الحقائق ج1 - المقدمة وتتمة الظهار
المقدمة وترجمة المؤلف
لا يخفى على ذوي الألباب ما لعلم الفقه من الأهمية في نظر الدين الاسلامي باعتباره القانون الالهي الذي يعني بتنظيم شؤون الحياة بجميع أبعادها، وعلماء الدين وفقهاء المذهب قد بذلوا في مختلف جوانب الفقه جهودا جباره ومساعي مشكورة، حيث ألفوا العديد من المصنفات والموسوعات في هذا الحقل، ومن جملتها كتاب الحدائق الشهير للمحدث البحراني قدس سره الذي حال الأجل بينه وبين إتمامه، فقام بتتميمه ابن أخيه وتلميذه العلامة الخبير الشيخ حسين بن محمد آل عصفور تغمده الله برحمته بأكمل به ما نقص من كتاب الظهار الى آخر الكفارات وسمى كتابه ب ” عيون الحقائق الناظرة في تتمه الحدائق الناضرة “. ولما كانت مؤسسة النشر الاسلامي قد قامت بنشر كتاب الحدائق ضمن خمسة وعشرين مجلدا، وتعميما للفائدة تصدت لنشر كتاب العيون حيث بذلت الوسع في تحقيقه واستخراج مصادره، وقد بذل الأخ الألمعلي الحاج كمال الكاتب حفظه الله تعالى جهودا مضنية لاخراجه بهذه الصورة سائلة الله أن يوفقه وإياها لخدمة العلم وأهله، وما توفيقنا إلا بالله العزيز. مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
[ 4 ]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله على جزيل نواله، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله. وبعد، فهذه لمحة خاطفة عن مصنف هذا الكتاب على أبلغ ما يكون به الايجاز جاز.
فنقول: أما نسبه: فهو العلامة العارف والآية العظمى فخر الملة والشريعة الشيخ حسين ابن المحقق البارع الشيخ محمد ابن الآية الفاخرة والحجة الباهرة الشيخ أحمد ابن الشيخ إبراهيم ابن الحاج أحمد بن صالح بن أحمد بن عصفور بن أحمد بن عبد الحسين بن عطية بن شيبة الدرازي ابن الأمير هلال ابن الأمير موسى ابن الأمير حسين ابن الأمير مانع ابن الأمير عصفور ابن الأمير راشد بن عميرة بن سنان بن غفيلة بن شبانة بن عامر ابن عوف بن مالك بن عوف بن عامر بن عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان جد النبي صلى الله عليه واله.
وهو ابن أخ الشيخ يوسف – قدس سره – مصنف كتاب ” الحدائق الناضرة ” وتلميذه وأحد المجازين بإجازته المبسوطة الموسومة ب ” لؤلؤة البحرين “.
[ 5 ]
وأما كلمات الاطراء والثناء عليه: فلم يكد يخلو كتاب من كتب التراجم إلا النزر الشاذ من جمل الثناء عليه وإطرائه والاشادة بعلو كعبه في المعقول والمنقول وسمو درجته في الفقه والحديث والاصول حتى عده بعضهم من المجددين للمذهب على رأس المائة الثانية بعد الألف كما ألمح إليه العلامة الأميني في شهداء الفضيلة قال في ترجمته المحقق المتبحر السيد محسن الأمين في أعيان الشيعة: كان متبحرا في الفقه والحديث طويل الباع كثيرا الاطلاع، انتهت إليه الرئاسة والتدريس. وقال عنه العلامة البحاثة الشيخ آقا بزرك الطهراني في الكرام البررة: كان من المصنفين المكثرين المتبحرين في الفقه والاصول والحديث غيرها. إلى غير ذلك من الأقوال التي يقف عليها المتتبع.
مؤلفاته ومصنفاته: كان – قدس سره – من المكثرين المجيدين والمصنفين والمتبحرين حيث نمقت براعته في أكثر العلوم الشرعية كالتفسير والحديث والأدب والشعر واللغة والكلام والمراثي، كما هو مثبت في تراجم مترجميه ما يعد من الرعيل الأول، حيث أتى ببنات فكره الصائب ودقة ذهنه الوقاد ما يبهر العقول ويخلب الأنظار، ومن عجائب أمره أنه كان يملي كتبه الاستدلالية الموسعة كأنوار اللوامع في شرح مفاتيح الشرائع للفيض الكاشاني ورواشح العناية الربانية في شرح الكفاية الخراسانية وكتاب السوانح النظرية في شرح البداية الحرية للحر العاملي على بعض تلامذته الذين اختصهم لهذا الغرض اعتمادا على حفظه للأقوال وأدلة كل مسألة بجزئياتها التفصيلية في سابق عهده بها من دون تجشم الرجوع إليها عند التصنيف والتأليف، وتؤيد هذه الدعوى النسخ الخطية الموروثة عن مكتبته، حيث نجد كيف أنها كتبت بخط تلامذته وختمت أجزاؤها بخاتمه الشريف وإمضائه فقط. ومما يدخل في هذا المضمار إملاؤه كتاب ” النفحة القدسية ” في ثلاثة أيام
[ 6 ]
على تلامذته من دون سبق تبويب أو ترتيب، وكذا ما حكى عنه الشيخ علي البلادي في أنوار البدرين ما ملخصه: إنه أتى لبلاد القطيف مسافرا لحج بيت الله الحرام فاجتمع فيها بالسيد محمد الصنديد، وكان عند الأخير من الكتب النادرة النفيسة ما لا توجد عند غيره وكان ضنينا بها فاستعار منه أحدها ثلاثة أيام ثم أرجعه إليه وسافر إلى مكة وبعد قضاء مناسكه عاود كرته بالقطيف، فأمر السيد المزبور بأن يأتي بذلك الكتاب فأخرج إليه نسخة منه جديدة وأخبره بأمرها، وأنه إنما أملاها في سفرته تلك اعتمادا على حفظه له مدة استعارته فتعجب منه مع جملة الحاضرين فقابلوه فلم يجدوا شيئا منه يخالف الأصل إلا يسيرا لا يذكر.
وأما وفاته ومدفنه: توفي – قدس سره – شهيدا سنة 1216 ه بعد مضي ثلاثة أيام على أثر ضربة ضربها إياه ملعون من أعداء الدين بحربة في ظهر قدمه، وقد أرخ ذلك بعضهم بقوله: قلت فيه لما يقولون أرخ: (غروي) (تاريخه) (غادره) وقال آخر: (طود الشريعة قد وهى وتهدما.) وقال ثالث: (قمر الشريعة قد أفل). ودفن بقريته الشاخورة وقبره اليوم مزار معروف، وقد جدد بناؤه أخيرا بفن معماري بديع.
ختام: ونهيب في ختام هذه الأسطر بجهود مؤسسة النشر الاسلامي المضنية ومساعيها المشكورة على إحياء هذا الأثر مضافا لأصله ” الحدائق ” راجين من العلي القدير أن يأخذ بيدها إلى ما فيه إنهاض الفكر الشيعي الأصيل وخدمة الدين الحنيف. حرره حفيدا المصنف الميرزا محسن آل عصفور والشيخ أبو أحمد آل عصفور
[ 7 ]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله المحمود لآلائه المشكور لنعمائه المعبود لكماله المرهوب لجلاله الذي ارتفع شأنه عن مشابهة الأنام وتقدس بكمال ذاته عن إحاطه دقائق الأفهام، وتعالى في عظمته أن تبلغ كنهه حقيقة الأوهام، وأفاض سحاب الأفضال على جميع البرية فشملهم بسوابغ الأنعام. أحمده على ما منحه من إرشاده وهدايته وأسأله العصمة من الشيطان الرجيم وغوايته، واصلي على أشرف من بعثه ببرهانه وآياته، وجعله سيد متحمل رسالاته، سيدنا محمد صاحب شريعته ودلالاته، وعلى ابن عمه علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه المختار لوصيته وخلافته، وعلى الأئمة من ذريته وسلالته. وبعد فإن أحق الفضائل بالتعظيم وأجراها باستحقاق التقديم وأتمها في استجلاب ثوابه الجسيم هو العلم بالأحكام الشرعية والوظائف الدينية إذبه تحصل السعادة الأبدية والتخلص من الشقاوة السرمدية، فوجب على كل مكلف صرف الهمة إليه بقدر القابلية وإنفاق هذه المهلة اليسيرة. ولما نظرت أن قلم البحر الخضم العم الشيخ شيخ يوسف – قدس سره – قصر عن تتمه كتابه المسمى ب ” الحدائق ” من حيث عاجله القضاء المحتوم الذي جارى على العموم عمدت على تتمته مستعينا بالله وبنبيه وبعترته الطاهرين صلوات
[ 8 ]
الله عليهم أجمعين وذلك لما جف منه قلم الناسخ وهو هذا:
وقد ورد في الأخبار أنه مع اختلافهم في الحكم يؤخذ بخلاف ما إليه قضاتهم وحكامهم أميل (1) كما وقع في المقبولة الحنظلية، فيجوز أن يكون ذلك الوقت متلبسا بهذا المرجح لكنه لا يكون على سبيل التحقيق على أنه يمكن أن يكون الحامل للشيخ على ارتكاب التقية في أحد الطرفين دون الآخر لقوة المشهور وضعف ما قابله فتوى ودليلا لأن صحيحة بريد العجلي (2) كما في الفقيه وخبر الكناسي (3) كما في التهذيب والكافي مؤيدان بأطلاق صحيحة محمد بن مسلم (4) عن أبي جعفر عليه السلام ” قال: سألته عن رجل ظاهر من امرأته ثم طلقها قبل أن يواقعها فبانت منه، عليه الكفارة ؟ قال: لا “. وصحيح جميل (5) عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث ” قال: سألناه عن الظهار متى يقع على صاحبه الكفارة ؟ قال: إذا أراد أن يواقع امرأته، قلت: فإن طلقها قبل أن يواقعها، أعليه كفارة ؟ قال: لا، سقطت عنه الكفارة “. وصحيحته الاخرى وابن بكير وحماد بن عثمان ” (6) كلهم عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: المظاهر إذا طلق سقطت عنه الكفارة “. فيكون هذا موجبا لاختصاص التقية بصحيح علي بن جعفر المذكور إن أبقيناه على ظاهره، واحتمل فيه العلامة حمله على فساد النكاح لأنه عقيب تزويجها بعد طلاقها بشهر أو شهرين فيكون قد وقع في العدة فيكون باطلا. واستحسنه بعضهم وأيده بأمرين: ” أحدهما ” تعقيب التزويج بالفاء المقتضية
(1) هذا آخر ما سطره صاحب الحدائق – قدس سره -. (2) الفقيه ج 3 ص 342 ح 6، الوسائل ج 15 ص 518 ب 10 ح 2. (3) الكافي ج 6 ص 161، ح 34، التهذيب ج 8 ص 16 ح 26، الوسائل ج 15 ص 518 ب 10 ح 2. (4) الكافي ج 6 ص 161 ح 35، الوسائل ج 15 ص 518 ب 10 ح 3. (5) الكافي ج 6 ص 155 ح 10. الوسائل ج 15 ص 518 ب 10 ح 4.. (6) الكافي ج 6 ص 158 ح 23، الوسائل ج 15 ص 519 ب 10 ح 5.
[ 9 ]
للفورية وذلك يقتضي عدم الخروج من العدة ” .
وثانيهما ” أنه حكاية الحديث تشعر به حيث قال ” فراجعها الأول ” ولم يقل تزوجها، ولا يخفى عليك ما في هذا التنزيل والتأييد، لأن إطلاق التزويج محمول على الصحيح والشهر والشهران مختلفان بين الظهار والطلاق لا بين الطلاق والتزويج، ثم تعقيب التزويج بالفاء يقتضي التعقيب والفورية بحسب الممكن لا مطلقا كما نبه عليه أهل العربية وصححوه في قولهم: تزوج فلان فلانة فولدت، فإن المراد به وجود الولادة في أول أوقات الامكان وذلك بعد مضي مدة الحمل لاعقيب التزويج بلا فصل، وكذلك قول القائل: دخلت بغداد فالبصرة، وأمثال ذلك كثير حينئذ. فيكون المراد من الخبر أنه تزوجها في أوقات الامكان شرعا وهو بعد انقضاء العدة بلا فصل. هذا إذا سلمنا دلالتها في مثل هذا المقام على الفورية. وعلى تقدير تسليم وقوع الشهر والشهرين بين التزويج والطلاق فيمكن انقضاء العدة بهما وبأقل منهما كما مر بيانه في تحقيق أقل المدة التي يمكن خروج المطلقة فيها باعتبار عدة الظهار. وأما قوله ” ثم طلقها فراجعها ” فالكلام في الفاء هنا كالكلام في الاولى، فإن المراجعة بعد الطلاق ليس المراد بها هو العود إلى نكاحها بالعقد الإول وإنما المراد به التزويج، وأطلق عليه المراجعة من حيث إنها كانت زوجة له أولا فأقام عوده لها بعقد جديد مقام الرجوع وهو رجوع لغة، ولهذا جاء في مواضع عديدة من الأخبار إطلاق المراجعة إلى الزوجة في الطلاق النسبي بالمعنى الأخص بأن يراجعها بعقد جديد. فحمله في هذا الخبر على الرجوع الشرعي وإبقاء العدة الاولى في غاية السماجة (1) والبعد، على إنه يلزم ارتكاب المجاز في قوله ” ثم طلقها ” لأن الطلاق لا يتعقب النكاح الفاسد لأن تزوجها الثاني في العدة مما يوجب فساده والتحريم المؤبد إن كان دخل بها، أو كان عالما بذلك وإن لم يدخل بها كما تقدم في مباحث النكاح.
(1) السماجة: القبح.
[ 10 ]
ثم استظهر شيخنا ثاني الشهيدين في المسالك حمل الكفارة في هذا الصحيح على الاستحباب جمعا، لأن الأخبار الاول النافية للكفارة إذا أمضى الطلاق ولم يراجع في العدة كما عليه المشهور أكثر عددا وأصح سندا فيوجب صرف هذه الحسنة إلى الاستحباب، وحينئذ فتسلم من الاطراح وتجامع لمؤدات تلك الصحاح هذا على تقدير تحقق التعارض للاغماض عن مرجحات الاولى. ونقل الفاضل الهندي في كشف اللثام عن ابن حمزة قولا ثالثا وهو أنه إن جدد العقد المظاهر بعد العدة لم تلزم الكفارة كالمشهور رجعيا أو بائنا. ويلزمه إن جدده على البائن في العدة – ولعله لعموم النصوص – خرج ما لو خرجت من العدة لصحيحة بريد وخبر يزيد الكناسي (1)، فيبقى الباقي، وليس هذا ببعيد لأن المراجعة في العدة سواء كانت مراجعة شرعية أو لغوية الشاملة للعقد عليها في العدة مما تترتب عليه الكفارة في أخبار المراجع في العدة، وإن كان المشهور لا يرضون به لأن المتبادر من الرجعة حيث تطلق هي المراجعة الشرعية لظاهر صحيحة بريد وخبر يزيد الكناسي، وقد سمعتهما حيث قال فيهما ” قال: إذا طلقها تطليقة فقد بطل الظهار وهدم الطلاق الظهار، قلت: فله أن يراجعها ؟ قال: نعم هي امرأته، فإن راجعها وجب عليه ما يجب على المظاهر من قبل أن يتماسا ” وهي كما ترى في المراجعة الشرعية. وكذلك ما دل على إطلاق المراجعة مثل صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله والحسن بن زياد (2) عن أبي عبد الله عليه السلام كما في التهذيب ” قال: إذا طلق المظاهر ثم راجع فعليه الكفارة ” يجب حمله على المراجعة الشرعية حملا للمطلق على المقيد، ومع هذا كله لا تجب الكفارة بمجرد المراجعة بل لابد من إرادة المسيس والجماع لما تقدم من ترتب الكفارة على ذلك في الأصح.
(1) الوسائل ج 15 ص 518 ب 10 ح 2. (2) التهذيب ج 8 ص 18 ح 30، الوسائل ج 15 ص 519 ب 10 ح 7.
[ 11 ]
ويدل عليه هنا بخصوصه صحيحة الحلبي (1) ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يظاهر من امرأته ثم يريد أن يتم على طلاقها، قال: ليس عليه كفاره، قلت: فإن أراد أن يمسها ؟ قال: لا يمسها حتى يكفر “. وكأن قوله ” ثم يريد أن تيم على طلاقها ” مؤذن بأنه قد طلق بعد المظاهرة، وهذا من القرائن المقالية الواضحة، وكذا قوله ” فإن أراد أن يسمها ” قرينة على المراجعة في ذلك الطلاق ولو بالامساس، فيكون قوله ” لا يمسها حتى يكفر ” يعني بعد المراجعة أو بما إذا أراد المراجعة بنفس المسيس، أما ما جاء في خبر موسى بن بكير النمري (2) المرسل عن أبي عبد الله عليه السلام ” في رجل ظاهر ثم طلق، قال: سقطت عنه الكفارة إذا طلق قبل أن يعاود المجامعة، قيل: فإنه راجعها، قال: إن كان طلق لاسقاط الكفارة عنه ثم راجعها فإن الكفارة لازمة له أبدا إذا عاود المجامعة، وإن كان طلقها وهو لا ينوي شيئا من ذلك فلا بأس أن يراجع ولا كفارة عليه ” فهو من الأخبار المشكلة حيث لم يذهب ذاهب إلى تفصيله المذكور، ولم يطابقه شئ الأخبار الواردة في هذا المضمار، وقد احتمل فيه محدث الوسائل حمل المراجعة المنفية الكفارة معها عند إرادة مطلق الطلاق على المراجعة بعد العدة بعقد جديد لما تقدم في صحيحة بريد وغيرها، ويتحمل صدره أن الطلاق إذا وقع بقصد الفرار عن أثر الظهار غير عامل عمله بدليل قوله ” إن كان طلق لاسقاط الكفارة عنه ” فلم يحصل قصد البينونة فيكون لاغيا، كما أن الطلاق بقصد أن يراجع يقع لاغيا أو أنه وإن حصلت به البينونة لكن الغاية الموجبة له غير حاصلة به عقوبة من الشارع. ولا ينافي هذا ما سيجئ عن قريب في المسائل والفروع من أن المظاهر يلزم بالطلاق أو الرجوع بعد المرافعة للحاكم الشرعي بعد ثلاثة أشهر من المرافعة،
(1) التهذيب ج 8 ص 18 ح 31، الوسائل ج 15 ص 519 ب 10 ح 8. (2) الكافي ج 6 ص 159 ح 28، الوسائل ج 15 ص 519 ب 10 ح 6 وفيهما ” بن اكيل النميري “.
[ 12 ]
لأن ذلك الطلاق الملزوم به ليس لاسقاط الكفارة بل لتسريح المرأة بإحسان ولهذا يخير بينه وبين المراجعة والتكفير ولوجوب الوطء عليه بعد أربعة أشهر لبقائها على الزوجية. وقد ألحق جماعة من الأصحاب كالمحقق والعلامة بالطلاق في إسقاطه الكفارة إذا بانت منه لو عاودها بعد العدة الارتداد إذا كان عن ملة وقد صدر منه، وكذلك لو كان منها مطلقا. أما لو راجعها معه بعد التوبة منه أو منها في العدة حيث يصح الرجوع وجبت الكفارة لأنه كالطلاق الرجعي. وأوجب ابن الجنيد الكفارة في الارتداد إذا جدد العقد بناء على وجوبها بمجرد التربص وعدم الطلاق، وكذا لو ماتت أو مات أحد هما فلا كفارة إذا كان قبل المس، إلا على قول الاسكافي، أما لو وطأها بعد موتها فالظاهر أن عليه كفارتين للعموم والاستصحاب لأن الموت لم يخرجها عن الزوجية، ولهذا يغسلها وتغسله، وإن حرم وطؤها في تلك الحالة عليه فإن محرمات الأزواج أسباب الكثيرة كالحيض والاحرام والصيام والظهار والايلاء وكالمنكوحة قبل التسع إذا أفضاها لبقائها على الزوجية وإن حرم وطؤها، وأمثال ذلك في الأحكام كثيرة.
المسألة الرابعة: لو ظاهر من زوجته الأمة ثم اشتراها من مولاها فقد بطل العقد، فلو وطأها بالملك لم تجب الكفارة لما تقدم من أن البضع لايستباح بسببين، والسبب الطارئ أقوى. وكذا لو ملكها بالارث أو بسائر الأسباب المملكة لأن العقد لا يجامع ملك اليمين، وقد تقدم ما يدل عليه من الأخبار في نكاح الأمة مثل موثقة سماعة (1) ” قال: سألته عن رجلين بينهما أمة فزوجاها من رجل ثم إن الرجل اشترى بعض السهمين، قال: حرمت عليه ” وفي موثقته (2) الاخرى عنه عليه السلام مثله، إلا أنه قال ” حرمت عليه باشترائه إياها وذلك أن بيعها طلاقها “.
(1) الكافي ج 5 ص 482 ح 4، الوسائل ج 14 ص 553 ب 46 ح 1. (2) الكافي ج 5 ص 484 ح 6 وفيه (بشرائه)، الوسائل ج 14 ص 553 ب 46 ح 2.
[ 13 ]
وإذا ثبت ذلك بمقتضى الاجماع والأدلة زال التحريم المترتب على العقد واستباحها بالملك، وكان ذلك كما لو طلقها أو تزوجها بعد انقضاء العدة، بل هنا أقوى لاختلاف جنس السبب الذاهب والعائد بخلاف ما لو تزوجها بعد البينونة، فإن السبب وإن تعدد إلا أنه متحد في الجنس وإن اختلف في الشخص وفي معناه عندهم ما لو اشتراها غيره ثم فسخ النكاح وزوجه إياها بعقد مستأنف، وقد تقدم في أحكام نكاح الأمة ما يدل على أن له الفسخ كما في صحيحة محمد بن مسلم (1) وخبر الحسن بن زياد وصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله (2) وغيرها من الأخبار. نعم، لو أقرها على نكاحه وجبت الكفارة لاستقرار النكاح المترتب عليه الظهار، ثم إنه على الأول لا يتوقف صحة العقد على الاستبراء ولا الاعتداد لأن الماء الواحد. ومثله أيضا ما لو طلقها بائنا ثم تزوجها في العدة كما تقدم خلافا لابن حمزة وللاسكافي وعلى المشهور، فتحصل الحيلة بهذا في إسقاط حكم الظهار بغير تكفير، لكنه لا ينطبق بما دل عليه خبر موسى بن اكيل النمري (3)، حيث إن طلاقه وقع فرارا عن كفاره الظهار، وقد عرفت الكلام فيه لكنه لا ينطبق على المذهب المشهور بل لاعامل بها. ولو قلنا بوقوع الظهار بملك اليمين كما هو الحق لدلالة المعتبرة المستفيضة عليه وضعف المعارض لها وهو خبر حمزة بن حمران كما تقدم في كلام جامع الأصل – قدس الله سره – فيمن ظاهر من أمته ثم باعها من غيره بطل حكم الظهار، فإن اشتراها منه لم يعد الظهار كما لو طلق بائنا ثم تزوجها، وأولى منه ما لو أعتقها ثم تزوجها لاختلاف السبب ولبينونتها من النكاح الأول بالعتق.
(1) الكافي ج 6 ص 161 ح 35، الوسائل ج 15 ص 518 ب 10 ح 3. (2) التهذيب ج 8 ص 18 ح 30، الوسائل ج 15 ص 519 ب 10 ح 7. (3) والصحيح ” موسى بن اكيل النميري “.
[ 14 ]
فروع:
الاول: لو ظاهر من زوجته الأمة ثم عاد ثم قال لمالكها: اعتقها عن ظهاري، ففعل وقع عتقها عن كفارته وانتقلت لملكه آنا ما يستحق العتق عنه وانفسخ النكاح بينهما لأن إعتاقها عنه بإذنه يتضمن تمليكه – كما سيأتي في الكفارات وفي كتاب العتق – وقد تقرر بالنص والاجماع أنه إذا ملك زوجته انفسخ النكاح، ومثلهما لو أعتقها عنه باستدعائه عن كفاره اخرى ولو ملكها بعدما ظاهر منها وعاد فانفسخ النكاح بينهما ثم إعتقها عن ظهاره عنها، ومثله لو آلى من زوجته الأمة ووطأها وحنث ولزمته الكفارة فقال لسيدها: اعتقها عن كفارة عني، ففعل فإنه يجوز وينفسخ النكاح لملكه لها بهذا الأمر بعتقها كما في مسألة الظهار السابقة. ولو ظاهر من زوجته الذمية بناء على جواز نكاحها ثم نقضت المرأة العهد فاسترقت فملكها ذلك الزوج المظاهر فأسلمت فأعتقها عن كفارة ظهاره أو غيرها جاز.
الثاني: لو ظاهر من أربع نسوة له بلفظ واحد وجب عليه عن كل واحدة كفارة لانعقاد الظهار من الأربع بكلمة واحدة بحيث يقول: أنتن علي كظهر امي، فيصير بذلك مظاهرا منهن إجماعا، والنصوص بذلك مستفيضة وسيأتي ذكرها ثم إن فارقهن بما يجب البينونة من طلاق ونحوه ورفع به الظهار فلا كفارة وإن عاد إليهن جمع، فالمسألة موضع خلاف، فالمعظم بل حكى عليه الاجماع في الخلاف عن كل واحدة كفارة لأصالة تعدد المسبب بتعدد السبب وخالف الاسكافي فلم يوجب سوى واحدة، واحتج للمشهور بصحيحة حفص بن البختري (1) عن أبي عبد الله عليه السلام وأبي الحسن عليه السلام ” في رجل كان لهعشر جوار فظاهر منهن جميعا كلهن بكلام واحد، فقال: عليه عشر كفارات “.
(1) التهذيب ج 8 ص 21 ح 42، الوسائل ج 15 ص 525 ب 14 ح 1 وفيه ” أو أبى الحسن “.
[ 15 ]
وصحيحة صفوان (1) ” قال: سأل الحسين بن مهران أبا الحسن الرضا عليه السلام عن رجل ظاهر من أربع نسوة، قال: يكفر لكل واحدة كفارة. وسأله رجل ظاهر من امرأته وجاريته، ما عليه ؟ قال: عليه لكل واحدة منهما كفارة عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا ” ولعل لفظة ” أو ” للتقسيم أو للتخيير لما يأتي إن شاء الله تعالى عن قريب من أن كفارة الظهار مرتبة لامخيرة. واحتج لابن الجنيد بموثقة غياث بن إبراهيم (2) عن الصادق عن أبيه عن علي عليهم السلام كما في التهذيب والنهاية ” في رجل ظاهر من أربع نسوة، قال: عليه كفارة واحدة ” وحمله الشيخ في كتابي الأخبار على أن الوحدة فيه جنسيته ولا ينافي تعددها بالشخص. واحتمل فيها محدث الوسائل الحمل على الانكار وفيه بعد، وربما طعن عليها بضعف سندها بناء على ضعف الموثق وترجيح الحسن عليه، لأن صحيحة حفص حسنة بالاصطلاح الجديد لاشتمالها على إبراهيم بن هاشم، وحيث يطعن على رواية حفص بالحسن بناء على أنه دون الموثق أو لأن حفص بن البختري قد ضعفه محقق المعتبر في مواضع عديدة ورمى بلعب الشطرنج. يجاب عن ذلك بأن مضمونه موافق للتعليل الموجب للوحدة مع أنه معتضد بالشهرة، وربما بني الخلاف على أن الغالب في الظهار مشابهة الطلاق أو الأيمان، فإن غلبنا مشابهة الطلاق لزمته أربع كفارات ولم يكن يختلف الحال بين أن يظاهر بكلمة أو كلمات كما لو شرك بينهن بالطلاق بكلمة أو كلمات بالاتفاق، وإن غلبنا مشابهة الأيمان كما احتج به الاسكافي لم يجب إلا كفارة واحدة كما لو حلف أن لا يكلم جماعة فكلمهم فليس عليه إلا كفارة واحدة باتفاق، والظهار يمكن رجوعه إلى الأصلين، لكن هذا البناء مهدوم الأساس لعدم ثبوت الظهار إلى شئ من الأصلين المذكورين، وعلى تقدير
(1) الكافي ج 6 ص 158 ح 20، الوسائل ج 15 ص 525 ب 14 ح 2. (2) التهذيب ج 8 ص 21 ح 43، الوسائل ج 15 ص 525 ب 14 ح 2.
[ 16 ]
الاغماض عن هذا كله فالمناسب إلحاقه بالطلاق لما ثبت أن شرائطه كشرائطه لأنه لا يكون إلا في طهر لم يقربها فيه – كما سمعت – ولا بد من شاهدي عدل يسمعان الطلاق ولا بد من القصد وارتفاع الغضب، وللأخبار الدالة على أنه لا يقع إلا فيما يقع فيه الطلاق، على أنا لو سلمنا حسن خبر حفص ولا ينجبر بالشهرة لكان الترجيح له حاصلا لأن صحيحة صفوان التي سمعتها لا يلحقها شئ من هذه المطاعن فتكون هي الأساس والأصل في الاستدلال، على أنا في راحة من هذا كله لعدم ثبوت هذا الاصطلاح الجديد – كما قررناه غير مرة – فعلى الأشهر من وجوب أربع كفارات، ولو حمل العود في بعضهن دون بعض كان الكفارة بعدد من حصل فيها العود، وعلى القول بوجوب وحدة الكفارة كذلك يكون الحكم لوجوب الكفارة بالعود لواحدة حتى لو طلق ثلاثا وجب الكفارة للرابعة واحتمل شهيد المسالك على هذا أن لا تجب الواحدة لتفريعه على اليمين كما لو حلف أن لا يكلم جماعة فلا تلزمه الكفارة بتكليم بعضهم، ويمكن الفرق بينه وبين اليمين أن كفارة اليمين سببها الحنث والحنث لا يحصل إلا بتكلم الجميع بخلاف الظهار، فإن سبب كفارته الامساك مع المخالفة لقوله والمخالفة تحصل بإمساك واحدة منهن بلا كلام كما تحصل بإمساك الجميع، وإنما قيدنا الخلاف بالمظاهرة بلفظ واحد، لأنه لو ظاهرعنهن بأربعة ألفاظ فإن الكفارة تتعدد بتعدد هن بلا خلاف.
الثالث: لو ظاهر من امرأة واحدة مرارا متعددة ففي تعدد الظهار أقوال، المشهور بين الأصحاب التعدد سواء كان فرق الظهارأو تابعه، اتحدت المشبه بها أم تعددت لأصالة عدم التداخل، وللأخبار المستفيضة. منها: صحيحة محمد بن مسلم (1) عن أحدهما عليهما السلام ” قال: سألته عن رجل
(1) الكافي ج 6 ص 156 ح 12، الوسائل ج 15 ص 523 ب 13 ح 1.
[ 17 ]
ظاهر من امرأته خمس مرات أو أكثر، قال: قال علي عليه السلام: مكان كل مرة كفارة “. وصحيحة الحلبي (1) كما في الفقيه والكافي والتهذيب ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل ظاهر من امرأته ثلاث مرات، قال: يكفر ثلاث مرات ” الحديث. وصحيحة جميل (2) عن أبي عبد الله عليه السلام ” في من ظاهر من امرأته خمس عشرة مرة، قال: عليه خمسة عشر كفارة “. وصحيحة محمد بن مسلم (3) الاخرى كما في التهذيب عن أبي جعفر عليه السلام ” قال: سألته عن رجل ظاهر من امرأته خمس مرات أو أكثر، فقال عليه السلام: عليه لكل مرة كفارة “. وخبر محمد بن مسلم (4) كما في الفقيه نحوه. وموثقة أبي بصير (5) بل صحيحته كما في التهذيب عن أبي عبد الله عليه السلام. ومثله خبر أبي الجارود زياد بن المنذر (6) ” قال: سأل أبو الورد أبا جعفر عليه السلام وأنا عنده عن رجل قال لامرأته: أنت علي كظهر أمي مائة مرة، فقال عليه السلام: يطيق لكل مرة عتق نسمة، قال: فيطيق إطعام ستين مسكينا مائة مرة ؟ قال: لا: قال: فيطيق صيام شهرين متتابعين مائة مرة ؟ قال: لا، قال: يفرق بينهما “. وفي المبسوط: إن والى ونوى التأكيد أو أطلق لم يلزمه أكثر من كفارة، وإن
(1) الكافي ج 6 ص 156 ح 14، التهذيب ج 8 ص 18 ح 34، الفقيه ج 3 ص 343 ح 8، الوسائل ج 15 ص 523 ب 13 ح 2. (2) التهذيب ج 8 ص 22 ح 44 وفيه ” عن رجل عن أبى عبد الله “، الوسائل ج 15 ص 523 ب 13 ح 3. (3) التهذيب ج 8 ص 22 ح 45، الوسائل ج 15 ص 524 ب 13 ح 4 وفيهما ” أو أكثر ما عليه ؟ قال: عليه مكان كل مرة كفارة “. (4) الفقيه ج 3 ص 343 ح 9 وفيه ” فقال: قال على عليه السلام: مكان ” كل مرة كفارة. (5) التهذيب ج 8 ص 22 ح 46 مع اختلاف يسير. (6) التهذيب ج 8 ص 22 ح 47، الوسائل ج 15 ص 524 ب 13 ح 5.
[ 18 ]
نوى الاستئناف وفرق تعددت، تخلل التكفير أولا. ونفى الخلاف عن الواحدة إذا نوى التأكيد والتعدد إذا فرق وتخلل التكفير، ونحوه ابن حمزة في الوسيلة والعلامة في التحرير صريحا. وفي الخلاف للشيخ نحوه مفهوما فإنه حكم بالتعدد إذا نوى الاستئناف لكنه لم يفرق فيه بين التوالي والتفريق، ويمكن أن يكون المراد النهاية، فإنه ذكر فيه أنه إذا ظاهر منها مرة بعد اخرى تعددت الكفارة، وعند نية التأكيد لم يظاهر مرة بعد اخرى، وهو ظاهر عبارة القواعد وكثير من عبارت كعبارات النافع والشرايع والجامع لاشعار لفظ التكرار بذلك وذهب ابن الجنيد لقول ثالث مفصل لتعدد المشبه بها كالام والاخت فتعدد الكفارة واتحادها كالام فتتحد الكفارة وإن فرق إلا أن يتخلل التكفير فتعدد محتجا على ذلك لأنهما حرمتان هتكهما فيجب لكل واحد كفارة ومع الاتحاد بأنه واحد والكفارة متعلقه على مطلق الظهار وهي تتناول الواحد والكثير، وبصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (1) عن الصادق عليه السلام ” في رجل ظاهر من امرأته أربع مرات في مجلس واحد، قال، عليه كفارة واحد “. وحمله الشيخ على أن ذ المراد كفارة واحدة في الجنس، واحتمل فيها فاضل الوسائل المظاهرة بلفظ واحد كأن يقول: أنت علي كظهر امي أربعا بخلاف ما لو كرر الصيغة. ثم قال: وأقرب منه الحمل على مالو كرر الصيغة بقصد تأكيد الظهار الأول لاإنشاء ظهارآخر، فإن القصد والارادة شرط في الظهار كما مر. ثم قال: ويحتمل الحمل على الانكار وإنما خص التفصيل بالتأكيد وعدمه في المبسوط بالتوالي لأن التأكيد بالمتفرق غير معهود، وابن أبي عقيل وابن إدريس وابن زهرة أطلقوا تكرير كلمة الظهار، وفي المختلف: نفي البأس عما في المبسوط من الفرق بعد أن رجح التعدد، قصد
(1) التهذيب ج 8 ص 23 ح 48، الوسائل ج 15 ص 524 ب 13 ح 6 وفيه ” في مجلس واحدة “.
[ 19 ]
التأكيد أو لا واستدل للفرق بالأصل والاتحاد مع قصد التأكيد، وعورض الأصل بالاحتياط ومنع الاتحاد، فإن المؤكد غير المؤكد والأقوى ما ذهب إليه المشهور لاطلاق أخباره وصحتها وتعددها، وإمكان حمل خبر ابن الحجاج على التقية. أو تقييده بالمجلس الواحد اقتصار على مورده، لكنه لاقابلية له لهذا التخصيص. ويظهر من القيود المنفية في صدر العبارة المنقولة عن الأكثر امور:
الأول: الرد بقوله ” فرق الظهار أو تابعه ” الرد على من فصل وفرق من فقهائنا، بين ما لو تابع وفرق فحكم بتعدد الكفارة في الثاني دون الأول. وفي صحيحة ابن الحجاج ما يرشد إليه لأنه حكم بالاتحاد عند اتحاد المجلس، وتلك الأخبار الدالة على تعددها مطلقة فيمكن حملها على اختلاف المجلس جمعا بين الأخبار، وهذا قول موجه بالنسبة إلى دلالة الأخبار عند الجمع بينها لو كانت متكافئة، إلا أن تكافؤها كما ترى غير ثابت، ومع ذلك لم نقف على ذلك القائل من أصحابنا. نعم نقله شيخ المبسوط عن بعضهم، ومقتضى طريقته في ذلك الكتاب نقل أقوال العامة في مقابلة أقوالنا سيما إذا لم يصرح بقائله قد يكون هذا القول لنا.
والثاني: إطلاق القول بتعدد الكفارة في كلام اولئك يقتضي عدم الفرق بين ما إذا قصد بالثاني وما بعده التأكيد للأول وما إذا قصد الظهار أو أطلق كما هو الظاهر والمتبادر. وقد سمعت ما قلناه عن المختلف مما أجاب به عن حجة الشيخ باتحاد الظهار مع إرادة التأكيد، حيث قال: ونمنع الوحدة فإن التأكيد غير المؤكد والمطلق موجود في كل فرد وهو يستلزم تعدد المعلول بحسب تعدد العلة. لكنه جزم بعده بعدم وجوبها كما لو قصد التأكيد كما سمعت. وبالجملة: أن كلام العلامة وكلام الشيخ لا يخلو عن اضطراب واختلاف بالنسبة إلى تخلف هذه القيود، لكن الأخبار ليس سوى المطلق منها المنطبق على المذهب المشهور ولا معارض لها سوى ما سمعت من صحيحة ابن الحجاح،
[ 20 ]
فهي إنما تخالفها في صورة واحدة وهي عند اتحاد المجلس وهي ضعيفة عن المقاومة ومحتملة للتقية كما هو قديم قول الشافعية.
الثالث: قولهم ” بما إذا لم يتخلل التكفير ” فيه إشارة إلى أنه لو كفر عن السابق ثم جدد الظهار فلا شبهة في وجوب الكفارة به فيكون موضع الخلاف مخصوصا بذلك، فيظهر بذلك وجه المخالفة بينه وبين من أطلق، والأخبار لا تساعد على هذا التقييد بل شاملة لمن كفر ومن لم يكفر. وأما توجيهه بأن حكم الأول قد يسقط بالتكفير فلا يتوجه الاجتزاء بتلك الكفارة عن الظهار المتأخر عنها مع أنه سبب قام في إيجابها مع العود، والكفارة المتقدمة على سبب الوجوب لا تجزي قطعا، فلا يكون من معرض الخلاف في شئ مدفوع بالدليل المقرر للقول بالوحدة المؤيد بصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، لكنك قد عرفت في هذه التعاليل مما لا يشفي العليل ولايبرد الغليل.
الرابع: قد عرفت مما سبق أن الظهار قابل للتعليق على شرط وللاطلاق وإذا أطلق حرم عليه الوطء حتى يكفر بالنصوص والاجماع وظاهر الكتاب، ولو علقه بشرط جاز الوطء ما لم يحصل الشرط، فلو وطأ قبله لم يكفر، ولو كان الوطء هو الشرط ثبت الظهار بعد فعله ولا تستقر الكفارة حتى يعود، هذا هو المشهور، وقال الشيخ – رحمه الله – في النهاية والصدوق في الفقيه والمقنع والهداية: يجب بنفس الوطء الأول بناء على كون الاستمرار وطئا ثانيا. وليس بجيد، لأنه متحد وإن طال الزمان، مع أنه لا يكون مظاهرا إلا بهذا الوطء، وعلى هذا فإنما يبيح عندهم مسماه وتجب الكفارة على قولهم ولو بالنزع بعد المسمى بل هو من أضعف الضعيف، فإن الوطء أمر واحد عرفا من ابتدائه إلى النزع كما سمعت، والاطلاق منزل عليه، والمشروط عدم عند عدم شرطه. نعم لو نزع كاملا ثم عاد وجبت الكفارة وإن كان في حالة واحدة. وأما الأخبار الدالة عليه
[ 21 ]
فقد تقدم شطر منها. فمنها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (1) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: الظهار ضربان أحد هما فيه الكفارة قبل المواقعة و الآخر بعده، فالذي يكفر قبل المواقعة الذي يقول: أنت علي كظهر امي ولا يقول: إن فعلت بك كذا وكذا، والذي يكفر بعد المواقعة الذي يقول: أنت علي كظهر امي إن قاربتك “. ومثلها صحيحته (2) الاخرى كما في التهذيب. وصحيحته زرارة (3) كما في الكافي ” قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل ظاهر ثم واقع قبل أن يكفر، فقال لي: أو ليس هكذا يفعل الفقيه “. وموثقة عبد الرحمن بن الحجاج (4) عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث ” قال: إن كان منه ظهار في غير يمين فإنما عليه الكفارة بعد ما يواقع “. وصحيحة ابن الحجاج (5) أيضا: قال: الظهار على ضربين في أحد هما الكفارة إذ قال: أنت علي كظهر امي ولا يقول: أنت علي كظهر امي إن قاربتك “. وخبر زرارة (6) ” قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: إني ظاهرت من ام ولدي ثم وقعت عليها ثم كفرت، فقال، هكذا يصنع الفقيه إذا وقع كفر “. وصحيحة حريز (1) عن أبى عبد الله عليه السلام ” قال: الظهار ظهاران أحد هما أن
(1) الكافي ج 6 ص 160 ح 32، وفيه ” هو الذى يقول: وان قربتك “، الوسائل ج 15 ص 529 ب 16 ح 1. (2) التهذيب ج 8 ص 12 ح 15، الوسائل ج 15 ص 529 ب 16 ح 1. (3) الكافي ج 6 ص 159 ح 30، الوسائل ج 15 ص 530 ب 16 ح 5. (4) الكافي ج 6 ص 160 ح 33 وفيه ” وان كان منه الظهار “، الوسائل ج 15 ص 531 ب 16 ح 6. (5) التهذيب ج 8 ص 13 ح 16، الوسائل ج 15 ص 531 ب 16 ح 8 وفيهما ” ان قربتك “. (6) الكافي ج 6 ص 159 ح 29 مع اختلاف يسير، الوسائل ج 15 ص 529 ب 16 ح 2.
[ 22 ]
يقول: أنت علي كظهر امي ثم يسكت فذلك الذي يكفر، فإذا قال: أنت علي كظهر امي إن فعلت كذا وكذا ففعل فعليه الكفارة حين يحنث “. ومرسلة ابن بكير (2) ” قال، قلت لأبي الحسن عليه السلام: إني قلت لامرأتي: أنت علي كظهر امي إن خرجت من باب الحجرة، فخرجت، قال: ليس عليك قويت أم لم تقو “. وصحيحة محمد بن مسلم (3) عن أبي جعفر عليه السلام ” قال: الظهار لا يقع إلا على الحنث فإذا حنث فليس له أن يواقعها حتى يكفر “. فهذه الأخبار وإن اطلق بعضها في نفي الكفارة، لكنه يجب رده وحمله على ما لو علق الظهار على الوقاع كما فعله شيخ التهذبين ويرشد إليه قوله في كثير منها ” أو ليس هذا يفعل الفقيه ” بمعنى أن الفقيه هو الذي يعلق ظهاره على الجماع فلا تجب عليه الكفارة بمجرد جماعه الأول وإنما يجب بالعزم على المعاودة بعد جماعة الأول. وقد دلت صحيحة محمد بن مسلم وغيرها على أن الظهار لا يقع إلا على الحنث، وذلك لا يكون إلا إذا علق على شئ ووقع ذلك الشئ، فهناك ليس له أن يواقع حتى يكفر، وقد كشف عن ذلك كله مجموع تلك الأخبار بعد ضم بعضها إلى بعض، وأما حمل هذه الأخبار على بطلان الظهار بكونه معلقا على شرط فانتفاء الكفارة لانتفاء انعقاده فيرده ما فصلته صحاح عبد الرحمن بن الحجاج وقولهم في الأخبار المطلقة ” أو ليس هكذا يعفل الفقيه “. وبالجملة أنه لامستند لكلام الصدوق والشيخ في إيجاب الكفارة في المعلق
(1) التهذيب ج 8 ص 12 ح 14 مع اختلاف يسير، الوسائل ج 15 ص 530 ب 16 ح 7. (2) الكافي ج 6 ص 154 ح 4، التهذيب ج 8 ص 13 ح 18 وفيهما ” ابن بكير عن رجل من أصحابنا عن رجل قال ” مع زيادة في الحديث، الوسائل ج 15 ص 529 ب 16 ح 3 وفيه ” عن رجل ” مع زيادة. (3) التهذيب ج 8 ص 11 ح 12، الوسائل ج 15 ص 531 ب 16 ح 9 مع زيادة فيهما.
[ 23 ]
على الجماع بمجرد جماعه الأول كما تلوناه عليك سوى إجمال بعضها، وهو مردود إلى المفصل المحكم، وهذا هو الذي تقتضيه القواعد العامة. ثم إنه يتفرع على هذا الحكم امور: منها: ما لو علقه بفعل مثل دخول دار وتكلم زيد فإنه يقع بعد الدخول والتكليم سواء طال زمانه أم قصر ولا يقع قبله اتفاقا كما عرفت من الفتوى والأدلة أما لو علقه بنفي فعله كقوله: إن لم تدخل الدار لم يقع إلا عند اليأس من الدخول كأن مات أحد هما قبله فيحكم بوقوعه قبيل الموت، ومن هذا الباب ما لو قال: إن لم أتزوج عليك فأنت علي كظهر امي، فإنها تصير مظاهرا عند اليإس وذلك بالموت فيتبين أنه قبيل الموت صار مظاهرا ولا كفارة عليه لعدم العود بعده لأن الموت عقيب صيرورته مظاهرا، ولوعلق النفي ب ” إذا ” كقوله: إذا لم تدخلي وقع عند مضي زمن يمكن فيه ذلك الفعل من وقت التعليق فلم يفعل، والفرق بين الأداتين أن حرف الشرط لا إشعار له بالزمان، و (إذا) ظرف زمان كمتى في التناول للأوقات، فإذا قيل: متى ألقاك صح أن يقال: متى شئت أو إذا شئت، فلا يصح: إن شئت، فقوله ” إن لم تدخلي الدار ” معناه إن فاتك دخولها وفواته بالموت، وقوله ” إذا لم تدخلي الدار ” معناه أي وقت فاتك الدخول فيقع الظهار بمضي زمان يمكن فيه الدخول به. ومنها: ما لو علقه بالحمل فقال: إن كنت حاملا فأنت كظهر امي، فإن كان بها حمل ظاهر وقع في الحال، وإلا فإن ولدت لدون ستة أشهر من التعليق بأن وقوعه حين التعليق لوجود الحمل حينئذ وإن ولدت لأكثر من أقصى مدة الحمل أو بينهما أو وطئت بعد التعليق وأمكن حدوثه به بأن كان بين الوطء والوضع ستة أشهر فأكثر لم يقع لتبين انتفاء الحمل في الأول واحتمال حدوثه بعد التعليق في الثاني وإن لم يطأها بعد التعليق بحيث يمكن حدوثه به، ففى وقوعه وجهان من احتمال حدوثه بغير الوطء كاستدخال المني والأصل عدم
[ 24 ]
تقدمه، ومن أن ذلك نادر والظاهر وجوده عند التعليق، وهذا هو ا لأقوى. ومنها: ما لو علقه بالحيض فقال: إن حضت حيضة فأنت علي كظهر امي لم يقع حتى ينقضي حيض تام. ولو قال: إن حضت واقتصر وقع إذا رأت دما محكوما بكونه حيضا، فإن كان معتادة ورأت في عادتها وقع برؤية الدم وإلا فبمضي ثلاثة أيام على المشهور، وعلى القول بتحيضها برؤية الدم كما هو المختار يقع كذلك، ويحتمل توقفه على ثلاثة مطلقا إذ به يتحقق أنه ليس بدم فساد والفرق بينه وبين العبادة والتحريم عليه أن الظهار لا يقع إلا بيقين، وأحكام الحيض مبنيه على الظاهر، ولهذا تقضي العبادة التي تركتها لو نقصت عن الثلاثة ولو في ضمن عشرة، ولو قال لها ذلك وهي حائض لم يقع إلا بحيضة مستأنفة، ومهما قالت حضت فالقول قولها بخلاف ما لو علقها على دخول الدار فقالت دخلتها فإنه يحتاج إلى البينة، والفرق عسر إقامة البينة على الحيض. وغاية اطلاع غيرها مشاهدة الدم وذلك لايعرف إذا لم تعرف عادتها، وقد تقدم في الطلاق ما يدل من النصوص والفتوى أن العدة والحيض للنساء. ومثله ما لو قال: إن أضمرت بغضي فأنت علي كظهر امي، لعسر الاطلاع عليه من غير قولها بخلاف الأفعال الظاهرة. ومنها: مالو تعدد الشرط كقوله: إن دخلت دار زيد أو كلمت عمرا فأنت علي كظهر امي وقع بأي واحد من الشرطين وجد، ثم لا يقع بالآخر شئ لأنه ظهار واحد، وكذا لو قدم الجزاء عليهما، وكذا إن قال: إن دخلت الدار وكلمت زيدا أو قال: أن دخلت هذه الدار وإن دخلت الاخرى فأنت كظهر امي. أما لو قال: إن دخلت هذه الدار فأنت كظهر امي وإن دخلت الاخرى فأنت كظهر امي وقع الظهاران لتعدد الشرط والجزاء، ولو قال: إن دخلت الدار وكلمت زيدا فلا بد من وجود هما معا لوقوعه، ولافرق أن يتقدم الكلام أو يتأخر لأن الواو لمطلق الجمع على أصح القولين، والفروع بهذا المعنى كثيرة مما يطول بها الاملاء،
[ 25 ]
وعند مراجعة القواعد المقررة في الاصول والعربية تستخرج أحكام المعلق من الظهار على التفصيل، وليس هذا التفريع من الاجتهادات المنهي عنها في الأخبار لأنها مأخوذة من الصحاح الناطقة ” إنما علينا أن نلقي إليكم الاصول وعليكم أن تفرعوا عليها ” كما في صحيحة البزنطي (1) وصحيحة زرارة ومحمد بن مسلم (2)، وحيث قد ثبت التعليق في الظهار كان مترتبا على ما علق عليه كائنا ما كان.
الخامس: قد ثبت مما سبق في الدليل والفتوى أن الظهار حيث تستكمل شرائطه يحرم الوطء على المظاهر ما لم يكفر سواء كفر بالعتق أو الصيام أو الاطعام، أما تحريم الوطء قبل العتق والصيام فموضع وفاق بين المسلمين لقوله تعالى ” فتحرير رقبة من قبل) ثم قال ” فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا ” (3) وأما تحريمه قبل الاطعام على تقدير عجزه عن الأولين فعليه الأكثر منا ومن الجمهور لأن الله تعالى جعله بدلا عنهما، وللأخبار النبوية وغيرها من الخاصية والعامية. فمنها: صحيحة زرارة كما في الكافي عن غير واحد عن أبي بصير (4) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: إذا واقع المرة الثانية قبل أن يكفر فعليه كفارة اخرى “. وصحيحة الحلبي (5) كما رواه المحمدون الثلاثة عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال ” فإن واقع – يعني المظاهر – قبل أن يكفر قال: يستغفر الله ويمسك حتى يكفر “. وصحيحة الحلبي (6) الاخرى كما في التهذيب وقد تقدمت ” قال: سألت
(1) بحار الانوار ج 2 ص 245 ح 54 وليس فيها ” عليها “. (2) عوالي اللئالى ج 4 ص 63 ح 17 وفيه: عن زرارة وأبى بصير وليس فيه ” عليها “. (3) سورة المجادلة – آية 3 و 4. (4) الكافي ج 6 ص 157 ح 17، الوسائل ج 15 ص 526 ب 15 ح 1. (5) الكافي ج 6 ص 156 ح 14، الوسائل ج 15 ص 526 ب 15 ح 2. (6) التهذيب ج 8 ص 18 ح 31، الوسائل ج 15 ص 527 ب 15 ح 4 وفيهما ” ان أراد أن يمسها “.
[ 26 ]
أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يظاهر من امرأته ثم يريد أن يتم على طلاقها، قال: ليس عليه كفارة، قلت: فإن أراد أن يمسها ؟ قال: لا يسمها حتى يكفر، قلت: فإن فعل فعليه شئ ؟ قال: إي والله إنه لآثم ظالم، قلت: عليه كفارة غير الاولى ؟ قال: نعم يعتق أيضا رقبة “. وصحيحة حفص بن البختري عن أبي بصير (1) ” قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: متى تجب الكفارة على المظاهر ؟ قال: إذا أراد أن يواقع، قال: قلت: فإن واقع قبل أن يكفر ؟ قال: فقال: عليه كفارة اخرى “. وصحيحة ابن مسكان عن الحسن الصيقل (2) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: قلت له: رجل ظاهر من أمراته فلم يف، قال: عليه كفارة من قبل أن يتماسا، قلت: فإنه أتاها قبل أن يكفر، قال: بئس ما صنع، قلت: عليه شئ ؟ قال: أساء وظلم، قلت: فيلزمه شئ ؟ قال: رقبة أيضا “. وقال ابن الجنيد منا وبعض العامة: أنه إذا انتقل فرضه إلى الاطعام لم يحرم الوطء قبله لأن الله تعالى شرط في العتق والصيام أن يكون قبل العود ولم يشترط ذلك في الاطعام. ويرده ما ذكرناه من ثبوت البدلية في الاطعام عنها وإطلاق هذه الأدلة. وربما احتج لابن الجنيد بخبر زرارة (3) المروي من الصحيح وغيره كما سبق عن قريب حيث قال ” إني ظاهرت من ام ولدى ثم وقعت عليها ثم كفرت قال: هكذا يصنع الرجل الفقيه إذ وقع كفر ” وقال في حسنته (4) ” رجل ظاهر
(1) التهذيب ج 8 ص 20 ح 39، الوسائل ج 15 ص 527 ب 15 ح 6. (2) التهذيب ج 8 ص 18 ح 32 وفيه ” يعتق أيضا رقبة “، الوسائل ج 15 ص 527 ب 15 ح 5 وفيهما ” عليه الكفارة “. (3) الكافي ج 6 ص 159 ح 29 مع تفاوت يسير، الوسائل ج 15 ص 529 ب 16 ح 2. (4) الكافي ج 6 ص 159 ح 30، الوسائل ج 15 ص 530 ب 16 ح 5 وفيهما ” فقال لى: أو ليس “.
[ 27 ]
ثم واقع قبل أن يكفر، فقال: أليس هكذا يفعل الفقيه ” بحملهما على مالو كان فرضه الاطعام لعجزه عن الأولين. واجيب عن ذلك بأنهما منزلان على الظهار المشروط بالمواقعة، ويمكن الحمل على الانكار خصوصا الأول أو المزاح كقوله صلى الله عليه واله (1) لعمار: هكذا يتمرغ الحمار، على أن الاولى لاتدل إلا على التكفير إذا وقع. وأما جواز التأخير وتعدد الكفارة به أو عدمه فلا دلالة على شئ من ذلك، وإن اعتمدنا على الثاني كان التأخير أفضل، وهو لا يقول به. بقي هنا شئ وهو أن الأخبار السابقة قد تضمنت وجوب كفارة اخرى لو جامع قبل التكفير كما هو مجمع عليه إذا كانت الكفارة صوما أو عتقا وقد جاءت بإزائها أخبار بأنه ليس عليه إلا كفارة واحدة. فلا بد من الجمع بينها بوجه يدفع التنافي عنها مثل رواية زرارة (2) عن أبي عبد الله عليه السلام ” إن الرجل إذا ظاهر من امرأته ثم غشيها قبل أن يكفر فإنما عليه كفارة واحدة ويكف عنها حتى يكفر “. وخبر السكوني (3) عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال أمير المؤمنين عليه السلام: أتى رجل من الأنصار من بني النجار إلى رسول الله صلى الله عليه واله فقال: إني ظاهرت من امرأتي فواقعتها قبل أن اكفر، قال، وما حملك على ذلك ؟ قال: رأيت بريق خلخالها وبياض ساقها في القمر فواقعتها، فقال له النبي صلى الله عليه واله: لاتقربها حتى تكفر، وأمره بكفارة واحدة “. وخبر علي بن جعفر (4) كما في التهذيب وصحيحه كما في كتاب المسائل
(1) الفقيه ج 1 ص 57 ح 2، الوسائل ج 2 ص 977 ب 11 ح 8 و فيهما ” كذلك يتمرغ الحمار “. (2) التهذيب ج 8 ص 20 ح 37، الوسائل ج 15 ص 528 ب 15 ح 9. (3) الكافي ج 6 ص 159 ح 27 مع اختلاف يسير، الوسائل ج 15 ص 527 ب 15 ح 7. (4) التهذيب ج 8 ص 19 ح 35، الوسائل ج 15 ص 527 ب 15 ح 7 وفيهما ” وأمره بكفارة الظهار “.
[ 28 ]
عن أبيه عن آبائه عن علي عليه السلام في حديث ثم ذكر مثل خبر السكوني إلا أنه قال ” فأمره بكفارة الظهار وأن يستغفر الله تعالى “. وقد حملها الشيخ على أنه أمر بكفارتين وإنما أفردها للنوع أو الجنس، واحتمل فيها أن الوحدة لمكان الجهل لمعذورية الجاهل، واستدل على ذلك بصحيحة محمد بن مسلم (1) عن أبي جعفر عليه السلام ” قال: الظهار لا يقع إلا على الحنث، فإذا حنث فليس لهأن يواقعها حتى يكفر، فإن جهل وفعل فإنما عليه كفارة واحدة “. ويمكن حمل أخبار الوحدة على التقية لأنه مذهب الشافعية في أحد قوليهما كما نقله شيخ الخلاف، ويشهد بذلك رواية السكوني (2) له لأنه عامي، وكذلك إسناد الرواية إلى علي عليه السلام.
السادس: لو وطإها خلال الصوم الذي للكفارة استأنف في المشهور سواء كان بعد أن صام شهرا ومن الثاني صام يوما أم لا، لأنه صادق عليه أنه وطأها قبل أن يكفر فلا يحصل الامتثال بالا كمال على هذا الوجه، لأن المأمور به هو صيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا، ولافرق بين كون الجماع مفسدا للصوم كما لو وقع نهارا أم لا، كما إذا وقع ليلا. وذهب ابن إدريس إلى عدم البطلان بالوطء ليلا مطلقا لأن التتابع عبارة عن إيقاع صوم اللاحق بعد السابق من غير فارق، وهو متحقق إن وطأ ليلا، ولا يستأنف الكفارة لأنه لم يبطل من الصوم شئ وعليه إتمامه وكفارة اخرى للوطء. وقد قر به ثاني الشهيدين في المسالك، إذ غاية ما استدلوا به أن يكون قد أثم بالوطء خلال الصوم كما يأثم به لو فعله قبل الشروع في الكفارة وإيجابه كفارة اخرى، أما وجوب استئناف هذه فلا. وقولهم ” إن المأمور به صيام شهرين متتابعين قبل المسيس ” لا ينفعهم
(1) التهذيب ج 8 ص 11 ح 12، الوسائل ص 531 ب 16 ح 9. (2) الكافي ج 6 ص 159 ح 27، الوسائل ج 15 ص 527 ب 15 ح 7.
[ 29 ]
لأن الاستئناف لا يوجب كون الشهرين واقعين بعد التماس وإذا لم يوجبه كان بعض الشهرين قبل التماس، وهذا أقرب مما هو مأمور به من الأولين. ولئن سلمنا لكن بمخالفته يحصل الاثم وا لكفارة كما لو واقع قبل الشروع فإنه إذا صام بعده فقد صدق عليه أنه لم يأت بالمأمور به قبل أن يتماسا ومع ذلك يقع مجزيا، فالأقوى إذا مختار ابن إدريس، ووافقه عليه العلامة في القواعد والشهيد في الدروس ويحيى بن سعيد في الجامع. وبالجملة: فإنه لادليل على الاستئناف، وعلى الأول كما هو المشهور هل يكفي الاستئناف عن كفارة الوطء قبل كمال التكفير على القول بلزوم كفارتين إن وطأ قبل التكفير ؟ إشكال، من التردد في كون الوطء قبل التكفير لاحتمال أن يراد قبل الشروع فيه وقبل الاتمام. وعلى الثاني فالأقرب أن الوطء إن وقع ليلا وجب الاتمام لاغير دون الاستئناف مطلقا قبل إتباع الشهر الأول بيوم وبعده، وفاقا لاولئك الجماعة المذكورين لما عرفت من قوة دليلهم، ووجب التكفير ثانيا وفاقا للجامع لابن سعيد لصدق الوطء قبل التكفير إذ لاتكفير بعد تمام الصيام. وكذا إن واقع نهارا بعد أن صام من الثاني شيئا في الأصح، وإن واقع نهارا وكان قبله استأنف لفقد التتابع وكفر ثانيا بعد الاستئناف، فإن تقدم الوطء على التكفير هاهنا أظهر.
السابع: هل يحرم عليه ما دون الوطء كالملامسة والقبلة وغير ذلك من الاستمتاعات غير الجماع كما يحرم الجماع ؟ فيه خلاف، فقال بعضهم بالأول، وجماعة على الثاني، وظاهر الآية وأكثر الأخبار الواردة قصره على المسيس لأنه حقيقة فيه، واحتج الآخرون بأن المسيس يطلق على ما هو أعم من الجماع ولاطلاق الأخبار الدالة على تحريم المظاهر منها عليه الشامل لبقية الاستمتاعات وإن كانت الكفارة مترتبة على إرادة الجماع. وممن ذهب إلى التحريم الشيخ وجماعة، وإلى الجواز ابن إدريس لادعائه الاتفاق على إرادة الجماع بالمسيس هاهنا لاتحريمها عليه للأصل من غير معارض فإن تشبهت بغيرها حتى وطأها أو استدخلت
[ 30 ]
ذكره وهو نائم لم تفعل حراما. ومبنى هذا الخلاف على المراد من المسيس في الآية والرواية لأن المسيس لغة شامل لسائر الاستمتاعات حقيقة لأنه تلاقي الأبدان، والأصل بقاؤه على ما كان لأن الأصل عدم النقل والاشتراك، ومن قال باختصاصه بالجماع فقد تمسك بأن المسيس يطلق على الوطء في قوله تعالى ” من قبل أن تمسوهن ” والأصل في الاطلاق الحقيقة واجب باستلزامه النقل أو الاشتراك، إذ لا خلاف في عموم معناه لغة، فجاز استعماله في بعض أفراده مجازا، والمجاز خير منهما كما تقرر في محله، وكثيرا ما يعدل في القرآن عما يستهجن التصريح به إلى المجاز لذلك ولأن مقتضى تشبيهها بالام كون تحريمها على حد تحريمها إلى أن يكفر وهو متناول لغير الوطء من ضروبه، ويشكل بأن ذلك يقتضي تحريم النظر بشهوة والآية لاتدل عليه. وظاهر بعض الأصحاب أنه غير محرم لعدم الدليل عليه، وأن الكلام فيما يدخل في مفهوم التماس لغة من ضروب الاستمتاع، وبأنها لم تخرج عن ملكه الاستمتاع بالظهار فاشبه الصوم والحيض، فاستصحاب الحمل فيما عدا موضع الوفاق هو الوجه. واعلم أن تحريم المرأة شرعا تارة تختص بالوطء كحالة الحيض والصوم وتارة يعم كحالة الاحرام والاعتكاف وتارة يقع فيه الاختلاف كحالة الاستبراء والظهار واستمتاع المالك بالجارية المرهونة، ومن قسم العموم الاستمتاع بالمعتدة والمرتدة والأمة المزوجة بغير المالك بالنسبة إليه والمعتدة عن وطء الشبهة، ويلحق في الصوم النظر واللمس لمن يخشى الانزال بالوطء في التحريم.
الثامن: إذا عجز المظاهر عن الكفارة بخصالها الثلاث فهل لها بدل يتوقف عليه حل الوطء ؟ قيل: نعم، وهو المشهور، وقيل: لابدل لها في الظهار، وهو أحد أقوال الشيخ الثلاثة، وهو مذهب المفيد وابن الجنيد، فعند تعذر الخصال الثلاث لابدل لها أصلا بل يحرم عليه وطؤها إلى أن يؤدي الواجب منها، وسيجئ دليل
[ 31 ]
هذا القول. ثم إن القائلين بالبدل اختلفوا في المراد منه. فشيخ النهاية أن للاطعام بدلا وهو صيام ثمانية عشر يوما، فإن عجز عنها حرم عليه وطؤها إلى أن يكفر. وقال ابنا بابويه: إنه مع العجز عن إطعام الستين يتصدق بما يطيق ثم يجامع. وقال ابن حمزة: إذا عجز عن صوم شهرين متتابعين صام ثمانية عشر يوما، فإن عجز تصدق عن كل يوم بمدين من طعام. وقال ابن إدريس: إذا عجز عن الخصال الثلاث فبدلها الاستغفار ويكفي في حال الوطء، ولا يجب عليه قضاء الكفارة بعد ذلك وإن تجددت قدرته عليها. وللشيخ قول آخر بذلك لكن تجب الكفارة إن قدر. وقد احتج في المختلف للاجتزاء بالاستغفار بعد العجز عن الخصال الثلاث لأصالة براءة الذمة و إباحة الوطء، وإيجاب الكفارة مع العجز تكليف ما لا يطاق، والأصل عدم وجوب الطلاق، وبمعتبرة إسحاق بن عمار (1) المعدودة عندهم في الموثق وعندنا في الصحيح عن الصادق عليه السلام ” قال: الظهار إذا عجز صاحبه عن الكفارة فليستغفر ربه وينوي أن لا يعود قبل أن يواقع، وقد أجزأ ذلك عنه من الكفارة، فإذا وجد السبيل إلى ما يكفر به يوما من الأيام فليكفر، وإن تصدق بكفه وأطعم نفسه وعياله فإنه يجزيه إذا كان محتاجا، وإن لا يجد ذلك فليستغفر ربه وينوي أن لا يعود، فحسبه ذلك والله كفارة ” وبخبر داود بن فرقد (2) عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال ” إن الاستغفار توبة وكفارة لكل من لم يجد السبيل إلى شئ من الكفارة “. وأورد على هذا الاستدلال بأن أصالة البراءة وإباحة الوطء انقطعا بالظهار، فإنه
(1) الكافي ج 7 ص 461 ح 6، الوسائل ج 15 ص 555 ب 6 ح 4 وفيهما ” وان تصدق وأطعم “. (2) التهذيب ج 8 ص 320 ح 4 وفيه ” فان الاستفغار “، الوسائل ج 15 ص 555 ب 6 ح 3.
[ 32 ]
حرم الوطء بإجماع المسلمين وأوجب الكفارة مع العود، فإسقاطهما بعد ذلك يحتاج إلى الدليل القاطع. ثم قال ثاني الشهيدين في المسالك بعد الرد بذلك: ومن العجب من هذا الفاضل مثل هذا الاستدلال، أما الرواية فدلالتها لا يخلوا من اضطراب لتضمن صدرها وجوب الكفارة إذا قدر عليه بعد الاستغفار وآخرها عدمه، مع أن العمل بمضمونها موقوف على قبول الموثق خصوصا مع معارضته القرآن وما هو أقوى دلالة، والعلامة – رحمه الله – كالشيخ لا ينضبط مذهبه في العمل بالرواية مع أنه في اصول الفقة اشترط في الراوي الايمان والعدالة، وفي فروع الفقة له آراء متعددة منهاقبول الموثق – كما هنا – بل ما هو أدنى مرتبة منه. وفيه نظر من وجوه: أما أولا: فلأن قطعية تحريم الوطء بإجماع المسلمين وكذا إيجاب الكفارة مع العود لا ينفيان الاجتزاء بما دل الدليل الخاص على بدليته عن الكفارة عند العجز عنها – أعنى الاستغفار – على وجه يكون مراعى إجزاءه بعدم القدرة ثم يجب القضاء بعد ذلك، ولا يضر هذا في اعتبار البدلية لأن هذا بدل مسوغ للمواقعة المضطر إليها، وفيه جمع بين الحقين لأنه لم يستحل ذلك المحرم بغير كفارة أصلا بل الاستغفار كفارة لكل ذنب، كما دلت عليه تلك الروايات المعتبرة وخبر داود بن فرقد وخبر أبي بصير الآتي الدال بعمومه في كل حق وإن أخرج الظهار منها مبالغة في عقوبة الظهار لئلا يتهاون الناس به، فلا معنى إذا لبقاء قطعية تحريم الوطء ووجوب الكفارة. وأما ثانيا: فلأن ما طعن به العلامة من علمه بالموثق خصوصا مع معارضته القرآن وما هو أقوى دلالة فهو طعن بما وقع منه – قدس سره – غير مرة، فقد عمل بالموثق في مسائل عديدة في غير بيان ما يجبره، وأين المعارضة بين القرآن وبين هذا الموثق ؟ لأن القرآن إنما أوجب عليه الكفارة عند إرادة المسيس عند
[ 33 ]
القدرة على ذلك وإلا لكان تكليفا بما لا يطاق، وهكذا في كل مقام تجب فيه الكفارة ولو كانت كفارة قتل النفس، على أن الحق أن إسحاق بن عمار مما تبتت وثاقته في كلام النجاشي من غير تعرض لفطحيته، وإنما ثبتت الفطحية له في كلام الشيخ، وليس في إسحاق بن عمار الثابت وثاقته، بل لابن عمار بن موسى الساباطي، وذلك ابن حيان الصيرفي، و لكن توهم جماعة الاتحاد فجمعوا بين التوثيق والفطحية في روايات إسحاق بن عمار بقول مطلق، مع أنا لم نقف على رواية لابن عمار الساباطي، فالحق عد حديثه في الصحيح. وأما ما قرره في اصول الفقة من اشتراطه في الراوي الايمان والعدالة فذلك مما لا يلتزمه في كل رواية هذا المعترض لأنه يلزمه قصر عمله على الصحيح وحده، مع أن ظاهر هم الاطباق على العمل بالموثقات والحسان بل الأخبار الضعاف إذا كانت معضودة بالقرائن. وأما ثالثا: فلأنه لااضطراب في الحقيقة في هذه الروايات فإن صدرها إنما دل على وجوب الصدقة في الجملة إذا قدر عليها بعد الاستغفار، وأما عجزها فلا يدل على كفاية الاستغفار مطلقا بل مقيد إطلاقه بما في صدرها حيث قال ” وإن لا يجد ذلك فليستغفر ربه وينوي أن لا يعود وحسبه بذلك و الله كفارة ” وهو كما ترى لا يبقى وجوب ذلك القدر من الصدقة بكفه بحيث يجزيه الاستغفار عنه وإن قدر عليه مع إمكان حمل ذلك القدر على الاستحباب. واحتج الشيخان ومن تبعهما على إيجاب ثمانية عشر يوما بدلا مع العجز عن الخصال بخبر أبي بصير (1) عن الصادق عليه السلام كما في التهذيب والكافي ” قال: سألته عن رجل ظاهر من امرأته فلم يجد ما يعتق ولا ما يتصدق ولا يقوى على الصيام، قال: يصوم ثمانية عشر يوما لكل عشرة مساكين ثلاثة أيام “. وبما رواه في الهداية
(1) لم نعثر عليه في الكافي، التهذيب ج 8 ص 23 ح 49، الوسائل ج 15 ص 558 ب 8 ح 1.
[ 34 ]
للصدوق (1) مرسلا ” قال: قد روي أنه يصوم ثمانية عشر يوما ” وقدح على الاستدلال بهذه الرواية بضعف سندها بوهب بن حفص وباشتراك أبي بصير. وفيه أن هذا غير قادح لأنه معضود بعمل هؤلاء الأجلاء وبما ورد في كفارة غير الظهار، كما تقدم في كفارة شهر رمضان وغيره من الكفارات من بدلية الثمانية عشر عن صيام الشهرين المتتابعين. وقد رواه الصدوق في الهداية مرسلا في خصوص الظهار ويمكن حمله على الاستحباب أيضا لمعارضتة لما دل على جواز الاكتفاء بالاستغفار. وأما أدلة بقية الأقوال فيمكن أن يستدل للصدوق بأنه يتصدق بما يطيق مع العجز عن إطعام الستين بقوله عليه السلام في خبر أبي بصير (2) ” إذا وجد السبيل إلى ما يكفر به يوما من الأيام فليكفر، وإن تصدق بكفه فأطعم نفسه وعياله فإنه يجزيه إذا كان محتاجا “. وبما رواه في كتاب الهداية (3) والفقيه (4) مرسلا حيث قال ” إن لم يجد ما يطعم ستين مسكينا صام ثمانية عشر يوما “. وروي (5) ” أنه يتصدق بما يطيق ” وكأنه يختار في الفقيه الجمع في الأخبار بين صوم الثمانية عشر يوما أو يتصدق بما يطيق فيكون مخيرا بينهما، إلا أنه في الفقيه عين الثمانية عشر ابتداء، وأسند التصدق بما يطيق إلى الرواية وعكس في الهداية. وفي النهاية للشيخ اقتصر على صيام ثمانية عشر يوما. وفي الشرايع والقواعد للمحقق والعلامة يصوم ثمانية عشر يوما فإن عجز تصدق عن كل يوم بمد. وكأنهما جمعا بالترتيب بين الأخبار، ولا بأس به وإن كان الأول أقوى. وأما تفصيل ابن حمزة بأنه أذا عجز عن صوم الشهرين المتتابعين كان بدله صوم ثمانية عشر يوما، فإن عجز تصدق
(1) الجوامع الفقهية ص 60. (2) الكافي ج 7 ص 461 ح 6، الوسائل ج 15 ص 555 ب 6 ح 4 وفيهما ” وان تصدق وأطعم ” ولعل سهو قد وقع في اسم الراوى فالصحيح اسحاق بن عمار. (3) الجوامع الفقهية ص 60. (4) و (5) الفقيه ج 3 ص 341.
[ 35 ]
عن كل يوم بمدين من طعام فلا أعرف له مستندا ولامأخذا من الجمع بين الأخبار لأن الجميع خالية عن هذا المقدار. وأما القول الأخير أعني قول المفيد وابن الجنيد والشيخ في قوله الثالث بأن هذه الخصال الثلاث لابدل لها أصلا بل يحرم عليه وطؤها إلا أن يؤدي الواجب أخذا بظاهر القرآن وبرواية أبي بصير (1) عن الصادق عليه السلام ” قال: كل من عجز عن الكفارة التي تجب عليه من صوم أو عتق أو صدقة في يمين أو نذر أو قتل أو غير ذلك مما يجب على صاحبه فيه الكفارة فالاستغفار له كفارة ما خلا يمين الظهار فإنه إذا لم يجد ما يكفر به حرم عليه أن يجامعها وفرق بينهما إلى أن ترضى المرأة أن يكون معها ولا يجامعها ” وهذه الرواية من الصحيح كما في التهذيب وإن أرسلها في الكافي إلا أنها من مراسيل ابن أبي عمير وهي بمنزلة الصحاح عندهم، والعجب من فقهائنا المتأخرين كيف لم ينظموها في سلك الصحيح ! ! وكأنهم لم يراعوا طريقها من التهذيب. وخبر محمد بن سنان عن أبي الجارود بن المنذر (2) ” قال: سأل أبو الورد أبا جعفر عليه السلام عن رجل قال لامرأته: أنت علي كظهر امي مائة مرة، فقال أبو جعفر عليه السلام: يطيق لكل مرة عتق رقبة ؟ فقال: لا، فقال: يطيق إطعام ستين مسكينا مائة مرة ؟ قال: لا، قال: فيطيق صيام شهرين متتابعين مائة مرة ؟ قال: لا، قال: يفرق بينهما “. وهذا القول أقوى الأقوال لو لا مخالفة المشهور وأخبار الاستغفار، وحمله على الاستحباب لا بأس به كما احتمله فاضل الوسائل. واعلم أن المراد بالاستغفار في هذا الباب ونظائره كما هو مؤدى الأخبار هو أن يقول: أستغفر الله مقترنا بالتوبة التي هي الندم على فعل الذنب والعزم
(1) الكافي ج 7 ص 461 ح 5، التهذيب ج 8 ص 16 ح 25، الوسائل ج 15 ص 554 ب 6 ح 1 وما في المصادر اختلاف يسير. (2) التهذيب ج 8 ص 22 ح 47، الوسائل ج 15 ص 554 ب 6 ح 2 وفيهما اختلاف يسير.
[ 36 ]
على ترك المعاودة على الذنب أبدا، ولا يكفى اللفظ المجرد عن ذلك وإنما جعله الشارع كاشفا عما في القلب، كما جعل الاسلام في اللفظ كاشفا عما في القلب لكن اللفظ كاف في البدلية ظاهرا، وأما فيما بينه وبين الله تعالى فإن لم يقترن بالتوبة التي هي من الامور الباطنية لم يترتب عليه أثر فيما بينه وبين الله تعالى بل كان الوطء معه كالوطء قبل التكفير فيجب عليه كفارة اخرى في نفس الأمر وإن لم نحكم عليه ظاهرا.
التاسع: قد ثبت مما سبق من وجوب التكفير قبل المجامعة وجوب تكرر الكفارة بتكرر الوطء في المشهور، بل كاد أن يكون إجماعيا. ويدل عليه صدق الوطء قبل التكفير على كل منهما، وكل وطء قبل التكفير سبب للكفارة، والأصل عدم التداخل. وصحيحة أبي بصير (1) المستفيضة عن أبي عبد الله عليه السلام ” قال: إذا واقع المرة الثانية قبل أن يكفر فعليه كفارة اخرى ليس في هذا اختلاف “. وصحيحة الحلبي (2) التي مر ذكرها ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام – وساق الحديث إلى أن قال: – قلت: إن أراد أن يمسها ؟ – يعني المظاهر – قال: لا يمسها حتى يكفر، قلت: فإن فعل فعليه شئ ؟ قال: أي والله إنه لآثم ظالم قلت: عليه كفارة دون الاولى ؟ قال: نعم يعتق أيضا رقبة “. وحسنة أبي بصير (3) ” قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: متى تجب الكفارة على المظاهر ؟ قال: إذا أراد أن يواقع، قال: قلت: فإن أراد أن يواقع قبل أن يكفر ؟ قال: فقال: عليه كفارة اخرى “. ومثلهما أيضا صحيحة ابن مسكان عن الحسن الصيقل (4) عن أبي عبد الله عليه السلام
(1) التهذيب ج 8 ص 18 ح 33، الوسائل ج 15 ص 526 ب 15 ح 1. (2) التهذيب ج 8 ص 18 ح 31، الوسائل ج 15 ص 527 ب 15 ح 4 وعبارة ” يعنى المظاهر ” زيادة من المؤلف – قدس سره -. (3) التهذيب ج 8 ص 20 ح 39، الوسائل ج 15 ص 527 ب 15 ح 6 وفيهما اختلاف يسير. (4) التهذيب ج 8 ص 18 ح 32، الوسائل ج 15 ص 527 ب 15 ح 5 وفيهما اختلاف يسير.
[ 37 ]
” قال: قلت له: رجل ظاهر من أمراته فلم يف، قال: عليه كفارة من قبل أن يتماسا قلت: فإن أتاها قبل أن يكفر ؟ قال: بئس ما صنع، قلت: عليه شئ ؟ قال: أساء وظلم، قلت: فليزمه شئ ؟ قال: رقبة أيضا “. وظواهر هذه الأخبار كما ترى التعميم ومن هنا اخذ بها المشهور، وخالف ابن حمزة ففصل بين ما لو كفر عن الوطء الأول وبين عدمه، فعلى الأول يتكرر وعلى الثاني فلا، محتجا بأن الأخبار الموجبة لكفارة اخرى للوطء تشمل الوطء الواحد والمتعدد والأصل البراءة من التكرير، فإذا وطأ مرات التكفير لم يكن عليه سوى كفارة. وأما إذا كفر عن الأول، فإذا وطأ ثانيا صدق عليه أنه وطأ قبل التكفير فلزمته كفارة اخرى، وفيه نظر لأن الأخبار المذكورة قد علقت التكفير عن تكفير الظهار على المواقعة قبل التكفير أعم من أن يكون متحدا أو مكررا، والأخبار وإن لم تكن نصا في ذلك لكنها ظاهرة فيه. فما ادعاه الفاضل المحقق السيد محمد باقر المشهور بالهندي في كشف اللثام من قوة قول ابن حمزة لعدم التنصيص في خبر أبي بصير في إيجاب التكرار مطلقا من أعجب العجيب منه لأن الأحكام الشرعية أكثرها مأخذها الظواهر، فكيف يجوز العدول عنها والخلود إلى مجرد التعليل، فقول المشهور هو المعتمد.
العاشر: لو صبرت المظاهرة على ظهار زوجها ولم تعارضه فلا اعتراض عليها في ذلك ولا على الزوج، وإن رفعت أمرها إلى الحاكم خيره بين العود والتكفير وبين الطلاق، فإن أبى عنهما أنظره ثلاثة أشهر من حين المرافعة لينظر في أمره، فإذا انقضت المدة ولم يختر أحدهما حبسه وضيق عليه في المطعم والمشرب بأن يمنعه مما زاد على ما يسد الرمق ويشق معه الصبر إلى أن يختار أحد الأمرين، ولا يجبره على أحد هما عينا بل يخيره بينهما – كما مر – لا من حيث الطلاق الاجباري لا يصح، لأن الاجبار يتحقق على التقديرين، فإنه أحد الأمرين المحمول عليهما بجبر فهو محمول عليه في الجملة، بل لأن الشارع لم يجبره إلا كذلك،
[ 38 ]
ولو أمر بإجباره على الطلاق بخصوصه لجاز كما جاء في الأخبار والفتوى في مواضع عديدة، ولم يناف صحة الفعل وظاهر الأصحاب – رضوان الله عليهم – الاتفاق على هذا الحكم. ويدل عليهبعد الاتفاق خبر أبي بصير (1) المتقدم المشتمل على وهيب بن حفص ” قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل ظاهر من أمراته، قال: إن أتاها فعليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين – وساق الحديث إلى أن قال: – وإلا ترك ثلاثة أشهر، فإن فاء وإلا أوقف حتى يسأل: ألك حاجة في امرأتك أو تطلقها ؟ فإن فاء فليس عليه شئ وهي امرأته، وإن طلق واحدة فهو أملك برجعتها “. وهذا الخبر كما ترى مع ضعف أسناده واشتمال متنه على التخيير في الكفارة بين الخصال الثلاث لا يفي ببقية الأحكام، لكن الأصحاب استدلوا به على ذلك وهو استدلال في غير محله، وكأنهم قاسوه على الايلاء، حيث إنه سيأتي فيه هذا الالزام بهذه الأحكام والتضييق عليه لو امتنع لكنهما متخالفان في المدة لأن مدة الايلاء مقدرة بالأشهر وهذا بالثلاثة، ومن هنا استشكل جماعة من متأخري المتأخرين التقدير بها لنقصانها عن مدة الجماع الواجب للزوجة، فيكون الحكم بإطلاقه مشكل لشموله لما إذا رافعته عقيب الظهار بغير فصل بحيث لا يفوت الواجب لها من الوطء بعد مضي المدة المضروبة، فإن الواجب وطؤها في كل أربعة أشهر، وأما غيره من الحقوق فلا يفوت بالظهار، أذ لا يحرم غير الوطء كما تقدم. وتدل عليه صحيحة بريد العجلي (2) المروية في الفقيه وخبر يزيد الكناسي (2) كما في الكافي والتهذيب حيث قال فيهما ” قلت له: فإن ظاهر منها
(1) التهذيب ج 8 ص 24 ح 55، الوسائل ج 15 ص 533 ب 18 ح 1. (2) الفقيه ج 3 ص 342 ح 6، الوسائل ج 15 ص 532 ب 17 ح 1 وفيهما اختلاف يسير. (3) الكافي ج 6 ص 161 ح 34، التهذيب ج 8 ص 16 ح 26، الوسائل ج 15 ص 532 ب 17 ح 1 وما في المصادر اختلاف يسير.
[ 39 ]
ثم تركها لا يسمها إلا أنه يراها متجردة من غير أن يمسها، هل عليه شئ في ذلك ؟ قال: هي امرأته وليس يحرم عليه مجامعتها، ولكن يجب عليه ما يجب على المظاهر قبل أن يجامع وهي امرأته، قلت: فإن رفعته إلى السلطان وقالت: هذا زوجي وقد ظاهر مني وقد أمسك مني مخافة ما يجب عليه ما يجب على المظاهر ؟ فقال: ليس عليه أن يجبر على العتق والصيام والاطعام إذا لم يكن له ما يعتق ولم يقو على الصيام ولم يجد ما يتصدق به، فإن كان يقدر على أن يعتق فإن على الامام أن يجبره على العتق أو الصدقة من قبل أن يماسها “. ويستفاد من عجز هاتين الروايتين وصدرهما أنه لاجبر مع العجز عن الكفارة ومع القدرة يجبر عليها، ولكن يجمع بينه وبين خبر أبي بصير المتقدم بأن الخبر على الكفارة عند القدرة جبر على جهة التخيير لاعلى جهة التعيين، كما قررناه فيما سبق من فتوى الأصحاب ومن الأخبار.
الحادي عشر: لا يقع ظهار على طلاق ولاطلاق على ظهار، بمعنى أنه لا يقع أحد هما مع إرادة الآخر فيكون وقوع كل واحد بصيغته المعدة له مع إرادته فيقع على الآخر كما تفتي به العامة، لأنهم جعلوا الظهار طلاقا وبالعكس عند قصد أحد هما من الآخر. ويدل على هذا الحكم ما رواه الصدوق في الفقيه (1) مرسلا عن الصادق عليه السلام ” قال: لا يقع ظهار على طلاق ولاطلاق على ظهار ” فيكون ” على ” بمعنى ” مع ” كما في قوله تعالى ” ويطعمون الطعام على حبه ” (2) ” وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم ” (3). ويمكن أن يراد من صدر الخبر أن الظهار لا يقع إلا على غير المطلقة،
(1) الفقيه ج 3 ص 345 ح 19، الوسائل ج 15 ص 534 ب 20 ح 1. (2) سوره الدهر – آية 8. (3) سورة الرعد – آية 6.
[ 40 ]
فعند نقدم الطلاق لا يقع به الظهار. وأما عجزه فيمكن أن يكون صدر تقية حيث إن الظهار عندهم طلاق فلا يقع طلاق على طلاق بغير رجعة. وبالجملة: فقه هذا الحديث من المتشابهات وما ذكرناه في معناه وإن كان مقربا له إلى الفقه الصحيح من وجه لكنه مبعدله من وجه آخر، إلا أنه محتمل التقية.
الثاني عشر: قد جاء في خبر السكوني (1) المروي في الفقيه ” قال: قال علي عليه السلام في رجل آلى في امرأته وظاهر منها في مرة واحدة، قال: عليه كفارة واحدة “. ورواه في الجعفريات (2) بأسنادها المشهور عن علي عليه السلام مثله، وحكمه لا يخلو عن إبهام وإشكال، ولهذا كثر فيه الاحتمال، فاحتمل فيه محدث الوسائل في تعليقاته عليها أن المراد من اجتماع الايلاء والظهار أن يقول: والله أنت علي كظهر امي لا اجامعك، واحتمل العموم في جميع الصور، سواء تقدم الايلاء أو تأخر، إلا أن في قوله عليه السلام ” في كلمة واحدة ” إيماء لباقي الصور إن حملت الكلمة على ظاهرها، ويحتمل حمل الكلمة على الكلام التام مثل قوله تعالى ” كلا إنها كلمة هو قائلها ” (3) وكذا في قوله عليه السلام ” كفارة واحدة ” أشد إجمالا لأنه محتمل لتداخل الكفارتين لأن العتق منطبق عليهما، أو أنه إشارة إلى انعقاد الأول منهما، فإن قدم الظهار فكفارته، كفارته وإن قدم الايلاء كانت الكفارة كفارته، ويحتمل التداخل بأن تكون الكفارة عنهما سواء جعلها كفارة ظهار أو كفارة إيلاء. ولكن هذه الفروع والاحتمالات المذكورة لم يتعرض لها أحد من فقهائنا بنفى ولا إثبات ولاحكم اجتماعهما وما الذي يصح منه وما لا يصح، لكن ظاهر
(1) الفقيه ج 3 ص 344 ح 14، الوسائل ج 15 ص 534 ب 19 ح 1 وفيهما اختلاف يسير. (2) قرب الاسناد ص 115 وفيه ” وظاهر في ساعة واحدة ” (3) سورة المؤمنون – آية 100.
[ 41 ]
فقيه الفقيه العمل بهذه الرواية لايراده لهاساكتا عليها، والأقرب حملها على التقية، وتؤيده رواية السكوني (1) لها عن على عليه السلام.
الثالث عشر: لو صدرت المظاهرة من الزوجة للزوج وقع لاغيا لأنها وظيفة الرجل كالطلاق والايلاء، وهذا مجمع عليه. وتدل عليه بالخصوص روايتا السكوني (2) عن أمير المؤمنين عليه السلام كما هما في الفقيه والكافي ” قال: إذا قالت المرأة: زوجي علي كظهر امي فلا كفارة عليهما “. و أما بيان أحكام كفارة الظهار فسيأتي في كتاب الكفارات إن شاء الله تعالى.
(1) الفقيه ج 3 ص 344 ح 14، الوسائل ج 15 ص 534 ب 19 ح 1. (2) الكافي ج 6 ص 159 ح 27 وفيه ” زوجي على حرام “، الفقيه ج 3 ص 346 ح 22 وفيهما ” فلا كفارة عليها “، الوسائل ج 15 ص 534 ب 21 ح 1.