالسلام) (5) ـ قال : «الغسل
من سبعة : من الجنابة وهو واجب ، ومن غسل الميت وان تطهرت أجزأك ، وذكر غير ذلك». وظاهره
ان الوضوء يجزئ عن غسل مس الميت وان كان الغسل أفضل ـ فقد حمله الشيخ على التقية ،
قال : «لأنا بينا وجوب الغسل على من غسل ميتا وهذا موافق للعامة لا يعمل به»
انتهى. وهو جيد ، ويعضده ان رواة
__________________
(1 و 2 و 5) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب غسل المس.
(3) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب غسل المس.
(4) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب غسل المس.
الخبر من العامة والزيدية. واما ما
ذكره في الوافي ـ بعد نقل ذلك عن الشيخ حيث قال : «ولا يخفى ان الوجوب بالمعنى
الذي اراده غير ثابت» ـ فلا اعرف له معنى مع تصريحه هو وغيره بوجوب غسل المس.
وروى الطبرسي أبو منصور احمد بن ابي طالب في الاحتجاج (1) قال : مما خرج
عن صاحب الزمان (عليهالسلام) الى محمد بن
عبد الله بن جعفر الحميري حيث كتب اليه : «روي لنا عن العالم انه سئل عن امام صلى
بقوم بعض صلاتهم وحدثت عليه حادثة كيف يعمل من خلفه؟ فقال : يؤخر ويتقدم بعضهم
ويتم صلاتهم ويغتسل من مسه؟
التوقيع : ليس على من مسه إلا غسل اليد وإذا لم تحدث
حادثة تقطع الصلاة تمم الصلاة مع القوم. قال : وكتب اليه وروى عن العالم ان من مس
ميتا بحرارته غسل يده ومن مسه وقد برد فعليه الغسل ، وهذا الميت في هذه الحالة لا
يكون إلا بحرارته فالعمل في ذلك على ما هو؟ ولعله ينحيه بثيابه ولا يمسه فكيف يجب
عليه الغسل؟ التوقيع : ان مسه في هذه الحال لم يكن عليه الا غسل يده».
واما ما ذكره في الذخيرة ـ حيث قال بعد نقل جملة من
اخبار المسألة : «ولا يخفى ان الأمر وما في معناه في أخبارنا غير واضح الدلالة على
الوجوب فالاستناد الى هذه الاخبار في إثبات الوجوب لا يخلو من اشكال» ـ فهو من
جملة تشكيكاته الواهية وفيه خروج من الدين من حيث لا يشعر قائله (أما أولا) ـ فلما
حققناه في مقدمات الكتاب من دلالة الأمر على الوجوب بالآيات القرآنية والأخبار
النبوية.
و (اما ثانيا) ـ فلانه متى كان الأوامر الواردة في
الأخبار في جميع الأحكام لا تدل على الوجوب والنواهي الواردة كذلك لا تدل على
التحريم كما كرره في غير موضع من كتابه هذا فلم يبق إلا الإباحة ، وبذلك يلزم
تحليل المحرمات وترك الواجبات إذ لا تكليف الا بعد البيان ولا مؤاخذة إلا بعد
اقامة البرهان ، والفرض بناء على ما ذكره
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب غسل المس.
انه لا دليل على وجوب ولا تحريم ،
واللازم حينئذ سقوط التكليف وان إرسال الرسل وإنزال الشرائع عبث وهو كفر محض كما
لا يخفى.
ولم نقف للمرتضى هنا على دليل في حمل الاخبار على
الاستحباب إلا التمسك بأصالة البراءة وما رواه الشيخ عن سعد بن ابي خلف (1) قال : «سمعت
أبا عبد الله (عليهالسلام) يقول : «الغسل
في أربعة عشر موطنا ، واحد فريضة والباقي سنة». وما رواه عن القاسم الصيقل (2) قال : «كتبت
اليه : جعلت فداك هل اغتسل أمير المؤمنين حين غسل رسول الله (صلىاللهعليهوآله) عند موته؟
فأجاب (عليهالسلام) ان النبي
طاهر مطهر ولكن أمير المؤمنين فعل وجرت به السنة». ولا يخفى أن الأصالة المذكورة
يجب الخروج عنها بالدليل وقد تقدم. واما الروايتان المذكورتان فقاصرتان سندا
ودلالة ، واللازم من العمل بمضمون الاولى من حمل السنة فيها على المستحب عدم وجوب
غسل الحيض وأخويه من الاستحاضة والنفاس وعدم وجوب غسل الميت ، وهو باطل قطعا ،
ويحتمل في الثانية جعل مفعول «فعل» غسل الميت لا غسل المس وحينئذ فالضمير في قوله
: «وجرت به السنة» عائد إليه لا الى غسل المس ، على ان استعمال السنة في الأخبار
فيما وجب بالسنة أو الأعم شائع كثير.
ثم انه صرح جملة من الأصحاب بأنه لا فرق في وجوب الغسل
بالمس بين كون الميت مسلما أو كافرا عملا بإطلاق الاخبار في وجوب الغسل بمس الميت
بعد برده الشامل للمسلم والكافر. واحتمل في المنتهى عدم الوجوب بناء على ان إيجاب
الغسل بالمس قبل التطهير بالغسل انما يتحقق في من يقبل التطهير اما ما لا يقبل
كالبهيمة ونحوها فلا ، والكافر لا يقبل التطهير فيكون جاريا مجراها. ورد بما تقدم
من شمول الأخبار بإطلاقها للمسلم والكافر. وفيه ان ظاهر الاخبار المشار إليها ـ باعتبار
ما دل عليه بعضها من انه قبل
__________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب الجنابة.
(2) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب غسل المس.
الغسل يجب الغسل بمسه وبعد الغسل لا
يجب وحمل مطلقها في ذلك على مقيدها ومجملها على مفصلها ـ هو اختصاص موردها بالمسلم
، لانه لا خلاف ولا إشكال في ان غسل الكافر لا يفيده طهارة وحينئذ فلا يكون داخلا
تحت الاخبار المشار إليها ، وبذلك يظهر قرب الاحتمال الذي ذكره في المنتهى وان كان
الاحتياط في وجوب الغسل بمسه غسل أو لم يغسل.
واما الميمم ولو عن بعض الغسلات فالظاهر وجوب الغسل بمسه
، لعدم دخوله تحت الأخبار المذكورة ، لأن التيمم غير الغسل وبدليته عنه لا تقتضي
المساواة من جميع الوجوه.
(الثانية) ـ لو تقدم غسله على موته كالمرجوم أو غسل مع
فقد الخليطين فهل يجب الغسل بمسه أم لا؟ اشكال ، قال في المدارك بعد الكلام في
المسألة ونقل بعض اخبارها : «ويندرج في من غسل من تقدم غسله على موته ومن غسل غسلا
صحيحا ولو مع فقد الخليطين».
أقول : لا يخفى تطرق المناقشة الى كل من الصورتين
المذكورتين ، اما من تقدم غسله كالمرجوم ففيه (أولا) ـ ان هذا الحكم وان دلت عليه رواية
مسمع كردين عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) قال : «المرجوم
والمرجومة يغسلان ويحنطان ويلبسان الكفن قبل ذلك ثم يرجمان ويصلى عليهما ، والمقتص
منه بمنزلة ذلك يغسل ويحنط ويلبس الكفن ويصلى عليه». الا انها مع ضعف سندها معارضة
بالأخبار المستفيضة بل المتواترة معنى الدالة على نجاسة الميت بالموت ولا سيما
الأخبار الكثيرة الدالة على ان العلة في وجوب غسل الميت انما هو خروج النطفة التي
خلق منها بالموت وان الميت لذلك كالجنب يغسل غسل الجنابة كما قدمنا جملة منها في
باب غسل الجنابة (2) وتخصيص تلك
الاخبار بما هي عليه من الكثرة والصراحة بهذا الخبر الضعيف مشكل ، على انه لا يعقل
__________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 17 من أبواب غسل الميت.
(2) ص 74.
سبق التطهير على وقوع النجاسة وحصولها
كما لا يخفى ، ولو لا اتفاق الطائفة على هذا الحكم سلفا وخلفا لكان الأظهر الوقوف
على تلك الأخبار ، وكيف كان فالأجود عندي إعادة غسله. و (اما ثانيا) ـ فلانه مع
تسليم العمل بالرواية المذكورة والحكم بصحة هذا الغسل والاكتفاء به عن تغسيله
ثانيا فانسحاب أحكام الغسل الصحيح المتعارف الى هذا الغسل ممنوع ، وذلك فإن إطلاق
الأخبار المتقدمة الدالة على وجوب الغسل بمس الميت بعد برده وقبل غسله وجواز المس
بعد الغسل انما ينصرف الى الغسل المتكرر المتعارف الشائع الوقوع وهو الغسل بعد
الموت ، لما صرح به غير واحد من محققي الأصحاب من ان الأحكام المودعة في الأخبار
انما تنصرف الى الافراد الشائعة المتعارفة فإنها هي التي ينصرف إليها الإطلاق
وتتبادر الى الذهن دون الفروض الشاذة النادرة ، وبالجملة فإن غاية ما دلت عليه
رواية مسمع بعد تسليمها مع مخالفتها لمقتضى القواعد هو سقوط الغسل بعد الموت واما
ما عداه فلا ، ودعوى كون هذه الأمور مترتبة على الغسل مطلقا ممنوعة لما عرفت ، وقد
وافقنا في هذا المقام صاحب الذخيرة مع اقتفائه أثر صاحب المدارك غالبا فقال : «وفي
وجوب الغسل بمسه بعد الموت تردد» وتنظر العلامة في المنتهى في المسألة أيضا ، وعن
ابن إدريس انه أوجب الغسل بمسه.
واما من غسل مع فقد الخليطين فلعدم الدليل على صحة هذا
الغسل لعدم النص كما يأتي تحقيقه ان شاء الله تعالى في محله وانما عللوا ذلك بأمور
اعتبارية لا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية.
(الثالثة) ـ قال في المنتهى : «الأقرب في الشهيد انه لا
يجب الغسل بمسه لأن الرواية تدل بمفهومها على ان الغسل انما يجب في الصورة التي يجب
فيها تغسيل الميت قبل غسله» وظاهره في المعتبر القطع بالحكم المذكور ، وقال في
المدارك بعد نقل ذلك عنه : «وهو كذلك لان ظاهر الروايات ان الغسل انما يجب بمس
الميت الذي يجب تغسيله
قبل ان يغسل ، ويعضده أصالة البراءة
وانتفاء العموم في الأخبار الموجبة بحيث يتناول كل ميت».
أقول : لا يخفى ان أكثر الروايات المتقدمة مطلقة في وجوب
الغسل على من مس ميتا ، مثل صحيحة حريز أو حسنته ورواية عبد الله بن سنان الاولى
وصحيحة عاصم بن حميد وصحيحة إسماعيل بن جابر وصحيحة معاوية بن عمار (1) وصحيحة الحلبي
(2) وصحيحة محمد
بن مسلم (3) فإنها كلها
مطلقة في وجوب الغسل بالمس بعد البرد شاملة بإطلاقها للشهيد وغيره. واما ما دلت
عليه صحيحة الصفار (4) من قوله (عليهالسلام): «إذا أصاب
يدك جسد الميت قبل ان يغسل فقد يجب عليك الغسل». وهي التي تشعر بما ذكروه ـ فيمكن
الجواب عنها بان هذا القيد خرج بناء على ما هو الغالب المتكرر فلا يدل على تقييد
إطلاق تلك الأخبار الكثيرة ، وبذلك يظهر لك ما في دعوى صاحب المدارك (أولا) ـ ان
ظاهر الروايات ان الغسل انما يجب بمس الميت الذي يجب تغسيله قبل ان يغسل ، فإن
أكثر الروايات ـ كما عرفت ـ مطلق لا اشعار فيه بما ذكره وانما ذلك في صحيحة الصفار
خاصة. و (ثانيا) ـ دعواه انتفاء العموم في الاخبار الموجبة بحيث يتناول كل ميت ،
فإنه ليس في محله لما عرفت من شمول الأخبار المذكورة بإطلاقها للشهيد وغيره من
الأموات. ووقوع السؤال في بعضها عمن غسل ميتا لا اشعار فيه بما ادعوه ، لان هذا
أحد أفراد المس الذي يترتب عليه الغسل ، واي ظهور في العموم أظهر من صحيحة عاصم بن
حميد (5) وقوله : «سألته
عن الميت إذا مسه الإنسان فيه غسل؟ فقال : إذا مسست جسده حين يبرد فاغتسل»؟. ونحوها
صحيحة إسماعيل بن جابر (6) وبالجملة
فظواهر الأخبار المذكورة العموم. نعم يمكن ان يقال ان الظاهر من الروايات الدالة
على نجاسة الميت بالموت وطهره بالغسل والروايات الدالة على ان الشهيد لا يغسل هو
طهارة الشهيد وعدم نجاسته بالموت ، وحينئذ فيكون حكمه حكم غيره
__________________
(1 و 5 و 6) ص 328.
(2
, 4) ص 329.
(3) ص 327.
من الأموات بعد الغسل.
(الرابعة) ـ لا خلاف بين الأصحاب في انه لو مسه قبل
البرد فلا غسل ، وقد تقدم في الأخبار المتقدمة ما يدل عليه وانما الخلاف في ثبوت
النجاسة بذلك ووجوب غسل ما باشره. فقيل بذلك وهو اختيار شيخنا الشهيد الثاني في
الروض ونقله عن العلامة أيضا ، وقيل بطهارته وعدم وجوب غسل ما باشره وهو اختيار
الذكرى والدروس والمنتهى ، واليه مال في المدارك وقبله المولى الأردبيلي في شرح
الإرشاد.
واحتج الأولون بصدق الموت الموجب للحكم بالنجاسة. وأجاب
عنه في الذكرى بأنا إنما نقطع بالموت بعد البرد. واعترضه في الروض بمنع عدم القطع
قبله وإلا لما جاز دفنه قبل البرد ، ولم يقل به أحد خصوصا صاحب الطاعون ، قال : «وقد
أطلقوا القول باستحباب التعجيل مع ظهور علامات الموت وهي لا تتوقف على البرد ، مع
ان الموت لو توقف القطع به على البرد لما كان لقيد البرد فائدة بعد ذكر الموت».
واحتج الآخرون بأصالة البراءة فيجب التمسك بها الى ان
يقوم دليل على خلافها وعدم القطع بنجاسته قبل البرد ، وزاد في الذكرى بان نجاسته
ووجوب الغسل متلازمان إذ الغسل بمس النجس.
واعترضه في الروض ـ زيادة على ما تقدم ـ بمنع الملازمة
هنا ايضا ، قال : لأن النجاسة علقها الشارع على الموت والغسل على البرد ، وكل حديث
دل على التفصيل بالبرد وعدمه دل على صدق الموت قبل البرد ، كخبر معاوية بن عمار عن
ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) «إذا مسه وهو
سخن فلا غسل عليه فإذا برد فعليه الغسل». فان ضمير «مسه»
يعود الى الميت ، وعن عبد الله بن سنان عنه (عليهالسلام) (2) «يغتسل الذي
غسل الميت.». ثم ساق الرواية
وهي الاولى من روايتيه المتقدمتين الا انه قال فيها : «وان غسل الميت
انسان بعد موته. الى آخر الخبر» ثم قال بعد هذا : «وهذا الحديث
__________________
(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب غسل المس.
كما يدل على صدق الموت قبل البرد كذلك
يدل على جواز تغسيله قبله أيضا» أقول : الموجود فيما حضرني من كتب الأخبار ـ وهو
الذي نقله في الوافي وكذلك في الوسائل ـ انما هو «قبل الميت إنسان. الى آخره» لا «غسل»
كما نقله. واستدل به ايضا على النجاسة بالموت الشامل بإطلاقه لما قبل البرد ،
وبعده بصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (1) «عن الرجل يصيب
ثوبه جسد الميت؟ قال يغسل ما أصاب الثوب». ورواية إبراهيم بن ميمون (2) قال : «سألت
أبا عبد الله (عليهالسلام) عن الرجل يقع
ثوبه على جسد الميت؟ قال ان كان غسل الميت فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه وان كان لم
يغسل فاغسل ما أصاب ثوبك منه». وهما دالان على نجاسة الميت بالموت مطلقا ومدعى
التقييد بالبرد عليه الدليل.
وبالجملة فهذا القول لما عرفت لا يخلو من قوة ، إلا ان
ظاهر نفي البأس عن مسه بحرارته وتقبيله في تلك الحال ـ كما في جملة من الاخبار
المتقدمة ـ هو الطهارة ولا سيما فعل الصادق (عليهالسلام) بابنه
إسماعيل كما تضمنته صحيحة إسماعيل بن جابر (3) وحينئذ فيمكن تقييد إطلاق الميت في
الاخبار المتقدمة بالبرد جمعا بين الاخبار. وبذلك يظهر ما في كلام شيخنا الشهيد
الثاني وقوله : «ان النجاسة علقها الشارع على الموت والغسل على البرد» من ان الموت
بمجرده لا يستلزم النجاسة بل لا بد من تقييده بالبرد ليتم نفي البأس عن تقبيله
ومسه بحرارته كما تضمنته الاخبار المشار إليها. واما اعتراضه على كلام الشهيد (رحمهالله) حيث ادعى انه
انما يقطع بموته بعد البرد بالمنع من ذلك مستندا إلى انه لم يصرح أحد بعدم جواز
دفنه قبل البرد ففيه انه لم يصرح أحد أيضا بجواز ذلك قبل البرد. واما إطلاقهم
القول باستحباب التعجيل مع ظهور علامات الموت وهي ـ لا تتوقف على البرد ـ ففيه ان
برد بدن الميت بعد الموت لا يتوقف على زمان يحصل به المنافاة لاستحباب التعجيل.
واما قوله ـ : انه لو توقف القطع بالموت على البرد لما كان لقيد البرد فائدة ـ ففيه
انا لا نمنع الموت حال
__________________
(1 و 2) رواه في الوسائل في الباب 34 من أبواب النجاسات.
(3) ص 328.
الحرارة وانما نمنع انفصال الروح
بكليتها في تلك الحال ، وذلك فان الروح بعد خروجها من الدن يبقى لها اتصال به
كاتصال شعاع الشمس بعد غروبها بما أشرقت عليه ، وآثار ذلك الاتصال باقية ما دامت
الحرارة موجودة ، وبعد البرد ينقطع ذلك ويقطع بخروجها بجميع متعلقاتها وآثارها فلا
منافاة حينئذ. نعم يبقى الكلام فيما تضمنه التوقيع الخارج من الناحية المقدسة (1) فإنه ظاهر بل
صريح في النجاسة قبل البرد وانه يجب غسل ما مسه به ، وبذلك يظهر ان المسألة لا
تخلو من شوب الاشكال والاحتياط فيها مطلوب على كل حال. والله العالم.
(الخامسة) لو مس عضوا كمل غسله فهل يجب الغسل بمسه أم لا؟
اشكال ، فقيل بالأول لإطلاق الأمر بالغسل بمس الميت بعد برده ، خرج منه من غسل
بالنص والإجماع وبقي ما عداه ، ولصدق الميت الذي لم يغسل عليه في هذه الصورة ،
وبذلك صرح جملة من الأصحاب : منهم ـ العلامة في بعض كتبه والسيد السند في المدارك
والفاضل الخراساني في الذخيرة. وقيل بالثاني واليه ذهب العلامة أيضا والشهيد في
الذكرى والدروس لان الظاهر ان وجوب الغسل تابع لمسه نجسا للدوران وقد حكم بطهارة
العضو المفروض.
والحق في المقام ان يقال : ان الكلام في هذه المسألة
يتوقف على الكلام في نجاسة الميت ، فان قلنا بأنها عينية محضة ـ كما هو اختيار
المحقق في المعتبر محتجا عليه بان الملاقي لبدن الميت ينجس بملاقاته وليس ذلك إلا
لكونه نجسا ـ فلا إشكال في عدم الوجوب وذلك لان النجاسة العينية لا يشترط في طهارة
بعض اجزاء محلها طهارة الباقي ، إذ طهارة المحل تحصل بمجرد غسله وانفصال لغسالة
عنه من غير توقف على أمر آخر ، وان قلنا بأنها حكمية محضة ـ كما ذهب اليه المرتضى
وجعله كالجنب وفرع عليه عدم وجوب غسل المس ، أو قلنا بأنها حكمية من وجه وعينية من
آخر كما هو ظاهر الأكثر وهو الأقرب
__________________
(1) ص 230.
الأظهر ، اما جهة كونها حكمية
فللأخبار الكثيرة الدالة على تعليل وجوب غسل الميت بخروج النطفة منه ، وقد تقدمت
في باب غسل الجنابة في مسألة وجوب الترتيب (1) واما جهة كونها عينية فللأخبار
الدالة على وجوب غسل الملاقي لجسد الميت بعد برده وقبل تطهيره بالغسل ، وهي صحيحة
الحلبي ورواية إبراهيم بن ميمون المتقدمتان (2) ـ فإشكال ينشأ من ان الأصل كون هذا
الغسل كغيره من الأغسال الرافعة للحدث في كونه بتمامه سببا تاما في رفع النجاسة
الحكمية ولهذا وجبت فيه النية كغيره من الأغسال وحينئذ فوجوب الغسل بالمس ثابت الى
ان يحصل كمال الغسل لعدم صدق اسمه عليه قبل إكماله ، ومن صدق كمال الغسل بالنسبة
الى ذلك العضو ، ولانه لو كان منفصلا لما وجب الغسل بمسه قطعا فكذا مع الاتصال ،
لعدم تعقل الفرق ولأصالة البراءة من وجوب الغسل. والظاهر ضعفه. فالأقرب حينئذ هو
الوجوب. نعم ينقدح هنا اشكال آخر وهو ان مقتضى القواعد الفقهية أن طهارة المحل من
الخبث تحصل بانفصال الغسالة عن المغسول ولا يتوقف بعدها على تطهير جزء آخر كما
عرفت ، فعلى هذا إذا أكمل غسل عضو وجب الحكم بطهارته من الخبث بحيث لا يجب غسل
اللامس له ، ولو توقف طهارة ذلك العضو من الخبث على طهارة المجموع لزم مخالفة
القاعدة المشار إليها ، وحينئذ يبعد الحكم بوجوب الغسل بمسه دون غسل العضو اللامس
، إذ لم يعهد انفكاك الغسل عن الغسل الا على ما يأتي ان شاء الله تعالى من مذهب
الشهيد في إيجابه الغسل بمس العظم المجرد مع انه قد يكون طاهرا من الخبث لانه مما
لا تحله الحياة ، وسيأتي بيان ضعفه ان شاء الله تعالى والتحقيق في المقام هو
الوقوف على ظواهر الأخبار المتقدمة ، وقد دلت على ان مس الميت بعد برده وقبل غسله
موجب للغسل والمتبادر منه كمال الغسل ، وحينئذ فما لم يكمل غسله لا يحصل مصداق
الأخبار المذكورة ، واستبعاد انفكاك الغسل عن الغسل غير مسموع في مقابلة الأخبار
المذكورة ، وحينئذ فالأظهر هو وجوب الغسل بمس العضو
__________________
(1) ص 74.
(2) ص 336.
المذكور وان لم يوجب غسل ما لاقاه.
(السادسة) ـ الظاهر من كلام جملة من الأصحاب ان مس الميت
على الوجه المتقدم من جملة الأحداث الموجبة لنقض الطهارة المتوقف ارتفاعها على
الغسل اما خاصة كما اخترناه سابقا أو مع الوضوء على المشهور ، وبذلك صرح الشهيد في
الألفية حيث عده من النواقض والشيخ في النهاية حيث قال : «ومن جملة ما ينقض الوضوء
ما يوجب الغسل وهو خمسة أشياء : الجنابة والحيض والاستحاضة والنفاس ومس الأموات»
وهو ايضا ظاهره في الذكرى والدروس ، والظاهر انه لا خلاف فيه بينهم ، وظاهر
المدارك التوقف في ذلك حيث قال : «واما غسل المس فلم أقف على ما يقتضي اشتراطه في
شيء من العبادات. ولا مانع من ان يكون واجبا لنفسه كغسل الجمعة والإحرام عند من
أوجبهما نعم ان ثبت كون المس ناقضا للوضوء اتجه وجوبه للأمور الثلاثة المتقدمة إلا
انه غير واضح» ثم نقل الاستدلال عليه بعموم قوله (عليهالسلام) (1) : «كل غسل
قبله وضوء إلا غسل الجنابة». ورده بأنه مع عدم صحة سنده غير صريح في الوجوب كما
اعترف به جماعة من الأصحاب.
أقول : لم أقف في شيء من الاخبار بعد التتبع التام على
ما يقتضي كون المس ناقضا مشروطا رفعه بالغسل الا على ما في الفقه الرضوي ، حيث قال
في باب غسل الميت وتكفينه بعد ذكر غسل المس (2) : «وان نسيت الغسل فذكرت بعد ما صليت
فاغتسل وأعد صلاتك». قال بعض مشايخنا المحدثين من متأخري المتأخرين : «ومثل هذه الرواية
لا تفيد حكما لعدم ثبوت هذا الكتاب عنه (عليهالسلام) والقرائن تدل
على عدمه ، ومع ذلك فالإعادة غير نص في المدعى لاحتمال الاستحباب» انتهى. أقول :
لا يخفى على من اعطى التأمل حقه فيما نقلناه في هذا الكتاب وما سننقله ان شاء الله
تعالى في المباحث الآتية ـ من اعتماد الصدوقين على هذا الكتاب والإفتاء بعبائره
وترجيحها على النصوص
__________________
(1) المروي في الوسائل في الباب 35 من أبواب الجنابة.
(2) ص 18.
الصحيحة المستفيضة في مواضع عديدة ،
حتى ان الأصحاب نسبوا كثيرا من فتاوى علي ابن الحسين بن بابويه الى الشذوذ
لمخالفتها صحاح الاخبار وهي مأخوذة من هذا الكتاب كما ستنبه عليه ان شاء الله
تعالى في المقامات الآتية مضافا الى ما تقدم ـ ان الكتاب المذكور من الأصول
المعتمدة التي لا تقصر عن نسبة غيره من الأصول إلى مصنفيها ، ويؤيده ما ذكره شيخنا
المجلسي (طاب ثراه) في مقدمات كتاب البحار حيث قال : «كتاب فقه الرضا أخبرني به
السيد الفاضل المحدث القاضي أمير حسين (طاب ثراه) بعد ما ورد أصفهان ، قال : قد
اتفق في بعض سني مجاورتي بيت الله الحرام ان أتاني جماعة من أهل قم حاجين وكان
معهم كتاب قديم يوافق تأريخه عصر الرضا (عليهالسلام) وسمعت الوالد
انه قال : سمعت السيد يقول كان عليه خطه (عليهالسلام) وكان عليه
إجازات جماعة كثيرة من الفضلاء ، وقال السيد حصل لي العلم بتلك القرائن أنه تأليف
الامام فأخذت الكتاب وكتبته وصححته. فأخذ والدي هذا الكتاب من السيد واستنسخه
وصححه ، وأكثر عباراته موافق لما يذكره الصدوق أبو جعفر ابن بابويه في الفقيه من
غير سند وما يذكره والده في رسالته اليه ، وكثير من الأحكام التي ذكرها أصحابنا
ولا يعلم مستندها مذكورة فيه كما ستعرف في أبواب العبادات» انتهى كلامه. ونحوه
وجدت بخط والده المذكور ايضا ، وبذلك يظهر لك ما في كلام البعض المشار إليه فإنه
ناشىء عن قصور التتبع وعدم اشتهار الكتاب المذكور. وان الأظهر هو العمل بما دل
عليه كلامه (عليهالسلام) كما عليه من
عرفت من أصحابنا ، مضافا الى أوفقيته للاحتياط المطلوب في الدين.
وقال في الذكرى : «وهذا الغسل يجامعه الوضوء وجوبا ، لما
سلف ، ولو أحدث بعد الوضوء المقدم اعاده ، وبعد الغسل المقدم الوضوء لا غير ، وفي
أثناء الغسل الأقرب حكمه حكم المحدث في أثناء غسل الجنابة ، وقطع في التذكرة بأنه
لو أحدث في أثناء غسله أتم وتوضأ تقدم أو تأخر ، ولعله يرى ان الحدث الأكبر يرفعه
الغسل والأصغر يرفعه
الوضوء بالتوزيع. وفيه بعد لظهور ان
الوضوء والغسل علة لرفع الحدث مطلقا وهذا ينسحب في جميع الأغسال سوى الجنابة»
انتهى. وسياق هذا الكلام وما اشتمل عليه من الخلاف ظاهر في ان غسل المس رافع عندهم
وهو موجب لكون المس عندهم من جملة النواقض كما سلف ذكره عن جملة منهم واما الحدث
في أثناء هذا الغسل فقد تقدم الكلام في نظيره.
وقال في الدروس : «ولا يمنع هذا الحدث من الصوم ولا من
دخول المساجد في الأقرب نعم لو لم يغسل العضو اللامس وخيف سريان النجاسة الى
المسجد حرم الدخول وإلا فلا» انتهى. أقول : ظاهر هذا الكلام هو ان حدثية المس
الموجبة للغسل كالحدث الأصغر فيجب لما يجب له الوضوء من الصلاة والطواف ونحوهما
ولا يجب للصوم ولا لدخول المساجد للأصل وعدم الدليل المخرج عنه ، نعم يأتي في دخول
المساجد لو لم يغسل العضو اللامس ما يأتي في سائر النجاسات من تحريم الدخول مطلقا
أو بشرط خوف التعدي الى المسجد أو شيء من الآية.
(السابعة) ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم)
وجوب الغسل بمس القطعة المبانة ذات العظم من حي أو ميت ، وادعى في الخلاف الإجماع
عليه ، واستدلوا على ذلك برواية أيوب بن نوح عن بعض أصحابه عن الصادق (عليهالسلام) (1) قال : «إذا
قطع من الرجل قطعة فهي ميتة فإذا مسه انسان فكل ما فيه عظم فقد وجب على كل من يمسه
الغسل ، وان لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه». وهذه الرواية شاملة بإطلاقها المبانة
من حي أو ميت. أقول : ويدل عليه ايضا قوله (عليهالسلام) (2) في الفقه
الرضوي : «وان مسست شيئا من جسد اكلة السبع فعليك الغسل ان كان فيما مسست عظم ،
وما لم يكن فيه عظم فلا غسل عليك في مسه». وبهذه العبارة عبر في الفقيه بأدنى
تغيير فقال : «ومن مس قطعة من جسد أكيل السبع فعليه الغسل ان كان
__________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 2 من أبواب غسل المس.
(2) ص 17.
فيما مس عظم وما لم يكن فيه عظم فلا
غسل عليه في مسه» انتهى. ومورد العبارة المذكورة وان كان بالنسبة إلى القطعة
المبانة من الميت إلا انه لا دلالة فيها على الاختصاص
ولم أقف على من خالف في الحكم المذكور إلا المحقق في
المعتبر وتبعه في المدارك قال في المعتبر بعد ان نقل عن الشيخ دعوى الإجماع على
ذلك والاستدلال بالرواية المتقدمة : «والذي أراه التوقف في ذلك ، فإن الرواية
مقطوعة والعمل بها قليل ودعوى الشيخ في الخلاف الإجماع لم يثبت فاذن الأصل عدم
الوجوب ، وان قلنا بالاستحباب كان تفصيا من اطراح قول الشيخ والرواية» انتهى. قال
في المدارك بعد نقل كلامه : «هذا كلامه وهو في محله».
أقول : فيه (أولا) ـ ما قدمنا نقله عنه في أوائل المعتبر
من وجوب العمل بالخبر وان ضعف سنده متى قبله الأصحاب ، والأمر هنا كذلك فإنه لا
راد له سواه ومن تبعه ، وكل من تأخر عنه من أصحاب هذا الاصطلاح ما عدا صاحب
المدارك فإنهم ردوا كلامه بان ضعف الخبر مجبور بشهرة العمل به وان الإجماع المنقول
بخبر الواحد حجة كما حقق في الأصول ، واما المتقدمون فقد عرفت في غير موضع مما
تقدم انه لا اثر لهذا الاصطلاح عندهم ومن ذكر المسألة منهم فإنما حكم فيها بما
تقدم ومن لم يتعرض لها فإنه لا يدل على إنكارها وعدم القول بها ، فقوله : «والعمل
بها قليل» لا وجه له. و (ثانيا) ـ ان ما ادعاه ـ من ان في القول بالاستحباب تفصيا
عن اطراح قول الشيخ والرواية ـ ليس في محله ، لانه متى كان قول الشيخ وكذا ظاهر
الرواية انما هو الوجوب الموجب مخالفته للمؤاخذة بالعقاب والقول بالاستحباب موجب
لجواز الترك وعدم المؤاخذة ، فكيف يكون فيه تفص عن مخالفة الشيخ والرواية؟ وبذلك
يظهر ان القول المشهور هو المؤيد المنصور.
وهل يجب الغسل بمس العظم المجرد متصلا أو منفصلا؟ قولان
أشهرهما العدم ، وذهب في الذكرى والدروس الى الوجوب لدوران الغسل معه وجودا وعدما.
ورد
بمنع حجية الدوران وجواز كون العلة هي
المجموع المركب منه ومن اللحم ، ولان العظم طاهر في نفسه حيث انه مما لا تحله
الحياة فلا يوجب نجاسة غيره ، ولو فرضت نجاسته فهي عرضية خبثية تزول بتطهيره كباقي
المتنجسات بالخبث ، هذا مع انفصاله واما مع الاتصال فالظاهر وجوب الغسل بمسه لا من
حيث هو هو بل من حيث وجوب الغسل بمس الميت الصادق بمس اي جزء منه. ونحوه ايضا مس
الشعر والظفر على اشكال ينشأ مما ذكرناه من ان مس الشعر والظفر لا يسمى مسا للميت
عرفا سيما إذا طالا بخلاف العظم والضرس لان الظاهر صدق مس الميت بمسهما ،
والاحتياط يقتضي الغسل بمس كل من هذه الأشياء المذكورة حال الاتصال.
ويتفرع على وجوب الغسل بمس العظم ما لو وجد العظم في
مقبرة ، فإن كانت مقبرة المسلمين فلا غسل لان الظاهر انه دفن بعد الغسل حملا
لأفعال المسلمين على الصحة وان كانت مقبرة الكفار وجب الغسل إذ لا عبرة بغسل
الكافر كما تقدم ، ولو تناوب عليها الفريقان فإشكال لتعارض أصالة عدم الغسل لجواز
كونه كافرا ، والشك في حصول الحدث فلا يرفع يقين الطهارة التي عليها الماس ، إلا
ان في عدم رفع يقين الطهارة بمثل هذا الشك بحثا تقدم الكلام فيه في المقدمة
الحادية عشرة من مقدمات الكتاب ، ورجح في الدروس هنا سقوط الغسل. وان جهلت فلم
يعلم كونها مقبرة المسلمين أو الكفار تبعت الدار فيلحق بأهلها.
قال في الروض : «واعلم ان كل ما حكم في مسه بوجوب الغسل مشروط بمس ما تحله الحياة من اللامس لما تحله الحياة من الملموس فلو انتفى أحد الأمرين لم يجب الغسل ، فان كان تخلف الحكم لانتفاء الأول خاصة وجب غسل اللامس خاصة ، وان كان لانتفاء الثاني خاصة فلا غسل ولا غسل مع اليبوسة ، وكذا ان كان لانتفاء الأمرين معا ، هذا كله في غير العظم المجرد كالشعر والظفر ونحوهما ، اما العظم فقد تقدم الاشكال فيه ، وهو في السن أقوى ، ويمكن جريان الإشكال في الظفر ايضا لمساواته العظم في ذلك ، ولا فرق في الاشكال بين كون العظم والظفر من اللامس أو الملموس» انتهى.